الكتاب: المنتخب في تفسير القرآن الكريم المؤلف: لجنة من علماء الأزهر الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر، طبع مؤسسة الأهرام الطبعة: الثامنة عشر، 1416 هـ - 1995 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- المنتخب في تفسير القرآن الكريم مجموعة من المؤلفين الكتاب: المنتخب في تفسير القرآن الكريم المؤلف: لجنة من علماء الأزهر الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر، طبع مؤسسة الأهرام الطبعة: الثامنة عشر، 1416 هـ - 1995 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ـ[المنتخب في تفسير القرآن الكريم]ـ المؤلف: لجنة من علماء الأزهر الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر، طبع مؤسسة الأهرام الطبعة: الثامنة عشر، 1416 هـ - 1995 م عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] 1 - تبتدئ باسم الله الذى لا معبود بحق سواه، والمتصف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، وهو صاحب الرحمة الذى يفيض بالنعم جليلها ودقيقها، عامها وخاصها، وهو المتصف بصفة الرحمة الدائمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 2 - الثناء الجميل بكل أنواعه وعلى كل حال لله وحده، ونثنى عليه الثناء كله لأنه منشئ المخلوقات والقائم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 3 - وهو صاحب الرحمة الدائمة ومصدرها، ينعم بكل النعم صغيرها وكبيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 4 - وهو وحده المالك ليوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة، يتصرف فيه لا يشاركه أحد فى التصرف ولو فى الظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 5 - لا نعبد إلا إياك، ولا نطلب المعونة إلا منك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 6 - نسألك أن توفقنا إلى طريق الحق والخير والسعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 7 - وهو طريق عبادك الذين وفقتهم إلى الإيمان بك، ووهبت لهم نعمتى الهداية والرضا، لا طريق الذين استحقوا غضبك وضلوا عن طريق الحق والخير لأنهم أعرضوا عن الإيمان بك والإذعان لهديك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 1 - ألف لام ميم: هذه حروف ابتدأ الله سبحانه وتعالى بها ليشير بها إلى إعجاز القرآن الكريم المؤلف من حروف كالحروف التى يؤلِّف منها العرب كلامهم، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن، وهى مع ذلك تنطوى على التنبيه للاستماع لتميز جرسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 2 - هذا هو الكتاب الكامل وهو القرآن الذى ننزله لا يرتاب عاقل منصف فى كونه من عند الله، ولا فى صدق ما اشتمل عليه من حقائق وأحكام، وفيه الهداية الكاملة للذين يستعدون لطلب الحق، ويتوقُّون الضرر وأسباب العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 3 - وهؤلاء هم الذين يصدقون - فى حزم وإذعان - بما غاب عنهم، ويعتقدون فيما وراء المحسوس كالملائكة واليوم الآخر، لأن أساس التدين هو الإيمان بالغيب، ويؤدون الصلاة مستقيمة بتوجه إلى الله وخشوع حقيقى له، والذين ينفقون جانبا مما يرزقهم الله به فى وجوه الخير والبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 4 - والذين يصدقون بالقرآن المنزل عليك من الله، وبما فيه من أحكام وأخبار، ويعملون بمقتضاه، ويصدقون بالكتب الإلهية التى نزلت على من سبقك من الأنبياء والرسل كالتوراة والإنجيل وغيرهما، لأن رسالات الله واحدة فى أصولها، ويتميزون بأنهم يعتقدون اعتقاداً جازماً بمجئ يوم القيامة وبما فيه من حساب وثواب وعقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 5 - هؤلاء الموصوفون بما سبق من صفات، متمكنون من أسباب الهداية الإلهية، مستقرون عليها، أولئك هم وحدهم الفائزون بمطلوبهم ومرغوبهم ثواباً لسعيهم واجتهادهم وامتثالهم الأوامر واجتنابهم النواهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 6 - هذا شأن المهتدين، أما الجاهلون الذين فقدوا الاستعداد للإيمان إعراضاً منهم وعناداً، فلن يستجيبوا لله، فيستوى عندهم تخويفك لهم وعدم تخويفك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 7 - هؤلاء قد تمكن الكفر منهم حتى كأن قلوبهم مختوم عليها بحجاب لا يدخلها غير ما فيها، وكأن أسماعهم مختوم عليها كذلك، فلا تسمع وعده الحق، وكأن أبصارهم قد غشيها غطاء فهى لا تدرك آيات الله الدالة على الإيمان، ولذلك استحقوا أن ينالهم العذاب الشديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 8 - ومن الكافرين قوم آخرون من الناس يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم، يظهرون الإيمان فيقولون: إننا آمنا بالله وبيوم القيامة، وليسوا بصادقين فى قولهم، فلا يدخلون فى جماعة المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 9 - إنهم يخدعون المؤمنين بما يصنعون، ويظنون أنهم يخادعون الله، إذ يتوهمون أنه غير مطلع على خفاياهم، مع أنه يعلم السر والنجوى، وهم فى الواقع يخدعون أنفسهم لأن ضرر عملهم لا حق بهم، عاجلاً وآجلاً، ولأن من يخدع غيره ويحسبه جاهلاً - وهو ليس كذلك - إنما يخدع نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 10 - هؤلاء فى قلوبهم مرض الحسد والحقد على أهل الإيمان مع فساد العقيدة، وزادهم الله على مرضهم مرضاً بنصره للحق، إذ كان ذلك مؤذياً لهم بسبب حسدهم وحقدهم وعنادهم، ولهؤلاء عذاب أليم فى الدنيا والآخرة بسبب كذبهم وجحودهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 11 - وإذا قال أحد من المهتدين لهؤلاء المنافقين: لا تفسدوا فى الأرض بالصدِّ عن سبيل الله، ونشر الفتنة وإيقاد نار الحرب برَّأوا أنفسهم من الفساد، وقالوا: ما نحن إلا مصلحون. وذلك لفرط غرورهم، وهذا شأن كل مفسد خبيث مغرور يزعم فساده إصلاحاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 12 - ألا فتنبهوا أيها المؤمنون إلى أنهم هم أهل الفساد حقاً، ولكنهم لا يشعرون بفسادهم لغرورهم، ولا بسوء العاقبة التى ستصيبهم بسبب هذا النفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 13 - وإذا قال قائل لهم ينصحهم ويرشدهم: أقبلوا على ما يجب، وهو أن تؤمنوا إيماناً مخلصاً مثل إيمان الناس الكاملين المستجيبين لصوت العقل؛ سخروا وتهكَّموا وقالوا: لا يليق بنا أن نتبع هؤلاء الجهلاء ضعاف العقول. فرد الله عليهم تطاولهم وحكم عليهم بأنهم - وحدهم - الجهلاء الحمقى. ولكنهم لا يعلمون علماً يقيناً أن الجهل ونقص الإدراك محصور فيهم مقصور عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 14 - وإذا لقى هؤلاء المنافقون المؤمنين المخلصين قالوا: آمنّا بما أنتم به مؤمنون من صدق الرسول ودعوته، ونحن معكم فى الاعتقاد، وإذا انصرفوا عنهم واجتمعوا بأصحابهم الذين يشبهون الشياطين فى الفتنة والفساد قالوا لهم: إنا معكم على طريقتكم وعملكم، وإنما كان قولنا للمؤمنين ما قلنا: استخفافاً بهم واستهزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 15 - والله سبحانه يجازيهم على استهزائهم، ويكتب عليهم الهوان الموجب للسخرية والاحتقار، فيعاملهم بذلك معاملة المستهزئ، ويمهلهم فى ظلمهم الفاحش الذى يجعلهم فى عمى عن الحق، ثم يأخذهم بعذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 16 - وهؤلاء إذ اختاروا الضلالة بدل الهداية كانوا كالتاجر الذى يختار لتجارته البضاعة الفاسدة الكاسدة فلا يربح فى تجارته، ويضيع رأس ماله، وهم فى عملهم غير مهتدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 17 - حال هؤلاء فى نفاقهم كحال من أوقد ناراً لينتفع بها مع قومه، فلما أنارت ما حوله من الأشياء ذهب الله بنورهم وترك موقديها فى ظلمات كثيفة لا يبصرون معها شيئاً، لأن الله قدَّم إليهم أسباب الهداية فلم يتمسكوا بها فصارت بصائرهم مطموسة، فاستحقوا أن يبقوا فى الحيرة والضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 18 - هؤلاء كالصُّمِّ، لأنهم قد فقدوا منفعة السمع، إذ لا يسمعون الحق سماع قبول واستجابة، وهم كالبُكْم الخُرس؛ لأنهم لا ينطقون بالهدى أو الحق، وهم كالذين فقدوا أبصارهم لأنهم لا ينتفعون بها فى اعتبار أو انزجار، فهم لا يرجعون عن ضلالتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 19 - أو حالهم فى حيرتهم وشدة الأمر عليهم وعدم إدراكهم لما ينفعهم ويضرهم، كحال قوم نزل عليهم مطر من السماء ورعد وصواعق، يضعون أطراف أصابعهم فى آذانهم كى لا يسمعوا أصوات الصواعق خائفين من الموت، زاعمين أن وضع الأصابع يمنعهم منه. وهؤلاء إذا نزل القرآن - وفيه بيان لظلمات الكفر والوعيد عليه، وبيان الإيمان ونوره المتألق، وبيان النذر وألوان العذاب - أعرضوا عنه وحاولوا الخلاص منه زاعمين أن إعراضهم عنه سيعفيهم من العقاب ولكن الله عليم بالكافرين مسيطر عليهم من كل جهة بعلمه وقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 20 - إن هذا البرق الشديد يكاد يخطف منهم أبصارهم لشدته، وهو يضئ لهم الطريق حيناً فيسيرون خطوات مستعينين بضوئه، فإذا انقطع البرق واشتد الظلام يقفون متحيرين ضالين، وهؤلاء المنافقون تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها فيهمون أن يهتدوا، ولكنهم بعد قليل يعودون إلى الكفر والنفاق. إن الله واسع القدرة إذا أراد شيئاً فعله، لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 21 - يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى أنشأكم وخلقكم ونماكم كما خلق الذين سبقوكم، فهو خالق كل شئ، لعلكم بذلك تعدون أنفسكم وتهيئونها لتعظيم الله ومراقبته، فتتطهر بذلك نفوسكم وتذعن للحق، وتخاف سوء العاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 22 - إنه وحده هو الذى مهد لكم الأرض بقدرته، وبسط رقعتها ليسهل عليكم الإقامة فيها والانتفاع بها، وجعل ما فوقكم من السماء وأجرامها وكواكبها كالبنيان المشيد، وأمدكم بسبب الحياة والنعمة - وهو الماء - أنزله عليكم من السماء فجعله سبباً لإخراج النباتات والأشجار المثمرة التى رزقكم بفوائدها، فلا يصح مع هذا أن تتصوروا أن لله نظراء تعبدونهم كعبادته لأنه ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم بفطرتكم الأصلية تعلمون أنه لا مثيل له ولا شريك، فلا تحرفوا هذه الطبيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 23 - وإن كنتم فى ريب من صدق هذا القرآن الذى تتابع إنزالنا له على عبدنا محمد، فحاولوا أن تأتوا بسورة مماثلة من سور هذا القرآن فى بلاغتها وأحكامها وعلومها وسائر هدايتها، ونادوا الذين يشهدون لكم أنكم أتيتم بسورة مماثلة له فاستعينوا بهم ولن تجدوهم، وهؤلاء الشهداء هم غير الله، لأن الله يؤيد عبده بكتابه، ويشهد له بأفعاله، هذا إن كنتم صادقين فى ارتيابكم فى هذا القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 24 - فإن لم تستطيعوا الإتيان بسورة مماثلة لسور القرآن - ولن تستطيعوا ذلك بحال من الأحوال - لأنه فوق طاقة البشر، إذ القرآن كلام الخالق فالواجب عليكم أن تتجنبوا الأسباب التى تؤدى بكم إلى عذاب النار فى الآخرة، التى سيكون وقودها وحطبها من الكافرين ومن الأصنام، ولقد هيئت هذه النار لتعذيب الجاحدين المعاندين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 25 - وإذا كان هذا عقاب الفجار الجاحدين، فالجنة مثوى المؤمنين، فأخبر الذين صدَّقوا بالله ورسوله وكتابه، وأذعنوا للحق دون شك أو ارتياب، وعملوا الأعمال الصالحة الطيبة - أخبرهم بخبر يسرهم ويشرح صدورهم، وهو أن الله أعد لهم عنده جنات مثمرة تتخللها الأنهار الجارية تحت أشجارها وقصورها، كلما رزقهم الله وهم فى هذه الجنات - رزقاً من بعض ثمارها قالوا: إن هذا يشبه ما رزقنا من قبل، لأن هذه الثمرات التى ينالونها تشابه أفرادها فى الصورة والجنس ولكنها تتمايز فى الطعم واللذة، ولهم فيها أيضاً زوجات كاملات الطهارة ليس فيهن ما يعاب. وسيبقون فى هذه الجنة فى حياة أبدية لا يخرجون منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 26 - يضرب الله الأمثال للناس لبيان الحقائق العالية، ويضرب بصغائر الأحياء، وكبار الأشياء، وقد عاب من لا يؤمنون ضرب المثل بصغائر الأحياء كالذباب والعنكبوت، فبين الله سبحانه أنه لا يعتريه ما يعترى الناس من الاستحياء، فلا يمنع أن يصور لعباده ما يشاء من أمور بأى مثل مهما كان صغيراً، فيصح أن يجعل المثل بعوضة أو ما فوقها، والذين آمنوا يعلمون وجه التمثيل وأن هذا حق من الله، والذين كفروا يتلقونه بالاستنكار ويقولون: ما الذى أراده الله بهذا المثل؟ وأن هذا المثل يكون سبباً لإضلال الذين لا يطلبون الحق ولا يريدونه، ويكون سبباً لهداية المؤمنين بالحق الذى يطلبونه، فلا يُضَلُّ به إلا المنحرفين المتمردين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 27 - الذين ينقضون عهد الله - وهم الذين لم يلتزموا عهد الله القوى الذى أنشأه فى نفوسهم بمقتضى الفطرة موثقاً بالعقل المدرك ومؤيداً بالرسالة - ويقطعون ما أمر الله به أن يكون موصولاً كوصل ذوى الأرحام، والتواد والتعارف والتراحم بين بنى الإنسان، ويفسدون فى الأرض بسوء المعاملات وبإثارة الفتن وإيقاد الحروب وإفساد العمران، أولئك هم الذين يخسرون بإفسادهم فطرتهم وقطعهم ما بينهم وبين الناس ما يجب أن يكون من تواد وتعاطف وتراحم، ويكون مع ذلك لهم الخزى فى الدنيا والعذاب فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 28 - إن حالكم تثير العجب! كيف تكفرون ولا توجد شبهة تعتمدون عليها فى كفركم؟ ونظرة إلى حالكم تأبى هذا الكفر ولا تدع لكم عذراً فيه، فقد كنتم أمواتاً فخلقكم الله ووهبكم الحياة وحسن التقويم، ثم هو الذى يعيدكم أمواتاً عند انتهاء أجلكم، ثم يبعثكم أحياء مرة أخرى للحساب والعقاب ثم إليه - لا إلى غيره - تعودون فيحاسبكم ويجازيكم على أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 29 - وإن الله الذى تجب عبادته وإطاعته هو الذى تفضل عليكم فخلق لمنفعتكم وفائدتكم كل النعم الموجودة فى الأرض، ثم قد توجهت إرادته مع خلقه الأرض بمنافعها إلى السماء فجعل منها سبع سموات منتظمات فيها ما ترون وما لا ترون، والله محيط بكل شئ عالم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 30 - بيَّن - سبحانه - أنه هو الذى أحيا الإنسان ومكَّن له فى الأرض، ثم بيَّن بعد ذلك أصل تكوين الإنسان وما أودع فيه من علم الأشياء وذكره به، فاذكر يا محمد نعمة أخرى من نعم ربك على الإنسان، وهى أنه قال لملائكته: إنى جاعل فى الأرض من أُمكِّنه منها وأجعله صاحبَ سلطان فيها وهو آدم وذريته، استخلفهم الله فى عمارة الأرض. واذكر قول الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها بالمعاصى، ومن يسفك الدماء بالعدوان والقتل لما فى طبيعته من شهوات، بينما نحن ننزهك عما لا يليق بعظمتك، ونظهر ذكرك ونمجِّدك؟ فأجابهم ربهم: إنى أعلم ما لم تعلموا من المصلحة فى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 31 - وبعد أن خلق الله آدم وعلَّمه أسماء الأشياء وخواصَّها ليتمكن فى الأرض وينتفع بها، عرض الله هذه الأشياء على الملائكة وقال لهم: أخبرونى بأسماء هذه الأشياء وخواصها إن كنتم صدقتم فى ظنكم أنكم أحق بخلافة الأرض ولا يوجد أفضل منكم بسبب طاعتكم وعبادتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 32 - وقد ظهر للملائكة عجزهم فقالوا: إننا ننزهك يا ربَّنا التنزيه اللائق بك، ونقر بعجزنا وعدم اعتراضنا، فلا علم عندنا إلا ما وهبتنا إياه، وأنت العالم بكل شئ، الحكيم فى كل أمر تفعله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 33 - قال الله لآدم: أَخْبر الملائكة يا آدم بهذه الأشياء، فأجاب وأظهر فضله عليهم، وهنا قال الله لهم مذكراً لهم بإحاطة علمه: ألم أقل لكم إنى أعلم كل ما غاب فى السموات والأرض ولا يعلمه غيرى، وأعلم ما تُظهرون فى قولكم وما تُخفون فى نفوسكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 34 - واذكر - يا أيها النبى - حين قلنا للملائكة: اخضعوا لآدم تحية له وإقراراً بفضله، فأطاع الملائكة كلهم إلا إبليس، امتنع عن السجود وصار من العاصين له والكافرين بنعم الله وحكمته وعلمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 35 - ثم أمر الله آدم وزوجه أن يعيشا فى جنة النعيم فقال له: اسكن أنت وامرأتك الجنة وكلا منها ما تشاءان أكلاً هنيئاً وافراً من أى مكان ومن أى ثمر تريدان، ولكن الله ذكر لهما شجرة معينة وحذرهما الأكل منها وقال لهما: لا تدنُوَا من هذه الشجرة ولا تأكلا منها، وإلا كنتما من الظالمين العاصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 36 - ولكن إبليس الحاسد لآدم والحاقد عليه أخذ يحتال عليهما ويغريهما بالأكل من الشجرة حتى زلاّ فأكلا منها، فأخرجهما الله مما كانا فيه من النعيم والتكريم، وأمرهما الله تعالى بالنزول إلى الأرض ليعيشا هما وذريتهما فيها، ويكون بعضهم لبعض عدواً بسبب المنافسة وإغواء الشيطان، ولكم فى الأرض مكان استقرار وتيسير للمعيشة، وتمتع ينتهى بانتهاء الأجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 37 - وأحس آدم هو وزوجته بخطئهما وظلمهما لأنفسهما، فألهم الله تعالى آدم كلمات يقولها للتوبة والاستغفار، فقالها، فتقبَّل الله منه وغفر له لأنه كثير القبول للتوبة، وهو الرحيم بعباده الضعفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 38 - وقلنا لآدم وزوجته ومن سيكون من ذريته وإبليس: اهبطوا إلى الأرض وستكلفون تكليفات فيها، فإن جاءكم ذلك من عندى - وسيأتيكم حتماً - فالذين يستجيبون لأمرى ويتبعون هداى لا يشعرون بخوف، ولا يصيبهم حزن لفوات ثواب، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 39 - والذين جحدوا وكذبوا برسل الله وكتبه، أولئك أهل النار، يظلون فيها أبدا لا يخرجون ولا يفنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 40 - يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى تفضلت بها عليكم أنتم وآباؤكم بالتفكير فيها والقيام بواجب شكرها، وأوفوا بعهدى الذى أخذته عليكم وأقررتموه على أنفسكم، وهو الإيمان، والعمل الصالح، والتصديق بمن يجيئ بعد موسى من الأنبياء، حتى أوفى بوعدى لكم وهو حسن الثواب والنعيم المقيم، ولا تخافوا أحداً غيرى، واحذروا من أسباب غضبى عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 41 - وصدِّقوا بالقرآن الذى أنزلت مصدقا لما عندكم من كتاب وعلم من التوحيد وعبادة الله، والعدل بين الناس، ولا تسارعوا إلى جحود القرآن فتكونوا أول الكافرين به من حيث ينبغى أن تكونوا أول المؤمنين به، ولا تتركوا آيات الله لتأخذوا عن ذلك عوضاً قليلاً زائلاً من متاع الحياة الدنيا، وخُصّونى بالخوف فاتبعوا طريقى، وأعرضوا عن الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 42 - ولا تخلطوا الحق المُنزَّل من عندى بالباطل المفترى من عندكم، حتى لا يشتبه هذا بذاك، ولا تكتموا الحق ومنه صِدْق محمد، وأنتم تعلمون أنه حق وصدق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 43 - واستجيبوا للإيمان. فأدُّوا الصلاة مستقيمة الأركان، وأعطوا الزكاة لمستحقيها، وصلوا مع جماعة المسلمين لتنالوا ثواب الصلاة وثواب الجماعة، وهذا يستلزم أن تكونوا مسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 44 - أتطلبون من الناس أن يتوسعوا فى الخير، وأن يلتزموا الطاعة ويتجنبوا المعصية، ثم لا تعملون بما تقولون، ولا تلتزمون بما تطلبون؟ ، وفى ذلك تضييع لأنفسكم كأنكم تنسونها، مع أنكم تقرءون التوراة وفيها التهديد والوعيد على مخالفة القول للعمل، أليس لديكم عقل يردعكم عن هذا التصرف الذميم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 45 - واستعينوا على أداء التكليفات بالصبر وحبس النفس على ما تكره، ومن ذلك الصوم، وبالصلاة العظيمة الشأن التى تنقى القلب وتنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذلك كانت ثقيلة شاقة إلا على الخاضعين المحبين للطاعة، الذين اطمأنت قلوبهم لذكر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 46 - أولئك هم الخاضعون المطمئنة قلوبهم، الذين يؤمنون باليوم الآخر ويوقنون بأنهم سيلاقون ربهم عند البعث، وإليه - وحده - يعودون ليحاسبهم على ما قدمت أيديهم ويثيبهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 47 - يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت بها عليكم، من إخراجكم من ظلم فرعون وهدايتكم وتمكينكم فى الأرض بعد أن كنتم مستضعفين فيها، واشكروا واهبها بطاعتكم له، واذكروا أننى أعطيت آباءكم الذين انحدرتم منهم ما لم أعطه أحداً من معاصريكم، والخطاب لجنس اليهود وموجه كذلك للمعاصرين للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 48 - وخافوا يوم الحساب الشديد: يوم القيامة الذى لا تدفع فيه نفس عن نفس شيئاً، ولا تغنى فيه نفس عن نفس أخرى شيئاً، ولا يقبل من أى نفس تقديم أى شفيع، كما لا يقبل أى فداء تفدى به الذنوب، ولا يستطيع أحد أن يدفع العذاب عن مستحقيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 49 - واذكروا من نعمنا عليكم أن نجَّيناكم من ظلم فرعون وأعوانه الذين كانوا يذيقونكم أشد العذاب، فهم يذبحون الذكور من أولادكم لتَوَهّم أن يكون منهم من يذهب بملك فرعون ويستبقون الإناث ليستخدموهن، وفى هذا العذاب والتعرض للفناء ابتلاءٌ شديد من ربكم واختبار عظيم لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 50 - واذكروا كذلك من نعم الله عليكم حين شققنا لكم ومن أجلكم البحر - وفصلنا ماءه بعضه عن بعض لتسيروا فيه - فتتخلصوا من ملاحقة فرعون وجنوده، وبفضلنا نجوتم، وانتقمنا لكم من عدوكم، فأغرقناهم أمام أبصاركم، فأنتم ترونهم وهم يغرقون والبحر ينطبق عليهم عقب خروجكم منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 51 - واذكروا حين واعد ربكم موسى أربعين ليلة لمناجاته، فلما ذهب إلى ميعاده وعاد، وجدكم قد انحرفتم واتخذتم العجل الذى صنعه السامرى معبوداً لكم، وكنتم ظالمين باتخاذكم العجل شريكاً لله الذى خلقكم ونجاكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 52 - ثم عفونا عنكم ومحونا عقوبتكم حين تبتم واستغفرتم من إثمكم، لعلكم تشكرون ربكم على صفحه وعفوه وفضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 53 - واذكروا نعمتنا عليكم إذ أنزلنا على نبيكم موسى كتابنا التوراة، وهو الذى يفرِّق بين الحق والباطل، ويميِّز الحلال من الحرام، لكى تسترشدوا بنورها وتهتدوا من الضلال بتدبر ما فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 54 - واذكروا يوم قال لكم رسولكم موسى: يا قوم، لقد ظلمتم أنفسكم باتخاذكم عجل السامرى معبوداً، فتوبوا إلى ربكم خالقكم من العدم، بأن تغضبوا على أنفسكم الشريرة الآمرة بالسوء وتذلوها، لتتجدد بنفوس مطهرة، فأعانكم الله على ذلك ووفقكم له وكان ذلك خيراً لكم عند خالقكم، ولهذا قَبِل توبتكم وعفا عنكم، فهو كثير التوبة على عباده، واسع الرحمة بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 55 - واذكروا قولكم لموسى: إننا لن نقر لك بالإيمان حتى نرى الله جهاراً عياناً بحاسة البصر لا يحجبه عنا شئ، فانقضَّت عليكم صاعقة ونار من السماء زلزلتكم جزاء عنادكم وظلمكم وطلبكم ما يستحيل وقوعه لكم، وأنتم تنظرون حالكم وما أصابكم من بلاء وعذاب فى الصاعقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 56 - ثم أيقظناكم من غشيتكم وهمودكم، وعلمناكم لكى تشكروا نعمتنا فى ذلك، وتؤيدوا حق الله عن طريق هذا الشكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 57 - ومن فضلنا عليكم أننا جعلنا السحاب لكم كالظلّة ليصونكم من الحر الشديد، وأنزلنا عليكم المنَّ، وهو مادة حلوة لزجة كالعسل تسقط على الشجر من طلوع الشمس، كما أنزلنا عليكم السلوى وهو الطائر المعروف بالسمان، فهو يأتيكم بأسرابه بكرة وعشيا لتأكلوا وتتمتعوا، وقلنا لكم: كلوا من طيبات رزقنا. فكفرتم بالنعمة، ولم يكن ذلك بضائرنا، ولكنكم تظلمون أنفسكم لأن ضرر العصيان واقع عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 58 - واذكروا - يا بنى إسرائيل - حين قلنا لكم: ادخلوا المدينة الكبيرة التى ذكرها لكم موسى نبيكم، فكلوا مما فيها كما تشاءون، كثيراً واسعاً، على أن يكون دخولكم بخشوع وخضوع من الباب الذى سمَّاه لكم نبيكم، واسألوا الله عند ذلك أن يغفر لكم خطاياكم، فمن يفعل ذلك بإخلاص نغفر له خطاياه، ومن كان محسناً مطيعاً زدناه ثواباً وتكريماً فوق العفو والمغفرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 59 - ولكن الذين ظلموا خالفوا أمر ربهم، فقالوا غير ما أمرهم بقوله، استهزاء وتمردا، فكان الجزاء أن أنزل الله على الظالمين عذاباً من فوقهم جزاء فسقهم وخروجهم على أوامر ربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 60 - واذكروا - يا بنى إسرائيل - يوم طلب نبيكم موسى السقيا لكم من ربه حين اشتد بكم العطش فى التيه، فرحمناكم وقلنا لموسى: اضرب بعصاك الحجر. فانفجر الماء من اثنتى عشرة عيناً، فصار لكل جماعة عين - وكانوا اثنتى عشرة جماعة - فعرفت كل قبيلة مكان شربها، وقلنا لكم: كلوا من المن والسلوى، واشربوا من هذا الماء المتفجر ودعوا ما أنتم عليه، ولا تسرفوا فى الإفساد فى الأرض بل امتنعوا عن المعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 61 - واذكروا - أيها اليهود - أيضاً يوم سيطر البطر على أسلافكم، ولم يؤدوا لنعمة الله حقها فقالوا لموسى: إننا لن نصبر على طعام واحد (وهو المن والسلوى) فادع لنا ربك كى يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقولها وقثائها وعدسها وثومها وبصلها، فتعجب موسى من ذلك، وأنكره عليهم فقال لهم: أتفضلون هذه الأصناف على ما هو أفضل وأحسن، وهو المن والسلوى؟ . . فانزلوا إذن من سيناء وادخلوا مدينة من المدن فإنكم ستجدون فيها ما تريدون، وبسبب ذلك البطر والعناد أحاطت بهؤلاء اليهود المذلة والفقر والخنوع، واستحقوا غضب الله عليهم لما ألفوه من العناد والعصيان، وما جروا عليه من الكفر بآيات الله وبقتلهم الأنبياء مخالفين بذلك الحق الثابت المقرر، وقد جرأهم على ذلك - الكفر وهذا القتل - ما رُكِّب فى نفوسهم من التمرد والعدوان ومجاوزة الحد فى المعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 62 - إن الذين آمنوا من الأنبياء من قبل، واليهود والنصارى، ومن يقدسون الكواكب والملائكة، من آمن برسالة محمد بعد بعثته، ووحَّد الله تعالى وآمن بالبعث والحساب يوم القيامة، وعمل الأعمال الصالحة فى دنياه، فهؤلاء لهم ثوابهم المحفوظ عند ربهم، ولا يلحقهم خوف من عقاب. ولا ينالهم حزن على فوات ثواب، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 63 - اذكروا حين أخذنا عليكم العهد والميثاق رافعين جبل الطور، وجعلناه بقدرتنا كالظلة فوقكم حتى خفتم وأذعنتم وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم من هدى وإرشاد بجد واجتهاد، واذكروا ما فيه ذكر من يستجيب له ويعمل به كى تصونوا بذلك أنفسكم من العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 64 - ثم إنكم أعرضتم بعد ذلك كله، ولولا فضل الله عليكم ورحمته وتأخيره العذاب عنكم لكنتم من الضالين الهالكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 65 - وأنتم بلا ريب قد عرفتم أولئك الذين تجاوزوا الحد منكم فى يوم السبت، بأن صادوا السمك فيه - مع أنه يوم راحة وعيد والعمل محرم فيه - فمسخ الله قلوب المخالفين، وصاروا كالقردة فى نزواتها وشهواتها، وجعلناهم مبعدين من رحمتنا ينفر الناس من مجالستهم ويشمئزون من مخالطتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 66 - وقد جعل الله هذه الحال التى آلوا إليها عبرة وتحذيرا لغيرهم من أن يفعلوا مثل فعلهم، جعلها عبرة لمعاصريهم ومن يأتى بعدهم، كما جعلناها موعظة للذين يتقون ربهم، لأنهم هم الذين ينتفعون بنذير العظات والعبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 67 - واذكر - يا محمد - حين قال موسى لقومه وقد قُتل فيهم قتيل لم يعرفوا قاتله: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ليكون ذلك مفتاحاً لمعرفة القاتل، ولكنهم استغربوا أن تكون هناك صلة بين قتل القتيل وذَبح البقرة قائلين: أَتسخر منا يا موسى؟ ، فرد عليهم قائلاً: إنى أعتصم بتأديب الله لى أن أكون من الجاهلين الذين يستهزئون بعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 68 - هنا قالوا لموسى - مترددين فى أمر البقرة: اطلب لنا من ربك أن يبين لنا صفة تلك البقرة، فقال لهم: إن الله أخبرنى بأنها ليست كبيرة وليست صغيرة، بل هى وسط بين الكبر والصغر، فنفذوا ما أمركم الله به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 69 - ولكنهم استمروا فى ترددهم فقالوا: اطلب لنا من ربك أن يبين لنا لون هذه البقرة، فأجابهم موسى: بأن الله يقول: إنها بقرة صفراء شديدة الصفرة مع صفاء، تُعْجِبُ الناظر إليها لصفاء لونها ووضوحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 70 - ثم لجوا فى أسئلتهم فقالوا: ادع لنا ربك يبين لنا شأن هذه البقرة، لأن البقر تشابه علينا، وسنهتدى إليها بمشيئة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 71 - فقال لهم: إن الله يقول إنها بقرة لم تذلل بالعمل فى حرث الأرض وقلبها للزراعة، ولا فى سقى الأرض المهيأة للزراعة أو ما فيها من نبات، وهى بريئة من العيوب، سالمة من الآفات، لا لون فيها يخالف سائر جسدها، فقالوا له: الآن جئت بالبيان الواضح، وبحثوا عن البقرة المتصفة بهذه الأوصاف فذبحوها، وقد قاربوا ألا يفعلوا ذلك لكثرة أسئلتهم وطول لجاجهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 72 - واذكروا يوم قتلتم نفسا وتخاصمتم وتدافعتم الجريمة، فاتَّهم بعضكم بعضا بقتلها، والله يعلم الحقيقة وهو كاشفها ومظهرها مع كتمانكم لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 73 - فقلنا لكم على لسان موسى: اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة، ففعلتم: فأحيا الله القتيل وذكر اسم قاتله، ثم سقط ميتاً، وكانت معجزة من الله لموسى. لأن الله قادر على كل شئ، وبقدرته هذه يحيى الموتى يوم القيامة، ويريكم دلائل قدرته لعلكم تعقلونها وتعتبرون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 74 - ثم إنكم بعد هذه الآيات كلها لم تستجيبوا ولم تستقيموا، ولم تلن قلوبكم أو تخشع، بل غلظت وتصلبت وبقيت على قسوتها، بل إنها أشد قسوة من الحجارة، لأن الحجارة قد تتأثر وتنفعل، فهناك أحجار تتفجر منها المياه الكثيرة فتجرى أنهاراً، وهناك أحجار تتشقق فيخرج منها الماء عيوناً فوارة، ومنها ما يتأثر بقدرة الله وينقاد لمشيئته فيتردى من أعلى الجبال انقياداً لما أراده الله تعالى به، أما قلوبكم أيها اليهود فإنها لا تتأثر ولا تلين ولكم الويل على ذلك، فالله ليس بغافل عن أعمالكم، وهو سيؤدبكم بألوان النقم إذا لم تشكروا أنواع النعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 75 - ما كان ينبغى لكم أيها المؤمنون أن تطمعوا فى أن يُؤمن اليهود بدينكم وينقادوا لكم وقد اجتمعت فى مختلف فرقهم أشتات الرذائل التى تباعد بينهم وبين الإيمان بالحق، فقد كان فريقا منهم - وهم الأحبار - يسمعون كلام الله فى التوراة ويفهمونه حق الفهم ثم يتعمدون تحريفه وهم يعلمون أنه الحق، وأن كتب الله المنزلة لا يجوز تغييرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 76 - وكان فريق من منافقيهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا مخادعين لهم: آمنا بأنكم على الحق وأن محمداً هو النبى الذى جاء وصفه فى التوراة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض عاتبهم الفريق الآخر على غفلتهم، إذ تنزلق ألسنتهم فى أثناء خداعهم للمؤمنين بعبارات تفيد خصومهم ولا يستدعيها الخداع، فيذكرون لهم ما ورد فى التوراة من أوصاف محمد ويعطونهم بذلك حُجة عليهم يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 77 - وهل غاب عن هؤلاء وأولئك أن الله ليس فى حاجة إلى مثل هذه الحُجة لأنه يعلم ما يخفون وما يبدون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 78 - ومن اليهود فريق جهلة أميون لا يعرفون عن التوراة إلا أكاذيب تتفق مع أمانيهم، لفَّقها لهم أحبارهم، وألقوا فى ظنهم أنها حقائق من الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 79 - فالهلاك والعذاب لهؤلاء الأحبار الذين يكتبون كتباً بأيديهم، ثم يقولون للأميين: هذه هى التوراة التى جاءت من عند الله، ليصلوا من وراء ذلك إلى غرض تافه من أغراض الدنيا فيشتروا التافه من حطام الدنيا بثمن غال وعزيز هو الحقيقة والصدق، فويل لهم مما تقوَّلوه على الله، وويل لهم مما يكسبون من ثمرات افترائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 80 - ومن اختلاقاتهم وأكاذيبهم ما يتلقونه من أحبارهم من أن النار لن تمس يهودياً مهما ارتكب من المعاصى إلا أياماً معدودة، فقل لهم يا محمد: هل تعاهدتم مع الله على ذلك فاطمأننتم، لأن الله لا يخلف عهده، أم أنكم تفترون الكذب عليه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 81 - الحق أنكم تفترون الكذب على الله، فحكم الله العام نافذ فى خلقه جميعاً لا فرق بين يهودى وغير يهودى، لأن من ارتكب سيئة وأحاطت به آثامه حتى سدت عليه منافذ الخلاص، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 82 - والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة، لأنهم آمنوا وأدوا ما يفرضه عليهم إيمانهم من صالح الأعمال، فهم فيها خالدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 83 - وإن لكم معشر اليهود بجانب هذا كله ماضياً حافلا بالإثم ونقض المواثيق، وتعدى ما وضعه الله لكم من حدود، فلتذكروا إذ أخذنا عليكم فى التوراة ميثاقاً ألا تعبدوا إلا الله، وأن تحسنوا إلى الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين، وتستخدموا فى حديثكم مع الناس القول الطيب الذى يؤلف بينكم وبينهم ولا ينفرهم منكم، وتؤدوا ما فرض عليكم من صلاة وزكاة، ولتذكروا ما كان من مسلككم حيال هذا الميثاق إذ نقضتموه وأعرضتم عنه إلا قليلا منكم ممن أذعن للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 84 - وإذ أخذنا ميثاقاً عليكم فى التوراة ألا يسفك بعضكم دماء بعض، ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم، وهو ميثاق تقرون أنه فى كتابكم وتشهدون على صحته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 85 - وها أنتم أولاء يقتل بعضكم بعضا، ويخرج فريق منكم فريقاً آخر من ديارهم متعاونين فى ذلك عليهم مع غيركم بالإثم والعدوان، ثم إن وقع فريق منكم أسرى لدى من تتعاونون معهم تعملون على إنقاذهم من الأسر بافتدائهم، وإن سئلتم عما حملكم على افتدائهم قلتم: لأن أسفارنا أمرتنا أن نفدى أسرانا من اليهود، أو لم تأمركم أسفاركم كذلك ألا تسفكوا دماء إخوانكم، وألا تخرجوهم من ديارهم؟ ، أفتذعنون لبعض ما جاء فى الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردهم الله - المطلع على أعمالهم وسرائرهم - إلى أشد العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 86 - وذلك لأنهم قد آثروا أعراض الدنيا الزائلة على نعيم الآخرة الدائم، وكانوا بهذا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فلن يخفف عنهم عذاب جهنم، ولن يجدوا من ينقذهم منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 87 - ولتذكروا كذلك - معشر اليهود - مواقفكم الضالة الآثمة حيال موسى ومن بعثناه من بعده إليكم من المرسلين. فلقد أرسلنا إليكم موسى وآتيناه التوراة وبعثنا إليكم على آثاره عدة رسل، منهم عيسى ابن مريم الذى أمددناه بالمعجزات وأيدناه بروح القدس، وهو جبريل رسول الوحى الأمين، فكنتم كلما جاءكم رسول من هؤلاء بما لا تهوى أنفسكم تستكبرون عن اتباعه، ففريق كذبتموه وفريق آخر قتلتموه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 88 - وكذلك كان موقفكم حيال رسولنا - محمد - خاتم النبيين. فلقد قلتم له حينما دعاكم إلى الإسلام: إن قلوبنا مغطاة بأغشية لا تنفذ إليها دعوتك، فلا نكاد نفقه شيئاً مما تقول. ولم تكن قلوبهم كما يزعمون، ولكنهم استكبروا وآثروا الضلالة على الهدى، فلعنهم الله بكفرهم وأوهن يقينهم وأضعف إيمانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 89 - ولما جاءهم رسولنا بالقرآن - وهو كتاب من عند الله مصدق لما أنزل عليهم من التوراة، وعرفوا من التوراة نفسها صدق ما فى هذا الكتاب - كفروا به عناداً وحسداً لأنه قد جاءهم به رسول من غير شعبهم بنى إسرائيل، مع أنهم كانوا من قبل إذا اشتبكوا مع المشركين فى صراع حربى أو جدلى ذكروا أن الله سينصرهم بإرسال خاتم النبيين الذى بشر به كتابهم، والذى تتفق صفاته كل الاتفاق مع صفات محمد. ألا لعنة الله على أمثالهم من المعاندين الجاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 90 - ولبئس ما باعوا به أنفسهم بغياً وعدواناً، إذ مالوا مع أهوائهم وتعصبهم لشعبهم فكفروا بما أنزلنا، ناقمين على غيرهم أن خصهم الله دونهم بإرسال رسول منهم منكرين على الله أن يكون له مطلق الخيرة فى أن ينزل من فضله على من يشاء من عباده، فباءوا بغضب على غضب لكفرهم وعنادهم وحسدهم، وعذبوا بكفرهم وللكافرين عذاب عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 91 - هذا هو ما كانت تنطوى عليه نفوسهم، ولكنهم كانوا يبررون أمام الخلق عدم إيمانهم بالقرآن حينما يطلب منهم الإيمان بأنهم لا يؤمنون إلا بما أنزل عليهم هم ويكفرون بغيره، ولقد كذبوا فيما يدَّعون من إيمانهم بما أنزل عليهم من التوارة، لأن كفرهم بهذا الكتاب المصدق لما فى كتابهم هو كفر بكتابهم نفسه، ولأنهم قد قتلوا الأنبياء الذين دعوهم إلى ما أنزل عليهم، وقتلهم لهؤلاء أقطع دليل على عدم إيمانهم برسالتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 92 - بل لقد كفرتم - أيها اليهود - كفراً صريحاً بكتبكم، ورجعتم إلى الشرك فى عهد موسى نفسه، فلقد جاءكم موسى بالبينات والمعجزات الناطقة بصدقه، لكنكم حين تغيب موسى لمناجاة ربه عبدتم العجل ورجعتم إلى سابق وثنيتكم وأنتم ظالمون مبطلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 93 - وحينما جاءكم بالتوراة، ورأيتم ما فيها من تكاليف شاقة، فاستثقلتم أعباءها وارتبتم فيها، أراكم الله آية على صدق هذا الكتاب وفائدة تعاليمه لكم، فرفع جبل الطور فوق رءوسكم حتى صار كأنه ظُلَّة وظننتم أنه واقع بكم، وحينئذٍ أعلنتم القبول والطاعة، فأخذنا عليكم ميثاقاً ألا يأخذكم هوى فى الامتثال لما جاء فى هذا الكتاب، فقلتم: آمنا وسمعنا، ولكن أعمالكم تكشف عن عصيانكم وتمردكم، وأن الإيمان لم يخالط قلوبكم، ولا يمكن أن يكون الإيمان قد خالط قلوب قوم شغفوا حباً بعبادة العجل. فلبئس ما دفعكم إليه إيمانكم إن كنتم مؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 94 - ولقد زعمتم أن الله سيخصكم من بين سائر الناس بنعيم الجنة بعد الممات، فإن كنتم مؤمنين حقاً بما تقولون فليكن الموت محبباً إليكم، ولتتمنوه حتى لا يبطئ عنكم هذا النعيم الذى تدَّعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 95 - ولكنهم فى الواقع لا يرغبون فى الموت أبداً لما اقترفوه من ظلم لا يخفى أمره على الله، الذى يُعلِمُهُم أنهم كاذبون فيما يدعون، وأن النعيم يوم القيامة للمتقين، لا للفجار أمثالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 96 - بل إنك لتجدنهم أحرص الناس جميعاً على حياتهم على أى شكل عزيزة أو ذليلة، وحرصهم أكثر من حرص المشركين الذين لا يؤمنون ببعث ولا جنة، ولذلك يود أحدهم لو يعمر ألف سنة، ولن يبعد عنه تعميره - مهما طال - ما ينتظر من عذاب الله، إنه عليم بالظالمين وسيذيقهم جزاء ما اقترفوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 97 - ولقد زعم بعضهم أنهم يعادونك ويكفرون بكتابك لأنهم أعداء لجبريل الذى يبلغك هذا الكتاب، فقل أيها النبى لهم: من كان عدواً لجبريل فهو عدو الله، لأن جبريل ما يجئ بهذا الكتاب من عنده، وإنما ينزله بأمر الله مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية، ومصدقاً لكتابهم نفسه، وهدى وبشرى للمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 98 - فمن كان عدواً لجبريل أو ميكائيل أو لأى ملك أو رسول من ملائكة الله ورسله الذين لا يفعلون ولا يبلغون إلا ما يأمرهم به الله، فإنه بذلك يكون عدواً وكافراً به، والله عدو الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 99 - وما ينزل جبريل على قلبك إلا بآيات بينات لا يسع طالب الحق إلا الإيمان بها، وما يكفر بمثلها إلا المعاندون الخارجون عن سنة الفطرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 100 - وكما تذبذبوا فى العقيدة والإيمان، تذبذبوا كذلك فيما يبرمونه من عهود، فكانوا كلما عاهدوا المسلمين وغيرهم عهداً نبذه فريق منهم. لأن معظمهم لا يؤمن بحرمة عهد ولا بقداسة ميثاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 101 - ولما جاءهم رسول من عند الله مطابقة أوصافه لما فى أسفارهم - وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نبذ فريق منهم ما ذكر فى كتبهم عن هذا الرسول، كأنه لم يرد فيها ولم يعلموا شيئاً عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 102 - ولقد صدَّقوا ما تَتَقَوَّله شياطينهم وفجرتهم على ملك سليمان، إذ زعموا أن سليمان لم يكن نبياً ولا رسولاً ينزل عليه الوحى من الله، بل كان مجرد ساحر يستمد العون من سحره، وأن سحره هذا هو الذى وطَّد له الملك وجعله يسيطر على الجن والطير والرياح، فنسبوا بذلك الكفرَ لسليمان، وما كفر سليمان، ولكن هؤلاء الشياطين الفجرة هم الذين كفروا، إذ تقوَّلوا عليه هذه الأقاويل، وأخذوا يعلِّمون الناس السحر من عندهم ومن آثار ما أنزل ببابل على الملكين هاروت وماروت، مع أن هذين الملكين ما كانا يعلِّمان أحداً حتى يقولا له: إنما نعلِّمك ما يؤدى إلى الفتنة والكفر فاعرفه واحذره وتَوَقَّ العمل به. ولكن الناس لم ينتصحوا بهذه النصيحة، فاستخدموا ما تعلَّموه منهما فيما يفرقون به بين المرء وزوجه. نعم كفر هؤلاء الشياطين الفجرة إذ تقوَّلوا هذه الأقاويل من أقاويلهم وأساطيرهم ذريعة لتعليم اليهود السحر، وما هم بضارين بسحرهم هذا من أحد، ولكن الله هو الذى يأذن بالضرر إن شاء، وأن ما يؤخذ عنهم من سحر سيضر من تعلَّمه فى دينه ودنياه ولا يفيده شيئاً، وهم أنفسهم يعلمون حق العلم أن من اتجه هذا الاتجاه لن يكون له حظ فى نعيم الآخرة، ولبئس ما اختاروه لأنفسهم لو كانت بهم بقية من علم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 103 - ولو أنهم آمنوا بالحق وخافوا مقام ربهم لأثابهم الله ثواباً حسناً، ولكان ذلك خيراً مما يلقونه من أساطير ويضمرونه من خبث لو كانوا يميزون النافع من الضار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 104 - يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم من هؤلاء اليهود فلا تقولوا للرسول حينما يتلوا عليكم الوحى: (راعنا) قاصدين أن يجعلكم موضع رعايته، ويتمهل عليكم فى تلاوته حتى تعوه وتحفظوه، لأن خبثاء اليهود يتظاهرون بمحاكاتكم فى ذلك، ويلوون ألسنتهم بهذه الكلمة حتى تصير مطابقة لكلمة سباب يعرفونها ويوجهونها للرسول ليسخروا منه فيما بينهم، ولكن استخدموا كلمة أخرى لا يجد اليهود فيها مجالا لخبثهم وسخريتهم: فقولوا: (انظرنا) وأحسنوا الإصغاء إلى ما يتلوه عليكم الرسول، وأن الله ليدخر يوم القيامة عذاباً أليماً لهؤلاء المستهزئين بالرسول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 105 - ولتعلموا أن هؤلاء الكافرين من اليهود والمشركين من عبدة الأصنام لا يرجون إلا ضرركم ولا يودون أن ينزل عليكم خير من ربكم، والله لا يقيم وزناً لما يرجون وما يكرهون. فالله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 106 - ولقد طلبوا منك - يا محمد - أن تأتيهم بالمعجزات التى جاءهم بها موسى وأنبياء بنى إسرائيل، وحسبنا أننا أيدناك بالقرآن، وأننا إذا تركنا تأييد نبى متأخر بمعجزة كانت لنبى سابق، أو أنسينا الناس أثر هذه المعجزة فإننا نأتى على يديه بخير منها أو مثلها فى الدلالة على صدقه، فالله على كل شئ قدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 107 - وهو الذى بيده ملكوت السموات والأرض، وليس لكم - أيها الناس - من دونه ولى يعينكم، ولا سند ينصركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 108 - لعلكم تريدون باقتراحكم معجزات معينة على رسولكم - محمد - أن تحاكوا بنى إسرائيل المعاصرين لموسى، إذ طلبوا إليه معجزات خاصة. إن اقتراحكم هذا ليخفى وراءه العناد والجنوح إلى الكفر، كما كان يخفى ذلك اقتراح بنى إسرائيل على رسولهم. ومن يؤثر العناد والكفر على الإخلاص للحق والإيمان، فقد حاد عن الطريق السوى المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 109 - ولقد تمنى كثير من اليهود أن يردوكم - أيها المسلمون - إلى الكفر بعد إيمانكم، مع أنه قد تبين لهم من كتابهم نفسه أنكم على الحق، وما ذلك إلا لأنهم يحسدونكم ويخشون أن ينتقل إليكم السلطان ويفلت من أيديهم، فأعرضوا عنهم، واعفوا واصفحوا حتى يأذن الله لكم بمسلك آخر حيالهم، فهو القادر على أن يمكنكم منهم، وهو على كل شئ قدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 110 - وحافظوا على شعائر دينكم، فأقيموا الصلاة، وأعطوا الزكاة، وما تقدموا لأنفسكم من أعمال طيبة وصدقة تجدوا ثوابه عند الله. إن الله بما تعملون عليم، علم من يبصر ويرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 111 - ومن أباطيل اليهود والنصارى وأمانيهم الكاذبة ما يزعمه كل منهم: من أن الجنة لن يدخلها إلا من كان على دينهم، فلتطلبوا إليهم أن يأتوا ببرهان على ذلك إن كانوا صادقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 112 - ولن يجدوا على ذلك برهاناً، فالحق أن الذين يدخر لهم الله تعالى نعيم الجنة ويثيبهم يوم القيامة ويقيهم الخوف والحزن، هم الذين يخلصون لله ويتبعون الحق، ويحسنون ما يؤدونه من أعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 113 - ومن عجب أنهم كما يعادون الإسلام يعادى بعضهم بعضاً، فيقول اليهود: ليست النصارى على شئ من الحق، ويقول النصارى فى اليهود مثل ذلك، وكلاهما يستدل بأسفاره، ويقول المشركون من العرب الذين لا يعلمون شيئاً عن الكتب المنزلة فى اليهود والنصارى معاً ما يقوله كلاهما فى الآخر، ولقد صدقوا جميعاً فى ذلك، فليس منهم فريق على حق، وسيتبين ذلك حينما يحكم الله بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 114 - ومن مظاهر عدائهم بعضهم لبعض؛ وعدائهم للمسلمين، أن بعض طوائفهم خرَّبت معابد الطوائف الأخرى، وأن المشركين منعوا المسلمين من المسجد الحرام، وليس ثمة أحد أشد ظلماً ممن يحول دون ذكر الله فى أماكن العبادة ويسعى فى خرابها، فأولئك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم. وما كان لهم أن يقترفوا مثل هذا الجرم الخطير، وإنما كان ينبغى أن يحفظوا للمعابد حرمتها، فلا يدخلوها إلا خاشعين، ولا يمنعوا غيرهم أن يذكر فيها اسم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 115 - وإذا كان المشركون قد منعوا المسلمين من الصلاة فى المسجد الحرام، فلن يمنعهم هذا من الصلاة وعبادة الله، فجميع الجهات وجميع البقاع فى الأرض لله، وإن الله ليتقبل من المسلم صلاته ويقبل عليه برضاه أياً كانت البقعة التى يؤدى فيها عبادته، فالله واسع لا يضيِّق على عباده، وهو عليم بنية من يتجه إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 116 - ومن كان هذا شأنه، وكان جميع ما فى الكون مسخراً لأمره، خاضعاً لمشيئته، فهو أرفع وأجل من أن يحتاج لنسل أو يتخذ ولداً كما يقول هؤلاء اليهود والنصارى والمشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 117 - وكيف يحتاج لنسل أو يتخذ ولداً من أبدع السموات والأرض وأذعن كل ما فيها لإرادته فلا يستعصى شئ عليه، وإذا أراد أمراً فإنما يقول له: كن، فيكون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 118 - هذا ويمعن المشركون من العرب فى عنادهم لمحمد، فيطلبون إليه مثل ما طلبته الأمم السابقة من أنبيائهم، فقد قالوا: إنهم لم يؤمنوا به إلا إذا كلمهم الله وجاءتهم آية حسية تدل على صدقه، كما قال بنو إسرائيل لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله ويكلمنا، وكما طلب أصحاب عيسى منه أن ينزل عليهم مائدة من السماء، وما ذلك إلا لأن قلوب الكفار والمعاندين فى كل أمة متشابهة، وأنه لا يستبين الحقَّ إلا من صفت بصائرهم وأذعنت عقولهم لليقين، وطلبت الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 119 - وقد أرسلناك بحقائق يقينية بشيراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين، وليس عليك إلا تبليغ رسالتنا، ولن تُسأل عن عدم إيمان من لم يؤمن بك من أصحاب الجحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 120 - فلا ترهق نفسك فى استرضاء المعاندين من اليهود والنصارى، فإن هؤلاء لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم التى يزعمون أنها الهدى، وليس ثمة هدى إلا هدى الله فى الإسلام، ومن يتبع أهواء هؤلاء من بعد أن علم ما أنزلناه إليك من الحق، فلن يكون له يوم القيامة من دون الله ولى يعينه، ولا نصير يدفع عنه العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 121 - غير أن ثمة فريقاً من اليهود والنصارى قد تفقهوا فى أسفارهم الأصيلة، وتلوها حق التلاوة، وفطنوا إلى ما دخلها من تحريف، فأولئك يؤمنون بحقائقها ويؤمنون تبعاً لذلك بالقرآن، ومن يكفر بكتاب منزل فأولئك هم الخاسرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 122 - يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى العظيمة التى أنعمت بها عليكم بإخراجكم من ظلم فرعون وإغراقه، وإعطائكم المن والسلوى، وبعث الأنبياء فيكم، وتعليمكم الكتاب. . وغير ذلك مما شرفتكم به، وأنى فضلتكم - وقتاً من الزمان - على الناس فى جعل مصدر النبوات منكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 123 - وخافوا عقاب الله فى يوم لا تدفع فيه نفس عن نفس شيئاً، ولا يقبل منها فداء، ولا تنفعها شفاعة، ولا يجد فيه الكافرون نصيراً لهم من دون الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 124 - واذكروا إذ ابتلى الله جدكم إبراهيم بتكاليف، فقام بها على أتم وجه، فقال له: إنى جاعلك للناس إماماً يتبعونك ويقتدون بك، فطلب إبراهيم من ربه أن يجعل من ذريته أئمة كذلك، فأجابه بأن هذا لن يصل إليه منهم الظالمون، وأشار أنه سيكون من ذريته الأبرار والفجار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 125 - واذكروا كذلك قصة بناء إبراهيم مع ابنه إسماعيل لبيت الله الحرام بمكة، وفى هذه القصة عظة بالغة لمن كان له قلب سليم، فلتذكروا إذ جعلنا هذا البيت ملاذاً للخلق ومأمناً لكل من يلجأ إليه، وإذ أمرنا الناس بأن يتخذوا من موضع قيام إبراهيم لبناء الكعبة مكاناً يصلون فيه، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن يصونا البيت مما لا يليق بحرمته، وأن يهيئاه تهيئة صالحة لمن يَؤُمُّهُ من الطائفين والمعتكفين والمصلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 126 - واذكروا اذ طلب إبراهيم من ربه أن يجعل البلد الذى سينشأ حول البيت بلداً آمناً، وأن يرزق من ثمرات الأرض وخيراتها من آمن من أهله بالله واليوم الآخر، فأجابه الله بأنه لن يضنَّ على الكافر نفسه بالرزق فى أثناء حياته القصيرة، ثم يلجئه يوم القيامة إلى عذاب جهنم. ولبئس المصير. . مصير هؤلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 127 - وإذ يرفع إبراهيم هو وابنه إسماعيل قواعد البيت وهما يدعوان الله: ربنا يا خالقنا وبارئنا تقبل منا هذا العمل الخالص لوجهك، فأنت السميع لدعائنا العليم بصدق نياتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 128 - ربنا وفقنا واجعلنا مخلصين لك واجعل من ذريتنا جماعة مخلصة لك، وعلمنا طريقة عبادتنا لك فى بيتك الحرام وما حوله، وتب علينا إن نسينا أو أخطأنا إنك أنت كثير القبول لتوبة عبادك، الغافر لهم بفضلك ورحمتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 129 - ربنا وابعث فى ذريتنا رسولا منهم يقرأ عليهم آياتك ويعلّمهم ما يوحى إليه به من كتاب وعلم نافع وشريعة محكمة، ويطهرهم من ذميم الأخلاق، إنك أنت الغالب القاهر الحكيم فيما تفعل وما تأمر به وما تنهى عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 130 - ولَنِعم ما فعله إبراهيم وما دعا به ربه، وما اتبعه من ملة قويمة، وأنه لا يعرض عن ملة إبراهيم إلا من امتهن إنسانيته وعقله، ولقد اصطفاه الله فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين المقربين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 131 - ولقد استجاب إبراهيم لأمر ربه حينما طلب الله إليه أن يذعن، فقال: أذعنت لرب العالمين جميعاً من جن وإنس وملائكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 132 - ولم يكتف بذلك بل أوصى بنيه بأن يسيروا على هديه، وحاكاه حفيد يعقوب فأوصى هو الآخر بنيه كذلك أن يتبعوا هذه السنن، وبيّن لأبنائه أن الله اصطفى لهم دين التوحيد وأخذ عليهم العهد ألا يموتوا إلا وهم مسلمون ثابتون على هذا الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 133 - ولقد زعمتم - أيها اليهود - أنكم تسيرون على الدين الذى مات عليه يعقوب، فهل كنتم شهداء إذ حضره الموت فعرفتم الملة التى مات عليها؟ ألا فلتعلموا أن يعقوب وأبناءه كانوا مسلمين موحدين ولم يكونوا يهوداً مثلكم ولا نصارى، وأن يعقوب حينما حضره الموت جمع بنيه وقال لهم: ما تعبدون من بعدى؟ فأجابوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له خاضعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 134 - ثم ما لكم - أيها اليهود - والجدل فى هؤلاء! فأولئك قوم قد مضوا لسبيلهم، ثم لهم - وحدهم - ما كسبوا فى حياتهم، فلن تسألوا عن أعمالهم، ولن يفيدكم شئ منها، ولن يكون لكم إلا ما كسبتم أنتم من أعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 135 - ولكنهم لا ينفكون يمعنون فى لجاجهم، ويزعم كل فريق منهم أن ملته هى الملة المثلى، فيقول لكم اليهود: كونوا يهوداً تهتدوا إلى الطريق القويم، ويقول النصارى: كونوا نصارى تهتدوا إلى الحق المستقيم، فلتردوا عليهم بأننا لا نتبع هذه الملة ولا تلك، لأن كلتيهما قد حُرِّفَتْ وخرجت عن أصولها الصحيحة، ومازجها الشرك، وبعدت عن ملة إبراهيم، وإنما نتبع الإسلام الذى أحيا ملة إبراهيم نقية طاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 136 - قولوا لهم: آمنا بالله وما أنزل إلينا فى القرآن، وآمنا كذلك بما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وبنيه الأسباط، وبالتوراة التى أنزلها الله على موسى غير محرَّفة، والإنجيل الذى أنزله الله على عيسى غير محرَّف، وبما أوتى جميع النبيين من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم - فنكفر ببعضهم ونؤمن ببعض - ونحن فى هذا كله مذعنون لأمر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 137 - فإن آمنوا إيماناً مطابقاً لإيمانكم فقد اهتدوا، وإن تمادوا فى عنادهم وإعراضهم فإنما هم فى نزاع مستمر وخلاف معكم، وسيكفيك الله أمرهم - يا أيها النبى - ويريحك من لجاجهم وشقاقهم، فهو السميع لما يقولون، العليم بما عليه صدورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 138 - قولوا لهم: إن الله قد هدانا بهدايته، وأرشدنا إلى حجته، ومن أحسن من الله هداية وحُجة، وأننا لا نخضع إلا لله، ولا نتبع إلا ما هدانا وأرشدنا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 139 - قولوا لهم: أتجادلوننا فى الله زاعمين أنه لا يصطفى أنبياء إلا منكم! وهو ربكم ورب كل شئ، لا يختص به قوم دون قوم، يصيب برحمته من يشاء، ويجزى كل قوم بأعمالهم، غير ناظر إلى أنسابهم ولا أحسابهم، وقد هدانا الطريق المستقيم فى أعمالنا، ورزقنا صفة الإخلاص له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 140 - قولوا لهم: أتجادلوننا فى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأبنائه الأسباط زاعمين أنهم كانوا يهودا أو نصارى مثلكم؟ ، مع أنه ما أنزلت التوراة والإنجيل اللذان قامت عليهما اليهودية والنصرانية إلا من بعد هؤلاء، وقد أخبرنا الله بذلك، أفأنتم أعلم أم الله؟ ، بل إن الله قد أخبركم أنتم بذلك فى أسفاركم فلا تكتموا الحق المدوَّن فى أسفاركم هذه، ومن أظلم ممن كتم حقيقة يعلمها من كتابه وسيجازيكم الله على ما تلجون فيه من باطل، فليس الله بغافل عما تعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 141 - ثم ما لكم أيها اليهود والنصارى والجدل فى هؤلاء؟ فأولئك قوم قد مضوا لسبيلهم، لهم ما كسبوا فى حياتهم، ولن تُسألوا عن أعمالهم ولن يفيدكم شئ منها، ولن يكون لكم إلا ما كسبتم أنتم من أعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 142 - إن ضعاف العقول الذين أضلتهم أهواؤهم عن التفكر والتدبر من اليهود والمشركين والمنافقين سينكرون على المؤمنين تحوَّلهم من قبلة بيت المقدس التى كانوا يصلّون متجهين إليها إلى قبلة أخرى وهى الكعبة، فقل لهم أيها النبى: إن الجهات كلها لله، لا فضل لجهة على أخرى بذاتها، بل الله هو الذى يختار منها ما يشاء ليكون قبلة للصلاة، وهو يهدى بمشيئته كل أمة من الأمم إلى طريق قويم يختاره لها ويخصها به، وقد جاءت الرسالة المحمدية فنسخت ما قبلها من الرسالات، وصارت القبلة الحقة هى الكعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 143 - ولهذه المشيئة هديناكم إلى الطريق الأقوم، وجعلناكم أمة عدولاً خياراً بما وفقناكم إليه من الدين الصحيح والعمل الصالح لتكونوا مقررى الحق بالنسبة للشرائع السابقة، وليكون الرسول مهيمناً عليكم، يسددكم بإرشاده فى حياته، وبنهجه وسنته بعد وفاته. وأما عن قبلة بيت المقدس التى شرعناها لك حيناً من الدهر، فإنما جعلناها امتحاناً للمسلمين ليتميز من يذعن فيقبلها عن طواعية، ومن يغلب عليه هوى تعصبه العربى لتراث إبراهيم فيعصى أمر الله ويضل عن سواء السبيل. ولقد كان الأمر بالتوجه إلى بيت المقدس من الأمور الشاقة إلا على من وفقه الله بهدايته، وكان امتثال هذا الأمر من أركان الإيمان، فمن استقبل بيت المقدس عند الأمر باستقباله - إيماناً منه وطاعة - فلن يضيع عليه ثواب إيمانه وطاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 144 - ولقد رأينا كيف كنت تتطلع إلى السماء عسى أن ينزل الوحى بتغيير قبلة بيت المقدس إلى الكعبة التى تحبها لأنها قبلة إبراهيم أبى الأنبياء، وأبى اليهود والعرب، وبها مقام إبراهيم، فهى - لهذا - القبلة الجامعة وإن كانت تخالف قبلة اليهود، فها نحن أولاء نؤتيك سؤلك فاستقبل فى صلاتك المسجد الحرام، واستقبلوه كذلك أيها المؤمنون فى أى مكان تكونون، وإن أهل الكتاب الذين ينكرون عليكم التحول عن قبلة بيت المقدس قد عرفوا فى كتبهم أنكم أهل الكعبة، وعلموا أن أمر الله جار على تخصيص كل شريعة بقبلة، وأن هذا هو الحق من ربهم، ولكنهم يريدون فتنتكم وتشكيككم فى دينكم، والله ليس غافلا عنهم وهو يجزيهم بما يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 145 - وما كان إنكار أهل الكتاب عليكم لشبهة تزيلها الحُجة، بل هو إنكار عناد ومكابرة فلئن جئتهم - أيها الرسول - بكل حُجة قطعية على أن قبلتك هى الحق ما تبعوا قبلتك، وإذا كان اليهود منهم يطمعون فى رجوعك إلى قبلتهم ويعلِّقون إسلامهم على ذلك فقد خاب رجاؤهم وما أنت بتابع قبلتهم، وأهل الكتاب أنفسهم يتمسك كل فريق منهم بقبلته: فلا النصارى يتبعون قبلة اليهود ولا اليهود يتبعون قبلة النصارى، وكل فريق يعتقد أن الآخر ليس على حق، فاثبت على قبلتك ولا تتبع أهواءهم، فمن اتبع أهواءهم - بعد العلم ببطلانها والعلم بأن ما عليه هو الحق - فهو من الظالمين الراسخين فى الظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 146 - وإن أهل الكتاب ليعلمون أن التحول إلى قبلة البيت الحرام بمكة هو الحق، ويسلِّمون أنك النبى المنعوت فى كتبهم بنعوت من جملتها أنه يصلى إلى الكعبة، ومعرفتهم نُبُوَّتك وقبلتك كمعرفتهم أبناءهم فى الوضوح والجلاء، ولكن بعضهم يخفون هذا الحق على علم اتباعاً لهواهم، وتعصباً باطلا لملتهم حفاظاً على سلطانهم، ويحاولون تضليلكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 147 - وإنما الحق هو ما صدر لك من الله تعالى لا ما يضلَّل به أهل الكتاب، فكونوا على يقين منه، ولا تكونوا من أهل الشك والتردد، ومن ذلك الحقِّ أمرُ تحول القبلة إلى البيت الحرام فامضوا عليه ولا تبالوا بالمعارضين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 148 - إن هذه القبلة التى حولناك إليها هى قبلتك وقبلة أمتك، وكذلك لكل أمة قبلة تتجه إليها فى صلاتها حسب شريعتها السابقة، وليس فى ذلك شئ من التفاضل، وإنما التفاضل فى فعل الطاعات وعمل الخيرات، فسارعوا إلى الخيرات وتنافسوا فيها، وسيحاسبكم الله على ذلك، فإنه سيجمعكم يوم القيامة من أى موضع كنتم، ولن يفلت منه أحد، وبيده كل شئ بما فى ذلك الإماتة والإحياء والبعث والنشور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 149 - فَاسْتقْبل - يا محمد - ومن اتبعك المسجد الحرام فى صلاتك من كل مكان كنت فيه، سواء كان ذلك فى حال إقامتك أم فى حال سفرك وخروجك من مكان إقامتك، وإن هذا لهو الحق الموافق لحكمة ربك الرفيق بك، فاحرص عليه أنت وأمَّتك، فإن الله سيجازيكم أحسن الجزاء، والله عالم علماً لا يخفى عليه شئ من عملكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 150 - والتزم أمر الله فى القبلة واحرص عليه أنت وأمتك، فاجعل وجهك فى ناحية المسجد الحرام من كل مكان خرجت إليه فى أسفارك، واستقبلوه حيثما كنتم من أقطار الأرض مسافرين أو مقيمين، لينقطع ما يحاجّكم به المخالفون ويجادلونكم به، وإذا لم تمتثلوا لأمر هذا التحويل فسيقول اليهود: كيف يصلى محمد إلى بيت المقدس والنبى المنعوت فى كتبنا من أوصافه التحول إلى الكعبة؟ وسيقول المشركون العرب كيف يدعى ملة إبراهيم ويخالف قبلته؟ على أن الظالمين الزائغين عن الحق من الجانبين لن ينقطع جدالهم وضلالهم، بل سيقولون: ما تحوَّل إلى الكعبة إلا مَيْلا إلى دين قومه وحباً لبلده، فلا تبالوا بهم فإن مطاعنهم لا تضركم، وَاخْشَوْنِ فلا تخالفوا أمرى، وقد أردنا بهذا الأمر أن نتم النعمة عليكم وأن تكون هذه القبلة التى وجهناكم إليها أدعى إلى ثباتكم على الهداية والتوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 151 - وإن توجيهكم إلى المسجد الحرام بإرسالنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آيات من إتمام نعمتنا عليكم كما أتممنا عليكم النعمة - القرآن - ويطهر نفوسكم عمليا من دنس الشرك وسيئ الأخلاق والعادات ويكملكم علمياً بمعارف القرآن والعلوم النافعة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، فقد كنتم فى جاهلية جهلاء وضلالة عمياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 152 - فاذكرونى - أيها المؤمنون - بالطاعة أذكركم بالثواب، واشكروا لى ما أسبغت عليكم من النعم ولا تجحدوا هذه النعم بعصيان ما أمرتكم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 153 - واستعينوا - أيها المؤمنون - فى كل ما تأتون وما تذرون بالصبر على الأمور الشاقة والصلاة التى هى أمّ العبادات، إن الله بقدرته القاهرة مع الصابرين فهو وليهم وناصرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 154 - ولن يؤدى الصبر إلا إلى الخير والسعادة فى الدارين، فلا تقعدوا عن الجهاد فى سبيل الله، ولا ترهبوا الموت فيه، فمن مات فى الجهاد فليس بميت بل هو حى حياة عالية وإن كان الأحياء لا يحسون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 155 - والصبر درع المؤمن وسلاحه الذى يتغلب به على الشدائد والمشاق، وسيصادفكم كثير من الشدائد فسنمتحنكم بكثير من خوف الأعداء والجوع وقلة الزاد والنقص فى الأموال والأنفس والثمرات، ولن يعصمكم فى هذا الامتحان القاسى إلا الصبر، فبشر - يا أيها النبى - (الصابرين) بالقلب وباللسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 156 - الذين إذا نزل بهم ما يؤملهم يؤمنون أن الخير والشر من الله، وأن الأمر كله لله فيقولون: إنّا مِلْكٌ لله - تعالى - وراجعون إليه، فليس لنا من أمرنا شئ، وله الشكر على العطاء وعلينا الصبر عند البلاء، وعنده المثوبة والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 157 - فهؤلاء الصابرون المؤمنون بالله لهم البشارة الحسنة بغفران الله وإحسانه، وهم المهتدون إلى طريق الخير والرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 158 - وكما أن الله رفع شأن الكعبة بجعلها قبلة الصلاة، رفع أمر الجبلين اللذين يُشَارِفانِهَا وهما «الصفا» «والمروة» فجعلهما من مناسك الحج، فيجب بعد الطواف السعى بينهما سبع مرات، وقد كان منكم من يرى فى ذلك حرجاً لأنه من عمل الجاهلية، ولكن الحق أنه من معالم الإسلام، فلا حرج على من ينوى الحج أو العمرة أن يسعى بين هذين الجبلين، وليأت المؤمن من الخير ما استطاع فإن الله عليم بعمله ومثيبه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 159 - وأولئك الذين أنكروا عليكم أمر دينكم فريقان: فريق من أهل الكتاب الذين يعرفون الحق ويخفونه على علم وعناد، وفريق المشركين الذين عميت قلوبهم عن الحق، فاتخذوا أرباباً من دون الله، فأهل الكتاب الذين عرفوا براهين صدقك تبينوا الحق فى دينك ثم أخفوا هذه الدلائل وكتموها عن الناس، أولئك يصب الله عليهم غضبه ويبعدهم عن رحمته، ويدعو عليهم الداعون من الملائكة ومؤمنى الثقلين - الجن والإنس - بالطرد من رحمة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 160 - ولا يستثنى من أهل الكتاب إلا من تاب وأحسن فرجع عن الكتمان، وتدارك أمره بإظهار ما كان يخفيه من وصف الرسول والإسلام، فإن الله يتقبل توبته ويمحو ذنبه، فهو الذى يقبل التوبة من عباده رأفة منه ورحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 161 - أما الذين استمروا على الكفر، وماتوا على ذلك دون توبة ولا ندم، فجزاؤهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 162 - وسيستمرون فى هذه اللعنة وفى النار لا يخفف عنهم العذاب، ولن يمهلوا أو يؤخروا، ولو طلبوا الإمهال والتأخير لن يجابوا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 163 - إن إلهكم الذى ينفرد بالعبودية واحد، فلا إله غيره، ولا سلطان لسواه، ثم هو قد اتصف بالرحمة فهو رحيم بعباده فى إنشائهم وتكوينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 164 - وقد أقام الله سبحانه وتعالى دلائل وآيات لكل ذى عقل على وجوده وألوهيته، ومن ذلك السموات التى ترونها تسير فيها الكواكب بانتظام دون تزاحم ولا صدام تبعث الحرارة والنور لهذا العالم، والأرض وما فيها من البر والبحر، وتعاقب الليل والنهار وما فى ذلك من المنافع، وما يجرى فى البحر من السفن تحمل الناس والمتاع، ولا يسيِّرها إلا الله، فهو الذى يرسل الرياح التى يسير بها المطر ينزل فيحيى الحيوان ويسقى الأرض والنبات، والرياح وهبوبها فى مهابها المختلفة، والسحاب المعلق بين السماء والأرض، فهل هذه الأشياء كلها بهذا الاتقان والإحكام من تلقاء نفسها أم هى صنع العليم القدير؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 165 - ومع هذه الدلائل الواضحة اتخذ بعض الناس ممن ضلّت عقولهم أرباباً غير الله يطيعونهم ويعبدونهم كعبادة الله ويجعلونهم مثل الله، والمؤمن يسلم القيادة لله وحده وطاعته له لا تنقطع، أما هم فإن ولاءهم لآلهتهم يتزلزل عند النوائب فيلجأون إلى الله سبحانه، وهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم لو عاينوا ما سينالهم من العذاب يوم الجزاء حين ينكشف ملك الله وتكون الطاعة له وحده، لانتهوا عن جرمهم وأقلعوا عن إثمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 166 - فى ذلك اليوم يرجو الأتباعُ أن ينجيهم رؤساؤهم من الضلال فيتنكرون لهم ويتبرَّأون منهم ويقولون: ما دعوناكم لطاعتنا فى معصية ربكم، وإنما هو هواكم وسوء تصرفكم، وتنقطع بينهم الصلات والمودات التى كانت بينهم فى الدنيا، ويصير بعضهم لبعض عدواً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 167 - وهنا يتبين الأتباع أنهم كانوا فى ضلال حين اتبعوا رؤساءهم فى الباطل ويتمنون أن يعودوا إلى الدنيا فيتنكروا لرؤسائهم كما تبرأوا منهم فى هذا اليوم، وتبدو لهم أعمالهم السيئة فتكون حسرات عليهم ويندمون، وقد ألقى بهم فى النار فلا يبرحونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 168 - يا أيها الناس كُلوا مما خلق الله فى الأرض من الحلال الذى لم ينزل تحريمه، المستطاب الذى تستسيغه النفوس، ولا تسيروا وراء الشيطان الذى يزيِّن لكم أكل الحرام أو تحريم الحلال، فقد علمتم عداوة الشيطان، وبان قبيح ما يأمركم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 169 - وإنما يزين لكم الشيطان ما هو سيئ فى ذاته، ويضركم فى عافيتكم وما يقبح فعله، وتسيرون بسببه وراء الظنون والأوهام، فتنسبون إلى الله من التحريم والتحليل ما لم يأت دليل عليه من العلم اليقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 170 - وقد اعتاد الضالون عن سبيل الهدى أن يتمسكوا بما توارثوا عن آبائهم فى العقيدة والعمل، وإذا دعوا إلى ما جاء من هدى الله قالوا: لا نعدل عما وجدنا عليه آباءنا، ومن أكبر الجهل ترجيح اتباع طاعة الآباء على إطاعة الله واتباع هداه، فكيف إذا كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً من الدين ولا يستنيرون بنور الهداية والإيمان؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 171 - وإن مثل من يدعو أولئك الكافرين الجاحدين إلى الحق والهدى - فلا يستجيبون له ولا يفقهون ما يدعوهم إليه - كمثل راعى الغنم يناجيها، فلا تفقه منه شيئاً ولا يقرع سمعها إلا الصوت ولا تعى غيره، فهم كذلك عن الحق صُمّ الآذان، عُمْى البصائر، خُرْس الألسنة، لا ينطقون بخير، ولا يصدرون عن عقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 172 - لقد أبحنا للناس كل حلال خلقناه لهم فى الأرض، ونهيناهم أن يتبعوا خطوات الشيطان، فإنْ فعلوا اهتدوا، وإن أبوا فإنا نخص المؤمنين بهدايتنا ونبيِّن الحلال والحرام، في أيها الذين آمنوا أبيح لكم أن تأكلوا من لذيذ الطعام الطيب غير الخبيث، فاشكروا الله على ما أولاكم من نعمة التمكين من الطيبات وإباحتها، ومن نعمة الطاعة والامتثال لأمره لتتم عبادتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 173 - وليس المحرم ما زعمه المشركون وما زعمه اليهود، وإنما المحرم عليكم - أيها المؤمنون - الميتة التى لم تذبح من الحيوان، ومن الدم المسفوح، ومثله فى التحريم لحم الخنزير، وما ذكر على ذبحه اسم غير الله من الوثن ونحوه، على أن من اضطر إلى تناول شئ من هذه المحظورات لجوعٍ لا يجد ما يدفعه غيرها أو لإكراه على أكله فلا بأس عليه، وليتجنب سبيل الجاهلية من طلب هذه المحرمات والرغبة فيها ولا يتجاوز ما يسد الجوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 174 - هذا وقد كان من العالمِين بما أنزل الله فريقٌ يُخفى بَعْضَ الوحى لقاء عَرَضٍ من أعراض الدنيا، فإن اليهود كتموا كثيراً مما جاء فى التوراة من نعت الرسول خشيةَ أن يُسْلِم أهل ملتهم فيزول أمرهم وتضيع مكاسبهم ولذيذ مطاعمهم، وإن مطاعمهم من هذا السبيل لهى كالنار يأكلونها، لأنها ستقودهم إلى النار، وسيعرض الله عنهم يوم القيامة، ولا يطهرهم من دنسهم، وأمامهم عذاب شديد موجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 175 - وأولئك هم الآثمون الذين اختاروا الضلالة على الهدى فاستحقوا العذاب فى الآخرة بدل الغفران، فكانوا كمن يشترى الباطل بالحق، وما فيه ضلال بما فيه هداية، وإن حالهم لتدعو إلى العجب، إذ يصبرون على موجبات العذاب ويستطيبون ما يؤدى بهم إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 176 - ولقد استوجبوا ما قدر لهم من الجزاء لكفرهم بكتاب الله الذى أنزله بالحق والصدق، ولقد اختلفوا فيه اختلافاً كبيراً، دفع إليه حب الجدل ومجانبة الحق والانقياد للهوى، فحرفوه وأفسدوه وفسروه بغير معانيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 177 - لقد أكثر الناسُ الكلام فى أمر القبلة كأنها هى وحدها الخير، وليس هذا هو الحق، فليس استقبال جهة معينة فى المشرق أو المغرب هو قوام الدين وجماع الخير، ولكن ملاك الخير عدة أمور بعضها من أركان العقيدة الصحيحة، وبعضها من أمهات الفضائل والعبادات، فالأول هو: الإيمان بالله ويوم البعث والنشور والحساب وما يتبعه يوم القيامة، والإيمان بالملائكة وبالكتب المنزلة على الأنبياء وبالأنبياء أنفسهم. والثانى هو: بذل المال عن رغبة وطيب نفس للفقراء من الأقارب واليتامى، ولمن اشتدت حاجتهم وفاقتهم من الناس، وللمسافرين الذين انقطع بهم الطريق فلا يجدون ما يبلغهم مقصدهم، وللسائلين الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، ولغرض عتق الأرقاء وتحرير رقابهم من الرق. والثالث: المحافظة على الصلاة. والرابع: إخراج الزكاة المفروضة. والخامس: الوفاء بالعهد فى النفس والمال. والسادس: الصبر على الأذى ينزل بالنفس أو المال، أو وقت مجاهدة العدو فى مواطن الحروب فالذين يجمعون هذه العقائد والأعمال الخيرة هم الذين صَدَقوا فى إيمانهم، وهم الذين اتقوا الكفر والرذائل وتجنبوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 178 - ومن الشرائع التى فرضناها على المؤمنين أحكام القتل العمد، فقد فرضنا عليكم القصاصَ بسبب القتل، ولا تأخذوا بظلم أهل الجاهلية الذين كانوا يقتلون الحر غير القاتل بالعبد، والذكر الذى لم يقتل بالأنثى، والرئيس غير القاتل بالمرءوس القاتل دون مجازاة القاتل نفسه، فالحر القاتل يقتل بالحر المقتول، وكذلك العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فأساس القصاص هو دفع الاعتداء فى القتل بقتل القاتل للتشفى ومنع البغى، فإن سَمَت نفوس أهل الدم ودفعوا بالتى هى أحسن فآثروا العفو عن إخوانهم وجب لهم دية قتيلهم، وعلى أولياء الدم اتباع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 هذا الحكم بالتسامح دون إجهاد للقاتل أو تعنيف، وعلى القاتل أداء الدين دون مماطلة أو بخس، وفى حكم القتل الذى فرضناه على هذا الوجه تخفيف على المؤمنين بالنسبة إلى حكم التوراة الذى يوجب فى القتل القصاص، كما فيه رحمة بهم بالنسبة إلى الذين يدعون إلى العفو من غير تعرض للقاتل، فمن جاوز هذا الحكم بعد ذلك فله عذاب أليم فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 179 - وإن رحمة الله بكم لعظيمة فى فرض القصاص عليكم، فبفضل القصاص عليكم تتحقق للمجتمع حياة آمنة سليمة. وذلك أن من يهم بالقتل إذا علم أن فى ذلك هلاك نفسه لم ينفذ ما هَمَّ به، وفى ذلك حياته وحياة من هَمَّ بقتله، وإذا قتل الرئيس بالمرءوس وغير المذنب بالمذنب - كما هو شأن الجاهلية - كان ذلك مثاراً للفتن واختلال النظام والأمن. فلْيتدبر أولو العقول مزية القصاص فإن ذلك يحملهم على إدراك لطف الله بهم إلى سبيل التقوى وامتثال أوامر الله سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 180 - وكما شرع الله القصاص لصلاح الأمة وحفظ المجتمع، كذلك شرع الله شريعة فيها صلاح الأسرة وحفظ كيانها وهى شريعة الوصية، فعلى من ظهرت أمامه إمارات الموت وعلم أنه ميت لا محالة، وكان ذا مال يعتد به أن يجعل من ماله نصيباً لمن يدرك من والديه وأقاربه - الأقربين غير الوارثين - وليراع فى ذلك ما يحسن ويقبل فى عرف العقلاء فلا يعطى الغنى ويدع الفقير، بل يؤثر ذوى الحاجة ولا يسوى إلا بين المتساوين فى الفاقة، وكان ذلك الفرض حقاً واجباً على من آثر التقوى واتبع أوامر الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 181 - وإذا صدرت الوصية عن الموصى كانت حقاً واجباً لا يجوز تغييره ولا تبديله، إلا إذا كانت الوصية مجافية للعدل، فمن بدّل هذا الحق فغيَّر الوصية العادلة القويمة بعد ما علم هذا الحكم وثبت عنده فقد ارتكب ذنباً عظيماً ينال عقابه، وقد برئ الموصى من تبعته، ولا يظن أحد أن يفعل ذلك ولا يجازى عليه، فإن الله سميع عليم لا تخفى عليه خافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 182 - أما إذا كانت الوصية زائغة عن العدل وعن الصراط القويم الذى بَيَّنَّاه بأن حَرَم الموصِى الفقيرَ وأعطى الغنى، أو ترك الأقربين وراعى الفقراء غير الوارثين الأجانب، فسعى ساع فى سبيل الخير وأصلح بين الموصى إليهم ليرد الوصية إلى الصواب، فلا إثم عليه فيما يحدثه من تغيير الوصية وتبديلها على هذا الوجه، ولا يؤاخذه الله على ذلك، فإن الله غفور رحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 183 - وكما شرع الله لكم القصاص والوصية لصلاح مجتمعكم، والحفاظ على أسركم، شرع الله كذلك فريضة الصيام تهذيباً لنفوسكم، وتقويماً لشهواتكم، وتفضيلا لكم على الحيوان الأعجم الذى ينقاد لغرائزه وشهواته، وكان فرض الصيام عليكم مثل ما فرض على من سبقكم من الأمم فلا يشق عليكم أمره. لأنه فرض على الناس جميعاً، وكان وجوب الصيام والقيام به، لتتربى فيكم روح التقوى، ويقوى وجدانكم، وتتهذب نفوسكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 184 - وفرض الله عليكم الصيام فى أيام معدودة قليلة لو شاء سبحانه لأطال مدته ولكنه لم يطلها، ولم يكلفكم فى الصوم ما لا تطيقون، فمن كان مريضاً مرضاً يضر معه الصوم، أو كان فى سفر، فله أن يفطر ويقضى الصوم بعد برئه من المرض أو رجوعه من السفر، أما غير المريض والمسافر ممن لا يستطيع الصوم إلا بمشقة لعذر دائم كشيخوخة ومرض لا يرجى برؤه فله الفطر حينئذٍ، وعليه أن يطعم مسكيناً لا يجد قوت يومه، ومن صام متطوعاً زيادة على الفرض فهو خير له، لأن الصيام خير دائماً لمن يعلم حقائق العبادات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 185 - وهذه الأيام هى شهر رمضان الجليل القدر عند الله، لقد أنزل فيه القرآن يهدى جميع الناس إلى الرشد ببيِّاناته الواضحة الموصلة إلى الخير، والفاصلة بين الحق والباطل على مَرِّ العصور والأجيال، فمن أدرك هذا الشهر سليماً غير مريض، مقيماً غير مسافر فعليه صومه، ومن كان مريضاً مرضاً يضر معه الصوم أو كان فى سفر فله أن يفطر وعليه قضاء صيام ما أفطره من أيام الصوم، فإن الله لا يريد أن يَشُقَّ عليكم فى التكاليف وإنما يريد لكم اليسر، وقد بين لكم شهر الصوم وهداكم إليه لتكملوا عدة الأيام التى تصومونها وتكبروا الله على هدايته إياكم وحسن توفيقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 186 - وإنى مطلع على العباد، عليم بما يأتون وما يذرون، فإذا سألك - يا محمد - عبادى قائلين: هل الله قريب منا بحيث يعلم ما نخفى وما نعلن وما نترك؟ فقل لهم: إنى أقرب إليهم مما يظنون، ودليل ذلك أن دعوة الداعى تصل فى حينها، وأنا الذى أجيبها فى حينها كذلك، وإذا كنت استجبت لها فليستجيبوا هم لى بالإيمان والطاعة فإن ذلك سبيل إرشادهم وسدادهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 187 - أحَلَّ الله لكم ليلة الصوم إتيان نسائكم لاختلاطكم بهن واختلاطهن بكم فى النهار والمبيت، ولعسر ابتعادكم عنهن وتخفيفاً عليكم. وقد علم الله أنكم كنتم تنقصون حظ نفوسكم وتظلمونها، فتحرمون عليها إتيان النساء فى ليل رمضان فتاب عليكم من الغلو وعفا عنكم، والآن وقد تبين لك حِلُّ ذلك فلا تتحرجوا من مباشرتهن، وتمتعوا بما أباحه الله لكم وكلوا واشربوا فى ليل رمضان حتى يظهر لكم نور الفجر، متميزاً من ظلام الليل، كما يتميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وإذا ظهر ذلك فصوموا وأتموا الصيام إلى غروب الشمس. وإذا كان الصيام من العبادات التى يجب التفرغ لها والتجرد فيها من شهوات النفس ومقاربة النساء فى نهار الصوم، فكذلك عبادة الاعتكاف فى المساجد وملازمتها توجب الخلوَّ لها وعدم التمتع بالنساء ما دام المرء ملتزماً بها. وما شرع الله لكم فى الصوم والاعتكاف حدود وضعها الله لكم فحافظوا عليها ولا تقربوها لتتجاوزوا أوامرها، وقد أوسع الله فى بيانها للناس على هذا النحو ليتقوها ويتجنبوا تبعاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 188 - وقد حرَّم الله عليكم أكل مال غيركم دون وجه من الحق دائماً، فلا يستحل أحدكم مال غيره إلا بوجه من الوجوه التى شرعها الله كالميراث والهبة والعقد الصحيح المبيح للملك، وقد ينازع أحدكم أخاه فى المال وهو مبطل، ويرفع أمره إلى الحاكم أو القاضى ليحكم له وينتزع من أخيه ماله بشهادة باطلة أو بينة كاذبة، أو رشوة خبيثة، فبئس ما يفعل وما يجرُّ على نفسه من سوء الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 189 - ويسألك قوم عن الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يكتمل ويستوى، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ، ولا يكون على حالة واحدة كالشمس. فما وراء هذا التغير، حتى صار فى كل شهر هلال وصارت هناك أهلة؟ . فقل لهم: إن لتكرار هذه الأهلة واختلاف نموها حِكَماً ومصالح دينية ودنيوية، فهى أمارات تحدد أوقات المعاملات فى معاشكم، وتعيِّن أوقات الحج الذى هو من أركان دينكم، ولو استقر الهلال على حاله كالشمس ما استقام لكم توقيت معاشكم وحجكم، وليس جهلكم بحكمة اختلاف الهلال مدعاة للشك فى حكمة الخالق، وليس من البر أن تأتوا البيوت من ظهورها، متميزين بذلك عن الناس، ولكن البر هو تقوى القلوب وإخلاصها وأن تأتوا البيوت من أبوابها كما يأتى كل الناس، وأن تطلبوا الحق والدليل المستقيم، فاطلبوا رضا الله، واتقوا عذابه، وارجوا بذلك فَلاَحَكُمْ وفوزكم ونجاتكم من عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 190 - ومن تقوى الله تحمل المشاق فى طاعته، وأشد المشاق على النفس هو قتال أعداء الله ولكن إذا اعتدى عليكم فقاتلوا المعتدين، وقد أذن لكم برد اعتداءاتهم، ولكن لا تعتدوا بمبادأتهم أو بقتل من لا يقاتل ولا رأى له فى القتال فإن الله لا يحب المعتدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 191 - واقتلوا أولئك الذين بدأوكم بالقتال حيث وجدتموهم، وأخرجوكم من مكة وطنكم الذى حملوكم على الخروج منه، ولا تتحرجوا من ذلك فقد فعلوا ما هو أشد من القتل فى المسجد الحرام إذ حاولوا فتنة المؤمنين عن دينهم بالتعذيب فى مكة حتى فروا بدينهم من وطنهم، ولكن للمسجد الحرام حرمته فلا تنتهكوها إلا إذا انتهكوها هم بقتالكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم وأنتم الغالبون بفضل الله، وكذلك جزاء الكافرين يفعل بهم ما يفعلونه بغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 192 - فإن رجعوا عن الكفر ودخلوا فى طاعة الإسلام، فإن الإسلام يجبُّ ما قبله، والله يغفر لهم ما سلف من كفرهم بفضل منه ورحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 193 - وقاتلوا هؤلاء الذين حاولوا قتلكم وصدكم عن دينكم بالإيذاء والتعذيب، حتى تستأصل جذور الفتنة ويخلص الدين لله. فإن انتهوا عن كفرهم فقد نجوا أنفسهم وخلصوا من العقاب، فلا ينبغى الاعتداء عليهم حينئذٍ وإنما العدوان على من ظلم نفسه وأوبقها بالمعاصى وتجاوز العدل فى القول والفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 194 - فإذا اعتدوا عليكم فى الشهر الحرام فلا تقعدوا عن قتالهم فيه فإنه حرام عليهم، كما هو حرام عليكم، وإذا انتهكوا حرمته عندكم فقابلوا ذلك بالدفاع عن أنفسكم فيه، وفى الحرمات والمقدسات شرع القصاص والمعاملة بالمثل، فمن اعتدى عليكم فى مقدساتكم فادفعوا هذا العدوان بمثله، واتقوا الله فلا تسرفوا فى المجازاة والقصاص، واعلموا أن الله ناصر المتقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 195 - جهاد الكفار يكون ببذل النفس كما يكون ببذل المال، فأنفقوا فى الإعداد للقتال، واعلموا أن قتال هؤلاء فى سبيل الله، فلا تقعدوا عنه، وابذلوا الأموال فيه فإنكم إن تقاعدتم وبخلتم ركبكم العدو وأذلكم فكأنما ألقيتم أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك، فافعلوا ما يجب عليكم بإحسان وإتقان، فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يحسنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 196 - وأدوا الحج والعمرة لله على وجه التمام والكمال قاصدين بهما وجه الله، ولا تقصدوا بهما إصابة عَرَض دنيوى من شهرة ونحوها. وإذا قصدتم الحج والعمرة وأحرمتم بهما فمنعكم عدو فى الطريق فلكم أن تتحللوا من إحرامكم بحلق رءوسكم، ولكن عليكم قبل ذلك ذبح ما تيسر لكم - من شاة أو بعير أو بقرة - والتصدق به على المساكين، ولا تحلقوا رءوسكم حتى تقوموا بهذه النسك، ومن كان مُحْرِماً وأذاه شعر رأسه لمرض أو هوام فى رأسه فلا بأس أن يحلق رأسه، وعليه حينئذٍ أن يفدى عن ذلك بصيام ثلاثة أيام، أو التصدق على ستة مساكين بقوت يوم، أو ذبح شاة والتصدق بها على الفقراء والمساكين. وإذا كنتم فى دار الأمان والسلم ولم يعترض طريقكم عدو، وقصدتم الحج والعمرة وتمتعتم أولا بالعمرة إلى أن يحين وقت الحج فتحرموا، فعليكم ذبح شاة لمساكين الحرم وفقرائه، فمن لم يجد شاة أو لم يقدر على ثمنها صام ثلاثة أيام فى مكة وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وهذا على من لم يكن من أهل مكة، فمن كان من أهلها فلا شئ عليه إذا تمتع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 197 - والحج يقع فى أشهر معلومة لكم، إذ كان أمره معروفاً عندكم من عهد إبراهيم - عليه السلام - وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن فرض الحج على نفسه فى هذه الأشهر ودخل فيه فليراع آدابه، ومن آداب الحج أن يتنزه المحرم عن مباشرة النساء، وعن المعاصى من السباب وغيره، وعن الجدل والمراء مع غيره من الحجيج، وعن كل ما يجر إلى الشحناء والخصام حتى يخرج المحرم مهذب النفس، وليجتهد فى فعل الخير، وطلب الأجر من الله بالعمل الصالح فإن الله عليم بذلك ومجاز عليه، وتزودوا لآخرتكم بالتقوى والائتمار بأوامر الله واجتناب نواهيه، فإن ذلك خير الزاد، واستشعروا خشية الله فيما تأتون وما تذرون كما هو مقتضى العقل والحكمة، فلا تشوبوا أفعالكم بدواعى الهوى والغرض الدنيوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 198 - ولقد كان منكم من يجد حرجاً فى مزاولة التجارة وابتغاء الرزق فى موسم الحج، فلا حرج عليكم فى ذلك، بل لكم أن تزاولوا التكسب بطرقه المشروعة وتبتغوا فضل الله ونعمته، وإذا صدر الحجاج راجعين من عرفات بعد الوقوف بها، ووصلوا المزدلفة ليلة عيد النحر فليذكروا الله عند المشعر الحرام - وهو جبل المزدلفة - بالتهليل والتلبية والتكبير، وليمجدوه وليحمدوه على هدايته إياهم إلى الدين الحق والعبادة القويمة فى الحج وغيره، وقد كانوا من قبل ذلك فى ضلال عن صراط الهدى والرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 199 - وقد كان قوم من العرب - وهم قريش - لا يقفون مع الناس فى عرفات مع علمهم أنه موقف أبيهم إبراهيم، وذلك ترفعاً أن يساووا غيرهم وهم أهل بيت الله وقطان حرمه، وزعماً منهم أن ذلك تعظيم للحرم الذى لا يريدون الخروج منه إلى عرفات، وهى من الحلال لا من الحرام، فطالبهم الله بأن يقلعوا عن عادات الجاهلية ويقفوا بعرفات ويصدروا عنها كما يصدر جمهور الناس، فلا فضل لأحد على الآخر فى أداء العبادة، وعليهم أن يستغفروا الله فى هذه المواطن المباركة فذلك أدعى أن يغفر الله لهم ما فرط منهم من الذنوب والآثام ويرحمهم بفضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 200 - وإذا فرغتم من أعمال الحج وشعائره فدعوا ما كنتم عليه فى الجاهلية من التفاخر بالآباء وذكر مآثرهم، وليكن ذكركم وتمجيدكم لله فاذكروه كما كنتم تذكرون آباءكم، بل اذكروه أكثر من ذكر آبائكم لأنه ولى النعمة عليكم وعلى آبائكم، ومواطن الحج هى مواطن الدعاء وسؤال الفضل والخير والرحمة من عند الله، وقد كان فريق من الحجاج يقصر دعاءه على عرض الدنيا وخيراتها ولا يلقى بالاً للآخرة فهذا لا نصيب له فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 201 - ومن الناس من وفَّقه الله فاتجه بقلبه إلى طلب خيرى الدنيا والآخرة، ودعا الله أن يجنبه شر النار وعذابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 202 - فهؤلاء يعطون ما قُدِّر لهم مما كسبوه بالطلب والركون إلى الله. والله يجزى كلاً بما يستحق، وهو سريع الحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 203 - واذكروا الله بالتكبير والتهليل والتحميد فى أيام معدودات هى أيام رمى الجمار بمنى وهى: الحادى عشر. والثانى عشر. والثالث عشر. وليس بلازم لأن قوام الخير تقوى الله لا مقدار العدد، واتقوا الله دائماً واعلموا أنكم إليه تحشرون مسئولون عن أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 204 - وإذا كانت تقوى الله هى الأساس فالخسران لفريق من الناس يختلف الذى تضمره قلوبهم عن الذى تنطق به ألسنتهم، أوتوا حلاوة فى صوغ الكلام، يعجبك قولهم فيما يحتالون به على جلب المنفعة فى الحياة الدنيا، ويؤيدون لك بزعمهم بأن الله يعلم صدق قلوبهم فيما تقوله ألسنتهم، وإنهم لأشد الناس خصومة لك وأقساهم عليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 205 - وإذا تولى ولاية يكون له فيها سلطان لا يكون سعيه للإصلاح، بل للإفساد وإهلاك الزرع والنسل، والله لا يحبه، لأن الله تعالى لا يحب الفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 206 - وإذا نصحت له حينئذٍ بالخوف من الله ثارت فى نفسه الحمية وظن ذلك هدماً لعزته، وحمله على ارتكاب الإثم فيما نهيته عنه لجاجة وعناداً، فحسبه على ذلك عذاب جهنم ولبئس المستقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 207 - فما أبعد الفرق بين هؤلاء المنافقين وبين المؤمنين الصادقين الذين يبيع أحدهم نفسه فى سبيل مرضاة الله، وإعلاء كلمة الحق، ويكون هذا النوع من الناس مقابلا للنوع الأول، ويكون تولية أمراً من أمور الناس من رأفة الله بعباده، والله تعالى يرحمهم بجعل الولاية لهؤلاء ليدفع بهم أذى الأشرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 208 - يا أيها الذين آمنوا كونوا جميعاً مسالمين فيما بينكم، ولا تثيروا العصبيات الجاهلية وغيرها من أسباب النزاع والخلاف، ولا تسيروا فى طريق الشيطان الذى يدفعكم إلى الشقاق فإنه لكم عدو مبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 209 - فإن انحرفتم عن هذا الطريق الذى دعيتم إليه جميعاً من بعد ظهور الحجج القاطعة على أنه طريق الحق، فاعلموا أنكم مؤاخذون بهذا الانحراف لأن الله عزيز يعاقب من يعرض عن سبيله، حكيم يقدر العقوبة بقدرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 210 - وهل ينتظر هؤلاء المعرضون عن الإسلام ليقتنعوا أن يروا الله تعالى جهرة فى غمامٍ مع الملائكة وقد قضى الأمر بقطع مطامعهم، لأن الشئون جميعاً فى قبضة الله يصرفها هو حيث يشاء وقد قضى فيها قضاءه الذى سينفذ لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 211 - سل بنى إسرائيل كم سقنا إليهم الأدلة القاطعة على صدق الرسول، وفى ذلك نعمة هدايتهم إلى الله، فكفروا بهذه الأدلة، وعمدوا بتكذيبهم لها إلى تبديل الغرض منها، فبعد أن كانت هذه الآيات للهداية أصبحت بالنسبة لكفر هؤلاء بها سبباً فى زيادة ضلالهم وإثمهم، ومن يبدل نعم الله بهذه الصورة يحق عليه العذاب لأن الله شديد العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 212 - وإنّ السبب فى الانحراف والكفر هو طلب الدنيا، فقد زين للذين كفروا شهوات الحياة الدنيا فمضوا يسخرون من الذين آمنوا لانشغالهم بالحياة الآخرة، والله جاعل الذين آمنوا أعلى مكاناً منهم فى الآخرة. فأما توفر المال وزينة الحياة الدنيا لدى الكفار فلا تدل على أفضليتهم، لأن رزق الله لا يُقدَّر على حساب الإيمان والكفر بل يجرى تبعاً لمشيئته، فمن الناس من يزاد له فى الرزق استدراجاً ومنهم من يقتر عليه اختباراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 213 - وإنَّ الناس طبيعة واحدة فيها الاستعداد للضلالة، ومنهم من تستولى عليه أسباب الهداية، ومنهم من تغلب عليه الضلالة، ولذلك اختلفوا، فبعث الله إليهم الأنبياء هداة ومبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب مشتملة على الحق، لتكون هى الحكم بين الناس فينقطع التنازع، ولكن الذين انتفعوا بهدى النبيين هم الذين آمنوا فقط، والذين هداهم الله فى موضع الاختلاف إلى الحق، والله هو الذى يوفق أهل الحق إذا أخلصوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 214 - فهل حسبتم أن تدخلوا الجنة بمجرد إقراركم بكلمة الإسلام بدون أن تصابوا بمثل ما أصاب الذين من قبلكم، فقد أصابتهم الشدائد والنوازل وزلزلوا حتى بلغ بهم الأمر أن قال رسولهم نفسه وقالوا معه: متى نصر الله؟ فَيبِرُّ ربهم بوعده فيجابون عندئذٍ بأن نصر الله قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 215 - يسألك المؤمنون فى شأن الإنفاق فقل لهم: إن الإنفاق يكون من المال الطيب، ويعْطَى للوالدين والأقربين واليتامى والمساكين ومن انقطع عن ماله وأهله، وما تفعلوا من عمل خير فإن الله يعلمه وهو يثيبكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 216 - فإذا كان فى الإنفاق على اليتامى والمساكين وغيرهم حماية للمجتمع فى داخله فإن القتال حماية له من أعدائه فى الخارج، ولذلك فرض عليكم - أيها المسلمون - القتال لحماية دينكم والدفاع عن أنفسكم، وأن نفوسكم بحكم جبلتها تكره القتال كرهاً شديداً، ولكن ربما كرهتم ما فيه خيركم وأحببتم ما فيه شركم، والله يعلم ما غاب من مصالحكم عنكم، وأنتم لا تعلمون فاستجيبوا لما فرض عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 217 - وقد كره المسلمون القتال فى الشهر الحرام فسألوك عنه، فقل لهم: نعم إن القتال فى الشهر الحرام إثم كبير، ولكن أكبر منه ما حدث من أعدائكم من صد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وإخراج المسلمين من مكة، وقد كان إيذاؤهم للمسلمين لإخراجهم من دينهم أكبر من كل قتل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ولذلك أُبيح القتال فى الشهر الحرام لقمع هذه الشرور، فهو عمل كبير يُتقى به ما هو أكبر منه. واعلموا - أيها المسلمون - أن سبيل هؤلاء معكم سبيل التجنى والظلم، وأنهم لا يقبلون منكم العدل والمنطق، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يضعف أمام هجماتهم ويرتد عن دينه حتى يموت على الكفر فأولئك بطلت أعمالهم الصالحة فى الدنيا والآخرة، وأولئك أهل النار هم فيها خالدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 218 - وإن الذين آمنوا إيماناً صادقاً دفعهم إلى الهجرة لنصرة الدين والجهاد لإعلاء كلمته فأولئك ينتظرون عظيم ثواب الله لهم، وإن قصروا فى شئ، لأن الله غفور يغفر الذنوب، رحيم يرحم عباده بالهداية والثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 219 - ويسألونك - يا محمد - عن حكم الخمر والقمار، فقل: إن فيهما ضرراً كبيراً من إفساد الصحة وذهاب العقل والمال وإثارة البغضاء والعدوان بين الناس، وفيهما منافع وبعض المنافع الصحية والربح السهل، ولكن ضررهما أكبر من نفعهما فاجتنبوهما. ويسألونك عمَّا ينفقون، فأجبهم أن ينفقوا فى ذات الله السهل اليسير الذى لا يشق عليكم إنفاقه، كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون فيما يعود عليكم من مصالح الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 220 - ويسألونك بشأن اليتامى والذى يوجبه الإسلام حيالهم، فقل: إن الخير لكم ولهم فى إصلاحهم، وأن تضمُّوهم إلى بيوتكم، وأن تخالطوهم بقصد الإصلاح لا الفساد، فهم إخوانكم فى الدنيا يستدعون منكم هذه المخالطة، والله يعلم المفسد من المصلح منكم فاحذروا. ولو شاء الله لشق عليكم، فألزمكم رعاية اليتامى من غير مخالطة لهم، أو تركهم من غير بيان الواجب لهم، فيربون على بغض الجماعة ويكون ذلك إفساداً لجماعتكم وإعناتاً لكم، إذ إن قهرهم وذلهم يجعل منهم المبغضين للجماعة المفسدين فيها، وإن الله عزيز غالب على أمره، ولكنه حكيم لا يشرع إلا ما فيه مصلحتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 221 - وإذا كانت مخالطة اليتامى لا حرج فيها فإن الحرج فى مخالطة أهل الشرك، فلا ينكح المؤمن مشركة لا تدين بكتاب سماوى، ولا يحمل المرء منكم على زواج المشركة مالها وجمالها وحسبها ونسبها. فالمؤمنة التى وقع عليها الرق خير من المشركة الحرة ذات المال والجمال والحسب والنسب، ولا يزوج المرء منكم من له عليه ولاية من النساء مشركاً لا يؤمن بالكتب السماوية، ولا يبعث أحدكم على إيثار المشرك غناه وشرفه، فخير منه العبد المؤمن، فأولئك المشركون يجتذبون عشراءهم إلى المعصية والشرك فيستوجبون النار. والله إذ يدعوكم إلى اعتزال المشركين فى النكاح يدعوكم إلى ما فيه صلاحكم ورشادكم لتنالوا الجنة والمغفرة، وتسيروا فى طريق الخير بتيسيره، والله يبين شرائعه وهديه للناس لعلهم يعرفون صلاحهم ورشادهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 222 - ويسألونك عن إتيان الزوجات زمن المحيض، فأجبهم: أن المحيض أذى فامتنعوا عن إتيانهن مدته، ولا تأتوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن فى المكان الطبيعى، ومن كان وقع منه شئ من ذلك فليتب، فإن الله يحب من عباده كثرة التوبة والطهارة من الأقذار والفحش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 223 - زوجاتكم هن موضع النسل كموضع البذر ينبت النبات، فيباح لكم أن تأتوهن على أية طريقة تشاءون إذا كان ذلك فى موضع نسل، واتقوا الله أن تعصوه فى مخالطة المرأة، واعلموا أنكم ملاقوه ومسئولون عنده، والبشرى للذين يقفون عند حدوده تعالى فلا يتعدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 224 - لا تجعلوا اسم الله معرَّضاً لكثرة الحلف به، لأن ذلك ينافى تعظيم اسم الله، وأن الامتناع عن كثرة الحلف باسم الله يؤدى إلى البر والتقوى والقدرة على الإصلاح بين الناس، إذ يكون الممتنع جليل القدر فى أعين الناس موثوقاً به بينهم فيقبل قوله، والله سميع لأقوالكم وأيمانكم، عليم بنياتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 225 - عفا الله عنكم فى بعض الأيمان، فما جرى على الألسنة من صور الأيمان ولم يصحبه قصد ولا عقد قلب، أو كان يحلف على شئ يعتقده حصل وهو لم يحصل فإن الله لا يؤاخذ عليه، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم من عزم على إيقاع فعل أو عدم إيقاعه. وعلى الكذب فى القول مع التوثيق باليمين، فالله غفور لمن يتوب، حليم يعفو عما لا يكتسبه القلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 226 - وهؤلاء الذين حلفوا ألا يقربوا نساءهم يُمْهَلُونَ أربعة أشهر، فإن أتوا نساءهم فى أثنائها استمر الزواج وعليهم كفارة اليمين وغفر لهم وتقبل منهم الكفارة رحمة بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 227 - وإن لم يأتوا نساءهم فى هذه المدة كان ذلك إضراراً بالمرأة، فليس إلا الطلاق، والله سميع لأيمانهم عليم بأحوالهم ومحاسبهم على ذلك يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 228 - وعلى المطلقات أن ينتظرن دون التطلع إلى زواج يستأنف مدة ثلاث حيضات، استبراء للرحم، وفسحة لاحتمال المراجعة، ولا يحل لهنَّ أن يكتمن ما يكون فى أرحامهن من جنين أو دم حيض، وذلك شأن المؤمنات بالله ولقائه فى اليوم الآخر، وأزواجهن لهم الحق فى إرجاعهن للزوجية ثانياً مدة العدة، وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الأزواج عند استعمال هذا الحق أن يقصدوا إلى الإصلاح لا المضرة، وللزوجات من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات بما لا ينكره الشرع الشريف، وللرجال عليهن درجة الرعاية والمحافظة على الحياة الزوجية وشئون الأولاد والله سبحانه فوق عباده يشرع لهم ما يتفق مع الحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 229 - الطلاق مرَّتان يكون للزوج بعد كل واحدة منها الحق فى أن يمسك زوجته برجعتها فى العدة أو إعادتها إلى عصمته بعقد جديد، وفى هذه الحال يجب أن يكون قصده الإمساك بالعدل والمعاملة بالحسنى، أو أن ينهى الحياة الزوجية مع المعاملة الحسنة وإكرامها من غير مجافاة. ولا يحل لكم - أيها الأزواج - أن تأخذوا مما أعطيتموهن شيئا إلا عند خشية عدم إقامة حقوق الزوجية التى بينها الله سبحانه وتعالى وألزم بها. فإن خفتم - يا معشر المسلمين - ألا تؤدِّى الزوجات حقوق الزوجية سليمة كما بينها الله فقد شرع للزوجة أن تقدم مالا فى مقابل افتراقها عن زوجها، وهذه هى أحكام الله المقررة فلا تخالفوها وتتجاوزوها لأن من يفعل ذلك ظالم لنفسه وظالم للمجتمع الذى يعيش فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 230 - فإن طلق الزوج امرأته مرة ثالثة بعد التطليقتين السابقتين فلا تحل له حينئذ إلا بعد أن تتزوج زوجاً غيره ويدخل بها، فإن طلقها من بعد ذلك الزوجُ الثانى وصارت أهلاً لأن يعقد عليها عقداً جديداً فلا إثم عليها ولا على زوجها الأول فى أن يستأنفا حياة زوجية جديدة بعقد جديد، وعليهما أن يعتزما إقامة حياة زوجية صالحة تراعى فيها كل الأحكام الشرعية التى حددها الله سبحانه وتعالى، وقد بُيِّنَتْ هذه الحدود لمن يؤمن بالشرع الإسلامى ويريد العلم والعمل به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 231 - وإذا طلقتم النساء فشارفن انتهاء عدتهن، فلكم أن تراجعوهن قاصدين إقامة العدل وحسن الصحبة وعدم المضارة، ولكم أن تتركوهن لتنقضى عدتهن ملاحظين المعاملة اللائقة عند الفراق من غير جفوة، ولا يجوز أن يكون القصد من المراجعة مضارة المرأة وتطويل عدتها، ومن يفعل ذلك فقد حَرَم نفسه سعادة الحياة الزوجية وثقة الناس به واستحق سخط الله عليه، ولا تتخذوا أحكام الله فى الأسرة - التى جاءت بها الآيات وجعلت زمام الأسرة بيد الوكيل - سخرية ولهواً وعبثاً، تطلِّقون لغير سبب وترجعونها مضارة وإيذاء. واذكروا نعمة الله عليكم بتنظيم الحياة الزوجية تنظيماً عالياً، وبما أنزل عليكم من كتاب مبين للرسالة المحمدية والعلوم النافعة والأمثال والقصص التى بها تتعظون وتهتدون، واتخذوا بينكم وبين غضب الله وقاية واعلموا أن الله يعلم سركم وجهركم ونياتكم وأعمالكم وهو مجازيكم بما كنتم تعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 232 - وإذا طلقتم النساء وأتممتم عدتهن، وأرادت إحداهن أن تستأنف زواجاً جديداً من المطلق أو من رجل آخر غيره، فلا يحل للأولياء ولا للزوج المطلق أن يمنعوهنَّ من ذلك إذا تراضى الطرفان على عقد جديد وإرادة حياة كريمة تؤدى إلى حسن العشرة بينهما، ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله وباليوم الآخر، ذلكم أدعى إلى تنمية العلاقات الشريفة فى مجتمعكم وأطهر فى نفوسكم من الأدناس والعلاقات المريبة، والله يعلم من مصالح البشر وأسرار نفوسهم ما يجهلون الوصول إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 233 - وعلى الأمهات أن يقمن بإرضاع أولادهن مدة عامين تامين مراعاة لمصلحة الطفل، إذا طلب أحد الوالدين أو كلاهما استيفاء مدة الرضاعة تامة لاحتياج الولد إليها، ويلزم الوالد - باعتبار الولد منسوباً إليه - بالإنفاق على الأمهات حينئذٍ بإطعامهن وكسوتهن على قدر طاقته بلا إسراف ولا تقتير. ولا ينبغى أن يُهضَم حق الأم فى نفقتها أو حضانة ولدها، كما لا ينبغى أن يكون الولد سبباً فى إلحاق الضرر بأبيه بأن يكلف فوق طاقته أو يحرم حقه فى ولده، وإذا مات الأب أو كان فقيراً عاجزاً عن الكسب كانت النفقة على وارث الولد لو كان له مال، فإن رغب الوالدان أو كلاهما فى فطام الطفل قبل تمام العامين وقد تراضيا على ذلك ونظرا إلى مصلحة الرضيع فلا تبعة عليهما، وإذا شئتم - أيها الأباء - أن تتخذوا مراضع للأطفال غير أمهاتهم فلا تبعة عليكم فى ذلك، ولتدفعوا إليهن ما اتفقتم عليه من الأجر بالرضا والمحاسنة، وراقبوا الله فى أعمالكم، واعلموا أنه مطلع عليها ومجازيكم بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 234 - والذين يُتَوفَّوْن منكم من الرجال ويتركون زوجات لهم غير حوامل فعليهن أن يمكثن بعدهم دون تعرض للزواج مدة أربعة أشهر هلالية وعشر ليال بأيامها استبراء للرحم. فإذا انتهت هذه المدة فلا تبعة عليكم أيها الأولياء لو تركتموهن يأتين من شريف الأعمال التى يرضاها الشرع ليصلن بها إلى الزواج. فلا ينبغى أن تمنعوهن من ذلك ولا يجوز لهن أن يأتين من الأعمال ما ينكره الشرع ويأباه، فإن الله مطلع على سرائركم ويعلم أعمالكم فيحاسبكم على ما تعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 235 - ولا إثم عليكم - أيها الرجال - فى مدة العدة إذا ألمحتم للمعتدات من وفاة بالزواج وأضمرتم ذلك فى قلوبكم، فإن الله يعلم أنكم لا تصبرون عن التحدث فى شأنهن لميل الرجال إلى النساء بالفطرة، ولهذا أباح لكم التلويح دون التصريح، فلا تعطوهن وعداً بالزواج إلا أن يكون ذلك إشارة لا نكر فيها ولا فحش، ولا تبرموا عقد الزواج حتى تنقضى العدة، وأيقنوا أن الله مطلع على ما تخفونه فى قلوبكم، فخافوا عقابه ولا تقدموا على ما نهاكم عنه، ولا تيأسوا من رحمته إن خالفتم أمره فإنه واسع المغفرة يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، كما أنه حليم لا يعجل بالعقوبة لمن انتهك المحرمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 236 - ولا إثم عليكم - أيها الأزواج - ولا مهر إذا طلقتم زوجاتكم قبل الدخول بهن وقبل أن تُقدِّروا لهن مهرَا، ولكن أعطوهن عطية من المال يتمتعن بها لتخفيف آلام نفوسهن، ولتكن عن رضا وطيب خاطر، وليدفعها الغنى بقدر وسعه والفقير بقدر حاله، وهذه العطية من أعمال البر التى يلتزمها ذوو المروءات وأهل الخير والإحسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 237 - وإذا طلقتم النساء قبل الدخول بهنَّ بعد تقدير مهورهن، فقد وجب لهن نصف المهر المقدر ويدفع إليهن، إلا إذا تنازلت عنه الزوجة، كما أنَّهُنَّ لا يعطين أكثر من النصف إلا إذا سمحت نفس الزوج فأعطاها المهر كله، وسماحة كل من الزوجين أكرم وأرضى عند الله وأليق بأهل التقوى فلا تتركوها، واذكروا أن الخير فى التفضل وحسن المعاملة، لأن ذلك أجلب للمودة والتحاب بين الناس، والله مطلع على ضمائركم وسيجازيكم على ما تتفضلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 238 - احرصوا على إقامة الصلوات كلها، وداوموا عليها، واحرصوا على أن تكون صلاتكم هى الصلاة الفضلى بإقامة أركانها والإخلاص الكامل لله فيها، وأتموا طاعة الله تعالى وذكره مخلصين له خاشعين لجلاله، والصلاة الوسطى هى صلاة الفجر أو العصر على خلاف فى الاجتهاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 239 - فإذا أدركتم الصلاة وأنتم خائفون فلا تتركوها بل صلوا كما استطعتم مشاة أو راكبين، فإذا زال الخوف عنكم فصلُّوا الصلاة مستوفية الأركان كما علمتموها ذاكرين الله فيها شاكرين له ما علَّمكم إياه وما منَّ به عليكم من نعمة الأمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 240 - والذين يتوفون منكم ويتركون زوجات لهم، فقد أوصى الله بهن أن يقمن فى بيت الزوجية عاماً كاملاً مواساة لهن وإزالة لوحشتهن. ولا يحق لأحد أن يخرجهن، فإن خرجن بأنفسهن فى أثناء العام فلا إثم عليكم - أيها الأولياء - أن تتركوهن يتصرفن فى أنفسهن بما لا ينكره الشرع الشريف عليهن، وأطيعوا الله فى أحكامه واعملوا بما شرع لكم فإنه قادر على أن ينتقم ممن يخالف أمره، وهو ذو حكمة بالغة لا يشرع لكم إلا ما فيه المصلحة وإن غابت حكمتها عن علمكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 241 - وللنساء اللاتى يطلقن بعد الدخول حق فى أن يعطين ما يتمتعن به من المال جبراً لخاطرهن، يدفع إليهن بالحسنى على قدر غنى الزوج وفقره لأن ذلك مما توجبه تقوى الله ويلزم به أهل الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 242 - بمثل هذه البيانات والتشريعات الواضحة المحققة للمصلحة، يبين الله لكم أحكامه ونعمه وآياته لتتدبروها وتعملوا بما فيها من الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 243 - تنبه أيها النبى إلى القصة العجيبة واعلمها، وهى حالة القوم الذين خرجوا من ديارهم فراراً من الجهاد خشية الموت فيه وهم ألوف كثيرة فقضى الله عليهم بالموت والهوان من أعدائهم، حتى إذا استبسلت بقيتهم وقامت بالجهاد أحيا الله جماعتهم به، وإن هذه الحياة العزيزة بعد الذلة المميتة من فضل الله الذى يستوجب الشكران، ولكن أكثر الناس لا يشكرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 244 - وإذا علمتم أن الفرار من الموت لا ينجى منه، فجاهدوا وابذلوا أنفسكم لإعلاء كلمة الله، وأيقنوا أن الله يسمع ما يقول المتخلفون وما يقول المجاهدون، ويعلم ما يضمر كُلٌّ فى نفسه فيجازى بالخير خيراً وبالشر شرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 245 - والجهاد فى سبيل الله يحتاج إلى المال فقدموا أموالكم، فأى امرئ لا يبذل أمواله لله طيبة بها نفسه وقد وعده الله أن يردها عليه مضاعفة أضعافاً كثيرة؟ والرزق بيد الله فيضيق على مَن يشاء ويوسع لمن يشاء لما فيه مصلحتكم، وإليه مصيركم فيجازيكم على ما بذلتم، ومع أن الرزق من فضل الله وعنايته وأنه هو الذى يعطى ويمنع، سمى المنفق مقرضاً للحث على الإنفاق والتحبيب فيه، وتأكيد الجزاء المضاعف فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 246 - تنبه إلى النبأ العجيب عن جماعة من بنى إسرائيل بعد عهد موسى طلبوا من نبيهم فى ذلك الوقت أن يجعل عليهم حاكماً يجمع شملهم بعد تفرق ويقودهم تحت لوائه إعلاء لكمة الله واسترداداً لعزتهم، سألهم ليستوثق من جدهم فى الأمر: ألن تجبنوا عن القتال إذا فرض عليكم؟ . . فأنكروا أن يقع ذلك منهم قائلين: وكيف لا نقاتل لاسترداد حقوقنا وقد طردنا العدو من أوطاننا؟ . . فلما أجاب الله رغبتهم وفرض عليهم القتال أحجموا إلا جماعة قليلة منهم، وكان إحجامهم ظلماً لأنفسهم ونبيهم ودينهم، والله يعلم ذلك منهم وسيجزيهم جزاء الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 247 - وقال لهم نبيهم: إن الله استجاب لكم فاختار طالوت حاكماً عليكم. فاعترض كبراؤهم على اختيار الله قائلين: كيف يكون ملكاً علينا ونحن أولى منه، لأنه ليس بذى نسب ولا مال، فرد عليهم نبيهم قائلا: إن الله اختاره حاكماً عليكم لتوافر صفات القيادة فيه، وهى سعة الخبرة بشئون الحرب، وسياسة الحكم مع قوة الجسم؛ والسلطان بيد الله يعطيه من يشاء من عباده ولا يعتمد على وراثة أو مال، وفضل الله وعلمه شامل، يختار ما فيه مصالحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 248 - وقال لهم نبيهم: إن دليل صدقى على أن الله اختار طالوت حاكماً لكم هو أن يعيد إليكم صندوق التوراة الذى سلب منكم تحمله الملائكة، وفيه بعض آثار آل موسى وآل هارون الذين جاءوا بعدهما، وفى إحضاره تطمئن قلوبكم، وإن فى ذلك لدليلا يدفعكم إلى اتباعه والرضا به إن كنتم تذعنون للحق وتؤمنون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 249 - فلما خرج بهم طالوت قال لهم: إن الله مختبركم بنهر تمرُّون عليه فى طريقكم فلا تشربوا منه إلا غرفة، فمن شرب منه أكثر من ذلك فليس من جيشنا ولا من جمعنا لخروجه عن طاعة الله، ولن يصحبنى إلا من لم يشرب منه أكثر من غرفة، فلم يصبروا على هذا الاختبار وشربوا منه كثيراً إلا جماعة قليلة، فاصطحب هذه القلة الصابرة واجتاز بها النهر، فلما ظهرت لهم كثرة عدد عدوهم قالوا: لن نستطيع اليوم قتال جالوت وجنوده لكثرتهم وقلتنا. فقال نفر منهم - ثبت الله قلوبهم لرجائهم فى ثواب الله عند لقائه - لا تخافوا فكثيراً ما انتصرت القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، فاصبروا فإن نصر الله يكون للصابرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 250 - ولما تقدم المؤمنون لقتال جالوت وجيشه اتجهوا إلى الله ضارعين داعين له: أن يملأهم بالصبر، ويقوى عزائمهم ويثبتهم فى ميدان القتال، وأن ينصرهم على أعدائهم الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 251 - فهزموا عدوهم بإذن الله تعالى وقتل داود - وهو أحد جنود طالوت - جالوت قائد الكفار، وأعطاه الله الحكم بعد طالوت والنبوة والعلم النافع وعلمه مما يشاء، وسنة الله أن ينصر الذين يصلحون فى الأرض ولا يفسدون، ولولا أن الله يسلط جنوده على المفسدين لمحو فسادهم، ويسلط الأشرار بعضهم على بعض، ما عمرت الأرض، ولكن الله دائم الإحسان والفضل على عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 252 - تلك القصة من العبر التى نقصّها عليك بالصدق لتكون أسوة لك ودليلا على صدق رسالتك، ولتعلم أننا سننصرك كما نصرنا من قبلك من الرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 253 - هؤلاء الرسل الذين ذكرنا فريقاً منهم وقد فضلنا بعضهم على بعض. فمنهم من كلمه الله دون سفير كموسى، ومنهم من رفعه الله درجات فوق درجاتهم جميعاً وهو محمد الذى اختص بعموم الرسالة، وكمال الشريعة، وختمه الرسالات. ومنهم عيسى ابن مريم الذى أمددناه بالمعجزات كإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص وأيدناه بجبريل روح القدس. وقد جاء هؤلاء الرسل بالهدى، ودين الحق، والبينات الهادية، وكان مقتضى هذا أن يؤمن الناس جميعاً، ولا يختلفوا ولا يقتتلوا، ولو شاء الله ألا يقتتل الناس من بعد مجئ الرسل إليهم بالآيات الواضحة الدالة على الحق ما حدث اقتتال ولا اختلاف، ولكن الله لم يشأ ذلك، ولهذا اختلفوا، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، ولو شاء الله ما اقتتلوا ولا اختلفوا بل يكونون جميعاً على الحق، ولكنه يفعل ما يريد لحكمة قدّرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 254 - يا أيها المؤمنون بالله وباليوم الآخر أنفقوا بعض ما رزقكم الله فى وجوه الخير، وبادروا بذلك قبل أن يأتى يوم القيامة الذى يكون كله للخير ولا توجد فيه أسباب النزاع، لا تستطيعون فيه تدارك ما فاتكم فى الدنيا، ولا ينفع فيه بيع ولا صداقة ولا شفاعة أحد من الناس دون الله، والكافرون هم الذين يظهر ظلمهم فى ذلك اليوم، إذ لم يستجيبوا لدعوة الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 255 - الله هو الذى يستحق أن يُعبد دون سواه، وهو الباقى القائم على شئون خلقه دائماً، الذى لا يغفل أبداً، فلا يصيبه فتور ولا نوم ولا ما يشبه ذلك لأنه لا يتصف بالنقص فى شئ، وهو المختص بملك السموات والأرض لا يشاركه فى ذلك أحد، وبهذا لا يستطيع أى مخلوق كان أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، وهو - سبحانه وتعالى - محيط بكل شئ عالم بما كان وما سيكون، ولا يستطيع أحد أن يدرك شيئاً من علم الله إلا ما أراد أن يعلم به من يرتضيه، وسلطانه واسع يشمل السموات والأرض، ولا يصعب عليه تدبير ذلك لأنه المتعالى عن النقص والعجز، العظيم بجلاله وسلطانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 256 - لا إجبار لأحد على الدخول فى الدين، وقد وضح بالآيات الباهرة طريق الحق، وطريق الضلال، فمن اهتدى إلى الإيمان وكفر بكل ما يطغى على العقل، ويصرفه عن الحق، فقد استمسك بأوثق سبب يمنعه من التردى فى الضلال، كمن تمسك بعروة متينة محكمة الرباط تمنعه من التردى فى هوة، والله سميع لما تقولون، عليم بما تفعلون ومجازيكم على أفعالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 257 - الله متولى شئون المؤمنين وناصرهم، يخرجهم من ظلمات الشك والحيرة إلى نور الحق والاطمئنان، والكافرون بالله تستولى عليهم الشياطين ودعاة الشر والضلال، فهم يخرجونهم من نور الإيمان الذى فطروا عليه والذى وضح بالأدلة والآيات إلى ظلمات الكفر والفساد، هؤلاء الكافرون هم أهل النار مخلدون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 258 - ألم تر إلى من عمى عن أدلة الإيمان وجادل إبراهيم خليل الله فى ألوهية ربه ووحدانيته، وكيف أخرجه غروره بملكه - الذى وهبه ربه - من نور الفطرة إلى ظلام الكفر فعندما قال له إبراهيم: إن الله يحيى ويميت، بنفخ الروح فى الجسم وإخراجها منه، قال: أنا أحيى وأميت بالعفو والقتل، فقال إبراهيم ليقطع مجادلته: إن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب إن كنت إلها كما تدعى. فتحير وانقطع جدله من قوة الحُجة التى كشفت عجزه وغروره، والله لا يوفق المصرِّين المعاندين لاتباع الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 259 - ثم تَدَبَّرْ فى مثل هذه القصة العجيبة، قصة الذى مرَّ على قرية متهدمة سقطت سقوفها وهدمت حيطانها وهلك أهلها، فقال: كيف يحيى الله أهل هذه القرية بعد موتهم؟ فأماته الله وأبقاه على موته مائة عام ثم بعثه ليظهر له سهولة البعث ويزول استبعاده، ثم سئل أى مدة مكثتها ميتاً؟ قال - غير شاعر بطول المدة -: يوماً أو بعض يوم، قيل له بل مكثت على هذه الحالة مائة عام، ثم لفت الله نظره إلى أمر آخر من دلائل قدرته فقال له: فانظر إلى طعامك لم يفسد، وإلى شرابك لم يتغير، وانظر إلى حمارك أيضاً، وقد فعلنا ذلك لتعاين ما استبعدته من إحياء بعد الموت ولنجعلك آية ناطقة للناس تدل على صدق البعث، ثم أمره الله أن ينظر إلى عجيب خلقه للأحياء، وكيف يركِّب عظامها، ثم يكسوها لحما، ثم ينفخ فيها الروح فتتحرك، فلما وضحت له قدرته وسهولة البعث، قال: أعلم أن الله قادر على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 260 - واذكر كذلك قصة إبراهيم إذ قال إبراهيم: رب أرنى كيفية إحياء الموتى، فسأله ربه عن إيمانه بإحياء الموتى ليجيب إبراهيم بما يزيل كل الشك فى إيمانه، فقال الله له: أو لم تؤمن بإحياء الموتى؟ قال: إنى آمنت ولكنى طلبت ذلك ليزداد اطمئنان قلبى. قال: فخذ أربعة من الطير الحى فضمها إليك لتعرفهنَّ جيداً، ثم جَزِّئهن بعد ذبحهن، واجعل على كل جبل من الجبال المجاورة جزءا منهن، ثم نادهنَّ فسيأتينك ساعيات وفيهنَّ الحياة كما هى، واعلم أن الله لا يعجز عن شئ، وهو ذو حكمة بالغة فى كل أمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 261 - إن حال الذين يبذلون أموالهم فى طاعة الله ووجوه الخير، وينالون على ذلك ثواب الله المضاعف أضعافاً كثيرة، كحال من يبذر حبة فى الأرض طيبة فتنبت منها شجيرة فيها سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة، وهذا تصوير لكثرة ما يعطيه الله من جزاء على الإنفاق فى الدنيا، والله يضاعف عطاءه لمن يشاء فهو واسع الفضل، عليم بمن يستحق وبمن لا يستحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 262 - إن الذين ينفقون أموالهم فى وجوه البر المشروعة دون مَنٍّ أو تفاخر أو تطاول على المحسن إليه. لهم أجرهم العظيم الموعود به عند ربهم، ولا يصيبهم خوف من شئ ولا حزن على شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 263 - قول تطيب به النفوس وتستر معه حال الفقير فلا تذكره لغيره، خير من عطاء يتبعه إيذاء بالقول أو الفعل، والله - سبحانه وتعالى - غنى عن كل عطاء مصحوب بالأذى، ويمكِّن الفقراء من الرزق الطيب، ولا يعجل بعقوبته من لا يعطى رجاء أن يهتدى إلى العطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 264 - لا تضيعوا ثواب صدقاتكم - أيها المؤمنون - بإظهار فضلكم على المحتاجين وإيذائهم فتكونوا كالذين ينفقون أموالهم بدافع الرغبة فى الشهرة وحب الثناء من الناس، وهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فإن حال المرائى فى نفقته كحال حجر أملس عليه تراب، هطل عليه مطر شديد فأزال ما عليه من تراب. . فكما أن المطر الغزير يزيل التراب الخصب المنتج من الحجر الأملس، فكذلك المن والأذى والرياء تبطل ثواب الصدقات. . فلا ينتفع المنتفعون بشئ منها، وتلك صفات الكفار فتجنبوها، لأن الله لا يوفق الكافرين إلى الخير والإرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 265 - حال الذين ينفقون أموالهم طلباً لمرضاة الله وتثبيتاً لأنفسهم على الإيمان، كحال صاحب بستان بأرض خصبة مرتفعة يفيده كثير الماء وقليله، فإن أصابه مطر غزير أثمر مثلين، وإن لم يصبه المطر الكثير بل القليل فإنه يكفى لإثماره لجودة الأرض وطيبها، فهو مثمر فى الحالتين، فالمؤمنون المخلصون لا تبور أعمالهم، والله لا يخفى عليه شئ من أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 266 - إنه لا يحب أحد منكم أن يكون له بستان من نخيل وأعناب تجرى خلالها الأنهار وقد أثمر له البستان من كل الثمرات التى يريدها، وأصابه ضعف الكبر وله ذرية ضعاف لا يقدرون على الكسب ولا يستطيع هو لكبره شيئاً، وجفَّ بستانه فى هذه الحال العاجزة بسبب ريح شديدة فيها نار فأحرقته، وصاحبه وذريته أحوج ما يكونون إليه، وكذلك شأن من ينفق ويتصدق ثم يعقب النفقة والصدقة بالمن والأذى والرياء فيبطل بذلك ثواب نفقته ولا يستطيع أن يتصدق من بعد ذلك طيبة نفسه، ومثل هذا البيان يبين الله لكم الآيات لتتفكروا فيها وتعملوا بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 267 - يا أيها المؤمنون أنفقوا من جيِّد ما تحصلونه بعملكم، ومما يتيسر لكم إخراجه من الأرض من زروع ومعادن وغيرها، ولا تتعمدوا الإنفاق من ردئ المال وخبيثه أنكم لن تقبلوا هذا الخبيث لو قُدِّمَ إليكم إلا على إغماض وتساهل صارفين النظر عما فيه من خبث ورداءة، واعلموا أن الله غنى عن صدقاتكم، مستحق للحمد بما أرشدكم إليه من خير وصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 268 - الشيطان يخوفكم من الفقر ويثبطكم عن كل عمل صالح لتنصرفوا عن الإنفاق فى وجوه الخير ويغريكم بالمعاصى، والله واسع المغفرة قادر على إغنائكم، لا يخفى عليه شئ من أموركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 269 - يعطى صفة الحكمة من إصابة الحق فى القول والعمل من يشاء من عباده، ومن أُعْطِىَ ذلك فقد نال خيراً كثيراً لان به انتظام أمر الدنيا والآخرة، وما ينتفع بالعظة والاعتبار بأعمال القرآن إلا ذوو العقول السليمة التى تدرك الحقائق من غير طغيان الأهواء الفاسدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 270 - وما أنفقتم من نفقة فى الخير أو الشر، أو التزمتم بنفقة فى طاعة فإن الله يعلمه وسيجزيكم عليه، وليس للظالمين الذين ينفقون رياء أو يؤذون فى نفقتهم أو ينفقون فى المعاصى أعوان يدفعون عنهم عذاب الله فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 271 - إن تظهروا صدقاتكم خالية من الرياء فذلك محمود لكم مرضى منكم، ممدوح من ربكم، وإن تعطوها الفقراء سراً منعاً لحرجهم وخشية الرياء فذلك خير لكم، والله يغفر لكم من ذنوبكم بسبب إخلاصكم فى صدقاتكم، والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ويعلم نياتكم فى إعلانكم وإخفائكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 272 - ليس عليك - يا محمد - هداية هؤلاء الضالين أو حملهم على الخير، وإنما عليك البلاغ، والله يهدى من يشاء، وما تبذلونه من معونة لغيركم ففائدته عائدة عليكم، والله مثيبكم عليه، وهذا إذا كنتم لا تقصدون بالإنفاق إلا رضاء الله، وأى خير تنفقونه على هذا الوجه يعود إليكم، ويصلكم ثوابه كاملا دون أن ينالكم ظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 273 - وذلك الإنفاق والبذل يكون للفقراء الذين كانوا بسبب الجهاد فى سبيل الله غير قادرين على الكسب، أو لأنهم أصيبوا فى الجهاد بما أقعدهم عن السعى فى الأرض، وهم متعففون عن السؤال يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء، ولكنك إذا تعرفت حالهم عرفت هذه الحالة بعلامتها. وما تبذلونه من معروف فإن الله عليم به، سيجزيكم عليه الجزاء الأوفى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 274 - الذين من طبعهم السخاء تطيب نفوسهم للإنفاق فى الليل والنهار وفى العلانية والسر، لهم جزاؤهم عند ربهم، لا ينالهم خوف من أمر مستقبلهم، ولا حزن على شئ فاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 275 - الذين يتعاملون بالربا لا يكونون فى سعيهم وتصرفهم وسائر أحوالهم إلا فى اضطراب وخلل، كالذى أفسد الشيطان عقله فصار يتعثر من الجنون الذى أصابه، لأنهم يزعمون أن البيع مثل الربا فى أن كلا منهما فيه معاوضة وكسب. فيجب أن يكون كلاهما حلالا، وقد رد الله عليهم زعمهم فبين لهم أن التحليل والتحريم ليس من شأنهم، وأن التماثل الذى زعموه ليس صادقاً، والله قد أحل البيع وحرم الربا، فمن جاءه أمر ربه بتحريم الربا واهتدى به، فله ما أخذه من الربا قبل تحريمه، وأمره موكول إلى عفو الله. ومن عاد إلى التعامل بالربا باستحلاله بعد تحريمه، فأولئك يلازمون النار خالدين فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 276 - إن الله يُذهب الزيادة المأخوذة من الربا، ويبارك فى المال الذى تؤخذ منه الصدقات، ويثيب عليها أضعافاً مضاعفة. والله لا يحب الذين يصرون على تحليل المحرمات كالربا، ولا الذين يستمرون على ارتكابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 277 - إن الذين آمنوا بالله، وامتثلوا أوامره فعملوا الصالحات التى أمر بها، وتركوا المحرمات التى نهى عنها، وأدوا الصلاة على الوجه الأكمل، وأعطوا الزكاة لأهلها، لهم ثوابهم العظيم المدخر عند ربهم، ولا خوف عليهم من شئ فى المستقبل، ولا هم يحزنون على شئ فاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 278 - يا أيها الذين آمنوا خافوا الله واستشعروا هيبته فى قلوبكم، واتركوا طلب ما بقى لكم من الربا فى ذمة الناس إن كنتم مؤمنين حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 279 - فإن لم تفعلوا ما أمركم الله به من ترك الربا فكونوا على يقين من أنكم فى حرب من الله ورسوله لمعاندتكم لأمره، فإن أردتم توبة مقبولة فلكم رءوس أموالكم فلا تأخذوا زيادة عليها قلَّت أو كثرت وأيا كان سبب الدين ومصرفه، لأن الزيادة التى تأخذونها ظلم لغيركم، كما أن ترك جزء من رءوس الأموال ظلم لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 280 - وإن وُجد ذو عسرة فأعطوه وأمهلوه عند انقضاء أجل الدين إلى وقت ميسرته، وتصدقكم عليه بالتنازل عن الدين أو بعضه خير لكم إن كنتم من أهل العلم والفهم لخطاب الله الذى يعلمكم المروءة والإنسانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 281 - وخافوا أهوال يوم تعودون فيه إلى الله، ثم تستوفى كل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 282 - يا أيها الذين آمنوا إذا داين بعضكم بعضا بَدْينٍ مؤجل إلى أجل، ينبغى أن يكون الأجل معلوماً، فاكتبوه حفظاً للحقوق تفادياً للنزاع، وعلى الكاتب أن يكون عادلا فى كتابته، ولا يمتنع عن الكتابة، شكراً لله الذى علمه ما لم يكن يعلم، فليكتب ذلك الدين حسب اعتراف المدين وعلى المدين أن يخشى ربه فلا ينقص من الدين شيئاً، فإن كان المدين لا يحسن التصرف ولا يقدر الأمور تقديراً حسناً، أو كان ضعيفاً لصغر أو مرض أو شيخوخة، أو كان لا يستطيع الإملاء لخرس أو عقدة لسان أو جهل بلغة الوثيقة، فَلْيُنِبْ عنه وليه الذى عينه الشرع أو الحاكم، أو اختاره هو فى إملاء الدين على الكاتب بالعدل التام. وأشهدوا على ذلك الدين شاهدين من رجالكم، فإن لم يوجدا فليشهد رجل وامرأتان تشهدان معاً لتؤديا الشهادة معاً عند الإنكار، حتى إذا نسيت إحداهما ذكرتها الأخرى، ولا يجوز الامتناع عن أداء الشهادة إذا ما طُلب الشهود، ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً كان أو كبيراً ما دام مؤجلا لأن ذلك أعدل فى شريعة الله وأقوى فى الدلالة على صحة الشهادة، وأقرب إلى درء الشكوك بينكم، إلا إذا كان التعامل على سبيل التجارة الحاضرة، تتعاملون بها بينكم، فلا مانع من ترك الكتابة إذ لا ضرورة إليها. ويطلب منكم أن تشهدوا على المبايعة حسماً للنزاع، وتفادوا أن يلحق أى ضرر بكاتب أو شاهد، فذلك خروج على طاعة الله، وخافوا الله واستحضروا هيبته فى أوامره ونواهيه، فإن ذلك يلزم قلوبكم الإنصاف والعدالة، والله يبين ما لكم وما عليكم، وهو بكل شئ - من أعمالكم وغيرها - عليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 283 - وإذا كنتم فى سفر فلم تجدوا من يكتب لكم الدين، فليكن ضمان الدين رهناً يأخذه الدائن من المدين. وإذا أودع أحدكم عند آخر وديعة تكون أمانة عنده، وقد اعتمد على أمانته، فليؤد المؤتمن الأمانة عند طلبها، وليتق عقوبة الله له إن خان الأمانة أو غش فى الشهادة. ولا تكتموا الشهادة عند طلبها، ومن يكتمها فهو آثم خبيث القلب، والله بما تعملون عليم، سيجزيكم عليه بحسب ما تستحقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 284 - واعلموا أن لله ما فى السموات وما فى الأرض قد أحاط به قدرة وعلما، وسواء أظهرتم ما فى أنفسكم أو أخفيتموه فإن الله عليم خبير، سيحاسبكم عليه يوم القيامة فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو تعالى على كل شئ قدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 285 - إن ما أُنزل إلى الرسول - محمد - هو الحق من عند الله، وقد آمن به وآمن معه المؤمنون كل منهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهم يسوُّون بين رسل الله فى الإيمان بهم وتعظيمهم قائلين: لا نفرق بين أحد من رسله، وأكدوا إيمانهم القلبى بقولهم اللسانى متجهين إلى الله فى خطابهم: ربنا سمعنا تنزيلك المحكم واستجبنا لما فيه، فامنحنا اللهم مغفرتك، وإليك - وحدك - المصير والمرجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 286 - إن الله لا يكلف عباده إلا ما يستطيعون تأديته والقيام به، ولذلك كان كل مكلف مجزياً بعمله: إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فاضرعوا إلى الله - أيها المؤمنون - داعين: ربنا لا تعاقبنا إن وقعنا فى النسيان لما كلفتنا إياه، أو تعرضنا لأسباب يقع عندها الخطأ، ربنا ولا تُشدِّد علينا فى التشريع كما شددت على اليهود بسبب تعنتهم وظلمهم، ولا تكلفنا ما لا طاقة لنا به من التكاليف، واعف عنا بكرمك، واغفر لنا بفضلك، وارحمنا برحمتك الواسعة. إنك مولانا، فانصرنا يا رب - من أجل إعلاء كلمتك ونشر دينك - على القوم الجاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 1 - الم، حروف صوتية سيقت لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 2 - الله واحد لا إله غيره، وكل ما فى العالم من تنسيق وإبداع يشهد بذلك، وهو الحى الذى لا يموت، القائم بأمر العالم يدبره ويصرفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 3 - نَزَّلَ عليك - يا محمد - القرآن مشتملا على الحق فى كل ما تضمنه من أصول الشرائع السماوية فى الكتب السابقة، ولقد أنزل الله من قبله التوراة على موسى والإنجيل على عيسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 4 - أنزلهما قبل القرآن لهداية الناس، فلمَّا انحرفوا أنزل القرآن فارقاً بين الحق والباطل، ومبيِّناً الرشد من الغى، فهو الكتاب الصادق الدائم، وكل من ترك ما أنزله الله فيه وكفر بآياته فله عذاب شديد، والله قادر لا يغلبه شئ، منتقم ممن يستحق الانتقام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 5 - إن الله عليم بكل شئ، فهو لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء، صغيراً كان أو كبيراً، ظاهراً أو باطناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 6 - وهو الذى يصوركم وأنتم أجنة فى الأرحام بصور مختلفة حسبما يريد، لا إله إلا هو العزيز فى ملكه، الحكيم فى صنعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 7 - وهو الذى أنزل عليك القرآن، وكان من حكمته أن جعل منه آيات محكمات محددة المعنى بيِّنة المقاصد، هى الأصل وإليها المرجع، وأخر متشابهات يدق معناها على أذهان كثير من الناس، وتشبته على غير الراسخين فى العلم، وقد نزلت هذه المتشابهات لتبعث العلماء على العلم والنظر ودقة الفكر فى الاجتهاد، وفى البحث فى الدين، وشأن الزائغين عن الحق أن يتتبعوا ما تشابه من القرآن رغبة فى إثارة الفتنة، ويؤوِّلوها حسب أهوائهم. وهذه الآيات لا يعلم تأويلها الحق إلا الله والذين تثبتوا فى العلم وتمكنوا منه، وأولئك المتمكنون منه يقولون: إنا نوقن بأن ذلك من عند الله، لا نفرق فى الإيمان بالقرآن بين محكمه ومتشابهه، وما يعقل ذلك إلا أصحاب العقول السليمة التى لا تخضع للهوى والشهوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 8 - وأولئك العلماء العاقلون يقولون: ربنا لا تجعل قلوبنا تنحرف عن الحق بعد إذ أرشدتنا إليه، وامنحنا اللهم رحمة من عندك بالتوفيق والتثبيت إنك أنت المانع المعطى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 9 - ربنا إنك جامع الناس ليوم لا شك فيه لتجازى كلاً على ما فعل، فقد وعدت بذلك وأنت لا تخلف الميعاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 10 - إن الكافرين لن تدفع عنهم فى ذلك اليوم أموالهم مهما عظمت، ولا أولادهم مهما كثرت، وسيكونون حطباً للنار تشتعل بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 11 - وشأن هؤلاء قوم فرعون والكافرين من قبلهم، كذَّبوا بآيات الله مع وضوحها فنكَّل الله بهم بسبب ما ارتكبوه من الذنوب، والله شديد العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 12 - قل - يا أيها النبى - لهؤلاء الذين كفروا إنكم فى الدنيا ستهزمون وفى الآخرة ستعذبون، وتكون جهنم فِراشاً لكم وبئس الفِراش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 13 - لقد كان لكم آية بيِّنة وعبرة ظاهرة فى طائفتين من المحاربين التقتا يوم بدر، إحداهما مؤمنة تحارب لإعلاء كلمة الله ونشر الحق، والأخرى كافرة تحارب فى سبيل الأهواء والشهوات، فكان من تأييد الله للمؤمنين أن جعل الكافرين يرونهم ضعف عددهم الحقيقى، وبذلك وقع الرعب فى قلوب الكفار فانهزموا، والله يمنح نصره لمن يشاء. وإن فى ذلك لعبرة لأصحاب البصائر الرشيدة التى لا تنحرف فى إدراكها عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 14 - إن البشر جبلوا على حب الشهوات التى تتمثل فى النساء والبنين والكثرة من الذهب والفضة، والخيل الحسان المعلَّمة، والأنعام التى منها الإبل والبقر والغنم، وتتمثل أيضاً فى الزرع الكثير. لكن ذلك كله متاع الحياة الدنيا الزائلة الفانية، وهو لا يُعد شيئاً إذا قيس بإحسان الله إلى عباده الذين يجاهدون فى سبيله عند أوبتهم إليه فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 15 - قل يا أيها النبى: أأخبركم بما هو خير من ذلك الذى زُيِّن للناس فى الدنيا؟ ، إن للذين اتقوا ثواباً مضموناً - عند ربهم، هو جنات تجرى من تحت ظلال أشجارها الأنهار، يتمتعون بالحياة الطيبة فيها لا يساورهم خوف من زوال نعيمها إذ كتب لهم الخلود فيها، وأزواج طاهرة نقية من كل ما يشين نساء الدنيا، ورضاء من الله يشعرون فى ظله بنعيم أكبر، والله مطلع على أحوال عباده لا يخفى عليه أمر أو سر من أمورهم وأسرارهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 16 - ينال هذا الجزاء أولئك الذين ملأ الإيمان قلوبهم وأعلنوا ذلك بألسنتهم فقالوا - ضارعين إلى الله -: ربنا إننا آمنا استجابة لدعوتك فاعف عن ذنوبنا، واحفظنا من عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 17 - وهم الذين يتحملون المشقة فى سبيل الطاعة وتجنب المعصية واحتمال المكروه، ويصدقون فى أقوالهم وأفعالهم ونياتهم، المداومون على الطاعة فى خشوع وضراعة، الباذلون ما يستطيعون من مال وجاه وغيره فى وجوه التأمل والتفكير فى عظمة الخالق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 18 - شهد الله أنه المتفرد بالألوهية وبيَّن ذلك - بما بث فى الكون من دلائل وآيات لا ينكرها ذو عقل - وأنه واحد لا شريك له، قائم على شئون خلقه بالعدل، وأقرَّت بذلك ملائكته الأطهار، وَعَلِمَهُ أهل العلم موقنين به، وأنه - جل شأنه - المتفرد بالألوهية الذى لا يغلبه أحد على أمره، وشملت حكمته كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 19 - إن الدين الحق المرضى عند الله هو الإسلام، فهو التوحيد والخضوع لله فى إخلاص، وقد اختلف كل من اليهود والنصارى فى هذا الدين فحرَّفوا وبدَّلوا ولم يكن اختلافهم عن شبهة أو جهل إذ جاءهم العلم، بل كان للتحاسد والتطاول، ومن يجحد بآيات الله فلينتظر حساب الله السريع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 20 - فإن جادلك هؤلاء فى هذا الدين بعد أن أقمت لهم الحُجج، فلا تجارهم فى الجدل، وقل: أخلصت عبادتى لله - وحده - أنا ومن اتبعنى من المؤمنين، وقل لليهود والنصارى ومشركى العرب: قد بانت لكم الدلائل فأسلموا، فإن أسلموا فقد عرفوا طريق الهدى واتبعوه، وإن أعرضوا فلا تبعة عليك فى إعراضهم، فليس عليك إلا أن تبلغهم رسالة الله، والله مطلع على عباده لا يخفى عليه شئ من أحوالهم وأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 21 - إن الذين يجحدون آيات الله الكونية والمنزَّلة، ويقتلون من بعثهم الله لهدايتهم من الأنبياء، ظلماً بغير حق، ويقتلون دعاة الناس إلى القسط والعدل يستحقون العذاب الأليم فبشرهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 22 - أولئك المتصفون بتلك الصفات بطلت أعمالهم فى الدنيا والآخرة فلا يقبل لهم عمل وما لهم من ناصر ينصرهم من عذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 23 - ألم تعلم حال الذين أُعطوا حظاً من الكتاب والعلم يدعون إلى كتاب الله وهو القرآن ليفصل الحق من الباطل فيما شجر بينهم من خلاف فلا يسارعون إلى إجابة الداعى، بل يعرض عنه فريق منهم شأنه الإعراض عن دعوة الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 24 - إن أولئك المعرضين من اليهود زَيَّن لهم ذلك الإعراض أنهم يُمنُّون أنفسهم بالأمانى الباطلة، فيزعمون أن النار لن تسمهم إلا أياماً معدودات ودفعهم إلى ذلك الغرور وتلك الأمانى افتراءاتهم المستمرة فى دينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 25 - فكيف يكون حالهم وقت أن يجمعهم الله فى الآخرة التى لا شك فى وجودها ولا حسابها فكل نفس تعطى جزاءها وافياً، وهم مستحقون لما نالهم من جزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 26 - قل - يا أيها النبى - ضارعاً إلى الله مقراً بجبروته: اللهم أنت - وحدك - مالك التصرف فى الأمر كله، تمنح من تشاء من الحكم والسلطان، وتنزعه ممن تشاء، وتهب العزة من تريد من عبادك بتوفيقه إلى الأخذ بأسبابها، وتضرب الذل والهوان على من تشاء، فأنت - وحدك - تملك الخير، لا يعجزك شئ عن تنفيذ مرادك، وما تقتضيه حكمتك فى نظام خلقك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 27 - وأنت بما أنشأت ووضعت من الأسباب والسنن، تُدْخِل من الليل فى النهار ما يزيد به النهار طولا، وتدخل من النهار فى الليل ما يزيد به الليل طولا، وتخرج المتصف بمظاهر الحياة من فاقدها، كما تخرج فاقد الحياة من الحى المتمكن من أسباب الحياة، وتهب عطاءك الواسع من تشاء كما تريد على نظام حكمتك، فلا رقيب يحاسبك، ومن كان هذا شأنه لا يعجزه أن يمنح رسوله وأصفياءه السيادة والسلطان والغنى واليسار كما وعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 28 - إذا كان الله - سبحانه وتعالى - هو - وحده - مالك الملك، ويعز ويذل، وبيده وحده الخير والخلق والرزق، فلا يصح للمؤمنين أن يجعلوا لغير المؤمنين ولاية عليهم، متجاوزين نصرة المؤمنين؛ لأن فى هذا خذلاناً للدين وإيذاء لأهله، وإضعافاً للولاية الإسلامية، ومن يسلك هذا المسلك فليس له من ولاية الله مالك الملك شئ، ولا يرضى مؤمن بولايتهم إلا أن يكون مضطرا لذلك، فيتقى أذاهم بإظهار الولاء لهم. وعلى المؤمنين أن يكونوا فى الولاية الإسلامية دائماً وهى ولاية الله، وليحذروا أن يخرجوا إلى غير ولايته فيتولى عقابهم بنفسه بكتابة الذلة عليهم بعد العزة. وإليه - وحده - المصير فلا مفرَّ من سلطانه فى الدنيا ولا فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 29 - قل - يا أيها النبى - إن تخفوا ما فى صدوركم أو تظهروه فى أعمالكم وأقوالكم فإن الله يعلمه، ويعلم جميع ما فى السموات وما فى الأرض ما ظهر منه وما استتر، وقدرته نافذة فى جميع خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 30 - فليحذر الذين يخالفون أمره يوم تجد كل نفس عملها من الخير مهما قلَّ مشاهداً حاضراً، وما اقترفَته من سوء تتمنى أن يكون بعيداً عنها بُعْداً شاسعاً حتى لا تراه استقباحاً له وخوفاً من الوقوع فى مغبته، ويحذركم الله عقابه إذا خرجتم من ولايته التى هى رأفة ورحمة بالعباد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 31 - قل: إن كنتم صادقين فى دعواكم أنكم تحبون الله وتريدون أن يحبكم الله فاتبعونى فيما آمركم به وأنهاكم عنه، لأننى مبلغ عن الله، فإن ذلك يحبكم الله به، ويثيبكم الله عليه بالإحسان إليكم والتجاوز عن خطاياكم، والله كثير الغفران والرحمة لعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 32 - قل: أطيعوا الله ورسوله، فإن أعرضوا عنك فهم كافرون بالله ورسوله، والله لا يحب الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 33 - كما اصطفى الله محمداً لتبليغ رسالته، وجعل اتباعه وسيلة لحب الله ومغفرته ورحمته، كذلك اصطفى آدم وجعله من صفوة العالمين، واصطفى نوحاً بالرسالة، واصطفى إبراهيم وآله إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما، ومنهم موسى - عليهم السلام -، واختار آل عمران واختار منهم عيسى وأمه، فعيسى جعله الله رسولا لبنى إسرائيل، ومريم جعلها أماً لعيسى من غير أب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 34 - اختارهم ذرية طاهرة، فهم يتوارثون الطهر والفضيلة والخير. والله سميع لأقوال عباده، عليم بأفعالهم وما تُكنّه صدورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 35 - واذكر - أيها النبى - حال امرأة عمران إذ نذرت وقت حملها تقديم ما تحمله خالصاً لعبادة الله وخدمة بيته، قائلة: يا رب، إنى نذرت ما فى بطنى خالصاً لخدمة بيتك فاقبل منى ذلك، إنك السميع لكل قول، العليم بكل حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 36 - فلما وضعت حملها قالت - معتذرة تناجى ربها -: إنى وَلَدت أُنثى والله عليم بما ولدت، وأن مولودها وهو أنثى خير من مطلوبها وهو الذكر. وقالت: إنى سميتها مريم وإنِّى أسألك أن تحصِّنها هى وذريتها من غواية الشيطان الرجيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 37 - فتقبل الله مريم نذراً لأمها، وأجاب دعاءها، فأنبتها نباتاً حسناً، وربَّاها فى خيره ورزقه وعنايته تربية حسنة مقومة لجسدها، وشأنه أن يرزق من يشاء من عباده رزقاً كثيراً، كلما دخل عليها زكريا فى معبدها وجد عندها رزقاً غير معهود فى وقته. قال - متعجباً -: يا مريم من أين لك هذا الرزق؟ قالت: هو من فضل الله، وجعل زكريا - عليه السلام - كافلا لها. وكان رزقها بغير عدد ولا إحصاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 38 - لما رأى زكريا - عليه السلام - ما رآه من نعمة الله على مريم، اتجه إلى الله ضارعاً أن يهبه من فضله وكرمه وبقدرته ولداً، فهو يسمع دعاء الضارعين، وهو القدير على الإجابة وإن وقفت الأسباب العادية من شيخوخة أو عقم دون تحقيقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 39 - فاستجاب الله دعاءه، فنادته الملائكة وهو قائم فى معبده متجهاً إلى ربه، بأن الله يبشرك بولد اسمه يحيى، يؤمن بعيسى - عليه السلام - الذى سيوجد بكلمة من الله فيكون على غير السُنَّة العامة فى التوالد، ويجعله (أى يحيى) يسود قومه بالعلم والصلاة، يعزف عن الشهوات والأهواء، ويجعله من الأنبياء والصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 40 - ولما سيقت إليه هذه البشرى، اتجه إلى ربه متشوقاً إلى معرفة الكيفية التى يكون بها هذا الغلام، مع عدم توافر الأسباب العادية لكبر سنه وعقم زوجه، ورد الله عليه بأنه متى شاء أمراً أوجد له سببه، أو خلقه بغير الأسباب المعروفة. فهو يفعل ما يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 41 - فدعا زكريا ربه أن يجعل له علامة لتحقق هذه البشرى، فأجابه الله بأن علامتك أن تعجز عن كلام الناس ثلاثة أيام إلا بالإشارة إليهم بما تريد، وثابر على ذكر ربك وتنزيهه فى المساء والصباح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 42 - واذكر - أيها النبى - إذ قالت الملائكة: يا مريم إن الله اختارك لتكونى أم نبيه، وطهرك من كل دنس، وخصك بأمومتك لعيسى بفضل على كل نساء العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 43 - وهذا يا مريم يستوجب منك الشكر لربك، فالزمى طاعته، وصلى له، وشاركى الذين يعبدونه ويصلون له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 44 - ذلك الذى قصه القرآن عليك يا محمد من الأخبار العظيمة عَمَّن اصطفاهم الله، هو من الغيب الذى أوحى الله به إليك. وما كنت حاضراً معهم وهم يقترعون بالسهام ليعلم بالقرعة من يقوم بشئون مريم، وما كنت معهم وهم يختصمون فى نيل هذا الشرف العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 45 - اذكر - أيها النبى - إذ بشرت الملائكة مريم بمولود خلقه الله بكلمة منه على غير السُّنَّة العادية فى التوالد، اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وقد خلقه الله ذا مكانة فى الدنيا بالنبوة والبراءة من العيوب، وفى الآخرة بعلو درجته مع الصفوة المقربين إلى الله من النبيين أولى العزم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 46 - وميَّزه الله بخصائص، فكان يكلم الناس وهو طفل فى مهده كلاماً مفهوماً حكيماً، كما يكلمهم وهو رجل سوى، من غير تفاوت بين حالتى الطفولة والكهولة. وكان ممن منحهم الله الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 47 - قالت مريم - متعجبة من وجود الولد على غير نظام التوالد -: من أين يكون لى ولد ولم يمسسنى رجل؟ فذكر الله تعالى لها أنه يخلق ما يشاء بقدرته غير مقيد بالأسباب العادية، فإنه إذا أراد شيئاً أوجده بتأثير قدرته فى مراده من غير افتقار إلى موجب آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 48 - والله يُعلِّم هذا الوليد الكتابة، والعلم الصحيح النافع، والتوراة (كتاب موسى) والإنجيل الذى أوحاه الله إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 49 - ويبعثه رسولا إلى بنى إسرائيل، مستدلا على صدق رسالته بمعجزات من الله، هى أن يصور لكم من الطين صورة مثل صورة الطير، ينفخ فيها فتحل فيها الحياة وتتحرك طائراً بإرادة الله، ويشفى بتقدير الله من وُلِدَ أعمى فيبصر، ومن به برص فيزول برصه، ويعيد الحياة إلى من فقدها. كل ذلك بإذن الله وإرادته، ويخبرهم بما يدَّخرون فى بيوتهم من مأكول وغيره، ويقول لهم: إن هذه الآيات التى أظهرها الله على يدىَّ حجة على أن رسالتى حق إن كنتم ممن يذعنون له ويصدقون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 50 - وأُرسلت إليكم مصدقاً لشريعة التوراة التى نزلت على موسى، ولأبيح لكم بأمر الله بعض ما حُرِّم عليكم من قبل، وقد جئتكم بآية من الله على صدق رسالتى. فاتقوا الله وأطيعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 51 - إن الله الذى أدعوكم إليه هو - وحده - ربى وربكم فاعبدوه وأخلصوا العبادة له، فإن هذا هو الطريق الذى لا عوج فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 52 - ولما جاء عيسى - عليه السلام - دعا قومه إلى الصراط المستقيم، فأبى أكثرهم، فلما علمَ منهم ذلك اتجه إليهم منادياً: من يناصرنى فى هذا الحق الذى أدعو إليه؟ فأجابه خاصة المؤمنين بالله وبه: نحن نؤيدك وننصرك لأنك داع إلى الله، واشهد بأنا مخلصون لله منقادون لأمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 53 - ونحن نقول: يا ربنا، صدَّقنا بكتابك الذى أنزلته على نبيك، وامتثلنا أمر رسولك عيسى - عليه السلام - فاكتبنا من الشاهدين لرسولك بالتبليغ، وعلى بنى إسرائيل بالكفر والجحود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 54 - أما الجاحدون فقد دَبَّروا تدبيراً خفياً يحاربون به دعوة عيسى، فأبطل الله كيدهم فلم ينجحوا فيما أرادوا، والله أحكم المدبرين وأقواهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 55 - واذكر - أيها النبى - إذ قال الله: يا عيسى إنى مستوفٍ أجلك، ولا أمكِّن أحداً من قتلك، وإنى رافعك إلى محل كرامتى، ومنجيك من أعدائك الذين قصدوا قتلك، وجاعل المتبعين لك، الذين لم ينحرفوا عن دينك ظاهرين بالقوة والسلطان على الذين لم يهتدوا بهديك إلى يوم القيامة، ثم إلىَّ مصيركم فى الآخرة فأقضى بينكم فى الذى تنازعتم فيه من أمر الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 56 - فأما الجاحدون، فأذيقهم عذاب الخزى والنكال بتسليط الأمم عليهم فى الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى. وليس لهم من ينقذهم من عذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 57 - وأما المهتدون بهدى الله، العاملون على سنن الخير، فيعطيهم الله جزاء أعمالهم وافياً. والله لا يمنح ثوابه المتجاوزين لحدود الله الطاغين على دعوته وإحسانه، ولا يرفع لهم قدراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 58 - ذلك الذى قصصناه عليك من الحجج الدالة على صدق رسالتك، هو من القرآن الكريم المشتمل على العلم النافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 59 - ضلَّ قوم فى أمر عيسى، فزعموا أنه ابن الله لأنه ولد من غير أب، فقال الله لهم: إن شأن عيسى فى خلقه من غير أب كشأن آدم فى خلقه من تراب من غير أب ولا أم، فقد صوَّره وأراد أن يكون فكان بشراً سوياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 60 - هذا البيان فى خلق عيسى هو الصدق الذى بيَّن الواقع بإخبار رب الوجود فدم على يقينك، ولا تكن من الشاكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 61 - فمن جادلك - يا أيها النبى - فى شأن عيسى من بعد ما جاءك من خبر الله الذى لا شبهة فيه، فقل لهم قولا يظهر علمك اليقينى وباطلهم الزائف: تعالوا يدع كل منَّا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه، ثم نضرع إلى الله أن يجعل غضبه ونقمته على من كذب فى أمر عيسى من كونه خلق من غير أب وأنه رسول الله وليس ابن الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 62 - وذلك هو الحق الذى لا مرية فيه، فليس فى الوجود إله إلا الله الذى خلق كل شئ وأنه لهو المنفرد بالعزة فى ملكه والحكمة فى خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 63 - فإن أعرضوا عن الحق بعدما تبين لهم، ولم يرجعوا عن ضلالتهم فهم المفسدون، والله عليم بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 64 - قل - يا أيها النبى: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة عادلة بيننا وبينكم نذكرها على السواء، وهى أن نخص الله بالعبادة ولا نجعل غيره شريكاً له فيها، ولا يطيع بعضنا بعضاً وينقاد له فى تحليل شئ أو تحريمه، تاركاً حكم الله فيما أحلَّ وحرَّم، فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الحقة فقولوا لهم: اشهدوا بأنا منقادون لأحكام الله، مخلصون له الدين لا ندعو سواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 65 - يا أهل الكتاب لماذا تتنازعون وتجادلون فى دين إبراهيم، كل منكم يدعى أنه على دينه فى حين أن إبراهيم سابق فى الوجود على التوراة والإنجيل بشريعة خاصة، وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده، فكيف يكون على شريعة واحدة منهما؟ . أليست لكم عقول تدركون بها بطلان هذا الكلام الذى يناقض الواقع؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 66 - ها أنتم يا هؤلاء جادلتم فى أمر عيسى وموسى الذى لكم بهما معرفة - كما تزعمون - فكيف تجادلون فى كون إبراهيم يهودياً أو نصرانياً وليس لكم بذلك علم؟ . والله يعلم حقيقة ما تنازعتم فيه، وأنتم لا علم لكم بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 67 - إن إبراهيم - عليه السلام - ما كان على دين اليهود ولا على دين النصارى، ولكن كان منصرفاً عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، منقاداً لله، مخلصاً فى طاعته، وما كان من الذين يشركون مع الله غيره فى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 68 - إن أحق الناس بالانتساب إلى إبراهيم ودينه هم الذين أجابوا دعوته واهتدوا بهديه فى زمنه، وكذا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومن آمن معه، فإنهم أهل التوحيد الخالص وهو دين إبراهيم، والله يحب المؤمنين وينصرهم لأنهم أولياؤه، ويجازيهم بالحسنى وزيادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 69 - إن فريقاً من أهل الكتاب يتمنون إضلال المؤمنين وفتنهم عن دينهم، بإلقاء الشبه التى توهن الاعتقاد، وهم فى عملهم هذا لا يضلُّون إلا أنفسهم بإصرارهم على الضلال الذى يحيق بهم - وحدهم - ولا يعلمون إن عاقبة سعيهم هذا لاحقة بهم ولا تضر المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 70 - يا أهل الكتاب لم تكذّبون بآيات الله المنزلة الدالة على صدق نبوة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأنتم تعلمون أنها حق؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 71 - يا أهل الكتاب لم تخلطون الحق الذى جاء به الأنبياء ونزلت به الكتب بما جئتم به من شبهات واهية، وتأويلات باطلة، ولا تذيعون الحق صريحاً واضحاً بعيداً عن التخليط، وأنتم تعرفون أن عقاب الله على مثل هذا الفعل عظيم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 72 - وأن أهل الكتاب - فى سبيل إضلال المؤمنين - قالوا لإخوانهم: آمنوا بالقرآن الذى نزل على محمد واتبعه فيه المؤمنون أول النهار، واكفروا فى آخره لعلكم تستطيعون بهذا فتنتهم ببث الريب والشك فيهم، فيرجعون عن دينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 73 - وقالوا أيضاً: لا تذعنوا إلا لمن تبع دينكم، خشية أن يدعى أحد أنه أوتى مثل ما عندكم، أو يحتج عليكم بإذعانكم عند ربكم، قل لهم - أيها النبى: إن الهدى ينزل من عند الله، فهو الذى يفيض به ويختار له من يشاء، وقل لهم - أيها النبى - إن الفضل من عند الله يعطيه من يريد من عباده، وهو واسع الفضل، عليم بمن يستحقه ومن ينزله عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 74 - فهو يمنح من يشاء النبوة والرسالة، ومن خصه بذلك فإنما هو محض فضله، والله صاحب الفضل العظيم، لا ينازعه فيه غيره، ولا يحجر عليه فى عطائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 75 - هذا سلوك أهل الكتاب فى الاعتقاد، أما سلوكهم فى المال فمنهم من إن استأمنته على قنطار من الذهب أو الفضة أدَّاه إليك لا ينقص منه شيئاً، ومنهم من إن استأمنته على دينار واحد لا يؤديه إليك إلا إذا لازمته وأحرجته، وذلك لأن هذا الفريق يزعم بأن غيرهم أميون، وأنهم لا ترعى لهم حقوق، ويدعون أن ذلك حكم الله، وهم يعلمون أن ذلك كذب عليه سبحانه وتعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 76 - حقاً لقد افتروا على الله الكذب، فإن من أدَّى حق غيره ووفَّاه فى وقته كما عاهده عليه وخاف الله فلم ينقص ولم يماطل فإنه يفوز بمحبة الله لأنه اتقاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 77 - إن الذين يتركون عهد الله الذى عاهدهم عليه من أداء الحقوق والقيام بالتكليفات، ويتركون أيمانهم التى أقسموا بها على الوفاء - لثمن قليل من أعراض الدنيا - مهما عظم فى نظرهم - هؤلاء لا نصيب لهم فى متاع الآخرة، ويُعرض عنهم ربهم، ولا ينظر إليهم يوم القيامة نظرة رحمة، ولا يغفر لهم آثامهم، ولهم عذاب مؤلم مستمر الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 78 - وإن من هؤلاء فريقاً يميلون ألسنتهم فينطقون بما ليس من الكتاب، محاولين أن يكون شبيها له، ليحسبه السامع من الكتاب وما هو منه فى شئ، ويَدَّعون أن هذا من عند الله وما هو من الوحى فى شئ وهم بهذا يكذبون على الله، وهم فى أنفسهم يعلمون أنهم كاذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 79 - وما كان معقولا ولا سائغاً لبشر ينزل الله عليه الكتاب، ويؤتيه العلم النافع والتحدث عن الله أن يطلب من الناس أن يعبدوه من دون الله. ولكن المعقول والواقع أن يطلب منهم أن يكونوا خالصين لربهم الذى خلقهم بمقتضى ما عَلَّمهم من علم الكتاب وما يدرسونه منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 80 - ولا يمكن أن يأمركم بأن تجعلوا الملائكة أو النبيين أرباباً من دون الله، وإن ذلك كفر ليس من المعقول أن يأمركم به بعد أن صرتم مُسلِّمين وجوهكم لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 81 - واذكر لهم - أيها النبى: أن الله أخذ العهد والميثاق على كل نبى أنزل عليه الكتاب وآتاه العلم النافع، أنه إذا جاءه رسول توافق دعوته دعوتهم ليؤْمِنُنَّ به وينصرنَّه. وأخذ الإقرار من كل نبى بذلك العهد، وأقروا به وشهدوا على أنفسهم وشهد الله عليهم، وبلغوه لأممهم أن ذلك العهد يوجب عليهم الإيمان والنصرة إن أدركوه وإن لم يدركوه، فحق على أممهم أن يؤمنوا به وينصروه وفاء واتباعاً لما التزم به أنبياؤهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 82 - فمن أعرض عن الإيمان بالنبى بعد هذا الميثاق المؤكد، فهو الفاسق الخارج عن شرع الله، الكافر بالأنبياء أولهم وآخرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 83 - أيطلبون ديناً غير دين محمد وهو دين الأنبياء وهو - وحده - دين الله - الذى خضع له كل من فى السموات والأرض طوعاً بالإرادة والاختيار، أو كرهاً بالخلق والتكوين، وإليه - وحده - يرجع الخلق كله؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 84 - أكد الله وحدة الألوهية والرسالة، فأمر نبيه ومن معه بأن يقولوا صدَّقْنا بالله المعبود وحده، ومرسل رسله، وآمنا بما أنزل الله علينا من القرآن والشريعة، وما نزَّله من كتب وشرائع على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولاده الأسباط الإثنى عشر، وما أنزل الله على موسى من التوراة وعيسى من الإنجيل، وما أنزل على سائر النبيين لا فرق فى الإيمان بين أحد منهم. ونحن بذلك قد أسلمنا وجهنا لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 85 - فمن يطلب بعد مبعث محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) ديناً وشريعة غير دين الإسلام وشريعته فلن يرضى الله منه ذلك، وهو عند الله فى دار جزائه من الذين خسروا أنفسهم فاستوجبوا العذاب الأليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 86 - إن الله لا يوافق قوماً شهدوا بأن الرسول حق، وجاءتهم الأدلة على ذلك، ثم بعد ذلك كفروا به، وبمعجزاته، فكان ذلك ظلماً منهم، والله لا يوفق الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 87 - أولئك عقوبتهم عند الله استحقاق غضبه عليهم، ولعنته، ولعنة صفوة الخلق جميعاً من ملائكة وبشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 88 - لا تفارقهم اللعنة، ولا يخفف عنهم العذاب، ولا هم يمهلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 89 - لكن الذين أقلعوا عن ذنوبهم، ودخلوا فى أهل الصلاح وأزالوا ما أفسدوا، فإن الله تعالى يغفر لهم برحمته ذنوبهم، لأن المغفرة والرحمة صفتان من صفات ذاته العلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 90 - وإن قبول التوبة والرحمة بالغفران شرطهما الاستمرار على الإيمان، فالذين يجحدون الحق بعد الإذعان والتصديق، ويزدادون بهذه الردة جحوداً وفساداً وإيذاء للمؤمنين، لن يقبل الله سبحانه وتعالى - توبتهم لأنها لا يمكن أن تكون صادقة خالصة، وقد صاروا بعملهم بعيدين عن الحق منصرفين عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 91 - وإن الذين جحدوا الحق ولم يذعنوا له واستمروا عليه حتى وهم جاحدون، لن يستطيع أحدهم أن يفتدى نفسه من عذاب الله - سبحانه وتعالى - شيئاً، ولو كان الذى يقدمه فدية له ما يملأ الأرض من الذهب إن استطاع، وعذابهم مؤلم شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 92 - لن تنالوا - أيها المؤمنون - الخير الكامل الذى تطلبونه ويرضاه الله تعالى، إلا إذا بذلتم مما تحبون وأنفقتموه فى سُبُل الله المتنوعة، وإن كان الذى تنفقونه قليلا أو كثيراً، نفيساً أو غيره، فإن الله يعلمه لأنه العليم الذى لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 93 - اعترض اليهود على استباحة المسلمين بعض الأطعمة كلحوم الإبل وألبانها، وادعوا أن ذلك حرمته شريعة إبراهيم. فرد الله سبحانه دعواهم ببيان أن تناول كل المطعومات كان مباحاً لبنى يعقوب من قبل نزول التوراة، إلا ما حرمه يعقوب على نفسه لسبب يختص به فحرموه على أنفسهم. وأمر الله نبيه أن يطلب منهم أن يأتوا من التوراة بدليل يثبت أن شريعة إبراهيم تحرم ذلك إن كانوا صادقين، فعجزوا وأفحموا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 94 - وإذ ثبت عجزهم، فمن اختلق منهم الكذب على الله من بعد لزوم الحُجة فهم المستمرون على الظلم المتصفون به حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 95 - وبعد تعجيزهم، أمر الله النبى أن يبيّن لهم أنه بعد إفحامهم ثبت صدق الله فيما أخبر، فاتَّبعوا شريعة إبراهيم التى يدعوكم إليها وتكذبون عليها، فإنها الحق الذى لا شك فيه، وما كان إبراهيم من أهل الشرك بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 96 - وإن من اتباع ملة إبراهيم الاتجاه فى الصلاة إلى البيت الذى بناه والحج إليه، وقد بين الله تعالى ذلك فذكر: إن أول بيت فى القدم والشرف جعله الله متعبداً للناس لهو الذى فى مكة، وهو كثير الخيرات والثمرات، وأودع الله - سبحانه وتعالى - البركة فيه، وهو مكان هداية الناس بالحج والاتجاه فى الصلاة إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 97 - وفيه دلائل واضحات على حرمته ومزيد فضله، منها مكان قيام إبراهيم للصلاة فيه، ومن دخله يكون آمناً لا يتعرض له بسوء، وحج هذا البيت واجب على المستطيع من الناس، ومن أبى وتمرد على أمر الله وجحد دينه فالخسران عائد عليه، وأن الله غنى عن الناس كلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 98 - أمر الله - سبحانه وتعالى - رسوله بتوبيخ أهل الكتاب على استمرارهم على الكفر والضلال والتضليل فقال: قل لهم: يا أهل الكتاب لا وجه لكفركم، فلأى سبب تكفرون بدلائل الله الدالة على نبوة محمد وصدقه، والله مطلع على أعمالكم ومجازيكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 99 - يا أهل الكتاب كيف تحاولون صرف مَن آمن بالله ورسوله وأذعن للحق عن سبيل الله الحق المستقيمة، وتحاولون أن تصوروها معوجة، وأنتم عالمون أنها حق، وليس الله غافلا عن أعمالكم وسيجازيكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 100 - وقد حذَّر المؤمنين مما يثيره بعض أهل الكتاب من شُبَهٍ قائلا: إن تطيعوا بعض أهل الكتاب فيما يبثونه من الشُّبَهِ فى دينكم تعودوا إلى الضلال بعد الهداية، ويردوكم جاحدين بعد الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 101 - وتصوروا حالكم العجيبة وأنتم تضلون وتكفرون بعد الإيمان، والقرآن يتلى عليكم، ورسول الله بينكم، يبين لكم ويدفع الشبه عن دينكم، ومن يلجأ إلى ربه ويستمسك بدينه فنعم ما فعل، فقد هداه ربه إلى طريق الفوز والفلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 102 - وإن باب النار مفتوح إذا لم تتقوا الله، في أيها الذين آمنوا خافوا الله الخوف الواجب بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، ودوموا على الإسلام حتى تلقوا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 103 - وتمسكوا بدين الله مجتمعين عليه، ولا تفعلوا ما يؤدى إلى فرقتكم، وتذكروا نعمة الله عليكم حين كنتم فى الجاهلية متعادين، فَألَّف بين قلوبكم بالإسلام فصرتم متحابين، وكنتم - بسبب كفركم وتفرقكم - على طرف حفرة من النار فخلصكم منها بالإسلام، بمثل ذلك البيان البديع يبين الله لكم دائماً طرق الخير لتدوموا على الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 104 - وإن السبيل للاجتماع الكامل على الحق فى ظل كتاب الله ورسوله أن تكونوا أمة يدعون إلى كل ما فيه صلاح دينى أو دنيوى، ويأمرون بالطاعة، وينهون عن المعصية، وأولئك هم الفائزون فوزاً كاملاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 105 - ولا تكونوا بإهمالكم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اللذين يجمعانكم على الخير والدين الحق، كأولئك الذين أهملوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فتفرقوا شيعاً، واختلفوا فى دينهم من بعد ما جاءتهم الحُجج الواضحة المبينة للحق، وأولئك المتفرقون المختلفون لهم عذاب عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 106 - ذلك العذاب العظيم فى اليوم الذى تبيض بالسرور فيه وجوه المؤمنين، وتسود بالكآبة والحزن وجوه الكافرين، ويقال لهم توبيخاً: أكفرتم بعد أن فطرتم على الإيمان والإذعان للحق وجاءتكم البينات عليه؟ ، فذوقوا العذاب بسبب كفركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 107 - وأما الذين ابيضت وجوههم سروراً بما بشروا به من الخير، ففى الجنة التى رحمهم الله بها هم فيها خالدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 108 - وإن تلك الآيات الواردة بجزاء المحسن والمسئ نتلوها عليك مشتملة على الحق والعدل، وما الله يريد ظلماً لأحد من الناس والجن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 109 - ولله - وحده - ما فى السموات وما فى الأرض خلقاً وملكاً وتصرفاً، وإليه مصير أمورهم، فيجازى كلاً بما يستحقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 110 - أنتم - يا أمة محمد - أفضل أمة خلقها الله لنفع الناس، ما دمتم تأمرون بالطاعات وتنهون عن المعاصى، وتؤمنون بالله إيماناً صحيحاً صادقاً، ولو صدق أهل الكتاب فى إيمانهم مثلكم لكان خيراً لهم مما هم عليه، ولكن منهم المؤمنون وأكثرهم خارجون عن حدود الإيمان وواجباته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 111 - لن يضركم هؤلاء الفاسقون بضرر ينالونكم به، ويكون له أثر فيكم، إلا أذى لا يبقى له أثر مثل ما يؤذى أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك، وإن يُقاتلوكم ينهزموا فارين من لقائكم، ثم لا تكون لهم نصرة عليكم ما دمتم متمسكين بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 112 - وأخبر - سبحانه - بأنه ألزمهم المهانة فى أى مكان وجدوا فيه، إلا بعقد الذمة الذى هو عهد الله وعهد المسلمين، وأنهم استوجبوا غضب الله وألزمهم الاستكانة والخضوع لغيرهم، وذلك بسبب كفرهم بآيات الله الدالة على نبوة محمد، وقتلهم الأنبياء الذى لا يمكن أن يكون بحق، بل هو عصيان منهم واعتداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 113 - وإن أهل الكتاب ليسوا متساوين، فإن منهم جماعة مستقيمة عادلة يقرءون كتاب الله فى ساعات الليل وهم يصلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 114 - لا يعبدون إلا الله ويصدقون بوجوده ووحدانيته وبالرسل ومجئ يوم القيامة، ويأمرون بالطاعات وينهون عن المعاصى، ويبادرون إلى فعل الخيرات، وهؤلاء عند الله من عداد الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 115 - وما يفعلوا من خير فلن يحرموا ثوابه، والله محيط بأحوالهم ومجازيهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 116 - إن الذين كفروا لن تدفع عنهم أموالهم لو افتدوا بها أنفسهم، ولا أولادهم لو استعانوا بهم شيئاً ولو يسيراً من عذاب الله فى الآخرة. وهؤلاء هم الملازمون للنار، الباقون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 117 - إن حال ما ينفقه الكفار فى الدنيا وما يرجون عليه من ثواب فى الآخرة، كحال زرع قوم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصى، أصابته ريح فيها برد شديد فأهلكته عقوبة لهم. وما ظلمهم الله بضياع أجور أعمالهم، ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما أوجب ضياعها، وهو جحود دلالات الإيمان والكفر بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 118 - يا أيها الذين آمنوا: لا تتخذوا أصفياء تستعينون بهم من غير أهل دينكم، تطلعونهم على أسراركم، لأنهم لا يقصرون فى إفساد أموركم. إذ هم يودون أن يرهقوكم ويضروكم أشد الضرر. وقد ظهرت أمارات البغضاء لكم من فلتات ألسنتهم، وما تضمره قلوبهم أعظم مما بدا، قد أظهرنا لكم العلامات التى يتميز بها الولى من العدو إن كنتم من أهل العقل والإدراك الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 119 - ها أنتم أولاء - أيها المؤمنون - تحبون هؤلاء الكفار المنافقين لقرابة أو صداقة أو مودة، ولا يحبونكم لتعصبهم لدينهم، وأنتم تؤمنون بجميع كتب الله المنزلة، وإذا لقوكم أظهروا الإيمان خداعاً لكم، وإذا فارقوكم عضوا لأجلكم أطراف الأصابع غيظاً وأسفاً. قل - أيها النبى -: دوموا على غيظكم إلى الموت، وإن الله عليم بما تخفيه الصدور، ويجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 120 - إن جاءتكم نعمة كنصر وغنيمة تحزنهم، وإن تصبكم مساءة كجدب وهزيمة يُسَرُّوا بإصابتكم، وإن تصبروا على أذاهم وتتقوا ما نهيتم عنه من موالاتهم لا يضركم مكرهم وعداوتهم أى ضرر، لأنه تعالى عالم بما يعملونه من الكيد، فلا يعجزه رده عنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 121 - واذكر - أيها النبى - حين خرجت مبكراً من عند أهلك إلى أُحُد قاصداً إنزال المؤمنين فى مراكز القتال. والله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 122 - حين خطر لطائفتين من المؤمنين - وهما بنو مسلمة وبنو حارثة - أن تفشلا وترجعا، فعصمهم الله، فثبتوا ومضوا للقتال لأنه متولى أمرهما بالعصمة والتوفيق، فليأخذ المؤمنون من هذا عبرة، وليتوكلوا عليه لينصرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 123 - ذكَّر الله المؤمنين بنعمة النصر فى غزوة بدر حين صبروا، فأكد لهم أنه نصرهم فيها وهم قليلو العدد والعدة، وطلب منهم طاعته لشكر هذه النعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 124 - وكان النصر حين قال الرسول للمؤمنين: ألن يكفيكم فى طمأنينة نفوسكم إعانة ربكم إياكم بثلاثة آلاف من الملائكة مرسلين من عند الله لتقويتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 125 - بلى يكفيكم ذلك الإمداد، وإن تصبروا على القتال، وتلتزموا التقوى، ويأتكم أعداؤكم على الفور يزد ربكم الملائكة إلى خمسة آلاف مرسلين من عند الله لتقويتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 126 - وما جعل اللَّه الإمداد بالملائكة إلا بشارة لكم بالنصر، ولتسكن به قلوبكم، ليس النصر إلا من عند الله الذى يضع الأشياء فى مواضعها، ويدير الأمور لعبادة المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 127 - وقد نصركم ليهلك طائفة من الذين كفروا بالقتل، أو يذلهم ويغيظهم بالهزيمة والعار والخزى، فيرجعوا خائبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 128 - ليس لك من التصرف فى أمر عبادى شئ، بل الأمر لله، فإما أن يتوب عليهم بالإيمان، أو يعذبهم بالقتل والخزى والعذاب يوم القيامة لأنهم ظالمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 129 - إن للَّه - وحده - ما فى السموات وما فى الأرض خلقاً وملكاً، وهو القادر على كل شئ، وفى يده كل شئ، يغفر لمن يريد له المغفرة، ويعذب من يريد تعذيبه، ومغفرته أقرب، ورحمته أرجى لأنه كثير المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 130 - يا أيها الذين آمنوا لا تأخذوا فى الدَّيْنِ إلا رءوس أموالكم، فلا تزيدوا عليها زيادة تجئ سنة بعد أخرى فتتضاعف وخافوا اللَّه، فلا تأكلوا أموال الناس بالباطل، فإنكم تفلحون وتفوزون باجتنابكم الربا قليله وكثيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 131 - واحذروا النار التى هيئت للكافرين باجتناب ما يوجبها من استحلال الربا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 132 - وأطيعوا اللَّه والرسول فى كل أمر ونهى لترحموا فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 133 - وبادروا بالأعمال الصالحة، لتنالوا مغفرة عظيمة لذنوبكم من اللَّه مالك أمركم، وجنة واسعة عرضها كعرض السموات والأرض هيئت لمن يتقون اللَّه وعذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 134 - الذين ينفقون أموالهم إرضاء للَّه فى أحوال اليسر والعسر، والقدرة والضعف، ويحبسون أنفسهم عن أن يؤدى غيظهم إلى إنزال عقوبة بمن أساء إليهم خاصة، ويتجاوزون عن المسئ، إنهم بهذا يعدون محسنين، واللَّه تعالى يثيب المحسنين ويرضى عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 135 - والذين إذا ارتكبوا كبيرة، أو تحملوا ذنباً صغيراً، تذكروا اللَّه وجلاله، وعقابه وثوابه، ورحمته ونقمته، فندموا، وطلبوا مغفرته، حيث إنه لا يغفر الذنوب إلا اللَّه، ولم يقيموا على قبيح فعلهم وهم يعلمون قبحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 136 - أولئك المتصفون بهذه الصفات أجرهم مغفرة عظيمة من ربهم مالك أمرهم، وجنات تجرى الأنهار بين أشجارها لا يبرحونها. ونعم ذلك ثوابا للعاملين بأمر اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 137 - قد مضت من قبلكم - أيها المؤمنون - سنن اللَّه فى الأمم المكذبة، بإمهالهم، ثم أخذهم بذنوبهم، فتأملوا كيف كان عاقبة أمر المكذبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 138 - وهذا المذكور من صفات المؤمنين وسنن الله فى الماضين فيه بيان للناس وإرشاد لهم إلى طريق الخير، وزجر عن طريق الشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 139 - ولا تضعفوا عن الجهاد فى سبيل الله بسبب ما ينالكم فيه، ولا تحزنوا على من يقتل منكم، وأنتم - بتأييد الله وإيمانكم، وقوة الحق الذى تدافعون عنه - الأعلون، ولكم الغلبة إن صدق إيمانكم ودمتم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 140 - إن يكن قد مسّكم بأُحُدْ قتل أو جراح عميقة فى أجسامكم، وأثَّرت فى نفوسكم فلا تهنوا ولا تحزنوا، لأنه قد أصاب خصومكم مثله يوم بدر. وإن أوقات النصر يصرفها الله بين الناس، فيكون النصر لهؤلاء أحياناً ولأولئك أخرى، اختباراً للمؤمنين، وليميز الله الثابتين على الإيمان، وليكرم قوماً بالاستشهاد فى سبيله، والله لا يحب المشركين الظالمين ولو ظفروا بنصر من غيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 141 - وينقى الله بهذه الهزيمة الوقتية جماعة المؤمنين، ويطهرهم من مرضى القلوب وضعفاء الإيمان، ودعاة الهزيمة والتردد، ويستأصل بذلك الكفر وأهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 142 - لا تظنوا - أيها المؤمنون - أنكم تدخلون الجنة دون أن يتبين منكم المجاهدون الصابرون الذين تطهرهم المحن والشدائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 143 - لقد كنتم تطلبون الموت فى سبيل الله من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا هوله، فقد رأيتم الموت حين قتل إخوانكم بين أيديكم وأنتم تنظرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 144 - لما أشيع قتل محمد فى غزوة أُحد، همّ بعض المسلمين بالارتداد، فأنكر الله عليهم ذلك قائلا: ليس محمد إلا رسول قد مات من قبله المرسلون أمثاله، وسيموت كما ماتوا، وسيمضى كما مضوا، أفإن مات أو قتل رجعتم على أعقابكم إلى الكفر؟ ، ومن يرجع إلى الكفر بعد الإيمان فلن يضر الله شيئاً من الضرر، وإنما يضر نفسه بتعريضها للعذاب، وسيثيب الله الثابتين على الإسلام الشاكرين لنعمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 145 - لا يمكن أن تموت نفس إلا بإذن الله، وقد كتب الله ذلك فى كتاب مشتمل على الآجال. ومن يرد متاع الدنيا يؤته منها، ومن يرد جزاء الآخرة يؤته منها، وسيجزى الله الذين شكروا نعمته فأطاعوه فيما أمرهم به من جهاد وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 146 - وكم من الأنبياء قاتل مع كل منهم كثيرون من المؤمنين المخلصين لربهم، فما جبنت قلوبهم ولا فترت عزائمهم، ولا خضعوا لأعدائهم بسبب ما أصابهم فى سبيل الله، لأنهم فى طاعته، والله يثيب الصابرين على البلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 147 - وما كان قولهم عند شدائد الحرب إلا أن قالوا: ربنا تجاوز عمَّا يكون منا من صغائر الذنوب وكبائرها، وثبتنا فى مواطن الحرب وانصرنا على أعداء دينك الكافرين بك وبرسالة رسلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 148 - فأعطاهم الله النصر والتوفيق فى الدنيا، وضمن لهم الجزاء الحسن فى الآخرة، والله يثيب الذين يحسنون أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 149 - يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الكفار أعداءكم الذين أعلنوا الكفر أو أخفوه فيما يدعونكم إليه من قول أو فعل يقلبوكم إلى الكفر فتخسروا الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 150 - والله هو ناصركم، ولا تخشوهم لأن الله أعظم الناصرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 151 - ولا يضعفكم ما أصابكم يوم أُحد، فسنقذف الخوف والفزع فى قلوب أعدائكم، لإشراكهم بالله آلهة لم ينزل الله بعبادتها حُجة، لأنها لا تنفع ولا تضر، ومستقرهم النار فى الآخرة وبئس هذا المكان للظالمين مقاماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 152 - وإن نصر الله محقق واقع، ولقد صدقكم الله الوعد بالنصر حين قتلتم كثيرين منهم أول الأمر بإرادته، حتى إذا ضعف رأيكم فى القتال، واختلفتم فى فهم أمر النبى إياكم بالمقام فى مراكزكم، فرأى بعضكم ترك موقعه حيث ظهر النصر، ورأى البعض البقاء حتى النهاية، وعصى فريق منكم أمر الرسول فمضى لطلب الغنيمة من بعد ما أراكم ما تحبون من النصر، وصرتم فريقين منكم من يريد متاع الدنيا، ومنكم من يريد ثواب الآخرة، لما كان ذلك، منعكم نصره ثم ردكم بالهزيمة عن أعدائكم، ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره. ولقد تجاوز عنكم لما ندمتم. والله ذو الفضل عليكم بالعفو وقبول التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 153 - اذكروا - أيها المؤمنون - حالكم وقت أن كنتم تبعدون فى الأرض هاربين، ولا تلتفتون لأحد من شدة الهرب، والرسول يناديكم من ورائكم لترجعوا، فجازاكم الله حزناً غامراً كالغمة، توالى على نفوسكم لكى لا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة وما أصابكم من الهزيمة، والله عليم بمقاصدكم وأعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 154 - ثم أسبغ الله عليكم من بعد الغم نعمة أمن، وكان مظهرها نعاساً يغشى فريق الصادقين فى إيمانهم وتفويضهم لله، أما الطائفة الأخرى فقد كان همهم أنفسهم لا يعنون إلا بها، ولذلك ظنوا بالله الظنون الباطلة كظن الجاهلية، يقولون مستنكرين: هل كان لنا من أمر النصر الذى وعدنا به شئ؟ قل - أيها النبى: - الأمر كله فى النصر والهزيمة لله، يصرف الأمر فى عباده إن اتخذوا أسباب النصر، أو وقعوا فى أسباب الهزيمة. وهم إذ يقولون ذلك يخفون فى أنفسهم أمراً لا يبدونه. إذ يقولون فى أنفسهم: لو كان لنا اختيار لم نخرج فلم نغلب. قل لهم: لو كنتم فى منازلكم وفيكم من كتب عليهم القتل لخرجوا إلى مصارعهم فقتلوا. وقد فعل الله ما فعل فى أُحد لمصالح جمة، ليختبر ما فى سرائركم من الإخلاص وليطهر قلوبكم، والله يعلم ما فى قلوبكم من الخفايا علماً بليغاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 155 - إن الذين انصرفوا منكم عن الثبات فى أماكنهم - يا معشر المسلمين - يوم التقى جمعكم وجمع الكفار للقتال بأُحد، إنما جرَّهم الشيطان إلى الزلل والخطأ بسبب ما ارتكبوا من مخالفة الرسول، ولقد تجاوز الله عنهم لأنه كثير المغفرة واسع الحلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 156 - يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا فى شأن إخوانهم - إذا أبعدوا فى الأرض لطلب العيش فماتوا أو كانوا غزاة فقتلوا -: لو كانوا مقيمين عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فقد جعل الله ذلك القول والظن حسرة فى قلوبهم، والله هو الذى يحيى ويميت، وبيده مقادير كل شئ، وهو مطلع على ما تعملون من خير أو شر، ومجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 157 - ولئن قتلتم فى الجهاد أو متم فى أثنائه، لمغفرة من الله لذنوبكم ورحمة منه لكم، خير مما تجمعونه من متاع الدنيا لو بقيتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 158 - ولئن متم أو قتلتم فى الجهاد فلن تضيع أعمالكم، بل ستحشرون إلى الله فيثيبكم على جهادكم وإخلاصكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 159 - كان رحمة من الله بك وبهم أن لِنْتَ لهم ولم تغلظ فى القول بسبب خطئهم، ولو كنت جافى المعاملة قاسى القلب، لتفرقوا من حولك، فتجاوز عن خطئهم، واطلب المغفرة لهم، واستشرهم فى الأمر متعرفاً آراءهم مما لم ينزل عليك فيه وحى، فإذا عقدت عزمك على أمر بعد المشاروة فامض فيه متوكلاً على الله، لأن الله يحب من يفوض أموره إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 160 - إن يؤيدكم الله بنصره - كما حصل يوم بدر - فلن يغلبكم أحد، وإن قدر لكم الخذلان لعدم اتخاذكم أسباب النصر - كما حصل يوم أُحد - فلا ناصر لكم سواه، وعلى الله - وحده - يجب أن يعتمد المؤمنون ويفوضوا أمرهم إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 161 - ما صح لنبى أن يخون فى المغنم كما أشاع المنافقون الكذابون، لأن الخيانة تنافى النبوة، فلا تظنوا به ذلك، ومن يخن يأت يوم القيامة بإثم ما خان فيه، ثم تُعطى كل نفس جزاء ما عملت وافياً، وهم لا يظلمون بنقصان الثواب أو زيادة العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 162 - ليس من سعى فى طلب رضا الله بالعمل والطاعة مثل الذى باء بغضب عظيم من الله بسبب المعصية. ومصير العاصى جهنم وبئس ذلك المصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 163 - ليس الفريقان سواء، بل هم متفاوتون عند الله تفاوت الدرجات والله عالم بأحوالهم ودرجاتهم، فيجازيهم على قدرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 164 - لقد تفضل الله على المؤمنين الأولين الذين صحبوا النبى، بأن بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آيات الكتاب، ويطهرهم من سوء العقيدة، ويعلمهم علم القرآن والسنة. وقد كانوا من قبل بَعثه فى جهالة وحيرة وضياع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 165 - أجزعتم وتخاذلتم وقلتم مستغربين حين أصابتكم مصيبة يوم أُحد قد أصبتم ضعفيها يوم بدر: من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول الله فينا؟ . قل - يا محمد -: الذى أصابكم من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم الرسول والله قادر على كل شئ، وقد جازاكم بما عملتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 166 - إن الذى أصابكم - أيها المؤمنون - يوم التقى جمعكم وجمع المشركين بأُحد واقع بقضاء الله، وليظهر للناس ما علمه من إيمان المؤمن حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 167 - وليظهر نفاق الذين نافقوا، وهم الذين قيل لهم حين انصرفوا يوم أُحد عن القتال: تعالوا قاتلوا لأجل طاعة الله، أو قاتلوا دفاعاً عن أنفسكم، قالوا: لو نعلم أنكم ستلقون قتالاً لذهبنا معكم، وهم حين قالوا هذا القول أقرب للكفر منهم للإيمان، يقولون بأفواههم: ليس هناك حرب، مع أنهم يعتقدون فى قلوبهم أنها واقعة. والله أعلم بما يضمرون من النفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 168 - وإنهم هم الذين تخلفوا عن القتال وقعدوا عنه، وقالوا فى شأن إخوانهم الذين خرجوا وقتلوا: لو أطاعونا وقعدوا كما قعدنا لنجوا من القتل كما نجونا. قل: فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين فى أن الحذر كان يمنعكم من القدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 169 - ولا تظنن الذين قُتِلوا فى سبيل الله أمواتاً بل هم أحياء حياةً استأثر الله بعلمها، يرزقون عند ربهم رزقاً حسناً يعلمه هو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 170 - يتألق السرور بالبشر من وجوههم بما أعطاهم الله بسبب فضله من المزايا، ويفرحون بإخوانهم الذين تركوهم فى الدنيا أحياء مقيمين على منهج الإيمان والجهاد، وبأنه لا خوف عليهم من مكروه، ولا هم يحزنون لفوات محبوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 171 - تتألق وجوه الشهداء بما منّ الله به عليهم من نعمة الشهادة ونعيم الجنة وعظيم الكرامة، وبأنه لا يضيع أجر المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 172 - الذين لبّوا دعوة الرسول إلى استئناف الجهاد من بعد ما أصابهم فى غزوة أُحد من الجرح العميق، وبذلك أحسنوا، واتقوا عصيان أمر الله ورسوله، فاستحقوا الأجر العظيم فى دار الجزاء والنعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 173 - الذين خوفهم الناس بأن قالوا لهم: إن أعداءكم قد جمعوا لكم جيشاً كثيفاً فخافوهم، فما ضعفوا وما وهنوا، بل ازدادوا إيماناً بالله وثقة بنصره، وكان ردّهم: الله كافينا، وهو المتولى أمورنا، وهو نِعْمَ من يفوّض إليه الأمر كله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 174 - ثم خرجوا للجهاد ولقاء الجيش الكثيف، ولكن المشركين جبنوا عن اللقاء، فعاد المؤمنون فائزين بنعمة السلامة مع الرغبة فى الجهاد، وفوزهم بثوابه وفضل اللَّه عليهم فى إلقاء الرعب فى قلوب عدوهم فلم ينلهم أذى. وابتغوا رضوان اللَّه فصاروا أهلاً لفضله، واللَّه صاحب الفضل العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 175 - يبين اللَّه سبحانه للمؤمنين أن أولئك الذين يخوفونكم بأعدائكم لتجْبنوا عن لقائهم ليسوا إلا أعواناً للشيطان الذى يخوف أتباعه فيجعلهم جبناء ولستم منهم. فلا تحفلوا بتخويفهم وخافوا اللَّه - وحده - إن كنتم صادقى الإيمان، قائمين بما يفرضه عليكم هذا الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 176 - لا تحزن - أيها النبى - إذا رأيت الذين يزدادون كفراً ويسرعون بالانتقال من سيئ إلى أسوأ، فهم لن ينالوا اللَّه بأى ضرر، لأنه القاهر فوق عباده، بل يريد اللَّه ألا يجعل لهم نصيباً من ثواب الآخرة، ولهم فوق حرمانهم هذا الثواب الكريم عذاب عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 177 - إن هؤلاء الذين استبدلوا الكفر بالإيمان، فابتغوا الكفر وتركوا الإيمان، لن يضرُّوا اللَّه شيئا، ولهم فى الآخرة عذاب مؤلم شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 178 - لا يحسبن هؤلاء الكافرون أن إمهالنا لهم - حين نُمدُ فى أعمارهم، ونهيئ لهم أسباب النعيم فى حياتهم الدنيا - خير لهم، فإن إطالة العمر وسعة الرزق يفضيان بهم إلى الاستمرار فى اكتساب الإثم واستحقاق ما أعد اللَّه لهم من عذاب مهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 179 - ما كان اللَّه ليترككم - يا معشر المؤمنين - على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق، حتى يميز بينكم بالمحنة والتكليف لتروا المنافق الخبيث والمؤمن الطيب، ولم تجر سنة اللَّه بإطلاع أحد من خلقه على شئ من غيبه، ولكن اللَّه يصطفى من يشاء بإطلاعه على ما يشاء من غيبه، وإن تؤمنوا وتتقوا ربكم بالتزام طاعته يدخلكم الجنة جزاء، ونعم الجزاء إذ هى جزاء عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 180 - لا يظن الذين يبخلون بما أنعم الله عليهم من المال تفضلاً منه، ولا يبذلونه فى الواجبات وسبل الخير أنَّ البخل خير لهم، بل إنه شر سيئ العاقبة عليهم، سيجزون عليه شر الجزاء يوم القيامة، وسيكون العذاب ملازماً لهم ملازمة الطوق للعنق. وإن كل ما فى الوجود يؤول لله - سبحانه وتعالى - وهو المالك له، وهو - سبحانه - يعلم كل ما تعملون، وسيجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 181 - ومع أن الله له ملك السموات والأرض وميراثهما، فقد قال بعض اليهود متهكمين: إن الله فقير يطلب منا أن نقرضه بالإنفاق، ونحن أغنياء ننفق أو لا ننفق، لقد سمع الله قولهم هذا وسجَّل عليهم ذلك القول كما سجل عليهم قتلهم الأنبياء ظلماً وإثماً وعدواناً، وسيقول لهم يوم القيامة: ذوقوا عذاب النار المحرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 182 - وذلك العذاب بما قدمت أيديهم من الآثام، وعقاب الله لا يكون إلا عدلا، فهو لا يظلم العباد أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 183 - إنهم هم الذين قالوا: إن الله أمرنا فى التوراة ألا نؤمن مذعنين لرسول إلا إذا دلل على صدقه بأن يأتينا بشئ يقربه لوجه الله وتنزل نار من السماء فتأكله، فقل لهم - أيها النبى -: إن رسلا من الله قد جاءوا من قبل بالأدلة الواضحة، وجاءوا بما اقترحتم، ومع ذلك كذبتموهم وقتلتموهم. فلم فعلتم ذلك إن كنتم صادقين فى وعدكم بالإيمان عندما يتحقق ما تريدون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 184 - وإن كذبوك - أيها النبى - فلا تحزن، فقد سبق قبلك كثيرون كذبهم أقوامهم تعنتاً وعناداً، مع أنهم جاءوا بالأدلة الساطعة والكتب السماوية الدالة على صدق رسالتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 185 - كل نفس تذوق الموت لا محالة، وإذا أصابتكم آلام فى الدنيا فإنما توفون ثوابكم كاملاً يوم القيامة، ومن قارب النار وزحزح عنها فقد نال الفوز، وما الحياة الدنيا إلا متاع زائل يغرُّ ولا يبقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 186 - تأكدوا - أيها المؤمنون - أنكم ستختبرون فى أموالكم بالنقص أو الإنفاق، وفى أنفسكم بالجهاد وبالأمراض والآلام. وأنكم ستسمعون من اليهود والنصارى والمشركين كثيراً مما يؤذيكم من السب والطعن، فعليكم أن تقابلوا ذلك بالصبر وتقوى الله، لأن ذلك من الأمور الصالحة التى يجب العزم على تنفيذها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 187 - واذكر - أيها النبى - إذ أخذ الله العهد المؤكد على أهل الكتاب أن يوضحوا معانيه، وألا يخفوا شيئاً من آياته عن الناس، فألقوه وراء ظهورهم نابذين له، واستبدلوا به متاع الدنيا طالبين له، ومتاع الدنيا مهما يكن كالثمن البخس الحقير فى مقابل الهداية والإرشاد فقبحاً لما فعلوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 188 - لا تظنن الذين يفرحون دائماً بما يأتون من أفعال قبيحة ويحبون الثناء بما لم يفعلوه، لا تظنن هؤلاء بمنجاة من العذاب، لأن من شأنهم أن يغلقوا على أنفسهم باب الإيمان والحق كاليهود، ولهم عذاب مؤلم يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 189 - الله - وحده - هو المالك لأمر السموات والأرض، وهو القادر على كل شئ، فيؤاخذ المذنبين بذنوبهم ويثيب المحسنين على إحسانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 190 - إن فى خلق الله للسموات والأرض مع ما فيهما من إبداع وإحكام، واختلاف الليل والنهار نوراً وظلمة وطولاً وقصراً لدلائل بينات لأصحاب العقول المدركة على وحدانية الله وقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 191 - وشأن أولى الألباب أنهم يستحضرون فى نفوسهم عظمة الله وجلاله فى كل مكان، قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم، ويتدبرون فى خلق السموات والأرض وما فيهما من عجائب قائلين: ربنا ما خلقت هذا إلا لحكمة قدَّرتها وأنت منزه عن النقص، بل خلقته دليلاً على قدرتك، وعنواناً لبالغ حكمتك، فاحفظنا من عذاب النار بتوفيقك لنا إلى طاعتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 192 - يا خالقنا والقائم على أمورنا، والحافظ لنا إن من يستحق النار وتدخله فيها فقد أخزيته، وليس للظالم الذى استحق النار من نصير يمنعه منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 193 - يا خالقنا والقائم على أمورنا، والحافظ لنا إننا سمعنا رسولك يدعو إلى الإيمان بك فأطعناه وآمنا به، ربنا اغفر لنا كبائر ذنوبنا وامح عنا صغائر سيئاتنا، واجعلنا بعد وفاتنا مع عبادك الأخيار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 194 - يا خالقنا، والقائم على أمورنا، والحافظ لنا، أعطنا الذى وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتأييد فى الدنيا، ولا تدخلنا النار فتخزنا - يوم القيامة - فشأنك ألا تخلف الميعاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 195 - فأجاب ربهم دعاءهم، مبيناً لهم أنه لا يضيع على عامل منهم ثواب عمله، سواء كان ذكراً أم أنثى، فالأنثى من الذكر، والذكر من الأنثى. فالذين هاجروا يريدون وجه الله وأخرجوا من ديارهم ونالهم الأذى فى سبيل الله وقاتلوا وتعرضوا للقتل، وقتل منهم من قتل، كتب الله على نفسه أنه سيمحو عنهم سيئاتهم، ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار جزاءً كريماً عالياً من عند الله، والله - وحده - عنده الثواب الحسن الجميل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 196 - لا تتأثر - أيها النبى - بما ترى فيه الذين كفروا من تقلب فى النعيم والتصرف فى التجارة والمكاسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 197 - فإن ذلك متاع زائل، وكل زائل قليل، ثم يكون المأوى الذى ينتهون إليه جهنم، وبئس منزلا جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 198 - ذلك جزاء الكافرين، أما الذين آمنوا وخافوا ربهم فلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار مخلدين فيها، نازلين فى كرم الله سبحانه وما عند الله خير للأبرار مما يتقلب فيه الكافرون من متاع زائل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 199 - إن بعض أهل الكتاب يؤمنون بالله وبما أنزل على محمد وبما أنزل على الرسل من قبله، تراهم خاضعين لله ضارعين إليه، لا يستبدلون بالبينات الظاهرة عرضاً من أعراض الدنيا مهما عظم فهو قليل، هؤلاء لهم الجزاء الأوفى فى دار الرضوان عند ربهم والله سريع الحساب لا يعجزه إحصاء أعمالهم ومحاسبتهم عليها، وهو قادر على ذلك وجزاؤه نازل بهم لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 200 - يا أيها المؤمنون تمسكوا بالصبر، وغالبوا أعداءكم به، ولازموا الثغور لحمايتها، وخافوا ربكم، ففى كل ذلك رجاء فلاحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 1 - يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى أوجدكم من نفس واحدة، وأنشأ من هذه النفس زوجها، وخلق منهما رجالاً كثيراً ونساء، فأنتم جميعاً تنتهون إلى تلك النفس الواحدة، واتقوا الله الذى تستعينون به فى كل ما تحتاجون، ويسأل باسمه بعضكم بعضاً فيما تتبادلون من أمور، واتقوا الأرحام فلا تقطعوها قريبها وبعيدها، إن الله دائم الرقابة على أنفسكم، لا تخفى عليه خافية من أموركم، ومجازيكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 2 - ومَلّكُوا اليتامى ما يستحقون من مال، واحفظوه لهم، ولا تعطوهم الردئ وتحرموهم الجيد، ولا تأخذوا أموالهم وتضيفوها إلى أموالكم، إن ذلك كان إثماً كبيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 3 - وإن شعرتم بالخوف من ظلم اليتامى لأنه ذنب كبير، فخافوا كذلك أَلَمَ نسائكم بعدم العدل بينهن، والزيادة على أربع، فتزوجوا منهن اثنتين او ثلاثاً أو أربعاً إذا وثقتم بالقدرة على العدل، فإن خفتم عدم العدل فتزوجوا واحدة، أو استمتعوا بما تملك أيديكم من الإماء، ذلك أقرب إلى عدم الوقوع فى الظلم والجور، وأقرب ألا تكثر عيالكم فتعجزوا عن الإنفاق عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 4 - وأعطوا النساء مهورهن عطية خالصة، وليس لكم حق فى شئ من هذه المهور، فإن طابت نفوسهن بالنزول عن شئ من المهر فخذوه وانتفعوا به طيباً محمود العاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 5 - ولا تعطوا ضعاف العقول ممن لا يحسنون التصرف فى المال أموالهم التى هى أموالكم، فإن مال اليتيم وضعيف العقل مالكم، يعنيكم أمره وإصلاحه حتى لا يضيع المال، فقد جعله الله قوام الحياة، وأعطوهم من ثمراتها النصيب الذى يحتاجون إليه فى الطعام، واكسوهم وعاملوهم بالحسنى، وقولوا لهم: قولاً يرضيهم ولا يؤذيهم ولا يذلُّهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 6 - واختبروا عقول اليتامى وتبينوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ، حتى إذا أصبحوا صالحين للزواج وتبينتم رشدهم وسدادهم فادفعوا إليهم أموالهم، ولا تأكلوها مسرفين مستعجلين الانتفاع بها قبل أن يبلغوا وتُردُّ إليهم. ومن كان من الأوصياء عليهم غنياً فليتعفف عن أموال اليتامى، ومن كان فقيراً فليكتف بقدر ما يكفيه عُرْفاً، فإذا سلمتموهم أموالهم فأشهدوا عليهم، والله من ورائكم هو المحاسب والمراقب، وكفى به حسيباً ومراقباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 7 - للرجال نصيب من الأموال التى يتركها الوالدان والأقربون - ميراثاً - وللنساء أيضاً نصيب مما ترك هؤلاء دون منع أو بخس، وهذه الأنصبة الثابتة مفروضة ومقدرة سواء قَلَّتْ الأموال أو كثرت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 8 - وإذا حضر قسمة التركة بعض الأقارب الذين لا يرثون من اليتامى والمساكين فأكرموهم بإعطائهم شيئاً من هذه التركة تطييباً لنفوسهم، ونزعاً للحسد من قلوبهم، ويحسن أن يشفع هذا العطاء بلين القول وحسن الاعتذار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 9 - وعلى الناس ألا يظلموا اليتامى، وليخافوا على ذريتهم الضعاف أن ينالهم من الظلم ما يفعلونه مع اليتامى، وليتقوا الله فيهم، وليقولوا قولاً مسدداً نحو الحق، غير ظالم لأحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 10 - إن الذين يظلمون اليتامى بأخذ أموالهم فى غير حق، إنما يأكلون ما يؤدى بهم إلى النار، فسيعذبون يوم القيامة بنار شديدة الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 11 - يأمركم الله فى شأن توريث أولادكم وأبويكم - إذا مُتُّم - بما يحقق العدل والإصلاح وذلك بأن يكون للذكر مثل نصيب الأنثيين إذا كان الأولاد ذكوراً وإناثاً. فإن كان جميع الأولاد إناثاً يزيد عددهن على اثنتين فلهن الثلثان من التركة. ويفهم من مضمون الآية أن الاثنتين نصيبهما كنصيب الأكثر من اثنتين. وإن ترك بنتاً واحدة فلها نصف ما ترك. وإن ترك أباً وأماً فلكل منهما السدس إن كان له ولد معهما - ولد ذكر أو أنثى - فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فقط فلأمه الثلث والباقى للأب. فإن كان له إخوة فلأمه السدس والباقى للأب ولا شئ للأخوة. تُعْطَى هذه الأنصبة لمستحقيها بعد أداء ما يكون عليه من دين، وتنفيذ ما وصَّى به فى حدود ما أجازه الشارع. هذا حكم الله فإنه عدل وحكمة، وأنتم لا تدرون الأقرب لكم نفعاً من الآباء والأبناء، والخير فيما أمر الله، فهو العليم بمصالحكم، الحكيم فيما فرض لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 12 - للزوج نصف ما تركت الزوجة إن لم يكن لها ولد منه أو من غيره فإن كان لها ولد فلزوجها الربع من بعد وصية تُوصِى بها أو دين. وللزوجة - واحدة أو متعددة - الربع مما ترك الزوج إن لم يكن له منها أو من غيرها ولد، فإن كان له منهن أو من غيرهن فللزوجة أو الزوجات الثمن من بعد وصية يُوصى بها أو دين، وولد الابن كالولد فيما تقدم. وإن كان الميت رجلاً أو امرأة ولا ولد له ولا والد وترك أخاً لأم أو أختاً لأم فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء فى الثلث يستوى فى ذلك ذَكَرُهم وأنثاهم بمقتضى الشركة من بعد أداء الديون التى عليه وتنفيذ الوصية التى لا تضر بالورثة، وهى التى لا تتجاوز ثلث الباقى بعد الدين، فالزموا - أيها المؤمنون - ما وصاكم الله به، فإنه عليم بمن جار أو عدل منكم، حليم لا يعاجل الجائر بعقوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 13 - تلك الأحكام المذكورة فى بيان المواريث وما سبقها، شرائع الله التى حدَّدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها، ومن يطع الله ورسوله فيما حكم به كان جزاؤه الجنة التى تجرى فيها الأنهار خالداً فيها وذلك الفوز العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 14 - ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدود ما شرعه مستبيحاً ذلك التعدى، يجزه ناراً مخلداً فيها، يعذب بها بدنه، إلى جانب عذاب مهين تتألم به روحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 15 - واللاتى يأتين الزنا من النساء إن شهد عليهن أربعة من الرجال العادلين يمسكن فى البيوت محافظة عليهم ودفعاً للفساد والشر حتى يأتيهن الموت أو يفتح الله لهن طريقاً للحياة المستقيمة بالزواج والتوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 16 - والرجل والمرأة اللذان يزنيان وهما غير متزوجين فلهما عقوبة محدودة - إذا ثبت الزنا بشهادة شهود أربعة عدول - فإن تابا بعد العقوبة فلا تذكِّروهما بما ارتكبا ولا تعيِّروهما به، إن الله يقبل برحمته توبة التائبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 17 - إنما يقبل الله التوبة من الذين يرتكبون المعاصى والذنوب بجهل منهم لعاقبتها، ثم يبادرون بالتوبة قبل حضور الموت، فهؤلاء يقبل الله توبتهم وهو عليم لا يخفى عليه صدق التوبة، حكيم لا يخطئ فى تقدير الأحكام والأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 18 - وليس قبول التوبة للذين يرتكبون الذنوب ويستمرون في ممارستها ولا يبادرون بالأقلاع عنها والندم عليها، إلى أن يحضر أحدهم الموت فيقول: إنى أعلن الندم والتوبة الآن، كما لا تقبل التوبة من الذين يموتون على الكفر، وقد أعد الله للفريقين عذاباً أليماً في دار الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 19 - يا أيها الذين آمنوا لا يجوز لكم أن تجعلوا النساء كالمتاع، فترثوهن زوجات لكم من غير صداق، وهن كارهات، ولا تظلموهن بالتضييق عليهن لينزلن عن بعض ما آتيتموهن من مهور، ولا تضيقوا عليهن لتستردوا بعض ما آتيتموهن من مال إلا أن يرتكبن إثماً بيناً بنشوز أو سوء خلق أو فجور، فلكم أن تضيِّقوا عليهن أو تأخذوا بعض ما آتيتموهن عند الفراق، وعليكم - أيها المؤمنون - أن تحسنوا عشرة نسائكم قولاً وعملاً فإن كرهتموهن لعيب فى الخَلْق أو الخُلُق أو غيرهما فاصبروا ولا تتعجلوا فراقهن فعسى أن يجعل الله فى المكروه لكم خيراً كثيراً، وعلم الأمور كلها عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 20 - وإن أردتم أن تستبدلوا زوجة مكان أخرى وكنتم قد أعطيتم من تريدون طلاقها مالاً كثيراً فلا يحلُّ لكم أن تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه على وجه البطلان والإثم المبين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 21 - وكيف يسوغ لكم أن تستردوا ما أعطيتم من مهر وقد امتزج بعضكم ببعض وأخذن منكم عقداً قوياً موثقاً أحل الله به العشرة الزوجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 22 - ولا تتزوجوا - أيها الأبناء - ما تزوج آباؤكم من النساء، إنه كان أمراً فاحش القبح، يمقته الله والناس، وهو أسوأ سبيل ومقصد، وأن الله يعفو عما قد سلف منكم فى زمن الجاهلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 23 - حَرَّمَ الله عليكم أن تتزوجوا أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، والمحرمات لغير النسب: أمهات الرضاعة، والأخوات من الرضاعة، وأمهات الزوجات وبنات الزوجات من غير الأزواج إذا دخلتم بهن، وزوجات أبناء الصلب، والجمع بين الأختين، وما سلف فى الجاهلية فإنه معفوٌّ عنه. إن الله غفور لما سلف قبل هذا النهج، رحيم بكم فيما شرع لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 24 - وحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء عامة، حرائر وغير حرائر، إلا من سبيتم وملكتم منهن فى حرب بينكم وبين الكفار، فإن نكاحهن السابق ينفسخ بالسبى، فيصرن حلالا لكم بعد استبراء أرحامهن، فالزموا ما كتب الله عليكم فى تحريم ما حرم، ولكم فيما عدا هؤلاء المؤمنات المحرمات أن تطلبوا بأموالكم نساء تتزوجون بهن، لا تقصدون الزنا أو المخادنة، فأى نساء استمتعتم بهن بعد الزواج منهن أحل الله لكم الدخول بهن فوفُّوهن مهورهن التى قدَّرتم لهن حقاً عليكم لا تسامح فيه تؤدونه فى موعد، ولا حرج عليكم فيما تم بينكم عن تراض من تنازل زوجة عن بعض مهرها أو زيادة زوج فيه، إن الله كان ولم يزل مُطَّلِعاً على شئون العباد، مُدَبِّراً لهم فى أحكام ما يصلح به أمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 25 - ومن لم يستطع منكم نكاح الحرائر المؤمنات فله أن يتجاوزهن إلى ما يستطيع من المملوكات المؤمنات، والله أعلم بحقيقة إيمانكم وإخلاصكم، ولا تستنكفوا من نكاحهن، فأنتم وهن سواء فى الدين، فتزوجوهن بإذن أصحابهن وأدوا إليهن مهورهن التى تفرضونها لهن حسب المعهود بينكم فى حسن التعامل وتوفية الحق، واختاروهن عفيفات، فلا تختاروا زانية معلنة ولا خليلة، فإن أتين الزنا بعد زواجهن فعقوبتهن نصف عقوبة الحرة. وإباحة نكاح المملوكات عند عدم القدرة جائز لمن خاف منكم المشقة المفضية إلى الزنا وصبركم عن نكاح المملوكات مع العفة خير لكم، والله كثير المغفرة، عظيم الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 26 - يريد الله أن يوضح لكم أصلح السبل، ويدلكم على سنن الأنبياء والصالحين فى الحلال والحرام، ويتوب عليكم بالرجوع بكم إلى طريق طاعته، والله مُطَّلِع على شئونكم، مدبر فى أحكامه لما يصلح أمركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 27 - والله يريد أن يرجع بكم إلى طاعته، ويريد الذين يتَّبعون ملاذهم ورغباتهم الفاجرة من الكفار والعصاة أن تبعدوا عن طريق الحق بعداً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 28 - يريد الله أن يُيَسِّر عليكم بتشريع ما فيه سهولة لكم، وتخفيف عليكم، وقد خلق الله الإنسان ضعيفاً أمام غرائزه وميوله، فيناسبه من التكاليف ما فيه يسر وسعة. وذلك هو ما يكلف الله عباده فضلاً وتيسيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 29 - يا أيها الذين آمنوا لا يأخذ بعضكم مال بعض بغير الحق. ولكن تجوز لكم التجارة بالتراضى منكم، ولا تهلكوا أنفسكم بمخالفة أوامر ربكم، ولا يجنى أحدكم على أخيه فإنما هى نفس واحدة، إن الله دائم الرحمة بكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 30 - ومن يُقْدِمُ على فعل ما حرَّم الله اعتداءً وتجاوزاً لحقِّه فسوف ندخله ناراً يحترق فيها، وكان ذلك على الله هيِّناً ميسوراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 31 - إن تبتعدوا عن الذنوب العظيمة التى ينهاكم الله عنها نمنع عنكم ما دونها من السيئات والصغائر ما دمتم باذلين جهدكم فى الاستقامة، وننزلكم فى الدنيا والآخرة منزلاً فيه إحسان لكم وتكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 32 - ولا يتطلع الرجال إلى ما مَيَّز الله به النساء، ولا النساء إلى ما ميز الله به الرجال، فإن لكل فريق حظاً ملائماً لما طبع عليه من العمل وما أضيف إليه من الحقوق، فليتجه كل إلى رجاء الاستزادة من فضل الله بتنمية مواهبه والاستعانة على ما نيط به. إن الله كان عالماً أتم العلم بكل شئ، وقد أعطى كل نوع ما يصلح له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 33 - ولكلٍّ من الرجال والنساء جعلنا مستحقين لتركتهم يكونون خلفاء لهم، وهم الوالدان والأقربون والذين عقد المتوفى لهم عقداً مقتضاه أن يرثوه إذا مات من غير قرابة، وينصروه إذا احتاج إلى نصرتهم فى مقابل ذلك، فآتوا كل ذى حق حقه ولا تنقصوه شيئاً، إن الله كان رقيباً على كل شئ، حاضراً معكم، يشهد ما تتصرفون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 34 - الرجال لهم حق الرعاية للنساء، والقيام بشئونهن بما أعطاهم الله من صفات تهيئهم للقيام بهذا الحق، وبسبب أنهم هم الذين يكدِّون ويكدحون لكسب المال الذى ينفقونه على الأسرة، فالصالحات مطيعات لله ولأزواجهن، حافظات لكل ما يغيب عن أزواجهن بسبب أمر الله بهذا الحفظ وتوفيقه لهن. والزوجات اللاتى تظهر منهن بوادر العصيان، فانصحوهن بالقول المؤثِّر، واعتزلوهن فى الفراش، وعاقبوهن بضرب خفيف غير مبرح ولا مُهين عند التمرد، فإن رجعن إلى طاعتكم فى أى سبيل من هذه السبل الثلاث، فلا تتطلبوا السبيل التى هى أشد منها بغياً عليهن، إن الله فوقكم وينتقم منكم إذا آذيتموهن أو بغيتم عليهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 35 - وإن حدث خلاف بين الزوجين وخفتم منه حدوث انشقاق بينهما يعرضهما للانفصال، فاختاروا حكمين: أحدهما من أهله والآخر من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما فى الوصول إلى ما هو خير للزوجين من معاشرة بالمعروف أو تسريح بإحسان. إن الله كان مطلَّعاً على ظواهر العباد وبواطنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 36 - واعبدوا الله - وحده - ولا تجعلوا معه شريكاً فى الألوهية والعبادة، وأحسنوا إلى الوالدين إحساناً لا تقصير فيه، وإلى أقربائكم وإلى اليتامى، والذين افتقروا بسبب عجزهم أو ذهاب الكوارث بأموالهم، وبالجار القريب النسب والجار الأجنبى، والرفيق لك فى عمل أو طريق أو جلوس، والمسافر المحتاج الذى لا قرار له فى بلد معين، وبما ملكتم من الأرقاء فتيانا وفتيات. إن الله لا يحب من كان متعالياً على الناس، لا تأخذه بهم رحمة، كثير التمدح بنفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 37 - أولئك الذين يضمّون إلى التكبر والتباهى البخل بأموالهم وجهودهم عن الناس، ويدعون الناس إلى مثل صنيعهم من البخل، ويخفون نعمة الله وفضله عليهم فلا ينفعون أنفسهم ولا الناس بذلك، وقد أعددنا للجاحدين أمثالهم عذاباً مؤلماً مذلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 38 - والله لا يحب الذين يبذلون المال للرياء قاصدين أن يراهم الناس فيحمدوهم ويعظِّموهم، وهم غير مؤمنين بالله ولا بيوم الجزاء، لأنهم اتبعوا الشيطان فأضلَّهم، ومن يكن الشيطان صاحبه فبئس الصاحب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 39 - ألا قبحاً لهؤلاء، فما الذى يضرهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر، وبذلوا مما آتاهم الله استجابة لهذا الإيمان، وما يقتضيه من إخلاص النية ورجاء الثواب؟ . والله عالم كل العلم ببواطن الأمور وظواهرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 40 - إن الله لا يظلم أحداً شيئاً فلا ينقص من أجر عمله ولا يزيد فى عذابه شيئاً، ويضاعف للمحسن ثواب حسناته مهما قَلَّت، ويعطى من فضله عطاءً كبيراً غير مقابل بالحسنات التى يضاعفها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 41 - فكيف يكون حال هؤلاء الباخلين والمُعْرضين عمَّا أمر الله به إذا جئنا يوم القيامة بكل نبى شهيداً على قومه، وجئنا بك - يا أيها النبى - شهيداً على قومك وفيهم المانعون والمعرضون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 42 - يوم يحدث هذا، يود الجاحدون المعرضون لو يغيبون فى الأرض كما يغيب الأموات فى القبور، وهم لا يستطيعون أن يخفوا عن الله أى شأن من شئونهم، ويظهر كل أحوالهم وأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 43 - يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة فى المساجد حال سكركم حتى تفقهوا ما تقولون، ولا تدخلوا المساجد وأنتم على جنابة إلا إذا كنتم عابرى المساجد عبوراً دون استقرار فيها، حتى تطهروا بالاغتسال. وإن كنتم مرضى لا تستطيعون استعمال الماء خشية زيادة المرض أو بطء البرء، أو مسافرين يشق عليكم وجود الماء، فاقصدوا التراب الطيب، وكذلك إذا جاء أحد منكم من المكان المعد لقضاء الحاجة أو آتيتم النساء فلم تجدوا ماء تتطهرون به لفقده، فاقصدوا تراباً طيباً كذلك فاضربوا به أيديكم، وامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله من شأنه العفو العظيم والمغفرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 44 - ألا تعجب من أمر هؤلاء الذين أوتوا حظاً من العلم مما جاء فى الكتب السابقة، يتركون الهدى ويبتغون الضلالة فى شأن أنفسهم، ويريدون منكم أن تبعدوا مثلهم عن الحق وهو صراط الله المستقيم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 45 - والله أعرف منكم بأعدائكم الحقيقيين، وأخبر بما تنطوى عليه نفوسهم، وولاية الله تحميكم وتكلؤكم وتكفيكم، فلا تطلبوا ولاية غير ولايته، وتكفيكم نصرته فلا تستعينوا بسواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 46 - من اليهود فريق يُميلون الكلام عن معناه، ويقولون فى أنفسهم للنبى: سمعنا القول وعصينا الأمر. ويقولون: اسمع كلامنا، لا سمعت دعاء، يدعون بذلك على النبى ويقولون: اسمع غير مسمع. فاللفظ يسوقونه ومرادهم منه الدعاء عليه، ويوهمون أن مرادهم الدعاء له. ويقولون: راعنا. يلوون بها ألسنتهم يوهمون أنهم يريدون: انظرنا. فيظهرون أنهم يطلبون رعايته ويبطنون وصفه بالرعونه، ويطعنون بذلك فى الدين لوصف مُبَلِّغه بالرعونة. ولو أنهم استقاموا وقالوا: سمعنا وأطعنا، بدل قولهم: سمعنا وعصينا. وقالوا: اسمع، دون أن يقولوا: غير مسمع، وقالوا: انظرنا، بدل راعنا. لكان خيراً لهم مما قالوه وأعدل منه سبيلاً، ولكن الله طردهم من رحمته بإعراضهم فلا تجد منهم من يستجيبون لداعى الإيمان إلا عدداً قليلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 47 - يا أيها الذين أوتوا الكتاب الذى أنزله الله آمنوا بما أنزلنا من القرآن على محمد مصدقاً لما معكم من قبل أن ننزل بكم عقاباً تنمحى به معالم وجوهكم فتصير كأقفيتها. لا أنف فيها ولا عين ولا حاجب، أو نطردكم من رحمتنا كما طردنا الذين خالفوا أمرنا بفعل ما نهوا عنه من الصيد يوم السبت. وكان قضاء الله نافذاً لا مرد له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 48 - إن الله لا يغفر الإشراك به، ويعفو عمّا دون الإشراك من الذنوب لمن يشاء من عباده، ومن يشرك بالله فقد ارتكب - مفترياً على الله - ذنباً كبيراً لا يستحق معه الغفران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 49 - لا تعجب من هؤلاء الكافرين الذين يفترون بأعمالهم، فنبين لهم سوء عملهم فيرونه حسناً، ويثنون على أنفسهم مزكين لها، والله - وحده - هو الذى يعلم الخبيث من الطَّيّب، فيزكى من يشاء ولا يظلم أى إنسان مهما كان قدره ضئيلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 50 - كيف يختلقون على الله الكذب بهذا ومثاله، وكفى بالكذب على الله ذنباً واضحاً يكشف عن خبيث طويتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 51 - ألا تعجب من أمر هؤلاء الذين أوتوا حظاً من علم الكتاب يُرْضُون عبدة الأصنام والشيطان ويقولون عن الذين عبدوا الأوثان: إنهم أهدى من أهل الإيمان طريقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 52 - أولئك الذين خذلهم الله وطردهم من رحمته، ومن يخذله الله ويطرده من رحمته فليس له من ينصره ويحميه من غضب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 53 - لقد حُرم هؤلاء نعمة الإذعان للحق، كما حرموا السلطان، ولو أوتوه ما نفعوا الناس به بأى قدر ولو كان ضئيلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 54 - كيف يستكثر هؤلاء على العرب ما آتاهم الله من فضله ببعث النبى منهم، مع أن الله قد آتى إبراهيم وآله - وهو أبوكم وأبوهم - الكتاب المنزَّل والنبوة والملك العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 55 - فَمِن الذين بُعِثَ فيهم إبراهيم وآله منهم مَنْ آمن بالكتاب المنزَّل إليهم، ومنهم من أعرض عنه، وحَسْبُ هؤلاء المعرضين عن دعوة الحق جهنم تكون ناراً حامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 56 - إن الذين جحدوا حُجَجَنَا البينات، وكذَّبوا الأنبياء، سوف ندخلهم النار التى تُكْوَى بها جلودهم، وكلما فقدت الإحساس بالعذاب بدَّلهم الله جلوداً غيرها جديدة ليستمروا فى ألم العذاب، إن الله تعالى غالب على أمره، حكيم فى فعله، يعذب من جحد به وأصرَّ على ذلك حتى مات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 57 - والذين صدَّقوا بما جاءهم من ربهم وعملوا الأعمال الصالحة، سنثيبهم على إيمانهم وعملهم، فندخلهم جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار، لا تنتهى حياتهم فيها أبداً، لهم فيها أزواج مطهرة من العيوب والأدناس، ونحييهم حياة ناعمة فى ظل ظليل من العيش الطيب والنعيم المقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 58 - إن الله يأمركم - أيها المؤمنون - أن توصِّلوا جميع ما ائتمنتم عليه من الله أو الناس إلى أهله بالعدل، فلا تجوروا فى الحكم. هذه موعظة من ربكم فاحرصوا عليها، فنعمت الموعظة التى يعظكم بها. إن الله دائماً سميع لما يقال، بصير بما يفعل، فيعلم من أدَّى الأمانة ومن خان، ومن حكم بالعدل أو جار فَيُجَازِى كُلاً بعمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 59 - يا أيها الذين صدَّقوا بما جاء به محمد أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، والذين يلون أمركم من المسلمين القائمين بالحق والعدل والمنفذين الشرع، فإن تنازعتم فى شئ فيما بينكم فاعرضوه على كتاب الله وعلى سنة رسوله لتعلموا حكمه، فإنه أنزل عليكم كتابه وبينه رسوله، وفيه الحكم فيما اختلفتم فيه، وهذا مقتضى إيمانكم بالله واليوم الآخر، وهو خير لكم، لأنكم تهتدون به إلى العدل فيما اختلفتم فيه، وهو أحسن عاقبة، لأنه يمنع الخلاف المؤدِّى إلى التنازع والضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 60 - ألا تعجب - أيها النبى - من الذين يدَّعون أنهم صدَّقوا بما أُنْزِل عليك من الكتاب وما أُنْزِل من قبلك من الكتب، يريدون أن يتحاكموا فى خصوماتهم إلى ما فيه الضلال والفساد وحكم غير الله، وقد أمرهم الله أن يجحدوه ولا يتحاكموا إليه، ويريد الشيطان أن يصدَّهم عن طريق الحق والهدى، فيضلهم عنه ضلالاً بعيداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 61 - وإذا قيل لهم أقبلوا على ما أنزل الله من قرآن وشريعة، وعلى رسوله ليبين لكم، رأيت الذين ينافقون يُعرضون عنك إعراضاً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 62 - فكيف تكون الحال إذا نزلت بهم نازلة بسبب خبث نفوسهم وسوء أعمالهم، ولم يجدوا ملجأً إلا إليك، فجاءوك يقسمون بالله بين يديك أنهم لا يريدون بأقوالهم وتصرفاتهم إلا الإحسان وطلب التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 63 - أولئك الذين يقسمون أنهم لا يريدون إلا الإحسان والعمل الموفق، يعلم الله حقيقة ما فى قلوبهم وكذب قولهم، فلا تلتفت إلى كلامهم وادعهم إلى الحق بالموعظة الحسنة، وقل لهم قولاً حكيماً بالغاً يصل إلى أعماق نفوسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 64 - وما أرسلنا من رسول إلا كان الشأن فى رسالته أن يطاع، وأن تكون طاعته بإذن من الله، وأن من ينافق أو يكذب أو يخالفه يكن ظالماً لنفسه، ولو أن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم رجعوا إلى الهدى فجاءوك وطلبوا المغفرة من الله على ما قدَّموا، ورجوت المغفرة لهم بمقتضى رسالتك وما رأيت من تغير حالهم، لوجدوا الله سبحانه وتعالى - كثير القبول للتوبة رحيماً بعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 65 - فوربك لا يُعَدُّونَ مؤمنين بالحق مذعنين له، حتى يجعلوك حكماً فيما يكون بينهم من نزاع، ثم لا تضيق نفوسهم أى ضيق بما قضيت، ويذعنوا لك إذعان المؤمنين المصدِّقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 66 - ولو أننا فرضنا عليهم المشقة البالغة بأن أمرناهم بالجهاد المستمر، وأن يُعرِّضوا أنفسهم للتلف، أو ينفروا من ديارهم مجاهدين دائماً، ما أطاع إلا عدد قليل، ولكن الله - سبحانه وتعالى - لا يكلف إلا ما تحتمله الطاقة، ولو أنهم فعلوا وقاموا بحقه لكان فى ذلك خير الدنيا والآخرة لهم، وهو يؤدى إلى تثبيت الإيمان، والاستقرار والاطمئنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 67 - وإذا قاموا بحق التكليف الإلهى الذى يكون فى وسعهم، لأعطاهم الله على ذلك الثواب العظيم من فضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 68 - ولكانوا بسبب إطاعتهم فيما يطيقون، قد هداهم الله إلى الطريق المستقيم الذى لا إفراط فيه ولا تفريط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 69 - ومن يطع الله والرسول بالتسليم لأمرهما والرضا بحكمهما، فهو مع الذين أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق فى الدنيا والآخرة من أنبيائه وأتباعهم الذين صدقوهم واتبعوا مناهجهم والشهداء فى سبيل الله، والصالحين الذين صلحت سريرتهم وعلانيتهم، وما أحسن هؤلاء من رفقاء لا يشقى جليسهم، ولا يُمَلُّ حَدِيثُهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 70 - تلك المنزلة العظيمة لمن أطاع الله ورسوله هى الفضل الكبير من الله، وهو عليم بالأعمال ومثيب عليها، ويكفى المؤمن علم الله بحاله، وهو يقوم بطاعته ويطلب مرضاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 71 - يا أيها الذين آمنوا كونوا فى حذر دائم من أعدائكم، وخذوا الأهبة لرد كيدهم، واخرجوا لقتالهم جماعات متفرقة، جماعة بعد جماعة، أو اخرجوا لهم مجتمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 72 - واحذروا المثبطين المعوِّقين، فإن ممن يعيش معكم من يثبط عن القتال ويتخلف عنه، فإن أصابتكم نكبة فى الجهاد قال ذلك الفريق المتخلف شامتاً: قد أنعم الله علىَّ إذ لم أشهد معهم هذا القتال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 73 - وإن جاءكم فضل من الله بالنصر والفوز بغنائم القتال، قال ذلك الفريق - متحسراً متمنياً الأمانى - يا ليتنى كنت معهم فى هذا القتال فأفوز بعظيم الغنائم، ويقول هذا القول وكأنه لا رابطة من المودة تربطه بكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 74 - إذا كان منكم من يعوق أو يبطئ لضعف فى إيمانه، أو خور فى عزيمته فليقاتل فى سبيل إعلاء كلمة اللَّه والحق، وهم الذين يبيعون الحياة الدنيا طالبين الحياة الآخرة، ومن يقاتل فى سبيل إعلاء كلمة اللَّه والحق فسينال إحدى الحسنيين. فإما أن يقتل فينال فضل الاستشهاد فى سبيل اللَّه، أو ينتصر فينال فضل الفوز فى الدنيا، وهو فى كلتا الحالتين يؤتيه اللَّه أجراً عظيما فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 75 - كيف يسوغ لكم ألا تقاتلوا فى سبيل اللَّه، مع أن المستضعفين من الرجال والنساء والذرية يستغيثون ويستنصرون ضارعين إلى اللَّه يقولون: ربنا أخرجنا من ولاية هؤلاء الظالمين ومكِّنَّا بقوتك ورحمتك من أن نكون تحت ولاية المؤمنين، واجعل لنا من عندك نصيراً ينصرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 76 - الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له، يقاتلون فى سبيل إعلاء كلمة اللَّه والعدل والحق، والذين جحدوا أو عاندوا يقاتلون فى سبيل الظلم والفساد، وبذلك كانوا أولياء الشيطان، في أيها المؤمنون قاتلوهم لأنهم أعوان الشيطان وأنصاره واعلموا أنكم منتصرون عليهم بتأييد اللَّه، لأن تدبير الشيطان - مهما عظم فساده - ضعيف، والغلبة للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 77 - ألم تنظر يا محمد فتعجب إلى الذين رغبوا فى القتال قبل أن يجئ الإذن به فقيل لهم: لم يأت وقت القتال، فكفوا أيديكم عنه، واحرصوا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلما فرض اللَّه عليهم القتال إذا طائفة منهم يخافون الناس كخوف اللَّه أو أشد وقالوا مستغربين: لِمَ كتبت علينا القتال؟ متوهمين أن فى فرضية القتال تعجيلاً لآجالهم ولذلك قالوا: هلاًّ أخرتنا إلى زمن قريب نستمتع فيه بما فى الدنيا؟ فقل لهم: تقدموا للقتال ولو أدى إلى استشهادكم، فمتاع الدنيا مهما عَظُمَ قليل بجوار متاع الآخرة، والآخرة خير وأعظم لمن اتقى اللَّه وستجزون على أعمالكم فى الدنيا ولا تنقصون من الجزاء شيئا مهما صغر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 78 - إن الموت الذى تَفِرُّون منه ملاقيكم أينما كنتم، ولو كانت إقامتكم فى حصون مشيدة وإن هؤلاء الخائرين لضعف إيمانهم يقولون: إن أصابهم فوز وغنيمة هى من عند الله، وإن أصابهم جدب أو هزيمة يقولوا لك - يا محمد - هذا من عندك وكان بشُؤْمك. فقل لهم: كل ما يصيبكم مما تحبون أو تكرهون هو من تقدير اللَّه ومن عنده اختبار وابتلاء، فما لهؤلاء الضعفاء لا يدركون قولاً صحيحاً يتحدث به إليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 79 - ما يصيبك - أيها النبى - من رخاء ونعمة وعافية وسلامة فمن فضل اللَّه عليك، يتفضل به إحسانا منه إليك، وما أصابك من شدة ومشقة وأذى ومكروه فمن نفسك بسبب تقصير أو ذنب ارتكبته. والخطاب للنبى لتصوير النفس البشرية وإن لم يقع منه ما يستوجب السيئة، وأرسلناك رسولاً من عندنا للناس جميعاً، واللَّه شهيد على تبليغك وعلى إجابتهم، وكفى به عليماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 80 - من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه، لأنه لا يأمر إلا بما أمر اللَّه به، ولا ينهى إلا عما نهى اللَّه عنه. فكانت طاعته فى الامتثال والانتهاء طاعة للَّه، ومن أعرض عن طاعتك فما أرسلناك إلا بشيراً ونذيراً لا حفيظاً ومهيمناً عليهم، تحفظ عليهم أعمالهم، إن ذلك لنا لا لك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 81 - ويقول هذا الفريق المتردد: أمرك مطاع، وليس لك منا إلا الطاعة فيما تأمر وتنهى، ولكن إذا خرجوا من عندك وابتعدوا عنك دبَّرت طائفة منهم أمرا وبيتته، غير الذى تقوله أنت لهم من أمر ونهى، واللَّه - سبحانه وتعالى - يحصى عليهم ما يدبرونه فى خفاء. فلا تلتفت إليهم، وأعرض عنهم، وفوض أمرك إلى اللَّه، وتوكل عليه، وكفى أن يكون اللَّه وكيلك وحافظك تفوض إليه جميع أمورك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 82 - أفلا يتدبر أولئك المنافقون كتاب اللَّه فيعلموا حجة اللَّه عليهم فى وجوب طاعته واتباع أمرك، وأن هذا الكتاب من عند اللَّه لائتلاف معانيه وأحكامه، وتأييد بعضه لبعض. فهذا دليل على أنه من عند اللَّه، إذ لو كان من عند غيره لتناقضت معانيه، واختلفت أحكامه اختلافاً كثيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 83 - وإذا اطَّلَعَت هذه الطائفة المنافقة على أمر يتعلق بقوة المسلمين أو ضعفهم أفشوه ونشروه، جاهرين به للتغرير بالمسلمين أو إلقاء الرعب فى قلوبهم، أو توصيل أبنائهم إلى أعدائهم، ولو أن هؤلاء المنافقين المذيعين ردوا أمر الأمن والخوف إلى الرسول وإلى أولى الأمر من القواد وكبار الصحابة، وطلبوا معرفة الحقيقة من جهتهم لعلم أولئك الذين يحاولون استخراج الوقائع وإذاعتها الحق من جانب الرسول والقادة، ولولا فضل اللَّه عليكم بتثبيت قلوبكم على الإيمان، ومنع الفتنة، ورحمته بتمكينكم من أسباب الظفر والانتصار، لاتبع أكثركم إغواء الشيطان، ولم ينج من إغوائه إلا القليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 84 - وإذا كان بينكم أمثال هؤلاء المنافقين فأعرض عنهم، وقَاتِل فى سبيل كلمة اللَّه والحق، فلست مسئولاً إلا عن نفسك، ثم ادع المؤمنين إلى القتال وحُثّهم عليه، لعل اللَّه يدفع بك وبهم شدة الكافرين، واللَّه مؤيدكم وناصركم، وهو أشد قوة وأشد تنكيلاً بالكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 85 - وإن هؤلاء المنافقين يناصرون الفساد، وأهل الإيمان يناصرون الحق، ومن يناصر فى أمر حسن يكن له نصيب من ثوابه، ومن يناصر أهل السوء يكن عليه وزر من عقابه، واللَّه مقتدر على كل شئ محيط به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 86 - وإذا حياكم أحد - أياً كان - بتحية من سلام أو دعاء أو تكريم أو غيره، فردوا عليه بأحسن منها أو بمثلها، فإن اللَّه محاسب على كل شئ كبيراً كان أو صغيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 87 - اللَّه الذى لا إله إلا هو ولا سلطان لغيره، سيبعثكم حتماً من بعد مماتكم، وليحشرنكم إلى موقف الحساب لا شك فى ذلك. وهو يقول ذلك فلا تشكوا فى حديثه، وأى قول أصدق من قول اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 88 - ما كان يسوغ لكم - أيها المؤمنون - أن تختلفوا فى شأن المنافقين الذين يُظْهِرون الإسلام ويُبْطِنون الكفر، وما يسوغ لكم أن تختلفوا فى شأنهم: أهم مؤمنون أم كافرون؟ ويقتلون أم ينظرون؟ وهم قابلون لأن يكونوا مهتدين أم لا ترجى منهم هداية؟ إنهم قلبت مداركهم بما اكتسبوا من أعمال، جعلت الشر يتحكم فيهم وما كان لكم أن تتوقعوا هداية من قَدَّر اللَّه فى علمه الأزلى أنه لن يهتدى، فإن من يكتب فى علم اللَّه الأزلى ضلاله، فلن تجدوا طريقاً لهدايته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 89 - إنكم تودُّون هداية هؤلاء المنافقين، وهم يودون أن تكفروا مثلهم فتكونوا متساوين فى الكفر معهم، وإذا كانوا كذلك فلا تتخذوا منهم نصراء لكم، ولا تعتبروهم منكم، حتى يخرجوا مهاجرين ومجاهدين فى سبيل الإسلام. وبذلك تزول عنهم صفة النفاق، فإن أعرضوا عن ذلك وانضموا إلى أعدائكم فاقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تعتبروهم منكم ولا تتخذوا منهم نصراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 90 - استثنى من المنافقين الذين يستحقون القتل لإفسادهم لجماعة المؤمنين أولئك الذين يرتبطون بقوم بينهم وبين المؤمنين ميثاق يمنع قتل المنتمين لأحد الفريقين، أو كانوا فى حيرة أيقاتلون مع قومهم الذين هم أعداء المسلمين، وليس ثمة ميثاق، أم يقاتلون مع المؤمنين؟ فإن الأولين يمنع قتلهم لأجل الميثاق، والآخرين يمنع قتلهم لأنهم فى حرج، وإن اللَّه - تعالى - لو شاء لجعلهم يحاربونكم، فإن آثروا الموقف السلبى وسالموكم فلا يسوغ لكم أن تقتلوهم، لأنه لا مسوغ لذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 91 - فإن ظهرتم على الشرك كانوا معكم، وإن ظهر المشركون على الإسلام كانوا مع المشركين، فهم يريدون أن يأمنوا المسلمين ويأمنوا قومهم من المشركين، وهؤلاء فى ضلال مستمر ونفاق، فإن لم يكفوا عن قتالكم ويعلنوكم بالأمن والسلام فاقتلوهم حيث وجدتموهم، لأنهم بعدم امتناعهم عن القتال قد مكنوا المؤمنين من قتلهم، وجعل اللَّه - تعالى - للمؤمنين حجة بيِّنة فى قتالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 92 - إن تقسيم المنافقين ذلك التقسيم للاحتياط، حتى لا يُقْتَل مؤمن على ظن أنه منافق، لأن قتل المؤمن لا يجوز إلا أن يقع ذلك خطأ غير مقصود، وفى حال قتل المؤمن خطأ إن كان يعيش فى ولاية الدولة الإسلامية تدفع الدية لأهله تعويضاً عما فقدوه، وتعتق رقبة مؤمنة ليعوض جماعة المؤمنين عما فقدت، لأن عتق الرقبة المؤمنة إحياء لها بالحرية، فكأنه يكتفى بتحرير رقبة مؤمنة ليعوض المؤمنين عن فقده وإن كان ينتمى لقوم بينهم وبين المسلمين معاهدة سلم، فإنه يجب تحرير رقبة مؤمنة، وتسليم الدية لأهل المقتول، لأنهم لعهدهم لا يتخذونها لإيذاء المسلمين، وإذا كان القاتل خطأ لا يجد رقبة مؤمنة يعتقها، فإنه يصوم شهرين متتابعين لا يفطر يوما فيهما، لأن ذلك يكون تهذيباً لنفسه وتربية لها على الاحتراس، واللَّه - سبحانه وتعالى - عليم بالنفوس والنيات، حكيم يضع العقوبات فى مواضعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 93 - إن من يقتل مؤمنا قتلاً عدواناً متعمداً مستحلاً ذلك القتل، يكون جزاؤه الذى يكافئ جريمته أن يدخل جهنم ويستمر فيها، ويغضب اللَّه عليه ويطرده من رحمته وقد أعد اللَّه له فى الآخرة عذاباً عظيماً، فإن هذه أكبر جريمة فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 94 - الاحتراس من قتل المؤمن واجب فى حال الغزو، فإذا سافرتم مجاهدين فى سبيل اللَّه - تعالى - فتعرفوا شأن الذين تقاتلونهم قبل القتال، أهم أسلموا أو لا يزالون على الشرك؟ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام وشارة الأمن لست مؤمناً، تريدون بذلك الأموال والغنائم، بل اقبلوا منهم السلام، فإن اللَّه أعدَّ لكم مغانم كثيرة. وأنتم - أيها المؤمنون - كنتم على الكفر قبل ذلك وهداكم اللَّه، فتبينوا أمر الذين تلقونهم. وأن الله عليم علماً دقيقاً لا يخفى عليه شئ، وأنه محاسبكم بمقتضى علمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 95 - وإن الجهاد مع هذا الاحتراس فضله عظيم جداً، فلا يستوى الذين يقعدون عن الجهاد فى منازلهم والذين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم، فقد جعل اللَّه للمجاهدين درجة رفيعة فوق الذين قعدوا إلا إذا كان القاعدون من ذوى الأعذار التى تمنعهم من الخروج للقتال، فإن عذرهم يرفع عنهم الملامة ومع أن المجاهدين لهم فضل ودرجة خاصة بهم، فقد وعد اللَّه الفريقين المنزلة الحسنى والعاقبة الطيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 96 - وهذه الدرجة التى اختص بها المجاهدين درجة عظيمة رفيعة، حتى كأنها درجات للتفاوت الكبير بينها وبين ما عداها، وإن لهم مع هذه الدرجة مغفرة كبيرة ورحمة واسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 97 - وأن المسلم عليه أن يهاجر إلى الدولة الإسلامية ولا يعيش فى ذل، فإن الملائكة تسألهم: فيم كنتم حتى ارتضيتم حياة الذل والهوان؟ فيجيبون: كنا مستضعفين فى الأرض يذلنا غيرنا فتقول الملائكة: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها بدل الذل الذى تقيمون فيه؟ وأولئك الذين يرضون بالذل مع قدرتهم على الانتقال، مأواهم عذاب جهنم، وأنها أسوأ مصير، فالمسلم لا يصح أن يعيش فى ذل، بل يعيش عزيزاً كريماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 98 - غير أنه يعفى من هذا العقاب من لا يستطيعون الانتقال من الضعفاء من الرجال والنساء والأطفال، فهؤلاء لا يستطيعون حيلة ولا يجدون سبيلا للخروج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 99 - وأولئك يُرجى عفو الله عنهم، والله - تعالى - من شأنه العفو والغفران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 100 - ومن يهاجر طالباً بهجرته مناصرة الحق وتأييده، يجد فى الأرض التى يسير فيها مواضع كثيرة يرغم بها أنف أعداء الحق، ويجد سعة الحرية والإقامة العزيزة، وله بذلك الثواب والأجر العظيم، ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى موطن الدولة العزيزة التى هى دولة الله ورسوله، ثم يدركه الموت قبل أن يصل فقد ثبت أجره، وتَكَرَّم الله فجعل الأجر حقا عليه، وغفر له ورحمه، لأن من شأنه الغفران والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 101 - الصلاة فريضة محكمة لا تسقط فى السفر، ولكن لا إثم على من يقصرها فيه عن الحضر. فالذين يخرجون مسافرين - إن خافوا أن يتعرض لهم الكافرون بما يكرهون - لهم أن يقصروا الصلاة، فالصلاة التى هى أربع ركعات يصلونها اثنتين، وإن الحذر من تعرض الكافرين واجب لأنهم أعداء، عداوتهم واضحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 102 - وإذا كنت - أيها النبى الأمين - فيهم وقامت صلاة الجماعة، فلا تنسوا الحذر من الأعداء، وذلك بتقسيم المسلمين إلى طائفتين: إحداهما تبدأ الصلاة مقتدية بك، وتكون الأخرى قائمة على الأسلحة والأمتعة لحراستها، فإذا أتممت نصف الصلاة ذهبت التى صلت وراءك وجاءت الأخرى فصليت بها الباقى، ثم تصلى ما فاتها وتصلى الأولى بقية الصلاة، وتسمى لاحقة والأخرى مسبوقة، إذ تؤدى أول الصلاة، واللاحقة تؤدى آخرها، وذلك التنظيم لكى لا تفوت الصلاة، وللحذر من الكافرين الذين يودون أن تغفلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا عليكم دفعة واحدة، ويَنْقَضوُّا عليكم وأنتم فى الصلاة، وأن قتال المشركين مستمراً واجب، ولكن لا إثم عليكم أن تسكنوا إذا كان بكم مرض أو نزل مطر عاق عن القتال، ولكن على أن تكونوا على حذر دائم، وهذا عقاب الله للكافرين فى الدنيا، وفى الآخرة أعد لهم عذاباً مهيناً مذلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 103 - وإذا أتممتم صلاة الحرب التى تسمى صلاة الخوف فلا تنسوا ذكر الله دائماً، فاذكروه قائمين محاربين واذكروه وأنتم قاعدون، واذكروه وأنتم نائمون، فإن ذكر الله - تعالى - يُقَوِّى القلوب، وبه اطمئنانها، فإذا ذهب الخوف وكان الاطمئنان، فأدوا الصلاة متكاملة فإن الصلاة قد فرضت على المؤمنين موقوتة بأوقاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 104 - لا تضعفوا فى طلب القوم الكافرين الذين أعلنوا عليكم الحرب، وحاولوا أن يغيروا عليكم من كل مكان. والحرب بلا شك ألم، فإذا كنتم تألمون من جراحها وما يكون فيها، فإنهم يألمون أيضاً، والفرق بينكم وبينهم أنهم لا يطلبون الحق ولا يرجون عند الله شيئاً، وأنتم تطلبون الحق وترجون رضا الله والنعيم الدائم. والله عليم بأعمالكم وأعمالهم، حكيم يجازى كلاً بما يعمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 105 - أنزلنا إليك القرآن حقاً وصدقاً، مشتملاً على كل ما هو حق، مبيناً للحق إلى يوم القيامة ليكون منارك فى الحكم بين الناس، فاحكم بينهم ولا تكن مدافعاً عن الخائنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 106 - وعند الحكم بين الناس اتَّجِه إلى الله وتذكر عظمته واطلب مغفرته ورحمته، فإن المغفرة والرحمة من شأنه - سبحانه وتعالى -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 107 - ولا تدافع عن الذين يخونون ويبالغون فى إخفاء الخيانة فى أنفسهم، فإن الله لا يحب من يكون من شأنه الخيانة وارتكاب الذنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 108 - يختفون ويستترون بخيانتهم من الناس، ولا يمكن أن تخفى على الله وهو معهم دائماً خياناتهم، وهم يتفقون ليلاً على ما لا يرضى الله من القول من رمى التهم على الأبرياء، - والله تعالى - يعلم علماً لا يخفى منه شئ مما يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 109 - إذا كنتم تدافعون عنهم فى الدنيا فلا يعاقبون عقاب الدنيا، فلا يوجد من يدافع عنهم يوم القيامة أمام - الله تعالى -، بل من يقبل أن يكون ولياً عليهم ناصراً لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 110 - وإن باب التوبة مفتوح، فمن يعمل أمراً سيئاً فى ذاته أو يظلم نفسه بارتكاب المعاصى ثم يطلب مغفرة الله - تعالى -، فإنه يجد الله - تعالى قابلاً توبته غافراً له، لأن من شأنه المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 111 - وإن الذنوب مضارها على نفس من يفعلها، فمن يكسب ذنباً فإنما هو ضد لنفسه، ومغبته على نفسه، والله - سبحانه وتعالى - يعلم ما ارتكب ويعامله بمقتضى حكمته، فيعاقب أو يغفر على حسب ما تقتضيه الحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 112 - ومن يرتكب أخطاء تحيط بالنفس وذنوباً ثم يتهم بهذه الذنوب بريئاً لم يرتكبها، كمن يسرق شيئاً ويتهم غيره بسرقته، فقد وقع عليه وزران: أحدهما: الكذب والافتراء باتهام الأبرياء، والثانى: الذنب الواضح البين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 113 - ولولا أن اللَّه تفضل عليك بالوحى ورحمك بالإدراك النافذ، لأرادت طائفة منهم أن يضلوك، ولكنهم لا يضلون إلا أنفسهم، لأن اللَّه مُطْلِعُكَ، وبصيرتك نافذة إلى الحق، فلا ضرر عليك من تدبيرهم وتضليلهم، وقد أنزل عليك القرآن الكريم الذى هو ميزان الحق، وأودع قلبك الحكمة وعلمك من الشرائع والأحكام ما لم تعلمه إلا بوحى منه، وإن فضل اللَّه عليك عظيم دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 114 - إن الذين يخفون أحاديث يحدثون بها أنفسهم أو يتحدثون بها فيما بينهم، لا خير فى هذه الأحاديث فى الكثير، لأن الشر يفرخ فى الخفاء، لكن إذا كان التحدث للأمر بصدقة يعطونها، أو للعزم على القيام بعمل غير مستنكر، أو تدبير إصلاح بين الناس، فإن ذلك خير، ومن يفعله طلباً لرضا اللَّه - سبحانه - فإن اللَّه - تعالى - يعطيه جزاءً كبيراً على عمله فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 115 - وإن الذى يكون فى شقاق مع الرسول من بعد أن يتبين طريق الحق والهداية، ويتبع طريقاً غير طريق المؤمنين، ويدخل فى ولاية أعداء أهل الإيمان، فإنه يكون منهم إذ اختارهم أولياءه، وسيدخله الله - تعالى - النار يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 116 - وإن هذا المصير المؤلم لمن هم كذلك، لأنهم أعداء الإسلام، ومثله مثل من أشرك بالله، وإن كل ذنب قابل للغفران إلا الشرك بالله، وعبادة غيره، ومعاندة رسوله فى الحق، فإن الله من شأنه المغفرة إلا أن يشرك به فى عبادته، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وإن من يشرك بالله فى عبادته وولائه فقد تاه عن الحق وبَعُدَ عنه كثيراً، لأنه أفسد عقله ونفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 117 - وإن من أظهر مظاهر الضلال الذى بَعُد به عن الحق الشرك بالله، إنه يعبد ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ويُسَمَّى آلهته الباطلة بأسماء الإناث، كاللات والعزى ومناة، وغيرها من الأسماء المؤنثة، وإنه يتبع بهذه العبادة الشيطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 118 - وإن هذا الشيطان طرده الله - تعالى - من ظل رحمته، وجعله فى طريق غوايته، وقد أقسم وأخذ على نفسه عهداً أن يتخذ من عباد الله - تعالى - عدداً معلوماً مقدراً يستهويهم بغوايته ويوسوس لهم بشرِّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 119 - وإن قَسَمَه أن يضل الذين استهواهم بإبعادهم عن الحق ويثير أهواءهم وشهواتهم، ويجعلهم يتيهون فى أوهام وأمانٍ كاذبة يتمنونها، وإذا صاروا بهذه الأهواء وتلك الأمانى تحت سلطانه، دفعهم إلى أمور غير معقولة، وحملهم على أن يظنوها عبادة وهى أوهام كاذبة، فوسوس لهم بأن يقطعوا آذان بعض الإبل ويُغَيِّروا خلق الله فيها، وإن ما قطع أذنه لا يذبح ولا يعمل ولا يمنع من مرعى، وكل ذلك بأوامره، ثم يوسوس لهم بأنه دين، وأنهم بهذا يتبعونه، ويتخذونه نصيراً متبعاً من دون الله، ومن يتخذه نصيراً متبعاً يخسر خسراناً واضحاً، لأنه يضل عن الحقائق ويهمل عقله، ويناله الفساد فى الدنيا والعذاب فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 120 - يزين الشيطان لهم الشر، ويعدهم النفع إذا فعلوه، ويلقى فى نفوسهم بأمانٍ يتمنونها، وليس وعده وتزيينه إلا تغريراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 121 - وإن أولئك الذين ألغوا عقولهم واتبعوا وساوس الشيطان فى نفوسهم، مصيرهم إلى جهنم ولا يجدون منها خلاصاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 122 - هذا مصير أتباع الشيطان، أما مصير أتباع الله فالخير، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة، ولم يسيروا وراء أوهام كاذبة، فإن الله - تعالى - سيدخلهم يوم القيامة جنات فيها أنهار تجرى تحت ظلالها، وهى أكبر من أعظم جنات الدنيا، وإن ذلك مؤكد، لأنه وعد الله، ووعد الله لا يكون إلا حقاً، لا غرور فيه، إذ هو مالك كل شئ، ولا يتصور أن يكون أحدٌ فى الوجود أصدق من الله وعداً وقولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 123 - إن الجزاء ليس هو ما يتمناه ويحلم به الإنسان من غير عمل طيِّب مثمر، فليس الجزاء بما تتمنون - أيها المسلمون - ولا بما يتمناه ويحلم به أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وإنما الجزاء والنجاة من العذاب بالإيمان والعمل الصالح، ومن يعمل سيئاً يُجْزَ به، ولا يجد له من دون الله من يواليه أو ينصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 124 - ومن يعملون الأعمال الصالحة بالقدر الذى يستطيعونه وهم مؤمنون بالله ورسوله، فإنهم يدخلون جنة النعيم ولا ينقصون أى مقدار ولو كان ضئيلا. ولا فرق فى الجزاء بين الذكر والأنثى، لأن الأنثى مكلفة. لها جزاء الخير، وعليها عذاب الشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 125 - وإن أساس عمل الخير منبعث من الاعتقاد السليم، وأحسن الدين أن يخلص لله - تعالى - فيجعل وجهه وعقله ونفسه لله لا يطلب سوى رضا الله سبحانه، وبذلك تستقيم مداركه فيدرك رسالة الرسل، وأن يقوموا بصفة مستمرة بأحسن الأعمال، ويتبعوا فى ذلك أبا الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - فدينه هو دين الله، وهو الدين الذى يتجه إلى طلب الحق دائماً. وأن إبراهيم هو الذى تلتقى عنده الوحدة الدينية للمسلمين واليهود والنصارى، فاتبعوا طريقه، وأن الله أكرم إبراهيم فسماه خليلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 126 - وإن الإخلاص لله وإسلام الوجه إليه، هو إخلاص لمن أنشأ هذا الوجود وملكه، فلله كل ما فى السموات والأرض، من نجوم وأفلاك وشمس وقمر وجبال ووهاد وصحارٍ ومزارع، وهو مستبين كل شئ، وهو الذى يعلم علم إحاطة بكل ما يعمل الإنسان، ويجازيه بالخير خيراً وبالشر شراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 127 - قد استفتى الناس النبى فى شأن النساء وكنَّ ولا يزلن ضعيفات، فبيَّن الله لنبيه أن يبين حال النساء وحال الضعفاء فى الأسرة من الولدان واليتامى، وذكر أن يتامى النساء اللاتى يُزوجن ولا يأخذن مهورهن، والأولاد، واليتامى، كل هؤلاء يعاملون بالعدل والرحمة والرعاية، وأن كل ما يفعل من خير فإن الله يعلمه وهو الذى سيجزى به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 128 - وإن الزوجة إذا خافت من زوجها إهمالاً لشئون الأسرة أو إعراضاً عنها وعدم إقبال عليها. فلا إثم عليهما فى أن يحاولا إصلاح ما بينهما بالصلح الجميل والتقريب. والعاقل منهما يبدأ به، والصلح خير دائماً لا شر فيه، وإن الذى يمنع الصلح هو تَمَسُّك كل من الزوجين بحقوقه كاملة، إذ يسيطر الشح النفسى، ولا سبيل لعودة المودة إلا التساهل من أحد الجانبين وهو المحسن المتقى، ومن يعمل العمل الحسن ويتق الله، فإن الله خبير بعمله ومجازيه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 129 - وإن العدل مع النساء بالمحبة الدائمة التى لا تشوبها شائبة، والمساواة بين محبتها بحيث يبادلها ما تبادله، أمر غير ممكن دائماً، وغير ممكنة كذلك المساواة فى المحبة بين الزوجات إذا كان عنده أكثر من واحدة، ولكن إذا حرصتم فلا تجوروا عليها وتميلوا كل الميل إلى غيرها وتتركوها لا هى ذات زوج ولا هى مطلقة، ويجب أن تصلحوا أنفسكم وتقيموا الأسرة على الصلاح من غير إفساد. وتتقوا الله فإن الله يغفر لكم ويرحمكم إذ من شأنه المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 130 - وإذا لم يمكن الإصلاح واستحكمت النفرة، فإن التفريق لازم، وإن يتفرقا يغن الله كل واحد منهما من سعة رحمته وفضله، والأرزاق بيد الله، والله واسع الرحمة والفضل، وهو حكيم يضع الأمور فى مواضعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 131 - إن لب الدين هو الخضوع لمنْشِئ الكون ذى الجلال والإكرام، والاعتراف بسلطانه المطلق، فلله كل ما فى السموات والأرض، وبهذا السلطان المطلق قال تعالى: وصيَّنا أهل الديانات السماوية من أهل الكتاب وأنتم - معشر المسلمين - بأن تخافوه وتعبدوه، وألا تكفروا بعبادته، فهو صاحب السلطان المطلق فى الأرض والسموات، لا يخل بسلطانه شئ، وهو غنى عنكم، ومع ذلك يحمد لكم إيمانكم، لأن من شأنه الغنى، وأن يحمد مع ذلك فعل الخير من عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 132 - ولله - سبحانه وتعالى - تدبير كل ما فى السموات والأرض، فهو المسيطر والمُسَيِّر والمدبر وكفى أن يكون هو المتولى أمر الكون لينتظم، وأمر الناس ليعبدوه، ويفوضوا أمورهم إليه ويتقوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 133 - إنكم - معشر العباد - فى سلطان الله، وهو القادر القاهر، إن يشأ يمتكم ويأت بآخرين، وهو ذو الجلال، قدير على ذلك وعلى كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 134 - وإن الناس إذا طلبوا نعيم الدنيا ومنافعها الحلال من طريق الحق المستقيم، فإن الله يعطيهم نعيم الدنيا والآخرة، وهو وحده الذى يملك النعيمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 135 - إن العدل هو نظام الوجود، وهو القانون الذى لا يختلف النظر فيه، في أيها الذين أذعنتم لله الحق، ولدعوة رسله، كونوا مراقبين لأنفسكم فى الإذعان للعدل، ومراقبين للناس، فانصفوا المظلوم، وكونوا قائمين لا لرغبة غنى أو لعطف على فقير، لأن الله هو الذى جعل الغنى والفقير، وهو أولى بالنظر فى حال الغنى أو الفقير، وإن الهوى هو الذى يميل بالنفس عن الحق فلا تتبعوه لتعدلوا وإن تتولوا إقامة العدل أو تعرضوا عن إقامته فإن الله يعلم ما تعملون علماً دقيقاً، ويجازيكم بعملكم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 136 - وإن الرسالات السماوية واحدة لوحدة مُرْسِل الرسل، وهو الله، في أيها الذين آمنوا أذعنوا لله وأخلصوا له، وصدقوا رسوله - محمداً - وصدقوا ما جاء فى كتابه الذى أنزله عليه واعملوا به، وصدقوا بالكتب التى نزلت من قبله كما أنزلها الله من غير تحريف ولا نسيان، آمنوا بكل ذلك، فإن من يكفر بالله خالق الوجود، والملائكة، وعالم الغيب، وكتب الله ورسله، وينكر اليوم الآخر، فقد تاه عن الطريق المستقيم، وأوغل فى طريق الضلال وأبعد فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 137 - إن الإيمان إذعان مطلق وعمل مستمر بالحق، فالمترددون المضطربون ليسوا بمؤمنين، فالذين يؤمنون ثم يكفرون، ثم يؤمنون ثم يكفرون، وبهذا يزدادون كفراً، ما كان الله غافراً لهم ما يفعلون من شر، ولا ليهديهم إلى الحق، لأن غفران الله يقتضى توبة وإقلاعاً عن الشر، وهدايته تكون لمن يتجهون إلى الحق ويطلبونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 138 - يا أيها الرسول الكريم أنذر المنافقين بأن لهم عذاباً يوم القيامة مؤلماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 139 - وإن أولئك المنافقين يجعلون الولاية عليهم للكافرين ويتركون المؤمنين، فهل يطلبون العزة من هؤلاء الكافرين؟ إن العزة لله - وحده - يعطيها عباده المؤمنين، ومن اعتزَّ بالله عزَّ، ومن اعتز بغيره ذلَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 140 - وقد نزَّل الله عليكم فى القرآن الكريم أنكم كلما سمعتم آية من الكتاب، وجحد بها الكافرون، فلا تقعدوا معهم حتى ينتقلوا إلى حديث غير حديث الاستهزاء، وإنكم إن لم تفعلوا وسمعتم استهزاءهم كنتم مثلهم فى الاستهزاء بالقرآن، وإن العاقبة وخيمة على الكافرين والمنافقين، فإن الله جامعهم جميعاً فى النار يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 141 - وإن أولئك المنافقين ينتظرون انتظار الحاقد الحانق الذى يتمنى السوء لكم إذا كنتم فى حرب مع الأعداء، فإن كان لكم نصر من الله وفتح لطريق الحق، قالوا للمؤمنين - وقد أذهلهم النصر الذى نصر الله به أهل الإيمان -: ألم نكن معكم باعتبارنا من جماعتكم؟ وإن كان للكافرين نصيب من الغلب اتجهوا إليهم وقالوا لهم: ألم نُغلِّب أموركم علينا حتى صارت أمورنا؟ وألم نمنحكم مودتنا ونمنعكم من المؤمنين؟ والله - سبحانه وتعالى - يحكم بينكم وبين هؤلاء المنافقين يوم القيامة، ولن يجعل الله للكافرين سبيلا للغلب على المؤمنين ما دام المؤمنون على صفة الإيمان الحق والعمل الصالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 142 - إن المنافقين بنفاقهم يحسبون أنهم يخادعون الله - تعالى - ويُخْفُون عنه حقيقة أنفسهم، والله سبحانه - خادعهم، فيمهلهم ويتركهم يرتعون فى شرهم، ثم يحاسبهم على ما يفعلون، وإن لهؤلاء المنافقين مظهراً حسَّا، ومظهراً نفسياً، فالحسى أنهم يقومون إلى الصلاة كسالى متباطئين، وصلاتهم رياء لا حقيقة. والمظهر النفسى أنهم لا يذكرون الله إلا أحياناً نادرة، ولو ذكروه لتركوا النفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 143 - وإن المنافقين مترددون مضطربون، لا هم منكم ولا هم فى كل أحوالهم منهم، وذلك من ضعف الإيمان وضعف النفس، ومن الضلال عن الحق، ومن يكتب الله عليه فى علمه الأزلى الضلال، فلن تجد سبيلاً لهدايته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 144 - وإن من أسباب النفاق أن المنافقين جعلوا لأهل غير الإيمان ولاية لهم ونصرة، فتجنبوا هذا - أيها المؤمنون - ولا تتخذوا الكافرين نصراء ذوى ولاية عليكم تخضعون لهم، وإنكم إن فعلتم ذلك كان لله حُجة عليكم بينة، فتدخلون مع المنافقين وتذلون، لأنكم لا تجعلون عزتكم من الله، ومن الحق، ومن العمل الصالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 145 - إن المنافقين بسبب نفاقهم يكونون فى أعماق جهنم، فهم فى أسفل مكان فيها، وأحط درجاتها، ولن تجد لهم نصيراً يدفع عنهم العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 146 - إلا الذين يتوبون منهم ويعودون إلى الله - تعالى - ويعتصمون به - وحده - ويخلصون ويسلمون وجوههم له، ويعملون الصالحات فإنهم بهذا يكونون من المؤمنين ولهم جزاء المؤمنين، وقد أعد الله - تعالى - جزاءً عظيماً للمؤمنين فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 147 - وإن الله - تعالى - لا مطلب له منكم إلا الإيمان به، وشكر نعمته، وإذا كنتم كذلك فلا عذاب لكم، ولكن جزاء على الخير والشكر، وإن الله - تعالى - شاكر يشكر لعباده عمل الخير، وعليم يعلم كل حالهم من خير وشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 148 - ينهى الله عباده عن قول السوء. إلا من وقع عليه ظلم، فيباح له أن يشكو ظالمه، ويذكر ما فيه من سوء، والله - سبحانه - سميع لكلام المظلوم، عليم بظلم الظالم، ويجازيه على عمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 149 - إن تُظهروا خيراً أو تُسِروه، أو تصفحوا عمن يسئ إليكم، يثبكم الله لتخلقكم بأخلاقه - تعالى - من العفو مع كمال القدرة، والله - سبحانه - عظيم العفو كامل القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 150 - إن الذين لا يؤمنون بالله ورسله، والذين يريدون التفرقة فى الإيمان بالله ورسله ويقولون: نؤمن ببعض الرسل دون بعض، فيؤمنون بمن يحبون، ويكفرون بمن لا يحبون، والواجب الإيمان بالجميع، لأن الإيمان لا يقبل أن يتجزأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 151 - هؤلاء جميعاً هم الممعنون فى الكفر البين، وقد أعد الله لهم ولأمثالهم عذاباً شديداً مذلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 152 - وأما من آمنوا بالله ورسله، ولم يُكذِّبوا بأحد منهم، فإن الله يثيبهم على كامل إيمانهم الثواب العظيم، والله غفور للتائبين، رحيم بعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 153 - يسألك - أيها الرسول - أهل الكتاب من اليهود متعنتين، أن تقيم دليلاً على صدق نبوتك، فتأتيهم بكتاب خاص، ينزل عليهم من السماء بصدق رسالتك، ويدعوهم إلى الإيمان بك وطاعتك، فإن استكثرت ما سألوا فلا تعجل، فقد تعنت أسلافهم فسألوا موسى أكبر من ذلك، فقالوا: أرنا الله عيانا فعاقبهم على تعنتهم وظلمهم بصاعقة أهلكتهم ثم اذكر لهؤلاء جرماً أشد وأفظع، وهو أنهم اتخذوا العجل إلهاً لهم من دون خالقهم، بعد ما عاينوا الأدلة التى أظهرها موسى لفرعون وقومه ثم وسعهم عفو الله بعد إنابتهم إليه، وأيد الله موسى بالحُجة الواضحة والكلمة النافذة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 154 - ورفع الله الجبل فوق بنى إسرائيل، تهديداً لهم لامتناعهم عن قبول شريعة التوراة، حتى قبلوا، وأخذ عليهم الميثاق، وأمرهم أن يدخلوا القرية خاضعين لله، وألا يتجاوزوا ما أمرهم بالتزامه من العبادة فى يوم السبت، ولا يعتدوا فيه، وقد أخذ عليهم فى كل ذلك عهداً مؤكداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 155 - فغضب الله عليهم، بسبب نقضهم هذا الميثاق، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء ظالمين - ولا يكون ذلك إلا ظلماً -، وإصرارهم على الضلال بقولهم: قلوبنا محجوبة عن قبول ما نُدْعَى إليه، وليسوا صادقين فى قولهم، بل طمس الله على قلوبهم بسبب كفرهم، فلا يؤمن منهم إلا قلة من الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 156 - وغضب الله عليهم بسبب كفرهم وافترائهم على مريم افتراء كبيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 157 - وغضب الله عليهم بسبب قولهم مستخفين: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، والحق المستيقن أنهم ما قتلوه، كما زعموا وما صلبوه كما ادعوا. . ولكن شُبِّه لهم، فظنوا أنهم قتلوه وصلبوه، وإنما قتلوا وصلبوا من يشبهه، وقد اختلفوا من بعد ذلك فى أن المقتول عيسى أم غيره، وأنهم جميعاً لفى شك من أمره. . والواقع أنهم يقولون ما لا علم لهم به إلا عن طريق الظن، وما قتلوا عيسى قطعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 158 - بل رفع الله عيسى إليه وأنقذه من أعدائه، ولم يصلبوه، ولم يقتلوه والله غالب لا يقهر، حكيم فى أفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 159 - وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليدرك حقيقة عيسى قبل موته وأنه عبد الله ورسوله، ويؤمن به إيماناً لا ينفعه لفوات أوانه، ويوم القيامة يشهد عليهم عيسى بأنه بَلَّغَ رسالة ربه وأنه عبد الله ورسوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 160 - فبسبب ما وقع من اليهود من ظلم، عاقبهم الله، فَحَرَّم عليهم ألواناً من الطيبات كانت حلالاً لهم، وكان من هذا الظلم مَنْعُهم كثيراً من الناس من الدخول فى دين الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 161 - وبسبب تعاملهم بالربا - وقد حرَّمه الله عليهم - وأخذهم أموال الناس بغير حق، كان عقاب الدين بتحريم بعض الطيبات عليهم. وقد أعدَّ الله لمن كفر عذاباً مؤلماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 162 - لكن المتثبتون فى العلم من اليهود والمؤمنون من أمتك - أيها النبى - يصدقون بما أُوحى إليك وما أُوحى إلى الرسل من قبلك. والذين يؤدون الصلاة حق الأداء، ويعطون الزكاة، ويصدقون بالله وبالبعث والحساب، أولئك سيجزيهم الله على إيمانهم وطاعتهم أحسن الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 163 - إنا أوحينا إليك - أيها النبى - القرآن والشريعة، كما أوحينا من قبلك إلى نوح وإلى النبيين من بعده، وكما أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وهم أنبياء الله من ذرية يعقوب، وإلى عيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان، وكما أوحينا إلى داود فأنزلنا عليه كتاب الزبور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 164 - وكذلك أرسلنا رسلاً كثيرين ذكرنا لك أنباءهم من قبل، ورسلاً آخرين لم نذكر قصصهم، وكانت طريقة الوحى إلى موسى أن كلَّمه الله تكليماً من وراء حجاب بلا واسطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 165 - بعثنا هؤلاء الرسل جميعاً، مبشرين من آمن بالثواب، ومنذرين من كفر بالعقاب، حتى لا يكون للناس على الله حُجة يتعللون بها بعد إرسال الرسل، والله قادر على كل شئ، غالب لا سلطان لأحد معه، حكيم فى أفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 166 - لكن إذا لم يشهدوا بصدقك، فالله يشهد بصحة ما أنزل إليك، لقد أنزله إليك مُحكماً بمقتضى علمه، والملائكة يشهدون بذلك، وتغنيك - أيها الرسول - شهادة الله عن كل شهادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 167 - إن الذين كفروا فلم يصدقوك، ومنعوا الناس عن الدخول فى دين الله، قد بعدوا عن الحق بُعداً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 168 - إن الذين كفروا وظلموا أنفسهم بالكفر. وظلموا الرسول بجحد رسالته، وظلموا الناس، إذ كتموهم الحق، لن يغفر الله لهم ما داموا على كفرهم، ولن يهديهم طريق النجاة، وما كان من شأنه - سبحانه - أن يغفر لأمثالهم وهم فى ضلالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 169 - ولكن يسلك بهم طريق النار. مُخَلَّدين فيها أبداً، وأمر ذلك يسير على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 170 - يا أيها الناس قد جاءكم الرسول محمد بالدين الحق من عند ربكم، فَصَدِّقوا بما جاء به يكن خيراً لكم، وإن أبيتم إلا الكفر فالله غنى عن إيمانكم، مالك لكم، فله ما فى السموات والأرض ملكاً وخلقاً وتصرفاً، وهو العليم بخلقه، الحكيم فى صنعه، لا يضيع أجر المحسن، ولا يهمل جزاء المسئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 171 - يا أهل الكتاب لا تتجاوزوا الحق مغالين فى دينكم، ولا تفتروا على الله الكذب، فتنكروا رسالة عيسى، أو تجعلوه إلهاً مع الله، فإنما المسيح رسول كسائر الرسل، خلقه الله بقدرته وكلمته التى بُشَّر بها، ونفخ روحه جبريل فى مريم، فهو سِرٌّ من أسرار قدرته، فآمنوا بالله ورسله جميعاً إيماناً صحيحاً ولا تدَّعوا أن الآلهة ثلاثة، انصرفوا عن هذا الباطل يكن خيراً لكم، فإنما الله واحد لا شريك له، وهو منزه عن أن يكون له ولد، وكل ما فى السموات والأرض ملك له، وكفى به - وحده - مدبِّراً لملكه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 172 - لن يترفع المسيح عن أن يكون عبداً لله، ولن يترفع عن ذلك الملائكة المقربون، ومن يتكبر ويترفع عن عبادة الله فلن يفلت من عقابه يوم يجمع الله الناس للحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 173 - فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم ثواب أعمالهم ويزيدهم من فضله، إكراماً وإنعاماً، وأما الذين أَنِفُوا أن يعبدوه، وترفعوا أن يشكروه فقد أعد لهم عذاباً شديد الإيلام، لن يدفعه عنهم معين ولن يمنعهم منه نصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 174 - يا أيها الناس، قد جاءتكم الدلائل الواضحة على صدق الرسول محمد، وأنزلنا إليكم على لسانه قرآناً بيناً كالنور، يضئ الطريق ويهديكم إلى النجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 175 - فأما الذين صدقوا بالله ورسالاته، وتمسكوا بدينه، فسيدخلهم فى الآخرة جناته، ويغمرهم بفيض رحمته، ويشملهم بواسع فضله وسيوفقهم فى الدنيا إلى الثبات على صراطه المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 176 - يسألونك - أيها النبى - عن ميراث من مات ولا ولد له ولا والد، فحكم الله فيه هو: أنه إذا كان للمُتَوَفَّى أخت، فلها نصف تركته، وأيضاً إذا كان للمتوفاة التى لا زوج لها ولا ولد أخ فله تركتها، وإن كان للمُوَرِّث أختان فلهما ثلثا تركته وإن كانوا إخوة من ذكور وإناث فنصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين. يبين الله لكم هذا البيان حتى لا تضلوا فى تقسيم الأنصباء، والله عالم علماً كاملاً بكل شئ من أعمالكم، ومجازيكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 1 - يا أيها المؤمنون: التزموا الوفاء بجميع العهود التى بينكم وبين الله، والعهود المشروعة التى بينكم وبين الناس. وقد أحل الله لكم أكل لحوم الأنعام من الإبل والبقر والغنم، إلا ما ينص لكم على تحريمه. ولا يجوز لكم صيد البر إذا كنتم مُحْرِمين، أو كنتم فى أرض الحرم. إن الله يقضى بحكمته ما يريد من أحكام، وأن هذا من عهود الله عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 2 - يا أيها المؤمنون لا تستبيحوا حرمة شعائر الله، كمناسك الحج وقت الإحرام قبل التحلل منه وسائر أحكام الشريعة، ولا تنتهكوا حرمة الأشهر الحرم بإثارة الحرب فيها، ولا تعترضوا لما يُهْدَى من الأنعام إلى بيت الله الحرام باغتصابه أو منع بلوغه محله، ولا تنزعوا القلائد، وهى العلامات التى توضع فى الأعناق، إشعاراً بقصد البيت الحرام، وأنها ستكون ذبيحة فى الحج، ولا تعترضوا لِقُصَّادِ بيت الله الحرام يبتغون فضل الله ورضاه، وإذا تحللتم من الإحرام، وخرجتم من أرض الحرم، فلكم أن تصطادوا، ولا يحملنكم بغضكم الشديد لقوم صدوكم عن المسجد الحرام على الاعتداء عليهم. وليتعاون بعضكم مع بعض - أيها المؤمنون - على فعل الخير وجميع الطاعات، ولا تتعاونوا على المعاصى ومجاوزة حدود الله، واخشوا عقاب الله وبطشه، إن الله شديد العقاب لمن خالفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 3 - حرَّم الله عليكم - أيها المؤمنون - أكل لحم الميتة - وهى كل ما فارقته الروح من غير ذبح شرعى -، وأكل الدم السائل، ولحم الخنزير، وما ذكر اسم غير الله عليه عند ذبحه، وما مات خنقاً، أو التى ضربت حتى ماتت، وما سقط من علو فمات، وما مات بسبب نطح غيره له، وما مات بسبب أكل حيوان مفترس منه. وأما ما أدركتموه وفيه حياة مما يحل لكم أكله وذبحتموه فهو حلال لكم بالذبح. وحرَّم الله عليكم ما ذبح قربة للأصنام، وحرم عليكم أن تطلبوا معرفة ما كتب فى الغيب بواسطة القرعة بالأقداح. وتناول شئ مما سبق تحريمه ذنب عظيم وخروج عن طاعة الله. ومن الآن انقطع رجاء الكفار فى القضاء على دينكم، فلا تخافوا أن يتغلبوا عليكم، واتقوا مخالفة أوامرى. اليوم أكملت لكم أحكام دينكم، وأتممت عليكم نعمتى بإعزازكم وتثبيت أقدامكم، واخترت لكم الإسلام ديناً. فمن ألجأته ضرورة جوع إلى تناول شئ من المحرمات السابقة ففعل لدفع الهلاك عن نفسه غير منحرف إلى المعصية، فإن الله يغفر للمضطر ما أكل، دفعاً للهلاك، وهو رحيم به فيما أباح له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 4 - يسألك المؤمنون - أيها الرسول - ماذا أحل الله لهم من طعام وغيره فقل لهم: أحلّ الله لكم كل طيب تستطيبه النفوس السليمة، وأحلّ لكم ما تصطاده الجوارح التى علمتموها الصيد بالتدريب، مستمدين ذلك مما علمكم الله. فكلوا من صيدها الذى أرسلتموها إليه وأمسكته عليكم، واذكروا اسم الله عند إرسالها، واتقوا الله بالتزام ما شرع لكم، ولا تتجاوزوه، واحذروا مخالفة الله فيه، فإنه سريع الحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 5 - اليوم - منذ نزول هذه الآية - أحل الله لك كل طيب تستطيبه النفوس السليمة، وأحل لكم طعام أهل الكتاب، وذبائحهم، مما لم يرد نص بتحريمه، كما أحل لهم طعامكم، وأحل لكم زواج الحرائر والعفائف من المؤمنات ومن أهل الكتاب، إذا أديتم لهن مهورهن قاصدين الزواج، غير مستبيحين العلاقات غير الشرعية علانية، أو بطريق اتخاذ الخلائل. ومن يجحد الدين فقد ضاع ثواب عمله الذى كان يظن أنه قربى، وهو فى الآخرة من الهالكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 6 - في أيها المؤمنون، إذا أردتم القيام إلى الصلاة ولم تكونوا متوضئين، فتوضأوا بغسل وجوهكم وأيديكم مع المرافق، وامسحوا رءوسكم - كلها أو بعضها - واغسلوا أرجلكم مع الكعبين. وإن كنتم جنباً عند القيام إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الصلاة بسب ملامسة أزواجكم، فاغسلوا جميع أبدانكم بالماء، وأن كنتم مرضى مرضاً يمنع من استعمال الماء، أو كنتم مسافرين يتعسر عليكم وجود الماء، أو عند رجوعكم من مكان قضاء الحاجة، أو لامستم النساء ولم تجدوا ماء، فعليكم بالتيمم بالتراب الطهور، بمسح وجوهكم وأيديكم به. ما يريد الله فيما أمركم به أن يضيق عليكم، ولكنه شرع ذلك لتطهيركم ظاهراً وباطناً وليتم نعمه عليكم بالهداية والبيان والتيسير، لتشكروا الله على هدايته وتمام نعمته بالمداومة على طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 7 - واذكروا - أيها المؤمنون - نعمة الله عليكم، بهدايتكم إلى الإسلام، وحافظوا على تنفيذ عهده الذى عاهدكم عليه حين بايعتم رسوله - محمداً - على السمع والطاعة، واتقوا الله بالمحافظة على هذه العهود، فإنه سبحانه عليم بخفيات قلوبكم، فمجازيكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 8 - يا أيها المؤمنون، حافظوا محافظة تامة على أداء حقوق الله، وأدُّوا الشهادة بين الناس على وجهها الحق، ولا يحملنكم بغضكم الشديد لقوم على أن تجانبوا العدل معهم، بل التزموا العدل، فهو أقرب سبيل إلى خشية الله والبعد عن غضبه، واخشوا الله فى كل أموركم، فإنه - سبحانه - عليم بكل ما تفعلون، ومجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 9 - تفضل الله فوعد الذين صدَّقوا بدينه، وعملوا الأعمال الصالحة أن يعفو عن ذنوبهم، ويجزل لهم الثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 10 - والذين جحدوا دينه، وكذبوا بآياته الدالة على وحدانيته، وصدق رسالته، فأولئك هم أهل جهنم المخلدون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 11 - يا أيها المؤمنون، تذكروا نعمة الله عليكم فى وقت الشدة، حين همَّ قوم - جماعة من المشركين - أن يفتكوا بكم، وبرسولكم، فمنع أذاهم عنكم، ونجاكم منهم. والزموا تقوى الله، واعتمدوا عليه وحده فى أموركم، فهو كافيكم، وشأن المؤمن أن يكون اعتماده على الله وحده دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 12 - إن الله أخذ العهد على بنى إسرائيل بالسمع والطاعة، فأقام عليهم اثنى عشر رئيساً منهم لتنفيذ العهد، ووعدهم الله وعداً مؤكداً بأن يكون معهم بالعون والنصر إن أدوا الصلاة على وجهها، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم، وصدَّقوا برسله جميعاً، ونصروهم، وأنفقوا فى سبيل الخير، وإذا ما فعلوا ذلك، تجاوز الله عن ذنوبهم، وأدخلهم جناته التى تجرى من تحتها الأنهار، فمن كفر ونقض العهد منهم بعد ذلك، فقد حاد عن الطريق السوى المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 13 - فبسبب نقض بنى إسرائيل عهودهم، استحقوا الطرد من رحمة الله، وصارت قلوبهم صلبة لا تلين لقبول الحق، وأخذوا يصرفون كلام الله فى التوراة عن معناه، إلى ما يوافق أهواءهم، وتركوا نصيباً وافياً مما أمروا به فى التوراة، وستظل أيها الرسول ترى منهم ألواناً من الغدر ونقض العهد، إلا نفراً قليلا منهم آمنوا بك فلم يخونوا ولم يغدروا. فتجاوز أيها الرسول عما فرط من هؤلاء، واصفح وأحسن إليهم، إن الله يحب المحسنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 14 - وكذلك أخذ الله العهد على النصارى - الذين قالوا: إنا نصارى - بالإيمان بالإنجيل وبالوحدانية، فتركوا نصيباً وافراً مما أُمروا به فى الإنجيل، فعاقبهم الله على ذلك بإثارة العداوة والخصومة بينهم، فصاروا فرقاً متعادية إلى يوم القيامة، وسوف يخبرهم الله يومئذ بما كانوا يعملون ويجازيهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 15 - يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا - محمد - داعياً إلى الحق، يظهر لكم كثيراً مما كنتم تكتمونه من التوراة والإنجيل، ويدع كثيراً مما أخفيتموه مِمَّا لم تدع الحاجة إلى إظهاره، قد جاءكم من عند الله شريعة كاملة هى نور فى ذاتها، ويبيِّنها كتاب واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 16 - يهدى الله بهذا الكتاب إلى سبيل النجاة من اتجه إلى مرضاته، ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان بتوفيقه، ويرشدهم إلى طريق الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 17 - لقد كفر الذين زعموا - باطلا - أن الله هو المسيح ابن مريم، فقل - أيها الرسول - لهؤلاء المجترئين على مقام الألوهية: لا يستطيع أحد أن يمنع مشيئة الله إن أراد أن يهلك عيسى وأمه، ويهلك جميع مَن فى الأرض فإن لله - وحده - ملك السموات والأرض وما بينهما، يخلق ما يشاء على أى مثال أراد، والله عظيم القدرة لا يعجزه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 18 - وقالت اليهود والنصارى: إننا المفضلون، لأننا أبناء الله والمحببون لديه فقل لهم - أيها الرسول -: فلماذا يعذبكم بذنوبكم، ويصليكم نار جهنم؟ لقد كذبتم لأنكم كسائر البشر مخلوقون ومحاسبون على أعمالكم، وبيد الله - وحده - المغفرة لمن يشاء أن يغفر له، والعذاب لمن يشاء أن يعذبه، لأن لله ملك السموات والأرض وما بينهما، وإليه المنتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 19 - يا أهل الكتاب قد جاءتكم رسالة رسولنا الذى يظهر لكم الحق، بعد إذ توقفت الرسالات فترة من الزمن، حتى لا تعتذروا عن كفركم بأن الله لم يبعث إليكم مبشِّراً ولا منذراً، ها هو ذا قد أتاكم بشيرٌ ونذيرٌ، والله هو القادر على كل أمر - ومنه: إنزال الرسالات - ومحاسبكم على ما كان منكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 20 - واذكر - أيها الرسول - حينما قال موسى لقومه: يا قوم اذكروا بالشكر والطاعة نعم الله عليكم، حيث اختار منكم أنبياء كثيرين، وجعلكم أعزة كالملوك، بعد أن كنتم أذلاّء فى مملكة فرعون، ومنحكم من النعم الأخرى ما لم يؤت أحداً غيركم من العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 21 - يا قوم أطيعوا أمر الله، فادخلوا الأرض المقدسة التى قدَّر الله عليكم دخولها، ولا تتراجعوا أمام أهلها الجبارين، فتعودوا خاسرين نصر الله ورضوانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 22 - قال بنو إسرائيل مخالفين أمر الله: يا موسى، إن فى هذه الأرض جبابرة لا طاقة لنا بهم، فلن ندخلها ما داموا فيها، فإذا ما خرجوا منها دخلناها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 23 - قال رجلان من نقبائهم الذين يخشون الله، وأنعم الله عليهما بالإيمان والطاعة: ادخلوا - أيها القوم - على الجبارين باب المدينة مفاجئين، فإذا فعلتم ذلك فإنكم منتصرون عليهم، وتوكلوا على الله - وحده - فى كل أموركم إن كنتم صادقى الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 24 - فأصروا على المخالفة، وقالوا: يا موسى، إنا معتزمون ألا ندخل هذه الأرض أبداً، ما دام فيها الجبارون، فدعنا نحن، فليس لك علينا من سلطان، واذهب أنت وربك فقاتلا الجبارين، فإنا فى هذا المكان مقيمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 25 - حين ذلك فزع موسى إلى ربه قائلاً: ربِّ لا سلطان لى إلا على نفسى وأخى، فاقض بعدلك بيننا وبين هؤلاء المعاندين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 26 - فاستجاب الله لموسى، وحرَّم على أولئك المخالفين دخول هذه الأرض طيلة أربعين عاماً، يضلُّون فى الصحراء لا يهتدون إلى جهة. قال الله لموسى يواسيه: لا تحزن على ما أصابهم، فإنهم فاسقون خارجون عن أمر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 27 - وإن حب الاعتداء فى طبيعة بعض الناس، فاقرأ - أيها النبى - على اليهود - وأنت صادق - خبر هابيل وقابيل ابنى آدم، حين تقرَّب كل منهما إلى الله بشئ، فتقبل الله قربان أحدهما لإخلاصه، ولم يتقبل من الآخر لعدم إخلاصه، فحسد أخاه وتوعده بالقتل حقداً عليه، فرد عليه أخوه مبيناً له أن الله لا يتقبل العمل إلا من الاتقياء المخلصين فى تقربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 28 - وقال له: لئن أغواك الشيطان فمددت يدك نحوى لتقتلنى، فلن أعاملك بالمثل، ولن أمد يدى إليك لأقتلك، لأنى أخاف عذاب ربى، وهو الله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 29 - إنى لن أقاومك حين تقتلنى، لتحمل ذنب قتلك لى، مع ذنبك فى عدم إخلاصك لله من قبل، وبذلك تستحق أن تكون فى الآخرة من أهل النار، وذلك جزاء عادل من الله لكل ظالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 30 - فسهَّلت له نفسه أن يخالف الفطرة، وأن يقتل أخاه، وقتله، فصار فى حكم الله من الخاسرين، إذ خسر إيمانه وخسر أخاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 31 - بعد قتله أصابته حسرة وحيرة، ولم يدر ما يصنع بجثته، فأرسل الله غراباً ينبش تراب الأرض ليدفن غراباً ميتاً، حتى يُعَلِّم ذلك القاتل كيف يستر جثة أخيه، فقال القاتل مُحِسَّا بوبال ما ارتكب، متحسراً على جريمته: أعجزت عن أن أكون مثل هذا الغراب فأستر جثة أخى؟! فصار من النادمين على جرمه ومخالفته دواعى الفطرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 32 - بسبب ذلك الطغيان وحب الاعتداء فى بعض النفوس أوجبنا قتل المعتدى، لأنه من قتل نفساً بغير ما يوجب القصاص، أو بغير فساد منها فى الأرض، فكأنه قتل الناس جميعاً، لأنه هتك حرمة دمائهم، وجرّأ عليها غيره، وقتل النفس الواحدة كقتل الجميع فى استجلاب غضب الله وعذابه، ومن أحياها بالقصاص لها، فكأنما أحيا الناس كلهم، لصيانته دماء البشر، فيستحق عليهم عظيم الثواب من ربه. ولقد أرسلنا إليهم رسلنا مؤكدين حكمنا لهم بالأدلة والبراهين، ثم إن كثيراً من بنى إسرائيل بعد ذلك البيان المؤكد أسرفوا فى إفسادهم فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 33 - إنما عقاب الذين يحاربون الله ورسوله، بخروجهم على نظام الحكم وأحكام الشرع، ويفسدون فى الأرض بقطع الطريق أو انتهاب الأموال: أن يُقْتَلوا بمن قتلوا، وأن يُصلبوا إذا قتلوا وغصبوا المال، وأن تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا قطعوا الطريق وغصبوا المال ولم يقتلوا، وأن يُنفوا من بلد إلى بلد، وأن يُحبسوا إذا أخافوا فقط. ذلك العقاب ذل لهم وإهانة فى الدنيا، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم وهو عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 34 - إلا الذين تابوا من هؤلاء المحاربين للنظام وقطاع الطريق من قبل أن تقدروا عليهم وتتمكنوا منهم، فإن عقوبة الله المذكورة تسقط عنهم وتبقى عليهم حقوق العباد، واعلموا أن الله واسع المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 35 - يا أيها الذين آمنوا، خافوا الله باجتناب نواهيه وإطاعة أوامره، واطلبوا ما يقرّبكم إلى ثوابه، من فعل الطاعات والخيرات، وجاهدوا فى سبيله بإعلاء دينه ومحاربة أعدائه، لعلكم تفوزون بكرامته وثوابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 36 - إن الذين كفروا لو كان عندهم ما فى الأرض جميعاً من صنوف الأموال وغيرها من مظاهر الحياة، وكان لهم مثل ما فى الأرض فوق ما فيها، وأرادوا أن يجعلوه فدية لأنفسهم من عذاب الله. يوم القيامة على كفرهم ما نفعهم الافتداء بهذا كله، ولا قبل الله منهم ذلك، فلا سبيل إلى خلاصهم من العقاب، ولهم عذاب مؤلم شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 37 - يتمنى هؤلاء الكافرون أن يخرجوا من النار، وهم لن يخرجوا منها، ولهم عذاب دائم مستمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 38 - والذى يسرق، والتى تسرق، اقطعوا أيديهما جزاء بما ارتكبا، عقوبة لهما، وزجراً وردعاً لغيرهما. وذلك الحكم لهما من الله، والله غالب على أمره، حكيم فى تشريعه، يضع لكل جريمة ما تستحق من عقاب رادع مانع من شيوعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 39 - فمن تاب من بعد اعتدائه وأصلح عمله واستقام، فإن الله يتقبل توبته، إن الله واسع المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 40 - اعلم - أيها المكلف - علماً يقينياً أن الله - وحده - له كل ما فى السموات والأرض، يعذب من يشاء تعذيبه بحكمته وقدرته، ويغفر لمن يشاء أن يغفر له بحكمته ورحمته، والله على كل شئ قدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 41 - يا أيها الرسول لا يحزنك صنع الكافرين الذين ينتقلون فى مراتب الكفر من أدناها إلى أعلاها، مسارعين فيها، من هؤلاء المخادعين الذين قالوا: آمنا بألسنتهم ولم تذعن للحق قلوبهم، ومن اليهود الذين يكثرون الاستماع إلى مفتريات أحبارهم ويستجيبون لها، ويكثرون الاستماع والاستجابة لطائفة منهم ولم يحضروا مجلسك تكبراً وبغضاً، وهؤلاء يبدلون ويحرفون ما جاء فى التوراة من بعد أن أقامه الله وأحكمه فى مواضعه، ويقولون لأتباعهم: إن أوتيتم هذا الكلام المحرّف المبدّل فاقبلوه وأطيعوه، وإن لم يأتكم فاحذروا أن تقبلوا غيره، فلا تحزن، فمن يرد الله ضلاله لانغلاق قلبه فلن تستطيع أن تهديه أو أن تنفعه بشئ لم يرده الله له، وأولئك هم الذين أسرفوا فى الضلال والعناد لم يرد الله أن يطهر قلوبهم من دنس الحقد والعناد والكفر، ولهم فى الدنيا ذل بالفضيحة والهزيمة، ولهم فى الآخرة عذاب شديد عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 42 - هم كثيرو الاستماع للافتراء، كثيرو الأكل للمال الحرام الذى لا بركة فيه، كالرشوة والربا وغيرهما، فإن جاءوك لتحكم بينهم فاحكم بينهم إذا رأيت المصلحة فى ذلك، أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك بأى قدر من الضرر، لأن الله عاصمك من الناس، وإن حكمت بينهم فاحكم بالعدل الذى أمر الله به، إن الله يحب العادلين فيحفظهم ويثيبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 43 - عجباً لهم {كيف يطلبون حكمك، مع أن حكم الله منصوص عليه عندهم فى التوراة؟} والعجب من أمرهم أنهم يعرضون عن حكمك إذا لم يوافق هواهم، مع أنه الموافق لما فى كتابهم، وهؤلاء ليسوا من المؤمنين الذين يذعنون للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 44 - إنا أنزلنا التوراة على موسى فيها هداية إلى الحق، وبيان منير للأحكام التى يحكم بها النبيون، والذين أخلصوا نفوسهم لربهم، والعلماء السالكون طريقة الأنبياء والذين عهد إليهم أن يحفظوا كتابهم من التبديل، حرساً عليه، شاهدين بأنه الحق. فلا تخافوا الناس فى أحكامكم، وخافونى أنا ربكم رب العالمين، ولا تستبدلوا بآياتى التى أنزلتها ثمناً قليلاً من متاع الدنيا، كالرشوة والجاه، ومن لم يحكم بما أنزل الله من شرائع مستهينين بها، فهم من الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 45 - وفرضنا على اليهود فى التوراة شرعة القصاص، لنحفظ بها حياة الناس فحكمنا بأن تؤخذ النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح يقتص فيها إذا أمكن. فمن عفا وتصدق بحقه فى القصاص على الجانى، كان هذا التصدق كفارة له، يمحو الله بها قدراً من ذنوبه. ومن لم يحكم بما أنزل الله من القصاص وغيره، فأولئك هم الظالمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 46 - وأرسلنا من بعد هؤلاء النبيين عيسى ابن مريم، متبعاً طريقهم، مصدِّقاً لما سبقه من التوراة، وأنزلنا عليه الإنجيل فيه هداية إلى الحق، وبيان للأحكام، وأنزلناه مصدقاً لما سبقه وهى التوراة، وفيها هداية إلى الحق وموعظة للمتقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 47 - وأمرنا أتباع عيسى وأصحاب الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه من أحكام، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الخارجون المتمردون على شريعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 48 - وأنزلنا إليك - أيها النبى - الكتاب الكامل، وهو القرآن، ملازماً الحقّ فى كل أحكامه وأنبائه، موافقاً ومصدِّقاً لما سبقه من كتبنا، وشاهداً عليها بالصحة، ورقيباً عليها بسبب حفظه من التغيير. فاحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليك بما أنزل الله عليك، ولا تتبع فى حكمك شهواتهم ورغباتهم، فتنحرف عما جاءك منا من حق. لكل أمة منكم - أيها الناس - جعلنا منهاجاً لبيان الحق، وطريقاً واضحاً فى الدين يمشى عليه، ولو شاء الله لجعلكم جماعة متفقة ذات مشارب واحدة، لا تختلف مناهج إرشادها فى جميع العصور، ولكنه جعلكم هكذا ليختبركم فيما آتاكم من الشرائع، ليتبين المطيع والعاصى. فانتهزوا الفرص، وسارعوا إلى عمل الخيرات، فإن رجوعكم جميعاً سيكون إلى الله - وحده - فيخبركم بحقيقة ما كنتم تختلفون فيه، ويجازى كلا منكم بعمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 49 - وأمرناك - أيها الرسول - بأن تحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع رغباتهم فى الحكم، واحذرهم أن يصرفوك عن بعض ما أنزله الله إليك. فإن أعرضوا عن حكم الله وأرادوا غيره، فاعلم أن الله إنما يريد أن يصيبهم بفساد أمورهم، لفساد نفوسهم، بسبب ذنوبهم التى ارتكبوها من مخالفة أحكامه وشريعته، ثم يجازيهم عن كل أعمالهم فى الآخرة، وإن كثيراً من الناس لمتمردون على أحكام الشريعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 50 - أيريد أولئك الخارجون عن أمر الله ونهيه أن يحكموا بأحكام الجاهلية التى لا عدل فيها، بل الهوى هو الذى يحكم، بأن يجعلوا أساس الحكم الميل والمداهنة؟ وهذه هى طريقة أهل الجاهلية - وهل يوجد أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون بالشرع ويذعنون للحق؟ إنهم هم الذين يدركون حسن أحكام الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 51 - يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن تتخذوا اليهود ولا النصارى نصراء توالونهم، فهم سواء فى معاداتكم. ومن جعل لهم الولاية عليه فإنه من جملتهم، وإن الله لا يهدى الذين يظلمون أنفسهم بجعل ولايتهم للكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 52 - وإذا كانت ولايتهم لا يتبعها إلا الظالمون، فإنك ترى الذين يوالونهم فى قلوبهم مرض الضعف والنفاق، إذ يقولون: نخاف أن تصيبنا كارثة عامة فلا يساعدونا، فعسى الله أن يحقق الفتح لرسوله والنصر للمسلمين على أعدائهم، أو يظهر نفاق أولئك المنافقين، فيصبحوا نادمين آسفين على ما كتموه فى نفوسهم من كفر وشك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 53 - وحينئذ يقول المؤمنون الصادقون - متعجبين من المنافقين -: أهؤلاء الذين أقسموا وبالغوا فى القسم بالله على أنهم معكم فى الدين، مؤمنون مثلكم؟ كذبوا وبطلت أعمالهم، فصاروا خاسرين للإيمان، ونصرة المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 54 - يا أيها الذين آمنوا: من يرجع منكم عن الإيمان إلى الكفر - فلن يضروا الله بأى قدر من الضرر! تعالى الله عن ذلك - فسوف يأتى الله بدلهم بقوم خير منهم، يحبهم الله فيوفقهم للهدى والطاعة، ويحبون الله فيطيعونه، وفيهم تواضع ورحمة بإخوانهم المؤمنين، وفيهم شدة على أعدائهم الكافرين، يجاهدون فى سبيل الله ولا يخشون فى الله لومة أى لائم. ذلك فضل الله يمنحه لمن يشاء ممن يوفقهم للخير، والله كثير الفضل عليم بمن يستحقونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 55 - إنما ولايتكم - أيها المؤمنون - لله ورسوله وأنفسكم، ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهم خاضعون لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 56 - ومن يتخذ الله ورسوله والمؤمنين أولياءه ونصراءه، فإنه يكون من حزب الله، وحزب الله هم المنتصرون الفائزون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 57 - يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا أعداء الإسلام الذين اتخذوا دينكم سخرية ولهوا - وهم اليهود والنصارى والمشركون - نصراء، ولا تجعلوا ولايتكم لهم، وخافوا الله إن كنتم صادقين فى إيمانكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 58 - ومن استهزائهم بكم: أنكم إذا دعوتم إلى الصلاة بالأذان استهزأوا بالصلاة، وتضاحكوا عليها ولعبوا فيها، وذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون، ولا يدركون الفرق بين الضلال والهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 59 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء المستهزئين من أهل الكتاب، هل تنقمون علينا إلا إيماننا بالله وبما أنزل إلينا - وهو القرآن - وبما أنزل من قبل على الأنبياء من الكتب الصحيحة: وإيماننا بأن أكثركم خارجون على شريعة الله؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 60 - قل لهم: ألا أخبركم بأعظم شر فى الجزاء عند الله؟ إنه عملكم أنتم يا من أبعدهم الله من رحمته، وسخط عليهم بسبب كفرهم وعصيانهم، وطمس على قلوبهم، فكانوا كالقردة والخنازير، وعبدوا الشيطان، واتبعوا الضلال. أولئك فى أكبر منزلة من الشر، لأنهم أبعد الناس عن طريق الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 61 - وإذا جاءكم المنافقون كذبوا عليكم بقولهم: آمنا، وهم قد دخلوا إليكم كافرين كما خرجوا من عندكم كافرين، والله أعلم بما يكتمون من النفاق ومعاقبهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 62 - وترى كثيراً من هؤلاء يسارعون فى المعاصى والاعتداء على غيرهم، وفى أكل المال الحرام كالرشوة والربا ولبئس ما يفعلونه من هذه القبائح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 63 - أما كان ينبغى أن ينهاهم علماؤهم وأحبارهم عن قول الكذب وأكل الحرام، ولبئس ما كانوا يصنعون من ترك النصيحة والنهى عن المعصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 64 - وقالت اليهود: يد الله مقبوضة لا تنبسط بالعطاء. قبض الله أيديهم وأبعدهم من رحمته، فالله غنى كريم ينفق كما يشاء. وإن كثيراً من هؤلاء - لإمعانهم فى الضلال - ليزيدهم ما أنزل إليك من الله ظلماً وكفراً لما فيهم من حقد وحسد، وأثرنا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وكلما أشعلوا ناراً لحرب الرسول والمؤمنين أطفأها الله بهزيمتهم وانتصار نبيه وأتباعه، وأنهم يجتهدون فى نشر الفساد فى الأرض بالكيد والفتن وإثارة الحروب، والله لا يحب المفسدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 65 - ولو أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى آمنوا بالإسلام ونبيه، واجتنبوا الآثام التى ذكرناها، لمحونا عنهم سيئاتهم، وأدخلناهم فى جنات النعيم يتمتعون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 66 - ولو أنهم حفظوا التوراة والإنجيل كما نزلا، وعملوا بما فيهما. وآمنوا بما أنزل إليهم من ربهم، وهو القرآن، لوسَّع الله عليهم الرزق يأتيهم من كل جهة يلتمسونه منها. وهم ليسوا سواء فى الضلال، ومن هؤلاء جماعة عادلة عاقلة، وهم الذين آمنوا بمحمد وبالقرآن، وكثير منهم لبئس ما يعملونه ويقولونه معرضين عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 67 - يا أيها المرسل من الله، أخبر الناس بكل ما أوحى إليك من ربك. وادعهم إليه، ولا تخش الأذى من أحد، وإن لم تفعل فما بلغت رسالة الله، لأنك قد كُلِّفْت تبليغ الجميع، والله يحفظك من أذى الكفار إذ جرت سننه ألا ينصر الباطل على الحق، إن الله لا يهدى الكافرين إلى الطريق السوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 68 - يا أيها الرسول، قل لأهل الكتاب: إنكم لا تكونون على أى دين صحيح، إلا إذا أعلنتم جميع الأحكام التى أنزلت فى التوراة والإنجيل وعملتم بها، وآمنتم بالقرآن الموحى به من الله إلى رسوله لهداية الناس، ولتتيقن - أيها الرسول - أن معظم أهل الكتاب سيزدادون بالقرآن - الموحى به إليك - ظلماً وكفراً وعناداً، لحسدهم وحقدهم، فلا تحزن على الذين طبعوا على الجحود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 69 - إن المصدِّقين بالله، وأتباع موسى من اليهود، والخارجين عن الأديان، وأتباع عيسى من النصارى، كل أولئك إذا أخلصوا فى الإيمان بالله، وصدقوا بالبعث والجزاء، وأتوا بالأعمال الصالحة التى جاء بها الإسلام، فهم فى مأمن من العذاب وفى سرور بالنعيم يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 70 - إننا عاهدنا اليهود - من بنى إسرائيل - عهداً مؤكداً فى التوراة على اتباع أحكامها، وبعثنا إليهم أنبياء كثيرين ليبينوها لهم، ويؤكدوا عهدنا، ولكنهم نقضوا العهد، فكانوا كلما أتاهم رسول بما يخالف أهواءهم، كذبوا البعض وقتلوا البعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 71 - وظن بنو إسرائيل أنه لا تنزل بهم شدائد تبين الثابتين من غير الثابتين، ولذلك لم يصبروا فى الشدائد، ضل كثيرون منهم، وصاروا كالعميان الصم، وأعرضوا عن الحق، فسلط الله عليهم من أذاقهم الذل. وبعد حين رجعوا إلى الله تائبين، فتقبل توبتهم، وأعاد إليهم عزمهم، ولكنهم من بعد ذلك ضلوا مرة أخرى، وصاروا كالعمى الصم، والله مطلع عليهم، مشاهد لأعمالهم، ومجازيهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 72 - وأنه لم يؤمن بالله من يزعم أن الله حل فى عيسى ابن مريم حتى صار إلهاً، كما يقول النصارى الآن: مع أن عيسى براء من هذه الدعوى، فإنه أمر بنى إسرائيل أن يخلصوا الإيمان لله - وحده - قائلا لهم: إن الله هو خالقى وخالقكم، ومالك أمرنا جميعاً، وإن كل من يدّعى لله شريكاً فإن جزاءه أن لا يدخل الجنة أبداً، وأن تكون النار مصيره، لأنه تعدى حدود الله، وليس لمن يتعدى حدوده ويظلم ناصر يدفع عنه العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 73 - وإنه لم يؤمن بالله كذلك كل من ادعى أن الله أحد آلهة ثلاثة، كما يزعم النصارى الآن! {والحق الثابت أنه ليس هناك إله إلا الله وحده، وإذا لم يرجع هؤلاء الضالون عن معتقداتهم الفاسدة إلى طاعة الله، فلا بد أن يصيبهم عذاب شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 74 - ألا ينتهى هؤلاء عن تلك العقائد الزائفة، ويرجعوا إلى الإيمان بالله، ويطلبوا منه التجاوز عما وقع منهم من الذنوب؟ إن الله واسع المغفرة، عظيم الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 75 - ليس عيسى ابن مريم إلا عبداً من البشر، أنعم الله عليه بالرسالة، كما أنعم على كثير ممن سبقه. وأم عيسى إحدى النساء، طبعت على الصدق فى قولها والتصديق بربها، وكانت هى وابنها عيسى فى حاجة إلى ما يحفظ حياتهما من الطعام والشراب، وذلك علامة البشرية. فتأمل - أيها السامع - حال هؤلاء الذين عموا عن دلالة الآيات الواضحة التى بينها الله لهم، ثم تأمل كيف ينصرفون عن الحق مع وضوحه؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 76 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء الضالين: كيف تعبدون إلها يعجز عن أن يضركم بشئ إن تركتم عبادته، ويعجز عن أن ينفعكم بشئ إن عبدتموه؟ كيف تتركون عبادة الله وهو الإله القادر على كل شئ، وهو ذو السمع والعلم الشامل؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 77 - قل - يا أيها الرسول - لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: إن الله ينهاكم أن تتجاوزوا فى معتقداتكم حدود الحق إلى الباطل فتجعلوا بعض خلقه آلهة، أو تنكروا رسالة بعض الرسل، وينهاكم أن تسيروا وراء شهوات أناس سبقوكم قد تجنبوا طريق الهدى، ومنعوا كثيراً من الناس أن يسلكوها واستمروا على مجافاتهم طريق الحق الواضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 78 - طرد الله كفار إسرائيل من رحمته، وأنزل هذا فى الزبور على نبيه داود، وفى الإنجيل على نبيه عيسى ابن مريم، وذلك بسبب تمردهم عن طاعة الله، وتماديهم فى الظلم والفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 79 - كان دأبهم ألا يتناصحوا، فلا ينهى أحد منهم غيره عن قبيح يفعله، وأن إتيانهم المنكر وعدم تناهيهم عنه لمن أقبح ما كانوا يفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 80 - ترى كثيراً من بنى إسرائيل يتحالفون مع المشركين، ويتخذونهم أنصاراً يتعاونون فيما بينهم على حرب الإسلام. إن هذا الشر عمل ادخرته لهم أنفسهم، ليجدوا جزاءه غضباً من الله، وخلوداً فى عذاب جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 81 - ولو صحت عقيدة هؤلاء فى الإيمان بالله ورسوله محمد، وما أنزل إليه من القرآن لمنعهم ذلك الإيمان عن موالاتهم للكفار ضد المؤمنين، ولكن كثيراً من بنى إسرائيل عاصون خارجون عن الأديان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 82 - نؤكد لك - أيها النبى - أنك تجد أشد الناس حقداً وكراهية لك، ولمن آمن بك هم اليهود والذين أشركوا مع الله غيره فى العبادة، وتجد أن أقرب الناس مودة ومحبة لك هم أتباع عيسى الذين سموا أنفسهم نصارى، لأن فيهم قسيسين يعلمون دينهم، ورهباناً يخشون ربهم، ولأنهم لا يستكبرون عن سماع الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 83 - ولأنهم إذا سمعوا القرآن الذى أنزل على الرسول يتأثرون به، فتفيض عيونهم بالدمع، لمعرفتهم أن الذى سمعوه حق، فتميل إليه قلوبهم، وتنطلق ألسنتهم بالدعاء لله قائلين: ربنا آمنا بك وبرسلك، وبالحق الذى أنزلته عليهم، فتقبل إيماننا، واجعلنا من أمة محمد الذين جعلتهم شهداء وحُجة على الناس يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 84 - وأى مانع يمنعنا من أن نصدق بالله - وحده - وبما جاءنا من الحق المنزل على محمد؟ ونحن نرجو أن يدخلنا ربنا الجنة مع القوم الذين صلحت عقائدهم وأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 85 - فكتب الله لهم ثواباً لاعترافهم، هو جنات تجرى الأنهار تحت أشجارها وقصورها، وهم ماكثون فيها دائماً. وذلك الجزاء الذى نالوه هو جزاء كل محسن مثلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 86 - والذين جحدوا بالله ورسله. وأنكروا أدلته التى أنزلها عليهم هداية للحق هم - وحدهم - الملازمون للعذاب الشديد فى جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 87 - يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا على أنفسكم ما أحلَّ الله لكم من الطيبات، ولا تتجاوزوا الحدود التى شرعها الله لكم من التوسط فى أموركم، إن الله لا يحب المتجاوزين للحدود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 88 - وكلوا مما أعطاكم الله ويسَّره لكم، وجعله حلالا لكم تطيب به نفوسكم، واخْشَوْا الله دائماً وأطيعوه ما دمتم مؤمنين به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 89 - لا يعاقبكم الله بسبب ما لم تقصدوه من أيْمانكم، وإنما يعاقبكم بسبب الحنث فيما قصدتموه ووثَّقتموه من الأَيْمان، فإن حنثتم فيما حلفتم عليه فعليكم أن تفعلوا ما يغفر ذنوبكم بنقض اليمين، بأن تطعموا عشرة فقراء يوماً، مما جرت العادة بأن تأكلوه أنتم وأقاربكم الذين هم فى رعايتكم، من غير سَرَفٍ ولا تقتير. أو بأن تكسوا عشرة من الفقراء كسوة معتادة، أو بأن تحرروا إنساناً من الرق. فإذا لم يتمكن الحالف من أحد هذه الأمور فعليه أن يصوم ثلاثة أيام. وكل واحد من هذه الأمور يغفر به ذنب الحلف الموثق بالنية إذا نقضه الحالف. وصونوا أيْمانَكم فلا تضعوها فى غير موضعها، ولا تتركوا فعل ما يغفر ذنبكم إذا نقضتموها. على هذا النسق من البيان يشرح الله لكم أحكامه، لتشكروا نعمه بمعرفتها والقيام بحقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 90 - يا أيها المصَدّقون بالله وكتبه ورسله المذعنون للحق، ليس شرب المسكرات، ولا لعب القمار، ونصب الأحجار للذبح عندها تقرباً إلى الأصنام التى تعبدونها، واتخاذ السهام والحصى والورق للتعرف بها على مغيبات القدر. . ليس كل ذلك إلا خبثاً نفسياً باطلا، هو من تزيين الشيطان لفاعليه. . فاتركوه لكى تفوزوا فى الدنيا بحياة فاضلة، وفى الآخرة بنعيم الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 91 - إن الشيطان لا يريد بتزيينه لكم شرب الخمر ولعب الميسر إلا أن يوجد بينكم الخلاف والشقاق والكراهية، ليضعف أمركم بذهاب الألفة بينكم، وتفتيت وحدتكم، بسبب ما يزينه لكم من شرب المسكرات ولعب القمار، لكى يصرفكم عن عبادة الله، ويلهيكم عن أداء الصلاة، لتسوء آخرتكم كما ساءت دنياكم. فبعد علمكم هذه المفاسد ابتعدوا عما نهيتكم عنه، لتفوتوا على إبليس غرضه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 92 - وامتثلوا أمر الله وأمر رسوله فيما يبلغكم به عن ربه، وابتعدوا عما يعرضكم للعذاب إن خالفتم. لأنكم إن أعرضتم عن الاستجابة لما أمركم به، فتيقنوا أنه معاقبكم. وليس لكم عذر بعد أن بين لكم الرسول عاقبة المخالفين، وأنه ليس على رسولنا إلا إخباركم بأحكامنا، وتوضيحها كاملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 93 - ليس على الذين صدَّقوا بالله ورسوله وأتوا بصالح الأعمال إثم فيما يطعمون من حلال طيب، ولا فيما سبق أن طعموه من المحرمات قبل علمهم بتحريمها، إذا خافوا الله، وابتعدوا عنها بعد علمهم بتحريمها، ثم استمروا على خوفهم من الله، وتصديقهم بما شرعه لهم بعد من أحكام، ثم داوموا على خوفهم من الله فى كل حال وأخلصوا فى أعمالهم وأدُّوها على وجه الكمال، فإن الله يثيب المخلصين فى أعمالهم على قدر إخلاصهم وعملهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 94 - يا أيها الذين آمنوا: إن الله يختبركم فى الحج بتحريم بعض من الحيوان والطيور يسهل عليكم اصطياده بأيديكم ورماحكم، ليظهر الذين يراقبونه منكم فى غيبة من أعين الخلق. فالذين تجاوزوا حدود الله بعد بيانها يقع عليهم عذاب مؤلم شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 95 - يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وقد نويتم الحج والعمرة وتقومون بأعمالهما، ومن قتله منكم قاصداً، فعليه أن يؤدى نظير الصيد الذى قتله، يخرجه من الإبل والبقر والغنم. ويعرف النظير بتقدير رجلين عادلين منكم يحكمان به، ويهديه إلى الفقراء عند الكعبة، أو يدفع بدله إليهم، أو يخرج بقيمة المثل طعاماً للفقراء، لكل فقير ما يكفيه يومه، ليكون ذلك مسقطاً لذنب تعديه على الصيد، أو يصوم أياماً بعدد الفقراء الذين كانوا يستحقون الطعام لو أخرجه. وقد شرع ذلك ليحس المعتدى بنتائج جرمه وسوء عاقبته. عفا الله عما سبق لكم من المخالفة قبل تحريمها، ومن رجع إلى التعدى بعد العلم بتحريمه، فإن الله يعاقبه بما ارتكب، وهو غالب لا يُغْلَب، شديد العقاب لمن يصر على الذنب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 96 - أحل الله لكم أن تصيدوا حيوان البحار، وأن تأكلوا منه، وينتفع به المقيمون منكم والمسافرون، وحرَّم عليكم أن تصيدوا حيوان البر غير المستأنس، مما جرت العادة بعدم تربيته فى المنازل والبيوت، مدة قيامكم بأعمال الحج أو العمرة بالحرم، وراقبوا الله وخافوا عقابه، فلا تخالفوه، فإنكم إليه ترجعون يوم القيامة، فيجازيكم على ما تعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 97 - جعل الله الكعبة، وهى البيت الذى عظَّمه وحرَّم الاعتداء فيه على الإنسان والحيوان غير المستأنس وفيما حوله، جعله قائماً معظماً يأمن الناس فيه، ويتجهون إليه فى صلاتهم، ويحجون إليه ليكونوا فى ضيافة الله، وليعملوا على جمع شملهم، وكذلك جعل شهر الحج وما يهدى إلى الكعبة من الأنعام، وخاصة ما يوضع فى عنقه القلائد لإشعار الناظرين بأنه مهدى إلى البيت. ونتيجة القيام بذلك أن تستيقنوا أن علمه محيط بما فى السموات التى ينزل منها الوحى بالتشريع، ومحيط بما فى الأرض، فيشرع لمن فيها بما يقوم بمصالحهم. وإن علمه بكل شئ محيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 98 - اعلموا - أيها الناس - أن عذاب الله شديد ينزل بمن يستبيح حرماته، وأنه كثير المغفرة لذنوب من يتوب ويحافظ على طاعاته، واسع الرحمة بهم فلا يؤاخذهم حينئذ بما وقع منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 99 - ليس على الرسول إلا أن يبلغ للناس ما يوحى إليه لتقوم عليهم الحُجة، وينقطع عنهم العذر. فلتعملوا بما بلَّغه إليكم، فإن الله يعلم ما تظهرون وما تخفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 100 - قل - يا أيها النبى - للناس: لا يتساوى ما أباحه الله لكم من الطيبات، وما حرَّمه عليكم من الخبائث، فإن الفرق بينهما كبير عند الله، ولو كثر الخبيث وأعجب كثيراً من الناس. فاجعلوا - يا أصحاب العقول - طاعة الله وقاية لكم من عذابه باختيار الطيبات واجتناب الخبائث، لتكونوا من الفائزين فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 101 - يا أيها الذين آمنوا: لا تسألوا النبى عن أمور أخفاها الله عنكم لأنها إن تظهر لكم تسؤكم، وإن تسألوا النبى عنها - فى حياته إذ ينزل عليه القرآن - يبينها الله لكم، عفا الله عنكم فى هذه الأشياء فلا يعاقبكم عليها، والله كثير المغفرة واسع الحلم فلا يعجل بالعقوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 102 - قد سأل عن أمثال هذه الأمور الشاقة جماعة ممن سبقوكم، ثم بعد أن كلفوا بها على ألْسِنَةَ أنبيائهم ثقل عليهم تنفيذها، فأعرضوا عنها، وكانوا لها منكرين، لأن الله يريد اليسر ولا يريد العسر، ويكلف الناس ما يطيقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 103 - لم يأذن الله لكم أن تحرِّموا ما أحلَّه لكم، فتشقوا أذن الناقة، وتمتنعوا عن الانتفاع بها، وتسموها «بَحِيرة» ، وتتركوها بناء على نذر، وتسموها «سائبة» ، وتُحَرِّموا الذكر من الشاة، وتهبوه للأصنام، حتى إذا أنتجت الشاة ذكراً وأنثى سميتموها «وَصِيلة» ، ولم تذبحوا الذكر منها. ولم يشرع لكم أن تحرِّموا الانتفاع بالذكر من الإبل إذا ولد منه عشرة أبطن، وتطلقوا عليه اسم «حَام» ، لم يشرع الله لكم شيئاً من ذلك، ولكن الذين كفروا يختلقون الكذب وينسبونه إلى الله، وأكثرهم لا يعقلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 104 - وإذا قيل لهؤلاء الكافرين: تعالوا إلى ما أنزل الله من القرآن، وإلى ما بيّنه الرسول لنهتدى به قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا. أيصح أن يقولوا هذا؟ أو لو كان آباؤهم كالأنعام لا يعلمون شيئاً عن الحق، ولا يعرفون طريقاً إلى الصواب! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 105 - يا أيها الذين آمنوا احرصوا على إصلاح أنفسكم بطاعة الله، إنه لا يضركم ضلال غيركم، إذا كنتم على الهدى ودعوتم إلى الحق، وإلى الله - وحده - مرجعكم جميعاً يوم القيامة، فيخبركم بأعمالكم، ويجزى كلاً منكم بما قدم، فلا يؤاخذ أحداً بذنب غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 106 - يا أيها الذين آمنوا: حينما تظهر على أحد منكم علامة الموت ويريد أن يوصى بشئ، فالشهادة بينكم على الوصية، أن يشهد اثنان عادلان من أقاربكم، أو آخران من غيركم إذا كنتم فى سفر، وظهرت أمارات الموت، تحبسون هذين الشاهدين بعد أداء الصلاة التى يجتمع عليها الناس. فيحلفان بالله قائلين: لا نستبدل بيمينه عوضاً، ولو كان فيه نفع لنا أو لأحد من أقاربنا، ولا نخفى الشهادة التى أمرنا الله بأدائها صحيحة. إنا إذا أخفينا الشهادة أو قلنا غير الحق، لنكونن من الظالمين المستحقين لعذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 107 - فإذا ظهر أن الشاهدين قد كذبا فى شهادتهما. أو أخفيا شيئاً، فإن اثنين من أقرب المستحقين لتركة الميت، هما أحق أن يقفا مكان الشاهدين، بعد الصلاة ليظهرا كذبهما، فيحلفان بالله أن الشاهدين قد كذبا وأن يميننا أولى بالقبول من يمينهما، ولم نتجاوز الحق فى أيماننا، ولم نتهم الشاهدين زوراً، فإننا لو فعلنا ذلك نكون من الظالمين المستحقين عقاب من يظلم غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 108 - هذا التشريع أقرب الطرق إلى أن يؤدى الشهداء شهادتهم صحيحة محافظة على حلفهم بالله، أو خوفاً من فضيحتهم بظهور كذبهم، إذا حلف الورثة أيماناً لرد أيمانهم. وراقبوا الله فى أيمانكم وأماناتكم، وأطيعوا أحكامه راضين بها. فإن فيها مصالحكم، ولا تخالفوها فتكونوا من الخارجين على الله، فإن الله لا ينفع بإرشاده من خرج على طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 109 - وتذكروا يوم القيامة حين يجمع الله أمامه كلَّ الرسل ويسألهم قائلا لهم: ماذا أجابتكم به أممكم الذين أرسلتكم إليها، أبالإيمان أم بالإنكار؟ والأمم حينئذ حاضرة لتقوم عليهم الحُجة بشهادة رسلهم، بأننا لا نعلم ما كان بعدنا من أمر من أرسلنا إليهم، وأنت - وحدك - الذى تعلم ذلك، لانك الذى أحاط علمه بالخفايا كما أحاط بالظواهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 110 - وفى ذلك الوقت ينادى الله عيسى ابن مريم من بين الرسل فيقول له: اذكر ما أنعمت به عليك وعلى أمك فى الدنيا، حينما ثَبَّتُك بالوحى وأنطقتك وأنت رضيع بما يُبَرِّئُ أمك مما اتُّهمت به، كما أنطقتك وأنت كبير بما قد أوحيت إليك، وحينما أنعمت عليك بتعليمك الكتاب، ووفقتك للصواب من القول والعمل، وعلمتك كتاب موسى والإنجيل الذى أنزلته عليك، وأقدرتك على معجزات تخرج عن طوق البشر، حيث تتخذ من الطين صورة الطير بإذن الله، فتنفخ فيها فتصبح طائراً حَياً بقدرة الله لا بقدرتك، وتشفى من العمى من وُلِدَ أعمى، وتشفى الأبرص من برصه بإذن الله وقدرته، وحينما يجرى على يديك إحياء الموتى بإذن الله وقدرته، وحينما منعت اليهود من قتلك وصلبك عندما أتيتهم بالمعجزات ليؤمنوا، فأعرض فريق منهم، وادعوا أن ما أظهرته من المعجزات ما هو إلا من قبيل السحر الواضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 111 - واذكر - أيها الرسول - لأمتك ما حدث فى الماضى حين ألهمنا جماعة ممن دعوناهم أن يؤمنوا بالله وبرسوله عيسى فاستجابوا له، وصاروا من خاصة أصحابه، وقالوا: آمنا واشهد يا ربنا بأننا مخلصون منقادون لأوامرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 112 - اذكر - أيها النبى - ما حدث حين قال أتباع عيسى المخلصون: يا عيسى ابن مريم، هل يجيبك ربك إذا طلبت منه أن ينزل علينا طعاماً من السماء؟ قال لهم عيسى رداً عليهم: إن كنتم مؤمنين بالله فخافوه، وأطيعوا أوامره ونواهيه، ولا تطلبوا حُججاً غير التى قدمتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 113 - قالوا: إننا نريد أن نأكل من هذه المائدة لتطمئن قلوبنا بما نؤمن به من قدرة الله، ونعلم عن معاينة أنك قد صدقتنا فيما أخبرتنا عنه سبحانه، ونشهد لك بهذه المعجزة عند من لم يشاهدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 114 - فاستجاب لهم عيسى وقال: يا ربنا ومالك أمرنا، أنزل علينا مائدة من السماء يكون يوم نزولها عيداً للمؤمنين منا، المتقدمين والمتأخرين، ولتكون معجزة تؤيد بها دعوتك، وارزقنا رزقاً طيباً، وأنت خير الرازقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 115 - قال الله له: إنى سأنزل المائدة عليكم من السماء، فأى امرئ منكم يجحد هذه النعمة بعد إنزالها، فإنى أعاقبه عقاباً لا أعاقب بمثله أحداً من الناس، لأنه كفر بعدما شاهد دليل الإيمان الذى اقترحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 116 - واذكر - أيها النبى - ما سيحدث يوم القيامة، حين يقول الله لعيسى ابن مريم قولا يعلن الحق: أأنت الذى قلت لهم: اجعلونى أنا وأمى إلهين، تاركين إفراد الله بالعبودية؟ قال عيسى: أنزهك تنزيهاً تاماً عن أن يكون لك شريك، ولا يصح لى أن أطلب طلباً ليس لى أدنى حق فيه. لو كنت قلت ذلك لعلمته، لأنك تعلم خفايا نفسى، فضلا عن مظاهر قولى، ولا أعلم ما تخفيه عنى، - إنك وحدك - صاحب العلم المحيط بكل خفى وغائب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 117 - ما قلت لهم: إلا ما أمرتنى بتبليغه لهم. قلت لهم: اعبدوا الله - وحده - فإنه مالك أمرى وأمركم. وكنت أعلم حالهم وأنا موجود بينهم، فلما انتهى أجل إقامتى الذى قَدَّرته بينهم، كنت أنت - وحدك - المطلع عليهم، وأنت مطلع على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 118 - إن تعذبهم بما فعلوا فإنهم عبادك تتصرف فيهم كما تريد، وإن تعف عنهم، فإنك - وحدك - القاهر الذى لا يغلب، ذو الحكمة البالغة فى كل ما يصدر عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 119 - يقول الله: هذا هو اليوم الذى ينفع فيه الصادقين صدقُهم، لهم حدائق تجرى تحت أشجارها الأنهار، وهم مقيمون فيها لا يخرجون منها أبداً، يتمتعون فيها برضوان الله عنهم ورضاهم بثوابه، وذلك النعيم هو الفوز العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 120 - لله - وحده - ملك السموات والأرض وما فيهن، فهو - وحده - المستحق للعبادة، وهو ذو القدرة التامة على تحقيق كل ما يريد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 1 - الثناء والذكر الجميل لله، الذى خلق السموات والأرض، وأوجد الظلمات والنور لمنفعة العباد بقدرته وعلى وفق حكمته، ثم مع هذه النعم الجليلة يشرك به الكافرون، ويجعلون شريكاً فى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 2 - هو الذى بدأ خلقكم من طين، ثم قدر لحياة كل منكم زمناً ينتهى بموته والأجل عنده - وحده - المحدد للبعث من القبور. ثم إنكم - أيها الكافرون - بعد هذا تجادلون فى قدرة الله على البعث، واستحقاقه - وحده - للعبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 3 - وهو - وحده - المستحق للعبادة فى السموات والأرض، يعلم ما أخفيتموه وما أظهرتموه، ويعلم ما تفعلون فيجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 4 - ولا يؤتى المشركون بدليل من أدلة خالقهم، التى تشهد بوحدانيته وصدق رسله، إلا كانوا منصرفين عنه، لا يتأملون فيه ولا يعتبرون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 5 - فقد كذبوا بالقرآن حين جاءهم، وهو حق لا يأتيه الباطل. فسوف يحل بهم ما أخبر به القرآن من عقاب الدنيا وعذاب الآخرة، ويتبين لهم صدق وعيده الذى كانوا يسخرون منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 6 - ألم يعلموا أننا أهلكنا أُمماً كثيرة قبلهم، أعطيناهم من أسباب القوة والبقاء فى الأرض ما لم نعطكم إياه - أيها الكافرون - ووسعنا عليهم فى الرزق والنعيم، فأنزلنا عليهم الأمطار غزيرة ينتفعون بها فى حياتهم، وجعلنا مياه الأنهار تجرى من تحت قصورهم، فلم يشكروا هذه النعم. فأهلكناهم بسبب شركهم وكثرة ذنوبهم، وأوجدنا - من بعد - أناساً غيرهم خيراً منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 7 - ولو أنزلنا عليك - أيها النبى - دليل رسالتك مكتوباً فى ورق، فرأوه بأعينهم، وتأكدوا منه بوضع أيديهم عليه، لقالوا - تعنتاً -: ما هذا الذى نلمسه إلاّ سحر ظاهر!! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 8 - وقالوا: نطلب أن ينزل الله عليك ملكاً يصدقك. ولو استجبنا لهم، وأرسلنا معه ملكاً كما اقترحوا، ثم عاندوا ولم يؤمنوا. لنفذ الأمر بإهلاكهم، ثم لا يمهلون لحظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 9 - ولو جعلنا المؤيد للرسول ملكاً كما طلبوا، لجعلناه على هيئة بشر، حتى يستطيعوا مشاهدته والفهم عنه، فإنهم لا يقدرون على رؤية الملك فى صورته الأصلية، ولاشتبه عليهم الأمر واختلط بإرساله فى صورة بشر، وأوقعناهم فى نفس الخطأ الذى يتخبطون فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 10 - ولقد سَخِرَ الكفار كثيراً برسل من قبلك - أيها النبى - فأحاط بالساخرين العذاب الذى أنذرهم به رسلهم، وقد جعلوه موضع سخريتهم من قبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 11 - قل - أيها النبى - لهؤلاء الكفار: سيروا فى جوانب الأرض وتأملوا كيف كان الهلاك نهاية المكذبين لرسلهم فاعتبروا بهذه النهاية وذلك المصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 12 - قل - أيها النبى - لهؤلاء الجاحدين: مَنْ مَالِك السموات والأرضِ ومن فيهن؟ فإن أحجموا فقل الجواب الذى لا جواب غيره: إن مالكها هو الله - وحده - لا شريك له، وأنه أوجب على نفسه الرحمة بعباده، فلا يعجل عقوبتهم، ويقبل توبتهم، إنه ليحشرنكم إلى يوم القيامة الذى لا شك فيه. الذين ضيعوا أنفسهم وعرّضوها للعذاب فى هذا اليوم، هم الذين لا يصدقون بالله، ولا بيوم الحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 13 - ولله ما فى كل زمان، كما أن له ما فى كل مكان، وهو السميع لكل ما يسمع، العليم بكل ما يُعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 14 - قل - أيها النبى -: لا أتخذ غير الله إلهاً وناصراً، وهو - وحده - المنشئ للسموات والأرض على نظام لم يسبق إليه، وهو الرازق لعباده طعامهم، ولا يحتاج منهم إلى طعام. قل: إنى أمرنى الله أن أكون أول من أسلم، ونهانى أن أشرك معه غيره فى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 15 - قل: إنى أخاف، إن خالفت أمر ربى وعصيته، عذاب يوم شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 16 - من يُصرف عنه هذا العذاب يوم القيامة، فقد رَحِمَهُ اللَّهُ، وذلك هو الفوز الثابت البيّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 17 - وإن يصبك الله بسوء فلا كاشف له إلا هو، وإن يمنحك خيراً فلا راد لفضله، لأنه على كل شئ قدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 18 - وهو الغالب بقدرته، المستعلى على عباده، المتصف بالحكمة فى كل ما يفعل، المحيط علمه بما ظهر واستتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 19 - قل - أيها النبى - لمن يكذبوك ويطلبون شهادة على رسالتك، أى شئ أعظم شهادة وأحق بالتصديق؟ ثم قل: إن الله أعظم شاهد بينى وبينكم على صدق ما جئتكم به، وقد أنزل علىّ هذا القرآن ليكون حُجّة لصدقى، لأحذركم به أنتم وكل من بلغه خبره، وهو حُجة قاطعة شاهدة بصدقى، لأنكم لا تستطيعون أن تأتوا بمثله!! سلهم: أأنتم الذين تقولون معتقدين أن مع الله آلهة غيره؟ ثم قل لهم: لا أشهد بذلك، ولا أقوله، ولا أقركم عليه، وإنما المعبود بحق إله واحد، وإننى برئ مما تشركون به من أوثان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 20 - الذين آتيناهم الكتب السماوية من اليهود والنصارى، يعرفون محمداً وصدق رسالته، من هذه الكتب، كمعرفتهم أبناءهم. إن الذين ضيعوا أنفسهم، لا يقرون بما يعرفون، فهم لا يؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 21 - وليس أحد أشد ظلماً لنفسه وللحق ممن افترى على الله الكذب، وادعى أن له ولداً أو شريكاً، أو نسب إليه ما لا يليق، أو أنكر أدلته الدالة على وحدانيته وصدق رسله. إن الظالمين لا يفوزون بخير فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 22 - واذكر لهم ما سيحصل يوم نجمع الخلق كلهم للحساب، ثم نقول توبيخاً للذين عبدوا مع الله غيره: أين الذين جعلتموهم شركاء لله لينفعوكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 23 - ثم لم تكن نتيجة محنتهم الشديدة فى هذا الموقف إلا محاولة التخلص من شركهم السابق بالكذب، فقالوا كاذبين: والله ربنا ما أشركنا فى العبادة أحداً غيرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 24 - انظر كيف غالطوا أنفسهم بهذا الكذب، وغاب عنهم ما كانوا يختلقونه من عبادة الأحجار ويزعمونها شركاء لله! { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 25 - ومنهم من يستمع إليك حين تتلو القرآن، لا ليتفهموه، وليهتدوا به، وإنما ليتلمسوا سبلا للطعن فيه والسخرية منه. وقد حرمناهم بسبب ذلك من الانتفاع بعقولهم وأسماعهم، كأن عقولهم فى أغطية تحجب عنهم الإدراك الصحيح، وكأن فى آذانهم صمماً يحول دون سماع آيات القرآن، وإن يروا كل دليل لا يؤمنون به، حتى إذا جاءوك ليجادلوك بالباطل يقول الذين كفروا مدفوعين بكفرهم: ما هذا إلا أباطيل سطرها من قبلك الأولون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 26 - وهم ينهون الناس عن الإيمان بالقرآن، ويبتعدون عنه بأنفسهم، فلا ينتفعون ولا يدعون غيرهم ينتفع} وما يضرون بذلك الصنيع إلا أنفسهم، وما يشعرون بقبح ما يفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 27 - ولو ترى - أيها النبى - هؤلاء الكفار وهم واقفون على النار يعانون أهوالها، لرأيت أمراً غريباً رهيباً، إذ يتمنون الرجوع إلى الدنيا، ويقولون: يا ليتنا نرد إليها لنصلح ما أفسدنا، ولا نكذب بآيات ربنا، ونكون من المؤمنين { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 28 - وليس قولهم هذا، إلا لأنه قد ظهر لهم ما لا يمكن إخفاؤه والمكابرة فيه، مما كان يخبرهم به الرسول} ولو ردّوا إلى الدنيا كما يتمنون، لعادوا إلى الكفر الذى نهاهم الله عنه، لغرورهم بزخرفها وإطاعة أهوائهم {وإنهم لكاذبون فى دعواهم الإيمان إذا ردوا إلى الدنيا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 29 - ولو أعيدوا إلى الدنيا لعادوا إلى سيرتهم الأولى وقالوا: ليس لنا حياة إلا هذه الحياة الدنيا. وما نحن بعد ذلك بمبعوثين { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 30 - لو تراهم حين يقفون للحساب أمام ربهم، ويعرفون صدق ما أنزله على رسله، لرأيت سوء حالهم إذ يقول الله لهم: أليس هذا الذى تشاهدونه الآن هو الحق الذى أنكرتموه فى دنياكم؟ فيقولون متذللين: بلى وربنا إنه الحق} فيقول الله لهم بعد ذلك: ادخلوا النار بسبب ما كنتم حريصين عليه من الكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 31 - قد خسر الذين أنكروا لقاء الله للحساب والجزاء يوم القيامة، وظلّوا على إنكارهم، حتى إذا فاجأتهم مشاهد يوم القيامة ندموا وقالوا: يا حسرتنا على إهمالنا اتباع الحق فى الدنيا {وهم يومئذٍ يرزحون تحت أعباء ذنوبهم. ألا قُبْحُ ما يحملون من الذنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 32 - وليست الحياة الدنيا التى حسب الكفار أنه لا حياة غيرها، والتى لا يقصد بالعمل فيها مرضاة الله، إلا لعباً لا نفع فيه، ولهواً يتلهى به} ! وان الدار الآخرة لهى الحياة الحقيقية، وهى أنفع للذين يخافون الله فيمتثلون أمره. أفلا تعقلون هذا الأمر الواضح؟ ، أفلا تفهمون ما يضركم ولا ينفعكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 33 - إننا نعلم أنه ليحزنك أيها النبى ما يقوله الكفار تكذيباً لك، فلا تحزن من ذلك. لأن الحقيقة أنهم لا يتهمونك بالكذب، ولكنهم لظلمهم لأنفسهم وللحق يكابرون، فينكرون بألسنتهم دلائل صدقك، وعلامات نبوتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 34 - ولقد قوبل رسل من قبلك بالتكذيب والإيذاء من أقوامهم، كما فعل معك قومك، فصبروا على التكذيب والإيذاء حتى نصرناهم، فاصبر كما صبروا حتى يأتيك نصرنا، ولا مغير لوعد الله بنصر الصابرين، فلا بد من تحققه. ولقد قصصنا عليك من أخبار هؤلاء الرسل وتأييدنا لهم، ما فيه تسلية لك، وما توجبه الرسالة من تحمل الشدائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 35 - وإن كان قد شق عليك انصرافهم عن دعوتك، فإن استطعت أن تتخذ طريقاً فى باطن الأرض، أو سلماً تصعد به إلى السماء، فتأتيهم بدليل على صدقك، فافعل. وليس فى قدرتك ذلك. فأرح نفسك واصبر لحكم ربك، ولو شاء الله هدايتهم لحملهم جميعاً على الإيمان بما جئت به قسراً وقهراً، ولكنه تركهم لاختيارهم فلا تكونن من الذين لا يعلمون حكم الله وسنته فى الخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 36 - إنما يجيب دعوة الحق مقبلين عليه، الذين يسمعون سماع فهم وتدبر. وأما هؤلاء فلا ينتفعون بدعوتك، لأنهم فى حكم الأموات. وسيبعثهم الله يوم القيامة من القبور، ويرجعهم إليه، فيحاسبهم على ما فعلوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 37 - وقال الكفار متعنتين: نطلب أن ينزل على محمد دليل مادى من ربه يشهد بصدق دعوته. قل لهم أيها النبى: إن الله قادر على أن ينزل أى دليل تقترحونه. ولكن أكثرهم لا يعلمون حكمة الله فى إنزال الآيات، وأنها ليست تابعة لأهوائهم، وأنه لو أجاب مقترحاتهم ثم كذبوا بعد ذلك لأهلكهم، ولكن أكثرهم لا يعلمون نتائج أعمالهم!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 38 - وإن أقوى دليل على قدرة الله وحكمته ورحمته، أنه خلق كل شئ، وليس فى الأرض حيوان يدب فى ظاهر الأرض وباطنها، أو طائر يطير بجناحيه فى الهواء، إلا خلقها الله جماعات تماثلكم، وجعل لها خصائصها ومميزاتها ونظام حياتها. ما تركنا فى الكتاب المحفوظ عندنا شيئاً إلا أثبتناه. وإن كانوا قد كذبوا، فيحشرون مع كل الأمم للحساب يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 39 - والذين لم يصدقوا بأدلتنا الدالة على قدرتنا وصدق رسالتك، لم ينتفعوا بحواسهم فى معرفة الحق، فتخبطوا فى ضلال الشرك والعناد، تخبط الأصم الأبكم فى ظلمات الليل، لا نجاة له من الهلاك. ولو كان فى هؤلاء استعداد للخير لوفقهم الله إليه، فإنه سبحانه إذا أراد إضلال إنسان لفساد قصده، تركه وشأنه، وإذا أراد هدايته لسلامة قصده، يسر له السير فى طريق الإيمان الواضح المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 40 - قل أيها النبى لهؤلاء الكفار: أخبرونى إن جاءكم عذاب من عند الله فى الدنيا أو جاءتكم القيامة بأهوالها، هل تتجهون لغير الله تضرعون إليه فى هذا الوقت فينفعكم شيئاً، إن كنتم صادقين فى عبادتكم لغير الله؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 41 - بل إنكم لا تتجهون إلا إليه، إذ تدعونه فيكشف عنكم ما تطلبون كشفه إن شاء. وفى حال هذه الشدة، تنسون من تجعلونهم لله شركاء!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 42 - لا يشق عليك - أيها النبى - ما تلاقيه من قومك. فلقد بعثنا قبلك رسلا إلى أمم كثيرة قبل أمتك. فكذبوهم، فعاقبناهم بالشدائد تنزل بهم، وبما يضرهم فى أبدانهم، لعلهم يخشعون ويرجعون إلى الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 43 - وكان ينبغى لهم أن يرجعوا إلى ربهم، ولكنهم لم يفعلوا، بل استمرت قلوبهم على قسوتها، وزين لهم الشيطان عملهم القبيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 44 - فلما تركوا الاتعاظ بما ابتليناهم من الفقر والمرض، ابتليناهم بعد ذلك بالرزق الواسع، ففتحنا عليهم أبواب كل شئ من أسباب الرزق، حتى إذا فرحوا بما أنعمنا به عليهم، ولم يشكروا الله عليه، جاءهم العذاب فجأة، فإذا هم متحيّرون يائسون، لا يجدون للنجاة سبيلا { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 45 - فأبيد هؤلاء القوم الظالمون عن آخرهم. والحمد لله مربى الخلق بالنقم والنعم، ومطهر الأرض من فساد الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 46 - قل لهم - أيها النبى -: أخبرونى إن سلب الله سمعكم، وغطى قلوبكم بما يحجبها عن الإدراك، فجعلكم صماً عمياً لا تفهمون شيئاً، مَنْ تعبدون غير الله. من إله يستطيع أن يرد إليكم ما سلبه الله منكم؟ انظر - أيها النبى - كيف نوضح البراهين وننوعها، ثم هم مع هذا يعرضون عن تدبرها والانتفاع بها} ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 47 - قل: أخبرونى إن حل بكم عذاب الله فجأة دون توقع، أو جاءكم عيانا على ترقب، لسبق ما ينذركم بوقوعه، هل يصيب هذا العذاب إلا القوم الذين ظلموا أنفسهم بالإصرار على الشرك والضلال؟ أنه لا يصيب غيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 48 - وما نرسل الأنبياء إلا ليبشروا من يؤمن بالخير والثواب، وليحذروا من يكفر من العذاب. فمن آمن بدعوتهم وعمل صالحاً، فلا خوف عليهم من شر يصيبهم، ولا يحزنون على خير يفوتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 49 - والذين كذبوا بالأدلة الواضحة على صدق ما جاء به الرسل، يصيبهم العذاب بسبب خروجهم عن الطاعة والإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 50 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء الكفار: لا أقول لكم إنى أملك التصرف بما يملكه الله فأجيبكم إلى ما تطلبون، ولا أدعى علم الغيب الذى لم يطلعنى الله عليه، ولا أقول إنى ملك أستطيع الصعود إلى السماء! إنما أنا بشر لا أتبع إلا ما يوحيه الله إلى. قل - أيها النبى -: هل يستوى الضال والمهتدى فى معرفة هذه الحقائق؟ هل يليق بكم أن تعرضوا عن هدى أسوقه لكم، فلا تتأملون فيه بعقولكم حتى يتبين لكم الحق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 51 - وحذّر - بما فى هذا القرآن - الذين يخافون من هول يوم تسوقهم فيه الملائكة للحساب والجزاء، حيث لا ناصر لهم ولا شفيع إلا بإذن الله، ليبتعدوا عما يغضب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 52 - ولا تستجب - أيها النبى - لدعوة المتكبرين من الكفار، فتُبعد عنك المستضعفين من المؤمنين، الذين يعبدون ربهم دائماً، ولا يريدون إلا رضاه. ولا تلتفت لدس المشركين على هؤلاء المؤمنين، فلست مسئولا أمام الله عن شئ من أعمالهم، كما أنهم ليسوا مسئولين عن شئ من أعمالك، فإن استجبت لهؤلاء الكفار المتعنتين، وأبعدت المؤمنين، كنت من الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 53 - وبمثل هذا الابتلاء الذى جرت به سُنَّتنا، امتحنا المتكبرين بسبق الضعفاء إلى الإسلام، ليقول المتكبرون مستنكرين ساخرين، هل هؤلاء الفقراء هم الذين أنعم الله عليهم من بيننا بالخير الذى يعدهم به محمد؟ إن هؤلاء الفقراء يعرفون نعمة الله عليهم بالتوفيق إلى الإيمان فيشكرونه. والله أعلم بمن يشكرون فضله ونعمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 54 - وإذا جاءك الذين يصدقون بالقرآن فقل لهم تكريماً لهم: سلام عليكم، أبشركم برحمة الله الواسعة، التى أوجبها على نفسه تفضلا منه، والتى تقضى بأن من عمل منكم سيئة غير متدبر نتائجها، ثم رجع إلى الله نادماً تائباً، وأصلح أعماله، غفر الله له، لأنه كثير المغفرة واسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 55 - وبمثل ذلك البيان الواضح نوضح الدلائل المتنوعة، ليظهر طريق الحق الذى يسلكه المؤمنون، ويتبين طريق الباطل الذى يسلكه الكافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 56 - قل - أيها النبى - لهؤلاء الكفار: إن الله قد نهانى عن عبادة الذين تعبدونهم من دون الله فلا أتبع أهواءكم، فإنى حين أتبعكم أكون قد انحرفت عن الحق، ولم أكن من المهتدين! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 57 - قل لهم: إنى على شريعة واضحة منزلة من ربى وقد كذبتم القرآن الذى جاء بها، وليس فى قدرتى أن أقدم ما تستعجلونه من العذاب، بل هو فى قدرة الله، ومرهون بإرادته وحكمته، وليس الأمر والسلطان إلا لله، إن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء أخره، له سبحانه فى ذلك الحكمة، وهو خير الفاصلين بينى وبينكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 58 - قل: لو أن فى قدرتى إنزال العذاب الذى تتعجلونه، لأنزلته عليكم غضبا لربى، وانتهى الأمر بينى وبينكم بذلك، ولكن الأمر لله وهو أعلم بما يستحقه الكافرون من العذاب العاجل أو الآجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 59 - وعند الله علم جميع أبواب المغيبات، لا يحيط بها علماً إلا هو ومن يريد إعطاءه بعضها، ويحيط علمه كذلك بجميع الموجودات فى البر والبحر ولا تسقط ورقة - أيَّة ورقة كانت - إلا يعلمها، ولا تسقط حبة ما فى باطن الأرض ولا شئ رطب ولا يابس، إلا وهو سبحانه محيط بعلمه إحاطة تامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 60 - وهو الذى ينيمكم بالليل، ويوقظكم بالنهار، ويعلم ما كسبتم فيه حتى ينتهى أجل كل منكم فى الدنيا بموته، ثم يوم القيامة ترجعون جميعاً إلى الله - وحده - يخبركم بأعمالكم فى الدنيا من خير أو شر، ويجازيكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 61 - هو الغالب بقدرته، المستعلى بسلطانه على عباده، والذى يرسل عليكم ملائكة يحصون كل أعمالكم إلى أن تجئ نهاية كل منكم، فتقبض روحه ملائكتنا الذين نرسلهم لذلك، وهم لا يقصرون فيما يوكل إليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 62 - ثم يُبعث هؤلاء الأموات يوم القيامة، ويوقفون أمام ربهم الذى يتولى وحده أمورهم بحق. اعلموا أن له - وحده - الفصل بين الخلائق وحسابهم فى ذلك اليوم، وهو أسرع من يتولى الحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 63 - قل - أيها النبى - للمشركين: من الذى ينقذكم من أهوال البر والبحر، إذا حلت بكم، فلجأتم إليه تدعونه فى خضوع ظاهر وباطن قائلين: نقسم لئن أنقذتنا من هذه الأهوال لنكونن من المقرين بفضلك، القائمين بشكرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 64 - قل: الله - وحده - هو الذى ينقذكم من هذه الأهوال، ومن كل شدة أخرى، ثم أنتم مع ذلك تشركون معه فى العبادة غيره مما لا يدفع شراً ولا يجلب خيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 65 - قل: إن الله - وحده - هو الذى يقدر على أن يرسل عليكم عذاباً يأتيكم من أعلاكم أو من أسفلكم. أو يجعل بعضكم لبعض عدواً. وتكونون طوائف مختلفة الأهواء متناكرة، يعذب بعضكم بعضا عذاباً شديداً! {انظر كيف دلت الدلائل على قدرتنا واستحقاقنا وحدنا للعبادة، لعلهم يتأملونها ويفهمون الحق} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 66 - وكذب قومك بالقرآن، وهو الحق الذى لا موضع فيه لتكذيب قل أيها النبى لهم: لست موكلا بحفظكم، وإحصاء أعمالكم ومجازاتكم عليها. بل أمركم فيها إلى الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 67 - لكل خبر جاء به القرآن وقت يتحقق فيه. وسوف تعلمون - صِدْق - هذه الأخبار عند وقوعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 68 - وإذا حضرت مجلس الكفار، ووجدتهم يطعنون فى آيات القرآن، أو يستهزئون بها، فانصرف عنهم حتى ينتقلوا إلى حديث آخر. وإن نسيت وجالستهم فى أثناء حديثهم الباطل. ثم تذكرت أمر الله بالبعد عنهم. فلا تجلس بعد التذكر مع القوم الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 69 - وليس على الذين يتقون الله شئ من إثم هؤلاء الظالمين، إذا استمروا على ضلالهم، ولكن يجب أن يُذكِّروهم، لعلهم يخشون عذاب الله ويكفون عن الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 70 - واترك - أيها النبى - الذين اتخذوا شريعتهم اللهو واللعب، وخدعتهم الحياة الدنيا عن الآخرة، وذَكِّر دائماً بالقرآن، وحذرهم هول يوم تحبس فيه كل نفس بعملها، حيث لا ناصر ولا معين غير الله، وإن كل فدية للنجاة من العذاب لا تقبل. أولئك الكافرون الذين حبسوا فى العذاب بسبب ما عملوا من شر، لهم فى جهنم شراب من ماء شديد الحرارة، وعذاب شديد الألم بسبب كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 71 - قل لأولاء الكفار توبيخاً لهم، هل يصح أن يعبد غير الله مما لا يملك جلب نفع، ولا دفع ضر، وننتكس فى الشرك بعد أن وفقنا الله إلى الإيمان، ونكون كالذى غررت به الشياطين وأضلته فى الأرض، فصار فى حيرة لا يهتدى معها إلى الطريق المستقيم، وله رفقة مهتدون يحاولون تخليصه من الضلال، قائلين له: ارجع إلى طريقنا السوى، فلا يستجيب لهم. قل - أيها النبى -: إن الإسلام هو الهدى والرشاد، وما عداه ضلال، وقد أمرنا الله بالانقياد له، فهو خالق العالمين ورازقهم ومدبر أمورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 72 - أعرضوا عن المشركين بعد أن تدعوهم إلى الهدى، وانصرفوا إلى عبادة ربكم، وأدوا الصلاة على أكمل وجه من الخضوع، وخافوا الله، وأدوا أوامره، فإنه هو الذى تجمعون عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 73 - وهو الله وحده الذى خلق السموات والأرض، وأقام خلقهما على الحق والحكمة، وفى أى وقت تتجه إرادته سبحانه إلى إيجاد شئ يوجد فوراً، يوجد الأشياء بكلمة: «كن» ، وكل قول له هو الصدق والحق، وله وحده التصرف المطلق يوم القيامة، حين يُنْفَخ فى البوق إيذاناً بالبعث، وهو سبحانه الذى يستوى فى علمه الغائب والحاضر، وهو الذى يتصرف بالحكمة فى جميع أفعاله، والذى يحيط علمه ببواطن الأمور وظواهرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 74 - واذكر - أيها النبى - ما كان، حين قال إبراهيم لأبيه آزر، منكراً عليه عبادة غير الله: ما كان لك أن تجعل الأصنام آلهة؟ إنى أراك وقومك الذين يشاركونك فى هذه العبادة فى بُعْدٍ واضح عن طريق الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 75 - وكما رأى إبراهيم - بتوفيقنا - ضلال أمته وقومه فى تأليه الأصنام نريه مُلكنا العظيم للسموات والأرض وما فيهما، ليقيم الحُجة على قومه، وليزداد إيماناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 76 - طلب إبراهيم ربه، فهداه الله، إذ ستر الليل وجه النهار بظلمته، فرأى نجماً متألقاً، قال: هذا ربى. فلما غاب، قال مبطلا لربوبية النجم: لا أقبل عبادة الآلهة الزائلين المتغيرين! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 77 - وحين رأى القمر طالعاً بعد ذلك قال محدثاً نفسه: هذا ربى. فلما غاب هو الآخر، وظهر بطلان ربوبيته، قال ليوجه نفوسهم إلى التماس الهداية: أقسم إن لم يهدنى ربى إلى الحق لأكونن من القوم الحائرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 78 - ثم رأى الشمس طالعة بعد ذلك، فقال محدثاً نفسه: هذا ربى، لأنه أكبر ما يرى من الكواكب، فلما غابت قال: يا قوم إنى برئ من الأصنام التى تشركونها مع الله فى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 79 - بعد أن رأى ضعف المخلوقات اتجه إلى خالقها قائلا: إنى وجهت قصدى إلى عبادة الله - وحده - الذى خلق السموات والأرض، مجانباً كل سبيل غير سبيله وما أنا بعد الذى رأيت من دلائل التوحيد - ممن يرضى أن يكون من المشركين مثلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 80 - ومع ذلك جادله قومه فى توحيد الله، وخوفوه غضب آلهتهم، فقال لهم: ما كان لكم أن تجادلونى فى توحيد الله وقد هدانى إلى الحق، ولا أخاف غضب آلهتكم التى تشركونها مع الله، لكن إذا شاء ربى شيئاً من الضر وقع ذلك، لأنه - وحده - القادر، وقد أحاط علم ربى بالأشياء كلها، ولا علم لآلهتكم بشئ منها. أتغفلون عن كل ذلك فلا تدركون أن العاجز الجاهل لا يستحق أن يعبد؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 81 - وكيف تتصورون أنى يمكن أن أخاف آلهتكم الباطلة، على حين لا تخافون الإله الحق الذى أشركتم به غيره فى العبادة؟} فأى فريق منا فى هذه الحالة أحق بالطمأنينة والأمان، إن كنتم تعلمون الحق وتدركونه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 82 - الذين آمنوا بالله، ولم يخلطوا إيمانهم هذا بعبادة أحد سواه، هؤلاء - وحدهم - هم الأحق بالطمأنينة، وهم - وحدهم - المهتدون إلى طريق الحق والخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 83 - وتلك الحُجة العظيمة على ألوهيتنا ووحدانيتنا، أعطيناها إبراهيم ليقيمها على قومه، فارتفع بها عليهم، وسنتنا فى عبادنا أن نرفع بالعلم والحكمة من نريد منهم درجات. إن ربك - أيها النبى - حكيم يضع الشئ فى موضعه، عليم بمن يستحق الرفعة ومن لا يستحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 84 - ووهبنا لإبراهيم إسحق ويعقوب بن إسحق، ووفقنا كلا منهما إلى الحق والخير كأبيهما، ووفقنا من قبلهم نوحاً إلى ذلك، وهدينا من ذرية نوح داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، وكما جزينا هؤلاء نجزى المحسنين بما يستحقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 85 - وهدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، كل واحد من هؤلاء من عبادنا الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 86 - وهدينا إسماعيل وإليسع ويونس ولوطا، وفضلنا كل واحد من هؤلاء جميعاً على العالمين فى زمانه، بالهداية والنبوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 87 - واصطفينا بعض آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم، ووفقناهم إلى طريق لا اعوجاج فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 88 - ذلك التوفيق العظيم الذى ناله هؤلاء، هو توفيق من الله، يوفق إليه من يشاء من عباده. ولو أشرك هؤلاء المختارون لضاعت كل أعمال الخير التى يعملونها، فلا يكون عليها ثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 89 - أولئك الذين آتيناهم الكتب المنزلة والعلم النافع وشرف النبوة، فإن يجحد بهذه الثلاثة مشركو مكة فقد عهدنا برعايتها والانتفاع بها إلى قوم لا يكفرون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 90 - أولئك الذين وفقهم الله إلى طريق الحق والخير، فاتبعهم فيما اجتمعوا عليه من أصول الدين وأمهات الفضائل، ولا تسلك غير سبيلهم. . قل - أيها النبى - لقومك كما قال هؤلاء لأقوامهم: لا أطلب منكم على تبليغ كلام الله أجراً {ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين، ولا غاية لى إلا أن تنتفعوا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 91 - هؤلاء الكفار لم يقدروا الله ورحمته وحكمته حق التقدير، إذ أنكروا أن تنزل رسالته على أحد من البشر} قل - أيها النبى - للمشركين ومن يشايعهم على ذلك من اليهود: من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نوراً يضئ، وهدى يرشد؟ إنكم - أيها اليهود - تجعلون كتابته فى أجزاء متفرقة تظهرون منها ما يتفق وأهواءكم، وتخفون كثيراً مما يلجئكم إلى الإيمان والتصديق بالقرآن، وعلمتم منه ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم!! وتول أنت - أيها النبى - الجواب، وقل لهم: الله هو الذى أنزل التوراة، ثم اتركهم يمضون فى الضلال عابثين كالصبيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 92 - وهذا القرآن كتاب أنزلناه - كما أنزلنا التوراة - كثير الخير، باق إلى يوم القيامة، مصدق لما تقدمه من الكتب المنزلة، مخبر عن نزولها، لتبشر به المؤمنين، وتخوف الكفار من أهل مكة ومن حولها فى جميع أنحاء الأرض من غضب الله، إذا لم يذعنوا له. والذين يصدقون بيوم الجزاء يحملهم رجاء الثواب والخوف من العقاب على الإيمان به، وهم لذلك يحافظون على أداء صلاتهم كاملة مستوفاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 93 - لم يكذب النبى حين أعلن أن القرآن من عند الله، وليس أحد أكثر ظلماً ممن اختلق الكذب على الله، أو قال: تلقيت وحياً من الله، دون أن يكون قد تلقى شيئاً من الوحى. وليس أحد كذلك أشد ظلماً ممن قال: سآتى بكلام مثل ما أنزله الله {ولو تعلم حال الظالمين، وهم فى شدائد الموت. والملائكة ينزعون أرواحهم من أجسادهم فى قسوة وعنف، لرأيت هوْلاً رهيباً ينزل بهم} ويقال لهم حينئذ: الآن تبدأ مجازاتكم بالعذاب المذل المهين، جزاء ما كنتم تقولون على الله غير الحق، وجزاء استكباركم عن النظر والتدبر فى آيات الله الكونية والقرآنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 94 - ويقول لهم الله يوم القيامة: لقد تأكدتم الآن بأنفسكم أنكم بعثتم أحياء من قبوركم كما خلقناكم أول مرة، وجئتم إلينا منفردين عن المال والولد والأصحاب، وتركتم وراءكم فى الدنيا كل ما أعطيناكم إياه مما كنتم تغترون به ولا نرى معكم اليوم الشفعاء الذين زعمتم أنهم ينصرونكم عند الله، وأنهم شركاء لله فى العبادة {لقد تقطعت بينكم وبينهم كل الروابط، وغاب عنكم ما كنتم تزعمون أنهم ينفعونكم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 95 - إن دلائل قدرة الله على البعث، واستحقاقه وحده للعبادة، وبعثه للناس من قبورهم، متوافرة متنوعة، فهو وحده الذى يشق الحب، ويخرج منه النبات، ويشق النوى ويخرج منه الشجر، ويخرج الحى من الميت كالإنسان من التراب، ويخرج الميت من الحى كاللبن من الحيوان، ذلك القادر العظيم هو الإله الحق، فليس هناك صارف يصرفكم عن عبادته إلى عبادة غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 96 - هو الذى يشق غبش الصبح بضوء النهار، ليسعى الأحياء إلى تحصيل أسباب حياتهم، وجعل الليل ذا راحة للجسم والنفس، وجعل سير الشمس والقمر بنظام دقيق يعرف به الناس مواقيت عباداتهم ومعاملاتهم. ذلك النظام المحكم، تدبير القادر المسيطر على الكون المحيط بكل شئ علماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 97 - وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بمواقعها إلى مقاصدكم، وأنتم سائرون فى ظلمات الليل بالبر والبحر، إنا قد بيّنا دلائل رحمتنا وقدرتنا لقوم ينتفعون بالعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 98 - هو الذى أنشأكم من أصل واحد، هو أبو البشر آدم، وآدم من الأرض، فالأرض مكان استقراركم مدة حياتكم، ومستودع لكم بعد موتكم وتغيبكم فى بطنها، وقد بيّنا دلائل قدرتنا لقوم يدركون ويفهمون الأشياء على وجهها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 99 - وهو الذى أنزل من السحاب ماء أخرج به نبات كل صنف، فأخرج من النبات شيئاً غَضَّا طريَّا، ونخرج منه حباً كثيراً بعضه فوق بعض، ومن طلع النخل عراجين نخرجها محملة بالثمار سهلة التناول، وأخرجنا كذلك بالماء جنات من الأعناب والزيتون والرمان، ومنها ما هو متماثل الثمر فى الشكل وغير متماثل فى الطعم والرائحة ونوع الفائدة. انظروا فى تدبر واعتبار إلى ثمره حين يثمر، وإلى نضجه كيف تم بعد أطوار مختلفة؟ إن فى ذلك لدلائل لقوم ينشدون الحق ويؤمنون به ويذعنون له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 100 - واتخذ الكافرون - مع هذه الدلائل - الملائكة والشياطين شركاء لله، وقد خلقهم فلا يصح مع علمهم ذلك أن يعبدوا غيره، وهو الذى خلق الملائكة والشياطين، فلا ينبغى أن يعبدوهم وهم مخلوقون مثلهم {. . واختلق هؤلاء الكفار لله بنين: فزعم النصارى أن المسيح ابن الله، وزعم مشركو بعض العرب أن الملائكة بنات الله، وذلك جهل منهم. تنزّه الله تعالى عما يفترون فى أوصافه سبحانه} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 101 - الله الذى أنشأ السموات والأرض على غير مثال سبق: كيف يكون له ولد كما يزعم هؤلاء، مع أنه لم تكن له زوجة، وقد خلق جميع الأشياء وفيها هؤلاء الذين اتخذوهم شركاء، وهو عالم بكل شئ يحصى عليهم ما يقولون وما يفعلون، وهو مجازيهم على قولهم وفعلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 102 - ذلك المتصف بصفات الكمال هو الله ربكم، لا إله غيره، خالق كل شئ مما كان وما سيكون، فهو - وحده - المستحق للعبادة، فاعبدوه، وهو - وحده - المتولى كل أمر وكل شئ، فإليه - وحده - المرجع والمآب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 103 - لا تبصر ذاته العيون، وهو يعلم دقائق العيون وغير العيون، وهو اللطيف فلا يغيب عنه شئ، الخبير فلا يخفى عليه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 104 - قل - أيها النبى - للناس: قد جاءكم من خالقكم ومالك أمركم حُجج وبينات فى القرآن، تنير لكم طريق الحق، فمن انتفع بها فانتفاعه لنفسه ومن أعرض عنها جنى على نفسه. لست أنا بمحافظ عليكم، بل أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 105 - ومثل هذا التنويع البديع فى عرض الدلائل الكونية نعرض آياتنا فى القرآن منوعة مفصلة، لنقيم الحُجة بها على الجاحدين، فلا يجدوا إلا اختلاق الكذب، فيتهموك بأنك تعلمت من الناس لا من الله ولنبين ما أنزل إليك من الحقائق - من غير تأثر بهوى - لقوم يدركون الحق ويذعنون له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 106 - اتبع - أيها النبى - ما جاءك به الوحى من الله، مالك أمرك ومدبر شئونك، إنه - وحده - الإله المستحق للطاعة والخضوع، فالتزم طاعته، ولا تبال بعناد المشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 107 - ولو أراد الله أن يعبدوه وحده لقهرهم على ذلك بقوته وقدرته، ولكنه تركهم لاختيارهم، وما جعلناك رقيباً على أعمالهم، وما أنت بمكلف أن تقوم عنهم بتدبير شئونهم وإصلاح أمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 108 - لا تسبوا - أيها المؤمنون - أصنام المشركين التى يعبدونها من دون الله، فيحملهم الغضب لها على إغاظتكم بسب الله تعدياً وسفهاً. مثل ما زينا لهؤلاء حب أصنامهم يكون لكل أمة عملها حسب استعدادها، ثم يكون مصير الجميع إلى الله - وحده - يوم القيامة، فيخبرهم بأعمالهم ويجازيهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 109 - وأقسم المشركون بأقصى أيمانهم لئن جاءتهم آية مادية من الآيات التى اقترحوها ليكونن ذلك سبباً فى إيمانهم، قل - يا أيها النبى -: إن هذه الآيات من عند الله، فهو - وحده - القادر عليها، وليس لى يد فيها، إنكم - أيها المؤمنون - لا تدرون ما سبق به علمى من أنهم إذا جاءتهم هذه الآيات لايؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 110 - وإنكم لا تدرون أيضاً أننا نقلب قلوبهم عند مجئ الآيات بالخواطر والتأويلات، ونقلب أبصارهم بتوهم التخيلات، فيكونون بعد الآيات كحالهم قبلها، وندعهم فى ظلمهم وعنادهم يتخبطون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 111 - إن أولئك الذين أقسموا إذا جاءتهم آية ليؤمنن بها كاذبون، والله أعلم بإيمانهم، ولو أننا نزّلنا الملائكة يرونهم رأى العين، وكلَّمهم الموتى بعد إحيائهم وإخراجهم من قبورهم، وجمعنا لهم كل شئ مقابلا لهم مواجهاً يبين لهم الحق، ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله تعالى أن يؤمنوا، والأكثرون لا يدركون الحق ولا يذعنون له، لما أصاب قلوبهم من عمياء الجاهلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 112 - وكما أن هؤلاء عادوك وعاندوك وأنت تريد هدايتهم جعلنا لكل نبى يبلِّغ عنا أعداء من عتاة الإنس وعتاة الجن الذين يخفون عنك ولا تراهم، يوسوس بعضهم لبعض بكلام مزخرف مُمَوَّه لا حقيقة له، فيلقون بذلك فيهم الغرور بالباطل، وذلك كله بتقدير الله ومشيئته، ولو شاء ما فعلوه، ولكنه لتمحيص قلوب المؤمنين. فاترك الضالين وكفرهم بأقوالهم التى يقترفونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 113 - وإنّهم يموّهون القول الباطل ليغروا أنفسهم ويرضوها، ولتميل إليه قلوب من على شاكلة أولئك العتاة الذين لا يذعنون للآخرة، ويعتقدون أن الحياة هى الدنيا، وليقعوا بسبب عدم اعتقادهم باليوم الآخر فيما يقترفون من آثام وفجور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 114 - قل لهم - أيها النبى - هذا حكم الله بالحق بينتهُ الآيات الساطعة، فلا يسوغ أن أطلب حَكَماً غيره يفصل بينى وبينكم، وقد حكم سبحانه فأنزل الكتاب الكريم حُجة لى عليكم، وقد عجزتم أن تأتوا بمثله، وهو مبين للحق وللعدل، وإن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أنه منزل من عند الله مشتملا على الحق، كما بشرت كتبهم. وإن حاولوا إخفاء ذلك وكتمانه، فلا تكونن - يا أيها النبى - أنت ومن اتبعك من الذين يشكّون فى الحق بعد بيانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 115 - وإنَّ حُكْم الله قد صدَر، فتمت كلمات ربك الصادقة العادلة، بإنزال الكتاب الكريم مشتملا على الصدق، وفيه الميزان الصادق بين الحق والباطل، ولا يوجد من يغير كلمات الله وكتابه، وهو سبحانه سميع لكل ما يقال، عليم بكل ما يقع منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 116 - وإذا كان سبحانه هو الحكم العدل الذى يُرْجَعُ إلى كتبه فى طلب الحق ومعرفته، فلا تتبع - أيها النبى - أنت ومن معك أحداً يخالف قوله الحق، ولو كانوا عدداً كثيراً. فإنك إن تتبع أكثر الناس الذين لا يعتمدون على شرع مُنزل يبعدوك عن طريق الحق المستقيم وهو طريق الله تعالى، لأنهم لا يسيرون إلا وراء الظنون والأوهام، وإن هم إلا يقولون عن تخمين لا يُبنى على برهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 117 - وإن ربك هو العليم علماً ليس مثله علم بالذين بعدوا عن طريق الحق، والذين اهتدوا إليه وصارت الهداية وصفاً لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 118 - وإذا كان الله تعالى هو الذى يعلم المهتدين والضالين، فلا تلتفتوا إلى ضلال المشركين فيتحريم بعض الأنعام، وكلوا منها، فقد رزقكم الله تعالى إياها، وجعلها حلالا وطيبة لا ضرر فى أكلها، واذكروا اسم الله تعالى عليها عند ذبحها، ما دمتم مؤمنين به، مذعنين لأدلته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 119 - وإنه لا يوجد أى مبرر أو دليل يمنعكم أن تأكلوا مما يذكر اسم الله تعالى عليه عند ذبحه من الأنعام، وقد بين سبحانه وتعالى المحرَّم فى غير حال الاضطرار، كالميتة والدم. وإن الكثيرين من الناس يبعدون عن الحق بمحض أهوائهم، من غير علم أوتوه، أو برهان قام عندهم، كأولئك العرب الذين حرَّموا بعض النعم عليهم. ولستم معتدين فى أكلكم ما وَلدَ، بل هم المعتدون بتحريم الحلال، والله - وحده - هو العليم علماً ليس مثله علم بالمعتدين حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 120 - ليست التقوى فى تحريم ما أحل الله، إنما التقوى فى ترك الإثم ظاهره وباطنه، فاتركوا الآثام فى أعمالكم ظاهرها وخفيها، وإن الذين يكسبون الإثم سيجزون مقدار ما اقترفوا من سيئات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 121 - وإذا كانت الأنعام حلالا لكم بذبحها، فلا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه عند ذبحه إذا تركت فيه التسمية عمداً، أو ذكر فيه اسم غير الله تعالى، فإن هذا فسق وخروج عن حكم الله. . وإن العتاة المفسدين من إبليس وأعوانه ليوسوسون فى صدور من استولوا عليهم، ليجادلوكم بالباطل. وليجروكم إلى تحريم ما أحل الله، وإن اتبعتموهم فإنكم مثلهم فى الإشراك بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 122 - وإنكم بإيمانكم لستم مثل المشركين فى شئ، فليس حال مَنْ كان كالميت فى ضلاله فأنار الله بصيرته بالهداية التى هى كالحياة، وجعل له نور الإيمان والحُجج والبيات، يهتدى به ويمشى على ضوئه، كحال الذى يعيش فى الظلام المتكاثف. وكما زين الله الإيمان فى قلوب أهل الإيمان، زين الشيطان الشرك فى نفوس الظالمين الجاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 123 - لا تعجب - أيها النبى - إذا رأيت أكابر المجرمين فى مكة يدبرون الشر ويتفننون فيه! . فكذلك الشأن فى كل مدينة كبيرة يدبر الشر فيها الأكابر من المجرمين، وعاقبته عليهم، وهم لا يشعرون ولا يحسون بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 124 - وإن هؤلاء الكبار من المجرمين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من علم ونبوة وهداية، فإذا جاءتهم حُجة قاطعة لا يذعنون لها، ولكن يقولون: لن نذعن للحق حتى ينزل علينا الوحى كما ينزل على الرسل، والله - وحده - هو الذى يصطفى لرسالته من يشاء من خلقه، وإن هؤلاء المعاندين إذا كانوا يطلبون الرياسة بهذا العناد، فسينالهم الصَغار والذل فى الدنيا بسببه، وسينالهم العذاب الشديد فى الآخرة بسبب تدبيرهم السيئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 125 - إذا كان أولئك قد ضلوا واهتديتم، فبإرادة الله تعالى وقضائه، فمن يُكْتَب له الهداية يتسع صدره لنور الإسلام، ومن يكتب عليه الضلال يكن صدرُه ضيقاً شديد الضيق، كأنه من الضيق كمن يصعد إلى مكان مرتفع بعيد الارتفاع كالسماء، فتتصاعد أنفاسه ولا يستطيع شيئاً، وبهذا يكتب الله الفساد والخذلان على الذين ليس من شأنهم الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 126 - وهذا الذى بيَّناه هو طريق الحق المستقيم، قد فصَّلناه ووضَّحناه للناس، ولا ينتفع به إلا الذين من شأنهم التذكر وطلب الهداية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 127 - ولهؤلاء المتذكرين المؤمنين دار الأمن، وهى الجنة، وهم فى ولاية الله ومحبته ونصرته، بسبب ما عملوا فى الدنيا من خير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 128 - وإذا كان الذين سلكوا صراط الله المستقيم لهم الأمْن وولاية الله، فالذين سلكوا طريق الشيطان لهم جزاء ما ارتكبوا، حين يحشر الجميع يوم القيامة، ويقول - جل جلاله - للآثمين من الجن والإنس: أيها المجتمعون من الجن قد أكثرتم من إغواء الإنس حتى تبعكم منهم عدد كثير! . فيقول الذين اتبعوهم من الإنس: يا خالقنا والقائم علينا، قد انتفع بعضنا ببعض، واستمتعنا بالشهوات، وبلغنا أجلنا الذى حددته لنا. فيقول - جل جلاله -: مقركم النار خالدين فيها إلا مَنْ شاء الله أن ينقذهم ممن لم ينكروا رسالة الله. وإن أفعال الله دائماً على مقتضى الحكمة والعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 129 - وكما متَّعنا عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض، فجعل بعض الظالمين أولياء لبعض بسبب ما يكتسبون من كبائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 130 - والله تعالى يقول لهم يوم القيامة: يا أيها الإنس والجن، لقد جاءتكم الرسل يذكرون لكم الحجج والبينات، ويتلون عليكم الآيات، ويحذرونكم لقاء الله فى يومكم هذا، فكيف تكذبون؟ فأجابوا: قد أقررنا على أنفسنا بما ارتكبنا، وقد خدعتهم الحياة الدنيا بمتعها، وأقروا على أنفسهم أنهم كانوا جاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 131 - وإن إرسال الرسل منذرين مبينين إنما كان لأن ربك - أيها النبى - لا يهلك القرى بظلمهم وأهلها غافلون عن الحق، بل لا بد أن يبيّن لهم وينذرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 132 - ولكل عامل خير أو عامل شر درجاته من جزاء ما يعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، والله سبحانه وهو الخالق البارئ غير غافل عما يعملون، بل إن عملهم فى كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 133 - والله ربك هو الغنى عن العباد والعبادة، وهو - وحده - صاحب الرحمة الشاملة، وبمقتضاها أمركم بالخير ونهاكم عن الشر، وهو القادر إن يشأ يذهبكم ويجعل فى الأرض خلفاء من بعدكم على حسب مشيئته، وليس ذلك يصعب عليه سبحانه، فقد خلقكم من ذرية آخرين سبقوكم، وكنتم وارثين الأرض من بعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 134 - وإن الذى ينذركم به من عقاب، ويبشركم به من ثواب بعد البعث والجمع والحساب آتٍ لا محالة، وما أنتم بمعجزين من يطلبكم يومئذ، فلا قدرة لكم على الامتناع عن الجمع والحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 135 - قل - أيها النبى - لهم مهدِّدا: اعملوا على النحو الذى اخترتموه بكل ما فى قدرتكم، وإنى عامل فى ناحية الحق، وستعلمون حتماً من تكون له العاقبة الحسنة فى الدار الآخرة، وهى لأهل الحق لا محالة، لأنكم ظالمون والله تعالى لم يكتب الفوز للظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 136 - المشركون الذين يعبدون الأوثان فى أوهام مستمرة، فهم يجعلون مما خلق الله تعالى وأنشأه من الزرع ومن الإبل والبقر والغنم، جزءاً لله تعالى ينفقونه على الضيفان والمحتاجين، وجزءاً آخر ينفقونه على خدمة الأوثان التى جعلوها شركاء لله تعالى بزعمهم، فما يجعلونه للأوثان يصل إلى أوثانهم فينفقونه عليها، وما يجعلونه لله بزعمهم لا يصل شى منه إلى الضيفان والفقراء، وما أسوأ حكمهم الظالم، لأنهم جعلوا الأوثان نظراء لخالق الحرث والنسل، ولأنهم لا ينفقون ما جعلوه لله فى مصارفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 137 - وكما زيَّنَتْ لهم أوهامهم تلك القسمة الظالمة لما خلق الله من حرث وإبل وبقر وغنم، قد زيَّنَتْ لهم أوهامهم فى الأوثان التى زعموها شركاء لله قتْل أولادهم عند الولادة، وأن يُنذروا لآلهتهم ذبح أولادهم، وإن تلك الأوهام تُرديهم وتخلط عليهم أمر الدين، فلا يدركونه على وجهه، وإذا كانت الأوهام لها ذلك السلطان على عقولهم، فاتركهم وما يفترونه على الله تعالى وعليك وسينالون عقاب ما يفترون، وتلك مشيئة الله، فلو شاء ما فعلوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 138 - ومن أوهامهم أنهم يقولون: هذه إبل وبقر وغنم وزرع ممنوعة، لا يأكلها أحد إلا من يشاءون من خَدَمَة الأوثان، وذلك من زعمهم الباطل، لا من عند الله. وقالوا أيضاً: هذه إبل حُرِّمت ظهورها فلا يركبها أحد، وهم مع ذلك لا يذكرون اسم الله تعالى عند ذبح ما يذبحون من إبل وبقر وغنم، وذلك لكذبهم على الله تعالى بشركهم، والله تعالى سيجزيهم بالعذاب فى الآخرة، بسبب افترائهم وتحريمهم ما يُحرِّمون من غير تحريم الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 139 - ومن أوهام هؤلاء المشركين أنهم يقولون: ما فى بطون الأنعام التى جعلوها ممنوعة لا تذبح ولا تركب، ما فى بطونها من أجِنَّة خالص للذكور من الرجال، ويُحْرَم منه النساء، ومع ذلك إذا نزل ميتاً فهم شركاء فيه، يأكلون منه، سيجزيهم الله تعالى على كذبهم الذى وصفوا به فعلهم، إذ ادَّعَوْا أن هذا التحريم من عند الله تعالى، وإن الله عليم بكل شئ، حكيمٌ، كل أفعاله على مقتضى الحكمة وهو يجزى الآثمين بإثمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 140 - وقد خسر أولئك الذين قتلوا أولادهم حمقا ووهما، غير عالمين مغبّة عملهم ودَاعِيه، وحرَّموا على أنفسهم ما رزقهم الله من زرع وحيوان، مفترين على الله بادعاء أنه هو الذى حرم، وقد بعدوا عن الحق بسبب ذلك، وما كانوا بسبب هذا الافتراء ممن يتصفون بالهداية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 141 - الله - وحده - هو الذى خلق حدائق من الكرم، منها ما يغرس ويرفع على دعائم، ومنها ما لا يقوم على دعائم وخلق النخل والزرع الذى يخرج ثمراً مختلفاً فى اللون والطعم والشكل والرائحة وغير ذلك، وخلق الزيتون والرمان متشابهاً فى بعض الصفات وغير متشابه فى بعضها الآخر، مع أن التربة قد تكون واحدة وتسقى جميعها بماء واحد. فكلوا من ثمرها إذا طاب لكم، وأخرجوا منها الصدقة عند نضجها وجمعها، ولا تسرفوا فى الأكل فتضروا أنفسكم وتضروا الفقراء فى حقهم، إن الله لا يرضى عن المسرفين فى تصرفاتهم وأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 142 - وخلق الله من الأنعام - وهى الإبل والبقر والماعز - ما يحمل أثقالكم، وما تتخذون من أصوافها وأوبارها وأشعارها فراشا، وهى رزق الله لكم، فكلوا ما أحل الله منها ولا تتبعوا الشيطان وأولياءه فى افتراء التحليل والتحريم، كما كان يفعل أهل الجاهلية. إن الشيطان لا يريد لكم الخير، لأنه عدو ظاهر العداوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 143 - خلق الله من كل نوع من الأنعام ذكرا وأنثى، فهى ثمانية أزواج خلق من الضأن زوجين، ومن الماعز زوجين، وقل يا محمد للمشركين منكراً عليهم تحريم ما حرموا من هذا: ما علة تحريم هذه الأزواج كما تزعمون؟ أهى كونها ذكوراً؟ ليس كذلك، لأنكم تحلون الذكور أحياناً. أم هى كونها إناثاً؟ ليس كذلك، لأنكم تحلون الإناث أحياناً، أم هى اشتمال الأرحام عليها. ليس كذلك لانكم لا تحرمون الأجنة على الدوام. أخبرونى بمستند صحيح يعتمد عليه، إن كنتم صادقين فيما تزعمون من التحليل والتحريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 144 - وخلق الله من الإبل زوجين، ومن البقر زوجين. قل لهم يا محمد منكراً عليهم: ما علة التحريم لما حرمتم من هذه الأزواج كما تزعمون؟ أهى كونها ذكوراً؟ ليس كذلك، لأنكم تحلون الذكور أحياناً، أهى كونها إناثاً؟ ليس كذلك لأنكم تحلون الإناث أحياناً، أم هى اشتمال الأرحام عليها؟ ليس كذلك لأنكم لا تحرمون الأجنة على الدوام، وتزعمون أن هذا التحريم من عند الله! أكنتم حاضرين حين وجه إليكم الله هذا التحريم فسمعتم نهيه؟ لم يكن ذلك قطعاً. انتهوا عما أنتم فيه، فهو ظلم، وليس هناك أظلم ممن كذب على الله فنسب إليه ما لم يصدر عنه، ولا سند له من علم يعتمد عليه، وإنما يريد بذلك إضلال الناس. إن الله لا يوفق الظالمين إذا اختاروا طريق الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 145 - قل - أيها النبى -: لا أجد الآن فى مصدر التحليل والتحريم الذى أوحى به إلىَّ طعاماً محرماً على آكل يأكله، إلا أن يكون هذا الشئ ميتة لم تذَكَّ ذكاة شرعية، أو دماً سائلا، أو لحم خنزير، فإن ذلك المذكور ضارٌّ خبيث لا يجوز أكله أو أن يكون هذا الشئ المحرم فيه خروج من العقيدة الصحيحة، بأن ذكر عند ذبحه اسم غير الله، كصنم معبود آخر. على أن من دعته الضرورة إلى أكل شئ من هذه المحرمات غير طالب اللذة بالأكل، وغير متجاوز قدر الضرورة، فلا حرج عليه لأن ربك غفور رحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 146 - فهذا ما حرمناه عليكم. ولقد حرمنا على اليهود أكل اللحم والشحم وغيرهما من كل ما له ظفر من الحيوانات كالإبل والسباع، وحرمنا عليهم من البقر والغنم شحومهما فقط، إلا الشحوم التى حملتها ظهورهما، أو التى توجد على الأمعاء، أو التى اختلطت بعظم. وهذا التحريم عقاب لهم على ظلمهم، وفَطْمٌ لنفوسهم من اندفاعها فى الشهوات، وإنا لصادقون فى جميع أخبارنا التى منها هذا الخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 147 - فإن كذبك المكذبون فيما أوحيت به إليك، فقل لهم محذِّراً: إن ربكم الذى يجب أن تؤمنوا به - وحده وتلتزموا أحكامه - ذو رحمة واسعة لمن أطاعه، ولمن عصاه أيضاً، حيث لم يعجل بعقوبتهم، ولكن لا ينبغى أن يغتروا بسعة رحمته، فإن عذابه لا بد واقع بالمجرمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 148 - سيقول المشركون اعتذاراً عن شركهم، وتحريم ما أحل الله من المطاعم، وتكذيباً لما أبلغتهم من مقت الله لما هم عليه: إن الإشراك منا وتحريم الحلال كانا بمشيئة الله ورضاه، ولو شاء عدم ذلك وكره منا ما نحن عليه، ما أشركنا نحن ولا أسلافنا، ولا حرمنا شيئاً مما أحله لنا. وقد كذَّب الذين من قبلهم رسلهم، كما كذَّبك هؤلاء واستمروا فى تكذيبهم حتى نزل بهم عذابنا! قل لهؤلاء المكذبين، هل عندكم من مستند صحيح على أن الله رضى لكم الشرك والتحليل، فتظهروه لنا؟ ما تتبعون فيما تقولون إلا الظن الذى لا يغنى من الحق شيئاً، وما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 149 - قل - يا أيها النبى -: لله الحُجة الواضحة فى كذبكم وادعائكم أن الله رضى بعملكم، ولا حُجة لكم فيما تزعمون من الشرك والتحليل والتحريم وغيرها، فلو شاء الله أن يوفقكم إلى الهداية لهداكم أجمعين إلى طريق الحق، ولكنه لم يشأ ذلك لاختياركم سبيل الضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 150 - قل لهم - يا أيها النبى -: هاتوا أنصاركم الذين يشهدون لكم أن الله حرَّم هذا الذى زعمتم أنه حرام، فإن حضروا، وشهدوا، فلا تصدقهم لأنهم كاذبون. ولا تتبع أهواء هؤلاء الذين كذبوا بالأدلة الكونية والقرآن المتلو، الذين لا يؤمنون بالآخرة - وهم مشركون بالله - يساوون به غيره من المعبودات الباطلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 151 - قل لهم - يا أيها النبى - تعالوا أبيِّن لكم المحرمات التى ينبغى أن تهتموا بها وتبتعدوا عنها: لا تجعلوا لله شريكاً ما، بأى نوع كان من أنواع الشرك، ولا تسيئوا إلى الوالدين، بل أحسنوا إليهما إحساناً بالغاً، ولا تقتلوا أولادكم بسبب فقر نزل بكم، أو تخشون نزوله فى المستقبل، فلستم أنتم الرازقين، بل نحن الذين نرزقكم ونرزقهم، ولا تقربوا الزنى فهو من الأمور المتناهية فى القبح، سواء منها ما ظهر للناس حين إتْيانه، وما لم يطلع عليه إلا الله، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله قتلها لعدم موجبه، إلا إذا كان القتل بحق تنفيذاً لحكم القضاء. أمركم الله أمراً مؤكداً باجتناب هذه المنهيّات التى تقضى بديهة العقل بالبعد عنها، لتعقلوا ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 152 - ولا تتصرفوا فى مال اليتيم إلا بأحسن تصرف يحفظه وينمّيه، واسْتَمِروا على ذلك حتى يصل اليتيم إلى حالة من الرشد يستطيع معها أن يستقل بالتصرف السليم، وحينئذ ادفعوا إليه ماله. ولا تمسوا الكيل والميزان بالنقص إذا أعطيتم، أو بالزيادة إذا أخذتم، بل أوفوها بالعدل ما وسعكم ذلك، فالله لا يكلف نفساً إلا ما تستطيعه دون حرج. وإذا قلتم قولا فى حكم أو شهادة أو خبر أو نحو ذلك، فلا تميلوا عن العدل والصدق، بل تحروا ذلك دون مراعاة لصلة من صلات الجنس أو اللون أو القرابة أو المصاهرة، ولا تنقضوا عهد الله الذى أخذه عليكم بالتكاليف، ولا العهود التى تأخذونها بينكم، فيما يتعلق بالمصالح المشروعة، بل أوفوا بهذه العهود. أمركم الله أمراً مؤكداً باجتناب هذه المنهيات، لتتذكروا أن التشريع لمصلحتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 153 - ولا تحيدوا عن النهج الذى رسمتْه لكم، لأنه هو الطريق المستقيم الموصل إلى سعادة الدارين، بل اتبعوه، ولا تتبعوا الطرق الباطلة التى نهاكم الله عنها حتى لا تتفرَّقوا شيعاً وأحزاباً، وتبعدوا عن صراط الله السوى. أمركم الله أمراً مؤكداً بذلك لتتجنبوا مخالفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 154 - وقد أنزلنا التوراة على موسى إتماماً للنعمة على من أحسن القيام بأمر الدين، وأنزلناها تفصيلا لكل شئ من التعاليم المناسبة لهم، وهُدىً إلى الطريق السوى، ورحمة لهم باتّباعه، وذلك ليؤمن بنو إسرائيل بلقاء ربهم يوم القيامة ومحاسبتهم على هذه التكاليف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 155 - وهذا القرآن كتاب أنزلناه مبارك، مشتمل على الخير الإلهى والمنافع الدينية والدنيوية، فاتبعوه واتقوا مخالفته ليرحمكم ربكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 156 - أنزلناه حتى لا تعتذروا عن عصيانكم وتقولوا: إن الوحى لم ينزل إلا على طائفتين من قبلنا، هم أهل التوراة وأهل الإنجيل، ولا علم لنا مطلقاً بتلاوة كتبهم وفهم ما فيها من إرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 157 - وأنزلناه حتى لا تقولوا أيضاً: لو أنا أُنزل علينا الوحى الذى نزل عليهم لكنا أكثر منهم هداية وأحسن حالا، لسعة عقولنا وطيب استعدادنا. لا حُجة لكم بعد اليوم على عصيانكم، ولا محل لقولكم هذا، فقد جاءكم القرآن من ربكم علامة واضحة على صدق محمد، ومبيناً لكم جميع ما تحتاجون إليه فى دينكم ودنياكم، وهادياً إلى الطريق السوى، ورحمة لكم باتباعه. ولا يَكُنْ أحد أظلم ممن كذب بآيات الله التى أنزلها فى كتبه، وآياته التى خلقها فى الكون، وأعرض عنها فلم يؤمن ولم يعمل بها، وسنعاقب الذين يعرضون عن آياتنا، ولا يتدبرون ما فيها بالعذاب البالغ غايته فى الإيلام، بسبب إعراضهم وعدم تدبرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 158 - لقد قامت الحُجة على وجوب الإيمان، ولم يؤمن هؤلاء، فماذا ينتظرون لكى يؤمنوا؟ هل ينتظرون أن تأتيهم الملائكة رسلاً بدل البشرَ، أو شاهدين على صدقك؟ أو أن يأتيهم ربك ليروه، أو يشهد بصدقك؟ أو أن تأتيهم بعض علامات ربك لتشهد على صدقك؟! وعندما تأتى علامات ربك مما يلجئهم إلى الإيمان لا ينفعهم إيمانهم، لأنه إيمان اضطرار، ولا ينفع العاصى أن يتوب ويطيع الآن، فقد انتهت مرحلة التكليف، قل لهؤلاء المعرضين المكذبين: انتظروا أحد هذه الأمور الثلاثة، واستمروا على تكذيبكم، إنا منتظرون حكم الله فيكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 159 - إن الذين فرَّقوا الدين الحق الواحد بالعقائد الزائفة والتشريعات الباطلة، وصاروا بسبب ذلك أحزاباً، تحسبهم جميعاً وقلوبهم مختلفة، لست مؤاخذاً بتفرقهم وعصيانهم ولا تملك هدايتهم، فما عليك إلا البلاغ، والله - وحده - هو الذى يملك أمرهم بالهداية والجزاء، ثم يخبرهم يوم القيامة بما كانوا يفعلونه فى الدنيا ويجازيهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 160 - مَن عمل صالحاً يضاعف له ثوابه إلى عشرة أمثاله فضلا وكرماً، ومَن عمل عملا سيئاً لا يعاقب إلا بمقدار عصيانه، عدلا منه تعالى، وليس هناك ظلم بنقص ثواب أو زيادة عقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 161 - قل - يا أيها النبى - مبيناً ما أنت عليه من الدين الحق: إن ربى أرشدنى ووفقنى إلى طريق مستقيم، بلغ نهاية الكمال فى الاستقامة، وكان هو الدين الذى اتبعه إبراهيم مائلاً به عن العقائد الباطلة، وما كان إبراهيم يعبد مع الله إلهاً آخر كما يزعم المشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 162 - قل إن صلاتى وجميع عباداتى، وما آتيه فى حال حياتى من الطاعة، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح، كله خالص لوجه الله الذى خلق جميع الموجودات، فاستحق أن يعبد - وحده - وأن يطاع وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 163 - ولا شريك له فى الخلق، ولا فى استحقاق العبادة، وقد أمرنى ربى بذلك الإخلاص فى التوحيد والعمل، وأنا أول المذعنين الممتثلين، وأكملهم إذعاناً وتسليماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 164 - قل يا محمد - منكراً - على المشركين دعوتهم إياك لموافقتهم على شركهم: أأطلب للعبادة رباً غير الله، مع أنه خالق كل شئ؟ وقل لهم - منكراً عليهم - إنهم لا يحملون عنك خطاياك إذا وافقتهم. لا تعمل أى نفس عملا إلا وقع جزاؤه عليها - وحدها - ولا تؤاخذ نفس بحمل ذنب نفس أخرى، ثم تبعثون بعد الموت إلى ربكم، فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه فى الدنيا من العقائد، ويجازيكم عليه، فكيف أعصى الله اعتماداً على وعودكم الكاذبة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 165 - وهو الذى جعلكم خلفاء للأمم السابقة فى عمارة الكون، ورفع بعضكم فوق بعض درجات فى الكمال المادى والمعنوى لأخذكم فى أسبابه، ليختبركم فيما أعطاكم من النعم كيف تشكرونها؟ وفيما آتاكم من الشرائع كيف تعملون بها؟ إن ربك سريع العقاب للمخالفين، لأن عقابه آت لا ريب فيه وكل آت قريب، وإنه لعظيم المغفرة لمخالفات التائبين المحسنين، واسع الرحمة بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 1 - المص، هذه الحروف الصوتية تذكر فى أوائل بعض السور المكية، لتنبيه المشركين إلى أن القرآن الكريم مكون من الحروف التى ينطقون بها، ومع ذلك يعجزون عن الإتيان بمثله، كما أن فى هذه الحروف إذا تليت حملا لهم على السماع إذا تواصوا بألا يسمعوا القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 2 - أنزل إليك القرآن لتنذر به المكذبين ليؤمنوا، وتذكِّر به المؤمنين ليزدادوا إيماناً، فلا يكن فى صدرك ضيق عند تبليغه خوفاً من التكذيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 3 - اتبعوا ما أوحاه إليكم ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء تستجيبون لهم وتستعينون بهم. إنكم قلما تتعظون حين تتركون دين الله وتتبعون غيره مع أن العبر فى ذلك كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 4 - فقد أهلكنا قرى عدة، بسبب عبادة أهلها غير الله وسلوكهم غير طريقه، بأن جاءهم عذابنا فى وقت غفلتهم واطمئنانهم ليلا وهم نائمون، كما حدث لقوم لوط، أو نهاراً وهم مستريحون وقت القيلولة كقوم شعيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 5 - فاعترفوا بذنبهم الذى كان سبب نكبتهم فما كان منهم عندما رأوا عذابنا إلا أن قالوا - حيث لا ينفعهم ذلك - إنا كنا ظالمين لأنفسنا بالمعصية ولم يظلمنا الله بعذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 6 - وسيكون حساب الله يوم القيامة دقيقاً عادلاً، فلنسألن الناس الذين أرسلت إليهم الرسل: هل بلغتهم الرسالة؟ وبماذا أجابوا المرسلين؟ ولنسألن الرسل أيضاً: هل بلغتم ما أنزل إليكم من ربكم؟ وبماذا أجابكم أقوامكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 7 - ولنخبرن الجميع إخباراً صادقاً بجميع ما كان منهم؛ لأننا أحصينا عليهم كل شئ فما كنا غائبين عنهم، ولا جاهلين لما كانوا يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 8 - ويوم نسألهم ونخبرهم، سيكون تقدير الأعمال للجزاء عليها تقديراً عادلاً، فالذين كثرت حسناتهم ورجحت على سيئاتهم هم الفائزون الذين نصونهم عن النار ويدخلون الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 9 - والذين كثرت سيئاتهم ورجحت على حسناتهم هم الخاسرون؛ لأنهم باعوا أنفسهم للشيطان، فتركوا التدبر فى آياتنا كفراً وعناداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 10 - ولقد مكناكم فى الأرض فمنحناكم القوة لاستغلالها، والانتفاع بها، وهيأنا لكم وسائل العيش، فكان شكركم لله على هذه النعم قليلا جداً، وستلقون جزاء ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 11 - وفى أخبار الأولين عبر ومواعظ، يتضح فيها أن الشيطان يحاول أن يزيل عنكم النعم بنسيانكم أمر الله، فقد خلقنا أباكم آدم، ثم صورناه، ثم قلنا للملائكة: عظموه فعظموه طاعة لأمر ربهم، إلا إبليس فإنه لم يمتثل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 12 - قال الله منكراً عليه عصيانه: ما منعك عن تعظيم آدم وقد أمرتك به؟ أجاب إبليس فى عناد وكبر: أنا خير من آدم لأنك خلقتنى من نار وخلقته من طين، والنار أشرف من الطين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 13 - فجزاه الله على عناده وكبره بطرده من دار كرامته، وقال له: اهبط منها، بعد أن كنت فى منزلة عالية، فما ينبغى لك أن تتكبر وتعصى فيها. . اخرج منها محكوماً عليك بالصغار والهوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 14 - قال إبليس لله: أمهلنى ولا تمتنى إلى يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 15 - فأجابه الله بقوله: إنك من الممهلين المؤخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 16 - ولحقده على آدم وحسده له قال إبليس: بسبب حكمك علىَّ بالغواية والضلال، أقسم لأضلن بنى آدم وأصرفهم عن طريقك المستقيم، متخذاً فى ذلك كل وسيلة ممكنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 17 - وأقسم لآتينهم من أمامهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن كل جهة استطيعها، ملتمساً كل غفلة منهم أو ضعف فيهم، لأصل إلى إغوائهم، حتى لا يكون أكثرهم مؤمنين بك، لعدم شكرهم لنعمتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 18 - فزاده الله نكاية وقال له: اخرج من دار كرامتى مذموماً بكبرك وعصيانك، وهالكاً فى نهايتك، وأقسم أن من اتبعك من بنى آدم لأملأن جهنم منك ومنهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 19 - ويا آدم اسكن أنت وزوجك دار كرامتى، وهى الجنة، وتنعما بما فيها، فكلا من أى طعام أردتما، إلا هذه الشجرة، فلا تقرباها حتى لا تكونا من الظالمين لأنفسهم بالعقاب المترتب على المخالفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 20 - فزين لهما الشيطان مخالفة أمر الله، ليزيل عنهما الملابس، فتنكشف عوراتهما، وقال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، أو كراهة أن تكونا من الخالدين الذين لا ينقطع نعيمهم فى هذه الدار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 21 - وأقسم لهما أنه من الناصحين لهما، وكرر قسمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 22 - فساقهما إلى الأكل من الشجرة بهذه الخدعة، فلما ذاقا طعمها وانكشفت لهما عوراتهما، جعلا يجمعان بعض أوراق الشجر ليسترا بها عوراتهما وعاتبهما ربهما، ونبههما إلى خطئهما قائلاً: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأخبركما أن الشيطان لكما عدو مبين لا يريد لكما الخير؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 23 - قال آدم وزوجته نادمين متضرعين: يا ربنا ظلمنا أنفسنا بمخالفة أمرك الذى استوجب زوال النعيم، وإن لم تغفر لنا مخالفتنا وترحمنا بفضلك لنكونن من الخاسرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 24 - قال الله لهما وللشيطان: اهبطوا جميعاً بعضكم لبعض عدو، ولكم فى الأرض استقرار وتمتع إلى حين انقضاء آجالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 25 - فى الأرض تولدون وتعيشون، وفيها تموتون وتدفنون، ومنها عند البعث تخرجون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 26 - يا بنى آدم: قد أنعمنا عليكم، فخلقنا لكم ملابس تستر عوراتكم، ومواد تتزينون بها، ولكن الطاعة خير لباس يقيكم العذاب. تلك النعم من الآيات الدالة على قدرة الله وعلى رحمته، ليتذكر الناس بها عظمته واستحقاقه وحده الألوهية. وتلك القصة من سنن الله الكونية التى تبين جزاء مخالفة أمر الله، فيتذكر بها الناس ويحرصون على طاعة الله وعلى شكر نعمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 27 - يا بنى آدم، لا تستجيبوا للشيطان وإضلاله، فتخرجوا من هذه النعم التى لا تدوم إلا بالشكر والطاعة، كما استجاب أبواكم آدم وزوجه فأخرجهما الشيطان من النعيم والكرامة، ونزع عنهما لباسهما وأظهر لهما عوراتهما. إنه يأتيكم هو وأعوانه من حيث لا تشعرون بهم، ولا تحسون بأساليبهم ومكرهم، وليس للشيطان سلطان على المؤمنين، إنا جعلناه وأعوانه أولياء للذين لا يؤمنون إيماناً صادقاً يستلزم الطاعة التامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 28 - وإذا فعل المكذبون أمراً بالغ النكر - كالشرك، والطواف بالبيت عراة، وغيرهما - اعتذروا وقالوا: وجدنا آباءنا يسيرون على هذا المنهاج ونحن بهم مقتدون، والله أمرنا به ورضى عنه حيث أقرنا عليه، قل لهم يا أيها النبى منكراً عليهم افتراءهم: إن الله لا يأمر بهذه الأمور المنكرة، أتنسبون إلى الله ما لا تجدون له مستنداً ولا تعلمون عنه دليل صحة النسب إليه سبحانه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 29 - بَيِّن لهم ما أمر به الله وقل: أمر ربى بالعدل وما لا فحش فيه، وأمركم أن تخصوه بالعبادة فى كل زمان ومكان، وأن تكونوا مخلصين له فيها، وكلكم بعد الموت راجعون إليه، وكما بدأ خلقكم بيسر وكنتم لا تملكون إذ ذاك شيئاً، ستعودون إليه بيسر تاركين ما حولكم من النعم وراء ظهوركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 30 - وسيكون الناس يوم القيامة فريقين: فريقاً وفَّقه الله لأنه اختار طريق الحق فآمن وعمل عملا صالحاً، وفريقاً حُكِمَ عليه بالضلالة؛ لأنه اختار طريق الباطل وهو الكفر والعصيان، وهؤلاء الضالون قد اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله فاتبعوهم، وهم يظنون أنهم مُوَفَّقون لاغترارهم بخداع الشياطين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 31 - يا بنى آدم: خذوا زينتكم من اللباس المادى الذى يستر العورة، ومن اللباس الأدبى وهو التقوى، عند كل مكان للصلاة، وفى كل وقت تؤدون فيه العبادة، وتمتعوا بالأكل والشرب غير مسرفين فى ذلك، فلا تتناولوا المحرم، ولا تتجاوزوا الحد المعقول من المتعة، إن الله لا يرضى عن المسرفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 32 - قل لهم - يا محمد - منكراً عليهم افتراء التحليل والتحريم على الله: مَنْ الذى حرَّم زينة الله التى خلقها لعباده؟ ومن الذى حرم الحلال الطيب من الرزق؟ قل لهم: هذه الطيبات نعمة من الله ما كان ينبغى أن يتمتع بها إلا الذين آمنوا فى الدنيا، لأنهم يؤدون حقها بالشكر والطاعة، ولكن رحمة الله الواسعة شملت الكافرين والمخالفين في الدنيا، وستكون هذه النعم خالصة يوم القيامة للمؤمنين، لا يشاركهم فيها غيرهم، ونحن نفصل الآيات الدالة على الأحكام على هذا المنوال الواضح، لقوم يدركون أن الله - وحده - مالك الملك بيده التحليل والتحريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 33 - قل يا محمد: إنما حرم ربى الأمور المتزايدة فى القبح كالزنى، سواء منها ما يرتكب سراً وما يرتكب علانية، والمعصية أياً كان نوعها، والظلم الذى ليس له وجه من الحق، وحرَّم أن تشركوا به دون حُجة صحيحة، أو دليل قاطع، وأن تفتروا عليه سبحانه بالكذب فى التحليل والتحريم وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 34 - ولكل أمة نهاية معلومة، لا يمكن لأية قوة أن تقدم هذه النهاية أو تؤخرها أية مدة مهما قلَّت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 35 - يا بنى آدم: إن جاءتكم رسل من جنسكم الآدمى ليبلغوكم آياتى الموحى بها كنتم فريقين: فالذين يؤمنون ويعملون الصالحات مخلصين، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون فى دنياهم أو أُخراهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 36 - والذين يكذبون بالآيات ويستكبرون عن اتباعها والاهتداء بها، فأولئك أهل النار هم فيها معذبون، خالدون أبداً فى العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 37 - فليس هناك أظلم من الذين يفترون الكذب على الله، بنسبة الشريك والولد إليه، وادِّعاء التحليل والتحريم وغيرهما من غير حُجة، أو يكذبون بآيات الله الموحى بها فى كتبه الموجودة فى كونه، أولئك ينالون فى الدنيا نصيباً مما كتب الله لهم من الرزق أو الحياة أو العذاب، حتى إذا جاءتهم ملائكة الموت ليقبضوا أرواحهم، قالوا لهم موبخين: أين الآلهة التى كنتم تعبدونها من دون الله لتدرأ عنكم الموت؟ فيجيبون: تبرأوا منا، وتركونا وغابوا عنا، وشهدوا على أنفسهم مقرين بأنهم كانوا كافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 38 - يقول الله يوم القيامة لهؤلاء الكافرين: ادخلوا النار فى ضمن أمم من كفار الإنس والجن، قد مضت من قبلكم، كلما دخلت أمة النار لعنت الأمة التى كفرت مثلها والتى اتخذتها قدوة، حتى إذا تتابعوا فيها مجتمعين قال التابعون يذمُّون المتبوعين: ربنا هؤلاء أضلونا بتقليدنا لهم، بحكم تقدمهم علينا أو بحكم سلطانهم فينا، فصرفونا عن طريق الحق، فعاقبهم عقاباً مضاعفاً يحملون فيه جزاء عصيانهم وعصياننا، فيرد الله عليهم: لكل منكم عذاب مضاعف لا ينجو منه أحد من الفريقين، يضاعف عقاب التابعين لكفرهم وضلالهم، ولاقتدائهم بغيرهم دون تدبر وتفكر، ويضاعف عقاب المتبوعين لكفرهم وضلالهم وتكفيرهم غيرهم وإضلالهم، ولكن لا تعلمون مدى ما لكل منكم من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 39 - وهنا يقول المتبوعون للتابعين: إنكم بانقيادكم لنا فى الكفر والعصيان لا تفضلون علينا بما يخفف عنكم من العذاب، فيقول الله لهم جميعا: ذوقوا العذاب الذى استوجبتموه بما كنتم تقترفون من كفر وعصيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 40 - إن الذين كذبوا بآياتنا المنزلة فى الكتب الموجودة فى الكون، واستكبروا عن الاهتداء بها ولم يتوبوا، ميئوس من قبول أعمالهم ورحمة الله بهم، ومن دخولهم الجنة، كما أن دخول الجمل فى ثقب الإبرة ميئوس منه، وعلى هذا النحو من العقاب نعاقب المكذبين المستكبرين من كل أمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 41 - لهم فى جهنم فراش من نار وأغطية من نار، وعلى هذا النحو فمن ظلم نفسه بالظلم والضلال يعاقب هذا العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 42 - والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة التى لم نكلفهم إلا ما يطيقونه منها، أولئك هم أهل الجنة يتنعمون فيها، خالدين فيها أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 43 - وأخرجنا من قلوبهم ما كان فيها من غل، فهم فى الجنة إخوان متحابون، تجرى من تحتهم الأنهار بمائها العذب، ويقولون - سرورا بما نالوا من النعيم - الحمد للَّه الذى دلَّنا على طريق هذا النعيم، ووفقنا إلى سلوكه، ولولا أن هدانا اللَّه إليه بإرسال الرسل وتوفيقه لنا، ما كان فى استطاعتنا أن نوفق إلى الهداية. لقد جاءت رسل ربنا بالوحى الحق، وهنا يقول اللَّه لهم: إن هذه الجنة هبة من اللَّه، أعطيتمُوها فضلاً منى دون عوض منكم كالميراث، وهذا التكريم بسبب أعمالكم الصالحة فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 44 - ونادى أهل الجنة أهل النار قائلين: قد وجدنا ما وعدنا ربنا من الثواب حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم من العذاب حقا؟ فأجابوهم: نعم، فنادى مناد بين أهل الجنة وأهل النار: إن الحرمان أو الطرد من رحمة اللَّه جزاء الظالمين لأنفسهم بالكفر والضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 45 - هؤلاء الظالمون هم الذين يمنعون الناس عن السير فى طريق اللَّه الحق، وهو الإيمان والعمل الصالح، ويضعون العراقيل والشكوك حتى يبدو الطريق معوجاً للناس فلا يتبعوه، وهؤلاء كافرون بالدار الآخرة لا يخشون عقاب اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 46 - وبين أهل الجنة وأهل النار حاجز يسبق إلى احتلال أعرافه - وهى أماكنه الرفيعة العالية - رجال من خيار المؤمنين وأفاضلهم، يشرفون منها على جميع الخلائق، ويعرفون كلا من السعداء والأشقياء بعلامات تدل عليهم من أثر الطاعة والعصيان، فينادون السعداء قبل دخولهم الجنة وهم يرجون دخولها، فيبشرونهم بالأمان والاطمئنان ودخول الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 47 - وإذا تحولت أبصار المؤمنين إلى جهة أصحاب النار بعد هذا النداء، قالوا من هول ما رأوا من نيران: ربنا لا تدخلنا مع هؤلاء الظالمين الذين ظلموا أنفسهم والحقّ والناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 48 - ونادى أهل الدرجات العالية فى الجنة، من الأنبياء والصديقين. مَن كانوا يعرفونهم بأوصافهم من أهل النار، قائلين لهم لائمين: ما أفادكم جمعكم الكثير العدد ولا استكباركم على أهل الحق بسبب عصبيتكم وغناكم، وها أنتم أولاء ترون حالهم وحالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 49 - هؤلاء الضعفاء الذين استكبرتم عليهم، وأقسمتم أنه لا يمكن أن ينزل الله عليهم رحمة، كأنكم تمسكون رحمته، قد دخلوا الجنة؛ وقال لهم ربهم: ادخلوها آمنين، فلا خوف عليكم من أمر يستقبلكم، ولا أنتم تحزنون على أمر فاتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 50 - وإن أصحاب النار ينادون أصحاب الجنة قائلين: اتركوا لنا بعض الماء يفيض علينا أو أعطونا شيئاً مما أعطاكم الله تعالى من طيبات المأكل والملبس وسائر متع أهل الجنة، فيجيبهم أهل الجنة: إننا لا نستطيع، لأن الله منع ذلك كله عن القوم الجاحدين، الذين كفروا به وبنعمه فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 51 - هؤلاء الجاحدون الذين لم يسعوا فى طلب الدين الحق، بل كان دينهم اتِّباع الهوى والشهوات، فكان لهواً يتلهون به وعبثاً يعبثونه وخدعتهم الحياة الدنيا بزخرفها فظنوها - وحدها - الحياة، ونسوا لقاءنا، فيوم القيامة ننساهم، فلا يتمتعون بالجنة، ويذوقون النار، بسبب نسيانهم يوم القيامة، وجحودهم بالآيات البينات الواضحات المثبتات للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 52 - ولقد آتيناهم - بياناً للحق - كتاباً بَيَّناه وفصَّلناه، مشتملا على علم كثير، فيه أدلة التوحيد وآيات الله فى الكون، وفيه شرعه، وفيه بيان الطريق المستقيم والهداية إليه، وفيه ما لو اتبعه الناس لكان رحمة بهم، ولا ينتفع به إلا الذين من شأنهم الإذعان للحق والإيمان به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 53 - إنهم لا يؤمنون به، ولا ينتظرون إلا المآل الذى بيَّنه الله لمن يكفر به. ويوم يأتى هذا المآل - وهو يوم القيامة - يقول الذين تركوا أوامره وبيناته وغفلوا عن وجوب الإيمان به، معترفين بذنوبهم: قد جاءت الرسل من عند خالقنا ومربينا، داعين إلى الحق الذى أرسلوا به، فكفرنا به. ويسألون هل لهم شفعاء يشفعون لهم؟ فلا يجدون، أو هل يردُّون إلى الدنيا ليعملوا صالحاً؟ فلا يجابون. قد خسروا عمل أنفسهم بغرورهم فى الدنيا، وغاب عنهم ما كانوا يكذبونه من ادعاء إله غير الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 54 - إن ربكم الذى يدعوكم رسله إلى الحق وإلى الإيمان باليوم الآخر والجزاء فيه، هو خالق الكون ومبدعه، خلق السموات والأرض فى ست أحوال تشبه ستة أيام من أيام الدنيا، ثم استولى على السلطان الكامل فيها، وهو الذى يجعل الليل يستر النهار بظلامه، ويعقب الليل النهار بانتظام وتعاقب مستمر كأنه يطلبه، وخلق الله سبحانه الشمس والقمر والنجوم، وهى خاضعة لله تعالى مُسَيَّرات بأمره، وأنه له - وحده - الخلق والأمر المطاع فيها، تعالت بركات منشئ الكون وما فيه ومن فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 55 - إذا كان الله ربكم قد أنشأ الكون - وحده -، فادعوه بالعبادة وغيرها، معلنين الدعاء متذللين خاضعين، جاهرين أو غير جاهرين، ولا تعتدُوا بإشراك غيره، أو بظلم أحد، فإن الله تعالى لا يحب المعتدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 56 - ولا تفسدوا فى الأرض الصالحة بإشاعة المعاصى والظلم والاعتداء، وادعوه - سبحانه - خائفين من عقابه، طامعين فى ثوابه، وإن رحمته قريبة من كل محسن، وهى محققة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 57 - والله - سبحانه وتعالى وحده - هو الذى يطلق الرياح مبشرة برحمته فى الأمطار التى تنبت الزرع وتسقى الغرس، فتحمل هذه الرياح سحاباً محملا بالماء، نسوقه لبلد لا نبات فيه، فيكون كالميت الذى فقد الحياة، فينزل الماء، فينبت الله به أنواعاً من كل الثمرات، وبمثل ذلك الإحياء للأرض بالإنبات نخرج الموتى فنجعلهم أحياء لعلكم تتذكرون بهذا قدرة الله وتؤمنون بالبعث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 58 - والأرض الطيبة الجيدة التربة يخرج نباتها نامياً حياً بإذن ربه، والأرض الخبيثة لا تخرج إلا نباتاً قليلاً عديم الفائدة يكون سبب نَكَدٍ لصاحبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 59 - لقد عاند المشركون، وكذبوا بالحق إذ جاءهم مؤيداً بالحُجج القاطعة، وذلك شأن الكافرين مع أنبيائهم فى الماضى. لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه الذين بعث فيهم، وقال لهم - مذكراً بأنه منهم -: يا قوم اعبدوا الله تعالى - وحده - فليس لكم أى إله غيره، وأنه سيكون البعث والحساب فى يوم القيامة، وهو يوم عظيم، أخاف عليكم فيه عذابه الشديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 60 - قال أهل الصدارة والزعامة منهم، مجيبين تلك الدعوة إلى الوحدانية واليوم الآخر: إنا لنراك فى بُعْد بيِّن عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 61 - قال نوح لهم نافياً ما رموه به: ليس بى كما تزعمون. ولكنى رسول من خالق العالمين ومنشئهم، فلا يمكن أن يكون ما أدعوكم إليه بعيداً عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 62 - وإنى فى هذه الدعوة الحق إلى الوحدانية والإيمان باليوم الآخر، أبلِّغكم ما أرسلنى الله به من الأحكام الإلهية التى يصلح بها الإنسان وإنى أمحضكم النصح وأخلصه لكم، وقد علمنى الله تعالى ما لا تعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 63 - أترموننى بالضلالة والبعد عن الحق؟ وتعجبون أن يجئ إليكم تذكير من الله خالقكم، على لسان رجل جاء إليكم لينذركم بالعقاب إن كذبتم، وليدعوكم إلى الهداية وإصلاح القلوب وتجنب غضب الله تعالى، رجاء أن تكونوا فى رحمة الله تعالى فى الدنيا والآخرة، فلا يصح أن تعجبوا وتكذبوا مع قيام البينات المثبتة للرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 64 - ولكنهم مع تلك البينات لم يؤمن أكثرهم، فكذبوه، فأنزلنا عليهم عذاباً بالإغراق فى الماء، وأنجينا الذين آمنوا به بالفلك الذى صنعه بهداية منا، وغرق الذين كذبوا مع قيام الدلائل البينة الواضحة، فعاندونا، وكانوا بذلك غير مبصرين الحق وقد عموا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 65 - وكما أرسلنا نوحاً إلى قومه داعياً إلى التوحيد، أرسلنا إلى عاد هودا واحداً منهم علاقته بهم كعلاقة الأخ بأخيه، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله - وحده - وليس لكم إله غيره، وإن ذلك سبيل الاتقاء من الشر والعذاب وهو الطريق المستقيم، فهلا سلكتموه لتتقوا الشر والفساد؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 66 - قال ذوو الزعامة والصدارة فى قومه: إنا لنراك فى خفة عقل، حيث دعوتنا هذه الدعوة، وإنا لنعتقد أنك من الكاذبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 67 - قال: يا قوم ليس بى فى هذه الدعوة أى قدر من خفة العقل، ولست بكاذب، ولكنى جئت بالهداية، وأنا رسول الله إليكم. وهو رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 68 - إنى فيما أقول لكم: أبلِّغكم أوامر ربى ونواهيه، وهى رسالاته إليكم، وإنى أمحضكم نصحاً وإخلاصاً لكم، وأنا أمين فيما أخبركم به، ولست من الكاذبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 69 - ثم قال لهم هود: هل أثار عجبكم، واستغربتم أن يجئ إليكم تذكير بالحق على لسان رجل منكم لينذركم بسوء العقبى فيما أنتم عليه؟ إنه لا عجب فى الأمر. ثم أشار إلى ما أصاب المكذبين الذين سبقوهم، وإلى نعمه عليهم، فقال: اذكروا إذ جعلكم وارثين للأرض من بعد قوم نوح الذين أهلكهم الله تعالى لتكذيبهم نوحاً، وزادكم قوة فى الأبدان وقوة فى السلطان، تلك نعمة تقتضى الإيمان، فاذكروا نعمه لعلكم تفوزون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 70 - ولكنهم مع هذه الدعوة بالحسنى قالوا مستغربين: أجئتنا لتدعونا إلى عبادة الله - وحده - وترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام؟ وإنا لن نفعل، فأتنا بالعذاب الذى تهددنا به إن كنت من الصادقين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 71 - إنكم لعنادكم قد حق عليكم عذاب الله ينزل بكم، وغضبه يحل عليكم، أتجادلون فى أصنام سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة؟ ، وما هى من الحقائق إلا أسماء لا مؤدى لها، وما جعل الله من حُجة تدل على ألوهيتها، فما كان لها من قوة خالقة منشئة تسوغ عبادتكم لها، وإذ لججتم هذه اللجاجة فانتظروا عقاب الله، وأنا معكم، ننتظر ما ينزل بكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 72 - فأنجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا، وأنزلنا بالكافرين ما أبادهم ولم يُبْق لهم من بقية وأثر، وما كانوا داخلين فى زمرة المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 73 - وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا الذى يشاركهم فى النسب والوطن، وكانت دعوته كدعوة الرسل قبله وبعده. قال لهم: أخلصوا العبادة لله - وحده - ما لكم أى إله غيره، وقد جاءتكم حُجة على رسالتى من ربكم، هى ناقة ذات خَلق اختصت به، فيها الحُجة، وهى ناقة الله، فاتركوها تأكل فى أرض الله من عشبها، ولا تنالوها بسوء فينالكم عذاب شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 74 - وتذكَّروا أن الله جعلكم وارثين لأرض عاد، وأنزلكم فى الأرض منازل طيبة تتخذون من السهول قصوراً فخمة، وتنحتون الجبال فتجعلون منها بيوتاً، فاذكروا نعم الله تعالى إذ مكنكم من الأرض ذلك التمكين، ولا تَعْثوا فى الأرض فتكونوا مفسدين بعد هذا التمكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 75 - قال المتكبرون من أهل الصدارة والزعامة، مخاطبين الذين آمنوا من المستضعفين لائمين لهم ومستعلين عليهم: أتعتقدون أن صالحاً مُرسل من ربه؟ فأجابهم أهل الحق: إنا بما أرسل معتقدون، مذعنون له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 76 - قال أولئك المستكبرون: إنا جاحدون منكرون للذى آمنتم به: وهو ما يدعو إليه صالح من الوحدانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 77 - وَلجَّ العناد بأولئك المستكبرين، فتحدوا الله ورسوله، وذبحوا الناقة، وتجاوزوا الحد فى استكبارهم، وأعرضوا عن أمر ربهم، وقالوا - متحدين -: يا صالح، ائتنا بالعذاب الذى وعدتنا إن كنت ممن أرسلهم الله حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 78 - فأخذتهم الزلازل الشديدة، فأصبحوا فى دارهم ميتين خامدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 79 - وقبل أن تنزل بهم النازلة أعرض عنهم أخوهم صالح، وقال: يا قوم قد أبلغتكم أوامر ربى ونواهيه، ومحضت لكم النصح، ولكنكم بلجاجتكم وإصراركم صرتم لا تحبون من ينصحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 80 - ولقد أرسلنا لوطاً - نبى الله - إلى قومه، يدعوهم إلى التوحيد، وينبههم إلى وجوب التخلى عن أقبح جريمة يفعلونها. أتأتون الأمر الذى يتجاوز الحد فى القبح والخروج على الفطرة وقد ابتدعتم تلك الفاحشة بشذوذكم، فلم يسبقكم بها أحد من الناس؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 81 - وهى أنكم تأتون الرجال مشتهين ذلك، وتتركون النساء، أنتم شأنكم الإسراف، ولهذا خرجتم على الفطرة وفعلتم ما لم يفعله الحيوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 82 - وما كان جواب قومه على هذا الاستنكار - لأقبح الأفعال - إلا أن قالوا: أخرجوا لوطاً وآله وأتباعه من قريتكم، لأنهم يتطهرون وَينْأوْن عن هذا الفعل الذى يستقبحه العقل والفطرة ويستحسنونه هم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 83 - ولقد حقت عليهم كلمة العذاب، فأنجينا لوطاً وأهله، إلا امرأته فإنها كانت من هؤلاء الضالين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 84 - وأمطرنا عليهم حجارة مخربة، ومادت الأرض بالزلازل من تحتهم فانظر - يا أيها النبى - إلى عاقبة المجرمين وكيف كانت؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 85 - ولقد أرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً قال: يا قوم، اعبدوا الله - وحده - فليس لكم ولى - أى إله - غيره قد جاءتكم الحُجج المبينة للحق من ربكم مثبتة رسالتى إليكم، وجاءتكم رسالة ربكم بالإصلاح بينكم، والمعاملة العادلة، فأوفوا الكيل والميزان فى مبادلاتكم، ولا تنقصوا حقوق الناس، ولا تفسدوا فى الأرض الصالحة بإفساد الزرع ونحوه، وبقطع الأرحام والمودة، فإن ذلك خير لكم إن كنتم تؤمنون بالله تعالى وبالحق المبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 86 - ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الحق والهداية والعمل الصالح: تهددون سالكه، وبذلك تمنعون طالبى الخير من الوصول، وهم أهل الإيمان الذين يؤمنون بالله، وتريدون أنتم الطريق المعوج، واذكروا إذ كنتم عدداً قليلاً فصيَّركم الله عدداً كثيراً بالاستقامة فى طلب النسل والمال، واعتبروا بعاقبة المفسدين قبلكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 87 - وإذا كانت طائفة منكم آمنوا بالحق الذى أرسلت به، وطائفة لم يؤمنوا، فانتظروا حتى يحكم الله بين الفريقين وهو خير الحاكمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 88 - هذا شأن شعيب فى دعوته قومه، أما القوم فقد تمالأوا على الباطل، وتولى أكابرهم الذين استكبروا عن الدعوة، واستنكفوا أن يتبعوا الحق، وواجهوا شعيباً بما يضمرون، فقالوا له: إنا لا محالة سنخرجك ومن آمن معك من قريتنا، ونطردكم، ولا ننجيكم من هذا العذاب إلا أن تصيروا فى ديننا الذى هجرتموه. فرد عليهم شعيب - عليه السلام - قائلا: أنصير فى ملتكم ونحن كارهون لها لفسادها؟ لا يكون ذلك أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 89 - وبالغ فى قطع طمعهم من العودة إلى ملتهم كما يطلبون، فقال: نكون كاذبين على الله إن صرنا فى ملتكم بعد أن هدانا الله إلى الصراط المستقيم، ولا ينبغى لنا أن نصير فى ملتكم بمحض اختيارنا ورغبتنا. إلا أن يشاء الله عودتنا إلى ملتكم، وهيهات ذلك. لأنه ربنا العليم بنا، فلا يشاء رجوعنا إلى باطلكم، فهو - جل شأنه - وسع كل شئ علماً، يهدينا بلطفه وحكمته إلى ما يحفظ علينا إيماننا إليه - وحده - سلمنا أمرنا مع قيامنا بما أوجبه علينا. ربنا افصل بيننا وبين قومنا بالحق الذى مضت به سنتك فى الفصل بين المحقين المصلحين والمبطلين المفسدين، وأنت - لإحاطة علمك وقدرتك - أعدل الحاكمين وأقدرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 90 - هنا يئس القوم من مطاوعة شعيب ومن معه لهم، وعلموا أنهم ثابتون على دينهم، كذلك خافوا أن يكثر المهتدون مع شعيب بظهور قوته وثباته على دعوته، فاتجه كبراؤهم الكافرون إلى متبوعيهم، يهددونهم قائلين: والله إن طاوعتم شعيباً فى قبول دعوته، إنكم لخاسرون شرفكم وثروتكم فى اتباعكم ديناً باطلاً لم يكن عليه سلفكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 91 - هنا حقَّت عليهم كلمة العذاب، فأصابهم الله بزلزلة اضطربت لها قلوبهم، فصاروا فى دارهم منكبين على وجوههم لا حياة فيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 92 - هذا شأن الله مع الذين كذَّبوا شعيباً، وهددوه وأنذروه بالإخراج من قريتهم، وعملوا على رد دعوته، قد هلكوا وهلكت قريتهم كأن لم يعش فيها الذين كذَّبوا شعيباً، وزعموا أن من يتبعه يكون خاسراً، وأكدوا هذا الزعم وكانوا هم الخاسرين لسعادتهم فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 93 - فلما رأى شعيب ما نزل بهم من الهلاك المدمر، أعرض عنهم، وقال مبرئاً نفسه من التقصير معهم: لقد أبلغتكم رسالات ربكم المفضية إلى الإحسان إليكم لو عملتم بها، وبالغت فى إسداء النصح لكم، والعظة بما به تنجون من عقوبة الله، فكيف أحزن الحزن الشديد على قوم كافرين؟ لا يكون ذلك بعدما أعذرت إليهم، وبذلت جهدى فى سبيل هدايتهم ونجاتهم، فاختاروا ما فيه هلاكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 94 - وما بعثنا نبياً من الأنبياء فى قرية من القرى، يدعو أهلها إلى دين الله القويم، وأعرضوا عن قبول تلك الدعوة، إلا أصبناهم بالفقر والمرض، كى يتذللوا ويبتهلوا إلى الله مخلصين له فى كشف ما نزل بهم، ويستجيبوا لرسوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 95 - ثم لما لم يفعلوا ذلك، واستمروا فى كفرهم وعنادهم، امتحناهم بالعافية مكان البلاء استدراجاً، فأعطيناهم رخاء وسعة وصحة وعافية، حتى كثروا ونموَّا فى أموالهم وأنفسهم، وقالوا لجهلهم: إن ما أصاب آباءنا من المحن والبلايا والرفاهية والنعيم، فذلك شأن الدهر، يُدَاول الضرَّاء والسَرَّاء بين الناس، من غير أن ينتبهوا إلى أن هذا جزاء كفرهم فيرتدعوا وبهذا جهلوا سنته - جل شأنه - فى أسباب الصلاح والفساد فى البشر، وما يترتب عليهما من السعادة والشقاء فكانت عاقبة ذلك أن أصابهم الله بالعذاب المدمر فجأة، وهم فاقدون للشعور بما سيحل بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 96 - ولو أن أهل تلك القرى آمنوا بما جاء به الرسل، وعملوا بوصاياهم وابتعدوا عما حرَّمه الله لأعطيناهم بركات من السماء والأرض، كالمطر والنبات والثمار والأنعام والأرزاق والأمن والسلامة من الآفات، ولكن جحدوا وكذبوا الرسل، فأصبناهم بالعقوبات وهم نائمون، بسبب ما كانوا يقترفون من الشرك والمعاصى، فأخذهم بالعقوبة أَثرٌ لازم لكسبهم القبيح، وعبرة لأمثالهم إن كانوا يعقلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 97 - أَأَمِن أهل القرى الذين بلغتهم دعوة أنبيائهم ولم يؤمنوا أن يأتيهم عذابنا وقت بياتهم وهم غارقون فى نومهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 98 - أغفل هؤلاء وأمنوا أن يأتيهم العذاب فى ضحى النهار وانبساط الشمس وهم منهمكون فيما لا نفع فيه لهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 99 - أجهلوا سنة الله فى المكذبين، فأمنوا عذابه ليلاً أو نهاراً، يسوقه بتدبيره الذى يخفى على الناس أمره؟ إنه لا يجهل تدبير الله وسنته فى عقوبة المكذبين إلا الذين خسروا أنفسهم بعدم اليقظة إلى ما فيه سعادتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 100 - أغاب عن الذين يخلفون من قبلهم من الأمم سنة الله فيمن قبلهم، وأن شأننا فيهم كشأننا فيمن سبقوهم؟ وهو أنهم خاضعون لمشيئتنا، لو نشاء أن نُعَذبهم بسبب ذنوبهم لأصبناهم كما أصبنا أمثالهم، ونحن نختم على قلوبهم لفرط فسادها حتى وصلت إلى حالة لا تقبل معها شيئاً من الهدى، فهم بهذا الطبع والختْم لا يسمعون الحكم والنصائح سماع تفقه واتعاظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 101 - تلك القرى التى بعد عهدها، وطال الأمد على تاريخها، نقُص عليك الآن بعض أخبارها مما فيه عبرة. ولقد جاء أهل تلك القرى رسلهم بالبينات الدالة على صدق دعوتهم، فلم يكن من شأنهم أن يؤمنوا بعد مجئ البينات، لتمرسهم بالتكذيب للصادقين، فكذَّبوا رسلهم ولم يهتدوا، وهكذا يجعل الله حجاباً على قلوب الكافرين وعقولهم، فيخفى عليهم طريق الحق ويَنْأوْن عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 102 - وما وجدنا لأكثر أولئك الأقوام وفاء بميثاق مما أوصيناهم به من الإيمان، على لسان الرسل، وعلى ما يوحى به العقل والنظر السليم. وإن الشأن المطرد فيهم تَمكُّن أكثرهم من الفسوق والخروج عن كل عهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 103 - ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل موسى - عليه السلام - ومعه دلائلنا التى تدل على صدقه فيما يُبلغه عنا إلى فرعون وقومه، فبلَّغهم موسى دعوة ربه، وأراهم آية الله، فظلموا أنفسهم وقومهم بالكفر بها، كِبْرا وجحوداً فاستحقوا من الله عقوبة صارمة كانت بها نهاية أمرهم، فانظر - أيها النبى - نهاية المفسدين فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 104 - وقال موسى: يا فرعون إنى مُرْسَل من الله رب العالمين ومالك أمرهم، لأبلغكم دعوته، وأدعوكم إلى شريعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 105 - وإنى حريص على قول الصدق عن الله تعالى، وقد جئتكم بآية عظيمة الشأن ظاهرة الحُجة فى بيان الحق الذى جئت به، فأطلق معى بنى إسرائيل، وأخرجهم من رق قهرك، ليذهبوا معى إلى دارٍ غير دارك، يعبدون فيها ربهم وربك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 106 - قال فرعون لموسى: إن كنت جئت مؤيداً بآية من عند من أرسلك فأظهرها لدى إن كنت من أهل الصدق الملتزمين لقول الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 107 - فلم يلبث موسى أن ألقى عصاه التى كانت بيمينه أمام فرعون وقومه، فإذا هذه العصا ثعبان ظاهر بيِّن يسعى من مكان إلى آخر، فى قوة تدل على تمام حياته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 108 - وأخرج يده من جيبه، فإذا هى ناصعة البياض تتلألأ للناظرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 109 - فلما أظهر موسى آية الله تعالى، ثارت نفوس بطانة فرعون وعظماء قومه، فقالوا تزلُّفاً ومشايعة لفرعون: إن هذا لماهر فى علم السحر، وليس ذلك بآية من الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 110 - وقد وجه إرادته لسلب ملككم، وإخراجكم من أرضكم بسحره، وما ينشأ عنه من استمالة أفراد الشعب ليتبعوه، وانظروا ماذا تأمرون بما يكون سبيلا للتخلص منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 111 - وقالوا: أجّل البت فى أمره وأمر أخيه الذى يعاونه فى دعوته، وأرسل فى مدائن ملكك رجالا من جندك يجمعون الناس أولى العلم بالسحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 112 - فيأتوك بكل عليم بفنون السحر، وهم يكشفون لك حقيقة ما جاء به موسى. فلا يفتتن به أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 113 - وجاء إلى فرعون السحرة الذين جمعهم له جنده، وقالوا له: إن لنا لجزاء عظيماً يكافئ ما يُطلب منا إن كانت الغلبة لنا على موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 114 - وجاء فرعون مجيباً لهم إلى ما طلبوا: نعم إن لكم لجزاء عظيماً، وإنكم مع ذلك لمن أهل الحظوة عندنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 115 - ثم توجه السحرة إلى موسى بعد أن وعدهم فرعون بما وعدهم، وأظهروا الثقة بأنفسهم واعتدادهم بسحرهم فى ميدان المباراة، وقالوا له إما أن تلقى ما عندك أولا، وإما أن نكون نحن الملقين بما عندنا من دونك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 116 - فأجابهم موسى إجابة الواثق بالغلبة والظفر، مظهراً عدم مبالاته بهم: ألقوا ما أنتم ملقون أولا. فلما ألقى كل واحد منهم ما كان معه من حبال وعصى، خيلوا إلى أبصار الناس وَموَّهوا عليهم أن ما فعلوه حقيقة وما هو إلا خيال، فهال الأمر الناس وأوقع فى قلوبهم الرَّهَبَ والرعب، وقد جاء السحرة النَّاسَ بسحر مظهره كبير وتأثيره فى أعينهم عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 117 - وأصدر الله أمره إلى موسى أن ألق بعصاك، فقد جاء وقتها، فألقاها كما أمر، فإذا عصاه تبتلع بسرعة ما يكذبون ويموّهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 118 - فثبت الحق وظهر فى جانب موسى - عليه السلام - وبطل تخيل السحرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 119 - فَهُزم فرعون وملؤه فى ذلك المجمع العظيم، وعادوا من ذلك المجمع أذلة بما رزئوا من الخذلان والخيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 120 - هذا ما كان من شأن فرعون وملئه، وأما السحرة فقد بهرهم الحق، فاندفعوا ساجدين لله مذعنين للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 121 - قائلين: آمنا بخالق العالمين، ومالك أمرهم المتصرف فيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 122 - إنَّه الإله الذى يعتقده ويؤمن به موسى وهارون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 123 - فهال هذا الأمر فرعون، وأثار حميته فقال: هل آمنتم وصدقتم برب موسى وهارون قبل أن آذن لكم؟ إن هذا الصنيع الذى صنعتموه أنتم وموسى وهارون كان بالاتفاق، وليس إلا مكراً مكرتموه فى المدينة (مصر) لأجل أن تخرجوا منها أهلها بمكركم، فسوف ترون ما يحل بكم من العذاب جزاء اتباعكم موسى وهارون، وعقاباً على هذا المكر والخداع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 124 - وأقسم لأُنكِّلنَّ بكم، وأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، فأقطع اليد من جانب والرجل من جانب آخر، ثم لأصلِّبنَّ كل واحد منكم وهو على هذه الحالة المشوهة، لتكونوا عبرة لمن تحدثه نفسه بالكيد لنا أو بالخروج على سلطاننا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 125 - فلم يأبهوا لقوله وتهديداته، لتمكن الإيمان من شغاف قلوبهم، فقالوا له: إنا إلى ربنا راجعون، فنتقلب فى رحمته ونعيم جزائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 126 - وما تُنكر منا وتُعَاقِبنا عليه إلا أن صدقنا موسى، وأذعنا لآيات ربنا الواضحة الدالة على الحق لما جاءتنا. ثم توجهوا إلى الله ضارعين إليه قائلين: يا ربنا أفض علينا صبراً عظيماً نقوى معه على احتمال الشدائد، وتوفنا على الإسلام غير مفتونين من وعيد فرعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 127 - وبعد أن شاهد فرعون وقومه ما شاهدوا - من ظهور أمر موسى وقوة غلبته وإيمان السحرة به - قال الكبراء من قومه: أنترك موسى وقومه أحرارا آمنين، ليكون مآلهم أن يفسدوا قومك عليك فى أرض مصر بإدخالهم فى دينهم، ويتركك مع آلهتك فى غير مبالاة، فيظهر للمصريين عجزك وعجزهم؟ قال فرعون مجيبا لهم: سنقتل أبناء قومه تقتيلا ما تناسلوا، ونستبقى نساءهم أحياء، حتى لا يكون لهم قوة كما فعلنا من قبل، وإنا مستعلون عليهم بالغلبة والسلطان قاهرون لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 128 - وهنا رأى موسى أثر الجزع فى نفوس قومه، فشد من عزمهم، وقال لهم: اطلبوا معونة اللَّه وتأييده، واثبتوا ولا تجزعوا، إن الأرض في قبضة قدرة الله وملكه، يجعلها ميراثا لمن يشاء من عباده لا لفرعون، والعاقبة الحسنة للذين يتقون اللَّه بالاعتصام به والاستمساك بأحكامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 129 - فقال القوم فى حزن وضعف: نحن نالنا الأذى قديماً من فرعون قبل مجيئك إلينا، وحديثا من بعد مجيئك. فقتح موسى لهم باب الأمل وقال لهم: إن المرجو من فضل - ربكم - أن يهلك عدوكم الذى سخركم وآذاكم بظلمه، ويجعلكم خلفاء الأرض التى وعدكم إياها، فيعلم سبحانه ما أنتم عاملون بعد هذا التمكين: أتشكرون النعمة أم تكفرون؟ وتصلحون في الأرض أم تفسدون؟ ليجزيكم فى الدنيا والآخرة بما تعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 130 - ولقد عاقبنا فرعون وقومه بالجدب والقحط وضيق المعيشة، وبنقص ثمرات الزروع والأشجار، رجاء أن ينتبهوا إلى ضعفهم وعجز ملكهم الجبار أمام قوة اللَّه فيتعظوا ويرجعوا عن ظلمهم لبنى إسرئيل، ويستجيبوا لدعوة موسى - عليه السلام - فإن شأن الشدائد أن تمنع الغرور وتهذب الطباع وتوجه الأنفس إلى قبول الحق، وإرضاء رب العالمين، والتضرع إليه دون غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 131 - ولكن دأب فرعون وأعوانه عدم الثبات على الحق، فسرعان ما يعودون إلى الغدر والمعصية، فهم متقلبون. فإذا جاءهم الخصب والرخاء - وكثيرا ما يكون ذلك - قالوا: نحن المستحقون له لما لنا من الامتياز على الناس، وإن أصابهم ما يسوؤهم كجدب أو جائحة أو مصيبة فى الأبدان والأرزاق، يرون أنهم أصيبوا بشؤم موسى ومن معه، ويغفلون عن أن ظلمهم وفجورهم هو الذى أدى بهم إلى ما نالهم، ألا فليعلموا أن علم شؤمهم عند الله، فهو الذى أصابهم بسبب أعمالهم القبيحة، فهى التى ساقت إليهم ما يسوؤهم، وليس موسى ومن معه، ولكن أكثرهم لا يدرى هذه الحقيقة التى لا شك فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 132 - ولهذه الفكرة السيئة عندهم أصروا على الجحود، وقالوا عند رؤيتهم لآيات موسى: إنك مهما جئتنا بكل نوع من أنواع الآيات التى تستدل بها على حقيقة دعوتك - لأجل أن تصرفنا بها عما نحن عليه من ديننا ومن استعباد قومك - فما نحن لك بمصدقين ولا مذعنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 133 - فأنزل اللَّه عليهم مزيدا من المصائب والنكبات: بالطوفان الذى يغشى أماكنهم، وبالجراد الذى يأكل ما بقى من نبات أو شجر، وبالقمل وهو حشرة تفسد الثمار وتقضى على الحيوان والنبات، وبالضفادع التى تنتشر فتنغص عليهم حياتهم وتذهب بصفائها، وبالدم الذى يسبب الأمراض الكثيرة كالنزيف من أى جسم، والدم الذى ينحبس فيسبب ضغطا أو ينفجر فيسبب شللا، ويشمل البول الدموى بسبب البلهارسيا ونحوها، أو الذى تحول إليه ماؤهم الذى يستخدمونه فى حاجات معاشهم، أصابهم اللَّه بهذه الآيات المميزات الواضحات فلم يتأثروا بها، وجمدت قرائحهم وفسد ضميرهم، فعتوا عن الإيمان والرجوع إلى الحق من حيث هو حق، وكانوا قوما موغلين فى الإجرام كما هو شأنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 134 - ولفرط تقلبهم حسب الدواعى، كانوا كلما وقع عليه نوع من العذاب قالوا لشدة تأثيره فيهم وتألمهم به: يا موسى، سل ربك لنا بالذى عهد به إليك أن تدعوه به فيعطيك الآيات ويستجيب لك الدعاء، أن تكشف عنا هذا العذاب، ونحن نقسم لك لئن أزلته عنا لنخضعن، ولنطلقنَّ معك بنى إسرائيل كما أردت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 135 - فلما كشفنا عنهم العذاب مرة بعد أخرى إلى وقت هم منتهون إليه فى كل مرة، إذا هم ينقضون عهدهم ويحنثون فى قسمهم، ويعودون إلى ما كانوا عليه، ولم تُجْد فيهم هذه المحن الزاجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 136 - فأنزلنا عليهم نقمتنا، فأغرقناهم فى البحر بسبب استمرارهم على التكذيب بآياتنا، وتمام غفلتهم عما تقتضيه هذه الآيات من الإيمان والإذعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 137 - وأعطينا القوم الذين كانوا يستضعفون فى مصر - وهم بنو إسرائيل - جميع الأرض التى حباها اللَّه بالخصب والخير الكثير، فى مشارقها ومغاربها، ونفذت كلمة اللَّه الحسنى تامة، ووعد بالنصر شاملاً لبنى إسرائيل بسبب صبرهم على الشدائد، ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من الصروح والقصور المشيدة، وما كانوا يعرشونه من السقائف للنبات والشجر المتسلق كعرائش العنب، هذا شأن اللَّه، وصدق وعده الجميل لبنى إسرائيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 138 - وتجاوز بنو أسرائيل البحر بعنايتنا وتأييدنا وتيسير الأمر لهم فلما تجاوزوه مروا على قوم ملازمين لعبادة أصنام لهم، فلما شاهدوا هذه الحالة غلب عليهم ما ألفوا قديما من عبادة المصريين للأصنام، فطلبوا من موسى أن يجعل لهم صنما يعبدونه، كما أن لهؤلاء القوم أصناما يعبدونها فسارع موسى - عليه السلام - موبخا لهم رادعا وقال: إنكم قوم سفهاء لا عقول لكم، لا تعرفون العبادة الحقة، ولا من هو الإله الذى يستحق أن يعبد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 139 - إن هؤلاء الذين ترونهم يعبدون الأصنام، هالك ما هم فيه من الدين الباطل، وزائل عملهم لا بقاء له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 140 - أأطلب لكم معبوداً غير اللَّه رب العالمين، وهو قد منحكم الفضل فأعطاكم نعما لم يعطها غيركم من أهل زمانكم؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 141 - واذكروا إذ أنجاكم اللَّه تعالى بعنايته من آل فرعون الذين كانوا يذيقونكم أشد العذاب، ويسخرونكم لخدمتهم فى مشاق الأعمال، ولا يرون لكم حرمة كالبهائم، فيقتلون ما يولد لكم من الذكور، ويستبقون الإناث لكم لتزدادوا ضعفا بكثرتهن، وفيما نزل بكم من تعذيب فرعون لكم وإنجائكم منه، اختبار عظيم من ربكم ليس وراءه بلاء واختبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 142 - وواعدنا موسى بالمناجاة وإعطاء التوراة عند تمام ثلاثين ليلة يتعبد فيها، وأتممنا مدة الوعد بعشر ليال يستكمل فيها عبادته، فصارت المدة أربعين ليلة، وقال موسى لأخيه هارون حين توجه للمناجاة: كن خليفتى فى قومى، وأصلح ما يحتاج إلى الإصلاح من أمورهم، واحذر أن تتبع طريق المفسدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 143 - ولما جاء لمناجاتنا، وكلَّمه ربه تكليما ليس كتكليمنا، قال رب أرنى ذاتك، وتجلَّ لى أنظر إليك فأزداد شرفا، قال: لن تطيق رؤيتى. ثم أراد سبحانه أن يقنعه بأنه لا يطيقها فقال: لكن انظر إلى الجبل الذى هو أقوى منك، فإن ثبت مكانه عند التجلى فسوف ترانى إذا تجليت لك. فلما ظهر ربه للجبل على الوجه اللائق به تعالى، جعله مفتتا مستويا بالأرض، وسقط موسى مغشياً عليه لهول ما رأى، فلما أفاق من صعقته قال: أنزهك يا رب تنزيها عظيما عن أن تُرى فى الدنيا، إنى تبت إليك من الإقدام على السؤال بغير إذن، وأنا أول المؤمنين فى زمانى بجلالك وعظمتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 144 - لما منع اللَّه موسى من رؤيته، عدد عليه نعمه ليتسلى بها عن المنع فقال: يا موسى إنى فضلتك واخترتك على أهل زمانك، بتبليغ أسفار التوراة وبتكليمى إياك من غير واسطة، فخذ ما فضلتك به، واشكرنى كما يفعل الشاكرون المقدرون للنعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 145 - وبينا لموسى فى ألواح التوراة كل شئ من المواعظ والأحكام المفضلة التى يحتاج الناس إليها فى المعاش والمعاد، وقلنا له: خذ الألواح بجد وحزم، وأمر قومك أن يأخذوا بأفضل ما فيها، كالعفو بدل القصاص، والإبراء بدل الانتظار، واليسر بدل العسر. سأريكم يا قوم موسى فى أسفاركم دار الخارجين على أوامر اللَّه، وما صارت إليه من الخراب لتعتبروا، فلا تخالفوا حتى لا يصيبكم ما أصابهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 146 - سأمنع من التفكير فى دلائل قدرتى القائمة فى الأنفس والأفاق، أولئك الذين يتطاولون فى الأرض ويتكبرون عن قبول الصواب غير محقين، وإن يروا كل آية تدل على صدق رسلنا لا يصدقوها، وإن يشاهدوا طريق الهدى لا يسلكوه، وإن يشاهدوا طريق الضلال يسلكوه. يحدث ذلك منهم بسبب أنهم كذبوا بآياتنا المنزلة، وغفلوا عن الاهتداء بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 147 - والذين كذبوا بآياتنا المنزلة على رسلنا للهداية، وكذبوا بلقائنا يوم القيامة، فأنكروا البعث والجزاء، بطلت أعمالهم التى كانوا يرجون نفعها فلا يلقون إلا جزاء ما استمروا على عمله من الكفر والمعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 148 - وبعد أن ذهب موسى إلى الجبل لمناجاة ربه، اتخذ قومه من حليهم المخصصة للزينة جسما على صورة العجل الذى لا يعقل ولا يميز، له صوت يشبه صوت البقر، مما أودع فيه من الصناعة ومرور الريح بداخله. . وقد صنعه لهم السامرى وأمرهم بعبادته. يا لسفاهة عقولهم. ألم يروا حين أتخذوه إلها وعبدوه أنه لا يكلمهم ولا يقدر على هدايتهم إلى طريق الصواب؟! إنهم ظلموا أنفسهم بهذا العمل الشنيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 149 - ولما شعروا بزلتهم وخطئهم، تحيروا وندموا أشد الندم على اتخاذ العجل إلها. وتبينوا ضلالهم تبيناً ظاهراً، وقالوا: واللَّه لئن لم يتب علينا ربنا ويتجاوز عنا لنكونن من الذين خسروا خسراناً مبينا، بوضعهم العبادة فى غير موضعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 150 - ولما رجع موسى من مناجاة ربه إلى قومه، غضبان عليهم لعبادتهم العجل، حزينا لأن اللَّه فتنهم - وكان اللَّه قد اخبره بذلك قبل رجوعه - فقال لهم: ما أقبح ما فعلتم بعد غيبتى، أسَبَقْتم بعبادة العجل ما أمركم به ربكم من انتظارى وحفظ عهدى حتى آتيكم بالتوراة؟! ووضع الألواح، واتجه إلى أخيه لشدة حزنه حين رأى ما رأى من قومه، وأخذ يشد أخاه من رأسه ويجره نحوه من شدة الغضب، ظنا منه أنه قصر فى كفَّهم عما فعلوا، فقال هارون لموسى. يا ابن أمى إن القوم حين فعلوا ما فعلوا قد استضعفونى وقهرونى، وقاربوا قتلى لما نهيتهم عن عبادة العجل، فلا تَسُر الأعداء بإيذائك لى، ولا تعتقدنى واحدا من الظالمين مع براءتى منهم ومن ظلمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 151 - قال موسى: رب اغفر لى ما صنعت بأخى قبل جلية الأمر، واغفر لأخى إن كان فَرّط فى حسن الخلافة، وأدخلنا فى سعة رحمتك لأنك أكثر الراحمين رحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 152 - إن الذين استمروا على اتخاذ العجل إلها، كالسامرى وأشياعه، سينالهم غضب عظيم من ربهم فى الدار الآخرة، ومهانة شديدة فى الحياة الدنيا، بمثل ذلك الجزاء نجزى كل من اختلق الكذب على اللَّه وعبد غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 153 - والذين عملوا الأعمال القبيحة من الكفر وعبادة العجل والمعاصى، ثم رجعوا إلى اللَّه من بعد عملها، وصدقوا به، إن ربك من بعد توبتهم ستَّار عليهم، غفَّار لما كان منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 154 - ولما ذهب عن موسى الغضب باعتذار أخيه، عاد إلى الألواح التى ألقاها وأخذها، وفيما نُسِخَ فيها هدى وإرشاد وأسباب رحمة، للذين يخافون غضب ربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 155 - ثم أمر اللَّه موسى أن يأتيه فى جماعة من قومه يعتذرون عَمَّن عبدوا العجل، ووعدهم موْعدا، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا ممن لم يعبدوا العجل، وهم يمثلون قومه، وذهب بهم إلى الطور، وهنالك سألوا اللَّه أن يكشف عنهم البلاء، ويتوب على من عبد العجل منهم، فأخذتهم فى ذلك المكان زلزلة شديدة غشى عليهم بسببها، وهذا لأنهم لم يفارقوا قومهم حين عبدوا العجل، ولم يأمروهم بالمعروف، ولم ينهوهم عن المنكر، فلما رأى موسى ذلك قال: يا رب لو شئت إهلاكهم أهلكتهم من قبل خروجهم إلى الميقات، وأهلكتنى معهم، ليرى ذلك بنو إسرائيل فلا يتهمونى بقتلهم فلا تهلكنا يا رب بما فعل الجُهَّال منا، فما محنة عبدة العجل إلا فتنة منك، أضللت بها من شئت إضلاله ممن سلكوا سبيل الشر، وهديت بها من شئت هدايته. وأنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 156 - ولأنك يا رب خير من يغفر نسألك أن تقدّر لنا فى هذه الدنيا حياة طيبة، وتوفيقا للطاعة، وفى الآخرة مثوبة حسنة ورحمة، لأننا رجعنا إليك وتبنا إليك، فقال له ربه: عذابى أصيب به من أشاء ممن لم يتب، ورحمتى وسعت كل شئ، وسأكتبها للذين يتقون الكفر والمعاصى من قومك، ويؤدون الزكاة المفروضة، والذين يصدقون بجميع الكتب المنزلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 157 - وأخص بها الذين يتبعون الرسول محمدا، الذى لا يكتب ولا يقرأ، وهو الذى يجدون وصفه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل، يأمرهم بكل خير وينهاهم عن كل شر، ويحل لهم الأشياء التى يستطيبها الطبع، ويُحرم عليهم الأشياء التى يستخبثها الطبع كالدم والميتة، ويزيل عنهم الأثقال والشدائد التى كانت عليهم. فالذين صدقوا برسالته وآزروه وأيدوه ونصروه على أعدائه، واتبعوا القرآن الذى أنزل معه كالنور الهادى، أولئك هم الفائزون دون غيرهم ممن لم يؤمنوا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 158 - قل - يأيها النبى - للناس: إنى مرسل من اللَّه إليكم جميعا، لا فرق بين عربى وعجمى وأسود وأبيض واللَّه الذى أرسلنى له - وحده - ملك السموات والأرض يدبر أمرهما حسب حكمته، ويتصرف فيهما كيف يشاء، ولا معبود بحق إلا هو، وهو الذى يقدر على الإحياء والإماتة دون غيره، فآمنوا به وبرسوله النبى الذى لا يقرأ ولا يكتب، وهو يؤمن باللَّه الذى يدعوكم إلى الإيمان، ويؤمن بكتبه المنزلة، واتبعوه فى كل ما يفعل ويقول لتهتدوا وترشدوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 159 - ومن قوم موسى جماعة بقوا على الدين الصحيح يهدون الناس بالحق الذى جاء به موسى من عند ربه، ويعدلون فى تنفيذه إذا حكموا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 160 - عدَّد اللَّه نعمه على قوم موسى، فأفاد أنه صيَّرهم اثنتى عشرة فرقة وجعلهم جماعات، وميَّز كل جماعة بنظامها، منعا للتحاسد والخلاف، وأوحى إلى موسى حين طلب منه قومه الماء فى التيه، بأن يضرب الحجر بعصاه، فضربه فانفجرت اثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط، وقد عرف كل جماعة منهم مكان شربهم الخاص بهم، فلا يزاحمهم فيه غيرهم، وجعل لهم السحاب يلقى عليهم ظله فى التيه، ليقيهم حر الشمس، وأنزل عليهم المن، وهو طعام يشبه البرد فى منظره، ويشبه الشهد فى مطعمه، وأنزل السلوى، وهو الطير السمانى، وقال لهم: كلوا من مستلذات ما رزقناكم مما أنزلناه عليكم. فظلموا أنفسهم وكفروا بتلك النعم، وطلبوا غيرها، وما رجع إلينا ضرر ظلمهم ولكنه كان مقصورا عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 161 - واذكر - يأيها النبى - لمن وجد منهم فى زمانك، تقريعا لهم بما فعل أسلافهم، اذكر لهم قولنا لأسلافهم على لسان موسى: اسكنوا مدينة بيت المقدس بعد الخروج من التيه، وكلوا من خيراتها فى أية ناحية من نواحيها شئتم، وقولوا نسألك يا ربنا أن تحط عنا خطايانا، وادخلوا باب القرية مع انحناء الرءوس كهيئة الركوع تواضعا للَّه. إذا فعلتم ذلك تجاوزنا عن ذنوبكم، وسنزيد ثواب من أحسنوا الأعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 162 - فخالفوا أمر ربهم، فقالوا بسبب ظلمهم قولا غير الذى قيل لهم قصد الاستهزاء بموسى، فأنزلنا عليهم عذابا من السماء بسبب استمرارهم على الظلم وتجاوز الحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 163 - واسأل اليهود - استنكارَا لما فعل أسلافهم - عن خبر أهل قرية - أيلة - التى كانت قريبة من البحر، حين كانوا يتجاوزون حدود الله بصيد السمك فى يوم السبت، وحين كانت تأتيهم حيتان الأسماك وتظهر على وجه الماء يوم السبت، وفى غيره لا تأتيهم، ابتلاء من اللَّه. بمثل ذلك البلاء المذكور نبلوهم بلاء آخر بسبب فسقهم المستمر ليظهر منهم المحسن من المسئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 164 - واذكر أيضا لهؤلاء اليهود إذ قالت جماعة من صلحاء أسلافهم - لم يقعوا فيما وقع فيه غيرهم - لمن يعظون أولئك الأشرار: لأى سبب تنصحون قوما اللَّه مهلكهم بسبب ما يرتكبون أو معذبهم فى الآخرة عذابا شديدا؟! قالوا: وعظناهم اعتذاراً إلى ربكم، لئلا ننسب إلى التقصير، ورجاء أن يتقوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 165 - فلما تركوا ما وعظوا به، أنجينا الذين ينهون عن العمل السئ من العذاب، وأخذنا الذين ظلموا فاعتدوا وخالفوا بعذاب شديد، هو البؤس والشقاء. بسبب استمرارهم على الخروج عن طاعة اللَّه ربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 166 - فلما قسوا واستمروا على ترك ما نهوا عنه، ولم يردعهم العذاب الشديد، جعلناهم كالقردة فى مسخ قلوبهم وعدم توفيقهم لفهم الحق، مبعدين عن كل خير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 167 - واذكر أيضا لهؤلاء اليهود حين أعلم ربك أسلافهم على ألسنة أنبيائهم: ليسلِّطنَّ اللَّه على جماعة اليهود إلى يوم القيامة من يوقع بهم أسوأ أنواع العذاب على ظلمهم وفسقهم، لأن ربك سريع العقاب لأهل الكفر، لأن عقابه واقع لا محالة، وكل آت قريب،، إنه غفور رحيم لمن رجع إليه وتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 168 - وقد فرقناهم فى الأرض جماعات: منهم الصالحون، وهم الذين آمنوا واستقاموا، ومنهم أناس منحطون عن وصف الصلاح، وقد اختبرناهم جميعا بالنعم والنقم ليتوبوا عما نهوا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 169 - فجاء من بعد الذين ذكرناهم وقسمناهم إلى القسمين، خلف سُوءٍ ورثوا التوراة عن أسلافهم ولكنهم لم يعملوا بها، لأنهم يأخذون متاع الدنيا عوضا عن قول الحق، ويقولون فى أنفسهم: سيغفر اللَّه لنا ما فعلناه. يرجون المغفرة. والحال أنهم إن يأتهم شئ مثل ما أخذوه يأخذوه. فهم مصرون على الذنب مع طلب المفغرة، ثم وبخهم الله على طلبهم المغفرة مع إصرارهم على ما هم عليه، فقال: إنا أخذنا عليهم العهد فى التوراة، وقد درسوا ما فيها، أن يقولوا الحق، فقالوا الباطل، وإن نعيم الدار الآخرة للذين يتقون المعاصى خير من متاع الدنيا. أتستمرون على عصيانكم فلا تعقلون أن ذلك النعيم خير لكم، وتؤثرون عليه متاع الدنيا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 170 - والذين يتمسكون بالتوراة، وأقاموا الصلاة المفروضة عليهم، إنا لا نضيع أجرهم، لإصلاحهم وإحسانهم الأعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 171 - رد اللَّه على اليهود فى قولهم: إن بنى إسرائيل لم تصدر منهم مخالفة فى الحق، فقال: واذكر لهم - أيها النبى - حين رفعنا الجبل فوق رؤوس بنى إسرائيل كأنه غمامة، وفزعوا لظنهم أنه واقع عليهم، وقلنا لهم - فى حالة الرفع ورهبتهم - خذوا ما أعطيناكم من هدى فى التوراة بجد وعزم على الطاعة، وتذكروا ما فيه لعلكم تعتبرون وتتهذب نفوسكم بالتقوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 172 - بيَّن اللَّه هنا هداية بنى آدم بنصب الأدلة فى الكائنات، بعد أن بيَّنها عن طريق الرسل والكتب، فقال: واذكر - أيها النبى - للناس حين أخرج ربك من أصلاب بنى أدم ونسلهم وما يتوالدون قرنا بعد قرن، ثم نصب لهم دلائل ربوبيته فى الموجودات، وركز فيهم عقولا وبصائر يتمكنون بها من معرفتنا، والاستدلال بها على التوحيد والربوبية، حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بل أنت ربنا شهدنا بذلك على أنفسنا، لأن تمكينهم من العلم بالأدلة وتمكنهم منه فى منزلة الإقرار والاعتراف. وإنما فعلنا هذا لئلا تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا التوحيد غافلين لا نعرفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 173 - أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبلنا، وكنا ذرية لهم فاقتدينا بهم، أفتؤاخذنا يا رب فتهلكنا بما فعل المبطلون من آبائنا بتأسيس الشرك الذى جرونا إليه. . فلا حجة لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 174 - ومثل ذلك البيان الحكيم نُبيِّن لبنى آدم الدلائل على وجود الله، ليرجعوا عن مخالفتهم وتقليد المبطلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 175 - ثم ضرب الله مثلا للمكذبين بآياته المنزلة على رسوله، فقال: واقرأ - أيها النبى - على قومك خبر رجل من بنى إسرائيل آتيناه علما بآياتنا المنزلة على رسلنا، فأهملها ولم يلتفت إليها، فأتبعه الشيطان خطواته، وسلط عليه بإغوائه فصار فى زمرة الضالين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 176 - ولو شئنا رفعه إلى منازل الأبرار لرفعناه إليها، بتوفيقه للعمل بتلك الآيات، ولكنه تعلق بالأرض ولم يرتفع إلى سماء الهداية، واتبع هواه، فصار حاله فى قلقه الدائم، وانشغاله بالدنيا، وتفكيره المتواصل فى تحصيلها كحال الكلب فى أسوأ أحواله عندما يلهث دائما، إن زجرته أو تركته، إذ يندلع لسانه من التنفس الشديد، وكذلك طالب الدنيا يلهث وراء متعه وشهواته دائما. إن ذلك الوصف الذى اتصف به المنسلخ من آياتنا، هو وصف جميع الذين كذبوا بآياتنا المنزلة. فاقصص عليهم قصصه ليتفكروا فيؤمنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 177 - قُبحتْ حال هؤلاء الذين جحدوا آياتنا، وما ظلموا بهذا الانحراف عن الحق إلا أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 178 - من يوفقه الله لسلوك سبيل الحق فهو المهتدى حقا، الفائز بسعادة الدارين، ومن يحرم من هذا التوفيق بسبب سيطرة هواه، فهذا الفريق هم الخاسرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 179 - ولقد خلقنا كثيرا من الجن والإنس مآلهم النار يوم القيامة، لأن لهم قلوبا لا ينفذون بها إلى الحق، ولهم أعين لا ينظرون بها دلائل القدرة، ولهم آذان لا يسمعون بها الآيات والمواعظ سماع تدبر وإتعاظ. أولئك كالبهائم لعدم انتفاعهم بما وهبهم الله من عقول للتدبر، بل هم أضل منها، لأنها تطلب منافعها وتهرب من مضارها، وهؤلاء لا يدركون ذلك، أولئك هم الكاملون فى الغفلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 180 - وللَّه - دون غيره - الأسماء الدالة على أكمل الصفات، فأجروها عليه دعاء ونداء وتسمية، وابتعدوا عن الذين يميلون فيها إلى ما لا يليق بذاته العلية وإنهم سيُجْزُون جزاء أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 181 - وممن خلقنا للجنة طائفة يدعون غيرهم للحق بسبب حبهم الحق، وبالحق - وحده - يعدلون فى أحكامهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 182 - والذين كذبوا بآياتنا المنزلة سنستدرجهم ونتركهم حتى يصلوا إلى أقصى غاياتهم، وذلك بإدرار النعم عليهم، مع انهماكهم فى الغنى، حتى يفاجئهم الهلاك وهم غافلون يرتعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 183 - وسأمد لهم فى الحياة غير مُهملِ لسيئاتهم، وتدبيرى لهم شديد عليهم، يكافئ سيئاتهم التى كثرت بتماديهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 184 - لقد بادروا بالتكذيب، ولم يتدبروا ما يدعوهم الرسول إليه، وما يقدمه من حجج، بل رموه بالجنون وليس به من جنون، فما هو إلا مُنَذِر لهم من عاقبة شركهم، وإنذاره بين واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 185 - لقد كذبوا محمدا فيما يدعوهم إليه من توحيد، ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال فى ملك الله العظيم للسموات والأرض وما فيها، مما يدل على كمال قدرة الصانع ووحدانيته، ولم يفكروا فى أنه قد اقترب أجلهم، أو عسى أن يكون قد اقترب، فيسارعوا إلى النظر وطلب الحق قبل مفاجأة الأجل، فإذا لم يؤمنوا بالقرآن فبأى كلام يؤمنون بعده؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 186 - من يكتب الله عليه الضلالة لسوء اختياره فلا يهديه أحد، ويتركهم - سبحانه - فى ضلالهم يتحيرون لا يهتدون سبيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 187 - يسألك اليهود - يا محمد - عن الساعة التى تنتهى فيها هذه الدنيا، فى أى وقت تكون ويستقر العلم بها؟ قل لهم: علم وقتها عند ربى - وحده - لا يظهرها فى وقتها أحد سواه. قد عظم هولها عندما تقع إلى أهل السموات والأرض. يسألونك هذا السؤال، كأنك حريص على العلم بها. فكرر الجواب، فقل لهم مؤكدا: إن علمها عند اللَّه، ولكن أكثر الناس لا يدركون الحقائق التى تغيب عنهم، أو التى تظهر لهم! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 188 - قل لهم: لا أملك لنفسى جلب نفع ولا دفع ضر إلا الذى شاء اللَّه من ذلك فيملكنى إياه. ولو كنت أعلم ما غاب عنى كما تظنون، لاستكثرت من كل خير، لعلمى بأسبابه، ولدفعت عن نفسى كل سوء باجتناب موجباته، ما أنا إلا نذير بالعذاب ومبشر بالثواب لقوم يؤمنون بالحق ويذعنون له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 189 - هو اللَّه الذى أنشأكم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها، واستمرت سلالتهما فى الوجود. وكنتم زوجاً وزوجة، فإذا تغشاها حملت محمولاً خفيفا هو الجنين عند كونه علقة ومضغة، فلما ثقل الحمل فى بطنها دعا الزوج والزوجة ربهما قائلين: واللَّه لئن أعطيتنا ولدا سليما من فساد الخلقة، لنكونن من الشاكرين لنعمائك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 190 - فلما أعطاهما ما طلبا جعلا الأصنام شركاء للَّه تعالى فى عطيته الكريمة، وتقربا إليها، كأنهما يشكرانها، واللَّه - وحده - هو المستحق للشكر يتعالى ويتسامى عن أن يكون كشركائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 191 - هل يصح أن يشركوا مع الله أصناما لا تقدر أن تخلق شيئا من الأشياء وهم مخلوقون للَّه؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 192 - ولا يقدرون على نصر لمن يعبدونهم، ولا ينصرون أنفسهم إذا تعدى الغير عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 193 - وإن تدعوا - أيها العابدون - الأصنام ليرشدوكم إلى ما تحبون، لا يجيبوكم إلى مرادكم، فمستوٍ عندكم فى عدم الفائدة دعاؤكم إياهم، وسكونكم، فإنه لا يتغير حالهم فى الحالتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 194 - إن الذين تعبدون من غير اللَّه، وترجون النفع منهم، خاضعون للَّه بحكم تكوينهم، من حيث كونهم مسخرين لأمره مثلكم، فإن كنتم صادقين فى زعمكم أنهم يقدرون على شئ، فاطلبوه منهم فلن يحققوه لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 195 - بل إن هذه الأصنام أقل منكم فى الخلق والتكوين، ألهم أرجل يمشون بها؟ أو أيد يدفعون بها الضر عنكم وعنهم؟ أو أعين يبصرون بها؟ أو آذان يسمعون بها ما تطلبون فيحققوه لكم؟ ليس لهم شئ من ذلك، فكيف تشركونهم مع الله؟ ، وإذا كنتم تتوهمون أنها تنزل الضر بى أو بأحد، فنادوها ودبروا لى معها ما تشاءون من غير إمهال ولا انتظار، فإنها لن تستطيع شيئا، فلا تمهلونى فإنى لا أبالى بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 196 - إن ناصرى عليكم هو اللَّه الذى له ولايتى، وهو الذى أنزل على القرآن، وهو - وحده - الذى ينصر الصالحين من عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 197 - والأصنام الذين تطلبون منهم النصر دون اللَّه، لا يستطيعون نصركم ولا نصر أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 198 - وإن تسألوهم الهداية إلى ما فيه خيركم لا يسمعوا سؤالكم فضلا عن إرشادكم، وإنك لتراهم - فى مقابلك - كأنما ينظرون إليك، وهم فى الحقيقة لا يرون شيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 199 - أعرض - أيها النبى - عن الجاهلين، وسر فى سبيل الدعوة، وخذ الناس بما يسهل، وأمرهم بكل أمر مستحسن تعرفه العقول وتدركه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 200 - وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة لصرفك عما أمرت، كأن تغضب من لجاجتهم بالشر، فاستجر باللَّه يصرفه عنك، لأنه سميع لكل ما يقع عليم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 201 - إن الذين خافوا ربهم، وجعلوا بينهم وبين المعاصى وقاية من الشيطان بوسوسة منه طافت بهم لصرفهم عما يجب عليهم تذكروا عداوة الشيطان وكيده، فإذا هم مبصرون الحق فيرجعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 202 - وإخوان الشياطين من الكفار، تزيدهم الشياطين بالوسوسة ضلالا، ثم هؤلاء الكفار لا يُكفون عن ضلالهم بالتبصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 203 - وإذا لم تأت الكفار بآية مما يطلبون عناداً وكفراً، قالوا: هلا طلبتها؟ قل لهم: ما أتَّبع إلا القرآن الذى يوحى إلى من ربى، وقل لهم: هذا القرآن حُجج من ربكم تبصركم وجوه الحق، وهو ذو هداية ورحمة للمؤمنين، لأنهم العاملون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 204 - وإذ تُلِىَ عليكم - أيها المؤمنون - القرآن فاصغوا إليه بأسماعكم. لتتدبَّروا مواعظه، وأحسنوا الاستماع لتفوزوا بالرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 205 - واذكر ربك ذكراً نفسياً، تحس فيه بالتقرب إلى الله والخضوع له والخوف منه، من غير صياح، بل فوق السر ودون الجهر من القول. وليكن ذكرك فى طرفى النهار لتفتتح نهارك بالذكر لربك وتختمه به، ولا تكُنْ فى عامة أوقاتك من الغافلين عن ذكر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 206 - إن الذين هم قريبون من ربك بالتشريف والتكريم، لا يستكبرون عن عبادته، وينزهونه عما لا يليق به، وله يخضعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 1 - أُخرج النبى من مكة مهاجراً بسبب مكر المشركين وتدبيرهم أمر قتله، وليكون للمسلمين دولة، واستقر بالمدينة حيث النصرة، وكان لا بد من الجهاد لدفع الاعتداء، لكيلا يُفتَنَ أهل الإيمان، فكانت غزوة بدر الكبرى، وكان فيها النصر المبين والغنائم، وكان وراء الغنائم بعض الاختلاف والتساؤل فى توزيعها. يسألونك عن الغنائم: ما مآلها؟ ولمن تكون؟ وكيف تقسم؟ فقل لهم - أيها النبى -: إنها لله والرسول ابتداء، والرسول بأمر ربه يتولى تقسيمها، فاتركوا الاختلاف بشأنها، واجعلوا خوف الله وطاعته شعاركم، وأصْلحوا ما بينكم، فاجعلوا الصِّلاتِ بينكم محبة وعدلا، فإن هذه صفة أهل الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 2 - إن المؤمنين حقاً وصدقاً يستشعرون دائماً خوف الله وطاعته، فإذا ذُكر سبحانه فزعت قلوبهم، وامتلأت هيبة، ولذا كلما قرئت عليهم آيات من القرآن ازداد إيمانهم رسوخاً، وازدادوا إذعاناً وعلماً، ولا يعتمدون إلا على الله الذى خلقهم ويحميهم وينميهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 3 - وأولئك المؤمنون الصادقون فى الإيمان، يؤدون الصلاة مستوفية الأركان، كاملة الخشوع والخضوع، ليكونوا على تذكر الله دائماً، وينفقون مقادير من المال الذى رزقهم الله - سبحانه وتعالى - فى الجهاد والبر ومعاونة الضعفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 4 - إن هؤلاء المتصفين بتلك الصفات، هم الذين يوصفون بالإيمان حقاً وصدقاً، ولهم جزاؤهم درجات عالية عند الله، وهو الذى يمنحهم رضاه، ويغفر لهم هفواتهم ويرزقهم رزقاً طيباً فى الدنيا، ونعيماً دائماً فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 5 - وإن النصر بيد الله، ومقاليد الأمور إليه، وإنَّ حال المؤمنين فى خلافهم حول الغنائم كحالهم عندما أمرك الله بالخروج لقتال المشركين ببدر، وهو حق ثابت، فإن فريقاً من أولئك المؤمنين كانوا كارهين للقتال مؤكدين كراهيتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 6 - يناظرك أولئك الفريق، ويحاولون أن ينصروا قولهم فى الأمر الحق، وهو الخروج للجهاد، إذ كانوا مع إخوانهم الذين خرجوا لمصادرة أموال قريش الذاهبة إلى الشام، فلم يدركوها، فآثر هذا الفريق العودة من بعد ما تبين أنهم منصورون، لإعلام النبى لهم، ولذعر المشركين منهم، ولشدة كراهيتهم للقتال وعدم أمنهم من عواقبه، وكانوا فى ذهابهم إليه كالذى يساق إلى الموت، وهو ينظر أسبابه ويعاينها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 7 - واذكروا - أيها المؤمنون - وعد الله تعالى لكم أن ينصركم على إحدى الطائفتين التى فيها الشوكة والقوة، وأنتم تودون أن تدركوا الطائفة الأخرى التى فيها المال والرجال، وهى قافلة أبى سفيان، فاخترتم المال ولا شوكة فيه، ولكن الله تعالى يريد أن يثبت الحق بإرادته وقدرته وكلماته المعلنة للإرادة والقدرة، ويستأصل الكفر من بلاد العرب بنصر المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 8 - ليثبت الحق ويزيل الباطل، ولو كره ذلك الكافرون الذين أجرموا فى حق الله، وفى حق المؤمنين وفى حق أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 9 - اذكروا - أيها المؤمنون، وأنتم تتقاسمون الغنائم وتختلفون - الوقت الذى كنتم تتجهون فيه إلى الله تعالى، طالبين منه الغوث والمعونة، إذ كتب عليكم أنه لا خلاص من القتال، فأجاب الله دعاءكم، وأمدَّكم بملائكة كثيرة تبلغ الألف متتابعة، يجئ بعضها وراء بعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 10 - وما جعل الله تعالى ذلك الإمداد بالملائكة إلا بشارة لكم بالنصر، لتطمئنوا وتقدموا، والله يعينكم، والنصر لا يجئ إلا بمعونة الله القوى الغالب، الذى يضع الأمور فى مواضعها بمقتضى علمه الذى لا يغيب عنه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 11 - اذكروا - أيها المؤمنون - وقت أن خفتم من قلة الماء، ومن الأعداء، فوهبكم الله الأمن، وأصابكم النعاس فنمتم آمنين، وأنزل الماء من السماء لتتطهروا به، ولتذهبوا وساوس الشيطان عنكم، وثبت قلوبكم واثقة بعون الرحمن ولتتماسك به الأرض فتثبت الأقدام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 12 - اذكروا - أيها المؤمنون - أن الله أوحى للملائكة أن تودع فى نفوسكم أنى معكم بالتأييد والنصر، قائلاً لهم: قووا قلوب الذين آمنوا وأذعَنوا للحق وجاهدوا فى سبيل الله، وسأجعل الرعب يستولى على قلوب المشركين، فيفزعون هم دونكم، فاضربوا - أيها المؤمنون - رءوسهم التى فوق أعناقهم، وقطعوا أصابعهم التى يحملون بها السيوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 13 - كان ذلك النصر والتأييد لكم، والرعب والفزع لهم، لأنهم تحدوا الله ورسوله، فكانوا فى جانب والله ورسوله فى جانب آخر، ومن يحاد الله ورسوله فإنه ينزل به العذاب الأليم لأن عقاب الله شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 14 - ذلكم أيها المؤمنون هو القتال فذوقوه مع اليقين بالنصر والتأييد وأن للجاحدين بآياته عقاباً آخر يوم القيامة، هو عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 15 - أيها الذين صدقوا بالحق وأذعنوا له، إذا التقيتم بالذين كفروا فى الميدان، وهم زاحفون عليكم بكثرتهم، فلا تفروا منهم وتجعلوا ظهوركم أمام سيوفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 16 - ومن لا يلاقهم وجهاً لوجه فاراً منهم، فإن الله يغضب عليه، ومصيره إلى النار، وهى أسوأ مصير لكم، ومن لا يلاقهم بوجهه كيداً ومهارة حربية، أو يترك طائفة لينحاز إلى طائفة أخرى من المؤمنين، لتكون قوة للقاء فإنه لا إثم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 17 - إذا كنتم - أيها المؤمنون - قد انتصرتم عليهم، وقتلتم من قتلتم منهم، فإنكم لم تقتلوهم بقوتكم، ولكن الله تعالى هو الذى نصركم وقتلهم بتأييده لكم وإلقاء الرعب فى قلوبهم، وما رميت - أيها الرسول - إذ كنت ترمى التراب والحصا فى وجوههم إفزاعاً لهم، ولكن الله تعالى هو الذى رمى فأفزعهم الرمى، وكان ذلك لينعم الله على المؤمنين نعماً حسنة، منها الابتلاء بالشدة، ليظهر إخلاصهم، وأن الله عليم بأمورهم، سميع لأقوالهم، وكذلك هو عليم بأمور أعدائهم وأقوالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 18 - ذلك هو النصر العظيم، مع أن الله تعالى مُضْعِفٌ لكل تدابير الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 19 - إن كنتم - أيها المشركون - تتعلقون بأستار الكعبة، طالبين الفصل بينكم وبين المؤمنين، فقد جاءكم الامر الفاصل، وليس نصراً لكم، بل هو نصر للمؤمنين، وإن تعودوا إلى الاعتداء نعد عليكم بالهزيمة، ولن تغنى عنكم جماعتكم المؤتلفة على الإثم شيئاً، ولو كان العدد عندكم كثيراً، فإن الله مع الذين صدقوا بالحق وأذعنوا له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 20 - يا أيها الذين صدَّقتم بالحق وأذعنتم له، قد علمتم أن النصر كان بتأييد الله وطاعة رسوله، فاستمروا على طاعتكم لله وللرسول، ولا تعرضوا عن دعوة الرسول إلى الحق وأنتم تسمعون وتعون ما يقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 21 - ولا تكونوا كالمنافقين الذين قالوا: سمعنا الحق ووعيناه، لكنهم لا يذعنون له ولا يؤمنون به، فكانوا كغير السامعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 22 - إن أولئك المشركين والمنافقين معهم، هم كشر الدواب التى أصيبت بالصمم فلا تسمع، وبالبكم فلا تتكلم، فهم صمُّوا عن الحق، فلم يسمعوه ولم ينطقوا به ولم يعقلوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 23 - ولو علم الله - بعلمه الأزلى - أن فيهم - وهم بهذه الحال - ما يكون خيراً لأنفسهم وللناس وللحق، لأسمعهم سماع هداية يوصل الحق إلى عقولهم، ولو سمعوه وفهموه لانصرفوا عن الاهتداء، وحال الإعراض الآن لا تفارقهم لغلبة الهوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 24 - يا أيها الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له، أجيبوا الله فى اتجاه قلبى إلى ما يأمركم به، وأجيبوا الرسول فى تبليغه ما يأمر به الله إذا دعاكم إلى أوامر الله بالأحكام التى فيها حياة أجسامكم وأرواحكم وعقولكم وقلوبكم، واعلموا علم اليقين أن الله تعالى قائم على قلوبكم، يوجهها كما يشاء فيحول بينكم وبين قلوبكم إذا أقبل عليها الهوى، فهو منقذكم منه إن اتجهتم إلى الطريق المستقيم، وإنكم جميعاً ستجمعون يوم القيامة فيكون الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 25 - واجعلوا وقاية بينكم وبين الذنب العظيم الذى يفسد جماعتكم، كالامتناع عن الجهاد، وكالشقاق، وكالامتناع عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن ذلك الذنب لا يصيب الذين ظلموا - وحدهم - بل يصيب الجميع واعلموا علماً جازماً أن عقاب الله شديد فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 26 - وتذكروا - أيها المؤمنون فى حال قوتكم - وقت أن كنتم عدداً قليلاً، وضعفاء يستغل أعداؤكم ضعفكم، وقد استولى عليكم الخوف من أن يتخطفكم أعداؤكم، فهاجرتم بأمر الله وجعل من يثرب مأوى لكم، وكان لكم النصر بتأييده وتوفيقه، ورزقكم الغنائم الطيبة رجاء أن تشكروا هذه النعم، فتسيروا فى طريق الجهاد لإعلاء كلمة الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 27 - يا أيها الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له، لا يصح أن تكون منكم خيانة لله ورسوله بموالاة أعداء الحق، أو بالخيانة فى الغنائم، أو بالقعود عن الجهاد، ولا تخونوا فى الأمانات التى تكون بينكم، وأنتم تعلمون أوامر الله ونواهيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 28 - واعلموا - أيها المؤمنون الصادقون - أن فتنة نفوسكم تجئ من فرط محبتكم لأولادكم، فلا تُغلِّبوا محبة المال والولد على محبة الله تعالى، فإن ذلك يفسد أموركم. واعلموا أن ثواب الله عظيم يجزيكم عن المال والولد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 29 - يا أيها الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له، إن تخضعوا لأوامر الله فى السر والعلن، يجعل الله تعالى فى أنفسكم قدرة تفرقون بها بين الحق والباطل، ويهبكم نصراً ليفصل بينكم وبين أعدائكم، ويستر سيئاتكم فتذهب ويغفرها لكم، وهو - سبحانه - صاحب الفضل الكبير دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 30 - واذكر - أيها النبى - نعمة الله عليك، إذ يمكر المشركون للإيقاع بك: إما بأن يحبسوك، وإما بأن يقتلوك، وإما بأن يخرجوك. إنهم يدبرون لك التدبير السيئ، والله تعالى يدبر لك الخروج من شرهم، وتدبير الله هو الخير وهو الأقوى والغالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 31 - واذكر - أيها النبى - معاندة المشركين عندما كنت تقرأ عليهم آيات القرآن الكريم، وهى آياتنا، فيذهب بهم فرط الجهل والغرور إلى أن يقولوا: لو أردنا أن نقول مثل هذا القرآن لقلنا، فما هو إلا ما سطره الأولون من قصص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 32 - واذكر - أيها النبى - كيف ذهبوا فى محادَّتك ومحادَّة الله أن قالوا معاندين موجهين النداء لله ربهم: إن كان ما تجئ به هو الأمر الثابت، فاجعل السماء تمطر حجارة، أو أنزل عذاباً شديداً أليماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 33 - وما كان من حكمة الله تعالى أن يعذبهم فى الدنيا بعذاب شديد وأنت فيهم تدعو إلى الحق راجياً إجابتهم، وما كان من شأن الله أن يعذب العصاة وهم يستغفرونه ويقلعون عما هم فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 34 - وإن حالهم القائمة الآن تسوغ تعذيبهم، لأنهم يمنعون الناس من المسجد الذى حرم الله القتال حوله، ولكن يؤخرهم الله لما قدَّره فى علمه من إيمان الكثيرين منهم، وإنهم فى حالهم هذه ليسوا نصراء ذلك المسجد المكرم، لأنهم دنَّسوه بالوثنية، وإنما نصراؤه الحقيقيون هم المؤمنون الطائعون لله، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون الدين، ولا مقام ذلك البيت الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 35 - وما كان دعاؤهم وتضرعهم عند هذا البيت العظيم إلا صفيراً وصفقاً بالأيدى، وإذا كانت تلك حالكم فتلقوا الموت وذوقوه فى ميدان القتال، لينزاح الشرك عن البيت، وذلك القتل فيكم بسبب كفركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 36 - إن هؤلاء الذين جحدوا بالآيات وأشركوا بالله، ينفقون أموالهم ليمنعوا الناس عن الإيمان بالحق، وهم سينفقونها، ثم تكون الأموال بسبب ضياعها عليهم من غير جدوى موجبةً للندم والألم، وسيغلبون فى ميدان القتال فى الدنيا، ثم يجمعون إلى جهنم فى الآخرة إن استمروا على كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 37 - وإن الهزيمة فى الدنيا، والعذاب بالنار فى الآخرة، ليفصل الله خبيث النفس والفعل والقول عن الطيب فى نفسه وقلبه وقوله وفعله، وليجعل الخبيث بعضه فوق بعض، فيجمعه ويضم أجزاءه ويجعله فى النار يوم القيامة، وأولئك المشركون المفسدون هم الخاسرون - وحدهم - فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 38 - وإن باب الرجاء مفتوح مع هذا الترهيب، فقل - يا نبى الرحمة - لهؤلاء الجاحدين: إنهم إن ينتهوا عن العناد والإشراك فإن الله يغفر لهم ما سبق من أعمالهم. وإن استمروا على ضلالهم وعادوا إلى قتالكم فقد تقررت الطريقة الحقة فى الأولين، وهى نصر الحق على الباطل إن التزم أهل الحق الطاعة وسبيل النصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 39 - واستمروا - أيها المؤمنون - فى قتال المشركين حتى يمتنعوا عن إفسادهم لعقائد المؤمنين بالاضطهاد والأذى، فإن انتهوا عن الكفر وإيذاء المؤمنين، وخلص الدين لله، فإن الله تعالى عليم بأعمالهم ومجازيهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 40 - وإن استمروا على إعراضهم وإيذائهم للمؤمنين، فاعلموا - أيها المؤمنون - أنكم فى ولاية الله، وهى أحب ولاية وأقواها، وهو ناصركم، ونصرته أقوى نصرة وأعظمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 41 - واعلموا - أيها المسلمون - أن ما ظفرتم به من مال الكفار فحكمه: أن يقسم خمسة أخماس، خُمس منها لله وللرسول ولقرابة النبى واليتامى: وهم أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم وهم فقراء، والمساكين، وهم ذوو الحاجة من المسلمين، وابن السبيل: وهو المنقطع فى سفره المباح. والمخصص من خُمس الغنيمة لله وللرسول يرصد للمصالح العامة التى يقررها الرسول فى حياته، والإمام بعد وفاته، وباقى الخُمس يصرف للمذكورين. أما الأخماس الأربعة الباقية من الغنيمة - وسكتت عنها الآية - فهى للمقاتلين، فاعلموا ذلك، واعملوا به إن كنتم آمنتم بالله حقاً، وآمنتم بما أنزل على عبدنا محمد من آيات التثبيت والمدد، يوم الفرقان الذى فرَّقنا فيه بين الكفر والإيمان، وهو اليوم الذى التقى فيه جمعكم وجمع الكافرين ببدر، والله عظيم القدرة على كل شئ، وقد نصر المؤمنين مع قلتهم، وخذل الكافرين مع كثرتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 42 - واذكروا حين كنتم فى الوادى بأقرب الجانبين من المدينة، وهم بأبعد الجانبين، وركْب التجارة الذى تطلبونه أقرب إليكم مما يلى البحر، ولو تواعدتم أنتم على التلاقى للقتال لما اتفقتم عليه، ولكن الله دبر تلاقيكم على غير موعد ولا رغبة منهم. لينفذ أمراً كان ثابتاً فى علمه أنه واقع لا محالة، وهو القتال المؤدى إلى نصركم وهزيمتهم، لتنقطع الشبهات، فيهلك الهالكون عن حُجة بينة بالمشاهدة: وهى هزيمة الكثرة الكافرة، ويحيا المؤمنون عن حجة بينة: وهى نصر الله للقلة المؤمنة. إن الله لسميع عليم لا يخفى عليه شئ من أقوال الفريقين ولا نياتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 43 - واذكر - أيها الرسول - حين تفضل الله عليك، فصور لك فى منامك جيش الأعداء فى قلة ليطمئنكم على أنكم ستغلبونهم، فتثبتوا أمام جمعهم ولو ترككم ترونهم كثيراً دون أن يثبتكم بهذه الرؤيا لهبتموهم، ولترددتم فى قتالهم، ولعجزتم، وكان التنازع فى الإقدام وعدمه، ولكن الله سلم من ذلك ونجَّى من عواقبه، إنه عليم بما فى القلوب التى فى الصدور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 44 - واذكر - أيها الرسول - حينما كان الله يريكم أعداءكم عند التلاقى قلة فى أعينكم، كما يظهركم الله فى أعين أعدائكم قلة، ولما فى أنفسهم من الغرور بالكثرة، ليقدم كل منكم على قتال الآخر، فيتم تنفيذ أمر علمه الله، وكان لا بد أن يتم، وإلى الله ترجع أمور العالم كله، فلا ينفذ إلا ما قضاه وهيأ أسبابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 45 - يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم جماعة مقاتلة من أعدائكم فاثبتوا ولا تفروا، واذكروا الله متمثلين قدرته وحسن وعده بنصر المؤمنين، مكثرين فى ذلك الذكر مع الثبات والصبر، فإنكم إن فعلتم ذلك كان رجاؤكم للفلاح محققاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 46 - وأطيعوا الله ورسوله فيما أمرتم به أو نهيتم عنه، ودعوا التنازع والاختلاف، فإنهما مدعاة إلى ضياع القوة وإلى العجز، واصبروا على ما تلقون من مكاره الحرب، فإن الله مع الصابرين بالعون والتأييد والتثبيت وحسن الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 47 - ولا تكونوا كأولئك الذين خرجوا من ديارهم، مغرورين بما لهم من قوة ونعمة، مفاخرين ومتظاهرين بهما أمام الناس، يريدون الثناء عليهم بالشجاعة والغلبة، وهم بذلك يصدون عن سبيل الله والإسلام، والله محيط بأعمالهم علماً وقدرة، وسوف يجازيهم عليها فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 48 - واذكروا - أيها المسلمون - حينما حَسَّن الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته قائلا لهم: إنه لا يستطيع أحد من الناس أن يغلبهم، ويؤكد لهم أنه مجير لهم، فلما تقابل الفريقان فى الحرب بطل كيده ووسوسته ورجع مدبراً، وتبرأ منهم، وخاف أن يهلكه الله، والله شديد العقاب على الذنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 49 - واذكر - أيها الرسول - حينما يقول المنافقون من الكفار وضعفاء الإيمان عند رؤيتكم فى إقدامكم وثباتكم: غرَّ هؤلاء المسلمين دينهم، وإن مَنْ وكل إلى الله أمره مؤمناً به معتمداً عليه، فإن الله يكفيه ما أهمه، وينصره على أعدائه، لأن الله قوى السلطان حكيم فى تدبيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 50 - ولو ترى - أيها الرسول - ذلك الهول الخطير، الذى ينزل بهؤلاء الكفار حين تتوفاهم الملائكة فينزعون أرواحهم، وهم يضربونهم من أمام ومن خلف، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار بسبب أفعالكم السيئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 51 - وإنَّ الله ليس ظالماً لعبيده فى تعذيبهم على ما ارتكبوه، بل ذلك هو العدل، لأنه لا يستوى المسئ والمحسن، فعقابه على ما اقترفوا من أعمال سيئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 52 - إنَّ عادة هؤلاء المشركين وشأنهم فى الكفر، كشأن الفراعنة وسائر العتاة من قبلهم. جحوداً منهم بآيات الله، فعذبهم الله على ذنوبهم، وهو غير ظالم لهم إنَّ الله قوى فى تنفيذ حكمه، شديد المجازاة لمن يستحق عقابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 53 - وهذا عدل فى الجزاء، بسبب أن الله لا يُغير نعمة أنعم بها على قوم، كنعمة الأمن والرخاء والعافية، حتى يُغَيِّروا هم ما بأنفسهم من الأحوال والأسباب، وإنَّ الله سميع لما يقولون عليم بما يفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 54 - وكما أن دأب هؤلاء فى الإنكار لآيات الله ونعمه كدأب آل فرعون والذين من قبلهم فإن دأبهم وشأنهم فى الاستمرار على التكذيب برسله ودلائل نبوتهم، كدأب آل فرعون والذين من قبلهم فالشبه بينهم فى الكفر بالآيات، وجحود رسالة الرسل وتكذيبهم، وفى الاستمرار على ذلك. فكلاَّ أخذ اللَّه بذنبه أولئك بالصواعق والرياح ونحوها، وآل فرعون بالغرق، وكلهم كانوا ظالمين لأنفسهم، واستحقوا ما نزل بهم من العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 55 - إن شَر ما يدب على وجه الأرض عند اللَّه فى حكمه وعدله، هم الكفار المصرون على كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 56 - الذين عقدت معهم العهود والمواثيق، ولا يزالون ينقضونها مرة بعد مرة، وهم اليهود لا يردعهم عن ذلك تعظيم لله، ولا خوف من نقمته وعذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 57 - فإن تدرك - أيها الرسول - هؤلاء الناقضين لعهدهم، وتصادفهم فى الحرب ظافراً بهم، فنكل بهم تنكيلا يسوؤهم ويخيف مَنْ وراءهم، فتفرق جموعهم منْ خلفهم. فذلك التنكيل أرجى لتذكيرهم بنقض العهود، ولدفع غيرهم عن الوقوع فى مثل ما وقع فيه هؤلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 58 - وإن تتوقع من قوم خيانة بأمارات تنبئ بنقضهم لما بينك وبينهم من العهد، فاقطع عليهم طريق الخيانة لك، بأن تعلن فسخك لعهدهم، حتى يكونوا على علم بأمرك، وحتى لا يستطيعوا خيانتك، إن اللَّه لايحب الخائنين ولا يرضى أن توصفوا بوصفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 59 - ولا يظن الذين كفروا أنهم سبقوا ونجوا من عاقبة خيانتهم وغدرهم. إنهم لا يعجزون اللَّه عن الإحاطة بهم، بل هو القادر - وحده - وسيجزيهم بقوته وعدله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 60 - وأعدوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم ما استطعتم من قوة حربية شاملة لجميع عتاد القتال، من المرابطين فى الثغور وأطراف البلاد بخيلهم، لتخيفوا بهذا الإعداد والرباط عدو اللَّه وعدوكم من الكفار المتربصين بكم الدوائر، وتخيفوا آخرين لا تعلمونهم الآن واللَّه يعلمهم. لأنه لا يخفى عليه شئ. وكل ما أنفقتم من شئ فى سبيل إعداد القوة قاصدين به وجه اللَّه، فإن اللَّه يجزيكم عليه جزاء وافيا، دون أن ينقصهم مثقال ذرة مما تستحقون من فضل ربكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 61 - وإن مآل الأعداء عن جانب الحرب إلى جانب السلم، فاجنح لها - أيها الرسول - فليست الحرب غرضاً مقصودا لذاته عندك إنما أنت قاصد بها الدفاع لعدوانهم، وتحديهم لدعوتك. فاقبل السلم منهم، وتوكل على اللَّه، ولا تخف كيدهم ومكرهم إنه سبحانه هو السميع لما يتشاورون به، العليم بما يدبرون ويأتمرون، فلا يخفى عليه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 62 - وإن أرادوا من تظاهرهم بالجنوح إلى السلم خدعة ومكرا بك، فإن اللَّه يكفيك أمرهم من كل وجه، وقد سبق له أن أيدك بنصره، حين هيأ لك من الأسباب الظاهرة والخفية ما ثبت به قلوب المؤمنين من المهاجرين والأنصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 63 - وجمع بينهم على المحبة بعد التفرق والتعادى، فأصبحوا ملتقين حولك، باذلين أرواحهم وأموالهم فى سبيل دعوتك، وإنك لو أنفقت جميع ما فى الأرض من الأموال والمنافع - فى سبيل هذا التأليف - لما أمكنك أن تصل إليه، لأن القلوب بيد اللَّه، ولكن اللَّه ألفَّ بينهم، بهدايتهم إلى الإيمان والمحبة والإخاء، وإنه تعالى قوى غالب، يدبر أمر العباد على مقتضى ما ينفعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 64 - يأيها النبى كفاك وكفى أتباعك المؤمنين أن اللَّه لكم ناصراً ومؤيدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 65 - يأيها النبى حث المؤمنين على القتال لإعلاء كلمة اللَّه ورغبهم فيما وراءه من خير الدنيا والآخرة، لتقوى بذلك نفوسهم، وإنه إن يوجد منكم عشرون معتصمون بالإيمان والصبر والطاعة، يغلبوا مائتين من الذين كفروا، ذلك بأنهم قوم لا يدركون حقائق الأمور، فليس لهم إيمان ولا صبر ولا مطمع فى ثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 66 - وإذا كان واجبكم - أيها المؤمنون - أن تصبروا على ملاقاة أعدائكم فى حال قوتكم، ولو كانوا أمثالكم، فقد رخَص اللَّه لكم فى غير حال القوة أن تصبروا أمام مثليكم فقط من الأعداء لعلمه أن فيكم ضعفا يقتضى التيسير عليكم والترخيص لكم، بعد أن تثبت هيبة الإسلام فى نفوس الكفار، فإن يكن منكم مائة مجاهد صابر يغلبوا مائتين من الكفار، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإرادة اللَّه ومعونته، واللَّه مع الصابرين بنصره وتأييده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 67 - لا يسوغ لأحد من الأنبياء أن يكون له أسرى يحتجزهم، أو يأخذ منهم الفداء، أو يمن عليهم بالعفو عنهم حتى يتغلب ويظهر على أعدائه، ويثقلهم بالجراح، فلا يستطيعون قتالا فى الأرض، ولكنكم - يا جماعة المسلمين - سارعتم فى غزوة بدر إلى اتخاذ الأسرى قبل التمكن فى الأرض، تريدون منافع الدنيا واللَّه يريد لكم الآخرة بإعلاء كلمة الحق، وعدم الالتفاف إلى ما يشغلكم عن الدنيا، واللَّه قوى قادر غالب، يدبر الأمور لكم على وجه المنفعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 68 - لولا حكم سابق من اللَّه بالعفو عن المجتهد المخطئ لأصابكم فيما أخذتم عذاب كبير بسبب ما تعجلتم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 69 - فكلوا مما غنمتم من الفداء حلالاً لكم غير خبيث الكسب، واتقوا اللَّه فى كل أموركم، إن اللَّه عظيم الغفران والرحمة لمن شاء من عباده إذا أناب إلى ربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 70 - يأيها النبى، قل للذين وقعوا فى أيديكم من الأسرى: إن يكن فى قلوبكم خير يعلمه اللَّه، يخلف لكم خيرا مما أخذه المؤمنون منكم، ويغفر لكم ما كان من الشرك والسيئات، واللَّه كثير المغفرة والرحمة لمن تاب من كفره ومن ذنبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 71 - وإن يُريدوا خيانتك بما يُظهر بعضهم من الميل إلى الإسلام مع انطواء صدروهم على قصد مخادعتك، فلا تبتئس، فسيمكنك اللَّه منهم، كما خانوا اللَّه من قبل باتخاذ الأنداد والشركاء والكفر بنعمته، فأمكن منهم إذ نصرك عليهم فى بدر، مع التفاوت بين قوتك فى القلة، وقوتهم فى الكثرة، واللَّه قوى غالب متصرف بحكمته، فأمكن من نصره عباده المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 72 - إن الذين صدَقوا بالحق وأذعنوا لحكمه، وهاجروا من مكه، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، والذين آووهم فى غربتهم، ونصروا رسول اللَّه يقاتلون من قاتله، ويعادون من عاداه، بعضهم نصراء بعض فى تأييد الحق وإعلاء كلمة اللَّه على الحق. والذين لم يهاجروا، لا يثبت لهم شئ من ولاية المؤمنين ونصرتهم، إذ لا سبيل إلى ولايتهم حتى يهاجروا، وإن طلبوا منكم النصر على من اضطهدوهم فى الدين، فانصروهم. فإن طلبوا النصر على قوم معاهدين لكم لم ينقضوا الميثاق معكم، فلا تجيبوهم، واللَّه بما تعملون بصير لا يخفى عليه شئ، فقفوا عند حدوده لئلا تقعوا فى عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 73 - والذين كفروا بعضهم أولياء بعض فهم متناصرون على الباطل، متعاونون فى عداوتكم، فلا توالوهم، فإن خالفتم وواليتموهم، تقع الفتنة فى صفوفكم والفساد الكبير فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 74 - والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل اللَّه، والذين آووهم ونصروا الحق وكلمة اللَّه، هم الصادقو الإيمان، واللَّه تعالى يغفر لهم، ولهم رزق كبير فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 75 - والذين آمنوا بعد الأولين وهاجروا أخيراً وجاهدوا مع السابقين، فأولئك منكم يا جماعة المهاجرين والأنصار، لهم من الولاية والحقوق ما لبعضكم على بعض. وذوو الأرحام من المؤمنين لهم - فضلا عن ولاية الإيمان - ولاية القرابة، فبعضهم أولى ببعض فى المودة والمال والنصرة والتأييد، وقد بين ذلك فى كتابه وهو العليم بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 1 - الله ورسوله بريئان من المشركين الذين عاهدتموهم فنقضوا العهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 2 - فلكم الامان - أيها المشركون - مدة أربعة أشهر - من حين البراءة تنتقلون فيها حيث شئتم، واعلموا أنكم حيثما كنتم خاضعين لسلطان الله، وأنتم لا تعجزونه، وإن الله كاتب الخزى على الذين يجحدونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 3 - وبلاغ من الله ورسوله إلى الناس عامة، فى مجتمعهم يوم الحج الأكبر، أن الله ورسوله بريئان من عهود المشركين الخائنين - في أيها المشركون الناقضون للعهد - إذا رجعتم عن شرككم بالله، فإن ذلك خير لكم فى الدنيا والآخرة، أما إن أعرضتم وبقيتم على ما أنتم عليه، فاعلموا أنكم خاضعون لسلطان الله. وأنت - أيها الرسول - أنذر جميع الكافرين بعذاب شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 4 - أما من عاهدتم من المشركين، فحافظوا على عهودكم ولم يُخِلُّوا بشئ منها، ولم يعينوا عليكم أحداً، فأوفوا لهم عهدهم إلى نهايته واحترموه. . إن الله يحب المتقين المحافظين على عهودهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 5 - فإذا انقضت مدة الأمان - الأشهر الأربعة - فاقتلوا المشركين الناقضين للعهد فى كل مكان، وخذوهم بالشدة، واضربوا الحصار عليهم بسد الطرق، واقعدوا لهم فى كل سبيل، فإن تابوا عن الكفر، والتزموا أحكام الإسلام بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلا سبيل لكم عليهم لدخولهم فى دين الله، والله عظيم المغفرة لمن تاب، واسع الرحمة بعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 6 - وإن طلب منك الأمان - أيها الرسول - أحد من المشركين الذين أمرتم بقتالهم ليسمع دعوتك، فأمّنه حتى يسمع كلام الله، فإن دخل فى الإسلام فهو منكم، وإن لم يدخل فأبلغه مكاناً يكون فيه آمناً. وهذا الأمر - بتأمين المستجير حتى يسمع كلام الله - بسبب ما ظهر من جهله للإسلام، ورغبته فى العلم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 7 - كيف يكون لهؤلاء المشركين - الناقضين للعهود مراراً - عهد محترم عند الله وعند رسوله؟ فلا تأخذوا بعهودهم، إلا الذين عاهدتموهم من قبائل العرب عند المسجد الحرام ثم استقاموا على عهدهم، فاستقيموا أنتم لهم على عهدكم ما داموا مستقيمين، إن الله يحب الطائعين له الموفين بعهودهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 8 - كيف تحافظون على عهودهم، وهم قوم إن يتمكنوا منكم ويكونوا ظاهرين عليكم فلن يدَّخروا جهداً فى القضاء عليكم، غير مراعين فيكم قرابة ولا عهداً، وهؤلاء يخدعونكم بكلامهم المعسول، وقلوبهم منطوية على كراهيتكم، وأكثرهم خارجون عن الحق ناقضون للعهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 9 - أعرَضوا عن آيات الله واستبدلوا بها عَرَضاً قليلاً من أعراض الدنيا، ومنعوا الناس عن الدخول فى دين الله، إن هؤلاء قَبُحَ ما كانوا يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 10 - تلك حال جحودهم، لا يحترمون لمؤمن قرابة ولا عهداً، وهؤلاء هم الذين من شأنهم الاعتداء، فهو مرض لازم لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 11 - فإن تابوا عن الكفر، والتزموا أحكام الإسلام بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فهم إخوانكم فى الدين، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، ويبيّن الله الآيات لقوم ينتفعون بالعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 12 - وإن نقضوا عهودهم من بعد توكيدها، واستمروا على الطعن فى دينكم، فقاتلوا رؤساء الضلال ومَن معهم، لأنهم لا عهد لهم ولا ذمة، لينتهوا عن كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 13 - هلا تسارعون - أيها المؤمنون - إلى قتال جماعة من المشركين، نقضوا عهودكم مراراً، وقد سبق أن همُّوا بإخراج الرسول من مكة وبقتله، وهم الذين بدأوكم بالإيذاء والعدوان من أول الأمر، أتخافونهم؟ لا تخافوهم، فالله - وحده - أحق بأن تخافوه، إن كنتم صادقين فى إيمانكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 14 - قاتلوهم - أيها المؤمنون - يذقهم الله العذاب على أيديكم، ويذلهم وينصركم عليهم، ويشف - بهزيمتهم وإعلاء عزة الإسلام - ما كان من ألم كامن وظاهر بصدور قوم مؤمنين طالما لحقهم أذى الكفار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 15 - ويملأ الله قلوب المؤمنين فرحاً بالنصر بعد الهم والخوف، ويذهب عنهم الغيظ، ويقبل الله توبة من يشاء توبته منهم، والله واسع العلم بشئون عباده، عظيم الحكمة فيما يشرع لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 16 - لا تظنوا - أيها المؤمنون - أن يترككم الله تعالى دون اختبار لكم بالجهاد ونحوه. إن من سنته تعالى الاختبار، ليظهَر علمه بالذين جاهدوا منكم مخلصين، ولم يتخذوا سوى الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء، والله عليم بجميع أعمالكم، ومجازيكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 17 - ليس المشركون أهلاً لأن يعمروا مساجد الله، وهم مستمرون على كفرهم، معلنون له، أولئك المشركون لا اعتداد بأعمالهم ولا ثواب لهم عليها، وهم خالدون فى النار يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 18 - ولكن الذين يعمرون مساجد الله، إنما هم الذين آمنوا بالله - وحده - وصدَّقوا بالبعث والجزاء، وأدَّوا الصلاة على وجهها، وأخرجوا زكاة أموالهم، ولم يخشوا إلا الله - وحده - وهؤلاء يرجى لهم أن يكونوا عند الله من المهتدين إلى الصراط المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 19 - لا ينبغى أن تجعلوا القائمين بسقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام من المشركين فى منزلة الذين آمنوا بالله - وحده - وصدَّقوا بالبعث والجزاء، وجاهدوا فى سبيل الله. ذلك أنهم ليسوا بمنزلة واحدة عند الله. والله لا يهدى إلى طريق الخير القوم المستمرين على ظلم أنفسهم بالكفر، وظلم غيرهم بالأذى المستمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 20 - الذين صدَّقوا بوحدانية الله، وهاجروا من دار الكفر إلى دار الإسلام، وتحمَّلوا مشاق الجهاد فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، أعظم منزلة عند الله ممن لم يتصف بهذه الصفات، وهؤلاء هم الظافرون بمثوبة الله وكرامته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 21 - هؤلاء يبشرهم الله تعالى برحمته الواسعة التى تشملهم، ويخصهم برضاه، وهو أكبر جزاء، وسيدخلهم يوم القيامة جنات لهم فيها نعيم قائم ثابت دائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 22 - وهم خالدون فى الجنة لا يتحولون عنها، وإن الله عنده أجر عظيم وثواب جزيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 23 - يا أيها المؤمنون لا تتخذوا من آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم وأزواجكم، نصراء لكم ما داموا يحبون الكفر ويفضلونه على الإيمان، ومن يستنصر بالكافرين، فأولئك هم الذين تجاوزوا الطريق المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 24 - قل - يا أيها الرسول - للمؤمنين: إن كنتم تحبون آباءكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم، وأقرباءكم، وأموالاً اكتسبتموها، وتجارة تخافون بوارها، ومساكن تستريحون للإقامة فيها أكثر من حبكم لله ورسوله والجهاد فى سبيله، حتى شغلتكم عن مناصرة الرسول، فانتظروا حتى يأتى الله بحكمه فيكم وعقوبته لكم. والله لا يهدى الخارجين على حدود دينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 25 - لقد نصركم الله - أيها المؤمنون - على أعدائكم فى كثير من المواقع بقوة إيمانكم، وحين غرتكم كثرتكم فى معركة «حُنَيْن» ترككم الله لأنفسكم أول الأمر، فلم تنفعكم كثرتكم شيئاً، وظهر عليكم عدوكم، ولشدة الفزع ضاقت عليكم الأرض، فلم تجدوا سبيلا للقتال أو النجاة الشريفة، ولم يجد أكثركم وسيلة للنجاة غير الهرب، ففررتم منهزمين، وتركتم رسول الله مع قلة من المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 26 - ثم أدركتكم عناية الله، فأنزل الطمأنينة على رسوله، وملأ بها قلوب المؤمنين، وأمدَّكم بالملائكة جنوده التى ثبتت أقدامكم، ولم تروها، فانتصرتم. . وأذاق الله أعداءكم مرارة الهزيمة، وذلك جزاء الكافرين فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 27 - ثم يقبل الله توبة من يشاء من عباده فيغفر ذنبه، إذا رجع عنه مخلصاً، والله عظيم المغفرة واسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 28 - يا أيها المؤمنون، إنما المشركون بسبب شركهم نجست نفوسهم، وهم ضالون فى العقيدة، فلا تمكنوهم من دخول المسجد الحرام بعد هذا العام (التاسع من الهجرة) . وإن خفتم فقراً بسبب انقطاع تجارتهم عنكم، فإن الله سوف يعوضكم عن هذا، ويغنيكم من فضله إن شاء، إن الله عليم بشئونكم، حكيم فى تدبيره لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 29 - يا أيها الذين آمنوا، قاتلوا الكافرين من أهل الكتاب الذين لا يؤمنون إيماناً صحيحاً بالله ولا يقرون بالبعث والجزاء إقراراً صحيحاً، ولا يلتزمون الانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه، ولا يعتنقون الدين الحق وهو الإسلام. قاتلوهم حتى يؤمنوا، أو يؤدوا إليكم الجزية خاضعين طائعين غير متمردين. ليسهموا فى بناء الميزانية الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 30 - ترك اليهود الوحدانية فى عقيدتهم، وقالوا: عزيز ابن الله، وترك النصارى الوحدانية كذلك، فقالوا: المسيح ابن الله. وقولهم هذا مبتدع من عندهم، يرددونه بأفواههم ولم يأتهم به كتاب ولا رسول، وليس عليهم حُجة ولا برهان، وهم فى هذا القول يشابهون قول المشركين قبلهم، لعن الله هؤلاء الكفار وأهلكهم. عجباً لهم كيف يضلون عن الحق وهو ظاهر، ويعدلون إلى الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 31 - اتخذوا رجال دينهم أرباباً، يشرعون لهم، ويكون كلامهم ديناً، ولو كان يخالف قول رسولهم، فاتبعوهم فى باطلهم، وعبدوا المسيح ابن مريم، وقد أمرهم الله فى كتبه على لسان رسله ألا يعبدوا إلا إلهاً واحداً، لأنه لا يستحق العبادة فى حكم الشرع والعقل إلا الإله الواحد، تنزه الله عن الإشراك فى العبادة والخلق والصفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 32 - يريد الكافرون بمزاعمهم الباطلة أن يطفئوا نور الله وهو الإسلام، ولا يريد الله إلا إتمام نوره، بإظهار دينه ونصر رسوله، ولو كانوا كارهين لذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 33 - هو الله الذى كفل إتمام نوره بإرسال رسوله (محمداً) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، بالحُجج البينات، ودين الحق (الإسلام) ليعلى هذا الدين على جميع الأديان السابقة عليه، وإن كرهه المشركون، فإن الله يظهره رغماً عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 34 - يا أيها المؤمنون: اعلموا أن كثيراً من علماء اليهود ورهبان النصارى يستحلون أموال الناس بغير حق، ويستغلون ثقة الناس فيهم واتباعهم لهم فى كل ما يقولون، ويمنعون الناس عن الدخول فى الإسلام. والذين يستحوذون على الأموال من ذهب وفضة، حابسين لها، ولا يؤدون زكاتها، فأنذرهم - أيها الرسول - بعذاب موجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 35 - فى يوم القيامة، يوقد على هذه الأموال فى نار جهنم، ثم تحرق بتلك الأموال المحماة جباه أصحابها، وجنوبهم وظهورهم، ويقال توبيخاً لهم: هذا ما ادخرتموه لأنفسكم، ولم تؤدوا منه حق الله، فذوقوا اليوم عذاباً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 36 - إن عدة شهور السنة القمرية اثنا عشر شهراً، فى حكم الله وتقديره، وفيما بَيَّنه فى كتبه منذ بدء العالم. ومن هذه الاثنى عشر شهراً أربعة أشهر يحرم القتال فيها، وهى: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وهذا التحريم للأشهر الأربعة المذكورة هو دين الله المستقيم، الذى لا تبديل فيه ولا تغيير. فلا تظلموا فى هذه الأشهر أنفسكم باستحلال القتال أو امتناعكم عنه إذا أغار عليكم الأعداء فيها، وقاتلوا - أيها المؤمنون - جماعة المشركين دون استثناء أحد منهم، كما يقاتلونكم معادين لكم جميعاً، وكونوا على يقين من أن الله ناصر للذين يخافون، فيلتزمون أوامره ويجتنبون نواهيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 37 - وما تأخير هذه الأشهر الحرم أو بعضها عما رتَّبها الله عليه - كما كان يفعله أهل الجاهلية - إلا إمعان فى الكفر، يزداد به الذين كفروا ضلالا فوق ضلالهم، وكان العرب فى الجاهلية يجعلون الشهر الحرام حلالا إذا احتاجوا القتال فيه، ويجعلون الشهر الحلال حراماً، ويقولون: شهر بشهر، ليوافقوا عدد الأشهر التى حرمها الله، وقد حسَّنت لهم أهواؤهم أعمالهم السيئة، والله لا يهدى القوم المصرين على كفرهم إلى طريق الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 38 - يا أيها المؤمنون ما لكم حينما قال لكم الرسول: اخرجوا للجهاد فى سبيل الله، تباطأ بعضكم عن الخروج للجهاد؟ لا ينبغى ذلك. عجباً لكم أآثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة الآخرة ونعيمها الدائم؟ فما التمتع بالدنيا ولذائذها فى جنب متاع الآخرة إلا قليل تافه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 39 - إن لم تستجيبوا للرسول، فتخرجوا للجهاد فى سبيل الله، يعذبكم الله عذاباً موجعاً. ويستبدل ربكم بكم قوماً آخرين يستجيبون للرسول ولا يتخلفون عن الجهاد، ولا تضرون الله بهذا التخلف شيئاً، والله عظيم القدرة على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 40 - يا أيها المؤمنون، إن لم تنصروا رسول الله فإن الله كفيل بنصره، كما أيَّدَه ونصره حينما اضطره الذين كفروا إلى الخروج من مكة. وليس معه إلا رفيقه أبو بكر، وكان ثانى اثنين، وبينما هما فى الغار مختفين من المشركين الذين يتعقبونهما خشى أبو بكر على حياة الرسول، فقال له الرسول مطمئناً: لا تحزن فإن الله معنا بالنصر والمعونة. عند ذلك أنزل الله الطمأنينة فى قلب صاحبه، وأيَّد الرسول بجنود من عنده، لا يعلمها إلا هو سبحانه. وانتهى الأمر بأن جعل شوكة الكافرين مفلولة ودين الله هو الغالب، والله متصف بالعزة فلا يقهر، وبالحكمة فلا يختل تدبيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 41 - أيها المؤمنون، إذا دعا داعى الجهاد فلبوا النداء أفراداً وجماعات - كل على قدر حاله - ناشطين بالقوة والسلامة والسلاح، وجاهدوا بالمال والنفس فى سبيل إعلاء كلمة الله. ففى ذلك العز والخير لكم. . إن كنتم من أهل العلم الصحيح والمعرفة الحقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 42 - ندد القرآن بالمنافقين فى تخلفهم عن متابعة الرسول فى الجهاد، فقال: لو كان ما دعى إليه هؤلاء المنافقون عرضاً من أعراض الدنيا قريب المنال، أو لو كان كذلك سفراً سهلا، لاتبعوك - أيها الرسول - ولكن شق عليهم السفر وسيحلفون أنهم لو استطاعوا لخرجوا معك، وبهذا النفاق والكذب يهلكون أنفسهم، والله لا يخفى عليه حالهم، فهو يعلم كذبهم وسيجزيهم على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 43 - لقد عفا الله عنك - أيها الرسول - فى إذنك لهؤلاء المنافقين فى التخلف عن الجهاد، قبل أن تتبيَّن أمرهم، وتعلم الصادق من أعذارهم إن كان، كما تعرف الكاذبين منهم فى ادعائهم الإيمان وفى انتحال الأعذار غير الصادقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 44 - ليس من شأن المؤمنين حقاً بالله، وحسابه فى اليوم الآخر، أن يستأذنوك فى الجهاد بالمال والنفس، أو فى التخلف عنك، لأن صدق إيمانهم يحبب إليهم الجهاد فى سبيل الله. والله يعلم صدق نِيَّات المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 45 - إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون إيماناً صادقاً بالله وحسابه فى اليوم الآخر، فإن قلوبهم دائماً فى شك وريبة، وهم يعيشون فى حيرة، وسينالون جزاء ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 46 - ولو صدقت نيَّة هؤلاء المنافقين فى الخروج مع الرسول للجهاد، لأخذوا أهبة الحرب واستعدوا لها، ولكن الله كره خروجهم لعلمه أنهم لو خرجوا معكم لكانوا عليكم لا لكم، فعوّقهم عن الخروج بما امتلأت به قلوبهم من النفاق، وقال قائلهم: اقعدوا مع القاعدين من أصحاب المعاذير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 47 - ولو خرجوا معكم إلى الجهاد ما زادوكم بخروجهم قوة، ولكن يُشيعون الاضطراب أو يُسرعون إلى الفتنة، ويشيعونها فيما بينكم، وفيكم مَنْ يجهل خُبث نيَّاتهم، ويمكن أن يُخْدَع بكلامهم، أو لضعفه يسمع دعوتهم إلى الفتنة، والله عليم بهؤلاء المنافقين الذين يظلمون أنفسهم بما أضمروه من الفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 48 - وقد سبق أن سعى هؤلاء المنافقون بالفتنة فيما بينكم، ودبروا لك - أيها الرسول - المكايد، فأحبط الله تدبيرهم، وحقق نصرك، وأظهر دينه على الرغم منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 49 - وبعض المنافقين كان يقول للرسول: ائذن لى فى القعود عن الجهاد، ولا توقعنى فى شدة وضيق. إنهم بهذا الموقف قد أوقعوا أنفسهم فى معصية الله، وإن نار جهنم لمحيطة بهم فى اليوم الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 50 - هؤلاء المنافقون لا يريدون بك - أيها الرسول - وبأصحابك إلا المكاره، فيتألمون إذا نالكم خير من نصر أو غنيمة، ويفرحون إذا أصابكم شر من جراح أو قتل، ويقولون حينئذ شامتين: قد أخذنا حذرنا بالقعود عن الخروج للجهاد، وينصرفون مسرورين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 51 - قل لهم أيها الرسول: لن ينالنا فى دنيانا من الخير أو الشر إلا ما قدره الله علينا، فنحن راضون بقضاء الله، لا نغتر بالخير نناله، ولا نجزع بالشر يصيبنا، فإن الله وحده المتولى لجميع أمورنا، وعليه - وحده - يعتمد المؤمنون الصادقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 52 - قل لهم - أيها الرسول - ليس لكم أن تتوقعوا شيئاً ينالنا إلا إحدى العاقبتين الحميدتين، إما النصر والغنيمة فى الدنيا، وإما الاستشهاد فى سبيل الله والجنة فى الآخرة، ونحن ننتظر لكم أن يوقع الله بكم عذاباً من عنده يهلككم به، أو يعذبكم بالذلة على أيدينا، فانتظروا أمر الله، ونحن معكم منتظرون أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 53 - قل - أيها الرسول - للمنافقين، الذين يريدون أن يستروا نفاقهم بإنفاق المال فى الجهاد وغيره: أنفقوا ما شئتم طائعين أو مكرهين، فلن يتقبل الله عملكم الذى أحبطه نفاقكم، إنكم دائماً متمردون على دين الله، خارجون على أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 54 - وما منع الله من قبول نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله، والكفر يحبط الأعمال، وإلا أنهم لا يؤدون الصلاة على الوجه الذى أمروا أن يؤدوها عليه، فهم يؤدونها غير مقبلين عليها ستراً لنفاقهم، ولا ينفقون شيئاً إلا وهم كارهون لهذا الإنفاق فى سرائرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 55 - ولا يروقك - أيها السامع - ويأخذ بقلبك، ما ترى من المنافقين فيه من مال وبنين، فإن الله ما أعطاهم هذا إلا ليكابدوا فى سبيله المتاعب والمشقات، لحفظه فى الحياة الدنيا، دون أن يؤجروا على ذلك، ويدركهم الموت وهم كافرون، فيعذبون بسببها فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 56 - ويقسم هؤلاء المنافقون كذباً لكم - يا جماعة المؤمنين - أنهم مؤمنون مثلكم، والحقيقة أنهم ليسوا مؤمنين بالله، ولكنهم قوم من شأنهم الضعف والخوف، وإن ذلك يدفعهم إلى النفاق والخوف الدائم، فهم يؤكدونه بالأيْمان الفاجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 57 - وهم يضيقون بكم، ويكرهون معاشرتكم، ولو يجدون حصناً أو سراديب فى الجبال أو جحوراً فى الأرض يدخلون فيها، لانصرفوا إليها مسرعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 58 - وبعض هؤلاء المنافقين يعيبك - أيها الرسول - ويطعن عليك فى قسمة الصدقات والغنائم، إذ لا هم لهم إلا حطام الدنيا، فإن أعطيتهم ما يرغبون منها رضوا عن عملك، وإن لم تعطهم تعجلوا بالسخط عليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 59 - ولو أن هؤلاء المنافقين، الذين عابوك فى قسم الصدقات والغنائم، رضوا بما قسم الله لهم، وهو ما أعطاهم رسوله، وطابت نفوسهم به - وإن قل - وقالوا: كفانا حكم الله، وسيرزقنا الله من فضله، ويعطينا رسوله أكثر مما أعطانا فى هذه المرة، وإنا إلى طاعة الله وأفضاله وإحسانه لراغبون، لو أنهم فعلوا ذلك لكان خيراً لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 60 - لا تُصرف الزكاة المفروضة إلا للذين لا يجدون ما يكفيهم، والمرضى الذين لا يستطيعون كسباً ولا مال لهم، والذين يجمعونها ويعملون فيها، والذين تؤلف قلوبهم، لأنهم يرجى منهم الإسلام والانتفاع بهم فى خدمته ونصرته، والذين يدعون إلى الإسلام ويبشرون به، وفى عتق رقاب الأرقاء والأسرى من ربقة العبودية وذل الأسر، وفى قضاء الديون عن المدينين العاجزين عن الأداء، إذا لم تكن ناشئة عن إثم أو ظلم أو سفه، وفى إمداد الغزاة بما يعينهم على الجهاد فى سبيل الله، وما يتصل بذلك من طريق الخير ووجوه البر، وفى عون المسافرين إذا انقطعت أسباب اتصالهم بأموالهم وأهليهم. شرع الله ذلك فريضة منه لمصلحة عباده، والله سبحانه عليم بمصالح خلقه، حكيم فيما يشرع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 61 - ومن الناس منافقون يتعمَّدون إيذاء النبى، وتناوله بما يكره، فيتهمونه بأنه محب لسماع كل ما يقال له من صدق وكذب، وأنه يخدع بما يسمع، فقل لهم - أيها الرسول -: إن من تتناولونه فى غيبته بهذه التهمة، ليس كما زعمتم، بل هو أذن خير لا يسمع إلا الصدق، ولا يخدع بالباطل، يصدق بالله ووحيه، ويصدق المؤمنين، لأن إيمانهم يمنعهم عن الكذب، وهو رحمة لكل من يؤمن منكم. وإن الله أعد لمن يؤذيه عذاباً مؤلماً دائماً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 62 - يتخلفون عنكم فى قتال أعدائكم دون تردد، ثم يعتذرون عن تخلفهم كذباً، ويحلفون لكم لترضوا عنهم وتقبلوا معاذيرهم، والله والرسول أحق بحرصهم على رضائه إن كانوا مؤمنين حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 63 - ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن مَن يكفر، أو يُحاد الله ورسوله جزاؤه العذاب الدائم فى نار جهنم، وذلك هو العار الفاضح، والذل الشديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 64 - المنافقون يستهزئون فيما بينهم بالرسول، ويخشون أن يفتضح أمرهم، فتنزل فيهم على النبى آيات من القرآن تظهر ما يخفون فى قلوبهم ويسرونه فيما بينهم، فقل لهم - أيها الرسول - استهزئوا ما شئتم، فإن الله مظهر ما تخشون ظهوره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 65 - تأكد - أيها الرسول - أنك إن سألت المنافقين، بعد افتضاح أمرهم، عن سبب طعنهم فى الدين واستهزائهم بالله وآياته، اعتذروا بقولهم: كنا نخوض فى الحديث ونلهو، فقل لهم: كيف ساغ لكم أن تخوضوا أو تلهوا مستهزئين بالله وآياته ورسوله؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 66 - لا تعتذروا بهذه المعاذير الباطلة، قد ظهر كفركم بعد ادعائكم الإيمان، فإن نعف عن طائفة منكم تابت وآمنت بسبب إيمانها وصدق توبتها، فإنا نعذب طائفة أخرى منكم بسبب إصرارها على الكفر والنفاق، وإجرامها فى حق الرسول والمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 67 - المنافقون والمنافقات يتشابهون فى أنهم يفعلون القبيح ويأمرون به، ويتركون الحق وينهون عنه، ويبخلون ببذل المال فى وجوه الخير، فهم كأجزاء من شئ واحد، أعرضوا عن الله فأعرض عنهم ولم يهدهم، لأنهم هم الخارجون عن طاعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 68 - كتب الله للمنافقين وللكافرين نار جهنم يعذبون فيها ولا يخرجون منها، وهى حَسْبهم عقاباً، وعليهم مع هذا العقاب غضب الله والعذاب الدائم يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 69 - إن حالكم - أيها المنافقون - كحال أمثالكم ممن سبقوكم إلى النفاق والكفر، فإنهم وقد كانوا أقوى منكم وأكثر أموالاً وأولاداً، استمتعوا بما قُدِّر لهم من حظوظ الدنيا، وأعرضوا عن ذكر الله وتقواه، وقابلوا أنبياءهم بالاستخفاف، وسخروا منهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وقد استمتعتم بما قُدِّر لكم من ملاذ الدنيا كما استمتعوا، وخضتم فيما خاضوا فيه من المنكر والباطل، إنهم قد بطلت أعمالهم، فلم تَنْفعهُم فى الدنيا ولا فى الآخرة، وكانوا هم الخاسرين، وأنتم مثلهم فى سوء الحال والمآل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 70 - أفلا يعتبر المنافقون والكافرون بحال الذين سبقوهم، من قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم شعيب وقوم لوط، جاءتهم رسل الله بالحُجج البينات من عند الله، فكذبوا وكفروا، فأخذ الله كُلاً بذنبه، وأهلكهم جميعاً، وما ظلمهم الله بهذا، ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وتمردهم على الله واستحقاقهم العذاب - وحدهم - فهم الذين يظلمون أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 71 - والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أحباء ونصراء بعض بمقتضى الإيمان، يأمرون بما يأمر به دينهم الحق، وينهون عما ينكره الدين، يؤدون الصلاة فى أوقاتها، ويؤتون الزكاة لمستحقيها فى إبَّانها، ويمتثلون ما يأمر به اللَّه ورسوله، ويجتنبون ما ينهى عنه اللَّه ورسوله، وهؤلاء هم الذين سيظلون فى رحمة اللَّه، فإن اللَّه قادر على رعايتهم بالرحمة، حكيم فى عطائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 72 - وقد وعدهم اللَّه الجنة خالدين فى نعيمها، وأعد لهم مساكن تطيب بها نفوسهم فى دار الإقامة والخلود، ولهم مع ذلك رضاء اللَّه عنهم يستشعرون به، وهو النعيم الأكبر، وذلك هو الفوز العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 73 - يا أيها النبى، ثابر على جهادك فى ردع الكفار عن كفرهم، والمنافقين عن نفاقهم، واشتد عليهم فى جهادك، وإن مآلهم الذى أعدَه اللَّه لهم فى الآخرة هو جهنم، وما أَسوأ هذا المصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 74 - إن المنافقين يحلفون أمامك - أيها الرسول - باللَّه أنهم ما قالوا منكرا مما بلغك عنهم، وهم كاذبون فى الإنكار، حانثون فى اليمين، وإنهم قد قالوا كلمة الكفر، وظهر كفرهم بعد أن كان باطنا، وما كان سبب نقمتهم عليك إلا بطرا بالنعمة، بعد أن أغناهم اللَّه ورسوله بما حصلوا عليه من الغنائم التى شاركوا فيها المسلمين، فإن يرجعوا إلى اللَّه بترك النفاق والندم على ما كان منهم يقبل اللَّه توبتهم ويكون ذلك خيراً لهم، وإن يعرضوا عن الإيمان يعذبهم اللَّه فى الدنيا بمختلف ألوان البلاء، وفى الآخرة بنار جهنم، وليس لهم فى الأرض من يُدافع عنهم أو يشفع لهم، أو ينصرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 75 - ومن المنافقين منْ أقسم باللَّه وعاهده: لئن آتاهم اللَّه مالا وأغناهم من فضله، ليتصدقن وليكونن من الصالحين فى أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 76 - فلما استجاب اللَّه لهم، وأعطاهم من فضله، بخلوا بما أوتوا فلم ينفقوا، ولم يوفوا بالعهد، وانصرفوا عن الخير، وهم معرضون عنه وعن اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 77 - فكانت عاقبة بخلهم أن تمكن النفاق فى قلوبهم إلى أن يموتوا ويلقوا اللَّه، بسبب نقضهم لعهدهم، وكذبهم فى يمينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 78 - كيف يتجاهلون أن اللَّه مُطلع عليهم؛ لا يخفى عليه ما يضمرونه فى السر من نقض العهد، وما يتناجون به فى الخفاء من الطعن فى الدين وتدبير المكايد للمسلمين، وهو - جل شأنه - العليم الذى لا يغيب عنه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 79 - ومن نقائص هؤلاء المنافقين مع بخلهم أنهم يعيبون على الموسرين من المؤمنين تصدقهم على المحتاجين، ويسخرون بغير الموسرين من المؤمنين لتصدقهم مع قلة أموالهم، وقد جازاهم اللَّه على سخريتهم بما كشف من فضائحهم، وجعلهم سخرية للناس أجمعين، ولهم فى الآخرة عذاب شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 80 - لن ينفعهم أن تستجيب لدعاء بعضهم، وتطلب المغفرة من اللَّه لهم، فسواء أن تستغفر لهم - أيها النبى - أم لا تستغفر لهم، ومهما أكثرت من طلب المغفرة لهم، فلن يعفو اللَّه عنهم؛ لأنه لا أمل فى العفو والمغفرة مع الكفر والإصرار عليه، قد كفر هؤلاء باللَّه ورسوله، واللَّه لا يهدى الخارجين عليه وعلى رسوله، لتمردهم على شرعه ودينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 81 - إن المنافقين تخلفوا عن الخروج مع رسول اللَّه والمسلمين، وفرحوا بقعودهم فى المدينة بعد خروج النبى منها، وبمخالفتهم أمره بالجهاد معه، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم، ويضحوا بأرواحهم فى سبيل إعلاء كلمة اللَّه ونصر دينه، وأخذوا يثبطون غيرهم، ويُغرونهم بالقعود معهم، ويخوفونهم من النفور إلى الحرب فى الحر، فقل - أيها الرسول - لهؤلاء: لو كنتم تعقلون، لذكرتم أن نار جهنم أكثر حرارة وأشد قسوة مما تخافون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 82 - فليضحكوا فرحا بالقعود، وسخرية من المؤمنين، فإن ضحكهم زمنه قليل، لانتهائه بانتهاء حياتهم فى الدنيا، وسيعقبه بكاء كثير لا نهاية له فى الآخرة، جزاء لهم بسبب ما ارتكبوه من سيئات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 83 - فإن أعادك اللَّه من الغزو إلى طائفة من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الغزو، فاستأذنوك فى أن يخرجوا معك للجهاد فى غزوة أخرى، فلا تأذن لهم، وقل لهم: لن تخرجوا معى فى أية غزوة، ولن تشتركوا معى فى قتال أى عدو، لأن قعودكم عن الخروج فى أول مرة لم يسبق بعذر يبرره، ولم يلحق بتوبة تغفره، فاقعدوا كما ارتضيتم أن تقعدوا مع المتخلفين من العجزة والكهول والنساء والأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 84 - وإذا مات أحد منهم، فلا تصل عليه، ولا تقف على قبرة عند دفنه، لأنهم عاشوا حياتهم كافرين باللَّه ورسوله، وماتوا وهم خارجون عن دين اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 85 - ولا يُثير عجبك - أيها الرسول - ما أعطيناهم من الأموال والأولاد مع سخطنا عليهم، فلم يكن ذلك عن إيثارهم بالخير، بل لتنفيذ ما أراد اللَّه من شقائهم فى الدنيا بالانهماك فى جمع المال، وما يلحقهم فى ذلك من الهموم والمصائب، ولتنفيذ ما أراد اللَّه من مفارقتهم للدنيا كافرين، وقد خسروا الأولى والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 86 - وهؤلاء المنافقون إذا سمعوا شيئا مما أنزل عليك فى القرآن يدعوهم إلى إخلاص الإيمان باللَّه، وإلى الجهاد مع رسول اللَّه، طلب الأغنياء والأقوياء منهم أن تأذن لهم فى التخلف عن الجهاد معك، وقالوا لك: اتركنا مع المعذورين القاعدين فى المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 87 - إنهم قد رضوا لأنفسهم أن يكونوا فى عداد المتخلفين من النساء والعجزة والأطفال الذين لا ينهضون لقتال، وختم اللَّه على قلوبهم بالخوف والنفاق، فهم لا يفهمون فهما حقيقيا ما فى الجهاد ومتابعة الرسول فيه من عز فى الدنيا ورضوان فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 88 - ذلك شأن المنافقين، لكن الرسول والذين صدقوا معه باللَّه، قد بذلوا أموالهم وأرواحهم إرضاء للَّه وإعلاء لكلمته، وأولئك لهم - وحدهم - كل خير فى الدنيا من العز والنصرة والعمل الصالح، وهم - وحدهم - الفائزون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 89 - وقد هيَّأ اللَّه لهم فى الآخرة النعيم المقيم فى جنات تتخللها الأنهار، وذلك هو الفوز العظيم والنجاح الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 90 - وكما تخلف بعض المنافقين فى المدينة عن الخروج للجهاد، جاء فريق من الأعراب، وهم أهل البادية، ينتحلون الأعذار ليؤذن لهم فى التخلف، وبذلك قَعَدَ الذين كذبوا اللَّه ورسوله فيما يظهرونه من الإيمان، فلم يحضروا، ولم يعتذروا للَّه ورسوله، وذلك دليل كفرهم، وسينزل العذاب المؤلم على الكافرين منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 91 - إن الذين يقبل عذرهم فى التخلف هم الضعفاء، والمرضى، والفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون، إذا أخلص هؤلاء للَّه ورسوله فى دينهم فإنهم بذلك محسنون، ولا حرج على المحسنين، واللَّه كثير الغفران واسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 92 - وكذلك لا حرج على من جاء من المؤمنين يلتمسون أن تحملهم إلى الجهاد فقلت لهم: لا أجد ما أحملكم عليه، فانصرفوا عنك وعيونهم تفيض الدمع حزنا أن فاتهم شرف الجهاد فى سبيل اللَّه لأنهم لا يجدون ما ينفقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 93 - إنما اللوم والعقاب على هؤلاء الذين يستأذنوك - أيها النبى - فى تخلفهم عن الجهاد، وهم واجدون المال والعتاد، قادرون على الخروج معك، لأنهم - مع قدرتهم واستطاعتهم - رضوا بأن يقعدوا مع النساء الضعيفات، والشيوخ العاجزين، والمرضى غير القادرين، ولأن قلوبهم أغلقت عن الحق، فهم لا يعلمون العاقبة الوخيمة التى تترتب على تخلفهم فى الدنيا وفى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 94 - سيعتذر هؤلاء المتخلفون المقصرون إليكم - أيها المؤمنون المجاهدون - إذا رجعتم من ميدان الجهاد والتقيتم بهم، فقل لهم - أيها الرسول -: لا تعتذروا فإنا لن نصدقكم، لأن اللَّه قد كشف حقيقة نفوسكم، وأوحى إلى نبيه بشئ من أكاذيبكم، وسيعلم اللَّه ورسوله ما يكون منكم بعد ذلك من عمل، ثم يكون مصيركم بعد الحياة الدنيا إلى اللَّه الذى يعلم السر والعلانية، فيخبركم بما كنتم تعملون، ويجازيكم بما تستحقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 95 - سيحلفون لكم باللَّه، حينما ترجعون إليهم، أنهم صادقون فى معاذيرهم، لكى يرضوكم فتغفلوا عن عملهم، فلا تحققوا لهم هذا الغرض، بل اجتنبوهم وامقتوهم، لأنهم فى أشد درجات الخبث النفسى والكفر، ومصيرهم إلى جهنم، عقاباً على ما اقترفوه من ذنوب وأوزار. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 96 - يُقْسمون لكم طمعا فى رضائكم عنهم، فإن خُدِعْتم بأيمانهم ورضيتم عنهم، فإن رضاكم - وحدكم - لا ينفعهم، ذلك لأن الله ساخط عليهم لفسقهم وخروجهم على الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 97 - الأعراب من أهل البادية أشد جُحودا ونفاقا، وقد بلغوا فى ذلك غاية الشدة، وذلك لبعدهم عن أصل الحكمة ومنابع العلم، وهم حقيقون بأن يجهلوا حدود اللَّه، وما أنزل على رسوله من شرائع وأحكام، واللَّه عليم بأحوال الفريقين، حكيم فيما يقدره من جزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 98 - وبعض هؤلاء المنافقين من أهل البادية، يعتبرون الإنفاق فى سبيل اللَّه غرامة وخسراناً، لعدم اعتقادهم فى ثوابه تعالى، ويتوقعون وينتظرون أن تدور عليكم الحرب - أيها المؤمنون - ألا رَدَّ اللَّه تلك المصائب عليهم، وجعل الشر الذى ينتظرونه لكم محيطا بهم، واللَّه سميع بأقوالهم، عليم بأفعالهم ونياتهم، وبما يقترفون من آثام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 99 - وليس كل الأعراب كذلك، فمنهم مؤمنون باللَّه مصدقون بيوم القيامة، يتخذون الإنفاق فى سبيل اللَّه وسيلة يتقربون بها إلى اللَّه، وسببا لدعاء الرسول لهم، إذ كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، وهى لا شك قربة عظيمة توصلهم إلى ما يبتغون، فإن اللَّه سيغمرهم برحمته، لأنه الغفور للذنوب، الرحيم بخلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 100 - والمؤمنون - الذين سبقوا إلى الإسلام - من المهاجرين والأنصار، الذين ساروا على نهجهم فأحسنوا ولم يقصروا - يرضى اللَّه عنهم، فيقبل منهم ويجزيهم خيرا، وهم كذلك يرضون ويستبشرون بما أعد اللَّه لهم من جنات تجرى الأنهار تحت أشجارها، فينعمون فيها نعيما أبديا، وذلك هو الفوز العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 101 - وممن يجاور المدينة من أهل البادية مَنْ يضمر الكفر ويُظهر الإيمان، ومن سكان المدينة قوم مرنوا على النفاق، حتى برعوا فيه، ستروه عن الناس حتى لقد خفى أمرهم عليك - أيها الرسول - ولكن اللَّه هو الذى يعلم حقيقتهم، وسيعذبهم فى الدنيا مرتين: مرة بنصركم على أعدائكم الذين يغيظهم، ومرة بفضيحتهم وكشف نفاقهم، ثم يردون فى الآخرة إلى عذاب النار وهولها الشديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 102 - وهناك ناس آخرون آذوكم، ثم من بعد ذلك اعترفوا بما أذنبوا، وسلكوا طريق الحق، فهؤلاء قد أتوا عملا صالحا وعملا سيئا، وإنهم لهذا يرجى لهم أن تقبل توبتهم، وإن اللَّه رحيم بعباده، يقبل توبتهم ويغفر لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 103 - خذ - أيها الرسول - من أموال هؤلاء التائبين صدقات تطهرهم بها من الذنوب والشح، وترفع درجاتهم عند اللَّه، وادع لهم بالخير والهداية فإن دعاءك تسكن به نفوسهم، وتطمئن به قلوبهم، واللَّه سميع للدعاء، عليم بالمخلصين فى توبتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 104 - ألا فليعلم هؤلاء التائبون أن اللَّه - وحده - هو الذى يقبل التوبة الخالصة، والصدقة الطيبة، وأنه سبحانه، هو الواسع الفضل فى قبول التوبة، العظيم الرحمة بعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 105 - وقل - أيها الرسول - للناس: اعملوا، ولا تقصروا فى عمل الخير وأداء الواجب؛ فإن اللَّه يعلم كل أعمالكم، وسيراها الرسول والمؤمنون، فيزنونها بميزان الإيمان، ويشهدون بمقتضاها، ثم تردون بعد الموت إلى من يعلم سركم وجهركم، فيجازيكم بأعمالكم، بعد أن ينبئكم بها صغيرها وكبيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 106 - وهناك ناس آخرون وقعوا فى الذنوب، منها التخلف عن الجهاد، وليس فيهم نفاق، وهؤلاء مُرْجوْن لأمر اللَّه: إما أن يُعذبهم، وإما أن يتوب عليهم ويغفر لهم، واللَّه عليم بأحوالهم وما تنطوى عليه قلوبهم، حكيم فيما يفعله بعباده من ثواب أو عقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 107 - ومن المنافقين جماعة بنوا مسجدا لا يبتغون به وجه اللَّه، وإنما يبتغون به الضرار والكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين، وأنهم سيحلفون على أنهم ما أرادوا ببناء هذا المسجد إلا الخير والعمل الأحسن، واللَّه يشهد عليهم أنهم كاذبون فى أيمانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 108 - لا تصل - أيها الرسول - فى هذا المسجد أبدا، وإن مسجداً أقيم ابتغاء وجه اللَّه وطلبا لمرضاته من أول أمره كمسجد قُباء لجدير بأن تؤدى فيه شعائر اللَّه، وفى هذا المسجد رجال يحبون أن يُطهروا أجسادهم وقلوبهم بأداء العبادة الصحيحة فيه، واللَّه يحب ويثيب الذين يتقربون إليه بالطهارة الجسمية والمعنوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 109 - لا يستوى فى عقيدته ولا فى عمله من أقام بنيانه على الإخلاص فى تقوى اللَّه وابتغاء رضائه، ومن أقام بنيانه على النفاق والكفر، فإن عمل المتقى مستقيم ثابت على أصل متين، وعمل المنافق كالبناء على حافة هاوية، فهو واه ساقط، يقع بصاحبه فى نار جهنم، واللَّه لا يهدى إلى طريق الرشاد من أصر على ظلم نفسه بالكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 110 - وسيظل هذا البناء الذى بناه المنافقون مصدر اضطراب وخوف فى قلوبهم لا ينتهى حتى تتقطع قلوبهم بالندم والتوبة أو بالموت، واللَّه عليم بكل شئ، حكيم فى أفعاله وجزائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 111 - يؤكد اللَّه وعده للمؤمنين الذين يبذلون أنفسهم وأموالهم فى سبيله، فإنه اشترى منهم تلك الأنفس والأموال بالجنة ثمنا لما بذلوا، فإنهم يجاهدون فى سبيل اللَّه فيقتلون أعداء اللَّه أو يستشهدون فى سبيله، وقد أثبت اللَّه هذا الوعد الحق فى التوراة والإنجيل، كما أثبته فى القرآن، وليس أحد أبر ولا أوفى بعهده من اللَّه، فافرحوا - أيها المؤمنون المجاهدون - بهذه المبايعة التى بذلتم فيها أنفسكم وأموالكم الفانية، وعُوضتم عنها بالجنة الباقية، وهذا الشراء والبيع هو الظفر الكبير لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 112 - إن أوصاف أولئك الذين باعوا أنفسهم للَّه بالجنة أنهم يكثرون التوبة من هفواتهم إلى اللَّه، ويحمدونه على كل حال، ويسعون فى سبيل الخير لأنفسهم ولغيرهم، ويحافظون على صلواتهم. ويؤدونها كاملة فى خشوع، ويأمرون بكل خير يوافق ما جاء به الشرع، وينهون عن كل شر يأباه الدين ويلتزمون بشريعة اللَّه، وبشر - أيها الرسول - المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 113 - ليس للنبى وللمؤمنين أن يطلبوا المغفرة للمشركين، ولو كانوا أقرب الناس إليهم، من بعد أن يعلم المؤمنون من أمر هؤلاء المشركين بموتهم على الكفر، أنهم مستحقون للخلود فى النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 114 - لم يكن ما فعله إبراهيم - عليه السلام - من الاستغفار لأبيه، إلا تحقيقا لوعد من إبراهيم لأبيه، رجاء إيمانه، فلمَّا تبين لإبراهيم أن أباه عدو للَّه، بإصراره على الشرك حتى مات عليه، تبرأ منه وترك الاستغفار له، ولقد كان إبراهيم كثير الدعاء والتضرع للَّه صبورا على الأذى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 115 - وما كان من سنن اللَّه ولطفه بعباده أن يصف قوما بالضلال، ويجرى عليهم أحكامه بالذم والعقاب بعد أن أرشدهم إلى الإسلام، حتى يتبين لهم عن طريق الوحى إلى رسوله ما يجب عليهم اجتنابه، إن اللَّه محيط علمه بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 116 - إن اللَّه - وحده - مالك السموات والأرض وما فيهما، وهو المتصرف فيهما بالإحياء والإماتة، وليس لكم سوى اللَّه من ولى يتولى أمركم، ولا نصير ينصركم ويدافع عنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 117 - لقد تفضل الله - سبحانه - على نبيه، وأصحابه المؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار، الذين خرجوا معه إلى الجهاد فى وقت الشدة (فى غزوة تبوك) فثبتهم وصانهم عن التخلف، من بعد ما اشتد الضيق بفريق منهم، حتى كادت قلوبهم تميل إلى التخلف عن الجهاد، ثم غفر اللَّه لهم هذا الهم الذى خطر بنفوسهم، إنه - سبحانه - كثير الرأفة بهم، عظيم الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 118 - وتفضل - سبحانه - بالعفو عن الرجال الثلاثة الذين تخلفوا عن الخروج فى غزوة تبوك - لا عن نفاق منهم - وكان أمرهم مرجأ إلى أن يبين اللَّه حكمه فيهم، فلما كانت توبتهم خالصة، وندمهم شديدا؛ حتى شعروا بأن الأرض قد ضاقت عليهم على رحبها وسعتها، وضاقت عليهم نفوسهم هما وحزنا، وعلموا أنه لا ملجأ من غضب اللَّه إلا باستغفاره والرجوع إليه، حينئذ هداهم اللَّه إلى التوبة، وعفا عنهم، ليظلوا عليها، إن اللَّه كثير القبول لتوبة التائبين، عظيم الرحمة بعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 119 - يا أيها الذين آمنوا اثبتوا على التقوى والإيمان، وكونوا مع الذين صدقوا فى أقوالهم وأفعالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 120 - ما كان يحل لأهل المدينة، ومن يجاورونهم من سكان البوادى، أن يتخلفوا عن الغزو مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا أن يضنوا بأنفسهم عما بذل الرسول فيه نفسه، إذ أنهم لا يصيبهم فى سبيل اللَّه ظمأ أو تعب أو جوع، ولا ينزلون مكاناً يثير وجودهم فيه غيظ الكفار، ولا ينالون من عدو غرضا كالهزيمة أو الغنيمة إلا حُسِب لهم بذلك عمل طيب يجزون عليه أحسن الجزاء، وإن اللَّه لا يضيع أجر الذين أحسنوا فى أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 121 - وكذلك لا يبذل المجاهدون أى مال - صغيرا أو كبيرا - ولا يسافرون أى سفر فى سبيل اللَّه، إلا كتبه اللَّه لهم فى صحائف أعمالهم الصالحة، لينالوا به أحسن ما يستحقه العاملون من جزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 122 - ليس للمؤمنين أن يخرجوا جميعا إلى النبى صلى اللَّه عليه وسلم إذا لم يقتض الأمر ذلك، فليكن الأمر أن تخرج إلى الرسول طائفة ليتفقهوا فى دينهم، وليدعوا قومهم بالإنذار والتبشير حينما يرجعون إليهم ليثبتوا دائما على الحق، وليحذروا الباطل والضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 123 - يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الكفار الذين يجاورونكم، حتى لا يكونوا مصدر خطر عليكم، وكونوا أشدَّاء عليهم فى القتال، ولا تأخذكم بهم رأفة، واعلموا أن اللَّه بعونه ونصره مع الذين يتقونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 124 - وإذا ما أنزلت سورة من سور القرآن، وسمعها المنافقون سخروا واستهزأوا، وقال بعضهم لبعض: أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ ولقد رد اللَّه عليهم بأن هناك فرقا بين المنافقين والمؤمنين: فأما المؤمنون الذين أبصروا النور، وعرفوا الحق، فقد زادتهم آيات اللَّه إيمانا، وهم عند نزولها يفرحون ويستبشرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 125 - وأما المنافقون الذين مرضت قلوبهم وعميت بصائرهم عن الحق فقد زادتهم كفرا إلى كفرهم، وماتوا وهم كافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 126 - أو لا يعتبر المنافقون بما يبتليهم اللَّه به فى كل عام مرة أو مرات من ألوان البلاء بكشف أستارهم، وظهور أحوالهم، ونصر المؤمنين، وظهور باطلهم، ثم لا يتوبون عما هم فيه، ولا هم يذكرون ما وقع لهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 127 - وكذلك إذا ما أنزلت سورة، وهم فى مجلس الرسول، تغامزوا، وقال بعضهم لبعض: هل يراكم أحد؟ ثم انصرفت قلوبهم عن متابعته والإيمان به، زادهم اللَّه ضلالا بسبب تماديهم فى الباطل وإعراضهم عن الحق، لأنهم قوم لا يفقهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 128 - لقد جاءكم - أيها الناس - رسول من البشر مثلكم فى تكوينه، يشق عليه ما يصيبكم من الضرر، وهو حريص على هدايتكم، وبالمؤمنين عظيم العطف والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 129 - فإن أعرضوا عن الإيمان بك - أيها الرسول - فلا تحزن لإعراضهم، واعتز بربك، وقل: يكفينى اللَّه الذى لا إله غيره، عليه - وحده - توكلت، وهو مالك الملك، ورب الكون، وصاحب السلطان العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 1 - هذه حروف بدأ الله تعالى بها السورة، وهو أعلم بمراده منها، وهى مع ذلك تشير إلى أن القرآن مُكَوَّن من مثل هذه الحروف، ومع ذلك عجزتم عن أن تأتوا بمثله، وهذه الحروف الصوتية تثير انتباه المشركين فيستمعون إليه، وإن اتفقوا على عدم استماع هذه الآيات الكريمة ونحوها التى هى آيات القرآن المحكم فى أسلوبه ومعانيه، الذى اشتمل على الحكمة وما ينفع الناس فى أمور دينهم ودنياهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 2 - ما كان للناس أن يَعجبوا ويُنكروا وحْينا إلى رجل منهم (محمد) ، ليُحذّر الناس من عذاب الله، ويُبَشّر الذين آمنوا منهم بأن لهم منزلة عالية عند ربهم، لا يتخلف وعد الله، وما كان لهؤلاء المنكرين أن يقولوا عن محمد - رسولنا -: إنه ساحر واضح أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 3 - إن ربكم - أيها الناس - هو الله الذى خلق السموات والأرض وما فيهما فى ستة أيام لا يعلم إلا الله مداها. ثم هيْمن - بعظيم سلطانه - وحده، ودبَّر أمور مخلوقاته، فليس لأحد سلطان مع الله فى شئ، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يشفع لأحد إلا بإذنه. ذلكم الله الخالق، هو ربكم وولى نعمتكم فاعبدوه - وحده - وصدقوا رسوله، وآمنوا بكتابه. فعليكم أن تذكروا نعمة الله وتتدبروا آياته الدالة على وحدانيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 4 - وكما بدأ الله الخلق فإليه - وحده - مرجعكم، ومرجع المخلوقات كلها، وقد وعد الله بذلك وعداً صادقاً لا يتخلف. وإنه سبحانه بدأ الخلق بقدرته، وبعد فنائه سيعيده بقدرته، ليثيب المؤمنين المطيعين بعدله التام، وأما الكافرون فلهم شراب فى جهنم شديد الغليان، ولهم عذاب موجع جزاء كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 5 - وربكم الذى خلق السموات والأرض، والذى جعل الشمس تشع الضياء، والقمر يرسل النور، وجعل للقمر منازل ينتقل فيها، فيختلف نوره تبعاً لهذه المنازل، لتستعينوا بهذا فى تقدير مواقيتكم، وتعلموا عدد السنين والحساب، وما خلق الله ذلك إلا بالحكمة، وهو سبحانه يبسط فى كتابه الآيات الدالة على ألوهيته وكمال قدرته، لكى تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 6 - إن فى تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان، وفى خلْق السموات والأرض وما فيهما من الكائنات، لأدلة واضحة وحُججاً بينة على ألوهية الخالق وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 7 - إن الذين لا يؤمنون بالبعث ولقاء الله فى اليوم الآخر، واعتقدوا - واهمين - أن الحياة الدنيا هى منتهاهم وليس بعدها حياة، فاطمأنوا بها، ولم يعملوا لما بعدها، وغفلوا عن آيات الله الدالة على البعث والحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 8 - هؤلاء مأواهم الذى يستقرون فيه هو النار، جزاء ما كسبوا من الكفر وقبيح الأعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 9 - إن الذين آمنوا إيماناً صحيحاً، وعملوا الأعمال الصالحة فى دنياهم يثبتهم ربهم على الهداية بسبب إيمانهم، ويدخلون يوم القيامة جنات تجرى الأنهار خلالها، وينعمون فيها نعيماً خالداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 10 - دعاء المؤمنين فى هذه الجنات تسبيح وتنزيه لله عما كان يقوله الكافرون فى الدنيا، وتحية الله لهم، وتحية بعضهم لبعض تقرير للأمن والاطمئنان، وخاتم دعائهم دائماً حمد الله على توفيقه إياهم بالإيمان، وظفرهم برضوانه عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 11 - ولو أجاب الله ما يستعجل به الناس على أنفسهم من الشر مثل استعجالهم لطلب الخير، لأهلكهم وأبادهم جميعاً، ولكنه يتلطف بهم، فيرجئ هلاكهم، انتظاراً لما يظهر منهم حسب ما علمه فيهم، فتتضح عدالته فى جزائهم، إذ يتركون - والأدلة قائمة عليهم - يتعمدون الانحراف والاتجاه إلى طريق الضلال والظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 12 - وإذا أصاب الإنسان ضر فى نفسه أو ماله أو نحو ذلك، أحس بضعفه ودعا ربه على أى حال من حالاته، مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً، أن يكشف ما نزل به من محنته، فلما استجاب الله له، فكشف عنه ضره، انصرف عن جانب الله واستمر على عصيانه، ونسى فضل الله عليه، كأنه لم يصبه ضر ولم يدع الله إلى كشفه، وكمثل هذا المسلك زيَّن الشيطان للكافرين ما عملوا من سوء وما اقترفوا من باطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 13 - ولقد أهلكنا الأمم السابقة عليكم بسبب كفرهم حين جاءتهم رسلهم بالآيات الواضحة على صدق دعوتهم إلى الإيمان، وما كان فى علم الله أن يحصل منهم إيمان، بسبب تشبثهم بالكفر والعصيان، فاعتبروا يا كفار قريش، فكما أهلكنا مَنْ قبلكم، سنجزى المجرمين بإهلاكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 14 - ثم جعلناكم - يا أمة محمد - خلفاء فى الأرض، تعمرونها من بعد هؤلاء السابقين، لنختبركم ونظهر ما تختارونه لأنفسكم من طاعة أو عصيان، بعد أن عرفتم ما جرى على أسلافكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 15 - وحينما تجلت آيات القرآن من رسولنا - محمد - على المشركين، قال له الكافرون الذين لا يخافون عذاب الله ولا يرجون ثوابه: آتنا كتاباً غير هذا القرآن، أو بَدِّل ما فيه مما لا يعجبنا. قل لهم - أيها الرسول: لا يمكننى ولا يجوز أن أغير أو أبدل فيه من عندى. ما أنا إلا متبع ومبلغ ما يوحى إلىَّ من ربى، إنى أخاف إن خالفت وحى ربى عذاب يوم عظيم خطره، شديد هوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 16 - قل لهم - يا أيها الرسول -: لو شاء الله ألا ينزل علىَّ قرآناً من عنده، وألا أبلغكم به ما أنزله، وما تلوته عليكم، ولا أعلمكم الله به. لكنه نزل، وأرسلنى به، وتلوته عليكم كما أمرنى، وقد مكثت بينكم زمناً طويلا قبل البعث لم أدّع فيه الرسالة، ولم أتل عليكم شيئاً، وأنتم تشهدون لى بالصدق والأمانة، ولكن جاء الوحى به فأمرت بتلاوته، ألا فاعقلوا الأمور وأدركوها، واربطوا بين الماضى والحاضر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 17 - ليس هناك أشد ظلماً لنفسه ممن كفر وافترى الكذب على الله، أو كذب بآيات الله التى جاء بها رسوله. إنه لا ينجح الكافر فى عمله، وقد خسر خسراناً مبيناً بكفره، ومغاضبته لله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 18 - ويعبد هؤلاء المشركون - المفترون على الله بالشرك - أصناماً باطلة، لا تضرهم ولا تنفعهم، ويقولون: هؤلاء الأصنام يشفعون لنا عند الله فى الآخرة، قل لهم - أيها الرسول -: هل تخبرون الله بشريك لا يعلم الله له وجوداً فى السموات ولا فى الأرض؟! تنزه الله عن الشريك وعما تزعمونه بعبادة هؤلاء الشركاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 19 - وما كان الناس فى تكوينهم إلا أمة واحدة بمقتضى الفطرة، ثم بعثنا إليهم الرسل لإرشادهم وهدايتهم بمقتضى وحى الله تعالى، فكانت تلك الطبيعة الإنسانية التى استعدت للخير والشر سبباً فى أن يغلب الشر على بعضهم، وتحكم الأهواء ونزغات الشيطان، فاختلفوا بسبب ذلك. ولولا حكم سابق من ربك بإمهال الكافرين بك - أيها النبى - وإرجاء هلاكهم إلى موعد محدد عنده، لعجل لهم الهلاك والعذاب، بسبب الخلاف الذى وقعوا فيه، كما وقع لأمم سابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 20 - ويقول هؤلاء المشركون: هلا أنزل على محمد معجزة من عند الله غير القرآن، تقنعنا بصدق رسالته؟ فقل لهم - أيها الرسول -: إن نزول الآيات غيب، ولا أحد يعلم الغيب إلا الله، وإن كان القرآن لا يقنعكم فانتظروا قضاء الله بينى وبينكم فيما تجحدونه، إنى معكم من المنتظرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 21 - ومن شأن الناس أننا إذا أنعمنا عليهم، من بعد شدة أصابتهم فى أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم، لم يشكروا الله على ما أنعم به عليهم بعد صرف الضر عنهم، بل هم يقابلون ذلك بالإمعان فى التكذيب والكفر بالآيات. قل - أيها الرسول -: إن الله قادر على إهلاككم والإسراع بتعذيبكم، لولا حكم سابق منه بإمهالكم إلى موعد اختص - وحده - بعلمه. إن رسلنا من الملائكة الموكلين بكم يكتبون ما تمكرون، وسيحاسبكم ويجازيكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 22 - الله الذى تكفرون بنعمه، وتُكَذِّبون بآياته، هو الذى يُمكِّنكم من السير والسعى فى البر مشاة وركباناً، وفى البحر بما سخَّر لكم من السفن التى تجرى على الماء، بما يهيئ الله لها من ريح طيبة تدفعها فى أمان إلى غايتها، حتى إذا اطمأننتم إليها وفرحتم بها هبت ريح عاصفة أثارت عليكم الموج من كل جانب، وأيقنتم أن الهلاك واقع لا محالة، فى هذه الشدة لا تجدون ملجأ غير الله فتدعونه مخلصين فى الدعاء، وموقنين أنه لا منقذ لكم سواه، متعهدين له لئن أنجاكم من هذه الكربة لتؤمنن به ولتكونن من الشاكرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 23 - فلما أنجاهم مما تعرضوا له من الهلاك، نقضوا عهدهم، وعادوا مسرعين إلى الفساد الذى كانوا من قبل - يا أيها الناس - الناقضون للعهد إن عاقبة اعتدائكم وظلمكم سترجع عليكم - وحدكم - وإن ما تتمتعون به فى دنياكم متاع دنيوى زائل، ثم إلى الله مصيركم فى النهاية فيجزيكم بأعمالكم التى أسلفتموها فى دنياكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 24 - ما حالة الحياة الدنيا فى روعتها وبهجتها، ثم فى فنائها بعد ذلك، إلا كحالة الماء ينزل من السماء، فيختلط به نبات الأرض، مما يأكله الناس والحيوان، فيزدهر ويثمر وتزدان به الأرض نضارة وبهجة، حتى إذا بلغت هذه الزينة تمامها، وأيقن أهلها أنهم مالكون زمامها ومنتفعون بثمارها وخيراتها، فاجأها أمرنا بزوالها فجعلناها شيئاً محصوداً، كأن لم تكن آهلة بسكانها وآخذة بهجتها من قبل، ففى كلتا الحالتين نضارة وازدهار يبتهج بهما الناس، ثم يعقبهما زوال ودمار، وكما بيَّن الله ذلك بالأمثال الواضحة، يبيِّن الآيات ويفصل ما فيها من أحكام وآيات لقوم يتفكرون ويعقلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 25 - والله يدعو عباده بالإيمان والعمل الصالح إلى الجنة دار الأمن والاطمئنان، وهو سبحانه يهدى من يشاء هدايته - لحسن استعداده وميله إلى الخير - إلى الطريق الحق وهو السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 26 - للذين أحسنوا بالاستجابة لدعوة الله، فآمنوا وعملوا الخير لدينهم ودنياهم، لهم المنزلة الحسنى فى الآخرة وهى الجنة، ولهم زيادة على ذلك فضلا من الله وتكريماً، ولا يغشى وجوههم كآبة من همّ وهوان، وهؤلاء هم أهل الجنة الذين ينعمون فيها أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 27 - والذين لم يستجيبوا لدعوة الله، فكفروا واقترفوا المعاصى فسيجزون بمثل ما عملوا من سوء، ويغشاهم الهوان، وليس لهم واقٍ يمنعهم من عذاب الله، ووجوهم مسودة من الغم والكآبة كأنما أسدل عليها سواد من ظلمة الليل، وهم أهل النار يشقون فيها أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 28 - واذكر - أيها الرسول - هوْل الموقف، يوم نجمع الخلائق كافة، ثم نقول للذين أشركوا فى عبادتهم مع الله غيره: قفوا مكانكم أنتم ومن اتخذتموهم شركاء من دون الله، حتى تنظروا ما يفعل بكم، فوقعت الفرقة بين المشركين والشركاء، وتبرأ الشركاء من عابديهم، قائلين لهم: لم ندعكم إلى عبادتنا، وما كنتم تعبدوننا، وإنما كنتم تعبدون أهواءكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 29 - ويكفينا الله بعلمه وحكمه شهيداً وفاصلاً بيننا وبينكم. إنا كنا بمعزل عنكم لا نشعر بعبادتكم لنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 30 - فى ذلك الموقف تعلم كل نفس ما قدَّمت من خير أو شر، وتلقى جزاءها. وفى هذا الموقف أيقن المشركون بوحدانية الله الحق، وبطل كل ما كانوا يفترونه على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 31 - ادع - أيها الرسول - إلى التوحيد الخالص، وقل: مَنْ الذى يأتيكم بالرزق من السماء بإنزال المطر، ومن الأرض بإخراج النبات والثمر؟ ومَن الذى يمنحكم السمع والأبصار؟ ومن يخرج الحى من الميت كالنبات وهو حى من الأرض وهى موات؟ ومن يخرج الميت من الحى كالإنسان يسلب عنه الحياة؟ ومن الذى يُدَبِّر ويصرف جميع أمور العالم كله بقدرته وحكمته؟ فسيعترفون - لا مناص - بأن الله - وحده - فاعل هذا كله. فقل لهم - أيها الرسول - عند اعترافهم بذلك: أليس الواجب المؤكد أن تذعنوا للحق وتخافوا الله مالك الملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 32 - فذلكم الله الذى أقررتم به، هو - وحده - ربكم الذى تحققت ربوبيته، ووجبت عبادته دون سواه، وليس بعد الحق من توحيد الله وعبادته إلا الوقوع فى الضلال، وهو الإشراك بالله وعبادة غيره. فكيف تنصرفون عن الحق إلى الباطل؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 33 - كما تحققت ألوهية الله ووجبت عبادته، حق قضاؤه على الذين خرجوا عن أمر الله متمردين بأنهم لا يذعنون للحق، لأن الله تعالى لا يهدى إلى الحق إلا من سلك طريقه، لا من تمرد عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 34 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: هل من معبوداتكم - التى جعلتموها شركاء لله - مَنْ يستطيع أن ينشئ الخلق ابتداء، ثم يعيده بعد فنائه؟ إنهم سيعجزون عن الجواب، فقل لهم حينئذ: الله - وحده - هو الذى ينشئ الخلق من عدم، ثم يعيده بعد فنائه، فكيف تنصرفون عن الإيمان به؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 35 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: هل من معبوداتكم التى جعلتموها شركاء لله مَن يستطيع التمييز بين الهدى والضلال، فيرشد سواه إلى السبيل الحق؟ فسيعجزون! فهل القادر على الهداية إلى الحق أولى بالاتباع والعبادة؟ أم الذى لا يستطيع أن يهتدى فى نفسه، وهو بالأولى لا يهدى غيره، اللهم إلا إذا هداه غيره؟ كرؤوس الكفر والأحبار والرهبان الذين اتخذتموهم أرباباً من دون الله. فما الذى جعلكم تنحرفون حتى أشركتم هؤلاء بالله؟ وما هذه الحال العجيبة التى تجركم إلى تلك الأحكام الغريبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 36 - وما يتبع أكثر المشركين فى معتقداتهم إلا ظنوناً باطلة لا دليل عليها، والظن - على وجه العموم - لا يفيد، ولا يغنى عن العلم الحق أى غناء، ولا سيما إذا كان ظناً وهمياً كظن هؤلاء المشركين. وإن الله عليم بما يفعله رؤساء الكفر وأتباعهم الذين يقلدونهم، وسيجازيهم على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 37 - وما كان يتأتى فى هذا القرآن أن يفتريه أحد، لأنه فى إعجازه وهدايته وإحكامه لا يمكن أن يكون من عند غير الله. وليس هو إلا مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية فيما جاءت به من الحق، وموضحاً لما كتب وأثبت من الحقائق والشرائع. لا شك فى أن هذا القرآن منزل من عند الله، وأنه معجز لا يقدر أحد على مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 38 - بل يقول هؤلاء المشركون: اختلق محمد هذا القرآن من عنده، فقل لهم - أيها الرسول -: إن كان هذا القرآن من عمل البشر، فأتوا أنتم بسورة واحدة مماثلة له، واستعينوا على ذلك بمن تشاءون من دون الله، إن كنتم صادقين فى زعمكم أن القرآن من عندى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 39 - بل سارع هؤلاء المشركون إلى تكذيب القرآن من غير أن يتدبروا، ويعلموا ما فيه، فلم ينظروا فيه بأنفسهم، ولم يقفوا على تفسيره وبيان أحكامه بالرجوع إلى غيرهم، وبمثل هذه الطريقة فى التكذيب من غير علم، كذب الكافرون من الأمم السابقة رسلهم وكتبهم، فانظر - أيها الإنسان - ما آل إليه أمر المكذبين السابقين من خذلانهم وهلاكهم بالعذاب، وهذه سنة الله فى أمثالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 40 - ومن هؤلاء المكذبين من سيؤمر بالقرآن بعد أن يفطن إلى ما فيه، ويتنبه لمعانيه، ومنهم فريق لا يؤمن به ولا يتحول عن ضلاله، والله سبحانه وتعالى أعلم بالمكذبين المفسدين، وسيجازيهم على ما فعلوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 41 - وإن أصروا على تكذيبك - أيها الرسول - بعد وضوح الأدلة على نبوتك - فقل لهم: إن لى جزاء عملى، ولكم جزاء عملكم كيفما كان، وإنى مستمر فى دعوتى، وأنتم لا تؤاخذون بعملى، وأنا لا أؤاخذ بعملكم، فافعلوا ما شئتم وسيجازى الله كلا بما كسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 42 - ومن هؤلاء الكفار من يستمع إليك - أيها الرسول - حين تدعوهم إلى دين الله، وقد أغلقت قلوبهم دون قبول دعوتك، فأنت لا تقدر على إسماع هؤلاء الصم وهدايتهم، وخاصة إذا أضيف إلى صممهم عدم تفهمهم لما تقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 43 - ومنهم من ينظر إليك ويفكر فى شأنك، فيرى دلائل نبوتك الواضحة، ولكن لا يهتدى بها، فمثله فى ذلك مثل الأعمى، ولست بقادر على هداية هؤلاء العمى، فعمى البصر كعمى البصيرة، كلاهما لا هداية له، فالأعمى لا يهتدى حساً، والضالُّ لا يهتدى معنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 44 - إن الله سبحانه سيجازى الناس بأعمالهم بالعدل والقسطاس، ولا يظلم أحداً منهم شيئاً، ولكن الناس الذين يظلمون أنفسهم باختيارهم الكفر على الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 45 - وأنذرهم - أيها الرسول - يوم نجمعهم للحساب، فيتحققون مجئ اليوم الآخر بعد أن كانوا يكذبون به، ويتذكرون حياتهم فى الدنيا، كأنها ساعة من النهار لم تتسع لما كان ينبغى من عمل الخير، ويعرف بعضهم بعضا، يتلاومون على ما كانوا عليه من الكفر والضلال. قد خسر المكذبون باليوم الآخر، فلم يقدموا فى دنياهم عملا صالحاً، ولم يظفروا بنعيم الآخرة بكفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 46 - وإن أريناك - أيها الرسول - بعض الذى نعدهم به، من نصرتك عليهم، وإلحاق العذاب بهم، أو نتوفينك قبل أن ترى كل ذلك، فلا مناص من عودتهم إلينا للحساب والجزاء. والله سبحانه رقيب وعالم بكل ما يفعلونه، ومجازيهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 47 - ولقد جاء رسول لكل أمة فبلَّغها دعوة الله، فآمن مَن آمن، وكذّب مَن كذب، فإذا كان يوم الحشر، وجاء رسولهم وشهد على مكذبيه بالكفر، وللمؤمنين بالإيمان، فيحكم الله بينهم بالعدل التام، فلا يظلم أحداً فيما يستحقه من جزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 48 - ويُمعن الكافرون فى التكذيب باليوم الآخر، فيستعجلونه متهكمين، ويقولون: متى يكون هذا الذى تعدنا به من العذاب، إن كنت - أيها الرسول - ومن معك، صادقين فيما تؤمنون به وتدعوننا إليه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 49 - قل لهم - أيها الرسول - إننى لا أملك لنفسى خيراً ولا شراً، إلا ما أقدرنى الله عليه. فكيف أملك تقديم العقوبة؟ إن لكل أمة نهاية حددها الله أزلا، فإذا حانت هذه النهاية فلا يستطيعون التأخر عنها وقتاً ما، كما لا يستطيعون سبقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 50 - قل لهؤلاء المكذبين المستعجلين وقوع العذاب: أخبرونى إن وقع بكم عذاب الله ليلا أو نهاراً، فأى فائدة يحصل عليها من استعجاله المجرمون الآثمون؟ والعذاب كله مكروه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 51 - أتنكرون العذاب الآن، ثم إذا حل بكم يقال لكم توبيخاً: هل آمنتم به حين عاينتموه، وقد كنتم تستعجلونه فى الدنيا مستهينين جاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 52 - ثم يقال يوم القيامة للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتكذيب: ذوقوا العذاب الدائم، لا تجزون الآن إلا على أعمالكم التى كسبتموها فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 53 - ويطلب الكفار منك - أيها الرسول - على سبيل الاستهزاء والإنكار - أن تخبرهم أحق ما جئت به من القرآن وما تعدهم به من البعث والعذاب؟ قل لهم: نعم وحق خالقى الذى أنشأنى إنه حاصل لا شك فيه، وما أنتم بغالبين ولا مانعين ما يريده الله بكم من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 54 - ولو أن كل ما فى الأرض مملوك لكل نفس ارتكبت ظلم الشرك والجحود، لارتضت أن تقدمه فداء لما تستقبل من عذاب تراه يوم القيامة وتعاين هوله، وحينئذ يتردد الندم والحسرة فى سرائرهم لعجزهم عن النطق به، ولشدة ما دهاهم من الفزع لرؤية العذاب، ونفذ فيهم قضاء الله بالعدل، وهم غير مظلومين فى هذا الجزاء. لأنه نتيجة ما قدَّموا فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 55 - ليعلم الناس أن الله مالك ومهيمن على جميع ما فى السموات والأرض، وليعلموا أن وعده حق، فلا يعجزه شئ، ولا يفلت من جزائه أحد، ولكنهم قد غرتهم الحياة الدنيا، لا يعلمون ذلك علم اليقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 56 - والله سبحانه، يهب الحياة بعد عدم، ويسلبها بعد وجود، وإليه المرجع فى الآخرة، ومَن كان كذلك لا يعظم عليه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 57 - يا أيها الناس: قد جاءكم على لسان الرسول محمد كتاب من الله، فيه تذكير بالإيمان والطاعة وعظة بالترغيب فى الخير، والترهيب من عمل السوء، وسوْق العبر بأخبار مَن سبقوكم، وتوجيه نظركم إلى عظمة الخلق لتدركوا عظمة الخالق، وفيه دواء لأمراض قلوبكم من الشرك والنفاق، وهداية إلى الطريق المستقيم. وذلك كله رحمة للمؤمنين الذين يستجيبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 58 - قل لهم - أيها الرسول -: افرحوا بفضل الله عليكم ورحمته بكم، بإنزال القرآن، وبيان شريعة الإسلام، وهذا خير من كل ما يجمعه الناس من متاع الدنيا، لأنه غذاء القلوب وشفاء أسقامها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 59 - قل - أيها الرسول - للكفار الذين أوتوا بعض متاع الدنيا: أخبرونى عما منحكم الله من رزق حلال طيب، فأقمتم من أنفسكم مشرِّعين، تجعلون بعضه حلالا، وبعضه حراماً، دون أن تأخذوا بشرع الله؟ إن الله لم يأذن لكم فى هذا، بل أنتم تكذبون فى ذلك على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 60 - ما الذى يظنه يوم القيامة أولئك الذين كانوا يفترون الكذب على الله، فيدَّعون الحِلّ والتحريم من غير أن يكون عندهم دليل؟ إن الله أنعم عليهم نعماً كثيرة، وأحلها لهم بفضله، وشرع لهم ما فيه خيرهم، ولكن الأكثرين لا يشكرون الله عليها، بل يفترون على الله الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 61 - وإنك - أيها الرسول - قد بلغت وهو معلوم لله، وما تكون فى أمر من أمورك، وما تقرأ من قرآن ولا تعمل أنت وأمتك من عمل، إلا ونحن شهود رقباء عليه حين تدخلون فيه مجاهدين، ولا يغيب عن علم ربك شئ فى وزن الذرة فى الأرض ولا فى السماء، ولا أصغر من هذا ولا أكبر منه. إن ذلك كله يسجل فى كتاب عند الله بيِّن واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 62 - تنبهوا - أيها الناس - واعلموا أن الموالين لله بالإيمان والطاعة يحبهم ويحبونه، لا خوف عليهم من الخزى فى الدنيا، ولا من العذاب فى الآخرة، وهم لا يحزنون على ما فاتهم من عرض الدنيا؛ لأن لهم عند الله ما هو أعظم من ذلك وأكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 63 - وهم الذين صدَّقوا بكل ما جاء من عند الله، وأذعنوا للحق، واجتنبوا المعاصى، وخافوا الله فى كل أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 64 - لهؤلاء الأولياء البشرى بالخير فى الدنيا، وما وعدهم الله به من نصر وعزة، وفى الآخرة يتحقق وعد الله، ولا خلف لما وعد الله به، وهذا الذى بشروا به فى الدنيا، وظفروا به فى الآخرة هو الفوز العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 65 - ولا تحزن - أيها الرسول - لما يقوله المشركون من سخرية وطعن وتكذيب، ولا تظن أن حالهم ستدوم، بل إن النتيجة لك وسيعتز الإسلام، فإن العزة كلها لله تعالى، والنصر بيده، وسينصرك عليهم، وهو سبحانه السميع لما يفترون عليك، العليم بما يضمرونه، وسيجازيهم على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 66 - لتعلموا - أيها الناس - أن لله - وحده - كل مَن فى السموات والأرض خلقاً وملكاً وتدبيراً، وإن الذين أشركوا بالله لا يتبعون إلا أوهاماً باطلة لا حقيقة لها، وليسوا إلا واهمين يظنون القوة فيما لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 67 - إن الذى يملك مَن فى السموات والأرض، هو الذى خلق لكم الليل لتستريحوا فيه من عناء السعى فى النهار، وخلق لكم النهار مضيئاً لتسعوا فيه وتجلبوا مصالحكم. إن فى خلق الليل والنهار لدلائل بينة لمن يسمعون ويتدبرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 68 - وإذا كان عبدة الأوثان قد أشركوا فى العبادة حجارة، ولم ينزهوا الله حق التنزيه، وقالوا: إن لله ولداً. فالله منزه عن ذلك. إنه غنى عن أن يتخذ ولداً، لأن الولد مظهر الحاجة إلى البقاء، والله باق خالد، وكل ما فى السموات وما فى الأرض مخلوق ومملوك له، وليس عندكم - أيها المفترون - حُجة ولا دليل على ما زعمتم، فلا تختلقوا على الله أمراً لا أساس له من الحقيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 69 - قل لهم - أيها الرسول -: إن الذين يختلقون على الله الكذب ويزعمون أن له ولداً، لن يفلحوا أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 70 - لهم متاع فى الدنيا يغترون به، وهو قليل، طال أو قصر، بجوار ما يستقبلهم. ثم إلينا مرجعهم، فنحاسبهم ونذيقهم العذاب المؤلم بسبب كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 71 - وإن ما ينزل بك من قومك قد نزل بمن سبقك من الأنبياء، واقرأ - أيها الرسول - على الناس، فيما ينزله عليك ربك من القرآن قصة نوح رسول الله لمَّا أحس كراهية قومه وعداءهم لرسالته، فقال لهم: يا قوم إن كان وجودى فيكم لتبليغ الرسالة قد أصبح شديداً عليكم، فإنى مستمر مثابر على دعوتى متوكل على الله فى أمرى، فاحزموا أمركم ومعكم شركاؤكم فى التدبير، ولا يكن فى عدائكم لى أى خفاء، ولا تمهلونى بما تريدون لى من سوء، إن كنتم تقدرون على إيذائى، فإن ربى يرعانى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 72 - وإن بقيتم على الإعراض عن دعوتى، فإن ذلك لن يضيرنى، لأنى لم أقم بها لأتقاضاكم عليها أجراً أخشى عليه الضياع بسبب إعراضكم، إنما أطلب أجرى عليها من الله - وحده - وقد أمرنى أن أكون مُسَلِّماً إليه جميع أمرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 73 - ومع هذا المجهود وتلك المثابرة التى بذلها من أجل هدايتهم، أصروا على أن يستمروا فى تكذيبه وعدائه، فنجَّاه الله ومَن معه من المؤمنين به، الراكبين معه فى الفلك، وجعلهم عُمَّاراً للأرض بعد هلاك الكافرين الذين أغرقهم الطوفان، فانظر - يا محمد - كيف لقى المستخفون بالنذر مصيرهم السيئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 74 - ثم أرسلنا من بعد نوح رُسُلاً آخرين، داعين إلى التوحيد، ومبشرين ومنذرين، ومؤيدين بالمعجزات الدالة على صدقهم، فكذبت أقوامهم كما كذب قوم نوح، فما كان من شأن الجاحدين منهم أن يذعنوا، لأن التكذيب سبق التبصر والاعتبار، وبذلك طبع الله الباطل على قلوب الذين من شأنهم الاعتداء على الحقائق وعلى البينات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 75 - ثم أرسلنا من بعدهم موسى وأخاه هارون إلى فرعون ملك مصر وإلى خاصته، داعين إلى عبادة الله - وحده - ومؤيدين بالحُجج الباهرة، فاستكبر فرعون وقومه عن متابعة موسى وهارون فى دعوتهما، وكانوا بهذا الرفض مرتكبين جرماً عظيماً، آثمين به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 76 - فلما ظهر لهم الحق من عندنا على يد موسى، قالوا فى معجزة موسى وهى العصا التى انقلبت حية أمام أعينهم: إن هذا سحر مؤكد واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 77 - قال لهم موسى مستنكراً: أتصفون الحق الذى جئتكم به من عند الله بأنه سحر؟ أتكون هذه الحقيقة التى عاينتموها سحراً؟! وهأنذا أتحداكم أن تثبتوا أنها سحر، فأتوا بالساحرين ليثبتوا ما تدعون، ولن يفوز الساحرون فى هذا أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 78 - قال فرعون وقومه لموسى: إنما جئت إلينا قاصداً أن تصْرِفَنا عن دين آبائنا، وتقاليد قومنا؛ لكى نصير لكما أتباعاً، ويكون لك ولأخيك الملك والعظمة والرياسة المسيطرة المتحكمة؟ وإذن فلن نؤمن بكما ولا برسالتكما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 79 - وزعم فرعون وقومه أن موسى وأخاه ساحران لا رسولان، فأمر رجاله بأن يحضروا له من مملكته كل من له مهارة فى فنون السحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 80 - ولما حضر السحرة ووقفوا أمام موسى، لمنازلته بسحرهم على رؤوس الأشهاد، قال لهم موسى: هاتوا ما عندكم من فنون السحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 81 - فلما ألقوا حبالهم وَعصِيَّهم، قال لهم موسى: إن الذى فعلتموه هو السحر حقاً، والله سبحانه سيبطله على يدى، إن الله لا يهيئ أعمال المفسدين لأن تكون صالحة ونافعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 82 - أما الحق فإن الله ناصره ومؤيده بقدرته وحكمته، مهما أظهر الكافرون من بغضهم له ومحاربتهم إياه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 83 - ومع ظهور الآيات الدالة على صدق الرسالة، فإن الذين آمنوا بموسى لم يكونوا إلا فئة قليلة من قوم فرعون، آمنوا على خوفٍ من فرعون ومن معه أن يردوهم عما آمنوا به، وما أعظم طغيان فرعون فى أرض مصر، وإنه لمن المغالين الذين أسرفوا فى استكبارهم واستعلائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 84 - أما موسى فقد قال للمؤمنين مواسياً لهم ومشجعاً: يا قوم، إن كان الإيمان قد دخل قلوبكم فى إخلاص لله فلا تخشوا سواه، وأسلموا أموركم إليه. وتوكلوا عليه، وثقوا فى النهاية إن كنتم ثابتين على الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 85 - فقال المؤمنون: على الله - وحده - توكلنا، ثم دعوا ربهم ألا يجعلهم أداة فتنة وتعذيب فى يد الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 86 - ودعوا ربهم قائلين: نجنا بما أسبغت علينا من نعمة ورحمة، وبفيض رحمتك التى اتصفت بها، من القوم الجاحدين الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 87 - وأوحينا إلى موسى وأخيه هارون أن يتخذا لقومهما بيوتاً يسكنونها بأرض مصر، وأن يجعلا هذه البيوت قبلة يتجه إليها أهل الإيمان الذين يتبعون دعوة الله، وأن يؤدوا الصلاة على وجهها الكامل. والبشرى بالخير للمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 88 - ولما تمادى الكفار فى تعنتهم مع موسى، دعا الله عليهم، فقال: يا رب إنك أعطيت فرعون وخاصته بهجة الدنيا وزينتها من الأموال والبنين والسلطان، فكانت عاقبة هذه النعم إسرافهم فى الضلال والإضلال عن سبيل الحق، اللهم اسحق أموالهم. واتركهم فى ظلمة قلوبهم، فلا يوفقوا للإيمان حتى يروا رأى العين العذاب الأليم، الذى هو العاقبة التى تنتظرهم ليكونوا عبرة لغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 89 - قال الله تعالى: قد أجيب دعاؤكما، فاستمرا على السير فى الطريق المستقيم، واتركا سبيل أولئك الذين لا يعلمون الأمور على وجهها ولا يذعنون للحق الذى وضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 90 - ولما جاوزنا ببنى إسرائيل البحر، تعقبهم فرعون وجنوده للاعتداء عليهم فأطبقنا عليهم البحر، فلما أدرك الغرق فرعون، قال: صدقت بالله الذى صدقت به بنو إسرائيل، وأذعنت له، وأنا من الطائعين الخاضعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 91 - لم يقبل الله من فرعون هذا الإيمان الذى اضطر إليه، وتلك التوبة التى كانت وقد حضره الموت، بعد أن عاش عاصياً لله مفسداً فى الأرض فمات كافراً مُهاناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 92 - واليوم الذى هلكت فيه نُخرج جثتك من البحر، ونبعثها لتكون عظة وعبرة لمن كانوا يعبدونك، ولا ينتظرون لك مثل هذه النهاية المؤلمة المخزية، ولكن كثيراً من الناس يغفلون عن البينات الباهرة فى الكون التى تثبت قدرتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 93 - ولقد مكنا لبنى إسرائيل بعد ذلك فعاشوا فى أرض طيبة، محافظين على دينهم، بعيدين عن الظلم الذى كانوا فيه، موفورة لهم الأرزاق والنعم، ولكنهم ما إن ذاقوا نعمة العزة بعد الهوان، حتى أصابهم داء الفرقة، فاختلفوا، مع أنه قد تبيَّن لهم الحق والباطل، وسيقضى الله بينهم يوم القيامة، ويجزى كلا منهم بما عمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 94 - فإن ساورك أو ساور أحداً غيرك شك فيما أنزلنا إليك من وحى، فاسأل أهل الكتب السابقة المنزلة على أنبيائهم، تجد عندهم الجواب القاطع الموافق لما أنزلنا عليك، وذلك تأكيد للصدق ببيان الدليل عند احتمال أى شك، فليس هناك مجال للشك، فقد أنزلنا عليك الحق الذى لا ريب فيه، فلا تجار غيرك فى الشك والتردد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 95 - ولا تكن - أنت ولا أحد من الذين اتبعوك - من الذين يكذِّبون بالحُجج والبينات، لئلا يحل عليك الخسران والغضب، كما هو شأن الكفار الذين لا يؤمنون، والخطاب للنبى خطاب لكل من اتبعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 96 - إن الذين سبق عليهم قضاء الله بالكفر، لما عَلِمَ من عنادهم وتعصبهم، لن يؤمنوا مهما أجهدت نفسك فى إقناعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 97 - ولو جئتهم بكل حُجة - مهما يكن وضوحها - فلن يقتنعوا وسيستمرون على ضلالهم إلى أن ينتهى بهم الأمر إلى العذاب الأليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 98 - لو أن كل قرية من القرى تؤمن؛ لنفعها إيمانها، لكنها لم تؤمن، فلم يكن النفع إلا لقوم يونس، فإنهم لما آمنوا وجدوا النفع لهم، فكشفنا عنهم الخزى وما يترتب عليه من آلام، وجعلناهم فى متعة الدنيا الفانية حتى كان يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 99 - ولو أراد الله إيمان من فى الأرض جميعاً لآمنوا، فلا تحزن على كفر المشركين، ولا إيمان مع الرغبة؛ فلا تستطيع أن تكره الناس حتى يذعنوا للحق ويستجيبوا له، فليس لك أن تحاول إكراههم على الإيمان، ولن تستطيع ذلك مهما حاولت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 100 - لا يمكن لإنسان أن يؤمن إلا إذا اتجهت نفسه إلى ذلك، وهيَّأ الله لها الأسباب والوسائل، أما من لم يتجه إلى الإيمان فهو مستحق لسخط الله وعذابه، وسنة الله أن يجعل العذاب والغضب على الذين ينصرفون عن الحُجج الواضحة ولا يتدبرونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 101 - قل - يا أيها النبى - لهؤلاء المعاندين: انظروا إلى ما فى السموات والأرض من بينات ترشد إلى ألوهيته ووحدانيته، ففيها ما يقنعكم بالإيمان. ولكن الآيات على كثرتها، والنذر على قوتها، لا تغنى عن قوم جاحدين لا يتعقلون، إذا لم يؤمن هؤلاء الجاحدون فلن ينظروا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 102 - فهل ينتظر أولئك الجاحدون إلا أن ينالهم من الأيام الشِّداد مثل ما أصاب الذين مضوا من قوم نوح وقوم موسى وغيرهم؟! قل لهم - أيها النبى -: إذا كنتم تنتظرون غير ذلك، فانتظروا إنى منتظر معكم، وستصيبكم الهزيمة القريبة والعذاب يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 103 - ثم ننجى رسلنا والمؤمنين من ذلك العذاب، لأنه وعد بنجاتهم، ووعده حق لا يتخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 104 - قل لهم - أيها الرسول -: إن كنتم تشكون فى صحة الدين الذى بُعثت به، فاعلموا أنه مهما تشككتم فيه فلن أعبد الأصنام التى تعبدونها من دون الله، ولكنى أعبد الله الذى بيده مصيركم، وهو الذى يتوفاكم، وقد أمرنى أن أكون من المؤمنين به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 105 - يا أيها - النبى - قم حق القيام بالاتجاه إلى الله منصرفاً إليه، ولا تدخل فى غمار الذين أشركوا بالله، فجانبهم وابتعد عنهم أنت ومن اتبعك من المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 106 - ولا تلجأ بالدعاء والعبادة إلى غير الله ما لا يجلب لك نفعاً، ولا ينزل بك ضرراً، فإنك إن فعلت ذلك كنت داخلاً فى غمار المشركين الظالمين. والنهى الموجه للنبى هو موجه لأمته، وهو تأكيد للنهى، لأن النهى حيث لا يمكن وقوع المنهى عنه مبالغة فى النهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 107 - وإنْ يصبك الله بضر - أيها النبى - فلن يكشفه عنك إلا هو، وإن يقدّر لك الخير فلن يمنعه عنك أحد؛ لأنه يهب الخير من فضله لمن يشاء من عباده، وهو - سبحانه - الواسع المغفرة، العظيم الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 108 - بلّغ - أيها الرسول - دعوة الله إلى الناس كافة، وقل لهم: - أيها الناس - قد أنزل الله عليكم الشريعة الحقة من عنده، فمن شاء أن يهتدى بها فليسارع، فإن فائدة هداه ستكون لنفسه، ومن أصرَّ على ضلاله، فإن ضلاله سيقع عليه - وحده - وأنا لست موكلاً بإرغامكم على الإيمان، ولا مسيطراً عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 109 - واثْبت - أيها الرسول - على دين الحق، واتَّبع ما أُنْزل عليك من الوحى، صابراً على ما ينالك فى سبيل الدعوة من مكاره، حتى يقضى الله بينك وبينهم، بما وعدك به من نصر المؤمنين، وخذلان الكافرين، وهو خير الحاكمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 1 - الر ... حروف ابتدأت بها السورة للإشارة إلى أن القرآن معجز، مع أنه مكون من الحروف التى ينطقون بها، وللتنبيه إلى الإصغاء عند تلاوة القرآن الكريم إلى أنه كتاب ذو شأن عظيم، أُنزلت آياته محكمة لا باطل فيها ولا شبهة، ونظمت بأسلوب لا خلل فيه، واضحة بينة، ثم فصلت أحكامها. وللكتاب مع شرفه فى ذاته شرف أنه من عند الله الذى يعلم كل شئ، ويضع الأمور فى مواضعها سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 2 - أرشد به الناس - أيها النبى - وقلْ لهم: لا تعبدوا إلا الله، إننى مُرْسَلٌ منه لأنذركم بعذابه إن كفرتم، وأُبشّركم بثوابه إن آمنتم وأطعتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 3 - وتضرّعوا إلى الله داعين أن يغفر لكم ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه بإخلاص العبادة وعمل الصالحات، فَيُمتعكم متاعاً حسناً فى الدنيا إلى أن تنتهى آجالكم المقدّرة لكم فيها، ويُعطى فى الآخرة كل صاحب عمل صالح فاضل ثواب عمله وفضله. وإن تنصرفوا عمّا أدعوكم إليه، تعرضتم للعذاب، فإنى أخاف عليكم هذا العذاب فى يوم كبير يحشر فيه الناس جميعاً، ويكون فيه الهول الأكبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 4 - إلى الله - وحده - مرجعكم فى الدنيا، ويوم القيامة حين يبعثكم من قبوركم ليجازيكم على أعمالكم، وهو قادر على كل شئ، لأنه كامل القدرة لا يعجز عن شئ من الأشياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 5 - إن الناس يطوون صدورهم كاتمين لما يجول فيها، مجتهدين فى كتمانهم، زاعمين أن عاقبة ذلك أن تستخفى خلجات صدورهم عن الله! ألا فليعلم هؤلاء أنهم إن آووا إلى فراشهم لابسين لباس النوم، فاستتروا بظلام الليل والنوم وطى ما فى الصدور، فإن الله عليم بهم، فى سرهم وعلنهم، لأنه يعلم ما يصاحب الصدور ويطوى فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 6 - ولْيعْلم هؤلاء أن قدرة الله ونعمه وعلمه شاملة لكل شئ، فلا توجد دابة تتحرك فى الأرض إلا وقد تكَفَّل الله سبحانه برزقها المناسب لها فى مختلف البيئات تفضلاً منه، ويعلم مكان استقرارها فى حال حياتها، والمكان الذى تودع فيه بعد موتها. . كل شئ من ذلك مسجل عنده سبحانه فى كتاب موضح لأحوال ما فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 7 - والله خلق السموات والأرض وما فيهما فى ستة أيام، ومن قبل ذلك لم يكن الوجود أكثر من عالم الماء، ومن فوقه عرش الله. وقد خلق الله هذا الكون ليظهر بالاختبار أحوالكم - أيها الناس - ليظهر منكم من يقبل على الله بالطاعة والأعمال الحسنة، ومن يُعرض عن ذلك. . ومع هذه القدرة الخالقة إن قلت لهم مؤكداً: أنهم سيبعثون من قبورهم، وأنهم خلقوا ليموتوا ويُبعثوا، سارعوا إلى الرد عليك مؤكدين أن هذا الذى جئتهم به لا حقيقة له، وما هو إلا كالسحر الواضح الذى يلعب بالعقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 8 - ولئن اقْتضت حكمتنا تأخير عذاب كفرهم فى الدنيا إلى وقت مُحدد عندنا هو يوم القيامة، ليقولون مستهزئين: ما الذى يمنعه عنا الآن؟ فليأت به إن كان صادقاً فى وعيده. ألا فليعلم هؤلاء أن العذاب آتٍ حتماً، وأنه لا خلاص لهم منه حين يأتيهم، وأنه سيحيط بهم بسبب استهزائهم واستهتارهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 9 - وإن من طبيعة الإنسان أن تستغرق نفسه الحالُ التى يكون عليها، فإذا أعطيناه بعض النعم رحمة منا كالصحة والسعة فى الرزق، ثم نزعنا بعد ذلك هذه النعمة لحكمة منا، أسرفَ فى يأسه من عودة هذه النعمة إليه، وأسرف فى كفره بالنعم الأخرى التى لا يزال يتمتع بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 10 - وإننا لو أعطينا الإنسان نعمة بعد ضر لحق به، فإنه يقول: ذهب ما كان يسوؤنى ولن يعود ويحملُه ذلك على شدة الفرح بمتاع الدنيا، وعلى المبالغة فى التفاخر على الغير، فينشغل قلبه عن شكر ربه، هذا هو شأن غالب بنى الإنسان: مضطرب بين اليأس والتفاخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 11 - ولا يخلو من هذا العيب إلا الذين صبروا عند الشدائد، وعملوا الصالحات فى السرَّاء والضرَّاء. هؤلاء لهم مغفرة من الذنوب وأجر كبير على أعمالهم الصالحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 12 - لا تحاول - أيها النبى - إرضاء المشركين لأنهم لا يؤمنون، وعساك إن حاولت إرضاءهم أن تترك تلاوة بعض ما يوحى إليك مما يشق سماعه عليهم، كاحتقار بعض آلهتهم، خوفاً من قبح ردهم واستهزائهم، وعسى أن تحس بالضيق وأنت تتلوه، لأنهم يطلبون أن ينزل الله عليك كنزاً تنعم به كالملوك، أو يجئ معك مَلَك يخبرنهم بصدقك، فلا تبال - أيها النبى - بعنادهم، فما أنت إلا منذر ومحذِّر من عقاب الله من يخالف أمره، وقد فعلت فأرِحْ نفسك منهم. واعلم أن الله على كل شئ رقيب ومهيمن، وسيفعل بهم ما يستحقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 13 - إن القرآن فيه الآية الدالة على صدقك، فإن قالوا: إنه ألَّفه من عنده أو افتراه على الله، فقل لهم: إن كان هذا القرآن من عند بشر، أمكن للبشر أن يأتوا بمثله، وأنتم فصحاء البشر. فأتوا بعشر سور مثله مُختَلَقَات، واستعينوا بما يمكنكم الاستعانة به من الإنس والجن، إن كنتم صادقين فى دعواكم أنه كلام بشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 14 - فإن عجزتم، وعجز من استعنتم بهم فأتوا بمثله ولو مُفْترىً، فاعلموا أن هذا القرآن ما أنزل إلا مقترناً بعلم الله، فلا يعلم علمه أحد، واعْلموا أنه لا إله إلا الله فلا يعمل عمله أحد. فأسلموا بعد قيام هذه الحُجة عليكم، إن كنتم طالبين للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 15 - من كان يطلب الحياة الدنيا، والتَّمتع بلذاتها وزينتها، نعطهم ثمرات أعمالهم وافية لا ينقص منها شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 16 - هؤلاء الذين قصروا هممهم على الدنيا، ليس لهم فى الآخرة إلا عذاب النار، وبَطَل نفع ما صنعوه فى الدنيا لأنه لم يكن للآخرة فيه نصيب، وهو فى نفسه باطل أيضاً، لأن العمل الذى لا يفيد السعادة الدائمة كأنه لم يكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 17 - أفَمَنْ كان يسير فى حياته على بصيرة وهداية من ربه، ويطلب الحق مخلصاً، معه شاهد بالصدق من الله وهو القرآن، وشاهد من قبله وهو كتاب موسى الذىأنزله الله قدوة يتبع ما جاء به، ورحمة لمتبعيه، كمن يسير فى حياته على ضلال وعماية، فلا يهتم إلا بمتاع الدنيا وزينتها؟! أولئك الأولون هم الذين أنار الله بصائرهم، يؤمنون بالنبى والكتاب الذى أنزل عليه. ومن يكفر به ممن تألبوا على الحق وتحزّبوا ضده، فالنار موعده يوم القيامة. فلا تكن - أيها النبى - فى شك من هذا القرآن، إنه الحق النازل من عند ربك، لا يأتيه الباطل، ولكن أكثر الناس تضلّهم الشهوات، فلا يؤمنون بما يجب الإيمان به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 18 - وليس أحد أكثر ظلماً لنفسه وبُعداً عن الحق من الذين يختلقون الكذب وينسبونه إلى الله. إن هؤلاء سيعرضون يوم القيامة على ربهم ليحاسبهم على ما عملوا من سوء، فيقول الأشهاد من الملائكة والأنبياء وغيرهم: هؤلاء هم الذين ارتكبوا أفظع الجرم والظلم بالنسبة لخالقهم. إن لعنة الله ستقع عليهم لأنهم ظالمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 19 - هؤلاء الذين يصرفون الناس عن دين الله ويمنعونهم - وهو سبيله المستقيم - ويطلبون أن تكون هذه السبيل موافقة لشهواتهم وأهوائهم، فتكون معوجة، وهم بالآخرة - وما فيها من ثواب المؤمن وعقاب الكافر - كافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 20 - أولئك الكافرون، لم تكن لهم قوة تُعجز الله عن أخذهم بالعذاب فى الدنيا، ولم يكن لهم نُصراء يمنعون عنهم عذابه لو شاء أن يعجل لهم العذاب، وإن العذاب سيقع عليهم فى الآخرة أضعاف ما كان سيقع عليهم فى الدنيا، لو أراد الله أن يقع، لأنهم كرهوا أن يسمعوا القرآن، ويبصروا آيات الله فى الكون، كأنهم لم يكونوا يستطيعون أن يسمعوا أو يبصروا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 21 - أولئك الكافرون لم يربحوا بعبادة غير الله شيئاً. بل خسروا أنفسهم وغاب عنهم فى الآخرة ما كانوا يفترون من أكاذيب ودعاوى باطلة، وما كانوا يختلقون من الآلهة الباطلة، ويزعمون أنهم ينفعونهم أو يشفعون لهم، فإن يوم القيامة هو يوم الحقائق التى لا زيف فيها ولا افتراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 22 - حقاً، إنهم فى الآخرة أشد الناس خُسراناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 23 - إن الذين آمنوا بالله ورسله، وعملوا الأعمال الصالحة، وخضعت قلوبهم واطمأنت إلى قضاء ربها، هؤلاء هم المستحقون لدخول الجنة والخُلْد فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 24 - مثل الفريقين: المؤمنين والكافرين، كالأعمى الذى يسير على غير هدى، والأصم الذى لا يسمع ما يرشده إلى النجاة، وكقوى البصر الذى يرى طريق الخير والنجاة، وقوى السمع الذى يسمع كل ما ينفعه، هذان الفريقان لا يستويان فى الحال والمآل. أفلا تتفكرون - أيها الناس - فيما بينكم من التباين والكفر، وفيما بين الباطل والحق من خلاف، فتبتعدوا عن طريق الضلال، وتسيروا فى الطريق المستقيم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 25 - وكما أرسلناك إلى قومك لتنذرهم وتبشرهم، فقابلك فريق منهم بالعناد والجحود، أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال لهم: إنى محذر لكم من عذاب الله، مبين لكم طريق النجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 26 - قائلاً لهم: إنى أطلب منكم ألا تعبدوا إلا الله، لأنى أخاف عليكم - إن عبدتم غيره أو أشركتم معه سواه فى العبادة - أن يحل عليكم يَوْمٌ عذابه ذو ألم شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 27 - قال الكبار من قومه: ما نرى إلا أنك بشر مثلنا، فليس فيك ما يجعل لك ميزة خاصة، وفضلاً يحملنا على الإيمان بأنك رسول من عند الله، وما نرى الذين اتبعوك من بيننا إلا الطبقة الدنيا منا، وما نرى لكم من فضل علينا. بل إنا نعتقد أنكم كاذبون فيما تزعمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 28 - قال نوح: يا قوم، أخبرونى - إن كنت مؤيَّداً بحُجة واضحة من ربى، وأعطانى برحمته النبوة والرسالة، فحَجَب نورها عنكم، وعمَّاها عليكم اغتراركُم بالجاه والمال - فهل يصح أن نلزمكم بالحُجة والإيمان بها مضطرين كارهين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 29 - ويا قوم، لا أطلب منكم على تبليغ رسالة ربى مالا، وإنما أطلب جزائى من الله، وما أنا بطارد الذين آمنوا بربهم عن مجلسى ومعاشرتى، لمجرد احتقاركم لهم. لأنهم سيلاقون ربهم يوم القيامة، فيشكوننى إليه إن طردتهم لفقرهم، ولكنى أراكم قوماً تجهلون ما يصح أن يتفاضل به الخلق عند الله. أهو الغنى والجاه، كما تزعمون؟ أم اتّباع الحق وعمل الخير؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 30 - ويا قوم، لا أحد يستطيع منع عقاب الله عنى إن طردتهم، وهم المؤمنون به، أهَلْ بعد هذا تصرون على جهلكم، فلا تتذكرون أن لهم رباً ينتقم لهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 31 - ولا أقول لكم، لأنى رسول، إن عندى خزائن رزق الله أتصرف فيها كما أشاء، فأجعل من يتبعنى غنياً {ولا أقول: إنى أعلم الغيب، فأخبركم بما اختص به علم الله، بحيث لا يعلمه أحد من العباد} ، ولا أقول: إنى ملك حتى تردوا على بقولكم: ما ذاك إلا بشر، ولا أقول عن الذين تحتقرونهم إن الله لن يؤتيهم خيراً إرضاء لرغباتكم، لأن الله - وحده - هو الذى يعلم ما فى أنفسهم من إخلاص. إنى إذا قلت لهم ما تحبونه، أكون من زمرة الظالمين لأنفسهم ولغيرهم. د الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 32 - قالوا: يا نوح قد جادلتنا لنؤمن بك فأكثرت جدالنا، حتى مَلِلْنا، ولم نعد نتحمل منك كلاماً، فأتنا بهذا العذاب الذى تهددنا به، إن كنت صادقاً فى أن الله يعذبنا إذا لم نؤمن بك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 33 - قال نوح: هذا أمر بيد الله - وحده - فهو الذى يأتيكم بما يشاء حسب حكمته، ولستم بمفلتين من عذابه إذا جاء، لأنه سبحانه لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 34 - ولا ينفعكم نصحى لمجرد إرادتى الخير لكم، إن كان الله يريد أن تضلوا لعلمه وتقديره فساد قلوبكم حتى صارت لا تقبل حقاً، وهو سبحانه ربكم، وسيرجعكم إليه يوم القيامة، ويجازيكم على ما كنتم تعملونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 35 - إن هذا القَصصَ الصادق، ماذا يكون موقف المشركين منه؟ أيقولون افتراه؟ وإن قالوا ذلك، فقل - أيها الرسول - إن كنت افتريته على الله كما تزعمون، فهو جرم عظيم، علىَّ وحدى إثمه، وإذا كنت صادقاً، فأنتم المجرمون وأنا برئ من آثار جرمكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 36 - وأوحى الله إلى نوح: أنه لن يصدّقك ويذعن للحق من قومك أحد بعد الآن - غير من سبق منه الإيمان قبل ذلك - فلا تحزن يا نوح بسبب ما كانوا يفعلونه معك من تكذيبك وإيذائك؛ لأننا سننتقم منهم قريباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 37 - وقلنا له: اصنع الفلك لننجيك عليها بعنايتنا، وتحت رعايتنا، ولا تخاطبنى فى شأن هؤلاء الظالمين لأننى استجبت دعاءك، وأمرت بإهلاكهم غرقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 38 - وشرع نوح فى عمل الفلك، وكلما مرَّ عليه قادة الكفر من قومه استهزأوا به، لجهلهم ولعدم معرفة الغرض الذى يقصده، قال نوح: إن تسخروا منا لجهلكم بصدق وعد الله، فإنا أيضاً سنسخر منكم كما تسخرون منا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 39 - فسوف تعلمون من منا الذى سيأتيه عذاب يُذله فى الدنيا، ويحل عليه فى الآخرة عذاب دائم خالد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 40 - حتى إذا جاء وقت أمرنا بإهلاكهم، جاء الماء بقوة فائراً ذا رغوة، كالماء الذى يغلى فوق النار، قلنا لنوح: احْمل معك فى السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكراً وأنثى، واحْمل فيها أيضاً أهل بيتك جميعاً، إلا من سبق عليه حكمنا بإهلاكه، واحْمل فيها أيضاً من آمن من قومك، ولم يكونوا إلا عدداً قليلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 41 - وقال نوح للذين آمنوا من قومه - بعد أن أعدّ الفلك -: اركبوا فيها متيمنين بذكر اسم الله تعالى، وقت إجرائها، وفى وقت رسوها، وعند النزول فيها والخروج منها، وارجو مغفرة الله على ما فرط منكم، ورحمته بكم، فإن المغفرة والرحمة من شأنه سبحانه وتعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 42 - ونزلوا فى السفينة، فصارت تجرى بهم سائرة فى موج يعلو ويرتفع، حتى يصير كالجبال فى علوها، وفى ابتداء سيرها تذكر نوح ابنه بعاطفة الأبوة، وقد كان فى معزل عن دعوة أبيه فناداه: اركب معنا يا بُنى ولا تكن مع الجاحدين بدين الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 43 - لم يطع الولد أباه الشفيق، وقال: سأتخذ مأوى لى مكاناً يمنعنى من الماء، فقال الأب العالم بقضاء الله فى شأن العصاة: يا بُنى لا يوجد ما يمنع من حكم الله تعالى بالإغراق للظالمين، وغاب الولد عن أبيه الناصح بالموج المرتفع؛ فكان مع المغرقين الهالكين الجاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 44 - وبعد أن هلك الجاحدون بالإغراق، جاء أمر الله التكوينى، فقيل بحكم التكوين: ابْلَعى ماءك أيتها الأرض، وامتنعى عن إنزال الماء أيتها السماء، فذهب الماء من الأرض، ولم تمد بشئ من السماء، وانتهى حكم الله بالإهلاك واستوت الفلك، ووقفت عند الجبل المسمى بالجودى، وقضى الله بإبعاد الظالمين عن رحمته، فقيل: هلاكاً للقوم الظالمين بسبب ظلمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 45 - ثارت الشفقة فى قلب نوح على ابنه، فنادى رَبَّه ضارعاً مشفقاً فقال: يا خالقى ومنشئى، إن ابنى قطعة منى، وهو من أهلى. وقد وعدت أن تنجى أهلى، وإن وعدك حق ثابت واقع، وأنت أعدل الحاكمين، لأنك أعلمهم، ولأنك أكثر حكمة من كل ذوى الحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 46 - قال الله سبحانه: إن ابنك ليس من أهلك، إذ أنه بكفره وسيره مع الكافرين قد انقطعت الولاية بينك وبينه، وقد عمل أعمالا غير صالحة، فلم يصر منك، فلا تطلب ما لا تعلم: أهو صواب أم خطأ؟ ولا تَسِرْ وراء شفقتك وإنى أرشدك إلى الحق لكيلا تكون من الجاهلين الذين تنسيهم الشفقة الحقائق الثابتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 47 - قال نوح: يا خالقى ومتولى أمرى ألجأ إليك فلا أسألك من بعد ما لا أعلم الحق فيه، واغفر لى ما قلته بدافع شفقتى، وإن لم تتفضل علىَّ بمغفرتك، وترحمنى برحمتك، كنت فى عداد الخاسرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 48 - قيل بلسان الوحى: يا نوح، انزل على الأرض من سفينة النجاة سالماً آمناً، بسلام من الله تعالى وأَمْنٍ منه، وبركات من الله عليك وعلى الذين معك، الذين سيكونون أمماً مختلفة من بعدك، وسينال بركة الإيمان والإذعان بعضهم، وبعضهم سيكونون أمما يستمتعون بالدنيا وينالون متعها غير مذعنين للحق، ثم يصيبهم يوم القيامة عذاب مؤلم شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 49 - تلك القصة التى قصصناها عليك - أيها النبى - عن نوح وقومه، من أخبار الغيب التى لا يعلمها إلا الله، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك على هذا الوجه من الدقة والتفصيل من قبل هذا الوحى، فاصبر على إيذاء قومك كما صبر الأنبياء قبلك، فإن عاقبتك الفوز مثل عاقبتهم، والعاقبة الطيبة دائماً للذين يتقون عذاب الله بالإيمان وعمل الصالحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 50 - ولقد أرسلنا إلى قوم عَادٍ الأولى أخاً لهم من قبيلتهم هو (هود) فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله - وحده - إذ ليس لكم مَنْ يستحق العبادة غيره - وما أنتم إلا كاذبون فى ادّعائكم أن لله شركاء فى استحقاقهم للعبادة ليكونوا شفعاء لكم عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 51 - يا قوم، لا أطلب منكم على النصح مكافأة من جاه أو سلطان أو مال، وإنما أجرى على الله الذى خلقنى، ولا يصح أن تستولى عليكم الغفلة فلا تعقلون ما ينفعكم وما يضركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 52 - ويا قوم، اطلبوا من خالقكم أن يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه. إنكم إن فعلتم ذلك يُرْسِل المطر عليكم متتابعاً، فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم التى تغترون بها، ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه، مصممين على الإجرام الذى يرديكم فى الهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 53 - قالوا: يا هود ما جئتنا بحُجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه، وما نحن بتاركى عبادة آلهتنا لمجرد قولك، أنتركها وما نحن لك بمصدقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 54 - ما نقول فى موقفك منا: إلا أن بعض آلهتنا مَسَّتْكَ بِشَر، فصرت تهذى بهذا الكلام، قال مُصِراً على إيمانه متحدياً: أقول، وأشهد الله على ما أقول، وأشهدكم عليه: إنى برئ من داء الشرك الذى أنتم فيه، فأنتم المرضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 55 - ولا أبالى بكم ولا بآلهتكم التى تدَّعون أنها مسَّتنى بسوء، فتعاونوا أنتم وآلهتكم على الكيد لى، ثم لا تؤخرون عقابى لحظة، إن استطعتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 56 - إننى اعتمدت على الله، وهو مالك أمرى وأمركم، لا يعجزه شئ عن رد كيدكم، وهو القادر على كل شئ. فما من دابة إلا وهو مالك أمرها ومتصرف فيها، فلا يعجزه حفظى من أذاكم، ولا إهلاككم، إن أفعال ربى تجرى على طريق الحق والعدل فى ملكه، فينصر المؤمنين المصلحين، ويخذل الكافرين المفسدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 57 - فإن تُعرضوا عن دعوتى لم يضرنى إعراضكم، والعاقبة السيئة عليكم، فقد أبلغتكم ما أرسلنى الله به إليكم، وليس علىّ إلا البلاغ، والله يهلككم ويجئ بقوم آخرين يخلفونكم فى دياركم وأموالكم، وأنتم لا تضرونه بإعراضكم عن عبادته، إن ربى مهيمن على كل شئ، مطلع عليه، فما تخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 58 - ولما جاء أمرنا بإهلاك عَادٍ نجّينا هُوداً، والذين آمنوا معه، من عذاب الريح العاتية التى أهلكتهم، ونجيناهم من عذاب شديد كبير فى الدنيا والآخرة، وذلك بسبب رحمتنا لهم بتوفيقهم للإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 59 - تلك عاد أنْكروا الحُجج الواضحة، وعصوا رُسل الله جميعاً، بعصيانهم رسوله إليهم، وطاعتهم لأمر كل طاغية شديد العناد من رؤسائهم وكبرائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 60 - فاستحقوا من الله والملائكة والناس أجمعين لعنة تلحقهم فى الدنيا، ولعنة تتبعهم يوم القيامة، ألا فلينتبه كل من علم خبر عاد. أن عاداً جحدوا نعمة خالقهم عليهم، ولم يشكروها بالإيمان به وحده، فأصبحوا جديرين بطردهم من رحمة الله، وإنزال الهلاك الشديد بهم، ألا فهلاكاً لهم لتكذيبهم هودا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 61 - وقد أرسلنا إلى ثمود واحداً منهم، تربطه بهم صلة النسب والمودة، وهو صالح، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله - وحده - ليس لكم من يستحق العبادة غيره، هو خلقكم من الأرض ومكَّنكم من عمارتها، واستثمار ما فيها والانتفاع بخيرها. . فادْعوه أن يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه بالندم على معصيته والإقبال على طاعته كلما وقعتم فى ذنب. إنّ ربى قريب الرحمة مجيب الدعاء لمن يستغفره ويدعوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 62 - قالوا: يا صالح قد كنت بيننا موضع الرجاء والمحبة والتقدير من نفوسنا، قبل هذا الذى تدعونا إليه، أتطلب منا أن نترك عبادة ما كان يعبد آباؤنا وما ألفناه وألفوه؟ إنَّا لفى شك من دعوتك إلى عبادة الله - وحده فهذا مثير للرّيب، وسوء الظن فيك، وفيما تدعو إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 63 - قال: يا قوم: خبِّرونى إن كنت على بصيرة نيِّرة وبيِّنة مما أدعوكم إليه مُؤيداً بحجة من ربى، وأعطانى ربى رحمة لى ولكم، وهى النبوة والرسالة، فكيف أخالف أمره وأعصيه بعدم تبليغ رسالته، استجابة لكم؟ ومن ينصرنى ويعيننى على دفع عذابه إن عصيته؟ إنكم لا تستطيعون نصرتى ودفع عذابه عنى، فما تزيدوننى غير الضياع والوقوع فى الخسران إن أطعتكم وعصيت ربى وربكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 64 - ويا قوم، هذه ناقة الله جعلها لكم علامة تشهد على صدقى فيما أبلغه لكم، لأنها على غير ما تألفون من أمثالها، فاتركوها تأكل فى أرض الله لأنها ناقته، والأرض أرضه، ولا تنالوها بسوء يؤذيها، فإنكم إن فعلتم ذلك يأخذكم من الله عذاب قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 65 - فلم يسمعوا نصحه، ولم يستجيبوا له، وبلغ بهم الكبرياء والاستهانة بتهديده أن قتلوا الناقة، فقال لهم: تمتعوا بحياتكم فى داركم ثلاثة أيام، ثم يأتيكم بعدها عذاب الله، ذلك وعده الحق الذى لا يتخلف، ولا يقع عليه تكذيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 66 - فلما جاء عذابنا نجّينا صالحاً والذين آمنوا معه من الهلاك برحمة خاصة منا، ونجيناهم من مهانة وفضيحة يوم هلاك ثمود. إن ربك - أيها النبى - هو القوى الغالب، فاطمئن إلى قوته وعزته وعونه ونصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 67 - وأخذت الصيحة ثمود بعنفها ورجفتها وصاعقتها، لأنهم ظلموا أنفسهم بالكفر والعدوان، فأصبحوا فى ديارهم هامدين، راقدين على وجوههم، ميتين لا حراك بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 68 - وانتهى أمرهم، وزالت آثارهم من ديارهم، كأنهم لم يقيموا فيها، ونطق حالهم بما يجب أن يتنبه له ويعتبر به كل عاقل، ويعلم أن ثَمودَ جحدوا بآيات من خلقهم، وبسبب ذلك كان الهلاك والبُعد عن رحمة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 69 - ولقد أرسلنا الملائكة إلى إبراهيم ببشارته هو وزوجته بمولود. قالوا يحيُّونه: سلاماً قال يرد تحيتهم: سلام. وأسرع فلم يمكث أن حضر إليهم بعجل مشوى سمين ليأكلوا منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 70 - فلما رأى أيديهم لا تبلغه ولا تمتد إليه، كما هو معروف عن الضيوف أنكر أنهم ضيوف، وأحس أنهم ملائكة، وأضمر الخوف أن يكون مجيئهم لأمر أنكره الله عليه، أو لتعذيب قومه. قالوا - وقد عرفوا أثر الخوف فى نفسه -: لا تخف إنا أرسلنا لهلاك قوم لوط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 71 - وكانت امرأته قائمة تسمع كلامهم فى مكان قريب منهم، فضحكت لسرورها لنجاة لوط ابن أخى زوجها، فبشرناها على ألْسِنَة الملائكة بأنها ستلد من إبراهم زوجها ولداً يسمى إسحاق، وسيعيش ولدها، وسيكون لها منه بعد إسحاق يعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 72 - صاحت متعجبة وقالت: يا عجبا! أألدُ وأنا عجوز، وهذا زوجى ترونه شيخاً كبيراً ولا يولد لمثله؟ إن هذا الذى أسمعه والله شئ عجيب، إذ كيف يولد لهرِمَيْن مثلى ومثل زوجى؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 73 - قالت الملائكة لها: أتعجبين من أن يولد لكما على كبركما، وهو من أمر الله الذى لا يعجزه شئ؟ تلك رحمة الله ونعمه الكثيرة عليكم - أهل بيت النبوة - فليس بعجيب أن يهب لكم ما لا يهب لغيركم، إنه فاعل ما يستوجب الحمد، عظيم كثير الإحسان والكرم والعطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 74 - فلما ذهب عن إبراهيم الخوف، وسمع البشارة السارة بالولد، أخذه الإشفاق، وأخذ يجادل رسلنا فى هلاك قوم لوط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 75 - إن إبراهيم لكثير الحلم، لا يحب تعجيل العقاب، كثير التأوه والتوجع من السوء الذى يصيب غيره، تائب راجع إلى الله بما يحبه ويرضاه، فَرِقته ورحمته ورأفته حملته على المجادلة رجاء أن يرفع الله عذابه عن قوم لوط وأن يتوبوا وينيبوا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 76 - قالت الملائكة: يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال والتماس الرحمة لهؤلاء القوم، إنه قد جاء أمر ربك بهلاكهم، وأنهم لا بد آتيهم عذاب نافذ غير مردود بجدل أو غير جدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 77 - ولما جاءت الملائكة - رُسلنا - إلى لوط فى صورة شُبانٍ حِسَان، تألم واستاء، وأحس بضعفه عن حمايتهم، وضيقه بهم، لخوفه عليهم من فساد قومه، وقال: هذا يوم شديد المكاره والآلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 78 - وعلم قومه بهم، فجاءوا مسرعين إليه، ومن قبل ذلك كانوا يرتكبون الفواحش، ويقترفون السيئات، قال لهم لوط: يا قوم هؤلاء بناتى، تزوّجوا بهن، فذلك أطهر لكم من ارتكاب الفواحش مع الذكور، فخافوا الله وصونوا أنفسكم من عقابه، ولا تفضحونى وتهينونى بالاعتداء على ضيفى، أليس فيكم رجل سديد الرأى، رشيد العقل، يردكم عن الغىِّ ويكفكم عن السوء؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 79 - قالوا: لقد علمتَ يا لوط إنه ليس لنا فى بناتك أَىُّ حق فى نكاحهن أو رغبة فيهن، وإنك دون شك تعلم ما نريد من مجيئنا وإسراعنا إليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 80 - قال لوط: لو أن لى قوة أو ركناً قوياً اعتمدت عليه، لكان موقفى منكم غير هذا، ولدفعتكم عن ضيفى ومنعتكم من السيئات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 81 - قالت الملائكة، وقد ظهرت على حقيقتها: يا لوط، لا تخف ولا تحزن إنا رسل ربك، لا بَشر كما بدا لك ولقومك، ولن يصل هؤلاء إليك بِشَرٍ يسوءك أو ضر يصيبك، فسر أنت وأهلك فى بعض أوقات الليل، إذا دخل جزء كبير منه، واخْرج بهم من هذه القرية، ولا يلتفت أحد منكم خلفه، لكيلا يرى هول العذاب فيصاب بشر منه، لكن امرأتك التى خانتك فلا تكن من الخارجين معك، إنه لا بد مصيبها ما قُدّر أن يصيب هؤلاء. . إن موعد هلاكهم الصبح، وهو موعد قريب، فلا تخف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 82 - فلما جاء وقت العذاب الذى قدرناه وقضينا به، جعلنا عالى القرية التى كان يعيش فيها قوم لوط سافلها، فقلبناها، وأمطرنا عليهم فى أثناء ذلك حجارة من طين حمى بالنار حتى تحجَّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 83 - كانت تقع عليهم متتابعة منتظمة معلنة العذاب من عند ربك - أيها النبى - وليست بعيدة عن الظالمين من قومك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 84 - ولقد أرسلنا إلى قوم مدين أخاهم فى النسب والمودة والتراحم شُعيبا، قال لهم: يا قوم اعبدوا الله - وحده - ليس لكم من يستحق العبادة غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان حين تبيعون لغيركم ما يُكال ويُوزن، إنى أراكم يرجى منكم الخير، بالشكر والطاعة لله، وإعطاء الناس حقوقهم كاملة، وإنى أخاف عليكم إذا لم تشكروا خيره وتطيعوا أمره، أن يحل بكم عذاب يوم لا تستطيعون أن تفلتوا من أهواله، لأنها تحيط بالمعذبين فيها فلا يجدون سبيلا إلى الخلاص منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 85 - ويا قوم أدُّوا المكِيل والموزون مما تبيعونه وافياً على وجْه العدل والتسوية، ولا تنقصوا الناس حقهم فى أشيائهم، ولا تجوروا وتفسدوا فى الأرض بسرقة أموالهم، أو الإغارة عليهم، أو قطع الطريق على العابرين منهم، تتخذون الفساد وسيلة للكسب الحرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 86 - ما يبقى لكم من المال الحلال الذى تفضَّل به الله عليكم، خير لكم من المال الذى تجمعونه من حرام، إن كنتم تؤمنون بالله وتجتنبون ما حرمه عليكم فحاسبوا أنفسكم، وراقبوا ربكم، لست عليكم رقيباً أحصى أعمالكم وأحاسبكم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 87 - قالوا ساخرين مستهزئين: يا شعيب، أصلاتك هى التى تأمرك أن تحملنا على ترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام، وعلى أن نمتنع عن التصرف فى أموالنا كما نريد مما نرى فيه مصلحتنا؟ إن ذلك غاية السَّفه والطيش. ولا يتفق مع ما نعرفه عنك من العقل وسداد الرأى، فأنت المعروف بكثرة الحلم والرشد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 88 - قال: يا قوم: أخبرونى إن كنت على حُجة واضحة ويقين من ربى، ورزقنى رزقاً حسناً تفضلا منه، أيصح لى أن أكتم ما أمرنى بتبليغه لكم، من ترك عبادة الأصنام، وطلب إيفاء الكيل والميزان، وترك الفساد فى الأرض؟ وأنا لا أريد أن أتجه إلى فعل ما أنهاكم عنه من ذلك، ما أريد بموعظتى ونصيحتى وأمْرى ونهيى إلا الإصلاح قدر طاقتى وجهدى واستطاعتى، وما كنت موفّقاً لإصابة الحق إلا بمعونة الله وتأييده وتسديده، عليه - وحده - أعتمد، وإليه - وحده - أرجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 89 - ويا قوم لا يحملنكم الخلاف بينى وبينكم على العناد والإصرار على الكفر، فيصيبكم ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح، وما عهد قوم لوط ومكانهم وهلاكهم ببعيد عنكم، فاعتبروا بهم حتى لا يصيبكم ما أصابهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 90 - واطلبوا من الله أن يغفر لكم ذنوبكم، ثم ارجعوا إليه نادمين مستغفرين كلما وقع الذنب منكم، إن ربى كثير الرحمة محب ودود، يغفر للتائبين ويحب الأوَّابين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 91 - قالوا: يا شعيب ما نعقل كثيراً مما تقوله لنا، ونؤكد لك أننا نراك بيننا ضعيفاً لا قدرة لك على الدفاع، وعلى الإقناع، إن أردنا بك ما تكره، ولولا مجاملتنا لعشيرتك، لأنها على ديننا، لقتلناك رجماً بالحجارة، وما أنت علينا بعزيز حتى نجلَّك ونحترمك ونكرمك ونصونك عن القتل بالرجم، وإنما هى المجاملة لعشيرتك تمنعنا عن قتلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 92 - قال: يا قوم، أعشيرتى أحق بالمجاملة من الله، فذكرتموها ونسيتموه، وجاملتمونى واتخذتموه كالشئ المنبوذ وراء الظهر؟ إن ربى محيط علمه بكل ما تعملون، فلا يخفى عليه شئ من أعمالكم، وسيحاسبكم عليها إن نسيتموه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 93 - ويا قوم اعملوا على ما أنتم قادرون عليه، وما تستطيعون عمله، إن لم تسمعوا نصحى إنى مثابر على العمل بما يخالف عملكم، وسوف تعلمون مَنْ مِنا الذى يأتيه عذاب يفضحه ويذله، ومَن مِنا الذى هو كاذب: أأنا الذى أنذركم بالعذاب، أم أنتم الذين أنذرتمونى بالإخراج من القرية؟ وانتظروا ما سيحصل، إنى معكم منتظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 94 - ولما وقع أمرنا بعذابهم وهلاكهم، نجينا شعيباً والذين آمنوا معه من العذاب والهلاك، وكانت نجاتهم بسبب رحمة منا لهم، وأخذت الظالمين من أهل مدين الصيحة، والرجفة المهلكة، فأصبحوا فى ديارهم هامدين، راقدين على وجوههم: لا حراك بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 95 - وانتهى أمرهم وزالت آثارهم، كأنهم لم يقيموا فى ديارهم، ونطق حالهم بما يجب أن يتنبه له ويعتبر به كل عاقل، ألا هلاكاً لمدْين، وبُعداً من رحمة الله كما بَعدت ثمود من قبلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 96 - ولقد أرسلنا موسى مؤيَّداً بمعجزاتنا الدالة على صدقه، وبالبرهان المبين ذى السلطان القاهر على النفوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 97 - أرسلناه إلى فرعون وكبار رجاله، فكفر به فرعون وأمر قومه أن يتبعوه فى الكفر، فاتّبعوا أمر فرعون، وخالفوا أمر موسى، وما أمر فرعون بسديد حسن النتائج حتى يستحق أن يُتّبع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 98 - يتقدم قومه يوم القيامة ويقودهم كما قادهم فى الدنيا، فيوردهم النار حتماً، يصْلَونها ويتجرعون غُصص عذابها، وقُبح هذا المورد الذى يشربون منه ماء حميماً؛ ليطفئ ظمأهم، فيقطّع أمعاءهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 99 - وهم فى هذه الدنيا قد تبعتهم لعنة من الله والملائكة والناس، ويوم القيامة تتبعهم كذلك اللعنة، لأنها عطاؤهم، وإنه لعطاء قبيح يثير الشعور بالذنب، ويقال فيه: بئس هذا العطاء المعطى لهؤلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 100 - ذلك القَصَص - أيها النبى - هو بعض أخبار القرى التى أهلكناها، نقصُّها عليك لتعظ بها قومك، وتطمئن إلى نصر الله لك، بعض هذه القرى كالزرع القائم على ساقه، ليشهدوا بما حصل، وبعضها عَافى الأثر، كالزّرع الذى حصد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 101 - وما ظلمناهم بإهلاكهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم بالكفر وعبادة غير الله والفساد فى الأرض، فما استطاعت أن ترد عنهم الهلاك آلهتهم التى كانوا يعبدونها من دون الله، ولا نفعتهم بشئ لما جاء أمر ربك - أيها النبى - وما زادهم إصرارهم على عبادة الأوثان إلا الهلاك والضياع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 102 - ومثل هذا الأخْذ الشديد، الذى أخذ به ربك - أيها النبى - قومَ نوح وعاد وثمود وغيرهم، أخذُه الشديد إذا شاء أن يأخذ القرى وأهلها ظالمون بالكفر والفساد، إنّ أخذه قوى مؤلم شديد على الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 103 - إن فى ذلك القَصَص لموعظة يعتبر بها من أيقن بالبعث وخاف عذاب يوم الآخرة، ذلك يوم مجموع للحساب فيه الناس، وذلك يوم مشهود يراه الملائكة والناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 104 - وما نؤخّره إلا لمدة قليلة حددناها، ومهما طالت فى نظر الناس فهى قليلة عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 105 - يوم يأتى هَوْلُه لا يستطيع إنسان أن يتكلم إلا بإذن الله، فمن الناس شقى بما يعانى من ألوان الشدة، وهو الكافر، ومنهم سعيد بما ينتظره من نعيم الآخرة، وهو المؤمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 106 - فأما الذين شقوا ففى النار مآلهم، لهم فيها تنفس مصحوب بآلام مزعجة، عند خروج الهواء من صدورهم، وعند دخوله فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 107 - خالدين فى النار ما دامت السموات والأرض، لا يخرجون منها إلا فى الوقت الذى يشاء الله إخراجهم فيه، ليعذبهم بنوع آخر من العذاب، وإن ربك أيها - النبى - فعّال لما يريد فعله، لا يمنعه أحد عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 108 - وأما الذين رَزقهم الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها من أول لحظة، بعد انتهاء موقف الحساب إلى ما لا نهاية، إلا الفريق الذى يشاء الله تأخيره عن دخول الجنة مع السابقين، وهم عصاة المؤمنين، الذين يتأخرون فى النار بمقدار توقيع الجزاء عليهم، ثم يخرجون منها إلى الجنة، ويعطى ربك هؤلاء السعداء فى الجنة عطاء عظيماً مستديماً، غير منقوص ولا مقطوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 109 - وإذا كان أمر الأمم المشركة الظالمة فى الدنيا ثم فى الآخرة، هو ما قصصنا عليك - أيها النبى - فلا يكن عندك أدنى شك فى مصير عبّاد الأوثان من قومك، إن استمروا على ضلالهم، لأنهم كالسابقين من آبائهم، الذين قصصنا عليك قصصهم من قبل، كلهم مشركون، وإنا لموفّون هؤلاء الكفرة استحقاقهم من العذاب كاملا على قدر جرائمهم، لا يُنقَصون منه شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 110 - ونؤكد لك - أيها النبى - أننا أعطينا موسى التوراة، فاختلف قومه من بعده فى تفسيرها ومعناها، حسب أهوائهم وشهواتهم، كل يريد إخضاعها لشهواته، فتقرقوا شيعا، وابتعد الكثير منهم عن الحق الذى جاءتهم به، ولولا وعد من الله سابق بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة، لحل بهم فى دنياهم قضاء اللَّه وحكمه بإهلاك المبطلين ونجاة المحقين، كما حل بغيرهم من الأمم التى جاءتهم بها، بعد اختلاف أسلافهم فى فهمها وتحريفهم لها، مما جعل إدراك الحقائق منها أمرا عسيرا. وإن هؤلاء الذين ورثوا التوراة لفى حيرة وبعدٍ عن الحقيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 111 - إن كل فريق من هؤلاء سيوفيهم ربك حتما جزاء أعمالهم، إنه سبحانه خبير بهم، محيط بدقائق ما يعملون من خير أو شر، ويجازى كلاً منهم حسب عمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 112 - وإذا كان هذا هو حال الأمم التى جاءها كتاب من اللَّه فاختلفت فيه وخرجت عليه، فداوم أنت ومن معك من المؤمنين على التزام الطريق المستقيم كما أمرك الله، ولا تجاوزوا حدود الاعتدال بتقصير أو إهمال ومغالاة فى تكليف أنفسكم ما لا تطيقون. إنه سبحانه محيط علمه بكل ما تعملون فيجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 113 - ولا تميلوا أدنى ميل إلى أعداء الله وأعدائكم الذين ظلموا أنفسهم وتجاوزوا حدود الله، ولا تُعَوِّلوا عليهم أو تستحسنوا طريقهم، فتستحقوا بسبب هذا الميل عذاب النار، ولا تجدوا أحداً يدفعه عنكم، ثم تكون عاقبتكم أنكم لا تُنصرون على أعدائكم بخذلان الله لكم، ولركونكم إلى عدوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 114 - وأدِّ الصلاة - أيها النبى - على أتم وجه فى طرفى النهار، وفى أوقات متفرقة من الليل، فإنها تطهر النفوس فتتغلب على نزعة الشر، وتمحو آثار السيئات التى قَلّما يخلو منها البشر، ذلك الذى أُمِرت به - أيها النبى - من الإرشاد للخير عظة ينتفع بها المستعدون لقبولها، الذين يذكرون ربهم ولا ينسونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 115 - واصبر - أيها النبى - على مشاق ما أمرناك به، وأحسِنْ تنفيذه، يعطك الله أجراً عظيماً، لأنه لا يضيع عنده أجر المحسنين لأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 116 - كان يجب أن يكون من تلك الأمم السابقة - التى أهلكناها بسبب ظلمها - جماعة منهم لهم كلمة مسموعة، وفضل من دين وعقل، ينهون غيرهم عن الفساد فى الأرض، فيحفظوهم من العذاب الذى حل بهم، ولم يكن هذا، لكن الذى حدث أنه كان فيهم قليل من المؤمنين لم يُسمع لهم رأى ولا توجيه، فأنجاهم الله مع رسلهم، فى الوقت الذى أصرَّ فيه الظالمون المعاندون على ما تعوَّدوه من قبل من حياة الترف والفساد، فحال ذلك بينهم وبين الانتفاع بدعوة الحق والخير، وكانوا فى إيثارهم لهذا الطريق غارقين فى الذنوب والسيئات، فأهلكهم الله تنفيذاً لسنّته فى خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 117 - وما كان من سنة الله، ولا من عدله فى خلقه، أن يظلم أمة من الأمم فيهلكها وهى متمسكة بالحق، ملتزمة للفضائل، عاملة على ما يصلح أمرها وأمر غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 118 - ولو شاء ربك - أيها النبى - لجعل الناس على دين واحد، مطيعين الله بطبيعة خلقتهم، كالملائكة، ولكان العالم غير هذا العالم، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك، بل تركهم مختارين، فلا يزالون مختلفين فى كل شئ، حتى فى أصول العقائد، كالإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، مما لا يجوز الخلاف فيه، تبعاً لميولهم وشهواتهم وتفكيرهم، يتعصب كل فريق لرأيه، وما وجد عليه آباءه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 119 - لكن الذين رحمهم الله لسلامة فِطَرِهم، فإنهم اتفقوا على حُكم الله فيهم، فآمنوا بجميع رسله وكتبه واليوم الآخر. ولهذه المشيئة التى اقتضتها حكمته تعالى فى نظام هذا العالم، خلقهم الله سبحانه مستعدين لهذا الثواب والعقاب، وبهذا يتحقق وعد ربك بأنه لا بد من أن يملأ جهنم من أتباع إبليس من الجن والناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 120 - ونقص عليك - أيها النبى - من كل نوع من أخبار الرسل السابقة مع أممهم ما نُقَوِّى به قلبك على القيام بمشاق الرسالة، وقد جاءك فى هذه الأنباء بيان الحق الذى تدعو إليه، مثلما دعا إليه السابقون من الرسل، من توحيد الله والبُعْد عما يغضبه، كما جاءك فيها ما فيه عظة وعبرة ينتفع بها المؤمنون، فيزدادون إيماناً، والمستعدون للإيمان فيسارعون إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 121 - وقل - أيها النبى - للذين يصرون على العناد والكفر: ابْذلوا أقصى ما فى قدرتكم من محاربة الإسلام وإيذاء المؤمنين به، فإننا ماضون فى طريقنا ثابتون على عملنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 122 - وانتظروا ما تترقبونه لنا، إننا كذلك منتظرون وعد الله لنا بنجاح الدعوة والانتصار على أعدائها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 123 - ولله - وحده - علم كل غيب فى السموات والأرض، فيعلم ما سيحل بكم، وما يكون لنا، وإليه وحده يرجع تصريف كل أمر من الأمور، وإذا كان الأمر كذلك، فاعبد - ربك وحده - وتوكل عليه، ولا تخش أحداً سواه، وما ربك بغافل عما تعملون جميعاً - أيها المؤمنون والكافرون - وسيجازى كلا بما يستحقه فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 1 - ألف. لام. راء. تلك الحروف وأمثالها يتكون منها كلامكم - أيها العرب - هى التى تتكون منها آيات الكتاب المعجز بكل ما فيه. الواضح الموضح لمن يسترشد به، ويستهديه. وفى هذه الحروف الصوتية تنبيه لهم، فيستمعوا ولو اتفقوا على عدم السماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 2 - إنا أنزلنا على رسولنا بلغتكم - أيها العرب - كلاماً عربياً يُقرأ ويحفظ، لكى تفهموه وتبلغوا الناس ما فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 3 - نحن نلقى عليك - أيها النبى - أحسن القصص بإيحائنا إليك هذا الكتاب، وقد كنت قبل تلقيه من الذين غفلوا عما فيه، وعما اشتمل عليه من عظات وآيات بينات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 4 - من ذلك القصص - أيها النبى - قصة يوسف، إذ قال لأبيه: يا أبت، إنى رأيت فى منامى أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر، رأيتهم جميعاً خاضعين لى ساجدين أمامى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 5 - قال أبوه: يا بُنى، لا تَحْك لإخوتك هذه الرؤيا، فإنها تثير فى نفوسهم الحسد، فيغريهم الشيطان بتدبير الحيل ضدك. يحتالون للكيد لك ويمكرون بك، إن الشيطان للإنسان عدو ظاهر العداوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 6 - وكما رأيت نفسك فى المنام سيداً مطاعاً، ذا شرف وسلطان، يصطفيك ربك ويختارك ويعلمك تفسير الرؤى، وبيان ما تؤول إليه، فيعظم قدرك وذكرك، ويتم الله نعمته عليك، وعلى آل يعقوب، بالنبوة والرسالة كما أتمها على أبويك من قبل أبيك يعقوب، وهما إبراهيم وإسحاق، إن ربك كثير الحكمة فلا يخطئ، كثير العلم فيصطفى من عباده من يعلم أنه أهل للاصطفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 7 - لقد كان فى قصة يوسف وإخوته دلائل وعبر، للسائلين عنها والراغبين فى معرفتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 8 - إذ قال إخوة يوسف لأبيه فيما بينهم: لَيوسف وأخوه الشقيق أحب إلى أبينا منا، ونحن جماعة قوية هى أنفع له منهما، إن أبانا بإيثاره يوسف وأخاه علينا لفى خطأ وبعد عن الحق، والصواب واضح، ظاهر الوضوح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 9 - اقتلوا يوسف أو ألقوا به فى أرض بعيدة عن أبيه، لا يصل إليها، يخلص لكم حب أبيكم وإقباله عليكم، وتكونوا من بعد إبعاد يوسف عنه بالقتل أو النفى قوماً صالحين إذ يقبل الله توبتكم، ويقبل أبوكم اعتذاركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 10 - قال أحد المتحدثين منهم: لا تقتلوا يوسف، فإن ذلك جرم عظيم، وألقوه فيما يغيب عن العيون من غور البئر، يلتقطه بعض السائرين فى الطريق، إذا ألقى دلوه فى البئر، فيذهب به بعيداً عنكم وعن أبيه، إن كنتم مصرين على إبعاده وتحقيق غرضكم بالفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 11 - قالوا بعد أن تم اتفاقهم على إبعاد يوسف: يا أبانا ما الذى رابك منا حتى تبعد يوسف عنا، ولا تشعر بالأمن إذا كان معنا؟ نحن نؤكد لك أننا نحبه، ونشفق عليه، ونريد له الخير، ونرشده إليه، وما وجد منا غير الحب وخالص النصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 12 - أرسله معنا إلى المراعى غداً، يتمتع بالأكل الطيب، ويلعب ويمرح وإنا لحريصون على المحافظة عليه، ودفع الأذى عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 13 - قال: إننى لأشعر بالحزن إذا ذهبتم بعيداً عنى. . وأخاف إذا أمنتكم عليه أن يأكله الذئب وأنتم فى غفلة عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 14 - قالوا: نقسم لك، لئن أكله الذئب، ونحن جماعة قوية، ليكونن ذلك العار والخسار، إنا إذا حدث هذا الذى تخشاه، لخاسرون لكل ما يجب الحرص عليه وعدم التفريط فيه. فاطمئن فلن نتهاون فى المحافظة عليه لأننا بذلك نعرّض أنفسنا للضياع والهوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 15 - فلما مضوا به بعيداً عن أبيه، وأجمعوا رأيهم فى إلقائه فى غور البئر، أنفذوا ما عزموا عليه، وألهمناه الاطمئنان والثقة بالله وأنه سيخبرهم بأمرهم هذا الذى دَبَّروه وقدموا عليه، وهم لا يشعرون حين تخبرهم أنك أخوهم يوسف الذى ائتمروا به، وظنوا أنهم قضوا عليه واستراحوا منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 16 - ورجعوا إلى أبيهم وقت العشاء، يظهرون الحزن ويرفعون أصواتهم بالبكاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 17 - قالوا: يا أبانا، إننا مضينا نتسابق فى الرمى والجرى، وتركنا يوسف عند متاعنا ليحرسه، فأكله الذئب ونحن بعيدون عنه، مشغولون بالتسابق دونه، وما أنت بمصدق لنا فيما نقوله لك، ولو كان ما نقوله الحق والصدق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 18 - وأحضروا قميصه وعليه دم يشهد بادعائهم، إذ زعموا أنه دم يوسف ليصدقهم أبوهم، ولكنه قال: إن الذئب لم يأكله كما زعمتم، بل قد سولت لكم أنفسكم أمراً عظيماً فأقدمتم عليه، فشأنى صبر جميل لا يصحبه الجزع على ما أصابنى منكم، والله - وحده - الذى يُطْلَب منه العون على ما تزعمون وتدعون من الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 19 - وجاءت جهة البئر جماعة كانت تسرع فى السير إلى مصر، فأرسلوا مَن يرد الماء منهم ويعود إليهم من البئر بما يسقيهم، فألقى دلوه فيه ورفعه منه فإذا يوسف متعلق به. . قال واردهم يعلن ابتهاجه وفرحه: يا للخير ويا للخبر السار. . هذا غلام. . وأخفوه فى أمتعتهم، وجعلوه بضاعة تُباع، والله محيط علمه بما كانوا يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 20 - وباعوه فى مصر بثمن دون قيمته، كان الثمن دراهم قليلة، وكانوا فى يوسف من الزاهدين الراغبين عنه، لخوفهم أن يدركهم أهله ويعرفوه بينهم وينتزعوه منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 21 - وقال الذى اشتراه من مصر لزوجته: أحسنى معاملته وأكرميه حتى تطيب له الإقامة معنا، لعله ينفعنا أو نتبناه ونتخذه ولداً لنا، وكما كانت هذه المكانة عظيمة وهذه الإقامة كريمة جعلنا ليوسف فى أرض مصر مكانة أخرى كبرى، ليتصرف فيها بالعدل وحسن التدبير، لنعلمه تفسير الأحاديث والرؤى فيعرف منها ما سيقع قبل أن يقع ويستعد له، والله قوى قادر على تنفيذ كل أمر يريده، لا يُعجزه شئ عن شئ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون خفايا حكمته ولطف تدبيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 22 - ولما بلغ يوسف أقصى قوته أعطيناه حكماً صائباً، وعلماً نافعاً، ومثل هذا الجزاء الذى أعطيناه إياه على إحسانه، نجزى المحسنين على إحسانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 23 - وأرادت التى هى كان هو يعيش فى بيتها، ويشعر بسلطانها، أن تغريه بنفسها، لتصرفه عن نفسه الطاهرة إلى مواقعتها، فأخذت تذهب وتجئ أمامه، وتعرض عليه محاسنها ومفاتنها، وأوصدت الأبواب الكثيرة، وأحكمت إغلاقها، وقالت: أقبل علّى فقد هيأت لك نفسى، قال: إنى ألجأ إلى الله ليحمينى من الشر، وكيف أرتكبه معك وزوجك العزيز سيدى الذى أحسن مقامى؟ إنه لا يفوز الذين يظلمون الناس بالغدر والخيانة فيوقعون أنفسهم فى معصية الزنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 24 - ولقد عزمت أن تخالطه ونازعته نفسه إليها، لولا أن رأى نور الله الحق نُصْبَ عينيه قد استضاء به، ولم يطاوع ميل النفس، وارتفع عن الهوى، فامتنع عن المعصية والخيانة وثبت على طهره وعفته. وهكذا ثبتنا يوسف على الطهر والعفاف لنصرف عنه سوء الخيانة ومعصية الزنى، إنه من عباد الله الذين أخلصوا دينهم لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 25 - وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج منه، فأسرعت تحاول أن تسبقه إليه، لتحول دون خروجه، وجذبت قميصه من خلفه تمنعه، وقطعته. . ووجدا عند الباب زوجها، قالت تثيره عليه: لا جزاء لمن أراد بزوجك ما يسوؤك إلا السجن يوضع فيه، أو عذاب مؤلم يقع عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 26 - قال يوسف يدافع عن نفسه: هى طلبتنى، وحاولت أن تخدعنى عن نفسى، وتخاصما فى الاتهام، فحكم حكَم من أهلها فقال: إن كان قميصه شق من أمام، فقد صدقت فى ادعائها، وهو من الكاذبين فيما أخبر به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 27 - وإن كان قميصه شق من خلف، فقد كذبت فى قولها، وهو من الصادقين فيما قال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 28 - فلما رأى الزوج قميص يوسف قُدَّ مِن خلف، قال لزوجته: إن اتهامك له بما وقعت أنت فيه مع براءته هو من كيدكن - معشر النسوة - إن مكركن عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 29 - يا يوسف أعرض عن هذا الأمر، واكتمه ولا تذكره، واستغفرى أنت لذنبك، إنك كنتِ من الآثمين الذين تعمدوا الوقوع فى الخطأ وارتكاب الإثم، واتهموا غيرهم بما أثموا هم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 30 - وانتهى الخبر إلى جماعة من النساء فى المدينة، فتحدثن وقلن: إن امرأة العزيز تغرى خادمها وتخدعه عن نفسه ليطيعها فيما تريده منه، قد خالط حبُّه شغاف قلبها حتى وصل إلى صميمه، إنا نعتقد أنها بمسلكها معه فى ضلال واضح وخطأ بيِّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 31 - فلما سمعت باغتيابهن وسوء كلامهن فيها، دعتهن إلى بيتها، وأعدت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً، بعد أن حضرن وجلسن متكئات، وقُدِّم لهن الطعام ليأكلن بالسكاكين ما تناله منه أيديهن. وقالت ليوسف: اخرج عليهن، فلما ظهر ورأينه أعظمنه وأخذهن حسنُه الرائع وجماله البارع، فجرحن أيديهن من فرط الدهشة والذهول، وهن يأكلنْ طعامهن، قلن متعجبات مندهشات: تنزيهاً لله، ما هذا الذى نراه بشراً؛ لأن البشر لا يكون على هذا الحسن والجمال والصفاء والنقاء، ما هذا إلا ملك كثير المحاسن طيب الشمائل، سخى الصفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 32 - قالت امرأة العزيز تُعقّب على كلامهن: فذلك الفتى الذى بهركن حسنه، وأذهلكن عن أنفسكن حتى حصل ما حصل، هو الذى لُمْتُنَّنى فى شأنه، ولقد طلبته وحاولت إغراءه ليستجيب لى فامتنع وتأبى، كأنه فى عصمة كان يستزيد منها، وأٌقسم إن لم يفعل ما آمره به ليعاقبن بالسجن وليكونَنّ من الأذلاء المهينين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 33 - قال يوسف - وقد سمع منها التهديد والوعيد، وسمع منهن النصح بمطاوعتها - يا رب: السجن أحب إلى نفسى مما يطلبنه منى لأن فى هذا معصيتك، وإن لم تحوّل عنى شر مكرهن وكيدهن أمِل إليهن، وأكن من السفهاء الطائشين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 34 - فاستجاب الله له، فصرف عنه شر مكرهن، إنه هو - وحده - السميع لدعوات الملتجئين إليه، العليم بأحوالهم وبما يصلحهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 35 - ثم ظهر رأى للعزيز وأهله، من بعد ما رأوا الدلائل الواضحة على براءة يوسف فأجمعوا على هذا الرأى، وأقسموا على تنفيذه، وهو أن يدخلوه السجن إلى زمن يقصر أو يطول، لكى يدفع مقالة السوء عن امرأته ويُبْعدها عن الغواية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 36 - ودخل السجن مع يوسف فتيان من خدام الملك، قال له أحدهما: لقد رأيت فى منامى أنى أعصر عنباً ليكون خمراً، وقال له الآخر: لقد رأيت أنى أحمل فوق رأسى خبزاً تأكل منه الطير، خبّرنا يا يوسف بتفسير هذا الذى رأيناه ومآل أمرنا على هداه. إنا نعتقد أنك من الذين يتصفون بالإحسان وإجادة تفسير الرؤى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 37 - قال لهما - يؤكد ما علماه عنه - لا يأتيكما طعام يُساق إليكما رزقاً مقدراً لكما إلا أخبرتكما بمآله إليكما قبل أن يأتيكما، وذكرت لكما صنعته وكيفيته، ذلكما التأويل للرؤيا والإخبار بالمغيبات مما علمنى ربى وأوحى به إلىَّ. لأنى أخلصت له عبادتى، ورفضت أن أشرك به شيئاً، وابتعدت عن دين قوم لا يصدقون بالله، ولا يؤمنون به على وجه صحيح، وهم بالآخرة وحسابها منكرون كافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 38 - إنى تركت ملة هؤلاء الكافرين، واتبعت دين آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فعبدت الله - وحده - فما صح لنا أن نجعل لله أى شريك من أى شئ كان، من مَلَك أو جنى أو إنسى، فضلا عن الأصنام التى لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر، ذلك التوحيد مما تفضل به الله علينا وعلى الناس، إذ أُمرنا بتبليغه إليهم، ولكن أكثر الناس لا يتلقون هذا الفضل بالشكر بل بالكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 39 - يا صاحبى فى السجن: أأرباب شتى كثيرة يخضع المرء لكل واحد منها خير، أم الله الواحد الذى لا يغالب؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 40 - ما تعبدون من غير الله إلا أسماء أطلقتموها أنتم وآباؤكم على أوهام لا وجود لها، ما أنزل الله بتسميتها آلهة من حُجة وبرهان، ما الحكم فى أمر العبادة وفيما يصح أن يعبد وما لا تصح عبادته، إلا لله أمر ألا تخضعوا لغيره وأن تعبدوه - وحده - ذلك الدين السليم القويم الذى تهدى إليه الأدلة والبراهين، ولكن أكثر الناس لا يسترشدون بهذه الأدلة، ولا يعلمون ما هم عليه من جهل وضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 41 - يا صاحبى فى السجن، إليكما تفسير مناميكما: أمَّا أحدكما الذى عصر العنب فى رؤياه فيخرج من السجن ويكون ساقى الخمر للملك، وأما الثانى فيُصلَب ويُترك مصلوباً فتقع عليه الطير وتأكل من رأسه، تم الأمر على الوجه الذى بينته فيما تطلبان فيه تأويل الرؤيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 42 - وقال للذى توقع النجاة منهما: اذكرنى عند الملك - بصفتى وقصتى - عساه ينصفنى وينقذنى مما أعانيه، فشغله الشيطان وأنساه أن يذكر للملك قصة يوسف، فمكث يوسف فى السجن سنين لا تقل عن ثلاث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 43 - وقال الملك: إنى رأيت فى منامى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ضعاف، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات أخر يابسات. . يا أيها الكبراء من العلماء والحكماء أفتونى فى رؤياى هذه إن كنتم تعرفون تفسير الرؤى وتفتون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 44 - قالوا: هذه أخلاط أحلام باطلة، ووساوس تهجس فى النفس، وما نحن بتفسير الأحلام الباطلة بعالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 45 - وقال الذى نجا من صاحبى يوسف فى السجن، وتذكَّر بعد مضى مدة طويلة وصية يوسف، أنا أخبركم بتأويل الحديث الذى ذكره الملك، فأرسلونى إلى من عنده علم بتأويله آتكم بنبئه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 46 - مضى الساقى إلى يوسف حتى جاءه فناداه: يوسف - أيها الحريص على الصدق - أفتنا فى رؤيا سبع بقرات سمان يأكلهن سبع ضعاف، وفى رؤيا سبع سنبلات خضر وأخر يابسات. أرجو أن أرجع إلى الناس بفتواك عساهم يعلمون معناها، ويعرفون لك علمك وفضلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 47 - قال يوسف: تفسير هذه الرؤيا أنكم تزرعون الأرض قمحاً وشعيراً سبع سنين متواليات دائبين على العمل فى الزراعة، فما تحصدونه احفظوه فاتركوه فى سنبله، إلا قليلا مما تأكلونه فى هذه السنين، مع الحرص على الاقتصاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 48 - ثم يأتى بعد هذه السنين المخصبة سبع سنين مجدبة، تأكل ما ادخرتم لها، إلا قليلا مما تخبئونه وتحفظونه، ليكون بذراً لما تزرعونه بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 49 - ثم يأتى بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بالمطر، ويعصرون فيه العنب والزيتون وكل ما يعصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 50 - تنبه الملك إلى يوسف بسبب تعبيره لرؤياه، وعزم على استدعائه فأمر أعوانه أن يحضروه، فلما أتاه من يبلغه رغبة الملك لم يستخِفَّه الخبر، رغم ما يحمل من بشرى الفرج ولم تزعزع حلمه لهفة السجين على الخلاص من ضيق السجن ووحشته، وآثر التمهل حتى تظهر براءته، على التعجل بالخروج وآثار التهمة عالقة بأردافه، فقال للرسول: عُدْ إلى سيدك واطلب منه أن يعود إلى تحقيق تهمتى، فيسأل النسوة اللواتى جمعتهن امرأة العزيز كيداً لى، فغلبهن الدهش وقطعن أيديهن: هل خرجن من التجربة معتقدات براءتى وطهرى، أو دنسى وعهرى؟ إنى أطلب ذلك كشفاً للحقيقة فى عيون الناس، أما ربى فإنه راسخ العلم باحتيالهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 51 - فاستحضر الملك النسوة وسألهن: ماذا كان حالكن حين حاولتن خداع يوسف ليغفل عن عصمته وطهارة نفسه؟ هل وجدتن منه ميلا إليكن؟ فأجبنه: تنزه الله عن أن يكون نسى عبده حتى تلوث طهره، فما لمسنا فيه شيئاً يشين. وحينئذٍ قويت نزعة الخير فى نفس امرأة العزيز، فاندفعت تقول: الآن وضح الحق وظهر. أنا التى خاتَلْته وحاولت فتنته عن نفسه بالإغراء فاستمسك بعصمته، وأؤكد أنه من أهل الصدق والحق حين رد التهمة علىّ ونسبها إلىّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 52 - هذا اعتراف منى بالحق أُقَدِّمه، ليستيقن يوسف أنى لم أستغل غيبته فى السجن، وأتمادى فى الخيانة، وأعول على تثبيت اتهامه، ولأن الله لا ينجح تدبير الخائنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 53 - وما أدَّعى عَصمةَ نفسى من الزلل، فإن النفس تميل بطبعها إلى الشهوات وتزيين السوء والشر، إلا نفس من حفظه الله وصرفه عن السوء. وإنى لأطمع فى رحمة الله وغفرانه، لأنه واسع الغفران لذنوب التائبين، قريب لا ينجح تدبير الخائنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 54 - فلما ظهرت براءة يوسف عند الملك، صمم على استدعائه، وكلف رجاله أن يحضروه ليجعله من خاصته وخلصائه، فلما حضر إليه وجرى بينهما الحديث، تجلى له من يوسف ما تجلى من طهارة النفس وثقوب الرأى فقال له: إن لك فى نفسى لمقاماً كريماً ثابتاً وأنت الأمين الموثوق به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 55 - وعلم الملك منه حسن التدبير وكفاءته لما يقوم به، وأحسَّ يوسف بذلك، وحينئذ طلب منه أن يستوزره قائلا له: وَلّنى على خزائن ملكك ومستودعات غلات أرضك، لأنى كما تأكد لديك ضابط لأمور المملكة، حافظ لها، خبير بالتدبير وتصريف الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 56 - وقبل الملك عرضه، فاستوزره، وبذلك أنعم الله على يوسف نعمة جليلة، فجعل له سلطاناً وقدرة فى أرض مصر، ينزل منها بأى مكان يريد. وهذا شأن الله فى عباده، يهب نعمته لمن يختاره منهم، ولا يهدر ثوابهم وإنما يؤتيهم أجورهم على الإحسان بالإحسان فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 57 - وأن ثوابه فى الآخرة لأفضل وأوفى لمن صدقوا به وبرسله، وكانوا يراقبونه ويخافون يوم الحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 58 - واشتد القحط بما حول مصر، ونزل بآل يعقوب ما نزل بغيرهم من الشدة، وقصد الناس مصر من كل مكان، بعد ما علموا من تدبير يوسف للمؤن، واستعداده لسنوات الجدب. فبعث يعقوب إليها أبناءه طلباً للطعام، واحتجز معه ابنه شقيق يوسف خوفاً عليه، فلما بلغ أبناؤه مصر توجهوا من فورهم إلى يوسف، فعرفهم دون أن يعرفوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 59 - وأمر يوسف أن يُكرَّموا فى ضيافته، ويُدفع لهم من الميرة ما طلبوه فتم لهم ذلك، وأخذ يُحدثهم، ويسأل عن أحوالهم سؤال الجاهل بها، وهو بها عليم، فأخبروه أنهم تركوا أخا لهم حرص أبوهم ألا يفارقه، وهو بنيامين شقيق يوسف، فقال: ليحضر معكم أخوكم، ولا تخافوا شيئاً، فقد رأيتم إيفاء كيلكم وإكرامى لكم فى نزولكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 60 - فإن لم تحضروا أخاكم هذا، فليس عندى لكم طعام، ولا تحاولوا أن تأتونى مرة أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 61 - قال إخواته: سنحتال على أبيه لينزل عن إرادته ولا يخاف عليه، ونؤكد لك أننا لن نقصر فى ذلك أو نتوانى فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 62 - ولما هموا بالرحيل، قال لأتباعه: ضعوا ما قدَّموه من ثمن بضاعتهم فى أمتعتهم، عساهم يرونها إذا عادوا إلى أهلهم، فيكون ذلك أرجى لعودتهم مؤملين فى إعطائهم الطعام، واثقين بالوفاء بالعهد، وآمنين على أخيهم وليبعثوا الطمأنينة فى نفس أبيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 63 - فلما عادوا إلى أبيهم قصوا عليه قصتهم مع عزيز مصر، وتلطفه بهم، وأنه أنذرهم بمنع الكيل لهم فى المستقبل إن لم يكن معهم بنيامين، وواعدهم بوفاء الكيل لهم، وإكرام منزلتهم إن عادوا إليه بأخيهم، وقالوا له: ابعث معنا أخانا فإنك إن بعثته اكْتلنا ما نحتاج إليه من الطعام وافياً، ونعدك وعداً مؤكداً أنا سنبذل الجهد فى المحافظة عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 64 - وثارت فى نفس يعقوب ذكريات الماضى، فربطها بالحاضر، وقال لبنيه: إن أمرى إذا استجبت لكم لعجيب فلن تكون حالى حين آمنكم على أخيكم إلا مثل حالى حين ائتمنتكم على يوسف فأخذتموه، ثم عدتم تقولون: أكله الذئب، فالله حسبى فى حماية ابنى، ولا أعتمد إلا عليه، فهو أقوى حافظ، ورحمته أوسع من أن يفجعنى بعد يوسف فى أخيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 65 - وكان إخوة يوسف يجهلون أن يوسف وضع أموالهم فى حقائبهم، فلما فتحوها ووجدوا الأموال عرفوا جميل ما صنع بهم يوسف، وتذرعوا بذلك إلى بث الطمأنينة فى قلب يعقوب، وإقناعه بالاستجابة إلى ما طلب العزيز وبالغوا فى استمالته، فذكروه بما بينه وبينهم من رباط الأبوة، فقالوا: يا أبانا أى شئ تريده أجمل مما جرى وينتظر أن تجرى به الأحداث؟ هذه أموالنا أعيدت إلينا دون أن يحتجز منها شئ، فنسافر مع أخينا ونجلب الميرة لأهلنا، ونرعى أخانا، ويزيد ميرتنا حمل بعير لحق أخينا، فقد رسم العزيز أن يعطى الرجل حمل بعير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 66 - ونجحت محاولة أبناء يعقوب فى إقناعه، وأثَّر مقالهم فيه، فنزل عن التشدد فى احتجاز ابنه وحبسه عن الذهاب مع إخوته إلى مصر، ولكن قلبه لا يزال فى حاجة إلى ما يزيد اطمئنانه ولذلك قال لهم: لن أبعثه معكم إلا بعد أن تعطونى ضماناً قوياً، فتعاهدوا الله عهداً موثقاً أن تعيدوه إلىّ، وألا يمنعكم عن ردِّه إلا أن تُهلكوا أو يحيط بكم عدو يغلبكم عليه. فاستجابوا له، وقدَّموا ما طلب من المواثيق، وعندئذ أشهد الله على عهودهم وأيمانهم بقوله: الله على ما دار بيننا مطلع رقيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 67 - اطمأن يعقوب إلى عهد أبنائه، ثم دفعته الشفقة عليهم إلا أن يوصيهم عند دخولهم مصر بأن يدخلوا من أبواب متفرقة، لكيلا يلفتوا الأنظار عند دخولهم، ولا تترقبهم الأعين، وقد يكون ما يسيئهم، وليس فى قدرتى أن أدفع عنكم أذى، فالدافع للأذى هو الله وله - وحده - الحكم، وقد توكلت عليه وفوضت إليه أمرى وأمركم، وعليه - وحده - يتوكل الذين يفوضون أمورهم إليه مؤمنين به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 68 - لقد استجابوا لوصية أبيهم، فدخلوا من أبواب متفرقة، وما كان ذلك ليدفع عنهم أذى كتبه الله لهم، وإن يعقوب ليعلم ذلك، فإنه ذو علم علَّمناه إيَّاه، ولكن وصيته كانت لحاجة فى نفسه، وهى شفقة الأب على أبنائه أعلنها فى هذه الوصية، وأن أكثر الناس لا يعلمون مثل علم يعقوب، فيفوضون لله ويحترسون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 69 - ولما دخلوا على يوسف أنزلهم منزلاً كريماً، واختص أخاه شقيقه بأن آواه إليه، وأسرَّ إليه قائلاً: إنى أخوك يوسف، فلا تحزن بما كانوا يصنعون معك وما صنعوه معى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 70 - فبعد أن أكرم وفادتهم، وكالهم الطعام، وزادهم حملا لأخيه، أعد رحالهم للسفر، ثم أمر أعوانه أن يدسوا إناء شرب الماء فى حمل بنيامين، ثم نادى أحد أعوان يوسف: - أيها الركب القافلون بأحمالكم - قفوا إنكم لسارقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 71 - فارتاع إخوة يوسف للنداء، واتجهوا إلى المنادين يسألونهم، ما الذى ضاع منكم وعم تبحثون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 72 - فأجابهم الأعوان: نبحث عن الصواع، وهو إناء الملك الذى يشرب به، ومكافأة من يأتى به حمل جمل من الطعام، وأكد رئيسهم ذلك، فقال: وأنا بهذا الوعد ضامن وكفيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 73 - قال إخوة يوسف: إن اتهامكم إيّانا بالسرقة لعجيب، ونؤكد بالقسم أن فيما ظهر لكم من أخلاقنا وتمسكنا بديننا فى مرتى مجيئنا ما يؤكد علمكم أننا لم نأت بغية الإفساد فى بلادكم، وما كان من أخلاقنا أن نكون من السارقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 74 - وكان يوسف قد أوحى إلى أتباعه أن يكلوا إلى إخوته تقدير الجزاء الذى يستحقه من وجد الصواع عنده، تمهيداً لأخذ أخيه منهم بحكمهم، وليكون قضاؤهم مبرماً لا وجه للشفاعة فيه، فقالوا لهم: فماذا يكون جزاء السارقين عندكم إن ظهر أنه منكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 75 - ولوثوق أبناء يعقوب بأنهم لم يسرقوا الصواع، قالوا غير متلجلجين: جزاء من أخذ الصواع أن يؤخذ رقيقاً، فبمثل هذا الجزاء نجازى الظالمين الذين يأخذون أموال الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 76 - وانتهى الأمر إلى تفتيش الرحال، وكان لا بد من الأحكام حتى لا يظهر فى تنفيذ الخطة افتعال، وتولى يوسف التفتيش بنفسه، بعد أن مهّد الأمر، فبدأ بتفتيش أوعية العشرة الأشقاء، ثم انتهى إلى تفتيش وعاء أخيه، فأخرج السقاية منه، وبذلك نجحت حيلته، وحق له بقضاء إخوته أن يحتجز بنيامين، وهكذا دبَّر الله الأمر ليوسف فما كان فى استطاعته أخذ أخيه بمقتضى شريعة ملك مصر إلا بإرادة الله، وقد أرادها، فدبَّرنا الأمر ليوسف ووفقناه إلى ترتيب الأسباب وإحكام التدبير والتلطف فى الاحتيال، وهذا من فضل الله الذى يعلى فى العلم منازل من أراد، وفوق كل صاحب علم مَن هو أعظم، فهناك من يفوقه فى علمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 77 - وكان إخراج الصواع من حقيبة أخيه مفاجأة أخجلت إخوته، فتنصلوا باعتذار يبرئ جماعتهم دونه، ويطعنه هو ويوسف، ويوحى بأن السرقة طبع ورثاه من قبل الأم، وقالوا: ليس بعجيب أن تقع منه سرقة إذ سبقه إلى ذلك أخوه الشقيق، وفطن يوسف إلى طعنهم الخفى، فساءه، ولكنه كتم ذلك، وأضمر فى نفسه جواباً لو صارحهم به لكان هذا الجواب: أنتم أسوأ منزلة وأحط قدرا، والله أعلم وأصدق علماً بكلامكم الذى تصفون به أخاه بوصمة السرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 78 - ولم يكن بد من محاولة لتخليص أخيهم أو افتدائه، رجاء أن تصدق مواثيقهم ليعقوب، فاتجهوا إلى ترقيق قلب يوسف بحديث الأبوة فى شيخوختها وقالوا له: - أيها العزيز - إن لأخينا أباً طاعناً فى السن، فإن رحمته قبلت واحداً منا ليلقى الجزاء بدل ابنه هذا الذى تعلق به قلبه، وأملنا أن تقبل الرجاء، فقد جربنا عادتك الكريمة، وتأكد لنا انطباعكم عن حب الإحسان وعمل المعروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 79 - وما كان ليوسف أن ينقض تدبيرا وفَّقه الله إليه، ويفلت من يده أخاه، ولذلك لم يلنه استعطافهم، وردَّهم ردَّاً حاسماً، وقال لهم: إنى ألجأ إلى الله منزهاً نفسى عن الظلم فأحتجز غير من عثرنا على ما لنا معه، إذ لو أخذنا سواه بعقوبته لكنا من المعتدين الذين يأخذون البرئ بذنب المسئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 80 - فلما انقطع منهم الأمل، ويئسوا من قبول الرجاء، اختلوا بأنفسهم يتشاورون فى موقفهم من أبيهم، فلما انتهى الرأى إلى كبيرهم المدبر لشئونهم قال لهم: ما كان ينبغى أن تنسوا عهدكم الموثق بيمين الله لأبيكم أن تحافظوا على أخيكم حتى تردوه إليه، ولأنكم عاقدتموه من قبل على صيانة يوسف ثم ضيعتموه، ولذلك سأبقى بمصر لا أفارقها، إلا إذا فهم أبى الوضع على حقيقته، وسمح لى بالرجوع إليه، أو قضى الله لى بالرجوع الكريم، ويسره لى بسبب من الأسباب، وهو أعدل الحاكمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 81 - عودوا - أنتم - إلى أبيكم وقصوا له القصة، وقولوا له: إن يد ابنك امتدت إلى صواع الملك فسرقها وقد ضبطت فى حقيبته، وعوقب على ذلك باسترقاقه، وما أخبرناك إلا بما عايناه، وما كنا مطلعين على المستور من قضاء الله حين طلبناه وأعطيناك على حفظه وردِّه إليك العهود والمواثيق وهو أعدل الحاكمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 82 - وإن كنت فى شك مما بلغناك، فأرسل من يأتيك بشهادة أهل مصر واستشهد أنت بنفسك رفاقنا الذين عدنا معهم فى القافلة، لتظهر لك براءتنا، ونؤكد لك أننا صادقون فيما نقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 83 - فرجع بقية الأبناء إلى يعقوب، وخبَّروه كما وصَّاهم أخوهم الكبير فَهَيَّج الخبر أحزانه، وضاعف منها فقد ابنه الثانى، ولم تطب نفسه ببراءتهم من التسبب فى ضياعه وهو المفجوع بما صنعوا من قبل فى يوسف، وصرح باتهامهم قائلا لهم: ما سلمت نيتكم فى المحافظة على ابنى، ولكن زينت لكم نفوسكم أن تخلصتم منه مثلما تخلصتم من أخيه، فلولا فتواكم وحكمكم أن يؤخذ السارق رقيقاً عقوبة له على السرقة، ما أخذ العزيز ابنى، ولا تخلف أخوكم الكبير بمصر، ولا حيلة لى إلا أن أتجمل فى مصيبتى بالعزاء الحميد، راجياً أن يرد الله على جميع أبنائى، فهو صاحب العلم المحيط بحالى وحالهم، وله الحكمة البالغة، فيما يصنع لى ويُدبِّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 84 - وضاق بما قالوا فأعرض عنهم خالياً بنفسه، مشغولا بأساه وأسفه على فَقْد يوسف، فذهب سواد عينيه من شدة الحزن، وقد كظم غيظه وألمه أشد الكظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 85 - وتوالت الأيام ويعقوب مسترسل فى لوعته، وخشى أبناؤه سوء العاقبة، فاتجهوا إلى مراجعته وحمله على التخفيف من شدة حزنه، وقالوا له - وهم بين الإشفاق عليه والغيظ من دوام ذكره ليوسف -: لئن لم تخفف عن نفسك لتزيدن ذكرى يوسف آلامك وأوجاعك، إلى أن يذيبك الغم فتشرف على الموت، أو تصبح فى عداد الميتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 86 - ولم يؤثر قولهم فيه، فردهم قائلاً: ما شكوت لكم، ولا طلبت منكم تخفيف لوعتى، وليس لى إلا اللَّه أضرع إليه وأشكو له همومى صعبها وسهلها، وما أستطيع كتمانه منها وما لا أستطيع، لأنى أدرك من حسن صنعه وسعة رحمته ما لا تدركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 87 - والثقة فى اللَّه تحيى الأمل ولذلك لم يذهب الغم برجاء يعقوب فى عودة ولديه إليه، وألقى فى روعه أنهما من الأحياء، وأن موعد التقائه بهما قد حان، فأمر بنيه أن ينقبوا عنهما، قائلا لهم: يا بنى ارجعوا إلى مصر فانضموا إلى أخيكم الكبير، وابحثوا عن يوسف وأخيه وتطلَّبوا أخبارهما فى رفق لا يشعر به الناس، ولا تقنطوا من أن يرحمنا اللَّه بردهما، لأنه لا يقنط من رحمة اللَّه غير الجاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 88 - واستجاب إخوة يوسف لطلب أبيهم، فذهبوا إلى مصر، وتحايلوا لمقابلة حاكمها الذى ظهر لهم من بعد أنه يوسف، فلما دخلوا عليه، قالوا: - يا أيها العزيز - مسَّنا نحن وعشيرتنا الجوع وما يتبعه من ضر الأجسام والنفوس، وجئنا إليك بأموال قليلة هى بضاعتنا وهى ترد لقلتها ورداءتها، وليست كفاء ما نرجوه منك، لأننا نرجو منك وفاء الكيل فأوفه لنا، واجعل الزائد عن حقنا صدقة علينا، إن اللَّه تعالى يثيب المتصدقين بأحسن الثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 89 - أخذت يوسف الشفقة الأخوية الرحيمة التى تعفو عن الإساءة، وابتدأ يكشف أمره لهم قائلا فى عتب، هل أدركتم قبح ما فعلتموه بيوسف من إلقائه فى الجب، وبأخيه من أذى. مندفعين فى ذلك بجهل أنساكم الرحمة والأخوة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 90 - نبهتهم تلك المفاجأة السارة إلى إدراك أن هذا يوسف، فتفحصوه، ثم قالوا مؤكدين: إنك لأنت يوسف حقا وصدقا، فقال يوسف الكريم مصدقا لهم: أنا يوسف، وهذا أخى، قد مَنَّ اللَّه علينا بالسلامة من المهالك، وبالكرامة والسلطان، وكان ذلك جزاء من اللَّه لإخلاصى وإحسانى، وإن اللَّه لا يضيع أجر من يُحسن ويستمر على الإحسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 91 - فقالوا: صدقت فيما قلت، ونؤكد لك بالقسم أن الله فضَّلك بالتقوى والصبر وحسن السيرة وأثابك بالملك وعلو المكانه، وإنما كنا آثمين فيما فعلنا بك وبأخيك، فأذلنا اللَّه لك، وجزانا جزاء الآثمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 92 - فرد عليهم - النبى الكريم - قائلاً: لا لوم عليكم اليوم، ولا تأنيب، ولكم عندى الصفح الجميل لحرمة النسب وحق الأخوة، وأدعوا اللَّه لكم بالعفو والغفران، وهو صاحب الرحمة العظمى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 93 - ثم سألهم يوسف عن أبيه، فلما أخبروه عن سوء حاله وسوء بصره من كثرة غمه وبكائه؛ أعطاهم قميصه، وقال لهم: عودوا به إلى أبى فاطرحوه على وجهه، فسيؤكد له ذلك سلامتى، وتملأ قلبه الفرحة، ويجعله اللَّه سببا لعودة بصره، وحينئذ تعالوا إلىَّ به، وبأهلكم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 94 - وارتحلوا بالقميص، وكان قلب يعقوب مستغرقا فى ترقب ما تأتى به رحلة بنيه، وكان اللَّه معه فى هذا الترقب فوصل روحه بأرواحهم، فحين تجاوزت قافلتهم أرض مصر فى طريقها إليه، شرح اللَّه صدره بالأمل، وأحاطه بجو من الطمأنينة إلى اقتراب البشرى بسلامة يوسف، وأخبر أهله بذلك إذ يقول: إنى أشعر برائحة يوسف المحبوبة تغمرنى، ولولا خشية أن تتهمونى فى قولى لأنبأتكم عن يوسف بأكثر من الشعور والوجدان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 95 - فرد عليه أهله ردا خشنا، حالفين باللَّه أنه لا يزال ذاهبا عن صوابه هائما فى خياله، فتهيأ له ما تهيأ من فرط محبته ليوسف، ولهجه بذكراه، ورجائه للقياه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 96 - واستمر على أمله منتظرا رحمة اللَّه، واستمر أهله على سوء الظن به إلى أن أتاه منْ يحمل القميص ويبشره بسلامة يوسف، فحين طرح القميص على وجه يعقوب نفحته رائحة يوسف وغمرت قلبه الفرحة، فعاد إليه بصره، ولما حدثه الرسول بحال يوسف، وأنه يطلب رحلته إليه بأهله، اتجه إلى من حوله يذكرهم بنبوءته، ويُعاتبهم على تكذيبه، ويوجه أذهانهم إلى ذكر ما أكده لهم آنفا من أنه يدرك من رحمة اللَّه وفضله ما لا يُدْرِكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 97 - فقبلوا عليه معتذرين عمَّا كان منهم، راجين أن يصفح عنهم، وأن يطلب من اللَّه التجاوز عن آثامهم، لأنهم كما أكدوا فى اعتذارهم كانوا آثمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 98 - فقال يعقوب: سأداوم طلب العفو من اللَّه عن سيئاتكم، إنه - وحده - صاحب المغفرة الثابتة والرحمة الدائمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 99 - رحل يعقوب إلى مصر، وسار بأهله حتى بلغها، فحين دخلوا على يوسف - وكان قد استقبلهم فى مدخل مصر - عجَّل به الحنان والشوق إلى أبيه وأمه، فقربهما إليه، وطلب منهما ومن أهله أن يقيموا فى مصر آمنين سالمين بإذن اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 100 - وسار الركب داخل مصر حتى بلغ دار يوسف، فدخلوها وصدَّر يوسف أبويه، فأجلسهما على سرير، وغمر يعقوب وأهله شعور بجليل ما هيأ اللَّه لهم على يدى يوسف، إذ جمع به شمل الأسرة بعد الشتات ونقلها إلى مكان عظيم من العزة والتكريم، فحيَّوه تحية مألوفة تعارف الناس عليها فى القديم للرؤساء والحاكمين، وأظهروا الخضوع لحكمه، فأثار ذلك فى نفس يوسف ذكرى حلمه وهو صغير، فقال لأبيه: هذا تفسير ما قصصت عليك من قبل من رؤيا، حين رأيت فى المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين لى، قد حققه ربى، وقد أكرمنى وأحسن إلىَّ، فأظهر براءتى، وخلصنى من السجن، وأتى بكم من البادية لنلتقى من بعد أن أفسد الشيطان بينى وبين إخوتى، وأغراهم بى، وما كان لهذا كله أن يتم بغير صنع اللَّه، فهو رفيق التدبير والتسخير لتنفيذ ما يريد، وهو المحيط علما بكل شئ، البالغ حكمه فى كل تصرف وقضاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 101 - واتجه يوسف إلى اللَّه، يشكره بإحصاء نعمه عليه، ويرجوه المزيد من فضله، قائلا: يا رب ما أكثر نعمك علىَّ، وما أعظمها، لقد منحتنى من الملك ما أحمدك عليه، ووهبتنى من العلم بتفسير الأحلام ما وهبت، يا خالق السموات والأرض وبارئهما، أنت مالك أمرى ومتولى نعمتى فى محياى وبعد مماتى، اقبضنى إليك على ما ارتضيت لأنبيائك من دين الإسلام، وأدخلنى فى زمرة من هديتهم إلى الصلاح من آبائى وعبادك الصالحين المخلصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 102 - ذلك الذى قصصنا عليك - أيها النبى - من أخبار الماضى السحيق، لم يأتك إلا بإيحاء منا، وما كنت حاضرا إخوة يوسف وهم يدبرون له من المكائد وما علمت بكيدهم إلا عن طريقنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 103 - وفى أغلب الطباع مرض يجعلها غير قابلة لتصديق ما أوحى إليك مهما تعلق قلبك بأن يؤمنوا أو أجهدت نفسك أن يكونوا من المهتدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 104 - وما نقصد بما تحدثهم به من أحاديث الهدى نيل الجزاء أو منفعة، فإن لم يهتدوا فلا تحزن عليهم، وسيهدى اللَّه قوما غيرهم، فما أنزلناه إليهم خاصة، وما هو إلا موعظة وعبرة لكل من خلق اللَّه فى السموات والأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 105 - وما أكثر الدلائل على وجود الخالق ووحدانيته وكماله، الثابتة فى السموات والأرض، يشاهدها قومك ويتولون عنها مكابرين غير معتبرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 106 - وفيهم مصدقون باللَّه معترفون بربوبيته وأنه خالق كل شئ، ولكن إيمان أكثرهم لا يقوم على أساس سليم من التوحيد، فلا يعترفون بوحدانية اللَّه اعترافاً خالصاً، ولكنه مقترن فى نفوسهم بشوائب تسلكهم فى مسلك المشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 107 - أتَّخذوا عند اللَّه عهدا بعدم تعذيبهم، فضمنوا الأمن والسلامة من أن يصيبهم اللَّه بعذاب غامر، ويغشاهم بنقمته، كما فعل بأسلافهم من قبل؟ أو أن تفاجئهم القيامة وتبغتهم وهم مقيمون على الشرك والكفر ثم يكون مصيرهم إلى النار؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 108 - نبِّههم - يا محمد - إلى سمو غايتك، وبصِّرهم بنبل مهمتك، فقل لهم: هذه سنتى وطريقتى، أدعو الناس إلى طريق اللَّه وأنا متثبت من أمرى، وكذلك يدعو إليها كل من تبعنى وآمن بشريعتى، وأنزِّه اللَّه عما لا يليق به، ولست مشركاً به أحداً سواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 109 - وما تحولنا عن سنتنا فى اختبار الرسل حين اخترناك - أيها النبى - ولا خرجت حال قومك عن أحوال الأمم السابقة فما بعثنا من قبلك ملائكة، وإنما اخترنا رجالا من أهل الأمصار ننزل عليهم الوحى، ونرسلهم مبشرين ومنذرين، فيستجيب لهم المهتدون، ويعاندهم الضالون {فهل غفل قومك عن هذه الحقيقة، وهل قعد بهم العجز عن السعى فأهلكناهم فى الدنيا ومصيرهم إلى النار، وآمن من آمن فنجيناهم ونصرناهم فى الدنيا، ولثواب الآخرة أفضل لمن خافوا اللَّه فلم يشركوا به ولم يعصوه، أسلبت عقولكم - أيها المعاندون - فلا تفكروا ولا تتدبروا؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 110 - ولا تستبطئ يا محمد نصرى، فإن نصرى قريب أكيد، وقد أرسلنا من قبلك رسلا فاقتضت حكمتنا أن يتراخى عنهم نصرنا، ويتطاول عليهم التكذيب من قومهم، حتى إذا زلزلت نفوس واستشعرت القنوط أدركهم نصرنا، فأنعمنا بالنجاة والسلامة على الذين يستأهلون منا إرادة النجاة وهم المؤمنون، وأدرنا دائرة السوء على الذين أجرموا بالعناد وأصروا على الشرك، ولا يدفع عذابنا وبطشنا دافع عن القوم المجرمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 111 - وقد أوحينا إليك ما أوحينا من قصص الأنبياء، تثبيتا لفؤادك، وهداية لقومك، وأودعناه من العبر والعظات ما يستنير به أصحاب العقول والفطن ويدركون أن القرآن حق وصدق، فما كان حديثاً مختلقاً ولا أساطير مفتراة، وإنما هو حق ووحى، ويؤكد صدق ما سبق من كتب السماء ومن جاء بها من الرسل، ويبين كل ما يحتاج إلى تفصيله من أمور الدين، ويهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ويفتح أبواب رحمة اللَّه لمن اهتدى بهديه وكان من المؤمنين الصادقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 1 - ألف. لام. ميم. راء. هذه حروف صوتية تبدأ بها بعض سور القرآن، وهى تشير إلى أنه معجز مع أنه مكون من الحروف التى تتكون منها كلمات العرب، وهذه الحروف الصوتية كانت تجذب العرب، لسماع القرآن. ذلك أن المشركين تواصوا فيما بينهم ألا يسمعوا هذا القرآن، فكان المؤمنون إذا ابتدأوا بهذه الحروف الصوتية استرعى ذلك أسماع المشركين فيسمعون. إن تلك الآيات العظيمة هى هذا القرآن، الكتاب العظيم الشأن الذى نزل عليك - أيها النبى - بالحق والصدق من الله الذى خلقك واصطفاك، ولكن أكثر المشركين الذين كفروا بما جاء به من الحق ليس من شأنهم أن يذعنوا للحق، بل هم يعاندون فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 2 - إن الذى أنزل هذا الكتاب هو الله الذى رفع ما ترون من سموات تجرى فيها النجوم بغير أعمدة تُرى ولا يعلمها إلا الله، وإن كان قد ربط بينها وبين الأرض بروابط لا تنقطع إلا أن يشاء الله، وذلل الشمس والقمر بسلطانه لمنفعتكم، وهما يدوران بانتظام لزمن قدّره الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه يُدَبِّر كل شئ فى السموات والأرض، ويُبَيِّن لكم آياته الكونية رجاء أن توقنوا بالوحدانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 3 - وهو سبحانه الذى بسط لكم الأرض، وجعلها ذلولاً تسيرون فيها شرقاً وغرباً، وجعل فى هذه الأرض جبالا ثابتة وأنهاراً تجرى فيها المياه العذبة، وجعل من ماء هذه الأنهار الثمرات المختلفة التى تتوالد، والأصناف المتقابلة، منها الحلو والحامض، ومنها الأبيض والأسود، وأنه سبحانه يستر النهار بالليل، وأن فى هذا الكون وعجائبه لعلامات بينة تثبت قدرة الله ووحدانيته لمن يتفكر ويتدبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 4 - وإن الأرض ذاتها فيها عجائب، فيها قطع من الأرض يجاور بعضها بعضا، وهى مختلفة التربة مع ذلك، بعضها قاحل، وبعضها خصب، وإن اتحدت التربة، ففيها حدائق مملوءة بكروم العنب، وفيها زرع يحصد، ونخيل مثمر، وهى مجتمعة ومتفرقة، ومع أنها تسقى بماء واحد يختلف طعمها، وإن فى هذه العجائب لدلائل واضحة على قدرة الله لمن له عقل يفكر به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 5 - وإن أمر المشركين مع هذه الدلائل لعجب، فإن كنت يا محمد تعجب، فالعجب هو قولهم: أبعد الموت وبعد أن نصير تراباً نكون أحياء من جديد؟ وهذا شأن الذين يكفرون بخالقهم، عقولهم قيدت بالضلال، ومآلهم النار التى يخلدون فيها، فهم جاحدون، مع أن مَنْ يقدر على الإنشاء يقدر على الإعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 6 - ويذهب بهم فرط ضلالهم أن يطلبوا إنزال العذاب عاجلا بدل أن يطلبوا الهداية التى تنقذهم، ويتوهمون أن الله لا ينزل بهم العقوبة فى الدنيا إن أراد، وقد مضت عقوبات أمثالهم على ذلك، فيمن أهلكهم الله قبلهم، وشأن الله أن يغفر الظلم لمن يتوب ويعود إلى الحق، وينزل العقاب الشديد بمن يستمر على ضلاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 7 - ويقول هؤلاء الجاحدون غير معتدين بالمعجزة الكبرى، وهى القرآن: هلا أنزل عليه ربه علامة على نبوته من الحس كتحريك الجبال، فيبين الله لنبيه الحق فى القضية؟ ويقول له سبحانه: إنما أنت - أيها النبى - منذر لهم بسوء العاقبة، إن استمروا على ضلالهم، ولكل قوم رسول يهديهم إلى الحق، ومعجزة تبين رسالته، وليس لهم أن يختاروا، إنما عليهم أن يجيبوا التحدى وأن يأتوا بمثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 8 - الذى أعطى الرسول تلك المعجزة الكبرى هو الذى يعلم كل شئ، ويعلم النفوس الإنسانية من وجودها نطفة فى الرحم إلى موتها، فيعلم ما تحمل كل أنثى من أجنة ليس فقط من ذكورة أو من أنوثة، وإنما يعلم حال الجنين ومستقبله فى حياته الدنيا شقى أم سعيد، مؤمن أم كافر، غنى أم فقير، ومقدار أجله فى الدنيا وكل ما يتصل بشئونه فى الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 9 - هو الذى يعلم ما يغيب عن حسنا، ويعلم ما نشاهده علماً، أعظم مما نشاهد ونرى، وهو سبحانه العظيم الشأن الذى يعلم كل ما فى الوجود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 10 - يعلم كل أحوالكم فى حياتكم، وكل أقوالكم وأعمالكم، فيعلم ما تسرون، وما تعلنون من أفعال وأقوال، ويعلم استخفاءكم بالليل وبروزكم بالنهار، والكل فى علمه سواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 11 - وأن الله سبحانه هو الذى يحفظكم، فكل واحد من الناس له ملائكة تحفظه بأمر الله وتتناوب على حفظه من أمامه ومن خلفه، وأن الله سبحانه لا يغير حال قوم من شدة إلى رخاء، ومن قوة إلى ضعف، حتى يغيروا ما بأنفسهم بما يتناسب مع الحال التى يصيرون إليها، وإذا أراد الله أن ينزل بقوم ما يسوؤهم فليس لهم ناصر يحميهم من أمره، ولا من يتولى أمورهم فيدفع عنهم ما ينزل بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 12 - وإن قدرة الله تعالى فى الكون بارزة آثارها ظاهرة، فهو الذى يريكم البرق فترهبون منظره، أو تخافون أن ينزل عليكم المطر من غير حاجة إليه فيفسد الزرع، أو تطمعون من وراء البرق فى مطر غزير تحتاجون إليه ليصلح الزرع. وهو الذى يكوِّن السحب المملوءة بالأمطار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 13 - وإن الرعد خاضع لله سبحانه وتعالى خضوعاً مطلقاً، حتى أن صوته الذى تسمعون كأنه تسبيح له سبحانه بالحمد على تكوينه، دلالة على خضوعه، وكذلك الأرواح الطاهرة التى لا ترونها تسبِّح حامدة له، وهو الذى يُنْزِل الصواعق المحرقة فيصيب بها من يريد أن تنزل عليه، ومع هذه الدلائل الظاهرة الدالة على قدرته سبحانه يجادلون فى شأن الله سبحانه، وهو شديد القوة والتدبير فى رد كيد الأعداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 14 - وأن الذين يدعون فى خوفهم وأمنهم من الأصنام - دون أن يدعوا الله وحده - لا يجيبون لهم نداء ولا دعاء، وحالهم معهم كحال مَنْ يبْسط كفه ويضعها ليحمل بهذه اليد المبسوطة الماء ليبلغ فمه فيرتوى، وليس من شأن الكف المبسوطة أن توصل الماء إلى الفم، وإذا كانت تلك حالهم فما دعاؤهم الأصنام إلا ضياع وخسارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 15 - والله سبحانه يخضع لإرادته وعظمته كل من فى السموات والأرض من أكْوان وأناس وجن وملائكة طائعين، أو كارهين لما ينزل بهم، حتى ظلالهم من طول وقصر حسب أوقات النهار فى الظهيرة وفى الأصيل خاضعة لأمر الله ونهيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 16 - أمر الله نبيه أن يجادل المشركين هادياً مبيناً، فقال له: قل لهم - أيها النبى -: مَنْ الذى خلق السموات والأرض، وهو الحافظ لهما، والمسير لما فيهما؟ ثم بين لهم الجواب الصحيح الذى لا يحارون فيه، فقل لهم: هو الله المعبود بحق دون سواه، فكان حقا عليكم أن تعبدوه - وحده - ثم قل لهم: أفترون الأدلة المثبتة لإنشائه - وحده - كل شئ. وتتخذون مع ذلك أوثاناً تعتبرونها آلهة من غير أن تقروا بوحدانيته، وهذه الأوثان لا تملك لذاتها نفعاً ولا ضراً، فكيف تسوونها بالخالق المدبر، إنكم تسوون بين الخالق لكل شئ ومن لا يملك شيئاً! فكنتم كمن يسوى بين المتضادين، فهل يستوى من يبصر ومن لا يبصر؟ وهل تستوى الظلمة المتكاثفة الحالكة والنور المبين؟ أيسوغون تلك التسوية؟ أم ذهب بهم فرط ضلالهم إلى زعم أن أوثانهم شركاء له فى الخلق والتدبير، فتشابه عليهم أمر الخلق، كما ضلوا العبادة، قل لهم، أيها النبى: الله - وحده - هو الخالق لكل ما فى الوجود، وهو المتفرد بالخلق والعبادة، الغالب على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 17 - وأن نعمه تعالى مرئية لكم، وأصنامكم لا تأثير لها فى هذه النعم، فهو الذى أنزل عليكم الأمطار من السحاب، فتسيل بها الأنهار والوديان كل بالمقدار الذى قدره الله تعالى لإنبات الزرع، وإثمار الشجر. والأنهار فى جريانها تحمل ما لا نفع فيه ويعلو على سطحها، فيكون فيها ما فيه نفع فيبقى، وما لا نفع فيه يذهب. ومثل ذلك الحق والباطل، فالأول يبقى والثانى يذهب، ومن المعادن التى يصهرونها بالنار ما يتخذون منها حلية كالذهب والفضة، ومنافع ينتفعون بها كالحديد والنحاس، ومنها ما لا نفع فيه يعلو السطح، وأن ما لا نفع فيه يرمى وينبذ، وما فيه النفع يبقى، كذلك الأمر فى العقائد ما هو ضلال يذهب، وما هو صدق يبقى. وبمثل هذا يبين الله سبحانه الحقائق، ويمثل بعضها ببعض لتكون كلها واضحة بينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 18 - وإن الناس فى تلقيهم للهدى قسمان: قسم أجاب دعوة الله الخالق المدبر، فلهم العاقبة الحسنى فى الدنيا والآخرة، وقسم لم يُجب دعوة الذى أنشأه، وهؤلاء لهم العاقبة فى الآخرة، ولو ثبت لهم ملك كل ما فى الأرض جميعاً ومثله معه، ما استطاعوا أن يدفعوا عن أنفسهم العاقبة السيئة، ولكن أنى يكون لهم ذلك الملك؟ ولذلك كان لهم حساب يسوؤهم وينتهون به إلى جهنم وبئس القرار والمستقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 19 - إن المهتدين والضالين لا يستوون، فهل يكون الذى يعلم أن ما نزل عليك من الله الذى ربَّاك وكوَّنك واصطفاك لأداء رسالته، هو الحق الذى لا شك فيه. . هل يكون كمن ضل عن الحق، حتى صار كالأعمى الذى لا يبصر؟ إنه لا يدرك الحق وما يتذكر عظمة الله إلا أصحاب العقول التى تفكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 20 - أولئك الذين يدركون الحق، هم الذين يوفون بعهد الله تعالى عليهم بمقتضى الفطرة والتكوين وبمقتضى توثيق عقودهم وعهودهم، ولا يقطعون المواثيق التى عقدوها باسم الله بينهم وبين العباد، ولا بالميثاق الأكبر الذى عقده بالفطرة والتكوين، وجعلهم يدركون الحق ويؤمنون، إلا أن يضلوا فى يقينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 21 - وأولئك المؤمنون من دأبهم المحبة والطاعة، إنهم يعقدون المودة مع الناس ويخصون ذوى أرحامهم، ويؤيدون ولاتهم فى الحق، وهم يعرفون حق الله فيخشونه، ويخافون الحساب الذى يسوؤهم يوم القيامة فيتوقّون الذنوب ما استطاعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 22 - وهم يصبرون على الأذى يطلبون رضا الله بتحمله فى سبيل إعلاء الحق، ويؤدون الصلاة على وجهها تطهيراً لأرواحهم وتذكراً لربهم، وينفقون من المال الذى أعطاهم الله فى السر والعلن من غير رياء، ويدفعون السيئات بالحسنات يقومون بها، وهم بهذه الصفات لهم العاقبة الحسنة، بالإقامة يوم القيامة بأحسن دار وهى الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 23 - تلك العاقبة الطيبة إقامة مستمرة فى الجنات والنعيم، يكونون فيها هم وآباؤهم الذين صلحت عقائدهم وأعمالهم، ومعهم أزواجهم وذرياتهم والملائكة تحييهم وتجئَ إليهم من كل ناحية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 24 - وتقول لهم: السلام الدائم لكم بسبب صبركم على الأذى وصبركم فى مكافحة أهوائكم، وما أحسن هذه العاقبة التى صرتم إليها، وهى الإقامة فى دار النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 25 - وأن أوصاف المؤمنين الطيبة تقابلها أوصاف المشركين الذميمة. . فالمشركون ينقضون عهد الله الذى أخذه عليهم بمقتضى الفطرة ووثقه، فيخالفون فطرتهم وعقولهم بعبادتهم حجارة لا تنفع، ولا تضر، وينكثون فى عهودهم مع العباد، ثم يقطعون مودتهم مع الناس وصلتهم بالله، فلا يطيعون أوامره ولا يفردونه بالعبادة ويفسدون فى الأرض بالاعتداء فيها، وعدم إصلاحها والانتفاع بها، والله سبحانه لا يحب العبث والإفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 26 - وإذا كان أولئك المشركون يرون أنهم قد أُوتوا مالاً وفيراً، والمؤمنون فقراء ضعفاء، فليعلموا أن الله تعالى يعطى الرزق الوفير لمن يشاء إذا أخذ فى الأسباب، ويضيِّقه على من يشاء، فهو يعطيه للمؤمن وغير المؤمن، فلا تظنوا أن كثرة المال فى أيديهم دليل على أنهم على الحق، ولكنهم يفرحون بما أوتوا من مال، مع أن الله تعالى يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، وما الحياة الدنيا إلا متع عارضة ضئيلة فانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 27 - وأن أولئك المشركين تذهب بهم اللجاجة فيقولون: هلا أُنزل على النبى من الله معجزة أخرى؟ فقل - أيها النبى -: إن السبب فى عدم إيمانكم ليس نقص المعجزة، إنما هو الضلال، والله سبحانه وتعالى يضل من يريد ضلاله ما دام يسير فى طريق الضلال، ويهدى إلى الحق من يرجع إلى الله دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 28 - وأن هؤلاء الذين يرجعون إلى الله، ويقبلون على الحق، هم الذين آمنوا وهم الذين تسكن قلوبهم عند ذكر الله تعالى بالقرآن وغيره، وإن القلوب لا تسكن وتطمئن إلا بتذكر عظمة الله وقدرته وطلب رضاه بطاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 29 - وإن الذين أذعنوا للحق، وقاموا بالأعمال الصالحة، لهم العاقبة الطيبة والمآل الحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 30 - كما أرسلنا إلى الماضين من الأمم رسلا بينوا لهم الحق، فضل من ضل واهتدى من اهتدى، وآتيناهم معجزات تدل على رسالتهم، أرسلناك فى أمة العرب وغيرهم، وقد مضت من قبلهم أمم، وكانت معجزتك القرآن لتقرأه لهم قراءة توضح معانيه وجلاله، وهم جاحدون برحمة الله عليهم بإنزال القرآن، فقل لهم - أيها النبى -: الله هو الذى خلقنى ويحمينى ويرحمنى، لا إله يُعبد - بحق - غيره، أعتمد عليه - وحده - وإليه مرجعى ومرجعكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 31 - إنهم يطلبون معجزة غير القرآن مع عظم تأثيره لو طلبوا الحق وأذعنوا له، فلو ثبت أن كتاباً يُقرأ فتتحرك به الجبال من أماكنها، أو تتصدع به الأرض، أو تخاطب به الموتى، لكان ذلك هو القرآن، ولكنهم معاندون، ولله - وحده - الأمر كله فى المعجزات وجزاء الجاحدين، وله فى ذلك القدرة الكاملة، وإذا كانوا فى هذه الحال من العناد، أفلا ييأس الذين أذعنوا للحق من أن يؤمن هؤلاء الجاحدين، وإن جحودهم بإرادة الله، ولو أراد أن يهتدى الناس جميعاً لاهتدوا، وأن قدرة الله ظاهرة بين أيديهم، فلا يزالون تصيبهم بسبب أعمالهم القوارع الشديدة التى تهلكهم، أو تنزل قريباً منهم، حتى يكون الموعد الذى وعد الله به، والله تعالى لا يخلف موعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 32 - وإذا كان أولئك الجاحدون قد استهزأوا بما تدعو إليه وبالقرآن، فقد سخروا بالرسل الذين أرسلوا قبلك - أيها النبى - فلا تحزن لأنى أمهل الذين جحدوا ثم آخذهم فيكون العقاب الشديد الذى لا يقدر وصفه ولا تُعرف حاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 33 - إن المشركين ضلوا فى جحودهم، فجعلوا لله شركاء فى العبادة، فهل من هو حافظ مراقب لكل نفس مُحْصٍ عليها ما تكسب من خير أو شر، تماثله هذه الأوثان؟ قل لهم - أيها النبى -: صفوهم بأوصافهم الحقيقية، أهم أحياء؟ أهم يدفعون الضر عن أنفسهم؟ فإن كانت حجارة لا تنفع ولا تضر، فهل تخدعون أنفسكم بأن يخبروا الله بما تتوهمون أنه لا يعلمه فى هذه الأرض، أم تضعونهم فى موضع العبادة بألفاظ تتلوى بها ألسنتكم، بل الحقيقة أنه زين لهم تدبيرهم وتمويههم الباطل، وبسبب ذلك صرفوا عن طريق الحق وتاهوا، ومن يكن ضلالهم مثلهم، فلن يهديه أحد، لأنه صرف نفسه عن سبيل الهداية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 34 - لهم العذاب فى الدنيا بالهزيمة والأسر والقتل، إن سار المؤمنون فى سبيل الحق، ولعذاب الآخرة النازل بهم لا محالة أشد وأدوْم، وما لهم أحد يقيهم من عذاب الله القاهر فوق كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 35 - وإذا كان لهؤلاء هذا العذاب، فللمؤمنين الجنة ونعيمها، وقد وعدوا بها. وحال هذه الجنة التى وعد بها أولئك الذين استقاموا على الحق، وجعلوا بينهم وبين الباطل وقاية من الإيمان أنها تجرى من تحت أشجارها المياه العذبة ثمراتها دائمة لا تنقطع، وظلها دائم. وهذه عاقبة الذين اتقوا الشر. أما الجاحدون فعاقبتهم دخول النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 36 - والذين أعطوا علم الكتب المنزلة من شأنهم أن يفرحوا بالكتاب الذى أنزل عليك: لأنه امتداد للرسالة الإلهية، ومن يتخذون التدين تحزباً: ينكرون بعض ما أنزل إليك عداوة وعصبية، فقل - أيها النبى -: إنى ما أمرت إلا بأن أعبد الله لا أشرك فى عبادته شيئاً، وإلى عبادته - وحده - أدعو، وإليه - وحده - مرجعى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 37 - ومِثْل الإنزال للكتب السماوية، أنزلنا إليك القرآن حاكماً للناس فيما بينهم، وحاكماً على الكتب السابقة بالصدق. وقد أنزلناه بلغة عربية، فهو عربى، ولا تساير المشركين أو أهل الكتاب بعد الذى جاءك من الوحى والعلم، ولئن سايرتهم فما لك ناصر ينصرك من الله، أو يقيك منه. والخطاب للنبى، وهو أولى بالمؤمنين، والتحذير لهم حقيقى، وللنبى لبيان أنه مع اصطفائه وعلو منزلته قابل للتحذير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 38 - وإذا كان المشركون يثيرون العجب من أن لك أزواجاً وذرية، ويطلبون معجزة غير القرآن، فقد أرسلنا من قبلك رسلا لهم أزواج وأولاد، فالرسول من البشر له أوصاف البشر، ولكنه خير كله، وليس لنبى أن يأتى بمعجزة كما يحب أو يحب قومه، بل الذى يأتى بالمعجزة هو الله، وهو الذى يأذن له بها. لكل جيل من الأجيال أمر كتبه الله لهم يصلح به أمرهم، فلكل جيل معجزته التى تناسبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 39 - يمحو الله ما يشاء من شرائع ومعجزات، ويحل محلها ما يشاء ويثبته وعنده أصل الشرائع الثابت الذى لا يتغير، وهو الوحدانية وأمهات الفضائل، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 40 - ولئن أريناك بعض الذى نعدهم من ثواب أو عقاب، أو توفَّيناك قبل ذلك، لرأيت هول ما ينزل بالمشركين، ولرأيت نعيم المؤمنين، وليس عليك هذا، إنما الذى عليك أن تبلغ الرسالة والحساب علينا وحدنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 41 - وإن أمارات العذاب والهزيمة قائمة، ألم ينظروا إلى أنّا نأتى الأرض التى قد استولوا عليها، يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الأرض من حولهم، والله - وحده - هو الذى يحكم بالنصر أو الهزيمة، والثواب أو العقاب، ولا راد لحكمه، وحسابه سريع فى وقته، فلا يحتاج الفصل إلى وقت طويل، لأن عنده علم كل شئ، فالبينات قائمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 42 - وقد دبَّر الذين من قبلهم التَّدبير السيئ لرسلهم، ولله سبحانه تدبير الأمر كله فى حاضر الكافرين وقابلهم، وسيكون الجزاء على ما يصنعون، وهو يعلم ما تعمله كل نفس. وإذا كانوا يجهلون أن العاقبة الحسنة للمؤمنين، فسيعلمون يوم القيامة - بالرؤية - لمن تكون العاقبة الحسنة بالإقامة فى دار النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 43 - والغاية من المراء الذى يقوم به الذين جحدوا ولم يذعنوا للحق أن يقولوا لك - أيها النبى - لست مرسلا من عند الله، فقل لهم: حسبى أن الله هو الذى يحكم بينى وبينكم، والذى يعلم حقيقة القرآن، وما يدل عليه من إعجاز باهر تُدركه العقول السليمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 1 - ألف. لام. راء: فى الابتداء بهذه الحروف تنبيه إلى إعجاز القرآن، مع أنه مكون من حروف يتكلمون بها، وتنبيه للاستماع. هذا المذكور فى السورة كتاب منزل إليك يا محمد من عندنا، لتخرج الناس كافة من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم بتيسير ربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 2 - طريق الله الذى له كل ما فى السموات وما فى الأرض - خلْقاً ومُلْكاً - إذا كان هذا هو حال الإله الحق، فالهلاك بعذاب شديد للكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 3 - الذين يفضلون الحياة الدنيا على الآخرة، ويمنعون الناس عن شريعة الله، ويرغبون أن تصير الشريعة معوجة فى نظر الناس لينفروا منها؛ أولئك الموصوفون بما ذكر قد ضلوا ضلالا بعيداً عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 4 - وما أرسلنا رسولا قبلك - يا أيها النبى - إلا متكلماً بلغة قومه الذين بعثناه فيهم ليفهمهم ما أتى به، فيفقهوه ويدركوه بسهولة، وليس عليه هدايتهم، فالله يضل من يشاء لعدم استعداده لطلب الحق، ويهدى من يشاء لحسن استعداده، وهو القوى الذى لا يغلب على مشيئته، والذى يضع الأمور فى مواضعها، فلا يهدى ولا يضل إلا لحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 5 - ولقد أرسلنا موسى مؤيداً بمعجزاتنا، وقلنا له: أخرج قومك بنى إسرائيل من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وذكّرهم بالوقائع والنقم التى أوقعها الله بالأمم قبلهم. إن فى ذلك التذكير دلائل عظيمة على وحدانية الله، تدعو إلى الإيمان وإلى كل ما يتحقق به كمال الصبر على البلاء، والشكر على النعماء، وهذه صفة المؤمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 6 - واذْكر - أيها النبى - لقومك، لعلهم يعتبرون، وقت قول موسى لقومه تنفيذاً لأمر ربك: اذكروا نعمة الله عليكم، حين أنجاكم من قوم فرعون وهم يذيقونكم العذاب الأليم، بتكليفكم الأعمال الشاقة، ويذبحون أبناءكم الذكور، ويستبقون نساءكم بلا قتل ذليلات مهانات، وفى كل ما ذكر من التعذيب والإنجاء اختبار من الله عظيم، ليظهر مقدار الصبر والشكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 7 - واذكروا - يا بنى إسرائيل - حين أعلمكم ربكم وقال: والله إن شكرتم ما وهبتكم من نعمة الإنجاء وغيرها، وبالثبات على الإيمان والطاعة لأزيدنكم من نعمى، وإن جحدتم نعمى بالكفر والمعصية، لأعذبنكم عذابا مؤلما، لأن عذابى شديد للجاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 8 - وقال موسى لقومه - حينما عاندوا وجحدوا -: إن تجحدوا نعم الله ولا تشكروها بالإيمان والطاعة، أنتم وجميع من فى الأرض، فإن ذلك لن يضر الله شيئا، لأن الله غنى عن شكر الشاكرين، مستوجب الحمد بذاته، وإن لم يحمده أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 9 - ألم يصل إليكم خبر الذين مَضوْا من قبلكم، قوم نوح وعاد وثمود، والأمم الذين جاءوا من بعدهم، وهم لا يعلمهم إلا الله لكثرتهم، وقد جاءتهم رسلهم بالحُجج الواضحة على صدقهم، فوضعوا أيديهم على أفواههم استغراباً واستنكاراً، وقالوا للرسل: إنا كفرنا بما جئتم به من المعجزات والأدلة، وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه من الإيمان والتوحيد، لأننا لا نطمئن إليه ونشك فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 10 - قالت الرسل لأقوامهم - منكرين عليهم شكهم فى وجود الله ووحدانيته، متعجبين من ذلك - أفى وجود الله وألوهيته - وحده - شك، وهو خالق السموات والأرض على غير مثال يحتذيه، وهو يدعوكم ليغفر لكم بعض ذنوبكم التى وقعت منكم قبل الإيمان، ويؤخركم إلى انتهاء آجالكم؟! قالت الأقوام لرسلهم تعنتاً: ما أنتم إلا بشر مثلنا، لا فضل لكم علينا يؤهلكم للرسالة. . تريدون أن تمنعونا بما تدعوننا إليه عمَّا كان عليه آباؤنا من العبادة، فأتونا بحُجة واضحة مما نقترحه عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 11 - قالت لهم رسلهم: ما نحن إلا بشر مثلكم كما قلتم، ولكن الله يصطفى من يشاء من عباده فيخصهم بالنبوة والرسالة، وما كان فى قدرتنا أن نأتيكم بحُجة مما تقترحون إلا بتيسير منه، وعلى الله - وحده - فليتوكل المؤمنون ولنتوكل عليه بالصبر على معاندتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 12 - وأى عذر لنا فى ترك التوكل على الله، وهو قد أرشدنا إلى سبيله ومنهاجه الذى شرع له، وأوجب عليه سلوكه فى الدين، وإنا لنؤكد توكلنا على الله، ولنصبرن على أذاكم لنا بالعناد واقتراح المعجزات، والله - وحده - هو الذى يتوكل عليه المتوكلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 13 - عمد الكفار المتجبرون إلى القوة، بعد أن عجزوا جميعاً عن مقاومة الدليل، وقالوا لرسلهم: ليكونن أحد أمرين: إما أن نخرجكم من أرضنا، وإما أن تدخلوا فى ديننا، فأوحى الله إلى الرسل قائلا: لنهلكن الكافرين لظلمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 14 - ولنُسْكننّكم أرضهم من بعد هلاكهم. وذلك الإسكان للمؤمنين حق لمن خاف موقف حسابى، وخاف وعيدى بالعذاب، فإن من غلب عليه الخوف أطاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 15 - إن الرسل استنصروا على أقوامهم لما يئسوا من إيمانهم وطلبوا النصر من ربهم على الكافرين من أقوامهم، فنصرهم الله وربحوا، وخسر كل متكبر عن طاعة الله شديد العناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 16 - وقد استقبل الهزيمة فى الدنيا، ومن ورائه فى الآخرة عذاب جهنم، ويُسْقى فيها من ماء كريه، وهو كالصديد يسيل من أهل النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 17 - يتكلف شربه كأنه يبتلعه مرة أخرى، ولا يقرب من استساغته لأنه لا يمكن أن يستساغ لكراهته وقذارته ويحيط به أسباب الموت من الشدائد من كل جهة، وما هو فى جهنم بميت فيستريح مما هو فيه، بل يستقبل فى كل وقت عذاباً أشد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 18 - إن حال أعمال الخيّرين الكافرين الدنيوية وكسبهم فيها - لبنائها على غير أساس من الإيمان - كحال رماد اشتدت لتفريقه الريح فى يوم شديد العواصف، لا يقدرون يوم القيامة على شئ مما كسبوا فى الدنيا من تلك الأعمال فلا يمكنهم الانتفاع بشئ منها إذ لا يرون لها أثراً من الثواب، كما لا يقدر صاحب الرماد المتطاير فى الريح على إمساك شئ منه، وهؤلاء الضالون يحسبون أنهم محسنون، مع أن أعمالهم بعيدة أشد البعد عن طريق الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 19 - ألم تعلم - أيها المخاطب - أن الله تعالى خلق السموات والأرض لتقوما على الحق بمقتضى حكمته، ومن قدر على هذا كان قادراً على إهلاككم أيها الكافرون والإتيان بخلق جديد غيركم يعترفون بوجوده ووحدانيته إذا شاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 20 - وما ذلك الإذهاب والإتيان على الله بمتعذر ولا بمتعسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 21 - وسيظهر الكفار جميعاً من قبورهم للرائين - لأجل حساب الله تعالى - ظهوراً لا شك فيه كأنه واقع الآن فعلا، فيقول ضعفاء الرأى من الأتباع للقادة المستكبرين: إنا كنا لكم تابعين فى تكذيب الرسل ومحاربتهم والإعراض عن نصائحهم، فهل أنتم اليوم دافعون عنا من عذاب الله بعض الشئ؟ قال المستكبرون: لو هدانا الله إلى طريق النجاة ووفقنا له لأرشدنا ودعوناكم إليه، ولكن ضللنا فأضللناكم، أى اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا، ونحن وأنتم الآن سواء علينا الجزع والصبر، ليس لنا مهرب من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 22 - ويقول إبليس - حين يقضى الله الأمر بتنعيم الطائعين وتعذيب العاصين - لمن اتبعه: إن الله تعالى وعدكم وعداً حقاً بالبعث والجزاء فأنجزه، ووعدتكم وعداً باطلا بأن لا بعث ولا جزاء فأخلفتكم وعدى، وما كان لى عليكم قوة أقهركم بها على اتباعى، لكن دعوتكم بوسوستى إلى الضلالة فأسرعتم إلى طاعتى، فلا تلومونى بوسوستى، ولوموا أنفسكم على إجابتى وما أنا اليوم بمغيثكم من العذاب، وما أنتم بمغيثىَّ. إنى جحدت اليوم إشراككم إياى مع الله فى الدنيا حيث أطعتمونى كما يطيع العبد ربه. إن الكافرين لهم عذاب مؤلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 23 - وأُدخل فى الآخرة الذين صدقوا وعملوا الأعمال الصالحة جنات تجرى من تحت قصورها الأنهار خالدين فيها بإذن الله تعالى وأمره، تحيتهم فيها من الملائكة تفيد الأمن والاطمئنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 24 - ألم تعلم - ايها الإنسان - كيف ضرب الله مثلا لكلمة الحق الطيبة، وكلمة الباطل الخبيثة، فجعل الكلمة الحسنة الفائدة مثل شجرة حسنة المنفعة، أصلها ضارب بجذورها فى الأرض، وأفنانها مرتفعة إلى جهة السماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 25 - تعطى ثمرها كل وقت عيَّنه الله؛ لإثمارها بإرادة خالقها، كذلك كلمة التوحيد ثابتة فى قلب المؤمن، وعمله يصعد إلى الله، وينال بركته وثوابه كل وقت، ويبيِّن الله الأمثال للناس، فيشبه المعانى بالمحسوسات ليتعظوا فيؤمنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 26 - الكلمة الباطلة الخبيثة شبيهة بشجرة خبيثة، كأنها اقتلعت، وكأنها ملقاة على الأرض لأنها ليس لها ثبات فيها، كذلك كلمة الباطل داحضة لا ثبات لها. لأنها لم تعاضد بحُجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 27 - يثبت الله الذين آمنوا على القول الحق فى الحياة الدنيا وفى يوم القيامة، ويُبعد الله الكافرين عنه لسوء استعدادهم، ويفعل الله ما يشاء من تثبيت بعض وإضلال آخرين، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 28 - ألم تنظر - أيها السامع - إلى المشركين الذين وضعوا مكان شكر نعمة الله بمحمد ودينه كفراً بالله تعالى وأنزلوا أتباعهم - بإضلالهم إياهم - دار الهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 29 - وهى جهنم يقاسون حرَّها وقبح المقر جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 30 - وجعلوا لله - الواحد الأحد - أمثالاً من الأصنام فى العبادة، لتكون عاقبة عملهم إضلال الناس عن سبيل الله، وقل - أيها النبى - لأولئك الضالين: تمتعوا بشهواتكم فإن مرجعكم إلى النار! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 31 - قل - يا محمد - لعبادى الصادقين الذين آمنوا وأحسنوا: أقيموا الصلاة، وأنفقوا بعض ما رزقناكم فى وجوه البر، مسرين ومعلنين، وفى كل خير، من قبل أن يأتى يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا صداقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 32 - الله - وحده - هو الذى أنشأ السموات وما فيها، والأرض وما فيها، وأنزل من السحاب ماء مدراراً، فأخرج بسببه رزقاً لكم. هو ثمرات الزرع أو الشجر، وسخَّر لكم السفن لتجرى فى البحر تحمل أرزاقكم وتجارتكم بإذنه ومشيئته، وسخر لكم الأنهار العذبة لتنتفعوا بها فى رى الأنفس والزروع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 33 - وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، للإضاءة وإصلاح النبات والحيوان، وسخر لكم الليل للراحة، والنهار للسعى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 34 - وهيَّأ لكم كل ما تحتاجون إليه فى حياتكم مما شأنه أن يطلب سواء أطلبتموه أم لا، وإن تعدوا ما أنعم الله به عليكم لا يمكنكم حصر أنواعه، فضلا عن أفراده. إن الجاحد الذى قابل النعم بالجحود لشديد الظلم والجحود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 35 - واذكر - أيها النبى - لقومك، ليعتبروا فيرجعوا عن إشراكهم، قوْل أبيهم إبراهيم بعد بناء الكعبة: يا رب اجعل هذا البلد الذى فيه الكعبة ذا أمن من الظالمين وأبعدنى وأبنائى عن عبادة الأصنام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 36 - لأن الأصنام تسببت فى إضلال كثير من الناس بعبادتهم لها. فَمِن تبعنى من ذريتى، وأخلص لك العبادة، فإنه من أهل دينى، ومن عصانى - بإقامته على الشرك - فأنت قادر على هدايته لأنك كثير المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 37 - يا ربنا إنى أسكنت بعض ذريتى فى وادى مكة الذى لا ينبت زرعاً، عند بيتك الذى حرَّمت التعرض له والتعاون بشأنه، وجعلت ما حوله آمناً. ربنا فأكرمهم ليقيموا الصلاة بجوار هذا البيت، فاجعل قلوباً خيرة من الناس تميل إليهم لزيارة بيتك، وارزقهم من الثمرات بإرسالها إليهم مع الوافدين، ليشكروا نعمتك بالصلاة والدعاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 38 - ربنا، إنه يستوى عند علمك سرنا وعلانيتنا، فأنت أعلم بمصالحنا، وأرحم بنا منا، وما يخفى عليك شئ ولو كان صغيراً فى الأرض ولا فى السماء، فلا حاجة بنا إلى الدعاء، ولكننا ندعوك إظهاراً للعبودية، ونخشع لعظمتك، ونفتقر إلى ما عندك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 39 - الحمد لله الذى أعطانى - مع كبر سنى، واليأس من الولد - إسماعيل ثم إسحاق. إن ربى لسميع دعائى، مجيب له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 40 - رب وفقنى لأداء الصلاة على وجهها، ووفق لأدائها كذلك الأخيار من ذريتى، ربنا تقبل دعائى قبول المستجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 41 - ربنا اغفر لى ما فرط منى من الذنوب، واغفر لوالدىّ وللمؤمنين. يوم يتحقق الحساب، ويكون من بعده الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 42 - ولا تظنن - أيها الرسول - ربك غافلاً عما يعمل الظالمون من محاربة الإسلام وأهله؛ بل هو عالم بمخالفتهم، وقدَّر تأخير عقوبتهم ليوم عسير، تبقى فيه أبصارهم مفتوحة، لا يسيطرون عليها، فلا ترتد إليهم من هول ما ترى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 43 - وهم مسرعون نحو الداعى، رافعو رؤوسهم إلى السماء، لا ترجع أعينهم إلى إرادتهم، وقلوبهم خالية ليس فيها تفكير من شدة الخوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 44 - وبين - أيها النبى - للناس أهوال يوم القيامة الذى يأتيهم فيه العذاب فيقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصى: ربنا أخِّر العذاب عنا، وردنا إلى الدنيا، وأمهلنا إلى أجل من الزمان قريب، نتدارك ما فرطنا بإجابة دعوتك إلى التوحيد واتباع الرسل. فيقال لهم: أتقولون اليوم هذا ونسيتم أنكم حلفتم من قبل فى الدنيا أنكم إذا متم لا تزول عنكم هذه النعمة، إن كان بعث يوم القيامة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 45 - وسكنتم فى الدنيا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصى من الأمم قبلكم، وظهر لكم بمشاهدة آثارهم كيف عاقبناهم فلم تنزجروا، وبيَّنا لكم صفات ما فعلوا وما حل بهم، فلم تعتبروا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 46 - وقد دبَّر هؤلاء المشركون تدبيرهم لإبطال الدعوة، وعند الله علْم مكرهم وما كان مكرهم لتزول منه الشريعة الثابتة ثبات الجبال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 47 - فلا تظن - أيها الرسول - أن الله تعالى مُخْلف رسله ما وعدهم به من النصر، لأنه غالب لا يمنعه أحد عما يريد، شديد الانتقام ممن كفر به وعصى رسله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 48 - فينتقم منهم يوم القيامة حين نجعل الأرض غير الأرض الموجودة الآن، ونجعل السموات غير السموات كذلك، ويخرج الخلائق من قبورهم لحكم الله الذى لا شريك له ولا غالب له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 49 - وترى الكافرين يوم القيامة مشدودين بالقيود مع شياطينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 50 - مطلية جلودهم بسائل من القطران، كالملابس على أجسادهم، وتعلو النار وجوههم وتجللها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 51 - يفعل بهم ذلك، ليجزى الله كل نفس منهم بما كسبته فى الدنيا، والله سريع الحساب يوم القيامة ولا يشغله عنه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 52 - هذا القرآن هو البلاغ لنصحهم ولإنذارهم وتخويفهم من عذاب الله، وليعلموا إذا خافوا وتأملوا أنه لا إله إلا إله واحد، وليتذكر أصحاب العقول عظمة ربهم، فيبتعدوا عما فيه هلاكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 1 - تلك آيات الكتاب المنزل المقروء المبين الواضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 2 - يود ويتمنى الذين جحدوا بأيات اللَّه - سبحانه وتعالى - كثيرا عندما يرون عذاب يوم القيامة، أن لو كانوا قد أسلموا فى الدنيا وأخلصوا دينهم لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 3 - ولكنهم الآن غافلون عما يستقبلهم فى الآخرة من عذاب، فدعهم بعد تبليغهم وإنذارهم، ليس لهم همٌّ إلا أن يأكلوا ويستمتعوا بملاذ الدنيا، ويصرفهم أملهم الكاذب، فمن المؤكد أنهم سيعلمون ما يستقبلهم عندما يرونه رأى العين يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 4 - وإذا كانوا يطلبون إنزال العذاب الدنيوى كما أهلك اللَّه الذين من قبلهم، فليعلموا أن اللَّه لا يهلك مدينة أو أمة إلا لأجل معلوم عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 5 - لا يتقدمون عليه ولا يتأخرون عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 6 - وإن من قُبح حالهم وشدة غفلتهم أن ينادوا النبى متهكمين قائلين: - أيها الذى نُزِّل عليه الكتاب للذِّكر - إن بك جنونا مستمرا، فليس النداء بنزول الذكر عليه إلا للتهكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 7 - ولفرط جحودهم يقولون بعد ذلك الشتم والتهكم: هلا أتيتنا بدل الكتاب المنزل بملائكة تكون لك حجة إن كنت صادقاً معدوداً فى الصادقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 8 - وقد أجابهم اللَّه تعالت كلماته: ما نُنزل الملائكة إلا ومعهم الحق المؤكد الثابت الذى لا مجال لإنكاره، فإن كفروا به فإنهم لا يمهلون، بل ينزل بهم العذاب الدنيوى فوراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 9 - وإنه لأجل أن تكون دعوة النبى بالحق قائمة إلى يوم القيامة، لم ننزل الملائكة، بل أنزلنا القرآن المستمر تذكيره للناس، وإنا لحافظون له من كل تغيير وتبديل أو زيادة أو نقصان حتى تقوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 10 - ولا تحزن - أيها الرسول الأمين - فقد أرسلنا قبلك رسلاً فى طوائف تتعصب للباطل مثل تعصبهم، ولقد مضوا مع الأولين الذين هلكوا لجحودهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 11 - وما كان شأن الذين سبقوهم فى تعصبهم للباطل إلا أن يستهزئوا برسلهم رسولا رسولا، كما يستهزئون بك، فتلك سنة المبطلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 12 - كما أدخلنا القرآن فى قلوب المؤمنين فأضاءها، أدخلنا الباطل فى قلوب الذين اتسموا بالإجرام، فانقلبت الأوضاع فى قلوبهم، إذ تأصل الباطل فى نفوسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 13 - لا يؤمن المجرمون به وقد مضت طريقة اللَّه تعالى فى إمهالهم حتى يروا عذاب يوم القيامة المؤلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 14 - إن هؤلاء يطلبون أن تنزل عليهم الملائكة، ولا تظن - أيها النبى - أنهم يؤمنون لو نزلت، بل لو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يصعدون، يرون العجائب ويرون الملائكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 15 - ما آمنوا، ولقالوا: إنما حبست أبصارنا عن النظر، وغطيت، بل إن ما كان هو السحر، وقد سحرنا، فلا جدوى فى أى آية مع الجحود فى قلوبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 16 - وإننا قد جعلنا فى السماء نجوماً لتكون مجموعات متعددة مختلفة الأشكال والهيئات، وزيناها بذلك للذين ينظرون متأملين معتبرين مستدلين بها على قدرة مبدعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 17 - ولكن حفظناها من كل شيطان جدير بالرجم والطرد من رحمة اللَّه تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 18 - من يحاول من هؤلاء الشياطين أن يسترق الاستماع إلى الكلام الذى يجرى بين سكان هذه النجوم، فإنا نلحقه بجرم سماوى واضح بيِّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 19 - وخلقنا لكم الأرض ومهدناها حتى صارت كالبساط الممدود، ووضعنا فيها جبالاً ثابتة، وأنبتنا لكم فيها من كل أنواع النبات ما يحفظ حياتكم، وجعلناه مُقدرا بأزمان معينة فى نموه وغذائه، ومُقدَّراً بمقدار حاجتكم ومقدار كميته، وفى أشكاله فى الخلق والطبيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 20 - وجعلنا فى الأرض أسباب المعيشة الطيبة لكم، ففيها الحجارة التى تبنون منها المساكن، والحيوان الذى تنتفعون بلحمه أو جلده أو ريشه، والمعادن التى تخرج من بطنها، وغير ذلك، وكما أن فيها أسباب المعيشة الطيبة، ففيها المعيشة أيضا لمن يكونون فى ولايتكم من عيال وأتباع، فالله - وحده - هو يرزقهم وإياكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 21 - وما من شئ من الخير إلا عندنا كالخزائن المملوءة، من حيث تهيئته وتقديمه فى وقته، وما ننزله إلى العباد إلا بقدر معلوم حددته حكمتنا فى الكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 22 - وقد أرسلنا الرياح حاملة بالأمطار وحاملة بذور الإنبات، وأنزلنا منها الماء وجعلناه سقيا لكم، وأن ذلك خاضع لإرادتنا، ولا يتمكن أحد من التحكم فيه حتى يصير عنده كالخزائن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 23 - وإنا - وحدنا - نُمد الأشياء بالحياة، ثم ننقلها إلى الموت إذ الوجود كله لنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 24 - وكل منكم له أجل محدود، نعلمه نحن، فنعلم الذين يتقدمون فى الموت والحياة، والذين يتأخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 25 - وأن المتقدمين والمتأخرين سيجمعون فى وقت واحد، وسيحاسبهم ويجازيهم اللَّه، وإن ذلك مقتضى حكمته وعلمه، وهو الذى يسمى الحكيم العليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 26 - وإننا فى خلقنا للعاملين فى هذه الأرض خلقنا طبيعتين: خلقنا الإنسان من طين يابس يصوت إذا نقر عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 27 - وعالم الجن خلقناه من قبل حين خلق أصله إبليس من النار ذات الحرارة الشديدة النافذة فى مسام الجسم الإنسانى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 28 - واذكر - أيها النبى - أصل الخلق، إذ قال خالقك رب العالمين للملائكة: إنى مبدع بشراً خلقته من طين يابس، له صوت إذا نقر عليه، هو متغير اللون له صورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 29 - فإذا أكملته خلقاً ونفخت فيه الروح التى هى ملكى، فانزلوا بوجوهكم ساجدين له تحية وإكراما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 30 - فسجدوا جميعاً خاضعين لأمر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 31 - لكن إبليس أبى واستكبر أن يكون مع الملائكة الذين خضعوا لأمر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 32 - عند إذ قال اللَّه تعالى: يا إبليس، ما الذى سوَّغ لك أن تعصى ولا تكون مع الخاضعين الساجدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 33 - قال إبليس: ما كان من شأنى أن أسجد لإنسان خلقته من طين يابس له صوت إذا نقر عليه، وهو متغير اللون مصور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 34 - قال الله تعالى: إذا كنت متمردا خارجا على طاعتى، فاخرج من الجنة فإنك مطرود من رحمتى ومن مكان الكرامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 35 - وإنى قد كتبت عليك الطرد من الرحمة والكرامة إلى يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء، وفيه يكون لك ولمن اتبعك العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 36 - قال إبليس - وهو المتمرد على طاعة الله: يا خالقى، أمهلنى ولا تقبضنى إلى يوم القيامة، يوم يبعث الناس أحياء بعد موتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 37 - قال الله تعالى: إنك من المؤجلين الممهلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 38 - إلى وقت قدرته وهو معلوم لى، ومهما يطل فهو محدود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 39 - قال إبليس المتمرد العاصى: يا خالقى الذى يبقينى، لقد أردت لى الضلال فوقعت فيه، وبسبب ذلك لأزينن لبنى آدم السوء، ولأعملن على ضلالهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 40 - ولن ينجو من إضلالى إلا الذين أخلصوا لك من العباد، ولم أتمكن من الاستيلاء على نفوسهم لعمرانها بذكرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 41 - إن خلوص العباد الذين أخلصوا دينهم هو طريق مستقيم بحق علىَّ لا أتعداه، لأنى لا أستطيع إضلالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 42 - قال اللَّه تعالى: إن عبادى الذين أخلصوا لى دينهم ليس لك قدرة على إضلالهم، لكن من اتبعك من الضالين الموغلين فى الضلال لك سلطان على نفوسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 43 - وإن النار الشديدة العميقة هى ما يوعدون به أجمعين من عذاب أليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 44 - وليس للنار الشديدة باب واحد، بل لها أبواب سبعة لكثرة المستحقين لها، لكل باب طائفة مختصة به، ولكل طائفة مرتبة معلومة تتكافأ مع شرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 45 - هذا جزاء الذين يتبعون الشيطان، أما الذين عجز الشيطان عن إغوائهم لأنهم يجعلون بينه وبين نفوسهم حجابا، فلهم حدائق عظيمة وعيون جارية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 46 - يقول لهم ربهم: ادخلوا هذه الجنات باطمئنان آمنين فلا خوف عليكم، ولا تحزنون على أوقاتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 47 - وإن أهل الإيمان يعيشون فى هذا النعيم طيبة نفوسهم، فقد أخرجنا ما فيها من حقد، فهم جميعاً يكونون إخوانا يجلسون على أسِرَّةٍ تتقابل وجوههم بالبشر والمحبة، ولا يتدابرون كل ينقب عما وراء الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 48 - لا يمسهم فيها تعب، وهى نعيم دائم لا يخرجون منها أبدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 49 - أخبر - أيها النبى الأمين - عبادى جميعاً: أنى كثير الغفران والعفو لمن تاب وآمن وعمل صالحاً، وأنى كثير الرحمة بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 50 - وأخبرهم أن العذاب الذى أنزله بالعصاة الجاحدين هو العذاب المؤلم حقا، وكل عذاب غيره لا يعد إلى جواره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 51 - ونبئهم - أيها النبى - فى بيان رحمتى الخاصة فى الدنيا، وعذابى للعصاة فيها، عن الضيف من الملائكة الذين نزلوا على إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 52 - اذكر - أيها الأمين - إذ دخلوا عليه فخاف منهم، فقالوا له: أمنا واطمئنانا. فقال لهم: إنا خائفون منكم إذ فاجأتمونا وجئتم فى غير وقت للضيف عادة، ولا نعلم ما وراءكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 53 - قالوا: لا تخف واطمئن، فإنا نبشرك بمولود لك يؤتيه الله - تعالى - فى مستقبل حياته علما عظيما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 54 - قال: كيف تبشرونى بمولود يولد لى مع أنه قد أصابتنى الشيخوخة بضعفها، فعلى أى وجه تبشروننى بهذا الأمر الغريب؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 55 - قالوا: بشرناك بالأمر الثابت الذى لا شك فيه، فلا تكن ممن ييأسون من رحمة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 56 - قال إبراهيم: إنى لا أيأس من رحمة الله، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا الضالون الذين لا يدركون عظمته وقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 57 - قال، وقد استأنس بهم: إذا كنتم قد بشرتمونى بهذه البشرى، فماذا يكون من شأنكم بعدها، أيها الذين أرسلكم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 58 - قالوا: إنا أرْسَلَنَا الله - تعالى - إلى قوم أجرموا فى حق الله وحق نبيهم وحق أنفسهم، من شأنهم الإجرام - هم قوم لوط - فسنهلكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 59 - ولم يسلم من الإجرام وعذابه إلا أهل لوط، فإن الله - تعالى - قد أمرنا بأن ننجيهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 60 - ولا يستثنى من أهله إلا امرأته، فإنها لم تتبع زوجها، بل كانت مع المجرمين الذين استحقوا العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 61 - ولما نزل أولئك الملائكة الذين أرسلهم الله - تعالى - لإنزال ما توعد به، بأرض لوط وآله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 62 - قال لهم لوط: إنكم قوم تنكركم نفسى وتنفر منكم، مخافة أن تمسونا بشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 63 - قالوا: لا تخف منا، فما جئناك بما تخاف، بل جئناك بما يسرك، وهو إنزال العذاب بقومك الذين كذبوك، وكانوا يشكون فى صدقه أو ينكرونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 64 - وجئناك بالأمر الثابت الذى لا شك فيه وهو إنزال العذاب، وإن صدق الوعد من صفاتنا بأمر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 65 - وما دام العذاب نازلاً بهم، فسر ليلاً مع أهلك الذين كتبت نجاتهم، بعد مرور قطع من الليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 66 - وقد أوحى الله - سبحانه وتعالى - إلى لوط: أنا حكمنا وقدرنا أن هؤلاء المجرمين هالكون، يستأصلون عند دخول الصباح، ولا يبقى منهم أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 67 - ولما أصبح رأوا الملائكة فى صورة جميلة من صور البشر، ففرحوا بهم رجاء أن يفعلوا معهم جريمتهم الشنيعة، وهى إتيان الرجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 68 - خشى لوط أن يفعلوا فعلتهم الشنيعة فقال: إن هؤلاء ضيوفى فلا تفضحونى بفعلتكم القبيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 69 - وخافوا الله تعالى، فلا ترتكبوا فاحشتكم، ولا توقعونى فى الخزى والذل أمامهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 70 - قال أولئك المجرمون: أو لم ننهك أن تستضيف أحدا من الناس ثم تمنعنا من أن نفعل معهم ما نشتهى؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 71 - قال نبى الله لوط - ينبههم إلى الطريق الطبيعى الشرعى: هؤلاء بنات القرية وهم بناتى، تزوجوهن إن كنتم راغبين فى قضاء الشهوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 72 - بحق حياتك - أيها النبى - الأمين، إنهم لفى غفلة عما سينزل بهم، جعلتهم كالسكارى، إنهم لضالون متحيرون لا يعرفون ما يسلكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 73 - وبينما هم فى هذه السكرة الغافلة، استولى على ألبابهم صوت شديد الإزعاج وقد أشرقت الشمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 74 - ولقد نفذ اللَّه - سبحانه - حكمه فقال: جعلنا عالى مدائنهم سافلها بانقضاضها، وأنزلنا عليه طينا متحجرا كان ينزل كالمطر، فدورهم تهدمت، وإن خرجوا إلى العراء استقبلتهم تلك الأمطار من الحجارة، وبذلك أحيط بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 75 - إن فى هذا الذى نزل بقوم لوط لعلامة بينة تدل على تنفيذ اللَّه وعيده، يعرفها الذين يتعرفون الأمور ويدركون نتائجها من سماتها. فكل عمل موصوف بالإجرام متسم به، له مثل هذه النتيجة فى الدنيا وفى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 76 - وأن هذه المدينة آثارها قائمة ثابتة، وهى واقعة على طريق ثابت يسلكه الناس ويعرفونه ويعتبر بها من أراد الاعتبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 77 - وأن فى بقائها قائمة على طريق واضح لدليلا على تنفيذ اللَّه - تعالى - وعيده، يدركه المؤمنون المذعنون للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 78 - ومثل تكذيب قوم لوط، كذَّب أصحاب الغيضة العظيمة ذات الثمرات رسولهم، وكانوا ظالمين شديدى الظلم فى عقائدهم ومعاملاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 79 - فأنزلنا نقمتنا عليهم، وإن أثارهم بطريق واضح بَين يعتبر بهم من يمر بديارهم، إن كان من أهل الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 80 - ولقد كذَّب - مثل السابقين - أصحاب الحجر رسولهم الذى أرسل إليهم، وكانوا لهذا مكذبين كل المرسلين، لأن رسالة الله واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 81 - بينا لهم الحجج الدالة على قدرتنا ورسالة رسولنا، فكانوا معرضين عنها لا يفكرون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 82 - وكانوا قوما ذوى منعة وعمران، فكانوا يصنعون بيوتهم فى الجبال ومن الجبال، كانوا بها مطمئنين على أنفسهم وأموالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 83 - فلما كفروا وجحدوا أتتهم أصوات مزعجة منذرة بالهلاك، فأهلكوا فى وقت الصباح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 84 - وما دفع عنهم الهلاك الذى نزل بهم ما كانوا يكسبون من أموال، ويتحصنون به من حصون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 85 - ما أنشأنا السموات والأرض وما بينهما - من فضاء، وما فيهما من أناس وحيوان ونبات وجماد، وغيرها مما لا يعلمه البشر - إلا بالعدل والحكمة والصلاح والذى لا يتفق معه استمرار الفساد وعدم نهايته، ولذا كان اليوم الذى يكون فيه انتهاء الشر آتيا لا محالة، واصفح - أيها النبى - الكريم عن المشركين بالنسبة للعقاب الدنيوى، وعاملهم بالصبر على أذاهم، والدعوة بالحكمة معاملة الصفوح الحليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 86 - إن اللَّه الذى خلقك - أيها النبى - ورباك هو الكثير الخلق، العليم بحالك وحالهم، فهو حقيق بأن تكل إليه أمرك وأمرهم، وهو الذى يعلم الأصلح لك ولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 87 - ولقد آتيناك - أيها النبى الأمين - سبع آيات من القرآن، هى الفاتحة التى تكررها فى كل صلاة، وفيها الضراعة لنا، وكمال طلب الهداية، وأعطيناك القرآن العظيم كله، وفيه الحجة والإعجاز، فأنت بهذا القوى الذى يجدر منه الصفح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 88 - لا تنظر - أيها الرسول - نظرة تمن ورغبة إلى ما أعطيناه من مُتَع الدنيا أصنافاً من الكفار المشركين واليهود والنصارى والمجوس، فإنه مستصغر بالنسبة لما أوتيته من كمال الاتصال بنا ومن القرآن العظيم، ولا تحزن عليهم بسبب استمرارهم على غيهم، وَأَلِنْ جانبك وتواضع وارفق بالذين معك من المؤمنين، فإنهم قوة الحق وأهل اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 89 - وقل - أيها النبى - للجاحدين جميعاً: إنى أنا المنذر لكم بعذابى الشديد، والمبين إنذارى بالأدلة القاطعة المعجزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 90 - وإن هذا مثل إنذار أولئك الذين قسموا القرآن إلى شعر وكهانة وأساطير وغيرها، ولم يؤمنوا به مع قيام الحجة عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 91 - الذين جعلوا القرآن بهذا التقسيم قطعاً متفرقة، وهو كل لا يقبل التجزئة فى إعجازه وصدقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 92 - وإذا كانت تلك حالهم، فوالذى خلقك وحفظك ورباك لنحاسبنهم أجمعين يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 93 - على أعمالهم من إيذاء وجحود واستهزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 94 - فاجهر بدعوة الحق ولا تلتفت إلى ما يفعله المشركون ويقولونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 95 - وإن أولئك المشركين - الذين يسخرون من دعوتك - لن يتمكنوا منك ولن يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين دعوتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 96 - أولئك المشركون قد ضعفت مداركهم فجعلوا مع اللَّه آلهة أخرى من الأوثان، وسوف يعلمون نتائج شركهم حين ينزل بهم العذاب الأليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 97 - وإنا لنعلم ما يصيبك من ضيق وألم نفسى بما يقولونه من ألفاظ الشرك والاستهزاء والاستهانة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 98 - فإذا أصابك ذلك الضيق فافزع إلى الله - تعالى - واتجه إليه، وكن من الخاضعين الضارعين إليه، واستعن بالصلاة فإن فيها الشفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 99 - والتزم عبادة الله الذى خلقك وهو حافظك حتى ينتهى أجلك وتلحق بالرفيق الأعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 1 - تأكدوا - أيها المشركون - أن ما توعَّدكم الله به يوم القيامة واقع قريب الوقوع لا شك فيه، فلا تستهزئوا باستعجال وقوعه، تنزه الله عن أن يكون له شريك يُعبد من دونه، وعما تشركون به من آلهة لا تقدر على شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 2 - ينزل الملائكة بما يحيى القلوب من وحيه على من يختاره للرسالة من عباده، ليعلموا الناس أنه لا إله يُعبد بحق إلا أنا. فابتعدوا عما يغضبنى ويعرضكم للعذاب، والتزموا الطاعات لتكون وقاية لكم من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 3 - خلق السموات والأرض بمقتضى الحكمة، تنزه الله عن أن يكون له شريك يتصرف فى شئ من ملكه، أو يستحق أن يعبد مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 4 - خلق كل فرد من أفراد الإنسان من مادة سائلة لا تماسك فيها وهى النطفة، فإذا به إنسان قوى مجادل عن نفسه، مكافح لخصومه، مبين لحجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 5 - وقد تفضل اللَّه عليكم - أيها العباد - فخلق لكم الإبل والبقر والضأن والمعز لتتخذوا من أصوافها وأوبارها وأشعارها ما تستدفئون به، ومن لحومها تأكلون ما يحفظ حياتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 6 - ولكم فيها بهجة وسرور، حين ترونها راجعة من مراعيها ملأى البطون والضروع، وحين تذهب إلى الحقول والمراعى تُسرع الخطا إلى غذائها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 7 - وتحمل أمتعتكم الثقيلة إلى بلد لم تكونوا مستطيعين الوصول إليه بدونها إلا بتحميل أنفسكم أقصى جهدها ومشقتها. إن ربكم الذى هيأ ذلك لراحتكم لشديد الرأفة بكم، واسع الرحمة لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 8 - وخلق لكم الخيل والبغال والحمير لتركبوها، فتتخذوا منها زينة تُدخل السرور على قلوبكم، وسيخلق ما لا تعلمون الآن من وسائل الركوب وقطع المسافات، مما سخره اللَّه لبنى الإنسان، إذا استخدم عقله وفكر به واهتدى إلى استخدام كل القوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 9 - وعلى اللَّه بمقتضى فضله ورحمته أن يُبيِّن لكم الطريق المستقيم الذى يوصلكم إلى الخير ومن الطريق ما هو مائل منحرف لا يوصل إلى الحق، ولو شاء هدايتكم جميعا لهداكم وحملكم على الطريق المستقيم، ولكنه خلق لكم عقولا تدرك، وإرادة توجه. وترككم لاختياركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 10 - هو الذى أنزل من جهة السماء ماء لكم منه شراب، وبعضه ينبت منه الشجر، وفى هذا الشجر ترسلون أنعامكم لتأكل منه، وتمدكم باللبن واللحوم، والأصواف والأوبار والأشعار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 11 - ينبت لكم بالماء الذى ينزل من السماء الزرع الذى نخرج منه الحبوب والزيتون والنخيل والأعناب، وغيرها من كل أنواع الثمرات التى تأكلونها غير ما ذكر، إن فى إيجاد هذه الأشياء لعلامة هادية لقوم ينتفعون بعقولهم ويفكرون فى القدرة التى أوجدتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 12 - وسخر لكم الليل إذ جعله مهيئا لراحتكم، والنهار إذ جعله مناسبا لسعيكم وحركتكم وأعمالكم، والشمس إذ تمدكم بالدفء والضوء، والقمر لتعرفوا به عدد السنين والحساب، والنجوم مسخرات بأمر اللَّه تهتدوا بها فى الظلمات، إن فى ذلك لعلامات وأدلة لقوم ينتفعون بما وهبهم اللَّه من عقل يدرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 13 - وبجوار ما خلقه لكم فى السماء وهيأه لمنافعكم، خلق لكم على سطح الأرض كثيرا من أنواع الحيوان والنبات والجماد، وجعل فى جوفها كثيرا من المعادن المختلفة الألوان والأشكال والخواص، وجعل كل ذلك لمنافعكم. إن فى ذلك كله لأدلة واضحة كثيرة لقوم يتدبرون فيها فيتعظون، ويعرفون من خلالها قدرة خالقهم ورحمته بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 14 - وهو الذى ذلل البحر وجعله فى خدمتكم لتصطادوا ولتأكلوا منه لحم الأسماك طريا طازجا، وتستخرجوا منه ما تتحلون به كالمرجان واللؤلؤ. وترى - أيها الناظر المتأمل - السفن تجرى فيه شاقة مياهه تحمل الأمتعة والأقوات. سخره اللَّه لذلك لتنتفعوا بما فيه وتطلبوا من فضل اللَّه الرزق عن طريق التجارة وغيرها. ولتشكروه على ما هيَّأه لكم، وذلك لخدمتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 15 - وجعل اللَّه فى الأرض جبالا ثابتة تحفظها أن تضطرب، وجعل فيها أنهارا تجرى فيها المياه الصالحة للشرب والزرع، وطرقا ممهدة لتهتدوا بها فى السير إلى مقاصدكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 16 - وجعل علامات ترشد الناس فى أثناء سيرهم فى الأرض، وهم فى ذلك يسترشدون فى أثناء سيرهم بالنجوم التى أودعها السماء إذا عميت عليهم السبل والتبست معالم الطرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 17 - هل يستوى فى نظر العقل السليم التسوية بين القادر والعاجز فيجعل من يخلق هذه الأشياء كمن لا يستطيع خلق أى شئ؟ أتعمون - أيها المشركون - عن آثار قدرة اللَّه. فلا تعتبروا وتشكروا عليها اللَّه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 18 - وإن تحاولوا عد أنعم اللَّه عليكم فلن يمكنكم إحصاؤها، إن اللَّه كثير المغفرة واسع الرحمة، فتوبوا إليه وأخلصوا العبادة له، يغفر لكم ويرحمكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 19 - واللَّه يدرك بعلمه الشامل ما تخفون وما تظهرون، لا يخفى عليه شئ من سركم وجهركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 20 - هذا الخالق المنعم العالم بكل شئ، هو - وحده - المستحق للعبادة، أما الأصنام التى تعبدونها، فهى عاجزة لا تستطيع أن تخلق شيئا، ولو كان ذبابا. . بل هى نفسها مخلوقة ربما صنعتموها بأيديكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 21 - وهى جمادات ميتة لا حس لها ولا حركة، ولا تدرى متى تكون القيامة والبعث لعابديها، فلا يليق بكم - أيها العقلاء - بعد هذا أن تظنوا أنها تنفعكم فتشركوها مع اللَّه فى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 22 - وقد وضح بكل هذه الدلائل أن إلهكم الذى يجب أن تعبدوه وحده إله واحد لا شريك له، ومع ذلك فالذين لا يؤمنون بالبعث والحساب قلوبهم منكرة لوحدانيته، منعهم الاستكبار عن اتباع الحق والخضوع له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 23 - لا شك أن اللَّه يعلم ما يسرون وما يعلنون من عقائد وأقوال وأفعال، وسيحاسبهم على كل ذلك ويعاقبهم على استكبارهم، لأنه - سبحانه - لا يحب المستكبرين عن سماع الحق والخضوع له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 24 - وإذا سئل هؤلاء الكفار المستكبرون: أى شئ أنزله ربكم على محمد؟ قالوا فى عناد: هذا الذى يزعم أن اللَّه أنزله عليه ما هو إلا أباطيل وخرافات سطرها السابقون فنقلها وصار يرددها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 25 - قالوا ذلك، ليصدوا الناس عن اتباع رسول اللَّه، لتكون عاقبة أمرهم أنهم يعذبون يوم القيامة عذاب ضلالهم كاملا، وعذاب بعض الناس الذين خدعوهم وغرورا بهم حتى ضلوا دون علم أو بحث. تنبه - أيها السامع - لقبح ما ارتكب هؤلاء من ذنوب ما أشد عقابهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 26 - وقد سبق هؤلاء الكافرين المتكبرين أمثال لهم، دبَّروا المكائد لأنبيائهم، واحتالوا فى إضلال الناس فأبطل اللَّه كيدهم، ودمر بلادهم ونزل بهم عذاب النار فى الدنيا من حيث لا يتوقعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 27 - ثم فى الآخرة حيث يبعث الناس ويحاسبون على أعمالهم، ويوقفهم اللَّه موقف الخزى والعار، حين يفضحهم ويظهر ما كانت تخفيه صدورهم، ويقول لهم: أين هؤلاء الذين اتخذتموهم شركاء لى فى العبادة؟ وكنتم تحاربوننى ورسلى فى سبيلهم. أين هم حتى يمدوا لكم العون كما كنتم تزعمون، فلا يستطيعون جوابا، وحينئذ يقول الذين يعلمون الحق من الأنبياء والمؤمنين والملائكة: إن الخزى اليوم والعذاب المسئ واقعان على الجاحدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 28 - الخزى على الكافرين الذين استمروا على كفرهم حتى قبضت الملائكة أرواحهم، وهم ظالمون لأنفسهم بالشرك وبارتكاب السوء، واستسلموا بعد طوال العناد إذ علموا حقيقة جرمهم، وقالوا كذبا من شدة دهشتهم: ما كنا فى الدنيا نعمل شيئا من المعاصى، فتقول لهم الملائكة والأنبياء: كلا، إنكم كاذبون، وقد ارتكبتم أفظع المعاصى. واللَّه - سبحانه - محيط بكل صغيرة وكبيرة مما كنتم تعملونه فى دنياكم، فلا يفيدكم إنكاركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 29 - ويقال لهم بعد ذلك: مآلكم دخول النار والعذاب فيها عذابا مؤبدا لا ينقطع، وقبحت جهنم دارا ومقاما لكل متكبر على الانقياد إلى الحق والإيمان باللَّه ورسله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 30 - وقيل للذين آمنوا باللَّه وابتعدوا عما يغضبه من قول أو فعل أو عقيدة: ما الذى أنزله ربكم على رسوله؟ قالوا: أنزل عليه القرآن، فيه خير الدنيا والآخرة للناس جميعا، فكانوا بذلك من المحسنين. واللَّه - سبحانه - يكافئ المحسنين بحياة طيبة فى هذه الحياة الدنيا، ويكافئهم فى الآخرة بما هو خير وأحسن مما نالوه فى الدنيا. ولنعم الدار التى يقيم فيها المتقون فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 31 - وهى جنات ثابتة للإقامة، تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، لهم فيها ما يشاءون من النعيم، ومثل هذا الجزاء الحسن، يجزى اللَّه كل المتقين الذين آمنوا به، واتقوا ما يغضبه، وأحسنوا عملهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 32 - وهم الذين تقبض أرواحهم الملائكة، وهم طاهرون من دنس الشرك والمعاصى، وتقول الملائكة تطمينا لهم: أمان من اللَّه لكم، فلا يصيبكم بعد اليوم مكروه، وأبشروا بالجنة تدخلونها بسبب ما قدمتم من أعمال صالحة فى دنياكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 33 - هؤلاء هم المتقون الذين استعدوا لآخرتهم، وذلك جزاؤهم. أما المشركون، فإنهم بعنادهم وبقائهم على شركهم، لا ينتظرون إلا الملائكة تقبض أرواحهم، وهم ظالمون لأنفسهم بالشرك وعمل الشر، ويأتيهم عذاب ربك بإهلاكهم جميعاً. ومثل ما فعل هؤلاء الكفار المعاندون، فعل الذين سبقوهم فى ذلك مع أنبيائهم فعاقبهم الله على فعلهم، ولم يكن ظالماً لهم حين عاقبهم، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم حين عرضوها لعذاب الله بكفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 34 - فأصابهم جزاء ما عملوا من سيئات، وأحاط بهم العذاب الذى كانوا ينكرونه ويستهزئون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 35 - وقال الذين أشركوا عناداً ومغالطة: لو شاء الله أن نعبده - وحده - ونطيعه فيما يأمر به لما عبدنا غيره، ولما حرَّمنا من عندنا ما لم يحرمه، كالبحيرة والسائبة وهى حجة باطلة يستندون عليها فى كفرهم. وقد احتج بها من سبقوهم من الكفار، بعد ما أرسلنا إليهم رسلنا، فأمروهم بالتوحيد وطاعة الله، ونهوهم عن الشرك وعن تحريم ما حَرَّمه الله، فقامت عليهم الحُجة، وأدى رسلنا ما أمرناهم بتبليغه، وعلينا نحن حسابهم، وليس على الرسل شئ بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 36 - ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا ليقول لهم: اعبدوا الله - وحده - واجتنبوا كل طاغية مفسد، فبلغهم وأرشدهم، ففريق استمع إلى الإرشاد وتقبله، فهداه الله بحسن استعداده إلى الطريق المستقيم، وفريق أعرض عن سماع الحق فانحرف عن سواء السبيل، فأنزل الله به العذاب. وإذا كنتم فى شك من هذا - يا مشركى مكة - فسيروا فى الأرض، قريباً منكم، فانظروا وتأملوا كيف حل بالمكذبين - من عاد وثمود وقوم لوط - عذاب الله، وكيف كانت عاقبة أمرهم خسراناً وهلاكاً؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 37 - إن تكن حريصاً - أيها النبى - على هداية المشركين من قومك، باذلاً معهم أقصى ما فى جهدك، فلا تهلك نفسك حزناً إذا لم يتحقق ما تريد، فقد تحكمت فيهم الشهوات، والله لا يجبر على الهداية من اختاروا الضلال وتمسكوا به، لأنه يتركهم لما اختاروا لأنفسهم، وسيلقون جزاءهم عذاباً عظيماً، ولا يجدون لهم يوم القيامة من ينصرهم ويحميهم من عذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 38 - وقد أضاف المشركون إلى شركهم بالله إنكارهم ليوم القيامة، فأقسموا بالله غاية طاقتهم فى القسم، وأكدوا أن الله لا يبعث من يموت وهم كاذبون فى قَسَمِهِمْ، وسيبعثهم الله جميعاً، لأنه أخذ العهد على نفسه بذلك، ولن يخلف الله عهده، ولكن أكثر الناس من الكفار لا يعلمون حكمة الله فى خلْق هذا العالم وأنه لم يخلقه عبثاً، ولا عن حسابه فى الآخرة ومجازاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 39 - وأن من عدل الله فى خلقه أن يبعثهم جميعاً بعد موتهم، فيظهر لهم حقائق الأمور التى اختلفوا فيها، ليعلم المؤمنون أنهم على حق، ويعلم الكافرون أنهم كانوا مخطئين فى اتخاذهم شركاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 40 - وليس بعث الناس يوم القيامة بعسير علينا حتى يستبعده هؤلاء الكفار، لأننا إذا أردنا شيئاً لا يحتاج إيجاده إلا أن نقول له: كن. فيكون كما نريد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 41 - والمؤمنون الذين هاجروا من ديارهم لوجه الله تعالى، وإخلاصاً لعقيدتهم، من بعد ما وقع عليهم الظلم والعذاب من المشركين، لنُعوّضهم فى الدنيا على إخلاصهم واحتمالهم للعذاب، حياة طيبة حسنة لا تأتى إلا بالجهاد، وسيكون أجرهم يوم القيامة أكبر، ونعيمهم فى الجنة أعظم، لو كان المخالفون لهم يعلمون ذلك لما ظلموهم وظلموا أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 42 - وهؤلاء المهاجرون هم الذين صبروا على ما تحملوه من عذاب فى سبيل عقيدتهم، وفوضوا أمرهم إلى الله - وحده - غير مبالين بما سواه، ومن أجل هذا أحسنا لهم الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 43 - وما أرسلنا إلى الأمم السابقة قبل إرسالك إلى أمتك - أيها النبى - إلا رجالاً نوحى إليهم بما نريد تبليغه لهم، ولم نرسل ملائكة كما يريد كفار قومك، فاسألوا - أيها الكافرون - أهل العلم بالكتب السماوية، إن كنتم لا تعلمون ذلك، فستعرفون أن رسل الله جميعاً ما كانوا إلا رجالاً لا ملائكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 44 - وقد أيدنا هؤلاء الرسل بالمعجزات والدلائل البينة لصدقهم، وأنزلنا عليهم الكتب تبين لهم شرعهم الذى فيه مصلحتهم، وأنزلنا إليك - أيها النبى - القرآن لتبين للناس ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام، وتدعوهم إلى التَّدبر فيه، رجاء أن يتدبروا فيتعظوا ويستقيم أمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 45 - فكيف يصح بعد كل هذا أن يتمادى المشركون فى عنادهم، ويدبروا المكائد للرسول؟ هل أغراهم حلم الله بهم فاعتقدوا أنهم فى مأمن من عذاب الله، فلا يخسف بهم الأرض كما فعل بقارون؟ أو يأتيهم العذاب فجأة بصاعقة كما فعل بثمود وهم لا يدرون أين نزل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 46 - أو يهلكهم فى أثناء تنقلهم فى الأرض للتجارة بعيدين عن مساكنهم فلا يستطيعون الإفلات من عقاب الله، لأنه لا يعجزه شئ يريده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 47 - أو ينزل بهم العذاب فى أنفسهم وأموالهم رويداً رويدا، وهم فى كل لحظة فى عذاب من الخوف منه والترقب لوقوعه، فلا تتمادوا - أيها المشركون - وتغتروا بتأخير عقوبتكم، فقد اقتضت رأفة الله الشاملة ورحمته الواسعة ألا يعاجلكم بالعقوبة فى الدنيا، كى تتفكروا وتتدبروا لأنه - سبحانه - رؤوف رحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 48 - أغفل هؤلاء الكفار عن آيات الله حولهم، ولم ينظروا ويتدبروا فيما خلقه الله من الأشياء القائمة، تنتقل ظلالها وتمتد تارة يميناً وتارة شمالاً، تابعة فى ذلك لحركة الشمس نهاراً والقمر ليلاً، وكل ذلك خاضع لأمر الله، منقاد لأحكام تدبيره. لو تدبر المشركون هذا لعلموا أن خالقه ومدبره هو - وحده - المستحق للعبادة والخضوع، القادر على إهلاكهم لو أراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 49 - ولله - وحده - لا لغيره - يخضع وينقاد جميع ما خلقه فى السموات وما دب على الأرض ومشى على ظهرها من مخلوقات، وفى مقدمتهم الملائكة يخضعون له ولا يستكبرون عن طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 50 - وحالهم أنهم دائماً على خوف من ربهم القادر القاهر، ويفعلون ما يأمرهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 51 - وقال الله: لا تعبدوا اثنين، وتجعلوهما إلهين، لأن الإشراك فى العبادة تنافى وحدانية الخلق والتّكون، إنما المعبود بحق إله واحد، فخافونى ولا تخافوا غيرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 52 - وله - وحده - ما فى السموات والأرض خلقاً، وملكاً، وعبيداً، فحقه - دون غيره - أن يُعبد ويُحمد، ويُخضع له، وتُرْجى رحمته، ويخاف عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 53 - وأى شئ جاءكم من النعم فهو من الله - وحده - ثم إذا لحقكم ما يضركم فلا تتضرعوا بأعلى أصواتكم إلا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 54 - ثم إذا استجاب لدعائكم ورفع ذلك الضر عنكم، نسى بعضكم حق الله عليه من التوحيد وإخلاص العبادة له، فيشركون بخالقهم ومربيهم ويعبدون معه غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 55 - ذلك يحدث منهم لتكون عاقبة أمرهم إنكار فضلنا على ما أعطيناهم، فتمتعوا - أيها الكافرون - بما لا تؤدون حق شكره، فسوف تعلمون عاقبة الكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 56 - ويجعل المشركون لأوثانهم التى يسمونها بغير علم آلهة نصيبا يتقربون بها إليها، من الرزق الذى أعطيناهم إياه من الحرث والأنعام وغيرهما، لأسألكم وعزتى - أيها المشركون - عما كنتم تختلقونه من الكذب وتفترونه من الباطل، وأجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 57 - ويجعلون لله ما يكرهون، فيزعمون أن الملائكة بنات، ويعبدونها، تنزه الله عن ذلك، ويجعلون لأنفسهم ما يحبون، وهم الذكور من الأولاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 58 - وهم إذا خُبِّر أحدهم بأنه ولدت له أنثى، صار وجهه مسودا من الحزن وهو مملوء غيظاً يكظمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 59 - يحاول الاختفاء عن أعين الناس، لئلا يروا كآبته من الألم الذى أصابه من وجود المولود الذى أخبروه به، وتستولى عليه حيرة. أيبقيه حياً مع ما يلحقه من الهوان على ذلك فى زعمه؟! أم يدفنه فى التراب وهو حى حتى يموت تحته؟ تنبه - أيها السامع - لفظاعة عمل هؤلاء. وقبح حكمهم الذى ينسبون فيه لله ما يكرهون أن ينسب إلى أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 60 - الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب الحال التى تسوء، وهى الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث، ولله الصفة العليا، وهو الغنى عن كل شئ، فلا يحتاج إلى الولد، وهو الغالب القوى الذى لا يحتاج إلى معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 61 - ولو يعجل الله عقاب الناس بما ارتكبوا من ظلم، ما ترك على ظهر الأرض دابة، ولكنه بحلمه وحكمته يؤخر الظالمين إلى وقت عيَّنه، وهو وقت انتهاء آجالهم، فإذا جاء هذا الوقت لا يتأخرون عنه لحظة كما لا يتقدمون عليه لحظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 62 - وينسب المشركون إلى الله ما يكرهون أن ينسب إليهم من البنات والشركة، وتنطق ألسنتهم الكذب، إذ يزعمون مع ذلك أن لهم فى الدنيا الغنى والسلطان الذى يقيهم العذاب، وأن لهم الجنة كذلك. والحق أن لهم النار، وأنهم مسوقون إليها قبل غيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 63 - تأكد - أيها النبى - أننا أرسلنا رسلا إلى أمم من قبل بمثل ما أرسلناك به إلى الناس جميعاً، فحسَّن لهم الشيطان الكفر والشرك والمعاصى فكذبوا رسلهم، وعصوهم، وصدقوا الشيطان وأطاعوه، فهو متولى أمورهم فى الدنيا يزين لهم ما يضرهم، ولهم فى الآخرة عذاب شديد الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 64 - وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين به للناس الحق فيما كان موضع خلافهم من الدين، وليكون هداية تامة، ورحمة عامة لقوم يؤمنون بالله وبالكتاب الذى أنزله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 65 - والله أنزل من السماء ماء يحمله السحاب، فجعل الأرض منبتة فيها حياة، بعد أن كانت قاحلة لا حياة فيها. إن فى ذلك لدليلاً واضحاً على وجود مدبر حكيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 66 - وإن لكم - أيها الناس - فى الإبل والبقر والغنم لموعظة تعتبرون بها، وتنتقلون بتدبر عطائها إلى العلم بالصانع المبدع الحكيم، ونسقيكم من بعض ما فى بطونها من بين فضلات الطعام والدم لبناً صافياً سهل التناول للشاربين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 67 - ومن ثمرات النخيل والأعناب التى أنعمنا بها عليكم ومكناكم منها تتخذون عصيراً مسكراً غير حسن، وطعاماً طيباً حسناً، إن فى ذلك لعلامة دالة على القدرة والرحمة لقوم ينتفعون بعقولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 68 - وألهم ربك - أيها النبى - النحل أسباب حياتها، ووسائل معيشتها، بأن تتخذ من الجبال بيوتاً فى كهوفها، ومن فجوات الشجر، ومن عرائش المنازل والكروم بيوتاً كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 69 - ثم هداها - سبحانه - للأكل من كل ثمرات الشجر والنبات، وسهَّل لها أن تسلك لذلك طرقاً هيأها لها ربها مذللة سهلة، فيخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن فى ذلك الصنع العجيب لأدلة قوية على وجود صانع قادر حكيم، ينتفع بها قوم يستعملون عقولهم بالتأمل فيفوزون بالسعادة الدائمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 70 - والله خلقكم، وقدر لكم آجالا مختلفة، منكم من يتوفاه مبكراً، ومنكم من يبلغ أرذل العمر، فيرجع بذلك إلى حال الضعف، إذ تأخذ حيويته فى الضعف التدريجى، فيقل نشاط الخلايا وتهن العظام والعضلات والأعصاب فتكون عاقبته أن يفقد كل ما عليه. إن الله عليم بأسرار خلقه، قادر على تنفيذ ما يريده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 71 - والله فضَّل بعضكم على بعض فى الرزق. فجعل رزق السيد المالك أفضل من رزق مملوكه، فما الذين كثر رزقهم من السادة بمعطين نصف رزقهم لعبيدهم المملوكين لهم، حتى يصيروا مشاركين لهم فى الرزق على حد المساواة، وإذا كان هؤلاء الكفار لا يرضون أن يشاركهم عبيدهم فى الرزق الذى جاء من عند الله، مع أنهم بشر مثلهم، فكيف يرضون أن يشركوا مع الله بعض مخلوقاته فيما لا يليق إلا به تعالى، وهو استحقاق العبادة؟ فهل تستمر بعد كل هذا بصائر هؤلاء المشركين مطموسة، فيجحدوا نعمة الله عليهم بإشراكهم معه غيره؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 72 - والله جعل لكم من جنس أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل لكم من أزواجكم بنين وأبناء بنين، ورزقكم ما أباحه لكم مما تطيب به نفوسكم. أبعد ذلك يشرك به بعض الناس؟ فيؤمنون بالباطل، ويجحدون نعمة الله المشاهدة، وهى التى تستحق منهم الشكر، وإخلاص العبادة لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 73 - ويعبدون غير الله من الأوثان وهى لا تملك أن ترزقهم رزقا - أَىَّ رزقٍ - ولو قليلا سواء كان هذا الرزق آتيا من جهة السماء كالماء، أم خارجاً من الأرض كثمر الأشجار والنبات، ولا تستطيع هذه الآلهة أن تفعل شيئاً من ذلك ولا أقل منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 74 - وحيث ثبت لكم عدم نفع غير الله لكم، فلا تذكروا لله تعالى أشباهاً، وتبرروا عبادتها بأقيسة فاسدة، وتشبيهات غير صحيحة تعبدونها معه. إن الله يعلم فساد ما تعملون، وسيجازيكم عليه، وأنتم فى غفلة لا تعلمون سوء مصيركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 75 - جعل الله مثلا يوضح فساد ما عليه المشركون، بعبد مملوك لا يقدر على فعل شئ، وبحرّ رزقه الله رزقاً طيباً حلالا، فهو يتصرف فيه، وينفق منه فى السر والجهر. هل يستوى العبيد الذين لا يقدرون على شئ، والأحرار الذين يملكون ويتصرفون فيما يملكون؟ إن الله ملك كل شئ، فهو يتصرف فى ملكوته كما يريد، وغيره لا يملك أىَّ شئ فلا يستحق أن يُعبد ويُحمد، الثناء كله حق لله وحده، والتنزيه له وحده، وله العلو وحده، لأن كل خير صدر عنه، وكل جميل مرده إليه، ولا يفعل هؤلاء ما يفعلون عن علم، وإنما يفعلون ما يفعلون تقليداً لرؤسائهم، بل أكثرهم لا يعلمون، فيضيفون نعمه إلى غيره، ويعبدونه من دونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 76 - وجعل الله مثلا آخر هو رجلان: أحدهما أخرس أصم لا يُفْهم غيره: كَلٌّ على من يلى أمره، إذا وجهه سيده إلى جهة ما لا يرجع بفائدة. هل يستوى هذا الرجل مع رجل فصيح قوى السمع. يأمر بالحق والعدل، وهو فى نفسه على طريق قويم لا عوج فيه؟ إن ذلك الأخرس الذى لا يسمع ولا يتكلم ولا يَفْهم ولا يُفهم، هو مثل الأصنام التى عبدوها من دون الله، فإنها لا تسمع ولا تنطق ولا تنفع، فلا يمكن أن تستوى مع السميع العليم الداعى إلى الخير والحق، وإلى الطريق المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 77 - ولله - وحده - علم ما غاب عن العباد فى السموات والأرض، وما أمر مجئ يوم القيامة، وبعث الناس فيه، عند الله فى السرعة والسهولة، إلا كرد طرف العين بعد فتحها. بل هو أقرب سرعة من ذلك. إن الله عظيم القدرة لا يعجزه أى شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 78 - والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تدركون شيئاً مما يحيط بكم، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، وسائل للعلم والإدراك، لتؤمنوا به عن طريق العلم، وتشكروه على ما تفضل به عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 79 - ألم ينظر المشركون إلى الطير مذللات للطيران فى الهواء إلى السماء بما زودها الله به من أجنحة أوسع من جسمها تبسطها وتقبضها، وسخر الهواء لها، فما يمسكهن فى الجو إلا الله بالنظام الذى خلقها عليه؟ إن فى النظر إليها والاعتبار بحكمة الله فى خلقها، لدلالة عظيمة ينتفع بها المستعدون للإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 80 - والله سبحانه وتعالى هو الذى جعلكم قادرين على إنشاء بيوت لكم تتخذون منها مساكن، وجعل لكم من جلود الإبل والبقر والغنم وغيرها أخبية تسكنون فيها وتنقلونها فى حلكم وترحالكم، وجعلكم تتخذون من صوفها وشعرها ووبرها فرشاً تتمتعون بها فى هذه الدنيا إلى حين آجالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 81 - والله جعل لكم من الأشجار التى خلقها وغيرها ظلالا تقيكم شر الحر، وجعل لكم من الجبال كهوفاً ومغارات تسكنون فيها كالبيوت، وجعل لكم ثياباً من الصوف والقطن والكتان وغيرها تصونكم من حرارة الشمس، ودروعاً من الحديد تصونكم من قسوة حروب أعدائكم، كما جعل لكم هذه الأشياء، يتم عليكم نعمته بالدين القيم، لتنقادوا لأمره وتخلصوا عبادتكم له دون غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 82 - فإن أعرض عنك - أيها النبى - الذين تدعوهم إلى الإسلام، فلا تبعة عليك فى إعراضهم، فليس عليك إلا التبليغ الواضح، وقد فعلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 83 - إن إعراض هؤلاء الكفار ليس لأنهم يجهلون أن الله - سبحانه - هو مصدر كل النعم عليهم، ولكنهم يعملون عمل من ينكرها حيث لم يشكروه عليها، وأكثرهم جمد على تقليد الآباء فى الكفر بالله، حتى كان أكثرهم هم الجاحدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 84 - وحذر - أيها النبى - كل كافر بربه مما سيحصل، يوم نبعث من كل أمة نبيا ليشهد لها أو عليها بما قابلت به رسول ربها، وإذا أراد الكافر منهم أن يعتذر لا يؤذن له فى الاعتذار، ولا يوجد لهم شفيع يمهد لشفاعته، بأن يطلب منهم الرجوع عن سبب غضب الله عليهم، لأن الآخرة ليست دار توبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 85 - وإذا رأى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر عذاب جهنم، وطلبوا أن يخففه اللَّه عنهم، لا يُجاب لهم طلب، ولا يؤخرون عن دخول جهنم لحظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 86 - وإذا رأى الذين أشركوا آلهتهم التى عبدوها وزعموا أنها شركاء للَّه قالوا: يا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم مخطئين، فخفف عنا العذاب بإلقاء بعضه عليهم، فيجيبهم شركاؤهم قائلين: إنكم - أيها المشركون - لكاذبون فى دعواكم أننا شركاء، وأنكم عبدتمونا، إنما عبدتم أهواءكم ولسنا كما زعمتم شركاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 87 - حينئذٍ استسلم المشركون للَّه، وخضعوا لقضائه، وغاب عنهم ما كانوا يختلقونه من أن معبوداتهم تشفع لهم، وتدفع العذاب عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 88 - الذين كفروا ومنعوا غيرهم عن طريق اللَّه، وهو طريق الخير والحق، زدناهم عذابا فوق العذاب الذى استحقوه بالكفر، بسبب ما كانوا يتعمدونه من الإفساد وإضلال العباد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 89 - وحذر - أيها النبى - كفار قومك مما سيحصل يوم نُحضر من كل أمة شهيداً عليها، هو نبيها الذى يكون بين أبنائها، ليكون ذلك أقطع لعذرها، ونجئ بك - أيها النبى - شهيداً على هؤلاء الذين كذبوك، وعليهم أن يعتبروا من الآن، قد نزلنا القرآن فيه بيان كل شئ من الحق، وفيه الهداية، وفيه الرحمة والبشرى بالنعيم، للذين يذعنون له ويؤمنون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 90 - إن اللَّه يأمر عباده بأن يعدلوا فى أقوالهم وأفعالهم، ويقصدوا إلى الأحسن من كل الأمور، فيفضلوه على غيره، كما يأمر بإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه لدعم روابط المحبة بين الأسر، وينهى عن فعل كل خطيئة، خصوصاً الذنوب المفرطة فى القبح، وكل ما تنكره الشرائع والعقول السليمة، كما ينهى عن الاعتداء على الغير، واللَّه - سبحانه - بهذا يذكركم ويوجهكم إلى الصالح من أموركم، لعلكم تتذكرون فضله فى حسن توجيهكم، فتمتثلوا كلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 91 - وأوفوا بالعهود التى تقطعونها على أنفسكم، مشهدين اللَّه على الوفاء بها، ما دام الوفاء متسقا مع ما شرعه اللَّه، ولا تنقضوا الأيمان بالحِنث فيها، بعد تأكيدها بذكر اللَّه، وبالعزم وبالتصميم عليها وقد راعيتم فى عهودكم وحلفكم أن اللَّه يكفل وفاءكم، وأن اللَّه رقيب ومطلع عليكم، فكونوا عند عهودكم وأيمانكم، لأن اللَّه - سبحانه - يعلم ما يكون منكم من وفاء وخُلف وبرّ وحِنث، فيجازيكم على ما تفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 92 - ولا تكونوا فى الحنث فى أيمانكم بعد توكيدها مثل المرأة المجنونة التى تغزل الصوف وتحكم غزله، ثم تعود فتنقضه وتتركه محلولاً، متخذين أيمانكم وسيلة للتغرير والخداع لغيركم، مع أنكم مصرون على الغدر بهم، لأنكم أكثر وأقوى منهم، أو تنوون الانضمام لأعدائهم الأقوى منهم، أو لترجون زيادة القوة بالغدر، وإنما يختبركم اللَّه فإن آثرتم الوفاء كان لكم الغنم فى الدنيا والآخرة، وإن اتجهتم إلى الغدر كان الخسران. وليبين لكم يوم القيامة حقيقة ما كنتم عليه تختلفون عليه فى الدنيا، ويجازيكم حسب أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 93 - ولو شاء اللَّه لجعلكم أمة واحدة فى الجنس واللون والإيمان ليس بينها تخالف، وذلك بخلقكم خلقا آخر. كالملائكة لا اختيار لها، ولكن شاء اللَّه أن تختلفوا فى الأجناس والألوان، وأن يجعل لكم اختيارا، فمن اختار شهوات الدنيا وآثرها على رضا اللَّه تركه وما يريد، ومن أراد رضا اللَّه بالعمل الصالح سهّل له ما أراد. وتأكدوا بعد ذلك أنكم ستسألون جميعا يوم القيامة عما كنتم تعملون فى الدنيا، وتجازون حسب أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 94 - ولا تسلكوا سبيل الغدر، فتتخذوا الأيمان سبيلاً للتغرير والخديعة، فإنه بسبب ذلك تزل الأقدام فتبتعدوا عن المحجة المستقيمة، ويكون فى ذلك إعراض عن سبيل اللَّه فى الوفاء، وتكونون قدوة سيئة فى الغدر، ويرى الناس فيكم صورة مشوهة للإسلام، فيعرضون عنه، وينزل السوء بكم فى الدنيا لعدم الثقة فيكم بسبب صدّكم عن طريق الحق وينزل بكم عذاب مؤلم شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 95 - ولا تستبدلوا بالوفاء بالعهود المؤكدة متاع الدنيا، فهو قليل مهما كان كثيرا، لأن ما عند اللَّه من جزاء المحافظين على العهد فى الدنيا، ومن نعيم الآخرة الدائم، خير لكم من كل ما يغريكم بنقض العهود، فتدبروا ذلك وافهموه إن كنتم من أهل العلم والتمييز بين الصالح وغير الصالح، ولا تفعلوا إلا ما فيه صلاح لكم فى دنياكم وأخراكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 96 - فإن ما عندكم - أيها الناس - من نعيم ينفد وينتهى مهما طال زمنه، وما عند اللَّه من نعيم الآخرة خالد لا ينقطع، ولنكافئن الذين صبروا على مشاق التكاليف بما وعدناهم به، من حسن الثواب المضاعف على أعمالهم، ينعمون به نعيما دائما فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 97 - أن من عمل عملاً صالحا فى هذه الدنيا، سواء كان ذكراً أو أنثى مندفعا إلى هذا العمل الصالح بقوة الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، فإننا لا بد أن نحييه فى هذه الحياة الدنيا حياة طيبة لا تنغيص فيها، تغمرها القناعة والرضا والصبر على مصائب الدنيا، والشكر على نعم اللَّه فيها، وفى الآخرة لا بد أن نجزى هذا الفريق من الناس حسن الثواب المضاعف على أعمالهم فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 98 - وإن الذى يحمى النفس من نزعات الهوى هو القرآن، فإذا تدبرت هذا - أيها المؤمن - وأردت أن تحيا بعيداً عن تلاعب الشيطان، وتفوز بطيب الحياة فى الدارين، فإنى أرشدك إلى أمر يعينك على هذا، وهو قراءة القرآن، وإذا أردت قراءة القرآن فاستفتح قراءته بالدعاء الخالص إلى اللَّه أن يمنع عنك وساوس الشيطان المطرود من رحمة اللَّه، أخذ العهد على نفسه أن يغوى الناس ويوقعهم فى عصيان اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 99 - فإنك إن فعلت هذا مخلصا للَّه، حماك اللَّه منه، وَبعُدَت عنك وساوسه، إنه ليس له تأثير على الذين عمرت قلوبهم بالإيمان باللَّه، واستمداد العون منه - وحده - والاعتماد عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 100 - إنما تأثيره وخطره على الذين خلت قلوبهم من التعلق باللَّه وحبه فلم يكن لهم عاصم من تأثيره، فانقادوا له كما ينقاد الصديق لصديقه، حتى أوقعتهم فى أن يُشركوا باللَّه فى العبادة آلهة لا تضر ولا تنفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 101 - وإذا جعلنا معجزة لك بدل معجزة مساوية لنبى سابق، فجئناك بالقرآن معجزة، رموك بالافتراء والكذب على اللَّه، واللَّه - وحده - هو العليم علما ليس فوقه علم بما ينزل على الأنبياء من معجزات، ولكن أكثرهم ليسوا من أهل العلم والمعرفة الصادقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 102 - قل لهم مبينا منزلة معجزتك - أيها النبى -: إن القرآن قد نزل علىّ من ربى مع جبريل الروح الطاهر، مقترنا بالحق، مشتملا عليه، ليثبت به قلوب المؤمنين، وليكون هاديا للناس إلى الصواب ومبشرا بالنعيم لكل المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 103 - إننا لنعلم ما يقوله كفار مكة: إنه لا يُعلم محمدا هذا القرآن إلا رجل من البشر نعرفه، هو شاب رومى، وما ينزله عليه ملك من عند اللَّه كما يقول قولهم، وهذا باطل، لأن الشاب الذى يقولونه عنه أنه يعلمك هذا التعليم أعجمى لا يحسن العربية، والقرآن لغة عربية واضحة الفصاحة، إلى حد أنكم عجزتم أيها المكابرون عن محاكاتها، كيف يصح بعد ذلك اتهامكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 104 - إن الذين لا يذعنون لآيات اللَّه التى عجزوا عن محاكاتها، وأصروا مع عجزهم، على كفرهم بها، لا يهديهم اللَّه، ولهم فى الآخرة عذاب شديد بسبب كفرهم وعنادهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 105 - إنما يجرؤ على افتراء الكذب على اللَّه من لا يؤمنون بآيات اللَّه، وأولئك هم - وحدهم - البالغون فى الكذب نهايته، ولست - أيها النبى - من هؤلاء حتى يتهموك بما اتهموك به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 106 - إن الذين ينطقون بالكفر بعد الإيمان عليهم غضب من اللَّه إلا من أكره على النطق بكلمة الكفر وهو عامر القلب بالإيمان، فإنه ناج من غضب اللَّه. أما الذين تنشرح قلوبهم للكفر، وتتجاوب مع قلوبهم ألسنتهم، فأولئك عليهم غضب شديد من اللَّه الذى أعد لهم عذابا عظيما فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 107 - وذلك الذى استحقوه من غضب اللَّه وعذابه إنما كان بسبب حبهم الشديد لنعيم الدنيا ومتاعها الزائل حتى صرفهم هذا الحب عن الحق، وأعماهم عن الخير، فتركهم اللَّه وما يحبون من الكفر، لأنه قد جرت سنته فى خلقه بترك أمثال هؤلاء، وعدم هدايتهم لفسادهم، وتماديهم فى الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 108 - هؤلاء هم الذين طبع اللَّه على قلوبهم، فصارت لا تقبل الحق، وعلى أسماعهم فلم يعودوا يسمعون سماع فهم وتدبر، كأنهم صم، وعلى أبصارهم فلا ترى ما فى الكون أمامهم من عبر ودلالات، وأولئك هم الغارقون فى الغفلة عن الحق، فلا خير فيهم إلا إذا أزالوا الغفلة من عقولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 109 - وهؤلاء لا شك أنهم - وحدهم - هم الخاسرون لكل خير فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 110 - ثم اعلم - أيها النبى - أن ربك مُعين وناصر للذين هاجروا من مكة فرارا بدينهم من الضغط، وبأنفسهم من عذاب المشركين، ثم جاهدوا بما يملكون الجهاد به من قول أو فعل، وصبروا على مشاق التكاليف، وعلى ما يلاقونه فى سبيل دينهم، إن ربك من بعد ما تحملوا ذلك لغفور لما حصل منهم إن تابوا، رحيم بهم فلا يؤاخذهم على ما أكرهوا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 111 - اذكر لقومك - أيها النبى - محذراً إياهم يوم، يأتى فيه كل إنسان لا يهمه إلا الدفاع عن نفسه، لا يشغله عنها والد ولا ولد، وهو يوم القيامة، ويوفى اللَّه فيه كل نفس جزاء ما كسبت من أعمال، خيراً كانت أو شراً، ولا يظلم ربك أحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 112 - وجعل اللَّه - سبحانه - لأهل مكة مثلاً يعتبرون به هو قصة قرية من القرى كان أهلها فى أمن من العدو، وطمأنينة من ضيق العيش، يأتيهم رزقهم واسعاً من كل مكان، فجحدوا نعم اللَّه عليهم، ولم يشكروه بطاعته وامتثال أمره، فعاقبهم اللَّه بالمصائب التى أحاطت بهم من كل جانب، وذاقوا مرارة الجوع والخوف بعد الغنى والأمن، وذلك بسبب تماديهم فى الكفر والمعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 113 - ولقد جاءهم رسول منهم فكان يجب عليهم شكر اللَّه على ذلك، ولكنهم كذبوه عناداً وحسداً، فأخذهم العذاب حال تلبسهم بالظلم، وبسبب هذا الظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 114 - إذا كان المشركون يكفرون بنعم الله فيبدلها بؤسا، فاتجهوا - أيها المؤمنون - إلى الشكر، وكلوا مما رزقكم اللَّه، وجعله حلالا طيبا لكم، ولا تحرموه على أنفسكم، واشكروا نعمة اللَّه عليكم بطاعته - وحده - إن كنتم تخصونه حقا بالعبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 115 - فإن اللَّه لم يحرم عليكم إلا أكل الميتة، والدم الذى ينزل من الحيوان عند ذبحه، ولحم الخنزير، وما ذبح لغير اللَّه، فمن ألجأته ضرورة الجوع إلى تناول شئ مما حرَّمه اللَّه عليكم غير طالب له، ولا يتجاوز فى أكله حد إزالة الضرورة، فإن اللَّه لا يؤاخذه على ذلك، لأنه - سبحانه - غفور لعباده يغفر لهم ما يقعون فيه من أخطاء لا يصرون عليها، رحيم بهم حين منعهم مما يضرهم، وأباح لهم ما يحفظ حياتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 116 - وإذا كان اللَّه قد بيَّن حكم الحلال والحرام، فالتزموا ما بيَّن لكم، ولا تجرءوا على التحليل والتحريم انطلاقاً وراء ألسنتكم، فتقولوا: هذا حلال وهذا حرام، فتكون عاقبة قولكم هذا: أنكم تفترون على اللَّه الكذب، وتنسبون إليه ما لم يقله، إن الذين يفترون على اللَّه الكذب لا يفوزون بخير ولا فلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 117 - وإذا كانوا يجرون بذلك وراء شهواتهم ومنافعهم الدنيوية فإن تمتعهم بها قليل زائل، ولهم فى الآخرة عذاب شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 118 - ولم تحرم إلا على اليهود - وحدهم - ما قصصناه عليك - أيها النبى - من قبل نزول هذه الآيات، وهو كل ذى ظفر، وشحوم البقر والغنم، إلا ما حملت ظهورها، أو الحوايا أو ما اختلط بالعظام. وما ظلمناهم بهذا التحريم، ولكنهم الذين ظلموا أنفسهم، لتسببهم فيه بسبب تماديهم وشراهتهم وعدم وقوفهم عند الحلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 119 - ثم إن الذين عملوا السوء تحت تأثير طيش وغفلة عن تدبر العواقب، ثم تابوا من ذلك الذنب، وأصلحوا نفوسهم وأعمالهم، فإن ربك - أيها النبى - يغفر لهم ذنوبهم، لأنه - سبحانه - بعد هذه التوبة كثير التجاوز عن السيئات، واسع الرحمة بالعباد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 120 - إن إبراهيم الذى تفخرون به - أيها المشركون أنتم واليهود - كان جامعا لكل الفضائل، بعيدا عما أنتم عليه من باطل، خاضعاً لأمر ربه ولم يكن مثلكم مشركا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 121 - وكان شاكرا لنعم ربه عليه، ولهذا كله اختاره اللَّه لحمل رسالته، ووفقه لسلوك طريق الحق المستقيم الموصل للنعيم الدائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 122 - وجعلنا له فى الدنيا ذكرا حسنا على كل لسان، وسيكون قطعا فى الآخرة فى زمرة الصالحين المنعَّمين بجنات اللَّه ورضوانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 123 - ثم أوحينا إليك - أيها النبى - بعد إبراهيم بقرون عديدة، وأمرناك باتباع إبراهيم فيما دعا إليه من التوحيد والفضائل والبعد عن الأديان الباطلة، فإنه لم يكن من الذين يشركون مع اللَّه آلهةً أخرى كما يزعم هؤلاء المشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 124 - وليس تعظيم يوم الجمعة، وترك تعظيم يوم السبت فى الإسلام مخالفاً لما كان عليه إبراهيم كما يدعى اليهود، فإن تحريم الصيد يوم السبت احتراماً له لم يكن من شريعة إبراهيم، وإنما فرض على اليهود فقط، ومع ذلك لم يحترموه بل خرج بعضهم على هذا التعظيم، وخالفوا أمر ربهم فكيف يعيبون على غيرهم ممن لم يكلف بتعظيمه عدم تعظيمه، مع أنهم - وهم المكلفون بذلك - خرجوا عليه؟ وتأكد - أيها النبى - أن ربك سيقضى بينهم يوم القيامة فى الأمور التى اختلفوا فيها، ويجازى كلا منهم بعمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 125 - أيها النبى: ادع إلى طريق الحق الذى شرعه ربك مع قومك، واسلك فى دعوتهم الطريق الذى يناسب كل واحد منهم، فادع خواصهم ذوى المدارك العالية بالقول الحكيم المناسب لقولهم، وادع عوامهم بما يناسبهم من إيراد المواعظ، وضرب الأمثال التى توجههم إلى الحق، وترشدهم من أقرب طريق مناسب لهم، وجادل أصحاب الملل السابقة من أهل الكتب بالمنطق والقول اللين، والمجادلة الحسنة التى لا يشوبها عنف ولا سِبَاب حتى تتمكن من إقناعهم واستمالتهم. هذا هو الطريق لدعوة الناس إلى اللَّه على اختلاف ميولهم، فاسلك هذا الطريق معهم، واترك أمرهم بعد ذلك إلى ربك الذى يعلم من غرق فى الضلال منهم وابتعد عن طريق النجاة، من سلم طبعه فاهتدى وآمن بما جئت به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 126 - وإن أردتم عقاب من يعتدى عليكم - أيها المسلمون - فعاقبوه بمثل ما فعل بكم، ولا تتجاوزوا هذا المثل، وتأكدوا لو صبرتم، ولم تقتصوا لأنفسكم، لكان خيرا لكم فى الدنيا والآخرة، فعاقبوا لأجل الحق، ولا تعاقبوا لأجل أنفسكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 127 - واصبر أنت - أيها النبى - فإن ذلك يسهل عليك كثيرا من مشقات الحياة، ويعالج مشاكلها، ولا تحزن على عدم استجابة قومك لدعوتك، وإيمانهم بك، ولا يضق صدرك من مكرهم وتدابيرهم لخنق دعوتك، فإنك لن يضرك شئ من فعلهم، وقد أديت ما عليك واتقيت ربك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 128 - فإن ربك مع الذين اتقوا غضب الله باجتناب نواهيه، وأحسنوا لله أعمالهم بالإقبال على طاعته، يعينهم وينصرهم فى الدنيا ويجزيهم خير الجزاء فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 1 - تنزيهاً لله عما لا يليق به، وهو الذى سار بعبده محمداً فى جزء من الليل من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، الذى بارك الله حوله لسكانه فى أقواتهم، لِنُريَه من أدلتنا ما فيه البرهان الكافى على وحدانيتنا وعظم قدرتنا، إن الله - وحده - هو السميع البصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 2 - وأن بيت المقدس كان يسكنه بنو إسرائيل من بعد موسى، حتى أفسدوا فيه، فشُرِّدُوا منه من قبل، مع أننا أعطينا موسى التوراة، وجعلنا فيها هداية لهم، وقلنا لهم: لا تتخذوا غير الله معبوداً تفوضون إليه أموركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 3 - أنتم - أيها الإسرائيليون - ذرية المخلصين الذين كانوا مع نوح فى الفلك بعد إيمانهم، ونجيناهم من الغرق. اجعلوا نوحاً قدوتكم كما جعله أسلافكم، فإنه كان عبداً كثير الشكر لله على نعمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 4 - وأنفذنا بقضائنا إلى بنى إسرائيل فيما كتبناه فى اللوح المكنون أنهم يُفْسدون فى بيت المقدس لا محالة مرتين، فى كل مرة منهما كان الظلم والطغيان، وترك أحكام التوراة، وقتل النبيين، والتعاون على الإثم. وأنه ليبسط سلطانكم وتعلون مستكبرين ظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 5 - فإذا جاء وقت عقاب أولاهما سلَّطنا عليكم بسبب إفسادكم عباداً لنا أصحاب بطش شديد، فأخذوا يسيرون فى داخل الديار، لم يتركوا جزءا منها ليقتلوكم، وكان وعد العقاب وعداً لا بد أن يكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 6 - ثم لما استقام أمركم، واهتديتم، وجمعتم شملكم، ورجعتم عن الفساد، رددنا لكم الغلبة على الذين بعثوا عليكم، ورزقناكم أموالاً وبنين، وجعلناكم أكثر مما كنتم عددا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 7 - وقلنا لهم: إن أحسنتم فأطعتم الله كان إحسانكم لأنفسكم فى الدنيا والآخرة، وإن أسأتم بالعصيان فإلى أنفسكم تسيئون. فإذا جاء وقت عقاب المرة الآخرة من مَرَّتى إفسادكم فى الأرض، بعثنا عليكم أعداءكم، ليجعلوا آثار المساءة والذلة والكآبة بادية على وجوهكم، وتكون العاقبة أن يدخلوا مسجد بيت المقدس، فيخربوه كما دخلوه وخربوه أول مرة، وليهلكوا ما غلبوا عليه إهلاكاً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 8 - عسى ربكم أن يرحمكم بعد المرة الثانية إن تبتم، وإن عدتم إلى الفساد عدنا إلى العقوبة، وجعلنا جهنم للكافرين سجناً ومحبساً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 9 - إن هذا القرآن يرشد الناس للسبيل التى هى أقوم السبل وأسلمها فى الوصول إلى السعادة الحقيقية فى الدنيا، ويبشر المؤمنين بالله ورسوله الذين يُذعنون للحق ويعملون الأعمال الصالحات بالأجر العظيم يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 10 - وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعددنا لهم فى جهنم عذاباً شديد الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 11 - وأن فى طبع الإنسان تعجلاً فى الحكم على ما يقع من الناس، وفى أقواله وأفعاله، فهو يسارع بالدعوة إلى الشر مسارعته فى الدعوة إلى الخير، ويسارع فى دعاء الله - تعالى - بأن ينزل الشر على من يبادر بالغضب عليه مسارعته بالدعاء له بالخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 12 - وجعلنا الليل والنهار بهيئاتهما وتعاقبهما علامتين دالتين على وحدانيتنا وقدرتنا فأزلنا من الليل الضوء فلا يستبان فيه شئ، وكانت علامته ظلاماً لا تسرى فيه الشمس، تلك العلامة الكبرى، وجعلنا النهار مبصراً، وترى فيه الشمس الآية الكبرى لتتجهوا فى ضوء النهار إلى التصرف فى معاشكم، ولتعلموا باختلاف الليل والنهار عدد السنين وحساب الأشهر والأيام، وكل شئ لكم فيه مصلحة بيَّناه لكم بياناً واضحاً، لتقوم عليكم الحُجة بعد تمام النعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 13 - وألزمنا كل إنسان عمله لزوم القلادة للعنق، ونخرج له يوم القيامة كتاباً فيه أعماله، يلقاه مفتوحاً، ليسرع فى قراءته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 14 - ويقال له: اقرأ بقدرة الله - ولو لم يكن فى الدنيا قارئاً - كتاب أعمالك تكفيك نفسك اليوم حاسبة ومحصية عليك عملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 15 - من اتبع طريق الحق فإنما ينفع نفسه، ومن حاد عنه فإنما إثم ضلاله على نفسه، ولا تتحمل نفس مذنبة فوق ذنبها ذنب نفس أخرى، وما صح لنا أن نعذب أحداً على فعل شئ قبل أن نبعث إليه رسولاً من لدنا يهدى إلى الحق ويردع عن الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 16 - وإذا قدَّرنا فى اللوح المحفوظ إهلاك أهل قرية حسب اقتضاء حكمتنا سلَّطنا المترفين فيها فأفسدوا فيها، وخرجوا عن جادة الحق، وأتبعهم غيرهم من غير أن يتبينوا، وبذلك يحق عليها كلها العقاب، فندمرها تدميراً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 17 - وكثيراً من أهل القرون من بعد نوح أهلكناهم بتمردهم على أنبيائهم، ويكفيك بيان ربك وإعلامه، لأنه العالم بكل شئ علماً دقيقاً كعلم من يبصر، وهو الخبير بذنوب عباده البصير بها، فلا يخفى عليه أفعال أحد من العباد وسيجازيهم بما يستحقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 18 - مَنْ كان يطلب متاع الدنيا العاجلة ويعمل له متخذا الأسباب، ولا يوقن بميعاد، ولا ينتظر جزاء الدار الآخرة، عجَّلنا له فى الدنيا ما نشاء تعجيله من البسط والسعة، وكان هذا لمن نريد التعجيل له، ثم أعددنا له فى الآخرة جهنم يقاسى حرها، وهو مذموم بما قدم، هالك مطرود من رحمة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 19 - ومن أراد بعمله الآخرة، ولها عمل، وهو مصدق بالله وجزائه، فأولئك كان عملهم مقبولاً عند الله ينالون الثواب عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 20 - وإنا نمد كلا الفريقين إذا اتخذوا الأسباب من عطاء ربك فى الدنيا، وما كان عطاء ربك فيها ممنوعاً من أحد، مؤمناً كان أو كافراً، ما داموا قد اتخذوا الأسباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 21 - انظر بعين الاعتبار كيف فضَّلنا بعض عبادنا على بعض فى المال والحياة والسعة، إذا اتخذوا أسباب ذلك فى الدنيا لحكمة نعلمها، وأن تفاوتهم فى الدار الآخرة أكبر درجات من تفاوتهم فى الدنيا، فينبغى الاعتناء بها، فالآخرة هى التى تكون فيها الرفعة الحقيقية والتفاضل الحقيقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 22 - لا تجعل - أيها المكلف - مع الله شريكاً فتصير موصوماً بالإهانة، ويكون الخذلان مكتوباً عليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 23 - وحكم ربك بألا تعبدوا إلا إياه، وبأن تبروا الوالدين براً تاماً، وإذا بلغ الوالدان أو أحدهما عندك - أيها المخاطب - حال الضعف وصارا فى آخر العمر فلا تتأفف لما يصدر منهما بصوت يدل على الضجر، ولا تزجرهما، وقل لهما قولا جميلا ليِّنا فيه إحسان وتكريم لهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 24 - وَأَلِنْ لهما جانبك وتواضع لهما وكن شفيقاً عليهما، وقل فى شأنهما: رب ارحمهما كما رحمانى حين ربيانى صغيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 25 - ربكم - أيها الناس - أعلم منكم بما فى ضمائركم، ويحاسبكم عليه بالثواب أو العقاب، فإن تكونوا قاصدين الصلاح فاعلين له ثم كانت منكم هفوة ثم أنبتم إلى الله فإن الله - سبحانه - يغفر لكم، لأنه دائم المغفرة للراجعين إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 26 - وأعط ذا القربى حقه من البر والصلة، وذا الحاجة المسكين، والمسافر الذى انقطع عن ماله، حقهما من الزكاة والصدقة، ولا تبعثر مالك فى غير المصلحة تبذيراً كثيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 27 - لأن المبذرين كانوا قرناء الشياطين، يقبلون وسوستهم حين يسخِّرونهم للفساد والإنفاق فى الباطل، ودأب الشيطان أنه يكفر بنعمة ربه دائماً، وصاحبه مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 28 - وإن أرغمتك أحوالك المالية على الإعراض عن هؤلاء المذكورين، فلم تعطهم لعدم وجود ما تعطيهم فى الحال مع رجاء أن يفتح الله عليك به، فقل لهم قولا حسناً يؤملهم فيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 29 - ولا تمسك يدك عن الإنفاق فى الخير، وتجعلها كأنها مربوطة فى عنقك بِغِلٍّ من الحديد لا تقدر على مدها، ولا تبسطها كل البسط بالإسراف فى الإنفاق، فتصير مذموماً على الإمساك نادماً أو منقطعاً لا شئ عندك بسبب التبذير والإسراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 30 - إن ربك يوسع الرزق لمن يشاء من عباده ويضيقه على من يشاء منهم، لأنه خبير بطبائعهم بصير بحوائجهم، فهو يعطى كلا منهم ما يتفق مع الحكمة إن اتخذ الأسباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 31 - وإذا كان أمر الأرزاق بيد الله فلا يجوز أن تقتلوا أولادكم خوف فقر متوقع، لأنَّا نحن ضامنون رزقهم ورزقكم، إن قتلهم كان إثماً عظيماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 32 - ولا تقربوا الزنى بمباشرة أسبابه ودواعيه، لأنه رذيلة واضحة القبح، وبئس طريقاً طريقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 33 - ولا تقتلوا النفس التى حرَّم الله قتلها إلا قتلا يكون للحق، بأن تكون النفس مستحقة للقتل قصاصاً أو عقوبة، ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لأقرب قرابته سلطاناً على القاتل بطلب القصاص من القاضى، فلا يجاوز الحد فى القتل، بأن يقتل غير القاتل، أو يقتل اثنين بواحد، فإن الله نصره وأوجب له القصاص والدية، فلا يصح أن يتجاوز الحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 34 - ولا تتصرفوا فى مال اليتيم إلا بالطريقة التى هى أحسن الطرق لتنميته وتثميره، واستمروا على ذلك حتى يبلغ رشده، وإذا بلغ فسلموه له، وحافظوا على كل عهد التزمتموه، فإن الله سيسأل ناقض العهد عن نقضه ويحاسبه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 35 - وأوفوا الكيل إذا كلتم للمشترى، وزنوا له بالميزان العدل، فإن إيفاء الكيل والوزن خير لكم فى الدنيا، لأنه يرغب الناس فى معاملتكم، وأجمل عاقبة فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 36 - ولا تتبع - أيها المرء - ما لا علم لك به من قول أو فعل، فلا تقل: سمعت، وأنت لم تسمع، أو علمت، وأنت لم تعلم، فإن نِعَمَ السمع والبصر والقلب يسأل صاحبها عما يفعل بكل منها يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 37 - ولا تمش فى الأرض متكبراً مختالاً، فإنك مهما فعلت فلن تخرق الأرض بشدة وطأتك، ولن تبلغ مهما تطاولت أن تحاذى بطولك قمم الجبال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 38 - كل ذلك المذكور من الوصايا، كان القبيح منه من المنهيات مكروهاً مبغوضاً عند ربك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 39 - وهو مما أوحاه إليك ربك من معرفة الحق بذاته، والخير للعمل به، ولا تجعل مع الله إلهاً غيره فتلقى فى جهنم ملوماً عند نفسك، وعند غيرك هالكاً مطروداً من رحمة ربك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 40 - أنكر - سبحانه - على من قالوا: الملائكة بنات الله، فقال: أفضَّلكم ربكم على نفسه، فخصكم بأقوى الأولاد، وهم البنون، واتخذ هو لنفسه من الملائكة بنات بزعمكم؟ إنكم فى قولكم هذا تفترون بهتاناً عظيماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 41 - لقد بيَّنا فى هذا القرآن أحسن بيان ضروباً من الأمثال والمواعظ والأحكام، ليتعظ هؤلاء المشركون، ولكنهم لتحجر قلوبهم لا يزيدهم ذلك التَّبيين إلا شروداً عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 42 - قل - أيها النبى - إظهاراً لإبطال زعمهم الشركاء لله: لو كان مع الله آلهة فى الوجود كما يقولون لطلب هؤلاء الآلهة طريقاً يصلون منه إلى صاحب الملك المطلق لينازعوه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 43 - تنزه الله تنزهاً لائقاً به، وتعالى جل شأنه عما يزعمون من أنه معه آلهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 44 - إن السموات السبع والأرض ومن فيهن من المخلوقات تنزهه وتقدسه، وتدل بإتقان صنعها على تنزه الله - سبحانه - عن كل نقص وكمال ملكه، وأنه لا شريك له، وما من شئ من المخلوقات فى ملكه الواسع إلا ينزهه كذلك مع الثناء عليه، ولكن الكافرين لا يفهمون هذه الأدلة لاستيلاء الغفلة على قلوبهم، وكان الله حليماً عليهم غفوراً لمن تاب فلم يعاجلهم بالعقوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 45 - وإذا قرأت - أيها النبى - القرآن الناطق بدلائل الحق جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالبعث والجزاء حين إرادة الفتك بك حجاباً ساتراً لك عنهم، فلا يرونك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 46 - وجعلنا بمقتضى حكمتك فى الإضلال والهداية على قلوبهم أغطية، كراهة أن يفهموا القرآن على حقيقته، وفى آذانهم صمماً فلا يسمعونه سماع انتفاع، لأنهم أسرفوا فى العناد والمكابرة، وإذا ذكرت ربك فى القرآن منفرداً عن ذكر آلهتهم رجعوا على أعقابهم نافرين عن استماعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 47 - نحن أعلم بما يستمعون القرآن متلبسين به من الاستهزاء والسخرية حين استماعهم إليك، وهم ذوو مسارة بما ذكر، وذلك قول الظالمين لغيرهم فى مسارتهم: إن اتبعتم فأنتم لا تتبعون إلا رجلا مغلوباً على عقله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 48 - انظر كيف ذكر لك الأشباه فشبهوك بالمسحور، والكاهن، والشاعر، فضَلُّوا بذلك عن منهاج الحجة فلا يستطيعون طريقاً إلى الطعن يمكن قبوله، أو فضلوا بذلك عن الهدى فلا يجدون طريقاً إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 49 - قال المنكرون للبعث: أنبعث إذا صرنا عظاماً نخرة، وقطعاً متفرقة، فنكون خلْقاً جديداً فيه حياة؟ إن هذا ما لا يدخل العقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 50 - فقل لهم - أيها النبى -: لو كنتم حجارة لا تقبل الحياة بحال، أو حديداً وهو أصلب من الحجارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 51 - أو خلقاً آخر غيرهما مما تنكر قلوبكم قبوله الحياة لبعثتم، فسيقولون - مستبعدين -: من يعيدنا؟ فقل لهم: يعيدكم الله الذى أوجدكم أول مرة، فسيحركون إليك رؤوسهم تعجباً ويقولون استهزاء: متى البعث الذى تعدُنا به؟ فقل لهم: أرجو أن يكون قريباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 52 - وسيكون يوم يبعثكم الله فيه من قبوركم فتبعثون حامدين ربكم على كمال قدرته وتظنون أنكم ما لبثتم فى قبوركم إلا زمناً قليلا، تستقصرون المدة الطويلة فى جنب ما أنتم قادمون عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 53 - وقل - يا أيها النبى - لعبادى المؤمنين: أن يقولوا عند محاربتهم المشركين العبارات التى هى أحسن للإقناع، ويتركوا الكلام الخشن الذى يتسبب عنه الشر والفساد، فإن الشيطان يفسد بين المؤمنين والكافرين، لأنه دائماً عدو للإنسان بيِّن العداوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 54 - ربكم أعلم بعاقبة أمركم إن يشأ يرحمكم بالتوفيق للإيمان، أو إن يشأ يعذبكم بعدمه، وما أرسلناك موكولا إليك أمرهم فتجبرهم على الإيمان، وإنما أرسلناك بشيراً للمصدقين ونذيراً للمكذبين، فدارهم، ومُرْ أصحابك بالاحتمال منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 55 - وربك أعلم بكل من فى السموات والأرض وبأحوالهم فيختار منهم لنبوته من يشاء، وقد اختارك لرسالته فلا يصح أن يستكثروا عليك النبوة، وهؤلاء الأنبياء ليسوا سواء فى الفضل عنده - جل شأنه - بل بعضهم أفضل من بعض، ولقد فضل بعض النبيين على بعض بالمعجزات وكثرة التابعين، لا بالملك، فَفَضَّل داود أنه أوتى الزبور، لا لأنه أوتى الملك. فلا عجب أن تنال الفضل العظيم بما أوتيت من القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 56 - قل لهؤلاء الذين يعبدون المخلوقين، ويزعمونهم آلهة من دون الله: ادعوا من تعبدونه إذا نزلت بكم شدة، أو خفتم نزولها، وسلوهم فى شأنها، فلن تجدوا منهم كشفاً لضركم، ولا تحويلا له عنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 57 - وإن هؤلاء المخلوقين الذين يدعوهم من يعبدهم يعبدون الله، ويطلبون الدرجة والمنزلة عنده بالطاعة، ويحرص كل منهم أن يكون أقرب إلى الله، ويطمعون فى رحمته، ويرهبون عذابه، إن عذاب الله ينبغى أن يحذر ويخاف!! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 58 - وقد جرت سنتنا أن نهلك كل قرية ظالمة بمن فيها، أو نعذب أهلها عذاباً شديداً بالقتل وغيره، فليحذر ذلك قومك، فقد جرى بذلك قضاؤنا، وسُطِّر فى كتابنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 59 - لقد اقترح عليك قومك أن تأتيهم بالآيات والمعجزات، ولم يقنعوا بما آتاهم مما يقنع ذوى الألباب، وقد جرت سنتنا مع من يقترح الآيات ثم يجاب إليها ولا يؤمن بها أن نستأصله بالعذاب كما فعلنا بالأولين. ومنهم ثمود، إذ اقترحوا آيات، فكانت الناقة معجزة مضيئة نيرة واضحة مجلية للشك والريب فكفروا بها، فكان ما كان من أمرهم، وكان من حكمة الله ألا يجيب قومك إلى ما طلبوا خشية أن يكفروا بها، ويرجى منهم مَنْ يؤمن أو يلد مَنْ يؤمن. والآيات إنما نرسل بها إلى الناس تخويفاً وإرهاباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 60 - واذكر - أيها النبى - حين قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس، فهم فى قبضة قدرته، فبلِّغهم ولا تخف أحداً فهو يعصمك منهم، وما جعلنا ما عاينته ليلة الإسراء من العجائب إلا امتحاناً واختباراً للناس، يزداد به إيمان المؤمن وكفر الكافر، وما جعلنا الشجرة المذمومة فى القرآن - وهى شجرة الزَّقوم التى تنبت فى أصل الجحيم - إلا اختباراً لهم أيضاً، إذ قالوا: النار تحرق الشجر، فكيف تنبته؟ ونخوفهم بها، فما يزيدهم تخويفنا إلا تجاوزا للحد الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 61 - وأن الله ليذكر بأصل الخلق والعداوة بين آدم وإبليس، إذ قال للملائكة: اسجدوا لآدم سجود تحية وتكريم بالانحناء، فسجدوا على الفور، إلا إبليس امتنع وقال منكراً: كيف أسجد لمن خلقته من طين، وأنا من نار، فأنا خير منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 62 - قال إبليس: أخبرنى يا رب عن هذا الذى كرمته علىَّ، بأن أمرتنى بالسجود له. لِمَ كرَّمته علىَّ وأنا خير منه؟ وعزتك لئن أخرتنى حياً إلى يوم القيامة لأهلكن ذريته بالإغواء، إلا قليلا منهم ممن عصمته وحفظته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 63 - قال له المولى - تهديداً واستدراجاً -: امض لشأنك الذى اخترته لنفسك، فمن أطاعك من ذرية آدم فإن جهنم جزاؤك وجزاؤهم جزاء وافراً كاملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 64 - واستخفَّ واستنزل بدعائك إلى معصية الله من استعطت منهم، وأفرغ جهدك فى جميع أنواع الإغراء، وشاركهم فى كسب الأموال من الحرام وصرفها فى الحرام، وتكفير الأولاد وإغرائهم على الإفساد، وعِدْهم المواعيد الباطلة كشفاعة آلهتهم، والكرامة عند الله بأنسابهم، وما يعد الشيطان أتباعه إلا بالتغرير والتمويه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 65 - أما عبادى المخلصون لى فليس لك على إغوائهم قدرة، لتوكلهم على ربهم، وكفى به ناصراً يستمدون منه العون فى الخلاص منك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 66 - ربكم هو - وحده - الذى يجرى لكم السفن فى البحر، لتطلبوا من فضله الأرباح بالتجارة وغيرها. إنه دائم الرحمة بكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 67 - وإذا أصابكم الأذى وتعرَّضتم للمخاطر فى البحر، غاب عنكم كل من تدعونه فى حوائجكم من الأصنام، إلا الله - وحده - فإنكم لا تذكرون سواه، فلما نجَّاكم من الغرق، وأخرجكم إلى البر، أعرضتم عن توحيده وكفرتم النعمة، وشأن الإنسان دائماً جحد النعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 68 - وإذا نجَّوتكم بخروجكم إلى البر أفأمنتم من عذاب الله؟ كلا إن شاء قلب بكم جانباً من البر فهلكتم تحته، وإن شاء أرسل عليكم ريحاً شديدة ترميكم بالحصى والحجر، فلا تجدون حافظاً مما يصيبكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 69 - أم أمنتم أن يعيدكم ربكم فى البحر مرة أخرى، فيرسل عليكم قاصفاً من الريح يكسر فلككم؟ فيغرقكم بسبب جحودكم نعمته حين أنجاكم أولا، ثم لا تجدوا لكم علينا من يطالبنا بما فعلنا انتصاراً لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 70 - ولقد كرمنا أولاد آدم بحسن القوام والنطق وتخير الأشياء، وأعطيناهم الكرامة والعزة إن أطاعوا، وحملناهم فى البر على الدواب، وفى البحر على السفن، ورزقناهم من المستلذات، وفضلناهم على كثير من المخلوقات بالعقل والتفكير تفضيلا عظيماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 71 - واذكر - أيها النبى - لقومك يوم ندعو كل جماعة بشعارهم الذى يعرفون به، أو زعيمهم من رئيس اتبعوه، أو نبى، أو كتاب، فيقال: يا أهل موسى، يا أهل القرآن، وهكذا ليتسلموا كتب أعمالهم، فمن أعطى كتاب أعماله بيمينه - وهم السعداء - فأولئك يقرأون كتابهم مبتهجين ولا ينقصون من أجورهم أدنى شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 72 - وأما الفريق الآخر فيغمه ما يرى، وتسد عليه مسالك النجاة، ويعمى عن كشف ضره، كما كان أعمى فى الدنيا عن طريق الحق والرشاد، ومن كان فى الدنيا أعمى فهو أشد فى الآخرة وأبعد عن سبيل الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 73 - وإن المشركين يتفننون فى محاولة صرفك عن القرآن لتطلب غيره من المعجزات، وتكون كالمفترى علينا، وحينئذ يتخذونك صاحباً لهم، وإن هذه المحاولات قد تكررت وكثرت، وكان من شأنها أن تقربك مما يريدون ولكنك رسولنا الأمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 74 - وقد شملك لطفنا فصرفناك عن الاستجابة لهم، وثبتناك على الحق، ولولا ذلك لأوشكت أن تميل إلى استجابتهم طمعاً فى أن يكمل إيمانهم يوماً إذا دخلوا فى أوائل الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 75 - ولو قاربت الركون إليهم لجمعنا عليك عذاب الدنيا وضاعفناه، وعذاب الآخرة وضاعفناه، ثم لا تجد لك نصيراً علينا يمنع عنك العذاب، ولكن لا يكون ذلك أبدا لأنه ممتنع على رسولنا الأمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 76 - ولقد حاول كفار مكة - وكادوا أن يزعجوك من أرض مكة بعداوتهم ومكرهم - ليخرجوك منها، ولو تحقق منهم ذلك لا يبقون بعد خروجك منها إلا زمناً قليلا، ثم يغلبون على أمرهم وتكون الكلمة لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 77 - وذلك كطريقنا فى الرسل قبلك من إهلاك من أخرجوا نبيهم، ولن تجد لطريقنا تبديلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 78 - أقم الصلاة المفروضة من أول زوال الشمس من وسط السماء نحو الغرب إلى ظلمة الليل، وهى صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وأقم صلاة الفجر التى تشهدها الملائكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 79 - وتيقظ من نومك فى بعض الليل فتهجد بالصلاة عبادة زائدة على الصلوات الخمس خاصة بك، رجاء أن يقيمك ربك يوم القيامة مقاماً يحمدك فيه الخلائق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 80 - وقل: يا رب أدخلنى إدخالا مرضياً كريماً فى كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان، وأخرجنى منه إخراجاً مرضياً كريماً، واجعل من فضلك قوة تنصرنى بها على أعدائى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 81 - وقل منذراً قومك - المشركين -: جاء الحق من التوحيد والدين الصحيح والعدل، وذهب الباطل والشرك والدين الفاسد، إن الباطل مضمحل زائل دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 82 - وكيف لا يقوى الحق ونحن ننزل من القرآن ما هو شفاء لما فى الصدور من الشك والريب، وسبب رحمة لمن آمن به، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا لكفرهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 83 - وإن فى طبع الإنسان الغرور والقنوط، فإذا أنعمنا عليه بالصحة والسعة، أعرض عن ذكرنا ودعائنا، وبَعُدَ عنا بنفسه تكبراً وتعاظماً، وإذا مسه الشر كالمرض والفقر، كان شديد القنوط من رحمة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 84 - قل - أيها النبى - لكفار قريش - رغبة عن إثارة الشر والجدال -: كل منا ومنكم يعمل ويسير على طريقته، فربكم عليم علماً ليس فوقه علم بمن هو أوضح طريقاً واتباعاً للحق فيؤتيه أجره موفوراً، ومن هو اضل سبيلا فيعاقبه بما يستحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 85 - ويسألك - يا محمد - قومك - بإيعاز من اليهود - عن حقيقة الروح، قل: الروح من علم ربى الذى استأثر به، وما أوتيتم من العلم إلا شيئاً قليلاً فى جانب علم الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 86 - ولئن أردنا أن نمحو من صدرك القرآن الذى أوحينا إليك لفعلنا ثم لا تجد من يقوم لك وينصرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 87 - ولكن أبقيناه رحمة من ربك لأن فضله فى هذه المعجزة كان عليك عظيماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 88 - قل لهم متحدياً: أن يأتوا بمثله وإنهم ليعجزون، ولئن اجتمعت الإنس والجن وتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فى نظمه ومعانيه، لا يستطيعون، ولو كانوا متعاونين بعضهم يظاهر بعضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 89 - ولقد نوعنا مناهج البيان بوجوه مختلفة للناس فى هذا القرآن من كل معنى هو كالمثل فى غرابته فأبى أكثر الناس إلا الجحود والإنكار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 90 - ولما ظهر إعجاز القرآن ولزمتهم الحُجة، اقترحوا الآيات والمعجزات، فعل المحجوج المبهوت المتحير، فقالوا: لن نؤمن حتى تفجر لنا من أرض مكة عيْناً لا ينقطع ماؤها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 91 - أو يكون لك بمكة بستان من نخيل وعنب فتفجر الأنهار وسطه تفجيراً كثيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 92 - أو تسقط السماء فوق رؤوسنا قطعاً كما زعمت أن الله توعدنا بذلك، أو تأتى بالله والملائكة نقابلهم معاينة ومواجهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 93 - أو يكون لك بيت من زخرف من ذهب، أو تصعد فى السماء ولن نصدقك فى هذه الحال إلا إذا جئتنا بكتاب من الله يقرر فيه صدقك نقرؤه، قل لهم: أنزه ربى عن أن يتحكم فيه أحد، أو يشاركه فى قدرته، ما كنت إلا بشراً كسائر الرسل، ولم يأتوا قومهم بآية إلا بإذن الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 94 - وما منع مشركى مكة أن يذعنوا للحق حين جاءهم الوحى مقروناً بالمعجزات إلا زعمهم جهلا منهم أن الله تعالى لا يبعث رسله من البشر بل من الملائكة. 95 - قل - يا محمد - رداً عليهم: لو كان فى الأرض بدل البشر ملائكة يمشون فيها كالآدميين مستقرين فيها، لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا من جنسهم، ولكن الملائكة لا يكونون كالبشر، ولو كانوا لجاءوا فى صورة البشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 96 - وقل: إن أنكرتم رسالتى فكفى بالله حاكماً بينى وبينكم مقرراً صدق رسالتى إليكم، إنه كان بعباده عالماً بأحوالهم بصيراً بأفعالهم وهو مجازيهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 97 - وقل لهم: من يهده الله لحسن استعداده فهو المهتدى، ومن يضلله لفساد طبعه فلن تجد له أنصاراً غيره يهدونهم فى الدنيا، ونحشرهم فى الآخرة مسحوبين على وجوههم لا ينظرون ولا ينطقون ولا يسمعون، ومكانهم الذى يأوون إليه جهنم كلما ضعف لهيبها زادها الله تَلَهُّباً واشتعالاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 98 - ذلك العذاب جزاؤهم بسبب كفرهم بالأدلة التى أقمناها لهم على الحق، وقولهم: أنبعث خَلْقاً جديداً بعد أن نصير عظاماً ورفاتاً؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 99 - أغفلوا ولم يعلموا أن الله الذى خلق السموات والأرض - مع عظمهما - قادر على أن يخلق مثلهم من الإنس والجن، ومن هو قادر على ذلك كيف لا يقدر على إعادتهم، وهى أهون عليه، وقد جعل - سبحانه - لإعادتهم بعد الموت أجلا محددا لا شك فى حصوله وهو يوم القيامة، ومع ذلك أبى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، بعد إقامة هذه الحُجة إلا جحودا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 100 - قل لهؤلاء المشركين: لو كنتم تملكون خزائن رزق ربى لبخلتم خشية الفقر، لأن الإنسان مطبوع على شدة الحرص والبخل، والله هو الغنى الجواد، يمنح ما شاء لمن يشاء، وينزل من المعجزات ما شاء لا ما شاء الناس، وهو فى ذلك كله حكيم عليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 101 - ولو أوتى هؤلاء من الآيات ما اقترحوا لصرفوها عن وجهها، ولم يؤمنوا بها، ولقد آتينا موسى تسع آيات واضحات ومع ذلك كفروا، وقال فرعون: إنى لأظنك مسحورا يا موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 102 - قال موسى: لقد علمت يا فرعون أن الذى أنزل هذه الآيات هو رب السموات والأرض، لأنه هو الذى يقدر عليها وهى واضحات تبصرك بصدقى، ولكنك تكابر وتعاند، وإنى لأظنك يا فرعون هالكاً إذا لم ترجع عن عنادك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 103 - فتمادى فرعون فى طغيانه، فأراد أن يخرج موسى وبنى إسرائيل من أرض مصر، فأغرقناه مع جنوده جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 104 - ونجَّينا موسى وقومه، وقلنا من بعد إغراق فرعون لبنى إسرائيل: اسكنوا الأرض المقدسة بالشام، فإذا جاء وقت الحياة الأخرى جئنا بكم من قبوركم مختلطين ثم نحكم بينكم بالعدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 105 - وما أنزلنا القرآن إلا مؤيداً بالحكمة الإلهية التى اقتضت إنزاله، وهو فى ذاته وما نزل إلا مشتملا على الحق كله، فعقائده هى الصحيحة، وأحكامه هى المستقيمة، وما أرسلناك - أيها النبى - إلا مبشراً لمن آمن بالجنة، ونذيراً لمن كفر بالنار. فليس عليك شئ إذا لم يؤمنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 106 - وقد فرَّقنا هذا القرآن ونزَّلناه منجما على مدة طويلة لتقرأه على الناس على مهل ليفهموه، نزلناه شيئاً بعد شئ تنزيلا مؤكداً لا شبهة فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 107 - قل لكفار مكة تهديداً لهم: اختاروا لأنفسكم ما تحبون من الإيمان بالقرآن أو عدمه، فإن الذين أوتوا العلم الصحيح والإدراك السليم من قبل نزوله، إذا يتلى عليهم يقعون على الوجوه سجداً، شكراً لله على نعمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 108 - ويقولون: تنزه ربنا عن خلف الوعد الذى وعد به من نعيم وعذاب، إن وعده كان حاصلا لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 109 - ويقعون ثانيا على الوجوه سجداً باكين من خوف الله، ويزيدهم القرآن تواضعاً لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 110 - قل لهؤلاء المشركين: سموا الله باسم الله أو اسم الرحمن فأى اسم تسمونه فهو حسن، وهو تعالى له الأسماء الحسنى، ولا شبهة لكم فى أن تعدد الأسماء يستوجب تعدد المسمى. وإذا قرأت القرآن فى صلاتك فلا ترفع صوتك به، لئلا يسمع المشركون فيسبوك ويؤذوك، ولا تسر به فلا يسمع المؤمنون، وكن وسطا فى قراءتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 111 - وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا لعدم حاجته إليه، ولم يكن له شريك فى الملك، لأنه - وحده - منشئه، ولم يكن له ناصر يعطيه عزة من ذُلٍّ لحقه، وعظِّم ربك تعظيماً يليق به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 1 - الثناء الجميل مستحق لله تعالى الذى أنزل على عبده محمد صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن، ولم يجعل فيه شيئاً من الانحراف عن الصواب، بل كان فيه الحق الذى لا ريب فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 2 - وجعله قيماً مستقيماً فى تعاليمه لينذر الجاحدين بعذاب شديد صادر من عنده، ويبشر المصدقين الذين يعملون الأعمال الصالحات بأن لهم ثواباً جزيلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 3 - هو الجنة خالدين فيها أبدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 4 - ويُنذر - على وجه الخصوص - الذين قالوا عن الله: إنه اتخذ ولدا، وهو المنزه عن أن يكون كالحوادث يَلِدُ أو يُوَلَدُ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 5 - وليس عندهم علم بذلك ولا عند آبائهم من قبل، فما أعظم الافتراء فى هذه الكلمة التى تجرءوا على إخراجها من أفواههم! ما يقولون: إلا افتراء ليس بعده افتراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 6 - لا تهلك نفسك - أيها النبى - أسفاً وحزناً على إعراضهم عن دعوتك غير مصدقين بهذا القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 7 - إنا قد خلقناهم للخير والشر، وصيَّرنا ما فوق الأرض زينة لها ومنفعة لأهلها، لنعاملهم معاملة المختبر ليُظهر منهم الأصلح عملا، فمن استهوته الدنيا ولم يلتفت إلى الآخرة ضلَّ، ومن آمن بالآخرة اهتدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 8 - وإنا لمصيِّرون عند انقضاء الدنيا ما فوقها مثل أرض مستوية لا نبات فيها، بعد أن كانت خضراء عامرة بمظاهر الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 9 - لقد أنكر الذين استهوتهم الدنيا بزينتها البعث، مع أن الوقائع تثبت الحياة بعد الرقود الطويل، وهذه قصة أهل الكهف فى الجبل واللوح الذى رقمت فيه أسماؤهم بعد موتهم لم تكن عجباً وحدها دون سائر الآيات، وإن كان شأنها خارقاً للعادة، فليس أعجب من آياتنا الدالة على قدرتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 10 - اذكر حين صار هؤلاء الفتيان إلى هذه المغارة وجعلوها مأوى لهم، فراراً بدينهم من الشرك والمشركين، فقالوا: يا ربنا آتنا من عندك مغفرة وأمناً من عدونا، ويسِّر لنا من شأننا هداية وتوفيقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 11 - فاستجبنا دعاءهم فَأنَمْنَاهُمْ آمنين فى الكهف سنين عديدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 12 - ثم أيقظهم الله بعد أن ظلوا نياماً أمداً طويلاً، لتكون عاقبة ذلك إظهار عِلْمنا بمن أصاب من الفريقين فى تقدير مدة مكثهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 13 - نحن نقص عليك - أيها الرسول - خبرهم بالصدق: إنهم فتيان كانوا قبل العهود السابقة على دين الحق، صدَّقوا بوحدانية ربهم وسط قوم مشركين وزدناهم يقينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 14 - وثبتنا قلوبهم على الإيمان والصبر على الشدائد حين قاموا فى قومهم فقالوا متعاهدين: ربنا أنت الحق رب السموات والأرض لن نعبد من غيره إلها، ولن نتحول عن هذه العقيدة. والله إذا قلنا غير هذا لكان قولنا بعيداً عن الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 15 - ثم قال بعضهم لبعض: هؤلاء قومنا أشركوا بالله غيره، هلاَّ يأتون على ألوهية من يعبدونهم من دون الله بحُجة ظاهرة؟ إنهم لظالمون فيما فعلوا، ولا أحد أشد ظلماً ممن افترى على الله كذباً بنسبة الشريك إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 16 - وقال بعضهم لبعض: ما دمنا قد اعتزلنا القوم فى كفرهم وشركهم فالجأوا إلى الكهف فراراً بدينكم، يبسط لكم ربكم من مغفرته، ويسهل لكم من أمركم ما تنتفعون به من مرافق الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 17 - وقد كان فى الكهف فتحة متسعة فى الجبل، وهى متجهة إلى الشمال يجيئهم منها النسيم العليل، وإذا طلعت الشمس من الشرق عن يمينهم مالت أشعتها عنهم، وإذا غربت عن يسارهم تجاوزتهم ولم تدخل أشعتها فى كهفهم، فحرارة الشمس لا تؤذيهم. ونسيم الهواء يأتيهم، وذلك كله من دلائل قدرة الله، ومن يوفقه الله لإدراكها يهتدى، ومن لا يوفقه فلا مرشد له من بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 18 - وتظنهم - أيها الناظر - منتبهين، وفى الحقيقة هم نيام، ونقلبهم فى نومهم يمينا مرة ويسارا مرة لنحفظ أجسامهم من تأثير الأرض، وكلبهم - الذى صاحبهم - مادا ذراعيه بالفناء وهو نائم أيضاً فى شكل اليقظان، لو اطلعت - أيها المخاطب - عليهم وهم على تلك الحال لفررت منهم هاربا، ولملئ قلبك منهم فزعا لهيبتهم فى منامهم، فلا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم، كيلا يدنو منهم أحد، ولا تمسهم يد حتى تنتهى المدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 19 - وكما أنَمْنَاهم أيقظناهم ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة مكثهم نائمين، فقال واحد منهم: ما الزمن الذى مكثتموه فى نومكم؟ فقالوا: مكثنا يوماً أو بعض يوم، ولما لم يكونوا مُسْتَيقنين من ذلك قالوا: اتركوا الأمر لله، فهو الأعلم به، وليذهب واحد منكم بهذه العملة الفضية إلى المدينة وليتخير أطيب الأطعمة فيأتيكم بطعام منه، وليكن حسن التفاهم، ولا يظهرن أمركم لأحد من الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 20 - إنهم إن رأوكم يقتلوكم رجماً بالحجارة أو يعيدوكم إلى الشرك بالقوة، وإذا عدتم إليه فلن تفلحوا فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 21 - وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا أهل المدينة عليهم ليعلم المطلعون أن وعد الله بالبعث حق، وأن القيامة لا شك فى إتيانها. فآمن أهل المدينة بالله واليوم الآخر، ثم أمات الله الفتية فتنازعوا فى شأنهم، فقال بعضهم: ابنوا على باب الكهف بنياناً ونتركهم وشأنهم فربهم أعلم بحالهم، وقال أصحاب الكلمة فى القوم: لنتخذن على مكانهم مسجداً للعبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 22 - سيقول فريق من الخائضين فى قصتهم من أهل الكتاب: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول آخرون: هم خمسة سادسهم كلبهم. ظنا خالياً من الدليل، ويقول آخرون: هم سبعة وثامنهم كلبهم. قل لهؤلاء المختلفين: ربى عليم علماً ليس فوقه علم بعددهم. ولا يعلم حقيقته إلا قليل من الناس أطلعهم الله على عددهم، فلا تجادل هؤلاء المختلفين فى شأن الفتية إلا جدالا ظاهراً ليناً دون محاولة إقناعهم، فإنهم لا يقتنعون. ولا تسأل أحداً منهم عن نبئهم، فقد جاءك الحق الذى لا مِرْيَة فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 23 - ولا تقولن لشئ تُقْدِم عليه وتهتم به: إنى فاعل ذلك فيما يستقبل من الزمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 24 - إلا قولا مقترناً بمشيئة الله بأن تقول: إن شاء الله! وإذا نسيت أمراً فتدارك نفسك بذكر الله، وقل عند اعتزامك أمراً وتعليقه على مشيئة الله: عسى أن يوفقنى ربى إلى أمر خير مما عزمت عليه وأرشد منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 25 - وإن الفتية مكثوا فى كهفهم نياماً ثلاثمائة سنين زادت تسعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 26 - وقل - أيها الرسول - للناس: إن الله - وحده - هو العالم بزمنهم كله، إنه - سبحانه - هو المختص بعلم الغيب فى السموات والأرض، فما أعظم بصره فى كل موجود، وما أعظم سمعه لكل مسموع، وما لأهل السموات والأرض من يتولى أمورهم غيره، ولا يشرك فى قضائه أحداً من خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 27 - واقرأ - أيها الرسول - ما أُوحى إليك من القرآن، ومنه ما أُوحى إليك من نبأ الفتية، ولا تستمع لما يهزأون به من طلب تبديل معجزة القرآن بمعجزة أخرى، فإنه لا مغيِّر لما ينبئه الله بكلمة الحق فى معجزاته، فإنه لا يقدر أحد على تبديله، ولا تخالف أمر ربك، فإنك حينئذ لن تجد غيره ملجأ يحفظك منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 28 - واحتفظ - أيها الرسول - بصحبة صحابتك من المؤمنين الذين يعبدون الله - وحده - فى الصباح وفى العشى دائماً، يريدون رضوانه، ولا تنصرف عيناك عنهم إلى الجاحدين من الكفار لإرادة التمتع معهم بزينة الحياة الدنيا، ولا تطع فى طرد فقراء المؤمنين من مجلسك من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، لسوء استعداده، وصار عبداً لهواه، وصار أمره فى جميع أعماله بعيداً عن الصواب، والنهى للنبى نهى لغيره، وأن النبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا يريد الحياة الدنيا وزينتها، ولكن كان اتجاه النهى إليه لكى يحترس غيره من استهواء الدنيا، فإنه إذا فرض فيه إرادة الزينة للأبدان؛ لفرض كل إنسان فى نفسه ذلك ليحترس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 29 - وقل - أيها الرسول -: إن ما جئت به هو الحق من عند ربكم، فمن شاء أن يؤمن به فليؤمن، فذلك خير له، ومن شاء أن يكفر فليكفر فإنه لم يظلم إلا نفسه. إننا أعددنا لمن ظلم نفسه بالكفر ناراً تحيط بهم كالسرادق. وإن يستغث الظالمون بطلب الماء وهم فى جهنم؛ يؤت لهم بماء كالزيت العكر الشديد الحرارة يحرق الوجوه بلهيبه. قَبُحَ هذا الشراب لهم، وقبحت جهنم مكاناً لراحتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 30 - أما الذين آمنوا بالله وبدينه الحق الذى يُوحى إليك، وعملوا ما أمرهم به ربهم من الأعمال الصالحة، فإنا لا نضيع أجرهم على ما أحسنوا من الأعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 31 - هؤلاء لهم جنات يقيمون فيها منعَّمين أبدا، تنساب الأنهار من بين أشجارها وقصورها، يتحلون فيها بمظاهر السعادة فى الدنيا، كالأساور الذهبية، وملابسهم فيها الثياب الخضر من الحرير على اختلاف أنواعه، متكئين فيها على السرر بين الوسائد والستائر، نعم الثواب لهم، وحَسُنت الجنة دار مقام وراحة، يجدون فيها كل ما يطلبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 32 - بيِّن - أيها الرسول - فى شأن الكفار الأغنياء مع المؤمنين الفقراء مثلا وقع فيما سلف بين رجلين: كافر ومؤمن، وللكافر حديقتان من أعناب، وأحطناهما بالنخيل زينة وفائدة، وجعلنا بين الجنتين زرعا نضِراً مثمراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 33 - وقد أثمرت كل واحدة من الجنتين ثمرها ناضجاً موفوراً، ولم تنقص منه شيئاً، وفجَّرنا نهراً ينساب خلالهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 34 - وكان لصاحب الجنتين أموال أخرى مثمرة، فداخله الزهو بتلك النعم، فقال لصاحبه المؤمن فى غرور وهما يتناقشان: أنا أكثر منك مالا وأقوى عشيرة ونصيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 35 - ثم دخل إحدى جنتيه مع صاحبه المؤمن، وهو مأخوذ بغروره فقال: ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 36 - وما أظن القيامة حاصلة، ولو فرض ورجعت إلى ربى بالبعث كما تزعم، والله لأجدن خيراً من هذه الجنة عاقبة لى؛ لأننى أهل للنعيم فى كل حال، فهو يقيس الغائب على الحاضر، ولا يعلم أن الغائب فيه الجزاء على الإيمان وفعل الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 37 - قال صاحبه المؤمن مجيباً له: أتسوغ لنفسك أن تكفر بربك الذى خلق أصلك آدم من تراب، ثم من نطفة مائية، ثم صوّرك رجلا كاملا، فإن اعتززت بمالك وعشيرتك، فاذكر ربك وأصلك الذى هو من الطين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 38 - لكن أقول: إن الذى خلقنى وخلق هذا العالم كله هو الله ربى، وأنا أعبده - وحده - ولا أشرك معه أحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 39 - ولولا قلت عند دخولك جنتك والنظر إلى ما فيها: هذا ما شاء الله ولا قوة لى على تحصيله إلا بمعونة الله، فيكون ذلك شكراً كفيلا بدوام نعمتك. ثم قال له: إن كنت ترانى أقل منك مالا وأقل ولدا ونصيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 40 - فلعل ربى يعطينى خيراً من جنتك فى الدنيا أو الآخرة، ويرسل على جنتك قدَراً قدَّره لها كصواعق من السماء، فتصير أرضاً ملساء لا ينبت فيها شئ، ولا يثبت عليها قدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 41 - أو يصير ماؤها غائراً فى الأرض لا يمكن الوصول إليه، فلا تقدر على إخراجه لسقيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 42 - قد عاجل الله الكافر، وأحاطت المهلكات بثمار جنته، وأهلكتها، وأبادت أصولها، فأصبح يقلب كفيه ندماً وتحسراً على ما أنفق فى عمارتها، ثم عاجلها الخراب، فتمنى أن لم يكن أشرك بربه أحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 43 - عند هذه المحنة لم تكن له عشيرة تنصره من دون الله كما كان يعتز، وما كان هو بقادر على نصرة نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 44 - فإن النصرة فى كل حال ثابتة لله الحق - وحده - وهو - سبحانه - خير لعبده المؤمن يجزل له الثواب ويحسن له العاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 45 - واذكر - أيها الرسول - للناس مثلا للحياة الدنيا فى نضرتها وبهجتها ثم سرعة فنائها، بأنها كماء أُنزل من السماء فارتوى به نبات الأرض فاخضر وأينع، ثم لم يلبث طويلا حتى جف وصار يابسا متكسراً تفرقه الرياح، والله قادر على كل شئ إنشاءً وإفناءً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 46 - المال والبنون جمال ومتعة لكم فى الحياة الدنيا وهما قوتها، ولكن لا دوام لها، بل هى فانية غير باقية، والأعمال الصالحة الباقية خير لكم عند الله، يجزل ثوابها، وخير أمل يتعلق به الإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 47 - وأنذر الناس - أيها الرسول - بيوم يفنى هذا الوجود، فيزيل فيه الجبال، وتبصر فيه الأرض ظاهرة مستوية لا يسترها شئ مما كان عليها، ونحشر فيه الناس للحساب فلا نترك منهم أحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 48 - ويعرض الناس فى هذا اليوم على الله فى جموع مصفوفة للحساب، ويقول الله تعالى: لقد بعثناكم بعد الموت كما أحييناكم أول مرة، وجئتمونا فرادى بلا مال ولا بنين، وكنتم فى الدنيا تكذبون بالبعث والحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 49 - ووضع فى يد كل واحد كتاب أعماله، فَيبْصره المؤمنون فرحين مما فيه، ويبصره الجاحدون خائفين مما فيه من الأعمال السيئة، ويقولون إذا رأوها: يا هلاكنا، إنا نعجب لهذا الكتاب الذى لم يترك من أعمالنا صغيرة ولا كبيرة إلا سجَّلها علينا، ووجدوا جزاء ما عملوا حقاً، ولا يظلم ربك أحداً من عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 50 - واذكر - أيها الرسول - لهم بدء خلقهم ليعلموا أنهم من الطين، وليس لهم أن يغتروا بما هم فيه، ويخضعوا لعدوّ أبيهم إبليس، لأنه كان من الجن، فاستكبر وتمرد على الله، فكيف بعد ما عرفتم من شأنه تتخذونه وذريته أنصاراً لكم من دون الله، وهم لكم أعداء؟! قبُح هذا البدل لمن ظلم نفسه فأطاع الشيطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 51 - ما أحضرت إبليس ولا ذريته خلْق السموات والأرض، ولا أشهدت بعضهم خلْق بعض لأستعين بهم، وما كنت فى حاجة إلى معين. فضلا عن أن أتخذ المفسدين أعواناً، فكيف تطيعون الشيطان وتعصوننى؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 52 - واذكر لهم يوم يقول الله للمشركين: نادوا الذين ادعيتم فى الدنيا أنهم شركائى فى العبادة ليشفعوا لكم بزعمكم، فاستغاثوا بهم فلم يجيبوهم، وجعلنا الآن ما كان بينهم هلاكاً للكفار بعد أن كان فى الدنيا تواصل عبادة ومحبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 53 - وعاين المجرمون النار فأيقنوا أنهم واقعون فيها، ولم يجدوا بديلا عنها مكاناً يحلُّون فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 54 - ولقد ذكر الله للناس فى هذا القرآن الذين كفروا به، وطلبوا معجزة أخرى غيره، أمثلة متنوعة ليعظهم بما فيها، ولكن الإنسان فى طبيعته حب الجدل، فإذا كان جاحدا جادل بالباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 55 - وما منع المشركين من الإيمان حين جاءهم سبب الهدى - وهو الرسول والقرآن ليؤمنوا ويستغفروا الله - إلا تعنتهم وطلبهم من الرسول أن تأتيهم سنة الله فى الأولين، وهى الهلاك المستأصل الذى أتى الأولين، أو يأتيهم العذاب عياناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 56 - ولكن الله لا يرسل رسله إلا للتبشير والإنذار، ولم يرسلهم ليقترح عليهم المعاندون معجزات معينة، ولكن الذين كفروا يعرضون عن الحُجَّة، ويجادلون المرسلين بالباطل ليبطلوا الحق، وقد وقفوا من القرآن والنُّذر موقف المستهزئ الساخر الذى لا يُعْنى بطلب الحقائق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 57 - وليس أحد أظلم ممن وُعِظ بآيات ربه فلم يتدبرها، ونسى عاقبة ما عمل من المعاصى. إنا بسبب ميلهم إلى الكفر جعلنا على قلوبهم أغطية، فلا تعقل ولا يصل إليها النور، وفى آذانهم صمما فلا تسمع سماع فهم، وإن تدعهم - أيها الرسول - إلى الدين الحق فلن يهتدوا ما دامت هذه طبيعتهم البتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 58 - وربك العظيم المغفرة لذنوب عباده، صاحب الرحمة الواسعة لمن أناب إليه منهم، ولو شاء أن يؤاخذهم بما اجترحوا من السيئات لعجَّل لهم العذاب كما سلف لغيرهم، ولكنه - لحكمة قدَّرها - أخرهم لموعد يذوقون فيه أشد العقاب، ولن يجدوا ملجأ يحفظهم منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 59 - وها هى ذى القرى الماضية التى دمرناها لما ظلم أهلها بتكذيب رسلهم، وجعلنا لهلاكهم موْعدا لا يتخلف، فكذلك حال المكذبين من قومك إذا لم يؤمنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 60 - وإن علم الله لا يحيط به أحد، إلا أن يعطيه نبياً أو صالحاً، واذكر - أيها الرسول - أن موسى ابن عمران قال لفتاه - خادمه وتلميذه -: لا أزال أسير حتى أبلغ ملتقى البحرين أو أسير زمناً طويلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 61 - فلما بلغ موسى وفتاه المكان الجامع بين البحرين، نسيا فيه حوتهما الذى حملاه بأمر الله، فانحدر فى البحر واتخذ طريقه فى الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 62 - فلما ابتعد موسى وفتاه عن المكان، وأحسا بالجوع والتعب، قال موسى لفتاه: آتنا ما نتغذى به، لقد لقينا فى سفرنا هذا تعبا ومشقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 63 - قال له فتاه: أتذكر حين التجأنا إلى الصخرة، فإنى نسيت الحوت، وما أنسانى ذلك إلا الشيطان، ولا بد أن يكون الحوت قد اتخذ سبيله فى البحر، وإنى لأعجب من نسيانى هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 64 - قال له موسى: إن هذا الذى حدث هو ما كنا نطلبه لحكمة أرادها الله، فرجعا فى الطريق الذى جاءا منه يتتبعان أثر سيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 65 - حتى وصلا الصخرة، فوجدا عبداً من عبادنا الصالحين أعطيناه الحكمة، وعلمناه من عندنا علماً غزيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 66 - قال موسى للعبد الصالح: هل أسير معك على أن تعلمن مما علمك الله؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 67 - قال له: إنك لن تستطيع الصبر على مصاحبتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 68 - وكيف يمكنك الصبر على شئ لا خبرة لك بمثله؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 69 - قال موسى: سترانى إن شاء الله صابراً مطيعاً لك فيما تأمر به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 70 - قال العبد الصالح: فإن اتبعتنى ورأيت ما تنكره، فلا تفاتحنى بالسؤال عنه حتى أحدثك عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 71 - فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى وجدا سفينة، فركباها، فخرقها العبد الصالح فى أثناء سيرها، فاعترض موسى قائلا: أخرقتها قاصداً إغراق أهلها؟ لقد ارتكبت أمراً منكراً {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 72 - قال العبد الصالح: إننى قلت لك: إنك لن تستطيع الصبر على مصاحبتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 73 - قال له موسى: لا تؤاخذنى على نسيان وصيتك، ولا تكلفنى مشقة فى تحصيل العلم منك وتجعله عسيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 74 - وبعد أن خرجا من السفينة ذهبا منطلقين، فلقيا فى طريقهما صَبِياً فقتله العبد الصالح، فقال موسى مستنكراً: أتقتل نفساً طاهرة بريئة من الذنوب بغير أن يقتل صاحبها أحدا؟} لقد أتيت فعلا مستنكراً! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 75 - قال العبد الصالح لموسى: لقد قلت لك: إنك لن تستطيع صبرا على السكوت عن سؤالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 76 - قال موسى: إن سألتك عن شئ بعد هذه المرة فلا تصاحبنى، لأنك قد بلغت الغاية التى تعذر بها فى فراقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 77 - فسارا حتى أتيا قرية، فطلبا من أهلها طعاماً، فأبوا ضيافتهما، فوجدا فيها جداراً مائلاً يكاد يسقط، فنقضه العبد الصالح وبناه حتى أقامه، قال موسى: لو شئت طلب أجر على النقض والبناء لفعلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 78 - قال العبد الصالح: هذا التعرض منك مراراً لما أفعل سبب الفراق بينى وبينك. وسأخبرك بحكمة هذه التصرفات التى خفى عليك أمرها، ولم تستطع صبراً على ما خفى حتى تعرف حقيقته وسره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 79 - أما السفينة التى خرقتها، فهى لضعفاء محتاجين يعملون بها فى البحر لتحصيل رزقهم، فأردت أن أحدث بها عيباً يُزهد فيها، لأن خلفهم ملكاً يغتصب كل سفينة صالحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 80 - وأما الغلام الذى قتلته فكان أبواه مؤمنين، فعلمنا - إن عاش - أنه سيصير سبباً لكفرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 81 - فأردنا بقتله أن يعوِّضهما الله عنه ولداً خيراً منه ديناً وأعظم براً وعطفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 82 - وأما الجدار الذى أقمته - دون أجر - فكان لغلامين يتيمين من أهل المدينة، وكان تحته كنز تركه أبوهما لهما، وكان رجلا صالحاً، فأراد الله أن يحفظ لهما الكنز حتى يبلغا رشدهما، ويستخرجاه، رحمة بهما، وتكريماً لأبيهما فى ذريته. وما فعلت ما فعلت باجتهادى، إنما فعلته بتوجيه من الله، هذا تفسير ما خفى عليك يا موسى ولم تستطع الصبر عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 83 - يسألك - أيها الرسول - بعض الكفار عن نبإ ذى القرنين، فقل لهم: سأقص عليكم بعض أخباره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 84 - لقد مكنَّا لأمره فى الأرض، يتصرف فيها بتدبيره وسلطانه، وآتيناه الكثير من العلم بالأسباب ما يستطيع به توجيه الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 85 - فاستعان بهذه الأسباب على بسط سلطانه فى الأرض، واتخذ سبباً يوصّله إلى بلوغ مغرب الشمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 86 - وسار حتى وصل إلى مكان سحيق جهة الغرب، فوجد الشمس - فى رأى العين - تغرب فى مكان به عين ذات ماء حار وطين أسود، وبالقرب من هذه العين وجد ذو القرنين قوماً كافرين، فألهمه الله أن يتخذ فيهم أحد أمرين: إما أن يدعُوهم إلى الإيمان، وهذا أمر حسن فى ذاته، وإما أن يقاتلهم إن لم يجيبوا داعى الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 87 - فأعلن ذو القرنين فيهم: أن من ظلم منهم نفسه بالبقاء على الشرك، استحق العذاب الدنيوى على يديه، ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذاباً شديداً ليس معروفاً لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 88 - وأن من استجاب له وآمن بربّه وعمل صالحاً، فله العاقبة الحسنى فى الآخرة، وسنعامله فى الدنيا برفق ويسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 89 - ثم سار ذو القرنين كذلك، مستعيناً بتوفيق الله، واتبع سبباً للوصول إلى مطلع الشمس مشرقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 90 - حتى بلغ مشرق الشمس - فى رأى العين - فى نهاية ما وصل إليه من العمران، فوجدها تطلع على قوم يعيشون على الفطرة الأولى لا يسترهم من حرها ساتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 91 - وكما دعا ذو القرنين السابقين من أهل المغرب إلى الإيمان دعا هؤلاء وسار فيهم سيرته الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 92 - ثم سار كذلك مستعيناً بما هيَّأ الله له من أسباب التوفيق، سالكاً طريقاً بين الشرق والغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 93 - حتى وصل - فى رحلته الثالثة - إلى مكان سحيق بين جبلين مرتفعين، وهناك وجد قوماً لا يفقهون ما يُقال لهم إلا فى عسر ومشقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 94 - فلما آنسوا فيه القوة، طلبوا منه أن يُقيم لهم سداً فى وجه يأجوج ومأجوج، وهم قوم كانوا يَغِيرون عليهم، فيفسدون فى أرضهم ويخربون، على أن يجعلوا له ضريبة فى نظير هذا العمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 95 - فرد عليهم قائلا: إن ما منحنيه الله من الثروة والسلطان خير مما تعرضون علىّ. وشرع يُقيم السد طالباً منهم أن يعينوه بكل ما يقدرون عليه من رجال وأدوات، ليحقق لهم ما أرادوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 96 - وطلب منهم أن يجمعوا له قطع الحديد. فجمعوا له منها ما أراد، فأقام به سداً عالياً ساوى به بين حافتى الجبلين، ثم أمرهم أن يوقدوا عليه النار، فأوقدها حتى انصهر الحديد، فصب عليه النحاس المذاب فأصبح سداً صلباً منيعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 97 - فما استطاع هؤلاء المغيرون أن يتسلقوا السد لارتفاعه، ولا أن يثقبوه لصلابته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 98 - وبعد أن أتم ذو القرنين بناء السد قال شاكراً لله: هذا السد رحمة من ربى بعباده، وسيظل قائماً حتى يجئ أمر الله بهدمه، فيصير أرضاً مستوياً، وأمر الله نافذ لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 99 - ومنذ إتمام السد ظل يأجوج ومأجوج من ورائه يضطربون فيما بينهم، وحبس شرهم عن الآخرين، فإذا كان يوم القيامة ونفخ فى الصور جمع الله الخلائق جميعاً للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 100 - وعند ذلك يبرز الله جهنم للكافرين إبرازاً يروعهم ويحشرهم فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 101 - وذلك لأن أعينهم فى الدنيا كانت فى غفلة عن التبصر فى آيات الله كأن عليها غطاء، وكانوا لضلالهم لا يستطيعون سماع دعوة الحق كفاقدى حاسة السمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 102 - هل عميت بصائر الذين كفروا، فظنوا أن اتخاذهم آلهة من عبادى - كالملائكة وعيسى - يعبدونها من دونى نافع لهم وصارف عنهم العذاب؟ إنا أعتدنا لهم جهنم مقراً ينالون فيه ما يستحقون من جزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 103 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء الكافرين: هل أخبركم بأشد الناس خسراناً لأعمالهم، وحرماناً من ثوابها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 104 - هم الذين بطل عملهم فى الحياة الدنيا لفساد اعتقادهم، وهم يعتقدون أنهم يحسنون بعملهم صنيعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 105 - هؤلاء هم الذين كفروا بدلائل قدرة الله، وأنكروا يوم البعث والحساب، فضاعت أعمالهم، واستحقوا يوم القيامة التحقير والإهمال، إذ ليس لهم عمل يُعْتدّ به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 106 - ذلك الذى بيَّناه وفصَّلناه شأن هؤلاء، وجزاؤهم عليه جهنم، بسبب كفرهم وسخريتهم بما أنزل الله من آيات، وما أرسل من رسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 107 - إن الذين صدقوا فى الإيمان وعملوا الأعمال الصالحة؛ جزاؤهم جنات الفردوس ينزلون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 108 - وينعمون فيها أبدا لا يبغون عنها بديلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 109 - قل - أيها الرسول - للناس: إن علم الله محيط بكل شئ، ولو كان ماء البحر مداداً يُسطَّر به كلمات الله الدالة على علمه وحكمته، لنفد هذا المداد، ولو مُدّ بمثله قبل أن تنفد كلمات الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 110 - قل - أيها الرسول - للناس: إنما أنا إنسان مثلكم، مرسل إليكم، أعلمكم ما علمنى الله إياه، يوحى إلىّ أنما إلهكم إله واحد لا شريك له، فمن كان يطمع فى لقاء الله وثوابه؛ فليعمل الأعمال الصالحة مخلصاً، وليتجنب الإشراك بالله فى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 1 - حروف صوتية لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف، ولتنبيههم فيسمعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 2 - هذا - أيها الرسول - قصص ربك عن رحمته لعبده ونبيه زكريا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 3 - حين التجأ إلى الله ودعاه فى خفية عن الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 4 - فقال: رب إنى قد ضعفت، وشاب رأسى، وكنت بدعائك غير شقى يا رب، بل كنت سعيداً مستجاب الدعوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 5 - وإنى خِفْتُ أقاربى ألا يحسنوا القيام على أمر الدين بعد موتى، وكانت ولا تزال امرأتى عقيماً، فارزقنى من فضلك غلاماً يخلفنى فى قومى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 6 - يرثنى فى العلم والدين، ويرث من آل يعقوب الملك، واجعله يا رب مرضياً عندك وعند الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 7 - فنودى: يا زكريا إنا نبشرك بغلام سميناه يحيى، ولم نُسم به أحداً قبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 8 - قال زكريا متعجباً: يا رب كيف يكون لى ولد وزوجى عقيم وأنا فى سن الشيخوخة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 9 - فأوحى الله لعبده زكريا أن الأمر كما بشرت به، وأن مَنْحَك الولد مع كبر السن وعُقْم الزوج هَيِّن علىّ، ولا تستبعد ذلك فقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً موجوداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 10 - قال زكريا: رب اجعل لى علامة تدل على حصول ما بشرت به. قال الله تعالى: علامتك أن تُحبس عن الكلام ثلاث ليال، وأنت سليم الحواس واللسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 11 - فخرج زكريا على قومه من مصلاه، فأشار إليهم أن سبحوا الله صباحاً ومساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 12 - ولد يحيى وشب ثم نودى، وأمر بأن يعمل بما فى التوراة فى جد وعزم، وقد آتاه الله فى طور الصبا فقْه الدين وفهْم الأحكام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 13 - وطبَّعه الله على الحنان، وسمو النفس، ونشَّأه على التقوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 14 - وجعله الله كثير البر بوالديه والإحسان إليهما، ولم يجعله مُتَجبّراً على الناس، ولا عاصياً لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 15 - وسلامة له وأمان، أن لا يمسه ضر أو أذى يوم ولادته، ويوم موته، ويوم بعثه حياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 16 - واذكر - أيها الرسول - ما فى القرآن من قصة مريم، حينما انفردت عن أهلها وعن الناس، وذهبت إلى مكان جهة الشرق من مقامها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 17 - وضربت بينها وبينهم حجاباً، فأرسل الله إليها جبريل فى صورة إنسان تام الخلق، حتى لا تفزع من رؤيته فى هيئته الملكية التى لا تألفها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 18 - قالت مريم: إنى ألتجئ إلى الرحمن منك إن يُرجى منك أن تتقى الله وتخشاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 19 - قال الملك: ما أنا إلا رسول من ربك لأكون سبباً فى أن يوهب لك غلام طاهر خيّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 20 - قالت مريم: كيف يكون لى غلام ولم يقربنى إنسان، ولست فاجرة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 21 - قال الملك: الأمر كما قلت: لم يمسك رجل. قال ربك: إعطاء الغلام بلا أب علىَّ سهل، وليكون ذلك آية للناس تدل على عظيم قدرتنا، كما يكون رحمة لمن يهتدى به. وكان خلق عيسى أمراً مقدراً لا بد منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 22 - وتحققت إرادة الله، وحملت مريم بعيسى على الوجه الذى أراده الله، وذهبت بحملها إلى المكان البعيد عن الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 23 - فألجأها ألم الولادة إلى أن تركن إلى جذع نخلة لتستند إليه وتستتر به، وتخيَّلت ما سيكون من إنكار أهلها هذا الأمر، وتمنت لو أدركها الموت، وكانت شيئاً منسيا لا يذكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 24 - فناداها الملك من مكان منخفض عنها: لا تحزنى بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس، فقد جعل ربك بالقرب منك نهراً صغيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 25 - وهزى النخلة نحوك يتساقط عليك الرطب الطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 26 - فكلى منه واشربى، وطيبى نفساً. فإن رأيت أحداً من البشر ينكر عليك أمرك، فأشيرى إليه أنك صائمة عن الكلام، ولن تتحدثى اليوم إلى أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 27 - فأقبلت مريم على أهلها تحمل عيسى، فقالوا لها فى دهشة واستنكار: لقد أتيت أمراً فظيعاً منكراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 28 - يا سلالة هارون النبى التقى الورع، كيف تأتين ما أتيت وما كان أبوك فاسد الأخلاق وما كانت أمك فاجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 29 - فأشارت إلى ولدها عيسى ليكلموه، فقالوا: كيف نتحدث مع طفل لا يزال فى المهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 30 - فلما سمع عيسى كلامهم أنطقه الله فقال: إنى عبد الله سيؤتينى الإنجيل، ويختارنى نبياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 31 - ويجعلنى مُباركاً مُعلماً للخير نفَّاعاً للناس، ويأمرنى بإقامة الصلاة وأداء الزكاة مدة حياتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 32 - كما يأمرنى أن أكون بارّاً بوالدتى، ولم يجعلنى متجبراً فى الناس، ولا شقياً بمعصيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 33 - والأمان من الله علىَّ يوم ولادتى، ويوم موتى، ويوم بعثى حياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 34 - ذلك الموصوف بهذه الصفات، هو عيسى ابن مريم، وهذا هو القول الحق فى شأنه، الذى يجادل فيه المبطلون، ويشكك فى أمر نبوته الشاكُّون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 35 - وما صح ولا استقام فى العقل أن يتخذ الله ولدا - تنزه الله عن ذلك - وشأنه - سبحانه - أنه إذا قضى أمراً من الأمور نفذت إرادته لا محالة، بكلمة - كن - فيتحقق فى الوجود كائناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 36 - وإن الله سيدى وسيدكم فاعبدوه، ولا تشركوا به أحداً، هذا الذى دعوتكم إليه طريق يوصلكم إلى السعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 37 - ومع ما تقدم من قول الحق فى عيسى، قد اختلف أهل الكتاب فيه، وذهبوا مذاهب شتى. والعذاب الشديد للكافرين يوم يحضرون موقف الحساب، ويشهدون موقف القيامة، ويلقون سوء الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 38 - ما أشد سمعهم وأقوى بصرهم يوم يلقون الله! {لكنهم اليوم فى الدنيا بظلمهم أنفسهم، وتركهم الانتفاع بالسمع والبصر فى ضلال عن الحق، ظاهر لا يخفى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 39 - وحذِّر - أيها الرسول - هؤلاء الظالمين يوماً يتحسرون فيه على تفريطهم فى حق الله وحق أنفسهم - وقد فرغوا من حسابهم، ونالوا جزاءهم - وقد كانوا فى الدنيا غافلين عن ذلك اليوم، لا يصدقون بالبعث ولا بالجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 40 - ألا فليعلم الناس أن الله هو الوارث لهذا الكون وما فيه، وحسابهم على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 41 - واذكر - أيها الرسول - للناس ما فى القرآن من قصة إبراهيم، إنه كان عظيم الصدق، قولا وعملا، مخبراً عن الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 42 - واذكر حين وجه إبراهيم الخطاب إلى أبيه فى رفق قائلا له: يا أبى كيف تعبد أصناماً لا تسمع ولا تبصر ولا تجلب لك خيراً، ولا تدفع عنك شراً؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 43 - يا أبى، لقد جاءنى من طريق الوحى الإلهى ما لم يأتك من العلم بالله، والمعرفة بما يلزم الإنسان نحو ربه، فاتبعنى فيما أدعوك إليه من الإيمان، أَدُلَّك على الطريق المستقيم، الذى يوصلك إلى الحق والسعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 44 - يا أبت: لا تطع الشيطان فيما يُزين لك من عبادة الأصنام، فإن الشيطان دائب على معصية الرحمن ومخالفة أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 45 - يا أبت: إنى أخشى - إن أصْرَرتَ على الكفر - أن يُصيبك عذاب شديد من الرحمن، فتكون قريناً للشيطان فى النار تليه ويليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 46 - قال الأب لإبراهيم منكراً عليه، مهدداً له: كيف تنصرف عن آلهتى يا إبراهيم وتدعونى إلى عبادة إلهك؟ لئن لم تكف عن شتم الأصنام لأضربنك بالحجارة، فاحذرنى واتركنى زماناً طويلا، حتى تهدأ ثائرتى عنك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 47 - تلطف إبراهيم مع أبيه وودعه قائلا: سلام عليك منى، وسأدعو لك ربى بالهداية والمغفرة، وقد عوَّدنى ربى أن يكون رحيماً بى قريباً منى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 48 - وهاأنذا أهجركم وأبتعد عما تعبدون من دون الله، وأعبد ربى - وحده - راجياً أن يقبل طاعتى ولا يخيب رجائى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 49 - فلما فارق إبراهيم أباه وقومه وآلهتهم، أكرمه الله بالذرية الصالحة على يأس منه، إذ بلغ هو وزوجه حد الكبر الذى لا ينجب، فوهب له إسحاق، ورزقه من إسحاق يعقوب، وجعلناهما نبيين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 50 - وأعطيناهم فوق منزلة النبوة كثيراً من خيْرى الدين والدنيا برحمتنا، وأورثناهم فى الدنيا ذكرى طيبة خالدة، بلسان صدق علىٍّ يتحدث بذكرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 51 - واتل - أيها الرسول - على الناس ما فى القرآن من قصة موسى، إنه كان خالصاً بنفسه وقلبه وجسمه لله، وقد اصطفاه الله للنبوة والرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 52 - وكرمناه فناديناه عند جبل الطور، وسمع موسى النداء الإلهى من الجهة اليمنى، وقرَّبناه تقْريب تشريف واصطفيناه لمناجاتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 53 - ومنحناه من رحمتنا ونعمنا، واخترنا معه أخاه هارون نبيا، يعاونه فى تبليغ الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 54 - واتل - أيها الرسول - على الناس ما فى القرآن من قصة إسماعيل، إنه كان يصدق فى وعده، وقد وعد أباه بالصبر على ذبحه له، وَوَفَّى بوعده، ففداه الله وشرفه بالرسالة والنبوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 55 - وكان يأمر أهله بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وكان فى المقام الكريم من رضا ربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 56 - واتل - أيها الرسول - على الناس ما فى القرآن من قصة إدريس، إنه كان شأنه الصدق قولا وفعلا وعملا. وقد منحه الله شرف النبوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 57 - وقد رفعه الله بذلك مكاناً سامياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 58 - أولئك الذين سلف ذكرهم، ممن أنعم الله عليهم من النبيين بنعم الدنيا والآخرة من ذرية آدم ومن ذرية من نجاه الله مع نوح فى السفينة، ومن ذرية إبراهيم كإسماعيل، ومن ذرية يعقوب كأنبياء بنى إسرائيل، وممن هديناهم إلى الحق، واخترناهم لإعلاء كلمة الله. هؤلاء إذا سمعوا آيات الله تُتْلى عليهم خشعوا وخروا ساجدين لله متضرعين له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 59 - ثم جاء بعد هؤلاء الأخيار أجيال على غير هدْيهم تركوا الصلاة، وأهملوا الانتفاع بِهدْيها، وانهمكوا فى المعاصى، وسيلقى هؤلاء جزاء غيهم وضلالهم فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 60 - لكن من تداركوا أنفسهم بالتوبة، وصدق الإيمان، والعمل الصالح، فإن الله يقبل توبتهم، ويدخلهم الجنة، ويوفيهم أجورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 61 - هذه الجنات دار خلود، وعد الرحمن بها عباده التائبين، فآمنوا بها بالغيب، فهم داخلوها لا محالة، فإن وعد الله لا يتخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 62 - وهم فى تلك الجنات لا يجرى بينهم لغو الحديث، ولا يسمعون إلا خيراً وأمناً، ورزقهم فيها رغد مكفول دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 63 - وإنما يؤتى الله تلك الجنة ويملكها لمن كان تقياً فى الدنيا بترك المعاصى وفعل الطاعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 64 - وكان الوحى قد تأخر وقلق الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فجاءه جبريل - عليه السلام - ليطمئنه وقال له: إن الملائكة لا تنزل إلا بإذن ربها، فاطمئن أيها الرسول الكريم فإن ربك لا ينسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 65 - فهو سُبحانه الخالق المالك للسموات والأرض وما بينهما، والمدبر لشئونهما، والمستحق - وحده - للعبادة، فاعبده - أيها المخاطب - وثابر على عبادته صابراً مطمئناً، فهو سبحانه المستحق - وحده - للعبادة، وليس له نظير يستحق العبادة، أو يسمى باسم من أسمائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 66 - ويقول الإنسان مستغرباً البعث: كيف أبعث حياً بعد الموت والفناء؟!! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 67 - كيف يستغرب قدرة الله على البعث فى الآخرة، ولا يذكر أنه تعالى خلقه فى الدنيا من عدم؟ ، مع أن إعادة الخلق أهْوَن من بدئه فى حكم العقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 68 - وإذا كان أمر البعث غريباً ينكره الكافرون، فوالذى خلقك وربَّاك ونمَّاك لنجمعن الكافرين يوم القيامة مع شياطينهم - الذين زينوا لهم الكفر - وسنحضرهم جميعاً حول جهنم جاثين على ركبهم فى ذلة لشدة الهول والفزع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 69 - ثم لننزعن من كل جماعة أشدهم كفراً بالله، وتمرداً عليه، فيدفع بهم قبل سواهم إلى أشد العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 70 - ونحن أعلم بالذين هم أحق بسبقهم إلى دخول جهنم والاصطلاء بلهيبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 71 - وإن منكم - معشر الخلق - إلا حاضر لها، يراها المؤمن ويمر بها، والكافر يدخلها، وتنفيذ هذا أمر واقع حتماً، جرى به قضاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 72 - ثم إننا نشمل المتقين برحمتنا فننجيهم من جهنم، ونترك بها الذين ظلموا أنفسهم جاثين على ركبهم، تعذيباً لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 73 - وكان الكافرون فى الدنيا إذا تليت عليهم آيات الله واضحة الدلالة أعرضوا عنها، وقالوا للمؤمنين - معتزين بمالهم وجمعهم - لستم مثلنا حظاً فى الدنيا، فنحن خير منكم منزلا ومجلساً، فكذلك سيكون حظنا فى الآخرة التى تؤمنون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 74 - وكان على هؤلاء الكافرين أن يتعظوا بمَنْ سبقهم من أمم كثيرة كفرت بالله وكانوا أحسن منهم حظاً فى الدنيا، وأكثر متاعاً وأبهى منظراً، فأهلكهم الله بكفرهم - وهم كثيرون - وفى آثارهم عبر لكل معتبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 75 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء: من كان فى الضلالة والكفر أمهله الرحمن، وأملى له فى العمر ليزداد طغياناً وضلالا، وسيردد الكفار قولهم للمؤمنين: أى الفريقين خير مقاماً وأحسن نديا؟ إلى أن يشاهدوا ما يوعدون: إما تعذيب المسلمين إياهم فى الدنيا بالقتل والأسر، وإما خزى القيامة لهم، فحينئذ يعلمون أنهم شر منزلا وأضعف أنصارا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 76 - أما المؤمنون بآيات الله، فحينما يسمعونها يقبلون عليها، ويزيدهم الله بها توفيقاً لحسن العمل، والأعمال الصالحة خير وأبقى عند الله ثواباً وعاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 77 - تعجب - أيها الرسول - من أمر الكافر بآيات الله، الذى فتنته دنياه، فأنكر البعث وقال - مستهزئاً -: إن الله سيعطينى فى الآخرة التى تزعمونها مالاً وولداً أعتز بهما هناك، وظن أن الآخرة كالدنيا، تقاس عليها، ونسى أنها جزاء الخير والشر، وأن الفضل فيها بالعمل الصالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 78 - فهل اطلع ذلك الكافر على الغيب حتى يخبر عن صدق؟ ، وهل أخذ من الله عهداً بذلك حتى يتعلق بأمل؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 79 - فليرتدع عما يفتريه، فإننا نحصى عليه افتراءه، وسيصل عذابه ممدوداً مدَّا طويلاً لا يتصوره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 80 - سيسلبه الله ما يعتز به فى الدنيا من مال وولد، ويهلكه، ويأتى فى الآخرة وحيداً منفرداً، دون مال أو ولد أو نصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 81 - أولئك الكافرون اتخذوا غير الله آلهة مختلفة عبدوها، لتكون لهم شفعاء فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 82 - عليهم أن يرتدعوا عما يظنون، سيجحد الآلهة عبادتهم وينكرونها، ويكون هؤلاء المعبودون خصماً للمشركين يطالبون بتعذيبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 83 - ألم تعلم - أيها الرسول - أننا مكنا الشياطين من الكافرين - وقد استحوذت على هؤلاء الكافرين - تُغريهم وتدفعهم إلى التمرد على الحق فانقادوا لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 84 - فلا يضق صدرك - أيها الرسول - بكفرهم، ولا تستعجل لهم العذاب، فإنما نتركهم فى الدنيا أمداً محدوداً ونحصى عليهم أعمالهم وذنوبهم، لنحاسبهم عليها فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 85 - اذكر - أيها الرسول - اليوم الذى نجمع فيه المتقين إلى جنة الرحمن وفوداً وجماعات مكرمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 86 - وندفع فيه المجرمين إلى جهنم عطاشا، كاندفاع الدواب العطاش إلى الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 87 - ولا يملك الشفاعة فى هذا اليوم أحد إلا من يأذن الله تعالى له، لعهد كان له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 88 - لقد قال المشركون واليهود والنصارى: إن الله اتخذ ولدا من الملائكة أو من الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 89 - لقد أتيتم - أيها القائلون - بذلك القول أمراً منكراً، تنكره العقول المستقيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 90 - تكاد السموات يتشققن منه، وتنخسف الأرض، وتسقط الجبال قطعاً مفتتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 91 - وإنما تقرب حوادث السموات والأرض والجبال أن تقع، لأنهم سموا لله ولدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 92 - وما يستقيم فى العقل أن يكون لله ولد، لأن إثبات الولد له يقتضى حدوثه وحاجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 93 - ما كل من فى السموات والأرض إلا سيأتى الله سبحانه يوم القيامة عبداً خاضعاً لألوهيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 94 - لقد أحاط علمه بهم جميعاً وبأعمالهم، فلا يخفى عليه أحد منهم ولا شئ من أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 95 - وهم جميعاً يجيئون إليه يوم القيامة منفردين عن النصراء وعن الولد والمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 96 - إن المؤمنين العاملين الصالحات يُحبهم الله، ويُحببهم إلى الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 97 - فإنما يسرنا القرآن بلغتك لتُبشر برضا الله ونعيمه من اتبع أوامره واجتنب نواهيه، وتُنذر بسخط الله وعذابه من كفر به واشتد فى خصومته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 98 - فلا يحزنك - أيها الرسول - عنادهم لك، فقد أهلك الله قبلهم كثيراً من الأمم والأجيال، لعنادهم ولكفرهم، ولقد اندثروا، فلا ترى منهم أحداً، ولا تسمع لهم صوتاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 1 - بدأ الله تعالى السورة بهذه الحروف لتحدى المنكرين، والإشارة إلى أن القرآن مُكَوَّن من هذه الحروف التى تتكلمون بها، ومع ذلك عجزتم عن الإتيان بسورة قصيرة أو آيات من مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 2 - إنا ما أوحينا إليك - أيها الرسول - هذا القرآن ليكون سبباً فى إرهاق نفسك أسفاً على إعراض المعرضين عنك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 3 - لكن أنزلناه تذكرة لمن يخاف الله فيطيعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 4 - قد نزل عليك هذا القرآن من عند الله القادر خالق الأرض والسموات الرفيعة العالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 5 - عظيم الرحمة على ملكه استوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 6 - له - وحده - سبحانه ملك السموات وما فيها والأرض وما عليها، وملك ما بينهما، وما اختبأ فى الأرض من معادن وخيرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 7 - وكما شملت قدرة الله - عَزَّ وَجَلَّ - كل شئ قد أحاط علمه بكل شئ، وإن ترفع صوتك - أيها الإنسان - بالقول، فإن الله يعلمه، لأنه يعلم حديثك مع غيرك ويعلم حديث نفسك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 8 - هو الله الإله الواحد المستحق للعبادة دون سواه؛ إذ هو المتصف بصفات الكمال، وله الصفات الحسنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 9 - هل علمت - أيها النبى - خبر موسى مع فرعون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 10 - حين أبصر ناراً فى مسيره ليلا من مدين إلى مصر، فقال عند ذلك لزوجه ومن معها: انتظروا فى مكانكم، إنى أبصرت ناراً، أرجو أن أحمل لكم منها جمرة تدفئكم، أو أجد حول النار من يهدينى إلى الطريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 11 - فلما بلغ مكانها، سمع صوتاً عُلْوِيا يناديه: يا موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 12 - إنى أنا الله ربك، فاخلع نعليك تكريماً للموقف، فإنك بالوادى المطهر المبارك وهو «طوى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 13 - وأنا الله أصطفيك بالرسالة، فاصغ لما أوحيه إليك لتعلمه وتبلغه قومك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 14 - إننى أنا الله الإله الواحد، لا معبود بحق سواى، فآمن بى واعبدنى، وداوم على إقامة الصلاة لتظل فى ذكر دائم بى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 15 - إن الساعة - التى هى موْعد لقائى، وقد أخفيت موعدها عن عبادى، وأظهرت لهم دلالتها - آتية لا محالة، لتحاسب كل نفس على ما عملت وتُجزى به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 16 - فلا يصرفنك يا موسى عن الإيمان بالساعة والاستعداد لها من لا يصدق بها، ومال مع هواه فتهلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 17 - وما تلك التى تمسكها بيدك اليمنى؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 18 - وأجاب موسى: إنها عصاى أعتمد عليها فى مسيرى، وأسوق بها غنمى، ولى فيها منافع أخرى، كدفع أذى الحيوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 19 - قال الله سبحانه لموسى: ارم بها على الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 20 - فرمى بها موسى، ففوجئ بها تنقلب حية تمشى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 21 - فارتاع منها، فطمأنه الله قائلا: تَناوْلها دون خوف، فإننا سنعيدها عصا كما كانت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 22 - وأَدْخِل يدك فى جيب ثوبك مضمومة إلى جنبك تخرج بيضاء ناصعة من غير داء، وقد جعلناها لك معجزة ثانية على رسالتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 23 - لِنُرِيك بعض معجزاتنا الكبرى لتكون دليلا على صدقك فى الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 24 - اذهب إلى فرعون وادعه إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، فإنه قد تجاوز الحد فى كفره وطغيانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 25 - فتضرَّع موسى إلى ربه أن يشرح له صدره، ليذهب عنه الغضب، وليؤدى رسالة ربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 26 - وسهِّل لى أمر الرسالة لأؤدى حقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 27 - وفك عُقْدة لسانى لأبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 28 - ليفهم الناس فهماً دقيقاً ما أقول لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 29 - واجعل لى مؤازراً من أهلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 30 - هو أخى هارون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 31 - اشدد به قوتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 32 - وأشركه معى فى تحمل أعباء الرسالة وتبليغها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 33 - كى نُنَزِّهك كثيراً عما لا يليق بك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 34 - ونردد أسماءك الحسنى كثيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 35 - يا ربنا: إنك دائماً بصير بنا، ومتكفل بأمرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 36 - نادى الله رسوله موسى قائلا: قد أعطيتك ما سألت، وهذه منة عليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 37 - ولقد سبق أن تفضلنا عليك بمنة أخرى دون سؤال منك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 38 - حين ألهمنا أمك إلهاماً كريماً كانت فيه حياتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 39 - ألْهمناها أن تضعك - طفلا رضيعاً - فى الصندوق، وأن تلقى به فى النيل، لننجيك من قتل فرعون، إذ كان يقتل من يولد فى بنى إسرائيل من الذكور، وسخرنا الماء لِيُلْقى الصندوق بالشاطئ، وشاءت إرادتنا أن يأخذ الصندوق فرعون عدوى وعدوك، وأحببتك حب رحمة وولاية، ليحبك كل من يراك، ولتربى تربية كريمة ملحوظاً برعايتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 40 - واعلم يا موسى سابق عنايتنا بك حين مشت أختك ترقب أمرك، فلما صرت فى قصر فرعون، ورأتهم يبحثون لك عن مُرْضِع دلَّتهم على أمك، فرددناك إليها لتفرح بحياتك وعودتك، ولتكف عن الحزن والبكاء، ولما كبرت وقتلت خطأ رجلا من قوم فرعون نجيناك من الغم الذى لحق بك، وخلَّصناك من شرهم، فذهبت إلى مدين ومكثت فيها سنين عدة، ثم عدت من مدين فى الموعد الذى قدرناه لإرسالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 41 - واصطفيتك لوحيى وحمل رسالتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 42 - اذهب مع أخيك مُؤَيَّدين بمعجزاتى الدالة على النبوة والرسالة، ولا تضْعُفا فى تبليغ رسالتى، ولا تغفلا عن ذكرى والاستعانة بى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 43 - اذهب مع أخيك هارون إلى فرعون، إنه كافر تجاوز الحد فى كفره وطغيانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 44 - فادعواه إلى الإيمان بى فى رفق ولين، راجين أن يتذكر ما غفل عنه من الإيمان، ويخشى عاقبة كفره وطغيانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 45 - فتضرع موسى وهارون إلى الله قائلين: يا ربنا إننا نخشى أن يُبادرنا فرعون بالأذى، ويتجاوز الحد فى الإساءة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 46 - فطمأنهما الله بقوله: لا تخافا فرعون، إننى معكما بالرعاية والحفظ، سميع لما يقول، مبصر لما يفعل، فلا أمكِّنه من إيذائكما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 47 - فاذهبا إلى فرعون فقولا له: إننا رسولان إليك من ربك، جئنا ندعوك إلى الإيمان به، وأن تطلق بنى إسرائيل من الأسر والعذاب، قد أتيناك بمعجزة من الله تشهد لنا بصدق ما دعوناك إليه، وبالأمان من عذاب الله وغضبه لمن اتبع هداه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 48 - وإن الله قد أوحى إلينا أن عذابه الشديد واقع على من كذبنا وأعرض عن دعوتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 49 - قال فرعون فى طغيانه وجبروته: فَمَنْ ربكما يا موسى؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 50 - فأجابه موسى: ربنا الذى منح نعمة الوجود لكل موجود، وخلقه على الصورة التى اختارها سبحانه له، ووجَّهه لما خلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 51 - قال لفرعون: فما شأن القرون الماضية وما جرى لها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 52 - قال موسى: عِلْمُ هذه القرون عند ربى - وحده - وهى مسجلة فى صحائف أعمالهم، لا يغيب عن علمه شئ منها ولا ينساه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 53 - هو الإله المتفضل على عباده بالوجود والحفظ، مهَّد لكم الأرض فبسطها بقدرته، وشق لكم فيها طرقاً تسلكونها، وأنزل المطر عليها تجرى به الأنهار فيها، فأخرج سبحانه أنواع النبات المختلفة المتقابلة فى ألوانها وطعومها ومنافعها، فمنها الأبيض، ومنها الأسود، ومنها الحلو، ومنها المر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 54 - ووجَّه - سبحانه - عباده إلى الانتفاع بما أخرج من النبات بالأكل ورعى الأنعام، ونحو ذلك. فذكر أن فى هذا الخلق وإبداعه والإنْعام به دلائل واضحة، يهتدى بها ذوو العقول إلى الإيمان بالله ورسالاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 55 - ومن تراب هذه الأرض خلق الله آدم وذريته، وإليها يردّهم بعد الموت لمواراة أجسامهم، ومنها يخرجهم أحياء مرة أخرى للبعث والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 56 - ولقد أرينا فرعون على يد موسى المعجزات البيِّنة المؤيدة لرسالته وصدقه فى كل ما أخبره به عن الله وعن آثار قدرته، ومع هذا فقد تمادى فرعون فى كفره، فكذّب بكل ذلك، وأَبَى أن يؤمن به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 57 - قال فرعون لموسى: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا، وتجعلها فى يد قومك بسحرك الذى فَتَنْت الناس به؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 58 - وإنا سنبطل سحرك من عندنا، فاجعل بيننا وبينك موعداً نلتقى فيه، ولا يتخلف منا أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 59 - فأجابه موسى: موعدنا يوم عيدكم الذى تتزينون فيه مبتهجين به، فيجتمع الناس فى ضحى ذلك اليوم، ليشهدوا ما يكون بيننا وبينكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 60 - فانصرف فرعون وتولى الأمر بنفسه، فجمع وسائل تدبيره، وعِلْيَة من السحرة، وأدوات السحر، ثم حضر فى الموعد بكل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 61 - قال لهم موسى يحذرهم هلاك الله وعذابه، وينهاهم عن اختلاق الكذب، بزعمهم ألوهية فرْعون وتكذيبهم رسل الله، وإنكارهم المعجزات، وهددهم بأن الله يستأصلهم بالعذاب إن استمروا على هذا، ويؤكد خسران من افترى الكذب على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 62 - فذعروا من تحذير موسى، وتفاوضوا سرا فيما بينهم متجاذبين وكلٌّ يشير برأى فيما يلْقَون به موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 63 - وأجمعوا فيما بينهم على أن موسى وهارون ساحران، يعملان على إخراجهم من بلادهم، بإخراج السلطان من أيديهم، وذلك بالسحر ليتمكن بنو إسرائيل فيها، وليبطلا عقيدتهم الطيبة فى زعمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 64 - فاجعلوا ما تكيدون به موسى أمراً متفقاً عليه، ثم احضروا مُصْطَفِّين، لتكون لكم فى نفوس الرائين الهيبة والغلبة، وقد فاز اليوم من غلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 65 - واجه السحرة موسى برأى واحد، وخيَّروه فى شموخ واعتزاز، بَيْن أن يبدأ فيلقى عصاه، أو أن يكونوا هم البادئين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 66 - قال موسى: بل ابتدئوا، فألقوا حبالهم وعصيهم، فتخيَّل موسى من السحر أنها انقلبت ثعابين تتحرك وتسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 67 - فأحس موسى بالخوف لِما رآه من أثر السحر، ومن احتمال أن يلتبس السحر على الناس بالمعجزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 68 - فأدركه الله بلطفه قائلا: لا تخش شيئاً، إنك الغالب المنتصر على باطلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 69 - وأَلْق العصا التى بيمينك لتبتلع ما زوَّروا من السحر، إن صنيعهم لا يجاوز تمويه السحرة، وإن الساحر لا يفوز أينما كان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 70 - فألقى موسى عصاه، فإذا بها تنقلب حقاً بقدرة الله حية كبيرة مخيفة، وابتلعت كل ما أعدّوه، فلما رأى السحرة تلك المعجزة بادروا إلى السجود موقنين بصدق موسى قائلين: آمنا بالله - وحده - رب هارون وموسى، ورب كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 71 - قال فرعون: كيف تؤمنون به دون إذن منى؟ إنه لرئيسكم الذى علَّمكم السحر، وليس عمله معجزة كما توهمتم، وهددهم: لأُقَطعَنّ أيديكم وأرجلكم مختلفات بِقَطْع اليمنى من واحدة واليسرى من الأخرى، ولأصلبنكم فى جذوع النخل، وستعلمون أى الإلهين أشد عذاباً وأدوم زمنا: أنا أم إله موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 72 - ثبت السحرة على إيمانهم، ودفعوا تهديد فرعون بقولهم: لن نبقى على الكفر معك بعدما تبيَّن لنا الحق فى معجزة موسى، ولن نختارك على إله موسى الذى خلقنا، فافعل ما تريد أن تفعله، إن سلطانك لا يتجاوز هذه الحياة القصيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 73 - فإننا مقيمون على الإيمان بربنا الحق، ليتجاوز لنا عمَّا سلف من السيئات، وليغفر لنا ممارسة السحر الذى أكرهتنا على تعلمه والعمل به، وربنا خير منك ثواباً، إذا أُطيع، وأبقى منك سلطاناً وقدرة على الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 74 - إن من يموت على الكفر ويلقى الله مجرماً فجزاؤه جهنم لا يموت فيها فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياة يتمتع فيها بنعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 75 - ومن يلاقى ربه على الإيمان وصالح العمل فله المنازل السامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 76 - تلك المنازل هى الإقامة فى جنات النعيم تجرى بين أشجارها الأنهار خالدين فيها، وذلك جزاء لمن طهر نفسه بالإيمان والطاعة بعد الكفر والمعصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 77 - ثم تتابعت الأحداث بين موسى وفرعون، وأوحى الله إلى رسوله موسى أن يخرج ببنى إسرائيل من مصر ليلا، وأن يضرب البحر بعصاه فتحدث معجزة أخرى، إذ يفتح له الطريق يبساً فى الماء، وطمأنه ألا يخاف من إدراك فرعون لهم، ولا أن يغرقهم الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 78 - فنفَّذ موسى ما أمر الله به، فخرج فرعون بجنوده وراءه، فأدركهم عند البحر، وسار وراءهم فى الطريق التى تفتحت فى البحر لموسى وقومه، وهنا تحققت المعجزة الأخرى، وهى انطباق مياه البحر على فرعون وقومه، فأغرقتهم جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 79 - وهكذا انحرف بقومه عن طريق الحق، وغرر بهم، فهلكوا جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 80 - يا بنى إسرائيل، قد أنجيناكم من عدوكم فرعون، وواعدناكم بالنجاة من عدوكم على لسان موسى أن تصلوا آمنين إلى جانب الطور، ونزّلنا عليكم المن والسلوى رزقاً طيباً من الحلو ولحم الطير الشهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 81 - كلوا من هذه الطيبات التى رزقتم بها دون مجهود، ولا تظلموا، ولا ترتكبوا معصية الله فى هذا العيش الرغيد، حتى لا ينزل بكم غضبى، فإن من ينزل عليه غضبى ينحدر إلى أسفل الطبقات من عذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 82 - وإنى عظيم الغفران لمن رجع عن كفره، وأحسن الإيمان، وأصلح العمل، واستمر على ذلك حتى يلقى الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 83 - سبق موسى قومه إلى الطور، ليظفر بمناجاة ربه، فسأله الله عن السبب الذى أعجله بالحضور دون قومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 84 - قال موسى: إن قومى قريبون منى، لاحقون بى، وإنما سبقتهم إليك يا رب رغبة فى رضاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 85 - قال الله له: إنَّا قد امتحنا قومك من بعد مغادرتك لهم، فوقعوا فى فتنة، إذْ أضلّهم السامرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 86 - فعاد موسى إلى قومه فى غضب شديد وحزن مؤلم، وخاطب قومه - منكراً عليهم - بقوله: لقد وعدكم ربكم النجاة والهداية بنزول التوراة، والنصر بدخول الأرض المقدسة، ولم يطل عليكم العهد حتى تنسوا وعد الله لكم، أردتم بسوء صنيعكم أن ينزل بكم غضب الله بطغيانكم الذى حذركم منه، فأخلفتم عهدكم لى بالسير على سنتى والمجئ على أثرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 87 - قال قوم موسى معتذرين: لم نتخلف عن موعدك باختيارنا، ولكننا حُمِّلنا حين خرجنا من مصر أثقالا من حِلْى القوم، ثم رأينا - لشؤمها علينا - أن نتخلص منها، فأشعل السامرى النار فى حفرة ورمينا فيها هذه الأثقال، فكذلك رمى السامرى ما معه من الحلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 88 - فصنع السامرى لهم عجلا مجسماً من الذهب، يمر الريح فى جوفه فيكون له صوت يسمع كخوار البقر، لتتم الخديعة به، ودعاهم إلى عبادته فاستجابوا، وقال هو وأتباعه: هذا معبودكم ومعبود موسى. فنسى أنه يسهل بالتأمل والاستدلال على أن العجل لا يكون إلهاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 89 - لقد عميت بصائرهم حين يعتبرون هذا العجل إلهاً {أفلا يرون أنه لا يرد على أقوالهم، ولا يستطيع أن يدفع عنهم ضراً، ولا أن يجلب لهم نفعاً} ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 90 - وكان هارون مقيماً فيهم - حين قيام هذه الفتنة - ولقد قال لهم قبل رجوع موسى - عليه السلام -: يا قوم، لقد وقعتم فى فتنة السامرى بهذا الباطل، وإن إلهكم الحق هو الله الرحمن دون سواه، فاتبعونى فيما أنصحكم به، وامتثلوا رأيى بالامتناع عن هذه الضلالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 91 - قالوا: سنظل مستمرين على عبادة هذا العجل إلى أن يعود موسى إلينا! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 92 - قال موسى متأثراً بما علمه ورآه من قومه: يا هارون، أى سبب منعك أن تكفهم عن الضلالة إذ رأيتهم وقعوا فيها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 93 - ولم تقم مقامى بنصحهم كما عهدت إليك، أفلا تتبعنى فيما عهدت به إليك أم هل عصيت أمرى؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 94 - قال هارون لموسى: يا ابن أمى: لا تعاجلنى بغضبك، ولا تمسك بلحيتى ولا برأسى. لقد خفت إن شددت عليهم فتفرقوا شيعاً وأحزاباً أن تقول لى: فرقت بين بنى إسرائيل، ولم تخلفنى فيهم كما عهدت إليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 95 - قال موسى - عليه السلام - للسامرى: ما هذا الأمر الخطير الذى يُعد خَطْباً ووقعت فيه؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 96 - قال السامرى لموسى: عرفت من حذق الصناعة وحِيَلِها ما لم يعلمه بنو إسرائيل، وصنعت لهم صورة عجل له هذا الصوت، وقبضت قبضة من أثر الرسول فألقيتها فى جوف العجل، تمويهاً على الناس، وكذلك زَيَّنت لى نفسى أن أفعل ما فعلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 97 - قال موسى للسامرى: اخرج من جماعتنا، وابعد عنا، وإن جزاءك فى الدنيا أن تهيم على وجهك، وينفر الناس منك، حتى لا تكون بينك وبينهم صلة، فلا يقربك أحد، ولا تقترب أنت من أحد، وإن لعذابك فى الآخرة موعداً محدداً لا تستطيع الفرار منه، وندد موسى به وبإلهه قائلا: انظر الآن ماذا نصنع بإلهك الذى عكفت على عبادته، وفتنت الناس به، لنحرقنه ثم لنذروه فى البحر ذروا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 98 - وقام موسى بإنجاز ما قال، ثم اتجه إلى بنى إسرائيل بعد هذه العبرة قائلا لهم: إن إلهكم الواحد، هو الذى لا يُعبد بحق سواه، وقد أحاط علمه بكل شئ مما كان ومما سيكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 99 - كما قصصنا عليك - أيها الرسول - نبأ موسى، نخبرك بالحق عن الأمم السابقة، وقد أنزلنا عليك من عندنا كتاباً فيه تذكير لك ولأمتك، بما فيه صلاح دينكم ودنياكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 100 - من انصرف عن تصديقه والاهتداء به فإنه يضل فى حياته، ويأتى يوم القيامة حاملا إثم ما صنع، ويجازى بالعذاب الشديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 101 - ويخْلد فى هذا العذاب، وبئس هذا الحمل السيئ يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 102 - اذكر - أيها الرسول - لأمتك اليوم الذى نأمر فيه المَلَك أن ينفخ فى الصور (البوق) نفخة الإحياء والبعث من القبور، وندعوهم إلى المحشر، ونسوق المجرمين إلى الموقف زرق الوجوه رعباً وفزعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 103 - يتهامسون فيما بينهم فى ذلة واضطراب عن قِصَر الحياة الدنيا، حتى كأنهم لم ينعموا بها، ولم يلبثوا فيها إلا عشرة أيام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 104 - وليس تهامسهم خافياً، فنحن أعلم بما يتهامسون به، وبما يقول أقربهم إلى تصوير شعورهم نحو الدنيا بأنها لم تكن إلا كيوم واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 105 - ويسألك المنكرون للبعث - أيها الرسول - عن مصير الجبال يوم القيامة الذى تتحدث عنه، فأجِبْهم بأن الله يفتِّتها كالرمل، ثم يطيِّرها بالرياح فتكون هباء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 106 - فيدع أماكنها من الأرض بعد نسفها ملساء مستوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 107 - لا تبصر فى الأرض انخفاضاً ولا ارتفاعاً، كأنها لم تكن معمورة من قبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 108 - يوم القيامة يتبع الناس بعد قيامهم من قبورهم دعوة الداعى إلى المحشر مستسلمين، لا يستطيع أحد منهم أن يعدل عنه يميناً ولا شمالاً، وتخشع الأصوات بالسكون والرهبة لعظمة الرحمن، فلا يُسمَع إلا صوت خفى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 109 - يومئذ لا تنفع الشفاعة من أحد إلا من أكرمه الله فأذن له بالشفاعة ورضى قوله فيها، ولا تنفع الشفاعة فى أحد إلا من أذن الرحمن فى أن يُشفع له وكان مؤمناً، ورضى الله قوله بالتوحيد والإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 110 - والله - جل شأنه - يعلم ما تقدم من أمورهم فى دنياهم، وما يستقبلونه منها فى أُخراهم، فهو سبحانه يُدبِّر الأمر فيهم بمقتضى علمه، وهم لا يحيطون علماً بتدبيره وحكمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 111 - وذَلّت وجوه فى هذا اليوم، وخضعت للحى الذى لا يموت، القائم بتدبير أمور خلقه، وقد خسر النجاة والثواب فى اليوم الآخر من ظلم نفسه فى الدنيا فأشرك بربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 112 - ومن يعمل من الطاعات وهو مصدق بما جاء به - محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهو لا يخاف أن يزاد فى سيئاته، أو ينقص من حسناته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 113 - ومثل هذا البيان الحق الذى سلف فى هذه السورة - فى تمجيد الله وقصة موسى، وأخبار القيامة - أنزل الله هذا الكتاب قرآناً عربى البيان، وصرف القول فى أساليب الوعيد ووجوهه، لينتهوا عما هم فيه من العصيان، وليجدد القرآن لهم عظة واعتبارا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 114 - فارتفع عن الظنون، وتنزَّه عن مشابهة الخلق، المَلِكُ الذى يحتاج إليه الحاكمون والمحكومون، المحق فى ألوهيته وعظمته، ولا تعجل يا محمد بقراءة القرآن من قبل أن يفرغ المَلَك من إلقائه إليك، وقل: رب زدنى علما بالقرآن ومعانيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 115 - ولقد وصينا آدم - أيها الرسول - من أول أمره، ألا يخالف لنا أمراً، فنسى العهد وخالف، ولم نجد له أول أمره عزماً وثيقاً، وتصميماً قوياً يمنع من أن يتسلل الشيطان إلى نفسه بوسوسته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 116 - واذكر - أيها الرسول - حين أمر الله الملائكة بتعظيم آدم على وجه أراده سبحانه، فامتثلوا، لكن إبليس - وهو معهم وكان من الجن - خالف وامتنع، فأخرج وطُرِد! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 117 - فخاطب الله آدم قائلا: إن هذا الشيطان الذى خالف أمرنا فى تعظيمك عدو لك ولحواء - زوجتك - فاحذروا وسوسته بالمعصية، فيكون سبباً فى خروجكما من الجنة، فتشقى يا آدم فى الحياة بعد الخروج من الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 118 - إن علينا أن نكفل لك مطالب حياتك فى الجنة، فلن يُصيبك فيها جوع ولا عِرْى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 119 - وأنه لن يصيبك فيها عطش، ولن تتعرض فيها لحر الشمس، كما هو شأن الكادحين فى خارج الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 120 - فاحتال عليه الشيطان يهمس فى نفسه، مُرَغِّباً له ولزوجه فى الأكل من الشجرة المنهى عنها، قائلا: أنا أدلك يا آدم على شجرة، من أكل منها رزق الخلود، ورزق مُلكاً لا يَفنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 121 - ودلَّه على الشجرة المحرَّمة، فخُدع آدم وزوجه بإغراء إبليس، ونسيا نهى الله، وأكلا منها، فظهرت لهما عوراتهما، جزاء طمعهما، حتى نسيا ووقعا فى مخالفته، وصارا يقطعان من ورق شجر الجنة ويستران ما بدا منهما، وخالف آدم ربه، وكان ذلك قبل النبوة، فَحُرِم الخلود الذى تمناه وفسد عيشه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 122 - ثم اصطفاه الله للرسالة، فقبل توبته، وهداه إلى الاعتذار والاستغفار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 123 - أمر الله آدم وزوجه أن يخرجا من الجنة ويهبطا إلى الأرض، وأخبرهما سبحانه بأن العداوة ستكون فى الأرض بين ذريتهما، وأنه سبحانه سيمدهم بالهدى والرشاد، فمن اتَّبع منهم هدى الله فلا يقع فى المآثم فى الدنيا، ولا يشقى بالعذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 124 - ومن أعرض عن هدى الله وطاعته فإنه يحيا حياة لا سعادة فيها، فلا يقنع بما قسم الله، ولا يستسلم إلى قضاء الله وقدره، حتى إذا كان يوم القيامة جاء إلى موقف الحساب مأخوذاً بذنبه، عاجزاً عن الحجة التى يعتذر بها، كما كان فى دنياه أعمى البصيرة عن النظر فى آيات الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 125 - وفى هذا الموقف يسأل ربه فى فزع: يا رب كيف أنسيتنى الحُجة، وأعجزتنى عن المعذرة، ووقفتنى كالأعمى؟ {وقد كنت فى الدنيا أُبصر ما حولى وأجادل وأدافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 126 - الأمر فى شأنك كما وقع: جاءتك دلائلنا ورسلنا فى الدنيا فنسيتها، وتعاميت عنها، ولم تؤمن بها، وكذلك اليوم تترك منسيا فى العذاب والهوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 127 - ومثل هذا الجزاء السيئ نجزى فى الدنيا من أقبل على المعصية، وكذب بالله وآياته، وإن عذاب الآخرة لأشد ألماً، وأدْوَم مما كان فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 128 - كيف يتعامون عن آيات الله، وقد تبين لهم إهلاكنا لكثير من الأمم السالفة بسبب كفرهم، ولم يتعظوا بهم مع أنهم يمشون فى ديارهم ومساكنهم، ويشهدون آثار ما حل بهم من العذاب؟} وإن فى تلك المشاهد لعظات لأصحاب العقول الراجحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 129 - ولولا حكم سبق من ربك بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى - هو القيامة - لكان العذاب لازماً لهم فى الدنيا كما لزم كفار القرون الماضية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 130 - فاصبر - أيها الرسول - على ما يقولونه فى رسالتك من تكذيب واستهزاء، ونَزِّه ربك عما لا يليق به بالثناء عليه، وعبادته - وحده - دائماً، وخاصة قبل أن تشرق الشمس وقبل أن تغرب، ونزِّهه واعبده فى ساعات الليل، وفى أطراف النهار بالصلاة، حتى تدوم صلتك بالله، فلتطمئن إلى ما أنت عليه، وترضى بما قدر لك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 131 - ولا تتعَدَّ بنظرك إلى ما متَّعنا به أصنافاً من الكافرين، لأن هذا المتاع زينة الحياة الدنيا وزخرفها، يمتحن الله به عباده فى الدنيا، ويدِّخر الله لك فى الآخرة ما هو خير وأبقى من هذا المتاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 132 - ووجِّه أهلك إلى أن يؤدُّوا الصلاة فى أوقاتها، فالصلاة أقوى ما يصلهم بالله، وداوم على إقامتها كاملة، لا نكلفك رزق نفسك فنحن متكفلون برزقك، وإن العاقبة الحميدة فى الدنيا والآخرة مكفولة لأهل الصلاح والتقوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 133 - وقال الكافرون فى عنادهم: لماذا لا يأتينا محمد بدليل من ربه يَلزمُنا الإيمان به؟ {فكيف يجحدون القرآن - وقد جاءهم به مشتملا على ما فى الكتب السابقة من أنباء الأمم الماضية، وإهلاكهم بسبب تكذيب الرسل - وليس محمد بِدْعاً فى ذلك} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 134 - ولو عاجل الله هؤلاء الكافرين بالإهلاك قبل أن يرسل إليهم محمداً لاعتذروا يوم القيامة قائلين: يا ربنا لم ترسل إلينا رسولا فى الدنيا مؤيداً بالآيات لنتبعه قبل أن ينزل بنا العذاب والخزى فى الآخرة. ولكن لا عذر لهم الآن بعد إرسال الرسول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 135 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء المعاندين: إننا جميعاً منتظرون لما يؤول إليه أمرنا وأمركم، وستعلمون حقاً أى الفريقين صاحب الدين الحق والمهتدى بهدى الله؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 1 - دنا للمشركين وقت حسابهم يوم القيامة، وهم غافلون عن هوله، معرضون عن الإيمان به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 2 - ما يأتيهم قرآن من ربهم مُجدَّد نزوله، مذكر لهم بما ينفعهم، إلا استمعوه وهم مشغولون عنه بما لا نفع فيه، يلعبون كما يلعب الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 3 - لاهية قلوبهم عن التأمل فيه، وبالغوا فى إخفاء تآمرهم على النبى وعلى القرآن، قائلين فيما بينهم: ما محمد إلا بشر مثلكم، والرسول لا يكون إلا مَلَكا. أتصدقون محمداً فتحضرون مجلس السحر وأنتم تشاهدون أنه سحر؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 4 - قال الرسول لهم - وقد أطلعه الله على حديثهم الذى أسروه -: ربى يعلم كل ما يقال فى السماء والأرض، وهو الذى يَسمع كل ما يُسمع، ويعلم كل ما يقع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 5 - بل قالوا: إنه أخلاط أحلام رآها فى المنام، بل اختلقه ونسبه كذباً إلى الله. ثم أعرضوا عن ذلك، وقالوا: بل هو شاعر يستولى على نفوس سامعيه، فليأتنا بمعجزة مادية دالة على صدقه، كما أُرسل الأنبياء الأولون مؤيدون بالمعجزات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 6 - لم تؤمن قبلهم أمة من الأمم التى أهلكناها بعد أن كذبت بالمعجزات المادية، فهل يؤمن هؤلاء إذا جاءهم ما يطلبون؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 7 - وما أرسلنا إلى الناس قبلك - أيها النبى - إلا رجالا من البشر، نوحى إليهم الدين ليبلغوه الناس، فاسألوا - أيها المنكرون - أهلَ العلم بالكتب المنزلة إن كنتم لا تعلمون ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 8 - وما جعلنا الرسل أجساداً تخالف أجساد البشر يعيشون دون طعام، وما كانوا باقين مخلدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 9 - ثم صدقناهم، وحققنا لهم الوعد، فأنجيناهم وأنجينا معهم من أردنا نجاتهم من المؤمنين، وأهلكنا الكافرين المسرفين فى تكذيبهم وكفرهم برسالة أنبيائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 10 - لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه تذكير لكم إذا علمتموه وعملتم بما فيه، فكيف تعرضون وتكفرون به؟! أيبلغ بكم العناد والحمق إلى ما أنتم عليه فلا تعقلون ما ينفعكم فتسارعون إليه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 11 - وكثير من أهل القرى أهلكناهم بسبب كفرهم وتكذيبهم لأنبيائهم، وأنشأنا بعد كل قوم منهم قوماً غيرهم أحسن منهم حالا ومآلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 12 - فلما أردنا إهلاكهم، وأحسوا بما يقع عليهم من شدة عذابنا وقدرتنا على إنزاله؛ سارعوا إلى الهرب والتماس النجاة بما يشبه عمل الدواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 13 - لا تسرعوا - أيها المنكرون - فلن يعصمكم من عذاب الله شئ، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من نعيمكم ومساكنكم، لعل خدمكم وأشياعكم يسألونكم المعونة والرأى كما كان شأنكم، وأنَّى تستطيعون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 14 - قالوا - وقد سمعوا الاستهزاء بهم منادين هلاكهم موقنين به -: إنا كنا ظالمين حين أعرضنا عما ينفعنا، ولم نؤمن بآيات ربنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 15 - فما زالت هذه الكلمات يرددونها ويصيحون بها، حتى جعلناهم - بالعذاب - كالزرع المحصود خامدين لا حياة فيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 16 - وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما - بهذا النظام المحكم والصنع البديع - نلعب بها، بل جعلناها لحِكمٍ عالية يدركها المتأملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 17 - لو أردنا أن نتخذ ما نلْهُو به لما أمكن أن نتخذه إلا من مُلكنا الذى ليس فى الوجود مُلك غيره، إن كنا ممن يفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله لاستحالته فى حقنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 18 - بل أَمْرُنا الذى يليق بنا هو أن نقذف الحق فى وجه الباطل فَيُذْهِبه، ولكم - أيها الكافرون - الهلاك بسبب افترائكم على الله ورسوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 19 - ولله - وحده - كل من فى السموات والأرض خَلقاً ومُلكاً، فمن حقه - وحده - أن يُعبد، والمقرَّبون إليه من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته والخضوع له، ولا يشعرون بالإعياء والملل من طول عبادته بالليل والنهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 20 - يُنَزّهونه جل شأنه عما لا يليق به، لا يتخلل تنزيههم هذا فُتُور، بل هو تنزيه دائم لا يشغلهم عنه شاغل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 21 - لم يفعل المشركون ما يفعله المقربون من إخلاص العبادة لله، بل عبدوا غيره، واتخذوا من الأرض آلهة لا تستحق أن تعبد، وكيف يُعْبَد من دون الله من لا يستطيع إعادة الحياة؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 22 - لو كان فى السماء والأرض آلهة غير الله تُدبِّر أمرهما لاختلَّ النظام الذى قام عليه خلقهما، ولما بلغ غاية الدقة والإحكام، فتنزيهاً لله صاحبِ الملك عما ينسبه إليه المشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 23 - لا يُحاسب - سبحانه - ولا يُسأل عما يفعل، لأنه الواحد المتفرد بالعزة والسلطان، الحكيم العليم، فلا يخطئ فى فعل أى شئ، وهم يُحاسبون ويُسألون عما يفعلون؛ لأنهم يخطئون لضعفهم وجهلهم وغلبة الشهوة عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 24 - لم يعرفوا حق الله عليهم، بل اتخذوا من غيره آلهة يعبدونها دون دليل معقول أو برهان صادق. قل - أيها النبى - هاتوا برهانكم على أن لله شريكاً فى الملك يبرر إشراكه فى العبادة. هذا القرآن الذى جاء مذكراً لأمتى بما يجب عليها، وهذه كتب الأنبياء التى جاءت لتذكِّر الأمم قبلى تقوم كلها على توحيد الله. بل أكثرهم لا يعلمون ما جاء فى هذه الكتب، لأنهم لم يهتموا بالتأمل فيها، فهم معرضون عن الإيمان بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 25 - وما أرسلنا إلى الناس قبلك - أيها النبى - رسولا ما، إلا أوحينا إليه أن يبلِّغ أمته أنه لا يستحق العبادة غيرى، فأَخْلِصُوا لى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 26 - وقال بعض كفار العرب: اتخذ الرحمن ولدا بزعمهم أن الملائكة بناته. تنزَّه عن أن يكون له ولد. بل الملائكة عباد مُكْرمون عنده بالقرب منه، والعبادة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 27 - لا يسبقون الله بكلمة يقولونها، قبل أن يأذن لهم بها، وهم بأمره - دون غيره - يعملون، ولا يتعدون حدود ما يأمرهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 28 - يعلم الله كل أحوالهم وأعمالهم - ما قدَّموه وما أخَّروه - ولا يشفعون عنده إلا لمن رضى الله عنه، وهم من شدة خوفهم من الله تعالى وتعظيمهم له فى حذرٍ دائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 29 - ومن يقل من الملائكة: إنى إله يعبد من دون الله فذلك نجزيه جهنم. مثل هذا الجزاء نجزى كل الذين يتجاوزون حدود الحق، ويظلمون أنفسهم بالشرك وادعاء الربوبية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 30 - أَعَمِىَ الذين كفروا ولم يبصروا أن السموات والأرض كانتا فى بدء خلقهما ملتصقتين، فبقدرتنا فَصَلَنا كلا منهما عن الأخرى، وجعلنا من الماء الذى لا حياة فيه كل شئ حى؟! فهل بعد كل هذا يُعرضون، فلا يؤمنون بأنه لا إله غيرنا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 31 - ومن دلائل قدرتنا أنا جعلنا فى الأرض جبالا ثوابت، لئلا تضطرب بهم، وجعلنا فيها طرقاً فسيحة، ومسالك واسعة، لكى يهتدوا بها فى سيرهم إلى أغراضهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 32 - وجعلنا السماء فوقهم كالسقف المرفوع، وحفظناها من أن تقع أو يقع ما فيها عليهم. وهم مع ذلك منصرفون عن النظر والاعتبار بآياتنا الدالة على قدرتنا، وحكمتنا، ورحمتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 33 - والله هو الذى خلق الليل والنهار، والشمس والقمر، كلٌ يجرى فى مجاله الذى قدَّره الله له، ويسبح فى فلكه لا يحيد عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 34 - وما جعلنا لأحد من البشر قبلك - أيها النبى - الخلود فى هذه الحياة حتى يتربص بك الكفار الموت. فكيف ينتظرون موتك ليشمتوا بك وهم سيموتون كما تموت؟! أفإن مت يبقى هؤلاء أحياء دون غيرهم من سائر البشر؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 35 - كل نفس لا بد أن تذوق الموت، ونعاملكم فى هذه الحياة معاملة المختَبر بما يصيبكم من نفع وضر، ليتميز الشاكر للخير والصابر على البلاء من الجاحد للنعم والجازع عند المصيبة. وإلينا ترجعون فنحاسبكم على أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 36 - وإذا رآك - أيها النبى - الذين كفروا بالله وبما جئت به لا يضعونك إلا فى موضع السخرية والاستهزاء. يقول بعضهم لبعض: أهذا الذى يذكر آلهتكم بالعيب؟ وهم بذكر الله الذى يَعُمُّهم برحمته لا يصدقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 37 - وإذا كانوا يطلبون التعجيل بالعذاب فإن طبيعة الإنسان التعجل، سأريكم - أيها المستعجلون - نعمتى فى الدنيا، وعذابى فى الآخرة فلا تشغلوا أنفسكم باستعجال ما لابد منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 38 - ويقول الكافرون مستعجلين العذاب مستبعدين وقوعه: متى يقع هذا الذى تَتوعدُوننا به - أيها المؤمنون - إن كنتم صادقين فيما تقولون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 39 - لو يعلم الذين كفروا بالله حالهم - حين لا يستطيعون أن يدفعوا عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم، ولا يجدون من ينصرهم بدفعها؛ ما قالوا هذا الذى يقولونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 40 - لا تأتيهم القيامة على انتظارٍ وتوقع، بل تأتيهم فجأة فتحيّرهم فلا يستطيعون ردَّها، ولا هم يُمْهَلون ليتوبوا ويعتذروا عما قدَّموا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 41 - ولقد حدث للرسل قبلك أن استهزأ بهم الكفار من أممهم، فحَلَّ بالذين كفروا وسخروا من رسلهم العذاب الذى جعلوه مثال السخرية والاستهزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 42 - قل - أيها النبى - لهم: مَنْ يحفظكم فى الليل والنهار من نقمته ويرحمكم وينعم عليكم؟ لا أحد يستطيع ذلك، بل هم منصرفون عن القرآن - الذى يذكّرهم بما ينفعهم ويدفع العذاب عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 43 - أَلَهُم آلهة تمنع العذاب من دوننا؟ كلا: إنهم لا يستطيعون أن يعينوا أنفسهم حتى يعينوا غيرهم. ولا أحد يستطيع أن يحفظ واحداً منهم فى جواره وصحبته إذا أردنا بهم العذاب والهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 44 - لم نُعجل عقاب هؤلاء بكفرهم، بل استدرجناهم ومتّعناهم فى الحياة الدنيا كما متعنا آباءهم قبلهم حتى طال عليهم العمر. أيتعامون عما حولهم فلا يرون أنا نقصد الأرض فننقصها من أطرافها بالفتح ونصر المؤمنين؟ {أفهم الغالبون، أم المؤمنون الذين وعدهم الله بالنصر والتأييد؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 45 - قل - أيها النبى -: لا أحذركم بكلام من عندى، وإنما أحذركم بالوحى الصادر عن الله لى - وهو حق وصدق - وهم لطول إعراضهم عن صوت الحق ختم الله على سمعهم حتى صاروا كالصم، ولا يسمع الصم الدعاءَ حين يخوِّفون بالعذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 46 - وتأكد أنهم إن أصابتهم إصابة خفيفة من العذاب الذى يسخرون منه يصيحون من الهول قائلين: يا ويلنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا وغيرنا، إذ كفرنا بما أخبرنا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 47 - ونضع الموازين التى تقيم العدل يوم القيامة، فلا تُظَلَم نفس بنقص شئ من حسناتها أو زيادة شئ فى سيئاتها، ولو كان وزن حبة صغيرة أتينا بها وحاسبنا عليها، وكفى أن نكون الحاسبين فلا تظلم نفس شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 48 - ولقد أعطينا موسى وهارون التوراة التى تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وهى إلى ذلك نور يهدى إلى طرق الخير والرشاد، وتذكير ينتفع به المتقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 49 - الذين يخافون خالقهم ومالك أمرهم - حال بُعْد الناس عنهم - لا يراءون أحداً، وهم من أهوال يوم القيامة فى خوف دائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 50 - وهذا القرآن تذكير كثير للخير، أنزلناه لكم كما أنزلنا الذكر على موسى، فكيف يكون منكم إنكاره وأنتم أولى الناس بالإيمان به؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 51 - ولقد أعطينا إبراهيم الرشد والتفكير فى طلب الحق مخلصاً من قبل موسى وهارون، وكنا بأحواله وفضائله التى تؤهله لحمل الرسالة عالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 52 - واذكر - أيها النبى - حين قال إبراهيم لأبيه وقومه مستخِفّاً بالأصنام التى كانوا يعظمونها ويعكفون على عبادتها: ما هذه التماثيل التى أنتم مقيمون على عبادتها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 53 - قالوا: وجدنا آباءنا يعظمونها ويخصونها بعبادتهم، فاتَّبعناهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 54 - قال: لقد كنتم فى هذه العبادة وكان آباؤكم من قبلكم فى بُعْدٍ واضحٍ عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 55 - قالوا: أجئتنا فى هذا الذى تقوله بما تعتقد أنه الحق، أم أنت بهذا الكلام من الذين يلهون ويلعبون غير متحملين أى تبعة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 56 - قال: لا هزل فيما قلته، بل ربكم الذى يستحق - دون غيره - التعظيم والخشوع والعبادة هو الذى خلق السموات والأرض، وأوجدهن على غير مثال سابق. فحقه - وحده - أن يعبد، وأنا على ذلك الذى أقوله من المتحققين الذين يقولون ما يشاهدونه ويعلمونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 57 - وقال فى نفسه: أقسم بالله لأدبّرن تدبيراً أكسر به أصنامكم بعد أن تبتعدوا عنها، ليظهر لكم ضلال ما أنتم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 58 - ذهب إبراهيم بعد انصرافهم إلى الأصنام فحطمها وجعلها قطعاً، إلا صنماً كبيرا تركه ليرجعوا إليه ويسألوه عما وقع لآلهتهم فلا يجيبهم فيظهر لهم بطلان عبادتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 59 - قالوا بعد أن رأوا ما حصل لأصنامهم: مَنْ فعل هذا بآلهتنا؟ إنه دون شك من الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 60 - قال بعضهم: سمعنا شاباً يذكرهم بالسب يُدعى إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 61 - قال كبارهم: اذهبوا إليه فأحضروه ليُحاسب على مرأى من الناس، لعلهم يشهدون بما فعل ويشاهدون العقوبة التى سننزلها به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 62 - قالوا بعد أن أحضروه: أأنت الذى فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 63 - قال مُنَبِّهاً لهم على ضلالهم مُتَهكِّماً بهم: بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوا الآلهة عمَّن فعل بها هذا إن كانوا يستطيعون أن يردوا جواب سؤالكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 64 - فعادوا إلى أنفسهم يفكرون فيما هم عليه من عبادة ما لا ينفع غيره، ولا يدفع عن نفسه الشر، فاستبان لهم خطؤهم، وقال بعضهم: ليس إبراهيم من الظالمين، بل أنتم - بعبادة ما لا يستحق العبادة - الظالمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 65 - ثم انقلبوا من الرشاد الطارئ إلى الضلال، وقالوا لإبراهيم: إنك قد علمت أن هؤلاء الذين نعبدهم لا ينطقون، فكيف تطلب منا أن نسألهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 66 - قال: أيكون هذا حالهم من العجز، ويكون هذا حالكم معهم، فتعبدون من غير الله ما لا ينفعكم أقل نفع إن عبدتموه، ولا يضركم إن أهملتموه؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 67 - قُبحاً لكم ولآلهتكم، أتعطلون تفكيركم وتُهملون الاعتبار بما تدركون؟ إن هذه الأصنام لا تستحق العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 68 - قال بعضهم لبعض: أحرقوه بالنار وانصروا آلهتكم عليه بهذا العقاب، إن كنتم تريدون أن تفعلوا ما تنصرون به آلهتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 69 - فجعلنا النار باردة وسلاماً لا ضرر فيها على إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 70 - وأرادوا أن يبطشوا به فأنجيناه وجعلناهم أشد الناس خسراناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 71 - ونجَّيناه ولوطاً من كيد الكائدين، فاتجها إلى الأرض التى أكثرنا فيها الخير للناس جميعاً، وأرسلنا فيها كثيراً من الأنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 72 - ووهبنا له إسحاق، ومن إسحاق يعقوب هبة زائدة على ما طلب، وكلا من إسحاق ويعقوب جعلناه أهل صلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 73 - وجعلناهم أنبياء يدعون الناس ويهدونهم إلى الخير بأمرنا لهم أن يكونوا مرشدين، وألهمناهم فعل الخيرات وإدامة القيام بالصلاة على وجهها، وإعطاء الزكاة، وكانوا لنا - دون غيرنا - خاضعين مخلصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 74 - وآتينا لوطاً القول الفصل والسداد فى الحكم والعلم النافع، ونجِّيناه من القرية التى كان أهلها يعملون الأعمال الشاذة الخبيثة، إنهم كانوا قوماً يأتون الذكران - وهى فاحشة - ما سبقهم بها أحد من العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 75 - وسلكناه فى أهل رحمتنا، إنه من الصالحين الذين يشملهم الله برحمته ويمدهم بنصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 76 - ولنذكر هنا نوحاً من قبل إبراهيم ولوط، حين دعا ربه أن يُطهّر الأرض من الفاسقين. فاستجبنا دعاءه ونجيناه هو ومَنْ آمن مِن أهله من كرب الطوفان العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 77 - ومنعناه بنصرنا من كيد قومه الذين كذبوا بآياتنا الدالة على رسالته؛ إنهم كانوا أصحاب شر فأغرقناهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 78 - واذكر - أيها النبى - داود وسليمان حين كانا يحكمان فى الزرع، إذ انتشرت فيه غنم القوم من غير أصحابه وأكلته ليلا، وكنا لحكمهما فى القضية المتعلقة به عالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 79 - ففهمنا الفتوى سليمان، وكلا منهما أعطيناه حكمة وعلماً بالحياة وشئونها، وسخرنا مع داود الجبال ينزهن الله كما ينزِّهه داود عن كل ما لا يليق به، وسخرنا الطير كذلك يسبحن الله معه، وكنا فاعلين ذلك بقدرتنا التى لا تعجز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 80 - وعلَّمنا داود صنعة نسج الدروع، لتكون لباساً يمنعكم من شدة بأس بعضكم لبعض، فاشكروا الله على هذه النعم التى أنعم بها عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 81 - وسخَّرنا لسليمان الريح قوية شديدة الهبوب، تجرى بحسب رغبته وأمره إلى الأرض التى زدنا فيها الخير، وكنا بكل شئ عالمين، لا تغيب عنا كبيرة ولا صغيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 82 - وسخرنا له من الشياطين من يغوصون فى الماء إلى أعماق البحار، ليستخرجوا اللؤلؤ والمرجان، ويعملوا عملا غير ذلك، كبناء الحصون والقصور، وكنا لهم مراقبين لأعمالهم، فلا ينالون أحداً بسوء، ولا يتمرَّدون على أمر سليمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 83 - واذكر - أيها النبى - أيوب حين دعا ربه - وقد أضْنَاه المرض - وقال: يا رب، إنى قد أصابنى الضُّر وآلمنى، وأنت أرحم الراحمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 84 - فأجبناه إلى ما كان يرجوه، فرفعنا عنه الضُّر، وأعطيناه أولاداً بقدر مَنْ مات من أولاده، وزدناه مثلهم رحمة به من فضلنا، وتذكيراً لغيره ممن يعبدوننا ليصبروا كما صبر، ويطمعوا فى رحمة الله كما طمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 85 - واذكر - أيها النبى - لقومك إسماعيل وإدريس وذا الكفل، كل منهم من الصابرين على احتمال التكاليف والشدائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 86 - وجعلناهم من أهل رحمتنا، إنهم من عبادنا الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 87 - واذكر - أيها النبى - قصة يونس صاحب الحوت إذ ضاق بإعراض قومه عن دعوته، فهجرهم ورحل عنهم بعيداً غاضباً عليهم، ظاناً أن الله أباح له أن يهجرهم، فظن أن الله لن يقدر عليه، فابتلعه الحوت، وعاش وهو فى ظلمات البحر، ونادى ربه ضارعاً إليه معترفاً بما كان منه قائلا: يا رب، لا معبود بحق إلا أنت، أنزهك عن كل ما لا يليق بك، أعترف أنى كنت من الظالمين لنفسى بعملِ ما لا يرضيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 88 - فأجبناه إلى ما كان يرجوه، ونجيناه من الغم الذى كان فيه، ومثل هذا الإنجاء من البلاء ننجى المؤمنين الذين يعترفون بأخطائهم ويدعوننا مخلصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 89 - واذكر قصة زكريا، حين نادى ربه بعد أن رأى من قدرته سبحانه ما بعث فى نفسه الأمل فى رحمته، فقال: يا رب، لا تتركنى وحيداً دون وارث، وأنت خير الذين يرثون غيرهم، فإنك الباقى بعد فناء الخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 90 - فحققنا رجاءه، وأجبنا دعاءه، ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى، وجعلنا زوجه العقيم صالحة للولد إن هؤلاء الأصفياء الأنبياء كانوا يسارعون فى عمل كل خير ندعوهم إليه، ويدعوننا طمعاً فى رحمتنا وخوفاً من عذابنا، وكانوا لا يعظِّمون ولا يهابون أحداً غيرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 91 - واذكر مع هؤلاء قصة مريم التى صانت فرجها، فألقينا فيها سِرَّا من أسرارنا، وجعلناها تحمل دون زوج، وجعلنا ابنها دون أب، فكانت هى وابنها دليلا ظاهراً على قدرتنا فى تغيير الأسباب والمسببات، وإننا قادرون على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 92 - إن هذه الملّة - التى هى الإسلام - هى ملّتكم الصحيحة التى يجب أن تحافظوا عليها، حال كونها ملة واحدة متجانسة لا تنافر بين أحكامها، فلا تتفرقوا فيها شيعاً وأحزاباً، وأنا خالقكم ومالك أمركم، فأخلصوا لى العبادة ولا تشركوا معى غيرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 93 - ومع هذا الإرشاد، تفرّق أكثر الناس بحسب شهواتهم، جاعلين أمر دينهم قِطَعاً، فصاروا به فِرقاً مختلفة، وكل فريق منهم راجع إلينا يحاسب على أعماله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 94 - فمن يعمل عمله من الأعمال الصالحة وهو يؤمن بالله وبدينه الذى ارتضاه فلا نقص لشئ من سعيه، بل سيوفَّى جزاءه كاملا، وإنا لهذا السعى كاتبون، فلا يضيع شئ منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 95 - وممتنع على أهل كل قرية أهلكناهم بسبب ظلمهم أنهم لا يرجعون إلينا يوم القيامة، بل لابد من رجوعهم وحسابهم على سوء أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 96 - حتى إذا فتحت أبواب الشر والفساد، وأخذ أبناء يأجوج ومأجوج يسرعون خفافاً من كل مرتفع فى الجبال والطرق بعوامل الفوضى والقلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 97 - واقترب الموعود به الذى لابد من تحققه وهو يوم القيامة، فيفاجأ الذين كفروا بأبصارهم لا تغمض أبداً من شدة الهول، فيصيحون قائلين: يا خوفنا من هلاكنا، ويا حسرتنا على ما قدمنا، قد كنا فى غفلة من هذا اليوم، بل كنا ظالمين لأنفسنا بالكفر والعناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 98 - ويقال لهؤلاء الكفار: إنكم والآلهة التى عبدتموها من غير الله وقود نار جهنم، أنتم داخلون فيها معذَّبون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 99 - لو كان هؤلاء - الذين عبدتموهم من دون الله - آلهة تستحق أن تُعْبد ما دخلوها معكم، وكل من العابدين والمعبودين باقون فى النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 100 - لهم فيها نفَسٌ يخرج من الصدور بصوت مخنوق، لما يلاقونه من الضيق، وهم فيها لا يسمعون شيئاً يسرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 101 - إن الذين وفَّقناهم لاتباع الحق وعمل الخير، ووعدناهم بالعاقبة الحسنة، أولئك من جهنم وعذابها مبعدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 102 - لا يسمعون صوت فَوَران نارها، وهم فيما تشتهيه أنفسهم خالدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 103 - لا يحزنهم الهول الأكبر الذى يفزع منه الكفار، وتستقبلهم الملائكة بالتهنئة، يقولون: هذا يومكم الذى وعدكم ربكم النعيم فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 104 - يوم نطوى السماء كما تُطْوى الورقة فى الكتاب، ونُعيد الخلق إلى الحساب والجزاء، لا تعجزنا إعادتهم، فقد بدأنا خلقهم، وكما بدأناهم نعيدهم، وَعَدْنا بذلك وعْداً حقاً، إنا كنا فاعلين دائماً ما نَعِدُ به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 105 - ولقد كتبنا فى الزبور - وهو كتاب داود - من بعد التوراة أن الأرض يرثها عبادى الصالحون لعمارتها، وتيسير أسباب الحياة الطيبة فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 106 - إن فى هذا الذى ذكرناه من أخبار الأنبياء مع أقوامهم، وأخبار الجنة والنار لكفاية فى التذكير والاعتبار، لقوم مهيئين لعبادة الله - وحده - لا تفتنهم زخارف الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 107 - وما أرسلناك - أيها النبى - إلا لتكون رحمة عامة للعالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 108 - قل - أيها النبى - للناس كافة: إن لُبَّ الذى أَوحَى الله به إلىَّ هو: أنه لا إله لكم إلا هو، وأن بقية ما يوحى به بعد ذلك تابع لهذا الأصل، وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن تستسلموا وتخضعوا لله وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 109 - فإن أعرضوا عن دعوتك، فقل لهم: لقد أعلمتكم جميعاً بما أمرنى به ربى، وبذلك استوينا فى العلم، ولا أدرى ما توعدون به من البعث والحساب، أهو قريب أم بعيد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 110 - إن الله يعلم كل ما يقال مما تجهرون به، وما تكتمون فى أنفسكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 111 - وما أدرى لعل إمهالكم وتأخير العذاب عنكم اختبار يمتحنكم الله به، ويمتِّعكم فيه بلذائذ الحياة إلى حينٍ قدَّره الله بحسب حكمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 112 - قل - أيها النبى -: يا رب احكم بينى وبين مَنْ بلَّغتُهم الوحى بالعدل حتى لا يستوى المؤمنون والكافرون، وربنا المنعم بجلائل النعم، المستحق للحمد والشكر، وهو المستعان به على إبطال ما تفترونه أيها الكافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 1 - يا أيها الناس: احذروا عقاب ربكم، وتذكروا دائماً يوم القيامة، لأن الاضطراب الذى يحدث فيه شديد مزعج ترتجف منه الخلائق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 2 - يوم تشاهدون القيامة ترون هوْلاً يبلغ من شدته أنه لو كانت هناك مرضعة ثديها فى فم رضيعها لذهلت عنه وتركته. ولو كانت هناك امرأة ذات حمل أسقط جنينها فى غير أوانه فزعاً ورعباً، وتشاهد - أيها الناظر - حال الناس فى ذلك اليوم من نظراتهم الذاهلة، وخطواتهم المترنّحة فتظنهم سكارى وما بهم من سكر، ولكن الهول الذى شاهدوه، والخوف من عذاب الله الشديد هو الذى أفقدهم توازنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 3 - ومع هذا التحذير الشديد الصادق، فإن بعض الناس دفعه العناد - أو التقليد - إلى الجدل فى الله وصفاته فأثبت له الشركاء، أو أنكر قدرته على البعث ومجازاة الناس على أعمالهم، غير مستند فى جدله وإنكاره إلى علم صحيح أو حجة صادقة، ولكنه يقلد ويتبع خطوات كل شيطان متمرد على ربه بعيد عن هديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 4 - قضى الله أن كل من اتبعه واتخذه ولياً وهادياً أضله عن طريق الحق، ووجَّهه إلى الباطل المفضى به إلى عذاب النار المسعَّرة المتأججة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 5 - يا أيها الناس إن كنتم فى شك من بَعْثِنا لكم بعْد الموت ففى خلقكم الدليل على قدرتنا على البعث، فقد خلقنا أصلكم من تراب، ثم جعلنا منه نطفة حوَّلْناها بعد مدة إلى قطعة دم متجمدة، ثم جعلناها قطعة من اللحم مُصَوَّرة فيها معالم الإنسان، أو غير مصورة لِنُبيِّن لكم قدرتنا على الإبداع والتدرج فى التكوين، والتغيير من حال إلى حال، ونسقِط من الأرحام ما نشاء، ونقر فيها ما نشاء، حتى تكمل مدة الحمل، ثم نُخْرِجكم من بطون أمهاتكم أطفالاً، ثم نرعاكم لتبلغوا تمام العقل والقوة، ومنكم بعد ذلك من يتوفاه الله، ومنكم من يمد له عمره حتى يصير إلى الهرم والخوف فيتوقف علمه وإدراكه للأشياء، ومن بَدَأَ خلقكم بهذه الصورة لا تعجزه إعادتكم. وأمر آخر يدلك على قدرة الله على البعث: أنك ترى الأرض قاحلة يابسة، فإذا أنزلنا عليها الماء دبَّت فيها الحياة وتحركت وزادت وارتفع سطحها بما تخلله من الماء والهواء، وأظهرت من أصناف النباتات ما يروق منظره، ويُبهر حسنه، ويُبْتَهجُ لمرآه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 6 - ، 7 - ذلك الذى تقدم من خلْق الإنسان وإنبْات الزرع شاهد بأن الله هو الإله الحق، وأنه الذى يحيى الموتى عند بعثهم كما بدأهم، وأنه القادر على كل شئ، وأنَّ القيامة آتية لا شك فيها تحقيقاً لوعده، وأن الله يحيى من فى القبور ببعثهم للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 8 - ومع ما تقدم، فبعض الناس يُجادل فى الله وقدرته، وينكر البعث على غير أساس علمى أو إلهام صادق، أو كتاب مُنَزَّل من الله يستبصر به. فجداله لمجرد الهوى والعناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 9 - وهو مع ذلك يلوى جانبه تكبّراً وإعراضاً عن قبول الحق. وهذا الصنف من الناس سيصيبه خزى وهوان فى الدنيا بنصر كلمة الحق، ويوم القيامة يعذبه الله بالنار المحرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 10 - ويقال له: ذلك الذى تَلْقاه من خزى وعذاب إنما كان بسبب افترائك وتكبرك، لأن الله عادل لا يظلم، ولا يُسَوِّى بين المؤمن والكافر، والصالح والفاجر، بل يجازى كلاً منهم بعمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 11 - ومن الناس صنف ثالث لم يتمكن الإيمان من قلبه، بل هو مزعزع العقيدة، تتحكم مصالحه فى إيمانه، إن أصابه خير فرح به واطمأن، وإن أصابته شدة فى نفسه أو ماله أو ولده ارتد إلى الكفر، فخسر فى الدنيا راحة الاطمئنان إلى قضاء الله ونصره، كما خسر فى الآخرة النعيم الذى وعده الله للمؤمنين الثابتين الصابرين، ذلك الخسران المزدوج هو الخسران الحقيقى الواضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 12 - يعبد هذا الخاسر من دون الله أصناماً لا تضره إن لم يعبدها، ولا تنفعه إن عبدها، ذلك الفعل منه هو الضلال البعيد عن الحق والصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 13 - يدعو من دون الله مَنْ ضرُّه بإفساد العقول وسيطرة الأوهام أقرب للنفس من اعتقاد مناصرته، فلبئس ذلك المعبود نصيراً، ولبئس ذلك المعبود عشيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 14 - إن المؤمنين بالله ورسله إيماناً اقترن بالعمل الصالح يدخلهم ربهم يوم القيامة جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار، إن الله يفعل ما يريد من معاقبة المفسد وإثابة المصلح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 15 - من كان من الكفار يظن أن الله لا ينصر نبيه فليمدد بحبل إلى سقف بيته، ثم ليختنق به وليقدر فى نفسه وينظر، هل يذهب فعله ذلك ما يغيظه من نصر الله لرسوله؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 16 - ومثل ما بيَّنا حجتنا واضحة فيما سبق أن أنزلنا على الرسل، أنزلنا القرآن كله على محمد آيات واضحات لتقوم الحُجة على الناس، وأن الله يهدى من أراد هدايته لسلامة فطرته وبعده عن العناد وأسبابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 17 - إن الذين آمنوا بالله وبرسله جميعاً، واليهود المنتسبين إلى موسى، وعُبَّادَ النجوم، والملائكة، والنصارى المنتسبين إلى عيسى، والمجوسَ عُبَّادَ النار، والمشركين عًبَّاد الأوثان. إن هؤلاء جميعاً سيفصل الله بينهم يوم القيامة بإظهار المحق من المبطل منهم، لأنه مطلع على كل شئ، عالم بأعمال خلقه، وسيجازيهم على أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 18 - ألم تعلم - أيها العاقل - أن الله يخضع لتصريفه مَنْ فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، وكثير من الناس يؤمن بالله ويخضع لتعاليمه فاسْتَحقُّوا بذلك الجنة، وكثير منهم لم يؤمن به ولم ينفذ تعاليمه فاستحقوا بذلك العذاب والإهانة، ومن يطرده الله من رحمته ويهنه لا يقدر أحد على إكرامه، إن الله قادر على كل شئ، فهو يفعل ما يريد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 19 - هذان فريقان من الناس تنازعوا فى أمر ربهم، وما يليق به، وما لا يليق، فآمن به فريق، وكفر فريق، فالذين كفروا أعد الله لهم يوم القيامة ناراً تحيط بهم من كل جانب، كما يحيط الثوب بالجسد، ولزيادة تعذيبهم تصب الملائكة على رءوسهم الماء الشديد الحرارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 20 - فينفذ إلى ما فى بطونهم فيذيبها كما يذيب جلودهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 21 - وأُعدت لهم أعمدة من حديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 22 - كلما حاولوا الخروج من النار من شدة الغم والكرب ضربتهم الملائكة بها وردتهم حيث كانوا، وقالت لهم: ذوقوا عذاب النار المحرقة جزاء كفركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 23 - أما الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة فإن الله يدخلهم جنات تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، ينعمون فيها صنوف النعيم، وتزينهم الملائكة بأساور الذهب وباللؤلؤ، أما لباسهم المعتاد فمن حرير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 24 - وزيادة فى تنعيمهم بالجنة ألهمهم الله فيها الطيِّب من القول، والحميد من الفعل، فيسبحون الله ويقدسونه ويشكرونه، ويعاشر بعضهم بعضاً بمحبة وسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 25 - إن الذين كفروا بالله ورسله واعتادوا مع ذلك منْع الناس من الدخول فى الإسلام، ومنْع المؤمنين من دخول المسجد الحرام فى مكة - وقد جعله الله حرماً آمناً للناس جميعاً المقيم والزائر - يجازيهم على ذلك بالعذاب الشديد، وكذلك كل من ينحرف عن الحق، ويرتكب أى ظلم فى الحرم عذَّبه عذاباً أليماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 26 - واذكر - أيها النبى - لهؤلاء المشركين الذين يدَّعون اتِّباع إبراهيم - عليه السلام - ويتخذون من البيت الحرام مكاناً لأصنامهم، اذكر لهم قصة إبراهيم والبيت الحرام حين أرشدناه إلى مكانه، وأمرناه ببنائه وقلْنا له: لا تشرك بى شيئاً ما فى العبادة، وطهر بيتى من الأصنام والأقذار، ليكون مُعدَّا لمن يطوف به، ويقيم بجواره، ويتعبد عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 27 - وأَعْلِم الناس - أيها النبى - أن الله فرض على المستطيعين منهم أن يقصدوا هذا البيت فيلبوا نداءَك، ويأتون إليه مشاة وركباناً على إبل يُضَمِّرها السفر من كل مكان بعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 28 - ليحصلوا على منافع دينية لهم بأداء فريضة الحج، ومنافع دنيوية بالتعارف مع إخوانهم المسلمين، والتشاور معهم فيما ينفعهم فى دينهم ودنياهم، وليذكروا اسم الله فى يوم عيد النحر والأيام الثلاثة بعده على ذَبْح ما رزقهم ويسر لهم من الإبل والبقر والغنم، فكلوا منها ما شئتم وأطعموا الذى أصابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 29 - ثم عليهم بعد ذلك أن يُزيلوا من أجسامهم ما علق بها أثناء الإحرام، من آثار العرق وطول السفر، ويصرفوا ما نذروه لله إن كانوا قد نذروا شيئاً، ويطوفوا بأقدم بيت بُنى لعبادة الله فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 30 - ومَنْ يلتزم أوامر الله ونواهيه فى حجه تعظيماً لها فى نفسه كان ذلك خيراً له فى دنياه وآخرته، وقد أحل الله لكم أكل لحوم الإبل والبقر والغنم إلا فى حالات تعرفونها مما يُتْلى عليكم فى القرآن كالميتة وغيرها، فاجتنبوا عبادة الأوثان لأن عبادتها قذارة عقلية ونفسية لا تليق بالإنسان، واجتنبوا قول الزور على الله وعلى الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 31 - وكونوا مخلصين لله حريصين على اتِّباع الحق غير متخذين أى شريك لله فى العبادة، فإن من يُشْرِك بالله فقد سقط من حصن الإيمان، وتنازعته الضلالات، وعرَّضَ نفسه لأبشع صورة من صور الهلاك، وكان حاله حينئذ كحال الذى سقط من السماء فتمزق قِطَعاً تخاطفتها الطيور فلم يَبْقَ له أثر، أو عصفت به الريح العاتية فشتَّتت أجزاءه، وَهَوتْ بكل جزء منه فى مكان بعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 32 - إن مَنْ يُعظِّم دين الله وفرائض الحج وأعماله والهدايا التى يسوقها إلى فقراء الحرم، فيختارها عظيمة سِماناً صِحاحاً لا عيب فيها فقد اتقى الله، لأن تعظيمها أثر من آثار تقوى القلوب المؤمنة، وعلامة من علامات الإخلاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 33 - لكم فى هذه الهدايا منافع دنيوية، فتركبونها وتشربون لبنها إلى وقت ذبحها، ثم لكم منافعها الدينية كذلك حينما تذبحونها عند البيت الحرام تَقَرُّباً إلى الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 34 - ليست هذه الفرائض التى تتعلق بالحج خاصة بكم، فقد جعلنا لكل جماعة مؤمنة قرابين يتقرَّبون بها إلى الله، ويذكرون اسمه ويعظِّمونه عند ذبحها شكراً له على ما أنعم عليهم، ويسره لهم من بهائم الإبل والبقر والغنم، والله الذى شرع لكم ولهم إله واحد، فأسْلِمُوا له - وحده - أمركم وأخلصوا له عملكم، ولا تشركوا معه أحداً، وَبَشِّر - أيها النبى - بالجنة والثواب الجزيل المخلصين لله من عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 35 - الذين إذا ذكر الله اضطربت قلوبهم من خشيته وخشعت لذكره، والذين صبروا على ما أصابهم من المكاره والمتاعب استسلاماً لأمره وقضائه، وأقاموا الصلاة على أكمل وجوهها، وأنفقوا بعض أموالهم التى رزقهم الله إياها فى سبيل الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 36 - وقد جعلنا ذبح الإبل والبقر فى الحج من أعلام الدين ومظاهره، وإنكم تتقربون بها إلى الناس، ولكم فيها خير كثير فى الدنيا بركوبها وشُرْب لبنها، وفى الآخرة بالأجر والثواب على ذبحها وإطعام الفقراء منها، فاذكروا اسم الله عليها حال كونها مصطفة مُعَدَّة للذبح خالية من العيب. فإذا تم لكم ذبحها فكلوا بعضها إن أردتم، وأطعموا الفقير القانع المتعفف عن السؤال، والذى دفعته حاجته إلى ذل السؤال، وكما سخَّرنا كل شئ لما نريده منه سخرناها لنفعكم، وذللناها لإرادتكم لتشكرونا على نعمنا الكثيرة عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 37 - واعلموا أن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، ولا يريد منكم مجرد التظاهر بالذبح وإراقة الدماء، ولكنه يريد منكم القلب الخاشع، فلن ينال رضاه من وزَّع تلك اللحوم ولا الدماء، ولكن الذى ينال رضاه هو تقواكم وإخلاص نواياكم. مثل هذا التسخير سخرناها لتنفعكم فَتُعظموا الله على ما هداكم إليه من إتمام مناسك الحج. وبشر - أيها النبى - المحسنين الذين أحسنوا أعمالهم ونواياهم بثواب عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 38 - إن الله يدافع عن المؤمنين ويحميهم وينصرهم بإيمانهم، لأنه لا يحب الخائنين لأمانتهم، المبالغين فى كفرهم بربهم، ومن لا يحبه الله لا ينصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 39 - أَذِنَ الله للمؤمنين الذين قاتلهم المشركون أن يردوا اعتداءهم عليهم بسبب ما نالهم من ظُلْم صبروا عليه طويلا، وإن الله لقدير على نصر أوليائه المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 40 - الذين ظلمهم الكفار وأرغموهم على ترك وطنهم مكة والهجرة منها وما كان لهم من ذنب عندهم إلا أنهم عرفوا الله فعبدوه - وحده - ولولا أن الله سخر للحق أعواناً ينصرونه ويدفعون عنه طغيان الظالمين لساد الباطل، وتمادى الطغاة فى طغيانهم، وأخمدوا صوت الحق، ولم يتركوا للنصارى كنائس، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود معابد، ولا للمسلمين مساجد يذكر فيها اسم الله ذكراً كثيراً، وقد أخذ الله العهد الأكيد على نفسه أن ينصر كل من نصر دينه، وأن يعز كل من أعز كلمة الحق فى الأرض. ووعد الله لا يتخلف، لأنه قوى على تنفيذ ما يريد عزيز لا يغلبه غالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 41 - هؤلاء المؤمنون الذين وعدنا بنصرهم، هم الذين إن مكَّنا سلطانهم فى الأرض حافظوا على حسن صلتهم بالله وبالناس، فيؤدون الصلاة على أتم وجوهها، ويعطون زكاة أموالهم لمستَحقيها، ويأمرون بكل ما فيه خير، وينهون عن كل ما فيه شر. ولله - وحده - مصير الأمور كلها، فيعز من يشاء، ويذل من يشاء حسب حكمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 42 - وإذا كنت تلاقى - أيها النبى - تكذيباً وإيذاء من قومك فلا تحزن، وتأمَّل فى تاريخ المرسلين قبلك تجد أنك لست أول رسول كذَّبه قومه وآذوه، فمن قبل هؤلاء الذين كذبوك كذبت قوم نوح رسولهم نوحاً وكذبت قوم عاد رسولهم هودا، وكذبت ثمود رسولهم صالحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 43 - وكذَّب قوم إبراهيم رسولهم إبراهيم، وقوم لوط رسولهم لوطا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 44 - وكذب أهل مدين رسولهم شعيبا، وكذب فرعون وقومه رسول الله - موسى -. لقى هؤلاء المرسلون الكثير من الإنكار والتكذيب، وقد أمهلت المكذبين لعلهم يثوبون إلى رُشدهم ويستجيبون لدعوة الحق، ولكنهم افتروا وتمادوا فى تكذيب رسلهم وإيذائهم، وازدادوا إثماً على آثامهم فعاقبتهم بأشد أنواع العقاب، فانظر فى تاريخهم تجد كيف كان عقابى لهم شديداً، حيث أبدلتهم بالنعمة نقمة، وبالعافية هلاكاً، وبالعمران خراباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 45 - فأهلكنا كثيراً من أهل القرى الذين يعمرونها بسبب ظلمهم وتكذيبهم لرسلهم فأصبحت ساقطة سقوفها على جدرانها، خالية من سكانها، كأن لم تكن موجودة بالأمس، فكم من بئر تعطلت من روادها واختفى ماؤها، وقَصْر عظيم مشيد مطلى بالجص خلا من سكانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 46 - أيقولون ما يقولون ويستعجلون العذاب ولم يسيروا فى الأرض ليشاهدوا بأعينهم مصرع هؤلاء الظالمين المكذبين؟ فربما تستيقظ قلوبهم من غفلتها، وتعقل ما يجب عليهم نحو دعوة الحق التى تدعوهم إليها، وتسمع آذانهم أخبار مصارع هؤلاء الكفار فيعتبرون بها، ولكن من البعيد أن يعتبروا بما شاهدوا أو سمعوا ما دامت قلوبهم متحجرة، إذ ليس العمى الحقيقى عمى الأبصار، ولكنه فى القلوب والبصائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 47 - ويأخذ الغرور كفار مكة فلا يبالون مع قيام هذه العبر، فيستعجلونك - أيها النبى - بوقوع ما توعدتهم به من العذاب تحدياً واستهزاء، وهو لا محالة واقع بهم، ولكن فى موعد قدَّره الله فى الدنيا أو فى الآخرة، ولن يخلف وعده بحال ولو طالت السنون، فإن يوماً واحداً عنده يماثل ألف سنة مما تقدرون وتحسبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 48 - وكثير من أهل القرى كانوا مثلهم ظالمين، فأمْهلْتهم ولم أعاجلهم بالعقاب، ثم أنزلته بهم، وإلىَّ - وحدى - مرجع الجميع يوم القيامة فأجازيهم بما يستحقون، فلا تغتروا - أيها الكفار - بتأخير العذاب عنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 49 - قل - أيها النبى - لهؤلاء المكذبين الذين يطلبون منك التَّعجيل بعذابهم: ليس من مهمتى أن أجازيكم على أعمالكم، وإنما أنا مُحذِّر من عقاب الله تحذيراً واضحاً، والله هو الذى يتولى حسابكم ومجازاتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 50 - فالذين آمنوا بالله وبرسوله وعملوا الأعمال الصالحة لهم مغفرة من الله لذنوبهم التى وقعوا فيها، كما أن لهم رزقاً كريماً فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 51 - والذين أجهدوا أنفسهم فى محاربة القرآن مسابقين المؤمنين معارضين لهم، شاقين زاعمين - خطأ - أنهم بذلك يبلغون ما يريدون، أولئك يخلدون فى عذاب الجحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 52 - لا تحزن - أيها النبى - من محاولات هؤلاء الكفار، فقد جرت الحوادث من قبلك مع كل رسول من رسلنا ونبى من أنبيائنا أنه كلما قرأ عليهم شيئاً يدعوهم به إلى الحق تصدى له شياطين الإنس المتمردون لإبطال دعوته وتشكيك الناس فيما يتلوه عليهم لكى يحولوا بين النبى وبين أمنيته فى إجابة دعوته، فيزيل الله ما يدبِّرون، ثم تكون الغلبة فى النهاية للحق؛ حيث يثبت الله شريعته، وينصر رسوله، وهو عليم بأحوال الناس ومكائدهم، حكيم فى أفعاله يضع كل شئ فى موضعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 53 - وإنما مكَّن الله المتمردين على الحق من إلقاء الشُّبه والعراقيل فى سبيل الدعوة ليكون فى ذلك امتحان واختبار للناس، فالكفار الذين تحجرت قلوبهم، والمنافقون ومرضى القلوب يزدادون ضلالا بترويج هذه الشُّبه ومناصرتها، ولا عجب فى أن يقف هؤلاء الظالمون هذا الموقف فإنهم لجُّوا فى الضلال، وأوغلوا فى العناد والشقاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 54 - وليزداد الذين أوتوا علم الشرع والإيمان به إيماناً وعلماً، بأن ما يقوله الرسل والأنبياء إنما هو الحق المنزَّل من عند الله، وإن الله ليتولى المؤمنين دائماً بعنايته فى المشاكل التى تمر بهم، فيهديهم إلى معرفة الطريق المستقيم فيتبعونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 55 - والذين كفروا لا يوفَّقون فيستمرون على شكهم فى القرآن حتى يأتيهم الموت، أو يأتيهم عذاب يوم لا خير لهم فيه ولا رحمة، وهو يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 56 - حيث يكون السلطان القاهر والتصرف المطلق للَّه - وحده - فى هذا اليوم الذى يحكم فيه بين عباده، فالذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة يخلدون فى جنات تتوافر لهم فيها كل صنوف النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 57 - والذين كفروا وكذبوا بآيات القرآن التى أنزلناها على محمد، أولئك لهم عذاب يلقون فيه الذل والهوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 58 - والذين تركوا أوطانهم لإعلاء شأن دينهم يبتغون رضا اللَّه، ثم قُتِلوا فى ميدان الجهاد، أو ماتوا على فراشهم، يجزيهم اللَّه أحسن الجزاء، وإن اللَّه لهو خير من يعطى الثواب الجزيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 59 - ولينزلنهم فى الجنة درجات يرضونها ويسعدون بها، وإن اللَّه لعليم بأحوالهم فيجزيهم الجزاء الحسن، حليم يتجاوز عن هفواتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 60 - ذلك شأننا فى مجازاة الناس: لا نظلمهم، والمؤمن الذى يقتص ممن جنى عليه، ويجازيه بمثل اعتدائه دون زيادة، ثم يتمادى الجانى فى الاعتداء عليه بعد ذلك، فإن اللَّه يعطى عهدا مؤكدا بنصره على من تعدى عليه، وإن اللَّه لكثير العفو عمن جازى بمثل ما وقع عليه، فلا يؤاخذه به، كثير المغفرة فيستر هفوات عبده الطائع ولا يفضحه يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 61 - ذلك النصر هيَّن على اللَّه لأنه قادر على كل شئ، من آيات قدرته البارزة أمامكم هيمنته على العالم فيداول بين الليل والنهار بأن يزيد فى أحدهما ما ينقصه من الآخر، فتسير بعض ظلمة الليل مكان بعض ضوء النهار وينعكس ذلك، وهو سبحانه مع تمام قدرته سميع لقول المظلوم، بصير بفعل الظالم، فينتقم منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 62 - ذلك النصر من الله للمظلومين، وتصرفه المطلق فى الكون كما تلمسون مرجعه أنه هو الإله الحق الذى لا إله معه غيره، وأن ما يعبده المشركون من الأصنام هو الباطل الذى لا حقيقة له، وأن اللَّه - وحده - هو العلى على ما عداه شأنا، الكبير سلطانا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 63 - ألا تعتبر - أيها العاقل - بما ترى حولك من مظاهر قدرة اللَّه فتعبده وحده؟ فهو الذى أنزل ماء الأمطار من السحاب فأصبحت الأرض به مخضرة بما ينبت فيها من النبات، بعد أن كانت مجدبة، إن اللَّه كثير اللطف بعباده، خبير بما ينفعهم فيهيئه لهم بقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 64 - كل ما فى السموات وما فى الأرض ملك له، وعبيد له وحده، ويتصرف فيه كما يشاء، وهو الغنى عن عباده، وهم المفتقرون إليه، وهو الحقيق وحده بالحمد والثناء عليه من جميع خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 65 - ألا تنظر - أيها العاقل - إلى مظاهر قدرة اللَّه فتراه ييسر للناس جميعاً الانتفاع بالأرض وما فيها، وهيَّأ لهم البحر تسير فيه السفن بمشيئته، وأمسك الكواكب فى الفضاء بقدرته حتى لا يختل نظامها، أو تقع على الأرض إلا إذا اقتضت إرادته ذلك، إن اللَّه سبحانه شديد الرأفة والرحمة بعباده فيهيئ كل سبل الحياة الطيبة لهم، كيف بعد ذلك كله لا يخلصون فى شكره وعبادته؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 66 - وهو الذى أوجد فيكم الحياة، ثم يميتكم حين تنقضى آجالكم، ثم يحييكم يوم القيامة للحساب والجزاء، إن الإنسان مع كل هذه النعم والدلائل لشديد الجحود باللَّه وبنعمه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 67 - وقد جعلنا لكل أمة من أصحاب الشرائع السابقة شريعة خاصة بهم لائقة بعصرهم، يعبدون اللَّه عليها إلى أن ينسخها ما يأتى بعدها. ومن أجل هذا جعلنا لأمتك - أيها النبى - شريعة يُعْبَدُ اللَّه عليها إلى يوم القيامة، وإذا كان هذا هو أمرنا ووضعنا، فلا يجوز أن يشتد فى منازعتك فيه هؤلاء المتعبدون بأديانهم السابقة عليك، فقد نَسختْ شريعتك شرائعهم، فلا تلتفت لمجادلتهم، واستمر فى الدعوة إلى ربك حسبما يوحى إليك، إنك لتسير على هدى ربك المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 68 - وإن أصروا على الاستمرار فى مجادلتك فأعرض عنهم وقل لهم: اللَّه أعلم بأعمالكم، وبما تستحقون عليها من الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 69 - اللَّه يحكم بينى وبينكم يوم القيامة فيما كنتم تختلفون فيه معى، فَيُثيب المهتدى ويعاقب الضال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 70 - واعلم - أيها العاقل - أن علْم اللَّه محيط بكل ما فى السماء وما فى الأرض، فلا يخفى عليه شئ من أعمال هؤلاء المجادلين، فكل ذلك ثابت عند اللَّه فى لوح محفوظ، لأن إحاطته بذلك وإثباته وحفظه يسيرٌ عليه كل اليسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 71 - ويعبد المشركون من دون اللَّه أوثانا وأشخاصا لم ينزل بعبادتها حجة فى كتاب سماوى، وليس لديهم عليها دليل عقلى، ولكن لمجرد الهوى والتقليد، وليس لهؤلاء المشركين الذين ظلموا وامتهنوا عقولهم نصيرٌ ينصرهم ويدفع عنهم عذاب النار يوم القيامة كما يزعمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 72 - هؤلاء المشركون إذا تلا أحد عليهم آياتنا الواضحات، وفيها الدليل على صحة ما تدعو إليه - أيها النبى - وفساد عبادتهم، تلحظ فى وجوههم الحنق والغيظ الذى يستبد بهم، حتى ليكاد يدفعهم إلى الفتنة بالذين يتلون عليهم هذه الآيات. قل لهم - أيها النبى - تبكيتا وإنذاراً: هل تستمعو إلىَّ فأخبركم بشئ هو أشد عليكم شراً من الغيظ الذى يحرق نفوسكم؟ إنه هو النار التى توعَّد اللَّه بها الذين كفروا أمثالكم يوم القيامة، وما أسوأها مصيراً ومقاماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 73 - يا أيها الناس: إنا نبرز أمامكم حقيقة عجيبة فى شأنها، فاستمعوا إليها وتدبروها: إن هذه الأصنام لن تستطيع أبدا خلق شئ مهما يكن تافها حقيراً كالذباب، وإن تضافروا جميعاً على خلقه، بل إن هذا المخلوق التافه، لو سَلَبَ من الأصنام شيئا من القرابين التى تقدم إليها، فإنها لا تستطيع بحال من الأحوال أن تمنعه عنه أو تسترده منه، وما أضعف الذى يُهَزْم أمام الذباب عن استرداد ما سلبه منه، وما أضعف نفس الذباب، كلاهما شديد الضعف، بل الأصنام كما ترون أشد ضعفا، فكيف يليق بإنسان عاقل أن يعبدها ويلتمس النفع منها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 74 - هؤلاء المشركون ما عرفوا اللَّه حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه حين أشركوا به العبادة أعْجَزَ الأشياء، مع أن اللَّه هو القادر على كل شئ، العزيز الذى لا يغلبه غالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 75 - وقد اقتضت إرادة اللَّه وحكمته أن يختار من الملائكة رسلا، ويختار من البشر كذلك رسلا، ليُبلِّغوا شرعه إلى خلقه، فكيف تعترضون على من اختاره رسولا إليكم؟ إن اللَّه سميع لأقوال عباده، بصير بما يفعلون ومجازيهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 76 - وهو سبحانه يعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة، لا تخفى عليه منهم خافية، وإليه - وحده - مرجع الأمور كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 77 - يا أيها الذين آمنوا لا تلتفتوا إلى تضليل الكفار، واستمروا على أداء صلاتكم تامة وافية راكعين ساجدين، واعبدوا ربكم الذى خلقكم ورزقكم، ولا تشركوا به أحدا، واعملوا كل ما فيه خير ونفع، كى تكونوا من المصلحين السعداء فى أخراكم ودنياكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 78 - وجاهدوا فى سبيل إعلاء كلمة اللَّه وابتغاء مرضاته حتى تنتصروا على أعدائكم وشهواتكم، لأنه سبحانه قربكم إليه، واختاركم لنصرة دينه، وجعلكم أمة وسطا، ولم يكلفكم فيما شرعه لكم ما فيه مشقة عليكم لا تحتملونها، ويسر عليكم ما يعترضكم من مشقة لا تطيقونها. بما فرضه لكم من أنواع الرُّخَص، فالزموا دين أبيكم إبراهيم فى مبادئه وأسسه، وهو سبحانه الذى سمَّاكم المسلمين فى الكتب المنزلة السابقة، وبإذعانكم لما شرعه الله لكم، تكونون كما سمَّاكم اللَّه، فتكون عاقبتكم أن يشهد رسولكم بأنه بلغكم، وعلمتم بما بلغكم به، فتسعدوا، وتكونوا شهداء على الأمم السابقة بما جاء فى القرآن من أن رسلها بلّغتها، وإذا كان اللَّه قد خصكم بهذه الميزات كلها، فمن الواجب عليكم أن تقابلوها بالشكر والطاعة له، فتقيموا الصلاة على أتم وجوهها، وتعطوا الزكاة لمستحقيها، وتتوكلوا على اللَّه فى كل أموركم، وتستمدوا منه العون. فهو معينكم وناصركم. فنعم المولى ونعم النصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 1 - تَحَقَّق الفلاح للمؤمنين بالله وبما جاءت به الرسل، وفازوا بأمانيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 2 - الذين ضموا إلى إيمانهم العمل الصالح، هم فى صلاتهم متوجهون إلى الله بقلوبهم، خائفون منه، متذللون له، يَحُسُّون بالخضوع المطلق له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 3 - هم مؤثرون للجد، معرضون عمَّا لا خير فيه من قول وعمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 4 - وهم محافظون على أداء الزكاة إلى مستحقيها، وبذلك يجمعون بين العبادات البدنية والعبادات المالية، وبين تطهير النفس وتطهير المال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 5 - وهم يحافظون على أنفسهم من أن تكون لها علاقة بالنساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 6 - إلا بطريق الزواج الشرعى أو بملكية الجوارى فلا مؤاخذة عليهم فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 7 - فمن أراد الاتصال بالمرأة عن غير هذين الطريقين فهو متعدٍ للحدود المشروعة غاية التعدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 8 - وهم محافظون على كل ما ائتمنوا عليه من مال، أو قول، أو عمل، أو غير ذلك، وعلى كل عهد بينهم وبين الله أو بينهم وبين الناس، فلا يخونون الأمانات ولا ينقضون العهود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 9 - وهم مداومون على أداء الصلاة فى أوقاتها، محققون لأركانها وخشوعها، حتى تؤدى إلى المقصود منها، وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 10 - هؤلاء الموصوفون هم الذين يرثون الخير كله، وينالونه يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 11 - هم الذين يتفضل الله عليهم بالفردوس، أعلى مكان فى الجنة، يتمتعون فيه دون غيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 12 - وأن على الناس أن ينظروا إلى أصل تكوينهم، فإنه من دلائل قدرتنا الموجبة للإيمان بالله وبالبعث، فإننا خلقنا الإنسان من خلاصة الطين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 13 - ثم خلقنا نسله فجعلناه نطفة - أى ماء فيه كل عناصر الحياة الأولى - تستقر فى الرحم، وهو مكان مستقر حصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 14 - ثم صيَّرنا هذه النطفة بعد تلقيح البويضة والإخصاب دما، ثم صيَّرنا الدم بعد ذلك قطعة لحم، ثم صيرناها هيكلا عظميا، ثم كسونا العظام باللحم، ثم أتممنا خلقه فصار فى النهاية بعد نفخ الروح فيه خلقاً مغايراً لمبدأ تكوينه، فتعالى شأن الله فى عظمته وقدرته، فهو لا يشبه أحد فى خلقته وتصويره وإبداعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 15 - ثم إنكم - يا بنى آدم - بعد ذلك الذى ذكرناه من أمركم صائرون إلى الموت لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 16 - ثم إنكم تبعثون يوم القيامة للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 17 - وإننا قد خلقنا سبع سموات مرتفعة فوقكم، فيها مخلوقات لم نغفل عنها فحفظناها ودبرناها، ونحن لا نغفل عن جميع المخلوقات، بل نحفظها كلها من الزوال والاختلال، وندبر كل أمورها بالحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 18 - وأنزلنا من السماء مطراً بحكمة وتقدير فى تكوينه وإنزاله، وتيسيراً للانتفاع به جعلناه مستقراً فى الأرض على ظهرها وفى جوفها، وإنا لقادرون على إزالته وعدم تمكينكم من الانتفاع به، ولكنا لم نفعل رحمة بكم، فآمنوا بخالقه واشكروه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 19 - فخلقنا لكم بهذا الماء حدائق من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة، ومنها تأكلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 20 - وخلقنا لكم شجرة الزيتون التى تنبت فى منطقة طور سيناء، وفى ثمارها زيت تنتفعون به، وهو إدام للآكلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 21 - وإن لكم فى الأنعام - وهى الإبل والبقر والغنم - ما يدل على قدرتنا وتفضلنا عليكم بالنعم، نسقيكم لبناً مستخرجاً مما فى بطونها خالصاً سائغاً سهلا للشاربين، ولكم فيها سوى اللبن منافع كثيرة كاللحوم والأصواف والأوبار، ومنها تعيشون وترزقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 22 - وعلى هذه الأنعام وعلى السفن تركبون وتحملون الأثقال، فخلقنا لكم وسائل الانتقال والحمل فى البر والبحر، وبها يكون الاتصال بينكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 23 - وفى قصص الأولين عبرة لكم لتؤمنوا، فقد أرسلنا نوحاً إلى قومه، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده، فليس لكم إله يستحق العبادة غيره، ألا تخافون عقابه، وزوال نعمه إن عصيتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 24 - فقال الكبراء من قومه الذين كفروا منكرين لدعوته صادِّين العامة عن اتباعه: لا فرق بين نوح وبينكم، فهو مثلكم فى البشرية، ولكنه يريد أن يتميز عليكم بهذه الدعوة، ولو كان هناك رسل من الله - كما يزعم - لأرسلهم ملائكة، ما سمعنا فى تاريخ آبائنا السابقين بهذه الدعوة، ولا بإرسال بشر رسولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 25 - ما هو إلا رجل به جنون، ولذلك قالوا: فانتظروا واصبروا عليه حتى ينكشف جنونه، أو يحين هلاكه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 26 - دعا نوح ربه بعد ما يئس من إيمانهم، فقال: يا رب انصرنى عليهم، وانتقم منهم بسبب تكذيبهم لدعوتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 27 - فقلنا له عن طريق الوحى: اصنع السفينة وعنايتنا ترعاك، فتدفع عنك شرهم ونرشدك فى عملك، فإذا حل ميعاد عذابهم، ورأيت التنور يفور ماء بأمرنا، فأدخل فى السفينة من كل نوع من الكائنات الحية ذكراً وأنثى، وأدخل أهلك أيضاً إلا من تقرر تعذيبهم لعدم إيمانهم، ولا تسألنى نجاة الذين ظلموا أنفسهم وغيرهم بالكفر والطغيان، فإنى حكمت بإغراقهم لظلمهم بالإشراك والعصيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 28 - فإذا ركبت واستقررت أنت ومن معك فى السفينة فقل شاكراً ربك: الحمد لله الذى نجانا من شر القوم الكافرين الطاغين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 29 - وقل: يا رب مكّنِّى من النزول فى منزل مبارك تطيب الإقامة فيه عند النزول إلى الأرض، وهبْ لى الأمن فيه، فأنت - وحدك - الذى تُنزل فى مكان الخير والأمن والسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 30 - إن فى هذه القصة عبراً ومواعظ، وإنا نختبر العباد بالخير وبالشر، وفى أنفسهم الاستعداد لكل منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 31 - ثم خلقنا من بعد نوح طبقة من الناس غيرهم وهم عاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 32 - فأرسلنا إليهم هودا وهو منهم، وقلنا لهم على لسانه: اعبدوا الله - وحده - فليس لكم إله يستحق العبادة غيره، وهو - وحده - الجدير بأن تخافوه، فهلا خفتم عقابه إن عصيتموه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 33 - وقال الكبراء من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الله وما فى الآخرة من حساب وجزاء، وأعطيناهم أكبر حظ من الترف والنعيم، قالوا منكرين عليه دعوته، صادين العامة عن اتباعه: لا فرق بين هود وبينكم، فما هو إلا بشر مماثل لكم فى البشرية، يأكل من جنس ما تأكلون منه، ويشرب من جنس ما تشربون، ومثل هذا لا يكون رسولا لعدم تميزه عنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 34 - وحذروهم فى قوة وتأكيد، فقالوا: إن أطعتم رجلا يماثلكم فى البشرية، فأنتم حقاً خاسرون لعدم انتفاعكم بطاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 35 - وقالوا لهم أيضاً منكرين للبعث: أيعدكم - هود - أنكم تبعثون من قبوركم بعد أن تموتوا وتصيروا تراباً وعظاماً مجردة من اللحوم والأعصاب؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 36 - إن ما وعدكم به بعيد جداً، ولن يكون أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 37 - ليس هناك إلا حياة واحدة هى هذه الحياة الدنيا التى نجد فيها الموت والحياة يتواردان علينا، فمولود يولد وحى يموت، ولن نبعث بعد الموت أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 38 - ما هو إلا رجل كذب على الله، وادعى أن الله أرسله، وكذب فيما يدعو إليه، ولن نصدقه أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 39 - قال هود بعد ما يئس من إيمانهم: يا رب انصرنى عليهم وانتقم منهم، بسبب تكذيبهم لدعوتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 40 - قال الله له مؤكداً وعده: سيندمون بعد قليل من الزمن على ما فعلوا عندما يحل بهم العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 41 - فأخذتهم صيحة شديدة أهلكتهم لاستحقاقهم ذلك الهلاك، وجعلناهم فى الحقارة والضعف كالشئ الذى يجرفه السيل أمامه من أعواد الشجر وأوراقه. هلاكاً وبُعداً عن الرحمة للظالمين بكفرهم وطغيانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 42 - ثم خلقنا من بعدهم أقواماً غيرهم، كقوم صالح ولوط وشعيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 43 - لكل أمة زمنها المعيَّن لها، لا تتقدم عنه ولا تتأخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 44 - ثم أرسلنا رسلنا متتابعين كلا إلى قومه، وكلما جاء رسول إلى قومه كذَّبوه فى دعوته، فأهلكناهم متتابعين، وجعلنا أخبارهم أحاديث يرددها الناس ويعجبون منها، فَبُعْداً عن الرحمة وهلاكاً لقوم لا يصدقون الحق ولا يذعنون له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 45 - ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بالدلائل القاطعة الدالة على صدقهما، وبحجة واضحة تبيِّن أنهما قد أرسلا من عندنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 46 - أرسلناهما إلى فرعون وقومه فامتنعوا فى تكبر عن الإيمان، وهم قوم موصوفون بالكبر والتعالى والقهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 47 - وقالوا فى تعجب وإنكار: أنؤمن بدعوة رجلين مماثلين لنا فى البشرية، وقومها - بنو إسرائيل - خاضعون لنا ومطيعون كالعبيد؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 48 - فكذبوهما فى دعوتهما فكانوا من المهلكين بالغرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 49 - ولقد أوحينا إلى موسى بالتوراة، ليهتدى قومه بما فيها من إرشادات إلى الأحكام وأسباب السعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 50 - وجعلنا عيسى ابن مريم وأمه - فى حملها به من غير أن يمسها بشر وولادته من غير أب - دلالة قاطعة على قدرتنا البالغة، وأنزلناها فى أرض مرتفعة منبسطة تستقر فيها الإقامة ويتوافر الماء الذى هو دعامة العيش الرغيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 51 - وقلنا للرسل ليبلغوا أقوامهم: كلوا من أنواع الحلال الطيب، وتمتعوا واشكروا نعمتى بعمل الصالحات، إنى عليم بما تعملون ومجاز لكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 52 - وقلنا لهم ليبلغوا أقوامهم: إن هذا الدين الذى أرسلتكم به دين واحد فى العقائد وأصول الشرائع، وإنكم أمة واحدة فى كل الأجيال، منهم المهتدى ومنهم الضال، وأنا ربكم الذى أمرتكم باتباعه فخافوا عقابى إن عصيتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 53 - فقطع الناس أمر دينهم، فمنهم المهتدون ومنهم الضالون الذين اتبعوا أهواءهم، فتفرقوا بسبب ذلك جماعات مختلفة متعادية، كل جماعة فرحة بما هى عليه، ظانة أنه - وحده - الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 54 - فاترك الكافرين - يا محمد - فى جهالتهم وغفلتهم ما دمت قد نصحتهم حتى يقضى الله فيهم بالعذاب بعد حين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 55 - أيظن هؤلاء العاصون أنا إذ نتركهم يتمتعون بما أعطيناهم من المال والبنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 56 - نكون قد رضينا عنهم، فتفيض عليهم الخيرات بسرعة وكثرة، إنهم كالبهائم لا يشعرون لعدم استخدامهم عقولهم، إننى غير راض عنهم، وإن هذه النعم استدراج منا لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 57 - إن الذين هم يخشون الله ويهابونه وقد تربت فيهم المخافة منه سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 58 - والذين هم يؤمنون بآيات ربهم الموجودة فى الكون، والمتلوة فى الكتب المنزلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 59 - والذين هم لا يشركون بالله أحداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 60 - والذين يعطون مما رزقهم الله، ويؤدون عملهم وهم خائفون من التقصير، لأنهم راجعون إلى الله بالبعث ومحاسبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 61 - أولئك يسارعون بأعمالهم إلى نيل الخيرات، وهم سابقون غيرهم فى نيلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 62 - ونحن لا نكلف أحداً إلا بما يستطيع أن يؤديه، لأنه داخل فى طاقته، وكل عمل من أعمال العباد مسجل عندنا فى كتاب، وسنخبرهم به كما هو، وهم لا يظلمون بزيادة عقاب أو نقص ثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 63 - لكن الكافرين بسبب عنادهم وتعصبهم غافلون عن عمل الخير والتكليف بالمستطاع ودقة الحساب، وإلى جانب ذلك لهم أعمال أخرى خبيثة مداومون عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 64 - فإذا أوقعنا العذاب بالأغنياء المترفين ضجوا وصرخوا مستغيثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 65 - فنقول لهم: لا تصرخوا ولا تستغيثوا الآن، فلن تفلتوا من عذابنا، ولن ينفعكم صراخكم شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 66 - لا عذر لكم، فقد كانت آياتى الموحَى بها تُقرأ عليكم، فكنتم تُعرضون عنها إعراضاً يقلب أحوالكم، ولا تصدقونها ولا تعملون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 67 - وكنتم فى إعراضكم متكبرين مستهزئين، تصفون الوحى بالأوصاف القبيحة عندما تجتمعون للسمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 68 - أَجَهِلَ هؤلاء المعرضون فلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه حق؟ أم كانت دعوة محمد لهم غريبة عن الدعوات التى جاء بها الرسل إلى الأقوام السابقين الذين أدركهم آباؤهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 69 - أم لم يعرفوا رسولهم - محمداً - الذى نشأ بينهم فى أخلاقه العالية التى لا يعهد معها الكذب، فهم ينكرون دعوته الآن بغياً وحسداً؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 70 - أم يقولون: إنه مجنون؟ كلا: إنه جاءهم بالدين الحق، وأكثرهم كارهون للحق، لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم فلا يؤمنون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 71 - ولو كان الحق تابعاً لأهوائهم لشاع الفساد فى الأرض ولتنازعت الأهواء، ولكنا أرسلنا إليهم القرآن الذى يُذَكِّرهم بالحق الذى يجب أن يجتمع عليه الجميع، ومع ذلك هم معرضون عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 72 - بل أَتطلب منهم - أيها النبى - أجراً على أداء الرسالة؟ لم يكن ذلك، فإن أجر ربك خير مما عندهم، وهو خير المعطين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 73 - وإنك - يا محمد - لتدعوهم إلى الدين الذى هو الطريق المستقيم الموصل إلى السعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 74 - وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من نعيم أو جحيم يعدلون عن الطريق المستقيم الذى يأمن السائر فيه من السَّير إلى طريق الحيرة والاضطراب والفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 75 - ولو رحمناهم وأزلنا عنهم ما نزل بهم من ضرر فى أبدانهم وقحط فى أموالهم ونحو ذلك، لزادوا كفراً، وتمادوا فى الطغيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 76 - ولقد عذَّبناهم بعذاب أصابهم كالقتل أو الجوع فما خضعوا بعده لربهم، بل أقاموا على عتوهم واستكبارهم بمجرد زواله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 77 - سيستمرون على إعراضهم حتى إذا عذَّبناهم عذاباً شديداً بالجوع أو القتل فى الدنيا صاروا حيارى يائسين من كل خير، لا يجدون مخلصاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 78 - وكيف تكفرون بالله وهو الذى أنشأ لكم السمع لتسمعوا الحق، والأبصار لتروا الكون وما فيه، والعقول لتدركوا عظمته فتؤمنوا؟ . إنكم لم تشكروا خالقها بالإيمان والطاعة إلا قليلا أىَّ قلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 79 - وهو الذى خلقكم فى الأرض، وإليه - وحده - تُجمعون للجزاء يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 80 - وهو الذى يحيى ويميت، وبأمره وقوانينه تعاقب الليل والنهار واختلافهما طولا وقصراً، ألا تعقلون دلالة ذلك على قدرته ووجوب الإيمان به، وبالبعث؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 81 - لم يفعلوا ذلك، بل قلدوا السابقين المكذبين، فقالوا: مثل قولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 82 - قالوا منكرين للبعث: أنبعث بعد الموت وبعد أن نصير تراباً وعظاماً؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 83 - لقد وُعدنا ووعد آباؤنا من قبلنا بذلك، وما هذا الوعد إلا أكاذيب السابقين التى سَطروها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 84 - قل لهم يا محمد: من الذى ملك الأرض ومن فيها من الناس وسائر المخلوقات؟ إن كان لكم علم فأجيبونى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 85 - سيقرون بأن الأرض لله، قل لهم إذن: فلم تشركون به؟ ألا تذكرون أن من يملك ذلك جدير بأن يُعبد وحده؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 86 - قل لهم أيضاً: من رب السموات السبع ورب العرش العظيم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 87 - سيقرون بأنه هو الله. قل لهم إذن: ألا تخافون عاقبة الشرك والكفر والعصيان لصاحب هذا الخلق العظيم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 88 - قل لهم أيضاً: من بيده مُلْك كل شئ، ومن له الحكم المطلق فى كل شئ، وهو يحمى بقدرته من يشاء، ولا يمكن لأحد أن يحمى أحداً من عذابه؟ إن كنتم تعلمون جواباً فأجيبوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 89 - سيقرون بأنه هو الله، قل لهم: إذن كيف تُخْدعون بالهوى ووحى الشياطين، وتنصرفون عن طاعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 90 - لقد بيَّنا لهم الحق على لسان الرسل، وإنهم لكاذبون فى كل ما يخالف هذا الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 91 - ما اتخذ الله له ولدا، وقد تنزَّه عن ذلك، وما كان له شريك. إذ لو كان له شريك لاستبد كل بما خلق، وصار له ملكه، ولتناحر بعضهم مع بعض كما يُرى بين الملوك، ولفسد الكون بهذا التنازع، فتنزه الله عما يقوله المشركون مما يخالف الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 92 - هو محيط بكل شئ علما، يعلم ما يغيب عنا وما يظهر لنا، فتنزه الله عما ينسبه الكافرون إليه من وجود الشريك له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 93 - قل - يا أيها النبى -: يا رب، إن أنزلت بهم ما أوعدتهم من العذاب فى الدنيا، وأنا موجود بينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 94 - فأتوسل إليك ألا تجعلنى معذباً مع القوم الكافرين الطاغين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 95 - ونحن قادرون تماماً على أن نريك ما أوعدناهم به من العذاب نازلا بهم، فاطمئن لنصرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 96 - استمر فى دعوتك وقابل إساءتهم بالعمل الذى هو أحسن من العفو أو غيره، ونحن عالمون تماماً بما يصفونك به، ويصفون دعوتك من سوء وافتراء، وسنجازيهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 97 - وقل: يا رب أستعيذ بك من أثر وساوس الشياطين على نفسى بعملى ما لا يرضيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 98 - وأستعيذ بك يا رب، أن يكونوا معى فى أى عمل من الأعمال، ليكون سليماً خالصاً لوجهك الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 99 - سيستمرون على تكذيبهم، حتى إذا حَلَّ موعد موت أحدهم ندم، وقال: يا رب رُدَّنى إلى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 100 - لأعمل عملا صالحاً فيما تركته من مالى أو حياتى وعمرى، ولن يجاب إلى طلبه، فهذا كلام يقوله دون فائدة لا يقبل منه، ولو استُجيب له لم يعمل به، ومع ذلك فلن يعود أبداً، فالموت حاجز بينهم وبين ما يتمنون إلى أن يبعثهم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 101 - فإذا جاء موعد البعث بعثناهم بدعوتهم إلى الخروج من مقابرهم، وذلك بما يشبه النفخ فى البوق فيجيئون متفرقين، لا تنفع أحداً قرابة أحد، ولا يسأل بعضهم بعضا شيئاً ينفعه، فلكل منهم يومئذ ما يشغله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 102 - فالعمل هو ميزان التقدير، فمن كانت لهم عقائد سليمة وأعمال صالحة لها وزن فى ميزان الله، فأولئك هم الفائزون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 103 - ومن لم يكن لهم حسنات أو أعمال لها وزن عند الله، فأولئك هم الذين خسروا أنفسهم ببيعها للشيطان، وهم معذَّبون فى النار، خالدون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 104 - تحرق النار وجوههم، وهم فيها عابسون من سوء مصيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 105 - يؤنبهم الله ويقول لهم: قد كانت آياتى المنزلة تُقْرأ عليكم فى الدنيا، فكنتم تكذبون بما فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 106 - قالوا مقرين بخطئهم: ربنا كثرت معاصينا التى أورثتنا الشقاء، وكنا بذلك ضالين عن طريق الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 107 - وقالوا: ربنا، أخرجنا من النار وأعدنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى الكفر والعصيان كنا ظالمين لأنفسنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 108 - قال الله لهم تحقيراً: اسكتوا أذلاء مهانين، ولا تكلمونى مطلقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 109 - ما ظلمتكم بل ظلمتم أنفسكم، إذ كان المؤمنون الصالحون من عبادى يقولون فى الدنيا: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 110 - فكنتم تسخرون منهم دائماً، حتى أنساكم الاشتغال بالسخرية منهم ذكرى وعبادتى فلم تؤمنوا وتطيعوا، وكنتم منهم تضحكون استهزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 111 - إنى جزيتهم اليوم بالفلاح، لأنهم صبروا على سخريتكم وإيذائكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 112 - قال الله للكافرين: كم سنة عشتموها فى الدنيا؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 113 - قالوا - استقصاراً لمدة معيشتهم بالنسبة لطول مكثهم فى العذاب -: عشنا يوماً أو بعض يوم، فاسأل من يتمكنون من العدِّ، لأنا مشغولون بالعذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 114 - فيقول الله لهم: ما عشتم فى الدنيا إلا زمناً قليلا. ولو أنكم كنتم تعلمون عاقبة الكفر والعصيان وأن متاع الدنيا قليل، لآمنتم وأطعتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 115 - أظننتم أننا خلقناكم بغير حكمة فأفسدتم فى الأرض، وظننتم أنكم لا تبعثون لمجازاتكم؟ كلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 116 - العظمة لله - وحده - هو مالك الملك كله، لا معبود بحق سواه، هو صاحب العرش العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 117 - ومن يعبد مع الله إلهاً آخر لا دليل له على استحقاقه العبودية. فإن الله يعاقبه على شركه لا محالة، إن الكافرين لا يفلحون، وإنما الذى يفلح هم المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 118 - وقل - يا أيها النبى - داعياً الله ضارعاً إليه -: يا رب اغفر لى ذنبى، وارحمنى فأنت خير الراحمين، لأن رحمتك واسعة وقريبة من المحسنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 1 - هذه سورة أوحينا بها وأوجبنا أحكامها. ونزلنا فيها دلائل واضحة على قدرة الله ووحدانيته. وعلى أن هذا الكتاب من عند الله، لتتعظوا بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 2 - ومن تلك الأحكام حكم الزانية والزانى فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا يمنعكم شئ من الرأفة بهما عن تنفيذ الحكم، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. لأن مقتضى الإيمان إيثار رضا الله على رضا الناس، ولْيحضر تنفيذ الحكم فيهما جماعة من المؤمنين. ليكون العقاب فيه ردع لغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 3 - الخبيث الذى من دأبه الزنا، لا يرغب إلا فى نكاح خبيثة عرفت الزنا أو الشرك، والخبيثة التى من دأبها الزنا لا يرغب فى نكاحها إلا خبيث عرف بالزنا أو الشرك. ولا يليق هذا النكاح بالمؤمنين لما فيه من التشبه بالفسق. والتعرض للتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 4 - والذين يتهمون العفيفات النزيهات بالزنا، ثم لم يأتوا بأربعة شهود يثبتون صدق الاتهام، فعاقبوهم بالضرب ثمانين جلدة وبعدم قبول شهادتهم على أى شئ كان مدى الحياة، فهؤلاء هم الجديرون باسم الخارجين خروجاً شنيعاً على حدود الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 5 - لكن من تاب منهم فندم على هذه المعصية، وعزم على الطاعة وظهر صدق توبته بصدق سلوكه، فإن الله يتجاوز عن عقابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 6 - والذين يتهمون زوجاتهم بالزنا، ولم يكن هناك عدد يشهد بصدق اتهامهم، فيطالب الواحد منهم ليدفع عن نفسه الحد والعقوبة بأن يشهد بالله أربع مرات أنه صادق فى هذا الاتهام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 7 - ويذكر فى المرة الخامسة أنه يستحق الطرد من رحمة الله إن كان من الكاذبين فى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 8 - ولو سكتت الزوجة بعد ذلك أقيم عليها عقوبة الزنا، ولكى تدفع عنها العقوبة يجب عليها أن تشهد بالله أربع مرات أن الزوج كاذب فى اتهامه إياها بالزنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 9 - وتذكر فى المرة الخامسة أنها تستحق أن ينزل بها غضب الله، إن كان من الصادقين فى هذا الاتهام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 10 - ولولا تفضل الله عليكم ورحمته بكم - وإنه كثير قبول التوبة من عباده، وحكيم فى كل أفعاله - لما شرع لكم هذه الأحكام، ولعجل عقوبتكم فى الدنيا على المعصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 11 - إن الذين اخترعوا الكذب الصارف عن كل هداية بالنسبة لعائشة زوج النبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذ أشاعوا حولها الإفك والكذب - هم جماعة ممن يعيشون معكم، لا تظنوا هذه الحادثة شراً لكم بل هى خير لكم، لأنها ميَّزت المنافقين من المؤمنين الخالصين، وأظهرت كرامة المبرئين منها، والمتألمين، ولكل شخص من هذه الجماعة المتهمة جزاؤه على مقدار اشتراكه فى هذا الاتهام، ورأس هذه الجماعة له عذاب عظيم لعظم جرمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 12 - كان مقتضى الإيمان أنكم عند سماع خبر التهمة؛ أن يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً من العفاف والطهر، وأن يقولوا فى إنكار: هذا كذب واضح البطلان، لتعلقه بأكرم المرسلين وأكرم الصديقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 13 - هلاَّ أحضر القائمون بالاتهام أربعة شهود يشهدون على ما قالوا؟ إنهم لم يفعلوا ذلك. وإذ لم يفعلوا فأولئك فى حكم الله هم الكاذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 14 - ولولا تفضل الله عليكم ببيان الأحكام، ورحمته لكم فى الدنيا بعدم التعجيل بالعقوبة وفى الآخرة بالمغفرة لنزل بكم عذاب عظيم بسبب الخوض فى هذه التهمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 15 - فقد تناقلتم الخبر بألسنتكم وأشعتموه بينكم، ولم يكن عندكم علم بصحته، وتظنون أن هذا العمل هين، لا يعاقب الله عليه، أو يكون عقابه يسيراً مع أنه خطير يعاقب الله عليه أشد العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 16 - وكان ينبغى عند سماع هذا القول الباطل أن تنصحوا بعدم الخوض فيه، لأنه غير لائق بكم، وأن تتعجبوا من اختراع هذا النوع القبيح الخطير من الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 17 - وأن الله ينهاكم أن تعودوا لمثل هذه المعصية البتَّة إن كنتم مؤمنين حقاً، لأن وصف الإيمان يتنافى معها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 18 - وينزل الله لكم الآيات الدالة على الأحكام واضحة جلية. والله واسع العلم لا يغيب عنه شئ من أعمالكم، وهو الحكيم فى كل ما يشرع ويخلق، فكل شرعه وخلقه على مقتضى الحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 19 - إن الذين يحبون أن يُفْشوا ذكر القبائح، فيفشوا معه القبائح نفسها بين المؤمنين، لهم عذاب مؤلم فى الدنيا بالعقوبة المقررة، وفى الآخرة بالنار إن لم يتوبوا. والله عليم بجميع أحوالكم الظاهرة والباطنة، وأنتم لا تعلمون ما يعلمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 20 - ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم، وأنه شديد الرأفة واسع الرحمة، لَما بيّن لكم الأحكام، ولعجَّل عقوبتكم فى الدنيا بالمعصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 21 - يا أيها الذين آمنوا حصِّنوا أنفسكم بالإيمان، ولا تسيروا وراء الشيطان الذى يجركم إلى إشاعة الفاحشة والمعاصى بينكم. ومن يتبع الشيطان فقد عصى، لأنه يأمر بكبائر الذنوب وقبائح المعاصى، ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم ببيان الأحكام وقبول توبة العصاة ما طهر أحد منكم من دنس العصيان. ولكن الله يطهر من يتجه إلى ذلك بتوفيقه للبعد عن المعصية، أو مغفرتها له بالتوبة، والله سميع لكل قول، عليم بكل شئ، ومجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 22 - ولا يَحّلِف الصالحون وذوو اليسار منكم على أن يمنعوا إحسانهم ممن يستحقونه من الأقارب والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وغيرهم لسبب من الأسباب الشخصية، كإساءتهم إليهم، ولكن ينبغى أن يسامحوهم ويعرضوا عن مجازاتهم، وإذا كنتم تحبون أن يعفو الله عن سيئاتكم فافعلوا مع المسئ إليكم مثل ما تحبون أن يفعل بكم ربكم، وتأدبوا بأدبه فهو واسع المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 23 - إن الذين يتهمون بالزنا المؤمنات العفيفات الطاهرات، اللاتى لا يظن فيهن ذلك، بل هن لفرط انصرافهن إلى الله غافلات عما يُقال عنهن، يُبعدهم الله عن رحمته فى الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم إن لم يتوبوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 24 - ذلك العذاب يكون يوم القيامة حيث لا سبيل للإنكار، بل يثبت عليهم ما ارتكبوا إذ تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بجميع ما ارتكبوا من آثام، وذلك بظهور آثار مما عملوه عليها، أو بأن يُنطقها الله الذى أنطق كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 25 - فى ذلك اليوم يعاقبهم الله العقاب المقرر لهم كاملاً غير منقوص، وهنا يعلمون علم اليقين أُلوهية الله وأحكام شريعته، وصدق وعده ووعيده، لأن كل ذلك واضح دون خفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 26 - الخبيثات من النساء يَكُنَّ للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال يكونون للخبيثات من النساء، وكذلك الطيبات من النساء يكن للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال يكونون للطيبات من النساء، فكيف يُتصور السوء فى الطيبة المصونة زوج الأمين، والرسول الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهؤلاء الطيبون مبرَّأون من التهم التى يصفهم بها الخبيثون، ولهم مغفرة من الله على مما لا يخلو منه البشر من صغار الذنوب، وإكرام عظيم بنعيم الجنة، وطيباتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 27 - يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً ليست لكم إلا بعد أن تطلبوا الإذن من ساكنيها ويسمح لكم بالدخول، وبعد أن تلقوا تحية السلام على ساكنيها. ذلك الاستئذان والسلام خير لكم من الدخول بدونهما، وشرعه الله لكم لتتعظوا وتعملوا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 28 - فإن لم تجدوا فى هذه البيوت أحداً يأذن لكم، فلا تدخلوا حتى يجئ من يسمح لكم به. وإن لم يُسمح لكم وطُلب منكم الرجوع فارجعوا، ولا تلحوا فى طلب السماح بالدخول، فإن الرجوع أكرم بكم وأطهر لنفوسكم، والله مطلع على كل أحوالكم ومجازيكم عليها فلا تخالفوا إرشاداته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 29 - وإذا أردتم دخول بيوت عامة غير مسكونة بقوم مخصوصين، ولكم فيها حاجة كالحوانيت والفنادق ودور العبادة فلا حرج عليكم إن دخلتم بدون استئذان، والله عالم أتم العلم بجميع أعمالكم الظاهرة والباطنة فاتقوا مخالفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 30 - قل - يا أيها النبى - للمؤمنين - محذراً لهم مما يوصل إلى الزنا ويعرض للتهم -: إنهم مأمورون ألا ينظروا إلى ما يحرم النظر إليه من عورات النساء ومواطن الزينة منهن، وأن يصونوا فروجهم بسترها وبعدم الاتصال غير المشروع، ذلك الأدب أكرم بهم وأطهر لهم وأبعد عن الوقوع فى المعصية والتهم. إن الله عالم أتم العلم بجميع ما يعملون ومجازيهم على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 31 - قل أيضاً - يا أيها النبى - للمؤمنات: إنهن مأمورات بكف نظرهن عما يحرم النظر إليه، وأن يَصُنَّ فروجهن بالستر وعدم الاتصال غير المشروع، وألا يُظهرن للرجال ما يغريهم من المحاسن الخلقية والزينة كالصدر والعضد والقلادة، إلا ما يظهر من غير إظهار كالوجه واليد، واطلب منهن - يا أيها النبى - أن يسترن المواضع التى تبدو من فتحات الملابس، كالعنق والصدر، وذلك بأن يسترن عليها أغطية رؤوسهن، وألا يسمحن بظهور محاسنهن، إلا لأزواجهن والأقارب الذين يحرم عليهم التزوج منهن تحريماً مؤبداً كآبائهن أو آباء أزواجهن، أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن من غيرهن، أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن، ومثل هؤلاء صواحبهن، وسواء منهن الحرائر والمملوكات، والرجال الذين يعيشون معهن، ولا يوجد عندهم الحاجة والميل للنساء كالطاعنين فى السن، وكذلك الأطفال الذين لم يبلْغوا حد الشهوة، واطلب منهن أيضاً ألا يفعلن شيئاً يلفت أنظار الرجال إلى ما خفى من الزينة، وذلك كالضرب فى الأرض بأرجلهن، ليسمع صوت خلاخيلهن المستترة بالثياب، وتوبوا إلى الله جميعاً - أيها المؤمنون - فيما خالفتم فيه أمر الله، والتزموا آداب الدين لتسعدوا فى دنياكم وأخراكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 32 - وأعينوا على الابتعاد عن الزنا وما يوصل إليه بتزويج من لم يتزوج منْ رجالكم ونسائكم، ومَنْ كان صالحاً من مماليككم كذلك، ولا تكن رقة الحال مانعة من الزواج فإن الله سيهيئ وسائل العيش الكريم لمن أراد إعفاف نفسه، وفضل الله واسع لا يثقله إغناء الناس، هو عالم أتم العلم بالنيات وبكل ما يجرى فى الكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 33 - والذين لا يجدون القدرة على مؤونات الزواج، فعليهم أن يسلكوا وسيلة أخرى كالصوم والرياضة. والأعمال العقلية، يعفون بها أنفسهم، حتى يهيئ الله لهم من فضله ما يستطيعون به الزواج، والأرقاء الذين يطلبون منكم تعاقداً على دفع عوض مقابل عتقهم، عليكم أن تجيبوهم إلى ما طلبوا، إنْ علمتم أنهم سيصدقون فى الوفاء ويستطيعون الأداء، وعليكم أن تساعدوهم على الوفاء بما تعاقدوا عليه، وذلك مثلا بتخفيض ما اتفقتم عليه أو إعطائهم بعض المال الذى أنعم الله به عليكم بالزكاة أو الصدقة. ويحرم عليكم أن تجعلوا جواريكم وسيلة للكسب الدنيوى الرخيص باحتراف البغاء وتكرهوهن عليه. كيف تُكرِهُوهُنَّ وهن يردن العفاف؟ ومن يكرههن عليه فإن الله يغفر لمن يكرهونهن بالتوبة عن الإكراه. لأن الله واسع المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 34 - ولقد أنزلنا إليكم فى هذه السورة وغيرها آيات واضحة مبينة للأحكام، وأنزلنا إليكم أمثلة من أحوال السابقين. وإرشادات ومواعظ يفيد منها الخائفون من الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 35 - الله مصدر النور فى السموات والأرض، فهو منورهما بكل نور حسى نراه ونسير فيه، وبكل نور معنوى، كنور الحق والعدل، والعلم والفضيلة، والهدى والإيمان، وبالشواهد والآثار التى أودعها مخلوقاته، وبكل ما يدل على وجود الله ويدعو إلى الإيمان به سبحانه، وَمَثلُ نوره العظيم وأدلته الباهرة فى الوضوح، كمثل نور مصباح شديد التوهج، وضع فى فجوة من حائط تساعد على تجميع نوره ووفرة إضاءته، وقد وضع المصباح فى قارورة صافية لامعة لمعان كوكب مشرق، يتلألأ كالدر ويستمد المصباح وقوده من زيت شجرة كثيرة البركات، طيبة التربة والموقع، هى شجرة الزيتون المغروسة فى مكان معتدل متوسط، فلا هى شرقية فتحرم حرارة الشمس آخر النهار، ولا هى غربية فتحرمها أول النهار، بل هى على قمة الجبل، أو فى فضاء الأرض تفيد من الشمس فى جميع أجزاء النهار، يكاد زيت هذه الشجرة لشدة صفائه يضئ، ولو لم تمسسه نار المصباح، فهذه العوامل كلها تزيد المصباح إضاءة فوق إضاءة، ونوراً على نور. وهكذا تكون الشواهد المنبثة فى الكون حسيها ومعنويها آيات واضحة لا تدع مجالا للشك فى وجود الله، وفى وجوب الإيمان به وبرسالاته وما جاءت به. والله يوفق من يشاء إلى الإيمان عن طريقها، إذا حاول الانتفاع بنور عقله. وقد أتى الله بالأمثلة المحسوسة ليسهل إدراك الأمور المعقولة، وهو سبحانه واسع العلم، يعلم من نظر فى آياته، ومن أعرض واستكبر، ومجازيهم على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 36 - إن هناك قوماً يُسبحون الله ويعبدونه فى المساجد التى أمر الله أن تبنى وتعظم وتُعمر بذكر الله، وهم يترددون عليها صباحا ومساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 37 - لا تشغلهم الدنيا بما فيها من بيع وشراء عن تذكر الله ومراقبته، فهم يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة خائفين من يوم القيامة الذى لا تستقر فيه القلوب من القلق والهم، وترقب المصير فيه وتلتفت فيه الأنظار فى حيرة ودهشة من غرابة المنظر وشدة الهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 38 - وستكون عاقبة عملهم مكافأة الله لهم أحسن مكافأة على أعمالهم الطيبة، وأن يتفضل عليهم بأكثر مما يستحقون، فهو سبحانه واسع الفضل يعطى من يشاء من عباده الصالحين عطاء كبيرا، لا يحاسبه عليه أحد ولا يستطيع العادُّون إحصاءه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 39 - والذين جحدوا وأنكروا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وأن أعمالهم الحسنة ستفيدهم يوم القيامة، ولكنهم مخطئون فى ظنهم هذا، فمثل أعمالهم فى بطلانها وعدم جدواها كمثل اللمعان الذى يحدث من سقوط أشعة الشمس وقت الظهيرة على أرض مستوية فى بيداء، فيظنه العطشان ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً نافعاً كما كان يظنه، كذلك أعمال الكفار يوم الجزاء ستكون هباء منثوراً، وسيجد الكافر عقاب الله ينتظره واقعاً تاماً لا نقص فيه، إن حساب الله آت لا ريب فيه، وهو سبحانه سريع فى حسابه لا يبطئ ولا يخطئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 40 - وهذا مثل آخر لأعمال الكفار، فمثلها كمثل ظلمات البحر الواسع العميق، الذى تتلاطم أمواجه عند هياجه، ويعلو بعضها فوق بعض، ويغطيها سحاب كثيف قاتم يحجب النور عنها، فهذه ظلمات متراكمة، لا يستطيع راكب البحر معها أن يرى يده ولو أدناها إلى بصره، فوقف حائراً مبهوتاً، وكيف يرى شيئاً ويخلص من هذه الحيرة بدون نور يهديه فى مسيره ويقيه الارتطام والهلاك؟ وكذلك الكافرون لا يفيدون من أعمالهم، ولا يخرجون من عمايتهم وضلالهم، ولا ينجون بأنفسهم إلا بنور الإيمان، ومن لم يوفقه الله لنور الإيمان، فليس له نور يهديه إلى الخير ويدله على الطريق المستقيم، فيكون من الهالكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 41 - ألم تعلم - يا أيها النبى - علماً يقينياً أن الله يخضع له كل من يسكن السموات والأرض، ويخضع له الطير كذلك، وهى باسطة أجنحتها. فهذه المخلوقات كلها خاضعة لأمر الله وتدبيره تنزهه عن الشريك وعن كل ما لا يليق، وكل منها قد علم بإلهام الله ما وجب عليه من خضوع وتنزيه وأداء لوظيفته فى الحياة، والله من ورائهم عالم أتم العلم بصلاة كل مصل وتسبيح كل مسبح، وجميع ما يفعله العباد، فكيف لا يؤمن به الكافرون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 42 - والله - وحده - هو مالك السموات والأرض وما فيهن، وصاحب السلطان عليها وكلهم راجع إليه يوم القيامة للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 43 - ألم تر - أيها النبى - أن الله يسوق بالريح سحاباً، ثم يضم بعضه إلى بعض ويجعله متراكماً، فترى المطر يخرج من خلال السحاب، والله ينزل من مجموعات السحب المتكاثفة التى تشبه الجبال فى عظمتها برداً، كالحصى ينزل على قوم فينفعهم أو يضرهم تبعاً لقوانينه وإرادته ولا ينزل على آخرين كما يريد الله فهو سبحانه الفاعل المختار، ويكاد ضوء البرق الحادث من اصطكاك السحب يذهب بالأبصار لشدته، وهذه الظواهر دلائل قدرة الله الموجبة للإيمان به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 44 - يغير الله أحوال الليل والنهار بالطول والقصر، والبدء والانتهاء بدوران الفلك، إن فى ذلك كله لعبرة لذوى العقول السليمة المتبصرة، يؤمنون عن طريقها بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 45 - الله خالق كل شئ، وأبدع الأشياء بإرادته، وخلق كل حى يدب من أصل مشترك هو الماء، لذلك لا يخلو الحى منه، ثم خالف بينها فى الأنواع والاستعدادات ووجوه الاختلاف الأخرى، فمن الدواب نوع يزحف على بطنه كالأسماك والزواحف، ومنها نوع يمشى على رجليه كالإنسان والطير، ومنها نوع يمشى على أربع كالبهائم، يخلق الله ما يشاء من خلقه على أية كيفية تكون للدلالة على قدرته وعلمه، فهو المريد المختار، وهو القادر على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 46 - لقد أنزلنا بالوحى آيات واضحات تبين الأحكام والعظات، وتضرب الأمثال، والله يوفق إلى الخير من يشاء من عباده الذين استعدوا للنظر فيها والإفادة منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 47 - والمنافقون يقولون بألسنتهم: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا أوامرهما. وعند اختبارهم يعرض فريق منهم عن مشاركة المسلمين فى أعمال الخير كالجهاد وغيره، بعد قولهم هذا، وهؤلاء ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا جديرين بإطلاق اسم المؤمنين عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 48 - ومن أحوالهم أنهم إذا طلبوا إلى التحاكم أمام الرسول بمقتضى ما أنزل الله، ظهر نفاق بعضهم فرفضوا التحاكم إذا عرفوا أن الحق فى جانب خصومهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 49 - أما إذا عرفوا أن الحق فى جانبهم، فهم يأتون إلى الرسول مسرعين ليحكم بينهم وبين خصومهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 50 - ولماذا يقفون هذا الموقف من التحاكم أمام الرسول؟ ألأنَّ نفوسهم مريضة بالعمى فلا تخضع لحكمك الحق، أم لأنهم شكوا فى عدالة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فى الحكم؟ لا شئ من ذلك أصلاً، ولكنهم هم الظالمون لأنفسهم ولغيرهم بسبب كفرهم ونفاقهم وعدولهم عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 51 - إنما كان القول الحق للمؤمنين الصادقين إذا دعوا إلى التحاكم بمقتضى ما جاء عن الله ورسوله أن يقولوا قابلين مذعنين: سمعنا دعوتك يا محمد ورضينا حكمك، وهؤلاء يكونون أهل فلاح فى دنياهم وأُخراهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 52 - ومن يطع الله، ويرض بما يأمر به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويخش ذات الله العلية، ويستحضر جلاله ويتق غضبه، فأولئك هم الفائزون برضا الله ومحبته، ونعيم الجنة، والفائزون بالخير المطلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 53 - وأقسم المنافقون بالله أقصى ما يكون من إيمان مغلظة، إنك يا محمد إن أمرتهم بالخروج معك للغزو أطاعوا، قل لهم: لا تحلفوا فالأمور المطلوبة منكم معروفة لكم لا ينكرها أحد منكم، ولا ينفى العلم بها إيمان تكذبون فيها، وإن الله لمطلع تمام الاطلاع على كل ما يقع منكم ومجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 54 - قل لهم: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول طاعة صادقة تدل عليها أعمالكم، فإن أعرض المنافقون ولم يمتثلوا، فإنما على محمد ما حمله الله من أمر التبليغ وليس مكلفاً بهدايتهم، وعليكم ما حملكم الله من التكليف والطاعة، وستعاقبون إذا استمررتم على العصيان، وإن تطيعوا الرسول تهتدوا إلى الخير، وما عليه سوى التبليغ الواضح - أطعتم أم عصيتم - وقد بلغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 55 - وعد الله الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له منكم، وعملوا الأعمال الصالحة وعداً مؤكداً أن يجعلهم خلفاء لمن سبقوهم وارثين لهم فى الحكم والولاية فى الأرض، كما كان الشأن فيمن سبقوهم. وأن يمكن لهم الإسلام الذى ارتضاه ديناً لهم، فتكون لهم المهابة والسلطان، وأن يبدل حالهم من خوف إلى أمن بحيث يعبدوننى مطمئنين، لا يشركون معى أحداً فى العبادة. ومن اختاروا الكفر بعد هذا الوعد الصادق، أو ارتدوا عن الإسلام فأولئك هم الخارجون المتمردون الجاحدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 56 - وأقيموا الصلاة كاملة الأركان فى خشوع وخضوع بحيث تكون مانعة من الفحشاء والمنكر، وأعطوا الزكاة لمستحقيها. وأطيعوا الرسول فى سائر ما يأمركم به ليكون لكم رجاء فى رحمة الله ورضوانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 57 - لا تظن - أيها النبى - أن الكافرين سيعجزون الله عن أخذهم بذنوبهم، أو تمكين أهل الحق من رقابهم فى أى مكان من الأرض، بل إنه القادر، فمصيرهم يوم القيامة هو النار وبئس المصير مصيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 58 - يا أيها الذين آمنوا، يجب أن تأمروا عبيدكم وصبيانكم الذين لم يصلوا إلى حد البلوغ ألا يدخلوا عليكم إلا بعد الاستئذان فى ثلاثة أوقات، وهى: قبل صلاة الفجر، وحين تتخففون من ثيابكم وقت القيلولة، ومن بعد صلاة العشاء عند الاستعداد للنوم. فهذه الأوقات يتغير فيها نظام اللبس باستبدال ثياب النوم بثياب اليقظة، ويبدو من عورات الجسم ما لا ينبغى رؤيته، ولا حرج عليكم ولا عليهم فى الدخول بغير استئذان فى غير هذه الأوقات، لأن العادة جرت بأن يتردد فيها بعضكم على بعض لقضاء المصالح. وبمثل هذا التوضيح يوضح الله لكم آيات القرآن لبيان الأحكام، والله سبحانه واسع العلم عظيم الحكمة، يعلم ما يصلح لعباده ويشرع لهم ما يناسبهم ويحاسبهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 59 - وإذا وصل صبيانكم حد البلوغ وجب عليهم أن يستأذنوا للدخول فى كل بيت، وفى جميع الأوقات، كما وجب ذلك على الذين بلغوا من قبلهم، وبمثل هذا التوضيح يوضح الله لكم آياته التى أنزلها، والله سبحانه واسع العلم، عظيم الحكمة، يعلم ما يصلح لعباده ويشرِّع لهم ما يناسبهم ويحاسبهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 60 - والنساء الطاعنات فى السن اللاتى لا يطمعن فى الزواج، لا مؤاخذة عليهن إذا تخففن من بعض الملابس، بحيث تكون غير مظهرات زينة أمر الله بإخفائها من أجسامهن، ولكن استعفافهن بالاستتار الكامل خير لهن من التخفف، والله سميع لقولهن عليم بفعلهن وقصدهن ومجازيهن على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 61 - ليس على أصحاب الأعذار كالأعمى والأعرج والمريض حرج، بل ولا عليكم أيها الأصحاء حرج فى أن تأكلوا من بيوت أولادكم فهى بيوتكم، ولا أن تأكلوا من بيوت آبائكم أو أمهاتكم أو إخوانكم أو أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو عماتكم أو أخوالكم أو خالاتكم، أو البيوت التى وكل إليكم التصرف فيها، أو بيوت أصدقائكم المخالطين إذا لم يكن فيها حرمات، وذلك كله إذا عُلِم سماح رب البيت بإذن أو قرينة، وليس عليكم جناح فى أن تأكلوا مجتمعين أو منفردين، فإذا دخلتم بيوتاً فحيوا بالسلام أهلها الذين هم قطعة منكم بسبب اتحاد الدين أو القرابة فهم كأنفسكم، وهذه التحية تحية مشروعة مباركة بالثواب وفيها تطييب للنفوس وعلى هذا النحو يوضح الله لكم الآيات لتعقلوا ما فيها من العظات والأحكام وتفهموها وتعملوا بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 62 - إن المؤمنين الصادقين هم الذين آمنوا بالله ورسوله، ولم يتركوا الرسول وحده فى أمر مهم يتطلب اجتماعهم كالجهاد، إلا بعد أن يستأذنوه فى الانصراف ويسمح لهم به، إن الذين يقدرونك - أيها النبى - حق قدرك، ويدركون خطر الاجتماع فلا ينصرفون إلا بعد موافقتك، وهم الصادقون فى إيمانهم بالله ورسوله، فإذا استأذنك هؤلاء لقضاء بعض مصالحهم فأذن بالانصراف لمن تشاء منهم، إذا رأيت من الدلائل أنهم فى حاجة ماسة إلى الانصراف، ولا يحتم الاجتماع وجودهم، ومع ذلك اطلب المغفرة لهم من الله على انصرافهم الذى ما كان يليق أبداً، إن الله واسع المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 63 - احرصوا على احترام دعوة الرسول لكم إلى الاجتماع للأمور الهامة، واستجيبوا لها، ولا تجعلوها كدعوة بعضكم لبعض فى جواز التهاون فيها، والانصراف عنها، ولا تنصرفوا إلا بعد الاستئذان والموافقة، وفى أضيق الحدود وأشد الضرورات. فالله سبحانه يعلم من ينصرفون بدون إذن مختفين بين الجموع حتى لا يراهم الرسول، فليحذر المخالفون عن أمر الله أن يعاقبهم سبحانه على عصيانهم بمحنة شديدة فى الدنيا كالقحط والزلزال، أو بعذاب شديد الإيلام قد أعد لهم فى الآخرة وهو النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 64 - تنبهوا - أيها الناس - إلى أن الله - وحده - هو مالك السموات والأرض وما فيها، يعلم ما أنتم عليه من الكفر والإسلام والعصيان والطاعة، فلا تخالفوا عن أمره، وسيخبر الناس عند رجوعهم إليه يوم القيامة بكل ما عملوا فى الدنيا وسيجازيهم عليه، لأنه محيط بكل شئ علماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 1 - تعالى أمر الله وتزايد خيره، هو الذى نزل القرآن فارقاً بين الحق والباطل على عبده محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليكون نذيراً به مبلغاً إياه إلى العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 2 - هو سبحانه الذى يملك - وحده - السموات والأرض، والمنزه عن اتخاذ الولد، ولم يكن له أى شريك فى ملكه، وقد خلق كل شئ وقدَّره تقديراً دقيقاً بنواميس تكفل له أداء مهمته بنظام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 3 - ومع ذلك ترك الكافرون عبادته، واتخذوا آلهة يعبدونها من دون الله من أصنام وكواكب وأشخاص وهم لا يستطيعون أن يخلقوا شيئاً ما، وهم مخلوقون لله، ولا يملكون دفع الضر عن أنفسهم ولا جلب خير لها، ولا يملكون إماتة أحد ولا إحياءه، ولا بعث الأموات من قبورهم، وكل من لا يملك شيئاً من ذلك لا يستحق أن يعبد، وما أجهل من يعبده، والمستحق للعبادة وحده هو مالك كل هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 4 - وطعن الكفار فى القرآن وقالوا: إنه كذب اخترعه محمد من عند نفسه ونسبه إلى الله، وساعده فى اختراعه جماعة آخرون من أهل الكتاب، فارتكب الكفار بقولهم هذا ظلماً فى الحكم واعتداء على الحق، وجاءوا بزور لا دليل عليه، لأن من أشاروا إليهم من أهل الكتاب لسانهم أعجمى، والقرآن لسان عربى مبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 5 - وقالوا عن القرآن أيضاً: إنه أكاذيب السابقين سطَّروها فى كتبهم، ثم طلب منهم أن تُكتب له وتُقرأ عليه على الدوام صباحاً ومساء حتى يحفظها ويقولها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 6 - قل لهم - أيها النبى -: إن القرآن أنزله الله الذى يعلم الأسرار الخفية فى السموات والأرض، وقد أودعها فى القرآن المعجز دليلا على أنه وحيه سبحانه، إن الله واسع المغفرة والرحمة، يتجاوز عن العاصين إذا تابوا ولا يعجل بعقوبتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 7 - وسَخِروا من محمد فقالوا: أى شئ يمتاز به هذا الذى يزعم أنه رسول حتى إنه يأكل الطعام كما نأكل، ويتردد فى الأسواق لكسب عيشه كما يفعل سائر البشر؟ لو كان رسولا لكفاه الله ذلك، ولسأل ربه أن ينزل له ملكاً من السماء يساعده على الإنذار والتبليغ ويصدقه فى دعواه فنؤمن به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 8 - وهلا سأل أن يكفيه مؤونة التردد على الأسواق فيلقى إليه كنزاً من السماء ينفق منه، أو يجعل له حديقة يقتات من ثمارها؟ وقال كبار الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر صادين الناس عن الإيمان بمحمد، ومحاولين تشكيك المؤمنين: ما تتبعون إلا رجلاً مسحوراً عقلُه، فهو يهذى بما لا حقيقة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 9 - انظر - أيها النبى - كيف ضربوا لك الأمثال، فمثلوك مرة بمسحور، وأخرى بمجنون، وثالثة بكذاب، ورابعة بتلقى القرآن عن أعاجم، إنهم بذلك قد ضلوا طريق الحق والمحاجة الصحيحة فلا يجدون إليهما سبيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 10 - تعالى الله وتزايد خيره، هو الذى إن شاء جعل لك فى الدنيا أحسن مما اقترحوا، فيجعل لك فيها مثل ما وعدك فى الآخرة من جنات كثيرة تجرى الأنهار فى جنباتها وخلال أشجارها، ومن قصور مشيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 11 - والحقيقة أنهم جاحدون بكل آية، لأنهم كذَّبوا بالبعث ويوم القيامة، فهم لهذا يتعللون بهذه المطالب ليصرفوا الناس إلى باطلهم، وقد أعددنا لمن كذب بيوم القيامة ناراً مستعرة شديدة الالتهاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 12 - إذا رأوها ورأتهم من بعيد سمعوا لها صوتاً متغيظاً متحفزاً لإهلاكهم، وفيه مثل الزفرات التى تخرج من صدر متغيظ علامة على ما هى عليه من شدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 13 - وإذا ألقوا فى مكان ضيق منها يتناسب مع جرمهم وهم مقرونة أيديهم إلى أعناقهم بالأغلال، نادوا هناك طالبين تعجيل هلاكهم ليستريحوا من هول العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 14 - فيقال لهم توبيخاً وسخرية: لا تطلبوا هلاكاً واحداً بل اطلبوه مراراً، فلن تجدوا خلاصاً مما أنتم فيه، وإن أنواع عذابهم كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 15 - قل - يا أيها النبى - للكافرين: أهذا المصير الذى أوعد به الكافرون خير، أم الجنة الدائم نعيمها والتى وعد المؤمنون الأتقياء بأن تكون لهم ثواباً ومصيراً يصيرون إليه بعد البعث والحساب؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 16 - لهم فيها ما يرغبون وينعمون به نعيماً دون انقطاع، وكان هذا النعيم وعداً من الله لهم، سألوا ربهم تحقيقه فأجابهم إلى ما سألوه، لأن وعده لا يتخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 17 - واذكر - للعظة - يوم يحشر الله المشركين للحساب فى يوم القيامة مع مَن عبدوهم فى الدنيا من دون الله، كعيسى وعزير والملائكة، فيسأل الله المعبودين: أأنتم الذين أضللتم عبادى فأمرتموهم بأن يعبدوكم، أم هم الذين ضلوا السبيل باختيارهم فعبدوكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 18 - فيكون جوابهم: تنزَّهت وتقَّدست، ما كان يحق لنا أبداً أن نطلب من دونك ولياً ينصرنا ويتولى أمرنا، فكيف مع هذا ندعوا أحداً أن يعبدنا دونك؟ ولكن السبب فى كفرهم هو إنعامك عليهم بأن متّعتهم طويلا بالدنيا هم وآباؤهم، فأطغاهم ذلك ونسوا شكرك والتوجه إليك - وحدك - بالعبادة، وكانوا بذلك الطغيان والكفر قوماً مستحقين للهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 19 - فيقال للعابدين المشركين: لقد كذَّبكم مَن عبدتموه فيما زعمتم من إضلالهم إياكم. فأنتم اليوم إلى العذاب صائرون، لا تملكون حيلة لصرفه عنكم، ولا تجدون نصراً من أحد يخلصكم منه، وليعلم العباد جميعاً أن من يظلم نفسه بالكفر والطغيان كما فعل أولئك فإننا نعذَّبه عذاباً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 20 - وإذا كان المشركون يعيبونك - أيها النبى - بأكلك الطعام ومشيك فى الأسواق للعمل والكسب فتلك سنة الله فى المرسلين من قبلك، ما أرسلنا أحداً منهم إلا كان يأكل الطعام ويتردد فى الأسواق. وجعلنا بعضكم - أيها الناس - ابتلاء لبعض، والمفسدون يحاولون سد الطريق إلى الهداية والحق بشتى الأساليب، فهل تصبرون على حقكم - أيها المؤمنون - وتتمسكون بدينكم حتى يأتى أمر الله بالنصر؟ اصبروا فالله مطلع على كل شئ ويجازى كلا بما عمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 21 - وقال الذين ينكرون البعث ولا يتوقعون الجزاء على أعمالهم: لماذا لا تنزل علينا الملائكة بتأييدك، أو يتراءى لنا الله فيخبرنا بأنه أرسلك؟ . لقد تمكن الكبر من نفوسهم وجاوزوا الحد فى الظلم والطغيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 22 - يوم القيامة يرون الملائكة كما تمنوا، وسيكون ذلك مصدر تنفير لهم لا بشارة. يستعيذون منهم كما كانوا يستعيذون مما يفزعهم فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 23 - ويوم القيامة نأتى إلى ما عملوه من مظاهر البر والإحسان فى الدنيا فنحبطه ونحرمهم ثوابه، لعدم إيمانهم الذى به تعتبر الأعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 24 - أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقراً وأحسن منزلا ومأوى للاسترواح، لأنه الجنة المعدة للمؤمنين لا النار المعدة للكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 25 - واذكر - أيها النبى - يوم تنفرج السماء وتنفتح، ويظهر من فُرَجها الغمام، وتنزل الملائكة نزولاً مؤكداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 26 - فى هذا اليوم تبطل أملاك المالكين من الناس وتنقطع دعاواهم، ويخلص الملك للرحمن - وحده - ويكون يوماً شديداً عصيباً على الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 27 - يوم القيامة يعض الظالم لنفسه - بالكفر ومخالفة الرسل - على يديه أسفاً وندماً يقول متمنياً: يا ليتنى اتبعت الرسل فسلكت طريق الجنة وتجنبت طريق النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 28 - يقول نادماً على اتِّباع مَنْ أضلوه: يا ليتنى لم أصادق فلاناً الذى ملَّكته قيادى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 29 - لقد أبعدنى هذا الصديق عن ذكر الله وذكر القرآن بعد أن يُسِّر لى، وهكذا يخذل الشيطان الإنسان ويسلمه إلى ما فيه هلكته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 30 - وقال الرسول يشكو إلى الله ما يلاقيه من تعنت قومه: إنهم تركوا القرآن وهجروه، وتمادوا فى إعراضهم وعنادهم وعدائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 31 - كما جعلنا قومك - يا محمد - يعادونك ويُكذِّبوك، جعلنا لكل نبى عدواً من المجرمين يعادونه ويقاومون دعوته، وسينصرك الله ويهديك إلى قهرهم، وحسبُك به هادياً ونصيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 32 - وقال الذين كفروا طعناً فى القرآن: لِمَ لَمْ ينزل دفعة واحدة، لقد أنزلناه كذلك مفرقاً ليثبت به فؤادك بأُنسك به وحفظك له، ورتَّلناه. فرقنا آيه، أو قرأناه على لسان جبريل شيئاً فشيئاً على تؤدة وتمهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 33 - ولا يأتونك بحال من الاعتراضات الواهية إلا جئناك بالحق نبيِّنه ونُفسِّره أحسن تفسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 34 - والذين كفروا برسالتك سيُسحبون إلى النار على وجوههم أذلاء، وهم شر الناس منزلة وأوغلُهم فى الضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 35 - ويُسَلّى الرسول مما وقع للرسل قبله، ولقد نزلنا على موسى التوراة وكلفناه أن يقوم بتبليغ رسالتنا، وأيدناه بأخيه هارون وزيراً له ومعيناً فى أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 36 - فقلنا: اذهب أنت وأخوك إلى فرعون وقومه. وأيدناه بالمعجزات التى تدل على صدقه، فلم يؤمنوا بها وكذبوه، فكان عاقبتهم أن أهلكناهم ومحقناهم محقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 37 - وكذلك فعلنا من قبل موسى مع قوم نوح لما كذَّبوه - ومن كذَّب رسولا فقد كذّب الرسل أجمعين - فقد أغرقناهم بالطوفان وجعلناهم عبرة للناس، وجعلنا لهم ولكل مشرك فى الآخرة عذاباً أليماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 38 - وكذلك أهلكنا عادا وثمود وأصحاب الرَّسَ لما كذبوا رسلهم، وأهلكنا أمماً كثيرة كانوا بين أمة نوح وبين عاد فأصابهم جزاء الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 39 - ولقد أنذرنا هؤلاء الأقوام كلهم، وذكرنا لهم العظات والأمثال الصحيحة النافعة، ولكنهم لم يتعظوا فأخذناهم كلهم بالعذاب وأهلكناهم ودمرنا ديارهم تدميراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 40 - وهؤلاء - قريش - يمرون فى أسفارهم إلى الشام على قرية قوم لوط التى أمطرنا عليها شر مطر وأسوأه - حجارة من سجيل - أفلم يروا هذه القرية فيتعظوا بما حل لأهلها؟ إنهم يرونها ولكن لا بأعين الاتعاظ والاعتبار، إذ كانوا لا يؤمنون بمعاد ولا بعث، ولا يتوقعون يوماً ينشرون فيه إلى الحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 41 - وإذا أبصرك هؤلاء لا يتخذونك إلا موضع هزؤ وسخرية، ويقول بعضهم لبعض: أهذا هو الذى بعثه الله رسولاً إلينا نتبعه ونسير وراءه؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 42 - لقد أوتى هذا الرجل من حُسْن البيان وقوة الحُجة ما يجذب السامعين، ولقد نال من عقائدنا حتى لقد كاد يُزحزحنا عن آلهتنا ويميلنا إلى إلهه، ولكننا ثبتنا على آلهتنا وديننا. سنبين لهم جلية الأمر حين يرون العذاب يوم القيامة ويعلمون من هو أثبت فى الضلال والغواية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 43 - أرأيت - أيها الرسول - ضلال من اتَّبع هواه وشهواته حتى إنه ليعبد حجارة لا تضر ولا تنفع؟ وأنت قد بعثت نذيراً وبشيراً ولست موكلا بإيمانهم وهدايتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 44 - وهل تظن أن أكثرهم يسمعون سماع الفهم أو يهتدون بعقولهم؟! لقد نفذوا ما تأمرهم به أحلامهم، وصاروا كالبهائم لا همّ لهم إلا الأكل والشرب ومتاع الحياة الدنيا، ولا تفكير لهم فيما وراء ذلك، بل هم شر مكاناً من البهائم، فالبهائم تنقاد لأصحابها إلى ما فيه خيرها، وتنأى عما يضرها، وهؤلاء يلقون بأنفسهم فيما يهلكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 45 - لقد نصبنا من الدلائل على التوحيد ما يهدى ذوى الألباب، انظر إلى الظل فقد بسطه الله وجعله ساكناً أول النهار، ثم سلطنا الشمس تزيل منه بما يحل محله من أشعتها، فكانت الشمس دالة عليه ولولاها ما عرف الظل، ولو شاء الله لجعل الظل ساكناً مطبقاً على الناس فتفوت مصالحهم ومرافقهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 46 - ولقد كان نسخنا للظل بالشمس تدريجياً بمقدار ولم يكن دفعة واحدة، وفى ذلك منافع للناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 47 - ومن آيات التوحيد أن جعل الليل ستراً بظلامه، يدخل فيه الخلق فيحيطهم إحاطة الثوب بلابسه. وهيَّأ الناس للنوم فكان راحة لهم يستجمون به من التعب، ثم يأتى النهار بضيائه ناشراً للناس باحثين عن معايشهم طالبين لرزقهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 48 - وهو الذى سخر الرياح فتسوق السحب وتبشر الناس بالمطر الذى هو رحمة منه لهم، ولقد أنزلنا من السماء ماء طاهراً مُطهراً مزيلا للأنجاس والأوساخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 49 - أنزلنا المطر لينبت به الزرع، فتحيا به الأرض الجدبة بعد موتها، وينتفع به السقيا مما خلق أنعاماً وأناسى كثيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 50 - وهذا القرآن قد بيَّنا آياته وصرَّفناها، ليتذكر الناس ربهم وليتعظوا ويعملوا بموجبه، ولكن أكثر الناس أبوا إلا الكفر والعناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 51 - ولو شئنا لبعثنا فى كل بلدة نذيراً، فاجتهد فى دعوتك، ودع كلام الكافرين، وانبذ ما يأتون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 52 - واستمر فى دعوتك إلى الحق وتبليغ رسالة ربك، وإن قاوموا دعوتك واعتدوا على المؤمنين فحاربهم وجاهد فى ذلك جهاداً عظيماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 53 - والله هو الذى أجرى البحرين: البحر العذب والبحر الملح، وجعل المجرى لكل واحد يجاور المجرى الآخر، ومع ذلك لا يختلطان، نعمة ورحمة بالناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 54 - والله هو الذى خلق من النطفة هؤلاء الناس، وجعلهم ذكوراً وإناثاً ذوى قرابات بالنسب أو المصاهرة، وكان الله قديراً على ما يريد إذ خلق من النطفة الواحدة نوعين متمايزين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 55 - وبعد هذه الآيات الدالة على استحقاق الله - وحده - العبادة، وأن لا إله سواه، يعبد فريق من الناس ما لا ينفع ولا يضر من الأوثان، وهؤلاء بعملهم هذا يعاونون الشيطان وهو يضلهم، فهم متظاهرون على الحق الذى دعاهم إليه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 56 - وليس عليك - أيها النبى - إلا تبليغ ما أرسلت به، وتبشير المؤمنين بالجنة، وتخويف الكافرين ما سيلقونه، وليس عليك بعد ذلك شئ تطالب به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 57 - وقل لهم: إنى لا أبتغى على دعوتكم إلى الإسلام أجراً وجزاء، إلا أن يهتدى أحدكم ويسلك سبيل الحق ويرجع إلى ربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 58 - وتوكل فى أمورك على الله الحى الذى لا يمكن أن يموت، ونزّهه وقدسه حامداً أنعمه، ودع من خرج عن الجادة، فالله خبير بهم مكافئ لهم على ذنوبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 59 - والله هو الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام، وقد استولى على العرش والملكوت وعم سلطانه كل شئ، وهو الرحمن، وإن ابتغيت أن تعرف شيئاً من صفاته فاسأل الخبير عنه يجبك وهو الله العليم الحكيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 60 - وإذا قيل لهؤلاء الكفار: اخضعوا للرحمن واعبدوه. كان جوابهم بالإنكار وتجاهل الرحمن وقالوا: من هو الرحمن؟! نحن لا نعلمه حتى نسجد له، فهل نخضع لأمرك وحسب؟ ، وازدادوا عن الإيمان بُعْداً ونفوراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 61 - تعالى الرحمن وتزايد فضله، أنشأ الكواكب فى السموات وجعل لها منازل تسير فيها، وجعل من الكواكب الشمس سراجاً مضيئاً والقمر منيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 62 - والرحمن هو الذى جعل الليل والنهار متعاقبين: يخلف أحدهما الآخر، وقد دبرنا هذا ليتذكر من شاء هذا التدبير، فيعرف حكمة الله وقدرته، أو يشكره على هذه النعمة الجليلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 63 - فعباد الرحمن هم الذين يتواضعون فى الدنيا، إذا مَشوْا على الأرض مشوا فى سكينة ووقار، وكذلك فى سائر أعمالهم، وإذا سابَّهم السفهاء من المشركين تركوهم وشأنهم وقالوا لهم: لا شأن لنا بكم بل أمرنا سلام عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 64 - والذين يبيتون على التعبد والصلاة ويذكرون الله كثيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 65 - والذين يغلِّبون الخوف على الرجاء - شأن الأتقياء - فيخافون عذاب الآخرة، يكون دأبهم أن يدعوا الله أن ينجيهم من عذاب جهنم، فإن عذابها إذا نزل بمجرم يلزمه ولا يفارقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 66 - وأن جهنم شر مستقر لمن يستقر فيها، وشر مقام لمن يقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 67 - ومن سمات عباد الرحمن: الاعتدال فى إنفاقهم المال على أنفسهم وأسرهم، فهم لا يبذرون ولا يضيقون فى النفقة، بل نفقتهم وسط بين الأمرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 68 - ومن شأنهم أنهم أخلصوا التوحيد، ونبذوا كل أثر للشرك فى عبادة ربهم، وتنزَّهوا عن قتل النفوس التى نهى الله عن قتلها. لكن إن اعتدت قُتِلَتْ بالحق. وقد تجنبوا الزنى، وقصروا أنفسهم على الحلال من أوجه المتاع، لينجوا من عقاب هذه الملهكات، فإن من يفعل هذه الأمور يلق منها شرا وعذاباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 69 - فإنه سيلقى يوم القيامة عذاباً مضاعفاً، ويخلد فيه ذليلا مهاناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 70 - ولكن مَن تاب من هذه الذنوب، وصدق فى إيمانه، وأَتبعَ ذلك بالطاعات والأعمال الصالحة، فهؤلاء يغفر لهم رحمة منه، ويجعل لهم مكان السيئات السالفة حسنات يثيبهم عليها أجزل الثواب، وأن الله من شأنه الرحمة والغفران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 71 - وهكذا مضى أمرنا: أن من تاب من إثمه وظهر أثر ذلك فى إقباله على الطاعة واجتنابه المعصية، فهو الذى يقبل الله توبته. وبها يرجع إلى ربه بعد نِفاره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 72 - ومن أخلاق عباد الرحمن: أنهم يتنزَّهون عن شهادة الزور، وأنهم إذا صادفوا من إنسان ما لا يُحمد من قول أو فعل لم يشتركوا فيه، ورفعوا أنفسهم عن مقارنته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 73 - ومن صفاتهم: أنهم إذا وعظهم واعظ وتلا عليهم آيات الله ألقوا بمسامعهم إليها، فوعتها قلوبهم، وتفتحت لها بصائرهم، ولم يكونوا كأولئك الذين يضطربون عند سماعها معرضين عنها، لا تخرق آذانهم وتنسد عنها أبصارهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 74 - وهم يسألون ربهم أن يجعل نساءهم وأولادهم موضع أنس أنفسهم بما يعملون من خير، وأن يجعلهم أئمة فى الخير يقتدى بهم الصالحون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 75 - هؤلاء الموصوفون بما وصفناهم عباد الله حقاً، وجزاؤهم غرف الجنة العالية كفاء صبرهم على الطاعات، وسيلقون فى الجنة التحية والتسليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 76 - ونعيمهم فى الجنة خالد لا انقطاع له، فنعم الجنة مستقراً ومقاماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 77 - قل - أيها الرسول - للناس: إن الله لا يعنيه منكم إلا أن تعبدوه وتدعوه فى شئونكم ولا تدعوا غيره، ولذلك خلقكم، ولكن الكافرين منكم كذبوا ما جاء به الرسل، فسيكون عذابهم لازماً لا منجى لهم منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 1 - هذه الحروف لبيان أن القرآن المعجز للبشر ركبت كلماته منها ومن أخواتها، وهى فى طوقهم، فمن ارتاب فى أنه من عند الله فليأت بمثله، ولن يستطيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 2 - هذا الكلام الذى أوحيت به إليك آيات الكتاب الموضح لما اشتمل عليه من أحكام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 3 - أشفق على نفسك - أيها النبى - أن تقتلها حزناً على عناد قومك، وعدم إيمانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 4 - إن فى قدرتنا أن نأتيهم بمعجزة تلجئهم إلى الإيمان، فيخضعوا لأمره، ويتم ما ترجوه، ولم نأتهم بذلك لأن سنتنا تكليف الناس بالإيمان دون إلجاء، كى لا تفوت الحكمة فى الابتلاء، وما وراءه من ثواب وعقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 5 - وما يجدد الله لقومك بوحيه ما يذكرهم بالدين الحق، رحمة بهم، إلا جددوا إعراضاً عنه، وكفراً به، حيث أغلقت أمامهم طرق الهداية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 6 - فقد كذّب هؤلاء بالحق الذى جئتهم به، وسخروا منه، فاصبر عليهم، فسيرون عاقبة استهزائهم القاصمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 7 - فَعلوا ما فَعلوا من الكفر والتكذيب ولم ينظروا إلى بعض خلق الله فى الأرض، ولو نظروا متأملين لاهتدوا، فهذه الكثرة من أصناف النباتات النافعة أخرجناها من الأرض، ولا يستطيع ذلك غير إله واحد قدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 8 - إن فى إخراج النبات من الأرض لدلالة عظيمة على وجود الخالق القدير، وما كان أكثر القوم مؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 9 - وإن مالك أمرك وحافظك لهو المنتقم من المكذبين المتفضل بالرحمة على المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 10 - واذكر - يا محمد - لقومك قصة موسى حين ناداه ربك: يا موسى، اذهب رسولا إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وبنى إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 11 - ائت قوم فرعون، فإنهم ماضون فى ظلمهم. عجباً لهم! أما يخافون عاقبة ذلك ويحذرونها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 12 - قال موسى: يا رب إننى أخشى ألا يقبلوا رسالتى كبْراً وعناداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 13 - ويحيط بى الغم إذا كذبونى، ولا ينطلق لسانى حينئذٍ فى محاجتهم كما أحب، فأرسل جبريل إلى أخى هارون ليؤازرنى فى أمرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 14 - ولهؤلاء ذنب علىَّ، فقد قتلت منهم رجلا فأخاف أن يقتلونى قصاصاً قبل أداء مهمتى، ويزيدنى ذلك خوفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 15 - قال الله له: لن يقتلوك، وقد أجبت سؤالك فى هارون، فاذهبا مزودين بمعجزاتنا، إنى معكما بالحفظ أسمع ما يجرى بينكما وبين فرعون، فلكما النصر والتأييد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 16 - فتوجها إلى فرعون فقولا له: إنَّا مرسلان إليك من رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 17 - يقول لك رب العالمين: أطلقْ سراح بنى إسرائيل ليذهبوا معنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 18 - قال فرعون لموسى مُمْتَناً - وقد عرفه حينما دخلا عليه وأديا الرسالة حيث تربى فى قصره - ألم نربك فينا وليداً، ومكثت فى رعايتنا سنين من عمرك؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 19 - وجنيت جنايتك النكراء بقتلك رجلا من قومى، وجحدت نعمتى التى سلفت منا عليك، فلم تحفظ رعيتى، واعتديت على ألوهيتنا بادعاء أنك رسول رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 20 - قال موسى: لقد فعلت ما ذكرت جهلا بما يفضى إليه العقل من القتل، فلا تثريب على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 21 - ففررت منكم لما خفت أن تقتلونى بهذه الجناية التى لم تكن عن عمد، فوهب لى ربى فهْماً وعلماً، تفضلا وإنعاماً، وجعلنى من المرسلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 22 - أشار موسى إلى خصلة ذميمة من خصال فرعون، وبيَّن أنها تعبيد بنى إسرائيل وذبح أبنائهم، وأبى أن تسمى تربيته فى بيته نعمة، فسببها اتصافه بما تقدم، فألقى فى اليَم لينجو من قتله، فآل إلى بيته، ولولا ذلك لرباه أبواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 23 - قال فرعون: وما صفة رب العالمين الذى تذكره كثيراً، وتدعى أنك رسوله حيث لا نعلم عنه شيئاً؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 24 - قال موسى هو مالك السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بصدق هذا الجواب لانتفعتم واهتديتم، وعرفتم أن مُلْك فرعون المُدَّعى لا يذكر فى جانب ملكه، فهو لا يعدو إقليماً واحداً فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 25 - قال فرعون - يعجب لمن حوله من جواب موسى، أذْ ذكر ربَّا غيره لا يذكر فى جانب ملكه ملك فرعون: كيف تسمعون كلام موسى؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 26 - قال موسى ماضياً فى أمره غير مبال بغيظ فرعون وسوء مقالته: رب العالمين خالقكم وخالق آبائكم السابقين، ومنهم مَن كان يدَّعى الأُلوهية كما تدَّعى، وقد لحقهم الفناء، وستفنى مثلهم فيبطل ما تدعيه، إذ الإله الحق لا يموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 27 - قال فرعون محرضاً قومه على تكذيبه: إن رسولكم لمجنون، حيث سألته عن حقيقة ربه فذكر لى أشياء وصفات غريبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 28 - قال موسى: إن كنتم تعقلون فآمنوا برسالتى، لأن شروق الشمس وغروبها بتقدير مُحكم دليل ظاهر على الخالق، إذن فأنتم الأحِقَّاء بصفة الجنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 29 - قال فرعون لموسى: لئن اتخذت إلهاً غيرى لأجعلنك واحداً ممن عرفت سوء حالهم فى سجونى، وقد لجأ إلى تهديده بهذا بعد أن يئس من رفع آثار صنع الخالق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 30 - قال موسى متلطفاً طمعاً فى إيمانه: أتجعلنى من المسجونين ولو جئتك ببرهان عظيم يصدقنى فيما أقول؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 31 - قال فرعون: فأت بالذى يشهد بنبوتك إن كنت صادقاً فى دعواك، قال ذلك طمعاً فى أن يجد موطن ضعف فى حجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 32 - فألقى موسى عصاه فى الأرض أمامهم، فانقلبت ثعباناً حقيقياً، لا شيئاً مُزَوراً بالسِّحر يُشْبه الثعبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 33 - وأخرج موسى يده من جيبه آية ثانية، فإذا هى بيضاء، اشتد بياضها من غير سوء، حتى بهر الناظرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 34 - قال فرعون لقومه: إن موسى لساحر فائق فى سحره. قال ذلك خشية أن يخضعوا للحق الذى رأوْه من موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 35 - وقال فرعون أيضاً: يريد هذا الساحر أن يقهرنى فيخرجكم من أرضكم، وذلك تحريض على موسى. إذ من أَشَقّ الأشياء مفارقة الوطن لا سيما إذا كانت قهراً. وطلب الرأى ممن يعبدونه ناسياً ألوهيته لقوة آيات موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 36 - قال له قومه: أجِّل الفصل فى أمرهما، وأرسل الجند فى المدائن يجمعون لك السحرة من رعيتك، فالسحر يعارض بالسحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 37 - يأتوك بالعدد الكثير، وكلهم قد أجاد فن السحر ويفوق موسى عملا به ومراناً عليه. وقصدوا بهذا التخفيف من قلق فرعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 38 - فجمع السحرة من كل أرجاء البلاد، وحدد لهم وقت الضحى من يوم الزينة للاجتماع بموسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 39 - وقال الناس - يحث بعضهم بعضاً على الاجتماع فى اليوم المعلوم لحضور الحفل المشهود -: «هل أنتم مجتمعون» ؟ أى اجتمعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 40 - وأعلنوا توقعهم انتصار السحرة، فيثبتون على دينهم، حمْلا على الاهتمام والجد فى مغالبة موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 41 - فلما جاء السحرة فرعون قالوا له: أيكون لنا قِبَلك أجر عظيم إن كنا نحن الغالبين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 42 - قال فرعون: نعم لكم ما ذكرتم، ومع هذا الأجر العظيم تكونون من المقربين لدىَّ، ومن أصحاب الجاه والسلطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 43 - قال موسى للسحرة - حينما جاء الوقت المحدد فى اليوم الموعود - ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 44 - فألقوا حبالهم وعصيّهم، وخُيّل للناس أنها حيات تسعى، وأقسموا بعزة فرعون وقوته إنهم الغالبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 45 - فألقى موسى عصاه، فإذا هى حية عظيمة تبتلع ما كانوا يزوِّرونه بالسحر من حبالهم وعصيِّهم، متوهمين أنها حيات تسعى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 46 - فبادر السحرة بالسجود لله حينما أيقنوا أن أمر موسى ليس بالسحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 47 - قالوا مؤكدين فعل السجود بالقول: {آمنا برب العالمين} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 48 - وبيَّنوا أن رب العالمين الذى آمنوا به {رب موسى وهارون} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 49 - قال فرعون - منكراً على قومه إيمانهم بموسى قبل إذنه لهم، مهدداً إياهم على ذلك بأنه أستاذهم الذى عليه تلقوا فنون السحر، وسيعلمون ما سينزل بهم من العقاب -: لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف. أقطع اليمنى مع اليسرى أو العكس. ولأُصلبنكم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 50 - قال السحرة: لا ضرر علينا مما يلحقنا من عذابك الذى توعدتنا به. لأنا راجعون إلى ثواب ربنا، وهو خير ثواب وخير عاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 51 - إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا التى أسلفْناها، إذ كنا أول المؤمنين فى قومك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 52 - وأوحى الله إلى موسى - عليه السلام - أن يسير ليلا بالمؤمنين من بنى إسرائيل حينما لم تُجْدِ مصابرة موسى، وقد نظم أمر الفريقين على أن يتقدم موسى بقومه، ويتبعهم فرعون بقومه حتى يدخلوا مدخلهم من طريق البحر، فيهلكهم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 53 - فأرسل فرعون جنده فى مدائن مملكته يجمعون الأشداء من قومه حينما علم بسير موسى ببنى إسرائيل، ليحول بينهم وبين ما يقصدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 54 - قال فرعون: إن بنى إسرائيل الذين فروا مع موسى طائفة خسيسة فى شأنها قليل عددها. يثير بذلك الحمية فى نفوس جنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 55 - وإنهم مع هذا فاعلون ما يثير غيظنا بمخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 56 - وإنا لجمع من عادتنا الحذر واليقظة، والحزم فى الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 57 - فأخرجنا فرعون وجنوده من أرضهم الشبيهة بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فأهلكوا بصرفهم عن الحق، وإثارتهم إلى الخروج وراء موسى بما جاء فى الآيات الثلاث السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 58 - وأخرجناهم كذلك من كنوز الذهب والفضة والأماكن التى كانوا يقيمون فيها، مُنَعَّمين بجمالها وحسن مرافقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 59 - مثل هذا الإخراج العجيب الذى وصفناه لك أخرجناهم، وجعلنا هذا الملك وما فيه من ألوان النعيم لبنى إسرائيل بعد أن كانوا مُعْدمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 60 - جدَّ فرعون وقومه فى السير ليلحقوا ببنى إسرائيل، فلحقوا بهم وقت شروق الشمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 61 - فلما رأى كل من الجمعين الآخر قال أصحاب موسى: إن فرعون وقومه سيدركوننا، فينزل بنا الهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 62 - قال موسى: إن معى عناية الله تلاحقنى بالحفظ، وسيرشدنى إلى طريق النجاة. ليطمئنوا على سلامتهم، ولتبتعد عن أذهانهم فكرة الإدراك المفزعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 63 - فأوحينا إلى موسى: أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر إلى اثنى عشر طريقاً بعدد طوائف بنى إسرائيل، وكان كل طريق من هذه الطرق حاجزاً من الماء كالجبل العظيم الثابت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 64 - وقرَّبنا فرعون وقومه حتى دخلوا هذه الطرق وراء موسى وقومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 65 - وأنجينا موسى ومن معه بحفظ البحر متماسكاً حتى تم عبورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 66 - ثم أغرقنا فرعون ومن معه بإطباق الماء عليهم عندما تبعوهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 67 - إن فى ذلك التصرف الإلهى العجيب لعبرة لمن أراد أن ينتفع، وما كان أكثر القوم مصدقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 68 - وإن خالقك ومربيك لهو القوى فى الانتقام من المكذبين، المنعم بالرحمات على المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 69 - واتْلُ على الكافرين - أيها الرسول - قصة إبراهيم - عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 70 - إذ قال لأبيه وقومه: أى شئ هذا الذى تعبدونه مما لا يستحق العبادة؛ يقصد تقبيح عبادة الأصنام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 71 - قالوا مجيبين بطريق المباهاة: نعبد أصناماً فنقيم على عبادتها دائماً تعظيماً لها وتمجيداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 72 - قال إبراهيم: هل يسمعون دعاءكم، أو يستجيبون لكم إذ تدعونهم؟ يقصد بذلك التنبيه على فساد مسلكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 73 - أو يقدمون لكم نفعاً إذا أطعتموهم، أو يصيبونكم بضر إذا عصيتموهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 74 - قالوا: لا يفعلون شيئاً من ذلك، ولكن وجدنا آباءنا يعبدونها مثل عبادتنا، فقلدناهم فيما كانوا يفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 75 - قال إبراهيم - تبكيتاً لهم -: أفكَّرتم فعلمتم أى شئ تستمرون على عبادته؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 76 - أنتم وآباؤكم الأقدمون. أهو أهل لأن يعبد أم لا؟ . لو تأملتم لعلمتم أنكم فى الضلال المبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 77 - فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لى ولكم، فلا أعبدهم. لكن خالق العالمين ومالك أمرهم وحافظهم هو الذى أعبده، وأتقرب إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 78 - الذى أوجدنى من العدم فى أحسن تقويم، ووهبنى الهداية لما يوصلنى إلى سعادتى فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 79 - وهو الذى أنعم علىَّ بالطعام والشراب، وأقدرنى على تناولهما والانتفاع بهما، حفظاً لحياتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 80 - وإذا نزل بى مرض فهو الذى يشفينى بتيسير أسباب الشفاء، وتفويض الأمر إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 81 - والذى يُميتنى إذا حلَّ أجلى، والذى يُحيينى مرة أخرى للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 82 - والذى أطمع فى غفرانه وتجاوزه عما فرط منى من الهفوات فى الدنيا، إذا جاء وقت الحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 83 - قال إبراهيم - عليه السلام - داعياً: رب امنحنى كمالا فى العلم والعمل، حتى أكون أهلا لحمل رسالتك والحكم بين عبادك، ووفقنى لانتظم فى عداد الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 84 - واجعل لى ثناء حسناً، وذكراً جميلا فى الأمم التى تجئ بعدى، يبقى أثره بين الناس إلى يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 85 - واجعلنى من عبادك الذين منحتهم نعيم الجنة، ثواباً على إيمانهم بك وعبادتهم لك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 86 - واجعل أبى أهلاً للمغفرة بتوفيقه للإسلام - وكان قد وعده بالإسلام يوم فارقه - لأنه كان من المنحرفين عن طريق الهدى والرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 87 - ولا تُلْحق بى هواناً أو خجلا بين الناس يوم يخرجون من القبور للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 88 - يوم لا ينفع أحداً مال يُبذل، ولا بنون ينصرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 89 - إلا من كان مؤمناً، وأقبل على الله بقلب برئ من مرض الكفر والنفاق والرياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 90 - وأُدنِيت الجنة وقُرِّبت من مكان السعداء، فيسير إليها الذين اتقوا الكفر والمعاصى، وأقبلوا على الإيمان والطاعة فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 91 - وأُظْهِرت الجحيم للمنصرفين عن دين الحق، حتى يكاد يأخذهم لهبها فيتحسرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 92 - وقيل لهم توبيخاً: أين آلهتكم التى كنتم تعبدونها؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 93 - من دون الله وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم، هل ينفعونكم بنصرتهم لكم، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم؟ لا شئ من ذلك، لأنهم وآلهتهم وقود النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 94 - فألقوا فى الجحيم على وجوههم، ينقلبون مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا فى قاعها هم والذين أضَلُّوهم وأوقعوهم فى الغى والضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 95 - ومعهم أعوان إبليس الذين كانوا يزينون للناس الشرور والآثام، أو الذين اتبعوه من عصاة الإنس والجن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 96 - قالوا - معترفين بخطئهم - وهم يتخاصمون مع مَن أضلُّوهم من معبوداتهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 97 - والله إن كنا فى دنيانا لفى تخبط واضح، وجهل مطبق، وزيغ عن الحق الذى لا خفاء فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 98 - إذ نسوِّيكم أيها المعبودون من دون الله برب العالمين فى استحقاق العبادة، مع عجزكم وقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 99 - وما أوقعنا فى هذا الهلاك إلا المجرمون الذين أضلُّونا عن سواء السبيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 100 - فلا يوجد لنا شافعون يخلَّصوننا من العذاب كما توهمنا من قبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 101 - ولا صديق يتوجع لحالهم، وإن لم يخلصهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 102 - فيتمنون لأنفسهم حينئذ رجعة إلى الدنيا ليكونوا من المؤمنين حتى ينجوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 103 - إن فيما ذكر الله من نبأ إبراهيم لعظة وعبرة لمن أراد أن يتعظ ويعتبر، وما كان أكثر قومك الذين تتلو عليهم هذا النبأ مذعنين لدعوتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 104 - وإن ربك لهو القادر على الانتقام من المكذبين، المتفضل بالإنعام على المحسنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 105 - وذكر الله نبأ نوح فى قوله: كذبت قوم نوح رسالته، وردّوها عليه، وبهذا كانوا مكذبين لجميع رسل الله، لاتحاد دعوتهم فى أصولها وغايتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 106 - كذبوا هذه الرسالة حين قال لهم أخوهم نوح - نسباً لا ديناً - محذراً: ألا تتقون الله فتتركوا عبادة غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 107 - إنى رسول الله إليكم لأهديكم إلى طريق الرشاد، أمين على تبليغ هذه الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 108 - فخافوا الله وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه من توحيد الله وطاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 109 - وما أطلب منكم أى أجر على ما أبذله لكم من النصح والدعاء، ما جزائى إلا على خالق العالمين ومالك أمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 110 - فاحذروا عقاب الله، وامتثلوا ما آمركم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 111 - قال قوم نوح - يردُّون دعوته -: لن يكون منا إيمان لك فى حال اتباع سفْلة الناس وأقلهم جاهاً ومالا لك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 112 - قال نوح: أى شئ أعلمنى ما هم عليه من قلة الجاه والمال؟ إنما أطلب منهم الإيمان دون تعرض لمعرفة صناعاتهم وأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 113 - ما جزاؤهم على أعمالهم إلا على ربى، فهو المطلع على بواطنهم، لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 114 - وما أنا بطارد الذين يؤمنون بدعوتى مهما كان حالهم من فقر أو غنى، تلبية لرغبتكم كى تؤمنوا بى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 115 - ما أنا إلا رسول من الله لإنذار المكلفين إنذاراً واضحاً بالبرهان الذى يتميز به الحق من الباطل، لا فرق بين شريف وضعيف، فكيف يليق بى طرد المؤمنين لفقرهم؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 116 - قالوا: لئن لم ترجع يا نوح عن دعوتك لَنرجُمنَّك بالحجارة. يقصدون بهذا القول تهديده بالقتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 117 - قال نوح مظهراً استمرار قومه على التكذيب بندائه: {رب إن قومى كذبون} . ليبرر دعاءه عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 118 - فاحكم بينى وبينهم حكماً تهلك به من جحد توحيدك، وكذَّب رسولك، ونجِّنى ومن معى من المؤمنين من عذاب بغيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 119 - فأنجيناه ومن آمن معه فى السفينة المملوءة بهم، وبما يحتاجون إليه، استجابة لدعوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 120 - ثم أغرق الله - بعد إنجاء نوح ومن آمن به - الباقين الذين لم يؤمنوا من قومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 121 - إن فيما ذكره القرآن من نبأ نوح لحجة على صدق الرسل وقدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلو عليهم هذا القصص مؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 122 - وإن ربك لهو القوى فى الانتقام من كل جبار عنيد. المُنْعم بأنواع الفضل على المتقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 123 - كذبت قبيلة عاد رسولهم هوداً - عليه السلام - وبهذا كانوا مكذبين لجميع الرسل لاتحاد دعوتهم فى أصولها وغايتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 124 - إذ قال لهم أخوهم هود: ألا تخشون الله فتخلصوا له العبادة؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 125 - إنى مرسل من الله لهدايتكم إلى الرشاد، حفيظ على رسالة الله، أبلغها إليكم كما أمرنى ربى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 126 - فامتثلوا أمر الله، وخافوا عقوبته، وأطيعوا ما آمركم به من عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 127 - وما أطلب منكم على نصحى وإرشادى أى نوع من أنواع الأجر. ما جزائى إلا على خالق العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 128 - أتُشَيِّدون بكل مكان مرتفع من الأرض بناء شامخاً تتفاخرون به، وتجتمعون فيه لتعيثوا وتفسدوا؟ يريد سبحانه تنبيههم إلى ما ينفعهم، وتوبيخهم على ترك الإيمان وعمل الصالحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 129 - وتتخذون قصوراً مشيدة منيعة، وحياضاً للماء مؤملين الخلود فى هذه الدنيا كأنكم لا تموتون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 130 - وإذا أخذتم أخذ العقوبة أسرفتم فى البغى جبارين، تقتلون وتضربون غاضبين بلا رأفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 131 - فخافوا الله فى البطش، وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه، فإنه أنفع لكم وأبقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 132 - واحذروا غضب الله الذى بسط إليكم يد إنعامه بالذى تعلمونه بين أيديكم من ألوان عطائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 133 - عدَّد ما أمدهم به من إبل وبقر وغنم، وبنين أقوياء، ليحفظوا لهم الأنعام، ويعينوهم على تكاليف الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 134 - وبساتين مثمرات، وعيون تجرى بالماء الذى تحتاجون إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 135 - إنى أخاف أن يُنزل الله بكم عذاباً شديداً فى الدنيا، ويُدخلكم فى الآخرة نار جهنم، بسبب طغيانكم وإنعام الله عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 136 - قالوا - استخفافاً به -: سواء لدينا بالغت فى وعظنا وإنذارنا أم لم تكن من الواعظين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 137 - ما هذا الذى جئتنا به إلا كذب الأولين وأباطيلهم، اعتادوا تلفيق مثله، فلا نرجع عما نحن فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 138 - وما نحن بمعذبين على ما يصدر منا من عمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 139 - فاستمروا على تكذيبه، فعاجلهم الله بالهلاك، إن فى ذلك الذى أنزله الله بعاد جزاء تكذيبهم لحجة تدل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر الذين تتلوا عليهم نبأ عاد مؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 140 - وإن ربك لهو القاهر للجبارين، الرحيم بالمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 141 - كذبت قبيلة ثمود صالحاً فى رسالته ودعوته لهم إلى توحيد الله، وبهذا كذبوا جميع المرسلين، لاتحاد رسالاتهم فى أصولها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 142 - اذكر لقومك - أيها الرسول - وقت أن قال لثمود أخوهم صالح فى النسب والوطن: ألا تخشون الله فتفردوه بالعبادة؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 143 - إنى مرسل من الله إليكم بما فيه خيركم وسعادتكم، حفيظ على هذه الرسالة كما تلقيتها عن الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 144 - فاحذروا عقوبة الله، وامتثلوا ما أدعوكم إليه من أوامره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 145 - وما أطلب منكم أى أجر على نصحى لكم وإرشادى، ما أجرى إلا على مالك العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 146 - أنكر عليهم اعتقادهم البقاء فيما هم فيه من النعيم، آمنين من العذاب والزوال والموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 147 - فى حدائق مثمرات، وعيون تجرى بالماء الفرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 148 - وزروع يانعات، ونخل ثمرها الذى يظهر منها لين نضيج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 149 - وتتخذون من الجبال بيوتاً عاليات. حاذقين نشطين فيما تصنعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 150 - فخافوا عقوبة الله لعدم شكركم له على نعمه، واقبلوا نصحى واعملوا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 151 - ولا تطيعوا أمر الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك واتباع الهوى والشهوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 152 - الذين يعيثون فى أرض الله فساداً، ولا يقومون فيها بإصلاح به تسعد البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 153 - قالوا ما أنت إلا من الذين سُحِروا سحراً شديداً حتى غلب على عقولهم. وفى هذا الرد عنف وسفاهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 154 - ما أنت إلا فرد مماثل لنا فى البشرية، فكيف تتميز علينا بالنبوة والرسالة؟! فإن كنت صادقاً فى دعواك فأت بمعجزة تدل على ثبوت رسالتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 155 - قال لهم صالح - حينما أعطاه الله الناقة معجزة له -: هذه ناقة الله أخرجَها لكم آية، لها نصيب من الماء فى يوم فلا تشربوا فيه، ولكم نصيب منه فى يوم آخر فلا تشرب فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 156 - ولا تلحقوا بها أذى، فيهلككم عذاب عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 157 - فذبحوا الناقة مخالفين ما اتفقوا عليه مع صالح، فحق عليهم العذاب، فأصبحوا على ما فعلوا نادمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 158 - فأهلكهم عذاب الله الذى توعدهم به صالح، ولم يدفع الندم عنهم عقابَ جُرمهم. إن فى ذكر قصتهم لدلالة على قدرة الله على إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين، وما كان أكثر قومك مؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 159 - وإن خالقك لهو القادر على إهلاك الجاحدين المتفضل بإنجاء المتقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 160 - كذبت قوم لوط - حين دعاهم إلى توحيد الله وترك الشرك - جميع المرسلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 161 - اذكر لقومك - أيها الرسول - إذ قال لوط لقومه - وهو أخوهم وصهرهم -: ألا تخافون عذاب الله؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 162 - إنى مُرسَل لكم من الله بالدين الحق، أمين على تبليغ هذا الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 163 - فاحذروا عذاب الله، وامتثلوا أمرى فيما أدعوكم إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 164 - وما أطلب منكم أجراً على ما أدعوكم إليه من الهدى والرشاد، ما جزائى إلا على مالك العالمين ومربيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 165 - قال لوط: أتستمتعون بوطء الذكور دون الإناث؟ يريد بذلك أن ينكر ما دأبوا عليه من ارتكاب هذه الفاحشة النكراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 166 - وتتركون ما خلقه الله لمتاعكم من أزواجكم الحلائل، بل أنتم قوم متجاوزون الحد فى الظلم بارتكاب جميع المعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 167 - قالوا - غاضبين لإنكاره وتشنيعه عليهم بسبب تلك الرذيلة -: لئن لم تترك توبيخنا لتكونن من المنفيين من بلادنا على أسوإ حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 168 - قال لوط: إنى لعملكم هذا من المبغضين، فلا أترك إنكاره والتشنيع عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 169 - ونادى ربه: أن ينقذه وأهله مما يعمل هؤلاء الجاهلون حينما يئس من استجابتهم له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 170 - فاستجاب الله دعاءه، ونجَّاه ومن اتبع دعوته بإخراجهم جميعاً من بيوتهم وقت نزول العذاب بالمكذبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 171 - إلا امرأته العجوز بقيت ولم تخرج معه فهلكت لكفرها وخيانتها بموالاتها للفاسقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 172 - ثم أهلك الله الكفرة الفجرة أشد إهلاك وأفظعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 173 - وأنزل الله على شُذَّاذ القوم حجارة من السماء فأهلكتهم، وكان مطراً هائلا فى كثرته ونوعه، فساء مطر المنذرين مطرهم. إذ نزل بأشد أنواع الهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 174 - إن فى ذلك العقاب الذى نزل بالقوم لحجة تدل على تمام قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين بدعوتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 175 - وإن ربك لهو الغالب على كل شئ. المتصف بالرحمة الكاملة فيعاقب المذنبين، ويثيب المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 176 - هذه قصة شعيب مع أصحاب الأيكة - وهى غَيْضة تنبت ناعم الشجر بقرب مَدْيَن - نزل بها جماعة من الناس وأقاموا بها، فبعث الله إليهم شعيباً كما بعث إلى مدين، فكذبوه فى دعوته، وبهذا كانوا منكرين لجميع الرسالات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 177 - اذكر - يا محمد - لقومك وقت قول شعيب لأصحاب الأيكة: ألا تخافون الله فتؤمنوا به؟! فبادروا بتكذيبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 178 - إنى لهدايتكم وإرشادكم مرسل من رب العالمين، أمين على توصيل رسالته إليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 179 - فاحذروا عقوبة الله، وأطيعونى باتباع أوامر الله وتخليص أنفسكم من الآثام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 180 - وما أطلب منكم على إرشادى وتعليمى أى أجر، ما جزائى الكامل فى مقابل عملى إلا على رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 181 - أمرهم شعيب بإعطاء الكيل وافياً حيث كان يشيع بينهم بخس الكيل والميزان، ونقص حقوق الناس بالتطفيف والخسران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 182 - وزِنُوا بين الناس بالميزان السوى حتى يأخذوا حقهم بالعدل المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 183 - ولا تنقصوا الناس شيئاً من حقوقهم، ولا تعثوا فى الأرض مفسدين، بالقتل وقطع الطريق وارتكاب الموبقات وإطاعة الهوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 184 - واحذروا عقوبة الله الذى خلقكم، وخلق الأمم القوية العاتية المتقدمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 185 - قالوا: ما أنت إلا واحد من الذين أصابهم السحر إصابة شديدة، فذهب بعقولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 186 - وما أنت إلا واحد منا مُساوٍ لنا فى البشرية، فكيف تتميز علينا بالرسالة؟! ونحن نعتقد أنك من الراسخين فى الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 187 - فأسقط علينا قطع عذاب من السماء إن كنت من الصادقين فى الرسالة. وهذا اقتراح تحته كل ألوان الإنكار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 188 - قال شعيب: ربى بالغ العلم بما تعملونه من المعاصى، وبما تستحقونه من العذاب ينزله عليكم فى وقته المقدر له. وهذا منه منتهى التفويض لله وغايته التهديد لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 189 - فاستَمرُّوا على تكذيبه، فسلَّط الله عليهم الحر الشديد، فكانوا يفرون منه إلى غير حمى، إلى أن أظلتهم سحابة من الشمس فاجتمعوا تحتها، فأسقطها الله عليهم ناراً فأهلكتهم جميعاً فى يوم شديد الهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 190 - إن فيما نزل بأصحاب الأيكة من العقوبة - جزاء تمردهم - لدليل على كمال قدرة الله، وما كان أكثر قومك مصدقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 191 - وإن ربك لهو المتفرد بالقوة والغلبة المنعم بالرحمات على المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 192 - وإن هذا القرآن - الذى ذكرت فيه هذه القصص الصادقة - مُنَزَّلٌ من خالق العالمين ومالك أمرهم ومربيهم، فخبره صادق، وحكمه نافذ إلى يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 193 - نزل به الروح الأمين، جبريل - عليه السلام -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 194 - على قلبك متمكناً من حفظه وفهمه، مستقراً فى قلبك استقراراً لا ينسى، لتنذرهم بما تضمنه من العقوبات للمخالفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 195 - نزل به جبريل - عليه السلام - عليك بلغة عربية، واضحة المعنى، ظاهرة الدلالة فيما يحتاجون إليه فى إصلاح شئون دينهم ودنياهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 196 - وإن ذكر القرآن والإخبار عنه بأنه من عند الله نزل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لثابت فى كتب الأنبياء السابقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 197 - أكفر هؤلاء المعاندون بالقرآن وعندهم حجة تدل على صدق محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى عِلْم علماء بنى إسرائيل بالقرآن كما جاء فى كتبهم؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 198 - ولو نزلنا القرآن على بعض من الأعجمين يقدر على التكلم بالعربية ولا يفصح بها، فلا يتوهم اتهامه باختراعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 199 - فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادة لكفروا به، وانتحلوا لجحودهم عذراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 200 - أدخلنا التكذيب فى قلوب المجرمين، وقرَّرناه فيها مثل تقريره فى قلوب من هم على صفتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 201 - فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده، حتى يعاينوا العذاب الشديد الذى وعدوا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 202 - فينزل بهم العذاب فجأة من غير توقع وهم لا يشعرون بقدومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 203 - فيقولون عند نزول العذاب: {هل نحن مُنْظَرون} تحسراً على ما فاتهم من الإيمان وطلباً للإمهال، ولكن لا يجابون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 204 - قال تعالى: أَغَرَّ كفار مكة إمْهالى فيستعجلون نزول العذاب؟! يريد سبحانه تسفيه عقولهم بسبب استعجالهم العذاب إثر تكرار إنذارهم وتخويفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 205 - أفكَّرتَ فعلمتَ أننا متعناهم بالحياة سنين طويلة مع طيب العيش؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 206 - ثم نزل بهم العذاب الموعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 207 - ما يدفع عنهم تمتعهم بطول العمر وطيب العيش من عذاب الله شيئاً، فعذاب الله واقع عاجلاً أو آجلاً، ولا خير فى نعيم يعقبه عذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 208 - وسُنّتنا فى الأمم جميعاً أننا لم ننزل هلاكاً بأمة إلا بعد أن نرسل إليها رسلا ينذرونها إلزاماً للحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 209 - تذكرة وعبرة، وما كان شأننا الظلم فنعذب أمة قبل أن نبعث إليها رسولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 210 - نفى القرآن ما قاله كفار مكة من أن لمحمد تابعاً من الجن، يلقى القرآن إليه فقال: وما تنزلت الشياطين بهذا القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 211 - وما يجوز لهم أن ينزلوا به، وما يستطيعون ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 212 - إنهم عن سماع القرآن الذى ينزل به الوحى على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمحجوبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 213 - فتوجه إلى الله مستمراً على إخلاصك له فى العبادة، ولا تهتم بفساد زعم المشركين وسوء مسلكهم. ودعوة الرسول إلى هذا اللون من الإخلاص دعوةٌ لأفراد أمته جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 214 - وخوِّف بالعذاب على الشرك والمعاصى الأقرب فالأقرب من عشيرتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 215 - وأَلِنْ جانبك لمن أجاب دعوتك بالإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 216 - فإن عصوك ولم يتبعوك، فتبرأ منهم ومن أعمالهم، من الشرك وسائر المعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 217 - وفوض أمرك إلى القوى القادر على قهر أعدائك بعزته، وعلى نصرتك ونصرة كل مخلص فى عمله برحمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 218 - الذى يراك حين تقوم إلى التهجد وأعمال الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 219 - ويرى تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والقعود والركوع والسجود حين تؤمهم فى الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 220 - إنه سبحانه هو السميع لدعائك وذكرك، العليم بنيتك وعملك، وكأنه سبحانه يقول له: هَوِّن على نفسك مشاق العبادة، فأنت تعمل بمرأى ومسمع منا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 221 - قال المشركون: إن الشياطين تلقى السمع على محمد. فرد القرآن عليهم: هل أخبركم على من تتنزل الشياطين وتلقى الوساوس؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 222 - تتنزل على كل مرتكب لأقبح أنواع الكذب وأشنع الآثام، وهم الكهنة الفجرة الذين بين طباعهم وطباع الشياطين تجانس ووفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 223 - يلقون أسماعهم إلى الشياطين، فيتلقون منهم ظنوناً، وأكثرهم كاذبون، حيث يزيدون فى القول على ما تلقيه الشياطين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 224 - قال الكفار: إن القرآن شعر، ومحمد شاعر. فأبطل الله هذا بإثبات أن القرآن ملئ بالحكم والأحكام، فأسلوبه ينافى أسلوب الشعر الذى يقوم على الباطل والكذب، وبين أن حال محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينافى حال الشعراء، فهو ينطق بالحكمة، وهم ينطقون بالزور، وهذا حال أغلب الشعراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 225 - ألم تر أنهم فى كل واد من أودية القول يهيمون على وجوههم، فلا يهتدون إلى الحق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 226 - وأنهم يقولون بألسنتهم ما لا يلتزمونه فى عملهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 227 - لكن الذين اهتدوا بهدى الله وعملوا الصالحات حتى تمكنت فيهم ملكات فاضلة، وذكروا الله كثيراً حتى تمكنت خشيته من قلوبهم، هؤلاء يجعلون الشعر كالدواء يصيب الداء، وينتصرون لدينهم وإقامة الحق إذا جير على الحق، وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهجاء الرسول أى مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 1 - طس - حرفان صوتيان ابتدأت بهما السورة الكريمة تنبيها إلى سر الإعجاز فى القرآن مع الإشارة إلى أنه من جنس ما يتكلمون، ولتنبيه الأذهان للاستماع إليه. تلك آيات المنزل مقروءاً تتلونه، وهو كتاب مبين لما جاء به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 2 - وهو هادٍ للمؤمنين إلى طريق الخير والفوز فى الدنيا والآخرة، ومبشر لهم بحسن المآل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 3 - الذين يؤدون الصلاة فى خشوع مستوفية الأركان، ويعطون الزكاة فى أوقاتها، وهم يوقنون بالحياة الآخرة، وما يكون فيها من ثواب وعقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 4 - إن الذين لا يؤمنون باليوم الآخر زيَّنا لهم أعمالهم بخلق الشهوة فيهم، فهم يتردون فى ضلالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 5 - أولئك الذين لهم العذاب السيئ، وهم فى الآخرة أشد الناس خسرانا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 6 - وإنك - أيها النبى - لتتلقى القرآن الذى ينزل عليك من لدن من لا يدانى فى حكمته، وقد أحاط بكل شئ علما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 7 - اذكر حين قال موسى لزوجته ومن معه وهو عائد إلى مصر: إنِّى أبصرت نارا، سآتيكم منها بخبر عن الطريق، أو آتيكم بشعلة مضيئة نارا مقبوسة، لعلكم تستدفئون بها من البرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 8 - فلما وصل إليها نودى: أن بُورك من فى مكان النار ومن حولها. وهم الملائكة وموسى. ونزه الله رب العالمين عن كل ما لا يليق به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 9 - يا موسى إنى أنا الله المستحق للعبادة - وحده - الغالب على كل شئ، الذى يضع كل أمر فى موضعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 10 - وفى سبيل أن تؤدى دعوتك ألْق عصاك. فلما ألقاها ورآها تهتز كأنها حية خفيفة سريعة أعرض عنها راجعا إلى الوراء، ولم يعد إليها بعد أن أدبر عنها، فطمْأنه الله تعالى بقوله: لا تخف إنى لا يخاف عندى المرسلون حين أخاطبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 11 - لكن من عمل شيئا غير مأذون له فيه، ثم بدَّل حسنا بعد هفوة فإنى كثير المغفرة عظيم الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 12 - وأدخل يدك فى فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير برص، فى جملة تسع معجزات، مرسلا إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قوما خارجين عن أمر اللَّه كافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 13 - فلما جاءت هذه المعجزات واضحة ظاهرة قالوا: هذا سحر واضح بيِّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 14 - وكذبوا بها منكرين لدلالتها على صدق الرسالة، وقد وقع اليقين فى قلوبهم، ولكنهم لم يذعنوا لاستعلائهم بالباطل وطغيانهم، فانظر - أيها النبى - كيف كانت عاقبة الذين دأبوا على الفساد، فكفروا بالمعجزات وهى واضحة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 15 - هذا طغيان فرعون بسبب ملكه، فانظر إلى السلطان العادل، سلطان الحكم وسلطان النبوة فى داود وابنه سليمان - عليهما السلام - لقد آتيناهما علماً كثيراً بالشريعة ودراية بالأحكام، فأقاما العدل وحمدا الله الذى منحهما فضلاً على كثير من عباده الصادقين المذعنين للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 16 - وقد آل الملك والحكم من داود إلى سليمان ابنه، وقال: يا أيها الناس عُلِّمنا لغة الطير، وأوتينا كثيرا مما نحتاج إليه فى سلطاننا: إن هذه النعم لهى الفضل الواضح الذى خصنا الله به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 17 - وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فى صعيد واحد، فهم بحبس أولهم على آخرهم حتى يكونوا جيشاً منظماً خاضعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 18 - حتى إذا بلغوا وادى النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مخابئكم، لكيلا تميتكم جنود سليمان وهم لا يحسون بوجودكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 19 - فتبسَّم سليمان ضاحكاً من قول هذه النملة الحريصة على مصالحها، وأحس بنعمة الله تعالى عليه وقال: يا خالقى ألهمنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت بها علىَّ وعلى والدىَّ، ووفقنى لأن أعمل الأعمال الصالحة التى ترضاها، وأدخلنى برحمتك السابغة فى عبادك الذين ترتضى أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 20 - وتَعَرَّفَ جنوده من الطير فلم يجدوا الهدهد، فتعجب وقال: مالى لا أرى الهدهد؟ أهو بيننا ولم يقع عليه نظرى، أم هو غائب عنا ليس بيننا؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 21 - والله لأنزلن به عذاباً شديداً يردعه، أو لأذبحنه إن كان الذنب عظيماً، إلا أن يأتينى بحجة بيِّنة تُبرر غيابه عنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 22 - وكان الهدهد قد مكث فى مكان غير بعيد زماناً غير مديد، ثم جاء إلى سليمان يقول له: قد أحطت علماً بما لم يكن عندك علم به، وجئتك من سبأ بخبر ذى شأن عظيم وهو مستيقن به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 23 - إنى وجدت فى أهل سبأ امرأة تحكمهم، وأوتيت من كل شئ من أسباب الدنيا، ولها سرير كبير يدل على عظمة ملكها وقوة سلطانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 24 - وجدتها هى وقومها يعبدون الشمس ولا يعبدون الله، وحسَّن لهم الشيطان أعمالهم فظنوها حسنة وهى السوء، فصرفهم بذلك عن سبيل الحق، فهم لا يهتدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 25 - ألا يسجدوا لله تعالى، وهو الذى يخرج المخبوء فى السموات والأرض، ويعلم ما تسرون وما تظهرون؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 26 - الله لا معبود بحق سواه، صاحب السلطان المطلق العظيم على كل ما فى الوجود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 27 - قال سليمان مخاطباً الهدهد: سنتحرى خبرك هذا، أصدقت فيه أم كنت من الكاذبين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 28 - اذهب بكتابى هذا فأوصله إليها وإلى قومها ثم تنح عنهم متوارياً فى مكان قريب، لتنظر فيما يرجع به بعضهم إلى بعض ويرددونه من قول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 29 - وصل الكتاب إليها فجمعت أشراف قومها، وذوى شوراها، وقالت: يا أيها الملأ إنى قد وصل إلىَّ كتاب عظيم الشأن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 30 - ثم تلت الكتاب عليهم قائلة: إنه من سليمان وإنه مفتتح باسم الله ذى الجلال والإنعام الذى يفيض برحمته دائماً على خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 31 - لا تتكبروا علىَّ وأتونى منقادين خاضعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 32 - قالت لمجلس شوراها: بينوا لى الصواب فى هذا الأمر الخطير الذى عرض لى، فإنى لا أبت فى أمر حتى يكون بمحضركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 33 - قالوا مطمئنين لها: نحن أصحاب قوة بدنية وأهل نجدة وشجاعة، لا نخاف الحرب، فانظرى فى الأمر الذى تأمريننا به، فإنا مطيعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 34 - قالت متريثة مسالمة: إن الملوك إذا دخلوا مدينة عظيمة بجيوشهم أفسدوها، فأذهبوا عمرانها، وأبادوا الحرث والنسل، وأفعالهم كذلك دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 35 - وإنى - إيثاراً للسلم والعافية - مرسلة إلى سليمان وقومه بهدية، ومنتظرة ما يرجع به الرسل، بقبول الهدية أم بردها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 36 - وصل الرسل إلى سيدنا سليمان بالهدية، فقال لهم شاعراً بأنعم الله تعالى عليه، مخاطباً لها ولقومها فى مواجهة رسلها: أتعطوننى مالا؟} فما أعطانى الله من النبوة والملك والنعمة أعظم مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم وكثرة أموالكم تفرحون لا مثلى، لأنكم لا تعلمون إلا ما يتعلق بالدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 37 - وقال يخاطب المتكلم باسمهم: ارجع - أيها الرسول - إليهم، فوالله لنأتينّهم بجنود لا طاقة لهم بمقاومتها ومقابلتها، ولنخرجنهم من سبأ فاقدى العز، وهم مستعبدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 38 - اتجه سليمان إلى الاستعانة بمن سخرهم الله له من الإنس والجن، ليفاجئها بأمر غريب، فقال: أيكم يأتينى بعرشها العظيم قبل أن يأتونى خاضعين منقادين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 39 - قال مارد من الجن: أنا آتيك به وأنت فى مجلسك هذا قبل أن تقوم منه، وإنى لقادر أمين فى قولى وفعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 40 - قال الذى آتاه الله قوة روحية وعلماً من الكتاب: أنا آتيك بهذا العرش قبل أن تحرك أجفانك. وقد نفذ ما قال. فلما رأى سليمان العرش ثابتاً عنده غير مضطرب قال: هذا من فضل الله الذى خلقنى وأمدنى بخيره ليختبرنى أأشكر هذه النعمة أم لا أؤدى حقها؟ ومن شكر الله فإنما يحط عن نفسه عبء الواجب، ومن يترك الشكر على النعمة فإن ربى غنى عن الشكر، كريم بالإنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 41 - قال سليمان لحاشيته: اخفوا عنها العرش ببعض التغيير فى مظاهره لنرى أتعرفه مهتدية إليه أم لا تعرفه فلا تهتدى إليه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 42 - فلما أقبلت وجهت نظرها إلى عرشها، فقيل لها: أهذا مثل عرشك؟ فقالت: - لكمال التشابه - كأنه هو. وقال سليمان ومن معه: أوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده مثل علمها وكنا قوماً منقادين لله مخلصين العبادة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 43 - وصرفها عن عبادة الله ما كانت تعبده من آلهة غير الله تعالى من شمس ونحوها، إنها كانت من قوم كافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 44 - قيل لها من بعد ذلك: ادخلى قصر سليمان، وكان صحنه من زجاج تحته ماء يسبح فيه السمك، فكشفت عن ساقيها تحسب ما تمر فيه ماء، فنبهها سليمان إلى أن الصحن أملس مكون من زجاج، فراعها ذلك المنظر المادى، وعلمت أن ملكها لا يساوى شيئاً بجوار ملك سليمان - النبى - فقالت: رب إنى ظلمت نفسى باغترارى بملكى وكفرى، وأذعنت فى صحبة سليمان مؤمنة بالله تعالى خالق العالمين ومربيهم والقائم عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 45 - ولقد بعثنا إلى ثمود أخاهم صالحاً بأن وحِّدوا الله، فسارعوا إلى الاختصام والاختلاف، وصاروا فريقين: أحدهما مؤمن والآخر كافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 46 - قال صالح ناصحاً لهم: يا قوم لم تستعجلون بالعذاب الذى توعدون قبل التوبة، هلا تطلبون المغفرة من ربكم وتؤمنون به رجاء أن ترحموا؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 47 - وقالوا: تشاءمنا بك أنت ومن معك وأصابنا القحط، قال: أسباب الخير والشر الذى نزل بكم إنما كان من عند الله. بل أنتم قوم تختبرون بالسراء والضراء، لعلكم تؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 48 - وكان زعماء الشر فيهم تسعة، يفسدون بآرائهم ودعايتهم فى الأرض، وليس من شأنهم عمل الصالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 49 - قال أولئك المشركون بعضهم لبعض: تبادلوا القسم بالله لنغيرن عليه هو وأهله ونقتلهم، ثم نقول لولى دمه: ما شهدنا هلاكه ولاهلاك أهله، وإنا لصادقون فيما ذكرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 50 - دبَّروا الفتك بصالح وأهله، والله من ورائهم قد دبَّر النجاة لنبيه وأهله والهلاك لهم وهم لا يشعرون بتدبير الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 51 - فانظر - أيها النبى - إلى عاقبة تدبيرهم وتدبيرنا لنبينا أنا أهلكناهم وقومهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 52 - فانظر إلى آثارهم تجد بيوتهم ساقطة متهدمة بسبب ظلمهم وكفرهم وإرادتهم الشر لنبيهم. إن فيما فُعِل بثمود لآية لقوم يعلمون قدرتنا فيتعظون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 53 - وأنجينا الفريق المؤمن بصالح من هذا الهلاك وكانوا يتقون ترك أوامره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 54 - واذكر - أيها النبى - لوطا وخبره مع قومه الفاسقين الشاذين إذ قال لهم: أتأتون هذا الذنب البالغ أقصى درجات الفحش والشذوذ، وأنتم تبصرون وتنظرون الشر الذى استمرأتموه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 55 - أيسوغ فى نظر العقل والفطرة أن تأتوا الرجال بشهواتكم وتتركوا النساء؟ بل أنتم قوم قد أصابكم الحمق والجهل المطبق حتى صرتم لا تميزون بين الخبيث والطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 56 - فما كان رد قومه عليه حين نهاهم إلا قولهم: أخرجوا لوطا وأتباعه من هذه القرية لأنهم يتنزهون عن مشاركتنا فيما نفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 57 - فخلصناه هو وأهله من العذاب الذى سيقع بالقوم إلا امرأته، قدر الله أن تكون من الباقين حتى تهلك بالعذاب مع الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 58 - وأمطرنا على هؤلاء المفسدين مطر عذاب ونقمة، فكان مطراً سيئاً مُهلكاً لمن أُنذروا بالعذاب الأليم ولم يذعنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 59 - قل - أيها الرسول -: إنى أحمد الله وأثنى عليه - وحده - وأسأل الله سلاماً وتحية لعباده الذين اختارهم لأداء رسالته، وقل - أيها الرسول - للمشركين: هل توحيد الله خير لمن آمن، أم عبادة الأصنام التى أشركتم بها وهى لا تملك ضراً ولا نفعاً؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 60 - بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن خلق السموات والأرض وما فيهما، وأنزل لأجلكم من السماء غيثاً نافعاً، فأنبت به بساتين ذات حُسن وبهاء ما أمكن لكم أن تنبتوا شجرها المختلف الأنواع والألوان والثمار. هذا التناسق فى الخلق يثبت أن ليس مع الله إله، ولكن الكفار قوم يعدلون عن الحق والإيمان ويميلون للباطل والشرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 61 - بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن مهَّد الأرض للإقامة فيها والاستقرار عليها، وخلق وسطها أنهاراً، وخلق عليها جبالا تمنعها من الميل، وجعل بين الماء العذب والماء الملح فاصلا يمنع امتزاج أحدهما بالآخر! {ليس هناك إله مع الله فهو الخالق - وحده - لكن أكثر الناس لا ينتفعون بالعلم الحق على وجهه وكأنهم لا يعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 62 - بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن يجيب المضطر - فى دعائه - إذا أحوجته الشدة فلجأ إلى الله فى ضراعة وخشوع، ويدفع عن الإنسان ما يعتريه من مكروه، ويجعلكم خلفاء لمن سبقكم فى الأرض؟ . ليس هناك إله مع الله المانح لهذه النعم، ولكنكم أيها الكافرون قلّما تتعظون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 63 - بل اسألهم - أيها الرسول - عمَّن يرشدهم إلى السير فى ظلام الليل برا وبحراً، وعمن يبعث الرياح مبشرة بمطر هو رحمة من الله} ؟ أهناك إله مع الله تعالى يصنع ذلك؟! تنزه الله سبحانه عن أن يكون له شريك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 64 - بل اسألهم - أيها الرسول - عمن ينشئ الخلق ابتداء، ثم يوجده بعد فنائه كما كان؟ ومن الذى ينزل لكم الرزق من السماء ويخرجه من الأرض؟ . ليس هناك إله مع الله يفعل ذلك. قل - أيها الرسول - موبخاً لهم ومنكراً عليهم: إن كان لكم إله سوى الله فأقيموا لنا حجة على ذلك إن كنتم تزعمون أنكم صادقون، ولن يتأتى لكم ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 65 - قل - أيها الرسول -: إن مَن تَفرَّد بفعل هذا كله قد تفرد - سبحانه - بعلم ما فى السموات والأرض من أمور الغيب، وهو الله - وحده - وما يعلم الناس أى وقت يبعثون فيه من قبورهم للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 66 - تلاحق علمهم فى الآخرة من جهل بها إلى شك فيها، وهم فى عماية عن إدراك الحق فى أى شئ من أمرها لأن الغواية أفسدت إدراكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 67 - وقال الكافرون منكرين للبعث: أئذا صرنا تراباً وبليت أجسامنا وأجسام آبائنا السابقين هل نعاد ونخرج إلى الحياة من جديد؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 68 - لقد وعدنا محمد بهذا البعث كما وعد الرسل السابقون آباءنا، ولو كان حقاً لحصل، وليس هذا إلا من أكاذيب السابقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 69 - قل لهم - أيها الرسول -: تجولوا فى الدنيا وانظروا آثار ما حل بالمكذبين من عذاب الله لعلكم تعتبرون بهذا، وتخشون ما وراءه من عذاب الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 70 - لا تحزن - أيها الرسول - على الكافرين الذين لم يتبعوك، فإنما عليك البلاغ، ولا يكن فى صدرك حرج من مكرهم وكيدهم، فإن الله ناصرك عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 71 - ويبالغ الكافرون فى التكذيب، فيستعجلون العذاب قائلين: متى يحين موعد العذاب الذى هددتمونا به إن كنتم صادقين فى أن العذاب نازل بالمكذبين؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 72 - قل - أيها الرسول -: لعله أن يكون قد لحق بكم وقرب منكم بعض ما تستعجلونه من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 73 - وإن الله ربك - أيها الرسول - لصاحب إنعام وإحسان على الناس كافة، ومن رحمته تأخير العقوبة على المكذبين، ولكن أكثر الناس لا يدركون فضل الله ولا يشكرونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 74 - وإن الله ربك - أيها الرسول - لعليم بكل ما يسرون وما يعلنون من الأقوال والأفعال المنكرة، ومجازيهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 75 - وما من خافية غائبة مهما صغرت وضَؤُلَتْ فى السموات أو فى الأرض إلا علمها الله وأحصاها فى كتاب حق عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 76 - إن هذا الكتاب - الذى أنزل على محمد - يبين لبنى إسرائيل حقيقة ما جاء فى التوراة من عقائد وأحكام وقصص، ويردهم إلى الصواب فيما اختلفوا فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 77 - وإن هذا الكتاب لهداية من الضلال ورحمة من العذاب لجميع من آمن به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 78 - إن ربك - أيها الرسول - يفصل بين الناس جميعاً يوم القيامة بعدله، وهو الغالب فلا يرد قضاؤه، العليم فلا يلتبس لديه حق بباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 79 - ففوض أمرك - أيها الرسول - إلى الله، وثابر بدعوتك واثقاً بنصره، لأنك على الحق الواضح، ولا يضرك إعراض الكافرين عنك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 80 - إنك - أيها الرسول - لا تستطيع هدايتهم فإنهم كالموتى فى عدم الوعى، وكالصم فى فقدان أداة السمع، فليسوا مستعدين لسماع دعوتك لتماديهم فى الإعراض عنك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 81 - ولست بمستطيع أن تهدى إلى الحق من عميت أبصارهم وبصائرهم، ولا يمكنك أن تُسمع إلا من يقبل على الإيمان بآياتنا، فهم مطيعون مستجيبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 82 - وإذا قرب أن يتحقق وعد الله بقيام الساعة، وأن يقع العذاب على الكافرين أخرج الله للناس دابة من الأرض تقول لهم من جملة ما تقول: إن الكفار كانوا بمعجزاتنا كلها وباليوم الآخر لا يؤمنون، وقد تحقق الآن ما كانوا به يكذبون. وها هو ذا هول الساعة وما وراءها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 83 - واذكر - أيها الرسول - يوم نجمع من كل أمة طائفة من المكذبين بآياتنا، وهم الزعماء المتَّبَعون فهم يساقون فى مقدمة أممهم إلى الحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 84 - وحينما يقفون بين يدى الله للحساب يقول - سبحانه - لهم تبكيتاً وتعنيفاً: قد كذبتم بكل آياتى وأنكرتموها دون تدبر ولا فهم. بل ماذا كنتم تعملون وأنتم لم تخلقوا عبثاً؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 85 - وحل بهم العذاب بسبب ظلمهم أنفسهم بالكفر، فهم عاجزون عن الدفاع والاعتذار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 86 - لقد شاهدوا أن الله جعل الليل ليستريحوا فيه، وجعل النهار مضيئاً ليتصرفوا فيه ويسعوا على معايشهم؛ إن فى ذلك لدلالات واضحة على ألوهية الله ووحدانيته لقوم يتدبرونها فيؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 87 - واذكر - أيها الرسول - يوم ينفخ إسرافيل فى البوق بإذن الله، فيرتعب من فى السموات ومن فى الأرض من هول النفخة إلا من طمأنه الله وأعفاه من الفزع، وكل المخلوقات يأتون إلى ربهم صاغرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 88 - وترى - أيها الرسول - الجبال تظنها ثابتة لا تتحرك، ولكنها فى واقع الأمر تتحرك بسرعة كالسحاب، وهذا من صنع الله الذى خلق كل شئ وأبدعه. إنه سبحانه كامل العلم بما يفعل الناس من طاعة ومعصية، ومجازيهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 89 - كل من أتى بالحسنة فى الدنيا وهى الإيمان والإخلاص فى الطاعة فله فى الآخرة الثواب الأعظم من أجل ما تقدم. وأصحاب هذه الحسنات آمنون من الخوف والفزع يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 90 - وكل من أتى فى الدنيا بالسيئة - وهى الشرك والمعصية - ومات على ذلك فجزاء هذا الفريق أن يكبهم الله على وجوههم فى النار يوم القيامة ويقال لهم حينئذ - توبيخاً - إنكم لا تجزون اليوم إلا بسبب شرككم ومعصيتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 91 - قل - أيها الرسول - للناس: ما أمرت أن أعبد أحداً إلا الله رب مكة الذى كرمها، فجعلها حرماً آمناً، لا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها. وله سبحانه كل ما فى الكون خلقاً وملكاً وأمرت أن أكون من الخاضعين لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 92 - وأمرت أن أواظب على تلاوة القرآن عبادة وتدبراً ودعوة إلى ما فيه، فمن اهتدى وآمن به واتبعك فإنما خير ذلك وجزاؤه لنفسه لا لك، ومن ضل عن الحق ولم يتبعك فقل: إنما أنا رسول أنذر وأبلغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 93 - وقل - أيها الرسول -: الحمد لله على نعمة النبوة والهداية، سيكشف الله لكم فى الدنيا عن آثار قدرته، وفى الآخرة عن صدق ما أخبركم به فتعرفونها معرفة حق، وليس الله بعاجز عن حسابكم ولا بغافل عن أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 1 - طسم: حروف صوتية سيقت لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف التى يتألف منها حديثكم، ولتنبيه السامعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 2 - هذه الآيات التى نوحيها إليك - أيها الرسول - آيات القرآن المبين الواضح، المظهر للحق من الباطل، وللحلال من الحرام، والوعد بالثواب، والوعيد بالعقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 3 - نقُص عليك بعض أخبار موسى وفرعون بالصدق، ليعتبر بما فيه المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 4 - إن فرعون تعاظم فى نفسه، وجاوز الحد فى ظلمه، واستكبر فى أرض مصر، وصيَّر أهلها فرقا، يصطفى بعضها ويسخِّر بعضها، ويستضعف منهم بنى إسرائيل، فيذبح الذكور من أولادهم، ويستبقى الإناث. إنه كان من المسرفين فى الطغيان والإفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 5 - وأراد الله أن يتفضَّل على الذين استضعفهم فرعون فى الأرض، وأن يجعلهم هداة إلى الخير، ويورثهم ملك الأرض والسلطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 6 - ونُثَّبتهم فى الأرض ويتخذون فيها مكاناً، ونُثَبت لفرعون ووزيره هامان وجندهما ما كانوا يخشونه من ذهاب ملكهم على يد مولود من بنى إسرائيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 7 - وألهم الله أمَّ موسى - حينما خشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بنى إسرائيل - أن ترضعه مطمئنة عليه من قتل فرعون، فإذا خشيت أن يعرف أمره وضعته فى صندوق وألقته فى النيل غير خائفة ولا محزونه، فقد تكفل الله لها بحفظه وردِّه إليها، وأن يرسله إلى بنى إسرائيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 8 - فأخذه آل فرعون ليتحقق ما قدَّره الله بأن يكون موسى رسولا معاديا لهم، ومثيرا لحزنهم بنقد دينهم والطعن على ظلمهم. إن فرعون وهامان وأعوانهما كانوا آثمين مسرفين فى الطغيان والفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 9 - وقالت امرأة فرعون - حين رأته - لزوجها: هذا الطفل مبعث السرور لى ولك. نستبقيه ولا نقتله رجاء أن ننتفع به فى تدبير شأننا أو نتبناه، وهم لا يشعرون بما قدر الله فى شأنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 10 - وصار قلب أم موسى خاليا من العقل لما دهمها من الجزع لوقوع ولدها فى يد فرعون. إنها كادت تظهر أمره بأنه ولدها لولا أن ثَبَّت الله قلبها بالصبر لأعلنت أنه ولدها شفقة عليه، ولتكون فى ضمن المؤمنين المطمئنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 11 - وقالت أمه لأخته: تتبعى أثره لتعرفى خبره، فرأته عن بُعد وهى تتجنب ظهور أمرها وفرعون وآله لا يدرون أنها أخته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 12 - ومنع الله الطفل - موسى - أن يرضع ثديا لمرضع قبل أن يرشدوا إلى أمه، فاغتم آل فرعون، وأهمهم ذلك، فقالت لهم أخته: ألا أرشدكم إلى أسرة تكفله وتتعهده بالرضاع والتربية وهم له حافظون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 13 - فقبلوا إرشادها، وردَّه الله إلى أمه كى تطيب نفسها، وتفرح بعودته إليها، ولا تحزن بفراقه، ولتزداد علما بأن وعد الله بردِّه لها حاصل لا يتخلف، ولكن أكثر الناس لا يعلمون عودة موسى إلى أمه، لخفائه عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 14 - ولما بلغ موسى رشده واكتمل نضجه أعطاه الله الحكمة والعلم، ومثل ذلك الإحسان الذى أحسنا به إلى موسى وأمه نكافئ المحسنين على إحسانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 15 - ودخل موسى المدينة فى وقت غفل فيه أهلها، فوجد فيها رجلين يقتتلان: أحدهما من بنى إسرائيل، والآخر من قوم فرعون، فاستعان به الإسرائيلى على خصمه فأعانه موسى، وضرب الخصم بقبضة يده فقتله من غير قصد. ثم أسف موسى، وقال: إنَّ إقدامى على هذا من عمل الشيطان. إن الشيطان لعدو ظاهر العداوة واضح الضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 16 - قال موسى متضرعاً إلى الله فى ندم: يا رب إنى أسأت إلى نفسى بما فعلت، فاغفر لى فعلتى. فأجاب الله دعوته وغفر له. إن الله هو العظيم المغفرة الواسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 17 - قال موسى متضرعاً: يا رب بحق إنعامك علىَّ بالحكمة والعلم وفقنى للخير والصواب، فإذا وفقتنى فلن أكون عوناً للكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 18 - فأصبح موسى فى المدينة - مصر - فزعا، يتوقع أن يصيبه الأذى من القوم بسبب قتله المصرى، فوجد الإسرائيلي الذى طلب منه النصرة بالأمس يستغيث به ثانية على مصرى آخر، فنهره موسى قائلا له: إنك لشديد الغواية ظاهر الضلال، حيث عدت لمثل ما فعلت بالأمس ودعوتنى مرة ثانية لنصرتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 19 - فلما هم موسى بالبطش بالمصرى الذى هو عدو لهما، بسبب هذه العداوة، قال - وقد ظن أن موسى سيقتله -: أتريد أن تقتلنى كما قتلت شخصاً آخر بالأمس. ما تريد إلا أن تكون طاغية فى الأرض، وما تريد أن تكون من دعاة الإصلاح والخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 20 - وجاء رجل مؤمن من آل فرعون - يخفى إيمانه - من أقصى المدينة حينما انتشر نبأ قتل موسى للمصرى، يخبر موسى أن قوم فرعون يتشاورون لقتلك، ويقول له: اخرج من المدينة فرارا من القتل، إنى لك من الناصحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 21 - فخرج موسى من المدينة خائفاً يتوقع أن يتعرض له أعداؤه بالأذى، ضارعا إلى الله أن يُنجيه من ظلم الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 22 - ولما توجه ناحية مدين - قرية شعيب - لما فيها من الأمن - تضرع إلى الله أن يهديه طريق الخير والنجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 23 - ولما وصل ماء آل مدين الذى يسقون منه، وجد على جانب البئر جماعة كثيرة من أناس مختلفين يسقون مواشيهم، ووجد فى مكان أسفل من مكانهم امرأتين تدفعان غنمهما بعيدا عن الماء، فقال لهما موسى: لم تبتعدان عن الماء؟ فأجابتا: لا نستطيع الزحام، ولا نسقى حتى يسقى الرعاة، وأبونا شيخ طاعن لا يستطيع الرعى ولا السقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 24 - فتطوع موسى وسقى لهما، ثم ركن إلى ظل شجرة يستريح من الجهد، وهو يقول فى ضراعة: يا رب إنى فقير لما تسوقه إلىَّ من خير ورزق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 25 - فجاءت إحدى الفتاتين - مُرْسَلة من قبل أبيها بعد أن علم بأمر موسى معهما - تسير إلى موسى حياء، قالت: إن أبى يدعوك ليجزيك أجر سقيك لنا. فلما ذهب إليه وقصَّ عليه قصة خروجه من مصر قال والد الفتاتين: لا تخف، نجوت من القوم الظالمين، إذ لا سلطان لفرعون علينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 26 - قالت أحدى الفتاتين: يا أبت اتخذه أجيرا لرعى الغنم والقيام على شأنها، إنه خير من تستأجره لقوَّته وأمانته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 27 - قال له شعيب - عليه السلام - إنى أريد أن أزوجك واحدة من ابنتى هاتين، على أن يكون مهرها أن تعمل عندنا ثمانى سنوات، فإن أتممت عشرا فمن عندك تطوعا، وما أريد أن ألزمك بأطول الأجلين، وستجدنى إن شاء الله من الصالحين المحسنين للمعاملة الموفين بالعهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 28 - قال موسى: ذلك الذى عاهدتنى عليه قائم بينى وبينك، أى مدة من المدتين أقضيها فى العمل أكون وفيتك عهدك فلا أطالب بزيادة عليها، والله شاهد على ما نقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 29 - فلما أتم موسى المدة المشروطة، وأصبح زوجاً لبنت الذى آواه، وعاد بها إلى مصر أبصر فى طريقه من ناحية جبل الطور نارا، فقال لمن معه: امكثوا هنا، إنى رأيت نارا استأنست بها فى هذه الظلمة، سأذهب إليها لآتيكم من عندها بخبر عن الطريق أو بجذوة منها لعلكم تستدفئون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 30 - فلما جاء موسى إلى النار التى أبصرها، سمع من ناحية الجانب الأيمن له من الشجرة النابتة فى البقعة المباركة بجانب الجبل نداء علويا يقول له: يا موسى، إنى أنا الله الذى لا يستحق العبادة سواه، خالق العالمين وحاميهم وحافظهم ومربيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 31 - ونودى: أن ألق عصاك. فألقاها فقلبها الله ثعبانا، فلما أبصرها موسى تتحرك كأنها حية فى سعيها خاف وفر فزعا ولم يرجع، فقيل له: يا موسى أقبل على النداء وعُد إلى مكانك ولا تخف، إنك فى عداد الآمنين من كل مكروه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 32 - وأدخل يدك فى طوق ثوبك تخرج شديدة البياض من غير عيب ولا مرض، واضمم يدك إلى جانبك فى ثبات من الخوف، ولا تفزع من رؤية العصا حية ومن رؤية اليد بيضاء، فهاتان المعجزتان من الله تواجه بهما فرعون وقومه حينما يقابلون رسالتك بالتكذيب خارجين عن طاعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 33 - قال موسى - متخوفا وطالبا العون - يا رب، إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلونى به قصاصا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 34 - وأخى هارون أفصح منى لسانا، فأرسله معى عونا فى التبليغ، لأنى أخاف أن يكذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 35 - قال الله - استجابة لدعائه -: سنقويك بهارون، ونجعل لكما سلطانا وتأييدا بالمعجزات فلا يستطيعون الاعتداء عليكما، وأنكما ومن اتبعكما واهتدى بكما الغالبون المنتصرون على هؤلاء الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 36 - فلما واجههم موسى بدعوته مؤيدة بالمعجزات الواضحة أنكروا ما شاهدوا، قالوا: ما هذا إلا سحر تفتريه على الله، ولم نسمع بهذا الذى تدَّعيه فيمن سبقنا من آبائنا الأولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 37 - وقال موسى - ردا على فرعون وقومه -: ربى يعلم أنى جئت بهذه الآيات الدالة على الحق والهدى من عنده، فهو شاهد لى على ذلك إن كذبتمونى، ويعلم أن العاقبة الحميدة لنا ولأهل الحق، إنه لا يفوز بالخير الكافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 38 - وقال فرعون - عندما عجز عن محاجة موسى، تماديا فى طغيانه - يا أيها الملأ، ليس لى علم بوجود إله لكم غيرى. وأمر وزيره هامان أن يصنع له الآجُرّ ويُشيد له صرحاً شامخاً عالياً ليصعد عليه، وينظر إلى الإله الذى يدعو إليه موسى، ويؤكد فرعون مع ذلك أن موسى من الكاذبين فى ظنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 39 - وظل فرعون وجنوده مستكبرين فى أرض مصر بالباطل، وظنوا أنهم لن يُبعثوا فى الآخرة للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 40 - فانتزعنا فرعون من سلطانه، واستدرجناه هو وجنوده إلى اليَم، وأغرقناهم فيه نابذين لهم بسبب ظلمهم. فتدبر يامحمد، وحذر قومك كيف كانت نهاية الظالمين فى دنياهم؟ وإنك لمنصور عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 41 - قال تعالى: وجعلناهم دعاة يدعون إلى الكفر الذى يؤدى إلى النار، ويوم القيامة لا يجدون من ينصرهم ويخرجهم من هذا العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 42 - وجعلناهم فى هذه الدنيا مطرودين من رحمتنا، ويوم القيامة هم من المهلكين. وما حكى فى الآيتين بشأنهم دليل على غضب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 43 - ولقد أنزل الله التوراة على موسى بعد أن أهلك المكذبين من الأمم السابقة لتكون نورا للقلوب، لأنها كانت مظلمة لا تعرف حقا وإرشادا، لأنهم كانوا يتخبطون فى الضلال، وطريقاً لنيل الرحمة لمن عمل بها، ليتعظوا بما فيها فيسارعوا إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 44 - وما كنت - يامحمد - حاضرا مع موسى فى المكان الغربى من الجبل حين عهد الله إليه بأمر الرسالة، ولم تكن معاصرا لموسى ولا شاهدا تبليغه للرسالة، فكيف يكذب قومك برسالتك وأنت تتلوا عليهم أنباء السابقين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 45 - ولكنا خلقنا أمماً كثيرة فى أجيال طال عليها الزمن فنسوا ما أخذه عليهم من العهود، ولم تكن - أيها الرسول - مقيما فى مدين حتى تخبر أهل مكة بأنبائهم، ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها من طريق الوحى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 46 - وما كنت - أيها الرسول - حاضرا فى جانب الطور حين نادى الله موسى واصطفاه لرسالته، ولكن الله أعلمك بهذا من طريق الوحى رحمة بك وبأمتك، لتبلغه قوما لم يأتهم رسول من قبلك لعلهم يتذكرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 47 - ولولا أن الكفار حين تصيبهم عقوبة بسبب كفرهم يعتذرون ويحتجون قائلين: ربنا لم ترسل إلينا رسولا نؤمن ونُذعن لمعجزاته ونكون من المؤمنين، ما كانت رسالات الرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 48 - فلما جاء رسول الله - محمد - بالقرآن من عند الله قال الكفار: ليته أُعْطى مثل ما أُعْطى موسى من معجزات حسية، وكتاب نزل جملة واحدة كالتوراة، وقد كفروا من قبل بموسى وآياته كما كفروا اليوم بمحمد وكتابه، وقالوا: نحن بكل منهما كافرون. فالجحود هو الذى أدى إلى الكفر بالمعجزات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 49 - قل لهم - أيها الرسول - إذا لم تؤمنوا بالتوراة والقرآن؛ فهاتوا كتاباً من عند الله أحسن منهما هداية أو مثلهما أتبعه معكم إن كنتم صادقين فى زعمكم أن ما جئنا به سحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 50 - فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى، فاعلم أنهم قد ألزموا الحجة ولم يبق لهم حجة، وأنهم بذلك يتبعون أهواءهم، ولا أحد أكثر ضلالا ممن اتبع هواه فى الدين بغير هدى من الله، إن الله لا يوفق من ظلم نفسه باتباع الباطل دون أن ينشد حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 51 - ولقد أنزل الله القرآن عليهم متواصلا بعضه إثر بعض حسبما تقتضيه الحكمة، ومتتابعا وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا، ليتدبروا ويؤمنوا بما فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 52 - الذين أنزلنا لهم التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن وآمنوا بهما وصدقوا بما فيهما عن محمد وكتابه، هم بمحمد وكتابه يؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 53 - وإذا يُقرأ القرآن على هؤلاء قالوا - مسارعين إلى إعلان الإيمان -: آمنا به لأنه الحق من ربنا، ونحن عرفنا محمدا وكتابه قبل نزوله، فإسلامنا سابق على تلاوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 54 - أولئك الذين آمنوا بالقرآن وبما أنزل من قبله من كتب يعطوْن ثوابهم مضاعفا، بصبرهم على ما يلحقهم من الأذى فى سبيل الإيمان، ويؤثرون العمل الصالح، ويقابلون بالعفو والإحسان، وينفقون فى سبيل الخير مما منحهم الله من مال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 55 - وإذا سمعوا الباطل من الجاهلين انصرفوا عنه تنزها وترفعا، وقالوا: لنا أعمالنا الحقة لا نحيد عنها، ولكم أعمالكم الباطلة ووزرها عليكم، ونحن نترككم وشأنكم لأننا لا نريد صحبة الجاهلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 56 - إنك - أيها الرسول - شديد الحرص على هداية قومك، ولكنك لا تستطيع أن تُدْخل فى الإسلام كل من تحب، ولكن الله يهدى للإيمان من علم فيهم قبول الهداية واختيارها، وهو الذى يعلم علما ليس فوقه علم من سيدخل فى صفوف المهتدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 57 - وقال مشركوا مكة للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - معتذرين عن بقائهم على دينهم: إن اتبعناك على دينك أخرجَنَا العرب من بلدنا وغلبونا على سلطاننا. وهم كاذبون فيما يعتذرون به، فقد ثَبَّتَ الله أقدامهم ببلدهم، وجعله حرما يأمنون فيه - وهم كفرة - من الإغارة والقتل، وتُحمل إليه الثمرات والخيرات المتنوعة الكثيرة رزقاً يسوقه الله إليهم من كل جهة، فكيف يستقيم أن يسلبهم الأمن ويعرضهم للتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت الإيمان بمحمد؟ ولكن أكثرهم لا يعلمون الحق، ولو علموا لما خافوا التَّخطف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 58 - لم يعتبر هؤلاء بمصاير الأمم السابقة، فقد أهلك الله قرى الذين اغتروا بنعمة الله ثم كفروا بها وبالله، وهذه ديارهم خاوية لا تصلح للسكن بعدهم إلا فترات عابرة للمارين بها، ولم يبق لها مالك بعدهم إلا الله ذو الجلال والإكرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 59 - وما كان من حكمة الله تعالى - وهو ربك الذى خلقك واصطفاك - أن يهلك المدن العظيمة إلا بعد أن يُرسل إلى أهلها رسولا بالمعجزات الباهرة يتلو عليهم الكتاب المنزل، ويبين لهم شرائعه، ثم لم يؤمنوا، وما كنا مُهلكى المدن العظيمة إلا وأهلها مستمرون على الظلم والاعتداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 60 - وكل شئ رُزقْتموه من أعراض الدنيا وزينتها متاع محدود إلى أمد قريب، فلا يصرفَنَّكم عن الإيمان والعمل الصالح، فإن ما عند الله فى الآخرة من الثواب والنعيم الخالد أنفع وأدوم من ذلك كله، فلماذا لا تُعمِلون عقولكم بدل أهوائكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 61 - لا يستوى من آمن وعمل صالحا فاستحق وعد الله - الوعد الحسن بالثواب والجنة - فهو مُدْركه كما وعده الله، ومن كفر وعمل سيئا وفتنه متاع الحياة وزخرفها، ثم هو يوم القيامة من المُحضرين للحساب، الهالكين فى العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 62 - واذكر - أيها الرسول - يوم يقف هؤلاء بين يدى الله للحساب فيناديهم سبحانه نداء توبيخ: أين الآلهة الذين زعمتموهم شركاء ليدافعوا عنكم أو ليشفعوا فيكم؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 63 - قال قادة الكفر من الذين حق عليهم غضب الله ووعيده: يا ربنا، هؤلاء الذين دعوناهم إلى الشرك وزيَّنا لهم الضلال أغْويناهم لأنهم اختاروا الكفر وتقبَّلوه كما اخترناه نحن وتقبَّلناه. تبرأنا إليك منهم اليوم ومما اختاروه فى الدنيا من الكفر، لم يعبدونا نحن، بل عبدوا أهواءهم وأطاعوا شهواتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 64 - وأمر المشركين من جانب الله أمر توبيخ بدعوة الآلهة التى أشركوها مع الله لتخلصهم من عذابه كما زعموا، فخضعوا فى ذلة ودعوهم فى حيرة، فلم يظفروا منهم بجواب، وشاهدوا العذاب المعد لهم حاضرا، وتمنوا لو أنهم كانوا فى دنياهم مؤمنين مهتدين لما حاق بهم ذلك العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 65 - واذكر - أيها الرسول - كذلك يوم ينادى المشركون من جانب الله تعالى نداء توبيخ، فقال لهم: بأى شئ أجبتم رسلى الذين أرسلتهم لدعوتكم إلى الإيمان فبلغوكم الرسالة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 66 - فصارت الأخبار غائبة عنهم لا يهتدون إليها، كأنهم فى عَمى، ولم يرجع بعضهم إلى بعض فى ذلك لتساويهم فى العجز عن الإجابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 67 - هذا شأن المشركين، فأمَّا من تاب من الشرك، وآمن إيماناً صادقاً وعمل الصالحات، فهو يرجو أن يكون عند الله من الفائزين برضوان الله وبالنعيم الدائم المستمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 68 - وربك يخلق ما يشاء بقدرته، ويختار بحكمته من يشاء للرسالة والطاعة على مقتضى علمه باستعدادهم لذلك، ولم يكن فى مقدور الخلق ولا من حقهم أن يختاروا على الله ما يشاءون من أديان باطلة وآلهة زائفة، تنزَّه الله - تعالى شأنه - عن الشركاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 69 - وربك - أيها الرسول - محيط علمه بما تخفيه صدور المشركين من عداوتهم لك، وما يعلنون بألسنتهم من المطاعن فيك والاعتراض على اختيارك للرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 70 - وربك - أيها الرسول - هو الله الحق المختص بالألوهية، المستحق - وحده - للحمد من عباده فى الدنيا على إنعامه وهدايته، وفى الآخرة على عدله ومثوبته. وهو - وحده - صاحب الحكم والفصل بين عباده، وإليه المرجع والمصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 71 - قل - أيها الرسول -: أخبرونى أيها الناس، إن جعل الله عليكم الليل متتابعاً دون نهار إلى يوم القيامة، فهل لكم إله سوى الله يأتيكم بنهار مضئ تقومون فيه بمعاشكم وشئون دنياكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 72 - قل - أيها الرسول -: للناس: إن جعل الله عليكم النهار متتابعاً دون ليل إلى يوم القيامة، فهل لكم إله سوى الله يأتيكم بليل تستريحون فيه من عمل النهار؟ ليس لكم ذلك، فلماذا لا تبصرون آيات الله فتؤمنوا وتهتدوا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 73 - ومن رحمة الله بخلقه أن خلق لهم الليل والنهار وجعلهما متعاقبين، ليستريحوا فى الليل، وليسعوا على رزقهم ومنافعهم فى النهار، وليُدركوا فضل الله عليهم فيشكروه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 74 - واذكر كذلك - أيها الرسول - يوم ينادَى المشركون من جانب الله تعالى نداء توبيخ، فيقال لهم: أين الشركاء الذين زعمتموهم آلهة ينصرونكم أو شفعاء يشفعون لكم؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 75 - وأخرجنا يوم القيامة من كل أمة شهيداً هو نبيُّها. يشهد عليها بما كان منها فى الدنيا فنقول حينئذ للمخالفين منهم: ما هى حجتكم فيما كنتم عليه من الشرك والمعصية؟ فيعجزون عن الجواب، ويعلمون حينئذ أن الحق لله بداية ونهاية، وغاب عنهم غيبة الشئ الضائع ما كانوا يفترون على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 76 - ذكرت السورة قصة قارون، وأنه كان من قوم موسى، فتكبر عليهم غروراً بنفسه وماله، وقد أعطاه الله كنوزاً زاخرة بالأموال، بلغت مفاتيحها من الكثرة بحيث يثقل حملها على الجماعة الأقوياء من الرجال، وحين اغتر بنعمة الله عليه وكفر بما نصحه قومه قائلين له: لا تغتر بمالك، ولا يفتنك الفرح به عن شكر الله، إن الله لا يرضى عن المغرورين المفتونين، والعبرة فى هذه القصة أن الكافرين بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد اغتروا بأموالهم، فبين القرآن أن أموالهم بجانب مال قارون ليست شيئاً مذكوراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 77 - واجعل نصيباً مما أعطى لك الله من الغنى والخير فى سبيل الله والعمل للدار الآخرة، ولا تمنع نفسك نصيبها من التمتع بالحلال فى الدنيا، وأحسن إلى عباد الله مثلما أحسن الله إليك بنعمته، ولا تُفسد فى الأرض متجاوزاً حدود الله، إن الله سبحانه لا يرضى عن المفسدين لسوء أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 78 - فلم يستجب قارون لنصح قومه، ونسى فضل الله عليه، وتجاهل أن الله قد أهلك قبله كثيرين كانوا أكثر منه قدرة على كسب المال وخبرة بوجوه استثماره، والمجرمون لا يُسألون عن ذنوبهم لعلمه تعالى بها، فيدخلون النار بغير حساب، وإنما يُسألون سؤال توبيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 79 - لم يعبأ قارون بنصح قومه، وخرج عليهم فى زينته، فاغتر به الذين يحبون متاع الحياة الدنيا، وتمنوا أن يكون لهم مثل ما أُعطى قارون من المال والحظ العظيم فى الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 80 - أما الذين رزقهم الله العلم النافع فلم يفتنهم ذلك، وتوجهوا بالنصح للمفتونين قائلين لهم: لا تتمنوا هذا ولا تنصرفوا عن الدين، فإن ما عند الله من ثواب ونعيم أزكى لمن آمن به وعمل صالحاً، وتلك نصيحة حقة لا يتقبلها إلا من يجاهدون أنفسهم ويصبرون على الطاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 81 - فخسف الله به الأرض فابتلعته هو وداره بما فيها من أموال وزينة، فلم يكن له أنصار يمنعونه من عذاب الله، ولم يكن يستطيع أن ينتصر لنفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 82 - وصار الذين تمنوا منذ وقت قريب منزلته من الدنيا يرددون عبارات التحسّر والندم بعد أن فكروا فيما أصابه! ويقولون: إن الله يوسِّع الرزق على من يشاء من عباده المؤمنين وغير المؤمنين، ويضيِّق على من يشاء منهم، ويقولون شاكرين: لولا أن الله أحسن إلينا بالهداية إلى الإيمان والعصمة من الزلل لامتحننا بإجابة ما تمنيناه، ولفعل بنا مثل ما فعل بقارون. إن الكافرين بنعمة الله لا يفلحون بالنجاة من عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 83 - تلك الدار التى سمعت خبرها - أيها الرسول - وبلغك وصفها - وهى الجنة - نخص بها المؤمنين الطائعين الذين لا يطلبون الغلبة والتسلط فى الدنيا، ولا ينحرفون إلى الفساد بالمعاصى، والعاقبة الحميدة إنما هى للذين تمتلئ قلوبهم خشية من الله فيعملون ما يرضيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 84 - الذى يأتى بالحسنة - وهى الإيمان والعمل الصالح - له ثواب مضاعف بسببها، والذى يأتى بالسيئة - وهى الكفر والمعصية - فلا يجزى إلا بمثل ما عمل من سوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 85 - إن الله الذى أنزل القرآن، وفرض عليك تبليغه والتمسك به لرادك إلى موعد - لا محالة منه - وهو يوم القيامة ليفصل بينك وبين مكذبيك، قل - أيها الرسول - للكافرين: ربى هو الذى يعلم علماً ليس فوقه علم بمن منحه الهداية والرشاد، وبمن هو واقع فى الضلال الذى يدركه كل عاقل سليم الإدراك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 86 - وما كنت - أيها الرسول - تأمل وتنتظر أن ينزل عليك القرآن، ولكن الله أنزله عليك من عنده رحمة بك وبأمتك، فاذكر هذه النعمة، وثابر على تبليغها، ولا تكن أنت ولا من اتبعك عوناً للكافرين على ما يريدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 87 - ولا يصرفك الكافرون عن تبليغ آيات الله والعمل بها، بعد أن نزل بها الوحى عليك من الله وأصبحت رسالتك، وثابر على الدعوة إلى دين الله، ولا تكن أنت ولا من اتبعك من أنصار المشركين بإعانتهم على ما يريدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 88 - ولا تعبد من دون الله إلهاً سواه، إذ ليس هناك إله يعبد بحق غيره، كل ما عدا الله هالك وفان، والخالد إنما هو الله الذى له القضاء النافذ فى الدنيا والآخرة، وإليه - لا محالة - مصير الخلق أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 1 - ا. ل. م: حروف صوتية سيقت لبيان أن القرآن المعجز مؤلف من هذه الحروف التى يحسنون نطقها، ولتنبيه السامعين ولفت أنظارهم إلى الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 2 - أظن الناس أنهم يُتركون وشأنهم لنطقهم بالشهادتين دون أن يختبروا بما يبين به حقيقة إيمانهم من المحن والتكاليف؟ لا. بل لا بد من امتحانهم بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 3 - ولقد اختبر الله الأمم السابقة بالتكاليف وألوان النعم والمحن، ليظهر ما سبق فى علمه القديم، ويتميَّز الصادقون فى إيمانهم من الكاذبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 4 - أظن الذين يشركون بالله ويعصونه أن يسبقونا فى فرارهم من عذاب الله وعقابه؟! بئس حكمهم هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 5 - من كان يؤمن بالبعث ويرجو ثواب الله ويخاف عقابه فإيمانه حق، وليبادر إلى العمل الصالح، فإن اليوم الموعود آت لا محالة، والله سميع لأقوال العباد عليم بأفعالهم، وسيجزى كلا بما يستحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 6 - ومن جاهد فى سبيل إعلاء كلمة الله، وجاهد نفسه بالصبر على الطاعة فإن ثواب جهاده لنفسه، وإن الله - سبحانه - لغنى عن طاعة العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 7 - والذين اتصفوا بالإيمان وعملوا الصالحات لنُذهبن عنهم سيئاتهم ونغفر لهم، ونجزيهم أوفى جزاء على أعمالهم الصالحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 8 - وأمر الله الإنسان أن يبالغ فى الإحسان إلى والديه وطاعتهما. وإن حملاك على الشرك بالله - وهو ما لا يقره علم ولا عقل - فلا تطعهما، وإلى الله مرجع الخلق كافة فينبئهم بما عملوا فى الدنيا ويجزيهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 9 - والذين صدَّقوا بالله ورسالاته، وعملوا الصالحات ليُدخلنهم الله فى الصالحين، ينالون جزاءهم ويأنسون بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 10 - ومن الناس من يقول بلسانه: آمنا، فإذا أصابه أذى فى سبيل الله جزع وفُتن عن دينه، ولم يفكر فى عذاب الله يوم القيامة، فكأنه جعل إيذاء الناس كعذاب الله فى الآخرة. إذا نصر الله المؤمنين على عدوهم فغنموا منهم جاء هؤلاء المتظاهرون بالإيمان، وقالوا للمسلمين: إنا كنا معكم فى الإيمان، فأعطونا نصيباً من الغنيمة. لا ينبغى أن يظن هؤلاء أن أمرهم خافٍ على الله، فالله أعلم بما فى صدور الناس من نفاق وإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 11 - وليظهرنَّ الله للناس سابق علمه، فيُمَيِّزُ بين المؤمنين والمنافقين، ويجازى كلا بما عمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 12 - وكان زعماء الشرك يقولون للذين دخلوا فى الإسلام مخلصين: كونوا كما كنتم على ديننا، واتبعوا ما نحن عليه، وإذا كان هناك بعث وحساب تخشونه فنحن نحمل عنكم آثامكم. لن تحمل نفس وزر نفس أخرى، إن الكافرين لكاذبون فى وعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 13 - وسوف يحمل الكفار أوزار أنفسهم الثقيلة، ويحملون معها مثل أوزار من أضلوهم وصرفوهم عن الحق، وسيحاسبون حتماً يوم القيامة على ما كانوا يختلقون فى الدنيا من الأكاذيب، ويعذبون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 14 - ولقد بعث الله نوحاً إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد، فمكث يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة وهم لا يستجيبون له، فأغرقهم الله بالطوفان وهم ظالمون لأنفسهم بالكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 15 - وحقق الله وعده لنوح، فأنجاه والمؤمنين الذين ركبوا معه السفينة، وجعل قصتهم عبرة لمن بعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 16 - واذكر - أيها الرسول - قصة إبراهيم حين دعا قومه إلى توحيد الله وطاعته، وَنَبَّهَهُم إلى أن الإيمان خير لهم من الكفر إن كانوا من ذوى العلم والعقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 17 - وقال لهم: أنتم لا تعبدون من دون الله إلا تماثيل وأصناماً تصنعونها بأيديكم، وتختلقون الكذب فتسمونها آلهة. وأن هذه الأوثان التى تعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تضر ولا تستطيع لكم رزقاً، فالتمسوا الرزق من الله - وحده - وخُصُّوه بالعبادة والشكر له على أنعمه، فإليه مصيركم أجمعين فيجازيكم على أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 18 - وإن تستمروا على تكذيبى فلن تضرونى، فقد أبلغتكم أن الرسل قبلى كذبتهم أممهم وما ضروهم، وإنما ضروا أنفسهم إذ أهلكهم الله بسبب تكذيبهم، فليس على الرسول إلا أن يبلغ فى وضوح رسالته إلى قومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 19 - قد رأوا وعلموا أن الله يُبدئ الخلق ثم يُعيده، فكيف ينكرون البعث فى اليوم الآخر للحساب والجزاء؟ إن الإعادة على الله أسهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 20 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء المكذبين: امشوا فى الأرض، وتأملوا فيما أنشأ الله فيها من مختلف الكائنات، وانظروا إلى آثار من كان فيها قبلكم بعد أن ماتوا وخلت منهم ديارهم، واعلموا أن الله بقدرته سيعيد كل ذلك فى الآخرة بالبعث وهو الإنشاء الآخر، وكذلك شأنكم، إن الله - سبحانه - تام القدرة على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 21 - يعذب الله من يشاء بعد النشأة الآخرة وهم المنكرون لها، ويرحم من يشاء وهم المؤمنون المقرون بها، وإليه - وحده - مرجع الخلق جميعاً للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 22 - ولستم - أيها المكذبون - بغالبين لقدرة الله، سواء أكنتم فى الأرض أم فى السماء، بل هى محيطة بكم، وليس لكم ولىٌّ يمنعكم من الله ولا نصير يدفع عنكم عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 23 - والذين كفروا بدلائل الله على وحدانيته، وكذَّبوا برسله وكتبه، وأنكروا البعث والحساب. هؤلاء ليس لهم مطمع فى رحمة الله وهؤلاء لهم عذاب شديد مؤلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 24 - لم يكن جواب قوم إبراهيم له - حين أمرهم بعبادة الله وترك ما هم عليه من عبادة الأوثان - إلا الإمعان فى الكفر، وقوْل بعضهم لبعض: اقتلوه أو حَرِّقوه، فألقوه فى النار، فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، وأنجاه منها، إن فى إحباط كيدهم وإنجائه منها، وعدم تأثيرها فيه لدلائل واضحة لقوم يصدقون بتوحيد الله وقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 25 - وقال إبراهيم لقومه: لم تعبدوا إلا آلهة باطلة عبادتها. ثم يتبدل الحال يوم القيامة، فيتبرأ القادة من الأتباع، ويلعن الأتباع القادة، ومصيركم جميعاً النار، وليس لكم ناصر يمنعكم من دخولها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 26 - وكان أول من أجاب دعوة إبراهيم إلى الحق «لوط» فصدق وكان موحداً من قبل، وقال إبراهيم - مطيعاً لأمر الله -: إنى مهاجر إلى الجهة التى أمرنى ربى بالهجرة إليها والقيام بالدعوة إلى الله فيها. وهو العزيز الذى يمنعنى من أعدائى، الحكيم الذى لا يأمرنى إلا بما هو خير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 27 - ومَنَّ الله على إبراهيم بإسحاق ولده وبيعقوب حفيده، وكرَّمه بأن جعل النبوات فى ذريته، وأنزل عليهم الكتب السماوية، وجزاه الله أحسن الجزاء فى الدنيا، وهو فى الآخرة من خيار الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 28 - واذكر - أيها الرسول - إذ أرسلنا لوطاً إلى قومه، فدعاهم إلى توحيد الله وطاعته، وأنكر عليهم العمل الفاحش الذى كانوا يفعلونه ولم يسبقهم إلى فعله أحد من خلق الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 29 - إن ما تفعلونه منكر مُهلك. فإنكم تفعلون الفاحشة بالرجال، وتقطعون سبيل النسل، فيكون المآل الفناء. وترتكبون فى مجتمعاتكم المنكرات دون خوف من الله ولا حياء فيما بينكم. فلم يستمع له قومه، ولم يكن لهم جواب غير السخرية به، وطلبوا منه أن يُعجِّل بعذاب الله يُهددهم به إن كان صادقاً فيما يقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 30 - فاستعان لوط عليهم بالله، وطلب أن ينصره على قومه المفسدين فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 31 - وحين جاءت ملائكة الله إلى إبراهيم - عليه السلام - مبشرين، قالوا: إن أمرهم بإهلاك أهل هذه القرية بسبب إفسادهم وظلمهم أنفسهم بالشرك وارتكاب الفاحشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 32 - قال إبراهيم - عليه السلام - للملائكة: إن فى القرية لوطاً، وكيف تهلكونهم وهو فيهم؟ فأجابته الملائكة: بأنهم يعلمون من فيها، وأنهم ينجون لوطاً وأهله من العذاب، إلا امرأته فإنها فى الهالكين لكفرها وإساءتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 33 - ولما ذهب الملائكة المرسلون إلى لوط ورآهم حزن، لخوفه عليهم من عدوان قومه، وعجزت حيلته فيما يتعلق بحمايتهم، فطمأنوه وقالوا له: لا تخْشَيَنَّ عدوان قومك علينا، ولا تحزن من أجلنا، فقد أتينا لإهلاك أهل هذه القرية، وسننجيك وأهلك، ولكن امرأتك لكفرها ستكون مع الهالكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 34 - وقالت الملائكة: إننا مرسَلُون لتنفيذ أمر الله بإنزال العذاب من السماء على سكان هذه القرية بسبب فسقهم وكفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 35 - ولقد أهلك الله هذه القرية وترك منها آثاراً ظاهرة، لتكون دليلا على ما فعله الله بهم، وعبرة لمن يتدبَّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 36 - وأرسل الله إلى أهل مدين رسولا منهم هو شعيب، دعاهم إلى توحيد الله وعبادته والخوف من اليوم الآخر، وفِعْل ما يرجون به ثواب الله فيه. ونهاهم عن السعى فى الأرض بالفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 37 - فكذبوه وعصوه، فأهلكهم الله بزلزال شديد دمَّر عليهم مساكنهم، فغدوا فيها صرعى ميتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 38 - واذكر - أيها الرسول - مصارع عاد وثمود إذ أهلكناهم، وقد بقيت من مساكنهم آثار ظاهرة ترونها، وكان هذا الهلاك بسبب ما زين لهم الشيطان من أعمالهم الباطلة فاتبعوه، فصرفهم عن طريق الحق الذى كانوا يعرفونه بواسطة الرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 39 - واذكر - أيها الرسول - لهؤلاء المغترين بأموالهم وسلطانهم مصرع قارون وفرعون وهامان وما جرى عليهم من سنة الله بإهلاك المكذبين، وقد بعث الله إليهم موسى بالمعجزات الظاهرة الدالة على صدقه، فكذبوه وأبوا أن يستجيبوا له استكباراً، وما كانوا غالبين لقدرة الله بالإفلات من عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 40 - فكل أمة من هذه الأمم المكذبة برسلها أهلكها الله بسبب كفرها وما ارتكبت من المعصية، فبعض هذه الأمم أهلكه الله بالريح العاصفة التى حصبتهم بالحجارة، وبعضهم هلك بالصيحة المدوية المهلكة، وبعضهم خسف الله به الأرض، وبعضهم أغرقه الله فى اليم. ولم يكن هذا العذاب ظلماً من الله لهم، بل كان بسبب كفرهم وارتكابهم الذنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 41 - شأن المبطلين الموالين لغير الله فى الضعف والوهن والاعتماد على غير معتمد؛ كشأن العنكبوت فى اتخاذها بيتاً تحتمى به، وبيتها أوهى البيوت وأبعد عن الصلاحية للاحتماء، ولو كان هؤلاء المبطلون أهل علم وفطنة لما فعلوا ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 42 - إن الله - سبحانه - محيط علماً ببطلان عبادة الآلهة، وهو - سبحانه - الغالب على كل شئ الحكيم فى تدبيره وتشريعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 43 - وهذه العبر والأمثال يذكرها الله للناس للعظة والاعتبار، وما يعتبر بها إلا العقلاء الذين يتدبرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 44 - وبجانب ما ذكر الله من القصص والأمثال والآيات آية أوضح، هى خلق السموات والأرض بالقدرة والحكمة والتدبير الكامل لصالح الناس، وفى هذا دلائل صادقة لمن يؤمنون بالحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 45 - اقرأ - أيها النبى - كتاب الله، ولا تلتفت إليهم، وأد الصلاة على وجهها، لأن الصلاة مع الإخلاص من شأنها أن تصرف من يقيمها عن الذنوب وكل ما ينكره الشرع. ولتقوى الله ومراقبته فى الصلاة وغيرها أكبر أثراً وأعظم ثواباً. والله يعلم ما تفعلون من الخير والشر فيجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 46 - ولا تجادلوا مخالفيكم من اليهود والنصارى إلا بالطريقة التى هى أهدأ وألين وأدعى إلى القبول. إلا الذين جاوزوا حد الاعتدال فى الجدال فلا حرج فى مقابلتهم بالشدة، وقولوا لمن تجادلونهم: صدَّقنا بما أنزل الله إلينا من القرآن وما أنزل إليكم من التوراة والإنجيل، ومعبودنا ومعبودكم واحد، ونحن له - وحده - منقَادون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 47 - وكما أنزلنا الكتب على - من قبلك من الرسل - أنزلنا إليك القرآن، فالذين آتيناهم الكتاب قبل القرآن فتدبروه واهتدوا به يؤمنون بهذا القرآن. ومن هؤلاء العرب من يؤمن به، وما يُنكر آياتنا - بعد ظهورها وزوال الشبهة عنها - إلا المصِرُّون على الكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 48 - وما كنت تقرأ كتاباً من الكتب قبل القرآن، ولا كنت تكتب بيمينك، ولو كنت ممن يقرأ ويكتب لشك أهل الباطل فى أنه من عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 49 - ليس هذا الكتاب موْضع ارتياب، بل هو آيات واضحات محفوظة فى صدور الذين آتاهم الله العلم، وما يُنكر آياتنا - بعد العلم بها - إلا الظالمون للحق ولأنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 50 - وقال الكفار فى جدالهم ولجاجهم: هلا أُنزل عليه معجزات حسية كالتى نزلت على الرسل من قبل؟ . قل لهم: إنما المعجزات كلها من عند الله، ينزلها حين يشاء، وإنما أنا مكلف بالإنذار الواضح، لا الإتيان بما تقترحون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 51 - أيقترحون هذه الآيات ولا يكفيهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يُقرأ عليهم - وهو الآية الخالدة على مر الزمن - إنَّ فى إنزال هذا الكتاب عليكم لرحمة بهم وبالأجيال من بعدهم، وتذكرة دائمة نافعة لقوم شأنهم أن يؤمنوا إذا وضحت لهم سبل الهداية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 52 - قل: حسبى وحسبكم أن يكون الله شاهداً على أنَّى قد بلَّغتكم ما أُرسلت به إليكم، فهو مطلع على أمرى وأمركم، لا يخفى عليه شئ فى السموات والأرض. والذين عبدوا غير الله وكفروا بالله فلم يخصوه بالعبادة؛ أولئك هم الذين اشتروا الكفر بالإيمان فأصابهم الخسران المبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 53 - ويتحداك الكافرون أن تعجِّل لهم العذاب الذى حذرتهم منه، ولولا أجل معلوم قضت به حكمتنا لعجَّلنا لهم العذاب الذى استعجلوه، وأقسم ليأتينهم فجأة وهم لا يشعرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 54 - يطلبون إليك تعجيل العذاب وهو واقع بهم لا محالة. وإن جهنم لتحيط - يقيناً - بالكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 55 - يوم يغمرهم العذاب من أعلاهم ومن أسفلهم، ويقول الملك الموكل بعذابهم: ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون من السيئات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 56 - يا عبادى الذين صدَّقوا بى وبرسولى: إنّ أرضى واسعة لمن أراد أن يفر عن مواطن الشرك. ففروا إلى مخلصين لى العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 57 - كل نفس ستذوق طعم الموت - لا محالة - ثم إلينا تعودون فَتُجْزَوْن بما قدمتم من خير وشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 58 - ، 59 - والذين صدَّقوا بالله وكتبه ورسله، وعملوا الأعمال الصالحة، نقسم: لننزلنَّهم من دار النعيم غرفات تجرى من تحتها الأنهار، لا ينقطع عنهم نعيمها، نعم هذا الجزاء أجراً للعاملين الصابرين على كل ما يصيبهم فى سبيل الله من فراق الأوطان والأهل والأموال، المعتمدين على الله - وحده - فى جميع أحوالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 60 - وكثير من الدواب التى تعيش معكم فى الأرض لا تستطيع - لضعفها - أن تحمل رزقها وتنقله، لتأكله أو تدخره. الله يهيئ لها أسباب رزقها وحياتها، ويهيئ لكم أسباب رزقكم وحياتكم. وهو المحيط بكل ما خلق سمعاً وعلماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 61 - وأقسم إن سألت المشركين: من أوجد السموات والأرض، وذلل الشمس والقمر وأخضعهما لمنافع الناس؟ ليقولون: خلقهن الله، ولا يذكرون أحدا سواه، فكيف إذن ينصرفون عن توحيد الله - تعالى - مع إقرارهم بهذا كله؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 62 - الله يُوسِّع على مَن يشاء فى الرزق، ويُضيِّقُ على مَن يشاء حسبما يقتضيه علمه بالمصالح، فإن الله قد أحاط بكل شئ علما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 63 - وأقسم إن سألتهم: من نزَّل من السماء ماء فجعل منه حياة الأرض بالنبات بعد جدبها؟ ليقولن: الله. قل: الحمد لله على اعترافهم بالحق، بل أكثرهم لا يفهمون ما يقعون فيه من تناقض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 64 - وليست هذه الحياة الدنيا إلا متاعاً محدود الوقت، يلهو به الغافلون كما يلهو الصبيان ويلعبون وقتاً ما ثم ينفضون. وإن الدار الآخرة لهى دار الحياة الحقيقية الكاملة الدائمة، وهذه حقائق ثابتة يدركها هؤلاء لو كان من شأنهم الإدراك الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 65 - هم على ما وُصفوا به من شرك، فإذا ركبوا السفن فى البحر وأدركهم شئ من أهواله توجهوا إلى الله مخلصين له الدعاء أن يكشف عنهم الضر، فلما نجاهم إلى البر سارعوا بالعودة إلى الإشراك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 66 - لينكروا ما أعطيناهم من النعم، ولينتفعوا بما يرضى هواهم فى هذه الحياة، فسوف يعلمون عاقبة الكفر حين يشاهدون العذاب الأليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 67 - أَعَمِى كفار مكة عن نعم الله التى أسبغها عليهم، أَوَ لَمْ يروا أنا جعلنا بلدهم مصوناً لا يُنهب ولا يُسْلَب، مقدسا لا يُسْبَى أهله ولا يقع فيه قتل، ويُسْلَب الناس ويُسبون من حولهم؟ {أعموا عن هذه النعم. فَبمَ لا أصل له يصدقون، وبمحمد وبكل ما جاء به يكذبون؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 68 - وليس هناك أحد أشد ظلماً ممن نسب إلى الله ما لم يشرعه، أو كذَّب بالدين الحق حين بلغه، إن فى جهنم لمأوى لهؤلاء الظالمين الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 69 - والذين بذلوا جهدهم، واحتملوا المشقة فى نصرة ديننا، لنزيدنَّهم هداية إلى الخير والحق. وإن الله لمع الذين يحسنون أعمالهم، يعينهم وينصرهم. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 1 - بدأت السورة بهذه الآية لبيان أن القرآن مؤلف من هذه الحروف التى ينطق بها العرب فى سهولة ووضوح، ولكن المنكرين له عجزوا عن الإتيان بمثله. وهى - كذلك - تُنَبِّه الناس إلى الاستماع والإنصات. وتحملهم على التصديق برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 2 - ، 3 - غَلَبت فارس الروم فى أقرب الأرض من العرب، وهى أطراف الشام، وهم بعد انهزامهم سيغلبون فارس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 4 - ، 5 - قبل أن تمضى تسع سنوات - وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس، وقالوا للمسلمين: سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التى هى من أهل الكتاب - قد حقَّق الله وعده، فانتصر الروم على فارس فى الأجل الذى سمَّاه، فكان ذلك آية بينة على صدق محمد (فى دعواه وصحة ما جاء به، لله الأمر والقضاء من قبل كل شئ ومن بعد كل شئ، ويوم ينتصر الروم على فارس يفرح المؤمنون بنصر الله الذى يؤيد من يشاء، وهو الغالب على أعدائه، الرحيم بأوليائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 6 - وعد الله المؤمنين وعداً صادقاً - لا يخلف الله وعده - ولكن الجاحدين ليس من شأنهم العلم بالأمور على وجهها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 7 - يعلمون شئون ووسائل عمرانها والتمتع بزخارفها، وهم عن التزود للآخرة مسرفون فى الجهل والغفلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 8 - أَطُمِسَ على أعينهم وقلوبهم ولم يتفكروا فى أمر أنفسهم ليعرفوا مصيرهم؟ ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما من كواكب وغيرها إلا مقرونة بالجد، مصحوبة ومحدودة بوقت تنتهى عنده، وإن كثيراً من الناس بلقاء الله وقيام الساعة لجاحدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 9 - أَلَزِمُوا وطنهم ولم يسيروا فى أرجاء الأرض ليشاهدوا كيف كانت نهاية الذين كفروا من قبلهم؟ كانوا أشد من هؤلاء الكافرين الحاضرين قوة، وقلبوا وجه الأرض، ليستخرجوا ما فيها من مياه ومعادن وزروع، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها هؤلاء، وجاءتهم رسل الله بالمعجزات الواضحات فكفروا، فأخذهم الله - لأنه ما كان ليجزيهم من غير ذنب، ولا ليأخذهم قبل تذكيرهم وإمهالهم - ولكن كان هؤلاء لا يظلمون إلا أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 10 - ثم كانت نهاية الذين ارتكبوا أشد ألوان الإساءة أن جحدوا آيات الله، وكانوا يُحقِّرون من شأنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 11 - الله - سبحانه وتعالى - ينشئ خلق الناس ابتداء، ثم يُعيد خلقهم بعد موتهم، ثم إليه - وحده - يعودون للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 12 - ويوم تأتى القيامة ييأس الكافرون من الدفاع عن أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 13 - ولم يوجد لهم من الذين عبدوهم مع الله شفعاء، وكانوا فى الدنيا بسببهم كافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 14 - ويوم تقوم الساعة - يوم إذ تقوم - يذهب كل فريق إلى مصيره الأبدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 15 - فأما الذين آمنوا وقرنوا إيمانهم بالأعمال الصالحة؛ فهم فى جنة ذات أشجار وأزهار يسرون وينعمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 16 - وأمَّا الذين كفروا وأنكروا آياتنا ولقاء البعث والحساب؛ فأولئك فى العذاب مقيمون لا يغيبون عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 17 - فنزِّهوا الله عما لا يليق بجلاله وكماله واعبدوه حين تدخلون فى المساء وحين تدخلون فى الصباح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 18 - والله - وحده - هو الحقيق بالحمد والثناء والشكر من أهل السموات والأرض، فاحمدوه واعبدوه فى العشى، وحين تدخلون فى الظهيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 19 - يُخرج الكائن الحى من شئ لا حياة فيه، ويُخرج الشئ الذى لا حياة فيه من الكائن الحى، ويُحيى الأرض بالنبات بعد يبسها، ومثل هذا الإخراج يُخرجكم الله من قبوركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 20 - ومن الدلائل على كمال قدرته أن خلق أصلكم من تراب لا حياة فيه، ثم أنتم بشر تتفرقون فى الأرض للسعى فى تحصيل ما به بقاؤكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 21 - ومن دلائل رحمته أن خلق لكم - أيها الرجال - زوجات من جنسكم لتألفوهن، وجعل بينكم وبينهن مودة وتراحماً. إن فى ذلك لدلائل لقوم يفكرون فى صنع الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 22 - ومن الدلائل على كمال قدرته وحكمته خلق السموات والأرض على هذا النظام البديع، واختلاف ألسنتكم فى اللغات واللهجات، وتباين ألوانكم فى السواد والبياض وغيرهما. إن فى ذلك لدلائل ينتفع بها أهل العلم والفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 23 - ومن آياته الدالة على كمال قدرته أن هيأ لكم أسباب الراحة بمنامكم، ويسَّر لكم طلب الرزق ليلا ونهارا من فضله الواسع. إن فى ذلك لدلائل لقوم ينتفعون بما يسمعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 24 - ومن آياته أنه يريكم البرق من خلال السحب لتشعروا بالخوف من الصواعق، وتطمعوا فى المطر أن ينزل من السماء لتحيا به الأرض بعد أن يبست. إن فى ذلك لدلالات لقوم يتدبَّرون الأمور فيفهمونها على وجهها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 25 - ومن الدلائل على كمال قدرته وحكمته وسعة رحمته أن تقوم السماء والأرض بأمر الله على ما ترون من إحكام صنع ودقة تدبير، ثم إذا دعاكم للبعث تخرجون من القبور مسرعين مستجيبين لدعائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 26 - ولله - سبحانه وتعالى - كل من فى السموات والأرض خلْقاً وملكاً وخضوعاً، كلهم لله منقادون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 27 - والله - سبحانه - الذى يبدأ الخلق على غير مثال، ثم يعيده بعد الموت، وإعادته أهون عليه من ابتدائه بالنظر إلى مقاييسكم واعتقادكم أن إعادة الشئ أسهل من ابتدائه. ولله الوصف السابق العجيب الشأن فى القدرة الكاملة والحكمة التامة فى السموات والأرض، وهو الغالب فى ملكه الحكيم فى فعله وتقديره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 28 - بيَّن الله لكم مثلا مُنْتزعاً من أنفسكم وقد ضربه الله - عَزَّ وَجَلَّ - لمن جعل له شريكاً من خلقه: هل لكم من عبيدكم شركاء فيما ملّكناكم من الأموال وغيرها؟ فأنتم وهم مستوون فيها، تخافون هؤلاء العبيد فلا تتصرفون فى شئ مما تملكون دون إذنهم كما يخاف الأحرار بعضهم بعضاً، فإذا كنتم لا تعقلون هذا ولا تفعلونه، فكيف تجعلون بعض مملوكات الله شركاء له؟ مثل هذا التفصيل نبين الآيات لقوم يتدبرون فى ضرب الأمثال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 29 - بل اتبع الذين كفروا أهواءهم دون علم بعاقبة كفرهم، فلا أحد يهدى من أضل الله، وليس لهم من يشفع أو يدفع عنهم عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 30 - فسدد وجهك واتجه إلى الدين بعيداً عن ضلالتهم، والزم خلقة الله التى خلق الناس عليها، وهى أنهم قابلون للتوحيد غير منكرين له، وما ينبغى أن تغير هذه الخلقة. ذلك الخلق على التوحيد هو الدين المستقيم، ولكن المشركين لا يعلمون حقيقة ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 31 - كونوا راجعين إليه، وافعلوا ما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه، وحافظوا على الصلاة، ولا تكونوا من الذين عبدوا مع الله غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 32 - من الذين فرَّقوا دينهم فاختلفوا فيه، وصاروا فرقاً كل فرقة تشايع من تتبعه، كل فريق منهم بما عندهم مسرورون، يظنون أنهم على الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 33 - وإذا أصاب الناس ضر - من مرض أو شدة - التجأوا إلى الله ودعوه راجعين إليه، طالبين كشف الشدة عنهم، ثم إذا أذاقهم الله خلاصاً من الشدة ومنحهم من فضله سارع فريق منهم بربهم يشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 34 - لتكون عاقبة أمرهم أن يكفروا بما آتاهم الله من النعم، فتمتعوا - أيها الجاحدون - كما تشاءون، فسوف تعرفون عاقبتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 35 - أتركناهم فى ضلالهم ولم نسفه أحلامهم؟ بل أنزلنا عليهم بُرهانا فهو يشهد بالذى كانوا يشركونه مع الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 36 - وإذا أذقنا الناس نعمة فرحوا بها فرحاً يُبطرهم، وإن تصبهم شدة بسبب ما اقترفوا من ذنوب يسارع إليهم اليأس من الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 37 - أجهلوا ما يوصل إلى الإيمان، ولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء ويُضيق على من يشاء، بحسب ما تقتضيه حكمته؟ إن فى ذلك لدلائل واضحة لقوم يصدقون بالحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 38 - وإذا كان الله - تعالى - هو الذى يبسط الرزق ويقدره؛ فأعط القريب حقه من البر والصلة والمحتاج والمنقطع به الطريق حقهما من الزكاة والصدقة، ذلك خير للذين يريدون رضا الله ويطلبون ثوابه، وأولئك هم الفائزون بالنعيم المقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 39 - وما أعطيتم أكلة الربا من مال ليزيد لكم فى أموالهم فلا يَزْكو عند الله ولا يبارك فيه، وما أعطيتم من صدقة تبتغون بها وجه الله - بدون رياء ولا طمع فى مكافأة - فأولئك هم أصحاب الأضعاف من الحسنات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 40 - الله - سبحانه - الذى أوجدكم، ثم أعطاكم ما تعيشون به، ثم يميتكم ثم يبعثكم من قبوركم. هل هناك من الشركاء - الذين تزعمونهم فتعبدونهم من دون الله - من يفعل من الخلق والرزق والإماتة والإحياء شيئاً من تلك الأفعال؟ تنزه الله وتعالى عما يشركون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 41 - ظهر الحرق والقحط والآفات وكساد التجارة والغرق بسبب ما فعله الناس من جرائم وآثام، ليعاقب الله الناس فى الدنيا ببعض أعمالهم لعلهم يرجعون عن المعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 42 - قل - يا أيها النبى - للمشركين: سيروا فى نواحى الأرض، فانظروا كيف كانت نهاية الذين مضوا قبلكم، فسترون أن الله أهلكهم وخرَّب ديارهم، لأن أكثرهم كانوا مشركين مثلكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 43 - فأخلص عبادتك للإله الواحد ليصح إسلامك ولا تكونن من المشركين، من قبل أن يأتى يوم لا يستطيع أحد أن يرده من الله، يومئذٍ يتفرق الناس وتختلف حالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 44 - من كفر بالله فعليه وبال كفره، ومن آمن وعمل صالحاً فلأنفسهم - وحدها - يسوون طريق النعيم المقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 45 - لأن الله يجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات على ما قدَّموا ويزيد جزاءهم تفضلا منه، لأنه يحبهم، ويُبغض الذين كفروا به وأنكروا نعمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 46 - ومن الدلائل على قدرة الله ورحمته أنه يبعث الرياح مبشرات بالمطر الذى يكون لكم رِياً وسقيا، وليهبكم من فيض إحسانه المنافع التى نشأت من المطر، ولتجرى السفن فى الماء بأمر الله وقدرته، ولتطلبوا الرزق من فضله بالتجارة واستغلال ما فى البر والبحر، ولتشكروا لله نعمه بطاعتكم له وعبادتكم إيَّاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 47 - ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم، فجاء كل رسول قومه بالحُجج الواضحة الدالة على صدقه فكذَّبه قومه، فأهلكنا الذين أذنبوا وعصوا. وقد أوجب الله على نفسه أن ينصر عباده المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 48 - الله - سبحانه وتعالى - الذى يُرسل الرياح فتحرك بقوة دفعها السحاب، فيبسطه الله فى السماء كيف يشاء هنا وهناك فى قلة أو كثرة، ويجعله قطعاً، فترى المطر يخرج من بين السحاب، فإذا أنزل الله المطر على من يشاء من عباده يسارعون إلى البِشْر والفرح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 49 - وإنهم كانوا قبل أن ينزل بهم المطر لفى يأس وحيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 50 - فانظر نظر تفكر وتدبر إلى آثار المطر، كيف يحيى الله الأرض بالنبات بعد أن كانت هامدة كالميت، إن الذى قَدِر على إحياء الأرض بعد موتها لقادر على إحياء الموتى من الناس، وهو تام القدرة لا يعجزه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 51 - وأقسم: لئن أرسلنا ريحاً مضرة بالنبات فرأوه مصفراً بسببها، لصاروا من بعد اصفراره يجحدون النعمة ويكفرون بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 52 - فلا تحزن من عنادهم وعدم استجابتهم لك، فأنت لا تستطيع أن تُسمع الموتى دعاءك، ولا أن تُسمع الصم نداءك، إذا زادوا على صممهم بأن فروا عنك معرضين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 53 - وهؤلاء كالعمى لإغلاقهم قلوبهم عن الاستجابة للهدى، وأنت لا تستطيع هداية من فقدوا البصر والبصيرة وتحول بينهم وبين كفرهم، وإنما تسمع سماع فهم وقبول من تهيأت قلوبهم لتلقى الإيمان. فهؤلاء ينقادون للحق متى ظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 54 - الله الذى خلقكم من نطفة فنشأتم ضعافا، ثم جعل لكم من بعد هذا الضعف قوة بنموكم وبلوغكم حد الرشد، ثم جعل لكم من بعد هذه القوة ضعف الشيخوخة والشيب، يخلق ما يشاء وهو العليم بتدبير خلقه القدير على إيجاد ما يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 55 - ويوم تقوم الساعة يحلف الكافرون أنهم ما لبثوا فى الدنيا أو فى قبورهم غير ساعة، ومثل ذلك التصرف كانت تصرفهم الشياطين فى الدنيا عن الحق إلى الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 56 - وقال الذين آتاهم الله العلم من الأنبياء والملائكة والمؤمنين: لقد لبثتم فى حكم الله وقضائه إلى يوم البعث. فهذا يوم البعث الذى أنكرتموه، ولكنكم كنتم فى الدنيا لا تعلمون أنه حق، لجهالتكم وإعراضكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 57 - فيومئذ يبعث الناس لا ينفع الذين كفروا اعتذارهم عن إنكارهم وتكذيبهم لرسلهم، ولا يطلب منهم أحد أن يفعلوا ما يرضى الله لهوانهم عنده وطردهم من رحمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 58 - ولقد بيَّنا لهداية الناس فى هذا القرآن كل مثل يرشدهم إلى طريق الهدى، ولئن أتيتهم بآية معجزة ليقولن الذين كفروا - من فرط عنادهم وقسوة قلوبهم -: ما أنت وأتباعك إلا مبطلون فى دعواكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 59 - ومثل ذلك يكون الطبع على قلوب هؤلاء الذين لا يعلمون التوحيد من الجاهلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 60 - فاصبر - أيها النبى - على أذاهم، إن وعد الله بنصرك على أعدائك وإظهار الإسلام على كل دين حق لا يتخلف أبداً، ولا يحملنك على القلق وعدم الصبر الذين لا يؤمنون بالله ورسوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 1 - الم: هذه حروف ابتدأ الله بها بعض السور، ليشير بها إلى إعجاز القرآن المؤلف من حروف كالحروف التى يؤلف منها العرب كلامهم، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله، ولينبِّه إلى الاستماع والإنصات، وكان المشركون قد اتفقوا على أن يَلْغوا فيه ولا يسمعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 2 - هذه الآيات العظيمة آيات القرآن المشتمل على الحكمة والصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 3 - هذه الآيات هداية كاملة ورحمة شاملة لمن يحسنون العمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 4 - هم الذين يؤدون الصلاة على أكمل وجه، ويعطون الزكاة لمستحقيها، وهم بالحياة الآخرة يؤمنون أقوى الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 5 - أولئك المؤمنون المحسنون فى أعمالهم متمكنون من الهدى الذى جاءهم من ربهم، وأولئك هم - دون غيرهم - الفائزون حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 6 - ومن الناس من يشترى باطل الحديث ويقصُّه على الناس، ليصدَّهم عن الإسلام والقرآن جهلا منه بما عليه من إثم، ويتخذ دين الله ووحيه سخرية. الذين يفعلون ذلك لهم عذاب يهينهم ويذلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 7 - وإذا تتلى على هذا الضال آيات الله البينات أعرض عنها متكبراً، وحاله فى ذلك حال من لم يسمع، كأن فى أذنيه صمما، فأنذره بأن الله أعد له عذاباً شديدا الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 8 - إن الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الطيبة الصالحة لهم جنات النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 9 - يبقون فيها على وجه الخلود: وعدهم الله وعْداً لا يتخلف، والله الغالب على كل شئ. الحكيم فى أقواله وأفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 10 - خلق الله السموات من غير عُمُد مرئية لكم، وجعل فى الأرض جبالا ثوابت، لئلا تضطرب بكم، ونشر فيها من كل الحيوانات التى تدب وتتحرك، وأنزلنا من السماء ماء، فأنبتنا به فى الأرض من كل صنف حسن كثير المنافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 11 - هذا مخلوق الله أمامكم، فأرونى ماذا خلق الذين تجعلونهم آلهة من دونه حتى يكونوا شركاء له؟ بل الظالمون - بإشراكهم - فى ضلال واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 12 - ولقد أعطينا لقمان الحكم والعلم والإصابة فى القول، وقلنا له: اشكر الله على ما أعطاك من النعم. ومن يشكر فإنما يبتغى الخير لنفسه، ومن كفر النعم ولم يشكرها فإن الله غير محتاج إلى شكره، وهو مستحق للحمد وإن لم يحمده أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 13 - واذكر إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بنى، لا تشرك بالله أحداً، إن الشرك بالله لظلم عظيم يسوى بين الله المستحق للعبادة وحده، وبين من لا يستحقونها من الأوثان وغيرها من المبعودات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 14 - وأمرنا الإنسان أن يبرّ والديه ويجعل أمه أوفر نصيباً، حملته فيتزايد ضعفها ويعظم شيئاً فشيئاً، وفطامه فى عامين، ووصيناه أن اشكر لله ولوالديك، إليه المرجع للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 15 - وإِنْ حملك والداك - بجهد - على أن تشرك بالله ما لا تعلم أنه يستحق فلا تطعهما، وصاحبهما فى الدنيا بالبر والصلة والإحسان، واتبع طريق من رجع إلىَّ بالتوحيد والإخلاص، ثم إلىَّ مرجعكم جميعاً، فأخبركم بما كنتم تعملون من خير وشر لأجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 16 - يا بنى: إن الحسنة أو السيئة للإنسان إن تكن - مثلا - فى الصغر كحبة الخردل، فتكن فى أخفى مكان كقلب صخرة أو فى السموات أو فى الأرض يظهرها الله ويحاسب عليها، إن الله لطيف لا تخفى عليه دقائق الأشياء، خبير يعلم حقائق الأشياء كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 17 - يا بنى: حافظ على الصلاة، وأمر بكل حسن، وانْه عن كل قبيح، واحتمل ما أصابك من الشدائد، إن ما أوصى الله به هو من الأمور التى ينبغى الحرص عليها والتمسك بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 18 - ولا تُمِلْ خدك للناس تكبراً، ولا تمش فى الأرض مُعجباً بنفسك، إن الله لا يحب كل مختال يعدد مناقبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 19 - وتوسط فى مشيك بين السرعة والبطء، واخفض من صوتك، لأن أقبح ما يستنكر من الأصوات هو صوت الحمير، أوله زفير مما يكره، وآخره شهيق مما يستقبح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 20 - قد رأيتم أن الله ذلَّل لكم ما فى السموات من الشمس والقمر والنجوم وغيرها، وما فى الأرض من الأنهار والثمار والدواب، وأتم عليكم نعمه ظاهرة لكم ومستورة عنكم، ومن الناس من يُجادل فى ذات الله وصفاته بلا دليل ولا رشاد مأثور عن نبى ولا وحى يضئ طريق الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 21 - وإذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله من الحق والهدى، قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم إلى ضلال يدخلهم عذاب السعير؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 22 - ومن يتجه إلى الله بقلبه ووجهه ويفوض إليه جميع أمره - وهو محسن فى عمله - فقد تعلق بأقوى الأسباب التى توصله إلى رضا الله، وإليه - سبحانه - مصير الأمور كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 23 - ومن لم يجعل ذاته ونفسه خالصة لله فلا يحزنك جحوده وإعراضه، إلينا - وحدنا - مرجع هؤلاء يوم القيامة، فنعرض عليهم أعمالهم. لأننا نحيط علماً بدخائل النفوس فكيف بظواهر الأعمال؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 24 - نمتعهم زمناً قليلا فى دنياهم، ثم نلجئهم إلى عذاب شديد لا يحتمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 25 - وأقسم لك - أيها النبى - إن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن: هو الله، قل: الحمد لله الذى أوجد من دلائل وحدانيته ما يهدم ما هم عليه من إشراك غيره معه فى العبادة. ولكن أكثرهم لا يعلمون أنهم بإقرارهم هذا قد أقاموا الحُجة على أنفسهم بفساد عقيدتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 26 - لله ما فى السموات والأرض خلقاً واقتداراً وتدبيراً، فكيف يتركون عبادته؟ وإن الله - سبحانه - هو الغنى عن خلقه وعن عبادتهم له. المحمود بذاته. الجدير بالثناء عليه من عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 27 - ولو تحولت كل أشجار الأرض أقلاماً وصارت مياه البحر الكثيرة مِداداً تكتب به كلمات الله لفنيت الأقلام ونفد المداد قبل أن تنفد كلمات الله. لأن الله عزيز لا يعجزه شئ. حكيم لا يخرج من علمه وحكمته شئ، فلا تنفد كلماته وحكمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 28 - ما خلقكم ابتداء ولا بعثكم بعد الموت أمام قدرة الله إلا كخلق نفس واحدة أو بعثها. إن الله سميع لقول المشركين: لا بعث. بصير بأعمالهم فيجازيهم عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 29 - ألم تنظر - أيها المكلف - نظر اعتبار أن الله ينقص من زمن الليل بقدر ما يزيد من النهار، وينقص من زمن النهار بقدر ما يزيد فى زمن الليل، وذَلَّل الشمس والقمر لمصالحكم، وأخضعهما لنظام بديع، فيجرى كل منهما فى فلك معين لا يحيد عنه، ويستمر كذلك إلى يوم القيامة، وأنه - سبحانه - خبير بكل ما تعملون ومجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 30 - ذلك المذكور من عجائب صنع الله وقدرته بسبب أن صانعه هو الإله الثابت الألوهية، الجدير - وحده - بالعبادة، وإن الآلهة التى تعبدونها من دونه باطلة الألوهية، وإن الله - وحده - هو العلى الشأن، الكبير السلطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 31 - ألم تنظر - أيها الإنسان - إلى الفلك تجرى فى البحر برحمة الله حاملة على ظهرها ما ينفعكم، ليظهر لكم بذلك بعض عجائب صنعه، ودلائل قدرته. إن فى ذلك لآيات لكل صبَّار على بلائه. شكور لنعمائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 32 - هؤلاء الجاحدون بالله إذا ركبوا فى السفن واضطرب بهم البحر وارتفعت أمواجه حتى بدت كأنها تظللهم، وظنوا أنهم غارقون - لا محالة - لجأوا إلى الله يدعونه فى إخلاص وخضوع أن ينجيهم، فلما نجَّاهم إلى البر كان منهم قليل تذكَّر عهده، واعتدل فى عمله، ومنهم كثير نسى فضل ربه، وظل على جحوده به، ولا ينكر فضل ربه عليه وإحسانه إليه إلا كل إنسان شديد الغدر، مسرف فى الكفر بربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 33 - يا أيها الناس: افعلوا ما أمركم ربكم به، واتركوا ما نهاكم عنه، واحذروا عذابه يوم القيامة، يوم لا يغنى والد فيه عن ولده شيئاً، ولا مولود هو مغن عن والده شيئاً، إن هذا اليوم وعد الله به، ووعده حق لا يتخلف، فلا تلهينكم زخارف الدنيا وزينتها عن الاستعداد له، ولا تخْدَعنَّكُم وساوس الشيطان، فتصرفكم عن الله وطاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 34 - إن الله يثبت عنده علم الساعة فلا يعلمها أحد سواه، وينزل المطر فى موعده الذى ضربه له، ويعلم ما فى الأرحام، أى يعلم مصير هذا الخارج من الأرحام إلى الدنيا بين الشقاء والسعادة، وبين التوفيق والخذلان، وبين مقدار إقامته فى الدنيا وخروجه منها. وما تعلم نفس بارة أو فاجرة ما تكسبه فى غدها من خير أو شر، وما تعلم نفس ببقعة الأرض التى فيها ينقضى أجلها، لأن الله تام العلم والخبرة لكل شئ، ولا يظهر على غيبه أحداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 1 - ا. ل. م: حروف صيغ منها القرآن، كما صيغ منها كلامكم، فإذا عجزتم عن الإتيان بمثله كان عجزكم دليلا على أنه من عند الله، ولم يقله بشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 2 - تنزيل القرآن من الله رب العالمين ومدبر أمورهم، لا شك فى كونه منزلاً منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 3 - بل يقولون: اختلقه محمد، ونسبه لله. ما كان لهم أن يقولوا هذا، بل هو الحق المنزل عليك من ربك لتخوف به قوماً لم يأتهم من رسول من قبلك، ترجو بذلك الإنذار هدايتهم وإذعانهم للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 4 - الله الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام، ثم استوى على العرش استواء يليق به، ما لكم من دون الله ناصر ينصركم، ولا شفيع لكم، أتتمادون فى الكفر والعناد فلا تتعظون بمواعظ الله؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 5 - يُدبِّر شئون الخلق من السماء إلى الأرض، ثم يصعد إليه أمرها فى يوم مُقدر بألف سنة من سنى الدنيا التى تعدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 6 - ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير عالِمٌ ما غاب عن الخلق وما شاهدوه، الغالب أمره، الواسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 7 - الذى أتقن كل شئ خلقه بحسب ما تقتضيه حكمته، وبدأ خلق الإنسان الأول من طين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 8 - ثم جعل ذريته - بعد ذلك - متخلقة من ماء قليل ضعيف لا يُؤْبَه له فى العادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 9 - ثم قوَّمه ووضع فيه من سره الذى اختص به، وجعل لكم السمع والأبصار والعقول لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا، ما تشكرون إلا شكراً قليلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 10 - وقال المنكرون للبعث: أئذا صرنا تراباً مختلطاً بتراب الأرض لا يتميز عنه، أئنا لنعود فى خلق جديد؟! ، إنهم لا ينكرون البعث - وحده - بل هم بجميع ما يكون فى الآخرة مكذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 11 - قل: يتوفاكم ملك الموت الموكل بقبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم، ثم إلى الله - وحده - تعودون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 12 - ولو أتيح لك أن ترى المجرمين فى موقف الحساب، لرأيت عجباً، إذ المجرمون المستكبرون منكسو الرءوس خزياً من ربهم، يقولون فى ذلة: ربنا أبصرنا ما كنا نتعامى عنه، وسمعنا ما كنا نتصامم عنه، فارجعنا إلى الدنيا نعمل صالحاً غير الذى كنا نعمله، إنا موقنون - الآن بالحق الذى جاء به رسلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 13 - ولو شئنا لأعطينا كل نفس هُداها، ولكن سبق القول منى لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين، لعلمنا أن أكثرهم سيختارون الضلالة دون الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 14 - فذوقوا العذاب بما غفلتم عن لقاء يومكم هذا، إنا تركناكم فى العذاب كالمنسيين، وذوقوا العذاب الدائم الذى لا انقطاع له بسبب كفركم ومعاصيكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 15 - إنما يُصَدِّق بآياتنا الذين إذا وعظوا بها خروا لله ساجدين، ونزَّهوا ربهم عن كل نقص، مثنين عليه بكل كمال، وهم لا يستكبرون عن الانقياد لهذه الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 16 - تتنحى جنوبهم عن مضاجعها. يدعون ربهم خوفاً من سخطه، وطمعاً فى رحمته، ومن المال الذى رزقناهم به ينفقون فى وجوه الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 17 - فلا تعلم نفس مقدار ما أعده الله وأخفاه لهؤلاء من النعيم العظيم، الذى تقر به عيونهم، جزاء بما كانوا يكسبون من الطاعة والأعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 18 - أيستوى الناس فى جزائهم وقد اختلفوا فى أعمالهم؟ أفمن كان مؤمناً بالله كمن كان كافراً به عاصياً له؟ لا يستوون! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 19 - أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى التى فيها مساكنهم، كرامة لهم بما كانوا يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 20 - وأما الذين خرجوا عن طاعة الله بكفرهم فمقامهم الذى أُعِدَّ لهم النار، كلما حاولوا الخروج منها أعيدوا فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار الذى كنتم فى الدنيا تصرون على التكذيب به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 21 - ونُقْسم: لنذيقنهم فى الدنيا عذاب الخذلان قبل أن يصلوا إلى العذاب الأكبر، وهو الخلود فى النار، لعل المعذبين بالعذاب الأدنى يتوبون عن الكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 22 - ولا أحد أشد ظلماً للحق ولنفسه من إنسان ذُكِّرَ بآيات الله وحججه البينات ثم انصرف عن الإيمان بها مع وضوحها، إننا من كل مجرم سننتقم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 23 - ولقد آتينا موسى التوراة فلا تكن فى شك من لقاء موسى للكتاب، وجعلنا الكتاب المنزل على موسى هادياً لبنى إسرائيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 24 - وجعلنا من بنى إسرائيل أئمة فى الدين يقومون بهداية الناس، استجابة لأمرنا حين صبروا على العمل بما فى التوراة، وكانوا بآياتنا يصدقون أقوى التصديق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 25 - إن ربك هو - وحده - يقضى بين الأنبياء وأممهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 26 - أتركَ الله المكذبين لرسلهم ولم يبين لهم أنه أهلك كثيراً من الأمم التى سبقتهم، وهم يمرون بديارهم، ويمشون فى مساكنهم؟ إن فى ذلك لعظات تبصرهم بالحق، أصمُّوا فلا يسمعون هذه العظات؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 27 - أعَموا ولم يروا أنا نجرى المطر والأنهار إلى الأرض التى قطع نباتها فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم، ويأكلون حبه وثمره؟ أعموا فلا يبصرون دلائل قدرة الله على إحياء الموتى؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 28 - ويقول المشركون لك وللمؤمنين: فى أى وقت يفتح الله عليكم بالنصر، أخبرونا بموعده إن كنتم صادقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 29 - قل لهم: يوم القضاء والفصل إذا حل بكم لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، ولا هم يمهلون لحظة عن العذاب الذى يستحقونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 30 - وإذا كان هذا الاستهزاء دأبهم فأعرض عنهم، وانتظر صدق ما وعدك ربك فيهم إنهم ينتظرون الغلبة عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 1 - يا أيها النبى: استمر على ما أنت عليه من تقوى الله، ولا تقبل رأيا من الكافرين والمنافقين، إن الله محيط علما بكل شئ، حكيم فى أقواله وأفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 2 - واتبع الوحى الذى ينزل عليك من ربك، إن الله الذى يوحى إليك خبير بدقائق ما تعمل - أنت - ويعمل الكافرون والمنافقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 3 - وفوض جميع أمورك إلى الله، وكفى بالله حافظاً موكولاً إليه كل أمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 4 - ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه، وما جعل زوجة أحدكم حين يقول لها: أنت علىَّ كظهر أمِّى أُمَّا له، وما جعل الأولاد الذين تتبنوهم أبناء لكم يأخذون حكم الأبناء من النسب. ذلكم - أى جعْلِكُم الأدعياء أبناء - قول يصدر من أفواهكم لا حقيقة له، فلا حكم يترتب عليه، والله يقول الأمر الثابت المحقق، ويرشدكم إليه، وهو - وحده سبحانه - يهدى الناس إلى طريق الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 5 - انْسِبُوا هؤلاء الأولاد لآبائهم الحقيقيين هو أعدل عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم المنتسبين بحق إليهم فهم إخوانكم فى الدين ونصراؤكم، ولا إثم عليكم حين تنسبونهم إلى غير آبائهم خطأ، ولكن الإثم فيما تقصده قلوبكم بعد أن تبيَّن لكم الأمر. والله يغفر لكم خطأكم، ويقبل توبة متعمدكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 6 - النبى - محمد - أحق ولاية بالمؤمنين، وأرحم بهم من نفوسهم، فعليهم أن يحبوه ويطيعوه، وأزواجه أمهاتهم فى التوقير وحرمة التزوج بهن بعده، وذوو القرابات أولى من المؤمنين والمهاجرين بأن يتوارثوا فيما بينهم فرضا فى القرآن. لكن يجوز أن تقدموا إلى مَنْ وَاليتم فى الدين من غير الأقارب معروفاً، فتعطوه - براً وعطفاً عليه - أو توصوا له بجزء من مالكم. كان ذلك التوارث بالأرحام فى الكتاب مقررا لا يعتريه تبديل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 7 - واذكر حين أخذنا من النبيين السابقين ميثاقهم - بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم - ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم عهدا عظيم الشأن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 8 - ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء عمَّا قالوه لقومهم، وأعد للكافرين بالرسل عذاباً أليما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 9 - يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله وفضله عليكم حين جاءتكم الأحزاب يوم الخندق فأرسلنا عليهم ريحا عاصفة باردة وملائكة لم تروها نشرت الرعب فى قلوبهم، وكان الله بصيرا بأعمالكم وصِدْق نياتكم، فتولى الدفاع عنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 10 - حين جاءوكم من أعلى الوادى ومن أسفله، حين مالت الأبصار عن مستوى نظرها، وارتفعت القلوب إلى منتهى الحلقوم فزعاً واضطراباً، وأنتم فى ذلك الوقت العصيب تذهب بكم الظنون فى وعد الله كل مذهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 11 - فى ذلك الوقت امتحن المؤمنون بالصبر على الإيمان، واضطربوا بالخوف اضطراباً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 12 - واذكر ما حدث من المنافقين ومرضى القلوب بالريب حين يقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا وعداً باطلاً قصد به التغرير بنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 13 - واذكر حين قالت طائفة من المنافقين وضعاف العزائم: يا أهل المدينة، لا وجه لبقائكم هنا فى معركة خاسرة، فارجعوا إلى منازلكم. ويستأذن فريق منهم الرسول فى الرجوع إلى المدينة، ويقولون إن بيوتنا غير محصنة، ولا بد لنا من الرجوع لحراستها، وما كانت بيوتهم معرضة كما يقولون، وما يريدون إلا الفرار من المعركة بهذا العذر الكاذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 14 - ولو دخلت الأحزاب عليهم المدينة من كل جوانبها، ثم طلب منهم أن يعلنوا رجوعهم عن الإسلام ويقاتلوا المسلمين لاستجابوا لما طلب منهم، وما انتظروا فى ذلك إلا وقتاً قصيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 15 - ولقد كان هؤلاء الفارون من ميدان القتال عاهدوا الله - من قبل هذه الغزوة - أن يثبتوا فى القتال مع الرسول ولا يفروا. وكان عهد الله مسئولا عن صاحبه، يجب عليه الوفاء به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 16 - قل لهم: لن ينفعكم الهرب إن هربتم من الموت أو القتل وقد حضر أجلكم، وإذا لم يحضر وبقيتم لا تُمَتَّعُون فى الدنيا إلا مدة أعماركم، وهى قليلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 17 - قل لهؤلاء المترددين: من ذا الذى يجيركم من الله إن أراد بكم شرا، أو يمنع الخير عنكم إن أراد بكم رحمة؟ ولا يجدون لهم من دون الله مجيراً ولا مغيثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 18 - إن الله يعلم المثبطين منكم والذين يقولون لإخوانهم: انضموا إلينا، ولا يأتون شدة الحرب إلا إتياناً قليلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 19 - حُرَصاء عليكم فى الظاهر حيث لا خوف، فإذا جاء الخوف من قبل العدو أو من قبل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم حائرة، كحال المغشى عليه من سكرات الموت، فإذا ذهب الخوف بالغوا فى ذمكم وشتمكم بألسنة قاطعة، بخلاء بكل خير. أولئك لم يؤمنوا بقلوبهم وإن أعلنوا إسلامهم فأبطل الله أعمالهم بإضمارهم الكفر، وكان ذلك الإحباط أمرا هينا على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 20 - يظن هؤلاء المنافقون أن جيوش الكفار المتحزبة لا تزال مكانها تحاصر المدينة، وإن يأت الأحزاب كرة أخرى يَتَمَنَّ الجبناء أن لو كانوا يعيشون مع الأعراب فى البوادى يتسقطون أخباركم، ولو ظل هؤلاء فى معسكرهم ولم يفروا والتحم الجيشان ما قاتلوا معكم إلا قليلا للرياء والسمعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 21 - لقد كان لكم فى رسول الله قدوة حسنة لمن كان يرجو رحمة الله ونعيم اليوم الآخر، وذكر الله كثيراً فى الخوف والرجاء والشدة والرخاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 22 - ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب المشركين قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله من قبل، فقد وعدنا بالشدائد ثم النصر، وصدق الله ورسوله، وما زادتهم هذه الشدائد إلا قوة إيمان بالله وحسن تسليم لقضائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 23 - من هؤلاء المؤمنين رجال عاهدوا الله على الثبات فى القتال مع الرسول فوفوا بما عاهدوا، فمنهم من نال شرف الاستشهاد، ومنهم من بقى حيا ينتظر أن ينال هذا الشرف، وما بدلوا عهد الله الذى قطعوه على أنفسهم، ولا غيروا شيئاً منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 24 - ليجزى الله المؤمنين الصادقين بصدقهم فى إيمانهم ووفائهم بعهدهم، ويعذب المنافقين - إن شاء - أو يوفق المستعد منهم إلى التوبة، إن الله كان غفوراً بقبول التوبة. رحيما بالعفو عن المعصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 25 - وردَّ الله الكفار المتحزبين على الرسول ممتلئة قلوبهم بالغيظ لم ينالوا خيرا من نصر أو غنيمة، وكفى الله المؤمنين مشقة قتالهم بما سلطه عليهم من الريح والملائكة، وكان الله قويا على تنفيذ ما يريد، عزيزا لا يغلبه غالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 26 - وأنزل الله الذين عاونوا الأحزاب من أهل الكتاب - وهم يهود بنى قريظة - من قلاعهم التى يتحصنون بها، وألقى فى قلوبهم الرعب. فريقاً تقتلون - وهم الرجال - وتأسرون فريقا آخر وهو النساء والذرارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 27 - وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطأها أقدامكم من قبل، وكان الله - سبحانه - قديراً على تنفيذ كل شئ يريد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 28 - يا أيها النبى: قل لأزواجك - ناصحاً لهن -: إن كنتن تردن الحياة الدنيا ومتعتها فأقبلن أدفع إليكن ما يُخفف وحشة الطلاق، فيكون متعة لَكُنَّ، وأطلقكن طلاقاً لا إساءة معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 29 - وإن كنتن تؤثرن حب الله ورسوله ونعيم الدار الآخرة، وترضين بما أنتُنَّ فيه من خشونة عيش، فإن الله أعد لأمثالكن من المحسنات فى أعمالهن أجرا لا يقدر قدره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 30 - يا نساء النبى: من يفعل منكن خطيئة ظاهرة فى قبحها يضم إلى عذابها عذابان، حتى تكون ثلاثة بالقياس إلى عذاب غيرها، وكان ذلك التضعيف على الله هينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 31 - ومن يدم منكن على الخضوع لله ورسوله، وتعمل صالحاً يعطها الله أجرها مرتين، وأعددنا لها فى الآخرة رزقاً جليل القدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 32 - يا نساء النبى: لستن فى الفضل والشرف كأحد من النساء، إن أردتن التقوى فلا تتحدثن بكلام فيه طراوة وتكسر، فيطمع فيكن من فى قلبه فساد، وليكن قولكن قولا متعارفاً غير متكلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 33 - والْزَمْنَ بيوتكن لا تخرجن إلا لحاجة شرع الله الخروج لقضائها، ولا تُظْهرن محاسنكن وزينتكن للرجال إذا خرجتن. كما كانت تفعل أهل الجهالة الأولى، وأدين الصلاة كاملة، وأعطين الزكاة، وامتثلن أمر الله ورسوله. إنما يريد الله - بكل ما يأمركن به وينهاكن عنه - الشرف والكرامة. ليذهب عنكم الإثم والمعصية - يا أهل بيت النبى - ويطهركم تطهيرا لا يخالطه شبهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 34 - واحفظن ما يقرأ فى بيوتكن من آيات القرآن التى أنزلها الله، وما ينطق به رسول الله من الحكم السديد. إن الله كان عالما بغوامض الأشياء وحقائقها، فاحذرن مخالفته ومعصية رسوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 35 - إن المنقادين من الرجال والنساء، والمصدقين بالله ورسوله والمصدقات، والقائمين بالطاعة والقائمات، والصادقين فى أقوالهم وأعمالهم ونياتهم والصادقات، والصابرين على تحمل المشاق فى سبيل الله والصابرات، والمتواضعين لله والمتواضعات، والمتصدقين من مالهم على المحتاجين والمتصدقات، والصائمين الفرض والنفل والصائمات، والحافظين فروجهم عما لا يحل والحافظات، والذاكرين الله كثيرا بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات. أعد الله لهم غفراناً لذنوبهم وثوابا عظيما على أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 36 - وما ساغ لمؤمن ولا لمؤمنة إذا حكم الله ورسوله فى أمر من الأمور أن يكون له خيار فيه بعد أن حكم الله ورسوله، ومن يخالف ما حكم به الله ورسوله فقد بَعُد عن طريق الصواب بُعْداً ظاهراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 37 - واذكر إذ تقول لزيد بن حارثة الذى أنعم الله عليه بهداية الإسلام، وأنعمت عليه بالتربية والعتق، أمسك عليك زوجك - زينب بنت جحش - واتق الله فيها، واصبر على معاشرتها، وتخفى فى نفسك ما الله مظهره من أنه سيطلقها وأنك ستتزوجها، وتخاف أن يُعيِّرك الناس، والله هو الجدير بأن تخافه، ولو كان فى ذلك مشقة عليك. فلما قضى زيد منها حاجته وطلقها تخلصاً من ضيق الحياة معها زوجناكها. لتكون قدوة فى إبطال هذه العادة المرذولة، ولا يتحرج المسلمين بعد ذلك من التزوج بزوجات من كانوا يتبنونهم بعد طلاقهن. وكان أمر الله الذى يريده واقعاً لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 38 - ما كان على النبى من إثم فى عمل أمره الله به، سن الله سنته مع الأنبياء من قبل الا يحظر عليهم ما أباح لهم ووسع عليهم، وكان أمر الله قضاء مقضيا وحكماً مثبوتاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 39 - الذين يُبلِّغون إلى الناس رسالات الله كما أنزلها، ويخافونه ولا يخافون أحدا سواه، وكفى أن يكون الله هو الرقيب المحاسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 40 - ما كان محمد أبا أحد من رجالكم حتى يحرم عليه التزوج من مطلقته، ولكن رسول الله وخاتم النبيين، عليه أن يؤدى رسالته كما أمره ربه من غير خشية أحد، وكان الله بكل شئ محيطا علمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 41 - ، 42 - يا أيها الذين آمنوا: اثنوا على الله بضروب الثناء وأكثروا من ذلك، ونزّهوه عن كل ما لا يليق به أول النهار وآخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 43 - وهو الذى يتعهدكم برحمته ولطفه، وملائكته تطلب المغفرة والهداية لكم، ليخرجكم الله بذلك من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والطاعة، وكان الله بالمؤمنين عظيم الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 44 - تحيتهم من الله يوم يلقونه أمن وسلام لهم، وهيَّأ لهم على أعمالهم أجراً سخيا يشعرهم بفضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 45 - يا أيها النبى: إنا بعثناك إلى الناس برسالة الإسلام تشهد بالحق، وتبشر المؤمنين بما يكون لهم من خير وثواب، وتنذر الكافرين بسوء المصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 46 - وداعيا الخلق إلى الله بأمره، وسراجا يهدى بنوره الحاضرين فى ظلمات الشك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 47 - وبشر المؤمنين بأن لهم مزيدا كبيرا من الخير فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 48 - ولا تطع الكافرين والمنافقين ولا تعبأ بأذاهم، واجعل الله وكيلك يدفع عنك ضرهم وشرهم وحسبك الله وكيلا يكفيك ويغنيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 49 - يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم على المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تدخلوا بهن، فليس لكم عليهن عدة تستوفون عددها، فأعطوهن شيئا من المال جبرا لخاطرهن، وأخرجوهن من بيوتكم من غير إضرار بهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 50 - يا أيها النبى: إنا أبحنا لك أزواجك اللاتى أعطيتهن مهورهن، وأبحنا لك ما ملكت يمينك من الإماء مما أنعم الله به عليك، وأحللنا لك التزوج من بنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك، وأحللنا لك امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها لك بلا مهر، وأنت تريد نكاحها وترغب فيها. خلصت لك هذه الهبة من دون المؤمنين فلا تحل لهم. قد علمنا ما فرضناه على المؤمنين فى أزواجهم وإمائهم من أحكام. وما رخصنا لك فيه دونهم. لئلا يكون عليك ضيق فيما شرعناه لك. وكان الله غفوراً لذنوب عباده رحيماً بالتوسعة عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 51 - تؤخر مَن تشاء منهن فى القسم، وتدنى إليك مَن تشاء، ومن طلبت ممن أخرت قسمها فلا مؤاخذة عليك، ذلك التفويض إلى مشيئتك أقرب إلى سرورهن وبُعْد الحزن عنهن، ويرضين كلهن بما آتيتهن، والله يعلم ما فى قلوبكم من السخط أو الرضا بما شرع، وكان الله عليما بما فى الصدور. حليما لا يعاجل بالعقوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 52 - لا يحل لك النساء من بعد، ولا أن تطلقهن لتستبدل بهن من النساء من تشاء، ولو أعجبك حسنهن، ولكن الله أحل لك ما تملكه يدك من الإماء، وكان الله مطلعا على كل شئ، حافظا له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 53 - يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا فى حال إذنه لكم لتناول الطعام غير منتظرين وقت إدراكه، ولكن إذا دعاكم الرسول فادخلوا، فإذا طعمتم فانصرفوا، ولا تمكثوا بعد ذلك مستأنسين لحديث بعضكم بعضا. لأن الدخول بدون إذنه وإطالة المكث بعد الطعام كان يؤذى النبى فيستحى أن يطلب إليكم الخروج، ولكن الله - تعالى - لا يمنعه من الجهر بالحق ما يمنع المخلوقين، وإذا سألتم إحدى زوجات النبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حاجة فاسألوهن من وراء حجاب، ذلك أعظم طهارة لقلوبكم وقلوبهن من وساوس الشيطان، وما صح لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تتزوجوا نساءه من بعده أبدا. احتراما له ولهن. إن ذلكم كان عند الله ذنباً عظيما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 54 - إن تظهروا شيئاً مما يؤذيه أو تخفوه فى صدوركم فإن الله كان بكل شئ عليما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 55 - لا إثم على نساء النبى ألا يحتجبن من آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا النساء المؤمنات ولا العبيد المملوكين لهن لشدة الحاجة إليهم فى الخدمة، واتقين الله فيما أمركن به، فلا تتجاوزن حدوده. لأنه كان بكل شئ عالما لا تخفى عليه خافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 56 - إن الله يرحم نبيه ويرضى عنه، والملائكة يدعون له، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 57 - إن الذين يؤذون الله ورسوله بتحديهما والتحريض على الكفر بهما طردهم الله فى الدنيا والآخرة من رحمته، وأعد لهم عذاباً يذل كبرياءهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 58 - والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بقول أو فعل من غير ذنب فعلوه فقد تحملوا وزر كذبهم عليهم، وأتوا ذنباً ظاهر القبح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 59 - يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين: يسدلن على أجسامهن من جلابيبهن، وذلك اللباس على هذا الحال أولى وأحق بأن يعرفن فلا يُتعرض لهن بأذى، وكان الله غفوراً رحيما لمن أقلع عن ذنوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 60 - أقسم: إن لم يكف المنافقون والذين فى قلوبهم مرض والمشيعون للأخبار الكاذبة فى المدينة لنسلطنك عليهم، ثم لا يكون لهم بقاء بجوارك فيها إلا زمناً قليلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 61 - مستحقين للعنة والطرد أينما وجدوا أُخذوا وقُتلوا تقتيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 62 - سن الله - تعالى - من قبل فيمن نافقوا الأنبياء والمرسلين وتمردوا أن يُقتلوا أينما وجدوا، ولن تجد لسنة الله تغييرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 63 - يسألك الناس عن وقت قيام الساعة قل لهؤلاء: إن علم وقتها عند الله - وحده - وما يدريك لعل وقت قيامها يكون قريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 64 - إن الله طرد الكافرين من رحمته، وأعد لهم نارا شديدة الاتقاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 65 - لا يخرجون منها أبدا، ولا يجدون لهم من يتكفل بحمايتهم، ولا مَن يدفعها عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 66 - يوم تتقلب وجوههم فى النار من حال إلى حال يقولون - نادمين -: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 67 - وقالوا: ربنا إنا اتبعنا رؤساءنا وكبراءنا فى الكفر بك وبرسولك فأبْعدونا عن الطريق المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 68 - ربنا اجعل عذابهم مضاعفا، واطردهم من رحمتك طرداً كبيراً بمقادر إثمهم وجُرمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 69 - يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا النبى بأى نوع من الأذى، كالذين آذوا موسى من قومه فَبَرَّأه الله مما نسبوه إليه، وكان موسى عند الله سيدا ذا جاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 70 - يا أيها الذين آمنوا خافوا عقاب الله إذا عصيتموه، وقولوا قولا مستقيما لا اعوجاج فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 71 - يوفقكم للعمل الصالح ويمحُ ذنوبكم، ومَن يطع الله ورسوله فقد نال الفوز العظيم بالنجاة من العقاب والحصول على الثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 72 - إنا عرضنا التكاليف على السموات والأرض والجبال فأبين حملها وخفْن منها، وحملها الإنسان إنه كان شديد الظلم لنفسه، جهولا بما يطيق حمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 73 - ليُعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، ويقبل الله توبة المؤمنين والمؤمنات، والله كثير المغفرة واسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 1 - الثناء كله حق لله - وحده - الذى له ما فى السموات وما فى الأرض خلقا ومُلْكا وتدبيرا، وله - وحده - الثناء فى الآخرة لملكه الشامل، وهو الحكيم الذى لا يخطئ، الخبير الذى لا يغيب عنه سر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 2 - يعلم كل ما يدخل فى أجزاء الأرض كالماء والكنوز والدفائن وأجزاء الموتى، وكل ما يخرج منها كالحيوان والنبات والمعادن ومياه الآبار والعيون، ويعلم ما ينزل من السماء كالملائكة والكتب التى يَتَلَقَّاها الأنبياء والمطر والصواعق، وما يصعد فيها ويرقى إليها كالملائكة وأعمال العباد والأرواح، وهو الكثير الرحمة العظيم المغفرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 3 - وقال الذين كفروا: لا تأتينا الساعة الموعودة للبعث والنشور. قل لهم - أيها الرسول -: ستأتيكم، وربى لتأتينكم عالم الغيب لا يغيب عن علمه قدر ذرة فى السموات ولا فى الأرض، ولا أصغر من الذرة ولا أكبر منها إلا مسطور فى كتاب تام البيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 4 - ليثيب الله الذين آمنوا وعملوا الخير لأنفسهم وللناس، أولئك المؤمنون العاملون لهم من الله مغفرة تمحو ذنوبهم ورزق واسع لا مَنَّ فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 5 - والذين أجهدوا أنفسهم فى محاربة القرآن مغالبين أمر الله فى نصر رسوله، أولئك لهم عذاب من أسوأ العذاب المؤلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 6 - ويعلم الذين مَنَّ الله عليهم بالعلم أن القرآن الذى أنزل إليك من ربك - بما فيه من عقائد وهداية - هو الحق الذى لا مرية فيه، وهو الذى يهدى إلى طريق الله الغالب على كل شئ، المستحق لكل ثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 7 - وقال الكفار بعضهم لبعض - استهزاء بخبر البعث -: هل ندلكم على رجل يُحدثكم أنكم إذا متم وفُرِّقت أجسامكم كل تفريق أنكم لتبعثون فى خلق جديد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 8 - أختلق هذا الرجل على الله كذباً فيما نسبه إليه من إحياء الموتى، أم به جنون فهو يتكلم بما لا يدرى؟ ليس الأمر كما زعموا، بل الحقيقة أن الذين لا يؤمنون بالآخرة واقعون فى العذاب والضلال البعيد عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 9 - أعموا فلم ينظروا إلى ما بين أيديهم وما وراءهم من السماء والأرض، ليعلموا قدرتنا على فعل ما نشاء؟! إن نشأ نخسف بهم الأرض خسفناها بهم، أو إن نشأ نُسقط عليهم قطعاً من السماء نسحقهم بها أسقطناها. إن فيما ذكرنا لدليلا لكل عبد راجع إلى ربه فى كل أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 10 - والله: لقد أعطينا داود منا فضلا بإعطائه الحكمة والكتاب، وقلنا: يا جبال رددى معه التسبيح إذا سبَّح، وسخرنا له الطير ترجع تقديس الله، وصيرنا له الحديد ليِّنا يشكله كما يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 11 - أوحينا إليه أن اعمل دروعاً واسعة تحمى من بأس الأعداء، وأحكم نسْجها بتداخل حلقاتها، وقلنا له ولآله: اعملوا ما يعود عليكم وعلى غيركم بالخير والصلاح، إنى بكل ما تعملون بصير لا يغيب عنى شئ منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 12 - وسخرنا لسليمان الريح، جريها فى أول النهار يعدل السير العادى شهرا، وجريها فى آخر النهار يعدل السير شهراً وأسلْنا له معدن النحاس يجرى غزيرا مستمرا، وسخرنا له من الجن من يعمل أمامه بتسخير ربه، ومن ينحرف من الجن عن أمرنا لهم بطاعة سليمان نُذقه من عذاب النار المستعرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 13 - يعملون له ما يريد من مساجد للعبادة، وصور مجسمة، وقصاع كبيرة كالأحواض، وأوان للطبخ ثابتات على قواعدها لعظمها، وقلنا لآل داود: اعملوا عملا تشكرون به الله شكراً، وقليل من عبادى من يذكر نعمى فيكثر شكرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 14 - فلما حكمنا على سليمان بالموت ما دل الجن على موته إلا دابة الأرض تأكل عصاه وهو متكئ عليها، فلما سقط علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما مكثوا فى العذاب الشاق المهين لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 15 - أقسم: قد كان لأهل سبأ فى مسكنهم باليمن آية دالة على قدرتنا: حديقتان تحفَّان ببلدهم عن يمين وشمال، قيل لهم: كلوا من رزق ربكم واشكروا نعمه بصرفها فى وجوهها. بلدتكم بلدة طيبة ذات ظل وثمار، وربكم كثير المغفرة لمن شكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 16 - فأعرضوا عن شكر النعمة وبطروا معيشتهم، فأطلقنا عليهم السيل الجارف الذى أعقب تصدع السدود فأهلكت البساتين، وبدَّلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتى ثمر مر، وشجر لا يثمر، وشئ من نبق قليل لا غناء فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 17 - ذلك الجزاء جزيناهم بكفرهم النعمة وعدم شكرها، وهل نعاقب هذا العقاب إلا شديد الكفر بالله وبأفضاله؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 18 - وجعلنا بين مسكنهم باليمن وبين القرى المباركة قرى متقاربة يظهر بعضها لبعض، وجعلنا نسبة بعضها إلى بعض على مقدار مُعَيَّن من السير لا مشقة معه، وقلنا لهم: سيروا فيها ليالى وأياماً متمتعين بالأمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 19 - فقالوا - بطراً بنعمة الراحة والأمن -: ربنا باعد بين أسفارنا، فلا نصادف قرى عامرة فى طريقنا إلى مقاصدنا، فباعد الله بين أسفارهم، وظلموا أنفسهم بطغيانهم، فصيَّرناهم أحاديث للناس، وفرقناهم كل تفريق، إن فيما وقع لهم لعظات لكل صابر على البلاء، شكور على العطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 20 - ولقد حقَّق إبليس ظنه عليهم، فاتبعوه إلا فريقاً قليلا من المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 21 - وما كان لإبليس عليهم من قوة يخضعهم بها، ولكن الله امتحنهم ليُظهر من يُصدق بالآخرة ممن هو منها فى شك. وربك - أيها النبى - على كل شئ رقيب قائم على كل أمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 22 - قل - أيها النبى - للمشركين: ادعو الذين ادَّعيتم باطلا أنهم شركاء من دون الله يجلبوا لكم نفعا أو يدفعوا عنكم ضراً. هم لا يجيبونكم لأنهم لا يملكون مقدار ذرة فى السموات ولا فى الأرض، وليس لهم فيهما شركة مع الله فى خلق أو ملك، وليس لله من هؤلاء الشركاء المزعومين من يُعينه على تدبير شئون خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 23 - ولا تنفع الشفاعة عند الله إلا للمستأهلين لمقام الشفاعة، حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم بالإذن لهم فى الشفاعة قال بعضهم لبعض - مستبشرين -: ماذا قال ربكم؟ {فيجابون بأنه قال القول الحق بإذنه فى الشفاعة لمن ارتضى، وهو - وحده - صاحب العلو والكبرياء، ويأذن ويمنع من يشاء كما يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 24 - قل - أيها النبى - للمشركين: من يأتيكم برزقكم من السموات والأرض؟} قل لهم - حين لا يجيبون عناداً -: الله - وحده - هو الذى يرزقكم منهما، وإننا معشر المؤمنين أو إياكم معشر المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى أو الضلال الواضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 25 - قل لهم - أيها النبى -: لا تسألون عما أذنبنا ولا نسأل عن أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 26 - قل لهم: يجمع بيننا ربنا يوم القيامة ثم يقضى بيننا بالحق، وهو - سبحانه - الحاكم فى كل أمر، العليم بحقيقة ما كان منا ومنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 27 - قل لهم: أرونى الذين ألحقتم بالله فى استحقاق العبادة تزعمون شركتهم له، ليس له شريك، بل هو الله الغالب على كل شئ. الحكيم فى تدبيره وتصريفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 28 - وما أرسلناك - يا محمد - إلا للناس جميعاً بشيراً للمؤمنين بالخير، ونذيراً للكافرين بالشر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون صدقك وعموم رسالتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 29 - ويقول الكافرون - استبعاداً لليوم الموعود للجزاء -: متى هذا الوعد فندخل النار وتدخلون الجنة إن كنتم صادقين فى وعدكم به؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 30 - قل لهم - أيها النبى -: لكم ميعاد يوم عظيم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 31 - وقال الذين كفروا: لن نصدق بهذا القرآن ولا بالكتب التى تقدمت عليه فيما تأمر به وتدعو إليه، ولو ترى - يا من تمكنك الرؤية - وقت وقف الظالمين عند خالقهم ومالك أمرهم لرأيت العجيب فى موقفهم حين يرد بعضهم إلى بعض القول، يقول المستضعفون للمستعلين عليهم: لولا أنتم - بتسلطكم علينا - لكنا مؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 32 - قال المستكبرون للمستضعفين - منكرين قولهم -: أنحن صددناكم عن الهدى بعد مجيئه لكم نصدكم عنه؟ . بل كنتم مؤثرين الضلالة على الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 33 - وقال المستضعفون للمستكبرين: بل تدبيركم ووسوستكم لنا فى الليل والنهار أوقعنا فى التهلكة حين كنتم تطلبون منا أن نكفر بالله، ونجعل له شركاء، وأسر الفريقان الحسرة لما رأوا العذاب واقعاً بهم، فعلموا أن لا فائدة من إظهار هذه الحسرة، وجعلنا الأغلال فى أعناق الذين لم يؤمنوا. هل يستحق هؤلاء إلا جزاء ما كانوا يعملون؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 34 - وما أرسلنا فى قرية من رسول يدعوهم إلى الحق إلا قال المترفون من أهلها: إنا بما جئتم به مكذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 35 - وقالوا - متباهين -: نحن أكثر أموالاً وأولاداً، وما نحن بمعذبين فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 36 - قل لهم - أيها النبى -: إن خالقى يُوسِّع الرزق لمن يشاء من العاصين والمطيعين ويُضيِّق على من يشاء، وليس ذلك دليل رضاه أو سخطه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 37 - وليست أموالكم وأولادكم بالمزية التى تقربكم عندنا قربة، لكن من ثبت له الإيمان وعمل صالحاً فأولئك لهم الثواب المضاعف بما عملوا، وهم فى أعالى الجنات آمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 38 - والذين يسْعَون فى معارضة آياتنا - محاولين إبطالها وتعجيز أنبيائنا عن تبليغها - أولئك فى العذاب محضرون لا يفلتون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 39 - قل - أيها النبى -: إن ربى يُوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده ويُضيِّق عليه، وما أنفقتم من شئ فهو يعوضه، وهو - سبحانه - خير الرازقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 40 - واذكر - أيها النبى - يوم يحشرهم الله جميعاً. ثم يقول - سبحانه - للملائكة أمام من كانوا يعبدونهم: أهؤلاء خصُّوكم بالعبادة دونى؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 41 - قالت الملائكة: نُنزهك - تنزيها - عن أن يكون لك شريك، أنت الذى نواليه من دونهم، وهم واهمون فى زعمهم أنهم كانوا يعبدوننا، بل كانوا خاضعين لتأثير الشياطين الذين زينوا لهم الشرك أكثرهم بهم مصدقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 42 - فيوم الحشر لا يملك بعضكم لبعض جلب نفع ولا دفع ضر، ونقول للظالمين أنفسهم: ذوقوا عذاب النار التى كنتم بها فى الدنيا تكذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 43 - وإذا تتلى على الكفار آياتنا واضحات الدلالة على الحق، قال الكافرون: ما هذا إلا رجل يُريد أن يمنعكم عمَّا كان يعبد آباؤكم، وقالوا: ما هذا القرآن إلا كذب مختلق، وقال الذين كفروا للقرآن لمَّا جاءهم: ما هذا إلا سحر واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 44 - وما أنزل الله على العرب من كتب سماوية يدرسونها، وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير يخوفهم عاقبة جحودهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 45 - وكَذَّب الذين سبقوا من الأمم أنبياءهم، وما بلغ مشركو قومك عُشْر ما آتينا هؤلاء السابقين من قوة وتمكين، فكذَّبوا رسلى، فكيف كان إنكارى عليهم بعقابى لهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 46 - قل لهم: إنما آمركم بخصلة واحدة هى: أن تقوموا - مخلصين لله بعيدين عن التقليد - فى البحث بإخلاص لله، ومتفرقين اثنين اثنين ليتعاونا فى التأمل، وواحداً واحداً ينظر بعدل وإنصاف، ثم تتفكروا فى أمر صاحبكم - محمد - الذى عاشرتموه وعرفتم سلامة عقله. ما به من جنون حين تصدى لهذا الأمر. إن هو إلا نذير لكم بعذاب شديد مقبل أمامكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 47 - قل للكفار: أى شئ من أجر طلبته منكم على تبليغ الرسالة فهو لكم، ما أجرى الذى انتظره إلا على الله، وهو على كل شئ رقيب مطلع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 48 - قل لهم: إن ربى يرمى بالحق فى وجه الباطل فيمحقه، وهو علام الغيوب لا يخفى عليه سر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 49 - قل لهم: ظهر الإسلام، وما يصلح الباطل أن يكون وسيلة لدفع الحق، ولا أن يفيد وسائله السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 50 - قل لهم: إن انحرفتُ عن الحق فإنما ضرر ذلك عائد على نفسى، وإن اهتديت فبإرشاد ربى، إنه سميع لقولى وقولكم، قريب منى ومنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 51 - ولو ترى - أيها المبصر - حين فزع الكفار عند ظهور الحق فلا مهرب لهم، وأخذوا إلى النار من مكان قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 52 - وقالوا - عندما شاهدوا العذاب: - آمنا بالحق، وكيف يكون لهم تناول الإيمان بسهولة من مكان بعيد هو الدنيا التى انقضى وقتها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 53 - وقد كفروا بالحق من قبل هذا اليوم، ويرجمون بالظن الباطل من مكان بعيد عن الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 54 - وحيل بينهم وبين ما يشتهون من إيمان ينفعهم، كما فعلَ بأشياعهم من قبل عندما آمنوا بعد فوات الوقت، لأنهم - جميعاً - كانوا فى شك من الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 1 - الثناء الجميل حق لله - وحده - موجد السموات والأرض على غير مثال سبق، جاعل الملائكة رسلاً إلى خلقه ذوى أجنحة مختلفة العدد، اثنين اثنين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا يزيد فى الخلق ما يشاء أن يزيد، لا يعجزه شئ، إن الله على كل شئ عظيم القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 2 - ما يرسل الله للناس رحمة - أى رحمة كانت مطرا أو نعمة أو أمنا أو حكمة - فلا أحد يحبسها عنهم، وما يحبس من ذلك فلا أحد يستطيع أن يطلقه من بعده، وهو الغالب الذى لا يغلب، الحكيم الذى لا يخطئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 3 - يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم بشكرها وتأدية حقها، وأقروا بما يقع فى نفوسكم إنه لا خالق غير الله، يرزقكم من السماء بما ترسله، والأرض بما تخرجه مما به حياتكم. لا إله إلا هو يرزق عباده، فكيف تصرفون عن توحيد خالقكم ورازقكم إلى الشرك فى عبادته؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 4 - وإن يكذبك كفار قومك فيما جئتهم به من الهدى فاصبر عليهم، فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا حتى انتصروا، وإلى الله - وحده - ترجع الأمور كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 5 - يا أيها الناس: إن وعد الله - بالبعث والجزاء والنصر - حق فلا تخدعنكم الدنيا عن الآخرة، ولا يخدعنكم الشيطان عن اتباع الرسل، فيمنيكم بالمغفرة مع الإصرار على المعصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 6 - إن الشيطان لكم عدو قديم فلا تنخدعوا بوعوده فاتخذوه عدوا، إنما يدعو متابعيه ليكونوا من أصحاب النار المشتعلة لا يدعوهم لغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 7 - الذين كفروا بالله ورسله لهم عذاب شديد، والذين آمنوا بالله ورسله وعملوا الصالحات لهم عند الله مغفرة لذنوبهم وأجر كبير على أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 8 - أفقدوا التمييز؟ ، فمن زيَّن له الشيطان عمله السيئ فرآه حسنا كمن اهتدى بهدى الله فرأى الحسن حسنا والسيئ سيئا!؟ فإن الله يضل من يشاء ممن ارتضوا سبيل الضلال سبيلا، ويهدى من يشاء ممن اختاروا سبيل الهداية سبيلا. فلا تهلك نفسك حزنا على الضالين وحسرة عليهم. إن الله محيط علمه بما يصنعون من شر، فيجزيهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 9 - والله - وحده - هو الذى أرسل الرياح فتحرك سحابا تراكم من أبخرة الماء، فسقنا السحاب إلى بلد مجدب، فأحيينا أرضه بالنبات بعد موتها، مثل إخراجنا النبات من الأرض نُخرج الموتى من القبور يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 10 - من كان يريد الشرف والقوة فليطلبها بطاعة الله، فإن له القوة كلها، إليه يعلو الكلم الطيب، ويرفع الله العمل الصالح فيقبله، والذين يدبرون للمؤمنين المكيدات التى تسوؤهم لهم عذاب شديد، وتدبيرهم فاسد، لا يحقق غرضا ولا ينتج شيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 11 - والله أوجدكم من تراب، إذ خلق أباكم آدم منه، ثم خلقكم من نطفة هى الماء الذى يصب فى الأرحام، وهى أيضاً من أغذية تخرج من التراب، ثم جعلكم ذكراناً وإناثاً، وما تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا بعلمه تعالى، وما يمد فى عمر أحد ولا ينقص من عمره إلا مسجل فى كتاب. إن ذلك على الله سهل هين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 12 - وما يستوى البحران فى علمنا وتقديرنا وإن اشتركا فى بعض منافعهما، هذا ماؤه عذب يقطع العطش لشدة عذوبته وحلاوته وسهولة تناوله، وهذا ملح شديد الملوحة. ومن كل منهما تأكلون لحماً طريا مما تصيدون من الأسماك وتستخرجون ما تتخذونه زينة كاللؤلؤ والمرجان. وترى - أيها المشاهد - السفن تجرى فيه شاقة الماء بسرعتها، لتطلبوا شيئاً من فضل الله بالتجارة، ولعلكم تشكرون لربكم هذه النعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 13 - يُدخل الليل فى النهار ويُدخل النهار فى الليل بطول ساعات أحدهما وقصرها فى الآخر. حسب أوضاع محكمة مدى الأعوام والدهور، وسخر الشمس والقمر لمنفعتكم، كل منهما يجرى إلى أجل معين ينتهى إليه. ذلك العظيم الشأن هو الله مدبِّر أموركم، له الملك - وحده - والذين تدعون من غيره آلهة تعبدونها ما يملكون من لفافة نواة، فكيف يستأهلون العبادة؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 14 - إن تدعوا الذين تعبدونهم من دون الله لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا دعاءكم ما أجابوا شيئاً مما تطلبون، ويوم القيامة ينكرون إشراككم لهم مع الله، ولا يخبركم بهذا الخبر من أحوال الآخرة مثل عليم به علماً دقيقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 15 - يا أيها الناس: أنتم المحتاجون إلى الله فى كل شئ، والله هو الغنى - وحده - عن كل خلقه، المستحق للحمد على كل حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 16 - إن يشأ الله إهلاككم أهلككم لتمام قدرته، ويأت بخلق جديد ترضاه حكمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 17 - وما هلاككم والإتيان بغيركم بممتنع على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 18 - ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس أخرى، وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب شخصاً ليحمل عنها لا يحمل هذا الشخص من ذنوبها شيئاً، ولو كان ذا قرابة بها، لاشتغال كل بنفسه، ولا يحزنك - أيها النبى - عناد قومك، إنما ينفع تحذيرك الذين يخافون ربهم فى خلواتهم، وأقاموا الصلاة على وجهها، ومن تطهر من دنس الذنوب فإنما يتطهر لنفسه، وإلى الله المرجع فى النهاية، فيعامل كلا بما يستحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 19 - ، 20، 21 - وما يستوى الذى لا يهتدى إلى الحق لجهله، والذى يسلك طريق الهداية لعلمه، ولا الباطل ولا الحق، ولا الظل ولا الريح الحارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 22 - ولا يستوى الأحياء بقبول الإيمان، ولا الأموات الذين عطلت حواسهم وأغلقت قلوبهم عن سماع الحق، إن الله يهدى من يشاء إلى سماع الحجة سماع قبول، وما أنت - أيها النبى - بمسمع أموات القلوب بالعناد والكفر، كما أنك لا تسمع الموتى فى القبور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 23 - ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 24 - إنا أرسلناك - أيها النبى - للناس جميعاً بالدين الحق، مبشراً من آمن به بالجنة، ومُنْذرا من كفر به بعذاب النار، وما من أمة من الأمم الماضية إلا جاءها من قبل الله من يحذرها عقابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 25 - وإن يكذبك قومك فى ذلك فقد كذب الذين من قبلهم رسلهم، وقد جاءوهم بالمعجزات الواضحات وبالصحف الربانية وبالكتاب المنير لطريق النجاة فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 26 - ثم أخذت الذين كفروا أخذاً شديداً، فانظر كيف كان إنكارى لعملهم وغضبى عليهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 27 - ألم تر - أيها العاقل - أنَّ الله أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها، منها الأحمر والأصفر والحلو والمر والطيب والخبيث، ومن الجبال جبال ذوو طرائق وخطوط بيض وحمر مختلفة بالشدة والضعف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 28 - ومن الناس والدواب والإبل والبقر والغنم مختلف ألوانه كذلك فى الشكل والحجم واللون. وما يتدبر هذا الصنع العجيب ويخشى صانعه إلا العلماء الذين يدركون أسرار صنعه، إن الله غالب يخشاه المؤمنون، غفور كثير المحو لذنوب من يرجع إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 29 - إن الذين يتلون كتاب الله، متدبرين فيه عاملين به، وأقاموا الصلاة على وجهها الصحيح، وأنفقوا بعض ما رزقهم الله سراً وجهراً، يرجون بذلك تجارة مع الله لن تكسد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 30 - ليوفيهم ربهم أجورهم ويزيدهم من فضله، بما يربى من حسناتهم ويمحو من سيئاتهم، إنه غفور كثير المحو للهفوات، شكور كثير الشكر للطاعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 31 - والذى أوحينا إليك من القرآن هو الحق الذى لا شبهة فيه، أنزلناه مصدقاً لما تقدم من الكتب المنزلة على الرسل قبلك، لاتفاق أصولها، إن الله بعباده واسع الخبرة والبصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 32 - ثم جعلنا هذا الكتاب ميراثاً للذين اخترناهم من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه بغلبة سيئاته على حسناته، ومنهم مقتصد لم يسرف فى السيئات ولم يكثر من الحسنات، ومنهم سابق غيره بفعل الخيرات بتيسير الله، ذلك السبق بالخيرات هو الفوز الكبير من الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 33 - جزاؤهم فى الآخرة جنات إقامة يدخلونها، يتزيَّنون فيها بأساور من ذهب ولؤلؤا، وثيابهم فى الجنة حرير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 34 - وقالوا وقد دخلوها: الثناء الجميل لله الذى أذهب عنا ما يحزننا. إن ربنا لكثير المغفرة كثير الشكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 35 - الذى أنزلنا دار النعيم المقيم من فضله لا يصيبنا فيها تعب، ولا يمسنا فيها إعياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 36 - والذين كفروا جزاؤهم المعد لهم نار جهنم يدخلونها، لا يقضى عليهم الله بالموت فيموتوا، ولا يخفف عنهم شئ من عذابها فيستريحوا. كذلك نجزى به كل متمادٍ فى الكفر مصرٍّ عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 37 - وهم يستغيثون فيها قائلين: ربنا أخرجنا من النار نعمل صالحاً غير العمل الذى كنا نعمله فى الدنيا، فيقول لهم: ألم نمكنكم من العمل ونطل أعماركم زمناً يتمكن فيه من التدبر من يتدبر، وجاءكم الرسول يحذركم من هذا العذاب؟ فذوقوا فى جهنم جزاء ظلمكم، فليس للظالمين من ناصر أو معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 38 - إن الله مطلع على كل غائب فى السموات والأرض، لا يغيب عن علمه شئ، ولو أجابكم وأعادكم إلى الدنيا لعدتم إلى ما نهاكم عنه. إنه - تعالى - عليم بخفايا الصدور من النزعات والميول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 39 - الله هو الذى جعل بعضكم يخلف بعضاً فى تعمير الأرض وتثميرها، وهو حقيق بالشكر لا بالكفر، فمن كفر بالله فعليه وزر كفره، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا بغضاً وغضباً، ولا يزيد الكافرين إلا خسراناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 40 - قل - أيها النبى - للمشركين: أخبرونى: أأبصرتم حال شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله؟ {أخبرونى: أى جزء خلقوا من الأرض؟} بل ألهم شركة مع الله فى خلق السموات؟! لم نعطهم كتاباً بالشركة فهم على حجة منه، بل ما يعد الظالمون بعضهم بعضاً بشفاعة الآلهة التى يشركونها مع الله إلا باطلا وزخرفاً لا يخدع إلا ضعاف العقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 41 - إن الله هو الذى يمنع اختلال نظام السموات والأرض، ويحفظهما بقدرته من الزوال، ولئن قدِّر لهما الزوال ما استطاع أحد أن يحفظهما بعد الله. إنه كان حليماً لا يُعجل بعقوبة المخالفين غفوراً لذنوب الراجعين إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 42 - وأقسم الكافرون بالله غاية اجتهادهم فى تأكيد يمينهم: لئن جاءهم رسول ينذرهم ليكونن أكثر هداية من إحدى الأمم التى كذبت رسلها، فلما جاءهم رسول منهم ينذرهم ما زادهم بإنذاره ونصحه إلا نفوراً عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 43 - نفروا استكباراً فى الأرض وأنفة من الخضوع للرسول والدين الذى جاء به، ومكروا مكر السيئ - وهو الشيطان الذى قادهم إلى الانصراف عن الدين ومحاربة الرسول - ولا يحيط ضرر المكر السيئ إلا بمن دبروه، فهل ينتظرون إلا ما جرت به سنة الله فى الذين سبقوهم؟ فلن تجد لطريقة الله فى معاملة الأمم تغييراً يُطمِّع هؤلاء الماكرين فى وضع لم يكن لمن سبقوهم، ولن تجد لسنة الله تحويلا عن اتجاهها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 44 - اقعدوا وأنكروا وعيد الله للمشركين، ولم يسيروا فى الأرض فينظروا بأعينهم آثار الهلاك الذى أنزل على من قبلهم عقاباً لتكذيبهم الرسل؟! وكان من قبلهم من الأمم أشد منهم قوة، فلم تمنعهم قوتهم من عذاب الله، وما كان ليعجزه من شئ فى السموات ولا فى الأرض. إنه واسع العلم عظيم القدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 45 - ولو يعاقب الله الناس فى الدنيا لعم العقاب، وما ترك على ظهر الأرض دابة، لصدور الذنوب منهم جميعاً، ولكن يؤخر عقابهم إلى زمن معين هو يوم القيامة، فإذا جاء أجلهم المضروب لهم فسيجازيهم بكل دقة، لأنه كان بأعمال عباده بصيراً، لا يخفى عليه شئ منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 1 - يس : حرفان بُدئت بهما السورة على طريقة القرآن فى بدء بعض السور بالحروف المقطعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 2 - أقسم بالقرآن المشتمل على الحكمة والعلم النافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 3 - إنك يا محمد لمن الذين بعثهم الله إلى الناس بالهدى ودين الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 4 - على طريق معتدل، هو دين الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 5 - تنزيل القوى الغالب على كل شئ الذى لا يستطيع أحد أن يمنعه عما يريد، الرحيم بعباده، إذ أرسل إليهم من يرشدهم إلى طريق النجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 6 - لتُنذر قوماً لم ينذر آباؤهم الأقربون من قبل، فهم ساهون عمَّا يجب عليهم نحو الله ونحو أنفسهم ونحو الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 7 - لقد سبق فى علمنا أن أكثرهم لا يختارون الإيمان، فطابق واقعهم ما علمناه عنهم، فلن يكون منهم الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 8 - إنا جعلنا المصرين على الكفر كمن وضعت فى أعناقهم السلاسل، فهى تصل إلى أذقانهم، وتشد أيديهم برؤوسهم وترفعها مع غض أبصارهم، فلا يستطيعون أن يحركوا الرءوس ليروا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 9 - وجعلنا من حُرموا النظر فى الآيات والدلائل كمن حبسوا بين سدَّين فغطّيت أعينهم فهم لا يرون ما أمامهم وما خلفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 10 - وسواء عليهم تحذيرك لهم وعدم تحذيرك، فهم لا يؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 11 - إنما يفيد تحذيرك من يتبع القرآن ويخاف الرحمن - وإن كان لا يراه - فبشر هؤلاء بعفو من الله عن سيئاتهم، وجزاء حسن على أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 12 - إنا نحن نحيى الموتى، ونُسجِّل ما قدموا فى الدنيا من أعمال وما أبقوا فيها من آثار بعد موتهم، وكل شئ أثبتناه فى كتاب واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 13 - واذكر - أيها النبى - لقومك: قصة أهل القرية فإنها كقصتهم، إذ ذهب إليهم المرسلون لهدايتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 14 - أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما، فقويناهما بثالث، فقال هؤلاء الثلاثة: إنا إليكم مرسلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 15 - قال أهل القرية - ردا عليهم -: ما أنتم إلا بشر مثلنا، وما أوْحى الرحمن إلى بشر من شئ، ما أنتم إلا قوم تقولون غير الواقع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 16 - قال المرسلون: ربنا الذى بعثنا إليكم يعلم إنا إليكم لمرسلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 17 - وليس علينا إلا أن نُبَلِّغ رسالة الله بلاغاً واضحاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 18 - قال أهل القرية: إننا تشاءمنا بكم. ونُقسم: إن لم تكفوا عن دعوتكم لنرمينكم بالحجارة، وليصيبنكم منا عذاب شديد الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 19 - قال المرسلون: شؤمكم معكم بكفركم، أئن وُعظْتم بما فيه سعادتكم تتشاءموا منا وتهددونا بالعذاب الأليم؟! لكن أنتم قوم متجاوزون الحق والعدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 20 - وأقبل من أبعد مكان بالمدينة رجل يُسرع نحو أهل المدينة، قال: يا قوم، اتبعوا المرسلين من الله إليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 21 - اتبعوا الذين لا يطلبون منكم أجراً على نصحكم وإرشادكم - وهم مهتدون - تنتفعون بهديهم فى سلوك طريق الخير والفلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 22 - وأى شئ يمنعنى أن أعبد الذى خلقنى وإليه - لا إلى غيره - مرجعكم ومصيركم للحساب والجزاء.؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 23 - أأتخذ من دون الله آلهة لا تفيدنى شفاعتهم شيئاً إن أرادنى الله بسوء، ولا يخلصوننى منه إن نزل بى؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 24 - إنى - إذْ أتخذ من دونه آلهة - لفى ضلال مبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 25 - إنى صدقت بربكم الذى خلقكم وتولى أمركم، فاسمعوا لى وأطيعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 26 - ، 27 - قيل له - جزاء على إيمانه ودعوته إلى الله -: ادخل الجنة قال - وهو فى ظل النعيم والكرامة -: يا ليت قومى يعلمون بغفران ربى وإكرامه لى، ليؤمنوا كما آمنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 28 - وما أهلكناهم بجنود أنزلناها من السماء، وما كان من سنتنا فى إهلاك الأمم أن ننزل جنوداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 29 - ما كان هلاكهم إلا بصيحة واحدة أرسلناها عليهم، فإذا هم ميِّتون كالنار الخامدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 30 - يا خسارتهم - التى تستحق التحسر عليهم - ما نبعث إليهم برسول إلا كانوا منه يسخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 31 - ألم يعتبروا بالأمم الكثيرة الخالية التى أهلكناها، أنهم لا يعودون كرة أخرى إلى حياتهم الدنيا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 32 - وما كل من الأمم السابقة واللاحقة إلا مجموعون لدينا يوم الحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 33 - ودليل لهم على قدرتنا على البعث والنشور: الأرض الجدبة أحييناها بالماء، وأخرجنا منها حباً، فمنه يأكلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 34 - ، 35 - وأنشأنا فيها حدائق وبساتين من نخيل وأعناب، وشققنا فيها من عيون الماء ما يروى شجرها ويخرج ثمرها ليأكلوا منه، وما هو من صنع أيديهم، أفلا يؤدون حق الله عليهم فى ذلك بالإيمان والثناء عليه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 36 - تنزيهاً لله الذى خلق الأشياء كلها على سنة الذكورة والأنوثة من النبات ومن الأنفس ومما لا يعلم الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 37 - وآية لهم على وجود الله وقدرته الليل ننزع عنه النهار الساتر له، فإذا الناس داخلون فى الظلام المشتمل عليهم من كل جانب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 38 - والشمس تسير لمستقر لها، قدَّره الله زماناً ومكاناً، ذلك تدبير الغالب بقدرته، المحيط علماً بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 39 - والقمر جعلناه بتدبير منا منازل، إذ يبدو أول الشهر ضئيلا، ثم يزداد ليلة بعد ليلة إلى أن يكتمل بدراً، ثم يأخذ فى النقصان كذلك حتى يعود فى مرآه كأصل العنقود من الرطب إذا قدم فدق وانحنى واصفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 40 - لا الشمس يتأتى لها أن تخرج على نواميسها فتلحق القمر وتدخل فى مداره، ولا الليل يتأتى له أن يغلب النهار ويحول دون مجيئه، بل هما متعاقبان. وكل من الشمس والقمر وغيرهما يسبح فى فلك لا يخرج عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 41 - وآية أخرى لهم أنا حملنا بنى الإنسان فى السفن المملوءة بهم وبأمتعتهم وأرزاقهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 42 - وخلقنا لهم من مثل الفلك ما يركبونه كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 43 - وإن نُرد إغراقهم بما كسبوا نُغرقهم، - فليس لهم مغيث، ولا هم ينجون من الهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 44 - لكنا لا نغرقهم رحمة منا بهم، ولنمتعهم إلى أجل مقدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 45 - وإذا قيل لهم: خافوا مثل ما جرى للأمم الماضية بتكذيبهم، وخافوا عذاب الآخرة الذى تتعرضون له بإصراركم على الكفر - رجاء أن يرحمكم ربكم إذا اتقيتموه - أعرضوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 46 - وما تجيئهم من حجة من حجج ربهم دالةً على وحدانية الله وقدرته إلا كانوا عنها منصرفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 47 - وإذا قيل لهم أنفقوا على الفقراء مما رزقكم الله قال الكافرون للمؤمنين: أنطعم من لو أراد الله إطعامه، فنعاند بهذا مشيئة الله؟ ما أنتم - أيها الداعون إلى الإنفاق - إلا فى عمى واضح عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 48 - ويقولون للمؤمنين - استهزاء بهم -: متى يقع هذا الذى وعدتمونا به إن كنتم صادقين فيما وعدتم؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 49 - ما ينتظرون إلا صوتاً واحداً يقضى عليهم بغتة، وهم يتنازعون فى شئون الدنيا، غافلين عن الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 50 - فلا يستطيعون - لسرعة ما نزل بهم - أن يُوصلوا بشئ، ولا أن يرجعوا إلى أهلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 51 - ونفخ فى الصور نفخة البعث، فإذا الأموات يخرجون من قبورهم مسرعين للقاء الله. والصور والنفخ فيه مما استأثر الله بعلمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 52 - قال المبعوثون من القبور: يا هول ما ينتظرنا، من أيقظنا من نومنا؟ ويحضرهم جواب سؤالهم: هذا يوم البعث الذى وعد الرحمن به عباده، وصدق المرسلون فيما أخبروا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 53 - ما كانت دعوتهم إلى الخروج إلا نداءً واحداً، فإذا هم مجتمعون لدينا، محضرون لحسابنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 54 - ففى هذا اليوم لا تنقص نفس أجر شئ مما عملته، ولا تلقون إلا جزاء ما كنتم تعملون من خير أو شر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 55 - إن أصحاب الجنة فى هذا اليوم مشغولون بما هم فيه من نعيم، معجبون به فرحون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 56 - هم وأزواجهم فى ظلال سابغة على السرر المزينة متكئون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 57 - لهم فى الجنة فاكهة من كل أنواعها، ولهم فيها كل ما يطلبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 58 - يقال لهم: سلام قولاً صادراً من رب رحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 59 - ويقال للمجرمين فى هذا اليوم: اعتزلوا عن المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 60 - ألم أوصكم - يا بنى آدم - ألا تطيعوا الشيطان طاعة المعبود؟ إنه لكم عدو بَيِّن العداوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 61 - وأن افردونى بالعبادة، فإفرادى بها طريق عظيم فى استقامته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 62 - ولقد أغوى الشيطان منكم خلْقاً كثيراً. أغفلتم عن ذلك، فلم تكونوا تعقلون حين أطعتموه؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 63 - يقال لهم: هذه جهنم التى كنتم توعدون بها فى الدنيا، جزاء كفركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 64 - ادخلوها، وقاسوا حرها فى هذا اليوم بكفركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 65 - اليوم نُغطى على أفواههم فلا تنطق، وتكلمنا أيديهم، وتنطق أرجلهم شاهدة عليهم بما كانوا يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 66 - فمضوا يتخبطون لا يعرفون فيها - فى الدنيا أو على الصراط فى الآخرة - طريق الهدى بعدما أعميناهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 67 - ولو نشاء تغيير صورهم لغيرناها إلى صور قبيحة يتسمرون عندها فى أماكنهم، لا يمضون إلى الأمام، ولا يرجعون إلى الخلف لما جرى عليهم من أمرنا فى إفقادهم قواهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 68 - ومن نُطل عمره نرده من القوة إلى الضعف، أفلا يعقلون قدرتنا على ذلك ليعلموا أن الدنيا دار فناء، وأن الآخرة هى دار البقاء! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 69 - وما علمنا رسولنا الشعر، وما يصح - لمكانته ومنزلته - أن يكون شاعراً. وما القرآن المنزل عليه إلا عظة وكتاب سماوى واضح، فلا مناسبة بينه وبين الشعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 70 - ليخوف من كان حى القلب مُستنير العقل، وتَجِبُ كلمة العذاب على الجاحدين به، المنكرين لهديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 71 - أعمى الكافرون ولم يروا أنا خلقنا لهم مما صنعت قدرتنا أنعاماً فهم مالكون لها، يتصرفون فيها كما يشاءون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 72 - وأخضعناها لهم، فمنها ما يركبون، ومنها ما يأكلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 73 - ولهم فيها ما ينتفعون به من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها وعظامها، ومشارب من ألبانها، أينسون هذه النعم فلا يشكرون المنعم بها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 74 - واتخذ المشركون من دون الله آلهة يعبدونها، رجاء أن تنصرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 75 - لا تستطيع الآلهة نصرهم إن أراد الله بهم سوءاً، لأنها لا تنفع ولا تضر، وهم لآلهتهم العاجزة جند معدون لخدمتهم ودفع السوء عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 76 - فلا يحزنك قولهم فى الله بالإلحاد وفيك بالتكذيب، إنا نعلم ما يُخفون وما يُعلنون، فنجازيهم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 77 - أجحد الإنسان وجود الله وقدرته. ولم ير أنا خلقناه - بعد العدم - من نطفة مهينة؟ فإذا هو شديد الخصومة، مبين لها، معلن عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 78 - وساق لنا هذا الخصيم المبين مثلاً ينكر به قدرتنا على إحياء العظام بعد أن تبلى، ونسى خلقنا إياه بعد أن لم يكن، قال - منكراً مستبعداً قدرتنا على ذلك -: من يُحيى العظام وهى رميم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 79 - قل - يا محمد -: يُحييها الذى أنشأها أول مرة، ففى استطاعة من بدأ أن يُعيد، وهو عظيم العلم بكل ما خلق، فلا يعجزه جمع الأجزاء بعد تفرقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 80 - الذى خلق لكم من الشجر الأخضر - بعد جفافه ويبسه - ناراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 81 - أفقدوا عقولهم ولم يعلموا أن الذى خلق السموات والأرض - مع عظم حجمهما - قادر على إعادة خلق الناس مع صغرهم وضعف شأنهم؟ بلى - أى هو القادر - وهو الكثير الخلق، المحيط علمه بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 82 - إنما شأنه فى الخلق إذا أراد إيجاد شئ أن يقول له: كن، فيكون فى الحال وكما يقول بعض العلماء: إن أمره سبحانه بين الكاف والنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 83 - فتنزيهاً للذى بقدرته ملك كل شئ - خلقاً وتدبيراً وتصرفاً - عما لا يليق بذاته - تعالى - وإليه - وحده - تعودون، فيحاسبكم على أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 1 - أُقسم بطوائف من خلقى، تصطف بنفسها صفا مُحكماً فى مقام العبودية والانقياد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 2 - فالمانعات للمتجاوز حدوده منعاً شديداً، يبقى النظام ويحفظ الأكوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 3 - فالتاليات للآيات يذكرون الله ذكراً بالتسبيح والتمجيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 4 - إن إلهكم المستوجب للعبادة لواحد لا شريك له فى ذات أو فعل أو صفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 5 - هو - وحده - خالق السموات والأرض وما بينهما، ومدبِّر الأمر، ومالك المشارق لكل ما له مشرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 6 - إنَّا جمَّلْنا السماء القريبة من أهل الأرض بزينة هى الكواكب المشرقة المختلفة الأحجام والأوضاع فى محيط الكون التى نراها كل مساء بالعين المجردة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 7 - وحفظناها حفظاً محكماً من كل شيطان عات متمرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 8 - لا يمكن عتاة الشياطين من التسمع إلى ما يجرى فى عالم الملائكة، ويُرْمَوْن من كل بما يدفعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 9 - يُطردون طرداً عنيفاً عن الوصول إلى تسمع أخبار السماء، ولهم عذاب شديد دائم فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 10 - إلا من اختلس الكلمة من أخبار السماء، فإننا نتبعه بشعلة من النار تثقب الجو بضوئها فتحرقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 11 - فاستخبر - أيها النبى - المنكرين للبعث والمستبعدين لحصوله: أهُم أصعب خلقاً أم من خلقنا من السموات والأرض والكواكب وغير ذلك؟ . إنا خلقناهم من طين لاصق بعضه ببعض، فَلِمَ يستبعدون إعادتهم؟ {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 12 - بل عجبت - أيها النبى - من إنكارهم للبعث - مع قيام الأدلة على قدرة الله - وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 13 - وإذا ووجهوا بأدلة قدرة الله على البعث لا يلتفتون ولا ينتفعون بدلالتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 14 - وإذا رأوا برهاناً على قدرة الله دعا بعضهم بعضاً إلى المبالغة فى الاستهزاء به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 15 - وقال الكافرون فى الآيات الدالة على القدرة: ما هذا الذى نراه إلا سحر واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 16 - أئذا متنا وصرنا تراباً وعظاماً أئنا لمُخرجون من قبورنا أحياء؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 17 - أنحيا ويبعث آباؤنا الأولون الذين ماتوا قبلنا فبادوا وهلكوا؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 18 - قل - أيها النبى - لهم: نعم ستبعثون جميعاً وأنتم أذلاء صاغرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 19 - فإنما البعثة صيحة واحدة فإذا هم أحياء ينظرون ما كانوا يوعدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 20 - وقال المشركون: يا هلاكنا. . هذا يوم الحساب والجزاء على الأعمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 21 - فيجابون: هذا يوم القضاء والفصل فى الأعمال الذى كنتم به فى الدنيا تكذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 22 - ، 23 - اجمعوا - يا ملائكتى - الظالمين أنفسهم بالكفر وأزواجهم الكافرات وآلهتهم التى كانوا يعبدونها من دون الله من الأوثان والأنداد، فعرفوهم طريق النار ليسلكوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 24 - واحبسوهم فى هذا الموقف، إنهم مسئولون عن عقائدهم وأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 25 - ما لكم - أيها المشركون - لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم تتناصرون فى الدنيا؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 26 - لا يتناصرون فى هذا اليوم، بل هم منقادون مستسلمون لأمر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 27 - وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ويتخاصمون، ويسأل بعضهم بعضاً عن مصيرهم السيئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 28 - قال الضعفاء للذين استكبروا: إنكم كنتم تأتوننا من الناحية التى نظن فيها الخير واليُمن، لتصرفونا عن الحق إلى الضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 29 - قال المستكبرون: لم نصرفكم، بل أنتم أبيتم الإيمان وأعرضتم عنه باختياركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 30 - وما كان لنا من تسلط عليكم نسلبكم به اختياركم، بل كنتم قوماً خارجين على الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 31 - فحق علينا كلمة ربنا: إنا لذائقون العذاب يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 32 - فدعوناكم إلى الغى والضلال فاستجبتم لدعوتنا، إن شأننا التحايل لدعوة الناس إلى ما نحن عليه من الضلال، فلا لوم علينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 33 - فإن الأتباع والمتبوعين يوم القيامة فى العذاب مشتركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 34 - إن مثل ذلك العذاب نفعل بالذين أجرموا فى حق الله بالشرك وفعل المعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 35 - إن هؤلاء كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يأبون الإقرار بذلك تكبراً واستعظاماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 36 - ويقولون: أنحن نترك عبادة آلهتنا لقول شاعر متخبل مستور العقل؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 37 - بل جاءهم رسولهم بالتوحيد الذى دعا إليه جميع الرسل، وصدق بذلك دعوة المرسلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 38 - إنكم - يا أيها المشركون - لذائقوا العذاب الشديد فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 39 - وما تلقون من جزاء فى الآخرة إلا جزاء عملكم فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 40 - إلا عباد الله المخلصين، فإنهم لا يذوقون العذاب، لأنهم أهل إيمان وطاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 41 - هؤلاء المخلصون لهم فى الآخرة رزق معلوم عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 42 - فواكه متنوعة، وهم مرفهون معظمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 43 - فى جنات النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 44 - يجلسون فيها على سرر يقابل بعضهم بعضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 45 - يطوف عليهم ولدان بإناء فيه شراب من منابع جارية لا تنقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 46 - بيضاء عند مزجها، شهية للشاربين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 47 - ليس فيها غائلة الصداع تأخذهم على غرة، ولا هم بشربها يذهب وعيهم شيئاً فشيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 48 - وعند هؤلاء المخلصين فى الجنة حوريات طبعن على العفاف، قد قصرن أبصارهن على أزواجهن، فلا يتطلعن لشهوة ضالة، نُجْلُ العيون حسانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 49 - كأن قاصرات الطرف بيض النعام، المصون بأجنحته، فلم تمسه الأيدى، ولم يصبه الغبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 50 - فأقبل بعض هؤلاء المخلصين على بعض يتساءلون عن أحوالهم. وكيف كانوا فى الدنيا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 51 - قال قائل منهم عند ذلك: إنى كان لى صاحب من المشركين، يجادلنى فى الدين وما جاء به القرآن الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 52 - يقول: أئِنك لمن الذين يصدقون بالبعث بعد الموت والحساب والجزاء؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 53 - أبعد أن نفنى ونصير تراباً وعظاماً نحيا مرة أخرى، لنحاسب ونجازى على ما قدمنا من عمل؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 54 - قال المؤمن لجلسائه: هل أنتم يا أهل الجنة مُطَّلعون على أهل النار، فأرى قَرِينى؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 55 - ودار ببصره نحو النار، فرأى صاحبه القديم فى وسطها، يُعذب بنارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 56 - قال حينما رآه: تالله إن كدت فى الدنيا لتهلكنى لو أطعتك فى كفرك وعصيانك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 57 - ولولا نعمة ربى بهدايته وتوفيقه لى إلى الإيمان بالله وبالبعث لكنت مثلك من المحضرين فى العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 58 - ، 59 - أنحن مُخلَّدون منعَّمون فى الجنة، فلا نموت أبداً غير موتتنا الأولى فى الدنيا، وما نحن بمعذبين بعد دخولنا الجنة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 60 - إن هذا الذى أعطانا الله من الكرامة فى الجنة لهو الفوز العظيم، والنجاة الكبرى مما كنا نحذره فى الدنيا من عقاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 61 - لنيل مثل ما حظى به المؤمنون من الكرامة فى الآخرة فليعمل فى الدنيا العاملون، ليدركوا ما أدركوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 62 - أذلك الرزق المعلوم المعد لأهل الجنة خير أم شجرة الزقوم المعدة لأهل النار؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 63 - إنا جعلنا هذه الشجرة محنة وعذاباً فى الآخرة للمشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 64 - إنها شجرة فى وسط الجحيم، غذيت من النار ومنها خلقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 65 - ثمرها قبيح المنظر، كريه الصورة، تنفر منه العيون كأنه رؤوس الشياطين التى لم يرها الناس، ولكن وقع فى وهمهم شناعتها وقبح منظرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 66 - فإنهم لآكلون من هذه الشجرة فمالئون من طلعها بطونهم، إذ لا يجدون غيرها ما يأكلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 67 - ثم إن لهؤلاء المشركين على ما يأكلون من الزَّقوم لخلطاً ومزاجاً من ماء حار يشوى وجوههم، وتنقطع منه أمعاؤهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 68 - ثم إن مصيرهم إلى النار، فهم فى عذاب دائم، إذ يؤتى بهم من النار إلى شجرة الزَّقوم، فيأكلون ثم يسقون، ثم يرجع بهم إلى محلهم من الجحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 69 - ، 70 - إنهم وجدوا آباءهم ضالين، فهم يُسرعون الخطا على آثارهم، ويستعجلون السير فى طريقهم، مقلدين لا متبصرين، كأنهم يزعجون ويحثون على الإسراع إلى متابعة الآباء من غير تدبر ولا تعقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 71 - ولقد ضل عن قصد السبيل وطريق الإيمان قبل مشركى مكة أكثر الأمم الخالية من قبلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 72 - ولقد أرسلنا فى هذه الأمم الخالية رسلاً ينذرونهم ويخوفونهم عذاب الله فكذبوهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 73 - فانظر - يا من يتأتى منك النظر - كيف كان مآل الذين أنذرتْهم رسلهم؟! لقد أُهْلِكوا، فصاروا عبرة للناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 74 - لكن هناك مؤمنون استخلصهم الله لعبادته، لينالوا فضل كرامته، ففازوا بثوابه، ونجوا من عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 75 - ولقد نادانا نوح حين يئس من قومه فلنعم المجيبون كنا له إذ استجبنا دعاءه، فأهلكنا قومه بالطوفان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 76 - ونجينا نوحاً ومن آمن معه من الغرق والطوفان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 77 - وجعلنا ذرية نوح هم الباقين فى الأرض بعد هلاك قومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 78 - وتركنا ذكراً جميلاً على نوح فى الآخرين من الأمم إلى يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 79 - تحية سلام وأمن لنوح فى الملائكة والثقلين جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 80 - إنا مثل هذا الجزاء نجزى من أحسن، فجاهد لإعلاء كلمتنا، وتحمل الأذى فى سبيلنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 81 - إنه من عبادنا الذين آمنوا بنا، وَوَفُوا بعهدنا، وأدوا رسالتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 82 - ثم أغرقنا الآخرين من كفار قومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 83 - وإن ممن على طريقته وسنته فى الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله لإبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 84 - إذ أقبل على ربه بقلب نقى من الشرك، مخلصاً له العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 85 - إذ أنكر على أبيه وقومه ما هم عليه من عبادة الأصنام بقوله: ما هذه الأوثان التى تعبدونها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 86 - أترتكبون كذباً فاضحاً بما تصنعون، إذ تعبدون غير الله، وتريدون هذا الإفك بلا مسوغ إلا اختياركم له؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 87 - ما ظنكم بمن هو الجدير والمستحق بالعبادة لكونه خالقاً للعالمين، إذا لاقيتموه وقد أشركتم معه فى العبادة غيره؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 88 - فنظر نظرة فى النجوم، ليستدل بها على خالق الكون، فوجدها متغيرة متحولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 89 - أخاف على نفسى الضلال وسقم الاعتقاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 90 - فانصرف عنه قومه معرضين عن قوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 91 - فمال إلى أصنامهم مسرعاً متخفياً، وعرض عليها من الطعام الذى وضعوه أمامها. ليصيبوا من بركتها فى زعمهم، فقال فى سخرية واستهزاء: ألا تأكلون.؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 92 - ما لكم عجزتم عن الكلام بالإيجاب أو السلب؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 93 - فمال عليهم ضرباً باليد اليمنى - لأنها أقوى الباطشتين - فحطمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 94 - فأسرعوا إلى إبراهيم - وبعد أن تبيَّن لهم أن ما حدث لآلهتهم من التكسير كان بفعله - يعاقبونه على ارتكب فى شأن آلهتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 95 - قال إبراهيم موبخاً لهم: أتعبدون ما سويتم بأيديكم من أحجار؟ . فأين ذهبت عقولكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 96 - والله خلقكم، وخلق ما تصنعون بأيديكم من الأوثان، فهو المستحق - وحده - للعبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 97 - قال عُبَّاد الأصنام لبعض - لما قرعتهم الحُجَّة، ولجأوا إلى القوة، فعزموا على إحراقه -: ابنوا له بنياناً، واملأوه ناراً متأججة، وألقوه فى وسطها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 98 - فأرادوا بهذا أن يُنزلوا به الأذى، فأنجاه الله من النار بعد أن أُلقى فيها، وعلا شأنه بما كان له من كرامة، وجعلهم الله هم الأسفلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 99 - وقال إبراهيم - لما يئس من إيمانهم -: إنى مهاجر إلى المكان الذى أمرنى ربى بالمسير إليه، سيهدينى ربى إلى المقر الأمين والبلد الطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 100 - رب هب لى ذرية من الصالحين، تقوم على الدعوة إليك من بعدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 101 - فبشرته الملائكة بابن يتحلى بالعقل والحلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 102 - وَوُلِدَ إسماعيل وشَبّ، فلما بلغ معه مبلغ السعى فى مطالب الحياة اختُبر إبراهيم فيه برؤية رآها. قال إبراهيم: يا بنى إنى أرى فى المنام وحياً من الله يطلب منى ذبحك، فانظر ماذا ترى؟ قال الابن الصالح: يا أبت أنجز أمر ربك، ستجدنى من الصابرين إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 103 - فلما استسلم الوالد والمولود لقضاء الله، ودفعه إبراهيم على الرمل المتجمع، وأسقطه على شقه، فوقع جبينه على الأرض، وتهيأ لذبحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 104 - ، 105 - وعلم الله صِدْق إبراهيم وابنه فى الاختبار، وناداه الله - نداء الخليل -: يا إبراهيم، قد استجبت مطمئنا لوحى الرؤيا، ولم تتردد فى الامتثال، فحسبك هذا، إنا نخفف عنك اختبارنا جزاء إحسانك، كما نجزى المحسنين على إحسانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 106 - إن هذا الابتلاء الذى ابتلينا به إبراهيم وابنه لهو الابتلاء الذى أبان جوهر إيمانهما ويقينهما فى رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 107 - وفديناه بمذبوح عظيم القدر لكونه بأمر الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 108 - وتركنا له الثناء على ألسنة مَنْ جاء بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 109 - تحية أمن وسلام على إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 110 - مثل ذلك الجزاء الدافع للبلاء نجزى المحسنين فى امتثال أوامر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 111 - إن إبراهيم من عبادنا المذعنين للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 112 - وبشرته الملائكة - بأمرنا - بأنه سيرزق ابنه إسحاق على يأس وعقم من امرأته، وأنه سيكون نبياً من الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 113 - ومنحناه وابنه البركة والخير فى الدنيا والآخرة، ومن ذريتهما محسن لنفسه بالإيمان والطاعة، وظالم لها بيِّن الضلال بكفره ومعصيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 114 - ولقد أنعمنا على موسى وهارون بالنبوة والنعم الجسام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 115 - ونجيناهما وقومهما من الكرب الشديد الذى كان ينزله بهم فرعون وقومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 116 - ونصرناهم على أعدائهم، فكانوا هم الغالبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 117 - وآتينا موسى وهارون الكتاب الواضح المبين لأحكام الدين، وهى التوراة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 118 - وأرشدناهما إلى الطريق المعتدل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 119 - وأبقينا ثناءً حسناً عليهما فى الآخرين الذين جاءوا من بعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 120 - تحية أمن وسلام على موسى وهارون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 121 - إن مثل الجزاء الذى جازينا به موسى وهارون نجزى كل المحسنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 122 - إنهما من عبادنا المذعنين للحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 123 - وإن إلياس لَمنَ الذين أرسلناهم لهداية أقوامهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 124 - إذ قال إلياس لقومه - وكانوا يعبدون صنماً لهم -: أتستمرون على غيِّكم، فلا تخافون الله باتقاء عذابه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 125 - أتعبدون الصنم المسمى بَعْلاً، وتتركون عبادة الله الذى خلق العالم فأحسن خلقه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 126 - الله خلقكم وحفظكم أنتم وآباءكم الأولين، فهو الحقيق بالعبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 127 - فكذَّبوه، فجزاؤهم أن يُحضروا إلى النار يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 128 - إلا عباد الله الذين كمل إخلاصهم فى إيمانهم، فهؤلاء هم الفائزون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 129 - وجعلنا له ذكراً حسناً على ألسنة من جاءوا من بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 130 - سلام على إل ياسين، أو عليه وعلى آله بتغليبه عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 131 - إن مثل الجزاء الذى جازينا به آل ياسين نجزى كل محسن على إحسانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 132 - إن إلياس من عبادنا المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 133 - وإن لوطاً لمن المرسلين الذين أرسلناهم لتبليغ رسالتنا إلى الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 134 - لقد نجيناه وأهله جميعاً، مما حل بقومه من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 135 - إلا امرأته العجوز، فقد هلكت مع الهالكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 136 - ثم أهلكنا من سِوى لوط ومن آمن به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 137 - ، 138 - وإنكم يا أهل مكة لتمرون على ديار قوم لوط فى سفركم إلى الشام صباحاً ومساء، أفقدتم عقولكم فلا تعقلون ما حل بهم جزاء تكذيبهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 139 - وإن يونس لمن الذين أرسلناهم لتبليغ رسالتنا إلى الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 140 - ، 141 - إذ هجر قومه من غير أمر ربه، وذهب إلى سفينة مملوءة فركب فيها، فتعرضت السفينة للغرق فاقترعوا لإخراج أحد ركابها عن حمولتها، فخرجت القرعة على يونس، فكان من المغلوبين بالقرعة، فأُلْقِىَ فى البحر على حسب عُرْفهم فى ذلك الحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 142 - فابتلعه حوت وهو مستحق للملامة، جزاء هروبه من الدعوة إلى الحق وعدم الصبر على المخالفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 143 - ، 144 - فلولا أن يونس كان من المنزّهين لله، المواظبين على ذكره، لمات فى بطن الحوت، وما خرج منه إلى يوم البعث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 145 - فطرحناه فى الفضاء الواسع من الأرض، لا يواريه شئ من شجر أو بناء، وهو عليل مما كان فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 146 - وأنبتنا عليه شجرة لا تقوم على ساق فغطته ووقته غوائل الجو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 147 - حتى إذا صح مما أصابه، أرسلناه إلى عدد كبير يقول من رآه: إنهم مائة ألف أو يزيدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 148 - فاستجابوا لدعوته، فبسطنا عليهم نعمتنا إلى وقت معلوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 149 - فاستفت قومك - أيها النبى -: ألخالقك البنات دونهم، ولهم البنون دونه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 150 - بل أخلقنا الملائكة إناثاً وهم معاينون خلقهم، فتعلقوا بما شاهدوه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 151 - ، 152 - تنبه - أيها السامع - لحديثهم، إنهم من كذبهم ليقولون: ولد الله، وهو المُنَزَّهُ عن الوالدية والولدية، وإنهم لكاذبون فىهذا القول بشهادة الأدلة على وحدانيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 153 - أختار لنفسه البنات المكروهة فى زعمكم على البنين المحبوبين منكم، وهو الخالق للبنات والبنين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 154 - ماذا أصابكم حين حكمتم بلا دليل؟ ، كيف تحكمون بذلك مع وضوح بطلانه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 155 - أنسيتم دلائل القدرة والتنزيه فلا تتذكرون حتى وقعتم فى الضلال؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 156 - بل ألكم قوة دليل بَيّن تستدلون به على ما تدعون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 157 - فأتوا بحجتكم - إن كان لكم حجة فى كتاب سماوى - إن كنتم صادقين فيما تقولون وتحكمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 158 - تمادوا فى اعتقادهم، وجعلوا بين الله وبين الجِنة المستورين عنهم قرابة، ولقد علمت الجِنَّة إن الكفار لمحضرون إلى الله، لينالوا جزاءهم المحتوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 159 - تنزيهاً لله - تعالى - عما يذكره المفترون من صفات العجز والنقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 160 - لكن عباد الله المخلصين برآء مما يصفه الكافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 161 - ، 162، 163 - فإنكم - أيها الكفار - وما تعبدون من دون الله، ما أنتم على ما تعبدون من دونه بمضلين أحداً بإغوائكم، إلا من سبق فى علمه - تعالى - أنه من أهل الجحيم وسيصلى نارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 164 - وقالت الملائكة - متحيزين لموقف العبودية -: ما أحد منا إلا له مقام فى المعرفة والعبادة معلوم لا يتعداه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 165 - وإنا لنحن الصافون أنفسنا فى مواقف العبودية دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 166 - وإنا لنحن المنزهون لله - تعالى - عما لا يليق به فى كل حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 167 - ، 168، 169 - وإن كان كفار مكة قبل بعثة الرسول ليقولون: لو أن عندنا كتاباً من جنس كتب الأولين - كالتوراة والإنجيل - لكنَّا عباد الله المخلصين له العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 170 - وجاءهم الكتاب فكفروا به، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 171 - ، 172 - أقسم: لقد سبق قضاؤنا لعبادنا المرسلين أن النصر والعاقبة لهم على الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 173 - وإن أتباعنا وأنصارنا لهم الغلبة - وحدهم - على المخالفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 174 - فأعرض عنهم وانتظر إلى وقت مؤجل، فإننا سنعجل لك العاقبة والنصر والظفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 175 - وأنظرهم وارتقب ماذا يحل بهم من العذاب والنكال بمخالفتك وتكذيبك، فسوف يعاينون الهزيمة بصفوفهم، ويرون نصر الله للمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 176 - أسلبوا عقولهم فبعذابنا يستعجلون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 177 - فإذا نزل العذاب بفنائهم الواسع فساء صباح المنذرين بالعذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 178 - وأعرض عنهم إلى حين ينتهى إليه أمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 179 - وأبصر ما يستقبلهم ويستقبلك، فسوف يرون ما به يستعجلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 180 - تنزيهاً لله خالقك وخالق القوة والغلبة عما ينعتونه به من المفتريات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 181 - وسلام على الأصفياء المرسلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 182 - والثناء لله - وحده - خالق العالمين، والقائم على الخلق أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 1 - ص : حرف بدئت به السورة على طريقة القرآن فى بدء بعض السور بالحروف المقطعة، أقسم بالقرآن ذى الشرف والشأن العظيم إنه لحق لا ريب فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 2 - بل الذين كفروا فى استكبار عن اتباع الحق ومعاندة لأهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 3 - كثيراً ما أهلكنا قبلهم من أمة مكذبة، فاستغاثوا حين جاءهم العذاب، وليس الوقت وقت خلاص منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 4 - وعجب هؤلاء أن جاءهم رسول بشر مثلهم، وقال الجاحدون لرسالته: هذا مموه شديد الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 5 - أجعل الآلهة المتعددة إلهاً واحداً؟ إن هذا الأمر بالغ نهاية العجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 6 - واندفع الكُبراء منهم يوصى بعضهم بعضاً: أن سيروا على طريقتكم، واثبتوا على عبادة آلهتكم. إن هذا لأمر جسيم يراد بنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 7 - ما سمعنا بهذا التوحيد فى دين آبائنا الذين أدركناهم. ما هذا إلا كذب مصنوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 8 - أخص محمد من بيننا بشرف نزول القرآن عليه؟ ليس الحق فى شئ مما زعموا بل هم من القرآن فى حيرة وتخبط. بل إنهم لم يتحيروا ويتخبطوا إلا لأنهم لم يذوقوا عذابى بعد وإنهم لذائقوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 9 - بل نسأل هؤلاء الحاسدين لك: أعندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب، حتى يتخيروا للنبوة من تهوى أنفسهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 10 - بل نسألهم: ألهم مُلْك السموات والأرض وما بينهما؟! إذن فليتدرجوا فى المراقى إلى المنزلة التى يتحكمون فيها بما يشاءون، إن استطاعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 11 - جند حقير هنالك مهزوم - لا محالة - كما هزم أمثالهم من المتحزبين على الأنبياء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 12 - ، 13 - كذبت قبل هؤلاء قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأبنية العظيمة الراسخة كالجبال، وثمود، وقوم لوط، وقوم شعيب - أصحاب الشجر الكثيف الملتف - أولئك الذين تحزبوا على رسلهم كما تحزب قومك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 14 - ما أحد من كل هؤلاء إلا كذَّب رسوله، فحل بهم عقابى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 15 - وما ينتظر هؤلاء المتحزبون على الرسل إلا صيحة واحدة لا تحتاج إلى تكرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 16 - وقال الكافرون مستهزئين: ربنا عجِّل لنا نصيبنا من العذاب قبل يوم الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 17 - اصبر - يا محمد - على ما يقوله فيك المشركون، واذكر عبدنا داود ذا القوة فى الدين والدنيا، إنه كان رجَّاعاً إلى الله فى جميع أحواله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 18 - إنا ذللنا الجبال معه، يستغل ما فيها من منافع، وهُنَّ ينزِّهن الله - تعالى - عن كل نقص فى آخر النهار وأوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 19 - وذللنا له الطير مجموعة من كل صنف وكل مكان، كلٌّ من الجبال والطير رجَّاعة لمشيئة داود، يصرفها كيف شاء للخير العام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 20 - وقوَّينا ملكه، وآتيناه النبوة، وتمييز الحق من الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 21 - وهل جاءك - يا محمد - خبر الخصوم الذين جاءوا داود من سور المحراب وهو محل العبادة، لا من بابه؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 22 - إذ دخلوا على داود فخاف منهم واضطرب. قالوا: لا تخف نحن متخاصمان، ظلم بعضنا بعضاً، فاحكم بيننا بالعدل ولا تتجاوزه، وأرشدنا إلى الطريقة المثلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 23 - قال أحد الخصمين: إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة، ولى نعجة واحدة فقال: اجعلنى كافلها كما أكفل ما تحت يدى، وغلبنى فى المخاطبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 24 - قال داود - قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر -: لقد ظلمك بطلب ضم نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيراً من المتخالطين ليجور بعضهم على بعض، إلا من استقر الإيمان فى قلوبهم، وكان عمل الصالحات من دأبهم، وهم قلة نادرة، وعرف داود أن الأمر ما هو إلا امتحان منا له فطلب من الله المغفرة، وانحنى راكعاً لله، ورجع إليه خاشعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 25 - فغفرنا له تعجّله فى الحكم، وإن له عندنا لقربى وحسن مرجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 26 - وأوحى الله إليه: يا داود إنا صيَّرناك خليفة عنا فى الأرض، فاحكم بين الناس بما شرعت لك، ولا تَسِر فى الحكم وراء الهوى، فيحيد بك عن سبيل الله، إن الذين يحيدون عن سبيل الله باتباع أهوائهم لهم عذاب شديد بغفلتهم عن يوم الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 27 - وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما عبثاً، ذلك ما يظنه الكافرون، فأجروا الأحكام على أهوائهم، فعذاب شديد للذين كفروا من النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 28 - أيليق بحكمتنا وعدلنا أن نسوِّى بين المؤمنين الصالحين وبين المفسدين فى الأرض؟ ، أم يليق أن نسوِّى بين من خاف عذابنا واتقى عقابنا وبين المتمردين على أحكامنا؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 29 - هذا المُنَزَّل عليك - يا محمد - كتاب أنزلناه كثير النفع، ليتعمقوا فى فهم آياته، وليتعظ به أصحاب العقول الصحيحة والبصائرة النَّيِّرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 30 - ووهبنا لداود سليمان المستحق للثناء، الخليق أن يُقال فيه: نعم العبد، لأنه رجَّاع إلى الله فى كل أحواله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 31 - واذكر من أخبار سليمان أنه عرض عليه بعد الظهر الخيل الأصيلة التى تسكن حين وقوفها وتسرع حين سيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 32 - فقال سليمان: إنى أشربت حب الخيل - لأنها عدة الخير وهو الجهاد فى سبيل الله - حبا ناشئاً عن ذكر ربى، وما زال مشغولا بعرضها حتى غابت الشمس عن ناظريه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 33 - أمر بردها عليه ليتعرف أحوالها، فأخذ يمسح سوقها وأعناقها ترفقاً بها وحباً لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 34 - ولقد امتحنا سليمان حتى لا يغتر بأبَّهة الملك، فألقينا جسداً على كرسيه لا يستطيع تدبير الأمور، فتنبه إلى هذا الامتحان فرجع إلى الله - تعالى - وأناب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 35 - دعا سليمان ربه - منيباً إليه -: رب اغفر لى ما بدر منى، وهب لى ملكاً لا يليق لأحد من بعدى، إنك أنت الوهَّاب الكثير العطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 36 - فذللنا له الريح، تجرى حسب مشيئته رخية هينة، حيث قصد وأراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 37 - وذللنا له كل بنَّاء وغواص فى أعماق البحار من الشياطين المتمردين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 38 - وآخرين من هؤلاء الشياطين قرن بعضهم ببعض فى الأغلال والسلاسل، ليكف فسادهم عن الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 39 - وأوحى إليه أن هذا الذى أنعمنا به عليك عطاؤنا، فأعط من شئت واحرم من شئت، فلا حساب عليك فى الإعطاء أو المنع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 40 - إن لسليمان عندنا لقربة عظيمة وحُسْن مرجع ومآل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 41 - واذكر - يا محمد - عبدنا أيوب إذ دعا ربه أنى أصابنى الشيطان بالتعب والألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 42 - فاستجبنا له وناديناه: أن اضرب برجليك الأرض، فثمة ماء بارد تغتسل منه وتشرب، فيزول ما بك من نصب وعذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 43 - وجمعنا شمله بأهله الذين تفرقوا عنه أيام محنته، وزدنا عليهم مثلهم، وفعلنا ذلك رحمة منا له، وعظة لأولى العقول، ليعرفوا أن عاقبة الصبر الفرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 44 - كان أيوب قد حلف أن يضرب أحداً من أهله عدداً من العصى، فحلل الله له يمينه بأن يأخذ حزمة فيها العدد الذى حلف أن يضربه به، فيضرب بالحزمة من حلف على ضَرْبه فيبر بيمينه بأقل ألم وقد مَن الله عليه بهذه النعم، لأن الله وجده صابراً على بلائه، فاستحق بذلك الثناء، فنعم الموصوف بالعبادة هو، لأنه رجَّاع إلى الله فى كل الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 45 - واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى القوة فى الدين والدنيا والبصائر النَّيِّرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 46 - إنا خصصناهم بصفة هى: ذكرهم الدار الآخرة، يذكرونها ويُذَكِّرون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 47 - وإنهم عندنا لمن المختارين الأخيار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 48 - واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلهم من الأخيار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 49 - هذا الذى قصصناه عليك نبأ بعض المرسلين تذكير لك ولقومك، وإن للمتقين المتحرزين من عصيان الله - تعالى - حسن مرجع ومآل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 50 - أعد لهم جنات عدن مفتحة لهم أبوابها، لا يصدهم عنها صاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 51 - يجلسون فيها متكئين على الأرائك والسُّرر شأن المترفين، ويتمتعون فيها بطلب فاكهة كثيرة وشراب كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 52 - وعندهم فى الجنة من نسوة قصرن أبصارهن على أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم، وهن مستويات السن معهم، ليكون ذلك أدعى إلى الوفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 53 - هذا النعيم هو الذى توعدونه ليوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 54 - إن هذا لعطاؤنا ما له من نهاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 55 - هذا النعيم جزاء المتقين. وإن للطاغين المتمردين على أنبيائهم لشر مآل ومنقلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 56 - وهو جهنم يدخلونها ويقاسون حرها، وبئس الفراش هى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 57 - هذا ماء بلغ الغاية فى الحرارة وصديد أهل جهنم، يؤمرون أن يذوقوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 58 - وعذاب آخر مثل هذا العذاب أنواع مزدوجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 59 - ويقال للطاغين - وهم رؤساء المشركين -: هذا جمع كثير داخلون النار معكم فى زحمة وشدة، وهمَ أتباعكم، فيقول هؤلاء الرؤساء: لا مرحباً بهم، إنهم داخلون النار يقاسون مرها، ويكتوون بعذابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 60 - قال الأتباع: بل أنتم أحق بهذا الدعاء الذى دعوتم به علينا، لأنكم الذين قدمتم لنا هذا العذاب بإغرائكم لنا ودعوتنا إلى الكفر، فكفرنا بسببكم، فبئس الدار والمستقر جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 61 - قال الأتباع: ربنا مَن تسبَّب لنا فى هذا العذاب فزده عذاباً مضاعفاً فى النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 62 - وقال أهل النار: ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم فى الدنيا من الأشرار الأراذل الذين لا خير فيهم؟ وهم فقراء المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 63 - كيف اتخذناهم فى الدنيا هزؤا ولم يدخلوا النار معنا. أم أنهم دخلوها وزاغت عنهم أبصارنا فلم نرهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 64 - إن ذلك الذى ذكرناه من حديث أهل النار حق لا بد أن يقع، وهو تخاصم ونزاع أهل النار بعضهم مع بعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 65 - قل للمشركين - يا محمد -: إنما أنا مخوِّف من عذاب الله، وما من معبود بحق إلا الله الواحد الذى لا شريك له، القهار الذى يغلب كل ذى سلطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 66 - رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الذى لا يغلب، الغفار المتجاوز عن ذنوب من آمن به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 67 - ، 68 - قل لهم - يا محمد -: هذا الذى أنذرتكم به خبر عظيم أنتم عنه معرضون لا تفكرون فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 69 - ما كان لى من علم بأخبار الملأ الأعلى وقت اختصامهم فى شأن آدم، لأنى لم أسلك للعلم الطريق المتعارف بين الناس من قراءة الكتب، أو التلقى عن المعلمين، وطريق علمى هو: الوحى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 70 - ما يوحى إلى إلا لأننى رسول أبلِّغكم رسالة ربى بِأَبْيَن عبارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 71 - اذكر لهم حين قال ربك للملائكة: إنى خالق بشراً - وهو آدم عليه السلام - من طين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 72 - فإذا أتمت خلقه ونفخت فيه سر الحياة - وهو الروح - فخِروا له ساجدين سجود تعظيم وتحية، لا سجود عبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 73 - ، 74 - فامتثل الملائكة كلهم أجمعون، وخروا له ساجدين، إلا إبليس لم يسجد، وتعاظم وتكبر، وكان بهذا التكبر من الكافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 75 - قال الله تعالى: يا إبليس، ما منعك من السجود لما خلقته بنفسى بلا واسطة؟ أتكبرت مع أنك غير كبير، أم أنت فى حقيقة نفسك من المتفوقين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 76 - قال إبليس: أنا خير من آدم لأنك خلقتنى من نار وخلقته من طين، فكيف أسجد له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 77 - قال الله تعالى لإبليس - جزاء له على تكبره عن أمر ربه -: فاخرج من جماعة الملأ الأعلى، فإنك مطرود من رحمتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 78 - وإن عليك إبعادى لك عن كل خير إلى يوم الجزاء، فتجزى على كفرك بى وتكبرك على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 79 - قال إبليس: رب أمهلنى ولا تمتنى إلى يوم البعث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 80 - ، 81 - قال الله تعالى: فإنك من المؤجلين الممهلين إلى يوم الوقت المعلوم لنا، وهو نهاية الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 82 - ، 83 - قال إبليس: فبعظمتك وجلالك لأغوين البشر أجمعين، إلا عبادك الذين أخلصتهم لطاعتك، فلا سلطان لى عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 84 - ، 85 - قال الله تعالى: الحق يمينى وقسمى، ولا أقول إلا الحق، لأملأن جهنم من جنسك من الشياطين وممن تبعك من ذرية آدم أجمعين، لا فرق عندى بين تابع ومتبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 86 - قل لأمتك - يا محمد -: ما أسألكم على ما أمرت بتبليغه إليكم من القرآن والوحى أجراً، وما أنا من الذين يتحلون بما ليس فيهم حتى أدعى النبوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 87 - ما القرآن إلا تذكير وعظة للعالمين جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 88 - ولتعلمن - أيها المكذبون به - صدق ما اشتمل عليه من وعد ووعيد وأخبار عن أمور مستقبلة وآيات كونية بعد وقت قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 1 - تنزيل القرآن من الله الذى لا يغلبه أحد على مراده، الحكيم فى فعله وتشريعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 2 - إنا أنزلنا إليك - يا محمد - القرآن آمراً بالحق، فاعبد الله مخلصاً له - وحده - العبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 3 - ألا لله - وحده - الدين البرئ من كل شائبة، والمشركون الذين اتخذوا من دونه نصراء يقولون: ما نعبد هؤلاء لأنهم خالقون، إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله - تقريباً - بشفاعتهم لنا عنده. إن الله يحكم بين هؤلاء المشركين وبين المؤمنين الموحِّدين فيما كانوا فيه يختلفون من أمر الشرك والتوحيد، إن الله لا يوفق لإدراك الحق من شأنه الكذب والإمعان فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 4 - لو أراد الله أن يتخذ ولداً - كما قالت النصارى فى المسيح، والمشركون فى الملائكة - لاختار الولد من خلقه كما يشاء هو، لا كما تشاءون أنتم، تنزه الله عن أن يكون له ولد، هو الله الذى لا مثيل له، القهَّار الذى بلغ الغاية فى القهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 5 - خلق السموات والأرض متصفا دائماً بالحق والصواب على ناموس ثابت، يلف الليل على النهار ويلف النهار على الليل على صورة الكرة، وذلل الشمس والقمر لإرادته ومصلحة عباده، كل منهما يسير فى فلكه إلى وقت محدد عنده، وهو يوم القيامة، ألا هو - دون غيره - الغالب على كل شئ، فلا يخرج شئ عن إرادته، الذى بلغ الغاية فى الصفح عن المذنبين من عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 6 - خلقكم - أيها الناس - من نفس واحدة - هو آدم أبو البشر - وخلق من هذه النفس زوجها حواء، وأنزل لصالحكم ثمانية أنواع من الأنعام ذكراً وأنثى: وهى الإبل والبقر والضأن والماعز، يخلقكم فى بطون أمهاتكم طوراً من بعد طور فى ظلمات ثلاث: هى ظلمة البطن والرحم والمشيمة، ذلكم المنعم بهذه النعم هو الله مربيكم ومالك أمركم، له - لا لغيره - الملك الخالص، لا معبود بحق إلا هو، فكيف يعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 7 - إن تكفروا بنعمه - أيها الناس - فإن الله غنى عن إيمانكم وشكركم، ولا يحب لعباده الكفر، لما فيه من ضرهم، وإن تشكروه على نعمه يرض هذا الشكر لكم، ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، ثم إلى ربكم مآلكم فيخبركم بما كنتم تعملون فى الدنيا، إنه عليم بما تكتمه قلوبكم التى فى الصدور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 8 - وإذا أصاب الإنسان مكروه - من مكاره الدنيا - دعا ربه راجعاً إليه بعد أن كان معرضاً عنه، ثم إذا أعطاه ربه نعمة عظيمة نسى الضر الذى كان يدعو ربه إلى إزالته وكشفه من قبل أن يمن عليه بهذه النعمة، وجعل لله شركاء متساوين معه فى العبادة، فعل هذا الإنسان ذلك ليضل نفسه وغيره عن طريق الله. قل - يا محمد - لمن هذه صفته متوعداً: تمتع بكفرك بنعم الله عليك زمناً قليلاً، إنك من أهل النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 9 - أَمَّن هو خاشع لله أثناء الليل يقضيه ساجداً وقائماً، يخشى الآخرة ويرجو رحمة ربه. كمن يدعو ربه فى الضراء وينساه فى السراء؟! قل لهم - يا محمد -: هل يستوى الذين يعلمون حقوق الله فيوحدونه، والذين لا يعلمون، لإهمالهم النظر فى الأدلة؟ إنما يتعظ أصحاب العقول السليمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 10 - قل - أيها النبى - مُبلغاً عن ربك: يا عبادى الذين آمنوا بى، اتخذوا وقاية من غضب ربكم، فإن لِمن أحسن العمل عاقبة حسنة فى الدنيا بالتأييد، وفى الآخرة بالجنة. ولا تقيموا فى ذل، فأرض الله واسعة، واصبروا على مفارقة الأوطان والأحباب، إنما يوفى الله الصابرين أجرهم مضاعفاً، لا يدخل تحت حساب الحاسبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 11 - قل: إنى أمرت أن أعبد الله مخلصاً له عبادتى من كل شرك ورياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 12 - وأمرت منه تعالى - أمراً مؤكداً - أن أكون أول المنقادين لأوامره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 13 - قل: إنى أخشى إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم الهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 14 - ، 15 - قل لهم يا محمد: الله - وحده - أعبد، مبرئاً عبادتى من الشرك والرياء، فإذا عرفتم طريقتى ولم تطيعونى فاعبدوا ما شئتم من دونه. قل لهم: إن الخاسرين - كل الخسران - هم الذين أضاعوا أنفسهم بضلالهم، وأهليهم بإضلالهم يوم القيامة. ألا ذلك الضياع هو الخسران الكامل الواضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 16 - لهؤلاء الخاسرين من فوقهم طبقات متراكمة من النار، ومن تحتهم مثلها، ذلك التصوير للعذاب يخوِّف الله به عباده، يا عباد: فاخشوا بأسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 17 - ، 18 - والذين اجتنبوا الأصنام والشياطين، ولم يتقربوا إليها، ورجعوا إلى الله فى كل أمورهم، لهم البشارة العظيمة فى جميع المواطن، فبشر - يا محمد - عبادى الذين يستمعون القول فيتبعون الأحسن والأهدى إلى الحق، أولئك - دون غيرهم - الذين يوفقهم الله إلى الهدى، وأولئك هم - دون غيرهم - أصحاب العقول النَّيِّرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 19 - أتملك التصرف فى ملكى، فمن وجبت عليه كلمة العذاب تستطيع أن تمنعه؟ ألك هذه القوة، أفأنت تنقذ من فى النار بعد أن وجبت لهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 20 - لكن الذين خافوا ربهم لهم أعالى الجنة وقصورها، مبنية بعضها فوق بعض، تجرى من تحتها الأنهار، وعداً من الله، والله لا يخلف وعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 21 - ألم تر - أيها المخاطب - أن الله أنزل من السماء ماء فأجراه فى ينابيع وعيون فى الأرض، ثم يُخرج به زرعاً مختلفاً أشكاله، ثم ييبس بعد نضارته فتراه مصفرا، ثم يجعله فتاتاً متكسراً؟ إن فى ذلك التنقل - من حال إلى حال - لتذكير لأولى العقول النَّيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 22 - أكُلّ الناس سواء؟ ، فمن شرح الله صدره للإسلام بقبول تعاليمه، فهو على بصيرة من ربه، كمن أعرض عن النظر فى آياته؟ . فعذاب شديد للذين قست قلوبهم عن ذكر الله، أولئك القاسية قلوبهم فى انحراف عن الحق واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 23 - الله نزَّل أحسن الحديث كتاباً تشابهت معانيه وألفاظه فى بلوغ الغاية فى الإعجاز والإحكام، تتردد فيه المواعظ والأحكام، كما يكرر فى التلاوة، تنقبض عند تلاوته وسماع وعيده جلود الذين يخافون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك الكتاب الذى اشتمل على هذه الصفات نور الله يهدى به من يشاء، فيوفقه إلى الإيمان به، ومن يضله الله - لعلمه أنه سيُعرِض عن الحق - فليس له من مرشد ينقذه من الضلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 24 - لم يكون الناس متساوين يوم القيامة، فالذى يتقى بوجهه العذاب بعد أن تغل يداه، ليس كمن يأتى آمنا يوم القيامة؟ حيث يقال للظالمين: ذوقوا وبال عملكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 25 - كذَّب الذين من قبل هؤلاء المشركين فجاءهم العذاب من حيث لا يتوقعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 26 - فأذاقهم الله الصغار فى الحياة الدنيا، أقسم: لعذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا، لو كانوا من أهل العلم والنظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 27 - ولقد بيَّنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل يذكرهم بالحق، رجاء أن يتذكروا ويتعظوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 28 - ولقد أنزلنا قرآناً عربياً بلسانهم لا اختلال فيه، رجاء أن يتقوا ويخشوا ربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 29 - ضرب الله مثلاً للمشرك: رجلاً مملوكاً لشركاء متنازعين فيه، وضرب مثلا للموحد: رجلاً خالص الملكية لواحد، هل يستويان مثلاً؟ لا يستويان. الحمد لله على إقامة الحُجة على الناس، لكن أكثر الناس لا يعلمون الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 30 - ، 31 - إنك - يا محمد - وإنهم جميعاً ميِّتون. ثم إنكم بعد الموت والبعث عند الله يخاصم بعضكم بعضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 32 - فليس أحد أشد ظلماً ممن نسب إلى الله ما ليس له، وأنكر الحق حين جاءه على لسان الرسل من غير تفكير ولا تدبر، أليس فى جهنم مستقر للكافرين المغترين حتى يجترئوا على الله؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 33 - والذى جاء بالحق وصدَّق به إذ جاءه، أولئك هم المتقون لا غيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 34 - لهؤلاء المتقين عند ربهم ما يحبون، ذلك الفضل جزاء كل محسن فى عقيدته وعمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 35 - أكرم الله المتقين بما أكرمهم به ليغفر لهم أسوأ عملهم، ويوفيهم أجرهم بأحسن ما عملوا فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 36 - الله - وحده - كاف عباده كل ما يهمهم، ويخوفك - يا محمد - كفار قريش بآلهتهم التى يدعونها من دون الله - وذلك من ضلالهم - ومن يضلل الله - لعلمه أنه يختار الضلالة على الهدى - فما له من مرشد يرشده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 37 - ومن يرشده الله إلى الحق ويوفقه إليه - لعلمه أنه يختار الهدى على الضلالة - فما له من مضل ينحرف به عن سبيل الرشاد، أليس الله بمنيع الجناب، ذى انتقام شديد، فيحفظ أولياءه من أعدائه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 38 - وأقسم: لئن سألت - يا محمد هؤلاء المشركين - من خلق السموات والأرض؟ ليقولن: الله هو الذى خلقهن. قل لهم - يا محمد -: أعقلتم فرأيتم الشركاء الذين تدعونهم من دون الله، إن شاء الله ضرى هل هن مزيلات عنى ضره، أو شاء لى رحمة هل هن مانعات عنى رحمته؟ قل لهم - يا محمد -: الذى يكفينى فى كل شئ وحده، عليه - لا على غيره - يعتمد المتوكلون المفوضون كل شئ إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 39 - ، 40 - قل لهم - متوعداً -: يا قوم اثبتوا على طريقتكم من الكفر والتكذيب إنى ثابت على عمل ما أمرنى به ربى، فسوف تدركون من منا الذى يأتيه عذاب يذله، وينزل عليه عذاب دائم لا ينكشف عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 41 - إنا أنزلنا عليك - أيها النبى - القرآن الكريم لجميع الناس مشتملا على الحق الثابت. فمن استرشد به فنفْع ذلك لنفسه، ومن ضل عن طريقه فإنما يرجع وبال ضلاله على نفسه. وما أنت - يا محمد - بموكل بهدايتهم، فما عليك إلا البلاغ، وقد بلغت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 42 - الله يقبض الأرواح حين موتها، ويقبض الأرواح التى لم تمت حين نومها، فيُمسك التى قضى عليها الموت لا يردها إلى بدنها، ويُرسل الأخرى التى لم يحن أجلها عند اليقظة إلى أجل محدد عنده. إن فى ذلك لأدلة واضحة لقوم يتدبرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 43 - بل اتخذ المشركون من دون الله شفعاء يتقربون بهم إليه. قل لهم - يا محمد -: أفعلتم هذا ولو كان هؤلاء الشفعاء لا يملكون شيئاً ولا يعقلون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 44 - قل لهم - يا محمد -: لله - وحده - الشفاعة كلها، فلا ينالها أحد إلا برضاه، له - وحده - ملك السموات والأرض، ثم إليه - وحده - ترجعون فيحاسبكم على أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 45 - وإذا ذكر الله - وحده - دون أن تذكر آلهتهم انقبضت ونفرت قلوب الذين لا يؤمنون بالحياة الآخرة، وإذا ذكرت آلهتهم التى يعبدونها من دون الله سارعوا إلى الفرح والاستبشار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 46 - قل - يا محمد - متوجهاً إلى مولاك: يا الله، يا خالق السموات والأرض على غير مثال، يا عالم السر والعلن، أنت - وحدك - تفصل بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون من أمور الدنيا والآخرة، فاحكم بينى وبين هؤلاء المشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 47 - ولو أن للذين ظلموا أنفسهم بالشرك كل ما فى الأرض جميعاً وضعفه معه لقدَّموه افتداء لأنفسهم من سوء العذاب الذى أُعد لهم يوم القيامة، وظهر لهم من الله ما لم يخطر على بالهم من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 48 - وظهر لهم فى هذا اليوم سوء عملهم، وأحاط بهم من العذاب ما كانوا يستهزئون به فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 49 - فإذا أصاب الإنسان ضر نادانا متضرعاً، ثم إذا أعطيناه - تفضلا منا - نعمة قال هذا الإنسان: ما أوتيت هذه النعم إلا لعلم منى بوجوه كسبه، وفات هذا الإنسان أن الأمر ليس كما قال، بل هذه النعمة التى أنعم الله بها عليه اختبار له ليبين له الطائع من العاصى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنها اختبار وفتنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 50 - قد قال هذه المقالة الذين من قبل هؤلاء المشركين، فما دفع عنهم العذاب ما اكتسبوه من مال ومتاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 51 - فأصاب الكفار السابقين جزاء سيئات عملهم، والظالمون من هؤلاء المخاطبين سيصيبهم جزاء سيئات عملهم، وما هؤلاء بمفلتين من العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 52 - أيقول هؤلاء ما قالوا، ولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء من عباده، ويعطيه بقدر لمن يشاء على مقتضى حكمته؟ إن فى هذا لعبراً لقوم يؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 53 - قل يا محمد - مبلغاً عن ربك: يا عبادى الذين أكثروا على أنفسهم من المعاصى، لا تيأسوا من رحمة الله، إن الله يتجاوز عن الذنوب جميعاً، إنه هو - وحده - العظيم فى مغفرته ورحمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 54 - وارجعوا - أيها المسرفون على أنفسهم - إلى مالك أمركم ومربيكم، وانقادوا له من قبل أن يجيئكم العذاب ثم لا ينصركم أحد من الله ويدفع عنكم عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 55 - واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم - وهو القرآن الكريم - من قبل أن يجيئكم العذاب فجأة وعلى غير استعداد، وأنتم لا تعلمون بمجيئه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 56 - ارجعوا إلى ربكم، وأسلموا له، واتبعوا تعاليمه، لئلا تقول نفس مذنبة حينما ترى العذاب: يا أسفى على ما فرَّطت فى جنب الله وحقه، وإنى كنت فى الدنيا لمن المستهزئين بدينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 57 - أو تقول تلك النفس المذنبة - متحملة للعذر -: لو أن الله وفقنى للهدى لكنت فى الدنيا من الذين وقوا أنفسهم من عذاب الله بالإيمان والعمل الصالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 58 - أو تقول تلك النفس المذنبة - حين تشاهد العذاب -: ليت لى رجعة إلى الدنيا، فأكون فيها ممن يحسنون العقيدة والعمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 59 - بلى - أيها النادم - قد جاءتك تعاليمى على لسان الرسل، فكذبت بها وتعاليت عن اتباعها، وكنت فى دنياك من الثابتين على الكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 60 - ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله - فنسبوا إليه ما ليس له - وجوههم مسودة من الحزن والكآبة، إن فى جهنم مقراً للمتكبرين المتعالين عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 61 - ويُنجِّى الله الذين جعلوا لهم وقاية من عذاب الله - بما سبق فى علمه من فوزهم - لاختيارهم الهدى على الضلال، لا يصيبهم فى هذا اليوم السوء، ولا هم يحزنون على فوت نعيم كانوا يؤملونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 62 - الله خالق كل شئ، وهو - وحده - على كل شئ وكيل، يتولى أمره بمقتضى حكمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 63 - لله - وحده - تصاريف أمور السموات والأرض، فلا يتصرف فيهن سواه، والكافرون بحجج الله وبراهينه هم وحدهم - الخاسرون أتم خسران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 64 - قل - يا محمد - أفبعد وضوح الآيات على وجوب توحيد الله بالعبادة تأمرونى أن أخص غيره بالعبادة أيها الجاهلون؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 65 - وأقسم: لقد أوحى إليك - يا محمد - وإلى الرسل من قبلك: لئن أشركت بالله شيئاً ما، ليبطلن الله عملك، ولتكونن من القوم الخاسرين أتم خسران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 66 - لا تجبهم - أيها الرسول - إلى ما طلبوه منك، بل اعبد الله - وحده - وكن من القوم الشاكرين له على نعمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 67 - وما عظَّم المشركون الله حق عظمته، وما عرفوه حق معرفته إذ أشركوا معه غيره، ودعوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى الشرك به، والأرض جميعها مملوكة له يوم القيامة، والسموات قد طويت - كما تطوى الثياب - بيمينه، تنزه الله عن كل نقص، وتعالى علواً كبيراً عما يشركونه من دونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 68 - وسينفخ - حتماً - فى الصور، فيموت من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله أن يؤخرهم إلى وقت آخر، ثم نفخ فيه أخرى فإذا الجميع قائمون من قبورهم ينتظرون ما يُفعل بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 69 - وأضاءت الأرض - يومئذ - بنور خالقها ومالكها، وأعد الكتاب الذى سجلت فيه أعمالهم، وأحضر الأنبياء والعدول ليشهدوا على الخلق، وفصل بين الخلق بالعدل، وهم لا يظلمون بنقص ثواب أو زيادة عقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 70 - وأعطيت كل نفس جزاء عملها، والله أعلم بفعلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 71 - وحُثَّ الكافرون على السير - بعنف - إلى جهنم جماعات جماعات، حتى إذا بلغوها فتحت أبوابها، وقال لهم حراسها - موبخين -: ألم يأتكم سفراء عن الله من نوعكم، يقرأون عليكم آيات ربكم، ويُخوِّفونكم لقاء يومكم هذا؟ قال الكافرون مقرين: بلى جاءتنا الرسل، ولكن وجبت كلمة العذاب على الكافرين، لاختيارهم الكفر على الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 72 - قيل لهم: ادخلوا أبواب جهنم مقدرا لكم فيها الخلود، فبئست جهنم مستقرا للمتعالين عن قبول الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 73 - وحُثَّ المتقون على السير - مكرمين - إلى الجنة جماعات جماعات، حتى إذا بلغوها، وقد فتحت أبوابها، وقال لهم حفظتها: أمان عظيم عليكم، طبتم فى الدنيا من دنس المعاصى، وطبتم فى الآخرة - نفساً - بما نلتم من النعيم، فادخلوها مُقَدَّراً لكم الخلود، فإن لكم من النعيم ما لا يخطر على بال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 74 - وقال المتقون: الثناء لله - وحده - الذى حقق لنا ما وعدنا به على لسان رسله، وملكنا أرض الجنة ننزل منها حيث نشاء، فنعم أجر العاملين المحسنين الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 75 - وترى - أيها الرائى - الملائكة محيطين بالعرش، يزهون الله عن كل نقص، تنزيهاً مقترناً بحمد خالقهم ومربيهم، وفصل بين جميع الخلائق بالعدل، ونطق الكون كله قائلا: الحمد لله رب الخلائق كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 1 - ح. م: حرفان من حروف الهجاء بدئت بهما السورة - على طريقة القرآن فى بعض السور - للإشارة إلى أن القرآن من جنس كلامهم، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 2 - ، 3 - تنزيل القرآن من الله القوى الغالب، المحيط علمه بكل شئ، وقابل التوبة من التائبين، شديد العذاب، صاحب الإنعام، لا معبود بحق إلا هو، إليه - وحده - المرجع والمآل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 4 - ما يمارى فى آيات الله الدالة عليه إلا الذين كفروا، فلا يخدعك تنقلهم فى البلاد بتيسير الله شئونهم مع كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 5 - كذبت قبل هؤلاء المشركين قوم نوح والمجتمعون على معاداة الرسل من بعد قومه، وحرصت على إيقاع الشر برسولهم ليأخذوه بالبطش، وتماروا فى الباطل الذى لا حقيقة له، ليزيلوا بجدلهم الحق الثابت، فأخذتهم بالعذاب المستأصل، فانظر كيف كان عقابى لهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 6 - وكما حقَّت كلمة العذاب على الأمم التى كذَّبت أنبياءها، حقت كلمة ربك على الكافرين بك - يا محمد - لأنهم أصحاب النار، لاختيارهم الكفر على الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 7 - الذين يحملون العرش من الملائكة والمحيطون به، ينزِّهون مالك أمرهم ومربيهم عن كل نقص تنزيهاً مقترناً بالثناء عليه، ويؤمنون به ويطلبون المغفرة للمؤمنين قائلين: ربنا وسعت رحمتك كل شئ، وأحاط علمك بكل شئ، فاصفح عن سيئات الذين رجعوا إليك واتبعوا طريقك، وجَنِّبْهُم عذاب الجحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 8 - ويقول هؤلاء الملائكة: ربنا وأدخل المؤمنين جنات الإقامة التى وعدتهم بها على لسان رسلك، وأدخل معهم الصالحين من الآباء والأزواج والذرية. إنك أنت - وحدك - الغالب الذى لا يغلب، الحكيم الذى لا يخطئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 9 - ويقولون فى دعائهم: جنِّب المؤمنين جزاء سيئاتهم، ومن جنبته جزاء سيئاته يوم الجزاء فقد رحمته بفضلك، والوقاية من جزاء السيئات هو الظفر البالغ العظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 10 - إن الذين كفروا يُنادون: لكراهة الله وبُغضه لكم أكبر من كراهتكم أنفسكم التى أوردتكم موارد العذاب، حين كنتم تدعون إلى الإيمان مرة بعد مرة فتسارعون إلى الكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 11 - قال الكافرون: ربنا أمتنا موتتين: موتة من حياتنا الدنيا، وموتة من حياتنا فى البرزخ وأحييتنا مرتين: مرة هى حياتنا الدنيا، ومرة أخرى بالبعث من القبور، فهل إلى خروجنا من العذاب من طريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 12 - ذلكم العذاب الذى أنتم فيه لأن شأنكم فى الدنيا إذا دُعِىَ الله - وحده - كفرتم وإن يُشرك به غيره تُؤمنوا، وإذا كان هذا شأنكم فقد استحققتم جزاء شكرككم، فالحكم لله العلى الكبير الذى يجازى من كفر بما يستحقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 13 - الله الذى يريكم دلائل قدرته، فينزل لمصالحكم من السماء ماء يكون سبب رزقكم. وما يتعظ بهذا إلا من يرجع إلى التفكير فى آيات الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 14 - فاعبدوا الله مخلصين له العبادة، ولو أبغض الكافرون عبادتكم وإخلاصكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 15 - ، 16 - الله عالى المقامات، صاحب العرش، يُنزل الوحى من قضائه وأمره على من اصطفاه من عباده، ليخوِّف الناس عاقبة مخالفة المرسلين يوم التقاء الخلق أجمعين، يوم الحساب الذى يظهر فيه الناس واضحين، لا يخفى على الله من أمرهم شئ، يتسامعون نداءً رهيباً: لمن الملك اليوم؟ وجواباً حاسماً: لله الواحد المتفرد بالحكم بين عباده، البالغ القهر لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 17 - اليوم تُجزى كل نفس بما فعلت، لا ظلم اليوم بنقص أجر أو زيادة عقاب، إن الله سريع حسابه فلا يتأخر عن وقته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 18 - وخوِّفهم - يا محمد - يوم القيامة القريبة، حين تكون القلوب عند الحناجر من شدة الخوف، ممتلئين غيظاً لا يستطيعون التعبير عنه، ليس للظالمين أنفسهم بالكفر قريب ولا شفيع يطاع فى أمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 19 - وهو - سبحانه - يعلم النظرة الخائنة للعين، وما تخفيه الصدور من المكنونات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 20 - والله يحكم بالعدل، والشركاء الذين يدعونهم من دون الله لا يحكمون بشئ لعجزهم، إن الله - وحده - هو المحيط بكل ما يسمع ويبصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 21 - أقعد المشركون ولم يسيروا فى الأرض، فيروا كيف كان حال الأمم الذين كانوا من قبلهم؟ كانوا - هم - أشد منهم قدرة وآثاراً فى الأرض، فاستأصلهم الله بذنوبهم، وليس لهم من الله حافظ يحفظهم من عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 22 - ذلك العذاب الذى نزل بهم، لأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالأدلة الواضحات فجحدوها، فعجَّل الله عذابهم المستأصل، إنه ذو قوة عظيمة، بالغ الشدة فى العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 23 - ، 24 - لقد أرسلنا موسى بمعجزاتنا وبرهان ذى سلطان واضح إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا: هو ساحر بما جاء من المعجزات، مبالغ فى الكذب لدعواه أنه رسول من ربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 25 - فلما أتاهم موسى بالحق من عندنا، قال فرعون ومن معه لأتباعهم: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واتركوا نساءهم أحياء. وليس مكر الكافرين إلا ذاهباً فى متاهة وضياع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 26 - وقال فرعون: دعونى أقتل موسى وليدعُ ربه لينقذه منى، إنى أخشى أن يغيِّر دينكم - يا قوم - أو أن يشيع فى الأرض الفتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 27 - وقال موسى لفرعون وقومه: إنى تحصنت بمالك أمرى الذى ربانى، ومالك أمركم ومربيكم بنعمه وإحسانه، من كل متغطرس متعال لا يؤمن بيوم الحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 28 - وقال رجل مؤمن من أهل فرعون يخفى إيمانه - مخاطباً قومه -: أتقصدون رجلاً بالقتل لأنه يقول: معبودىَ الله، وقد جاءكم بالأدلة الواضحات من مالك أمركم ومربيكم، وإن يكن كاذباً فى دعواه فعليه - وحده - وبال كذبه، وإن يكن صادقاً يُنزل بكم بعض الذى يخوفكم به من العذاب، إن الله لا يوفق إلى طريق النجاة من هو مجاوز الحد مبالغ فى الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 29 - قال فرعون: ما دعوتكم إليه هو الحق، وما أدعوكم إليه هو طريق الخير والرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 30 - ، 31 - وقال الرجل الذى آمن من آل فرعون: يا قوم إنى أخشى عليكم يوماً مثل يوم الأقوام المتحزبين على رسلهم، مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود والأقوام الذين من بعدهم، وما الله يشاء ظلماً لعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 32 - ، 33 - ويا قوم: إنى أخاف عليكم يوم تفرون مدبرين ليس لكم من الله من مانع، ومن يضلله الله - لعلمه أنه يختار الضلالة على الهدى - فما له من مرشد يهديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 34 - لقد أتاكم يوسف من قبل موسى بالآيات الواضحات، فما زلتم فى شك مما أتاكم به، حتى إذا مات قلتم: لن يرسل الله من بعد يوسف رسولا، مثل هذا الإضلال الشنيع يُضل الله من هو مجاوز الحد، كثير الشك والارتياب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 35 - الذين يجادلون فى آيات الله بغير برهان جاءهم، كَبُرَ كرهاً وسخطاً عند الله وعند المؤمنين ما انطبعوا عليه من الجدال، مثل هذا الختم يختم الله على كل قلب متعال على الخلق، متسلط على الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 36 - ، 37 - وقال فرعون: يا هامان ابن لى بناءً عالياً رجاء أن أبلغ المسالك، مسالك السموات فأرى إله موسى، وإنى لأظنه كاذباً فى دعوى الرسالة، ومثل هذا التزين الباطل زين لفرعون سوء عمله حتى رآه حسناً، ومنع عن سبيل الحق لاختياره سبيل الضلالة، وليس مكر فرعون إلا فى خسار عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 38 - وقال الذى آمن من قوم فرعون: يا قوم اقتدوا بى أرشدكم طريق الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 39 - يا قوم: ما هذه الحياة الدنيا إلا كمتاع الراكب يفنى بسرعة، وإن الدار الآخرة هى - وحدها - دار الاستقرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 40 - من عمل سيئة فى الدنيا فلا يُجازى عليها فى الآخرة إلا مثلها، ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها رزقاً غير مقدر بحساب الحاسبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 41 - ، 42 - ويا قوم: أى شئ لى، أدعوكم إلى أسباب النجاة وتدعوننى إلى النار؟ . تدعوننى إلى الكفر بالله وإشراك من لا علم لى به، وأنا أدعوكم إلى القوى الذى لا يغلب، الكثير المغفرة للذنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 43 - لا محالة أن الإله الذى تدعوننى إلى عبادته ليس له دعوة يستجيبها فى الدنيا ولا فى الآخرة، وأن مرجعنا إلى الله، وأن المجاوزين الحدود هم أهل النار لا المؤمنين المعتدلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 44 - فستعلمون صدق ما قلته لكم، وأكل أمرى إلى الله، إن الله محيط بصره بالعباد فيجازيهم على أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 45 - ، 46 - فَوَقَى الله مؤمن آل فرعون شدائد مكرهم وأحاط بآل فرعون العذاب السيئ. النار يدخلونها صباحاً ومساءً، هذا فى الدنيا وهم فى عالم البرزخ، ويوم القيامة يقول الله تعالى: أدخلوا قوم فرعون أشد أنوع العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 47 - واذكر لهم - يا محمد - حين يتخاصم أهل النار فيها، فيقول الضعفاء - وهم الأتباع - للمستكبرين - وهم الرؤساء -: إنا كنا لكم فى الدنيا تَبعاً، فهل أنتم حاملون عنا جزءاً من عذاب النار؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 48 - قال المستكبرون: إننا كلنا فيها - نحن وأنتم - إن الله فصل بالحق بين العباد، فلكل منا ما قضاه عليه من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 49 - وقال الذين فى النار من الضعفاء والكبراء لحفظة جهنم - متوسلين إليهم - ادعوا إلهكم يُخفف عنا يوماً من العذاب نستروح فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 50 - قال خزنة جهنم لهم - موبخين -: ألم تتنبهوا إلى ما نزل بكم وكانت تجيئكم الرسل بالبراهين الواضحات؟ قال أهل جهنم: بلى جاءتنا الرسل فكذبناها. قال الخزنة: فإذا كان الأمر كذلك فادعوا - أنتم - وما دعاء الجاحدين إلا فى ضياع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 51 - إنا لننصر رسلنا والمؤمنين فى الحياة الدنيا بالانتقام من أعدائهم، وإقامة الحُجة عليهم، وفى يوم القيامة يوم يقوم الشهود يشهدون للرسل بالتبليغ، ويشهدون على الكفرة بالتكذيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 52 - يوم لا ينفع الظالمين اعتذارهم عمَّا فرط منهم فى الدنيا، ولهم الطرد من الرحمة، ولهم سوء الدار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 53 - ، 54 - لقد آتينا موسى ما يهتدى به إلى الحق، وأورثنا بنى إسرائيل التوراة هادية ومذكرة لأصحاب العقول السليمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 55 - إذا عرفت ما قصصناه عليك فاصبر - يا محمد - على ما ينالك من أذى، إن وعد الله بنصرك ونصر المؤمنين حق لا يتخلف، واطلب المغفرة من ربك لما قد يُعد ذنباً بالنسبة إليك، ونزِّه ربك عن النقائص تنزيها مقترناً بالثناء عليه أواخر النهار وأوائله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 56 - إن الذين يمارون فى دلائل الله بغير حُجة منه - تعالى - ليس فى صدورهم إلا تعال عن اتباع الحق، وليس تعاليهم بموصلهم إلى غايتهم، فاطلب الحفظ من الله، إنه هو المحيط سمعه وبصره بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 57 - أقسم: لخلق السموات والأرض أعظم من خلق الناس، لكن أكثر الناس سلبوا العلم، فلم يؤمنوا بالبعث مع إقرارهم بأنه خالق السموات والأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 58 - وما يستوى الأعمى عن الحق والبصير العارف به، ولا يستوى المحسنون الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسئ فى عقيدته وعمله، قليلا - أى قليل - تتذكرون - أيها الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 59 - إن القيامة لآتية لا شك فيها، ولكن أكثر الناس لا يصدقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 60 - وقال خالقكم ومالك أمركم: اسألونى أعطكم، إن الذين يتعاظمون عن دعائى سيدخلون جهنم أذلاء صاغرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 61 - الله - وحده - الذى جعل لكم الليل لتهدأوا فيه وتستريحوا من العمل، والنهار مضيئاً لتعملوا فيه، إن الله لصاحب فضل عظيم على الناس، ولكن أكثرهم لا يشكرونه على نعمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 62 - ذلكم المنعم بهذه النعم الجليلة الله مالك أمركم، خالق كل شئ، لا معبود بحق إلا هو، فإلى أى جهة تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 63 - مثل هذا الانصراف عن الحق إلى الباطل انصرف الذين كانوا من قبلكم، ينكرون آيات الله ويجحدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 64 - الله - وحده - الذى جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها، والسماء بناء محكم الترابط، وقدَّر خلقكم فأبدع صوركم، وجعلكم فى أحسن تقويم، ورزقكم من المباحات ما يلذ لكم، ذلك المنعم بهذه النعم الله ربكم، فتعالى الله مالك العوالم كلها ومربيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 65 - هو المنفرد بالحياة الدائمة، لا معبود بحق إلا هو، فتوجهوا بالدعاء إليه مخلصين له العبادة، الثناء كله حق ثابت لله رب الخلائق جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 66 - قل - أيها الرسول -: إنى نُهيت عن عبادة الآلهة التى تعبدونها من دون الله حين جاءنى الحُجج من ربى، وأمرت أن أنقاد فى كل أمورى لله رب العوالم كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 67 - الله - وحده - الذى خلقكم - يا بنى آدم - من تراب، ثم حول هذا التراب نطفة، ثم حول هذه النطفة إلى قطعة دم جامدة، ثم يُخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا، ثم يمد فى آجالكم لتبلغوا سن الكمال فى القوة والعقل، ثم يطيل أعماركم لتكونوا شيوخاً، ومنكم من يُتوفى قبل سن الشباب أو الشيخوخة، وخلقكم الله على هذا النمط لتبلغوا وقتاً مسمى عنده وهو يوم البعث، ولكى تعقلوا ما فى هذا التنقل فى الأطوار من حكم وعبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 68 - الله الذى يحيى ويميت، فإذا أراد إبراز أمر إلى الوجود فإنما يقول له: كن. فيكون دون تخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 69 - ألم تنظر إلى الذين يجادلون فى آيات الله الواضحة كيف يُصرفون عن النظر فيها ويصرون على ما هم فيه من ضلال؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 70 - ، 71، 72، 73، 74 - الذين كذَّبوا بالقرآن وبما أرسلنا به رسلنا - جميعاً - من الوحى، فسوف يعلمون عاقبة تكذيبهم حين تكون الأغلال والسلاسل فى أعناقهم، يجرون بها فى الماء الذى بلغ الغاية فى الحرارة، ثم بعد ذلك يلقون فى النار يصطلون حرها، ثم يقال لهم - توبيخاً وتبكيتاً -: أين معبوداتكم التى كنتم تعبدونها من دون الله؟ قال الكافرون: غابوا عنا، بل الحق أننا لم نكن نعبد من قبل فى الدنيا شيئاً يعتد به. مثل هذا الإضلال الشنيع يُضل الله الكافرين عن سبيل الحق لعلمه أنهم يؤثرون الضلالة على الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 75 - ، 76 - يُقال للكافرين: ذلكم العذاب بسبب ما كنتم فى الدنيا تفرحون فى الأرض بغير ما يستحق الفرح، وبسبب توسعكم فى الفرح بما يصيب أنبياء الله وأولياءه من أذى، ادخلوا أبواب جهنم مقدراً لكم فيها الخلود، فبئس مستقر المتكبرين جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 77 - فاصبر - يا محمد - إن وعد الله لك - بعذاب أعدائك - حق لا ريب فيه، وسيأتيهم هذا العذاب إمَّا فى حياتك أو حين يرجعون إلينا، فإن نُرِكَ بعض ما خوَّفناهم من العذاب فى حياتك فذاك، وإن نُمِتْك قبل ذلك فإلينا يرجعون، فنحاسبهم على ما كانوا يفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 78 - لقد أرسلنا رسلا كثيرين من قبلك، منهم من أوردنا أخبارهم عليك، ومنهم من لم نرد عليك أخبارهم، وما كان لرسول منهم أن يأتى بمعجزة إلا بمشيئة الله وإرادته، لا من تلقاء نفسه ولا باقتراح قومه، فإذا جاء أمر الله بالعذاب فى الدنيا أو الآخرة قضى بينهم بالعدل، وخسر فى ذلك الوقت أهل الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 79 - الله الذى ذلل لكم الإبل، لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 80 - ولكم فيها منافع كثيرة غير الركوب والأكل، ولتبلغوا عليها حاجة تهتمون بها فى أنفسكم، كجر الأثقال وحملها ونحو ذلك. وعلى الإبل التى هى نوع من الأنعام، وعلى الفلك تحملون أنتم وأمتعتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 81 - ويريكم الله دلائل قدرته، فأخبرونى أى دليل منها تنكرون، وهى من الوضوح بحيث لا ينكرها من له أدنى عقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 82 - أقعدوا فلم يسيروا فى الأرض فيروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من الهلاك والتدمير!؟ كان من قبلهم أكثر منهم عدداً وأشد منهم قوة وآثاراً فى الأرض، فما دفع عنهم عذاب الله ما كسبوه من مال أو قوة أو سلطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 83 - فحين جاءت هذه الأمم رسلهم بالشرائع والمعجزات الواضحات فرحت هذه الأمم بما عندهم من علوم الدنيا، واستهزأوا بعلم المرسلين، فنزل بهم العذاب الذى أخبرهم به المرسلون وكانوا به يستهزئون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 84 - فَلمَّا رأت هذه الأمم شدة عذابنا قالوا: صدَّقنا بالله - وحده - وأنكرنا الآلهة التى كنا بسببها مشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 85 - فلم يكن ينفعهم إيمانهم حين رأوا شدة عذابنا، سَنَّ الله سنة قد سبقت فى عباده: ألا يقبل الإيمان حين نزول العذاب، وخسر وقت نزول العذاب الكافرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 1 - حم حرفان من حروف المعجم افتتحت بهما السورة - كعادة القرآن فى افتتاح كثير من السور - لإثارة الانتباه والتدليل على إعجاز القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 2 - هذا الكتاب تنزيل بديع من المنعم بجلائل النعم ودقائقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 3 - كتاب ميزت آياته لفظاً ومقاطع، ومعنى بتمييزه بين الحق والباطل، والبشارة والإنذار، وتهذيب النفوس، وضرب الأمثال، وبيان الأحكام، وهو مقروء باللسان العربى ميسراً فهمه لقوم يعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 4 - مبشراً المؤمنين العاملين بما أعد لهم من نعيم، ومخوفاً المكذبين بما أعد لهم من عذاب أليم، فانصرف عنه أكثرهم، فلم ينتفعوا به، كأنهم لم يسمعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 5 - وقال الكافرون للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قلوبنا فى أغطية متكاثقة مما تدعونا إليه من توحيد الله، وفى آذاننا صمم فلا نسمع ما تدعونا إليه، ومن بيننا وبينك حجاب منيع يمنعنا من قبول ما جئت به، فاعمل ما شئت إننا عاملون ما شئنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 6 - ، 7 - قل لهم - أيها الرسول -: ما أنا إلا بشر مثلكم يوحى إلى من الله إنما معبودكم الحق إله واحد، فاسلكوا إليه الطريق القويم، واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم، وعذاب شديد للمشركين الذين لا يؤدون الزكاة إلى مستحقيها، وهم بالحياة الآخرة - دون غيرهم - جاحدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 8 - إن المؤمنين الذين عملوا الصالحات لهم جزاء حسن غير مقطوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 9 - قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: عجباً لكم، تكفرون بالله الذى خلق الأرض فى يومين، وأنتم - مع هذا - تجعلون له شركاء متساوين معه، ذلك الخالق للأرض مالك العوالم كلها ومربيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 10 - وجعل فى الأرض جبالا ثابتة من فوقها لئلا تميد بكم، وأكثر فيها الخير وقدر فيها أرزاق أهلها، حسبما تقتضيه حكمته، فى أربعة أيام، وأنتم - مع هذا - تجعلون له شركاء، وقدر كل شئ لا نقص فيه ولا زيادة، هذا التفصيل فى خلق الأرض وما عليها بيان للسائلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 11 - ثم تعلقت قدرته بخلق السماء وهى على هيئة دخان فوجدت، وخلقه للسموات والأرض - على وفق إرادته - هيِّن عليه بمنزلة ما يقال للشئ: احضر - راضياً أو كارهاً - فيطيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 12 - وأتم خلق السموات سبعاً فى يومين آخرين، وأوجد فى كل سماء ما أعدت له واقتضته حكمته، وزين السماء القريبة من الأرض بالنجوم المنيرة كالمصابيح، للهداية وحفظا من استماع الشياطين لأخبار الملأ الأعلى، ذلك الخلق المتقن تدبير العزيز الذى لا يغلب، المحيط علمه بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 13 - فإن أعرض المشركون عن الإيمان بعد وضوح دلائله فقل لهم - أيها الرسول -: خوفتكم عذاباً شديد الوقع كالصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 14 - أتت عاداً وثمود الصاعقة حين أتتهم رسلهم من جميع الجهات، فلم يدعوا طريقاً لإرشادهم إلا سلكوه، وقالوا لهم: لا تعبدوا إلا الله. قالوا: لو أراد الله إرسال رسول لأنزل إلينا ملائكة، فإنا بما أرسلتم به من التوحيد وغيره جاحدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 15 - فأما عاد فتعالوا فى الأرض بغير حق لهم فى هذا التعالى، وقالوا - مغترين بأنفسهم -: من أشد منا قوة؟ {عجباً لهم. أيقولون ذلك ولم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة؟} وكانوا بآياتنا ينكرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 16 - فأرسلنا عليهم ريحاً ذات صوت شديد فى أيام مشئومات لنذيقهم عذاب الهون فى الحياة الدنيا، وأقسم: لعذاب الآخرة أشد خزياً، وهم لا ينصرهم ناصر يومئذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 17 - وأما ثمود فبينا لهم طريق الخير وطريق الشر، فاختاروا الضلالة على الهدى فأصابتهم صاعقة أحرقتهم فى مذلة وهوان، بسبب ما كسبوا من ذنوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 18 - ونجينا من هذا العذاب الذين آمنوا وكانوا يتقون الله ويخشون عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 19 - واذكر لهم - أيها النبى - يوم يحشر أعداء الله إلى النار، فيجئ أولهم على آخرهم، ليتم إلزام الحُجة عليهم بين جميعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 20 - حتى إذا ما جاءوا النار وسئلوا عما ارتكبوا من الآثام فى الدنيا، فأنكروا، شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 21 - وقال أعداء الله لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا الله الذى أنطق كل شئ، وهو خلقكم أول مرة من العدم، وإليه - وحده - ترجعون بعد البعث فيحاسبكم على ما قدمتم من عمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 22 - وما كان باستطاعتكم أن تخفوا أعمالكم القبيحة عن جوارحكم مخافة أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم، ولكن كنتم تظنون أن الله لا يعلم كثيراً من أعمالكم، بسبب إتيانها فى الخفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 23 - وذلك الظن الفاسد الذى ظننتموه بربكم أهلككم، فأصبحتم - يوم القيامة - من الخاسرين أتم خسران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 24 - فإن يكظموا آلامهم فالنار مصيرهم ومستقرهم الدائم، وإن يطلبوا رضاء الله عليهم فما هم بمجابين إلى طلبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 25 - وهيأنا لهم قرناء فاسدين - فى الدنيا - فحسنوا لهم ما بين أيديهم من أمور الآخرة - فأغروهم بأنه لا بعث ولا حساب - وما خلفهم من أمور الدنيا ليستمتعوا بها، وثبتت عليهم كلمة العذاب مع أمم قد مضت من قبلهم من الجن والإنس ممن كانوا على شاكلتهم، لاختيارهم الضلالة على الهدى، إن هؤلاء - جميعاً - كانوا من الخاسرين أتم خسران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 26 - وقال الكفار بعضهم لبعض: لا تصغوا لهذا القرآن، وأتوا باللغو الباطل عند تلاوته فلا يستمع لتلاوته أحد ولا ينتفع به، رجاء أن تغلبوا محمداً بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 27 - فنقسم: لنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً على فعلهم - ولا سيما محاربتهم القرآن - ولنجزينهم أسوأ جزاء على أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 28 - ذلك الذى ذكر من العذاب جزاء حق لأعداء الله، النار مُعَدٌّ لهم فيها دار الخلود، جزاء جحودهم المستمر بآيات الله وحججه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 29 - وقال الكافرون - وهم فى النار -: ربنا أرنا الفريقين اللذين أوقعانا فى الضلال من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا، ليكونا من الأسفلين مكانة ومكاناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 30 - إن الذين قالوا: ربنا الله إقراراً بوحدانيته، ثم استقاموا على شريعته، تنزل عليهم الملائكة مرة بعد مرة، قائلين: لا تخافوا من شر ينزل بكم، ولا تحزنوا على خير يفوتكم، وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون بها على لسان الأنبياء والمرسلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 31 - ، 32 - وتقول لهم الملائكة: نحن نصراؤكم فى الحياة الدنيا بالتأييد وفى الآخرة بالشفاعة والتكريم، ولكم فى الآخرة ما تشتهيه أنفسكم من الملاذ والطيبات، ولكم فيها ما تتمنون إكراماً وتحية من رب واسع المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 33 - لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى توحيد الله وطاعته، وعمل - مع ذلك - عملا صالحاً، وقال - اعترافاً بعقيدته -: إنى من المنقادين لأوامر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 34 - ولا تستوى الخصلة الحسنة ولا الخصلة القبيحة، ادفع الإساءة - إن جاءتك من عدو - بالخصلة التى هى أحسن منها، فتكون العاقبة العاجلة. إن الذى بينك وبينه عداوة كأنه ناصر مخلص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 35 - وما يُرزَق هذه الخصلة - وهى دفع السيئة بالحسنة - إلا الذين عندهم خُلق الصبر، وما يُرزقها إلا ذو نصيب عظيم من خصال الخير وكمال النفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 36 - وإن يوسوس لك الشيطان ليصرفك عمَّا أمرت به - أيها المخاطب - فتحصن بالله منه، إن الله هو المحيط سمعه وعلمه بكل شئ فيُعيذك منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 37 - ومن دلائل قدرته تعالى - الليل والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، لأنهما من آياته، واسجدوا لله - وحده - الذى خلق الشمس والقمر والليل والنهار إن كنتم حقا تعبدونه وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 38 - فإن تعاظم المشركون عن امتثال أمرك فلا تأسف، فالذين عند ربك فى حضرة قدسه - وهم الملائكة - يُنزِّهونه عن كل نقص فى كل وقت بالليل والنهار، مخلصين له، وهم لا يَمِلُّون من تسبيحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 39 - ومن دلائل قدرته - تعالى - أنك ترى - يا من يستطيع أن يرى - الأرض يابسة، فإذا أنزلنا عليها الماء تحرَّكت للإنبات، إن الذى أحيا الأرض بعد موتها لخليق أن يحيى الموتى من الحيوان، إنه على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 40 - إن الذين يميلون عن الصراط السوى فى شأن آياتنا، ويزيغون عنها تكذيباً لها، لا يغيب عنا أمرهم وما يقصدون، وسنجازيهم بما يستحقون، أفمَن يرمى فى النار خير أم من يأتى مطمئنا يوم القيامة إلى نجاته من كل سوء؟ قل لهم متوعداً: اعملوا ما أردتم، إن الله محيط بصره بكل شئ، فيجازى كلا بعمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 41 - ، 42 - إن الذين جحدوا بالقرآن ذى الشأن حين جاءهم - من غير تدبر - سيكون لهم من العذاب ما لا يدخل تحت تصور أحد. جحدوه وإنه لكتاب عز نظيره، يغلب كل من عارضه، لا يأتيه الباطل الذى لا أصل له من أية ناحية من نواحيه، نزل متتابعاً من إله منزه عن العبث، محمود كثير الحمد بما أسدى من نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 43 - لا يقال لك - يا محمد - من أعدائك إلا كما قيل للرسل من قبلك من أعدائهم من شتْم وتكذيب، إن خالقك ومربيك لذو مغفرة عظيمة وذو عقاب بالغ الألم، فيغفر لمن تاب منهم وينتقم لك ممن أصر على عناده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 44 - ولو جعلنا القرآن أعجمياً - كما اقترح بعض المتعنتين - لقالوا - منكرين -: هلا بيَّنت آياته بلسان نفقهه، أكتاب أعجمى ومخاطب به عربى؟ قل لهم - أيها الرسول - هو كما نزل للمؤمنين - دون غيرهم - هدى وشفاء للمؤمنين، ينقذهم من الحيرة، ويشفيهم من الشكوك. والذين لا يؤمنون به كأن فى آذانهم - من الإعراض - صمماً، وهو عليهم عمى، لأنهم لا يرون منه إلا ما يبتغون به الفتنة، أولئك الكافرون كمن يدعون إلى الإيمان به من مكان بعيد لا يسمعون فيه دعاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 45 - أقسم: لقد آتينا موسى التوراة فاختلف فيها قومه، ولولا قضاء سبق من ربك - يا محمد - أن يُؤخر عذاب المكذبين بك إلى أجل محدد عنده، لفصل بينك وبينهم باستئصال المكذبين، وإن كفار قومك لفى شك من القرآن موجب للقلق والاضطراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 46 - من عمل عملاً صالحاً فأجره لنفسه، ومن أساء فى عمله فإثمه على نفسه، وليس ربك بظلام لعبيده، فيعاقب أحداً بذنب غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 47 - إلى الله - وحده - يرجع علم قيام الساعة، وما تخرج من ثمرات من أوعيتها، وما تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا كان هذا مقترناً بعلمه، واذكر يوم ينادى الله المشركين - توبيخاً لهم -: أين شركائى الذين كنتم تدعونهم من دونى؟ قالوا - معتذرين -: نُعْلمك - يا الله - ليس منا من يشهد أن لك شريكاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 48 - وغاب عنهم ما كانوا يعبدونه من قبل من الشركاء، وأيقنوا أنه لا مهرب لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 49 - لا يمل الإنسان من دعاء ربه بالخير الدنيوى، فإذا أصابه الشر فهو ذو يأس شديد من الخير، ذو قنوط بالغ من أن يستجيب الله دعاءه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 50 - ونقسم: إن أذقنا الإنسان نعمة - تفضلا منا - من بعد ضر شديد أصابه ليقولن: هذا الذى نلته من النعم حق ثابت لى، وما أظن القيامة آتية، وأقسم: إن فُرِضَ ورجعت إلى ربى إن لى عنده للعاقبة البالغة الحسن. ونقسم نحن لنجزين الذين كفروا - يوم القيامة - بعملهم، ولنذيقنهم من عذاب شديد متراكماً بعضه فوق بعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 51 - وإذا أنعمنا على الإنسان تولى عن شكرنا، وبعد بجانبه عن ديننا، وإذا مسه الشر فهو ذو دعاء كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 52 - قل لهم - يا محمد -: أخبرونى إن كان هذا القرآن من عند الله ثم جحدتم به، فمن أبعد عن الصواب ممن هو فى خلاف بعيد عن الحق؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 53 - قريباً نُرِى هؤلاء المنكرين دلائلنا على صدقك فى أقطار السموات والأرض وفى أنفسهم حتى يظهر لهم أن ما جئت به هو الحق دون غيره، أأنكروا إظهارنا لهم الآيات، أو لم يكف بربك أنه مطلع على كل شئ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 54 - ألا إن هؤلاء الكفار فى شك عظيم من لقاء ربهم لاستبعادهم البعث، ألا إن الله بكل شئ محيط بعلمه وقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 1 - ، 2 - حم. عسق: افتتحت هذه السورة بهذه الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 3 - مثل ما فى هذه السورة من المعانى يوحى إليك وإلى المرسلين من قبلك الله الغالب بقهره، الذى يضع كل شئ موضعه، على وفق الحكمة فى أفعاله وتدبيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 4 - لله - وحده - ما فى السموات وما فى الأرض خلقاً وملكاً وتدبيراً، وهو المتفرد بعلو الشأن وعظم السلطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 5 - تكاد السموات - مع عِظَمِهِن وتماسكهن - أن يتشققن من فوقهن، خشية من الله، وتأثراً بعظمته وجلاله، والملائكة ينزهون الله عما لا يليق به، مثنين عليه بما هو أهله، ويسألون الله المغفرة لأهل الأرض، وينبه - سبحانه - إلى أن الله هو - وحده - صاحب المغفرة الشاملة والرحمة الواسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 6 - والذين اتخذوا من دون الله نصراء، الله رقيب عليهم فيما يفعلون، ولست أنت - يا محمد - موكلاً بمراقبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 7 - ومثل ذلك الإيحاء البيِّن أوحينا إليك قرآناً عربياً لا لبس فيه، لتنذر أهل مكة ومن حولها من العرب، وتنذر الناس عذاب يوم يجمع الله فيه الخلائق للحساب، لا ريب فى مجيئه، الناس فيه فريقان: فريق فى الجنة، وفريق فى السعير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 8 - ولو شاء الله أن يجمع الناس فى الدنيا على طريقة واحدة لجمعهم، ولكن يدخل من يشاء فى رحمته، لعلمه أنهم سيختارون الهدى على الضلالة، والظالمون أنفسهم بالكفر ليس لهم من دون الله ولى يتكفل بحمايتهم، ولا نصير يُنقذهم من عذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 9 - هؤلاء الظالمون لم يتخذوا الله ولياً، بل اتخذوا غيره أولياء، وليس لهم ذلك، فالله - وحده - الولى بحق إن أرادوا ولياً، وهو يحيى الموتى للحساب، وهو المسيطر بقدرته على كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 10 - والذى اختلفتم فيه من الإيمان والكفر فالحكم الفصل فيه مفوض إلى الله، وقد بينه، وهو - سبحانه - معتمدى ومرجعى فى كل أمورى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 11 - مُبدع السموات والأرض، خلق لكم من جنسكم أزواجاً ذكوراً وإناثاً، وخلق من الأنعام من جنسها أزواجاً كذلك، يكثِّركم بهذا التدبير المحكم، ليس كذاته شئ، فليس له شئ يزاوجه، وهو المدرك - إدراكاً كاملاً - لجميع المسموعات والمرئيات بلا تأثر حاسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 12 - له مقاليد السموات والأرض حفظاً وتدبيراً، يوسع الرزق لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، إنه - تعالى - محيط علمه بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 13 - شرع لكم من العقائد ما عهد به إلى نوح، والذى أوحيناه إليك، وما عهدنا به إلى إبراهيم وموسى وعيسى، أن ثبِّتوا دعائم الدين - بامتثال ما جاء به - ولا تختلفوا فى شأنه، شق على المشركين ما تدعوهم إليه من إقامة دعائم الدين، الله يصطفى لرسالته من يشاء، ويوفق للإيمان وإقامة الدين من يترك العناد ويقبل عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 14 - وما اختلف أتباع الرسل السابقين فى الدين عداوة وحسداً فيما بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم بحقيقته فى رسالتك، ولولا وعْد سابق من الله بتأجيل العذاب إلى يوم القيامة لأهلكوا، وإن الذين ورثوا الكتاب من أسلافهم وأدركوا عهدك لفى شك من كتابهم موقع فى الريب، حيث لم يستجيبوا لدعوتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 15 - فلأجل وحدة الدين، وعدم التفرق فيه، فادعهم إلى إقامة الدين، وثابر على تلك الدعوة كما أمرك الله، ولا تساير أهواء المشركين، وقل: آمنت بجميع الكتب التى أنزلها الله على رسله، وأمرنى الله بإقامة العدل بينكم، وقل لهم: الله خالقنا وخالقكم، لنا أعمالنا لا لكم، ولكم أعمالكم لا لنا، لا احتجاج بيننا وبينكم لوضوح الحق. الله يجمع بيننا للفصل بالعدل، وإليه - وحده - المرجع والمآل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 16 - والذين يُجادلون فى دين الله من بعد ما استجاب الناس لدعوته الواضحة، حُجَّة هؤلاء المرتابين باطلة عند ربهم، وعليهم غضب شديد بكفرهم، ولهم عذاب أليم ينتظرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 17 - الله الذى أنزل كتاب محمد وما قبله من كتب المرسلين مشتملة على الحق والعدل، وما يُعلمك لعل وقت الساعة قريب وأنت لا تدرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 18 - يستعجل بمجئ الساعة - استهزاء - الذين لا يصدقون بها، والذين صدقوا بها خائفون من وقوعها فلا يستعجلونها، ويعلمون أنها الحق الثابت الذى لا ريب فيه، ويُنبِّه - سبحانه - إلى أن الذين يجادلون فى وقوعها لفى ضلال بعيد عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 19 - الله عظيم البر بجميع عباده، يرزق من يشاء كما يشاء، وهو الغالب على كل شئ، المنيع الذى لا يغلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 20 - من كان يريد بعمله ثواب الآخرة نضاعف له أجره، ومن كان يريد بأعماله متاع الدنيا - فحسب - غير راغب فى متاع الآخرة نعطه ما قسم له فيها، وليس له فى الآخرة نصيب من الثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 21 - بل ألهُم آلهة شرعوا لهم من الدين ما لم يأمر به الله؟ لم يكن ذلك، ولولا وعد سابق بتأخر الفصل إلى يوم القيامة لقضى بين الكافرين والمؤمنين فى الدنيا، وإن الظالمين أنفسهم بالكفر لهم عذاب شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 22 - ترى فى القيامة - أيها المخاطب - الذين ظلموا أنفسهم بالشرك خائفين عقاب شركهم، وهو نازل بهم - لا محالة - وترى الذين آمنوا وعملوا الصالحات مُتَمَتِّعين فى أطيب بقاع الجنة، لهم ما يتمنون من النعيم عند ربهم، ذلك الجزاء العظيم هو الفضل الكبير الذى تتعلق به الآمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 23 - ذلك الفضل الكبير هو الذى يُبشِّر الله به عباده المؤمنين الطائعين، قل - أيها الرسول -: لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة أجراً إلا أن تحبوا الله ورسوله فى تقربكم إليه - سبحانه - بعمل الصالحات، ومن يكتسب طاعة يُضاعف الله له جزاءها، إن الله واسع المغفرة للمذنبين، شكور لعباده طيبات أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 24 - أيقول الكفار: اختلق محمد الكذب على الله؟! فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، واتهامك بالافتراء على الله، ويزيل الله الشرك ويخذله، ويثبت الإسلام ويظهره بالوحى الذى أنزله على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إنه - سبحانه - محيط بخفايا قلوبكم جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 25 - والله - وحده - الذى يقبل التوبة من أهل طاعته بالتجاوز عما تابوا منه، ويصفح - تفضلاً ورحمة - عن السيئات دون الشرك، ويعلم ما تفعلون من خير أو شر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 26 - ويُجيب الله المؤمنين إلى ما طلبوا، ويزيدهم خيراً على مطلوبهم، والكافرون لهم عذاب بالغ غاية الشدة والإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 27 - ولو وسَّع الله الرزق لجميع عباده - كما يبتغون - لطغوا فى الأرض وظلموا، ولكن الله يوسع الرزق لمن يشاء، ويُضيقه على من يشاء، حسبما اقتضته حكمته، إن الله محيط علماً بما خفى وظهر من أمور عباده، فيقدر بحكمته لكلٍّ ما يصلح شأنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 28 - والله - وحده - هو الذى ينزل المطر الذى يغيثهم من الجدب من بعد اليأس واشتداد القحط، رحمة بعباده، وينشر بركات المطر فى النبات والثمار والحيوان والسهل والجبل، وهو - وحده - الذى يتولى تدبير أمور عباده، المحمود على إنعامه وجميع أفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 29 - ومن دلائل قدرة الله على خلق ما يشاء: خلق السموات والأرض على هذا النظام المحكم، وخلق ما فرق ونشر فيهما من الدواب المرئية وغيرها، والله الذى ثبتت قدرته بإبداع ما تقدم قدير على جمع المكلفين فى الوقت الذى يشاء بعثهم فيه للجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 30 - وأى مصيبة أصابتكم مما تكرهونه فبسبب معاصيكم، وما عفا عنه فى الدنيا أو آخذ عليه فيها، فالله أكرم من أن يعاقب به فى الآخرة، وبهذا تنزَّه عن الظلم واتصف بالرحمة الواسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 31 - ولستم بقادرين على أن تعجزوا الله عن إنزال المصائب فى الدنيا عقاباً على معاصيكم، وإن هربتم فى الأرض كل مهرب، وليس لكم من دون الله من يتولاكم بالرحمة عند نزول البلاء، ولا من ينصركم بدفعه عنكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 32 - ومن دلائل قدرة الله السفن الجارية فى البحر كالجبال الشاهقة فى عظمتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 33 - إن يشأ الله يُسْكِن الريح فتظل السفن ثوابت على ظهر الماء لا تجرى بهم إلى مقاصدهم، إن فى سيرها ووقوفها بأمر الله لدلائل واضحة على قدرة الله، يعتبر بها المؤمنون الصابرون فى الضراء، الشاكرون فى السراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 34 - أو يهلكن بذنوب ركابها بإرسال الرياح العاصفة، وإن يشأ يعف عن كثير، فلا يعاقبهم بإسكان الريح، أو بإرسالها عاصفة مغرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 35 - الله - سبحانه - فعل ذلك ليعتبر المؤمنون، ويعلم الذين يردون آياته بالباطل أنهم فى قبضته، ما لهم مهرب من عذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 36 - لا تغتروا بمتاع الدنيا، فكل ما أعطيتموه - أيها الناس - من المال والبنين وسواهما فهو متاع لكم فى الحياة الدنيا، وما أعده الله من نعيم الجنة خير وأدْوم للذين آمنوا، وعلى خالقهم ومربيهم - وحده - يعتمدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 37 - والذين يبتعدون عن ارتكاب كبائر ما نهى الله عنه، وكل ما زاد قبحه من الذنوب، وإذا ما استفزوا بالإساءة إليهم فى دنياهم، هم - وحدهم - يبادرون بالصفح حتى كان ذلك علاجاً نافعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 38 - والذين أجابوا دعوة خالقهم ومربيهم، فآمنوا به، وحافظوا على صلواتهم، وكان شأنهم التشاور فى أمورهم لإقامة العدل فى مجتمعهم، دون أن يستبد بهم فرد أو قلة من الناس، ومما أنعم الله به عليهم ينفقون فى وجوه الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 39 - والذين إذا اعتدى عليهم ظالم هم ينتصرون لأنفسهم بمقاومة عدوانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 40 - وجزاء المسئ إساءة مماثلة تقريراً للعدل، فمن عفا عمن أساءه عند القدرة، وأصلح ما بينه وبين خصمه تقريراً للود، فثوابه على الله الذى لا يعلم بقدره سواه، إن الله لا يرحم المعتدين على حقوق الناس بمجاوزة شريعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 41 - وإن الذين يعاقبون المعتدين بمثل ما اعتدوا به فلا مؤاخذة عليهم ولا لوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 42 - إنما اللوم والمؤاخذة على المعتدين الذين يظلمون الناس ويتكبرون فى الأرض، ويفسدون فيها بغير الحق، أولئك لهم عذاب شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 43 - أقسم: لمن صبر على الظلم وتجاوز عن ظالمه، ولم ينتصر لنفسه حينما لا يكون العفو تمكيناً للفساد فى الأرض، إن ذلك لمن الأمور التى ينبغى أن يوجبها العاقل على نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 44 - ومن ضل طريق الهدى - لسوء اختياره - فليس له ناصر سوى الله يهديه أو يمنعه من العذاب، وترى فى القيامة - أيها المخاطب - الظالمين حين يشاهدون عذاب الآخرة يسألون ربهم أى وسيلة يرجعون بها إلى الدنيا، كى يعملوا صالحاً غير الذى كانوا يعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 45 - وترى الظالمين - كذلك - يُعرضون على النار متضائلين بسبب ما رأوه من الهول وما نزل بهم من الهوان، يسارقون النظر إلى النار خوفاً من مكارهها، ويقول المؤمنون - حينئذ -: إن الخاسرين حقا هم الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وخسروا أزواجهم وأولادهم وأقاربهم بما حيل بينهم، ويُنبِّه الله إلى أن الظالمين فى عذاب دائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 46 - وما كان لهم نصراء مما عبدوهم من دون الله، وممن أطاعوا فى معصيته، ينقذونهم من عذاب الله، ومن ضل طريق الحق - لسوء اختياره - فليس له أى طريق ينجِّيه من سوء المصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 47 - سارعوا - أيها الناس - إلى إجابة ما دعاكم إليه رسول خالقكم ومُربيكم من الإيمان والطاعة، من قبل أن تنتهى الحياة التى هى فرصة للعمل، ويأتى يوم الحساب الذى لا يردُّه الله بعد أن قضى به، ليس لكم - يومئذ - أى ملاذ يحميكم من العذاب ولا تجدوا من يدفع عنكم أو يقوى على حمايتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 48 - فإن أعرض المشركون عن إجابتك - أيها الرسول - فلا تحزن، فلست رقيباً عليهم فيما يفعلون، إنما كُلِّفْت البلاغ، وقد بيَّنت، وإن شأن الناس إذا منحناهم من لدنا سعة بطروا لأجلها، وإن تصبهم مصيبة بسبب معاصيهم فإنهم ينسون النعمة، ويجزعون لنزول البلاء كفراً وجحوداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 49 - لله - وحده - ملك السموات والأرض خلقاً وتدبيراً وتصرفاً، يخلق ما يشاء خلقه، يهب لمن يشاء الإناث من الذرية، ويمنح من يشاء الذكور دون الإناث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 50 - ويتفضل - سبحانه - على من يشاء بالجمع بين الذكور والإناث، ويجعل من يشاء لا ولد له، إن الله محيط علمه بكل شئ، قدير على فعل كل ما يريد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 51 - وما صح لأحد من البشر أن يُكلمه الله إلا وحياً بالإلقاء فى القلب إلهاماً، أو مناماً، أو بإسماع الكلام الإلهى دون أن يرى السامع من يكلمه، أو بإرسال ملك يرى صورته، ويسمع صوته، ليوحى بإذن الله ما يشاء، إن الله قاهر فلا يمانع، بالغ الحكمة فى تصرفاته وتدبيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 52 - ومثل ما أوحينا إلى الرسل قبلك أوحينا إليك - أيها الرسول - هذا القرآن حياة للقلوب بأمرنا، ما كنت تعرف قبل الإيحاء إليك ما هو القرآن، ولا تعرف ما شرائع الإيمان، ولكن جعلنا القرآن نوراً عظيماً يرشد به من اختار الهدى، وإنك لتدعو بهذا القرآن إلى طريق مستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 53 - صراط الله طريقه الذى له - وحده - ما فى السموات وما فى الأرض وهذا ما تدعو إليه - يا محمد - وما نزلت به رسالتك، ليعلم الناس أن إلى الله وحده - تصير كل الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 1 - حم: افتتحت هذه السورة ببعض الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 2 - أقسم سبحانه - بالقرآن الموضح لما اشتمل عليه من العقائد والأحكام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 3 - إنا صيَّرنا الكتاب قرآناً عربياً، لكى تستطيعوا إدراك إعجازه وتدبر معانيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 4 - وإن هذا القرآن الثابت فى اللوح المحفوظ عندنا، لرفيع القدر، ومُحكم النَّظْم، فى أعلى طبقات البلاغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 5 - أَنُهْملكم فنمنع إنزال القرآن إليكم إعراضاً عنكم، لإسرافكم على أنفسكم فى الكفر، لا يكون ذلك، لاقتضاء الحكمة إلزامكم الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 6 - وأرسلنا كثيراً من الأنبياء فى الأمم السابقة، فليس عجيباً إرسال رسول إليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 7 - وما يجيئهم من رسول يُذكِّرهم بالحق إلا استمروا على استهزائهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 8 - فأهلكنا المكذبين السابقين، وقد كانوا أشد من كفار مكة قوة ومنعة، فلا يغتر هؤلاء بسطوتهم، وسلف فى القرآن من قصص الأولين العجيب ما جعلهم عبرة لغيرهم، فاعتبروا - أيها المكذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 9 - وأقسم: إن سألت الكافرين - أيها الرسول - عمن خلق السموات والأرض؟ ليقولن - جواباً لذلك -: خلقهن الله، المتصف فى واقع الأمر بالعزة والعلم المحيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 10 - الذى جعل لكم الأرض مكاناً ممهداً، لتستطيعوا الإقامة فيها واستغلالها، وجعل لأجلكم فيها طرقات تسلكونها فى أسفاركم كى تصلوا إلى غاياتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 11 - والذى نزَّل من السماء ماء بقدر الحاجة، فأحيا به بلدة مجدبة لا نبات فيها، كمثل ذلك الإحياء للأرض وإخراج الزروع منها تبعثون من قبوركم للجزاء، فكيف تنكرونه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 12 - والذى خلق أصناف المخلوقات كلها، وسخَّر لكم من السفن والإبل ما تركبونه فى أسفاركم لقضاء حوائجكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 13 - كى تستقروا فوق ظهورها، ثم تذكروا نعمة خالقكم ومُربِّيكم فى تسخيرها لكم عند الاستقرار عليها، ولتقولوا - استعظاماً لتذليلها العجيب، واعترافاً بالعجز عن ضبطها، والتسلط عليها -: سبحان الذى ذلل لنا هذا، وما كنا لتذليلها مطيقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 14 - وإنا إلى خالقنا لراجعون بعد هذه الحياة، ليحاسب كُلٌّ على ما قدَّمت يداه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 15 - وجعل المشركون لله - سبحانه - بعض خلقه ولداً ظنوه جزءاً منه، إن الإنسان بعمله هذا لمبالغ فى كفره، واضح فى جحوده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 16 - بل أتزعمون أنه اتخذ لنفسه من خلقه البنات وآثركم بالذكور؟ {إن هذا لأمر عجيب حقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 17 - نسبوا إليه ذلك، والحال أنه إذا بشر أحدهم بولادة أنثى له صار وجهه مسوداً غيظاً، وهو مملوء كآبة وحزناً لسوء ما بُشِّر به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 18 - أيجترئون ويجعلون ولداً لله من شأنه النشأة فى الزينة، وهو فى الجدال وإقامة الحُجة عاجز لقصور بيانه؟} إن هذا لعجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 19 - وسموا الملائكة المخلوقين للرحمن إناثاً، أرأوا خلقهم رؤية مشاهدة حتى يحكموا بذلك؟ لم يروه، سنسجل عليهم هذا الافتراء، ويُحاسبون عليه يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 20 - وقال المشركون: لو شاء الرحمن عدم عبادتنا لهؤلاء الشركاء ما عبدناهم، زاعمين أنه راض عن عبادتهم لهؤلاء الشركاء، ليس لديهم بما قالوا أى علم يستندون إليه، وما هم إلا واهمون، يقولون قولاً غير مستند إلى دليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 21 - هل أعطيناهم كتاباً من قبل القرآن يؤيد افتراءهم، فهم به متعلقون أشد التعلق؟! لم ننزل عليهم ذلك، فلا حُجة لهم من النقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 22 - بل قال المشركون - حين فقدوا كل حُجة -: إنا وجدنا آباءنا على دين، وإننا على آثارهم سائرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 23 - ومثل الحال الذى عليه هؤلاء حال الأمم السابقة، ما أرسلنا من قبلك فى قرية رسولا إلا قال المتنعمون فيها - وهم الذين أبطرتهم النعمة -: إننا وجدنا آباءنا على دين، وإنا على آثارهم سائرون، فالتقليد ضلال قديم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 24 - قال النذير: أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بما هو أدخل فى الهداية مما وجدتم عليه آباءكم؟ قالوا - مجيبين لرسلهم يكذبون بالدين -: إننا بما أرسلتم به جاحدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 25 - فعاقبنا المكذبين لرسلهم عقاباً شديداً فى الدنيا، فانظر - أيها المتأمل - كيف صار مآل المكذبين لكم مثلا عجيباً وعظة بالغة؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 26 - واذكر - يا محمد - للمكذبين قصة إبراهيم، إذ قال لأبيه وقومه: إننى برئ من عبادة آلهتكم الباطلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 27 - لكنى أعبد الله الذى خلقنى، لأنه سبحانه - الذى سيرشدنى إلى طريق الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 28 - وصيَّرها - بإعلانها لهم - كلمة باقية فى ذريته - هى كلمة التوحيد - لعلهم يرجعون إليها، فيؤمنون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 29 - لم يحقق المشركون رجاء إبراهيم، ولم أعجل لهم العقوبة، بل متعت الحاضرين - لك يا محمد - ومتعت آباءهم من قبل بأنواع النعم، حتى نزل القرآن داعياً إلى الحق وجاءهم رسول مبين يدعوهم إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 30 - وحين نزل القرآن يرشدهم إلى التوحيد ضموا إلى شركهم تسميته سحراً وتمويهاً - استهزاء به - وأصروا على كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 31 - وقال المشركون، استخفافاً بمحمد، واستعظاماً أن ينزل عليه القرآن: هلا نزل القرآن - الذى يزعم أنه وحى الله - على رجل عظيم من مكة أو الطائف؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 32 - ليس بأيدى المشركين مفاتيح الرسالة، حتى يجعلوها فى أصحاب الجاه، نحن تولينا تدبير معيشتهم لعجزهم عن ذلك، وفضلنا بعضهم على بعض فى الرزق والجاه، ليتخذ بعضهم من بعض أعواناً يسخرونهم فى قضاء حوائجهم، حتى يتساندوا فى طلب العيش وتنظيم الحياة والنبوة وما يتبعها من سعادة الدارين خير من أكبر مقامات الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 33 - ولولا كراهة أن يكفر الناس جميعاً إذا رأوا الكفار فى سعة من الرزق، لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن سقفاً ومصاعد يرتقون عليها من الفضة، لهوان الدنيا علينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 34 - ، 35 - ولجعلنا لبيوتهم أبواباً وسرراً من فضة ينعمون بها ويتكئون عليها، ولجعلنا لهم زينة من كل شئ، وما كل ذلك المتاع الذى وصفناه لك إلا متاعاً فانياً مقصوراً على الحياة الدنيا، وثواب الآخرة عند خالقك ومربيك مُعَد للذين اتقوا الشرك، واجتنبوا الموبقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 36 - ومن يتعامى عن القرآن الذى أنزله الرحمن ذكرى للعاملين نجعل له شيطاناً يتسلط عليه، فهو معه - دائماً - يضله ويغويه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 37 - وإن شياطين المتعامين عن القرآن ليمنعونهم عن الطريق الذى يدعو إليه الرحمن، ويحسب المتعامون أنهم - باتباع قرنائهم - على الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 38 - حتى إذا جاء من تعامى عن القرآن إلى الله يوم القيامة، ورأى عاقبة تعاميه، قال لقرينه - نادماً -: يا ليت بينى وبينك فى الدنيا بُعد المشرق عن المغرب، فبئس الصاحب كنت لى، حتى أوقعتنى فى الهاوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 39 - ويقال لهم حينئذ - توبيخاً -: لن يخفف العذاب عنكم اليوم - إذ ظلمتم أنفسكم بالكفر - اشتراك شياطينكم معكم فيه، لأن كلا يعانى من العذاب ما يثقله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 40 - أتقدر - يا محمد - على هداية من استولى عليهم الضلال؟ أفأنت تسمع الصم عن الحق، والعمى عن الاعتبار، ومن كان فى علم الله أنه يموت على الضلال؟ لا تستطيع ذلك، لأنهم استقروا فى الكفر، فلم ينتفعوا بما يسمعونه ويرونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 41 - فإن قبضناك قبل أن نريك عذابهم، ونشفى بذلك صدرك وصدور قوم مؤمنين فإنا سننتقم منهم - لا محالة - فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 42 - أو إذا أردت أن نريك العذاب الذى وعدناهم قبل وفاتك أريناك، لأننا مسيطرون عليهم بقدرتنا وقهرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 43 - إذا كان أحد هذين الأمرين واقعاً - لا محالة - فكن مستمسكاً بالقرآن الذى أوحيناه إليك، واثبت على العمل به، لأنك على طريق الحق القويم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 44 - وإن هذا القرآن لشرف عظيم لك - يا محمد - ولأمتك، لنزوله عليك بلغة العرب، وسوف تسألون يوم القيامة عن القيام بحقه وشكر نعمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 45 - وانظر فى شرائع من أرسلنا من قبلك من رسلنا، أجاءت فيها دعوة الناس إلى عبادة غير الله؟ لم يجئ ذلك، فالعابدون لغير الله متوغلون فى الضلال بعبادتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 46 - ولقد أرسلنا موسى بالمعجزات الدالة على صدقه إلى فرعون وقومه، فقال: إنى رسول خالق العالمين ومُربِّيهم إليكم، فطالبوه بالمعجزات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 47 - فلما جاءهم بالمعجزات المؤيدة لرسالته قابلوه فور مجيئها بالضحك منها - سخرية واستهزاء - دون تأمل فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 48 - وكل معجزة من المعجزات التى توالت عليهم إذا نظر إليها قيل: هى أكبر من قرينتها وصاحبتها. وحينما أصروا على الطغيان أصبناهم بأنواع البلايا، ليرجعوا عن غيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 49 - وقالوا - مستغيثين بموسى حينما عمَّهم البلاء -: يا أيها الساحر - وهو العالم - ادع لنا ربك متوسلا بعهده عندك أن يكشف عنا العذاب، إنا - إذا كُشِف - لمهتدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 50 - فلما كشف الله عنهم المصائب بدعاء موسى فاجأوه بنقض عهدهم بالإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 51 - ونادى فرعون فى قومه - معلناً قوته وتسلطه -: أليس لى - لا لغيرى - ملك مصر، وهذه الأنهار التى تشاهدونها تجرى من تحت قصرى؟ أعميتم عن مشاهدة ذلك، فلا تعقلون ما تمليه المشاهدة من قوتى وضعف موسى؟ وأراد بندائه تثبيتهم على طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 52 - قال فرعون - مبالغة فى الطغيان -: بل أنا خير من هذا الذى هو ضعيف ذليل، ولا يُكاد يُبين دعواه بلسان فصيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 53 - وقال أيضاً - محرضاً على تكذيب موسى -: فهلا ألقى عليه ربه أسْورة من ذهب ليلقى إليه بمقاليد الأمور، أو أعانه بملائكة يؤيدونه إن كان صادقاً فى دعواه الرسالة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 54 - فاستفز فرعون قومه بالقول، وأثر فيهم هذا التمويه، فأطاعوه فى ضلاله، إنهم كانوا قوماً خارجين عن دين الله القويم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 55 - فلما أغضبونا أشد الغضب - بإفراطهم فى الفساد - انتقمنا منهم بإغراقهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 56 - فجعلنا فرعون وقومه قدوة للكافرين بعدهم فى استحقاق مثل عقابهم. وحديثاً عجيب الشأن يعتبر به جميع الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 57 - ولما ضرب الله عيسى ابن مريم مثلاً، فى كونه كآدم، خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون، فهو عبد مخلوق، مُنعم عليه بالنبوة، لا تصح عبادته من دون الله. إذا قومك يعرضون ولا يعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 58 - وقال الكافرون: أآلهتنا خير أم عيسى؟ فإذا كان هو فى النار فلنكن نحن وآلهتنا معه. ما ضرب الكفار هذا المثل لك إلا للجدل والغلبة فى القول لا لطلب الحق، بل هم قوم شداد فى الخصومة ممعنون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 59 - ما عيسى إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة، وصيَّرناه عبرة عجيبة كالمثل - لخلقه بدون أب - لبنى إسرائيل يستدلون به على كمال قدرتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 60 - لو نشاء لحوَّلنا بعضكم - أيها الرجال - ملائكة يخلفونكم فى الأرض كما يخلفكم أولادكم، لتعرفوا أن الملائكة خاضعون لتصريف قدرة الله، فمن أين لهم استحقاق الألوهية؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 61 - وأن عيسى بحدوثه بدون أب، وإبرائه الأكمه والأبرص لدليل على قيام الساعة، فلا تشكن فيها، واتبعوا هداى ورسولى. هذا الذى أدعوكم إليه، طريق مستقيم موصل إلى النجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 62 - ولا يمنعكم الشيطان عن اتباع طريقى المستقيم، إنه لكم عدو ظاهر العداوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 63 - وحينما أرسل عيسى إلى بنى إسرائيل بالمعجزات الواضحات والآيات البينات قال لهم: قد جئتكم بشريعة حكيمة تدعوكم إلى التوحيد، وجئتكم لأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه من أمر الدين لتجتمعوا على الحق، فاخشوا عذاب الله وأطيعون فيما أدعوكم إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 64 - إن الله - وحده - هو خالقى وخالقكم، فاعبدوه دون سواه، وحافظوا على شريعته، هذا الذى أدعوكم إليه طريق مستقيم موصل إلى النجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 65 - فاختلف الأحزاب من بين النصارى بعد عيسى فرقاً فى أمره، فهلاك للذين ظلموا بما قالوه فى عيسى مما كفروا به من عذاب شديد الإيلام يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 66 - ما ينتظر الكافرون شيئاً بعد إعراضهم عن الإيمان إلا إتيان الساعة بغتة، وهم غافلون عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 67 - الأصدقاء الذين جمعهم الباطل فى الدنيا يكون بعضهم لبعض عدواً يوم إتيان الساعة بغتة، وتنقطع كل محبة إلا محبة الذين خافوا - وهم فى الدنيا - عذاب الله، واجتمعوا فيها على طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 68 - ينادى الله المتقين - تكريماً لهم - يا عبادى، لا تخافوا اليوم عذاباً، ولا أنتم تحزنون، فقد أمنتم العذاب، وضمن الله لكم الثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 69 - الذين صدَّقوا بآيات الله وأطاعوه، وكانوا له منقادين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 70 - يقال لهم يوم القيامة تشريفاً: ادخلوا الجنة أنتم مع أزواجكم، تُسرُّون فيها سروراً عظيماً، يظهر أثره على وجوهكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 71 - وبعد دخولهم الجنة يُطاف عليهم بأوان من ذهب وأكواب كذلك، وفيها ألوان الأطعمة وأنواع الأشربة، ولهم فى الجنة كل ما تشتهيه الأنفس وتقر به الأعين، ويقال لهم - إكمالا للسرور -: أنتم فى هذا النعيم مخلدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 72 - ويقال - إتماماً للنعمة -: تلك هى الجنة التى ظفرتم بها بسبب ما قدَّمتم فى الدنيا من عمل الصالحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 73 - لكم فيها فاكهة كثيرة الأنواع والألوان والطعوم، تتمتعون بالأكل منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 74 - إن الذين أجرموا بالكفر فى عذاب جهنم خالدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 75 - لا يُخفف العذاب عن هؤلاء المجرمين ولا ينقطع، وهم فيه يائسون من النجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 76 - وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بهذا العذاب، ولكن كانوا هم الذين ظلموا أنفسهم باختيارهم الضلالة على الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 77 - ونادى المجرمون - حين يئسوا من تخفيف العذاب الشديد - مالكاً خازن النار قائلين له: سل ربك أن يُميتنا لنستريح من أهوال جهنم. فقال لهم مالك: إنكم مقيمون فى العذاب دائماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 78 - قال تعالى - رداً عليهم -: لقد جاءكم رسولنا - يا أهل مكة - بالدين الحق. فآمن به قليل، وأعرض عنه أكثركم. وهم لهذا الحق كارهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 79 - بل أأحكم مشركو مكة أمرهم على تكذيب الرسول والتآمر على قتله؟ فإنا محكمون أمراً فى مجازاتهم وإظهارك عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 80 - بل أيحسب هؤلاء المشركون أنا لا نسمع حديث أنفسهم بتدبير الكيد، وما يتكلمون به فيما بينهم من تكذيب الحق؟ بلى نسمعها، والحفظة من الملائكة عندهم يكتبون ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 81 - قل للمشركين: إن صح بالبرهان أنَّ للرحمن ولداً فأنا أول العابدين لهذا الولد، لكنه لم يصح بالحُجة أن ولداً للرحمن، لما يترتب عليه من مشابهة الخالق للمخلوقين، وهو - سبحانه - منزه عن مشابهة الحوادث من خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 82 - تنزيهاً لخالق السموات والأرض خالق العرش، العظيم عمَّا يصفه به المشركون، مما لا يليق بألوهيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 83 - فدعهم ينغمسوا فى أباطيلهم ويلعبوا فى دنياهم - بترك الجادة - غير ملتفت إليهم، حتى يجئ يوم القيامة الذى وعدوا به، لتجزى كل نفس بما كسبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 84 - وهو الذى يُعبد فى السماء بحق، ويُعبد فى الأرض بحق، وهو - وحده - ذو الإحكام البالغ فى أفعاله وتدبيره، المحيط علمه بما كان وما يكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 85 - وتعالى وتعظم الذى له - وحده - كمال التصرف فى السموات والأرض وفيما بينهما من مخلوقات الجو المشاهدة وغيرها، وله تدبير الأمر فى ذلك، وعنده - وحده - علم وقت القيامة، وإليه - وحده - ترجعون فى الآخرة للحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 86 - ولا يملك آلهتهم الذين يعبدونهم من غير الله الشفاعة لمن عبدوهم، لكن من شهدوا بالتوحيد - وهم يعتقدون أن الله ربهم حقاً - هم الذين يشفعون فيمن يشاء الله من المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 87 - ولئن سألت - أيها الرسول - هؤلاء المشركين عمن خلقهم، فيقولن: خلقهن الله، فكيف يصرفون عن عبادته تعالى إلى عبادة غيره مع إقرارهم بأنه خالقهم؟! إن هذا لعجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 88 - أقسم بقول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مستغيثاً داعياً: «يا رب» إن هؤلاء المعاندين قوم لا ينتظر منهم إيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 89 - فأعرض - أيها الرسول - عنهم - لشدة عنادهم - ودعهم، وقل لهم: سلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 1 - حم: ابتدأت هذه السورة ببعض الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 2 - أقسم الله بالقرآن الكاشف عن الدين الحق، الموضح للناس ما يُصلح دنياهم وآخرتهم، إعلاماً برفعة قدره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 3 - إننا ابتدأنا إنزال القرآن فى ليلة وفيرة الخير، كثيرة البركات، لأن من شأننا الإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 4 - فى هذه الليلة المباركة يُفَصَّل ويُبيَّن كل أمر محكم، والقرآن رأس الحكمة، والفيصل بين الحق والباطل، ولذا كان إنزاله فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 5 - أعنى بهذا الأمر أمراً عظيماً صادراً من عندنا كما اقتضاه تدبيرنا، لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب لتبليغ العباد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 6 - لأجل رحمة ربك بعباده أرسل رسله للناس يبلغونهم هَدْيه، لأنه - وحده - السميع لكل مسموع، المحيط علماً بكل معلوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 7 - هو خالق السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بالحق، مذعنين له، مؤمنين بأنه المنزل للقرآن رحمة وهداية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 8 - لا إله يستحق العبادة سواه، هو - وحده يحيى ويميت، وهو - وحده - خالقكم وخالق آبائكم الأولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 9 - بل الكفار فى شك من هذا الحق، يتبعون أهواءهم، وذلك شأن اللاهين اللاعبين، لا شأن أهل العلم واليقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 10 - فانتظر - أيها الرسول - حينما ينزل بهم القحط، فيصابون بالهزال وضعف البصر، فيرى الرجل بين السماء والأرض دخاناً واضحاً! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 11 - يحيط هذا الدخان بالمكذبين الذين أصابهم الجدب، فيقولون لشدة الهول: هذا عذاب شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 12 - كما يقولون استغاثة بالله: إننا سنؤمن بعد أن تكشف عنا عذاب الجوع والحرمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 13 - كيف يتعظ هؤلاء، ويوفون بما وعدوا من الإيمان عند كشف العذاب، وقد جاءهم رسول واضح الرسالة بالمعجزات الدالة على صدقه، وذلك أعظم موجبات الاتعاظ؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 14 - ثم أعرضوا عن التصديق بالرسول المؤيد بالمعجزات الواضحة، وقالوا - كذباً وافتراءً -: تارة يعلمه البشر، وقالوا تارة أخرى: اختلط عقله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 15 - فرد الله عليهم: إنا سنرفع عنكم العذاب زمن الدنيا، وهو قليل، وإنكم عائدون - لا محالة - إلى ما كنتم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 16 - اذكر - أيها الرسول - يوم نأخذهم الأخذة الكبرى بعنف وقوة، إننا - بهذا الأخذ - منتقمون منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 17 - ولقد امتحنا قبل كفار مكة قوم فرعون بالدعوة إلى الإيمان، وجاءهم موسى رسول كريم على الله، فكفروا به عناداً، وكذلك شأن هؤلاء المشركين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 18 - قال لهم الرسول الكريم: أدَّوا إلىَّ يا عباد الله ما هو واجب عليكم من قبول دعوتى، لأنى لكم رسول إليكم خاصة، أمين على رسالتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 19 - ولا تتكبروا على الله بتكذيب رسوله، لأنى آتيكم بمعجزة واضحة تبين صدق نبوتى ورسالتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 20 - وإنى اعتصمت بخالقى وخالقكم من أن تتمكنوا من قتلى رجماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 21 - وإن لم تصدقوا بى فكونوا بمعزل منى، ولا تُؤْذُونى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 22 - فدعا موسى ربه - شاكياً قومه حين يئس من إيمانهم - بأن هؤلاء قوم تناهى أمرهم فى الكفر، فافعل بهم ما يستحقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 23 - فسِر بالمؤمنين ليلا فى خفية، حتى لا يدركوكم، لأن فرعون وجنوده سيتبعونكم، إذا علموا، للإيقاع بكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 24 - واترك البحر ساكناً على هيئته بعد ضربه بالعصا، ليدخله المنكرون، فإنهم مغرقون لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 25 - تركوا بعد إغراقهم كثيراً من الجنات الناضرة والعيون الجارية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 26 - والزورع المتنوعة والمنازل الحسنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 27 - وعيشة مترفة نضرة كانوا فيها متنعمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 28 - مثل ذلك العقاب يعاقب الله من خالف أمره، وخرج على طاعته، ويحول ما كان فيه من النعم إلى قوم آخرين ليسوا منهم فى شئ من قرابة ولا دين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 29 - فما حزنت عليهم السماء والأرض عندما أخذهم العذاب لهوان شأنهم، ولم يُنظَروا لتوبة، ولم يمهلوا لتدارك تقصيرهم، احتقاراً لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 30 - ولقد نجَّى الله بنى إسرائيل من العذاب المذل لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 31 - نجاهم من فرعون، إن فرعون كان مستعلياً على قومه، مسرفاً فى الشر والطغيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 32 - أقسم: لقد اخترنا بنى إسرائيل على علم منا بأحقيتهم بالاختيار على عالمى زمانهم، فبعثنا فيهم أنبياء كثيرين مع علمنا بحالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 33 - وآتاهم الله على يد موسى من الدلائل ما فيه اختبار ظاهر لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 34 - ، 35 - إن هؤلاء المكذبين بالبعث ليقولون: ما الموتة إلا موتتنا الأولى فى الدنيا وما نحن بعدها بمبعوثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 36 - ويقولون لرسول الله والمؤمنين: إن كنتم صادقين فى دعواكم أن ربكم يحيى الموتى للحساب فى الآخرة، فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 37 - أكفار مكة خير فى القوة والمنعة والسلطان وسائر أمور الدنيا أم قوم تبع ومن سبقهم؟ ليس مشركو قومك - يا محمد - أقوى منهم، وقد أهلكناهم فى الدنيا بكفرهم وأجرامهم، فليعتبروا بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 38 - وما خلق الله السموات والأرض وما بينهما بحكمة ولحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 39 - ما خلقناهما إلا خلقاً منوطاً بالحكمة على نظام ثابت يدل على وجود الله ووحدانيته وقدرته، ولكن أكثر هؤلاء فى غفلة عمياء، لا يعلمون هذه الدلالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 40 - إن يوم الحكم بين المحق والمبطل وقت موعدهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 41 - يوم لا يدفع أى قريب عن أى قريب، ولا أى حليف عن أى حليف شيئاً قليلاً من العذاب، ولا هم ينصرون عند الله بأنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 42 - لكن الذين رحمهم الله من المؤمنين يعفو الله عنهم، ويأذن لهم بالشفاعة، إنه الغالب على كل شئ، الرحيم بعباده المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 43 - ، 44 - إن شجرة الزقوم - المعروفة بقبح منظرها وخبث طعمها وريحها - طعام الفاجر كثير الآثام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 45 - ، 46 - طعامها كسائل المعدن الذى صهرته الحرارة، يغلى فى البطون كغلى الماء الذى بلغ النهاية فى غليانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 47 - خذوا - يا زبانية جهنم - هذا الفاجر الأثيم فقودوه بعنف وغلظة إلى وسط جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 48 - ثم صبوا فوق رأسه الماء الشديد الحرارة، زيادة فى تعذيبه وإيلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 49 - يقال له - استهزاء وتهكماً به - ذق العذاب الشديد، إنك أنت العزيز فى قومك، الكريم فى حسبك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 50 - إن هذا العذاب الذى لمستموه حقيقة واقعة هو ما كنتم تخاصمون بشأنه فى الدنيا، وتشكُّون فى وقوعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 51 - إن الذين وقوا أنفسهم من المعاصى بالتزام طاعة الله فى مكان عظيم يأمنون فيه على أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 52 - فى جنات ينعمون فيها، وعيون من الماء تجرى من تحتها، إكراماً لهم بإعظام نعيمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 53 - يلبسون ما رقَّ وما غلظ من الحرير زيادة فى زينتهم، متقابلين فى مجالسهم، ليتم لهم الأنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 54 - ومع هذا الجزاء زوَّجناهم فى الجنة بحور عين، يحار فيهن الطرف لفرط حسنهن وجمالهن وسعة عيونهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 55 - يطلبون فى الجنة كل فاكهة يشتهونها، آمنين من الغصص والزوال والحرمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 56 - لا يذوقون فى الجنة الموت بعد الموتة الأولى التى ذاقوها فى الدنيا عند انقضاء آجالهم، وحفظهم ربهم من عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 57 - حفظوا من العذاب - فضلا وإحساناً من خالقك - ذلك الحفظ من العذاب ودخول الجنة هو غاية الفوز العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 58 - فإنما سهَّلنا عليك تلاوة القرآن وتبليغه مُنَزَّلا بلغتك ولغتهم كى يتعظوا فيؤمنوا به ويعملوا بما فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 59 - فانتظر ما يحل بهم، إنهم منتظرون ما يحل بك وبدعوتك من الدوائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 1 - حم: حرفان من الحروف الصوتية ابتدأت بهما هذه السورة على طريقة القرآن فى افتتاح بعض سوره بمثل هذه الحروف للإشارة إلى عجز المشركين عن الإتيان بمثله مع أنه مؤلف من الحروف التى يستعملونها فى كلامهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 2 - تنزيل القرآن من الله القوى المنيع، الحكيم فى تدبيره وصنعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 3 - إن فى خلق السموات والأرض من بديع صنع الله لدلالات قوية على ألوهيته ووحدانيته، يؤمن بها المصدقون بالله بفطرهم السليمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 4 - وفى خلق الله لكم - أيها الناس - على ما أنتم عليه من حسن الصورة وبديع الصنع، وما يفرق وينشر من الدواب على اختلاف الصور والمنافع لدلالات قوية واضحة لقوم يَسْتَيْقِنونَ بأمورهم بالتدبر والتفكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 5 - وفى اختلاف الليل والنهار فى الطول والقصر والنور والظلام مع تعاقبهما على نظام ثابت، وفيما أنزل الله من السماء من مطر فأحيا به الأرض بالإنبات بعد موتها بالجدب، وتصريف الرياح إلى جهات متعددة مع اختلافها برودة وحرارة وقوة وضعفاً، علامات واضحة على كمال قدرة الله لقوم فكروا بعقولهم فخلص يقينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 6 - تلك آيات الله الكونية التى أقامها الله للناس، نقرؤها عليك فى القرآن على لسان جبريل مشتملة على الحق، فإذا لم يؤمنوا فبأى حديث بعد حديث الله - وهو القرآن - وآياته يصدقون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 7 - هلاك شديد لكل من افترى على الله أقبح الأكاذيب ولمن كثرت آثامه بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 8 - يسمع هذا المفترى آيات الله تتلى ناطقة بالحق، ثم يُصر على الكفر متكبراً عن الإيمان، شأنه شأن من لم يسمع الآيات، فبشره أيها النبى - تهكماً - بعذاب أليم لإصراره على عمل ما يوصل إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 9 - وإذا علم هذا العنيد أى شئ من آيات الله، جعل آيات الله كلها مادة لسخريته واستهزائه، أولئك الأفاكون الآثمون لهم عذاب يذل كبرياءهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 10 - من ورائهم جهنم تنتظرهم، ولا يدفع عنهم ما كسبوا فى الدنيا شيئاً من عذابها، ولا الآلهة التى اتخذوها من دون الله نصراء تدفع شيئاً من عذابها، ولهم عذاب عظيم فى هوله وشدته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 11 - هذا القرآن دليل كامل على أن الحق من عند الله، والذين جحدوا ما اشتمل عليه من حُجج خالقهم ومربيهم، لهم عذاب من أشد أنواع العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 12 - الله - وحده - هو الذى ذلل لكم البحر لتسير السفن فيه بإذنه وقدرته حاملة لكم ولحاجاتكم، ولتطلبوا من فضل الله من خيرات البحر باستفادة علم وتجارة وجهاد وهداية وصيد، واستخراج آنية، ولعلكم تشكرون نعمه بإخلاص الدين لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 13 - وذلل لكم جميع ما فى السموات من نجوم مضيئة وكواكب، وكل ما فى الأرض من زرع وضرع وخصب وماء ونار وهواء وصحراء جميعاً منه - تعالى - ليوفر لكم منافع الحياة. إن فيما ذكر من نعم لآيات دالة على قدرته لقوم يتدبرون الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 14 - قل - أيها الرسول - للذين صدَّقوا بالله واتبعوك يصفحوا عن الإيذاء الذى يصيبهم من الذين لا يتوقعون أيام الله التى يجزى فيها أقواماً بالخير وأقواماً بالشر حسبما كانوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 15 - من عمل صالحاً فلنفسه الأجر والثواب، ومن أساء عمله فعلى نفسه وزر عمله، ثم إلى خالقكم ترجعون للجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 16 - أقسم لقد أعطينا بنى إسرائيل التوراة والحكم بما فيها، والنبوة الملهمة من قبل الله، ورزقناهم من الخيرات المتنوعة، وفضلناهم بكثير من النعم على الخلق أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 17 - وأعطيناهم دلائل واضحة من أمر دينهم فما وقع بينهم اختلاف إلا من بعد ما جاءهم العلم بحقيقة الدين وأحكامه عداوة وحسداً فيما بينهم، إن ربك يفصل بين المختلفين يوم القيامة فى الأمر الذى كانوا فيه يختلفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 18 - ثم جعلناك - يا محمد - بعد اختلاف أهل الكتاب مبعوثاً على منهاج واضح من أمر الدين الذى شرعناه لك ولمن قبلك من رسلنا، فاتبع شريعتك الحقة الثابتة بالحُجج والدلائل، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون طريق الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 19 - إن المبطلين الطامعين فى اتباعك لهم لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئاً أن اتبعتهم، وإن المتجاوزين لحدود الله بعضهم أنصار بعض على الباطل، والله ناصر الذين يخشونه فلا ينالهم ظلم الظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 20 - هذا القرآن - المنزل عليك - دلائل للناس تبصرهم بالدين الحق، وهدى يرشدهم إلى مسالك الخير، ونعمة لقوم يستيقنون بثواب الله وعقابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 21 - بل حسب الذين اكتسبوا ما يسوء من الكفر والمعاصى أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات من الأعمال، فنسوِّى بين الفريقين فى الحياة ونسِّوى بين الفريقين فى الممات؟ ، بئس ما يقضون إذا أحسوا أنهم كالمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 22 - وخلق الله السموات والأرض متلبساً بالحكمة والنظام، لتظهر دلائل أُلوهيته وقدرته، ولتجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر، وهم لا ينقصون شيئاً من جزائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 23 - أنظرت فرأيت - أيها الرسول - مَنْ اتخذ هواه معبوداً له فخضع له وأطاعه، وضل عن سبيل الحق على علم منه بهذا السبيل، وأغلق سمعه فلا يقبل وعظاً، وقلبه فلا يعتقد حقاً، وجعل على بصره غطاء فلا يبصر عبرة، فمن يستطيع هدايته بعد الله؟ أفلا تتعظون بمثل هذه الحالات؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 24 - وقال المنكرون للبعث: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا التى نحن فيها نحيا ونموت، وليس وراء ذلك حياة بعد الموت، وما يُهلكنا إلا مرور الزمان. وما يقولون ذلك عن علم ويقين ولكن عن ظن وتخمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 25 - وإذا قُرِئت عليهم آيات الله واضحات الدلالة على قدرته على البعث ما كان حجتهم إلا مقالتهم - فراراً من الحق -: أحيوا آباءنا إن كنتم صادقين فى دعوى وقوع البعث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 26 - قل لهم - يا محمد - الله يحييكم فى الدنيا من العدم ثم يميتكم فيها عند انقضاء آجالكم، ثم يجمعكم فى يوم القيامة لا شك فى هذا الجمع، ولكن أكثر الناس لا يعلمون قدرة الله على البعث، لإعراضهم عن التأمل فى الدلائل، والقادر على ذلك قادر على الإتيان بآبائكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 27 - ولله - وحده - ملك السموات والأرض خلقاً وملكاً وتدبيراً، وحين تقوم الساعة - يوم قيامها - يخسر الذين اتبعوا الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 28 - وترى يوم تقوم الساعة - أيها المخاطب - أهل كل دين جالسين على الركب من هول الموقف متحفزين لإجابة النداء، كل أمة تُدعى إلى سجل أعمالها، ويُقال لهم: اليوم تستوفون جزاء ما كنتم تعملون فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 29 - ويقال لهم: هذا كتابنا الذى سجلنا فيه أعمالكم وأخذتموه بأيديكم، ينطق عليكم بما عملتم شهادة صدق، إنا كنا نستكتب الملائكة أعمالكم لنحاسبكم على ما فرط منكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 30 - فأما الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة فيدخلهم ربهم فى جنته، ذلك الجزاء هو الفوز البين الواضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 31 - وأما الذين كفروا بالله ورسله فيقال لهم - توبيخاً -: ألم تأتكم رسلى، أفلم تكن آياتى تتلى عليكم فتعاليتم عن قول الحق وكنتم قوماً كافرين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 32 - وإذا قال لكم رسول الله: - أيها المنكرون للبعث - إن وعد الله بالجزاء حق ثابت، والساعة لا شك فى مجيئها، قلتم: ما نعلم أى شئ عن الساعة ما حقيقتها؟ ما نحن إلا نظن مجئ الساعة ظنا، وما نحن بموقنين أنها آتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 33 - وظهر لهؤلاء الكفار قبائح أعمالهم، ونزل بهم جزاء استهزائهم بآيات الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 34 - وقيل لهؤلاء المشركين - توبيخاً -: اليوم نترككم فى العذاب كما تركتم الاستعداد للقاء ربكم فى هذا اليوم بالطاعة والعمل الصالح، ومقركم النار، وليس لكم من ناصرين ينقذونكم من عذابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 35 - ذلكم العذاب الذى نزل بكم بسبب كفركم واستهزائكم بآيات الله، وخدعتكم الحياة الدنيا بزخرفها، فاليوم لا يستطيع أحد إخراج هؤلاء من النار، ولا يؤذن لهم بالاعتذار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 36 - فلله - وحده - الثناء، خالق السموات والأرض وخالق جميع الخلق، فإن هذه الربوبية العامة توجب الحمد على كل نعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 37 - وله - وحده سبحانه - العظمة والسلطان فى السموات والأرض، وهو العزيز الذى لا يغلب، ذو الحكمة الذى لا يخطئ فى أحكامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 1 - افتتحت هذه السورة ببعض الحروف على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح طائفة من سوره بالحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 2 - تنزيل القرآن من عند الله الغالب على كل شئ، ذى الحكمة فى كل ما يفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 3 - ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا على نواميس ثابتة، لغايات تقتضيها الحكمة، وإلى أمد معين تفنى بعده، والذين جحدوا بهذه الحقيقة معرضون عما أنذروا به من خلق جديد يوم يبعث الناس للجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 4 - قل للذين يدعون غير الله: أخبرونى عن حال ما تدعون من دون الله؟ هل خلقوا شيئا من الأرض أم كانوا شركاء لله فى خلق السموات؟ ائتونى بكتاب من عند الله أو أثر من علم الأولين تستندون إليه فى دعواكم إن كنتم صادقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 5 - ومن أكثر ضلالاً ممن يدعو من دون الله معبودات لا تستجيب له ما بقيت الدنيا! وهم مع ذلك غافلون عن دعائهم، غير شاعرين به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 6 - وإذا جمع الناس للحساب يوم القيامة كان هؤلاء المعبودون أعداء لمن عبدوهم، يَتَبَرَّأُونَ منهم، ويكذبونهم فيما زعموا من استحقاقهم لعبادتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 7 - وإذا تُتلى على المشركين آياتنا واضحات لكفرهم وعنادهم - عن تلك الآيات دون تأمل قالوا: هذا سحر ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 8 - بل أيقول هؤلاء الكافرون: اختلق محمد القرآن وأضافه إلى الله؟ ، قل رداً عليهم: إن افتريته عاجلنى الله بعقوبته، فلا تستطيعون أن تدفعوا عنى من عذابه شيئاً هو - وحده - أعلم بما تخوضون فيه من الطعن فى آياته، كفى به شهيداً لى بالصدق وشهيداً عليكم بالتكذيب، وهو - وحده - واسع المغفرة لمن تاب، عظيم الرحمة، يمهل العصاة ليتداركوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 9 - قل لهم: ما كنت أول رسول من عند الله فتنكروا رسالتى، ولست أعلم ما يفعل الله بى ولا بكم، ما أتبع فيما أقول أو أفعل إلا الذى يوحيه الله إلى، وما أنا إلا منذر بيِّن الإنذار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 10 - قل: أخبرونى إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به، وشهد شاهد من بنى إسرائيل على نزول مثله من عند الله، فآمن به واستكبرتم. ألا تكونون حينئذ أضل الناس وأظلمهم لأنفسهم! إن الله لا يوفق إلى الهدى من ظلم نفس واستكبر عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 11 - وقال الذين كفروا فى شأن الذين آمنوا استهزاء بهم واستعلاء عليهم: لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إلى الإيمان به، فإنا نحن أصحاب السيادة والعقول الراجحة، ولما لم يهتدوا به يطعنون فيه، وقالوا: هذا كذب قديم من أساطير الأولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 12 - ومن قبل القرآن أنزل الله التوراة قدوة ورحمة للعاملين بها، وهذا القرآن الذى يكذبونه مصدق لما قبله من الكتب، أنزله الله بلسان عربى ليكون إنذاراً متجدداً للذين ظلموا، وبُشرى للذين استقاموا على الطريقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 13 - إن الذين قالوا: ربنا الله - وحده - ثم أحسنوا العمل، فلا خوف عليهم من نزول مكروه، ولا هم يحزنون لفوات مطلوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 14 - أولئك الموصوفون بالتوحيد والاستقامة هم المختصون بدخول الجنة خالدين فيها أعطاهم الله ذلك جزاء بما كانوا يعملون من الصالحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 15 - ووصينا الإنسان بوالديه أن يحسن إليهما إحساناً عظيماً، حملته أمه حملاً ذا مشقة، ووضعته وضعاً ذا مشقة، ومدة حمله وفصاله ثلاثون شهراً قاست فيها صنوف الآلام، حتى إذا بلغ كمال قوته وعقله، وبلغ أربعين سنة، قال: رب ألهمنى شكر نعمتك التى أنعمت علىَّ وعلى والدى، وألهمنى أن أعمل عملاً صالحاً ترضاه، واجعل الصلاح سارياً فى ذريتى، إنى تبت إليك من كل ذنب، وإنى من الذين أسلموا أنفسهم إليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 16 - أولئك الموصوفون بتلك المحامد هم الذين نتقبل عنهم أعمالهم الحسنة، ونعفو عن سيئاتهم فى عداد أصحاب الجنة، محققين لهم وعد الصدق الذى كانوا يوعدون به فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 17 - والذى قال لوالديه حين دعواه إلى الإيمان بالبعث متضجراً منهما ومنكراً عليهما: أف لكما، أتعداننى بالخروج من القبر وقد مضت الأمم من قبلى ولم يبعث من القبور أحد؟ وأبواه يستغيثان الله استعظاماً لجرمه، ويقولان له حثَّا على الإيمان: هلكت إن لم تؤمن، إن وعد الله بالبعث حق، فيقول - إمعاناً فى التكذيب -: ما هذا الذى تقولانه إلا خرافات سطرها الأولون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 18 - أولئك القائلون ذلك هم الذين حق عليهم وقوع العذاب فى عداد أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس، لأنهم كانوا خاسرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 19 - ولكل من المسلمين والكفار منازل ملائمة لما عملوا ليظهر عدل الله فيهم، وليوفيهم جزاء أعمالهم وهم لا يظلمون، لاستحقاقهم ما يجزون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 20 - ويوم يوقف الذين كفروا على النار يقال لهم: أذهبتم نصيبكم من الطيبات فى حياتكم الدنيا، واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم عليه فى الدنيا من الاستكبار فى الأرض بغير الحق، والخروج عن طاعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 21 - واذكر هوداً أخا عاد إذ حذَّر قومه المقيمين بالأحقاف - وقد مضت الرسل قبله وبعده بمثل إنذاره - قائلاً لهم: لا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 22 - قال قوم هود إنكاراً عليه: أجئتنا لتصرفنا عن عبادة آلهتنا؟! فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين فى هذا الوعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 23 - قال هود: إنما العلم بوقت عذابكم عند الله - وحده - وأنا أبلغكم الذى أرسلت به، ولكنى أراكم قوماً تجهلون ما تبعث به الرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 24 - ، 25 - فأتاهم العذاب فى صورة سحاب، فلما رأوه ممتداً فى الأفق متوجهاً نحو أوديتهم، قالوا فرحين: هذا سحاب يأتينا بالمطر والخير. فقيل لهم: بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب شديد الألم، تهلك كل شئ بأمر خالقها، فدمرتهم فأصبحوا لا يرى من آثارها إلا مساكنهم. كذلك الجزاء نجزى كل من ارتكب مثل جرمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 26 - ولقد مكنا عاداً فيما لم نمكنكم فيه من السعة والقوة يا أهل مكة، وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة لو شاءوا الانتفاع بها، فما نفعهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم شيئاً قليلاً، لأنهم كانوا يكذبون بآيات الله، فحال ذلك بينهم وبين انتفاعهم بما أوتوا، وأحاط بهم العذاب الذى كانوا به يستهزئون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 27 - ولقد أهلكنا القرى التى كانت حولكم يا أهل مكة، وبيَّنا لهم الدلائل بأساليب متنوعة، لعلهم يرجعون عن الكفر، فلم يرجعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 28 - فهلا منعهم من الهلاك الذين اتخذوهم من دون الله آلهة متقربين بهم إليه تعالى؟! بل غابت هذه الآلهة عنهم وهم أحوج ما كانوا إلى النصرة، وذلك الذى حل بهم من خذلان آلهتهم لهم وضلالهم عنهم هو عاقبة كذبهم وافترائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 29 - واذكر - يا محمد - إذ وجهنا إليك جماعة من الجن يستمعون القرآن، فلما حضروا تلاوته قال بعضهم لبعض: أنصتوا - فلما تمت تلاوته رجعوا مسرعين إلى قومهم، محذرين من الكفر داعين إلى الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 30 - قالوا: يا قومنا إنا سمعنا كتاباً عظيم الشأن، أنزل من بعد موسى، مصدقاً لما تقدمه من الكتب الإلهية، يرشد إلى الحق فى الاعتقاد، وإلى شريعة قويمة فى العمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 31 - يا قومنا: أجيبوا داعى الله الذى يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وصدقوا بالله يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم، ويمنعكم من عذاب شديد الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 32 - ومن لا يجب داعى الله فليس بمستطيع أن يعجز الله عن أخذه وإن هرب فى الأرض كل مهرب. وليس له من دون الله نصراء يمنعونه من عذابه. أولئك الذين يعرضون عن إجابة الداعى إلى الله فى حيرة وبعد واضح عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 33 - أَغَفلوا ولم يعلموا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعجز عن خلقهن قادر على إحياء الموتى؟ بل هو قادر على ذلك، لأنه - تعالى - على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 34 - ويوم يوقف الذين كفروا على النار يقال لهم تقريعاً: أليس هذا العذاب بالأمر الحق المطابق لما أنذرناكم فى الدنيا؟ قالوا: بلى وربنا هو الحق، قال: فذوقوا ألوان العذاب الشديد بإصراركم على الكفر والتكذيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 35 - فاصبر - يا محمد - على الكافرين كما صبر أصحاب القوة والثبات من الرسل فى الشدائد، ولا تستعجل لهم العذاب، فهو واقع بهم - لا محالة - وإن طال الأمد. كأنهم يوم يشاهدون هوله يحسبون مدة لبثهم قبله ساعة من نهار. هذا الذى وعظتم به كاف فى الموعظة، فلن يهلك بعذاب الله إلا الخارجون عن طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 1 - الذين كفروا بالله ورسوله وصدُّوا غيرهم عن الدخول فى الإسلام أبطل الله كل ما عملوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 2 - والذين آمنوا وعملوا الصالحات وصدَّقوا بما أنزل على محمد وهو الحق من ربهم، محا عنهم سيئاتهم، وأصلح حالهم فى الدين والدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 3 - ذلك بأن الذين كفروا سلكوا طريق الباطل، وأن الذين آمنوا اتبعوا طريق الحق من ربهم، مثل ذلك البيان الواضح يُبَيِّن الله للناس أحوالهم ليعتبروا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 4 - ، 5، 6 - فإذا لقيتم الذين كفروا فى الحرب فاضربوا رقابهم، حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل فيهم فاحكموا قيد الأسارى، فإما أن تمنوا بعد انتهاء المعركة مناً بإطلاقهم دون عوض، وإمَّا أن تقبلوا أن يفتدوا بالمال أو بالأسرى من المسلمين. وليكن هذا شأنكم مع الكافرين، حتى تضع الحرب أثقالها وينتهى، فهذا حكم الله فيهم، ولو شاء الله لانتصر منهم بغير قتال، وليختبر المؤمنين بالكافرين شرع الجهاد، والذين قتلوا فى سبيل الله فلن يُبطل أعمالهم، سيهديهم ويصلح قلوبهم، ويدخلهم الجنة عرَّفها لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 7 - يا أيها الذين آمنوا: إن تنصروا دين الله ينصركم على عدوكم، ويوطد أمركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 8 - والذين كفروا فأشقاهم الله وأبطل أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 9 - أَمْرُهم ذلك بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله من القرآن والتكاليف، فأبطل أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 10 - أَقَعدوا عن طلب ما يعظهم، فلم يسيروا فى الأرض فينظروا فى أى حال كان عاقبة الذين كذَّبوا الرسل من قبلهم، أوقع الله عليهم الهلاك فى كل ما يختص بهم من نفس ومال وولد، وللكافرين بالله وبرسوله أمثال هذه العاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 11 - ذلك الجزاء من نصر المؤمنين وقهر الكافرين بأن الله مولى الذين آمنوا وناصرهم، وأن الكافرين لا مولى لهم ينصرهم ويمنع هلاكهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 12 - إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات عظيمة تجرى من تحتها الأنهار، والذين كفروا يتمتعون فى الدنيا قليلا، ويأكلون كما تأكل الأنعام، غافلين عن التفكير فى العاقبة، لا همَّ لهم سوى شهواتهم، والنار فى الآخرة مأوى لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 13 - وكثير من أهل القرى السابقين هم أشد قوة من أهل قريتك - مكة - التى أخرجك أهلها - يا محمد - أهلكناهم بأنواع العذاب، فلا ناصر لهم يمنعهم منا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 14 - أيستوى الفريقان فى الجزاء؟ {أفمن كان منهما على معرفة بينة بخالقه ومربيه فأطاعه، كمن زُيِّن له سوء عمله، واتبعوا فيما يأتون ويذرون أهواءهم الباطلة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 15 - تعرض الآية لبيان الفارق بين نعيم الجنة وعذاب النار فنتحدث عن الجنة التى وعد الله بها المتقين: فيها أنهار من ماء غير متغير، وأنهار من لبن لم يفسد طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى مما يخالطه. ولهم فيها أنواع من كل الثمرات، ومغفرة عظيمة من ربهم. فهل حال من يستمعون بهذا النعيم من المؤمنين كحال من يخلدون فى النار من الكفار الذين يسقون من ماء شديد الحرارة، فقطع أمعاءهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 16 - ومن الكفار فريق يستمعون إليك - يا محمد - غير مؤمنين بك، ولا منتفعين بقولك، حتى إذا انصرفوا من مجلسك، قالوا استهزاء للذين أوتوا العلم: أَىَّ قول قال محمد الآن؟ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم بالكفر، فانصرفوا عن الخير منقادين لشهواتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 17 - والذين اهتدوا إلى طريق الحق زادهم الله هدى، وأعطاهم تقواهم التى يتقون بها النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 18 - لم يتعظ المكذبون بأحوال السابقين. فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم فجأة؟ فقد ظهرت علاماتها ولم يعتبروا بمجيئها، فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة بغتة؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 19 - فاثبت على العلم بأنه لا معبود بحق إلا الله، واستغفر الله لذنبك ولذنوب المؤمنين والمؤمنات، والله يعلم كل منصرف لكم وكل إقامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 20 - ، 21، 22 - ويقول الذين آمنوا: هلا نزلت سورة تدعونا إلى القتال؟ فإذا نزلت سورة لا تحتمل غير وجوبه، وذكر فيها القتال مأموراً به رأيت الذين فى قلوبهم نفاق ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت خوفاً منه وكراهية له، فأحق بهم طاعة لله وقول يقره الشرع، فإذا جد الأمر ولزمهم القتال، فلو صدقوا الله فى الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم من النفاق، فهل يتوقع منكم - أيها المنافقون - إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا صلاتكم بأقاربكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 23 - أولئك الذين أبعدهم الله عن رحمته، فأصمَّهم عن سماع الحق، وأعمى أبصارهم عن رؤية طريق الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 24 - أعموا فلا يتفهمون هدى القرآن؟ بل على قلوبهم ما يحجبها عن تدبره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 25 - إن الذين ارتدوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال من بعد ما ظهر لهم طريق الهداية. الشيطان زيَّن لهم ذلك، ومد لهم فى الآمال الكاذبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 26 - ، 27 - ذلك الارتداد بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله: سنطيعكم فى بعض الأمر، والله يعلم أسرار هؤلاء المنافقين. فهذا حالهم فى حياتهم، أم حين تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم إذلالاً لهم فهذا ما لا يتصورنه ولن يقدروا على احتماله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 28 - ذلك التوفى الرهيب على تلك الحالة بأنهم اتبعوا الباطل الذى أغضب الله، وكرهوا الحق الذى يرضاه، فأبطل كل ما عملوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 29 - بل أَظَنَّ هؤلاء الذين فى قلوبهم نفاق أن لن يظهر الله أحقادهم لرسوله وللمؤمنين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 30 - ولو نشاء لدللناك عليهم، فلعرفتهم بعلامات نسمهم بها، وأقسم: لتعرفنهم من أسلوب قولهم، والله يعلم حقيقة أعمالكم جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 31 - وأقسم: لنعاملكم معاملة المختبر، حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين فى البأساء والضراء، ونبلوا أخباركم من طاعتكم وعصيانكم فى الجهاد وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 32 - إن الذين كفروا وصدوا عن طريق الله، وخالفوا الرسول فى عناد وإصرار، من بعد ما ظهر لهم الهدى، لن يضروا الله شيئاً، وسيبطل كل ما عملوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 33 - يا أيها الذين آمنوا: أطيعوا الله فيما أمركم به، وأطيعوا الرسول فيما دعاكم إليه، ولا تضيعوا أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 34 - إن الذين كفروا وصدوا عن الدخول فى الإسلام، ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 35 - فلا تضعفوا لأعدائكم إذا لقيتموهم، ولا تدعوهم إلى المسالمة خوفاً منهم، وأنتم الأَعْلَون الغالبون بقوة الإيمان، والله معكم بنصره، ولن ينقصكم ثواب أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 36 - ، 37 - إنما الحياة الدنيا باطل وغرور، وإن تؤمنوا وتتركوا المعاصى وتفعلوا الخير يُعْطكم الله ثواب ذلك، ولا يسألكم أموالكم، إن يسألكم إيَّاها فيبالغ فى طلبها تبخلوا بها، ويظهر أحقادكم لحبكم لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 38 - ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله الذى شرعه، فمنكم من يبخل بهذا الإنفاق ومن يبخل فما يضر إلا نفسه. والله - وحده - الغنى، وأنتم الفقراء المحتاجون إليه. وإن تعرضوا عن طاعة الله يستبدل مكانكم قوماً غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم فى الإعراض عن طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 1 - ، 2، 3 - إنا فتحنا لك - يا محمد - فتحا عظيما مبينا بانتصار الحق على الباطل، ليغفر لك الله ما تقدَّم مما يُعَدُّ لمثل مقامك ذنبا، وما تأخر منه، ويكمل نعمته عليك بانتشار دعوتك، ويُثَبِّتَكَ على طريق الله المستقيم، وينصرك الله على أعداء رسالتك نصراً قويا غاليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 4 - هو الله الذى أنزل الطمأنينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا بها يقينا مع يقينهم، ولله - وحده - جنود السموات والأرض، يدبِّر أمرها كما يشاء، وكان الله محيطا علمه بكل شئ، ذا حكمة بالغة فى تدبير كل شأن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 5 - ، 6 - ليُدخل الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجرى من تحتها الأنهار، دائمين فيها، يمحو عنهم سيئاتهم، وكان ذلك الجزاء عند الله فوزاً بالغاً غاية العِظم. وليعذب المنافقين والمنافقات، والمشركين مع الله غيره والمشركات، الظانين بالله ظنا فاسدا. وهو أنه لا ينصر رسوله، عليهم - وحدهم - دائرة السوء، لا يفلتون منها، وغضب الله عليهم وطردهم من رحمته وَهَيَّأ لعذابهم جهنم وساءت نهاية لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 7 - ولله جنود السموات والأرض، يدبِّر أمرها بحكمته كما يشاء، وكان الله غالباً على كل شئ، ذا حكمة بالغة فى تدبير كل شأن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 8 - إنا أرسلناك - يا محمد - شاهداً على أمتك وعلى من قبلها من الأمم، ومُبشّراً المتقين بحسن الثواب، ونذيراً للعصاة بسوء العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 9 - لتؤمنوا - أيها المرسل إليكم - بالله ورسوله، وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظِّموه مع الإجلال والإكبار، وتنزِّهوه عما لا يليق به غدوة وعشيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 10 - إن الذين يعاهدونك - على بذل الطاقة لنصرتك - إنما يعاهدون الله، قوة الله معك فوق قوتهم، فمن نقض عهدك بعد ميثاقه، فلا يعود ضرر ذلك إلا على نفسه، ومَن وفَّى بالعهد الذى عاهد الله عليه - بإتمام بيعتك - فسيعطيه الله ثوابا بالغا غاية العظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 11 - سيقول لك من خلَّفهم النفاق من سكان البادية - إذا رجعت من سفرك -: شغلتنا عن الخروج معك أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا. يقولون بألسنتهم غير ما فى قلوبهم، قل ردا عليهم: فمن يملك لكم من الله شيئا يدفع عنكم قضاءه، إن أراد بكم ما يضركم، أو أراد بكم ما ينفعكم؟ بل كان الله بكل ما تعملون محيطاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 12 - بل ظننتم أن لن يرجع الرسول والمؤمنون من غزوهم إلى أهليهم أبداً، فتخلفتم، وزُيِّن ذلك الظن فى قلوبكم، وظننتم الظن الفاسد فى كل شئونكم. وكنتم فى علم الله قوما هالكين، مستحقين لسخطه وعقابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 13 - ومن لم يؤمن بالله ورسوله، فإنا هيَّأنا للكافرين ناراً موقدة ذات لهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 14 - ولله - وحده - ملك السموات والأرض يدبره تدبير قادر حكيم، يغفر الذنوب لمن يشاء، ويعذب بحكمته من يشاء، وكان الله عظيم المغفرة واسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 15 - سيقول هؤلاء الذين أقعدهم النفاق عن الخروج معك من سكان البادية: إذا انطلقتم إلى مغانم وعدكم الله بها لتأخذوها، دعونا نتَّبعكم إليها. يريدون بذلك تغيير وعد الله بأن تلك الغنائم لا تكون للمخلَّفين الذين قعدوا عن الجهاد وإنما تكون للذين خرجوا مع رسول الله يوم الحديبية، قل لهم - يا محمد -: لن تتبعونا. فحكم الله أن هذه الغنائم لمن خرج إلى الغزو مع رسوله، أما المخلَّفون فسيقولون: لم يأمركم الله بذلك، بل تحسدوننا أن نشارككم، وهم بمقولتهم عاجزون عن إدراك أن أمر الله لا بد أن ينفذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 16 - قل للمتخلفين عن الخروج من أهل البادية: ستدعوْن إلى قتال قوم ذوى شدة قوية فى الحرب، فإن تَسْتَجيبوا لهذه الدعوة يعطكم الله الغنيمة فى الدنيا، والثواب فى الآخرة، وإن تعرضوا عنها كما أعرضتم من قبل يُعذبكم الله عذابا بالغ الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 17 - ليس على الأعمى إثم فى التَّخلف عن قتال الكفار، ولا على الأعرج إثم، ولا على المريض إثم كذلك، حيث لا يستطيعون، ومن يطع الله ورسوله فى كل أمر ونهى يُدخله جنات فسيحات تجرى من تحتها الأنهار، ومن يعرض عن طاعة الله ورسوله يعذبه عذابا بالغ الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 18 - ، 19 - لقد رضى الله عن المؤمنين حين يعاهدونك مختارين تحت الشجرة، فعلم ما فى قلوبهم من الإخلاص والوفاء لرسالتك، فأنزل الطمأنينة عليهم وأعطاهم بصدقهم فى البيعة وإتمام الصلح عِزا عاجلا. ومغانم كثيرة وعدهم الله بها يأخذونها، وكان الله غالبا على كل شئ، ذا حكمة بالغة فى كل ما قضاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 20 - ، 21 - وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فى الوقت المقدَّر لها، فعجَّل لكم هذه - وهو ما وعدكم به من الغنائم - ومنع أذى الناس عنكم، ولتكون آية للمؤمنين على صدق وعد الله لهم. ويهديكم طريقا مستقيما بطاعته واتباع رسوله، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها قد حفظها الله لكم فأظفركم بها، وكان الله على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 22 - ولو قاتلكم الذين كفروا من أهل مكة، ولم يعقدوا معكم صلحا، لفروا منهزمين رُعْبا منكم، ثم لا يجدون أى ولىٍّ يلى أمرهم، ولا أى نصير ينصرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 23 - سَنَّ الله سُنَّة قد مضت من قبل فى خلقه أن تكون العاقبة لرسله وللمؤمنين، ولن تجد لسنة الله تغييراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 24 - وهو الله - وحده - الذى منع أيدى الكفار من إيذائكم وأيديكم من قتالهم بوسط مكة من بعد أن أقدركم عليهم، وكان الله بكل ما تعملون بصيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 25 - ، 26 - أهل مكة هم الذين كفروا ومنعوكم من دخول المسجد الحرام، ومنعوا الهدى الذى سقتموه محبوسا معكم على التقرب به من بلوغ مكانه الذى ينحر فيه، ولولا كراهة أن تُصيبوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات بين الكفار بمكة أخفوا إيمانهم فلم تعلموهم فتقتلوهم بغير علم بهم، فيلحقكم بقتلهم عار وخزى، ولهذا كان منع القتال فى هذا اليوم حتى يحفظ الله من كانوا مستخفين بإسلامهم بين كفار مكة. لو تميز المؤمنون لعاقبنا الذين أصروا على الكفر منهم عقابا بالغ الألم، حين جعل الذين كفروا فى قلوبهم الأنفة أنفة الجاهلية، فأنزل الله طمأنينته على رسوله وعلى المؤمنين، وألزمهم كلمة الوقاية من الشرك والعذاب، وكانوا أحق بها وأهلاً لها. وكان علم الله محيطا بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 27 - لقد صدق الله رسوله رؤياه دخول المسجد الحرام بتحققها. أقسم: لتدخلن المسجد الحرام - إن شاء الله - آمنين عدوكم، بين محلق رأسه ومقصر، وغير خائفين، فعلم سبحانه الخير الذى لم تعلموه فى تأخير دخول المسجد الحرام، فجعل من قبل دخولكم فتحا قريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 28 - هو الله الذى أرسل رسوله بالإرشاد الواضح ودين الإسلام ليعليه على الأديان كلها، وكفى بالله شهيدا على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 29 - محمد رسول الله وأصحابه الذين معه أشداء أقوياء على الكفار، متراحمون، متعاطفون فيما بينهم، تُبصرهم راكعين ساجدين كثيرا، يرجون بذلك ثوابا عظيما من الله ورضوانا عميما، علامتهم خشوع ظاهر فى وجوههم من أثر الصلاة كثيرا، ذلك هو وصفهم العظيم فى التوراة، وصفتهم فى الإنجيل كصفة زرع أخرج أول ما ينشق عنه، فآزره، فتحول من الدقة إلى الغلظ، فاستقام على أصوله، يُعجب الزراع بقوته، وكان المؤمنون كذلك، ليغيظ الله بقوتهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة تمحو جميع ذنوبهم، وثوابا بالغا غاية العظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 1 - يا أيها الذين آمنوا: لا تقدِّموا أى أمر فى الدين والدنيا دون أن يأمر به الله ورسوله، واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال شريعته. إن الله عظيم السمع لكل ما تقولون، محيط علمه بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 2 - يا أيها الذين آمنوا: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى إذا تكلم وتكلمتم، ولا تساووا أصواتكم بصوته - كما يخاطب بعضكم بعضاً - كراهة أن تبطل أعمالكم وأنتم لا تشعرون ببطلانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 3 - إن الذين يخفضون أصواتهم فى مجلس رسول الله - إجلالاً له - أولئك - وحدهم - هم الذين أخلص الله قلوبهم للتقوى، فليس لغيرها مكان فيها، لهم مغفرة واسعة لذنوبهم وثواب بالغ غاية العظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 4 - إن الذين ينادونك من وراء حجراتك أكثرهم لا يعقلون ما ينبغى لمقامك من التوقير والإجلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 5 - ولو أنَّ هؤلاء صبروا - تأدباً معك - حتى تقصد الخروج إليهم لكان ذلك خيراً لهم فى دينهم، والله عظيم المغفرة ذو رحمة واسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 6 - يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم أى خارج عن حدود شريعة الله بأى خبر فتثبتوا من صدقه، كراهة أن تصيبوا أى قوم بأذى - جاهلين حالهم - فتصيروا على ما فعلتم معهم - بعد ظهور براءتهم - مغتمِّين دائماً على وقوعه، متمنين أنه لم يقع منكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 7 - ، 8 - واعلموا - أيها المؤمنون - أن فيكم رسول الله فاقْدروه حق قدْره واصْدقوه، لو يطيع ضعاف الإيمان منكم فى كثير من الأمور، لوقعتم فى المشقة والهلاك، ولكن الله حبَّب فى الكاملين منكم الإيمان، وزيَّنه فى قلوبكم، فتصَونوّا عن تزيين ما لا ينبغى، وبغَّض إليكم جحود نعم الله، والخروج عن حدود شريعته ومخالفة أوامره، أولئك هم - وحدهم - الذين عرفوا طريق الهدى وثبتوا عليه تفضلا كريماً، وإنعاماً عظيماً من الله عليهم، والله محيط علمه بكل شئ، ذو حكمة بالغة فى تدبير كل شأن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 9 - وإن طائفتان من المؤمنين تقاتلوا فأصلحوا - أيها المؤمنون - بينهما، فإن تعدت إحداهما على الأخرى ورفضت الصلح معها فقاتلوا التى تتعدى إلى أن ترجع إلى حكم الله، فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف، واعدلوا بين الناس جميعاً فى كل الشئون، إن الله يحب العادلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 10 - إنما المؤمنون بالله ورسوله إخوة جمع الإيمان بين قلوبهم، فأصلحوا بين أخويكم رعاية لأخُوّة الإيمان، واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال أمره واجتناب نهيه راجين أن يرحمكم الله بتقواكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 11 - يا أيها الذّين آمنوا: لا يسخر رجال منكم من رجال آخرين، عسى أنْ يكونوا عند الله خيراً من الساخرين. ولا يسخر نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى أن يكنَّ عند الله خيراً من الساخرات ولا يعب بعضكم بعضاً، ولا يدْعُ الواحد أخاه بما يستكره من الألقاب. بئس الذكر للمؤمنين أن يُذكروا بالفسوق بعد اتصافهم بالإيمان، ومن لم يرجع عمَّا نهى عنه فأولئك هم - وحدهم - الظالمون أنفسهم وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 12 - يا أيها الذين آمنوا: ابتعدوا عن كثير من ظن السوء بأهل الخير. إن بعض الظن إثم يستوجب العقوبة، ولا تتبعوا عورات المسلمين، ولا يذكر بعضكم بعضاً بما يكره فى غيبته. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً، فقد كرهتموه؟! فاكرهوا الغيبة فإنها مماثلة له، وقوا أنفسكم عذاب الله بامتثال ما أمر، واجتناب ما نهى. إن الله عظيم فى قبول توبة التائبين ذو رحمة واسعة بالعالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 13 - يا أيها الناس: إنا خلقناكم متساوين من أصل واحد هو آدم وحواء، وصيَّرناكم بالتكاثر جموعاً عظيمة وقبائل متعددة، ليتم التعارف والتعاون بينكم، إن أرفعكم منزلة عند الله فى الدنيا والآخرة أتقاكم له. إن الله محيط علمه بكل شئ، خبير لا تخفى عليه دقائق كل شأن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 14 - قالت الأعراب بألسنتهم: آمنا، قل لهم - يا محمد -: لم تؤمنوا، لأن قلوبكم لم تصدق ما نطقتم به، ولكن قولوا: انقدنا ظاهراً لرسالتك ولمَّا يدخل الإيمان فى قلوبكم بعد، وإن تطيعوا الله ورسوله صادقين لا ينقصكم من ثواب أعمالكم أى شئ. إن الله عظيم المغفرة للعباد، ذو رحمة واسعة بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 15 - إنما المؤمنون - حقاً - هم الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يقع فى قلوبهم شك فيما آمنوا به، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى طريق طاعة الله، أولئك هم - وحدهم - الذين صدقوا فى إيمانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 16 - قل لهم - يا محمد - تكذيباً لقولهم آمنا: أتخبرون الله بتصديق قلوبكم، والله - وحده - يعلم كل ما فى السموات، وكل ما فى الأرض، والله محيط علمه بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 17 - يعدون إسلامهم يداً لهم عليك - يا محمد - تستوجب شكرك لهم، قل: لا تمنُّوا علىَّ إسلامكم فخيره لكم، بل الله - وحده - يَمُنُّ عليكم بهدايته إياكم إلى الإيمان، إن كنتم صادقين فى دعواكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 18 - إن الله يعلم كل ما استتر فى السموات والأرض، والله محيط الرؤية بكل ما تعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 1 - ، 2 - ق : حرف من حروف الهجاء افتتحت السورة به على طريقة القرآن الكريم فى افتتاح بعض السور ببعض هذه الحروف للتحدى وتنبيه الأذهان، أُقسم بالقرآن ذى الكرامة والمجد والشرف: إنا أرسلناك - يا محمد - لتنذر الناس به، فلم يؤمن أهل مكة، بل عجبوا أن جاءهم رسول من جنسهم يُنذرهم بالبعث، فقال الكافرون: هذا شئ منكر عجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 3 - أبعد أن نموت ونصير تراباً نرجع؟ ذلك البعث بعد الموت رجْع بعيد الوقوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 4 - قد علمنا ما تأخذه الأرض من أجسامهم بعد الموت، وعندنا كتاب دقيق الإحصاء والحفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 5 - لم يتدبروا ما جاءهم به الرسول، بل كذَّبوا به من فورهم دون تدبّر وتفكر، فهم فى شأن مضطرب لا يستقرون على حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 6 - أغفلوا فلم ينظروا إلى السماء مرفوعة فوقهم بغير عمد؟ كيف أحكمنا بناءها وزيَّناها بالكواكب، وليس فيها أى شقوق تعاب بها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 7 - والأرض بسطناها وأرسينا فيها جبالاً ثوابت ضاربة فى أعماقها، وأنبتنا فيها من كل صنف يبتهج به من النبات، يسر الناظرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 8 - جعلنا ذلك تبصيرا وتذكيرا لكل عبد راجع إلى ربه، يُفكر فى دلائل قدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 9 - ونزَّلنا من السماء ماء كثير الخير والبركات، فأنبتنا به جنات ذات أشجار وأزهار وثمار، وأخرجنا به حب الزرع الذى يحصد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 10 - والنخل ذاهبات إلى السماء طولاً، لها طلع متراكم بعضه فوق بعض لكثرة ما فيه من مادة الثمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 11 - أنبتناها رزقاً للعباد، وأحيينا بالماء أرضاً جف نباتها، كذلك خروج الموتى من القبور حين يبعثون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 12 - ، 13، 14 - كذبت بالرسل قبل هؤلاء أمم كثيرة: قوم نوح، والقوم المعروفون بأصحاب الرس، وثمود، وعاد، وفرعون، وقوم لوط، والقوم المعروفون بأصحاب الأيكة، وقوم تُبَّع، كل من هؤلاء كذب رسوله فحق عليهم ما وعدتهم به من الهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 15 - أعطلت إرادتنا أو عوَّقت قدرتنا فعجزنا عن الخلق الأول فلا نستطيع إعادتهم؟! لم نعجز باعترافهم، بل هم فى ريب وشبهة من خلق جديد بعد الموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 16 - أقسم: لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدثه به نفسه، ونحن - بعلمنا بأحواله كلها - أقرب إليه من عرق الوريد، الذى هو أقرب شئ منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 17 - إذ يتلقى الملكان الحافظان أحدهما عن اليمين قعيد والآخر عن الشمال قعيد، لتسجيل أعماله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 18 - ما يتكلم به من قول إلا لديه ملك حافظ مهيأ لكتابة قوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 19 - وجاءت غشية الموت بالحق الذى لا مرية فيه. ذلك الأمر الحق ما كنت تهرب منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 20 - ونفخ فى الصور نفخة البعث، ذلك النفخ يوم وقوع العذاب الذى توعدهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 21 - وجاءت كل نفس برة أو فاجرة معها من يسوقها إلى المحشر، ومن يشهد بعملها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 22 - ثم يقال - تقريعاً - للمكذب: لقد كنت فى الدنيا فى غفلة تامة من هذا الذى تقاسيه، فأزلنا عنك الحجاب الذى يُغطى عنك أمور الآخرة. فبصرك اليوم نافذ قوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 23 - وقال شيطانه الذى كان مقيضاً له فى الدنيا: هذا هو الكافر الذى عندى مُهيأ لجهنم بإضلالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 24 - ، 25 - يقال للملكين: ألقيا فى جهنم كل مبالغ فى الكفر، مبالغ فى العناد، وترك الانقياد للحق، مبالغ فى المنع لكل خير، ظالم متجاوز للحق، شاك فى الله تعالى وفيما أنزله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 26 - الذى اتخذ مع الله إلهاً آخر يعبده فألقياه فى العذاب البالغ غاية الشدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 27 - قال الشيطان رداً لقول الكافر: ربنا ما أطغيته، ولكن كان فى ضلال بعيد عن الحق، فأعنته عليه بإغوائى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 28 - قال تعالى للكافرين وقرنائهم: لا تختصموا عندى فى موقف الحساب والجزاء، وقد قدَّمت إليكم فى الدنيا وعيداً على الكفر فى رسالاتى إليكم، فلم تؤمنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 29 - ما يُغَيَّر القول الذى عندى ووعيدى بإدخال الكافرين النار، ولست بظلام للعبيد فلا أعاقب عبداً بغير ذنب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 30 - يوم يقول الحق لجهنم تقريعاً للكافرين: هل امتلأت، وتقول جهنم غضباً عليهم: هل من زيادة أستزيد بها من هؤلاء الظالمين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 31 - وأدنيت الجنة مزينة للذين اتقوا ربهم - بامتثال أمره واجتناب نهيه - مكاناً غير بعيد منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 32 - هذا الثواب الذى توعدون به لكل رجَّاع إلى الله، شديد الحفظ لشريعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 33 - من خاف عقاب من وسعت رحمته كل شئ - وهو غائب عنه لم يره - وجاء فى الآخرة بقلب راجع إليه تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 34 - يُقال تكريماً للمؤمنين: ادخلوا الجنة آمنين ذلك اليوم الذى دخلتم فيه الجنة هو يوم البقاء الذى لا انتهاء له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 35 - لهؤلاء المتقين كل ما يشاءون فى الجنة، وعندنا مزيد من النعيم مما لا يخطر على قلب بشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 36 - وكثيراً أهلكنا من قبل هؤلاء المكذبين من أهل القرون الماضية، هم أشد من هؤلاء قوة وتسلّطاً، فطوَّفوا فى البلاد وأمعنوا فى البحث والطلب، هل كان لهم مهرب من الهلاك؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 37 - إن فيما فعل بالأمم الماضية لعظة لمن كان له قلب يدرك الحقائق، أو أصغى إلى الهداية وهو حاضر بفطنته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 38 - أقسم: لقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما من الخلائق فى ستة أيام، وما أصابنا أى إعياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 39 - ، 40 - إذا تبين ذلك، فاصبر - أيها الرسول - على ما يقول هؤلاء المكذبون من الزور والبهتان فى شأن رسالتك، ونزه خالقك ومربيك عن كل نقص، حامداً له وقت الفجر، ووقت العصر، لعظم العبادة فيهما، ونزهه فى بعض الليل وأعقاب الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 41 - ، 42 - واستمع لما أُخبرك به من حديث القيامة لعظم شأنه، يوم يُنادى الملك المنادى من مكان قريب ممن يُناديهم، يوم يسمعون النفخة الثانية بالحق الذى هو البعث. ذلك اليوم هو يوم الخروج من القبور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 43 - إنا نحن - وحدنا - نُحيى الخلائق ونُميتهم فى الدنيا، وإلينا - وحدنا - الرجوع فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 44 - يوم تنشق الأرض عنهم فيخرجون منها مسرعين إلى المحشر ... ذلك الأمر العظيم حشر هَيِّن ويسير علينا - وحدنا -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 45 - نحن أعلم بكل ما يقولون من الأكاذيب فى شأن رسالتك، وما أنت عليهم بمسلط تجبرهم على ما تريد، وإنما أنت منذر، فذكر بالقرآن المؤمن الذى يخاف عقابى، فتنفعه الذكرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 1 - ، 2، 3، 4 - أقسم بالرياح المثيرات للسحاب، تدفعها دفعاً، فالحاملات منها ثقلاً عظيماً من الماء، فالجاريات به مُيَسرة بتسخير الله، فالمقسمات رزقاً يسوقه الله إلى من يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 5 - ، 6 - إن الذى تُوعدونه من البعث وغيره لمحقق الوقوع، وإن الجزاء على أعمالكم لحاصل لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 7 - ، 8 - أُقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة: إنكم إذ تقولون - ما تقولون - لفى قول مضطرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 9 - ينصرف عن الإيمان بذلك الوعد الصادق، والجزاء الواقع من صرف عنه، لإيثاره هواه على عقله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 10 - ، 11 - هلك الكذَّابون القائلون فى شأن القيامة بالظن والتخمين، الذين هم مغمورون فى الجهل، غافلون عن أدلة اليقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 12 - يسألون - مستهزئين مستبعدين - متى يوم الجزاء؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 13 - يوم هم موْقوفون على النار، يُصهرون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 14 - يُقال لهم: ذوقوا عذابكم هذا الذى كنتم فى الدنيا تستعجلون وقوعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 15 - إن الذين أطاعوا الله وخافوه ينعمون فى جنات وعيون لا يحيط بها الوصف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 16 - متقبلين ما أعطاهم ربهم من الثواب والتكريم، إنهم كانوا قبل ذلك - فى الدنيا - محسنين فى أداء ما طُلب منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 17 - ، 18 - كانوا ينامون قليلاً من الليل، ويستيقظون أكثره للعبادة، وبأواخر الليل هم يستغفرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 19 - وفى أموالهم نصيب ثابت للمحتاجين، السائلين منهم والمحرومين المتعففين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 20 - وفى الأرض دلائل واضحات موصلة إلى اليقين لمن سلك طريقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 21 - وفى أنفسكم كذلك آيات واضحات، أغفِلتم عنها فلا تبصرون دلالتها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 22 - وفى السماء أمْرُ رزقكم وتقدير ما توعدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 23 - فأقسم برب السماء والأرض: إن كل ما تنكرون من وقوع البعث والجزاء وتعذيب المكذبين وإثابة المتقين لثابت مثل نطقكم الذى لا تشكون فى وقوعه منكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 24 - ، 25 - هل علمت قصة الملائكة أضياف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا: سلاماً، قال: سلام قوم غير معروفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 26 - ، 27 - فذهب إلى أهله فى خفية، فجاء بعجل سمين، فقرَّبه إليهم، فلم يأكلوا منه، قال متعجبا من حالهم: ألا تأكلون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 28 - فأحس فى نفسه خوْفاً منهم، قالوا: لا تخف، وبشروه بغلام له حظ وافر من العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 29 - فأقبلت امرأته فى صيحة حين سمعت البشارة، فضربت وجهها بيدها - استبعاداً وتعجباً - وقالت: أنا عجوز عاقر، فكيف ألد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 30 - قالوا: كذلك قضى ربك إنه هو الحكيم فى كل ما يقضى، العليم الذى لا يخفى عليه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 31 - قال إبراهيم: فما شأنكم - بعد هذه البشارة - أيها المرسلون؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 32 - ، 33، 34 - قالوا: إنا أُرسلنا إلى قوم مفرطين فى العصيان، لنلقى عليهم حجارة من طين لا يعلم كنهه إلا الله، مُعلَّمة مخصصة عند ربك للمجاوزين الحد فى الفجور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 35 - ، 36 - فقضينا بإخراج من كان فى تلك القرية من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير أهل بيت واحد من المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 37 - وتركنا فيها علامة تدل على هلاك أهلها، ليعتبر بها الذين يخافون العذاب الأليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 38 - وفى قصة موسى عظة، إذ أرسلناه إلى فرعون مؤيداً ببرهان بيِّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 39 - فأعرض فرعون عن الإيمان بموسى معتدا بقوَّته، وقال: هو ساحر أو مجنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 40 - فأخذناه ومن اعتز بهم فرميناهم فى البحر، وهو مقترف ما يُلام عليه من الكفر والعناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 41 - وفى قصة عاد عظة، إذ أرسلنا عليهم الريح التى لا خير فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 42 - ما تترك من شئ مرّت عليه إلا جعلته كالعظم البالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 43 - ، 44 - وفى قصة ثمود آية، إذ قيل لهم: تمتعوا فى داركم إلى وقت معلوم، فتَجبَّروا وتعالوا عن الاستجابة لأمر ربهم، فأهلكتهم الصاعقة وهم يعاينون وقوعها بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 45 - فما تمكنوا من نهوض، وما كانوا قادرين على الانتصار بدفع العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 46 - وقوم نوح أهلكناهم من قبل هؤلاء، إنهم كانوا قوماً خارجين عن طاعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 47 - ، 48 - والسماء أحكمناها بقوة، وإنا لقادرون على أكثر من ذلك. والأرض بسطناها، فنعم المهاد الذى ينتفع به الإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 49 - ومن كل شئ خلقنا صنفين مزدوجين لعلكم تتذكرون فتؤمنوا بقدرتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 50 - ، 51 - فسارعوا إلى طاعة الله، إنى لكم من الله نذير مُبَيِّن عاقبة الإشراك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 52 - كذلك كان شأن الأمم مع رسلهم، ما أتى الذين من قبل قومك من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 53 - أأوصى بعضهم بعضاً بهذا القول حتى تواردوا عليه؟ بل هم قوم متجاوزون الحدود فتلاقوا فى الطعن على الرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 54 - فأعرضْ عن هؤلاء المعاندين، فما أنت بملوم على عدم استجابتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 55 - ودم على التذكير، فإن الذكرى تزيد المؤمنين بصيرة وقوة يقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 56 - وما خلقت الجن والإنس لشئ يعود علىّ بالنفع، وإنما خلقتهم ليعبدونى، والعبادة نفع لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 57 - ما أريد منهم من رزق - لأنى غنى عن العالمين - وما أريد أن يطعمونى لأنى أُطْعِم ولا أُطْعَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 58 - إن الله - وحده - هو المتكفل برزق عباده، وهو ذو القوة الشديد الذى لا يعجز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 59 - فإن للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتكذيب نصيباً من العذاب مثل نصيب أصحابهم من الأمم الماضية، فلا يستعجلونى بإنزال العذاب قبل أوانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 60 - فهلاك للذين كفروا من يومهم الذى يوعدونه، لما فيه من الشدائد والأهوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 1 - ، 2، 3، 4، 5، 6 - أقسم بجبل طور سيناء الذى كلَّم الله عليه موسى، وبكتاب منزل من عند الله مكتوب فى صحف ميسرة للقراءة، وبالبيت المعمور بالطائقين والقائمين والركع السجود، وبالسماء المرفوعة بغير عمد، وبالبحر المملوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 7 - ، 8 - إن عذاب ربك الذى توعد به الكافرين لنازل بهم لا محالة، ليس له من دافع يدفعه عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 9 - ، 10 - يوم تضطرب السماء اضطراباً شديداً، وتنتقل الجبال من مقارها انتقالاً ظاهراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 11 - ، 12 - فهلاك شديد فى هذا اليوم للمكذبين بالحق، والذين هم فى باطل يلهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 13 - يوم يُدْفعون إلى نار جهنم دفعاً عنيفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 14 - يقال لهم: هذه النار التى كنتم بها تكذبون فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 15 - أبقيتم على إنكاركم، فهذا الذى تشاهدونه من النار سحراً؟ أم أنتم لا تبصرون! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 16 - ادخلوها وذوقوا حرَّها، فاصبروا على شدائدها أو لا تصبروا، فصبركم وعدمه سواء عليكم، إنما تلاقون اليوم جزاء ما كنتم تعملون فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 17 - إن المتقين فى جنات فسيحات، لا يحاط بوصفها، ونعيم عظيم كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 18 - متنعمين بما أعطاهم ربهم، ووقاهم ربهم عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 19 - يقال لهم: كلوا طعاماً هنيئاً، واشربوا شراباً سائغاً، جزاء بما كنتم تعملون فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 20 - جالسين متكئين على أرائك مصفوفة، وزوجناهم بنساء بيض واسعات العيون حسانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 21 - والذين أمنوا واستحقوا درجات عالية، واتبعتهم ذريتهم بإيمان، ولم يبلغوا درجات الآباء، ألحقنا بهم ذريتهم، لتقر أعينهم بهم، وما نقصناهم شيئاً من ثواب أعمالهم. ولا يحمل الآباء شيئاً من أخطاء ذرياتهم، لأن كل إنسان مرهون بعمله، لا يؤخذ به غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 22 - وزدناهم بفاكهة كثيرة، ولحم مما يشتهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 23 - يتجاذبون فى الجنة - متوادين - كأساً مليئة بالشراب، لا يكون منهم بشربها كلام باطل، ولا عمل يستوجب الإثم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 24 - ويطوف عليهم غلمان مُعَدُّون لخدمتهم، كأنهم فى الصفاء والبياض لؤلؤ مصون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 25 - وأقبل بعض أهل الجنة على بعض، يسأل كل صاحبه عن عظم ما هم فيه وسببه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 26 - ، 27 - قالوا: إنا كنا قبل هذا النعيم بين أهلينا خائفين من عذاب الله، فَمَنَّ الله علينا برحمته ووقانا عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 28 - إنا كنا من قبل فى الدنيا نعبده. إنه - وحده - هو المحسن الواسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 29 - فَدُمْ على ما أنت عليه من التذكير، فما أنت - بما أنعم الله عليك من النبوة ورجاحة العقل - بكاهن، تخبر بالغيب دون علم، ولا مجنون تقول ما لا تقصد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 30 - ، 31 - بل أيقولون هو شاعر، ننتظر به نزول الموت؟ ، قل تهديداً لهم، انتظروا فإنى معكم من المنتظرين عاقبة أمرى وأمركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 32 - أتأمرهم عقولهم بهذا القول المتناقض؟ ، فالكاهن والشاعر ذو فطنة وعقل، والمجنون لا عقل له، بل هم قوم مجاوزون الحد فى العناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 33 - أيقولون: اختلق محمد القرآن؟ بل هم لمكابرتهم لا يؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 34 - فليأتوا بحديث مثل القرآن، إن كانوا صادقين فى قولهم: أن محمدا اختلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 35 - أَخُلِقُوا من غير خالق. أم هم الذين خَلَقُوا أنفسهم، فلا يعترفون بخالق يعبدونه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 36 - أخلقوا السموات والأرض على هذا الصنع البديع؟ بل هم لا يوقنون بما يجب للخالق، فلهذا يشركون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 37 - أعندهم خزائن ربك يتصرفون فيها؟ ، بل أهم القاهرون المدبرون للأمور كما يشاءون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 38 - بل ألهم مرقى يصعدون فيه إلى السماء، فيستمعون ما يقضي به الله؟ فليأت مستمعهم بحجة واضحة تصدق دعواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 39 - بل ألله البنات كما تزعمون، ولكم البنين كما تحبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 40 - بل أتسألهم شيئا من الأجر على تبليغ الرسالة، فهم لما يلحقهم من الغرامة مثقلون متبرمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 41 - بل أعندهم علم الغيب، فهم يكتبون منه ما شاءوا؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 42 - بل أيريدون مكرا بك وإبطالا لرسالتك؟ ، فالذين كفروا هم الذين يحيق بهم مكرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 43 - أم لهم معبود غير الله يمنعهم من عذاب الله، تنزيها لله عما يشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 44 - وإن يشاهدوا جزءا من السماء ساقطا عليهم لعذابهم، يقولوا عنادا: هو سحاب مجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 45 - فدعهم غير مكترث بهم، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يهلكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 46 - يوم لا يدفع عنهم مكرهم شيئا من العذاب، ولا هم يجدون ناصرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 47 - وإن للذين ظلموا عذابا غير العذاب الذي يهلكون به في الدنيا، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 48 - واصبر لحكم ربك بإمهالهم، وعلى ما يلحقك من أذاهم، فإنك في حفظنا ورعايتنا، فلن يضرك كيدهم، وسبح بحمد ربك حين تقوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 49 - وتخير جزءا من الليل فسبحه فيه، وسبحه وقت إدبار النجوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 1 - ، 2 - أقسم ب النجم إذا هوى للغروب: ما عدل محمد عن طريق الحق وما اعتقد باطلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 3 - وما يصدر نطقه فيما يتكلم به من القرآن عن هوى نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 4 - ما القرآن الذي ينطق به إلا وحي من الله يوحيه إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 5 - علَّمه هذا الوحى ملك شديد القوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 6 - ، 7 - ذو حصافة فى عقله ورأيه، فاستقام على صورته، وهو بالجهة العليا من السماء المقابلة للناظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 8 - ، 9 - ثم قرب جبريل منه، فزاد فى القرب، فكان دُنُوُّه قدر قوسين، بل أدنى من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 10 - فأوحى جبريل إلى عبد الله ورسوله ما أوحاه، وأنه أمر عظيم الشأن بعيد الأثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 11 - ما أنكر فؤاد محمد ما رآه بصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 12 - أتكذِّبون رسول الله، فتجادلونه على ما يراه معاينة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 13 - ، 14، 15، 16، 17 - ولقد رأى محمد جبريل على صورته مرة أخرى، فى مكان لا يعلم علمه إلا الله، سماه «سدرة المنتهى» ، وأنبأ أن عنده جنة المأوى، إذ يغشاها ويغطيها من فضل الله ما لا يحيط به وصف، ما مال بصر محمد عما رآه، وما تجاوز ما أُمر برؤيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 18 - لقد رأى كثيراً من آيات الله وعجائبه العظمى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 19 - ، 20 - أعلمتم ذلك ففكرتم فى شأن اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، التى اتخذتموها آلهة تعبدونها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 21 - أقسَّمتم الأمر فجعلتم لأنفسكم الذكور، وجعلتم لله الإناث؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 22 - تلك - إذن - قسمة جائرة، إذ تجعلون لله ما تكرهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 23 - ما الأصنام إلا مجرد أسماء ليس فيها شئ من معنى الألوهية، سميتموها أنتم وآباؤكم بمقتضى أهوائكم الباطلة، ما أنزل الله بها من حُجَّة تُصدق دعواكم فيها، ما يتبعون إلا الظن وما تهواه النفوس المنحرفة عن الفطرة السليمة، ولقد جاءهم من ربهم ما فيه هدايتهم لو اتبعوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 24 - ، 25 - بل ليس للإنسان ما تمناه من شفاعة هذه الأصنام أو غير ذلك مما تشتهيه نفسه، فلله - وحده - أمر الآخرة والدنيا جميعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 26 - وكثير من الملائكة فى السموات مع علو منزلتهم لا تغنى شفاعتهم شيئاً - ما - إلا بعد إذنه تعالى للشفيع ورضاه عن المشفوع له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 27 - إن الذين لا يؤمنون بالدار الآخرة ليصفون الملائكة بالأنوثة، فيقولون: الملائكة بنات الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 28 - وما لهم بهذا القول من علم، ما يتبعون فيه إلا ظنهم الباطل، وإن الظن لا يغنى من الحق شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 29 - فانصرف عن هؤلاء الكافرين الذين أعرضوا عن القرآن ولم يكن همهم إلا الحياة الدنيا جاهدين فيما يصلحها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 30 - ذلك الذي يتبعونه فى عقائدهم وأعمالهم منتهى ما وصلوا إليه من العلم، إن ربك هو أعلم بمن أصر على الضلال، وهو أعلم بمن شأنه قبول الاهتداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 31 - ولله - وحده - ما فى السموات وما فى الأرض خلقاً وتدبيراً، ليجزى الضالين المسيئين بعملهم، ويجزى المهتدين المحسنين بالمثوبة الحسنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 32 - الذين يجتنبون ما يكبر عقابه من الذنوب وما يعظم قبحه منها، لكن الصغائر من الذنوب يعفو الله عنها، إن ربك عظيم المغفرة، هو أعلم بأحوالكم، إذ خلقكم من الأرض، وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم فى أطواركم المختلفة، فلا تصفوا أنفسكم بالتزكى مدحاً وتفاخراً، هو أعلم بمن اتقى، فزكت نفسه حقيقة بتقواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 33 - ، 34، 35 - أتأملت فرأيت الذى أعرض عن اتباع الحق، وأعطى شيئاً قليلاً من المال، وقطع العطاء؟ {أعنده علم الغيب فهو منكشف له عما يدفعه إلى التولى عن الحق والبخل بالمال؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 36 - ، 37، 38 - بل ألم يخبَر بما فى صحف موسى وإبراهيم الذى بلغ الغاية فى الوفاء بما عاهد الله عليه: أنه لا تحمل نفس إثم نفس أخرى؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 39 - وأنه ليس للإنسان إلا جزاء عمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 40 - وأن عمله سوف يعلن، فيُرى يوم القيامة تشريفاً للمحسن وتوبيخاً للمسئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 41 - ثم يجزى الإنسان على عمله الجزاء الأوفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 42 - وأن إلى ربك - لا إلى غيره - المعاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 43 - وأنه هو - وحده - بسط أسارير الوجوه وقبضها، وخلق أسباب البسط والقبض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 44 - وأنه هو - وحده - سلب الحياة ووهبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 45 - ، 46 - وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى - من الإنسان والحيوان - من نطفة دافقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 47 - وأن عليه الإحياء بعد الإماتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 48 - وأنه - هو - أعطى ما يكفى، وأرضى بما يقتنى ويدخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 49 - وأنه - هو - رب هذا الكوكب العظيم المسمى بالشعرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 50 - ، 51 - وأنه أهلك عاداً الأولى قوم هود، وأهلك ثمود قوم صالح، فما أبقى عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 52 - وأهلك قوم نوح من قبل هلاك عاد وثمود، إنهم كانوا - هم - أكثر ظلماً وأشد طغياناً من عاد وثمود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 53 - والقرى المنقلبة بقوم لوط هو الذى قلبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 54 - ، 55 - فأحاط بها من العذاب ما أحاط، فبأى نعمة من نعم ربك ترتاب! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 56 - هذا القرآن نذير من جنس النذر الأولى التى أنذرت بها الأمم السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 57 - ، 58 - قربت القيامة، ليس لها من دون الله من يكشف عن وقت وقوعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 59 - ، 60، 61 - أتجحدون كل حق؟ ، فمن هذا القرآن تعجبون إنكاراً، وتضحكون استهزاءً وسخريةً، ولا تبكون كما يفعل الموقنون، وأنتم لاهون متكبرون؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 62 - فاسجدوا لله الذى أنزل القرآن هدى للناس، وأفْرِدوه بالعبادة جل جلاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 1 - دنت القيامة وسينشق القمر لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 2 - وإن ير الكفار معجزة عظيمة يُعرضوا عن الإيمان بها، ويقولون: هى سحر دائم متتابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 3 - وكذَّبوا الرسل واتبعوا ما تزيِّنُهُ لهم أهواؤهم، وكل أمر منته إلى غاية يستقر عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 4 - وأقسم لقد جاء الكفار من أخبار الأمم السابقة والحقائق الكونية ما فيه كفاية لزجرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 5 - هذا الذى جاءهم حكمة عظيمة بالغة غايتها. فأى نفع تُفيد النُّذر من انصرف عنها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 6 - فأعرض - يا محمد - عن هؤلاء الكفار، وانتظر يوم يدعو داعى الله إلى أمر شديد تنكره النفوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 7 - خاضعة أبصارهم من شدة الهول، يخرجون من القبور كأنهم - فى الكثرة والسرعة - جراد منتشر! { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 8 - مسرعين إلى الداع، ينظرون إليه فى ذل وخضوع، لا يتحول بصرهم عنه، يقول الكافرون يوم القيامة: هذا يوم صعب شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 9 - كذَّبت قبل كفار مكة قوم نوح، فكذَّبوا نوحاً - عبدنا ورسولنا - ورموه بالجنون، وحالوا - بأنواع الأذى والتخويف - بينه وبين تبليغ الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 10 - فدعا نوح ربه إنى مغلوب من قومى، فانتقم لى منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 11 - ، 12 - ففتحنا أبواب السماء بماء منصب كثير متتابع، وشققنا الأرض عيوناً متفجرة بالماء. فالتقى ماء السماء وماء الأرض على إهلاكهم الذى قدَّره الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 13 - ، 14 - وحملنا نوحاً على سفينة من خشب، وخيوط من ليف تشد ألواحها، تجرى على الماء بحفظنا، جزاء لنوح الذى استمر قومه على تكذيب دعوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 15 - ولقد تركنا حادثة إغراق الكافرين وإنجاء المؤمنين عظة، فهل من مُتَّعظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 16 - فعلى أى حال كان عذابى وإنذارى للمخالفين؟} { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 17 - وأقسم لقد سهَّلنا القرآن للتذكرة والاتعاظ، فهل من متعظ؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 18 - كذبت عاد رسولهم - هوداً - فعلى أى حال كان عذابى وإنذارى للمخالفين؟} ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 19 - ، 20 - إنا سلّطنا عليهم ريحاً باردة مدوية فى يوم شؤم دائم، تقلع الناس من أماكنهم، وترمى بهم على الأرض صرعى، كأنهم أصول نخل منقلع من مغارسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 21 - فعلى أى حال كان عذابى وإنذارى للمخالفين! { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 22 - ولقد سهلنا القرآن للعظة والاعتبار، فهل من متعظ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 23 - كذَّبت ثمود بإنذارات نبيِّهم صالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 24 - فقالوا: أبشراً من عامتنا لا عصبية له نتبعه؟ ، إنا إذا اتبعناه لفى بُعْد عن الحق وجنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 25 - أَاُنْزِلَ الوحى عليه من بيننا وفينا من هو أحق منه؟ بل هو كثير الكذب، منكر للنعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 26 - سيعلمون قريباً يوم ينزل بهم العذاب: مَنْ الكذَّاب المنكر للنعمة، أهم أم صالح رسولهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 27 - إنا مرسلو الناقة آية لرسولنا - صالح - امتحاناً لهم، فانتظرهم وتبصَّر ما هم فاعلون، واصبر على أذاهم حتى يأتى أمر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 28 - ونبئهم أن الماء مقسوم بينهم وبين الناقة، كل نصيب يحضره صاحبه فى يومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 29 - ، 30 - فنادوا صاحبهم، فتهيأ لعقر الناقة فعقروها. فعلى أى حال كان عذابى وإنذارى للمخالفين؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 31 - إنا سلّطنا عليهم صيحة واحدةً فكانوا بها كشجر يابس يجمعه من يريد اتخاذ حظيرة!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 32 - ولقد سهّلنا القرآن للعظة والاعتبار، فهل من متعظ؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 33 - كذبت قوم لوط بإنذارات رسولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 34 - ، 35 - إنا أرسلنا عليهم ريحاً شديدة ترميهم بالحصى، إلا آل لوط المؤمنين نجَّيناهم من هذا العذاب آخر الليل، إنعاماً عليهم من عندنا، كذلك الإنعام العظيم نجزى به من شكر نعمتنا بالإيمان والطاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 36 - ولقد خوَّف لوط قومه أخذتنا الشديدة، فشكوا فى إنذاراته تكذيباً له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 37 - ولقد أرادوا منه تمكينهم من ضيفه، فمحونا أبصارهم جزاء ما أرادوا، فقل لهم - تهكماً -: تجرعوا عذابى وإنذاراتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 38 - ، 39 - ولقد فاجأهم فى الصباح الباكر عذاب ثابت دائم، فقيل لهم: تجرعوا عذابى وإنذاراتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 40 - ولقد سهَّلنا القرآن للعظة والاعتبار، فهل من متعظ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 41 - ولقد جاء آل فرعون الإنذارات المتتابعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 42 - كذبوا بآياتنا ومعجزاتنا التى جاءت على يد رسلنا، فأهلكناهم إهلاك قوى لا يُغْلَب. عظيم القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 43 - أأنتم - أيها الكفار - أقوى من أولئكم الأقوام السابقين الذين أهلكوا؟ . بل ألكم براءة من العذاب فيما نزل من الكتب السماوية؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 44 - أيقول هؤلاء الكفار: نحن جمع مؤتلف ممتنع على أعدائه لا يغلب؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 45 - سيغلب هذا الجمع، ويفرون مولين الأدبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 46 - بل القيامة موْعد عذابهم، والقيامة أعظم داهية وأقسى مرارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 47 - إن المجرمين من هؤلاء وأولئك فى هلاك وجحيم مستعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 48 - يوم يُجَرُّون فى النار على وجوههم يقال لهم: قاسوا آلام جهنم وحرارتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 49 - إنا خلقنا كل شئ، خلقناه بتقدير على ما تقتضيه الحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 50 - وما أَمْرُنا لشئ أردناه إلا كلمة واحدة هى أن نقول له: «كن» فيكون فى سرعة الاستجابة كلمح البصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 51 - ولقد أهلكنا أشباهكم فى الكفر، فهل من متعظ؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 52 - وكل شئ فعلوه فى الدنيا مكتوب فى الصحف. مقيد عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 53 - وكل صغير وكبير من الأعمال مكتوب لا يغيب منه شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 54 - إن المتقين فى جنات عظيمة الشأن، وأنها متعددة الأنواع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 55 - فى مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم عند مليك عظيم القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 1 - ، 2 - الرحمن . علَّم الإنسان القرآن ويسَّره له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 3 - ، 4 - أوجد الإنسان. علمه الإبانة عما فى نفسه تمييزاً له عن غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 5 - الشمس والقمر يجريان فى بروجهما بحساب وتقدير لا إخلال فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 6 - والنبات الذى لا ساق له، والشجر الذى يقوم على ساق يخضعان لله تعالى فى كل ما يريد بهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 7 - ، 8 - والسماء خلقها مرفوعة، وشرع العدل لئلا تتجاوزوا الحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 9 - وأقيموا الوزن بالعدل فى كل معاملاتكم، ولا تنقصوا الميزان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 10 - والأرض بسطها ومهَّدها للخلائق ينتفعون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 11 - فى الأرض أنواع كثيرة من الفاكهة، وفيها النخل ذات الأوعية التى فيها الثمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 12 - وفيها الحب ذو القشر رزقاً لكم ولأنعامكم، وفيها كل نبْت طيب الرائحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 13 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان أيها الثقلان؟ {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 14 - ، 15 - خلق جنس الإنسان من طين يابس غير مطبوخ كالخزف، وخلق جنس الجان من لهيب خالص من نار} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 16 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 17 - رب مشرقى الشمس فى الصيف والشتاء، ورب مغربيها فيهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 18 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 19 - ، 20 - أرسل الله البحرين العذب والملح يتجاوران ويتماسّ سطوحهما، بينهما حاجز من قدرة الله لا يطغى أحدهما على الآخر فيمتزجان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 21 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 22 - يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، تتخذون منهما حلية تلبسونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 23 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 24 - وله السفن المصنوعات بأيديكم الجاريات فى البحر، العظيمة كالجبال الشاهقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 25 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 26 - ، 27 - كل من على الأرض زائل ويبقى الله صاحب العظمة والإنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 28 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 29 - يسأل الله جميع من فى السموات والأرض حاجاتهم، كل وقت هو فى شأن، يعز ويذل، ويعطى ويمنع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 30 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 31 - فسنتفرغ لحسابكم يوم القيامة أيها الجن والإنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 32 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 33 - يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين فاخرجوا، لا تستطيعون الخروج إلا بقوة وقهر، ولن يكون لكم ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 34 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 35 - يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب، فلا تقدران على دفع هذا العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 36 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 37 - فإذا انشقت السماء فكانت حمراء كدرة كالزيت المحترق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 38 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 39 - فيومئذ تنشق السماء فلا يسأل عن ذنبه إنس ولا جن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 40 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 41 - يُعرف المجرمون من الإنس والجن بعلامة يتميزون بها، فيؤخذ بمقدم رءوسهم وأقدامهم، فيلقى بهم فى جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 42 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 43 - ، 44 - يقال - تقريعا -: هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون منكم، يترددون بين نارها وبين ماء متناه فى الحرارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 45 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 46 - ولمن خاف قدر ربه جنتان عظيمتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 47 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 48 - ذات أغصان نضرة حسنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 49 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 50 - فى هاتين الجنتين عينان تجريان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 51 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 52 - فيهما من كل فاكهة صنفان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 53 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 54 - معتمدين مطمئنين على فرش بطائنها من ديباج خالص، وثمر الجنتين قريب للمتناول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 55 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 56 - فى الجنان زوجات حابسات أبصارهن على أزواجهن، أبكار لم يقربهن إنس قبلهم ولا جان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 57 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 58 - كأن هؤلاء الزوجات فى الحسن وصفاء اللون: الياقوت والمرجان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 59 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 60 - ما جزاء الإحسان فى العمل إلا الإحسان فى الثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 61 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 62 - ومن دون الجنتين السابقتين جنتان أخريان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 63 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 64 - خضراوان قد اشتدت خضرتهما حتى مالت إلى السود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 65 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 66 - فيهما عينان فوَّارتان بالماء لا تنقطعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 67 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 68 - فيهما فاكهة من صنوف مختلفة ونخل ورمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 69 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 70 - فيهن زوجات طيبات الأخلاق، مشرقات الوجوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 71 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 72 - حسان العيون مقصورات فى خيامهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 73 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 74 - لم يقربهن إنس قبل أزواجهن ولا جان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 75 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 76 - متكئين على فُرش ذوات أغطية خضر وطنافس حسان عجيبة الصنع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 77 - فبأى نعمة من نعم ربكما تجحدان؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 78 - تعالى وتنزَّه اسم ربك صاحب العظمة والإنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 1 - ، 2، 3 - إذا وقعت القيامة، لا تكون نفس مكذبة بوقوعها، هى خافضة للأشقياء رافعة للسعداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 4 - ، 5، 6 - إذا زُلزلت الأرض واهتزت اهتزازاً شديداً، وفتتت الجبال تفتيتاً دقيقاً، فصارت غباراً متطايراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 7 - وصرتم جميعاً فى هذا اليوم بأعمالكم أصنافاً ثلاثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 8 - ، 9 - فأصحاب اليمين أهل المنزلة السنية ما أعظم مكانتهم، وأصحاب الشمال أهل المنزلة الدنية ما أسوأ حالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 10 - ، 11، 12 - والسابقون إلى الخيرات فى الدنيا هم السابقون إلى الدرجات فى الآخرة، أولئك هم المقربون عند الله، يدخلهم ربهم فى جنات النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 13 - ، 14 - هؤلاء المقربون جماعة كثيرة من الأمم السابقة وأنبيائهم، وقليل من أمة محمد بالنسبة إليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 15 - ، 16 - على سرر منسوجة بالجواهر النفيسة. مضطجعين عليها فى راحة واستقرار. متقابلة وجوههم زيادة فى المحبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 17 - ، 18 - يدور عليهم للخدمة ولدان باقون أبداً على هذا الوصف بأقداح وأباريق مملوءة من شراب الجنة، وبكأس مملوءة خمراً من عيون جارية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 19 - لا يُصيبهم بشربها صداع يصرفهم عنها ولا تذهب عقولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 20 - ، 21 - وفاكهة من أى نوع يختارونه ويرونه، ولحم طير مما ترغب فيه نفوسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 22 - ، 23، 24 - ونساء ذوات عيون واسعة. كأمثال اللؤلؤ المصون فى صدفه صفاء ورونقاً. يعطون هذا الجزاء بما كانوا يعملون من الصالحات فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 25 - ، 26 - لا يسمعون فى الجنة كلاماً لا ينفع، ولا حديثاً يأثم سامعه إلا قول بعضهم لبعض: سلاماً سلاماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 27 - وأصحاب اليمين لا يعلم أحد ما جزاء أصحاب اليمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 28 - ، 29، 30، 31، 32، 33، 34 - فى شجر من النبق مقطوع شوكه، وشجر من الموز متراكب ثمره بعضه فوق بعض، وظل منبسط لا يذهب، وماء منصب فى آنيتهم حيث شاءوه، وفاكهة كثيرة الأنواع والأصناف لا مقطوعة فى وقت من الأوقاف، ولا ممنوعة عمن يُريدها، وفرش عالية ناعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 35 - ، 36، 37، 38 - إنا ابتدأنا خلق الحور العين ابتداءً، فخلقناهن أبكاراً محببات إلى أزواجهن متقاربات فى السن، مهيئات لنعيم أصحاب اليمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 39 - ، 40 - أصحاب اليمين جماعة كثيرة من الأمم السابقة، وجماعة كثيرة من أمة محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 41 - وأصحاب الشمال لا يدرى أحد ما فيه أصحاب الشمال من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 42 - ، 43، 44 - فى ريح حارة تنفذ فى المسام وتحيط بهم، وماء مُتَناه فى الحرارة يشربونه ويصب على رءوسهم، وفى ظل من دخان حار شديد السواد. لا بارد يخفف حرارة الجو، ولا كريم يعود عليهم بالنفع إذا استنشقوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 45 - إنهم كانوا قبل هذا العذاب مسرفين فى الاستمتاع بنعيم الدنيا. لاهين عن طاعة الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 46 - وكانوا يصمِّمون دائماً على الذنب العظيم الجرم. حيث أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 47 - وكانوا يقولون - إنكاراً للإعادة -: أنُبعث إذا متنا وصار بعض أجسامنا تراباً وبعضها عظاماً بالية أئنا لعائدون إلى الحياة ثانياً؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 48 - أنبعث - نحن - وآباؤنا الأقدمون الذين صاروا تراباً متفرقاً ضالا فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 49 - ، 50 - قل - لهم - رداً لإنكارهم: إن الأولين من الأمم والآخرين الذين أنتم من جملتهم لمجموعون إلى وقت يوم مُعَيَّن لا يتجاوزونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 51 - ، 52، 53 - ثم إنكم أيها الخارجون المنحرفون عن سبيل الهدى - المكذبون بالبعث - لآكلون فى جهنم من شجر هو الزَّقوم، فمالئون من هذا الشجر بطونكم من شدة الجوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 54 - ، 55 - فشاربون على ما تأكلون من هذا الشجر ماء مُتَنَاهياً فى الحرارة لا يروى ظمأ، فشاربون بكثرة كشرب الإبل العطاش التى لا تروى بشرب الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 56 - هذا الذى ذكر من ألوان العذاب هو ما أعد قِرى لهم يوم الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 57 - نحن ابتدأنا خلقكم من عدم، فهلا تقرون بقدرتنا على إعادتكم حين بعثكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 58 - ، 59 - أفرأيتم ما تقذفونه فى الأرحام من النطف؟ أأنتم تقدرونه وتتعهدونه فى أطواره حتى يصير بشراً، أم نحن المقدرون له؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 60 - ، 61 - نحن قضينا بينكم بالموت، وجعلنا لموتكم وقتاً معيَّناً، وما نحن بمغلوبين على أن نبدل صوركم بغيرها، وننشئكم فى خلق وصور لا تعهدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 62 - ولقد أيقنتم أن الله أنشأكم النشأة الأولى، فهلا تتذكرون أن مَن قدر عليها فهو على النشأة الأخرى أقدر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 63 - ، 64 - أفرأيتم ما تبذرونه من الحب فى الأرض؟ أأنتم تنبتونه أم نحن المنبتون له وحدنا؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 65 - ، 66، 67 - لو نشاء لصيَّرنا هذا النبات هشيماً متكسراً قبل أن يبلغ نضجه فلا تزالون تتعجبون من سوء ما أصابه قائلين: إنا لملزمون الغرم بعد جهدنا فيه. بل نحن سيئو الحظ، محرومون من الرزق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 68 - ، 69 - أفرأيتم الماء العذب الذى تشربون منه، أأنتم أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون له رحمة بكم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 70 - لو نشاء صيَّرناه مالحاً لا يساغ، فهلا تشكرون الله أن جعله عذباً سائغاً؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 71 - ، 72 - أفرأيتم النار التى توقدون؟ أأنتم أنبتم شجرتها وأودعتم فيها النار أم نحن المنشئون لها كذلك؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 73 - نحن جعلنا هذه النار تذكيراً لنار جهنم عند رؤيتها، ومنفعة للنازلين بالقفر ينتفعون بها فى طهو طعامهم وتدفئتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 74 - فدم على التسبيح بذكر اسم ربك العظيم، تنزيهاً وشكراً له على هذه النعم الجليلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 75 - ، 76 - فأقسم - حقا - بمساقط النجوم عند غروبها آخر الليل أوقات التهجد والاستغفار، وإنه لقسم - لو تفكرون فى مدلوله - عظيم الخطر بعيد الأثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 77 - ، 78 - إنه لقرآن كثير المنافع فى اللوح المحفوظ مصون لا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 79 - ، 80 - لا يمس القرآن الكريم إلا المطهرون من الأدناس والأحداث. وهو منزَّل من عند الله رب الخلق أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 81 - أأنتم متهاونون بقدر هذا القرآن العظيم؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 82 - وتجعلون بدل شكر رزقكم أنكم تكذبونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 83 - ، 84، 85 - فهلا إذا بلغت روح أحدكم عند الموت مجرى النفس، وأنتم حين بلوغ الروح الحلقوم حول المحتَضِر تنظرون إليه، ونحن أقرب إلى المحتَضَر وأعلم بحاله منكم، ولكن لا تدركون ذلك ولا تحسونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 86 - ، 87 - فهلا - إن كنتم غير خاضعين لربوبيتنا - تردون روح المحتضر إليه إن كنتم صادقين فى أنكم ذوو قوة لا تقهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 88 - ، 89 - فأما إن كان المحتضر من السابقين المقربين فمآله راحة ورحمة ورزق طيب وجنة ذات نعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 90 - ، 91 - وأما إن كان من أصحاب اليمين فيقال له تحية وتكريماً: سلام لك من إخوانك أصحاب اليمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 92 - ، 93، 94 - وأما إن كان من أصحاب الشمال المكذبين الضالين، فله نزل وقرى أعد له من ماء حار تناهت حرارته، وإحراق بنار شديدة الاتقاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 95 - إن هذا الذى ذكر فى هذه السورة الكريمة لهو عين اليقين الثابت الذى لا يداخله شك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 96 - فدم على التسبيح بذكر اسم ربك العظيم، تنزيهاً له وشكراً على آلائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 1 - نزه الله تعالى ما فى السموات والأرض من الإنسان والحيوان والجماد، وهو الغالب الذى يصرِّف الأمور بما تقتضيه الحكمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 2 - لله ملك السموات والأرض - لا لغيره - يتصرف فى كل ما فيهما. يفعل الإحياء والإماتة، وهو على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 3 - هو الموجود قبل كل شئ، والباقى بعد فناء كل شئ، والظاهر فى كل شئ، فكل شئ له آية، والباطن فلا تُدركه الأبصار، وهو بكل شئ ظاهر أو باطن تام العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 4 - هو الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ثم استولى على العرش بتدبير ملكه، يعلم كل ما يغيب فى الأرض وما يخرج منها، وكل ما ينزل من السماء وما يصعد إليها، وهو عليم بكم محيط بشئونكم فى أى مكان كنتم، والله بما تعملون بصير، مطَّلع لا يخفى عليه شئ من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 5 - لله - وحده - ملك السموات والأرض، وإليه تعالى ترجع أمور خلقه، وتنتهى مصائرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 6 - يُدخل من ساعات الليل فى النهار، ويُدخل من ساعات النهار فى الليل، فتختلف أطوالها، وهو العليم بمكنونات الصدور وما تُضمره القلوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 7 - صدقوا بالله ورسوله، وأنفقوا فى سبيل الله من المال الذى جعلكم الله خُلفاء فى التصرف فيه، فالذين آمنوا منكم بالله ورسوله - وأنفقوا مما استخلفهم فيه، لهم بذلك عند الله ثواب كبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 8 - وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم للإيمان بربكم ويحثكم عليه، وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان من قبل إن كنتم تريدون الإيمان فقد تحقق دليله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 9 - هو الذى ينِّزل على رسوله آيات واضحات من القرآن ليُخرجكم بها من الضلال إلى الهدى، وإن الله بكم لكثير الرأفة، واسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 10 - وأى شئ حصل لكم فى ألا تنفقوا فى سبيل الله من أموالكم؟ ، ولله ميراث السموات والأرض يرث كل ما فيهما، ولا يبقى أحد مالكاً لشئ منهما. لا يستوى فى الدرجة والمثوبة منكم من أنفق من قبل فتح مكة وقاتل - والإسلام فى حاجة إلى من يسنده ويقويه - أولئك المنفقون المقاتلون قبل الفتح أعلى درجة من الذين أنفقوا بعد الفتح وقاتلوا، وكلا من الفريقين وعد الله المثوبة الحسنى مع تفاوت درجاتهم، والله بما تعملون خبير، فيجازى كلا بما يستحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 11 - مَنِ المُؤمِنُ الذى يُنفق فى سبيل الله مخلصاً، فيضاعف الله له ثوابه، وله فوق المضاعفة ثواب كريم يوم القيامة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 12 - يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسبق نور إيمانهم وأعمالهم الطيبة أمامهم وعن أيمانهم، تقول لهم الملائكة: بُشراكم فى هذا اليوم جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار لا تخرجون منها أبداً، ذلك الجزاء هو الفوز العظيم لكم لقاء أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 13 - يوم يقول المنافقون والمنافقات للمؤمنين والمؤمنات: انتظرونا نُصِبْ بعض نوركم، قيل - توبيخاً لهم ارجعوا إلى حيث أعطينا هذا النور فاطلبوه، فضرب بين المؤمنين والمنافقين بحاجز له باب، باطن الحاجز الذى يلى الجنة فيه الرحمة والنعيم، وظاهر الحاجز الذى يلى النار من جهته النقمة والعذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 14 - ينادى المنافقون المؤمنين: ألم نكن فى الدنيا معكم وفى رفقتكم؟ فيرد المؤمنون: بلى، كنتم معنا كما تقولون، ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق، وتمنيتم للمؤمنين الحوادث المهلكة، وشككتم فى أمور الدين، وخدعتكم الآمال. ووهمتم أنكم على خير حتى جاء الموت وخدعكم بعفو الله ومغفرته الشيطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 15 - فاليوم لا يقبل منكم ما تفتدون به أنفسكم من العذاب مهما أغليتم فى ذلك. ولا يقبل من الكافرين المعلنين كفرهم فدية كذلك، مرجعكم جميعاً النار. هى منزلكم الأوْلى بكم، وبئس المصير النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 16 - ألم يحن الوقت للذين آمنوا أن ترق قلوبهم لذكر الله والقرآن الكريم، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، عملوا به مدة فطال عليهم الزمن، فجمدت قلوبهم وكثير منهم خارجون عن حدود دينهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 17 - اعلموا - أيها المؤمنون - أن الله يصلح الأرض ويهيئها للإنبات بنزول المطر بعد يبسها، قد وضَّحنا لكم الآيات، وضربنا لكم الأمثال لعلكم تعقلون ما فيها، فتخشع قلوبكم لذكر الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 18 - إن المتصدقين والمتصدقات وأنفقوا فى سبيل الله نفقات طيبة بها نفوسهم يُضاعف الله لهم ثواب ذلك، ولهم فوق المضاعفة أجر كريم يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 19 - والذين آمنوا بالله ورسله ولم يُفَرِّقُوا بين أحد منهم أولئك هم فى منزلة الصديقين والشهداء، لهم ثواب ونور يوم القيامة. مثل ثواب الصديقين والشهداء ونورهم، والذين كفروا وكذبوا بآيات الله أولئك هم أصحاب النار لا يفارقونها أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 20 - اعلموا - أيها المغرورون بالدنيا - أنَّما الحياة الدنيا لعب لا ثمرة له، ولهو يشغل الإنسان عما ينفعه، وزينة لا تحصل شرفاً ذاتياً، وتفاخر بينكم بأنساب زائلة وعظام بالية، وتكاثر بالعدد فى الأموال والأولاد. مثلها فى ذلك مثل مطر أعجب الزراع نباته، ثم يكمل نضجه ويبلغ تمامه، فتراه عقب ذلك مصفراً آخذاً فى الجفاف، ثم يصير بعد فترة هشيماً جامداً متكسراً، لا يبقى منه ما ينفع، وفى الآخرة عذاب شديد لمن آثر الدنيا وأخذها بغير حقها، ومغفرة من الله لمن آثر آخرته على دُنياه، وليست الحياة الدنيا إلا متاع هو غرور لا حقيقة له لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة للآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 21 - سارعوا فى السبق إلى مغفرة من ربكم إلى جنة فسيحة الأرجاء، عرضها مثل عرض السموات والأرض هُيِّئت للذين صدقوا بالله ورسله. ذلك الجزاء العظيم فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، والله - وحده - صاحب الفضل الذى جل أن تحيط بوصفه العقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 22 - ما نزل من مصيبة فى الأرض من قحط أو نقص فى الثمرات أو غير ذلك، ولا فى أنفسكم من مرض أو فقر أو موت أو غير ذلك إلا مكتوبة فى اللوح مثبتة فى علم الله من قبل أن نوجدها فى الأرض أو فى الأنفس. إن ذلك الإثبات للمصيبة والعلم بها على الله سهل لإحاطة علمه بكل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 23 - أعْلمناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما لم تحصلوا عليه حزناً مفرطاً يجركم إلى السخط، ولا تفرحوا فرحاً مُبطراً بما أعطاكم. والله لا يحب كل متكبر فخور على الناس بما عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 24 - الذين يضنون بأموالهم عن الإنفاق فى سبيل الله، ويأمرون الناس بالبخل بتحسينه لهم، ومَن يعرض عن طاعة الله فإن الله - وحده - الغنى عنه، المستحق بذاته للحمد والثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 25 - لقد أرسلنا رسلنا الذين اصطفيناهم بالمعجزات القاطعة، وأنزلنا معهم الكتب المتضمنة للأحكام وشرائع الدين، والميزان الذى يحقق الإنصاف فى التعامل، ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل، وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد فى الحرب، ومنافع للناس فى السلم، يستغلونه في التصنيع، لينتفعوا به فى مصالحهم ومعايشهم، وليعلم الله من ينصر دينه، وينصر رسله غائباً عنهم. إن الله قادر بذاته. لا يفتقر إلى عون أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 26 - ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتب الهادية، فبعض هذه الذرية سالكون طريق الهداية، وكثير منهم خارجون عن الطريق المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 27 - ثم تابعنا على آثار نوح وإبراهيم ومن سبقهما أو عاصرهما من الرسل برسلنا رسولاً بعد رسول، واتبعناهم بإرسال عيسى ابن مريم، وأوحينا إليه الإنجيل، وأودعنا فى قلوب المتبعين له شفقة شديدة ورقة وعطفاً، فابتدعوا زيادة فى العبادة وغلوا فى التدين رهبانية ما فرضناها عليهم ابتداء، ولكن التزموها ابتغاء رضوان الله تعالى، فما حافظوا عليها حق المحافظة، فأعطينا الذين آمنوا بمحمد نصيبهم من الأجر والثواب، وكثير منهم مكذبون بمحمد خارجون عن الطاعة والطريق المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 28 - يا أيها الذين آمنوا خافوا عقاب الله، واثبتوا على إيمانكم برسوله يعطكم نصيبين من رحمته، ويجعل لكم نوراً تهتدون به، ويغفر لكم ما فرط من ذنوبكم والله واسع المغفرة وافر الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 809 29 - يمنحكم الله تعالى كل ذلك ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد أنهم لا يقدرون على شئ من إنعام الله يكسبونه لأنفسهم أو يمنحونه لغيرهم، وأن الفضل - كله - بيد الله - وحده - يؤتيه من يشاء من عباده، والله صاحب الفضل العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 809 1 - قد سمع الله قول المرأة التى تراجعك فى شأن زوجها الذى ظاهَر منها، وتضرع إلى الله، والله يسمع ما تتراجعان به من الكلام. إن الله محيط سمعه بكل ما يسمع، محيط بصره بكل ما يبصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 2 - والذين يظاهرون منكم - أيها المؤمنون - من نسائهم بتشبيههن فى التحريم بأمهاتهم مخطئون، فليست الزوجات أمهاتهم. ما أمهاتهم - حقاَّ - إلا اللآئى ولدنهم، وإن المظاهرين ليقولون منكراً من القول تنفر منه الأذواق السليمة، وكذباً منحرفاً عن الحق، وإن الله لعظيم العفو والمغفرة عما سلف منكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 3 - والذين يظاهرون من نسائهم ثم يراجعون ما قالوه فيظهر لهم خطؤهم، ويودون بقاء الزوجية، فعليهم عتق رقبة قبل أن يتماسا. ذلكم الذى أوجبه الله - من عتق الرقبة - عظة لكم توعظون به كيلا تعودوا والله بما تعملون خبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 4 - فمَن لم يجد رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمَن لم يستطع ذلك الصوم فعليه إطعام ستين مسْكيناً. شرع الله ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعملوا بمقتضى هذا الإيمان، وتلك حدود الله فلا تتجاوزوها، وللكافرين عذاب شديد الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 5 - إن الذين يعاندون الله ورسوله خُذلوا كما خُذل الذين من قبلهم، وقد أنزلنا دلائل واضحات على الحق، وللجاحدين بها عذاب شديد الإهانة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 6 - يوم يحييهم الله جميعاً بعد موتهم فيخبرهم بما عملوا، أحصاه الله عليهم ونسوه، والله على كل شئ شاهد مطلع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 7 - ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من مُسارّة بين ثلاثة إلا هو رابعهم بعلمه بما يتسارون به، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم. يعلم ما يتناجون به - أينما كانوا - ثم يُخبرهم يوم القيامة بكل ما عملوا. إن الله بكل شئ عليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 8 - ألم تر - أيها الرسول - هؤلاء الذين نُهوا عن المسارة فيما بينهم بما يثير الشك فى نفوس المؤمنين، ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه، ويتسارون فيما بينهم بالذنب يقترفونه، والعدوان يعتزمونه، ومعصيتهم لرسول الله، وإذا جاءوك حيوك بقول محرف لم يحيِّك به الله، ويقولون فى أنفسهم: هلا يعذبنا الله بما نقول إن كان رسولا حقاً؟ حسبهم جهنم يدخلونها ويحترقون بنارها، فبئس المآل مآلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 9 - يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله: إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالذنب والاعتداء ومخالفة الرسول، وتناجوا متواصين بالخير والتحرز عن الآثام، وخافوا الله الذى إليه - لا إلى غيره - تساقون بعد بعثكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 10 - إنما التناجى المثير للشك من تزْيين الشيطان ليُدخل الحزن على قلوب المؤمنين، وليس ذلك بضارهم شيئاً إلا بمشيئة الله، وعلى الله - وحده - فليعتمد المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 11 - يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله: إذا طلب منكم أن يوسع بعضكم فى المجالس لبعض فأوسعوا يوسع الله لكم، وإذا طلب منكم أن تنهضوا من مجالسكم فانهضوا. يُعْلِ الله مكانة المؤمنين المخلصين والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 12 - يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله: إذا أردتم مناجاة رسول الله فقدِّموا قبل مناجاتكم صدقة، ذلك خير لكم وأطهر لقلوبكم، فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فإن الله واسع المغفرة شامل الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 13 - أخشيتم أن تلتزموا تقديم صدقات أمام مناجاتكم رسول الله؟ فإذا لم تقدموا وعفا الله عنكم فحافظوا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وأطيعوا الله ورسوله، والله خبير بعملكم فيجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 14 - ألم تر - أيها الرسول - إلى المنافقين الذين وَالَوْا قوماً غضب الله عليهم. ما هؤلاء الموالون منكم ولا ممن وَالوُهم، ويجترئون على الحلف كذباً مع علمهم بكذبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 15 - أعد الله لهؤلاء المنافقين عذاباً بالغ الشدة. إنهم ساء ما كانوا يعملون من النفاق والحلف على الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 16 - اتخذوا أيمانهم وقاية لأنفسهم من القتل ولأولادهم من السبى، ولأموالهم من الغنيمة، فَصَدّوا بذلك عن سبيل الله، فلهم عذاب شديد الإهانة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 17 - لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً. أولئك أهل النار هم فيها مخلدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 18 - يوم يبعثهم الله جميعاً فيقسمون له إنهم كانوا مؤمنين كما يقسمون لكم الآن، ويظنون أنهم بقسَمهم هذا على شئ من الدهاء ينفعهم. ألا إنهم هم البالغون الغاية فى الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 19 - استولى عليهم الشيطان فأنساهم تذكر الله واستحضار عظمته، أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الذين بلغوا الغاية فى الخسران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 20 - إن الذين يعاندون الله ورسوله أولئك فى عداد الذين بلغوا الغاية فى الذلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 21 - قضى الله لأنتصرن أنا ورسلى. إن الله تام القوة لا يغلبه غالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 22 - لا تجد قوماً يصدِّقون بالله واليوم الآخر يتبادلون المودة مع من عادى الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو أقرباءهم، أولئك الذين لا يوالون من تطاول على الله ثَبَّت الله فى قلوبهم الإيمان، وأيدهم بقوة منه، ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها، لا ينقطع عنهم نعيمها. أحبهم الله وأحبوه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم الفائزون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 1 - نزه الله عما لا يليق به كل ما فى السموات وما فى الأرض، وهو الغالب الذى لا يعجزه شئ، الحكيم فى تدبيره وأفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 814 2 - هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب - وهم يهود بنى النضير - من ديارهم عند أول إخراج لهم من جزيرة العرب. ما ظننتم - أيها المسلمون - أن يخرجوا من ديارهم لقوتهم، وظنوا - هم - أنهم مانعتهم حصونهم من بأس الله، فأخذهم الله من حيث لم يظنوا أن يؤخذوا من جهته، وألقى فى قلوبهم الفزع الشديد، يخربون بيوتهم بأيديهم ليتركوها خاوية، وأيدى المؤمنين ليقضوا على تحصنهم، فاتعظوا بما نزل بهم يا أصحاب العقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 3 - ولولا أن كتب الله عليهم الإخراج من ديارهم على هذه الصورة الكريمة لعذَّبهم فى الدنيا بما هو أشد من الإخراج، ولهم فى الآخرة - مع هذا الإخراج - عذاب النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 4 - ذلك الذى أصابهم فى الدنيا وما ينتظرهم فى الآخرة لأنهم عادوا الله ورسوله أشد العداء، ومن يُعَادِ الله هذا العداء فلن يفلت من عقابه، فإن الله شديد العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 5 - ما قطعتم - أيها المسلمون - من نخلة أو تركتموها باقية على ما كان عليه فبأمر الله. لا حرج عليكم فيه، ليعز المؤمنين، وليهين الفاسقين المنحرفين عن شرائعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 6 - وما أفاء الله وردَّه على رسوله من أموال بنى النضير فما أسرعتم فى السير إليه بخيل ولا إبل، ولكن الله يُسلط على مَن يشاء من عباده بلا قتال، والله على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 7 - ما رده الله على رسوله من أموال أهل القرى بغير إيجاف خيل أو ركوب، فهو لله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل؛ كيلا تكون الأموال متداولة بين الأغنياء منكم خاصة، وما جاءكم به الرسول من الأحكام فتمسكوا به، وما نهاكم عنه فاتركوه، واجعلوا لكم وقاية من غضب الله. إن الله شديد العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 8 - وكذلك يُعطى ما ردَّه الله على رسوله من أموال أهل القرى الفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم. يرجون زيادة من الله فى أرزاقهم ورضواناً، وينصرون الله ورسوله بنفوسهم وأموالهم، أولئك هم المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 9 - والأنصار الذين نزلوا المدينة وأقاموا بها، وأخلصوا الإيمان من قبل نزول المهاجرين بها، يحبُّون مَن هاجر إليهم من المسلمين، ولا يحسون فى نفوسهم شيئاً مما أوتى المهاجرون من الفئ، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم حاجة، ومن يُحْفَظ - بتوفيق الله - من بخل نفسه الشديد فأولئك هم الفائزون بكل ما يحبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 10 - والمؤمنون الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار يقولون: ربنا اغفر لنا ذنوبنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل فى قلوبنا حقداً للذين آمنوا. ربنا إنك بالغ الرأفة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 11 - ألم تنظر - متعجباً - إلى المنافقين، يتكرر منهم القول لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب - وهم بنو النضير -: والله إن أُجبرتم على الخروج من المدينة لنخرجن معكم، ولا نطيع فى شأنكم أحداً مهما طال الزمان، وإن قاتلكم المسلمون لننصركم، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما وعدوا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 12 - لئن أُخرج اليهود لا يخرج المنافقون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليفرون مدبرين ثم لا ينصرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 13 - لأنتم - أيها المسلمون - أشد مهابة فى صدور المنافقين واليهود من الله؛ ذلك لأنهم قوم لا يعلمون حقيقة الإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 14 - لا يقاتلكم اليهود مجتمعين إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدران يستترون بها، بأسهم بينهم شديد، تظنهم مجتمعين متحدين مع أن قلوبهم متفرقة، اتصافهم بهذه الصفات لأنهم قوم لا يعقلون عواقب الأمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 15 - مثل بنى النضير كمثل الذين كفروا من قبلهم قريباً ذاقوا فى الدنيا عاقبة كفرهم ونقضهم العهود، ولهم فى الآخرة عذاب شديد الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 16 - مثل المنافقين فى إغرائهم بنى النضير - بالتمرد على رسول الله - كمثل الشيطان حين أغرى الإنسان بترك الإيمان، فقال له: أكفر، فلما كفر قال، إنى برئ منك. إنى أخاف الله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 17 - فكان مآل الشيطان ومن أغواه أنهما فى النار خالدين فيها، وذلك الخلود جزاء المعتدين المتجاوزين سبيل الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 18 - يا أيها الذين آمنوا اجعلوا لكم وقاية من عذاب الله بالتزام طاعته، ولتتدبر كل نفس أى شئ قَدَّمَتْ من العمل لغد، والتزموا تقوى الله. إن الله خبير بما تعملون، فيجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 19 - ولا تكونوا - أيها المؤمنون - كالذين نسوا حقوق الله، فأنساهم أنفسهم - بما ابتلاهم من البلايا - فصاروا لا يعرفون ما ينفعها مما يضرها. أولئك هم الخارجون عن طاعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 20 - لا يستوى أصحاب النار المعذبون وأصحاب الجنة المنعمون. أصحاب الجنة هم - دون غيرهم - الفائزون بكل ما يحبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 21 - لو أنزلنا هذا القرآن على جبل شديد لرأيت هذا الجبل - على قوته - خاضعاً متشققاً من خشية الله، وتلك الأمثال نعرضها للناس لعلهم يتدبرون عواقب أمورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 22 - هو الله الذى لا معبود بحق إلا هو - وحده - عالم ما غاب وما حضر، هو الرحمن الرحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 23 - هو الله الذى لا إله إلا هو، المالك لكل شئ على الحقيقة، الكامل عن كل نقص، المبرَّأ عما لا يليق، ذو السلامة من النقائص، المصدق رسله بما أيدهم به من معجزات، الرقيب على كل شئ، الغالب فلا يعجزه شئ، العظيم الشأن فى القوة والسلطان. المتعظم عما لا يليق بجماله وجلاله، تنزَّه الله وتعالى عما يشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 24 - هو الله المبدع للأشياء من غير مثال سابق. الموجد لها بريئة من التفاوت، المصور لها على هيئاتها كما أراد. له الأسماء الحسنى، ينزهه عما لا يليق كل ما فى السموات والأرض، وهو الغالب الذى لا يعجزه شئ، الحكيم فى تدبيره وتشريعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 1 - يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله: لا تتخذوا أعدائى وأعداءكم أنصاراً تُفْضُون إليهم بالمحبة الخالصة، مع أنهم جحدوا بما جاءكم من الإيمان بالله ورسوله وكتابه، يخرجون الرسول ويخرجونكم من دياركم، لإيمانكم بالله ربكم، إن كنتم خرجتم من دياركم للجهاد فى سبيلى وطلب رضائى فلا تتولوا أعدائى، تُلْقُون إليهم بالمودة سراً، وأنا أعلم بما أسررتم وما أعلنتم، ومن يتخذ عدو الله ولياً له فقد ضل الطريق المستقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 819 2 - إن يلقوكم ويتمكنوا منكم تظهر لكم عداوتهم، ويمدوا إليكم أيديهم وألسنتهم بما يسوؤكم، وتمنوا كفركم مثلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 3 - لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم الذين تتخذونهم أولياء وهم عدو لله ولكم، يوم القيامة يفصل الله بينكم، فيجعل أعداءه فى النار وأولياءه فى الجنة، والله بكل ما تعملون بصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 4 - قد كانت لكم قدوة حسنة تقتدون بها فى إبراهيم والذين آمنوا معه، حين قالوا لقومهم: إنا بريئون منكم ومن الآلهة التى تعبدونها من دون الله، جحدنا بكم وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء، لا تزول أبداً حتى تؤمنوا بالله - وحده - لكن قول إبراهيم لأبيه: لأطلبن لك المغفرة، وما أملك من الله من شئ - ليس مما يقتدى به - لأن ذلك كان قبل أن يعلم أنه مصمم على عداوته لله، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، قولوا: - أيها المؤمنون - ربنا عليك اعتمدنا، وإليك رجعنا، وإليك المصير فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 5 - ربنا لا تجعلنا بحال نكون بها فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ذنوبنا يا ربنا. إنك أنت العزيز الذى لا يغلب ذو الحكمة فيما قضى وقَدَّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 6 - لقد كان لكم - أيها المؤمنون - فى إبراهيم والذين معه قدوة حسنة فى معاداتهم أعداء الله، هذه القدوة لمَن كان يرجو لقاء الله واليوم الآخر، ومَن يُعْرِض عن هذا الاقتداء فقد ظلم نفسه، فإن الله هو الغنى عما سواه، المستحق للحمد من كل ما عداه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 7 - عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من الكافرين مودة بتوفيقهم للإيمان، والله تام القدرة والله واسع المغفرة لمن تاب، رحيم بعباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 8 - لا ينهاكم الله عن الكافرين الذين لم يقاتلوكم ولم يخرجوكم من دياركم، أن تكرموهم وتمنحوهم صلتكم. إن الله يحب أهل البر والتواصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 9 - إنما ينهاكم الله عن الذين حاربوكم فى الدين ليصدوكم عنه، وأجبروكم على الخروج من دياركم، وعاونوا على إخراجكم منها أن تتخذوهم أنصاراً، ومن يتخذ هؤلاء أنصاراً فأولئك هم الظالمون لأنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 10 - يا أيها الذين آمنوا: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الشرك فاختبروهن لتعلموا صدق إيمانهن، الله أعلم بحقيقة إيمانهن، فإن اطمأننتم إلى إيمانهن فلا تردوهن إلى أزواجهن الكفار، فلا المؤمنات بعد هذا حلال للكافرين، ولا الكافرون حلال للمؤمنات، وآتوا الأزواج الكافرين ما أنفقوا من الصداق على زوجاتهم المهاجرات إليكم، ولا حرج عليكم أن تتزوجوا هؤلاء المهاجرات إذا آتيتموهن صداقهن، ولا تتمسكوا بعقد زوجية الكافرات الباقيات فى دار الشرك أو اللاحقات بها، واطلبوا من الكفار ما أنفقتم من صداق على اللاحقات بدار الشرك وليطلبوا - هم - ما أنفقوا على زوجاتهم المهاجرات. ذلكم - التشريع - حكم الله، يفصل به بينكم، والله عليم بمصالح عباده، حكيم فى تشريعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 11 - وإن أفلت منكم بعض زوجاتكم إلى الكفار، ثم حاربتموهم، فآتوا الذين ذهبت زوجاتهم مثل ما أنفقوا عليهن من صداق، واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 12 - يا أيها النبى: إذا جاءك المؤمنات يعاهدنك على أن لا يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يُلْحقْنَ بأزواجهن مَن ليس من أولادهن بهتاناً وكذباً يختلقنه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يخالفنك فى معروف تدعوهن إليه، فعاهدهن على ذلك، واطلب لهن المغفرة من الله، إن الله عظيم المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 822 13 - يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله لا توالوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة وما فيها من ثواب وحساب كما يئس الكفار من إحياء أصحاب القبور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 822 1 - نزَّه الله عما لا يليق به كل ما فى السموت وما فى الأرض، وهو - وحده - الغالب على كل شئ، ذو الحكمة البالغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 2 - يا أيها الذين آمنوا: لأى غرض تقولون بألسنتكم ما لا تصدقه أفعالكم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 3 - كره الله كُرهاً شديداً أن تقولوا ما لا تفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 4 - إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيل إعلاء كلمته متماسكين، كأنهم بُنيان مُحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 5 - واذكر - يا محمد - حين قال موسى لقومه، لِمَ تؤذوننى وأنتم تعلمون أنى رسول الله إليكم؟ . فلما أصروا على الانحراف عن الحق أمال الله قلوبهم عن قبول الهداية، والله لا يهدى القوم الخارجين عن طاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 6 - واذكر حين قال عيسى ابن مريم: يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مُصدقاً لما تقدم من التوراة، ومُبشراً برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد، فلما جاءهم الرسول المبشَّر به بالآيات الواضحات قالوا: هذا الذى جئتنا به سحر بيِّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 7 - ومَنْ أشَدُّ ظلماً ممن اختلق على الله الكذب وهو يُدعى إلى الإسلام دين الحق والخير، والله لا يهدى القوم المصرين على الظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 8 - يفترى بنو إسرائيل الكذب على الله، لكى يُطفئوا نور دينه بأفواههم، كمن يريد إطفاء نور الشمس بنفخة من فيه، والله مكمل نوره بإتمام دينه ولو كره الجاحدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 9 - الله الذى أرسل رسوله - محمداً - بالقرآن هدى للناس وبالإسلام دين الحق، ليعليه على كل الأديان ولو كره المشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 10 - يا أيها الذين آمنوا: هل أرشدكم إلى تجارة عظيمة تُنجيكم من عذاب شديد الألم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 11 - هذه التجارة هى أن تثبتوا على الإيمان بالله ورسوله، وتُجاهدوا فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك الذى أرشدكم إليه خير لكم إن كنتم تعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 12 - إن تؤمنوا وتجاهدوا فى سبيل الله يغفر لكم ذنوبكم، ويُدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة فى جنات عدن. ذلك الجزاء هو الفوز العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 13 - ونعمة أخرى لكم - أيها المؤمنون - المجاهدون تُحبونها، هى نصر من الله وفتح قريب تغنمون خيره، وبشر المؤمنين - يا محمد - بهذا الجزاء وهذه النعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 825 14 - يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله إذا دعاكم رسول الله أن تكونوا أنصاره. كما كان أصفياء عيسى أنصاراً لله حين قال: من أنصارى إلى الله؟ فآمنت طائفة من بنى إسرائيل بعيسى، وكفرت طائفة، فَقَوَّيْنَا الذين آمنوا به على عدوهم الذين كفروا، فأصبحوا بتأييدنا منتصرين غالبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 825 1 - يُسبح لله وينزِّهه عما لا يليق به كل ما فى السموات وما فى الأرض. المالك لكل شئ. المتصرف فيه بلا منازع، المنزه تنزيهاً كاملاً عن كل نقص، الغالب على كل شئ، ذى الحكمة البالغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 2 - الله هو الذى أرسل فى العرب الذين لا يعرفون الكتابة رسولاً منهم. يقرأ عليهم آياته ويُطهرهم من خبائث العقائد والأخلاق، ويُعلمهم القرآن والتَّفقه فى الدين، وأنهم كانوا قبل بعثته لفى انحراف عن الحق شديد الوضوح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 3 - وبعثه فى آخرين منهم. لم يجيئوا بعد وسيجيئون، وهو - وحده - الغالب على كل شئ. ذو الحكمة البالغة فى كل أفعاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 4 - ذلك البعث فضل من الله يكرم به من يختار من عباده، والله - وحده - صاحب الفضل العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 5 - مثل اليهود الذين عُلِّموا التوراة، وكلِّفوا العمل بها، ثم لم يعملوا. كمثل الحمار يحمل كتباً نافعة ولا يعرف ما فيها. ساء مثل القوم الذين كذَّبوا بآيات الله، والله لا يوفق إلى الهدى القوم الذين شأنهم الظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 6 - قل - يا محمد -: يا أيها الذين صاروا يهوداً، إن ادعيتم - باطلاً - أنكم أحباء الله من دون الناس جميعاً، فتمنوا من الله الموت إن كنتم صادقين فى دعوى حب الله لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 7 - قال الله: ولا يتمنى الموت يهودى أبداً بسبب ما قدَّموه من الكفر وسوء الفعال، والله محيط علمه بالظالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 8 - قل: إن الموت الذى تهربون منه لا مهرب منه، فإنه ملاقيكم، ثم تردُّون إلى عالم السر والعلانية، فيخبركم بما كنتم تعملون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 9 - يا أيها الذين آمنوا إذا أُذِّنَ للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله. حريصين عليه، واتركوا البيع، ذلكم الذى أُمرتم به أنفع لكم إن كنتم تعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 10 - فإذا أديتم الصلاة فتفرقوا فى الأرض لمصالحكم، واطلبوا من فضل الله، واذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم كثيراً، لعلكم تفوزون بخيرى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 11 - وإذا أبصروا متاعاً للتجارة أو لهواً تفرقوا إليها وتركوك قائماً تخطب، قل: إن ما عند الله من الفضل والثواب أنفع لكم من اللهو ومن التجارة، والله خير الرازقين، فاطلبوا رزقه بطاعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 1 - إذا جاءك المنافقون - يا محمد - قالوا بألسنتهم: نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فى دعواهم الإيمان بك لعدم تصديقهم بقلوبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 828 2 - جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية لهم من المؤاخذة، فمنعوا أنفسهم عن طريق الله المستقيم. إنهم قَبُحَ ما كانوا يعملون فى النفاق والأيمان الكاذبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 828 3 - ذلك - الذى دأبوا عليه من الظهور بغير حقيقته والحلف بالأيمان الكاذبة - بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم، ثم كفروا بقلوبهم، فختم على قلوبهم بهذا الكفر، فهم لا يفهمون ما ينجيهم من عذاب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 828 4 - وإذا أبصرتهم تُعجبك أجسامهم لوجاهتهم، وإن يتحدثوا تسمع لقولهم لحلاوته، وهم مع ذلك فارغة قلوبهم من الإيمان كأنهم خُشب مسندة لا حياة فيها. يحسبون كل نازلة عليهم - لشعورهم بحقيقة حالهم - هم العدو فاحذرهم - طردهم الله من رحمته - كيف يُصرفون عن الحق إلى ما هم عليه من النفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 5 - وإذا قيل لهم: أقبلوا يستغفر لكم رسول الله حركوا رؤوسهم استهزاء، ورأيتهم يُعرضون وهم مستكبرون عن الامتثال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 6 - سواء على هؤلاء المنافقين استغفارك لهم أو عدم استغفارك لأنهم لن يرجعوا عن نفاقهم، فلن يغفر الله لهم، إن الله لا يهدى إلى الحق الخارجين على أمره، وغير المؤمنون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 7 - هم الذين يقولون لأهل المدينة: لا تُنفقوا على مَن عند رسول الله من المؤمنين حتى يتفرقوا عنه، ولله خزائن السموات والأرض وما فيها من أرزاق يعطيها من يشاء ولكن المنافقين لا يفهمون ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 8 - يقول المنافقون متوعدين: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن فريقنا الأعز منها فريق المؤمنين الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين لا لهؤلاء المتوعدين، ولكن المنافقين لا يعلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 9 - يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله، لا تشغلكم العناية بأموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله وأداء ما فرضه عليكم، ومن تشغله أمواله وأولاده عن ذلك فأولئك هم الخاسرون يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 10 - وأنفقوا - أيها المؤمنون - من الأموال التى رزقناكم مبادرين بذلك من قبل أن يأتى أحدكم الموت، فيقول نادماً: رب هلا أمهلتنى إلى وقت قصير، فَأَصَّدَّق وأكن من الصالحين فى عمل الصالحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 830 11 - ولن يمهل الله نفساً إذا حان وقت موتها، والله تام العلم بما تعملون، يجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 830 1 - ينزِّه الله عما لا يليق بجلاله كل ما فى السموات وما فى الأرض. له الملك التام - وحده - وله الثناء الجميل، وهو على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 2 - هو الذى تفرد بخلقكم من عدم، فمنكم منكر لألوهيته، ومنكم مصدق بها، والله بما تعملون بصير فيجازيكم على أعمالكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 3 - خلق الله السموات والأرض بالحكمة البالغة، وصوَّركم فأحسن صوركم حيث جعلكم فى أحسن تقويم وإليه المرجع يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 4 - يعلم كلَّ ما فى السموات والأرض، ويعلم ما تُخفون وما تُعلنون من أقوال وأفعال، والله تام العلم بِمُضمرات الصدور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 5 - قد أتاكم خبر الذين كفروا من قبلكم، فتجرَّعوا سوء عاقبة أمرهم فى الدنيا، ولهم فى الآخرة عذاب شديد الألم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 6 - ذلك الذى أصابهم ويصيبهم من العذاب بسبب أنهم أتتهم رسلهم بالمعجزات الظاهرة، فقالوا منكرين: أبشرٌ مثلنا يرشدوننا، فأنكروا بعثتهم، وانصرفوا عن الحق، وأظهر الله غناه عن إيمانهم بإهلاكهم، والله تام الغنى عن خلقه، مستحق للثناء والحمد على جميل نعمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 7 - ادَّعى الذين كفروا - باطلاً - أنهم لن يُبعثوا بعد الموت، قل لهم - يا محمد -: ليس الأمر كما زعمتم. أقسم بربى لتُبعثن بعد الموت، ولتخبرن بما عملتم فى الدنيا ثم تجازون عليه، وذلك البعث والحساب والجزاء على الله سهل يسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 8 - فصدِّقوا بالله ورسوله، واهتدوا بالنور الذى أنزلناه إذ وضح لكم أن البعث آت لا ريب فيه، والله بما يصدر منكم من عمل تام العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 9 - يوم يجمعكم فى يوم الجمع للأولين والآخرين يجازيكم على أعمالكم، ذلك يوم التغابن الذى يظهر فيه غُبْنَ الكافرين لانصرافهم عن الإيمان، وغبن المؤمنين المقصرين لتهاونهم فى تحصيل الطاعات، ومَن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يذهب عنه سيئاته، ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيه أبداً. ذلك الجزاء هو الفوز العظيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 10 - والذين جحدوا بالإيمان وكذَّبوا بمعجزاتنا التى أيدنا بها رسلنا، أولئك أصحاب النار ماكثين فيها، وساء المصير الذى صاروا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 11 - ما أصاب العبد من بلاء إلا بتقدير الله، ومن يُصدِّق بالله يَهْدِ قلبه إلى الرضا بما كان، والله بكل شئ تام العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 12 - وأطيعوا الله فيما كلَّفكم به، وأطيعو الرسول فيما بلَّغ عن ربه، فإن أعرضتم عن هذه الطاعة فلن يضره إعراضكم، فإنما على رسولنا إبلاغكم الرسالة بلاغاً بيناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 13 - الله لا معبود - بحق - إلا هو، وعلى الله - وحده - فليعتمد المؤمنون فى كل أمورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 14 - يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم بما يصرفونكم عن طاعة الله لتحقيق رغباتهم، فكونوا منهم على حذر، وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم التى تقبل العفو، وتُعرضوا عنها وتستروها عليهم يغفر الله لكم، فإن الله واسع المغفرة والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 15 - إنما أموالكم وأولادكم ابتلاء وامتحان، إن اغتررتم بهما فُتنتم، وإن شكرتم عليها أُجرتم، والله عنده أجر عظيم للشاكرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 16 - فابذلوا فى تقوى الله جُهدكم وطاقتكم، واسمعوا مواعظه وأطيعوا أوامره، وأنفقوا مما رزقكم فيما أمر بالإنفاق فيه، وافعلوا خيراً لأنفسكم، ومَن يكفِهِ الله بخل نفسه وحرصها على المال فأولئك هم الفائزون بكل خير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 17 - إن تنفقوا فى وجوه البر إنفاقاً مخلصين فيه يُضاعف الله لكم ثواب ما أنفقتم، ويغفر لكم ما فرط من ذنوبكم، والله عظيم الشكر والمكافأة للمحسنين، حليم فلا يُعَجِّل بالعقوبة على مَن عصاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 18 - هو عالم كل ما غاب وما حضر، القوى القاهر، الحكيم فى تدبير خلقه الذى يضع كل شئ موضعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 1 - يا أيها النبى إذا أردتم أن تُطلِّقوا النساء فطلّقوهن مستقبلاً لعدتهن، واضبطوا العدة، واتقوا الله ربكم. لا تخرجوا المطلقات من مساكنهن التى طلقن فيها، ولا يخرجن منها إلا أن يفعلن فعلة منكرة واضحة، تلك الأحكام المتقدمة معالم الله، شرعها لعباده، ومن يُجاوز حدود الله فقد ظلم نفسه. لا تدرى لعل الله يوجد بعد ذلك الطلاق أمراً لا تتوقعه، فيتحابان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 834 2 - فإذا قاربت المطلقات نهاية عدتهن، فراجعوهن مع حُسن مُعاشرة، أو فارقوهن من غير مضارة، وأشهدوا على الرجعة والمفارقة صاحبى عدالة منكم. وأدّوا الشهادة على وجهها خالصة لله. ذلكم الذى أمرتم به يوعظ به مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومَن يخف الله فيقف عند أوامره ونواهيه يجعل له مخرجاً من كل ضيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 834 3 - ويُهيِّئ له أسباب الرزق من حيث لا يخطر على باله، ومَن يُفوض إلى الله كل أموره فهو كافيه، إن الله بالغ مراده، منفذ مشيئته. قد جعل الله لكل شئ وقتاً لا يعدوه، وتقديراً لا يجاوزه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 4 - والمعتدات من المطلقات اللائى يئسن من لمحيض لكبرهن، إن لم تعلموا كيف يعتددن، فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن عدتهن كذلك، وصواحب الحمل عدتهن أن يضعن حملهن، ومن يتق الله فينفذ أحكامه يُيسر الله له أموره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 5 - ذلك التشريع أمر الله - لا غير - أنزله إليكم، ومن يتق الله بالمحافظة على أحكامه يمح عنه خطاياه، ويُعظم له الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 6 - أسكنوا المعتدات بعض أماكن سكناكم، على قدر طاقتكم، ولا تلحقوا بهن ضرراً، لتضيقوا عليهن فى السكنى. وإن كن ذوات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، فإن أرضعت المطلقات لكم أولادكم فوفوهن أجورهن، وليأمر بعضكم بعضاً بما تُعورف عليه من سماحة وعدم تعنّت، وإن اختلف الرجل والمرأة فطلبت المرأة فى أجرة الرضاع كثيرا ولم يجبها الرجل إلى ذلك أو بذل الرجل قليلاً ولم توافقه عليه فليسترضع غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 7 - لينفق صاحب بسطة فى الرزق مما بسطه الله له، ومن ضُيِّق عليه رزقه فلينفق مما أعطاه الله، لا يكلف الله نفساً إلا ما أعطاها، سيجعل الله بعد ضيق فرجا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 8 - ، 9 - وكثير من القرى التى تجبَّر أهلها وأعرضوا عن أمر ربهم ورسله فحاسبناها حساباً شديداً. بتقصى كل ما فعلوه ومناقشتهم، وعذَّبناها عذاباً فظيعاً، فتجرَّعوا سوء مآل أمرهم، وكان عاقبة أمرهم خسراناً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 10 - ، 11 - هيأ الله لأهل القرى المتجبرين عذاباً بالغ الشدة، فاحذروا غضب الله - يا أصحاب العقول الراجحة - الذين اتصفوا بالإيمان. قد أنزل الله إليكم - ذا شرف ومكانة - رسولاً يقرأ عليكم آيات الله مُبَيِّنات لكم الحق من الباطل. ليُخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ظلمات الضلال إلى نور الهداية، ومَن يصدِّق بالله ويعمل عملاً صالحاً يدخله جنات تجرى من خلالها الأنهار، مخلدا فيها أبداً، قد أحسن الله للمؤمن الصالح رزقاً طيباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 836 12 - الله - وحده - الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن، يجرى أمره بينهن، لتعلموا أن الله على كل شئ تام القدرة، وأن الله قد أحاط بكل شئ علما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 836 1 - يا أيها النبى لِمَ تمنع نفسك عمَّا أحل الله لك؟! تريد إرضاء زوجاتك، والله بالغ المغفرة واسع الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 2 - قد شرع الله لكم تحليل أيمانكم بالتكفير عنها، والله سيَّدكم ومُتولى أموركم، وهو التام العلم، فيشرع لكم ما فيه خيركم، الحكيم فيما يشرعه لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 3 - واذكر حين أسرَّ النبى إلى بعض أزواجه حديثاً، فلما أخبرت به، وأطلع الله نبيه على إفشائه، أعلم بها بعضاً، وأعرض - تكرماً - عن بعض، فلما أعلمها به، قالت: من أعلمك هذا؟ قال: أنبأنى العليم بكل شئ. الذى لا تخفى عليه خافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 4 - إن ترجعا إلى الله نادمتين فقد فعلتما ما يوجب التوبة. لأنه قد مالت قلوبكما عما يحبه رسول الله من حفظ سره، وإن تتعاونا عليه بما يسوؤه، فإن الله هو ناصره وجبريل والمتصفون بالصلاح من المؤمنين والملائكة - بعد نصرة الله - مظاهرون له ومعينون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 5 - عسى ربُّه إن طلقكن - أيتها الزوجات - أن يزوجه بدلا منكن زوجات خاضعات لله بالطاعة، مصدقات بقلوبهن. خاشعات لله. رجّاعات إلى الله. متعبدات متذللات له. ذاهبات فى طاعة الله كل مذهب، ثيبات وأبكاراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 6 - يا أيها الذين آمنوا: احفظوا أنفسكم وأهليكم من نار وقودها الناس والحجارة. يقوم على أمرها وتعذيب أهلها ملائكة قساة فى معاملتهم أقوياء. يتقبلون أوامر الله، وينفذون ما يؤمرون به، غير متوانين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 7 - يُقال للكافرين يوم القيامة: لا تلتمسوا المعاذير اليوم، إنما تجزون ما كنتم تعملون فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 8 - يا أيها الذين آمنوا: ارجعوا إلى الله من ذنوبكم رجعة بالغة فى الإخلاص، عسى ربكم أن يمحو عنكم سيئاتكم، ويُدخلكم جنات تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار. يوم يرفع الله شأن النبى والذين آمنوا معه، نور هؤلاء يسير أمامهم وهم بأيمانهم، يقولون - تقرباً إلى الله -: يا سيدنا ومالك أمرنا، أتمم لنا نورنا، حتى نهتدى إلى الجنة، وتجاوز عن ذنوبنا إنك على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 9 - يا أيها النبى: جاهد الكفار الذين أعلنوا كفرهم، والمنافقين الذين أبطنوه بما تملكه من قوة وحُجة. واشتد على الفريقين فى جهادك، ومستقرهم جهنم، وبئس المآل مآلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 10 - ذكر الله حالة عجيبة تعرف بها أحوال مماثلة للذين كفروا؛ هى امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عصمة عبدين من خالص عبادنا صالحين، فخانتاهما بالتآمر عليهما وإفشاء سرهما إلى قومهما، فلم يدفع هذان العبدان الصالحان عن زوجتيهما من عذاب الله شيئاً، وقيل للزوجين عند هلاكهما: ادخلا النار مع الداخلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 11 - وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت: رب ابن لى عندك - قريباً من رحمتك - بيتاً فى الجنة، وأنقذنى من سلطان فرعون وعمله، المسرف فى الظلم، وأنقذنى من القوم المعتدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 12 - وضرب الله كذلك مثلاً للذين آمنوا مريم ابنة عمران التى حفظت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، فحملت بعيسى، وصدقت بكلمات الله، وهى أوامره ونواهيه وكتبه المنزلة على رسله، وكانت من عداد المواظبين على طاعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 1 - تعالى وازدادت بركات مَن يملك - وحده - التصرف فى جميع المخلوقات، وهو على كل شئ تام القدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 2 - الذى خلق الموت والحياة لغاية أرادها، هى أن يختبركم أيكم أصلح عملا وأخلص نية، وهو الغالب الذى لا يعجزه شئ. العفوُّ عن المقصرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 3 - الذى أبدع سبع سموات متوافقة على سنَّة واحدة من الإتقان. ما ترى فى صنع الله - الذى عمَّت رحمته خلقه - أى تفاوت. فأعد بصرك. هل تجد أى خلل؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 4 - ثم أعد البصر مرة بعد مرة. يرجع إليك البصر مردوداً عن إصابة ما التمس من عيب، وهو متعب كليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 5 - ولقد زيَّنا السماء القريبة التى تراها العيون بكواكب مضيئة، وجعلناها مصادر شهب، يُرْجَم بها الشياطين، وأعددنا لهم فى الآخرة عذاب النار الموقدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 6 - وللذين لم يؤمنوا بربهم عذاب جهنم، وساءت عاقبة لهم هذه العاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 7 - ، 8 - إذا طُرحوا فيها سمعوا لها صوتاً منكراً، وهى تغلى غلياناً شديداً. تكاد تتقطع وتتفرق من شدة الغضب عليهم. كلما أُلْقِىَ فيها جماعة منهم سألهم الموكلون بها - موبخين لهم -: ألم يأتكم رسول يحذركم لقاء يومكم هذا؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 9 - قالوا مُجيبين: قد جاءنا نذير فكذبناه، وقلنا: ما نزَّل الله من شئ عليك ولا على غيرك من الرسل، ما أنتم - أيها المدعون للرسالة - إلا فى انحراف بعيد عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 10 - وقالوا: لو كنا نسمع سماع مَن يطلب الحق، أو نفكر فيما نُدعى إليه؛ ما كنا فى عداد أصحاب السعير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 11 - فاعترفوا بتكذيبهم وكفرهم، فبعداً لأصحاب السعير عن رحمة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 12 - إن الذين يخافون ربهم - وهم لا يرونه - لهم مغفرة لذنوبهم، وثواب عظيم على حسناتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 13 - واخفوا قولكم أو اعلنوه فهما عند الله سواء؛ لأنه عظيم الإحاطة، عليم بخفايا الصدور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 14 - أليس يعلم الخالق لجميع الأشياء خلقه، وهو العالم بدقائق الأشياء وحقائقها؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 15 - هو الذى جعل لكم الأرض طيِّعة مُيَسرة، فامشوا فى جوانبها، وكلوا من رزقه الذى يخرجه لكم منها، وإليه - وحده - البعث للجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 16 - أأمنتم من فى السماء - سلطانه - أن يقطع بكم الأرض، فيفاجئكم أنها تضطرب اضطراباً شديداً؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 17 - بل أأمنتم من فى السماء - سلطانه - أن يرسل عليكم ريحاً ترجمكم بالحصباء؟ {فستعلمون حينئذ هول وعيدى لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 18 - ولقد كذَّب الذين من قبل قومك رسلهم، فعلى أى حال من الشدة كان إنكارى عليهم بإهلاكهم وأخذهم؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 19 - هل أصابهم العمى ولم ينظروا إلى الطير فوقهم باسطات أجنحتهن، ويقْبِضْنَهُن - حيناً بعد حين ما يمسكهن أن يقعن إلا الرحمن؟! إنه بكل شئ عليم خبير. يعطيه ما يصلح عليه أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 20 - بل من هذا الذى هو قوة لكم يدفع عنكم العذاب سوى الرحمن؟ {ما الكافرون إلا فى غرور بما يتوهمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 21 - بل من هذا الذى يرزقكم - بما تكون به حياتكم وسعادتكم - إن حبس الله رزقه عنكم؟} بل تمادى الكافرون فى استكبارهم وشرودهم عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 22 - فهل تنعكس الحال، فيكون مَنْ يمشى منكبا على وجهه أهدى فى سيره وقصده. أم من يمشى مستوى القامة على طريق لا اعوجاج فيه؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 23 - قل: هو الذى أوجدكم من العدم، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة التى هى أسباب عملكم وسعادتكم. قليلاً ما تؤدون شكر هذه النعم لواهبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 24 - قل: هو الذى بثكم فى الأرض، وإليه - وحده - تجمعون لحسابكم وجزائكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 25 - ويقول المنكرون للبعث: متى يتحقق هذا الوعد بالنشور؟} نبئونا بزمانه إن كنتم صادقين؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 26 - قل - يا محمد -: هذا علم اختص الله به، وإنما أنا نذير بيِّن الإنذار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 27 - فلمَّا عاينوا الموعود به قريباً منهم، علت وجوه الكافرين الكآبة والذلة، وقيل - توبيخاً وإيلاماً لهم -: هذا الذى كنتم تطلبون تعجيله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 28 - قل: أخبرونى إن أماتنى الله ومَن معى من المؤمنين كما تتمنون، أو رحمنا فأخر آجالنا وعافانا من عذابه - فقد أنجانا فى الحالين - فمَن يمنع الكافرين من عذاب أليم استحقوه بكفرهم وغرورهم بآلهتهم؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 29 - هو الرحمن صدَّقنا به ولم تصدِّقوا، وعليه - وحده - اعتمدنا، واعتمدتم على غيره، فستعلمون إذا نزل العذاب أى الفريقين هو فى انحراف بعيد عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 30 - قل: أخبرونى إن أصبح ماؤكم ذاهباً فى الأرض لا تصلون إليه بأى سبب، فمَن غير الله يأتيكم بماء طاهر متدفق يصل إليه كل من أراده؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 1 - ن: حرف من حروف المعجم التى بدئت بعض السور بها تحدياً للمكذبين وتنبيهاً للمصدقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 2 - أقسم بالقلم الذى يكتب به الملائكة وغيرهم، وبما يكتبونه من الخير والمنافع، ما أنت - وقد أنعم الله عليك بالنبوة - بضعيف العقل، ولا سفيه الرأى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 3 - وإن لك على ما تلقاه فى تبليغ الرسالة لثواباً عظيماً غير مقطوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 4 - وإنك لمستمسك بمحاسن الصفات ومحاسن الأفعال التى فطرك الله عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 5 - ، 6 - فعن قريب تبصر - يا محمد - ويبصر الكافرون بأيكم الجنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 7 - إن ربك هو أعلم بمن حاد عن سبيله، وهو أعلم بالعقلاء المهتدين إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 8 - ، 9 - فلا تترك ما أنت عليه من مخالفة للمكذبين. تمنوا لو تلين لهم بعض الشئ، فهم يلينون لك طمعاً فى تجاوبك معهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 10 - ، 11، 12، 13 - ولا تترك ما أنت عليه من مخالفتك كُلّ كَثِيرِ الحلف. حقير. عيّاب. مغتاب. نقّال للحديث بين الناس على وجه الإفساد بينهم. شديد الصد عن الخير. معتد. كثير الآثام. غليظ القلب. جاف الطبع. لئيم معروف الشر. فوق ما له من تلك الصفات الذميمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 14 - ، 15 - لأنه كان صاحب مال وبنين. كذَّبَ بآياتنا وأعرض عنها. إذا يتلى عليه القرآن قال: هذا قصص الأولين وخرافاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 16 - سنجعل على أنفه علامة لازمة. ليكون مفتضحاً بها أمام الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 17 - ، 18 - إنا اختبرنا أهل مكة بالإنعام عليهم فكفروا. كما اختبرنا أصحاب الجنة حين حلفوا ليقطعن ثمار جنتهم مبكرين، ولا يذكرون الله فيعلقون الأمر بمشيئته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 19 - ، 20 - فنزل بها بلاء شديد من ربك ليلاً وهم نائمون، فأصبحت كالليل المظلم مما أصابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 21 - ، 22 - فنادى بعضهم بعضاً عند الصباح. أن بكِّروا مقبلين على حرثكم إن كنتم مصرين على قطع الثمار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 23 - ، 24 - فاندفعوا وهم يتهامسون متواصين: ألا يمكنن أحد منكم اليوم مسكيناً من دخولها عليكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 25 - وساروا أول النهار إلى جنتهم على قصدهم السيئ الذين توهموا أنهم قادرين على تنفيذه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 26 - ، 27 - فلما رأوها سواداً محترقة قالوا مضطربين: إنا لضالون فما هذه بجنتنا ثم بعد ذلك قالوا: بل هى جنتنا، ونحن محرومون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 28 - قال أعدلهم وأخيرهم - لائماً لهم -: ألم أقل لكم حين تواصيتم بحرمان المساكين: هلا تذكرون الله فتعدلوا عن نيتكم؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 29 - قالوا - بعد أن ثابوا إلى رشدهم -: ننزه الله أن يكون قد ظلمنا بما أصابنا. إنا كنا ظالمين أنفسنا لسوء قصدنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 30 - ، 31 - فأقبل بعضهم على بعض يلوم كل منهم الآخر، قالوا: يا هلاكنا، إنا كنا مسرفين فى ظلمنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 32 - عسى ربنا أن يعوِّضنا خيراً من جنتنا. إنا إلى ربنا - وحده - راغبون فى عفوه وتعويضه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 33 - مثل ذلك الذى أصاب الجنة، يكون عذابى الذى أُنزلَه فى الدنيا بمَن يستحقه، ولعذاب الآخرة أكبر لو كان الناس يعلمون ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 34 - إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم الخالص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 35 - ، 36 - أنظلم فى حكمنا فنجعل المسلمين كالكافرين؟} ماذا أصابكم؟ {كيف تحكمون مثل هذا الحكم الجائر؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 37 - ، 38 - بل ألكم كتاب من الله فيه تقرأون؟ {إن لكم فيه للذى تتخيرونه} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 39 - بل ألكم عهود علينا مؤكدة بالأَيْمان باقية إلى يوم القيامة، إن لكم للذى تحكمون به؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 40 - سل المشركين - يا محمد -: أيهم بذلك الحكم كفيل؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 41 - بل ألهم مَن يشاركهم ويذهب مذهبهم فى هذا القول؟! فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين فى دعواهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 42 - ، 43 - يوم يشتد الأمر ويصعب، ويُدْعَى الكفار إلى السجود - تعجيزاً وتوبيخاً - فلا يستطيعون، منكسرة أبصارهم تغشاهم ذلة مرهقة، وقد كانوا يُدعوْن فى الدنيا إلى السجود وهم قادرون فلا يسجدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 44 - فدعنى - يا محمد - ومن يكذِّب بهذا القرآن سندنيهم من العذاب درجة درجة من الجهة التى لا يعلمون أن العذاب يأتى منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 45 - وأمهلهم بتأخير العذاب. إن تدبيرى قوى لا يفلت منه أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 46 - بل أتسألهم أجراً على تبليغ الرسالة، فهم من غرامة كلفتهم إيَّاها مثقلون؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 47 - بل أعندهم علم الغيب فهم يكتبون عنه ما يحكمون به؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 48 - فاصبر لإمهالهم وتأخير نصرك عليهم، ولا تكن كيونس صاحب الحوت - فى العجلة والغضب على قومه - حين نادى ربه وهو مملوء غيظاً وغضباً طالباً تعجيل عذابهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 49 - لولا أن تداركته نعمة ربه بقبول توبته، لطرح من بطن الحوت بالفضاء، وهو معاقب بزلته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 50 - فاصطفاه ربه بقبول توبته، فجعله من الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 51 - وإن يكاد الكافرون ليزيلونك عن مكانك، بنظرهم إليك - عداوةً وبُغْضاً - حين سمعوا القرآن، ويقولون: إنك لمجنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 52 - وما القرآن إلا عظة وحكمة وتذكير للعالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 1 - ، 2 - القيامة الواقعة حقاً. ما القيامة الواقعة حقاً؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 3 - وأى شئ أدراك حقيقتها، وصور لك هولها وشدتها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 4 - كذبت ثمود وعاد بالقيامة التى تقرع العالمين بأهوالها وشدائدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 5 - فأما ثمود فأهلكوا بالواقعة التى جاوزت الحد فى الشدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 6 - وأما عاد فأهلكوا بريح باردة عنيفة متمردة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 7 - سلَّطَهَا الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة لا تنقطع، فترى القوم فى مهاب الريح موتى كأنهم أصول نخل خاوية أجوافها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 8 - فهل ترى لهم من نفس باقية دون هلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 9 - وجاء فرعون ومَن قبله من الأمم التى كفرت، والجماعة المنصرفة عن الحق والفطرة السليمة بالأفعال ذات الخطأ العظيم الفاحش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 10 - فعصت كل أمة من هؤلاء رسول ربهم، فأخذهم بعقابه أخذة زائدة فى الشدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 11 - إنا لما جاوز الماء حدَّه، وعلا فوق الجبال فى حادث الطوفان. حملناكم - بحمل أصولكم - فى السفينة الجارية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 12 - لنجعل الواقعة التى كان فيها نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين عبرة لكم وعظة، وتحفظها كلُّ أذُنٍ حافظة لما تسمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 13 - ، 14 - فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة، ورفعت الأرض والجبال عن موضعهما، فَدُكَّتا مرة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 15 - ، 16 - فيومئذٍ نزلت النازلة، وانشقت السماء بزوال أحكامها، فهى يومئذٍ ضعيفة بعد أن كانت محكمة قوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 17 - والملائكة على جوانبها، ويحمل عرش ربك فوق هؤلاء الملائكة يومئذ ثمانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 18 - يومئذ تعرضون للحساب لا يخفى منكم أى سر كنتم تكتمونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 19 - فأما مَن أُعطى كتابه بيمينه فيقول - معلناً سروره لمن حوله -: خذوا اقرأوا كتابى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 20 - إنى أيقنت فى الدنيا أنى ملاق حسابى، فأعددت نفسى لهذا اللقاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 21 - فهو فى عيشة يعمّها الرضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 22 - فى جنة رفيعة المكان والدرجات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 23 - ثمارها قريبة التناول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 24 - كلوا واشربوا أكلاً وشرباً - لا مكروه فيهما، ولا أذى منهما - بما قدمتم من الأعمال الصالحة فى أيام الدنيا الماضية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 25 - ، 26 - وأما من أُعطى كتابه بشماله فيقول ندماً وحسرةً: يا ليتنى لم أُعْطَ كتابى، ولم أعلم ما حسابى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 27 - يا ليت الموتة التى متها كانت الفاصلة فى أمرى، فلم أُبعث بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 28 - ، 29 - ما نفعنى شئ ملكته فى الدنيا. ذهبت عنى صحتى، وزالت قوتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 30 - ، 31، 32 - يُقال لخزنة جهنم: خذوه فاجمعوا يديه إلى عنقه، ثم لا تدخلوه إلا نار الجحيم، ثم فى سلسلة بالغة الطول فاسلكوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 33 - ، 34 - إنه كان لا يصدق بالله العظيم، ولا يحث أحداً على إطعام المسكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 35 - ، 36، 37 - فليس لهذا الكافر اليوم فى الجحيم قريب يدفع عنه، وليس له طعام إلا من غسالة أهل النار التى هى دم وقيح وصديد. لا يأكله إلا الخاطئون الذين تعمدوا الخطيئة وأصروا عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 38 - ، 39، 40 - فلا أقسم بما تبصرون من المرئيات، وما لا تبصرون من عالم الغيب. إن القرآن لمن الله على لسان رسول رفيع المكانة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 41 - وما القرآن بقول شاعر كما تزعمون، قليلاً ما يكون منكم إيمان بأن القرآن من عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 42 - وما القرآن بسجع كسجع الكُهَّان الذى تعهدون. قليلاً ما يكون منكم تذكر وتأمل للفرق بينهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 43 - هو تنزيل ممن تعهد العالمين بالخلق والتربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 44 - ، 45، 46 - ولو ادعى علينا شيئاً لم نقله لأخذنا منه كما يأخذ الآخذ بيمين من يُجهز عليه للحال، ثم لقطعنا منه نياط قلبه، فيموت لساعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 47 - فليس منكم أحد - مهما بلغت قوته - يحجز عقابنا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 48 - وإنَّ القرآن لعظة للذين يمتثلون أوامر الله، ويجتنبون نواهيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 49 - وإنَّا لنعلم أن منكم مكذبين بالقرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 50 - وإنه لسبب فى ندامة شديدة على الجاحدين به، حين يرون عذابهم ونعيم المصدقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 51 - وإن القرآن لحق ثابت لا ريب فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 52 - فنزِّه ربك العظيم، ودُمْ على ذكر اسمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 1 - ، 2، 3 - دعا داع - استعجالا على سبيل الاستهزاء - بعذاب واقع من الله للكافرين لا محالة. ليس لذلك العذاب راد يصرفه عنهم، فوقوعه لا شك فيه، لأنه من الله صاحب الأمر والحكم النافذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 4 - تصعد الملائكة وجبريل إلى مهبط أمره فى يوم كان طوله خمسين ألف سنة من سِنى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 5 - ، 6، 7 - فاصبر - يا محمد - على استهزائهم واستعجالهم بالعذاب صبراً لا جزع فيه ولا شكوى منه. إن الكفار يرون يوم القيامة مستحيلاً لا يقع، ونراه هيناً فى قدرتنا غير متعذر علينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 8 - ، 9، 10 - يوم تكون السماء كالفضة المذابة، وتكون الجبال كالصوف المنفوش، ولا يسأل قريب قريبه كيف حالك، لأن كل واحد منهما مشغول بنفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 11 - ، 12، 13، 14 - يتعارفون بينهم حتى يعرف بعضهم بعضاً - يقيناً - وهو مع ذلك لا يسأله. يود الكافر لو يفدى نفسه من عذاب يوم القيامة ببنيه، وزوجته وأخيه، وعشيرته التى تضمه وينتمى إليها، ومن فى الأرض جميعاً، ثم يُنجيه هذا الفداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 15 - ، 16، 17، 18 - ارتدع - أيها المجرم - عما تتمناه من الافتداء، إنّ النار لهب خالص، شديدة النزع ليديك ورجليك وسائر أطرافك، تنادى بالاسم مَن أعرض عن الحق، وترك الطاعة، وجمع المال فوضعه فى خزائنه، ولم يؤد حق الله فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 19 - ، 20، 21، 22، 23 - إن الإنسان طُبع على الهلع، شديد الجزع والسخط إذا مسه المكروه والعسر، شديد المنع والحرمان إذا أصابه الخير واليسر، إلا المصلين، الذين هم دائمون على صلاتهم فلا يتركونها فى وقت من الأوقات، فإن الله يعصمهم ويوفقهم إلى الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 24 - ، 25 - والذين فى أموالهم حق مُعَيَّن مشروع. لمن يسأل المعونة منهم، ولمن يتعفف عن سؤالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 26 - ، 27، 28 - والذين يُصدِّقون بيوم الجزاء فيتزودون له، والذين هم من عذاب ربهم خائفون فيتقونه ولا يقعون فى أسبابه. إن عذاب ربهم غير مأمون لأحد أن يقع فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 29 - ، 30، 31 - والذين هم حافظون لفروجهم فلا تغلبهم شهواتها، لكن على أزواجهم وإمائهم لا يحفظونها، لأنهم غير ملومين فى تركها على طبيعتها، فمن طلب متاعاً وراء الزوجات والإماء فأولئك هم المتجاوزون الحلال إلى الحرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 32 - ، 33، 34 - والذين هم لأمانات الشرع وأمانات العباد وما التزموه لله وللناس حافظون غير خائنين ولا ناقضين، والذين هم بشهاداتهم قائمون بالحق غير كاتمين لما يعلمون، والذين هم على صلاتهم يحافظون، فيؤدونها على أكمل الوجه وأفضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 35 - أصحاب هذه الصفات المحمودة فى جنات مكرمون من الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 36 - ، 37، 38 - أى شئ ثبت للذين كفروا إلى جهتك مسرعين ملتفين عن يمينك وشمالك جماعات؟! أيطمع كل امرئ منهم - وقد سمع وعد الله ورسوله للمؤمنين بالجنة - أن يدخل جنة نعيم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 39 - فليرتدعوا عن طمعهم فى دخولهم الجنة، إنا خلقناهم من ماء مهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 40 - ، 41 - فلا أقسم برب المشارق والمغارب من الأيام والكواكب، إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتى بمن هم أطوع منهم لله، وما نحن بعاجزين عن هذا التبديل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 42 - فاتركهم يخوضوا فى باطلهم، ويلعبوا بدنياهم، حتى يلاقوا يومهم الذى يوعدون فيه العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 43 - ، 44 - يوم يخرجون من القبور سراعاً إلى الداعى، كأنهم إلى ما كانوا قد نصبوه وعبدوه فى الدنيا من دون الله يسرعون، ذليلة أبصارهم، لا يستطيعون رفعها، تغشاهم المذلة والمهانة، ذلك اليوم كانوا يوعدون به فى الدنيا وهم يكذبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 1 - إنا أرسلنا نوح اً إلى قومه، وقلنا له: أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب شديد الإيلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 2 - ، 3، 4 - قال نوح: يا قوم إنى لكم نذير مُبَيِّن رسالة ربكم بلغة تعرفونها، أن أطيعوا الله واخضعوا له فى أداء الواجبات، وخافوه بترك المحظورات، وأطيعونى فيما أنصح لكم به، يغفر الله لكم ذنوبكم ويُمد فى أعماركم إلى أجل مسمى جعله غاية الطول فى العمر، إن الموت إذا جاء لا يؤخر أبداً، لو كنتم تعلمون ما يحل بكم من الندامة عند انقضاء أجلكم لآمنتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 5 - ، 6 - قال نوح: رب إنى دعوت قومى إلى الإيمان ليلاً ونهاراً بلا فتور، فلم يزدهم دعائى لهم إلا هروباً من طاعتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 7 - وإنى كلما دعوتهم إلى الإيمان بك لتغفر لهم وضعوا أصابعهم فى آذانهم حتى لا يسمعوا دعوتى، وتغطوا بثيابهم حتى لا يروا وجهى، وأقاموا على كفرهم، وتعظموا عن إجابتى تعظماً بالغاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 8 - ، 9 - ثم إنى دعوتهم إليك بصوت مرفوع، ثم إنى جهرت بالدعوة فى حال، وأخفيتها إخفاء فى حال أخرى، حتى أجرب كل خطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 10 - ، 11، 12 - فقلت لقومى: اطلبوا مغفرة الكفار والعصيان من ربكم، إنه لم يزل غفاراً لذنوب مَن يرجع إليه، يرسل السماء عليكم غزيرة الدر بالمطر، ويمدكم بأموال وبنين هما زينة الحياة الدنيا، ويجعل لكم بساتين تنعمون بجمالها وثمارها، ويجعل لكم أنهاراً تسقون منها زرعكم ومواشيكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 13 - ، 14 - ما لكم لا تعظِّمون الله حق عظمته حتى ترجو تكريمكم بإنجائكم من العذاب، وقد خلقكم كَرَّاتٍ متدرجة، نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ولحما؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 15 - ، 16 - ألم تنظروا كيف خلق الله سبع سموات بعضها فوق بعض، وجعل القمر فى هذه السموات نوراً ينبعث منها، وجعل الشمس مصباحاً يبصر أهل الدنيا فى ضوئه ما يحتاجون إلى رؤيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 17 - ، 18 - والله أنشأكم من الأرض فنبتم نباتاً عجيباً، ثم يعيدكم فى الأرض بعد الموت، ويخرجكم منها إخراجاً محققاً لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 19 - ، 20 - والله جعل لكم الأرض مبسوطة لتكون لكم طرقاً واسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 21 - ، 22 - قال نوح: رب إن قومى عصَونى فيما أمرتهم به من الإيمان والاستغفار، واتبع الضعفاء منهم مَن لم يزده مالُه وولدُه إلا خسراناً فى الآخرة، ومكر أصحاب الأموال والأولاد بتابعيهم من الضعفاء مكراً بالغ النهاية فى العِظَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 23 - ، 24 - وقالوا لهم: لا تترُكنَّ عبادة آلهتكم، ولا تترُكُنَّ ودَّا ولا سواعاً ولا يغُوثَ ويعُوقَ ونسرا - وكانت أصناماً منحوتة على صور مختلفة من الحيوان - وقد أضل هؤلاء المتبوعون كثيراً من الناس، ولا تزد الظالمين لأنفسهم بالكفر والعناد إلا بُعداً عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 25 - بسبب ذنوبهم أُغرقوا بالطوفان، فأُدخلوا عقب هلاكهم ناراً عظيمة اللهب والإحراق، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً يدفعون عنهم العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 26 - وقال نوح - بعد يأسه من قومه -: رب لا تترك على الأرض من الكافرين بك أحداً يدور فى الأرض ويدب عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 27 - إنك - يا رب - إن تتركهم دون إهلاك واستئصال يوقعوا عبادك فى الضلال ولا يلدوا إلا معانداً للحق شديد الكفر بك والعصيان لك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 28 - رب اعفُ عنى وعن والدىّ اللذين كانا سبباً فى وجودى، وعمن دخل بيتى مؤمناً بك، وعن المؤمنين والمؤمنات جميعاً، ولا تزد الكافرين إلا هلاكاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 1 - ، 2 - قل يا - محمد - لأمتك: أوحى الله إلىَّ أن جماعة من الجن قد استمعوا إلى قراءتى للقرآن، فقالوا لقومهم: إنا سمعنا قرآناً بديعاً لم نسمع مثله من قبل، يدعو إلى الهدى والصواب، فآمنا - بالقرآن الذى سمعناه - ولن نشرك مع ربنا - الذى خلقنا وربانا - أحداً فى عبادته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 3 - وأنه تعالى قدر ربنا وعظمته، ما اتخذ زوجة ولا ولداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 4 - وأنه كان يقول - جاهلنا على الله -: قولاً بعيداً عن الحق والصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 5 - وأنا ظننا أن لن تنسب الإنس والجن إلى الله ما لم يكن، ويصفوه بما لا يليق به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 6 - وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن، فزاد رجال الإنس رجال الإنس الجن طُغياناً وسفهاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 7 - وأن الجن ظنوا كما ظننتم - معشر الإنس - أن لن يبعث الله أحداً بعد الموت، ولا رسولاً من البشر إليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 8 - وأنا طلبنا بلوغ السماء فوجدناها مُلئت حرساً قوياً من الملائكة وشهباً محرقة من جهتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 9 - وأنا كنا - قبل اليوم - نقعد من السماء مقاعد لاستراق أخبار السماء، فمَن يرد الاستماع الآن يجد له شهاباً مترصداً ينقَضُّ عليه فيهلكه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 10 - وأنا لا نعلم أعذاب أريد بمَن فى الأرض - من حراسة السماء لمنع الاستماع - أم أراد بهم ربهم خيراً وهدى؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 11 - وأنا منا الأبرار المتقون ومنَّا دون ذلك، وهم قوم مقتصدون فى الصلاح، كنا ذوى مذاهب متفرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 12 - وأنا أيقنا أن لن نعجز الله - أينما كنا فى الأرض - ولن نعجزه هاربين من قضائه نحو السماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 13 - وأنا لما سمعنا القرآن آمنا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف نقصاً من حسنة، ولا ظلماً يلحقه بزيادة فى سيئاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 14 - وأنا منا المسلمون المِقرّون بالحق ومنا الحائدون عن طريق الهدى، فمن أسلم فأولئك قصدوا سبيل الحق مجتهدين فى اختياره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 15 - وأما الحائدون عن طريق الإسلام فكانوا لجهنم وقوداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 16 - وأنه لو أطاع الإنس والجن ما يدعوهم إليه الإسلام ولم يحيدوا عنه لأعطاهم الله الماء الكثير الذى يحتاجون إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 17 - لنختبرهم فيه كيف يشكرون لله نعمه عليهم، ومَن يُعرض عن عبادة ربه يدخله عذاباً شاقاً لا يطيقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 18 - وأُوحى إلىَّ أن المساجد لله - وحده - فلا تدعوا فيها غيره وأخلصوا لعبادته وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 19 - وأُوحى إلىَّ أنه لما قام عبد الله - محمد - فى صلاته يعبد الله كاد الجن يكونون عليه جماعات ملتفة، تعجباً مما رأوه وسمعوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 20 - قل: إنما أعبد ربى - وحده - ولا أشرك به فى العبادة أحداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 21 - قل: إنى لا أملك لكم دفع ضر ولا تحصيل هداية ونفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 22 - قل: إنى لن يدفع عنى عذاب الله أحد إن عصيته، ولن أجد من دونه ملجأ أفر إليه من عذابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 23 - لكن أملك تبليغاً عن الله ورسالاته التى بعثنى بها، ومن يعص الله ورسوله فأعرَضَ عن دين الله فإن له نار جهنم باقياً فيها أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 24 - حتى إذا أبصروا ما يوعدونه من العذاب، فسيعلمون - عند حلوله بهم - من أضعف ناصراً وأقل عدداً أهم أم المؤمنون؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 25 - قل: ما أدرى - أيها الكافرون - أقريب ما توعدون من العذاب، أم يجعل له ربى غاية بعيدة؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 26 - ، 27 - هو عالم الغيب، فلا يطلع على غيبه أحداً من خلقه، إلا رسولاً ارتضاه لعلم بعض الغيب، فإنه يدخل من بين يدى الرسول ومن خلفه حفظة من الملائكة تحول بينه وبين الوساوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 28 - ليعلم الله - وعلمه كائن ومحيط - أن الأنبياء قد أبلغوا رسالات ربهم، وقد علم تفصيلا بما عندهم، وعلم عدد الموجودات كلها، لا يغيب عنه شئ منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 1 - ، 2، 3، 4 - يا أيها المتلفف بثيابه، قُمْ الليل مصلياً إلا قليلاً، قُمْ نصفْ الليل أو انقص من النصف قليلاً حتى تصل إلى الثلث، أو زد على النصف حتى تصل إلى الثلثين، واقرأ القرآن متمهلاً مبيناً للحروف والوقوف قراءة سالمة من أى نقصان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 5 - إنا سنلقى عليك - أيها الرسول - قرآناً مشتملاً على الأوامر والنواهى والتكاليف الشاقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 6 - إن العبادة التى تكون بالليل، هى أشد رسوخاً فى القلب، وأبْيَن قولاً، لما يكون بالليل من هدوء وصفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 7 - إن لك فى النهار تقلباً فى مصالحك، واشتغالاً بأمور الرسالة، ففرِّغ نفسك ليلاً لعبادة ربك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 8 - وأجر على لسانك ذكر اسم مَن تعهدك بالخلق والتربية، وانقطع لعبادته من كل شئ انقطاعاً تاماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 9 - هو مالك المشرق والمغرب لا معبود بحق إلا هو، فاتخذه كافياً لأمورك، كفيلاً بما وعدك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 10 - واصبر على ما يقولون من الأباطيل، وجانبهم بقلبك، وخالفهم فى أفعالهم، مع الإغضاء عنهم. وترك الانتقام منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 11 - واتركنى والمكذبين - أصحاب النعيم - وأمهلهم إمهالاً قصير الأمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 12 - ، 13 - إن لدينا للمكذبين فى الآخرة قيوداً ثقالاً، وناراً محرقة، وطعاماً ينشب فى الحلق لا يستساغ، وعذاباً شديد الإيلام لا يطاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 14 - يوم تتحرك الأرض والجبال حركة شديدة، وصارت الجبال رملاً مجتمعاً متناثراً بعد أن كانت حجارة صلبة متماسكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 15 - ، 16 - إنا أرسلنا إليكم يا أهل مكة - محمداً - رسولاً يشهد عليكم يوم القيامة بالإجابة والامتناع، كما أرسلنا موسى إلى فرعون رسولاً، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً ثقيلاً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 17 - فكيف تدفعون عنكم إن كفرتم عذاب يوم يجعل الشُّبان لهوله شيوخاً ضعافاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 18 - السماء فى قوتها وعظمتها، شئ منشق فى ذلك اليوم لشدته وهوله، كان وعد الله واقعاً لا محالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 19 - إن هذه الآيات الناطقة بالوعد موعظة، فمَن شاء الانتفاع بها اتخذ إلى ربه سبيلا بالتقوى والخشية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 20 - إن ربك يعلم أنك تقوم - يا محمد - أقل من ثلثى الليل أحياناً، وتقوم نصفه وثلثه أحياناً أخرى، ويقوم طائفة من أصحابك كما تقوم، ولا يقدر على تقدير الليل والنهار وضبط ساعاتهما إلا الله. علم أنه لا يمكنكم إحصاء كل جزء من أجزاء الليل والنهار. فخفف عليكم، فاقرءوا فى الصلاة ما تيسر من القرآن. علم أنه سيكون منكم مرضى يشق عليهم قيام الليل، وآخرون يتنقلون فى الأرض للتجارة والعمل يطلبون رزق الله، وآخرون يجاهدون فى سبيل الله لإعلاء كلمته، فاقرءوا ما تيسر من القرآن وواظبوا على فرائض الصلاة، وأعطوا الزكاة الواجبة عليكم، وأقرضوا الله قرضاً حسناً بإعطاء الفقراء نافلة فوق ما وجب لهم، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوا ثوابه عند الله هو خيراً مما خلفتم وتركتم، وأجزل ثواباً، واستغفروا الله من فعل السيئات والتقصير فى الحسنات. إن الله غفور لذنوب المؤمنين، رحيم بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 864 1 - ، 2، 3، 4 - يا أيها المتدثر بثيابه قم من مضجعك فحذر الناس من عذاب الله إن لم يؤمنوا، وخُصَّ ربك - وحده - بالتعظيم، وثيابك فطهرها بالماء من النجاسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 5 - ، 6، 7 - والعذاب فاترك، أى دُمْ على هَجْر ما يوصل إلى العذاب، ولا تعط أحداً مستكثراً لما تعطيه إيَّاه، ولمرضاة ربك فاصبر على الأوامر والنواهى وكل ما فيه جهد ومشقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 8 - ، 9، 10 - فإذا نفخ فى الصور، فذلك الوقت يومئذ شديد على الكافرين، غير سهل أن يخلصوا مما هم فيه من مناقشة الحساب، وغيره من الأهوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 11 - ، 12، 13، 14، 15 - اتركنى وحدى مع مَن خلقته، فإنى أكفيك أمره، جعلت له مالاً مبسوطاً واسعاً غير منقطع، وبنين حضوراً معه، وبسطت له الجاه والرياسة بسطة تامة، ثم يطمع أن أزيده فى ماله وبنيه وجاهه بدون شكر؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 16 - ، 17 - ردعاً له عن طمعه إنه كان للقرآن معانداً مكذباً، سأغشيه عقبة شاقة، لا يستطيع اقتحامها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 18 - ، 19، 20 - إنه فكَّر فى نفسه وهيَّأ ما يقوله من الطعن فى القرآن، فاستحق بذلك الهلاك، كيف هيَّأ هذا الطعن؟ ثم استحق الهلاك لأنه أعد هذا الطعن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 21 - ، 22، 23، 24 - ثم نظر فى وجوه الناس، ثم قطَّب وجهه وزاد فى كلوحه، ثم أعرض عن الحق وتعاظم أن يعترف به، فقال: ما هذا إلا سحر ينقل عن الأولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 25 - ما هذا إلا قول الخلق تعلمه - محمد - وادَّعى أنه من عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 26 - ، 27، 28، 29، 30 - سأُدخله جهنم ليحترق بها، وما أدراك ما جهنم؟ ، لا تبقى لحماً ولا تترك عظماً إلا أحرقته. مُسوِّدة لأعالى الجلد، عليها تسعة عشر يَلُون أمرها وتعذيب أهلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 31 - وما جعلنا خزنة النار إلا ملائكة، وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا اختباراً للذين كفروا، ليحصل اليقين للذين أوتوا الكتاب بأن ما يقوله القرآن عن خزنة جهنم إنما هو حق من الله تعالى - حيث وافق ذلك كتبهم - ويزداد الذين آمنوا بمحمد إيماناً، ولا يشك فى ذلك الذين أعطوا الكتاب والمؤمنون، وليقول الذين فى قلوبهم نفاق والكافرون: ما الذى أراده الله بهذا العدد المستغرب استغراب المثل؟ . . بمثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الله الكافرين ويهدى المؤمنين، وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتهم إلا هو - سبحانه وتعالى - وما سقر إلا تذكرة للبشر وتخويف لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 32 - ، 33، 34، 35، 36 - ردعاً لمن ينذر بها ولم يخف، أقسم بالقمر، وبالليل إذا ذهب، وبالصبح إذا أضاء وانكشف إن سقر لأعظم الدواهى الكبرى إنذاراً وتخويفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 37 - إنذار للبشر لمَن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير أو يتأخر عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 38 - ، 39 - كل نفس بما عملت مأخوذة إلا المسلمين الذين فكُّوا رقابهم بالطاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 40 - ، 41، 42 - هم فى جنات لا يُدرك وصفها، يسأل بعضهم بعضاً عن المجرمين، وقد سألوهم عن حالهم، ما أدخلكم فى سقر؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 43 - ، 44، 45، 46، 47 - قالوا لم نك من المصلين كما كان يصلى المسلمون، ولم نك نطعم المسكين كما كان يطعم المسلمون، وكنا نندفع وننغمس فى الباطل والزور مع الخائضين فيه، وكنا نكذِّب بيوم الحساب والجزاء حتى أتانا الموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 48 - فما تغيثهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 49 - فما لهم عن العظة بالقرآن منصرفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 50 - ، 51 - كأنهم حمر شديدة النفار فرَّت من مطارديها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 52 - بل يريد كل امرئ منهم أن يُؤتى صُحفاً من السماء واضحة مكشوفة تثبت صدْق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 53 - ردْعاً لهم عما أرادوا. بل هم لا يخافون الآخرة، فأعرضوا عن التذكرة، وتفننوا فى طلب الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 54 - ، 55 - حقاً إن القرآن تذكرة بليغة كافية، فمن شاء أن يذكره ولا ينساه فعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 56 - وما يذكرون إلا بمشيئة الله، هو أهل لأن يُتقى وأهل لأن يَغْفر لمَن اتقاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 1 - ، 2، 3 - أقسم وأؤكد القسم بيوم القيامة - وهو الحق الثابت - وأقسم وأؤكد القسم بالنفس التى تلوم صاحبها على الذنب والتقصير، لتبعثن بعد جمع ما تفرق من عظامكم، أيحسب الإنسان - بعد أن خلقناه من عدم - أن لن نجمع ما بلى وتفرق من عظامه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 4 - بلى نجمعها قادرين على أن نُسوى ما دق من أطراف أصابعه، فكيف بما كبر من عظام جسمه؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 5 - بل أينكر الإنسان البعث، يريد أن يبقى على الفجور فيما يستقبل من أيام عمره كلها؟ {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 6 - يسأل مستبعداً قيام الساعة: متى يكون يوم القيامة؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 7 - ، 8، 9، 10 - فإذا تحيَّر البصر فزعاً ودهشاً، وذهب ضوء القمر، وقرن بين الشمس والقمر فى الطلوع من المغرب، يقول الإنسان يومئذٍ: أين الفرار من العذاب؟! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 11 - ، 12 - ردعاً لك - أيها الإنسان - عن طلب المفر، لا ملجأ لك إلا إلى ربك - وحده - مستقر العباد من جنة أو نار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 13 - يُخْبَرُ الإنسان يومئذ بما قدمه من عمل وما أخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 14 - ، 15 - بل الإنسان على نفسه حجة واضحة تلزمه بما فعل أو ترك، ولو طرح معاذيره وبسطها لا يمكنه أن يتخلص منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 16 - ، 17 - لا تُحَرِّكْ بالقرآن لسانك حين الوحى لتعجل بقراءته وحفظه، إن علينا جمعه فى صدرك، وإثبات قراءته فى لسانك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 18 - ، 19 - فإذا قرأه عليك رسولنا فاتبع قراءته منصتاً لها، ثم إن علينا بعد ذلك بيانه لك إذا أشكل عليك شئ منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 20 - ، 21 - ردعاً لكم عن إنكار البعث وهو حق، بل أنتم تحبون الدنيا ومتاعها، وتتركون الآخرة ونعيمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 22 - ، 23 - وجوه يومئذٍ حسنة ناعمة إلى ربها ناظرة بدون تحديد بصفة أو جهة أو مسافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 24 - ، 25 - ووجوه يومئذٍ كالحة شديدة العبوس، تتوقع أن يفعل بها ما هو فى شدته داهية تقصم فقرات الظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 26 - ، 27، 28، 29، 30 - ردعاً لكم عن حب الدنيا التى تفارقونها إذا بلغت الروح عظام النحر، وقال الحاضرون بعضهم لبعض: هل من راق يرقيه مما به؟ وظن المحتضر أن الذى نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة، وبلغت به الشدة أقصاها، والتوت إحدى الساقين على الأخرى عند نزع الروح، إلى ربك يومئذٍ مساق العباد، إما إلى الجنة وإما إلى النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 31 - ، 32، 33 - أنكر الإنسان البعث فلا صدَّق بالرسول والقرآن، ولا أدَّى لله فرائض الصلوات، ولكن كذَّب القرآن، فأعرض عن الإيمان، ثم ذهب إلى أهله يمد ظهره متبختراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 34 - ، 35 - هلاك لك - أيها المكذب - فهلاك، ثم هلاك دائم لك، فهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 36 - أيحسب هذا الإنسان المنكر للبعث أن يُترك مهملاً يرتع فى حياته، ثم يموت ولا يبعث فيحاسب على عمله؟! {. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 37 - ، 38 - ألم يك الإنسان نطفة من مَنِىٍّ يقدر تكوينه فى الرحم، ثم صار قطعة دم جامد، فخلقه الله، فسواه فى أحسن تقويم؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 39 - فجعل منه الصنفين الذكر والأنثى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 40 - أليس ذلك المبدع الفعَّال لهذه الأشياء بقادر على أن يُحْيى الموتى بعد جمع عظامهم؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 1 - قد مضى على الإنسان حين من الزمان قبل أن ينفخ فيه الروح، لم يكن شيئاً يذكر باسمه، ولا يعرف ما يراد منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 2 - إنا خلقنا الإنسان من نطفة ذات عناصر شتى، مختبرين له بالتكاليف فيما بعد، فجعلناه ذا سمع وذا بصر، ليسمع الآيات ويرى الدلائل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 3 - إنا بينا له طريق الهدى: إما مؤمنا وإما كافراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 4 - إنا أعددنا للكافرين سلاسل لأرجلهم، وأغلالا لأيديهم وأعناقهم، ونارا موقدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 5 - ، 6 - إن الصادقين فى إيمانهم يشربون من خمر كان ما تمزج به ماء كافور، عيناً يشرب منها عباد الله يجرونها حيث شاءوا إجراء سهلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 7 - يوفون بما أوجبوا على أنفسهم، ويخافون يوماً عظيماً كان ضرره البالغ فاشياً منتشراً كل الانتشار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 8 - ويُطعمون الطعام - مع حبهم له، وحاجاتهم إليه - فقيراً عاجزاً عن الكسب، وصغيراً فقد أباه، ومأسورا لا يملك شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 9 - ويقولون فى أنفسهم: إنما نطعمكم لطلب ثواب الله، لا نريد منكم عوضاً أو هدية، ولا نريد منكم ثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 10 - إنا نخاف من ربنا يوماً اشتد عبوس مَن فيه، وقطَّبوا وجوههم وجباههم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 11 - ، 12 - فصانهم الله من شدائد ذلك اليوم، وأعطاهم بدل عبوس الفجَّار حسناً فى وجوههم، وبهجة وفرحاً فى قلوبهم، وجزاهم بصبرهم جنة ملكها هنئ، وملبسها حرير ناعم الملمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 13 - متكئين فى الجنة على السرر، لا يجدون فيها حر شمس، ولا شدة برد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 14 - وجنة وارفة عليهم ظلال أشجارها، وسَهَّلَ لهم أخذ ثمارها تسهيلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 15 - ، 16 - ويطوف عليهم خدمهم بأوعية شراب من فضة، وبأكواب كوِّنت قوارير شفافة، قوارير مصنوعة من فضة، قدَّرها الساقون تقديرا على وفاق ما يشتهى الشاربون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 17 - ، 18 - ويُسقى الأبرار فى الجنة خمرا كان ما تمزج به ما يشبه الزنجبيل فى الطعم، عينا فى الجنة تسمى - لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه - سلسبيلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 19 - ويطوف عليهم - للبهجة والسرور - غلمان دائمون على حالهم، إذا أبصرتهم عند طوافهم بخفة ونشاط - لحسنهم وصفاء ألوانهم - لؤلؤا منثورا حولك مضيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 20 - وإذا أبصرت أى مكان فى الجنة رأيت فيه نعيما عظيما، وملكا واسعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 21 - يعلوهم ثياب من حرير رقيق خضر، وثياب من حرير غليظ، وجُعِلَتْ حُليهم التى فى أيديهم أساور من فضة، وسقاهم ربهم شرابا آخر طهورا لا رجس فيه ولا دنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 22 - إن هذه النعيم أُعِدَّ لكم جزاء لأعمالكم، وكان سعيكم فى الدنيا محموداً عند الله مرضيا ومقبولاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 23 - إنا - برحمتنا وحكمتنا - نزَّلنا عليك القرآن على وجه يسكن به فؤادك، ويدوم به حفظك، فلا تنساه أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 24 - فاصبر لحكم ربك بتأخير نصرتك على أعدائك، وابتلائك بأذاهم، ولا تُطع من المشركين من هو ذا إثم، أو مستغرقاً فى الكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 25 - ، 26 - ودم على ذكر ربك، فصل الفجر بكرة، والظهر والعصر أصيلاً، ومن الليل فصل له المغرب والعشاء، وتهجد زمناً طويلاً من الليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 27 - إن هؤلاء الكفرة يُحبون الدنيا ويؤثرونها على الآخرة، ويتركون خلف ظهورهم يوماً ثقيلاً كَرْبه شديدا هوله، فلم يعملوا ما ينجيهم من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 28 - نحن خلقناهم وأحكمنا خلقهم، وإذا شئنا أهلكناهم وَبَدَّلْنا أمثالهم ممن يطيع الله تبديلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 29 - إن هذه السورة عظة للعالمين، فمن شاء اتخذ بالإيمان والتقوى إلى ربه طريقاً يوصله إلى مغفرته وجنته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 30 - وما تشاءون شيئاً من الأشياء إلا إذا شاءه الله إن الله كان عليما بأحوالكم حكيما فيما يشاء ويختار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 31 - يُدخل من يشاء فى جنته - فدخولها بفضله ورحمته - وأعد للظالمين عذاباً أليما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 1 - ، 2، 3، 4، 5، 6، 7 - أقسم بالآيات المرسلة على لسان جبريل إلى محمد للعرف والخير، فالآيات القاهرات لسائر الأديان الباطلة تنسفها نسفاً، وبالآيات الناشرات للحكمة والهداية فى قلوب العالمين نشراً عظيماً، فالفارقات بين الحق والباطل فرقاً واضحاً، فالملقيات على الناس تذكرة تنفعهم - إعذاراً لهم وإنذاراً - فلا تكون لهم حُجة: إن الذى توعدونه من مجئ يوم القيامة لنازل لا ريب فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 8 - ، 9، 10، 11 - فإذا النجوم مُحقت ذواتها، وإذا السماء شُقَّت، وإذا الجبال فُتِّتت ونسفتها الرياح نسفاً، وإذا الرسل عُيِّن لهم الوقت الذى يحضرون فيه للشهادة على الأمم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 12 - ، 13، 14، 15 - لأى يوم أُخِّرت هذه الأمور العظيمة؟ ليوم يكون فيه الفصل بين الخلائق، وما أعلمك ما شأن يوم الفصل؟ هلاك دائم يومئذٍ للمكذبين بما أوعدهم به الرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 16 - ، 17، 18 - ألم نُهلك الأولين من الأمم المكذبة، ثم نُتبع الأولين الآخرين فى الهلاك مثل ذلك الفعل نفعل بكل من أجرم وكفر بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 19 - هلاك يومئذٍ للمكذبين بما أوعدناهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 20 - ، 21، 22، 23، 24 - ألم نخلقكم من ماء حقير وهو النطفة، فجعلنا هذا الماء فى مقر يتمكن فيه، فيتم خلقه وتصويره مؤخراً إلى وقت قد علمه الله، فقدرنا على خلقه وتصويره وإخراجه، فنعم المقدرون الخالقون له نحن؟ ويل يومئذٍ للمكذبين بنعمة الخلق والتقدير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 25 - ، 26، 27، 28 - ألم نجعل الأرض ضامَّة على ظهرها أحياء لا يعدون، وفى بطنها أمواتٌ لا يحصرون، وجعلنا فيها جبالاً ثوابت عاليات، وأسقيناكم ماء عذباً سائغاً؟ هلاك يومئذٍ للمكذبين بهذه النعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 29 - ، 30، 31 - يُقال للكافرين يوم الفصل: سيروا إلى النار التى كنتم بها تكذِّبون. سيروا إلى حرارة دخان من جهنم يتشعب لعِظمه ثلاث شعب. لا مظل من حر ذلك اليوم، ولا يغنى ذلك الظل من حر اللهب شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 32 - ، 33، 34 - إن النار ترمى بما تطاير منها كالقَصْرِ فى العِظم. كأن الشرر جِمَالٌ سودٌ تضرب إلى الصفرة. هلاك يومئذ للمكذبين بأن هذه صفتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 35 - ، 36، 37 - هذا الذى قص عليكم إنه واقع يوم لا ينطقون بشئ ينفعهم، ولا يكون لهم إذْن فى النطق، ولا يصدر منهم اعتذار لأنه لا عذر لهم. هلاك يومئذٍ للمكذبين بهذا اليوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 38 - ، 39، 40 - هذا يوم الفصل بين المحق والمبطل بجزاء كل بما يستحقه، جعلناكم - يا مكذبى محمد - والأولين المكذبين مثلكم، فإن كان لكم حيلة فى دفع هذا العذاب عنكم فاحتالوا، فاحضروا وتخلصوا من عذابى. هلاك يومئذٍ للمكذبين بوعيد الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 41 - ، 42، 43، 44، 45 - إن المتقين من عذاب الله فى ظلال وارفة، وعيون جارية، وفواكه مما يستطيبون. مقولاً لهم تحية وتكريماً: كلوا واشربوا أكلاً وشرباً هنيئاً بما كنتم تعملون فى الدنيا من الصالحات. إنا نجزى المحسنين بهذا الجزاء العظيم. هلاك يومئذٍ للمكذبين بالجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 46 - ، 47 - ويُقال للكافرين: كلوا وتمتعوا متاعاً ليس له بقاء. إنكم مجرمون بإشراككم بالله. هلاك يومئذٍ للمكذبين بالنعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 48 - ، 49 - وإذا قيل لهم: صلوا لله، واخشعوا إليه. لا يخشعون ولا يصلُّون. بل يُصرُّون على استكبارهم. هلاك يومئذٍ للمكذبين بأوامر الله ونواهيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 50 - فبأى حديث بعد القرآن يؤمنون إن لم يؤمنوا بالقرآن. مع أنه معجزة من السماء؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 1 - عن أى شئ يسأل هؤلاء الجاحدون بعضهم بعضا؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 2 - ، 3 - عن الخبر العظيم، خبر البعث الذى هم موغلون فى الاختلاف فيه بين منكر له وشاك فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 4 - زجراً لهم عن هذا التساؤل، سيعلمون حقيقة الحال حين يرون البعث أمراً واقعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 5 - ثم زجراً لهم، سيعلمون ذلك عندما يحل بهم النكال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 6 - ألم يروا من آيات قدرتنا أنا جعلنا الأرض ممهدة للاستقرار عليها والتقلب فى أنحائها؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 7 - وجعلنا الجبال أوتاداً للأرض تُثَبِّتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 8 - وخلقناكم مزدوجين ذكوراً وإناثاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 9 - وجعلنا نومكم راحة لكم من عناء العمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 10 - وجعلنا الليل ساتراً لكم بما يُغطِّيكم من ظلمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 11 - وجعلنا النهار وقت سعى لكم لتحصيل ما به تعيشون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 12 - وأقمنا فوقكم سبع سموات قويات محكمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 13 - وأنشأنا شمساً مضيئة متوقدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 14 - وأنزلنا من السحب الممطرة ماء قوى الانصباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 15 - لنخرج بهذا لماء حبّاً ونباتاً غذاء للناس والحيوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 16 - وبساتين ذات أشجار ملتفة متشابكة الأغصان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 17 - إن يوم الفصل بين الخلائق كان ميعاداً مقدراً للبعث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 18 - يوم ينفخ فى الصور للبعث فتأتون إلى المحشر جماعات جماعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 19 - وشققت السماء من كل جانب فصارت أبواباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 20 - وسُيِّرت الجبال بعد قلعها من مقارها وتفتتها، فصارت تريك صورة الجبال وهى غبار متكاثف كالسراب يريك صورة الماء وليس بماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 21 - إن جهنم كانت موضع رصد يترقب منه الخزنة أهلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 22 - للطغاة المتجبرين مصيراً سيئاً يجازون فيه ما انتهكوا من حدود الله وحرمات العباد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 23 - ماكثين فيها دهوراً متتابعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 24 - لا يذوقون فيها نسيماً ينفس عنهم حرها، ولا شراباً يسكن عطشهم فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 25 - لكن يذوقون ماء بالغاً الغاية فى الحرارة، وصديداً يسيل من جلود أهلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 26 - جزاء موافقاً لأعمالهم السيئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 27 - إنهم كانوا لا يتوقعون الحساب، فيعملوا للنجاة منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 28 - وكذَّبوا بآيات الله الدالة على البعث تكذيباً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 29 - وكل شئ ضبطناه كتابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 30 - فذوقوا، فلن يكون لكم إلا المزيد من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 31 - إن للذين يتقون ربهم نجاة من العذاب وظفراً بالجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 32 - حدائق مثمرة وأعنابا طيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 33 - وعذارى نواهد مُتَماثلات فى السن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 34 - وكأساً ممتلئة صافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 35 - لا يسمعون فى الجنة لغواً من القول ولا كذاباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 36 - جزاء عظيماً من ربك، تفضلاً منه وإحساناً كافياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 37 - رب السموات والأرض وما بينهما. الذى وسعت رحمته كل شئ لا يملك أحد حق من مخاطبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 38 - يوم يقوم جبريل والملائكة مصطفِّين خاشعين. لا يتكلم أحد منهم إلا من أذِن له الرحمن بالكلام، ونطق بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 39 - ذلك اليوم الذى لا شك فيه، فمن شاء اتخذ إلى ربه مرجعاً كريماً والعمل الصالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 40 - إنا حذَّرناكم عذاباً قريباً وقوعه. يوم ينظر المرء ما قدَّمت يداه من عمل، ويقول الكافر متمنياً الخلاص: يا ليتنى بقيت تراباً بعد الموت، فلم أبعث ولم أحاسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 1 - أقسم بكل ما أودعت فيه قوة نزع الأشياء من مقارها بشدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 2 - وبكل ما أودعت فيه قوة إخراج الأشياء فى خفة ولين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 3 - وبكل ما أودعت فيه السرعة فى تأدية وظائفه بسهولة ويسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 4 - فالسابقات التى تسبق فى أداء ما وكِّل إليها سبقاً عظيماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 5 - ، 6، 7 - فالمدبرات التى تدبر الأمور وتصرفها بما أودع فيها من خصائص: لتقومن الساعة يوم تزلزل النفخة الأولى جميع الكائنات، تتبعها النفخة الثانية التى يكون معها البعث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 8 - قلوب فى ذلك اليوم فزعة شديدة الاضطراب من الخوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 9 - أبصار أصحابها حزينة ذليلة منكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 10 - يقول هؤلاء المنكرون للبعث -: أنرد بعد الموت أحياء إلى الخلقة الأولى كما كنا؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 11 - أئذا صرنا عظاماً بالية نرد ونبعث من جديد؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 12 - قالوا - منكرين مستهزئين -: تلك الرجعة إن وقعت: رجعة خاسرة، ولسنا أهل خسران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 13 - ، 14 - لا تحسبوا الرجعة عسيرة، فإنما هى صحيحة واحدة، فإذا الموتى حضور بأرض المحشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 15 - ، 16 - هل أتاك - يا محمد - حديث موسى حين ناداه ربُه بالوادى المطهر المسمى «طوى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 17 - اذهب إلى فرعون الذى جاوز الحد فى الظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 18 - فقل: هل لك فى أن تتطهر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 19 - وأرشدك إلى معرفة ربك، فتخشاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 20 - فأرى موسى فرعونَ المعجزة الكبرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 21 - فكذب فرعونُ موسى فيما جاء به، وعصاه فيما دعاه إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 22 - ثم تولى عنه يجتهد فى معارضته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 23 - ، 24 - فجمع السحرة، ودعا الناس فقال: أنا ربكم الأعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 25 - فعذَّبه الله عذاب المقالة الآخرة: وهى أنا ربكم الأعلى، وعذاب المقالة الأولى، وهى تكذيبه لموسى عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 26 - إن فى ذلك الحديث لعظة لمَن يخاف الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 27 - ، 28 - أخَلْقُكُم - أيها المنكرون - للبعث أشقُ أم خلق السماء؟ ضم أجزاءها المتفرقة بعضها إلى بعض. رفع جرمها فوقكم، فجعلها مستوية لا تفاوت فيها ولا خلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 29 - وأظلم ليلها وأظهر نهارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 30 - والأرض بعد ذلك بسَطَها ومهدها لسكنى أهلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 31 - أخرج منها ماءها بتفجير عيونها، وإجراء أنهارها ونباتها ليقتات به الناس والدواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 32 - والجبال ثبَّتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 33 - متاعاً لكم ولأنعامكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 34 - فإذا جاءت القيامة التى تعم أهوالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 35 - يوم يتذكر الإنسان ما عمله من خير أو شر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 36 - وأظهرت الجحيم إظهاراً بينا، ماثلة أمامكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 37 - ، 38، 39 - فأما مَن تجاوز الحد بعصيانه، واختار لنفسه الحياة الفانية، فإن النار المتأججة هى مأواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 40 - ، 41 - وأما مَن خاف عظمة ربه وجلاله، وكف نفسه عن الشهوات، فإن دار النعيم هى المنزل لا غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 42 - يسألونك - يا محمد - عن الساعة متى وقوعها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 43 - ليس عِلْمها إليك حتى تذكرها لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 44 - إلى ربك منتهى علمها لا إلى غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 45 - إنما واجبك إنذار مَن يخاف لا الإعلام بوقتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 46 - كأنهم يوم يشاهدونها لم يلبثوا فى الدنيا إلا مقدار عشية أو ضحاها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 1 - تغيَّر وجه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ضائقا معرضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 2 - لأِنْ جاءه الأعمى يسأل عن أمر دينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 3 - ومَا يُدْريك لعل هذا الأعمى يتطهر بما يتلقاه عنك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 4 - أو يتعظ فتنفعه العظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 5 - ، 6 - أما مَن استغنى بثروته وقوته فأنت تُقْبل عليه، وتهتم بتبليغه دعوتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 7 - وأى شئ عليك إذا لم يتطهر بالإيمان؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 8 - ، 9، 10 - وأما مَن جاءك يسرع لطلب العلم والهداية، وهو يخاف الله فأنت عنه تتشاغل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 11 - حقاً إن هذه الآيات عظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 12 - فمن شاء اتعظ بالقرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 13 - هو فى صحف مكرمة عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 14 - عالية القدر والمكانة. منزهة عن كل نقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 15 - بأيدى ملائكة جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 16 - أخيار محسنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 17 - هلاكاً للإنسان. ما أشد كفره! { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 18 - أمَا يتذكر حقيقة أصله، ومن أى شئ خُلق؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 19 - من ماء مهين. بدأ خلقه فقدَّره أطواراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 20 - ثم يسر له الطريق إلى الإيمان، وأعلمه به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 21 - ثم أماته، فكرمه بأن يقبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 22 - ثم إذا شاء أحياه بعد الموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 23 - حقاً لمَّا يقض الإنسان - مع امتداد حياته فى الدنيا - ما أمره الله به من الإيمان والطاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 24 - فليتأمل الإنسان شأن طعامه، كيف دبرناه ويسرناه! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 25 - إنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 26 - ثم شققنا الأرض بالنبات شقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 27 - فأنبتنا فيها حبا يقتات به الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 28 - وعنباً ونباتاً يؤكل رطباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 29 - وزيتوناً طيباً، ونخلاً مثمراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 30 - وحدائق ملتفة الأغصان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 31 - وثماراً يتفكه بها، وعشباً تأكله البهائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 32 - أنبتنا ذلك متاعاً لكم ولأنعامكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 33 - فإذا جاءت صيحة القيامة التى تَصُم الآذان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 34 - ، 35، 36 - يوم يهرب المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وزوجته وبنيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 37 - لكل امرئ من هؤلاء فى هذا اليوم شأن يشغله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 38 - ، 39 - وجوه فى هذا اليوم مضيئة مشرقة مسرورة بنعيم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 40 - ووجوه فى هذا اليوم عليها غبار وكدورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 41 - تغشاها ظلمة وسواد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 42 - أولئك أصحاب هذه الوجوه الكفرة الفجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 1 - إذا الشمس لُفَّتْ ومُحِىَ ضوؤها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 2 - وإذا النجوم انطمس نورها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 3 - وإذا الجبال حُرِّكت من أماكنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 4 - والذى مَنْ شَأْنُه أن يحمل ويلد فقد خاصته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 5 - وإذا الوحوش جُمِعت من أوكارها وجحورها ذاهلة من شدة الفزع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 6 - وإذا البحار تأججت ناراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 7 - وإذا الأرواح قرنت بأجسادها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 8 - ، 9 - وإذا المدفونة حية سئلت - ترضية لها، وسخطاً على من وَأدَها -: بأى جريرة قتلت، ولا ذنب لها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 10 - وإذا الصحف التى كتبت فيها أعمال أصحابها بسطت عند الحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 11 - وإذا السماء أزيلت من مكانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 12 - وإذا النار أوقدت إيقاداً شديداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 13 - وإذا الجنة أُدْنيت وقربت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 14 - إذا حدثت تلك الظواهر علمت كل نفس ما قدَّمته من خير أو شر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 15 - فأقسم قسماً مؤكداً بالنجوم التى تنقبض عند طلوعها، فيكون ضوؤها خافتاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 16 - الجارية التى تستتر وقت غروبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 17 - وبالليل إذا خف ظلامه عند إدباره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 18 - وبالصبح إذا بدأ ضوؤه وهب نسيمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 19 - إن القرآن لقول رسول من الله كريم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 20 - صاحب قوة فى أداء مهمته، صاحب مكانة ومنزلة عند الله ذى العرش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 21 - مطاع أمين على الوحى هناك فى الملأ الأعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 22 - وما رسولكم - الذى صاحبتموه وعرفتم رجاحة عقله - بمجنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 23 - وأقسم: لقد رأى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جبريل بالأفق المظهر لما يرى فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 24 - وما محمد على الوحى ببخيل يقصر فى تبليغه وتعليمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 25 - وما الوحى المنزل عليه بقول شيطان مطرود من رحمة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 26 - فأى طريق أهدى من هذا الطريق تسلكون؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 27 - ما القرآن إلا تذكير وموعظة للعالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 28 - لمن أراد منكم الاستقامة وتحرى الحق والصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 29 - وما تشاءون شيئاً إلا أن يشاء الله رب العالمين ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 1 - إذا السماء انشقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 2 - وإذا الكواكب تساقطت مُتبعثرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 3 - وإذا البحار فُتِحَ بعضها فى بعض بزوال الحواجز بينها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 4 - وإذا القبور بُعثرت، فخرج من فيها من الموتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 5 - علمت كل نفس ما أسلفت من خير أو شر، وما أخرت من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 6 - يا أيها الإنسان: أى شئ خدعك بربك الكريم حتى تجرأت على معصيته؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 7 - الذى أوجدك من العدم، فخلق لك أعضاء تنتفع بها. وجعلك معتدلاً متناسب الخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 8 - فى أى صورة من الصور شاءها ربّك وأوجدك عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 9 - ردعا لكم. بل تكذبون بالجزاء يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 10 - ، 11، 12 - وإن عليكم لملائكة حافظين، كراماً لدينا، مسجلين عليكم أعمالكم، يعلمون الذى تفعلونه من خير وشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 13 - إن الصادقين فى إيمانهم لفى نعيم عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 14 - ، 15 - وإن الذين انشقوا عن أمر الله لفى نيران محرقة يدخلونها يوم الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 16 - وإنهم لن يفلتوا من جهنم وسيكونون بعض وقودها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 17 - وأى شئ أعلمك ما يوم الجزاء، وأمره خارج عن درايتك وتصورك؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 18 - ثم أى شئ أعلمك ما يوم الجزاء فى الهول والشدة؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 19 - يوم لا تملك نفس لنفس شيئا من النفع أو الضرر والأمر يومئذٍ لله - وحده -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 1 - ، 2، 3 - هلاك للمطففين. الذين إذا أخذوا لأنفسهم الكيل من الناس يأخذونه وافيا زائدا، وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم ينقصونهم حقهم الواجب لهم اعتداء عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 4 - ، 5 - ألا يخطر ببال هؤلاء المطففين أنهم سيبعثون ليوم عظيم الهول؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 6 - يوم يقوم الناس لأمر رب العالمين وقضائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 7 - ارتدعوا عن التطفيف والغفلة عن البعث. وإن ما كُتب على الفجَّار من عملهم السيئ لفى سجين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 8 - وما أعلمك ما سجين؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 9 - هو كتاب مسطور بيِّن الكتابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 10 - هلاك للمكذبين يومَ إذْ يكون البعث والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 11 - الذين يُكذبون بيوم الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 12 - وما يكذب بيوم الجزاء إلا كل متجاوز الحد مصرٍّ على الذنب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 13 - إذا تُتلى عليه آيات الله الناطقة بحصول الجزاء قال: أباطيل السابقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 14 - ارتدع - أيها المعتدى - عن هذا القول الباطل، بل غطى على قلوب المعتدين ما اكتسبوه من الكفر والمعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 15 - حقا إن المكذبين لمحجوبون عن رحمة ربهم يومئذٍ بسبب ما اكتسبوه من المعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 16 - ثم إنهم لداخلون الجحيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 17 - ثم يقال - تبكيتا لهم -: هذا العذاب النازل بكم الذى كنتم به تكذبون فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 18 - حقا إن ما كتب من أعمال المحسنين لفى عليين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 19 - وما أعلمك ما عِليّون؟! والمعنى: تعظيم وتفخيم لهذا الكتاب وموضعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 20 - ، 21 - هو كتاب مسطور بيّن الكتابة، يحضره ويحفظه المقربون من الملائكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 22 - ، 23 - إن الإبرار لفى نعيم الجنة. على الأرائك ينظرون إلى ما أولاهم الله من النعمة والكرامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 24 - تعرف فى وجوههم بهجة النعيم ونضارته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 25 - ، 26 - يُسْقَون من شراب خالص مصون لا تزيده الصيانة إلا طيبا، وفى نيل ذلك النعيم فليتسابق المتسابقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 27 - ، 28 - ومِزاج الرحيق من ماء تسنيم فى الجنة: عينا يشرب منها المقربون دون غيرهم من أهل الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 29 - إن الذين ارتكبوا الجُرْم فى حق الدين كانوا يضحكون استهزاء فى الدنيا من الذين آمنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 30 - وإذا مر المؤمنون بهم يغمز بعضهم بعضا استهزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 31 - وإذا رجع المجرمون إلى أهلهم رجعوا فرحين باستخفافهم بالمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 32 - ، 33 - وإذا رأوا المؤمنين، قالوا: إن هؤلاء لضالون لإيمانهم بمحمد، وما أرسل هؤلاء المجرمون حاكمين عليهم بالرشد أو الضلال حافظين لأعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 34 - فيوم الجزاء تجد الذين آمنوا من الكفار يضحكون جزاء ما ضحكوا سخرية بهم فى الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 35 - على الأسرَّة والمتكآت ينظر المؤمنون ما أولاهم الله من النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 36 - هل جوزى الكفار فى الآخرة ما كانوا يفعلون فى الدنيا؟ والاستفهام هنا للتقرير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 1 - إذا السماء تصدعت بما يؤذن بزوالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 2 - وسمعت لربها وأطاعت، وجدير بها أن تسمع وتطيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 3 - وإذا الأرض زيدت سعة بدك جبالها وإزالة آكامها، وتغيرت طبيعتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 4 - ورمت ما بجوفها من الموتى والكنوز، وتخلت عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 5 - وانقادت لربها فى زيادة سعتها، وإلقاء ما فى جوفها وتخليها عنه، وحقيق بها ذلك. إذا حدث كل ما تقدم لَقِىَ كل إنسان جزاء عمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 6 - يا أيها الإنسان: إنك مجدّ فى عملك جدا يوصلك إلى غايتك، فملاق ربك بعملك، فيجازيك عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 7 - ، 8، 9 - فأما مَن أعطى كتاب عمله بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا، ويرجع إلى عشيرته من المؤمنين مبتهجا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 10 - ، 11، 12 - وأما من أوتى كتابه بشماله من وراء ظهره تحقيرا لأمره، فسوف يصبح متمنيا هلاك نفسه ويدخل جهنم يحترق بنارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 13 - إنه كان بين أهله فى الدنيا مسرورا بما أوتيه، لاهيا عن العمل لعاقبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 14 - إنه ظن أنه لن يرجع إلى الله فيحاسبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 15 - بل سيرجع ويُحاسب، إن ربه كان به وبأعماله بصيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 16 - فأقسم قسما مؤكدا بحمرة الأفق بعد الغروب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 17 - والليل وما جَمَعَ ولَف فى ظلمته من الناس والدواب وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 18 - ، 19 - والقمر إذا تكامل وتم نوره، لَتلاقُنَّ حالاً بعد حال، بعضها أشد من بعض، من الموت والبعث وأهوال القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 20 - فأى شئ لهؤلاء الجاحدين يمنعهم من الإيمان بالله والبعث بعد وضوح الدلائل على وجوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 21 - وإذا سمعوا آيات القرآن لا يسجدون ولا يخضعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 22 - بل هؤلاء - لكفرهم - يُكذبون عنادا وتعالياً عن الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 23 - والله أعلم بما يضمرون فى قلوبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 24 - فبشِّرهم بعذاب أليم مستهزئا بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 25 - لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم عند الله أجر غير مقطوع عنهم ولا محسوب عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 1 - أقسم بالسماء ذات المنازل التى تنزلها الكواكب أثناء سيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 2 - وباليوم الموعود للحساب والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 3 - وبحاضر من الخلائق فى هذا اليوم، وما يحضر فيه من الأهوال والعجائب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 4 - لقد لعن الله أصحاب الشق المستطيل فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 5 - أصحاب النار ذات الوقود التى أضرموها لعذاب المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 6 - إذ هم على حافتها قعود يشهدون عذاب المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 7 - وهم على الذى يفعلون بالمؤمنين - من تعذيبهم - حضور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 8 - وما أنكروا من المؤمنين إلا إيمانهم بالله القوى الذى يُخشى عقابه، الحميد الذى يُرجى ثوابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 9 - الذى له - وحده - ملك السموات والأرض، والله على كل شئ مما يفعله المؤمنون والكافرون شهيد يشهد ذلك ويجزى عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 10 - إن الذين امتحنوا المؤمنين والمؤمنات فى دينهم بالأذى والتعذيب بالنار. ثم لم يرجعوا عن ذلك، فلهم فى الآخرة عذاب جهنم بكفرهم، ولهم عذاب الحريق بإحراقهم المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 11 - إن الذين جمعوا إلى الإيمان بالله العمل الصالح. لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار. ذلك النعيم الذى جوزوا به هو الفوز الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 12 - إن أخذ ربك للجبابرة والظلمة بالغ الغاية فى الشدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 13 - إنه - وحده - يبدأ الخلق ويعيدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 14 - وهو كثير المغفرة لمن تاب وأناب. كثير المحبة لمن أحبَّه وأطاعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 15 - صاحب العرش ومالكه، عظيم فى ذاته وصفاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 16 - فعَّال لما يريد لا يتخلف عن قدرته مراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 17 - هل أتاك - يا محمد - حديث الجموع الطاغية من الأمم الخالية؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 18 - قوم فرعون، وثمود، وما حل بهم من جزاء تماديهم فى الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 19 - بل الكافرون من قومك أشد فى تكذيبهم لك من تكذيب هؤلاء لرسلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 20 - والله متمكن منهم عالم بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 21 - بل ما جئتهم به قرآن عظيم بيِّن الدلالة على صدقك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 22 - فى لوح محفوظ لا ترقى إليه قوة بتحريف أو تبديل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 1 - أقسم بالسماء وبالنجم الذى يظهر ليلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 2 - ، 3 - وأى شئ أعلمك ما حقيقة هذا النجم؟ هو الذى ينفذ ضوؤه فى الظلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 4 - ما كل نفس إلا عليها حافظ يرقبها ويحصى عليها أعمالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 5 - فليفكر الإنسان من أى شئ خلق؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 6 - خلق الإنسان من ماء متدفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 7 - يخرج هذا الماء من بين الصلب وعظام الصدر من الرجل والمرأة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 8 - إن الله الذى خلقه هكذا ابتداء لقادر على إعادة خلقه بعد موته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 9 - يوم تُمَتَحن الضمائر، ويُميز بين ما طاب منها وما خبث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 10 - فما للإنسان فى ذلك الوقت من قوة ذاتية ولا خارجية يمتنع بها، ولا ناصر ينتصر به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 11 - أقسم بالسماء ذات المطر الذى يعود ويتكرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 12 - وبالأرض ذات الإنشقاقات التى تتكون منها البحار والأنهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 13 - ، 14 - إن القرآن فاصل بين الحق والباطل، وليس فيه شائبة اللعب والباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 15 - إن المكذبين بالقرآن يمكرون فى إبطال أمره مكرا بالغ الغاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 16 - وأجازيهم وأقابل كيدهم بكيد متين لا يدفعونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 17 - فأنظر الكافرين: أمهلهم إمهالا قريبا حتى آمرك فيهم بأمر حاسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 1 - نزِّه اسم ربك الأعظم عما لا يليق به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 2 - الذى خلق كل شئ فجعله مستوى الخلق فى إحكام واتساق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 3 - والذى قدَّر لكل شئ ما يصلحه فهداه إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 4 - والذى أخرج من الأرض ما ترعاه الدواب من صنوف النباتات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 5 - فصيره بعد الخضرة يابسا مسودا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 6 - سنجعلك - يا محمد - قارئا بإلهام منا، فلا تَنْس ما تحفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 7 - إلا ما شاء الله أن تنساه، إنه تعالى يعلم ما يجهر به عباده وما يخفونه من الأقوال والأفعال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 8 - ونوفقك للطريقة البالغة اليسر فى كل أحوالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 9 - فذكر الناس إن نفعت الذكرى، فشأنها أن تنفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 10 - سينتفع بتذكيرك من يخاف الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 11 - ويتجنب الذكرى الأشقى المصر على العناد والكفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 12 - الذى يدخل النار الكبرى المعدة للجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 13 - ثم لا يموت فى النار فيستريح بالموت، ولا يحيا حياة يهنأ بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 14 - قد فاز مَن تطهر من الكفر والمعاصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 15 - وذكر اسم خالقه بقلبه ولسانه فصلى خاشعا ممثلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 16 - لم تفعلوا ما يؤدى إلى الفلاح. بل تقدمون فى اهتمامكم الحياة الدنيا على الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 17 - والآخرة خير من الدنيا بصفاء نعيمها، وأبقى بدوامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 18 - ، 19 - إن هذا المذكور فى هذه السورة لثابت فى الصحف الأولى - صحف إبراهيم وموسى - فهو مما توافقت فيه الأديان وسجلته الكتب السماوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 1 - هل أتاك - يا محمد - حديث القيامة التى تغشى الناس بأهوالها؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 2 - ، 3 - وجوه يوم القيامة ذليلة، دائبة العمل فيما يتعبها ويشقيها فى النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 4 - تدخل ناراً شديدة الحرارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 5 - تشرب من عين تناهى حرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 6 - ليس لهم طعام إلا من نوع خبيث يُعذَّب به آكله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 7 - لا يؤثر سمنا فى الأجسام، ولا ينفع شيئاً من جوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 8 - ، 9، 10 - وجوه يوم القيامة ذات نضارة جزاء عملها الذى عملته فى الدنيا. راضية فى جنة مرتفعة مكاناً وقدراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 11 - ، 12 - لا تسمع فيها كلمات لا معنى لها ولا فائدة منها، فيها عين جارية بالماء لا تنقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 13 - فيها سرر مرتفعة مكاناً وقدراً زيادة لهم فى النعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 14 - وأكواب حاضرة بين أيديهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 15 - ووسائد صف بعضها إلى جانب بعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 16 - وبُسط كثيرة متفرقة فى المجالس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 17 - أيهملون التدبر فى الآيات، فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت خلقاً بديعاً يدل على قدرة الله؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 18 - وإلى السماء التى يشاهدونها دائماً، كيف رفعت رفعاً بعيد المدى بلا عمد؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 19 - وإلى الجبال التى يصعدون إلى قممها، كيف أقيمت شامخة، تمسك الأرض فلا تميل ولا تميد؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 20 - وإلى الأرض التى يتقلبون عليها كيف بسطت ومهدت؟ . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 21 - ، 22 - فذكر بدعوتك، إنما مهمتك التبليغ، لست عليهم بمتسلط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 23 - ، 24 - لكن من أعرض منهم وكفر، فيعذبه الله العذاب الأكبر الذى لا عذاب فوقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 25 - إن إلينا رجوعهم بالموت والبعث، لا إلى غيرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 26 - ثم إن علينا وحدنا حسابهم وجزاءهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 1 - أقسم بضوء الصبح عند مطاردته الليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 2 - وبليال عشر مفضلة عند الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 3 - وبالزوج والفرد من كل شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 4 - وبالليل إذ يَنْقَضى بحركة الكون العجيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 5 - هل فيما ذكر من الأشياء ما يراه العاقل قسماً مقنعاً؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 6 - ، 7 - ألم تعلم كيف أنزل ربك عقابه بعاد - قوم هود - أهل إرم ذات البناء الرفيع؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 8 - التى لم يُخلق مثلها فى البلاد متانة وضخامة بناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 9 - وألم تعلم كيف أنزل ربك عقابه بثمود - قوم صالح - الذين قطعوا الصخر من الجبال يبنون به القصور بالوادى؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 10 - وألم تعلم كيف أنزل ربك عقابه بفرعون وجنوده الكثيرون الذين يشدون ملكه كما تشد الأوتاد الخيام؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 11 - الذين تجاوزوا الحدود فى البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 12 - فأكثروا فيها الفساد بالكفر والظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 13 - فأنزل عليهم ربك ألواناً ملهبة من العذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 14 - إن ربك ليرقب عمل الناس، ويحصيه عليهم، ويجازيهم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 15 - فأما الإنسان إذا ما اختبره ربه فأكرمه، ونعَّمه بالمال والجاه والقوة، فيقول مغترا بذلك: ربى فَضَّلَنى لاستحقاقى لهذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 16 - وأما إذا ما اختبره ربه بضيق الرزق فيقول - غافلا عن الحكمة فى ذلك -: ربى أهاننى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 17 - ارتدعوا، فليس الأمر كما تقولون. بل أنتم لا تكرمون اليتيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 18 - ولا يحث بعضكم بعضاً على إطعام المساكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 19 - وتأكلون المال الموروث أكلاً لمَّاً، لا تميزون فيه بين ما يحمد وما يذم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 20 - وتحبون المال حباً كثيراً يدفعكم إلى الحرص على جمعه والبخل بإنفاقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 21 - ارتدعوا عن تلك الأفعال لما ينتظركم من الوعيد إذا سويت الأرض تسوية بعد تسوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 22 - وجاء ربك مجيئاً يليق به سبحانه، وجاءت الملائكة صفا صفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 23 - وجئ يومئذٍ بجهنم دار العذاب. ويوم يحدث ذلك: يتذكر الإنسان ما فرَّط فيه، ومن أين له الذكرى النافعة، وقد فات أوانها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 24 - يقول نادماً: يا ليتنى قدَّمت فى الدنيا أعمالاً صالحةً تنفعنى لحياتى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 25 - ، 26 - فيومئذٍ تكون هذه الأحوال، لا يعذب أحد كعذاب الله، ولا يقيد أحد كقيده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 27 - يا أيتها النفس المطمئنة بالحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 28 - ارجعى إلى رضوان ربك راضية بما أوتيت من النعم. مرضية بما قدَّمت من عمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 29 - فادخلى فى زمرة عبادى الصالحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 30 - وادخلى جنتى دار النعيم المقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 1 - أقسم قسماً مؤكداً بمكة البلد الحرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 2 - وأنت مقيم بهذا البلد تزيده شرفاً وقدراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 3 - وبوالد وما ولد وبهما حفظ النوع وبقاء العمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 4 - لقد خلقنا الإنسان فى مشقة وتعب منذ نشأته إلى منتهى أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 5 - أيظن الإنسان المخلوق فى هذه المشقة أن لن يقدر على إخضاعه أحد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 6 - يقول: أنفقت فى عداوة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والصَّد عن دعوته مالاً كثيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 7 - أيظن أن أمره قد خفى فلم يطَّلع عليه أحد حتى من خلقه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 8 - ، 9 - ألم نخلق له عينين ينظر بهما؟ ولساناً وشفتين ليتمكن من النطق والإبانة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 10 - وبيَّنا له طريقى الخير والشر وهيَّأناه للاختيار؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 11 - فلا انتفع بما هيَّأناه له، ولا تخطى العقبة التى تحول بينه وبين النجاة، وهى شح نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 12 - وأى شئ أعلمك ما اقتحام العقبة؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 13 - عتق لنفس وتحريرها من العبودية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 14 - أو إطعام فى حالات المجاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 15 - يتيماً ذا قرابة يُواسى لرحمه وفقره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 16 - أو مسكيناً ذا حاجة وافتقار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 17 - ثم كان مع ذلك من أهل الإيمان الذين يتواصون فيما بينهم بالصبر وبالرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 18 - أولئك الموصوفون بهذه الصفات هم السعداء أصحاب اليمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 19 - والذين كفروا بما نصبناه دليلاً على الحق من كتاب وحجة هم الأشقياء أهل الشؤم والعذاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 20 - عليهم نار مطبقة مُغلَّقة أبوابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 1 - أقسم ب الشمس وبضوئها وإشراقها وحرارتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 2 - وبالقمر إذا تبعها وخلَفها فى الإضاءة بعد غروبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 3 - وبالنهار إذا أظهر الشمس واضحة غير محجوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 4 - وبالليل إذا يغشى الشمس، فيغطى ضوءها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 5 - وبالسماء وبالقادر العظيم الذى رفعها وأحكم بناءها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 6 - وبالأرض وبالقادر العظيم الذى بسطها من كل جانب، وهيَّأها للاستقرار، وجعلها مهادا للإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 7 - وبالنفس ومَن أنشأها وعدَّلها بما أودع فيها من القوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 8 - فعرفها الحسن والقبيح، ومنحها القدرة على فعل ما تريد منهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 9 - قد فاز من طَهَّرَ نفسه بالطاعات وعمل الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 10 - وقد خسر من أخفى فضائلها، وأمات استعدادها للخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 11 - ، 12 - كذَّبت ثمود نبيها بطغيانها وبغيها، حين نهض أشقاها مريداً عقر الناقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 13 - فقال لهم صالح - رسول الله -: اتركوا ناقة الله تأكل فى أرض الله، واحذروا منعها الشرب فى يومها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 14 - فكذَّبوا رسولهم فى وعيده فعقروها، فدمر عليهم ربهم ديارهم بذنبهم، فسواها بالأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 15 - ولا يخاف تبعة هذه العقوبة؛ لأنها الجزاء العادل لما صنعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 1 - أقسم ب الليل حين يعم ظلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 2 - وبالنهار إذا سطع ضوؤه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 3 - وبالله الذى خلق الصنفين الذكر والأنثى من كل ما يتوالد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 4 - إن سعيكم لمختلِف، فمنه ما يسعد به الساعى، ومنه ما يشقى به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 5 - ، 6، 7 - فأما مَن أنفق فى سبيل الله، وخاف ربه فاجتنب محارمه، وأيقن بالفضيلة الحسنى، وهى الإيمان بالله عن علم، فسنهيئه للخصلة التى تؤدى إلى يسر وراحة بتوجيهه إلى طريق الخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 8 - ، 9، 10 - وأما مَن بخل بماله فلم يؤد حق الله فيه، واستغنى به عما عند الله، وكذب بالخصلة الحسنى، فسنهيئه للخصلة التى تؤدى إلى العسر والشقاء الأبدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 11 - وأى شئ من العذاب يدفعه عنه ماله الذى بخل به إذا هلك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 12 - إن علينا بمقتضى حكمتنا أن نبين للخلق طريق الهدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 13 - وإن لنا - وحدنا - لأمر التصرف فى الدارين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 14 - فَخَوَّفْتُكُم ناراً تتوقد وتتلهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 15 - ، 16 - لا يدخلها مخلَّدا فيها إلا الكافر الذى كذَّب بالحق وأعرض عن آيات ربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 17 - ، 18 - وسيُبعد عنها المبالغ الأكثر خشية لله وإعراضا عن معاصيه. الذى يعطى ماله فى وجوه اليسر يتطهر من رجس البخل ودنس الإمساك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 19 - وليس لأحد عند هذا المنفق من نعمة أو يد يكافأ بهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 20 - لكن يعطيه ابتغاء وجه ربه الأعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 21 - ولسوف ينال من ربه ما يبتغيه على أكمل الوجوه حتى يتحقق له الرضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 1 - أقسم بوقت ارتفاع الشمس. والنشاط فى العمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 2 - وبالليل إذا سكن وامتد ظلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 3 - ما تركك ربك - يا محمد - وما كرهك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 4 - ولعاقبة أمرك ونهايته خير من بدايته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 5 - وأقسم لسوف يعطيك ربك من خيرى الدنيا والآخرة حتى ترضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 6 - ألم يجدك يتيماً تحتاج إلى مَن يرعاك، فآواك إلى مَن يحسن القيام بأمرك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 7 - ووجدك حائراً لا تقنعك المعتقدات حولك، فهداك إلى منهج الحق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 8 - ووجدك فقيراً من المال فأغناك بما أعطاك من رزق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 9 - ، 10، 11 - إذا كان هذا حالنا معك، فأما اليتيم فلا تذله، وأما السائل فلا ترده بقسوة، وأما بنعمة ربك فحدِّث شكراً لله وإظهاراً للنعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 1 - قد شرحنا لك صدرك بما أودعنا فيه من الهدى والإيمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 2 - وخففنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الدعوة بمساندتك وتيسير أمرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 3 - الذى أثقل ظهرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 4 - ونوهنا باسمك، فجعلناه مذكوراً على لسان كل مؤمن مقروناً باسمنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 5 - تلك بعض نعمتنا عليك، فكن على ثقة من ألطافه تعالى، فإن من العسر يسراً كثيراً يحيط به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 6 - إن مع العسر يسراً كثيراً كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 7 - فإذا فرغت من أمر الدعوة ومقتضيات الجهاد، فاجتهد فى العبادة وأتعب نفسك فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 8 - وإلى ربك - وحده - فاتجه بمسألتك وحاجتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 1 - أقسم ب التين والزيتون لبركتهما وعظيم منفعتهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 2 - وبالجبل الذى كلَّم الله عليه موسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 3 - وهذا البلد - مكة - المعظمة، يشهد بعظمتها مَن زارها. الآمن مَنْ دخلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 4 - لقد خلقنا جنس الإنسان مقوماً فى أحسن ما يكون من التعديل. متصفاً بأجمل ما يكون من الصفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 5 - ثم أنزلنا درجته إلى أسفل سافلين لعدم قيامه بموجب ما خلقناه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 6 - لكن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة، فلهم أجر غير مقطوع عنهم ولا ممنون به عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 7 - فأى شئ يحملك على التكذيب بالبعث والجزاء. بعد أن وضحت قدرتنا على ذلك؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 8 - أليس الله الذى فعل ما أنبأناك به بأحكم الحاكمين صنعاً وتدبيراً؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 1 - اقرأ - يا محمد - ما يوحى إليك مفتتحاً باسم ربك الذى له - وحده - القدرة على الخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 2 - أوجد الإنسان الكامل الجسم والعلم من علق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 3 - امض فى القراءة وربك الأكرم يقدرك ولا يخذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 4 - الذى علَّم الإنسان الكتابة بالقلم ولم يكن يعلمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 5 - علم الإنسان ما لم يكن يخطر بباله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 6 - ، 7 - حقاً إن الإنسان ليجاوز الحدود يستكبر على ربه، من أجل أن رأى نفسه ذا غنى وثراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 8 - إن إلى ربك - وحده - يا محمد رجوع الكل بالبعث والجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 9 - ، 10 - أأبصرت هذا الطاغى الذى ينهى عبداً عن الصلاة إذا صلى؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 11 - ، 12 - أخبرنى عن حال هذا الطاغى إن كان على الهدى فى نهيه، أو أمر بالتقوى فيما أمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 13 - أخبرنى عن حال هذا الناهى إن كذَّب بما جاء به الرسول، وأعرض عن الإيمان والعمل الطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 14 - أجهل أن الله يطلع على أحواله فيجازيه بها؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 15 - ردْعاً لهذا الناهى، لئن لم ينزجر عما هو عليه لنأخذن بناصيته إلى النار بشدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 16 - ناصية يعلو وجه صاحبها الكذب وآثار الخطيئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 17 - فليطلب عشيرته وأهل مجلسه ليكونوا نصراء فى الدنيا أو فى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 18 - سندعو جنودنا لينصروا محمداً ومَن معه، وليدفعوا هذا الناهى وأعوانه إلى جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 19 - ردْعاً لهذا الناهى، لا تطعه فيما نهاك عنه، ودم على صلاتك وواظب على سجودك، وتقرَّب بذلك إلى ربك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 1 - إنا أنزلنا القرآن فى ليلة القدر والشرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 2 - وأى شئ أعلمك ما ليلة القدر والشرف؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 3 - ليلة القدر والشرف خير من ألف شهر بما اختصت به من تنزيل القرآن الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 4 - تنزل الملائكة وجبريل فيها إلى الأرض بإذن ربهم من أجل كل أمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 5 - أمان من الأذى والسوء، هى كذلك حتى مطلع الفجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 1 - لم يكن الذين كفروا بالله وبرسوله من اليهود والنصارى، ومن المشركين منصرفين عن غفلتهم وجهلهم بالحق حتى تأتيهم الحُجة القاطعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 2 - ، 3 - رسول مبعوث من عند الله يقرأ عليهم صحفاً مُنزَّهة عن الباطل، فيها أحكام مستقيمة ناطقة بالحق والصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 4 - وما تفرق الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى. إلا من بعد ما جاءتهم الحُجة الواضحة الدالة على أن محمداً هو رسول الله الموعود به فى كتبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 5 - وما كُلِّفوا بما كُلِّفوا به إلا لتكون عبادتهم لله مخلصين له الدين، مائلين عن الباطل مستقيمين على الحق، وأن يحافظوا على الصلاة ويؤدوا الزكاة، وذلك دين الملة المستقيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 6 - إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم يصلونها ولا يخرجون منها. أولئك هم شر الخليقة عقيدة وعملاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 7 - إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة، أولئك هم خير الخليقة عقيدة وعملاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 8 - جزاؤهم فى الآخرة على ما قدموا من الإيمان والأعمال الصالحة، جنات إقامة تجرى من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبداً، قَبِلَ الله أعمالهم، وشكروا إحسانه إليهم. ذلك الجزاء لمَن خاف عقاب ربه، فآمن وعمل صالحاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 921 1 - إذا حُرِّكت الأرض حركة شديدة، واضطربت أقوى ما يكون من التحريك والاضطراب الذى تطيقه وتحتمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 2 - وأخرجت الأرض ما فى بطنها من الكنوز والموتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 3 - وقال الإنسان فى دهشة وخوف: ما للأرض تتزلزل، وتخرج ما فى بطنها. جاءت الساعة؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 4 - ، 5 - يومئذٍ تُحَدِّث الأرض الإنسان أخبارها التى أفزعته بأن ربه وخالقه أوحى لها: أن تتزلزل وتضطرب، فسارعت إلى امتثال أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 6 - يومئذٍ يخرج الناس من قبورهم سراعاً متفرقين، ليتبيَّنوا حسابهم وجزاءهم الذى وعدهم الله به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 7 - فمن يعمل زنة ذرة من التراب خيراً. يره فى صحيفته ويلق جزاءه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 8 - ومن يعمل زنة ذرة من التراب شراً. يره كذلك، ويلق جزاءه ولا يظلم ربك أحداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 1 - أقسم بخيل الجهاد المسرعات، يسمع لأنفاسها صوت هو: الضبح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 2 - بالخيل التى تخرج شرر النار من الأرض بوقْع حوافرها واندفاعها فى سيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 3 - بالخيل التى تغير على العدو قبل طلوع الشمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 4 - فأثارت هذه الخيل فى مواقع العدو غباراً كثيفاً لا يشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 5 - فجعلن الغبار يتوسط جمع العدو حتى يصيبه الرعب والفزع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 6 - إن الإنسان لنعم ربه التى لا تحصى لشديد الكفران والجحود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 7 - وإنه على ذلك فى الآخرة لشهيد على نفسه معترف بذنوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 8 - وإنه لحبه المال وحرصه عليه لبخيل به لا يؤدى ما وجب فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 9 - ، 10 - أجهل عاقبة أمره فلا يعلم إذا نُشِر ما فى القبور من أجساد، وجُمِع ما فى الصدور - وقد سُجل فى صحفهم - من خير اكتسبوه وشر اقترفوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 11 - إن ربهم وخالقهم - بأعمالهم وجزائهم يوم البعث والحساب - لخبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 1 - هى القيامة التى تبدأ بالنفخة الأولى، وتنتهى بفصل القضاء بين الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 2 - أى شئ عجيب - هى - فى ضخامتها وخطرها وفظاعتها؟ { الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 3 - أى شئ أعلمك ما شأن القارعة فى هولها على النفوس؟} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 4 - هى كائنة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث كثرة وتدافعاً يميناً وشمالاً ضعيفاً ذليلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 5 - وتكون الجبال كالصوف الملون المنفوش فى تفرق الأجزاء والتطاير فى الجو هنا وهناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 6 - ، 7 - فأما مَن ثقلت موازينه فرجحت حسناته على سيئاته، فهو فى عيشة يرضاها صاحبها تطيب نفسه بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 8 - ، 9 - وأما مَن خفت موازينه فرجحت سيئاته على حسناته، فمأواه جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 10 - وما أعلمك ما الهاوية؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 11 - نار حامية لا تبلغ حرارتها أية نار مهما سُعِّرت وألقى فيها من وقود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 1 - ، 2 - شغلكم عن الواجبات والطاعات تباهيكم بالأولاد والأنصار، وتفاخركم بالأموال والأحساب والأنساب حتى أصابكم الموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 3 - حقا سوف تعلمون عاقبة سفهكم وتفريطكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 4 - ثم حقا سوف تعلمون حتماً تلك العاقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 5 - حقا لو تعلمون يقيناً سوء مصيركم لفزعتم من تكاثركم وتزودتم لآخرتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 6 - أقسم لكم وأؤكد - أيها الناس - أنكم ستشاهدون النار الموقدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 7 - ثم أقسم وأؤكد أنكم ستشاهدونها عياناً ويقيناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 8 - ثم أقسم وأؤكد أنكم ستحاسبون على ألوان النعيم الذى أُترفتم فيه واستمتعتم به، ولم تؤدوا فيه حق لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 1 - أقسم بالزمان لكثرة ما انطوى عليه من عجائب وعبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 926 2 - إن كل إنسان لفى نوع من الخسران. لما يغلب عليه من الأهواء والشهوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 926 3 - إلا الذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات، وأقاموا على الطاعات، وأوصى بعضهم بعضا بالتمسك بالحق اعتقادا وقولاً وعملاً، وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على المشاق التى تعترض مَن يعتصم بالدين، فهؤلاء ناجون من الخسران. مُفلحون فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 926 1 - عذاب شديد وهلاك لمن دأبه أن يعيب الناس بالقول أو بالإشارة أو يتكلم فى أعراضهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 2 - الذى جمع مالاً كثيرا وأحصى عدَّه مرة بعد أخرى حبا له، وتلذذا بإحصائه. دون أن يؤدى فيه حق الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 3 - يظن أن ماله يخلده فى الدنيا ويدفع عنه ما يكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 4 - ليرتدع عن هذا الظن، والله ليطرحن - لسوء عمله - فى النار التى تحطم كل ما يلقى فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 5 - وأى شئ أعلمك ما حقيقة هذه النار الحطمة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 6 - نار الله المسعَّرة بأمره الموقدة دائما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 7 - التى تصل القلوب وتُحيط بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 8 - ، 9 - إنها عليهم مغلَّقة الأبواب، وهم موثقون فيها مشدودون إلى عُمُدٍ ممدودة. فلا حركة لهم فيها ولا خلاص لهم منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 1 - قد علمت - يا محمد - علماً لا يخالطه شك فِعْل ربك بأصحاب الفيل ؛ الذين قصدوا الاعتداء على البيت الحرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 2 - قد علمت أن الله قد جعل سعيهم لتخريب الكعبة فى تضييع وإبطال، فخيب مسعاهم، ولم ينالوا قصدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 3 - وسلَّط الله عليهم من جنوده طيرا أتتهم جماعات متتابعة وأحاطت بهم من كل ناحية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 4 - تقذفهم بحجارة من جهنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 5 - فجعلهم كورق زرع أصابته آفة فأتلفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 1 - ، 2 - أعجبوا لما يَسَّرْتُ لهم رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام فى اطمئنان وأمن للاتجار وابتغاء الرزق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 929 3 - فليخلصوا العبادة لرب هذا البيت الذى مكَّنهم من هاتين الرحلتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 929 4 - الذى أطعمهم من جوع وهم بواد غير ذى زرع، وآمنهم من خوف والناس يُتَخطَّفون من حولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 929 1 - أَعَرَفْت الذى يكذب بالجزاء والحساب فى الآخرة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 2 - ، 3 - إن أردت أن تعرفه فهو الذى يدفع اليتيم دفعا عنيفا، ويقهره ويظلمه، ولا يحث على إطعام المسكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 4 - ، 5 - فهلاك للمصلين المتصفين بهذه الصفات الذين هم عن صلاتهم غافلون غير منتفعين بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 6 - الذين هم يظهرون للناس أعمالهم لينالوا المنزلة فى قلوبهم والثناء عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 7 - ويمنعون معروفهم ومعونتهم عن الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 1 - إنا أوليناك الخير الكثير الدائم فى الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 931 2 - وإذا أعطيت ذلك فَدُمْ على الصلاة لربك خالصة له، وانحر ذبائحك شكرا لله على ما أولاك من كرامة، وخصَّك من خير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 931 3 - إن مَن يكرهك هو المنقطع عن كل خير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 931 1 - قل - يا محمد -: يا أيها الكافرون المصرون على كفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 2 - لا أعبد الذي تعبدون من دون الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 3 - ولا أنتم عابدون الذى أعبد، وهو الله وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 4 - ولا أنا عابد مثل عبادتكم لأنكم مشركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 5 - ولا أنتم عابدون مثل عبادتى لأنها التوحيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 6 - لكم دينكم الذى اعتقدتموه، ولى دينى الذى ارتضاه الله لى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 1 - إذا تحقق نصر الله والفتح لك وللمؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 933 2 - ورأيت الناس يدخلون فى دين الله جماعات جماعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 933 3 - فاشكر ربك، وسبح بحمده. واطلب مغفرته لك ولأمتك. إنه كان تَوَّابا كثير القبول لتوبة عباده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 933 1 - هلكت يدا أبى لهب اللتان كان يؤذى بهما المسلمين، وهلك معهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 2 - ما دفع عنه عذاب الله ماله الذى كان له، ولا جاهه الذى كسبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 3 - سيدخل نارا مشتعلة يحترق فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 4 - وستدخل امرأته حَمَّالة النميمة بين الناس النار كما دخلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 5 - فى عنقها حبل من ليف للتنكيل بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 1 - قل - يا محمد - لمن قالوا مستهزئين: صف لنا ربك: هو الله أحد لا سواه، ولا شريك له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 935 2 - الله المقصود - وحده - فى الحوائج والمطالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 935 3 - ، 4 - لم يتخذ ولدا، ولم يولد من أب أو أم، ولم يكن له أحد شبيها أو نظيرا، وليس كمثله شئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 935 1 - قل أعتصم برب الصبح الذى ينجلى الليل عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 2 - من شر كل ذى شر من المخلوقات التى لا يدفع شرها إلا مالك أمرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 3 - ومن شر الليل إذا اشتد ظلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 4 - ومن شر من يسعى بين الناس بالإفساد باستخدام السحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 5 - ومن شر حاسد يتمنى زوال النعمة عن غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 1 - قل: أعتصم برب الناس ومدبِّر شئونهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 2 - مالك الناس ملكاً تاماً حاكمين أو محكومين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 3 - إله الناس القادر على التصرف الكامل فيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 4 - من شر الموسوس للناس الذى يمتنع إذا استعنت عليه بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 5 - الذى يُلقى - فى خفية - فى صدور الناس ما يصرفها عن سبيل الرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 6 - من الجن والإنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937