الكتاب: تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته المؤلف: دكتور زكريا الشربينى- دكتورة يسرية صادق الناشر: دار الفكر العربى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته زكريا الشربينى الكتاب: تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته المؤلف: دكتور زكريا الشربينى- دكتورة يسرية صادق الناشر: دار الفكر العربى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] مقدمة ... داخل أبناء المجتمع معنى الانتماء ومفهوم الولاء، أي ينتمى كل فرد لمجتمعه، ويستشعر الولاء له. إن أداء الواجب ينبع من انتماء الفرد لجماعة صغيرة، ثم انتمائه لجماعة أكبر فأكبر حتى يشمل الوطن كله. بهذا تتقدم الشعوب والدول والأمم. والتنشئة هي المسئولة عن تعليم الطفل وتدريبه على أداء الواجبات، والانتماء شديد الصلة بالولاء، وكلاهما مشبع بالحب، وما أجمل أن يحب الطفل أسرته ومدرسته ومدينته ووطنه ... والبشريةكلها. ويتم إدماج الأطفال في المجتمع وفق عملية التنشئة الاجتماعية، التي إطارها الأول الوالدان داخل الأسرة، ويأتي بعد ذلك دور العديد من وكالات التنشئة التي تساهم أيضا مع الأسرة في إكساب الأطفال نسق المعايير الأخلاقية التي تنظم العلاقات بين الفرد وأفراد المجتمع، وبذلك يصبح لدى الطفل أدوات فعالة أولية تساعد على الاندماج في الجماعات المتعددة عبر مراحل نموه. والطفل العربي يقاسم كل أطفال العالم صعوبة التلاؤم أثناء نموه مع عالم اليوم السريع المتطور، إلا أن طابع إعداده يجب أن يجعله أهلا لفهم مدلول القيم التي أورثتها إياه الأجيال السابقة، وصيانه ودعم التقاليد، بحيث يصبح بإمكانه في الغد أن يواصل تبليغ ما ورث إلى الأجيال التالية. ورغم كل ذلك تبقى هذه الأجيال مستعدة للعيش وسط سلاسل من التغيرات الاجتماعية والثقافية. إن اقتناع جيل ما بأنه مسئول عن الجيل الذي يليه، يعني أن جيلا يزرع أشجارا ستكبر بعد سنوات وتؤتي أكلها بعد حين ليستفيد بها جيل لاحق، وهذا الجيل اللاحق لن يكتفي بجني الثمرات ولكن عليه أن يزرع أشجارا. ومن هنا يكون الجيل المربي حقيقيا هو الذي يبني مستقبل مجتمعة، ويكمل مسيرة جيل سابق له، وفي هذا أخذ وعطاء، والتنشئة تؤكد على الاثنين. وقديما قال الفيلسوف الإغريقي المعروف "أفلاطون" ما معناه: "هل نسمح للأطفال دون عناية لأن يستمعوا لأي شخص ولأي قصة؟ إنهم سيتلقون أخبارا وأحاديث لها معان هي أبعد ما تكون عما نريد لأطفالنا أن ينشئوا عليه، وكالسموم الخطرة على الجسم، فكذلك هذه المعاني خطرة على عقول الأطفال ... وهذا ضد ما نود أن ينشأ عليه الأطفال وهم في طريقهم إلى أن يصبحوا كبارا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وأخرج ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم". فالتنشئة إذا كان محورها الأدب فهي خير ميراث، وحسن الخلق هو خير قرين. والكتاب الذي بين أيدينا يعالج موضوع تنشئة الطفل، ودور الوالدين في رعايته، وأساليب معاملته وتمكينه من التغلب على بعض المشكلات التي تعترض مسار تلك التنشئة. ويشتمل الكتاب على ثمانية فصول، جاء الفصل الأول حول مفهوم التنشئة الاجتماعية وتاريخها ونظرياتها ومراحلها وأهدافها وشروطها ... واشتمل الفضل الثاني على دور الثقافة في تنشئة الأطفال ونظم تشكيل الأطفال تبعا للثقافة. أما الفصل الثالث فقد استعرض أهم وكالات التنشئة الاجتماعية، واشتمل الفصل الرابع على نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة في العالم. وفي الفصل الخامس اقترح نموذج للوالدية في ضوء أفكار Belsky وبعض الدراسات السابقة العربية والأجنبية. ودارت الفصول الثلاثة الأخيرة حول تفاعل الوالدين والأبناء، ودور الوالدين في تنشئة الأطفال على المبادئ ومواجهة مشكلات أطفالهم، وهي ترجمة بتصرف للفصول الثاني والثالث والسابع من مؤلف Rincover. وتعد كتابات Denham و Elkin و Maccoby و Shaffer وغيرهم من الباحثين العرب والأجانب من أهم ما اعتمد عليه الكتاب الحالي. ونأمل أن يجد القارئ الكريم فيما نكتب أفكارا مستساغة ميسرة، ونسأل الله أن يوفقنا إلى تقديم المزيد حول الأطفال وسيكلوجيتهم. ونتمنى أن يخرج هذا العمل العلمي مواكبا المعرفة العلمية المعاصرة في مجال التنشئة، ونشارك به مع من يسعون إلى تقوية حركة دراسات الطفولة، مما يحقق مزيدا من النهضة والتجديد في تربية النشء العربي في عالمنا المعاصر. والله نسأل حسن القصد القاهرة، مصر الجديدة السبت 26 أغسطس 1995 المؤلفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} يعد موضوع تنشئة الطفل من الموضوعات ذات الأهمية في حاضر عالمنا، الذي تعاقبت عليه العديد من الأزمات، تتراكم وتتكدس انعكاساتها الإيجابية والسلبية حقبة بعد أخرى، وتنتج تباينا في أساليب العيش مع التحولات الناجمة، وضياعا لبعض القيم، وصراعا بين الأجيال داخل البناء الاجتماعي الواحد. إن البناء الاجتماعي يهدف إلى تحقيق التوازن بين التأثيرات الثقافية وأسالب الضغط الاجتماعي لدى الأفراد أعضاء هذا البناء، وإلى إيجاد نوع من التوافق بين حاجات الأفراد ومطالب المجتمع، وإلى إيجاد سلوكيات تحقق رغبات الفرد ويرضى عنها الآخرون. وتعد تجارب السنوات الأولى من حياة الطفل، التي تهيئ للمراحل الأخرى من نضجه العقلي والنفسي والاجتماعي، مرتبطة وثيق الارتباط بتصورات الآخرين الذين يشكلون المجموعة التي ينتمي إليها، بقيمها وعاداتها، وعلى وجه الخصوص بسلطة الأسرة بداية، التي يتأثر بها تأثرا عميقا. وقد تظهر الصورة شاحبة هزيلة في بؤسها، ولكنها حقيقة حياة ملايين من الأسر التي ينمو أطفالها وغالبا ما تكون لديهم اتجاهات وعادات وقيم هي غير المطلوبة لمجتمع عليه أن يسابق الزمن متخطيا سني التخلف إلى بدايات ضعيفة للتقدم. إن إعداد أطفال يتمكنون من العيش سعداء في أوطانهم، وفي عالمهم، لمن أعسر المهام، وأبعثها على النخوة. والأمر لا يتطلب تعليمهم لعدد من القيم الاجتماعية التي تمثل جوهر المجتمع فحسب، بل نساعدهم على اكتساب المرونة لتتلاءم مع المتغيرات الجديدة وليدة التحولات الاجتماعية السريعة. وبذلك يتكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 محتويات الكتاب : الصفحة الموضوع الفصل الأول: تنشئة الأطفال اجتماعيا 17 أولا: مفهوم التنشئة الاجتماعية 20 ثانيا: لمحة تاريخية عن التنشئة ومعاملة الأطفال 28 ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية 29 1- نظرية التحليل النفسي 30 2- نظريات التعلم الاجتماعي المبني على فكرة التدعيم 31 3- نظرية الدور الاجتماعي 33 رابعا: عمليات تحدث أثناء تنشئة الطفل 36 خامسا: متغيرات خلف العمليات التي تحدث أثناء التنشئة 36 1- المطاوعة 37 2- العدوانية 39 3- التقليد والتعليم البديل 39 4- الحساسية من المشاهدين والمستمعين 40 5- تركيبة الأسرة 41 6- دافع الإنجاز 42 7- بيئة الجنين والطفل 43 سادسا: الأخلاق وعملية التنشئة الاجتماعية 45 سابعا: اللغة وعملية التنشئة الاجتماعية 46 ثامنا: مرحل عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 46 1- مراحل التنشئة كعملية محدودة لها نهاية 48 2- مراحل التنشئة كعملية مستمرة لا نهائية 51 تاسعا: حدود التنشئة الاجتماعية 53 1- أطفال الكيبوتز 54 2- استحالة الجتمعة للطفل 55 3- محو آثار التنشئة 56 عاشرا: أهداف ومحتوى التنشئة الاجتماعية للأطفال 58 حادي عاشر: شروط تحقق التنشئة الاجتماعية الملائمة 60 ثاني عشر: نتائج التنشئة الاجتماعية على الأطفال ثالث عاشر: الإخفاق في التنشئة الفصل الثاني: دور الثقافة في تنشئة الطفل 67 أولا: مدخل 70 ثانيا: نظم تشكيل الأطفال تبعا للثقافة 70 1- النظم الأولية: 71 أ- نظام الرضاعة. 71 ب- نظام الفطام 71 جـ- نظام الإخراج 72 د- تعديل العادات الجنسية 72 هـ- اللعب والثقافة 75 و التدريب على الاستقلالية 77 ز- التدريب على العدوان 2- النظم الثانوية: 78 أ- نظام الاقتصاد. 79 ب- نظام السياسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 80 جـ- نظام القضاء والدين. 81 د- نظام العائلة 82 هـ- نظام الأخلاق 83 و النظام الفني الجمالي 84 ز- نظام اللغة 84 ح- النظام الديموجرافي والمورفولوجي. 85 ك- التصورات عند الأطفال الفصل الثالث: وكالات التنشئة الاجتماعية 90 أولا: الأسرة 105 ثانيا: دار الحضانة 108 ثالثا: رياض الأطفال 114 رابعا: المدرسة 127 خامسا: جماعة الرفاق 135 سادسا: النوادي والساحات الشعبية والجمعيات 138 سابعا: دور العبادة. 141 ثامن: وسائل الإعلام 167 تاسعا: الخدم والبشكار والمربيات الفصل الرابع: نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة 175 أولا: نمط تنشئة الطفل من قرية مصرية 178 ثانيا: نمط تنشئة الطفل من قرية مكسيكية 181 ثالثا: التنشئة للأطفال في الولايات المتحد الأمريكية 183 رابعا: تنشئة الأطفال في روسيا 188 خامسا: تنشئة الطفل الغجري في الهند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 192 سادسا: نمط التنشئة في قرية كولمبية 197 سابعا: تنشئة الأطفال عند الفنزويليين الأفارقة 201 ثامنا: تنشئة الأطفال في قرية فرنسية الفصل الخامس: نحو نموذج للوالدية في التنشئة 211 أولا: تفاعل الوالدين مع الأبناء من خلال نماذج وبحوث 217 ثانثا: الأساليب الوالدية في معاملة الأبناء الفصل السادس: الوالدان كجزء من مشاكل تنشئة الاطفال وأجزاء من الحلول 231 أولا: إعطاء الطفل الانطلاقة الأولى 233 ثانيا: أفضل التوقعات 233 ثالثا: المنافسة مع الآباء الآخرين 234 رابعا: علاقة الأبناء بأحد الأبوين. 235 خامسا: الطفل يشبه أحد الوالدين 237 سادسا: الندية بين الأشقاء 239 سابعا: المشاركة في المسئوليات بين الوالدين 240 ثامنا: تأثير الانفصال بين الوالدين أو الطلاق 241 تاسعا: جليس الطفل 242 عاشرا: تفضيل الوالدين لأحد الأبناء 243 حادي عشر: حب الأطفال أكثر من اللازم الفصل السابع: دور الوالدين في تنشئة الأبناء على المبادئ 247 أولا: استدلال الطفل عبر النموذج 248 ثانيا: زيادة قدرة الطفل لتوجيهه 249 ثالثا: تقسم طريق الوصول إلى الهدف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 251 رابعا: حب الأطفال لاهتمام وانتباه الوالدين 253 خامسا: استخدام التغذية الراجعة. 254 سادسا: ما يخبرنا به الطفل بخصوص مشكلاته 256 سابعا: عقاب الأطفال 261 ثامنا: الاستمتاع مع الطفل 263 تاسعا: الثواب أم الرشوة للأطفال 264 عاشرا: إعطاء الطفل حق الاختيار 266 حادي عشر: تعلم الصفات الخلقية والقيم الفصل الثامن: دور الوالدين في مواجهة مشكلات أطفالهم أثناء التنشئة 274 أولا: مشكلات الأكل. 286 ثانيا: البكاء ونوبات الغضب والانفعال 290 ثالثا: عادة مص الأصابع 293 رابعا: مشكلات الكلام 301 خامسا: الخوف 306 سادسا: سلوك ضرب الرأس بالحائط وإصابة الطفل لنفسه 311 سابعا: سلوك عدم الطاعة والاعتراض 320 ثامنا: التدريب على قضاء الحاجة 324 تاسعا: مشاكل النوم 332 عاشرا: العدوانية حادي عشر: السلوك الاجتماعي والعلاقات 343 ثاني عشر: النشاط الزائد 348 ثالث عشر: الاستحواذ، الإكراه، الطقوس 349 رابع عشر: طلب المساعدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الفصل الأول: تنشئة الأطفال اجتماعيا أولا: مفهوم التنشئة الاجتماعية لقد اختفى إلى غير ظهور الوقت الذي كان فيه علماء النفس يشبهون الطفل بكتلة لينة يمكن للوالدين والمربين تشكيلها على النحو الذي يختارونه، وإن كان ينبغي على كل مجتمع أن يصل إلى ثلاثة حلول لقضايا هامة تواجهه بخصوص الأطفال. هي: طرق رعايتهم، وترسيخ القواعد التي تتحكم في كيفية تفاعلهم مع الآخرين، ونقل المهارات والقيم من الكبار إليهم. وإزاء المطلب الآخير واجهت المجتمعات مصاعب متباينة، معتمدة في ذلك على عملية تعليم وتعلم تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الأطفال سلوكا ومعايير اتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنهم من مسايرة الجماعة والتوافق الاجتماعي، أي تكسبهم الطابع الاجتماعي وتيسر لهم الاندماج في الحياة الاجتماعية، إن الأمر هنا ينطوي على ما يعرف بعملية التنشئة الاجتماعية "The Socialization Process" أو ما تسمى أحيانا بعملية التطبيع الاجتماعي، تلك العملية التي يتعلم من خلالها الفرد كيف يصبح فردا في أسرته وعضوا في مجتمعه، إنها عملية تعلم القصد منها أن يُنمى لدى الطفل الذي يولد ولديه إمكانيات هائلة ومتنوعة سلوك فعل مقبول، ومعتاد وفق معايير الجماعة التي ينتمي إليها. ويستعرض أبو القاسم الأصفهاني معنى التنشئة لغويا ... نشأ النشء، والنشأة إحداث الشيء وتربيته، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} [الواقعة: 62] ويقال: نشأ فلان، والناشئ يراد به الشاب، والإنشاء هو إيجاد الشيء وترتيبه. وفي سورة الملك: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار} [الملك: 23] . وفي سورة المؤمنون: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] . وفي سورة العنكبوت: {يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَة} [العنكبوت: 20] وعموما أي يربى كتربية النشأة، وينشأ أي يتربى. ويرى Reber أنها العملية التي يصبح بها الفرد واعيا بالقيم والمهارات الاجتماعية، ومكتسبا لحساسية اجتماعية تؤهله إلى كيفية التفاعل مع الجماعة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 مجتمعه. بينما يعرفها Kagan بأنها العملية التي تغرس في الطفل قيما وأنواعا من السلوك المناسب أو الملائم لمجتمعه. ويتناولها Erikson على أنها عملية تحويل الكائن البشري من حالة الطفولة أو الرضاعة، ومن حالة الضعف والأنانية إلى حالة الراشد المثالي الذي يدين بالامتثال المعقول Sensidle Conformity مع وجود سمات الاستقلال والإبداع. ويرى حامد زهران أن التنشئة الاجتماعية عملية تعلم وتعليم، وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى اكتساب الفرد سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وهي عملية التشكيل الاجتماعي لخاصة الشخصية. ويرى كل من Hetherington and Parke أن التنشئة الاجتماعية عملية يعلم فيها أفراد جدد في المجتمع قواعد وقوانين اللعب الاجتماعي من خلال وكالات للتنشئة تساعد هؤلاء الجدد أن يتبنوا قوانين وقواعد تساعدهم على اللعب بنفس الطريقة المرتضاة في ذلك المجتمع. والتنشئة الاجتماعية عملية تعلم اجتماعي Social Learning يتعلم فيها الفرد عموما طفلا أو راشدا عن طريق التفاعل الاجتماعي أدواره الاجتماعية Social Roles، ويتمثل ويكتسب المعايير الاجتماعية Social Norms والاتجاهات Attitudes النفسية، ويتعلم كيف يتصرف ويسلك بأسلوب اجتماعي توافق عليه وترتضيه الجماعة والمجتمع. إن التنشئة الاجتماعية عملية يتم فيها تشكيل السلوك الإنساني بتكوين المعايير والقيم والمهارات والاتجاهات للأفراد كي تتطابق وتنسق مع دورهم الاجتماعي حتى يسلك كل فرد حسب جنسه "ذكر، أنثى" ودوره المتوقع في المجتمع الذي يعيش فيه حاضرا ومستقبلا. والتنشئة الاجتماعية ليست فقط عملية تعلم اجتماعي بل هي أيضا عملية نمو يتحول خلالها الأفراد من أطفال اعتماديين متمركزين حول ذواتهم إلى كبار ناضجين يدركون إيثار الذات ومعنى المسئولية الاجتماعية Social Responsbiltiy أو التبعية الاجتماعية، يضبطون انفعالاتهم ويتحكمون في إلحاح الحاجات ويشبعونها بما يتفق وقيم المجتمع. وهذا ما يجعل عادل عز الدين يعرف التنشئة الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 بأنها العملية التي يكتسب الأطفال من خلالها الحكم الخلقي والضبط الذاتي اللازم حتى يصبحوا أعضاء راشدين مسئولين في مجتمعهم. وللتنشئة الاجتماعية خاصية الاستمرارية، فهي لا تقتصر على مرحلة الطفولة فقط بل تستمر في المراحل الأخرى كالمراهقة حتى الشيخوخة، لأن الفرد في كل من هذه المراحل ينتمي إلى جماعات من نوع جديد يبدو فيها بدور جديد ويعدل من سلوكياته ويكتسب أنماطا مستحدثة من السلوك، وهذا ما يدفع Parsons لتقديم معنى التنشئة الاجتماعية على أنها عملية تعتمد على التلقين والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية لدى الطفل والراشد، هادفة إلى إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية، وتبدأ من الميلاد داخل الأسرة وتستمر باتساع أنساق التفاعل كلما كبر المرء. وتتأثر بجماعات الرفاق ونوع المهنة والتخصص ... وتعبر عن نشاط البناء الاجتماعي بأنساقه "الأسرة، الدين، السياسة، التعليم، المهنة، الاقتصاد" الذي يضغط على الفرد لكي يتوافق مع غيره، ويتعلم كل يوم شيئا جديدا. وهذا ما يضفي على عملية التنشئة مفهوم الدينامية، لأن الفرد في تفاعله مع غيره من أفراد الجماعة يأخذ ويعطي في ضوء المعايير والأدوار الاجتماعية، ويؤثر ذلك مع عوامل أخرى على نمو الشخصية لكل فرد، ومن هذه العوامل كما هو معروف: الوراثة والغدد والغذاء والنضج والتعلم، بالإضافة إلى متغيرات أخرى مثل: أعمار الوالدين وحجم الأسرة والترتيب الميلادي ... إلخ. ولعملية التنشئة وظيفة ظاهرة Manifest Function تنحصر في تدريب الطفل على أداء أنماط معينة من السلوك يرضى عنها المجتمع، ويتخذها الشخص دعامة لسلوكه أثناء حياته، كما أن لها وظيفة مستترة أو كامنة Latent Function تهدف إلى توحد الطفل مع مجموعة الأنماط الثقافية للمجتمع تعرف باسم القيم الاجتماعية Social Values التي تتكون منها بنية الشخصية Structure of Personality. ويختلف الأشخاص في مبلغ قابليتهم للاندماج في حياة الجماعة باختلاف التنشئة التي يتعرضون لها، والتي تحيط بهم أثناء بداياتهم الأولى، مما قد يفسر لنا كيف يبدو بعض الأطفال منشئين اجتماعيين، وبعضهم مقاوم للاجتماعية Anti Socil الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وتقل عجلة التنشئة الاجتماعية Acceleration of Socialization "معدل سرعة عملية التنشئة الاجتماعية" كلما نما الطفل ونضج، وأصبح لديه رصيد كاف من الخبرات والمهارات، لأنه يكون ذا نشاط فعال ومؤثر في شبكة العلاقات الاجتماعية التي تميز جماعته عن الجماعات الأخرى. إن علاقة الطفل بعالمه الخارجي تأخذ شكل أفعال وردود أفعال أو استجابات اجتماعية واضحة وخالية من التناقضات. فالتصرف الذي كوفئ عليه الطفل في الأمس لا يجب أن يعاقب عليه اليوم، لأن إغفال هذه القاعدة يزرع عنده فقدان الثقة في تصرفاته وسلوكه، ولتجنب ذلك لا بد للمحيطين به من مراعاة التفاعل الثابت المتسق عند التعامل معه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ثانيا: لمحة تاريخية عن التنشئة ومعاملة الأطفال وربما كان من المفيد استعراض لمحة تاريخية حول التنشئة ومعاملة الأطفال: كانت التنشئة قبل الإسلام تتبع أساليب الشدة والقسوة في تربية الأطفال ومعاملتهم، فقد كان الجلد منتشرا والعقاب القاسي شائعا. فقد وجدت قبل ظهور الإسلام ثلاثة أنماط من التنشئة تتنازع على السيادة في الشرق خاصة، هي: التنشئة الفارسية، والتنشئة الإغريقية، والتنشئة المسيحية. وكان لكل نمط طابع خاص يميزه. وقد اتسع الإسلام لأدب الفرس، وفلسفة اليونان، وأنظمة الروم، ورهبنة المسيحية، حتى إنه ليصح القول بأن التنشئة الإسلامية برزت على ما عداها، وأصبحت ذات خصائص واضحة المعالم بارزة القسمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وأساس التنشئة الإسلامية هو القرآن الكريم، الذي يحفظه الصغار فيهذب أخلاقهم، ويصفي نفوسهم، ويتعودون من خلاله على مكارم الأخلاق ... وتبدأ التنشئة الإسلامية عن طريق المحاكاة والتلقين، ذلك أن الطفل ينشأ فيرى أبويه يقرأان القرآن الكريم بالإضافة للشعائر الأخرى، فتنطبع في ذهنه هذه الصورة، ويترسم خطاها بالتقليد أو بالتوجيه والدفع. ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في توضيح أساليب التنشئة الوالدية، فهو مثلا يطالب بالرفق بالأطفال، وعلاج أخطائهم بروح الشفقة والرأفة والعطف والرحمة، ومعرفة البواعث التي أدت إلى هفواتهم والعمل على تداركها وإفهام الأطفال نتيجتها. ولم يقر صلى الله عليه وسلم الشدة والعنف في معاملة الأطفال، واعتبر الغلظة والجفاء في معاملة الأولاد نوعا من فقد الرحمة من القلب، وهدد المتصف بها بأنها عرضة لعدم حصوله على رحمة الله حيث قال عليه السلام للأقرع بن حابس حينما أخبر أنه لا يقبل أولاده: "من لا يَرحم لا يُرحم". ولقد دعا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم إلى تأديب الأطفال، وغرس الأخلاق الكريمة في نفوسهم وتعويدهم حسن السمات والتحلي بالصدق والأمانة واحترام الكبير فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه". وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم". وعن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نحل والد والدا من نحل أفضل من أدب حسن" فلا ينبغي الإكثار من لوم الطفل لتأديبه أو تأنيبه وتوبيخه لزلاته، لأن الإكثار من التأنيب يميت قلب الطفل، ولهذا فالحكمة أفضل عند تأديب الطفل. وقبل 505هـ نادى الغزالي بتكوين العادات الحسنة في الأطفال منذ الصغر، بتعويدهم التبكير في النوم والتبكير في الاستيقاظ والتشجيع على المشي والحركة وعدم البصق في المجالس أو التثاؤب بحضرة الغير، وتجنب الحلف بالله صادقا أو كاذبا، وأن يطيعوا الأبوين والمعلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قال الإمام الغزالي: "اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأموال وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له". وقرابة عام 755هـ قدمت وجهة نظر ابن خلدون في أن القرآن الكريم هو أصل التعليم وأساس التنشئة. ويقول ابن خلدون: "إن الغاية من ذلك الوصول بالوليد إلى رسوخ العقائد الإيمانية في نفسه، وغرس أصول الأخلاق الكريمة عن طريق الدين، الذي جاء مهذبا للنفوس ومقوما للأخلاق باعثا على الخير". ويقول ابن خلدون: "اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي يبني عليه غيره من العلوم. ولكل مصر وجهة في تعليمه للولدان، فأهل المغرب يقتصرون على تعليم القرآن فقط، ويأخذون في أثناء المدارسة بالرسم ومسائلة، واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه، لا بحديث، ولا فقه، ولا شعر ... وأهل الأندلس جعلوه أصلا في التعليم فلا يقتصرون لذلك عليه فقط بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسل وأخذهم بقوانين العربية وحفظها وتجويد الخط والكتاب، ولا تختص عنايتهم في التعليم بالقرآن دون هذه بل عنايتهم فيه بالخط أكثر من جميعها إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى عمر الشبيبة ... أما أهل إفريقيا فيخلطون في تعليمهم للولدان للقرآن بالحديث في الغالب، ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها، إلا أن عنايتهم بالقرآن واستظهار الولدان إياه، ووقوفهم على اختلاف رواياته وقراءاته أكثر مما سواه". ويؤكد ابن خلدون على الرحمة بالأطفال والرأفة بهم والإشفاق عليهم، والعمل على تهذيبهم باللين واللطف، لا بالشدة والعنف، لأن مجاوزة الحد مضرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ومفسدة للأخلاق. فإذا أخذ الطفل بالقسوة والشدة ضاعت نفسه وذهبت ريحه، ويحمله هذا على الكذب والخبث والنفاق. لقد ذاع صيت الفكر الإسلامي في تنشئة الأطفال، واهتم الآباء والمربون بأساليب إسلامية في التنشئة. إلا أن هناك أفكارا جاء بها رواد من الغرب آخرون نبعت أفكارهم وآراؤهم من تجارب على عينات Samples مهما كانت محدودة، ولم تأت أساليب المعاملة التي ينشدونها من جذور للدين كما لاحظنا في التراث الإسلامي. ففي الفترة ما بين 1910-1930م نظر السلوكيون Behaviorism وفي مقدمتهم Watson إلى أن الطفل كشيء قابل للتشكيل عن طريق الإشراط والاقتران، ولم يعيروا الاهتمام لحاجات الطفل وشعوره إلا القليل، أو حتى للفروق الجينية والاستعدادات والخصائص المزاجية. وركز السلوكيون في هذه الفترة على العوامل البيئية ودروها في إكساب الأطفال ما نريد، وأن نكبح من السلوك ما نريد أي نوقف غير المرغوب من السلوك وذلك عن طريق التعزيز والإثابة أو العقاب على السلوك الاجتماعي. ومن هنا نكسب الأطفال العادات الحسنة ونبطل العادات السيئة. ومهمة الوالدين في نظر watson البعد عن تدليل الأطفال بأسلوب صارخ أو حتى واضح، وعليهم معاملة الأطفال على أنهم بالغون نسبيا، مع اتباع أسلوب موضوعي لا تتجاوز فيه العاطفة حدودها كالإسراف في تقبيله أو حضنه، ويوصي الوالدين بالبعد عن استخدام الحنان الظاهر لأنه أسلوب لا جدوى منه. ويشير إلى أن حب الأم عائق شديد وآلة حادة يمكن أن تجرح جروحا عميقة لا تلتئم، ويجعل مرحلة الطفولة غير سعيدة والمراهقة مثل الكابوس، كما أن الحب الشديد من جانب الأم يدمر حياة الطفل الزوجية السعيدة فيما بعد بل وتنعكس آثاره السلبية على حياته المهنية مستقبلا. ووصل تأثير watson إلى الكتب الحكومية في الولايات المتحدة، حتى إن كتب العناية بالطفل صارت إلى أنه لا يسمح للطفل بمص أصابعه، وإذا حدث ذلك فالأمر يستوجب ربط ذراع الطفل بالسرير أو إلباسه قفازا أو دهان أصابعه بسائل كريه، بالإضافة إلى عقاب الأطفال إذا تسببوا في اتساخ أنفسهم، كما نصح الآباء بترك أطفالهم يبكون خوفا من تعزيز سلوكيات غير مقبولة عن طريق تهدئتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وفيما بين عام 1930-1960م أخذت التنشئة اتجاها آخر مبنيا على التسامح مع نصح الوالدين بمراعاة مشاعر الأطفال وتعرف قدراتهم وإمكاناتهم، ويرجع ذلك التحول إلى آراء مدرسة التحليل النفسي وعلى رأسها Freued، الذي ركز على دور العاطفة وأثر الحرمان العاطفي المبكر على بذور المشكلات النفسية. وقد تأثر بهذا الاتجاه أيضا Gesel ذلك العالم الذي اهتم أيضا بالنضج ودوره مع الاستعداد في عملية التنشئة، ويرى أنه حينما يصل الأطفال إلى سن معينة ويبدون استعدادهم وتقبلهم حينئذ يكون التدريب ممكنا، مثال ذلك التدريب على عملية الإخراج التي تتطلب من الأطفال التحكم والضبط اللذان يساعدانهم على أدائها دون ممارسة ضغوط أو قلق من قبل الآباء. ومع اقتراب الأربعينيات 1940م ظهر الاتجاه الأكثر تسامحا ومرونة على يد أصحاب النزعة الإنسانية Humanistic أمثال Rogers و Maslow وغيرهما مثل Dewey ذلك الرجل التربوي المتألق. لقد بدا المبدأ الآن قائما على فكرة أن الأطفال يولدون ومعهم دافع فطري للتعلم والسعي من أحل تحقيق ذواتهم، وكي يحققوا ذلك لا بد من وجود بيئة مناسبة يشعرون فيها بالحرية ويكون التعامل معهم مبنيا على التفاهم. وفي الستينيات من هذا القرن ظهرت أفكار Spoke التي لم تشجع على التسامح والتدليل الكامل في تربية الأطفال، وتركز على الدفء والحنان في علاقة الوالدين بالطفل متبنيا فكرة أن الطفل يستجيب لتوجيهات الآباء المحبين الودودين على نحو أسرع وأيسر من الآباء الذين يغلب على أسلوبهم القسوة، فنحن في حاجة إلى آباء مصدر سلطة أكثر من كونهم متسلطينن ومنذ ذلك الوقت استمر التأكيد على دور الدفء في معاملة الأطفال أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، والبعد عن التسامح والتهاون أو التشدد كل التشدد. إن الواجب على الآباء في ضوء تلك الأفكار أن يسمعوا وجهة نظر الطفل إذا كان بمقدوره التعبير عنها، وأن يوضحوا قيودهم ونظامهم وألا يستخدموا قوتهم في ضبط الأطفال من خلال العقاب والعنف. والبحوث الحديثة حول تفاعلات الأطفال الصغار ترتبط بأعمال Bawiby , Spitz التي أثنى عليها Anna Freud , Malanie Klein ويعتمد هذا التيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الفكري على الرأي القائل بضرورة وجود ارتباط وثيق وحميم دائم بين الأم والطفل، وإن كل شكل من أشكال الانفصال أو الفقدان مضر بالطفل. وهناك تصور أحدث للارتباط العاطفي على طرف نقيض من وجهة Bowiby إذ هو يوجه التحليل نحو تأثيرات هذا الارتباط بين الأم والطفل، ليس على الطفل فقط بل على ما له من انعكاسات على الأم. إن الطفل ومن يعتنى به مرتبطان بنظام تفاعلات ثري ومعقد، يشترك فيه الطرفان اجتماعيا منذ لحظة الولادة. ففي السبعينات استطاع Stern, Klaus وغيرهم أن يفصلوا النصيب العائد إلى الرضيع في إقامة هذا الارتباط أو هذه العلاقة والمحافظة عليها وأن يتأملوا الطريقة التي يسلط بها على من يعامله أو من يعتني به بطرق متفاوتة. ولذا ... فإننا نهتم أكثر بما يجعل الطفل عامل تكوين وتعديل أو على أقصى حد عامل تعكير لسلوك الشخص الذي يعنى به. وهناك ميل إلى أن نرى سلوك الرضيع باعثا لسلوك الأم وإلى اعتبار أشكال التفاعل منظمة مسبقا بينهما، وأن بالإمكان اكتسابها. وينظر إلى بعض العناصر كما لو كان لها تأثير على تحريك عناية الكبير بالطفل أو استدرارها مثل جنس الطفل وقوامه وحيويته. ومن أدق التحاليل وأشملها عن تفاعل الأم والرضيع ما أشار إليه Barzelton عن أن التفاعل خلال الأشهر الأولى يكون في هيئة دورات اتصال أو فترات اتصال يثور أثناءها انتباه الطفل، ويبلغ ذروته، ثم يتناقص إلى أن يدخل في مرحلة أهدأ. وينطبق على تفاعل الأم نفس هذا الشكل الذي تتزامن معه إذا كانت الأجواء تجري على خير ما يرام. ويعتبر هذا النسق الذي لا دخل للأم والرضيع فيه أساس الرابطة العاطفية. ومحور التفاعل أساسه المحافظة على ضبط بيولوجي للطفل لا يكون فيه هذا الطفل محل حماية زائدة ولا إهمال تام. وقد لوحظ من جانب الأم ضروب مختلفة من السلوك، مثل تعمدها المبالغة في تحفيز الطفل في مرحلة انخفاض التفاعل. وعندما يكون انتباه الطفل في مرحلة الذروة، فيمكن للأم استشارة المرحلة أو المحافظة عليها بواسطة الصوت واللمس، وإن كان للنظر هنا مرتبة الصدارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 إن Stern يرى أن النظر أكثر أنشطة الأم متابعة قبل الرضيع لارتباطه بنظر الولد الذي هو دون ذلك من حيث الاستقرار. وفي اللحظات التي تتأمل فيها العيون بعضها بعضا يحدث التثبيت أو المحافظات على الرابطة العاطفية بين الاثنين. وهي عملية ذات تأثير مزدوج متبادل، يتحتم مع تكرارها على الطرفين أن يتلازما ويرتبطا اجتماعيا ووجدانيا. إن عجز الرضع العميان عن إصدار بعض علامات تظهر لدى الرضع المبصرين، يمثل عائقا يحول دون إقامة ترابط وجداني بين الأم والطفل. والأدوات التي تستخدمها الأم مع وليدها للحفاظ على التأثير المتبادل هي: النظر والاتصال البدني والصوت وملاطفات الأم. وغالبا ما تجيب على ما يبديه الطفل من استعداد للتفاعل بواسطة الصوت. وهذه التفاعلات خلال العام الأول للميلاد ليست مهمة لإقامة الرابطة العاطفية وتثبيتها، وإنما هي مهمة في نمو الطفل اللغوي والإدراكي المعرفي والاجتماعي، وكل ذلك هام للغاية أثناء عملية التنشئة. وإذا كانت التنشئة الاجتماعية تشير إلى العملية التي يكتسب الأفراد بواسطتها المعرفة والمهارات والإمكانات التي تجعلهم أعضاء فعالين في مجتمعهم، فمن الواضح أن خبرة التطبيع الاجتماعي للفرد في الطفولة لا تعده لكل الأدوار التي يتوقع منه أن يمارسها في حياته المستقبلة في المجتمع. إن الأمر هنا يتطلب منا أن نوضح علاقة الشخصية بالمجتمع التي تبدو في اتجاهين أساسيين: الاتجاه الأول: يهتم بكيفية تكيف الشخص للمجتمع، وكيف يتمكن من أن يبدع، وكيف يغير في النظام الاجتماعي الذي ولد فيه بالتدريج، وذلك مع غيره من الأشخاص الذين يحولون على نفس النحو: الاتجاه الثاني: يهتم بكيفية بناء المجتمع للشخص بعدما يولد فيه، وكيف يحوله من كائن بيولوجي إلى إنسان له فعاليات اجتماعية مناسبة. إن التنشئة الاجتماعية تنطوي تحت الاتجاه الثاني، أي إنها تدور حول كيفية تغيير المجتمع للإنسان المولود وليس كيفية تغير الإنسان لمجتمعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 والفرد عموما يعد وبدرجات متفاوتة من النجاح، ليلبي سلوكه مطالب بيئته وأعضاء مجتمعه في مجالات ومناسبات مختلفة، وهذه المطالب دائما ما تكون مرتبطة بواحد من المراكز الاجتماعية أو الأدوار الاجتماعية كالابن والتلميذ والزوج والموظف و ... إلخ. إن السلوكيات المطلوبة من الفرد الذي في مركز أو دور معين تسمى مواصفات الدور Prescribed Role ومواصفات الدور هي في الأساس جهود من قبل أفراد المجتمع أو مؤسساته لينظموا سلوك الأفراد الآخرين حتى تتحقق صور متوقعة أو منتظرة. وعلى أي حال يكتسب الفرد حضارة جماعته خلال عملية التنشئة الاجتماعية والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين: 1- فهم المراكز أو الأدوار الاجتماعية: يكتسب الفرد فهما للمراكز أو الأدوار المعترف بها تقليديا في مجتمعه وأسمائها. 2- تعلم مواصفات وفعاليات الدور: يتعلم الفرد مواصفات الدور وسلوك الدور وما يصاحب كل دور من شعور وأحاسيس. ومن خلال القسمين السابقين تصبح وظيفة التنشئة هي تحويل الفرد الخام "الإنسان الخام" في المجتمع إلى عضو عامل فعال وجيد، ومحتوى عملية التنشئة هي فهم كيان الأدوار ومواصفات كل دور وسلوكياته المصاحبة. وما يجب ألا يخفى على الأذهان أن النظرة التي تعتبر التنشئة الاجتماعية عملية يأتي بواسطتها للمجتمع أفراد مناسبون لا تنكر أن مطالب المجتمع، أحيانا تبدو غير واقعية أو هي بالفعل غير منطقية أو غير ممكنة وربما تحد إذا لم تجعل مستحيلا تحقيق الرغبات الشخصية لكثير من أعضاء المجتمع وربما تسببت واحدة من متطلبات المجتمع في انحلال أو تطرف. وكما أن فكرة كون الطفل صفحة بيضاء يجب إعادة النظر في قبولها فليس هناك ما يبرر بوضوح أن تجارب الطفولة تنعكس بشكل آلي في مظاهر إيجابية أو مظاهر سلبية عند مرحلة الرشد والشيخوخة. ولقد ظهر الاهتمام بفكرة اكتساب الأدوار من قبل الأطفال في بحوث Michalson, Sewell, Maccoby وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وفي ندوة الطفل والتنشئة تحت رعاية الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية جاءت أهمية التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة لأسباب منها: 1- التنشئة الاجتماعية تعكس القابلية إلى تعديل السلوك وتشكيله 2- أن التنشئة الاجتماعية تنطوي على العمليات الأساسية اللازمة لاستمرارية الحضارة وتراكم حصيلة المعرفة الاجتماعية من جيل إلى آخر. 3- أن التنشئة الاجتماعية تبني المهارات والخبرات اللازمة للعيش في جماعة حضارية بحيث يكون هناك فرصة للنجاح وسط تلك الجماعة. 4- أن التنشئة الاجتماعية يجمع على أهميتها في الطفولة الآباء والمربون ورجال الدين والمشرعون وعلماء النفس والاجتماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية مدخل ... ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية: يرى Field وجود نموذجين يمكن استخلاصهما من التنظيرات المتعددة في مجال التنشئة الاجتماعية. النموذج الأول: وفيه يتم تصوير عملية التنشئة الاجتماعية على أنها جهاز استدخال Internalization لمعايير وقيم المجتمع أو الحضارة، بحيث تتحول هذه القيم والتقاليد والمعايير إلى جزء من البناء النفسي للفرد، وهكذا يذوب الفرد في البناء الاجتماعي، ويبدو مذعنا أو مستسلما passive فهو عبارة عن إناء خال يتم تعبئته بما تستدخله عليه حضارته التي يعيش فيها، وهنا يبدو الفرد غير قادر على إدراك أو تفسير الفوضى Disorder أو التفاوت الموجود في المجتمع ولا ينقاد إلى التوقعات المعيارية بسبب رغبته الكامنة في الحصول على رضى وحب الآخرين من المحيطين. النموذج الثاني: وفيه يتم تصوير عملية التنشئة الاجتماعية ليس كجهاز قهري بل طوعي الانقياد Conformity، ويبدو الفرد هنا فعالا مشغولا ببناء الواقع المحيط في ضوء نموه بدءا باكتساب اللغة والانتماء الطوعي للمفاهيم المشتركة. وهنا أيضا يبدو الفرد غير قادر على إدراك أو تفسير التفاوت في البيئة المحيطة وإن كان ينقاد من أجل الحصول على الشعور بالانتماء والرغبة في الحصول على حب المحيطين ورضاهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ويبدو من النموذجين السابقين عدم القدرة على تفسير احتمالية تخلي أو جنوح الفرد عن الطريق الذي تحدده المعايير الاجتماعية. إن قضية تفسير التفاوت بين الحفاظ على تقاليد وقيم ومعايير المجتمع دون دمار وبين الخطر المهدد بالعودة إلى شريعة الغاب لم ينجح أي من النموذجين السابقين في حلها. ولا يعني ذلك أننا سوف نصل إلى حل لهذا الصراع ولا يعني أننا نتصور حضارة مجتمعية يصبح فيها الأفراد نسخا مكررة، وربما كان من المفيد استعراض النظريات التي تفسر عملية التنشئة الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 1- نظرية التحليل النفسي : يستعرض Watson, lindgren نظرية التحليل النفسي والفرويديون الجدد The Neo -Freudians لتفسير التنشئة، وتفترض نظرية التحليل النفسي جهازا داخل الفرد يتكون من ثلاث منظمات عرفت بالهو Id، والأنا Ego والأنا الأعلى Supper Ego ويمثل الهو مصدر الغرائز ومحتواه اللاشعوري ويسعى دائما لتحقيق مبدأ اللذة. وحينما يتصل الهو بالمجتمع المحيط أو البيئة المحيطة تبدأ عملية تكوين الأنا وتظهر فعالية الأنا عندما يتعلم الفرد كيف يتمكن من تحقيق رغبات الهو في نطاق الظروف التي يفرضها المجتمع والبيئة بعاداته وتقاليده. إلا أن الأنا لا يستطيع كبح كل الحفزات الغريزية الخطرة التي تتنافى مع هذه القيم وتلك التقاليد، وبالتالي تأتي أوامر الوالدين والكبار ورقابتهم على تصرفات الطفل وسلوكياته، ويصبح للأب مثلا أوامر ونواه كما له تشجيع ورضى، ومن ثم تشتق الأنا الأعلى، ومع مرور الوقت مع تعليمات وتوجيهات هؤلاء الكبار تصبح الأنا الأعلى بمثابة المراقب للسلوك الذي يوجه للأنا الأوامر ويهددها كما كان يفعل الكبار، ومن هنا تتكون معايير السلوك التي يتمثلها الطفل وتصبح جزءا من بنائه النفسي ويطلق على الآنا الأعلى مصطلح "الضمير". وترى نظرية التحليل النفسي أن التنشئة عملية قائمة على التفاعل، يكتسب فيها الطفل معايير السلوك. وتضفي مدرسة التحليل النفسي على الأم أهمية في ذلك الأمر خلال تفاعلها مع طفلها في مواقف التغذية والتدريب على الإخراج. وإن كانت الصيغة الفرويدية Freudiean تركز على دور الأم والأب وتعلن عن توحد Identification الطفل خلال مراحل نفسجنسية psychosexual مع أحد الوالدين، ومن ثم يستدمج Involvement خصائص الوالد المتوحد معه، وهنا تكتمل تنشئته بنمو الأنا الأعلى. ويلاحظ عدم إمكانية التحقق من افتراضات فرويد في نظريته للتحليل النفسي، وإن كان من إيجابياته التأكيد على علاقة الطفل بوالديه ودورهما في عملية التنشئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 2- نظريات التعلم الاجتماعي المبني على فكرة التدعيم: وتنطوي هذه النظريات على ثلاثة توجهات: التوجه الأول: ويظهر من خلال ما قدمه Miller and Dollard وكذا Sears and Mecoby ويتبنى هؤلاء فكرة [المثير "المنبه"-الاستجابة] عند تفسير عملية التنشئة الاجتماعية، ويهتمون بالدوافع والجزاءات كشروط لحدوث التعلم، فالطفل يحصل على انتباه والديه أو اهتمامهما عندما يقوم بأفعال أو تصرفات أو أعمال يفضلها الوالدان أو أحدهما أو ربما يقومان بها. ومع تكرار إتيان الطفل هذه التصرفات تصبح جزءا منه فما بعد. التوجه الثاني: ويظهر من خلال رأي Skinner الذي يفسر السلوك الاجتماعي في ضوء قوانين التدعيم، وأسلوب الثواب وأسلوب العقاب. فالطفل ينمي شخصية محددة نتيجة أنماط مستقلة للثواب والعقاب يطبقها أو يتبعها الوالدان معه، بحيث يميل الطفل إلى تكرار السلوك الذي حصل على الإثابة Rewarded ولا يكرر السلوك غير المثاب Nonrewaded وبالتالي يتعلم الطفل الاستجابات المرتبطة بإثابات، أو تنشط الرابطة بين منبه محدد ومدعم محدد أو تضعف أو تنطفئ الرابطة بين منبه محدد ومدعم محدد. التوجه الثالث: ويظهر من خلال ما قدمه و Ban, Walter, , Park dura ويتبنى هؤلاء فكرة تقليد النموذج Model باعتباره نمط استجابة متعلما للسلوك الاجتماعي، ومن ثم التنشئة الاجتماعية، فالأطفال يقلدون ويحاكون الأب والأم أو الوالد من نفس الجنس وذلك عندما يجدون دعما ذاتيا كلما اقتربوا من النموذج. وربما كان النموذج من بين ما تقدمه وسيلة الإعلام عموما وبخاصة المرئي. وعلى الرغم من أن التنشئة الاجتماعية هي عملية تعديل وتغيير في سلوك الفرد وبالتالي فهي عملية تعلم، إلا أن هذا التعلم قد يكون مباشرا من خلال التدريب عليه أو غير مباشر من خلال تقليد المحيطين. وقد يتعلم الطفل أنماطا سلوكية لم يعلمها له الراشدون وربما نهوه عنها، لأن الطفل يعمل ما يشاهده ويراه من تصرفات وسلوك وأغلب ما يحاط بالأطفال يمكن اعتباره نماذج. ويبدو على ما تبناه علماء نظريات التعلم السابق ذكرهم تحيزهم لدور البيئة المحيطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 3- نظرية الدور الاجتماعي: وتتخذ هذه النظرية مفهومي المكانة الاجتماعية Social status والدور الاجتماعي Social Role، فالفرد يجب أن يعرف الأدوار الاجتماعية للآخرين ولنفسه، حتى يعرف كيف يسلك وماذا يتوقع من غيره وما مشاعر هذا الغير. إن المقصود بالمكانة الاجتماعية وضع الفرد في بناء اجتماعي يتحدد اجتماعيا وترتبط به التزامات وواجبات تقابلها حقوق وامتيازات، مع ارتباط كل مكانة بنمط في السلوك المتوقع وهو الدور الاجتماعي الذي يتضمن إلى جانب السلوك المتوقع ومعرفته، مشاعر وقيما تحددها الثقافة. ويكتسب الطفل أدوارا اجتماعية عن طريق التفاعل الاجتماعي مع الآباء والراشدين الذين لهم مكانة في نفسه فلا بد من قدر من الارتباط العاطفي أو رابطة التعلق Attachment. وتعتبر الذات المفهوم الثالث في نظرية الدور. ذلك لأنه إذا كان للطفل أن يتفاعل بنجاح مع غيره في مجتمعه فعليه أن يعرف ما هو السلوك المتوقع منه والمصاحب للمكانات الاجتماعية المختلفة [المدارس ... الخادم ... ] وهنا لا بد أن يعرف الطفل ويتعلم كيف يسلك وفقا للتوقعات. وأن يكون قادرا على أن يحدد لنفسه ويعرف عن طريق اللغة ومراجعة النفس، ما إذا كان سلوكه سليما أم لا، ولا يتحقق ذلك كله إلا عندما يرى الطفل نفسه على أنه موضوع ذلك لأن نظرته إلى ذاته على اعتبارها موضوعا يمكنه من مراجعة سلوكه وتوجيهه كلما أمكن إلى الأفضل "من وجهة نظره بالطبع" وأيضا الحكم على هذا السلوك. ويتم اكتساب الدور عن طريق واحد أو أكثر مما يأتي: أ- التعليم المباشر: فيقوم الوالدان أو أحدهما بتعليم طفلهما ضرورة مناسبة سلوكه لسنه أو عمره أو جنسه ذكر أم أنثى، فيعلم الطفل الولد أن يكون متسما بالحزم والقوة ويرتدي الملابس التي لا تشبه بالإناس، وكذلك يتم تعلم البنت، وأيضا تحدد الأسرة للطفل في سن محددة أدوارا معينة مثل الحفاظ على أخته أو عدم الدخول قبل الاستئذان أو ... ب- النموذج: يتخذ الطفل من المحيطين به نماذج تحتذى وقدوة، بالإضافة إلى فهمه لأدوارهم وكيفية تفاعلهم مع بعضهم البعض: الطبيب والمريض، المدرس والتلميذ، الأب والابن، وكذا ما تعكسه هذه النماذج من اتجاهات نحو أصحاب المكانات المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ونعود من جديد الآن لنكرر بعد عرض هذه النظريات، أن كلا منها ليس كافيا لتفسير عملية التنشئة الاجتماعية، وأن التكامل بين هذه النظريات في تفسير تلك العملية، أهم وأجدى، مع عدم إهمال دور العوامل الثقافية والاجتماعية في تفسير تلك العملية وبخاصة أننا نعلم أن التنشئة ميكانيزم لنقل دعائم الثقافة. وهذا ما دعا "سويف" إلى أن يرى كل طفل إنساني يدخل مجتمعه وهو موضع اهتمام سابق على قدومه إلى الحياة. فإن هذا الاهتمام السابق على وجود الطفل له دوره في تحديد إجراءات التنشئة التي سوف يتلقاها مع مراعاة أن المتلقي كائن بشري يحمل في طياته عددا من المحددات الجبلية الولادية التي تضع قيودا على حرية فعل البيئة الاجتماعية، وأنه يحمل في أعماقه تاريخ خبراته الذاتية التي تشكل إرجاع استجاباته لأنماط التربية والمتغيرات والظروف الثقافية الاجتماعية المحيطة به. وهذا ما يجعلنا أمام شخصيات تختلف فيما بينها رغم اتفاق مطالب البيئة الثقافية والاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 رابعا: عمليات تحدث أثناء تنشئة الطفل : مما سبق يتضح أن التنشئة الاجتماعية تشير إلى العملية التي ينمو من خلالها الفرد ليكون كائنا اجتماعيا أو يكتسب الحساسية للمنبهات الاجتماعية ويتعلم السير في إطارها، ويسلك مثل الآخرين في جماعته أو ثقافته. إنها عملية كينونة اجتماعية. إن تفسير ذلك الأمر يعتمد على عدد شبه محدود من العمليات الأساسية التي يمكن بلورتها على النحو التالي: الاستدخال Internalization Externalization الاستخراج الاتكالية Dependene Attacment التعلق "بوسيط" التقليد Imitation Identification التوحد "مع مثال" لعب الأدوار Role playin Self concept تكوين مفهوم الذات وكل عملية من العمليات السابقة تنطوي على شكل من أشكال التعلم الاجتماعي، ومن هذه الأشكال التعلم بالاقتران Associative Learning الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 يتحول فيه إرضاء الوسيط "مثل الأم أو الأب أو الأخر الأكبر أو المدرسة ... " من دافع محدد إلى دافع أولى. مثال ذلك حينما يتعلم الطفل السلوك الحسن إرضاء لوالديه، لأن إرضاء الوالدين ارتبط في السابق بإشباع حاجات أولية عنده. وفي الاتكالية التعلق بوسيط فإن التعلم يتصل بالسيطرة على مجالات متعددة من الاستجابات للطفل مثلا عن طريق مثيرات يوفرها أشخاص "اعتماد على الغير أو اتكالية" أو عن طريق شخص معين "وسط مثل الأم". وفي عملية التقليد التوحد مع مثال ينطوي الأمر على تعلم لدى الطفل مثلا عند مطابقة استجاباته مع الإرشادات أو التعليمات التي تظهر استجابات شخص آخر "النموذج أو المثال". أما التوحد مع مثال فيكون التعلم فيه عندما تتولد في الطفل الرغبة في اكتساب الخصائص السلوكية بحيث يظهر في النهاية تشابه بين سلوك الطفل وسلوك المثال. أما في لعب الأدوار تكوين مفهوم الذات، فإن مجالات التعلم الاجتماعي متسعة إلا أن الأدوار الاجتماعية بمثابة قوالب سلوكية جاهزة مكونة من اتجاهات وقيم وبناءات معرفية تتصل بالوظيفة موضوع الدور والقمة التي تتوج تمثيل كل دور من الأدوار التي مارسها الفرد ورأى فيها نفسه تعطي له مفهومه عن ذاته. ومن هذا المنظور فإن أخذ الأدوار Role Taking متصل بشدة بتكوين مفهوم الذات ويعتقد البعض أن عمليتي التقليد التوحد مع مثال والاتكالية التعلق بوسيط هما عمليتان متتابعتان كما أن هناك اعتقادا في أن لعب الأدوار هو في حقيقة الأمر مطابق للتوحد مع مثال [مثلما نرى في لعب دور الأب وهو في الحقيقة توحد مع الأب] وسوف نعرض لمراحل عملية التنشئة فيما بعد. وتبقى عملية الاستدخال كعملية أساسية في التنشئة حيث تنعكس ترجمة التعلم إلى مقدرة على التحكم في السلوك ذاتيا. وهنا يبدو المراقب الداخلي الذاتي المتمثل في الضمير مغنيا عن وجود رقباء أو شرطة للأخلاق إذا جاز التعبير وهذا ما يجعل عملية الاستدخال عند انتظامها داخل الفرد مؤشرا حقيقيا لانتظام عملية التنشئة التي لا يجب أن نغفل دور عدد من المؤثرات المتنوعة عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 خامسا: متغيرات خلف العمليات التي تحدث أثناء التنشئة المطاوعة ... خامسا: متغيرات خلف العمليات التي تحدث أثناء التنشئة: هناك متغيرات تكمن خلف العمليات التي تحدث أثناء التنشئة منها: 1- المطاوعة Complince: إن هناك ظروفا يطيع فيها الأطفال غيرهم بخصوص اقتراحاتهم أو أوامرهم، والميل للمطاوعة يبدأ بصورة مشتتة إلى حد ما ولكنه يثبت مع نضج الطفل، فمن غير الممكن التنبوء بما إذا كان طفل الرابعة أو الخامسة من العمر سيطيع أو لا يطيع في مدرسته من خلال معرفتنا بأسلوب والديه بشأن طرق إثبابته أو عقابه. ولكن يمكن التنبوء على أساس هذه المعلومات بخصوص أطفال أكبر عمرا ومع التقدم في العمر لدى الأطفال يتزايد ثبات سلوك الطاعة، فأطفال دار الحصانة يبدون متسقين إلى حد ما في طاعة الكبار في المنزل أو الروضة أو الحضانة، وإن كانوا ليسوا كذلك مع الأنداد، حتى يصل الأطفال إلى سبع أو ثماني سنوات فيبرز الاتساق في المطاوعة مع الأنداد والكبار. وطفل الروضة المطاوع مع أنداده ينحو أيضا بصفة عامة إلى أن يعتمد عليهم للمعونة الجسمية والدعم العاطفي، وبالرغم من ذلك يكون عدوانيا أو غير ودي معهم، والطفل المطاوع مع البالغين لا يبدو عدوانيا بنفس القدر. وعموما فإن الأطفال الصغار ترتبط مطاوعتهم باعتماديتهم أو عدم تمكنهم من الاستقلالية عن الأنداد، بينما لا نجد هذه العلاقة أو الارتباط بين المطاوعة والاستقلالية عن الكبار. وتعتبر المكافآت أكثر فعالية من العقوبات في إظهار المطاوعة ويبدو أن المطاوعة الاجتماعية Social Compliance كأحد خيوط عملية التنشئة الاجتماعية تستلزم تعلما طويل المدى. فالأطفال يميلون إلى المطاوعة نتيجة لأنواع المكافآت وأنواع العقوبات التى يستخدمها معهم الآباء. وربما لنماذج السلوك التي يقدمها هؤلاء الآباء أو أي أشخاص آخرين مهمين بالنسبة للطفل. وإن كانت هناك إمكانية لعدم استبعاد فكرة رجوع الميل إلى المطاوعة إلى جذور وراثية، فإن التفسير في ضوء منطلقات فرويديه قد تعتبر مقبولة. إن نمو الميل إلى المطاوعة المتسق من الروضة إلى المدرسة يحدث عندما يستدمج الطفل قيم واحد من الوالدين في طريقه للتوحد مع الوالد الآخر من الجنس المضاد "بما يؤدي إلى حل عقدة أو أديب أو إلكترا". وربما يرى آخرون إلى القدر الأكبر من الاتساق في ضغوط الوالدين على الأطفال الأكبر سنا، مدعين أن سلوكهم الأكثر اتساقا إنما يعكس فقط هذا الضغط المكثف بالمنزل، بالإضافة إلى الضغط المتزايد في المواقف العامة للأطفال الأكبر باتجاه قيامهم بأدوار تتطلب السيطرة المتسقة حينما يكون في وضع قيادي أو المطاوعة المتسقة عندما يكون في وضع التابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 2- العدوانية Aggression: من المعروف أن شكلا من أشكال الإحباط Frustration يسبق صدور العدوان أو صدور السلوك العدواني، وإن كانت الإحباطات لا تؤدي دائما إلى العدوان، لأن سلوكا آخر مثل المطاوعة قد يتصارع معها أو يتعارض مع التعبير عن العدوانية. لقد سبق أن ذكرنا أن الصغار الأكثر مطاوعة يكونون نسبيا أقل عدوانية. ويستعرض Lambert أن الفرض القائل أن الإحباط يؤدي إلى عدوان لا يعالج عددا من الصور العدوانية. فمثلا عندما يشعر بعض الأطفال بالإحباط فإنهم قد يعبرون عن العدوان بصورة أسرع مما يفعل البعض الآخر: فهل يعود هذا فقط إلى الإحباطات التي سبق تعرضهم لها أم إلى التعزيزات التي كانت بمثابة مكافأة وحبذت على العدوان؟ كما أن بعض الأطفال عدائيون بدون إثارة لهم. وللعدوان متنفسات متعددة، وغالبا ما يتعرض للإزاحة، كما يحدث عندما يركل الولد الحائط أو اللعبة أو القطة لأنه لا يستطيع أن يركل والديه. وقد تخف درجة العدوان مثلما يحدث عندما نرد على الهجوم بالسخرية أو بكظم الغيظ أو إضمار الرغبة في العدوان. وقد يسقط العدوان. كما يحدث عندما يرى الإنسان العدواني الآخرين فقط كمعتدين، ولا يرى نفسه كذلك، أو عندما يصف الآخرين بالعدوانية كي يبرر عملا عدوانيا ارتكبه. ولقد انتهت الدراسات التي أجراها Sears وزملاؤه إلى أن الأطفال ذوي العدوانية الواضحة يكونون غالبا من أسر يغلب عليها التسامح بشأن القواعد الحاكمة للعدوانية والشدة في العقوبات. والأطفال الأقل عدوانية هم من أسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 يغلب عليها الصرامة بشأن القواعد الحاكمة مع التهاون في العقوبات. ويبدو أن القواعد المتسامحة تسهم في رفع معدل العدوانية لدى الأطفال أكثر مما تسهم به العقوبات الصارمة أو الشديدة. وحينما نتتبع نفس الأطفال حتى مرحلة الطفولة المتأخرة، فإن التسامح الزائد من قبل الآباء لا يزال يؤدي إلى عدوانية شديدة مضادة للمجتمع، والأطفال المعرضون لعقاب شديد واقعيا ينحون الآن إلى أن يكونوا من بين الأقل عدوانية تجاه المجتمع. إن المشكلة التي يواجهها الأطفال حينما تكون لديهم نزعات عدوانية بينما يخشون في الوقت نفسه مغبة القيام بها ينتج عنها حالة تسمى دفع الصراع وحينما يصل أطفال السادسة إلى عمر الثانية عشرة وكانوا قد تعرضوا لعقاب شديد، فإنه يفترض أن استمرار العقاب قد خفض الصراع، مما أدى بالأطفال إلى التخلي عن العدوان نتيجة الكشف الشديد للغاية الذي أصبح مرتبطا به. وأوضح Sears وزملاؤه أن الأطفال الإناث عموما أقل عدوانية من الاطفال الذكور، كما أن الإناث يعانين من قلق أكثر من جراء سلوكهن العدواني. كما أن الأطفال الأكبر سنا يقللون من عدوانيتهم في حضور البالغين، كما يتعلمون التخفيف من الشجارات عند الاقتراب من منازلهم، وتنفيس الغيظ في غير أفراد الأسرة بدلا من تنفيسه في أشقائهم. وعموما فإن أغلب الدراسات تجمع على أن الميل إلى العدوان يرتبط ارتباطا موجبا ببعض عوامل التطبع مثل: نبذ الوالدين أو اتجاه إثارة الألم النفسي Atti tude of Rising Psychological pain. وشدة حمايتهما Parental Overprotection وكذلك هناك ارتباط بين العدوانية وقوة الأمهات في تعويد أطفالهن عادات التخلص من الفضلات. وعلى أي حال فإن نتائج البحوث غير متسقة بشأن صلة الإحباط أثناء عملية التطبيع وقوة الميل إلى العدوان لدى الأطفال وربما عاد ذلك إلى أن أصحاب هذه البحوث لم يحددوا الفترة العمرية أو مرحلة النمو التي يصبح فبها الإحباط مولدا للعدوان، وإن كان من المهم الإشارة إلى أن الإحباط لا يؤدي إلى العدوان في كثير من الحالات إلا إذا كان العدوان قد وجد تدعيما من قبل الوالدين أو غيرهم. كما أن الاهتمام بدراسة هذه العلاقة من خلال جهود الوالدين فقط فيه من التحيز لأن من المعلوم عدم انفرادهم بعملية التنشئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 3- التقليد والتعلم البديل : تعتبر عادات التقليد لدى الأطفال بمثابة محطات على الطريق إلى الإمكانات الواسعة للتعلم البديل عن طريق الملاحظة. فحين مراقبة طفل لطفل آخر يتلقى تعليمات فإنه يتعلم بمجرد ملاحظته، وربما وصل تعلم الطفل الذي يقوم بالمراقبة إلى مستوى يعادل الطفل المراقب أو حتى يفوقه، حتى عند عدم توافر تغذية راجعة للطفل الذي يقوم بالمراقبة، ولدرجة تصل إلى أنه في حالة غياب النموذج يكون الطفل الذي يقوم بالمراقبة قادرا على الإتيان بالأفعال التي تعلمها. إن أغلب الأطفال يمرون بمراحل يقتبسون فيها نشاطات المحيطين بهم بطريقة استسلامية، ويبدءون فيما بعد بتقليد أفعال واتجاهات هؤلاء المحيطين، إن الأطفال يتعلمون من الملاحظة أكثر مما يتعلمون من المواقف التي رتبت خصيصا لنقل معلومات وتعليمات شفهية لهم. وتتيح فرصة توافر بعض الشروط تعلما أفضل وربما تعديلا لسلوك سابق لدى الطفل الذي يقوم بالمراقبة. ومن هذه الظروف كون النموذج المحتذى له قيمة بالنسبة للطفل القائم بالملاحظة، وحينما يكون النموذج صديقا وأحيانا عدوا "في حالات الغيرة" وعندما تكون إشارات واستجابات النموذج واضحة. ولقد اهتم Bandura بالظروف والشروط التي يشكل الأطفال تحتها سلوكهم طبقا لنماذج سلوك غيرهم بحيث يحل السلوك الجديد كسلوك بديل يتعلمه الطفل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 4- الحساسية من المشاهدين والمستمعين "الجمهور" : ويطلق أحيانا على ذلك قلق التواجد أمام آخرين كمستمعين Aduience Anxiety، وقد اهتم العلماء بكيفية نمو الحساسية تجاه المستمعين لدى الطفل سواء كان يتجنبهم أو يسعى إليهم. ولوحظ أنه حينما كان الوالدان يكثران من مكافأة الطفل ويقللان من عقابه ويشجعان سلوكه الاجتماعي، لا ينشأ لدى الطفل سوى القليل من الخوف من الجمهور أو الشعور بالحرج عند التعبير عن النفس أمام الناس، وينشأ لدى الطفل مستوى مرتفع من الخوف من الجمهور عندما تكثر تقييمات الوالدين غير الراضية وتعقيباتهم السالبة على تصرفاته، بالإضافة إلى كثرة العقاب عند عام امتثاله لتوجيهاتهم، ولا يجب أن ننسى ظهور عدم الخوف نسبيا من الجمهور مع انفتاح والدي الطفل وانبساطيتهم. ولقد ظهر أن الأطفال أصحاب الميل القليل لحب الظهور والشعور الزائد بالإحساس بالنفس يقل زمن حديثهم بالمقارنة بالأطفال أصحاب الميل لحب الظهور وعديمي الإحساس بالنفس. وعموما فالأطفال الذين يخشون الجمهور أو الأطفال الذي ينجذبون إليه أكثر وقوعا في أخطاء الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 5- تركيبة الأسرة Family structure: إن لهذا الجانب العديد من الدراسات مثل دراسات Marjorbanks ودراسات "يسرية صادق" في البيئة العربية. وتشير نتائج البحوث إلى أن وضع الفرد الولادي يرتبط باختياره البقاء وحيدا أو في صحبة الآخرين عندما يواجه موقفا مفزع، وأغلب متقدمي المولد أو وحيدي الأسر يختارون البقاء مع الآخرين في المواقف المفزعة، بينما يفضل أغلب متأخري المولد مواجهة ما يقلقهم وهم وحدهم. والمواليد الأوائل يبدو خوفهم أكثر وكذا قلقهم ومغامرتهم مقارنة بمتأخري المواليد. وإن كانت السيطرة تقترن بأوائل المواليد. وتشير الدراسات إلى أنه كلما زاد فرق العمر بين الوالدين قل ذكاء الأطفال وقلت غيرتهم، وكلما زاد حجم الأسرة قل ذكاء الأطفال وارتفعت غيرتهم في الوقت الذي يرتفع فيه الذكاء كلما زاد الفاصل الزمني بين الإخوة. ومع زيادة فارق العمر بين الوالدين يقل الابتكار، وكذلك مع زيادة حجم الأسرة. كما أنه بكبر عمر الوالد يقل الخوف لدى الطفل وتزيد الغيرة. إن الاعتمادية تنشأ عند الطفل الأول إلى حد كبير من جراء عدم خبرة الوالدين وقلقهم الزائد حول أمور بسيطة أو تافهة، كما أن الطفل الأول يعطي عناية أكثر مما يتلقاه الأطفال اللاحقون، وغالبا ما يكون أكثر تلقيا للرضاعة. إن الأطفال متقدمي المولد ينحون إلى طلب المساعدة والتقرب والتلامس الجسدي وحب اعتراف البالغين بهم أكثر من متأخري المولد. وهناك أمور تحتاج لمزيد من التحقق مثل ما ظهر من أن الأطفال الأكثر تأخرا في المولد أصبحوا مدمنين للمخدرات بدرجة أكبر من أوائل المواليد. كما أن الأطفال الأوائل يحاولون الحصول على مطالبهم بطرق لا تغضب الآخرين، بينما يكون الأطفال اللاحقون أكثر عناد بصرف النظر عن العواقب. وحسب المعلومات المتوافرة، فإن الأولاد الذين ينشئون مع أخت أصغر ثم يتزوجون فتاة نشأة مع أخ أكبر تكون حالات الطلاق بينهم أقل مقارنة بالأولاد الذين يتزوجون فتاة كانت الأخت الكبرى بدون إخوة على الإطلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 6- دافع الإنجاز Achievement Motivation: يرى كل من Lindgren, Watson أن من المهم جدا لحدوث عملية التنشئة لدى الأطفال الذين هم بمثابة متعلمين، أن تسد توجيهاتنا إليهم بعض حاجاتهم النفسية، مثل الحاجة إلى الحب والحاجة إلى التقدير والحاجة إلى الإنجاز والتي عرفت بدافع الإنجاز ... وغيرها. ويعد دافع الإنجاز من أهم الدوافع التي نالت اهتمام الباحثين، ومن رواده Atkinson, Mcclelland الذي انطوى تعريف زكريا الشربيني له على أنه حرص الطفل على تحقيق الأشياء الصعبة، والتحكم في الأفكار وحسن تناولها وتنظيمها والقيام بعمل المطلوب منها على نحو جيد وسريع، وباستقلالية قدر الإمكان مع بلوغ معايير الامتياز والتفوق على النفس والآخرين. ودافع الإنجاز يبدو في فترة مبكرة من حياة الأطفال وتكون بالغة التطور بحلول الثامنة أو العاشرة. والدافع إلى الإنجاز يظهر بصورة أكثر تكرارا وقوة في الأسر التي تشجع الأطفال على الاستقلال في سن مبكرة. فنجد من مثل هؤلاء الأطفال ترتيبا لأسرتهم في عمر مبكر. وربطا لأحذيتهم في عمر مبكر، ومحاولات لإصلاح ألعابهم وتجهيزهم وجباتهم أو المشاركة في هذا التجهيز قبل غيرهم من الأطفال الذين نشئوا في أسر تشجع على الاعتمادية. إن الأطفال ذوي الدافع إلى الإنجاز نجد أن آباءهم في الغالب يحددون لهم أهدافا عالية، كما أن ردود أفعالهم تجاه الأطفال أكثر إيجابية مما يفعل آباء وأمهات الأطفال ذوي الدافع المنخفض. وما يلفت الانتباه أن أمهات الأولاد ذوي الدافع العالي للإنجاز أكثر سيطرة من أمهات الأولاد ذوي الدافع المنخفض، بينما آباء ذوي الدافع المرتفع أقل سيطرة من آباء ذوي الدافع المنخفض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 7- بيئة الجنين والطفل Environment: كما هو معروف فإن البيئة تعنى جميع المثيرات التي تحيط بالكائن والتي يتفاعل معها منذ بدء خلقه جنينا حتى رحيله. ويبدأ اتصال الفرد ببيئته منذ أن يصبح جنينا في رحم الأم، فهو يتأثر بأغلب ما تتأثر به الأم من أمور حسية وانفعالية وكيميائية وغذائية. فالجنين يحدث ردود أفعال للأصوات العالية المفاجئة فيصبح أكثر نشاطا في الرحم، وإذا كانت الأم أكثر تعرضا للاضطرابات الانفعالية يأتي أطفالها حديثو المولد أكثر ميلا للبكاء وللاضطرابات المعوية، بعكس الأمهات اللاتي كانت حالتهن أثناء الحمل يعم عليها الاستقرار النفسي، يأتي أطفالهن حديثو الولادة أكثر ميلا للهدوء والنمو السريع. كما أن كثرة العقاقير أثناء فترة الحمل وتدخين السجائر أو المخدرات تؤثر على صحة الجنين وربما أتت بأطفال مشوهين، ويضيف Shaffer , وربما أدى الأمر إلى ولادات قبل الموعد المتوقع. وحينما يولد الطفل بين أبوين بينهما صفة الاستقرار والتعاطف والحنان يكون أكثر اتزانا من الناحية النفسية وأكثر بعدا عن المشكلات السلوكية الحادة. كما أن البيئة الجغرافية تلعب دورا مهما في نواحي الشخصية التي تنعكس آثارها على تنشئة الطفل، فقد فسر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أهمية البيئة الجغرافية في تحديد الخصائص العامة للإنسان من حيث حجم الجسم واللون والطباع ونوع النشاط والأخلاق، كما أكد Mcclelland وزكريا الشربيني على أثر العوامل المناخية ودرجات الحرارة في دافع الإنجاز الذي سبق التحدث عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 سادسا: الأخلاق وعملية التنشئة الاجتماعية : الأخلاق Morality ليست ما يقرره المجتمع حتى ولو كان خطأ فحسب، بل إن الإخلاق ما يعتبره الفرد عدلا Justic وشفقة Kindness وإيثار Alturism وغير ذلك، إنه مفهوم دينامي، يتغير من جيل إلى جيل ومن مجتمع إلى مجتمع، وينمو ويتطور أو يتعدل فيتحسن أو يسوء. وللأخلاق مفهومان أحدهما يعني الامتثال Conformity لمعايير المجتمع وعاداته وتقاليده، والآخر يعني اتباع الغايات والأهداف الصحيحة. والمفهوم الأول يجعل الأفراد يتمثلون السلوك الجماعي وتقاليد الجماعة، والمفهوم الثاني يجعل الأفراد يمارسون الكرم والولاء والأمانة بصرف النظر عن عادات المجتمع لأنها خيرة في ذاتها. والأخلاق بمعنى الامتثال لمعايير المجتمع وأنماط سلوكه تختلف من مجتمع إلى آخر، فما هو خير في بيئة أو مجتمع ربما يبدو شرا في بيئة أخرى أو مجتمع آخر. ويعنى اصطلاح الخلق، السلوك الخلقي Moral Behaviour أيضا وقصد بهما درجة التنظيم الخلقي الفعال لكل قوى الفرد، والاستعداد المستمر الذي يقمع البواعث تبعا لمبدأ تنظيمي محدد، أو تكامل العادات والاتجاهات والعواطف والمثل العليا بصورة تميل إلى الاستقرار والثبات. والنمو الخلقي للطفل يسير من مجرد رغبة في تحقيق اللذة والسعادة إلى التقيد بالمبادئ الخلقية والاجتماعية السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الطفل. وبتقدم عمر الطفل تتحول القوى الرادعة من كونها صادرة من خارجه عبر الآباء والأمهات والمعلمين ... إلى قوى ذاتية داخلية هي ضمير الطفل تكونت من امتصاص قيم الآباء وأصبحت هي معايير ذلك الصغير نفسه. والسلوك الذي يقوم به الفرد خوفا من عقاب المجتمع ليس خلقيا بالمعنى النفسي، ويصبح خلقيا عندما يصدر عن شعور الفرد بالواجب أو العطف أو الشفقة أو الرحمة أو الحب أو الشرف أو البر أو الإحسان والتقوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وتصنف الأنماط الخلقية للأفراد إلى: نمط نفعي Expedient Type وذلك حينما يسلك الفرد فقط بطريقة لتحقيق أغراضه الذاتية. نمط امتثالي Conforming Type وذلك حينما يسلك الفرد ما يسلكه غيره، أو ما يقولون إنه ما ينبغي أن يعمل. نمط عقلي أو نمط الضمير الحي Rational od conscientious Type وذلك حينما يسلك الفرد تبعا لمعاييره الخاصة التي تنقسم إلى: - نمط إيثار Altuistic وهو أعلى مستويات الأخلاق وصاحبه له قواعد خلقية ثابتة ومستقرة. نمط عقلاني واقعي Realistic يتبع صاحبه حرفية القانون الخلقي، ولا يضطر إلى التفسيرات أو التأويلات لما يفعل لأنه يحترم القاعدة الخلقية المحددة. نمط نسبي Relativist يأخذ في الحسبان النوايا والدوافع والإصرار والتعمد والنتائج العملية لعمله. ويوجه Perry الأذهان إلى أهمية الأخلاق في التنشئة الاجتماعية للفرد، بلى ويعتبرها أساسا لرقي الحضارة والإنسانية عموما، وبخاصة في عصر تضطرب فيه الحقائق وتتناقض أحيانا مع القيم الخلقية والمثل الإنسانية. إن التطور المادي أسرع وأكثر تنوعا من النمو الفكري والخلقي، وهناك تسارع بين العقل وماديته والعاطفة وأخلاقياتها. إن الخلق مهم جدا للأطفال لأنه سوف يضعهم ضمن نظام الاستعدادات أو الصفات التي تمكنهم من التصرف بصورة ثابتة حيال الأعراف والمواقف الأخلاقية. ويرتبط النمو الاجتماعي للفرد بالنمو الخلقي، كما يرتبط بالنمو الديني في كثير من الأمور، وهذه الارتباطات تتفاوت في قوتها حسب مدى الاستجابات لمستويات الخير والشر المغروسة في أعماق الأطفال والكبار وبأثر رجعي يعود لمراحل التنشئة الأولى. ويعتمد إدراك الفرد للآخرين وتقديره لهم ومودته إياهم وأمانته ليس فقط على ما ائتمن عليه بل وولائه لمن ينتمى إليه، ومدى عطفه على جماعته ومجتمعه وإيمانه بمبادئه وفهمه لنفسه أو مفهومه لذاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 سابعا: اللغة وعملية التنشئة الاجتماعية : لا تستطيع عملية التنشئة الاجتماعية أن تحقق هدفها دون اللغة. فالكلمات رموز أو علامات تشير إلى أشياء في مواقف معينة وتحمل معاني الأشياء في تلك المواقف، وعن طريق هذه الرموز يستطيع الفرد أن يستجيب للأشياء حتى في حالة عدم وجودها في مجاله الحسي المباشر، وعن طريق اللغة يتمكن الفرد من تحديد سلوكه سلفا بالنسبة للمواقف المستقبلية، وهذا هو أساس عملية التفكير. فاللغة سلوك لفظي يرتبط بمواقف واقعية يواجهها الطفل في حياته اليومية ويسلك نحوها سلوكا معينا، ويمكن باستخدام اللغة نقل ما تحمله الألفاظ من معاني من موقف إلى آخر، أي يمكن تعميمها وتعميم سلوك الطفل نحو المواقف المتشابهة. فاكتساب الطفل لكلمة واستدعاؤها قد يقوم مقام الأم في توجيه أو ضبط سلوكه، أي إنه باكتسابه للكلمة يسلك سلوكا يتمشى مع اتجاه الأم أو النموذج. وهذا يساعد على نمو ما يسمى بالقدرة على الضبط الذاتي Self Control. وعندما يقوم الطفل بأدوار الآخرين كما سبق أن ذكرنا وبالتعبير عن اتجاهاتهم بأسلوبه يستخدم اللغة، ومن ثم تكون ذات الطفل. والكبار يكون في استطاعتهم باستخدام اللغة أن ينقلوا إلى الطفل معاني المواقف المختلفة التي يواجهها في حياته وكذا عند توجيهه ذلك لأن الكبار يستطيعون باستخدام ألفاظ لها دلالات أو معان خاصة من خبرات سابقة أن يكونوا عند الطفل اتجاهات سلوكية معينة بالنسبة للمواقف التي لم يخبرها الطفل. وباختصار فإن اللغة تهيئ الفرد للقيام بدوره الاجتماعي خير قيام بفهمه بداية للمعايير المشتركة التي تمثل القدر المشترك الذي يبني عليه التفاعل والتأثير والتأثر وبفهمه للأدوار الاجتماعية، فضلا عن أنها أداة الفرد للتعبير عن مشاعره وحاجاته. وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن اللغة أداة تصبغ الفرد بالصبغة الاجتماعية القائمة على تبادل الحوار وفهمه، وإقامة علاقات اجتماعية تتسم بالعمق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ثامنا: مراحل عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال مراحل التنشئة كعملية محدودة لها نهاية ... ثامنا: مراحل عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال لم تختلف الآراء في وضع مراحل للتنشئة. بقدر ما اختلفت في كون هذه المراحل تتم في الطفولة للفرد "محدودة ولها نهاية" أو تستمر عبر عمر الإنسان "مستمرة ولا نهائية" وسوف نعرض لمراحل التنشئة في ضوء هاتين الوجهتين. 1- مراحل التنشئة كعملية محدودة لها نهاية: تمر عملية التنشئة الاجتماعية للطفل في ضوء هذه الوجهة بثلاث مراحل: أ- المرحلة الذاتية: ويتعلم الطفل في هذه المرحلة أن يتكيف لمطالب جسمه وحاجاته البيولوجية والظروف البيئية المحيطة، ويقبل المعاني التي حددها الكبار للمواقف التي يمر بها، كما يظهر ذلك عند معاملتهم له، وهنا يمكننا القول بأن الطفل يكيف نفسه لسلوك الكبار. ويستجيب الطفل للمواقف المختلفة بحواسه، وتتحدد بالتدريج بعض أنماطه السلوكية نتيجة ما يترتب على استجاباته من نتائج، فيتعلم بالتدريج أن يستبعد بعض الأنماط السلوكية التي لا تؤدي إلى إشباع حاجاته البيولوجية. وقوام هذه العملية هو تناسق حسي حركي يتحدد بعلاقة الطفل بالبيئة المحيطة وسلوكه فيها، فتصبح معالم بيئته بمثابة علامات أو إشارات لسلوك معين يأتيه الطفل تحت ظروف معينة، ولكن الكبار يكونون قد حددوا سلفا أغلب المعاني بالعادة أو بالعرف أو بالتقليد. فثدي الأم مثلا يعني للطفل الرضاعة، ومد الأم يدها إلى الطفل معناه أنه سوف يرضع أو يحمل وهكذا. ب- المرحلة المطلقة: ويكتسب الطفل في هذه المرحلة القدرة على الانتقال من مكان إلى آخر مستقلا نسبيا عن الكبار، ونموه الحركي يمكنه من التعامل مع الأشياء بفعالية أكبر وحرية أكثر بعيدا عن مراقبة الكبار، وإن كان كثيرا من عادات الطفل وأفعاله في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 هذه المرحلة تجد مقاومة من الكبار، فهم يتدخلون لمنعه من بعض التصرفات مما يترتب عليه حدوث الصراع بين الطفل والكبير، وقد يتحول هذا إلى صراع في شخصية الطفل نتيجة للتناقض الذي يحدث في معاني الأشياء أي حول العلامات التي كان يستجيب لها في الماضي والمعاني الجديدة التي أصبح الكبار يفرضونها. وتتعدل بالتالي معاني الأشياء بتغير توقعاته، وتتمايز الأشياء والعلامات التي تحدد استجابات الطفل مما يؤدي إلى تعديل سلوكه بحسب قيم الكبار وعاداتهم. ويكتسب الطفل في هذه المرحلة ما يجب وما لا يجب، أي أنه في طريقه لتكوين الأنا الأعلى "الرقيب أو الضمير". وفي هذه المرحلة يقوم الطفل بممارسة الأدوار الأخرى للأفراد الآخرين في بيئته، فالولد يلعب دور رجال البوليس ودور البائع ... والبنت تلعب دور الأم ودور المدرسة ... وغيرها. جـ- المرحلة المشتركة للتعامل بين الطفل وبين غيره من الأفراد: وفيها يكتسب الطفل اتجاهات الكبار نحو المواقف الهامة في حياته، وفيها ينتقل الطفل من فهمه وتوقعه الثابت لسلوك الأفراد إلى معرفة اتجاهات الأفراد السلوكية في المواقف المختلفة، لقد أصبح الطفل الآن يذكر أسرار أسرته في حالة عدم وجود الغرباء بينما لا يحق له ذلك إذا كان بين غرباء. ويستدعي الطفل في سلوكه وأثناء اللعب العلاقات أو الرموز التي تعبر عن اتجاهات الآخرين، ويستجيب لتلك العلاقات، وبهذا يتعدل سلوكه إلى شكل يساعده على التوافق في تعاملاته مع الغير ... ويترتب على ذلك: 1- أن صبح الطفل أكثر وعيا بذاته. 2- التنبه إلى اتجاهات الغير نحوه. 3- تكوين بعض الاستجابات المنظمة حينما تصدر اتجاهات من الغير نحوه. 4- يوحد الجوانب الأساسية لاتجاهات أعضاء أسرته في كل متكامل نحو بعض الأمور ويعدل من سلوكه في ضوء هذا الإطار العام. 5- الابتعاد نسبيا فيما يتوقعه الغير منهن إلى أن يتوقع من نفسه السلوك المناسب للموقف. 6- تحديد معنى الموقف الجديد في ضوء الخبرة الماضية قبل إصدار سلوك بشأنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 2- مراحل التنشئة كعملية مستمرة لا نهائية : تمر عملية التنشئة الاجتماعية للفرد في ضوء هذه الوجهة بأربع مراحل، وتقسم المرحلة الأولى منها إلى أربع فترات داخلية. أ- المرحلة الأولى: من الميلاد حتى دخوله الروضة. وتتم داخل الأسرة ولها أربع فترات: الفترة الأولى: الطفل في هذه الفترة لا تمارس عليه أية ضغوط اجتماعية، ويعيش في هدوء وسكون. فمنذ مولد الطفل تتحمل الأم مسئولية رعايته، ويرتبط بها الطفل ويعتمد عليها. ويمنح الطفل من الأسرة والأم كل العطف والعناية، ولا يتوقع إطلاقا منه مشاركات إيجابية. والأم رغم حبها وحنانها على الطفل وتحقيق احتياجاته، لا تهمل واجباتها الأسرية الأخرى. الفترة الثانية: الطفل في هذه الفترة تبدأ الأسرة معه السيطرة والضبط، وتنوب الأم عن الأسرة لأداء هذا الدور، وتحاول إعلاء سلوكه إلى سلوك اجتماعي، نظرا لتعلمه بعض الأداءات واكتسابه بعض الكلمات التي تسهل له الاتصال وإبلاغ بعض الرغبات. ويبدأ الطفل في التوتر نتجة الممارسات التي تفرضها الأم، والحرمان النسبي من تلبية كل الرغبات، وهنا يكون سلوك الأم قد بدأ يتغيير، ولكن هذا التغير لا يتبعه أن يتحمل الطفل مسئولية أفعاله. وتسمح الأم للطفل بممارسة بعض السلوكيات إنها فترة سماح، Permissive، لكنها ليست على نفس النحو في الفترة الأولى، وبالرغم من ذلك فهو يحب الأم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الفترة الثالثة: تبدأ إمكانات الطفل تنضج لتعميم الحب إلى أبعد من الأم، ويبدأ الطفل إدراك نفسه كفرد بين من يكونون الأسرة، ويعرف الأب. وتبدأ مرحلة توحده مع أفراد الأسرة. وتتخلى الأم في هذه الفترة عن مسئولياتها تجاه الطفل نسبيا إلى الأب. ويعيش الطفل في هذه الفترة زمنا تنكر فيه أغلب رغباته الفطرية، وتلاحقه مجموعة من الأوامر والنواهي والتعليمات التي تقيد حركاته وتضبط سلوكه، التي يعجز عن فهمها رغم إدراكه لها. ويساعد ما يحصله الطفل من خبرات ومهارات في هذه الفترة على اكتساب مركز جديد في الأسرة. الفترة الرابعة: يتوحد الطفل في هذه الفترة مع الأب كموضوع جديد. ويبدأ دور الأم في التغيير ويصبح دورا والديا، ويبدأ نشوء الضمير ويصبح الأب والإخوة موضوعات عند الطفل يتبادل معهم التفاعلات. ويؤدي الأب في هذه الفترة دورا هاما كموضوع للإشباع العاطفي للطفل، وإن كانت الأم أكثر إيجابية نحو الطفل إلا أنها أقل مساعدة له. وتؤيد الأسرة تحولها إلى ممارسة الثواب والعقاب. إنها فترة توافق مع المراكز الجديدة في الأسرة والتي يكبت فيها رغباته السابقة. ب- المرحلة الثانية: ويطلق عليها Parsons الطور الثانوي للتنشئة، وتكون خلال مراحل الدراسة من الابتدائية حتى نهاية التعليم أو الحصول على المؤهل. والمدرسة أول نسق اجتماعي يدرك فيه الطفل التباين الاجتماعي ليس على أسس بيولوجية، بل على أساس التحصيل والقدرات، يقابل الطفل رفاقا جددا، ويواجه الطفل لأول مرة فترة توضع فيها قيم أسرته وأفكارها في الميزان. ويتخذ الطفل نماذج غير الأب والأم كموضوع، ويتحرر أكثر من الارتباط بهما مع وجود معلم أو معلمة. ويعدل المنهج الدراسي من بعض الأفكار ويتكيف التلميذ مع النظام الاجتماعي الجديد. حتى يصل الطالب إلى الجامعة، ويبدأ الإحساس بالفروق في التخصصات تبعا للقدرات. ويدرك الفروق في التخصصات المهنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 جـ- المرحلة الثالثة: وتبدأ من الخروج من التعليم إلى العمل. ويبدأ تكيف المرء من جديد مع الأنساق الجديدة التي يرتبط بها وازدياد عدد الأدوار وتغير توجيهات القيم، وربما أدى ذلك إلى بعض التوتر، نتيجة خبرات حياة عملية جديدة. د- المرحلة الرابعة: تبدأ بتكوين الفرد أسرة جديدة. وهي فترة تتداخل مع الفترة الثالثة، وربما تسبقها في بعض الأحيان لدى بعض الأفراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 تاسعا: حدود التنشئة الاجتماعية مدخل ... تاسعا: حدود التنشئة الاجتماعية تبدأ التنشئة منذ اللحظة الأولى في حياة الأفراد مرورا بالعديد من الأمور حتى اختيار الوالدين للون الذي يلائم الإناث والألوان التي تناسب الذكور. فهي عملية معقدة متشابكة تتأثر بعوامل خارجية وداخلية. والجماعات والمؤسسات الموجودة في المجتمع تلعب الدور الأساسي في هذه العملية مثل الوالدين والإخوة وجماعة الرفاق. وجميع هؤلاء يبذلون جهدا كبيرا ويقضون جزءا من أوقاتهم في العمل على إيصال القيم وتشكيل وتعديل سلوك الأطفال. وتختلف كل من القيم والمعايير والأهداف والوسائل التي تنطوي عليها عملية التنشئة الاجتماعية عبر المجتمعات، بل إنها تختلف داخل المجتمع الواحد من جماعة إلى أخرى، بل وفي المجتمع الواحد عبر الأزمنة والعصور. وتعتبر التنشئة الاجتماعية للأفراد في مراحل الطفولة ليست كافية تماما لمواجهة مطالب الحياة اللاحقة، فهم ينتقلون عبر سلسلة من المراكز تكون مصاحبة لمراحل الحياة. وعلى الرغم من أن بعض توقعات المجتمع شبه ثابتة، إلا أن هناك توقعات تتغير من عمر إلى آخر، في الوقت الذي ينتظر من الفرد الاستجابة لهذه التوقعات المتغيرة بأسلوب مناسب عندما يصبح في حياته أشخاص جدد في العائلة أو العمل أو الدراسة. وبطبيعة الحال فإن فعالية التنشئة الاجتماعية في الطفولة يكون لها التأثير الأعظم في المجتمعات عديمة التغير أو ضئيلة التغير، ولكن لا يتوقع لها الثبات. وربما يأتي الاستقرار في مثل هذه المجتمعات الهادئة من الاستمرار مدة زمنية مع الآخرين المهمين أنفسهم، والذين ينغمر معهم الفرد، مثل الأبوين أو الأقارب الذين يعش معهم الطفل حتى منتصف العمر وأحيانا الأصدقاء الذين يستمرون خلال معظم حياة الإنسان. إلا أنه حتى في بعض المجتمعات عديمة التغير نسبيا لا تمكن تنشئة الطفل في الطفولة نجاحه في التعامل مع كل الأدوار التي يتم مقابلتها في المستقبل، كما أن الأفراد لا يمكن تنشئهم في الطفولة على أدوار سوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 تقابلهم في المستقبل، ومثال ذلك دور الزوج عند الزواج والمدني عندما يجند. ويساهم كل من التنقل الجغرافي والانتقال الاجتماعي المتميز به في مجتمع الطبقات المفتوحة في إظهار عدم كفاية التنشئة في مرحلة الطفولة لمواجهة المواقف التي يتعرض لها الأفراد حينما يصبحون مراهقين أو شبابا. إن تنوع الحضارات الفرعية في المجتمعات الحديثة المعقدة، يضاعف تأثير الانتقال عن طريق متطلبات الأدوار الجديدة وغير المنتظرة التي توضع على الفرد. كما أن التغيرات الاجتماعية السريعة التي تحدث خلال مراحل العمر تظهر عدم كفاية كثير مما وجهنا به في مرحلة الطفولة. وأما هذه التحديات فإن المجتمعات تحاول وضع اللبنات الأساسية لتعلم ضروري في الفترة التالية من العمر عن طريق تزويد الأفراد بما يساعدهم على المبادرة والإبداع والمرونة والقدرة على مواجهة الجديد والبعد عن التلقين وغير ذلك من الصفات التي تفيد في مواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية المتغيرة. ويضيف ذلك على المجتمعات الحديثة أعباء تجديد التنشئة الاجتماعية للأفراد الذين لم يتم إعدادهم لمثل هذه التحديات، وعلى المؤسسات التي تعني بتنشئة الأجيال أن تتطور، ولا بد من توفير برامج تكرس فيها جهودها لهذا الأمر وتأخذ على عاتقها تربية الآباء مع اختلاف الأجيال. ويجب أن نعترف أولا بالصفات المستمرة للتعلم والتنشئة في مرحلة الطفولة والصعوبة النسبية في تغيير أغلب ما تم تعلمه، وبخاصة إذا كان هناك العديد من الآراء تحبذ الرأي الشائع بأن أغلب الجانب غير الواعي من الشخصية "اللاشعوري" يتجمع خلال التنشئة الاجتماعية المبكرة. وإذا افترضنا وجود صفات دائمة للتعلم في مراحل الطفولة، فإن تأثير مثل هذا التعلم على تنشئة الفرد في المراهقة أو الرشد يكون أكثر تعقيدا مما قد يبدو فليس التعلم المبكر وحده المتدخل والمحدد للتعلم المتأخر، وإنما هو واحد من مجموعة تأثيرات. والأصح أن علاقة التعلم المبكر أو عدمه بالنسبة للتعلم المتأخر تقرر هل ستحدد أو ستسهل التنشئة الاجتماعية للأفراد الأكبر سنا. وإن كانت هناك فائدة من إحلال التعلم المتأخر بالتعلم المبكر بخصوص التنشئة والقديم بالجديد، إلا أن هناك حالات يمكن أن يسهل التعلم في مرحلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الطفولة التعلم في الرشد، وبالتالي تكون تنشئة الكبار مرارا ناتجة من خلق توفيقات Combinations من عناصر استجابات قديمة، ويكون غياب تعلم معين في مرحلة الطفولة هو نقطة سالبة في تنشئة متأخرة لأن إتيان الفرد إلى دور اجتماعي في حياته المتأخرة بدون معلومات ولو بسيطة من التنشئة الاجتماعية في الطفولة يعرقل أو يعوق التعلم في السنوات المتأخرة. إن هناك أشياء يجب أن تعرف في مراحل عمرية معينة، وتعلمها في الوقت المناسب "مرحلة حرجة" يجعل التعليم اللاحق ممكنا. ورغم كل ذلك فإن الجدل ما زال دائرا حول تأثير التنشئة المبكرة أو غيابها على التنشئة المتأخرة، ولكن الواضح أن المحتوى الأساسي للتنشئة الاجتماعية يختلف بطرق هامة في المراحل المختلفة لحياة الأفراد وباختلاف المؤسسات الاجتماعية الأساسية. ويتعلم الأفراد أشياء مختلفة في أوقات مختلفة من حياتهم بل وفي أماكن مختلفة أيضا، ومع ذلك فإن معظم المجتمعات تعيد وضع قيمها الاجتماعية جيلا بعد جيل، وأسباب نجاحهم في ذلك معقدة. فقد تعمد المجتمعات إلى إدامة هذه التشابهات عن طريق التلقين الواعي أو تدريب الصغار، أو بفرض ضغوط اجتماعية على كل أعضائها من المهد إلى اللحد، أو عن طريق عدم إتاحة بدائل تكون أكثر قبولا. وربما أضافت الأمثلة التالية مزيدا من الإيضاح وبعضا من عدم التفاؤل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 1- أطفال الكيبوتز Kibbuts: هناك تجربة إسرائيلية في تنشئة الأطفال، تمت على أطفال نسبتهم صغيرة يعيشون في مجتمعات زراعية، تعطي الأطفال فوائد ومزايا العيش في جماعة "تربية جماعية" وذلك خلال جزء من اليوم، وتترك رعاية الوالدين باقي اليوم، وأطلق على نظامهم هذا "الكيبوتز" الذي ساعد في حل بعض صعوبات تواجهها الأمهات العاملات، وكذا عاون هذا النظام في القضاء على بعض مشكلات المراهقين من نظير الاستقلال عن الأسرة. إن الأطفال في هذا النظام يعيشون في جماعات مختلفة من حيث الحجم، وينتمون إلى مجموعات كل حسب عمره، بحيث تكون كل مجموعة تحت رعاية مربية أو مدرسة. وعلى الرغم من كون أولياء الأمور مسئولين أساسيين عن أطفال الكيبوتر إلا أن هؤلاء الأطفال يقضون وقتا كبيرا مع أقرانهم ولهم علاقات وطيدة بهم ويقضون وقتا قليلا جدا بمفردهم، ويتعود الأطفال في هذا النظام الانفصال عن والديهم لمدة يوم أو أكثر في سن مبكرة. مما يشجعهم ويدعم لديهم الاستقلالية من الصغر مقارنة بالأطفال في غير هذا النظام. ولأطفال الكيبوتز شلة كبيرة من الأصدقاء مقارنة بالأطفال العاديين. وإذا كانت المربية أو المدرسة في نظام الكيبوتر تتولى رعاية الطفل وتعلمه الانضباط والنظام وحسن التعامل مع غيره، كما أنها في غالبية الأحيان مصدر للحب والعطف، فإن الوالدين يصبح لديهم الوقت الكافي بمنح الدفء والحنان وتوفير المأكل لأطفالهم. على الرغم من أن الأطفال لا يعتمدون كليا واقتصاديا على والديهم كما يشير Fong and Resnick، فكل الأطفال يحصلون على قوتهم من المجتمع الذي ينشئون فيه ويعملون فيه مما يدعم الاعتماد على النفس. ونتيجة لهذا النظام ينشأ مراهقون في جماعات ليس لديهم نفس الخلافات أو مستواها مع الوالدين من أجل الاستقلال والشعور بالحرية، فهي تمنح وتشبع من خلال هذا النظام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 2- استحالة الجتمعة للطفل : وهناك فكرة تقول أن أناسا معينين لا يصبحون اجتماعيين أبدا. ولنتأمل المثال التالي الذي عرضه Lambert عن Dollard. Davis: لقد أطلق معارف التلميذة جوليا عليها اسم المشاغبة أو المشاكسة ذات المتاعب. إن لجوليا صديقة وحيدة، فهي لا تكوِّن جماعة رفاق مقربة أو تشترك فيها. ويرى المدرسون والتلاميذ الذين يعرفونها أنها تحب جذب الانتباه وحب الظهور، وتفخر جوليا بأن من يعرفها داخل المدرسة يعتقد أنها مجنونة ويمكنها أن تتصرف أو تفعل أي شيء من سب وشجار للرفاق أو المدرسين، ولأنها في بيئة. غير عربية فلا تتردد في أن تقبل زميلا لها في فناء المدرسة ... ولا يستثنى من شجارها حتى والدها أو والدتها، وتعلم جوليا أن أمها لا تحبها ولم تحبها ولن تحبها نهائيا، ورغم أنها رقيقة الجسم إلا أنها فتاة مسترجلة تتشاجر بكلتا يديها بدلا من الأدوات الحادة كالسكين، ولا تهدأ إلا بعد أن تنتقص من فتيان المدرسة وتصفعهم على وجوههم خلال الشجار العنيف. وعندما نعلم أن جوليا كانت فتاة زنجية من أسرة تقع في أدنى مراتب الطبقة المنخفضة لا يعود هناك شك في نمط تكيفها الاجتماعي، ربما أمكننا القول أن هذه الفتاة أعدت إعدادا حسنا لنوعية الحياة الضحلة البائسة التي كان من المتوقع أن تعيشها، وليس في مدرستها أو بيئتها الحالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 3- محو آثار التنشئة : وهناك مثل آخر شهير اتبعه الشيوعيون الصينيون لنزع الطابع الاجتماعي ومحور آثار التنشئة الاجتماعية السابقة من بعض الأسرى الأمريكيين خلال الحرب الكورية. لقد أجريت مقابلات مع العديد من الأسرى عقب إطلاق سراحهم، فعرف منهم أن الصينيين لم يكتفوا بمحاولة محو آثار التنشئة الاجتماعية للأسير الأمريكي فحسب، بل حاولوا أيضا أن يعيدوا تشكيلهم اجتماعيا، بجعلهم يؤمنون بالمعتقدات والقيم الشيوعية الصينية. وعلى الرغم من أن الصينيين قد نجحوا في أمور هامشية قبلت التغيير لدى الأسير الأمريكي، إلا أنهم فشلوا في هدفهم الرئيسي، مما يوضح قوة التأثير للتنشئة الاجتماعية التي مر بها الجندي الأمريكي قبل الأسر. ويشير Lambert and Lambert إلى أن نزع الطابع الاجتماعي عن إنسان إلى الدرجة التي يتغير بها تغييرا جذريا يتطلب التعامل بذكاء مع البنية Structure النفسية الاجتماعية التي تتحكم في شعوره بذاته. والجيش الأمريكي مثل باقي الجيوش، منظم بحيث يحول الفرد المجند إلى رجل عسكري باسل، وهو أمر يتطلب عملية تنشئة اجتماعية قوية. ونظرا لعلم الصينيين الشيوعيين بذلك فقد كان هدفهم الرئيسي تدمير الثقة بين الأسرى الأمريكي، وتم إبعاد الضباط عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الجنود، وإبعاد الأصدقاء عن بعضهم البعض، ومنع أشكال التعارف لكي لا يجد الأسير الطمأنينة في الصحبة، وأغري الأسرى الضعفاء بالمعاملة الخاصة كي يبلغوا عن رفاقهم، وأظهرت هذه المعاملة للأسرى غير الضعفاء حتى تنخفض الروح المعنوية وتنهدم، ومع ذلك فقد بقي كل أسير في حالة من الحيرة حول ما إذا كان هناك عملاء سريون بين الأسرى. وحينما أصبح الأسرى شبه معزولين وحيدين على هذا النحو أجبروا على الاستماع إلى أفكار دعائية مستمرة تلقن الجوانب السالبة في حياتهم السابقة والجوانب الإيجابية في حياتهم المستقبلة إذا اتبعوا الأوامر الصينية، وقد أرغم الأسرى على المشاركة بفعالية ونشاط في عملية إعادة تصوراتهم عن قياداتهم الأمريكية عن طريق الاعتراف بالأخطاء التافهة التي تحدث في جيشهم الأمريكي، هذه الاعترافات التي كانت تدعم بالمكافآت بالإضافة إلى التهديدات لغير الراغبين في الإدلاء باعترافات. لقد شعر الأسرى بالوحدة والخوف وعدم الثقة بين بعضهم البعض، وملأت عقولهم الدعاية، والشعور بالتقبل والمعاملة الحسنة إذا تغيرت معتقداتهم، والثقة في ظهور الرعب إذا بدت منهم أدنى مقاومة. ورغم انهيار بعض الأسرى بسبب أوجه النقص في تنشئتهم الاجتماعية المبكرة، وانحنى بعض الأسرى قليلا ثم استعادوا قواهم، وتمرد كثرة منهم ضد عملية غسيل المخ Brain washing المتبعة معهم، فمات بعضهم، وعموما فشل الصينيون في مهمتهم، ورغم أنه من غير المعروف على وجه التحديد لماذا فشلوا، ولكن يأتي مع فشلهم ما ظهر من فعالية وقوة عمليات التنشئة التي جعلت هؤلاء الأسرى الأمريكيين على هذا الصمود، لدرجة أن أحد الأسرى أخذ يقرأ بصوت مرتفع فقرة من كتاب كارل ماركس بلهجة فكاهية مما أدهش الصينيين عدم الخوف والإصرار الذي يظهر على من هم مثل الأسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 عاشرا: أهداف ومحتوى التنشئة الاجتماعية للأطفال هناك أهداف حددها Parsons, Selznick and Broom للتنشئة الاجتماعية وقد تمثلت في: أ- إعلاء رابطة الحب بين الطفل والأم، وإقامة التزامات حول إمكانيات الانجذاب نحو الغير. ب- التنشئة الاجتماعية ترتبط بما تقوم به من عمليات تعليم، وبما يحتاج أن يعرفه الشخص حتى يتوافق مع مجتمعه، وحتى يتمكن من تنمية لقدراته وإشباع لحاجاته. جـ- تلقين الأطفال نظم المجتمع الذي يعيشون فيه، منتقلين من التدريب على العادات الخاصة بهذا المجتمع إلى الامتثال لثقافة هذا المجتمع. د- تلقين الأطفال مستوى الطموح اللازم للعيش وسط هذه الثقافة. هـ- تعليم الأطفال الأدوار الاجتماعية. و إكساب الأطفال المهارات المطلوبة للتوافق مع أفراد المجتمع، وحصولهم على الأدوات التي تساعدهم على الاندماج مع الجماعات مثل اللغة. ز- غرس القيم وأهداف الجماعة التي ينتمي إليها الطفل والتي تشكل ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، لتحقيق توقعات الأدوار التي سوف يواجهها يوما ما مثل إعداد الطفل لأداء دور الأخ والابن والزميل والأب. ح- إكساء المرء نسقا من المعايير الأخلاقية التي تنظم العلاقات بين الفرد وأعضاء الجماعة، وتمثل هذه المعايير السلطة الخارجية على الفرد. وعموما لا توجد أهداف دون توافر أدنى محتوى يتطلب عددا من الاحتياطات الجوهرية. لقد وهب الله الإنسان القدرة على إدراك الزمن والمكان، وهو القادر على جعله يتمكن من استحضار الماضي ومعايشة الحاضر وتصور المستقبل، مما جعل الإنسانية تتوارث ثروة حضارية تتمثل في القيم والعادات والتقاليد والاتجاهات التي يعبر عنها في ضوء أنماط من السلوك. وتضيف الإنسانية لهذه الثروة يوما بعد يوم نتيجة للتغير والتطور. وتستثمر الإنسانية التراث بنقله للأجيال، بحيث يصبح للفرد في هذه الأجيال وعي وإمكانية للاستجابة إلى المؤثرات الاجتماعية، وما تشتمل عليه هذه المؤثرات من ضغوط وما تفرضه من واجبات كي يعيش مع غيره ويسلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مع الآخرين مسلكهم في الحياة، ويتعلم الأنماط السلوكية التي تميز ثقافة مجتمعه عن الثقافات الأخرى. ومن هنا يحتوي ذهن الفرد على أفكار وممارسات ومعايير وقيم المجتمع الذي يعيش في إطاره، ولا يصبح مجرد راوية أو مقلد، وهذا ما يعلنه Lindgren, Watson. ولكن محتوى التنشئة يتطلب عددا من الاحتياطات تجعلنا نقترب بأطفالنا من السوية والتوافق الاجتماعي، وهذه الاحتياطات هي: - البعد عن القيم والاتجاهات التي تجعل الأطفال يستسلمون للخرافات [الشيخ لحاف وأمنا الغولة ... ] . - البعد عن العادات التي تزرع في نفوس النشء الاستسلام أو اللامبالاة أو التواكل أو الأنانية. - البعد بالنشء عن النماذج التي تنجح دون رادع عند استخدامها لأساليب المغافلة والتضليل والخداع والغش والكذاب الشخصية الفهلوية ... - عدم تعريض الأطفال لأنماط متناقضة من التنشئة مثل الانقياد لأوامر الوالدن بالمنزل دون مناقشة في الوقت الذي نطلب منهم فيهم إيجابة التفاعل والمبادأة وحرية الرأي أمام الزملاء والمدرسين بالمدرسة. - عدم التناقض أثناء التنشئة للأطفال بين القول "عدم الكذب مثلا" والفعل "إنكار وجود الأم عند اتصال صديقة لها بالتليفون". - البعد بمضمون التنشئة عن الانفتاح الثقافي المنحرف بعدم الانغمار في نقل ثقافة بعض المجتمعات الأخرى غير المناسبة لمجتمعاتنا إلى أطفالنا [الأفلام الإباحية، قصص العنف، نماذج العدوانية] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 حادي عشر: شروط تحقق التنشئة الاجتماعية الملائمة هناك بعض الشروط الأساسية في ضوئها تتحقق التنشئة الاجتماعية الصحيحة، وقد عرفت هذه الشروط لدى Elkin and Hardel. وفي مقدمتها أن الطفل حديث الولادة، يأتي إلى مجتمع موجود بالفعل Existing Society له معاييره وقيمه وقوانيه، واتجاهاته، وبه بناءات اجتماعية منمطة ومنتظمة، ومع ذلك تتعرض للتغير. ولا يكون للطفل المولود غير المهيأ اجتماعيا أي دراية بتلك البناءات أو التغيرات الممكنة، وتصبح مهمة الشعور والتفكير والتفاعل من جانب هذا الصغير محددة للوسائل والطرق التي يجب أن يمر بها كقادم جديد New Comer إلى التنشئة في مجتمع ما. كما أن مدخل التفاعل الرمزي يشير إلى أن طبيعة الإنسان تتضمن المقدرة على القيام بعمل الآخرين في الوقت المناسب، وكذلك الشعور مثلهم. أو بصفة عامة القدرة على التعامل برموزهم Symbols، ولا يخفى أن هذا التعامل يختلف باختلاف الرموز الاجتماعية مثل الأصوات Sound and Voice والإيماءات Gestic and Gesticulation والإشارات Hints and Insinuation وما إلى ذلك. وهذا الاختلاف يذكيه وجود الطفل بين والدين ومربية وروضة أو مدرسة ومعلمة ... إلخ، وربما كان كل من هؤلاء على طرف، مما يوقع الطفل في كثير من اللبس، وربما التعقيد أو التناقض في الوقت الذي تحتل هذه الجهات أهميتها لدى الأطفال. وهنا يكون الاتساق هاما جدا. وكذلك فإن تفسير تصرفات الطفل ومظاهر تنشئته يجب أن تدور في نطاق بيئته التي نشأ فيها والتي يمكن تقسيمها إلى: أ- تنشئة اجتماعية أولية Primary Socialization داخل الأسرة فيما قبل الست سنوات من العمر، أو يطلق عليها مرحلة مغطاة Covert وهي أعمق أثرا في تكوين شخصية الفرد. ب- تنشئة اجتماعية ثانوية Secondary Socialization يتعرض لها الطفل خارج أسرته في الحضانة والروضة والمدرسة والمسجد والنادي ووسط الرفاق ... ، ويطلق عليها مرحلة مكشوفة Overt وتستمر مع الإنسان أثناء حياته، وقد يتعرض خلالها لإعادة تنشئته Resocialization نظرا لتردده على مجتمع مغاير أو أكثر عن الأسرة. جـ- تنشئة اجتماعية موازية Parallel Socialization وتعتبر موازية لأي من الصورتين السابقتين وهي عبر وسائل الإعلام "تلفزيون، راديو، قصص، مسرح ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ثاني عشر: نتائج التنشئة الاجتماعية على الأطفال علمنا فيما سبق أن طريقة تنشئة الأطفال في مجتمع ما تعكس طبيعة ذلك المجتمع، بحيث تقترب بالشخصية المتشكلة من نمط أو طريقة الحياة في هذا المجتمع. فالمجتمعات المحبة للحروب تدرب أطفالها على السلوك العدواني، والمجتمعات التسلطية تدرب أطفالها على احترام السلطة ... أما الأطفال الذين لا ينشئون بهذه الأساليب في تلك المجتمعات فإنهم يميلون فيما بعد إلى عدم التوافق وربما الانحراف ويأتي التباين بين أنماط المجتمعات الإنسانية إلى أنماط التنشئة الاجتماعية التي اتبعت مع شعوبها والتي شجعتها تلك المجتمعات في ذلك الوقت ... ومع كل ذلك فإن التنشئة الاجتماعية تصل بالأطفال إلى: 1- التعلم الاجتماعي للطفل: من خلال التنشئة الاجتماعية يكتسب الطفل عادات وقيم وتقاليد مجتمعة، حتى يصبح فهمه وإدراكه للعالم المحيط مصبوغا بطبيعة المجتمع، وحتى يأتي تفسيره للأمور في نطاق ذلك الفهم. ويعد هذا الاكتساب تعلما اجتماعيا. ويصل تأثير هذا التعلم الاجتماعي إلى أقصى درجاته في الطفولة. ويحقق التعلم الاجتماعي عددا من الحاجات مثل: العطف والحب والاستقلال وتأكيد المكانة الاجتماعية. كما أن تقمص الطفل لدور الكبار في سلوكهم الاجتماعي له أهميته في هذا التعلم الاجتماعي للطفل. ويسهل التعليم الاجتماعي الذي حصل عليه الطفل لتعلم اجتماعي في مراحل تالية من عمره. 2- تكوين الأنا والأنا الأعلى عند الطفل: تعتبر عملية تكوين الأنا من أهم نتائج التنشئة الاجتماعية، ويشتق الطفل الأنا الأعلى سماعيا من أوامر الأب ونواهيه. 3- التحكم في العدوان عند الطفل: لا تعني التنشئة الاجتماعية للأطفال القضاء على السلوك العدواني لديهم ولكن يجب أن توجه التنشئة الاجتماعية النشء كي يثوروا للحفاظ على كرامتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وعلى أنفسهم وعلى ممتلكاتهم، وما هي المواقف التي يجب ألا يبدأ هو فيها بالعدوان. ولذلك فالتنشئة الصحيحة تراعي تجنيب الأطفال مواجهة المثيرات التي تؤدي إلى العدوان وتجبر المخارج لتفريغ الشحنات العدوانية أو البدائل التنفيسية. 4- تعلم الأطفال للأدوار الاجتماعية: تنتهي التنشئة الاجتماعية للأطفال بأن تعلمهم كيف يسلكون بما يتفق مع أدوار اجتماعية معينة "دور الابن، دور التلميذ، دور الأخ ... ". 5- تعلم الطفل ضبط السلوك: تصل التنشئة الاجتماعية بإيجاد ضوابط تأتي من داخل الطفل توجهه إلى السلوك المتقبل في بيئته مثل: - ضبط التبول. - ضبط التبرز - ضبط البكاء والصراخ. - اكتساب الآداب العامة ومبادئ هذه الآداب. - ..... ....... ....... 6- تعلم الطفل التعلق: إن الفرد خلال مراحل نموه من طفولته إلى رشده، يسعى لأن يكون على مقربة من بعض الأفراد، وينفصل أيضا عن آخرين أو يبتعد عنهم، وبذلك تتخذ تنشئته وجهتها السوية. ومن مظاهر التعلق عند الطيور سير الفراخ وراء الأم، ولدى الحيوانات التصاق صغار القردة بالأم. ومن مظاهر التعلق عند صغار الأطفال.. كف الطفل عن الصراخ عندما تحمله أمه، والمناغاة والابتسام للأم أسرع من الآخرين عندما يداعبونه.. واستجابات الترحيب عندما يجد الأم مقبلة مثل تحريك الأرجل أو رفع الأذرع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وكذا الزحف خلف الأم عندما تمشي أمامه والالتصاق بها عندما تحمله أو الهروب إليها طلبا للنجدة حينما توجد أشياء تخيفه. 7- التوافق الاجتماعي للطفل: خلال عملية التنشئة يتغير سلوك الطفل ليتسق ويقترب من سياق الجماعة التي يعيش معها أو وسطها، ويخضع أكثر بمرور الوقت للالتزامات الاجتماعية، ويتم ذلك طبقا لمرحلة النمو التي يمر بها الطفل، وفي ذلك محاولات للتوافق مع الآخرين والبيئة المحيطة ... ويصل الأمر قرب الطفولة المتأخرة إلى توافق اجتماعي إذا ما كانت التنشئة قد اتخذت وجهتها الصحيحة. 8- نقل ثقافة الأجيال: تعمل التنشئة السوية على إكساب الفرد ثقافة من سبقه. فنجده مثلا يرتدي نفس نوعية الثياب أو الزي ويفضله على غيره من أنواع الزي، ويطالب بالاحتفال بالمناسبات التي علمته إياها أسرته أو وسطه الاجتماعي. واختفاء مثل هذه النواحي وغيرها لدى الأطفال من جيل إلى آخر يعني فشلا في جزء من أجزاء التنشئة، وإذا كثرت نقاط الفشل في أجزاء وأجزاء فإن التنشئة لا تكون قد حققت وظيفتها الثقافية، وربما أدى ذلك إلى انتهاء مجتمع قائم أو تحوله إلى مجتمع آخر. 9- السمو بحاجات الطفل: تصل التنشئة الاجتماعية بالأطفال إلى عدم غلبة بعض الحاجات البيولوجية مثل الطعام على اتباع أو الإتيان بسلوك حميد، ويشبع فقط الحاجات البيولوجية التي يرضى عنها المجتمع في ضوء الضوابط المعمول بها مثل الحاجة إلى الجنس، ويرجئ بعض الحاجات في الأوقات غير المناسبة. 10- تعلم الطفل عدم الاتكالبة: إن السلوك الاتكالي يرتبط لدى الأمهات من الإفراط في حماية أطفالهن، وهو ما لا تؤكد عليه التنشئة السوية، ويبدو هذا الإفراط في اتباع الأنظمة الصارمة للتغذية والرضاعة والتشدد في فطام الطفل، لأن ذلك يؤدي إلى إحباط الطفل الذي ينعكس بدوره على الميل إلى الاتكال على الغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ثالث عشر: الإخفاق في تنشئة الأطفال إن عملية التنشئة الاجتماعية هي أكبر الإنجازات، يؤدي الفشل فيها إلى أن يعيش الأفراد حياة تعسة فيها شقاء مستمر، إنهم يفتقدون القدرة على التكيف ويعانون سوء التوافق Maladjustment، ويضعون عراقيل في طريق غيرهم، وربما نتج الدمار في بعض الأحيان مثلما يحدث لبعض المجتمعات. بل إن الحروب كما يشير عبد الرحمن عيسوى ما هي إلا نتيجة الفشل الذريع في عملية التنشئة الاجتماعية في المجتمعات. وبسبب الإخفاق في تنشئة بعض الأفراد نجدهم أكثر عرضة لأن يصابون بالذهان Psychosis أو يدمنوا الكحول Alcohol Addiction أو إدمان المخدرات، وربما سقطوا في الجنوح Delinquency أو الجنسية المثلية Homosexuality أو اندرجوا تحت وطأة المرض النفسي Neurosis. وهناك مجتمعات رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي إلا أن انتشار الأمور السابقة بين أبنائها نسبة عالية، مثل المجتمع الأمريكي. وأهم مرحلة في التنشئة هي مرحلة الطفولة، فإذا أهمل الطفل في بدء حياته، خرج في الأغلب عن السائد والمعروف في الجماعة، فاسد الأخلاق مرتكبا للأفعال الذميمة منحرفا وجانحا عن السواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الفصل الثاني: دور الثقافة في تنشئة الأطفال أولا- للثقافة معنى: الثقافة هي مجموع ما يتعلم وينقل من نشاط حركي وعادات وأفكار وقيم وتقاليد ومعتقدات واتجاهات وفكرة الصواب والخطأ وما ينشأ عن ذلك من سلوك ومشاعر وأنماط للعلاقات يشترك فيه أفراد المجتمع، كما أنها مجموعة طرق ووسائل صنع الأشياء والتكنولوجيا المستخدمة في ضوء القوانين والقواعد المنظمة والديانات المعتنقة. ويتعلم الفرد عناصر الثقافة أثناء نموه الاجتماعي، أي منذ نعومة أظافره من خلال تفاعله في المواقف الاجتماعية. وتؤثر الثقافة في تشكيل شخصية الصغير، ولذلك فهي تحدد سلوك الطفل الاجتماعي وحتى الكبير عن طريق عملية التطبيع الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية. فهي تبلور الأطفال وتشكلهم خلال مراحلهم المبكرة عن طريق نظم أولية Primary Institutions أو أعراف أولية مثل المتعلقة برضاعة الأطفال وفطامهم وتعليمهم ضبط عمليات الإخراج ... ونظم ثانوية Secondary Institutions. فالثقافة نتاج إنساني للتفاعل الاجتماعي والقبول الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وتوافر أنماط اجتماعية عامة مرضية يستجيب الأفراد في ضوئها لحاجاتهم البيولوجية والاجتماعية، وهي تنتقل من جيل إلى آخر، وهي ليست فطرية، وتعتمد في وجودها واستمرارها على استمرار المجتمع، وإن كان هذا الوجود والاستمرار لا يتوقفان على وجود فرد بعينه أو جماعة بعينها على الرغم من أنها وسيلة للتماسك بين الأفراد في مجتمع واحد. إن الاستعدادات الممكنة التي تأتي مع الطفل لا تصبح واقعة إلا بعد تشربه الجزئي للثقافة التي ولد فيها، فهي توفر للطفل ما يؤمل أن يكون عليه. فالطفل في بداية حياته يتقبل الثقافة التي ينشأ فيها مثل تقبله للهواء والماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 والثقافة توفر للفرد وسائل إشباع حاجاته البيولوجية، فليس على الطفل أن يتعلم في بداية حياته كيف يجلب لنفسه الدفء أو ينقذ نفسه من الجوع أو العطش، أو يوفر لنفسه الأمن. إذ إن الأنماط التي توفر هذه الأمور الأولية وتوجهها توجد في الثقافة ويتفاعل معها الفرد منذ طفولته. كما أنها توفر للطفل منذ مولده حتى يصبح كهلا المعاني والمعايير التي توضح الأحداث هل هي طبيعية أم غير طبيعية؟ هل هي منطقية أم غير منطقية؟ هل هي جميلة أم قبيحة؟ هل هي هامة أم تافهة؟ وتعتبر الأسرة الوعاء الثقافي الأول الذي ينشأ فيه الأطفال، فهي وسيط الثقافة الأولى لما يلي: 1- ترعى الطفل أوليا في الغذاء والنظافة والملبس ... إلخ. 2- توجه الطفل للتعامل مع غيره من خلال مبادئ وأساسيات التعامل خذ، هات، أعط، اشكر ... وهكذا. 3- تنقل التراث الثقافي للطفل بتعريفه وتعليمه وتلقينه العادات والتقاليد التي يجب أن تراعى وأوقاتها ومناسباتها. 4- تساعد الطفل في تعلم المبادئ الأولية التي تساعد على التوافق الاجتماعي في ضوء رغبات الآخرين وإمكاناتهم. ولما كانت الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع، لذا فإن النمط الشائع بين أسر المجتمع الواحد يعكس ثقافة ذلك المجتمع. وتصبح الثقافة السائدة في المجتمع لها دورها في تشكيل شخصة الإنسان الذي نشأ فيه، وينعكس ذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي ترسم الإطار العام لسلوكيات الأفراد، وهذا ما جعل Mead تضفي أهمية دراسة المجتمعات البدائية وغير البدائية لإعطاء صورة عن تأثيرات الثقافة السائدة على سلوك الاطفال، وهو الأمر الذي لم يغفله المؤلفان الحاليان. ويشير ماهر عمر إلى أن دور التفاعل بين الأطفال الصغار وبين الثقافة المحيطة بهم تفسره النظريات التطورية للمعرفة Cognitive- Development Theories على أنه يسهم إلى حد كبير في تنشئتهم الاجتماعية المتعلقة بتحديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أدوار الجنس Sex- Role التي يمارسونها بما يجعلها تتصف بالذكورة أو الأنوثة ومن ثم يستنبط الطفل من هذه الثقافة نمطه السلوكي الذي يجده معمما على أفراد جنسه من الذكور إذا كان ذكرا أو معمما على أفراد جنسه من الإناث إذا كانت أنثى. وإذا كانت النظريات التطورية للمعرفة تركز بصورة أساسية على دور التفاعل الإيجابي بين الأطفال والثقافة السائدة في دعم التنشئة الاجتماعية التي تحدد الأنماط السلوكية لأدوار الذكور منهم ولأدوار الإناث، فإن نظريات التقمص Identification Theories تربط التنشئة الاجتماعية لصغار الذكور بما يكتسبونه من سلوكيات نمطية لأدوار الرجال التي يقلدونها من النماذج الذكرية التي يلتقون بها أو يشاهدونها أو يقرءون عنها في كل مرحلة من مراحلهم العمرية، ولا سيما مرحلتي الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة مثل الآباء والأقرباء والأصدقاء والزعماء والقادة والفرسان ... وغيرهم. كما تربط هذه النظريات "التقمص" التنشئة الاجتماعية لصغار الإناث بما يكتسبونه من سلوكيات نمطية لأدوار النساء التي يقلدنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 من النماذج الأنثوية في مراحلهم العمرية المختلفة مثل الأمهات، والخالات والعمات والمدرسات ... وغيرهن. أما نظريات التعلم الاجتماعي Social Learnign theories فتربط التنشئة الاجتماعية للأطفال بما يكتسبونه من سلوكيات نمطية لأدوار الرجال أو أدوار النساء، بناء على ما يتعلمونه من المحيطين بهم من وسائل الإعلام المنتشرة حولهم مستخدمين مبدأ التعزيز أو الدعم Reinforcement للسلوك النمطي الصحيح للدور الملائم لجنس الطفل ومبدأ الإطفاء للسلوك النمطي غير السليم للدور المخالف لجنس الأطفال. وسوف نعرف فيما يلي بعض النظم التي تختلف باختلاف الثقافات والمجتمعات، وربما باختلاف الطبقات داخل نفس المجتمع. وسوف نقسمها إلى نظم أولية ونظم ثانوية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ثانيا: نظم تشكيل الأطفال تبعا للثقافة النظم الأولية ... ثانيا: نظم تشكيل الأطفال تبعا للثقافة 1- النظم الأولية: أ- نظام الرضاعة: إن الأم بتنظيمها عملية الرضاعة للطفل تمهد لإعداده لنظام التغذية المتبع في الثقافة التي تعيش فيها، إن هناك معايير اجتماعية تتصل بتغذية الطفل تختلف باختلاف الثقافات من حيث درجة تشدد الجماعة في إلزام الطفل الناشئ بها عند التطبيع مثلا إن الطفل يعتمد على ثدي الأم لمدة أطول من الغذاء الصناعي أو العكس، أو إن الطفل يعتمد على ثدي الأم لفترة قليلة جدا خشية التأثير على رشاقتها وجسدها. وربما يختلف الأمر داخل الثقافة الواحدة باختلاف الطبقة الاجتماعية والحضارية، فبينما نجد الأم في الريف المصري تحافظ على رعاية عملية غذاء الطفل عن طريق الثدي نجد الأم في المدينة تتعجل عادة تقديم الرضاعة الصناعية. ولا تقتصر أهمية الرضاعة على مجرد إطعام الطفل، بل يحس الطفل أثناء الرضاعة بالحب والعطف والطمأنينة والتمتع بعملية المص في فترة مبكرة والتي تنعكس أثارها على إقبال الأطفال على مص أصابعهم في حالة عدم إتاحة فرص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 كافية لهم للامتصاص من ثدي الأم، وعلى أي حال فإن الأطفال الذين تقل فرصتهم في الرضاعة الطبيعية أو الصناعية غالبا يزداد ميلهم فيما بعد لمص الأصابع بالإضافة إلى مشكلات أخرى. ب- نظام الفطام: تختلف الثقافات فيما بينها في توقيت عملية الفطام، وكذا الطريقة التي تتم بها هذه العملية، فبينما تتم بقسوة في بعض المجتمعات نجدها في مجتمعات أخرى يبدو فيها اللين، وإن كانت الثقافات كلها تمهد للأمر بإطعام الطفل بمواد لينة وإعطائه السوائل والعصائر. فهناك ثقافات تهجر فيها الأم طفلها بضعة أيام حتى يتعود فراق ثدي الأم بينما نجد ثقافات تتخذ من الصبار أو المر دهانا لثدي الأم لتنفير الطفل في حين نجد ثقافات تستخدم الشطة أو الفلفل. وعلى أي حال فالقسوة في عملية الفطام لها آثار سلبية على البناء النفسي للطفل، وليس غريبا أن يعاني الطفل عقب تلك القسوة من قلق دائم. كما أن الحرمان المبكر للأطفال من ثدي الأم يجعلهم يقتربون مستقبلا من الاتصاف بالبخل والحنين الدائم للأم أو بديل لها، بينما الحرمان المتأخر يجعلهم يقتربون مستقبلا من الاتصاف بالشجاعة والكرم والميول الاجتماعية. جـ- نظام الإخراج: تختلف الثقافات في السن التي تبدأ في عملية تعويد الطفل ضبط الإخراج، فبينما نجد بعض الثقافات تهتم بهذه العملية وبحرص شديد في عمر مبكر، نجد ثقافات أخرى تتدرج في هذا الحرص وربما لا تعتني بالأمر. إن الخبرات الصدمية المبكرة المتبعة في ضبط الطفل لإخراج الفضلات تؤدي إلى ما عرف بتشكيل الخلق الشرجي الذي يتبدى في مظاهر الميل إلى البخل والمبالغة في النظام والنظافة والدقة، كما أن القسوة في التدريب على الإخراج تؤدي إلى النزعة العدوانية والميل إلى المبالغة Exaggeration. وتشير البحوث إلى أن التدريب على الإخراج يمكن أن يتم بيسر، ودون ردود فعل سيئة إذا كان الطفل متقدما في السن بصورة تسمح له بفهم التعليمات المناسبة، ولا يمكن أن يتم ذلك بسهولة قبل عمر السنة والنصف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 د- تعديل العادات الجنسية: تختلف الثقافات في بعض النواحي المتعلقة بالجنس، وتختلف في مقدار التسامح في هذا الأمر عند تنشئة الأطفال ففي ثقافتنا العربية نعود الأطفال على ستر العودة في سنة مبكرة وخاصة في الطبقة المتوسطة والعليا، كما نلزم الطفل بأداء التخلص من فضلاته في أماكن محددة أو بشروط محددة. وفي الوقت الذي نجد فيه ثقافتنا تحيط الجنس بنحو شبه غامض أمام الأطفال نجد ثقافات أخرى ربما تنبه له وربما تقدم مقررات وبرامج تربوية للأطفال الأكبر سنا وإن كان أغلب علماء الشعوب يعترفون بضرورة تعديل الميول والغرائز وخاصة الجنسية لضمان النظام الاجتماعي. وفي الوقت الذي نجد فيه المجتمعات الإسلامية تفرق بين البنين والبنات في المجتمع وفي المضاجع في سنة محددة نجد مجتمعات أخرى لا تعير الأمر أي اهتمام، وهذا ما سوف يبدو لنا بوضوح عند استعراض نماذج من طرح المجتمعات في التنشئة للأطفال. هـ- اللعب والثقافة: الألعاب جزء من ثقافة الناس وأسلوب حياتهم العام، وتمدنا الدراسة الدقيقة للألعاب ببعض الاستبصارات عن نوع الثقافة. وللألعاب وظيفتان بجانب أنها تخلص الإنسان من الملل فهي تمثل طريقة لتعليم الأطفال وحتى الكبار بعض الطرق للقيام بالأشياء المهمة، وهي تقدم كذلك نوعا من العلاج، حيث إنها تسمح للشخص الواقع في نوع ما من الصراع الثقافي أن يعيش فترة في عالم خيالي أسهل تتجنب النماذج التعبيرية فيه ذلك العالم الحقيقي الذي يزعجه. ويذكر Lambert john Roberts وميل له أن: - ابتداع ألعاب إستراتيجية مثل البوكر أو المونوبلي أو الشطرنج التي تمنح فرصة تجربة اتجاه الأمل في النجاح من خلال اتخاذ قرارات ذكية يتصل بالضغط العامل على إيجاد الطاعة في عملية التنشئة الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 - ألعاب الحاظ مثل الروليت أو البنجو أو السلم والثعبان ترتبط بالتدريب على المسئولية. - ألعاب المهارة الجسدية مثل المطاردة والتسابق بالأقدام أو السباحة تنشأ أو تفضل حينما تكون الضغوط نحو الإنجاز عالية. ومما هو جدير بالملاحظة أيضا من وجهة نظر عبر ثقافية أنه حيثما توجد أنواع عديدة من الألعاب في المجتمع يوجد قلق بشأن الأداء الإنجازي. وباختصار فإن ثقافة الألعاب في المجتمع تمنح الأفراد فرصا للتخفيف من القلق بشأن سلوكهم الإنجازي "لأن الربح أو الخسارة في اللعبة ليس له أي ناتج غير تخفيض القلق". بينما تعمل في نفس الوقت على تدريب اللاعبين على عمليات التنافس نفسها. وتتخذ الألعاب أشكالا معقدة لدرجة تصبح في الظاهر على الأقل مخالفة لفعاليتها الأصلية مثل البهجة والسرور وغيرها، كما نلاحظ ذلك في ألعاب القمار، وهو ما توافق على ممارسته بعض المجتمعات والبيئات وتحرمه بيئات أخرى. والطفل إذا كان يريد أن يلعب فلأنه يريد أن يلهو ويمرح، ولكن هذا لا يمنع من تحقيق بعض الأغراض الجدية عن طريق اللعب، كما لا يمنع من أن تكون متعة اللهو غير ظاهرة مباشرة على الطفل ذاته لأنه يمارس اللعب بكامل الجدية. وإننا نحدث خلطا في الوقت الذي نحاول فيه أن نقطع على الطفل لعبة لشأن من الشئون، حيث يظهر تذمره الشديد، وقلما فهمنا سبب ذلك، إنه جدية الطفل في لعبة فوق كل الأسباب. وإذا نظرنا إلى ما يمارسه الطفل من الألعاب داخل الأسرة وما يرتبط بها من إعداد وتمرين للقدرات والمهارات أو تنفيس عن الصراعات أو القلق، فهو أيضا له دوره في تكوين حب النظام المتمثل في وضع الأشياء وضعا معينا في الزمان أو المكان بناء على قواعد، وإتمام هذا النظام يصحبه شعور بالانسجام وإدارك له وميل الطفل إلى النظام عملية تثقيفية اجتماعية تسربت بوادرها من هندسة المباني والأثاث والملابس، وهذا ما يجعل النظام لا يبتعد عن المعنى المطلق وإنما هو نظام البيئة الاجتماعية الكبيرة التي يحيا فيها الطفل، فالطفل هنا يحاكي نظام البيئة من أبنية "يبني كوم أو هرم من الرمل" ومناسبات "تطلق الطفلة مجتهدة الزغاريد للعبتها الصغيرة في لعبة عروسة وعريس" ومواقف "تمسك الطفلة عصا وطباشير حينما تلعب مع الأطفال دور المدرسة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وتظهر هذه العوامل الاجتماعية المؤثرة في حب الطفل للنظام من خلال الألعاب المناسبة للزمان والمكان فهي تختلف باختلاف البيئات الاجتماعية بل تختلف باختلاف الطبقات داخل المجتمع الواحد. حقا إن هناك ألعابا تتشابه بين الأطفال في جميع أنحاء العالم، ولكننا لا نرى في هذا ما يعارض هذه النسبية ولا ما يدعو إلى افتراض أنها تبعا لذلك ألعاب بالفطرة فنحن نرى فيها مجرد تشابه من جهة، ومن جهة أخرى فإن تشابه البشر في القدرات والإمكانات العقلية لمكونات مع اتصالية الحضارات كفيل بتوضيحه. والملاحظ أن الطفل يصاحبه الخجل عندما يخرج عن قانون اللعب أو لا يحقق النجاح المناسب فيها وربما يعيره غيره من الأطفال، وإنه يتقبل الجزاء وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن هذه الطاعة لقانون اللعب وعن الداعي إليها. إن اللعب لا يحظى لدى كثيرا من البيئات العربية عموما، وأغلب العائلات المصرية خصوصا بالاهتمام اللازم وذلك نتيجة تصور ضمني يحمله كثير من الآباء المصريين للعب على أنه نشاط ثانوي على الأقل، وأن الطفل الجدي البعيد عن اللعب هو المثالي، فعن طريق تصرف الآباء والأمهات بوحي من هذا التصور في علاقتهم بالطفل، يتكون لديه تناقض وجداني بين ميوله الطبيعية إلى اللعب وبين إرضاء رغبة الكبار في أن يروه مقلعا عن اللعب أو مقلا منه بقدر الإمكان، منصرفا إلى الأمور الجدية، بالإضافة إلى رغبته في أن يكون مثل هؤلاء الكبار، مندمجا في منظومة علاقاتهم. وإنا لنشاهد بين وقت وآخر كثيرا من الأسر العربية تقارب بين الأطفال بقولهم: "ذاك الطفل هاديء مجد أما أخوه فعقله في اللعب والجري". إن الإيحاء هنا قوى التأثير في جعل أحد الطفلين يمعن في هدوئه وانصرافه عن اللعب للحصول على مثل هذا الإطراء، وجعل الطفل الآخر يكون صورة غير صالحة عن نفسه وعن اللهو واللعب. وكلتا الحالتين تساهم في تكوين مفهوم لذات الطفل غير سوية. إن الاعتراف بمشروعية اللعب للطفل، لا ينفصل عن الاعتراف باستقلالية شخصيته، وحقه وحريته. إن هذه الظاهرة المتمثلة في عدم الاعتراف بحق الطفل في اللعب تظهر في التسلطية التي يقطع بها الآباء على أطفالهم ممارسة ألعابهم لقضاء أمر من الأمور التي يرونها جدية، وما يبديه الآباء في نهي الطفل، وربما يفاجئه أحد الآباء وكأنه متلبس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 حقا إننا ربما نلاحظ مع ذلك في بعض العائلات ذات المستويات الثقافية منحهم حق الطفل ببعض حرية اللعب وبخاصة مع طفولته المبكرة، ولكن كلما أصبح الطفل أكبر عمرا، قل نصيبه في الحصول على هذا الحق. كما أن معظم الأسر المصرية فقيرة من اللعب، وما يمارسه الأطفال من الألعاب إنما هو من قبيل تركه لشأنه يفعل ما يشاء، عندما تصبح الظروف مناسبة من وجهة نظر الآباء، أي عنندما لا يكون هناك خطر من تكسير أو إحداث ضجة أو صياح أو نزاع، وبالتالي عندما يكون لعب الأطفال جميلا كتحرك السلحفاة أو تنقل العصافير داخل قفص صغير من السلك هادئا يمثل سلوك الكسالى لا حركات الشياطين. وسواء لعب الأطفال لعب الملائكة أو لعب العفاريت فليس في معظم البيوت المصرية وسائل أو أدوات للعب، لأن أهم دور في الأسرة هو توفير المأكل والمشرب والملبس وتأديب الأبناء وعقابهم إذا لزم الأمر لا إتاحة جو للعب أو المرح كما هو موجود في مجتمعات أخرى. وحتى إن توافر اللعب فإن مبدأ عدم الاعتراف بحرية الطفل وحقه في اللعب بها مرفوض إلى حد ما والأجدى من وجهة نظر الآباء النظر إلى هذه اللعب وهي مرتبة أو مرصوصة في جوانب من صالات الاستقبال أو في مكان بحيث لا يتمكن الطفل من الوصول إليها خوفا عليها من الكسر وليس خشية على الطفل من الشعور بالإحباط. إن تنشئة الأطفال مرتبطة في جزء كبير منها بما يمارس من ألعاب في المنزل، وبمقدار ما يشارك به الآباء أطفالهم في العب وهم صغار وما يعطونه من وقت معهم ليصبحوا أعضاء في اللعبة ولا تكتمل التنشئة السوية في حرمان الطفل من هذا الجانب أو ممارسة اللعب خفية وتسترا. و التدريب على الاستقلالية: وتختلف الثقافات فيما بينها في مدى الشدة واللين المستخدم لتعويد الأطفال على ممارسة أمورهم وألعابهم والمشاركة في بعض الأمور. وقد اتضح أن سلوك الاعتمادية والاتكال عند الأطفال يرتبط بالتشدد في فطام الطفل واتباع نظام محدد في تغذيته كما أن الإحباط الذي يعانيه الأطفال مثلما يحدث أثناء اختيار الأشياء أو اللعب يؤدي إلى ميل متزايد من الاتكالية على الغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 كما أن من عوارض الإفراط في حب الطفل وتدليله أن ينشأ طفيليا، عالة على غيره. في الشعوب الإسلامية والتى تتخذ من الدين قانونا مستمرا، ينهى الدين عن الاعتماد على الغير ويظهر المسئولية الفردية، ويحذر من هذه الصفة الذميمة. وفي هذا الصدد يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس"، كما أن انتظار ما في أيدي الناس أساس الحرمان المادي، ويسبب الذل والهوان عند الله وفي أنظار الناس، وفي ذلك يقول أبو عبد الله عليه السلام: "اليأس مما في أيدي الناس عز للمؤمن". ويقول الله تعالى في كتابه الحكيم في سورة الطور آية 21 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} . ولقد وجدت علاقة ضعيفة بين سلوك الاعتمادية لدى الأفراد وهم أطفال في عمر ثلاث سنوات ودرجاتهم في سلوك الاعتمادية حينما أصبحوا راشدين كما أن الأطفال المعتمدين في عمر 6 سنوات أميل لأن يكونوا سلبيين ومعتمدين في الرشد. والبنات أكثر استقرارا في سلوك الاعتمادية مقارنة بالذكور، بينما الذكور أكثر استقرارا في سلوك تأكيد الاستقلال. وتؤكد على ذلك Maccoby مشيرة إلى أن هناك اتساقا في سلوك الاعتمادية على الغير عند الإناث خلال المراحل العمرية المختلفة مقارنة بالذكور. كما تختلف درجة الاعتمادية عند الأطفال الأكبر وفقا لاختلاف التعزيز والعقاب الذي يتبعه الوالدان والمحيطون بالطفل. وقد دلت البحوث على أن السلوك الاتكالي عند الأطفال يرتبط إيجابيا بما لدى بعض الأمهات من ميل إلى الإفراط في الحماية لأطفالهم، وهذا يختلف باختلاف المجتمعات وثقافتها. والثقافة تنقل هذا السلوك من جيل إلى جيل مثله مثل أنواع أخرى من السلوك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ز- التدريب على العدوان: على الرغم من أن كثيرا من الآباء والمعلمين في أغلب الثقافات يذمون السلوك العدواني إلا أن هذا السلوك شائع عند الأطفال في الثقافات المختلفة وبدرجات وأساليب متفاوتة. ومن الأمور الشائعة في مجال العدوان كسلوك، أنه يسبق بإحباط غالبا، وقد عرض Dallard وزملاؤه في كتابهم الشهير Frustration and Aggression العلاقة بين العدوان والإحباط. وبالرغم من ذلك فإن العلاقة رغم وجودها في أحوال كثيرة إلا أنها غير مؤكدة من حالات أخرى كما سبق أن ذكرنا. إن هناك آباء في ثقافات معينة يحاولون عمدا تعليم أطفالهم الذكور وخاصة ممارسة العدوان من قبيل الدفاع عن النفس، وربما لتصورهم كي يصبحوا رجالا أشداء في المستقبل. كما أن سلوك الوالدين المتبع في وقف المنازعات الشائع بين الأطفال ربما أسهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة في تنمية العدوان. فالوالدان اللذان يستخدمان العقاب البدني بأسلوب متطرف يميل أطفالهم إلى أن يكونوا عدوانيين. وتعد دراسة Patterson ذات أهمية خاصة في هذا المجال، فقد تبين اختلاف بيئات أو ثقافات أسر الأطفال العدوانيين عن الأطفال العاديين. إن الطفل الأمريكي مثلا حينما يكون قد اقترب من المراهقة يكون قد شاهد ما يقرب من 13000 حالة قتل خلال برامج تلفزيونية، وهو أمر لا يصل إليه الطفل العربي، وإن كانت الدلائل تشير إلى إمكانية انتقال تأثير مثل هذه النماذج العدوانية بعد انتشار الأطباق الفضائية المعروفة بـ Dish. إن الثقافة تنقل هذا السلوك بين الأجيال، وربما حدث نوع من الاطراد فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 2- النظم الثانوية : وتتمثل في النظم الاجتماعية التي تشكلها جملة الأفعال والأفكار التي يجدها الأفراد أمامهم جاهزة ومفروضة عليهم، وقد يتجاوز عليها بعض الثوار أو المفكرين والمصلحين ويغيرونها ويجددونها، فإذا حدث التغيير في هذه النظم وأثبت فعاليته يصبح الجديد مفروضا على هؤلاء المجددين وبقية أفراد المجتمع والأجيال المتعاقبة إلى أن يأتي ثوار جدد. وفيما يلي سوف نعرض لأهم النظم الاجتماعية: أ- نظام الاقتصاد: تتميز الحياة الاقتصادية لكل بيئة اجتماعية بنوعية خاصة، بناء على طبيعة ما تنتجه وما تستهلكه في ضوء كونها زراعية أو صناعية. والطفل الذي يربى في ظل حياة اقتصادية زراعية أو صناعية مثلا يتأثر بها، بناء على الوضع الذي هي عليه من حيث الكم والكيف ومن حيث القوانين المنظمة والمبادئ بها مثل: 1- مبدأ توزيع الثروة: وأول ما يحدده هذا المبدأ درجة الغنى والفقر التي تكون عليه أسرة الطفل في ضوء كسب قوة حياة الأسرة بالجهد الشاق أو الجهد المعتدل في ضوء الآفاق السهلة أو المعقدة العسيرة للغنى. وهذا يؤثر فيما يمكن أن يوفر من غذاء وملبس وتعليم ومستوى ذلك الذي توفره. ولا تؤثر درجة الغنى والفقر فيما ذكرناه، بل في درجة حرمانه من عواطف الأم. ففي الظروف الصعبة ربما اضطرت الأمهات إلى ترك أطفالهن لساعات أو طوال اليوم للعمل خارج المنزل من أجل توفير ما يسد رمق الأسرة أو أكثر بقليل. وتحت هذا الوضع وعند إحساس الطفل، تتكون بذور الكراهية والنفور من بعض فئات المجتمع المحظوظة، وتنمو بذور احتقار النفس والشعور بالنقص. وربما قال البعض إن أمامنا بعض الحالات التي كانت على شكل أطفال محرومين تمكنوا بجهودهم أن ينجحوا ويحصلوا على الثروة، ولكن ذلك لا يستتبعه بالضرورة سلامة البناء النفسي لأغلبهم، فضلا عن شخصيته البخيلة الشرسة. إن من المعروف أن أبناء الفقراء يدركون وحدة النقود في مجتمعهم أكبر من حجمها بالنسبة لغيرهم من الأطفال الأغنياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 2- مبدأ السياسة الاقتصادية: إننا أمام ثلاثة منطلقات لهذه السياسة، إما سياسة ليبرالية مفتوحة أو سياسة موجهة أو سياسة معتدلة بينهما. والنظام المعمول به يجعل الأفراد منذ أن كانوا أطفالا يشعرون بمستوى المسئولة الاجتماعية أو الفردية التي يتحملونها أو التي يجب أن تكون على عاتقهم. 3- دور الطفل كمنتج: ينتهي مبدأ توزيع الثروة ومبدأ السياسة الاقتصادية بتحديد دور كل فرد في الإنتاج. وهذا الدور يجعل الفرد يشعر بذاته وأهميتها وفعاليتها إزاء نفسه وإزاء الآخرين من أبناء مجتمعه، وحتى وإن كان الفرد صغيرا، فهناك من الأطفال من يشعرون بانعدام أهميتهم نتيجة وجودهم حتى فترة المراهقة غير مؤهلين لشيء. إن ذلك نتيجة المبادئ التي اعتنقتها مدارس الصغار القائمة على أن مرحلة الطفولة كلها فترة إعداد وليست فترة إنتاج ولو بسيطا. إننا نلاحظ أطفال الريف أو البدو يمارسون أعمال الزراعة أو الرعي منذ سن 6 سنوات أو أقل أو أكثر بقليل، ويشعر هؤلاء الأطفال بمسئولياتهم كاملة، في الوقت الذي نجد نظائرهم من الأطفال في المدينة يبقون غير مدركين لأمور الحياة حتى فترة المراهقة. والنظام الاقتصادي في المجتمع الذي يقوم على جهود أحد الجنسين يجعل الجنس الآخر يعاني من الاغتراب Alienation، إن العامل الاقتصادي المبني على دور كل من الذكر والأنثى في الإنتاج هو الذي يؤدي إلى تطوير بنية الأسرة من سيادة المرأة إلى سيادة الرجل، أو إلى التعاون بينهما، كما نشاهد اليوم في أغلب الأسر في الدول المتقدمة أو بعض طبقات المجتمع المصري. ب- نظام السياسة: من المعروف أن البيئة الاجتماعية العامة ترتبط بقيام السلطة، ومع تطور وتعقد الحياة الاجتماعية تنعقد نظم قيام السلطة. والنظام السياسي يطبع الحياة العامة للأفراد بطابع مميز في المنزل والشارع والمدرسة. ونتيجة لوجود الطفل في هذه الأماكن لأوقات ليست بالقصيرة، يمارس أهل الطفل والطفل نفسه بعض الحقوق السياسية التي ينشأ فيها ويتنشأ عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فالنظام السياسي الاستبدادي يقلل من وجود المصانع المشتركة بين أفراد المجتمع عن طريق ما يلقيه في نفوسهم من خوف ورعب، والطفل الذي يترعرع في ظل نظام من هذا النوع يهيأ لأن يكون انطوائيا وأنانيا. والطفل الذي يترعرع في مجتمع ديمقراطي، يجد أمامه العلاقات اليومية التي تنعكس عليه آثارها المتمثلة في الاعتزاز بالنفس وبالمجتمع وأفراده. فالطفل الذي يشاهد مراسم اختيار رئيس دولته وما يسبقها من حرية في اختيار الزعيم، ويعيش ظروف الكشف عن قضية مثل قضية وترجيت أو تطرفات سابقة للرئيس الأمريكي كلينتون ... وكيف تتخذ فيها الإجراءات القانونية ... يرى كيف أن منصب الرئاسة لا يحمي صاحبه من الاتهامات له أو لكبار المساعدين ... وينمو هذا الطفل واثقا من نفسه معتزا برأيه وغير خائف من قول ما يرى ورؤية آثار ما يقول ... يرى حق الانتقاد ... في الوقت الذي نرى فيه غيره من الأطفال الذين نموا في ظل أنظمة نازية ... تطبق المثل القاتل "من له ظهر لا يضرب على بطنه". إن المجتمعات المتقدمة تختلف أيضا في مستويات سياستها ونظمها، ومثال ذلك ما نلاحظه من تفتح أمريكي مقابل تحفظ إنجليزي عندما يعرض Allport مثاله عن سفينة الركاب الأمريكية التي تسمح للأطفال والكلاب بالتجوال فيها بحرية بينما لا يسمح في الباخرة الإنجليزية للأطفال بدخول الصالونات وبعض المرافق. جـ- نظام القضاء والدين: هذا النظام يتمم نظام السياسة، ويتوقف عليه حقوق الأفراد، فالنظام القضائي والدين يدعم نظام السياسة ومن المعروف أن "العدل أساس الملك". وهذا العدل هو تساوي الأفراد أمام القانون وتجرد القاضي عن الأغراض وكل سلطة يمكن أن تتدخل في أحكامه إلا القانون والدين. فالطفل الذي ينشأ في مجتمع عادل في قوانينه وشرائعه عند اتخاذ القواعد أو التطبيق والتنفيذ لها يهيأ لحب العدالة واحترام الغير، والطفل يتشرب كل ذلك في علاقته بأفراد الأسرة والرفاق في المدرسة. إلا أن ما يعتبر عدلا في بعض الأمور في مجتمع ما ربما كان ظلما في مجتمع آخر، فهناك مجتمعات قائمة على التمييز العنصري أو على التمييز بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الذكور والإناث. فأنظمتها في ضوء قوانينها وتعاليمها عادلة، وفي عرف ثقافات أخرى تعد ظلما فادحا. وهذا لا يجعلنا ننسى المبادئ العامة التي لا يمكن أن تقوم عدالة بدونها مثل احترام الإنسان وعدم استغلاله، أو التقليل من كرامته. فمثلا في الدين الإسلامي لا تعد تربية الأطفال تربية صحيحة واجبا وطنيا وإنسانيا فحسب، بل إنها فريضة روحية مقدسة، وواجب شرعي لا يمكن الإفلات منه. لقد وجدنا في هذا الحديث أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرح بمسئولية الأبوين في تربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجبا دينيا يستوجب أجرا وثوابا من الله تعالى، وإن التقصير في ذلك يعرض الآباء إلى العقاب. يقول الإمام الصادق عليه السلام: "وتجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه". ويذكر علي عبد الواحد وافي أن Lintion درس ثقافتين تتميزان أساسا بنظم دينية مختلفة في درجة التسامح والتشدد إحداهما بجزر المركيز والثانية بجزر تانالاس بمدغشقر. فالأولى تتميز بديانة متسامحة لا تثير الخوف والرعب في الأطفال، والثانية تتميز بالشدة والصرامة في الأمور الدينية. وقد وجد اختلاف بين نمطي الشخصيات للأطفال في الديانتين. وفي الديانة الطوطمية يتضح كيف أن عواطف الطفل في مجتمعاتها تتجه إلى الحيوان والبنات لتتبلور حوله فتحبه وتقدسه، مما يدل على قوة العاطفة الدينية وأثرها على تنشئة الأطفال. فالأفكار الدينية يتأثر بها الطفل لأنها تزرع في نفسه الحب والإيمان، وربما الرعب والخوف وربما من هذا الجنس "رجل" أو ذاك "امرأة" فيتهيأ الطفل إلى إقامة علاقات مع أفراد وينفتح على موضوعات وينغلق على أخرى من خلال سلوك عملي، فتنمى روح التضحية بما لا يضحى به في الظروف العادية، وتطبعه بالتسامح أو التشدد وتهيئه على النحو الذي يجب أن يترجم عليه حوادث العالم المحيط به. د- نظام العائلة: ويتمثل في القواعد التي تخضع لها الأسرة عند تكوينها ووظائفها وعلاقة أفرادها بعضهم ببعض، من زواج، وطلاق، وحضانة، ونفقة، وواجبات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وميراث ... ويرتبط ذلك بدرجة أو بأخرى بالدين والقانون باختلاف المجتمعات. فالطفل يتأثر في تكوينه بالعلاقة بين الوالدين، ويتأثر بمن يتصل بالأسرة من أقارب ومدى أهميتهم طبقا لطبيعة المجتمع، فبعض المجتمعات يأخذ فيها العم أو الخال الأهمية الكبرى لدرجة أن عقدة أوديب تتجه إلى العم أو الخال لما لهم من سلطة حقيقية في الأسرة خولها نظام العائلة المعمول به في ذلك المجتمع. وهناك نظم عائلية تبيح الطلاق في الوقت الذي تحرمه نظم أخرى أو تمنعه، ولذلك آثاره على الأطفال في ضوء الرابطة بين الوالدين وإيجابياتها وسلبياتها. وتتضمن النظم العائلة حضانة الأطفال ومن يقوم بها، فالعرب قديما في مكة المكرمة كانوا يوكلون أبناءهم إلى مرضعات، وكو ن الطفل يحمل اسم أبيه، ولا يحمل اسم أمه، وتفاوت نصيب كل من الذكر والأنثى في الميراث ... كل ذلك يهيئ تنشئة مختلفة عموما باختلاف الثقافة وأيضا باختلاف الجنسين. وكذا تعدد الزوجات أو الأزوج والمحارم وغيرها، تعد نظما عائلية تختلف باختلاف المجتمعات وباختلاف الديانات المعتنقة، وتبلور عواطف الأطفال الناشئين في اتجاهات معينة، فتحدد له موضوعات حبه وكيفية التعبير عن هذه العاطفة ... كما تحدد له أعداءه الذين يمكن أن يكونوا موضوع كراهية باعتبارهم يخرجون عن النظام العائلي المعروف له. هـ- نظام الأخلاق: الأخلاق عبارة عن جملة من القواعد التي يلتزم بها الفرد مع غيره، وتحدد المبادئ التي يقيمون على أساسها علاقاتهم والمعايير التي يستندون عليها في اتخاذ القرارات من حيث هي خير أو شر، فضيلة أو رذيلة كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وهذه القواعد ثمرة تفاعل نظام القضاء والدين والعائلة وحتى النظام السياسي ... بالإضافة إلى التقاليد والأعراف، وبطبيعة الحال تختلف من بيئة إلى أخرى. وعن طريق مفهوم "العيب" و"الحشمة" و"الالتزام" تتسرب الأخلاق إلى الطفل عبر أسرته ومدرسته وقبلها روضته. ومن هنا يتكون الضمير أو الأنا الأعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بلغة فرويد، وتتكون منظومة القيم الأخلاقية مصاحبة مشاعر الاستحسان والإقبال نحو موضوعات، ومشاعر النفور والاستهجان نحو موضوعات أخرى. وبالنسبة للأطفال الصغار في مرحلتهم المبكرة تتركز المسألة الأخلاقية حول مناطق الإخراج بصفة خاصة، وتجد كلمة "عيب" صداها إذا تعرى جزء من جسم الطفل ثم إذا تحدث بكلمة جارحة أو إذا استخدم أو لمس أشياء معينة، ثم تتسع المسألة إلى أن يصل الطفل إلى مرحلة يستطيع فيها أن يقيس ما لم يمنع على ما منع ... إلى أن يصل الكبير في الدين الإسلامي إلى أن البر حسن الخلق. ويبدو تأثير النظام الأخلاقي على الصغير في مرحلة مبكرة من عمره مع بدايات تدريبه على الإخراج والأكل والكلام ... وهذا ما يجعل أثرها أقوى وأطول في المدى. و النظام الفني الجمالي: إن عناصر الفن والجمال في المجتمعات تتمثل في الطبيعة والموسيقى والتصوير والرسم والغناء والرقص ... وتتضافر الأنظمة الأخلاقية والفنية والجمالية أثناء تنشئة الطفل، ففي الجانب الخلقي نجد المنع والردع والحب والتفصيل، وفي الفن والجمال نجد ذلك أيضا مع التفتح والابتكار لإظهار كل فن وكل جميل. إن معايير نقد الفن والجمال في بيئة الطفل تكون جزءا من شخصيته وتؤهله ليكون متذوقا. والبيئة الاجتماعية بنظامها الفني الجمالي تمنحه ما يؤهله للكشف عن قدرة الخالق وجمال الطبيعة وإمكانات البشر، بالإضافة غلى عدم تجاوز الحدود في بعض الأمور مثل النحت أو التشكيل كما نرى في ثقافتنا الإسلامية. أما بقية الأمور الجمالية فهي تهيئ نائشا يمكنه التنفيس عن نفسه في مواقفه الصعبة أو المكدرة التي لا بد أن يمر بها كل إنسان، فيشعر بأنه يعيش حياة ممتلئة امتلاء ليس حالة من "النزفانا" كما يقول Rogers بل انفتاحا وثقة متزايدة. ويشير مصطفى سويف أن ما أظهرته البحوث في الإبداع أن كاتب القصيدة يرمي من إبداعها ترميما للصدع الذي يشعر به أو الذي يعانيه بين الأنا والنحن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ز- نظام اللغة: ويتمثل ذلك فيما تتخذه البيئة الاجتماعية من وسائل للتخاطب والتفاهم والاحترام، وما يستعمل من إشارات أو أصوات في التعبير. واكتساب الطفل لهذه الأمور هو جزء من الاندماج الحقيقي في البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها. ويعد استخدام الكلمات والألفاظ والإشارات وحركات العين أو اللسان أو الفم أو الوجه أو الأطراف مؤشرا لوصول الطفل إلى مستوى مناسب من الذكاء يمكنه من ذلك. وهذا ما يجعل إتقان نظام اللغة مرتبطا بالذكاء، وهذا ما يدفعنا بين وقت وآخر إلى إعداد اختبارات للذكاء مشبعة بالعامل اللغوي، وجعل Piage يهتم بمجال اللغة والفكر عند الأطفال. ح- النظام الديموجرافي Demographic والمورفولوجي Morphologie: ويتمثل ذلك في مناطق السكن وتعداد السكان ونسبة والمعمرين وعمليات الهجرة من القرى إلى المدن. ولهذا النظام ومكوناته آثاره على نمط الشخصية، فنجد سكان المناطق الساحلية لهم خصائصهم التي تنعكس على تنشئة الأبناء، وكذا سكان الصحاري والجبال. فنحن لا نجد رجل الريف متقززا عندما تشاركه حيواناته مكان نومه، بينما نجد أن رجل المدينة ربما يطلب إخراج قطة صغيرة هادئة من غرفة نومه. ويستعرض مبارك ربيع أن سكان سوس في جنوب المغرب معروفون بالهجرة إلى المناطق النائية داخل المغرب وخارجه، سعيا وراء الرزق والكسب. وهم في هذا معروفون بأنهم تجار يتميزون بالأمانة، إلا أنهم معروفون كذلك بأنهم يفارقون أبناءهم وزوجاتهم سنوات طوالا، يعودون خلالها مرة على الأكثر كل عام لرؤيتهم، وهذا يدل على أن عاطفة الحب عند الأبناء والزوجات تخالف في قوتها ما هو موجود عند غيرهم من سكان المناطق الأخرى وخاصة سكان السواحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ك- التصورات عن الأطفال: ويشبه ذلك بعملة ذات وجهين: أحدهما ما يحمله الطفل من تصورات عن نفسه، والوجه الآخر ما يحمله الكبار من تصورات عن الطفل. وليس هناك خلاف حول التصورات التي يحملها الطفل عن نفسه في أنها انعكاس لما يحمله الكبار من تصورات عنه. وبقدر ما تنظر البيئة المحيطة بالطفل إليه على أنه وديع، أو شرير وطبيعته شريرة، وتحتاج إلى القمع، تتكون فكرة الأطفال عن ذواتهم ويميلون إلى الثقة بالنفس أو الشعور بالنقص. وتحت هذا النطاق نجد بعض المجتمعات ما زالت تنظر إلى الذكور على أنهم أفضل من الإناث، وينعكس ذلك على الذكر والأنثى على حد سواء، فالتصورات التي يحملها الطفل عن نفسه والتي تتسرب إليه من خلال ما تثقفه به بيئته، تؤثر على الدور الذي سيتقمصه الطفل ودرجة قبوله لهذا الدور. وهناك من الأطفال من يكون لهم خصائص لها أهميتها عند تنشئتهم مثل الطفل البكر والطفل الأكبر والطفل الأخير والطفل الوحيد. ويجب أن يأخذ في الاعتبار أن التشابه في مستوى الحضارة لا يعني بالضرورة تشابها في التصورات المتعلقة بالأطفال. لقد أظهرت بحوث Mead عن عشائر الأرابش بغينيا الجديدة، وهم سكان الجبال أنهم يختلفون في تصوراتهم عن الطفولة مقارنة بجيرانهم المندوكومور سكان الوادي. ففي الوقت الذي يبدو فيه سكان الجبال أكثر تعلقا بأطفالهم وأشد عطفا عليهم، نجد سكان الوادي لديهم لا مبالاة في معاملة الأطفال. وهذا ما أظهر أطفال أرابشيين واثقين من أنفسهم مقابل أطفال مندوكوموريين يحفهم القلق والاضطراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الفصل الثالث: وكالات التنشئة الاجتماعية مدخل ... الفصل الثالث: وكالات التنشئة الاجتماعية Socialzing Agencies ليس للمجتمع أن يترك مهمة التنشئة الاجتماعية، وهي من أهم عوامل بقائه واستمراريته دون تنظيم أو تحديد لمن يقومون بها. والوكالات هي تنظيمات أو مؤسسات أو هيئات اجتماعية أو جماعات أو وسائط، نضع لها مصطلحا لكل منها وهو "وكالة"، لأن المجتمع يوكل إليها أمر التنشئة الاجتماعية. وتعد وكالات التنشئة مسئولة أمام المجتمع صراحة أو ضمنا في أمر التطبيع الاجتماعي لأبناء ذلك المجتمع، بهدف استمرار الوجود الاجتماعي للجماعة بالإضافة للوجود المادي. وهذا ما يجعل وكالات التنشئة الاجتماعية خاضعة للمراقبة، ومعرضة دائما للتقويم، فيوجه لها من الإثابة ومن النقد بدرجات متفاوتة. وهناك العديد من الوكالات والوسائط منها: الأسرة، والحضانة، والروضة، والمدرسة وجماعة الرفاق، ووسائل الإعلام، ودور العبادة ... وغيرها. وقد أشارت البحوث إلى أنه عندما توجد تباينات تولد صراعات بين الأفكار، والمثل والمهارات التي تنتقل عن طريق الأسرة، والتي تنتقل بواسطة رفاق اللعب، أو بين تلك التي تنقلها الأسرة في مقابل ما ينتقل عن طريق الروضة أو المدرسة، فإن تنشئة الطفل تميل إلى أن تصبح بطيئة وغير مؤكدة، ومن ناحية أخرى فإنه عندما تكون جميع وكالات التنشئة Socialzing Agencies متفقة ومتوافقة، فإن ذلك يقلل من الصراع والخلط عند الأطفال، ولا نحسب أن ذلك يتحقق في جو أسرى تقوم فيه مربية أجنبية مثلا غريبة عن المجتمع وثقافته، دخيلة بثقافتها المغايرة تماما لغة وعادات وربما دينا بعمل المنشئ الاجتماعي للطفل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 منفردة أو حتى مساهمة مع الوالدين، إذ إن مساهمتها يصعب جدا أن تأتي مطابقة لاتجاهاتها، وبالتالي فهي تضيف عنصرا آخر أو عاملا دخيلا من شأنه أن يعمل على زيادة اختلاط الأمور أمام ذلك الصغير "الطفل" في مراحل تحتم على القائمين على شئونه بتجلية الأمور وشفافيتها، حتى يمكن للطفل أن يلتقط ويستوعب على نفس النسق في يسر وسهولة. وينبغي على أي وكالة من وكالات التنشئة الاجتماعية أن تعتمد على الأقل على أربعة أركان هي: المكافآت والتسامح والقبول والعقاب. ففي هذه الأركان الأربع يكون الطفل اللياقة الاجتماعية والاتجاه نحو احترام وطاعة القاعدة أو القانون. إن التنشئة لا تعلم الطفل الخوف من الأشياء المحسوسة كي يقول الطفل لنفسه: لا بد أن تكون ذا سلوك حسن حتى تبتعد عن العقاب أو لا ينكشف أمرك. ويكون الضبط هنا من خلال الشعور بالعار. ولكن التنشئة تعلم الطفل أن يضبط نفسه من خلال الشعور بالذنب عند اقتراف الأخطاء، بحيث لا يكون الشعور بالذنب قاسيا ومبالغا فيه. إن الشعور بالعار نراه في انتظار الطفل للرقيب أو المدرس أو حتى رجل الشرطة لمعاقبته على أخطائه أو تأنيبه الحاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أولا: الأسرة على الرغم من أن وكالات التطبيع والعوامل الاجتماعية والجماعات تؤثر في تنشئة الأطفال، إلا أن الأسرة من أهم الوكالات التي تقوم بهذه العملية. والأسرة نظام اجتماعي معقد يتضمن وظائف متداخلة بين أعضائها، وهذه الوظائف يمكن أن يحدث بها من التغيير في الشكل أو في سلوك واحد من أفرادها نتيجة متغيرات مثل وجود أحد الوالدين فقط Single Parent أو عمل الأمهات Working Mothers. والأسرة هي الخلية الأولى التي يحتك الطفل بها، وهي المكان الأول الذي تبدأ فيه معالم التنشئة الاجتماعية للطفل ابتداء من عامه الثاني. وتتكون معظم الأسرة في مجتمعاتنا الحديثة من الأب والأم والإخوة والأخوات، فلقد تعرضت الأسرة في تطورها إلى التقلص في حجمها من حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 عدد الأفراد الذين تضمهم ففي أشكالها البدائية كانت تضم بالإضافة إلى هؤلاء الأجداد والأحفاد والحلفاء والأنصار. وإذا كانت مجتمعاتنا العربية ما تزال تضم نماذج من أسر ممتدة، كما هو شائع في الأسر القروية والأسرة البدوية، وبعض الأسر الكبيرة في المدن، إلا أن الشائع الآن هو الأسرة النواة التي تشمل الأبوين والأولاد. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على وظيفتها في إعداد أفرادها لحياة المستقبل، ومن المهم هنا أن نلاحظ فيما يخص الوظيفة التربوية للأسرة أن تقلصها من حيث الامتداد لا يعني بالضرورة تناقصها في التأثير من حيث العمق. وفي أغلب الدراسات التي تناولت الأسرة يحاول الباحثون إيجاد العلاقة بين خصائص الوالدين واتجاهاتهم وأساليبهم في معاملة الأبناء، وبين شخصية هؤلاء الأبناء أو النمو العقلي أو الاجتماعي لهم. ولقد كانت هذه الدراسات تضع في حسبانها أن أسلوب الوالدين يقرر سلوك الأبناء متعاملة مع الأمر بمعالجات ارتباطية لا تعلن عن سبب ونتيجة. فنتائج الدراسات التي انتهت إلى وجود علاقة بين العقاب الجسدي وجنوح الأبناء الذكور لا تعنى أن اتباع الآباء لهذا الأسلوب أدى إلى زيادة سلوكهم المنحرف، فربما شارك مع العقاب الجسدي من الوالد سرعة غضب الطفل وكثر إلحاحه في الطلبات مما جعل الوالد يقبل على أساليب قاسية وشديدة للسيطرة، يمكن أن تكون قد بدأت بالمعقولية وتوضيح المبررات وتفسير الأمور دون جدوى، مما جعله يتبع أساليب أشد من سابقتها مثل الحرمان من الرحلات أو منع الخروج مع الأصدقاء أو حتى مشاهدة التلفزيون، وجاءت أساليبه الجديدة غير مجدية. وربما أصاب الوالد الإحباط وخيبة الأمل، فأسرف في العقاب القاسي للتغلب على تمرد الطفل. وهكذا يدفع الأطفال والديهم أحيانا للإقبال على أساليب للمعاملة لم تكن في الحسبان، بل نبعت من خصائص وسلوكيات الأطفال أنفسهم أو خصائصهم كما اتضح في نموذج الوالدية المقترح في هذا الكتاب، وكما سوف يتضح في الفصل السادس. وليس من الإنصاف أن نقول إن مثل هذا النوع من الأطفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 مسئولون عن أنفسهم وما يحدث لهم، فإن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وسلسلة من المتغيرات الأخرى ربما تشارك فيما يصدر. إن التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة لا يحدث بين الطفل ووالديه، بل يحدث بين كل أفراد الأسرة بالإضافة إلى الظروف والمتغيرات المحيطة. والأمر هنا ليس بين طرفين، بل يمكن تشبيهه بميدان مع طرق متقاطعة. وترجع أهمية الأسرة في تنشئة الأبناء إلى ما يلي: - إن الأسرة وما تشتمل عليه من أفراد هي المكان الأول الذي يتم فيه باكورة الاتصال الاجتماعي الذي يمارسه الطفل مع بداية سنوات حياته الذي ينعكس على نموه الاجتماعي الذي يمارسه الطفل مع بداية سنوات حياته الذي ينعكس على نموه الاجتماعي فيما بعد. - إن القيم والتقاليد والاتجاهات والعادات تمر بعملية تنقية من خلال الآباء متخذة طريقها إلى الأبناء بصورة مصفاة وأكثر خصوصية. فهناك عوامل كثيرة تتدخل في إكساب الأبناء القيم والتقاليد منه: شخصية الوالدين، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وجنس الابن، وهذا ما تعرضنا له في النموذج المقترح في الفصل الخامس. فالمعايير والقيم المرغوب تشكيلها في فتاة من طبقة اجتماعية منخفضة ووالد متسلط سوف تختلف بالتأكيد عن المعايير والقيم المرغوب تشكيلها في فتاة من طبقة اجتماعية راقية ووالد متسامح. ويعتبر الآباء بمثابة مصفاة Filter تصفي أو تنقي القيم قبل عبورها إلى الطفل، كما أنهم نماذج Models أمام الأطفال يقلدونها. - الأسرة هي المكان الوحيد في مرحلة المهد وما بعدها بقليل للتربية المقصودة ولا تستطيع أي وكالة أخرى تقريبا أن تقوم بهذا الدور، فهي تعلم الطفل اللغة وتكسبه بدايات مهارات التعبير. - الأسرة هي المكان الذي يزود الأطفال ببذور العواطف والاتجاهات اللازمة للحياة في المجتمع. الأسرة أول موصل لثقافة المجتمع إلى الطفل. - الأسرة أكثر دوما وأثقل وزنا من باقي الوكالات المؤثرة على الطفل وبخاصة في مرحلة الطفولة، وأكثر أهمية في تأثيرها من تأثير الجيران والأقارب والأقران وحتى المعلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 - إن التفاعل بين الأسرة والطفل يكون مكثفا وأطول زمنيا من الجهات الأخرى المتفاعلة مع الطفل. - الأسرة هي الجماعة المرجعية التي يعتمد عليها الطفل عند تقييمه لسلوكه. والوالدان لديهم أفكار وآمال عن الخصائص الشخصية والاجتماعية التي يرغبان تحقيقها في أطفالهم، ورغم ذلك فلا توجد معادلة سحرية لتحديد التنشئة الفعالة السوية، ورغم ذلك أيضا يعرف الآباء أن هناك أساليب لها آثار سلبية على الأطفال وأساليب لها آثار إيجابية عليهم. وفي كثير من الأحيان نجد حالات متشابهة في المعاملة الوالدية ومستوى الأسر الاجتماعي أو الاقتصادي، وتتشابه بعض المتغيرات الأخرى، ولكن تأتي سلوكيات أطفال هذه الأسر المختلفة في صور متباينة. وكما أن على الأسرة أن تربي طفلا يلتزم بقيم ومعايير مجتمعه عليها ألا تنسى أن لكل طفل فرديته. فمعرفة الوالدين للحالة المزاجية للطفل تجعلهم في موقف أحسن من حيث توجيه عملية النمو الخاصة به فمثلا إذا كان الطفل من النوع البطيء التقبل للأمور كان على الأهل ألا يتعجلوه في تقبل المواقف الجديدة، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع خوفه وربما ميله إلى الانسحاب والسلبية. وكذلك إذا كان لدينا طفل من الصعب تهدئته نجد أن التسامح لا يتناسب معه وربما يشجعه على التمادي في الصياح حتى يحصل على ما يريد، ولكن إذا أحيط بجو حازم عطوف كانت النتائج أفضل. وللطفل أثر مباشر على علاقة الوالدين ببعضهما البعض، فالطفل إذا كان مريضا أو عصبيا أو معوقا زاد من عبء المسئولية، وينعكس ذلك على مقدار التحمل للوالدين وعلى فترة الاهتمام والرعاية بالإخوة أو نوعية هذا الاهتمام، وربما انعكس الأثر على دور الوالدين برمته في الحالات السيئة للأطفال. وعلى الرغم من أن عملية التنشئة الاجتماعية يمكن القول أنها تبدأ من السنة الأولى من حياة الإنسان إلا أنها تصبح بطريقة واعية ومنظمة مع بداية التحرك ونشاط الأطفال وبدء اللغة، ولم يعد التدليل على نفس النحو السابق أو نفس المستوى، لقد بدا له ضوابط وحدود وبدا الآن مصطلح لا تفعل كذا واردا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 على نحو أكثر مما سبق. لقد بدأ التدريب على الإخراج وبدأ المرح والتشجيع على السلوكيات المقبولة، والعقاب على السلوكيات غير المقبولة ... هنا بدأت عملية التطبيع الاجتماعي إن الآباء الآن يقومون بتعليم آبنائهم القواعد والقوانين الاجتماعية. والأطفال دائما يميلون إلى تقليد الآخرين وفي مقدمتهم الآباء كنماذج ... وعملية التقليد هذه توجد كثيرا من التشابهات بين هؤلاء الأطفال وآبائهم. ويطلق المتخصصون في علم النفس على ذلك التطابق والتوحد Identification كما سبق أن أشرنا، ويطلق عليها علماء الاجتماع مصطلح المحاكاة Immitation التي تبدأ في فترة مبكرة من عملية التنشئة داخل الأسرة. وتتم عملية التنشئة بسهولة وفي أحسن صورة إذا أحيط الأطفال ببيئة مملوءة بمعايير وقيم مجتمعهم. أما إذا وجدوا في بيئة آباء منحرفين أو حتى متقلبين عاطفيا فالاحتمال الأكبر أن ينمو بسلوك وقيم منحرفة. إن الأطفال الذين يأتون في أسر تتصف بالأمانة والجد والعمل غالبا ما يتصفون بالخلق والإحساس بالغير ودافع الإنجاز Achievement Motivation ومن أشهر أنواع السلوك القابلة للتقليد والمحاكاة القدرة على ضبط النفس والسلوكيات الأخلاقية والسلوكيات المناسبة لكل جنس. وعلى الرغم من أن الوالدين يعدان النموذج الاول للمحاكاة، فهناك أيضا الإخوة والأصدقاء. وبالتدريج تؤدي عملية التقليد إلى مفاهيم ... نحن، هم ... وهناك ثلاث خصائص والدية تسهل أو تساعد على تقليد الأطفال للوالدين هي: الحنان والعطف، القوة، العقاب وتؤثر كل منها في عملية التقليد. ويختلف تأثيرها باختلاف الجنس "ذكور، إناث". فالإناث يملن إلى تقليد النموذج الذي يتصف بالحنان والعطف، ويميل الذكور إلى تقليد النموذج الذي يتصف بالقوة والهيمنة أو السيطرة. كما أن العطف والحنان يسهل تقلد الحركات والأخلاق والتعليقات، والقوة تسهل تقليد اتخاذ القرار وإيجاد الحلول. ولقد شاع منذ وقع ليس ببعيد تأثير عمل الأم على تنشئة الأطفال. ويرى Etaugh أن أطفال الأمهات الراضيات سواء يعملن أم لا، لهم درجات غير مختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 في التوافق النفسي والاجتماعي ويبدو أن الإشراف الكافي من قبل العاملات هو الذي يسد الثغرة الشائعة عن تأثير غيابها. إن المهم هنا هو استقرار بيئة الطفل وموقف الأم تجاه عملها ووظيفتها كأم، فمشكلات الأطفال إلى حد بعيد لا صلة لها بعمل الأم أو وجودها المستمر في المنزل. إن الاستقرار الأسري والوفاق بين الوالدين خلف التنشئة المناسبة للأطفال. ولقد أشارت بعض الدراسات أن الأمهات العاملات يواجهن صراعا في الأدوار نتيجة تحملهن لأعباء متنوعة، مما ينعكس على العلاقة بين الأم والأبناء ولكن هذا يتصاءل حينما يكون هناك نوع من التعاون والدعم من قبل الزوج لزوجته في إنجاز بعض المهام أو المشاركة فيها، وإن كانت من اختصاصات الأمهات فقط. حتى وجود الزوج أثناء الولادة يعمل على تخفيف حدة الآلام، كما أن لعب الآباء مع الاطفال ومناغاتهم وحملهم وهدهدتهم يخفف الكثير على الأمهات ويجعل الحياة الأسرية أكثر متعة ويجعل الأب يدخل عالم طفله كما سوف يتضح بالتفصيل فيما بعد. إن الفاحص لعلاقة الطفل بأمه كموضوع أوله لحبه، وكأول شخص يتعرف من خلاله على العالم يجد أن الأب يدخل متأخرا عالم الطفل. إن ذلك راجع إلى كونه لا يلبي رغبات حيوية بالنسبة للطفل. ومن المعروف في مجتمعاتنا العربية أن الآباء غالبا لا يولون الأطفال عناية في الأسابيع الأولى، وحتى الشهور الأولى من باب أنه ربما لا يليق بالرجل. وهذا لا يمنع من مداعبة الطفل. والملاحظ أن الأم كثيرا ما تحاول توجيه انتباه طفلها إلى وجود أبيه بمجرد إحساسها أن الطفل أصبح الآن بإمكانه تحويل نظره مما يشير هنا إلى أن الأب يكون خارج عالم الطفل لفترة معينة. ولكن هذا التأخير لا يعني أن دخول الأب سوف يكون ثانويا، بل يمكن أن نقول عنه أنه يدخل عالم الطفل بقوة، وتبعا لشدة هذه القوة يكون الأثر على علاقة الطفل بالأب، بل وبالأم أيضا والإخوة. وهذا الدخول القوي من قبل الأب في عالم الطفل من مدخل التأديب، حيث يكون الأمر والنهي للأب، وحيث يجد الطفل اندماجه الحقيقي في الأسرة وفي المجتمع متوقفا على استيعاب عالم الأبوة وتمثله Assimilation بما فيه من سلطة وقيم، ويجعل تقمص شخصية الأب ضرورة تتطلبها عملية النمو ذاتها، بفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 موقف الاندهاش Astonishment من مدى قدرة الأب على التأثير في الأسرة ومن فيها، وفيما تعانيه من ابتئاس وما تشعر به من ابتهاج، فهو مفتاح عوالم أسرته. ومن هنا تتولد حالة نفسية للطفل نحو الأب نسميها عاطفة الإعجاب. تلك العاطفة التي تبدو في موقف ثابت نسبيا ومستمر للطفل تجاه الأب، تتسرب في أعماق الطفل، وبذلك يتسرب عالم الأبوة بما فيه من قيم داخل الطفل، ويكون العامل الأساسي في تكوين الطفل من الزاوية الاجتماعية وفي تنشئته. إن دراسة علاقة الطفل بالأب من منظور إعجابي، يخالف الرؤية الفرويدية التي تركز في هذه العلاقة على الكراهية والعداء. حقا إن في تحليل عقدة أوديب لدى فرويد ما بين اختلاط هذه الكراهية بعنصر الإعجاب. ولكن محور النشاط النفسي في نظريته يظل حول الكراهية والعداء. وتفاصيل عقدة أوديب تعطي الأب إمكانية تجعله قادرا على أن يتجنب هذا النوع من العلاقة، أو ألا تجعل علاقته مصطبغة بهذه الصبغة وحدها، أي أن الموقف التربوي من قبل الأب في علاقته بابنه هو القادر على الحيلولة دون تعقد الموقف بعناصر الكراهية والعداء. ولكن ذلك لا يمنع مطلقا أن يكون إعجاب الطفل ممزوجا بعواطف أخرى ملائمة ومنافية. على أن تعرض الطفل للإحباطات وضروب من المنع والردع من قبل الأب "النموذج" ظاهرة طبيعية في مراحل نموه، وهي الكفيلة بتقوية الجانب الإرادي في الطفل. ولكنها من دون شك تثمر حزازت ومشاحنات في نفس الطفل تجاه أبيه، وتكون بالتالي ذلك التناقص الذي لا يخلو من عاطفة من العواطف، وهو احتواؤها على عناصر وجدانية واتجاهات متناقضة. وعلى ذلك ليس من المغامرة في شيء أن نذهب إلى أن عناصر كراهية وغيره تجاه الأب تتولد في نفس الطفل مصاحبة للإعجاب به. فإذا كانت الدهشة باعث الإعجاب بالأب كنموذج، فإن الرهبة والخوف حتى في أقل مستوياتهما من سلطة هذا النموذج وقوته المادية والمعنوية ومكانته، وعلو صوته ورأيه وقدرته على التوجيه والتأثير في حياة الأسرة، هذه الرهبة وهذا الخوف كفيلان بأن يولدا في الطفل مشاعر كراهية وغيره من الأب. وإن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 المشاهد أن بعض الأطفال ابتداء من عمر الثالثة يبدءون في إظهار مثل هذه المشاعر المتناقضة في الظاهر لعاطفة الإعجاب بالأب عندما يقول بعضهم مخاطبا الأب: لماذا تفعله أنت؟ أو يخاطب الأم قائلا: لماذا يفعله أبي ولا أفعله أنا؟. إن عاطفة الإعجاب بالأب تنشأ في جوها السليم عندما يشعر الطفل بأنه مرغوب فيه ومحبوب. فانعدام النضج الانفعالي لدى بعض الآباء كانعدام الرغبة في الأطفال تؤدي إلى أسوأ الآثار العاطفية على الأطفال ومن المعروف في مثل هذه الأحوال عن الآباء أنهم يتخذون لموقفهم من الأبناء تبريرات مصطنعة، كأن يعلل بعضهم ذلك بأسباب اقتصادية أو اجتماعية، بينما يكشف التحليل عن عوامل نفسية لا شعورية لمواقفهم تلك. ويؤكد ذلك ما هو معروف في آباء آخرين من تقبل لأطفالهم وحسن معاملتهم وعلاقتهم بهم مع سوء حالتهم الاقتصادية. وعلى ذلك يمكننا القول أنه بالإمكان أن تنشأ عاطفة الإعجاب بالأب تيسر إدماج عالم الأبوة في عالم الطفل، وتسهل بالتالي عملية التمثيل والاقتداء، ومن ثم التنشئة الأسرية المنشودة. وإن انخفاص مستوى النضج الانفعالي للأب سواء تجلى في مظهر الرفض اللاشعوري للطفل، أو في مظهر العلاقة الاستحواذية به، ذات الحب التملكي، لا يؤدي إلى انحراف عاطفة الإعجاب بالأب لدى الطفل فحسب، بل يؤدي إلى آثار نفسية تنعكس على الأب نفسه ويكون لها ردود أفعال على ذلك الصغير الذي يجب أن يكون في حالة انفتاح لعالم الأبوة، فلا يجد ما يحاكي من نماذج سوى مظاهر مرضية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 حقا إن ثَمَّ عمليات نفسية إعلائية أو تحويلية يمكن بواسطتها تحريف هذه التأثيرات عن مجراها المتوقع، ولكن تلك العمليات ربما تبوء بالفشل. ولعل ما عاناه "هتلر" في طفولته من طريقة وأسلوب أبيه نحوه من قسوة وما علق في اللاشعور لديه من ارتباط هذه القسوة بمستوى اجتماعي منخفض لموظف بسيط أنشأ عنده رغبة في تحدي الواقع، هذه الرغبة الكامن خلفها اندفاع ضد شخصية أبيه، وبالتالي نحو مستوى اقتصادي واجتماعي فوق ذلك الأب. إن هذا كله كان دافعا لا شعوريا "لهتلر" فيما قام به من أعمال. وعموما فكلما اتجه موقف الأب مع طفله إلى الصداقة والتفاهم وتجنب السلطة والعنف أثمر ذلك عاطفة إعجاب الطفل وسهل اندماج عالم الأبوة وقيمه ومعاييره، ومن ثم جزءا كبيرا من قيم ومعايير المجتمع الذي ينتمي إليه ذلك الأب العادي. وأصبح الصغير في سبيله إلى تنشئة اجتماعية راضية مرضية، وانعكست آثار ذلك على علاقة الأم بالطفل الصغير وعلاقة الصغير بإخوته، أي على التفاعل الاجتماعي في الأسرة كلها، وإن كانت هناك عوامل تؤثر على ذلك التفاعل الاجتماعي في الأسرة وعلى نوع ودرجة تأثر الطفل به في أثناء تنشئته الاجتماعية يمكن إجمالها في: - الطبقة التي تنتمي إليها الأسرة: إن الأسر تختلف في تفاعلها مع الأطفال باختلاف المستوى الاقتصادي والمستوى الاجتماعي والمستوى الثقافي الذي يميزها. فقد تبين أن أمهات الطبقة المتوسطة أكثر واقعية في التعامل مع أطفالهن، على حين أن أمهات الطبقة العالية الأفضل تعليما يملن إلى معاملة أطفالهن بطريقة أكثر دفئا وأكثر تفهما وقبولا، كما أنهن أقل تدخلا في شئون الصغار. أما أمهات الطبقة الدنيا فلديهن ميل إلى معاملة أطفالهن بالعنف والعقاب الشديد، وخاصة في التدريب على استخدام المرحاض. وفي أسر الطبقة المتوسطة كان نفوذ وسيطرة الأب تدعو إلى الاطمئنان والأمان نسبيا مهما كانت أعمار الأبناء. على حين نجد أن الأب في الأسر ذات الطبقة الدنيا يميل إلى فقد سلطته على ابنه المراهق. وتبدو الاختلافات في الأسر حسب طبقتها في نواح متصلة بالتنشئة الاجتماعية مثل: نوع وكمية المسئوليات التي تلقيها على الطفل، المرح والتشجيع ودفء المعاملة وتجنب العقاب، مستوى ضبط عدوانية الأطفال، مستوى الشدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 المتبع في ضبط عملية الإخراج أسلوب التغذية اتجاه الأسرة نحو الأمور الجنسية التي يبديها الأطفال وتصرفاتهم نحوها. ولا يغيب عن الأذان أن تأثر الأسرة بثقافة الطبقة أو المجتمع الذي تعيش فيه، لا يعني إلغاء الخصائص الشخصية للوالدين وطريقة تعبيرهم عن مشاعرهم وأساليب توجييهم لأطفالهم كما سبق أن ذكرنا في الفصل الخامس. كما أن نتائج أطفال الطبقة الفقيرة يمكن أن تكون إيجابية على الرغم من حرمانهم من الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية. فنجد ارتباطهم الشخصي والعائلي للأصحاب والجيران الذي يدعم المشاركة والدعم المتبادل. وعلى الرغم من سخريتهم من الأقدار والتشاؤم من الحياة إلا أنهم أكثر واقعية في نظرتهم إلى المحيط من حولهم. كما أن إحساسهم بأنهم عرضة للأزمات وأنهم مهددون، ينمي عندهم الإحساس والوعي والقدرة على مواجهة الضغوط والصراعات. بعكس أطفال الطبقة الوسطى الذين يواجهون معاناة في مواجهة المواقف الصعبة. وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة في طرق حياة وخصائص كل طبقة إلا أنه لا توجد اختلافات في القيم والأهداف من تربية الأطفال. والاختلاف يكون واضحا في بعد القوة والتوجيه الذاتي للطبقة المتوسطة مقابل الخنوع والطاعة في الطبقة الفقيرة. فالآباء في الطبقة الوسطى يفرضون الاحترام والطاعة للسلطة بينما يفرض آباء الطبقة الاجتماعية الوسطى حب الاستطلاع والتحكم والسيطرة على النفس والقدرة على تأجيل إشباع الرغبات والعمل من أجل تحقيق الأهداف طويلة الأمد. وفي الطبقة الوسطى يكون الآباء أقل عنفا وشدة مع الأطفال حديثي السن من الميلاد حتى سن خمس سنوات، ويكونون أشد نصحا وتقويما وتوجيها لأبنائهم في مرحلة المراهقة ويتوقعون من أطفالهم النضج المبكر في تحمل المسئولية، ويخططون لأطفالهم أهدافا وإنجازات عالية يجب تحقيقها. أما في الطبقة الفقيرة فالآباء يكونون أشد عنفا مع الأطفال حديثي السن من الميلاد حتى خمس سنوات، ويقل هذا العنف تدريجيا ويتحول إلى نوع من التهاون والتسامح الشديد مع الأطفال الأكبر سنا. وربما عاد ذلك إلى توقعات الآباء المنتظرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 من الأبناء للاعتماد على أنفسهم والاستقلال الاقتصادي. بعكس توقعات الآباء في الطبقة المتوسطة لهذا الاستقلال الاقتصادي عند الانتهاء من التعليم الثانوي أو الجامعي لأبنائهم. - حجم الأسرة تتأثر شبكة العلاقات والتفاعلات داخل الأسرة من ناحيتي اتساعها وتعقدها بحجم الأسرة ومن ثم التطبيع الاجتماعي للأطفال. إن البحوث تشير إلى أن أكثر من 80% من الأسر تشتمل على أكثر من طفل أي بها ثلاثة أفراد فأكثر، وكلما زاد حجم الأسرة قلت الفرصة أمام الآباء للاحتكاك والتقارب بين كل فرد على حدة، وكذا قلت مساحة هذا الاحتكاك، ولكن تتسع الفرصة للتفاعل بين الإخوة. وكلما زاد عدد الأبناء في الأسرة حددت الأدوار في العائلة وطبقت الأنظمة بشكل صارم، وتفرض القوانين فرضا على أفرادها، ولا يستطيع الآباء تدليل هذا العدد الكبير وإلا انقلب الأمر إلى شبه فوضى. إن الأسرة ذات الطفل الواحد مثلا، تظهر فيها ثلاث علاقات ثنائية هي العلاقة بين الطفل والأم، وبين الطفل والأب، وبين الأب والأم. ويزداد هذا العدد من العلاقات حينما يكون حجم الأسرة خمسة "أب وأم، وثلاثة أبناء" وعندما نأخذ في الاعتبار العلاقات بين شخصين والعلاقات بين الشخص وأكثر من شخص يصل عدد هذه التفاعلات الممكنة إلى 65 علاقة. هذا الكم الضخم من العلاقات يؤثر من غير شك على طبيعة العلاقات وعمقها العاطفي، وعلى أنماط السلطة ونوعها، كما يؤثر على الأنشطة الممارسة والمشكلات التي يخبرها الطفل وإخوته سواء كان الطفل طرفا أومشاهدا لها. ووسط هذا الحجم قل الوقت للشرح والتفسير ويزداد ميل الآباء إلى بعض القسوة للضبط والتحكم. وإذا زاد العدد يكون دور الفتيات واضحا في المساعدة على تربية الأطفال الأصغر. والتفاعل الأقل مساحة من الأباء وسط هذا العدد يظهر الاعتماد على النفس بدرجة أكبر أو يكون الانخفاض نسبيا في مستوى التحصيل الدراسي للأبناء وتشير البحوث في نتائجها إلى انخفاض في مستوى الذكاء عموما، وتعد دراسات يسرية صادق من الدراسات الرائدة في هذا المجال على عينات عربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ويعد من عيوب صغر حجم الأسر على التنشئة الاجتماعية للأبناء، ذلك التركز والعمق في العلاقات العاطفية بين أفراد الأسرة الواحدة مما يترتب عليه الحماية الزائدة للأطفال بالإضافة إلى ضيق مجال تحركه وتعامله وخبرته وربما ظهور الغيرة بين الأطفال. - الترتيب الميلادي للطفل: سوف يظل الطفل الأول متربعا على عرش الحب والرعاية والاهتمام لدى الوالدين إلى أن يصل طفلهما الثاني وبعده الأطفال الآخرون، عندئذ تختلف طريقة التعامل اختلافا واضحا، لقد أصبح هناك أطفال آخرون يشاركون الأول هذا الاهتمام وربما يسرقون منه تلك الرعاية. وعلى الرغم من أن الطفل تظهر عليه علامات الغيرة لإحساسه بفقد جزء من الاهتمام، لكن تبقى الحقيقة بأن تفاعل الوالدين مع الطفل الأول كانت أعلى من مستوى التفاعل مع الطفل الثاني أو الأطفال الآخرين، لدرجة أنه ربما يقتصر احتكاك الآباء بأطفالهم بعد الأول على الاستجابة لحاجاتهم وتلبية مهامهم الأساسية. لقد جاءت الدراسات معلنة أن التعليقات والمحادثات تكون موجهة غالبا للطفل الأول على الرغم من قدوم إخوة آخرين له، مما يرفع معه الحصيلة اللغوية مقارنة بإخوته. كما يلاحظ ما يلي: بخصوص الطفل الأول: تكون توقعات الوالدين للطفل الأول أكثر والآمال أعلى، ويكون دفع الوالدين للطفل الأول على أن ينجز بطريقة أعمق، بالإضافة إلى تحميله المسئولية وإقحامه في بعض الأمور أكثر من إخوته. ويقع الطفل الأول أكثر من إخوته في العقاب وربما العقاب الجسدي. بخصوص أواسط المواليد: يكون الوالدان الآن بعد خبرتهم مع الطفل الأول أكثر مرونة وارتخاء في معاملاتهم، وربما عاد ذلك إلى تمرسهم مع الطفل الأول الذي يعتبر طفل التدريب وكبش الفداء، ويقول البعض إنه يأخذ حد السكين. وهذا ما يجعل للطفل الأول خصائص أكثر وضوحا مثل القدرة على ضبط الذات والقلق مع انخفاض مستوى العدوانية، والجدية والتفوق الأكاديمي فيما بعد، وكذا التفوق المهني ربما للمعايير العالية التي يضعها الوالدن له. ويميل هؤلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الأطفال إلى عدم الثقة بالنفس والشعور بالخوف من الفشل، كما أنهم أكثر إدراكا للخطر وأقل إقبالا على المغامرة. ونتيجة لهذه الحساسية لدى أوائل المواليد فإنهم يكونون أكثر عرضة للوقوع في اضطرابات ومشكلات نفسية مثل اضطرابات النوم والتبول اللإرادي، أما أواسط المواليد فهم يقعون بين طرفين إخوة أكبر وآباء لديهم بعض التهاون عن ذي قبل. ويكون مستوى الإنجاز الأكاديمي لهؤلاء الأطفال أقل من أوائل المواليد وأحيانا ضعيفا، وقوة تركيزهم ضعيفة ومداها قصير، ونجدهم دائمي البحث عن رفاق، ومرحين وباحثين عن المتعة وأكثر جرأة ومخاطرة. بخصوص الطفل الأخير: هذا الطفل غالبا مدلل، إنه "آخر العنقود" كما يقال. يتوافر لديه كثير من النماذج -إخوة ووالدين- يشعر غالبا بالآمان. ومثابر ومتفائل وأكثر ثقة بالنفس مقارنة بالطفل الأول، وله شعبية عنه. 1- الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة الاجتماعية في الأسرة: يطلق عليها البعض ميكانيات التطبيع الاجتماعي، وهي أساليب نفسية واجتماعية، مقصودة وغير مقصودة واضحة أو ضمنية تتخذها الأسرة لإكساب الطفل سلوكا أو تعديل سلوك موجود لديه. ومن أهم هذه الأساليب: أ- الاستجابة لأفعال الطفل: إن مجرد استجابة الوالدين أو الإخوة لأفعال الطفل، يؤدي إلى تأثير على هذه الأفعال وعلى المشاعر المتصلة بها. وحتى هذا لصغار الأطفال، فالطفل الذي يصدر صوتا ما ويستجب له عضو من أفراد الأسرة "مجرد استجابة" فإن الطفل يميل إلى تكراره، وكأنه يعلن لنا أن نكرر معه الاستجابة لما يفعل، وهذا ما يحدث حتى مع الأطفال الأكبر سنا وبطبيعة الحال يبدو أن استجابتنا هنا للطفل استجابة إثابة أو مكافأة. ب- الثواب والعقاب للطفل: إلا أن الاستجابة للطفل كما يمكن أن تكون نوعا من المكافأة قد تكون نوعا من المعارضة أو التثبيط أو العقاب. وهذا شيء شائع بلا استثناء في جميع الأسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 إن الوالدين أثناء تعاملهما مع الطفل يستعملان الثواب أو المكافأة والتأييد عندما يصدر من الطفل سلوك برغباته أو يحبذانه أو عندما يظهر من المشاعر ما يتناسب مع الموقف. وكذلك يوقع الوالدان العقاب في عكس ذلك. وتتدرج الإثابات من مجرد نظرة رضى أو إيماءة موافقة إلى هدية أو تقبيله، ويتدرج العقاب من إشارة ناهية باليد أو إغماضة لها معنى بالعين أو تقطيب للجبين أو ضغط على الشفتين إلى الحرمان من متعة أو العقاب البدني. وبطبيعة الحال يختلف الثواب والعقاب في الدرج والنوع باختلاف طبقة الأسر، فبعض أنماط السلوك لا يعاقب عليها مستوى طبقي وربما شجع عليها في الوقت الذي يرفضها مستوى طبقي آخر. مثال ذلك السلوك العدواني الذي يشجع عليه لدى أطفال المستوى الاقتصادي والثقافي المنخفض، بينما يعقاب عليه الطفل في المستوى الاقتصادي الثقافي المتوسط، وإذا كانت الأسر في المستويات المنخفضة تميل إلى استعمال العقاب الجسدي، نجد الأسر في المستويات المتوسطة تميل إلى استعمال الحرمان أو العزل قليلا لبعض الأطقال. جـ- إشراك الطفل في بعض المواقف الاجتماعية: ربما دعا الوالدان أو أحدهما الطفل بقصد الذهاب معهما في موقف عزاء أو موقف عرس بقصد إكساب الطفل السلوكيات المناسبة في مثل هذا المواقف، وربما جاءت الدعوة لهذه المواقف وغيرها عن غير قصد ... وهنا يتعلم الطفل ليس فقط كيفية السلوك المناسب بل والمشاعر المناسبة في مثل هذا المواقف.. وهنا يكون التعلم بالتقليد وربما بالتقمص. د- التوجيه الصريح لسلوك الطفل: قد يلجأ الوالدان إلى توجيه سلوك الطفل بطريقة مباشرة وصريحة، فتعلمه ما يجب وما لا يجب أو تدربه على السلوك المناسب وربا هيأت له من المواقف الحية لدعم خبراته وسلوكياته. وإذا كانت الأساليب السابقة يغلب عليها إمكانية الحدوث للأطفال، فإن تغيرا جوهريا يحدث لديهم عندما يبدأ مفهوم الذات Self Concept في البزوغ أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 عندما ينظر الطفل إلى سلوكه باعتباره موضوعا، فيصبح هذا السلوك خاضعا منه للتأمل، والحكم والتقدير بل والتقويم، وعندما يضع في اعتباره اتجاه المهمين في حياته مثل الوالدين، وعندما يدرك إمكاناته ومكانة الآخرين وما يرتبط بها من التزامات وتوقعات للسلوك وحقوق للآخرين واجبة عليه، في ذلك الوقت تزداد الفعالية والإيجابية للطفل، وتتدفق قدرته على العطاء دون الاكتفاء بالأخذ، ويتحرك مع كل ذلك قوى التنشئة الاجتماعية لتصبح داخلية بعد أن كانت كلها خارجية، وبالتالي تتسع الخطى في طريق التطبيع الاجتماعي. 2- معالجة آثار الإحباط على الأطفال أثناء تنشئتهم اجتماعيا داخل الأسرة. إن أساليب التنشئة الاجتماعية التي تتبعها الأسرة لا تخلو من تعطيل أو كف لبعض رغبات أو نزعات الطفل. وأحيانا يكون العقاب مسيطرا على الأمر نتيجة إقبال الطفل على سلوكيات غير مقبولة. ويكون نتيجة ذلك تراكم لشعور الطفل بالإحباط ومن ثم كراهية أو مشاعر سالبة نحو الوالدين أو الإخوة الأكبر. وتظهر مؤشرات الإحباط في عناد الطفل أو عدوانه على إخوته أو الإنطواء وغير ذلك من المؤشرات.. وكلها ردود فعل طبيعية.. ومن الضروري على الوالدين الاعتماد على أساليب تتجنب معها تعقيد الأمور أو زيادة عمقها وحدتها. ومن أساليب مواجهة هذا الطفل المحبط. أ- تعادلية القائم على التنشئة: ويظهر في موازنة الأب مثلا بين ما منع الطفل منه وما يمكن أن يسمح له به كبديل. فإذا حرم الأب طفله من عمل سلوك يستغرقه باعتباره غير مناسب فإنه غالبا يجب أن يسمح له بممارسة سلوك آخر يحقق له إشباعا. وكذا الأم التي تعاقب ابنتها ثم يعقب الأمر نوع من الملاطفة مع هذه الصغيرة "تضرب وتلاقي" وذلك بعد مدة كما سوف نرى فيما بعد. ب- تعادلية الطرفين: ويطلق عليه البعض التعادل المشترك، أي التصرفات التي يقوم بها مثلا الوالدان ليعادل كل منهما آثر الآخر "واحد يشد والآخر يرخي" وليس المقصود هنا التسلطية والتهاون بل الحزم والدفء الداعم للوالد الآخر. ومثال ذلك الأب الذي مارس نوعا من العقاب على طفله، فإن الأم تتولى تخفيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الآثار الناتجة عن العقاب بحيث لا يؤدي تخفيف الأثر إلى إلغاء التأثير أو التمرد على الأب أو تكوين اتجاهات سالبة ضده. جـ- تفريغ شحنة الطفل: وهو أسلوب يعمد إلى امتصاص الصدمة وخفض التوتر الناتج عن الإحباط بسبب العقاب أو غيره، فتتيح الأم مثلا أو الأب للطفل مجالا للتعبير اللغوي أو الرمزي عن انفعالاته بطريقة مناسبة، وإذا لم يتح هذا التفريغ القائم على التنشئة يمكن أن يقوم بها شخص داخل الأسرة مثل الأخ الأكبر أو الجد أو العم ومن الممكن ضيف أو صديق للأسرة. 3- معالجة ما يصيب الوالدين من إحباط أثناء قيامهم بالتنشئة: من نتائج قيام الوالدين أو أحدهما بتنشئة الأبناء أن يصابا بالتوتر والضيق والإحباط، مما يترتب عليه اتجاهات سالبة نحو الأطفال، وربما عبر بعض الآباء عن ذلك ليس فقط أمام الكبار مثلهم، بل أمام أطفالهم، فيقول الأب مثلا أو الأم: "أنا زهقت منكم.." أو تعبيرات من هذا القبيل. والأساليب السابقة التي تخفف الإحباط تعمل بوجهها الآخر على تخفيف العناء من القيام بدور المنشئ. وكذلك فالأحاديث الصريحة بين أعضاء الأسرة تساعد على تخفيف آثار الإحباط. وتعد الآثار الإيجابية لما يقوم به الوالدان من دور في عملية التنشئة وظهور هذه الآثار على سلوكيات أطفالهم، نوعا من الإشباع يجعل الوالدين يتحملان عناء رحلة التنشئة الاجتماعية لأطفالهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ثانيا: دار الحضانة Nursery School: بعض الأسر تدفع بأطفالها بين الثانية والرابعة من العمر إلى دار الحضانة، وهذا التوجه المبكر لوضع الطفل في مؤسسات مفترض أنها تربوية يمكن أن يكون بالنسبة إلى العديد من الأطفال خبرة ثمينة جدا. وأوضح قيمة للطفل في إرساله إلى الحضانة هي أنها تهيئ له الفرصة للعب مع أطفال من نفس عمره تقريبا، في جو تنظم فيه الألعاب والأدوات، وكذلك تنظيم الفعاليات والأدوار للأطفال بما يتناسب وعمرهم ودون قيود. والطفل الذي يذهب للحضانة، ولا يصبح المنزل هو اهتمامه الوحيد، ولا غرفته هي مكانه المفضل، ولا أبواه وإخوته إن وجدوا هم أصدقاؤه فقط. لقد أصبح له غرفة أخرى يقوم بالمشاركة في ترتيب أو تزيين بعض أدواتها، وأصحاب جدد يسعد برؤيتهم كل يوم في أغلب الأحوال، لقد أصبح له شيء آخر يثير اهتمامه. إنه يقابل مربية تهتم به وبألعابه بطريقة تختلف عما تفعله الأم وعن جو المنزل الذي تعود عليه. فإذا كانت دار الحضانة مكانا جيدا، وكان تكيف الطفل معها مناسبا، فإن الطفل لن يقضي في الحضانة وقتا ممتعا فحسب، بل إن الذهاب لها يكون بالنسبة له خبرة تزيد من تكيفه مع حياته المنزلية واكتشافه لعالم جديد. وثمة أطفال آخرون يبدون غير متقبلين للمكان الجديد، ويبدو ذلك من عدم استمتاعهم الظاهر عند الذهاب، وأحيانا تزايد ثورتهم أو تعبهم أو ربما مرضهم. وغير ذلك من الإشارات التي تدل على أنهم يلقون عنتا في الذهاب إلى الحضانة. 1- بنية الحضانة وأثرها في التنشئة الاجتماعية للأطفال: في هذا النطاق يتطلب الأمر التحدث عن جانبين هما حجم سكن الحضانة والتفاوت العمري والجنسي لمجتمع الحضانة. أ- حجم سكان الحضانة: إن عدد سكان الحضانة لا شك أكثر من عدد أفراد الأسرة التي أتى منها الطفل، لقد أصبح الآن بين عدد أكثر من الأطفال، ويرى داخل غرفة النشاط مشرفة تشبه الأم، وهناك عاملات يترددن بين وقت وآخر للحفاظ على النظافة، ويصاب الطفل في البداية بنوع من الدهشة مع هذا العدد الكبير، وربما يبكي مثل أطفال معه، ولكنه أصبح يصمت أو يهدأ مثلما حدث لأطفال آخرين، إنه مقلد جيد حتى لسلوك البكاء أو الهدوء والطاعة الذي يظهر من قبل أطفال آخرين معه، إنه يذهب مثل بقية الأطفال إلى حوض الرمل حينما تطلب المشرفة منهم ذلك، ويعودون إلى غرفة النشاط حينما تطلب منهم ذلك ... إننا الآن في سبيل للمسايرة وسط الجماعة. ب- التفاوت العمري والجنسي لمجتمع الحضانة: إن أفراد الروضة من الأطفال لا يختلفون عمريا، ولكن الطفل يلاحظ نساء في عمر أمه يطلبن منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أحيانا تنفيذ بعض الألعاب أو الذهاب إلى الحمام أو إحضار علب الألوان، ويجد الطفل أن الذين معه من الأطفال ليسوا من جنسه فقط بل من الجنس الآخر. 2- الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة الاجتماعية بالحضانة: ويطلق عليها ميكانيات التطبيع الاجتماعي، ومنها: أ- برنامج الحضانة: هناك برامج لبعض دور الحضانة، ودليل للمشرفة، وعبر المناشط المدرجة بالبرنامج التي يشارك فيها الأطفال يكون هناك بث لبعض المعايير عن قصد مثل الاشتراك مع الجماعة والتعاون مع الأطفال والنظام وترتيب أدوات اللعب على الأرفف المنخفضة ... وغيرها. ب- المناشط الحرة: إتاحة الفرصة للطفل كي يلعب حرا هدف جوهري من أهداف الحضانة، وهو في ذلك إما يستقل يلعبه أو يشارك فردا أو أكثر: ويكون نتيجة ذلك إنجاز بعض الأعمال مثل أكوام الرمل أو نقل الماء بالأواني أو ... وأحيانا العراك والشجار الذي لا يلبث أن ينتهي باللعب ثانية دون تدخل المشرفة، وكلها خبرات مناسبة للأطفال في تنشئتهم، عند تفضيل لعبة على أخرى أو صديق على آخر أو الدخول في شجار. 3- المشرفة وعملية التنشئة الاجتماعية للطفل بالحضانة: من المفروض أن تضم الحضانة مشرفات يعرفن كيفية مساعدة الأطفال الذين هم من جنسين مختلفين على اللعب المفيد والمرح ... بعيدا عن التزمت والصرامة أو الضيق والقلق من الأطفال. والمفروض على المشرفة في هذا المجال أن تكون ذات بال طويل وقادرة على توجيه سلوكيات الأطفال المفاجئة واستغلالها في النشاط الذي تقدمه لبقية الأطفال. إن المشرفة لا يتوقف دورها على العمل وسط الأطفال أو رعايتهم عموما وقت الحاجة، ولكن أن تتحدث مع الأمهات حول أمور أطفالهن ومشكلاتهم. وهنا نكون مع مربيات عطوفات موجهات لسلوك الأطفال ولسن متسلطات عليهم. وعبر هذا الدور الذي تقوم به المشرفة فإنه يمكن عرض صوره فيما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 أ- المشرفة كمنفذة للبرنامج: وفقا لما هو وارد في دليل المشرفة يجب أن يتم السير في غرس أوليات السلوك الحسن كالمشاركة والمرح وحب النظام. ب- المشرفة كنموذج سلوك: المشرفة بالإضافة إلى أهمية كونها موجها لسلوك الأطفال دون تزمت أو تسلط يجب أن تكون الشكل الذي يحتذي به. لأن الأطفال مقلدون جيدون حتى لأبسط السلوكيات التي تصدر من الكبار. فتكون منظمة وصبورا ولا تنفعل بسهولة مع المواقف المحبطة. إن الأطفال يقلدون المشرفة في مواجهة مثل هذه المواقف، فالمشرفة التي اندفع الماء بقوة في وجهها من الصنبور وصرخت تكون قد فشلت أمام الأطفال في مواجهة المواقف المحبطة مقارنة بالمشرفة التي ابتسمت. 4- رؤية الآباء لدور الحضانة في تنشئة الأطفال: إن من المدهش أن نسمع بعض الآباء يقولون إن مشكلات أطفالهم مثل العناد أو قلة الأكل أو العلاقات السيئة مع الإخوة قد قلت أو اختفت مع مواصلة الطفل الذهاب للحضانة. وتقول بعض الأمهات إن الطفل أصبح أكثر استماعا وطواعية. وإن كان هناك من الأمهات من يقلن إن الطفل تعلم المزيد من التمرد والعصيان وأصبح لا يسمع الكلام، أو يقلن إن الطفل يبكي باستمرار عندما يعرف أنه في طريقه إلى الحضانة. وهكذا فليس هناك إصرار على وجوب ذهاب جميع الأطفال إلى دار الحضانة، وتبعا لحالة الطفل فإنه يجب أن ينظر بجدية في تأجيل ذهاب الطفل للحضانة وليكن سنة مثلا، ولكن من الرأي أن غالبية الأطفال تستطيع أن تتكيف مع ظروف الحضانة وتفيد منها ويساهم ذلك على تنشئتهم الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ثالثا: رياض الأطفال Kindergarten من المناسب للغاية أن يتجه المعنيون بتنشئة الأطفال للأخذ بفكرة جعل روضة الأطفال جزءا معترفا به من كل مدرسة ابتدائية رسمية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. ونسبة من الأطفال ليست قليلة بين الرابعة والسادسة يوجهون إلى الروضة سواء كانوا قد ذهبوا من قبل إلى الحضانة أم لم يذهبوا. ولما كانت الفترة العمرية بين الرابعة والسادسة فترة تكيف سهل لدى الأطفال، ورياض الأطفال تسير على نفس النهج الذي تسير عليه دور الحضانة، ولا تطالب الطفل إلا بفعاليات حركية أو عقلية استكشافية أو فعاليات لعب فردية لهذا العمر. فإننا لا نبالغ إذا طالبنا المدارس الابتدائية بتقديم ودعم هذه الفعاليات بجدية في غرفة الدراسة حينما ينتقل إليها الأطفال. وإن كانت العوامل التي أدت إلى انتشار رياض الأطفال والحضانات تكاد تكون واحدة، ومن هذه العوامل خروج المرأة للعمل، وظهور الأسرة قليلة الحجم أو الأسرة النواة. بالإضافة إلى أن البيئة خارج المنازل أصبحت خطرة وصاخبة ولا تشبع حاجات الأطفال للانطلاق. ولقد كان لإصدار الأمم المتحدة عام 1958 من إعلان حقوق الطفل، واعتبار عام 1979 عاما دوليا للطفل، أكثر الأثر في توجيه الأذهان إلى أهمية إعطاء الأطفال فرصا أكثر مناسبة تعوضهم ما ينقصهم في بيئاتهم. وهذا لا يقلل من شأن فروبل وغيره من الذين أسدوا إلى الطفولة عموما وفكرة رياض الأطفال بافتتاحه أول روضة للأطفال في عام 1837. لقد أطلق Froebel مسمى "المدرسة القائمة على غرائز الأطفال الفعالة" على روضته، ثم سماها "مدرسة التربية النفسية" وبعد ذلك أطلق عليها اسم "حديقة الأطفال" ومنه ظهرت التسمية التي شاعت في جميع أنحاء العالم وهي "روضة الأطفال" ولذلك يعد فروبل المؤسس الحقيقي لرياض الأطفال. وأعطى فروبل قيمة كبيرة للعب والموسيقى والتشكيل والرسم والتلوين، وأكد على أهمية الأنشطة اليدوية ودراسة الطفل للطبيعة. والروضة تقدم الأفكار والمناشط في جو مرح وفي هواء طلق كلما أمكن ذلك. كما أن الاهتمام بمبادئ الصحة مثل غسل الأيدي ومبادئ الدين مثل حمد الله وشكره والمبادئ الوطنية عن طريق الممارسة الأخلاقية جزء جوهري من مهمتها. وتأتي Montessori في عام 1907م معلنة أن الأطفال ينبغي أن ينالوا قدرا كبيرا من الحرية في عملهم تحت رعاية مشرفة، وأن المقاعد رمز للاستبداد والأهم من ذلك أن يكون لكل طفل أدواته التي يختارها بنفسه ويعمل بها ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ينادي المشرفة لترى ما يفعل، وتطلب من الأطفال الصمت لحظات أو ثواني ثم يتصورون ويتخيلون ويفكرون فيما يحبون أن يعملوا ويصنعوا، وتستطيع الحرية على هذا النحو تكوين نظام، فليس النظام شيئا مجردا قائما على الرهبة، ويصبح المشي في الحقول أو وسط الحديقة والمشاركة في زراعة بعض النباتات وملاحظة نموها من المناشط الهادفة: فللروضة أهداف منها: تنمية الشعور بالثقة لدى الطفل وفي الآخرين، في جو غير قهري، وتنمية الاستقلالية في القبول والرفض والذهاب والعودة مع تعويده وجود وقت لا يستطيع أن يفعل فيه كل ما يريد. مع تجنب إحراجه أو إشعاره بالخجل. والروضة تهدف إلى تنمية رغبة الطفل في العمل مع غيره، ويتعلم أن يكون له دور وللآخرين دور. كما أن الاعتماد على النفس من خلال خلع الأطفال للمعاطف وغسلهم للأيدي مثلا يمكن أن ينمو. وهذا بالطبع لا يتنافى مع دور الروضة في تهيئة الأطفال لحياة المدرسة وممارسة مناشطه لمبادئ القراة والكتابة والرياضيات مبتعدين عن طريق التلقين وعبر برامج أو أركان أعدت لهذا الغرض. إن دور الروضة ينحصر فيما يبدو في كونه دور تهيئة أو استعداد لدخول المدرسة وليس بديلا عنها، أو عوضا لها، فمهمة الروضة تكمن في اكتشاف قدرات الطفل ومواهبه النامية والسماح لبراعمها بالظهور عن طريق النشاط الحر الموجه، مع تزويده بمهارات اجتماعية مثل التحية والاستئذان والعفو والسماح.. في جو طليق خال من الضغوط أو الإرهاق للطفل، وهذا ما يجعل الطفل يشعر بأن الروضة مكان آمن يشعر فيه بالرضا، ويزيل من نفسه ما يعتريها من رهبة أو خوف، حين يترك المنزل ليجد نفسه في محيط جديد، وتقوى عنده سمة الجرأة ليصبح أكثر انضباطا وأقرب إلى النظام وأكثر تقبلا له، فينتظم في المدرسة فيما بعد دون جو مضطرب. 1- بنية الروضة وأثرها في التنشئة الاجتماعية للأطفال: في هذا النطاق يتطلب الأمر التحدث عن جانبين هما: حجم سكان الروضة والتفاوت العمري والجنسي لمجتمعها، ولن يختلف الحديث عما عرضناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 عند تحدثنا عن دار الحضانة من قبل. إن الفارق ليس كبيرا بين الجو في دار الحضانة ورياض الأطفال كبنية، ولكن الاختلاف فيما يدرك الطفل، وفيما يرى ويسمع. في الروضة ينتقل الطفل إلى بيئة جديدة عليه تماما إن لم يكن قد التحق بالحضانة حيث يتساوى في المعاملة مع أطفال مثله، وهنا تمتد عملية التنشئة الاجتماعية تدريجيا، إذ إن الأمر يتطلب تعلمه كيف يتقبل ذلك ويسلك معهم السلوك المناسب سلوك نحو الآخرين وهنا يبدو مفهومه عن نفسه وعلاقاته بالغرباء من سنة، فتنمو اتجاهاته الخلقية والأساليب التي تجعله يتعامل بنجاح مع الآخرين. والطفل هنا لا يعلم ماذا يحدث ولكنه يحدث. 2- الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة الاجتماعية في الروضة: وفي هذا نتعرض لنظام برنامج العمل بالروضة والمناشط الحرة: أ- نظام برنامج الطفل في الروضة: من غير المقبول أن روضة أطفال تكون بدون برنامج، وهناك برامج متعددة ربما تختلف باختلاف المدن داخل نفس الدولة، وقد أخذت برامج رياض الأطفال أنماطا متنوعة متآلفة تارة ومختلفة تارة أخرى، ولقد اقترح Doreen قضبيات ثنائية تتراوح بينها هذه البرامج. برامج محددة البنية مقابل برامج غير محددة البنية. برامج تؤكد على المهارات المعرفية مقابل برامج تؤكد على المهارات الوجدانية. برامج تعتمد على التعليم مقابل برامج تعتمد على الاستكشاف.. وغير ذلك. كما أن هناك ما يطلق عليه نظام الوحدات التعليمية Teaching Units. وقد وضعت Eliason مؤشرات لجملة من الوحدات التعليمية تدور حول الألوان والأعداد والأحجام ووسائل النقل والأصوات والحيوانات ... إلخ، وغير ذلك من البرامج والأنظمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وإن اختلفت المداخل للنظام المعمول به نجد أنها تنطوي على أهداف لها أهميتها في التنشئة الاجتماعية للأطفال، مثل الاستقلال الذاتي والجرأة والدعابة والضحك وتعلم أدوار الجنس والإصغاء والتقيد بالتعليمات بالإضافة للعادات المناسبة للمواقف وغيرها. ب- المناشط الحرة المنضبطة: مما يلاحظ أن البرنامج المحددة البنية لا يعني أنه محدد بصورة مطلقة، أو بصورة لا تترك أي مجال لمبادرة المعلمة، أو لاقتراحات الأطفال المفاجئة أو الآنية. كما أن البرنامج غير محدد البنية لا يعني العشوائية التي لا يحكمها ضابط، كما أن الدافعية الخارجية لا تعني التجاهل أو الإهمال لكل الدوافع الذاتية من لدن الطفل. ويبدو من ذلك أن الطفل أمام عمل جاد مشوق. ودور يستوعب ميول الأطفال الطارئة ضمن المناشط اليومية، وهذا ما يمكن الطفل من تطوير مفهومه عن إمكاناته وذاته وضبط النفس وإدراك المسئولية والتعاون وكلها من قبيل النمو الاجتماعي. 3- المشرفة وعملية التنشئة للطفل في الروضة: تبدو الحاجة إلى مشرفات يحبهن الأطفال، في الغالب يبدأ حبهن للأطفال ويأتي في المقابل حب الأطفال لهن. مشرفة تحترم إمكانات الطفل ورغباته ولا تحكم عليه بمقاييس الكبار، لديها القدرة على أن تجعله يعبر عن أحاسيسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ومشاعره، ومتمكنة أن تكون مستودعا لأسراره البسيطة النامية، والإفضاء بمشاكله مع غيره. إن دور المشرفة يجب أن يتضمن دور الملاحظ والموجه لأعمال الطفل تاركة له بعض من حرية التصرف، ليشعر بأنه يقوم بعمله بوحي من ذاته ووفق رغبته وإرادته، ولا يعنى ذلك أن تترك للطفل في الروضة الحبل على الغارب، بل تراقبه عن كثب وتكون له القدوة. إن المشرفة تؤدي دورها متجنبة الإساءة إلى الطفل، لا توبخه أو تحرمه من المشاركة في النشاط، وعليها أن تبتعد عن كل ما هو من شأنه أن يسوء علاقتها معه، كم تزيل من نفسه ما قد يعتريها من رهبة. فعلاقة الطفل بالمشرفة التي يراها الآن والأطفال الذين وجدوا معه سوف تحدد ما له وما عليه ... معنى الحق ومعنى الواجب.. دون أي نوع من أنواع التلقين، إنها طبيعة وجوده في ذلك المجتمع. إن ذلك أول بدايات الإحساس بالانتماء للمجتمع الذي أصبح عضوا فيه. والطفل حتى الآن لن يسمع ولن يفهم معنى كلمة انتماء في هذه السن المبكرة، ولكن بذرتها قد وضعت في أعماقه. أما الأخلاق والاتجاهات الاجتماعية فلن تنمو تلقائيا لمجرد وجود الطفل وسط ذلك المجتمع الجديد "الروضة". إنما للمشرفة في الروضة دور هام في إعداده اجتماعيا حيث يكون الطفل ما زال متمركزا حول ذاته وأحيانا ممارسا للعدوان، وهو يرى المشرفة في توجيه تصرفه وفعل سلوكيات أخرى، يحس أنها جميلة لأنها من المشرفة التي أصبح يحبها، مشرفة أصبحت تشركه معها ومع غيره من الأطفال فيتحل تمركزه حول ذاته إلى نوع من المشاركة والتعاون. وعبر هذه الأدوار التي تقوم بها مشرفة الطفل في الروضة يمكن عرض صورها فيما يلي: أ- المشرفة كمنفذة للبرنامج: وفقا لما هو وارد في البرنامج المعمول به تسير المشرفة في دعم أوليات السلوك المناسب للمواقف، متيحة له فرص الإفضاء بما يخالجه والتعبير عما يشعر به. ب- المشرفة كنموذج سلوك: المشرفة يجب أن تكون مرحة ضاحكة، مرنة الحركة مستبشرة، لا تستخدم الصراخ في توجيه دفة الأمور، تحب الأطفال، وتظهر حبها لأدائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ج- المشرفة كمنفذة للمكافأة ولتعزيز السلوك الإيجابي: المشرفة تكافئ الأطفال على أعمالهم عن طريق السماح لهم بالقيام بأعمال جديدة، ولا تستخدم معهم أساليب الحرمان. 4 - رؤية الآباء لدور الروضة في تنشئة الأطفال: إن دور الوالدين لا ينتهي بمجرد دخول طفلهم الروضة، وإنما هو امتداد لدور المنزل. وإن من الواجب أن ينظر الوالدان تبعا لظروف ابنهما غير الراغب في تقليل فترة دوامه بالروضة. ويقول آباء كثيرون أن الروضة بالإضافة إلى أنها أراحتهم من أطفالهم، تعلمهم أشياء مفيدة، وسلوكيات هامة للغاية، إلا أن هؤلاء الآباء يطلبون المزيد من جهود الروضة في تعليم الأطفال الكتابة والحساب واللغة، ونسوا أو تناسوا أن الهدف الأول والأهم للروضة هو العمل على إسعاد الطفل، وإكسابه العادات المقبولة في سنه وبيئته. وهي أمور أهم من التنشئة الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 رابعا: المدرسة مدخل ... رابعا: المدرسة المجال المدرسي هو المجال التربوي المقصود الذي تحدث فيه الظواهر التربوية التعليمية، وهو بالتالي مجال نفسي واجتماعي في نفس الوقت، ويقصد به جميع الظواهر التي تحدث في وقت معين بالنسبة لفرد أو مجموعة ما في جو المدرسة. فالمجال المدرسي مجال نفسي واجتماعي، لا يمكن فيه فصل الظواهر النفسة في الأفراد عن الظواهر الاجتماعية الخاصة بالمجموعات التي تلتقي فيه وتتفاعل في إحداث الظواهر التربوية فالمتغيرات السيكولوجية الخاصة بالأفراد من حاجات وأهداف ومدركات ... تلتقي بالمتغيرات الاجتماعية من منظومات القيم الثقافية، وهذا ما يجعل المجال المدرسي مجالا عاطفيا لسببين: الأول: أنه مجال معرفة ولا يمكن أن توجد آلية معرفية بدون عناصر وجدانية، كما لا توجد الأخيرة بدون الأولى داخل المدرسة. الثاني: أنه من حيث هو مجال نفسي واجتماعي هو مجال علاقات إنسانية، وحينما تكون علاقات إنسانية تكون هناك عواطف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 إن مرحلة المدرسة تبدأ في حياة الطفل منذ السادسة فأكثر، إنها توافق مرحلة الهدوء بالنسبة لنموه النفسي والاجتماعي، لأنه يكون قد تجاوز مرحلة المعارضة والعناد أو في سبيله للخروج منها. فهو بذلك قد خطا في مراحل الاندماج الاجتماعي. كما أن حياته العاطفية قد اغتنت واكتسبت خبرات لا بأس بها، في مواقفه من ذاته أو من الآخرين ومن الموضوعات المحيطة به. وبعد دخول الطفل المدرسة، يصبح خاضعا لها في نسبة كبيرة من وقته، فالمدرسة تؤثر فيه بما تعطيه من واجبات منزلية Home Assignments واستذكار وواجبات اجتماعية من خلال روابط تربط الطفل بالزملاء، وجمعيات وجماعات مدرسية. إن البيئة الأسرية والوسط الاجتماعي بصفة عامة، يكون قد مارس تأثيرات على الطفل فيما يخص إعداده للحياة المدرسية: فالأسرة في مواقفها من الطفل ومعاملتها له طوال ما مر من عمره قبل هذه المرحلة وكذا الحضانة أو الروضة قد جعلته يحمل تصورات خاصة عن جو المدرسة، وعن شخصية المعلم وجزء من دوره، وطبيعة العمل المدرسي، وهذه كافية لجعله مكونا بعض العواطف الإيجابة أو السلبية تجاهها. لقد ترددت على مسامع الطفل مقارنات كثيرة بينه حيث لم يدخل المدرسة بعد وبين أخيه الأكبر الذي دخلها، أو غيره من أبناء الجيران المنخرطين في حياة المدرسة. كما أنه قد تأهب لكثير من المواقف التي تجعله ينظر إلى دخول المدرسة كمرحلة ضرورية لا بد منها، وكذلك لإحراز قيمة إضافية لذاته وتوسيع دائرة ممتلكاته وتصرفاته. فدخول المدرسة يعني امتلاكه لأدوات مدرسية وزي خاص، وعناية خاصة عند الخروج وفي فترات الامتحانات. إن هذا التهيؤ لحياة المدرسة الذي تمارسه البيئة عن الطفل، والتهيؤ الذي يقوم به الطفل ذاته قد ينطوي على مظاهر سلبية أو إيجابية. فقد بلغت على هذا التهيؤ عامل القمع، بحيث تكون حياة المدرسة وعيدا وتهديدا لانطلاق الطفل وحيويته، وهذا ما يجعلنا نسمع صراخ الأطفال حفاوة في الفسحة أو في حصص الألعاب أو مع آخر اليوم الدراسي أو مع آخر يوم في الدراسة وبعده تبدأ الأجازات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 كل هذه أمور تعلن أن الطفل يشعر بأن المدرسة أقيمت للحد من رغباته ولقمع حريته أيضا. لكن الطفل يصبح مقتنعا بضرورة المرور بهذه المؤسسة أو الوكالة ليحظى بالمكانة أو الاعتراف، فهو عن طواعية يشارك في قمع ذاته وممارسة الضغط على نفسه. ويعني ذلك أن الطفل رغم ما سمعه ويسمعه عن الدراسة ويعايشه فيها يقبل عليها، وقد اتخذ موقفا منها وتكون في أعماقه ما يشير إلى إمكانية تقبله لها أو نفوره منها. ولا شك أن باستطاعة المدرسة أن تصلح كثيرا من الموقف السالب الذي أصبح لدى الطفل ولكنه يبقى دائما موقفا مبدئيا له دوره وتأثيره في كثير من المجتمعات. وللمدرسة وظيفة اجتماعية هامة، هي استمرار المجتمع الذي هي فيه، وذلك بأن تيسر لأطفال المجتمع، تمثل قيم هذا المجتمع ومعاييره، وتدربهم على السلوك الذي يرتضيه عموما في المواقف والمناسبات وهي بذلك وكالة من وكالات التنشئة الاجتماعية ذات الأهمية. وقد تكون المدرسة أول مجتمع يواجه الطفل بمفرده بعد خروجه من المنزل إذا لم تسنح له ظروف الالتحاق بالروضة. ويختلف هذا المجتمع الجديد عن أسرته التي قضى فيها فترته السابقة. إن أسرة الطفل كجماعة أولية كانت العلاقات تتميز فيها بالمواجهة والعمق والدفء، وإن الطفل فيها تقدر قيمته لذاته، أما الآن وقد دخل المدرسة فهي جماعة ثانوية، ليس فيها دائما علاقات المواجهة لا بين المدرسين والأطفال ولا بين الأطفال بعضهم والبعض فالعلاقات ليست على نفس الدرجة من العمق والحرارة. فأعداد الأطفال داخل المدرسة كبيرة مقارنة بالأسرة، وتبدل المدرسين من عام إلى آخر، بل ومن مادة إلى أخرى يجعل تكوين مثل هذه العلاقات ونموها أمرا صعبا جدا، كما أن المدرسة كتنظيم اجتماعي له وظيفة محددة، لا ترحب بنشأة هذه العلاقات، لأن تقويم التلاميذ وتقديرهم جزء أساسي من وظيفتها، وإن نشأة علاقات حميمة عميقة بين المدرسين والتلاميذ أمر يؤثر في سلامة أداء المدرسة لدورها التقويمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 إن العلاقات في المدرسة أهم ما يميزها أنها رسمية يغلب عليها الخضوع لقواعد محددة ومعايير متفق عليها يخضع لها الجميع، أو على الأقل مطالبون بالخضوع لها. ويعد تقدير قيمة الطفل في المدرسة قائما على أساس مختلف عما كان في الأسرة، ففي الأسرة كان مصدر قيمته ذاته وأنه أحد أبناء الأسرة، أما في المدرسة فقيمة التلميذ تنبع من ثلاثة جوانب. الجانب الأولى مقدار ما يستطيع أن يتعلمه، أي تحصيله المدرسي، والثاني مدى مسايرته لأنظمة المدرسة وقواعد السلوك المطلوبة، أما الجانب الثالث فهو مشاركته في الأنشطة اللاصفية ومدى ما يهتم به في ألوان النشاط. والاختلاف بين الأسرة والمدرسة في طبيعة العلاقات والتفاعلات، لا يعني فقدان أو انقطاع الصلة بين الوكالتين، فالمدرسة تدفع الإمكانيات العقلية والمهارات الاجتماعية التي بدأتها الأسرة أو الروضة وتبني عليها ما يتناسب مع طبيعة المجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 1- بنية المدرسة الاجتماعية وأثرها في التنشئة الاجتماعية للأطفال : في هذا النطاق يتطلب الأمر الحديث عن أربعة أمور رئيسية هي حجم سكان المدرسة، وحركة المجتمع المدرسي، والتفاوت العمري والجنسي لمجتمع المدرسة والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي لمجتمع المدرسة. أ- حجم سكان المدرسة: لا نختلف أن عدد الأفراد الموجودين في المدرسة ضخم، من تلاميذ ومدرسين وإداريين. والطفل أصبح الآن. بعد دخوله ذلك المجتمع الجديد مطالبا بأن يكتسب لنفسه مكانا، واستخلاص هذا المكان والاعتراف ليس بالأمر الهين أو الذي تسمح به المدرسة بسهولة، وإنما يحتاج إلى مثابرة من التلميذ ومنافسة وتغلب على الصعوبات والعقبات، وربما تعرض الطفل للضياع وسط هذا الخضم الهائل، وخاصة عند انتقاله من أسرة تميل إلى صغر الحجم في عصرنا الحالي إلى مدرسة تتجه إلى التضخم والاتساع، وقد يترتب على هذا فقدان ذلك الصغير للثقة بالنفس نسبيا وربما لاحترام الذات، مما يترك آثارا سلبية على نموه الاجتماعي ومن ثم تنشئته الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ومع الأعداد الكبيرة لا يسهل عادة إقامة علاقات اجتماعية عميقة بين التلاميذ بعضهم والبعض وبين التلاميذ والمدرسين، ولا يتمكن المدرس من إنشاء هذه العلاقات بينه وبين التلاميذ بسهولة إلا إذا كان عدد التلاميذ مناسبا. ب- حركة المجتمع المدرسي: إن أعضاء المدرسة يتميزون بالحركة والتغير، فالتلاميذ يتغيرون بالنجاح من سنة إلى أخرى أو حتى الرسوب، والمدرسون يتغيرون مع سنوات الدراسة وربما ينقلون. وإذا كانت هذه الحركة لأعضاء المدرسة تتيح للتلميذ فرصا وخبرات جديدة ومواجهة مع أنماط جماعية وأفراد مثل الذين يواجههم مستقبلا في المجتمع، فهذا أمر لازم لعملية التطبيع الاجتماعي، إلا أن فيه ما يجعل الطفل غير شاعر بالاطمئنان وخاصة مع سنواته الأولى بالمدرسة. جـ- التفاوت العمري والجنسي لمجتمع المدرسة: إن أفراد المدرسة مختلفون من حيث العمر، ففي المدرسة الابتدائية مثلا نجد من هم في السادسة من العمر ومن هم في الثانية عشرة، وربما وجد تلاميذ وتلميذات، وربما وجد فيه مدرسون ومدرسات من أعمار أكبر. إن هذا الاختلاف والتفاوت له أهميته في التنشئة الاجتماعية للطفل. فهو يمنح الطفل فرصا للتعامل مع فئات عمرية مختلفة من الجنسين، مما يجعله يتعلم أو على الأقل يلاحظ بعض أنماط التعامل والسلوك. وغالبا جرب بعضها وأصبح على الطريق لاكتسابها. ومن ناحية أخرى ربما كان لذلك أثر سالب، فقد يأتي توقيت الخبرة التي يلاحظها أو يسمعها ليس في وقته أو موعده، فالتلميذ الذي لم يصل إلى سن البلوغ قد يسمع عن الاحتلام من تعامله مع تلاميذ أكبر منه. د- التفاوت الاجتماعي والاقتصادي لمجتمع المدرسة: لا يأتي التلاميذ في نفس المدرسة من مستويات اجتماعية واقتصادية متشابهة تماما إلا تحت بعض الشروط، وغالبا ما نجد أنهم أتوا من أوساط ثقافية واجتماعية مختلفة إلى حد ما، ويؤثر ذلك في العلاقات التي تنشأ بين التلاميذ بل وفي صبغتها. وينعكس ذلك على تنشئة الطفل، فالحياة المدرسية نوع من التفاعل، ولا يتوقف الأمر على مستويات التلاميذ، فلمستوى المدرسين أنفسهم أثر أيضا، فلقد أظهرت البحوث أن المدرسين منطبقة ما "متوسطة أو غير ذلك" يدعمون قيم واتجاهات ومعايير وسلوك هذه الطبقة في تلاميذهم من نفس الطبقة. وربما كان هناك نمط طبقي شائع في مدرسة ما تنعكس آثاره على سلوكيات التلاميذ مقارنة بالتلاميذ في مدارس أخرى لهم نمط طبقي آخر أكثر شيوعا. وعموما فإن التكوين الطبقي لتلاميذ المدرسة يؤثر على أنماط التفاعل والسلوك فيها، وبالتالي على دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 2- الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة الاجتماعية في المدرسة : يطلق البعض كما سبق أن ذكرنا مصطلح ميكانيات التطبيع الاجتماعية على هذه الأساليب ومنها: أ- عن طريق المقررات المدرسية: فقد تلجأ وزارة التعليم إلى الاعتماد على طرق مباشرة لبث قيم ومعايير غلب عليها الاتفاق في المجتمع، وتأتي هذه القيم صراحة في الكتب المستخدمة بالمدارس وأثناء شرح المدرس، أو تحدث بأساليب غير مباشرة مثلما يعرض مدرس للرياضيات مسألة عن الاستثمار أو التأمين. أو عندما يطلب المدرس من التلاميذ أن يحكوا قصصا عن الصدق وعن الأمانة والمنافسة أو عن الإخلاص. وعلى الرغم من ذلك فالمدرسة تعطي التفوق الدراسي في المقررات الدراسة أهمية كبرى فيما تمارسه من أساليب التنشئة الاجتماعية لتلاميذها الصغار. ب- الأنشطة المدرسية: هناك أنشطة مدرسية منظمة وموجهة ليكتسب منها الطفل بعض المعايير والقيم مثل حسن الاستماع للمتحدث، أو التوقعات المرتبطة بالمكانة للقائد والمرءوس، مثلما نجد في النشاط المسرحي وفي نشاط التربية الرياضية والمباريات، أو ما هو متوقع من الغالب والمغلوب في مباراة أو المتوقع من المضيف أو المستقبل لزائر في حفل. جـ- الثواب والعقاب للتلميذ: يمارس ممثلوا السلطة المدرسية الثواب والعقاب، فنجد تشجيعا لقيم معينة وتعزيزا لتصرفات التلاميذ بأنواع من الثواب مثل المدرح ومنح الجوائز وإعطاء الامتيازات، ويحدث العكس فيما يتصل بالقيم والسلوك الذي لا يتفق مع النظام المدرسي. والمدرسة في ذلك مثلها مثل الأسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 في تطبيق الثواب والعقاب، وإن كانت الرسمية في التطبيق من جانب المدرسة تبدو واضحة. فتطبيق مبدأ الثواب والعقاب من جانب المدرسة نابع من أداء التلميذ وليس من كونه ابنا في الأسرة، هذا الأداء الذي يقارن في ضوء أداءات التلاميذ الآخرين وترتيباتهم فيه، ولا يتم منح التعزيز أو توقيع العقاب في ضوء عمق عاطفي كما يجدث داخل الأسرة، ولا تبدو فيه الحدة الانفعالية، فالمنفذ غير متعاطف في جميع الأحوال لأنه يطبق نظاما يعرفه الجميع. د- تحقيق استقلالية الطفل عن الأسرة: تتمسك المدرسة بأن يخبر الطفل علاقات ومعاملات وتفاعلات مختلفة في النوع والدرجة عما عهده في أسرته من خلال فاعلية الثواب والعقاب المستخدم وتحرص المدرسة على هذا الاستقلال باعتباره شرطا لازما لنجاح ما تفعله لتنشئة الطفل اجتماعيا. هـ- تقديم نماذج للسلوك: وهو من الأساليب التي تقوم بها المدرسة لتنشئة الأطفال، إما بالحديث عن النموذج وشرحه ومناقشته بقصد الترغيب في الخصاص المقبولة أو بمجرد عرضها دونما ترغيب، أو دعوة للاقتداء بالنموذج وعلى أية حال فتأثر الطفل بالنموذج متوقع في الحالتين. ومع كل الأساليب التي تتبعها المدرسة في سبيل تنشئة الأطفال، لا يخفى على الأذهان، أن الطفل لا يبقى خاملا أو مستقبلا للأساليب المستخدمة معه، فالتلميذ يلاحظ ويعيش كل ما يجري في المدرسة من أحداث صغيرة وكبيرة، تتعلق بالزملاء أو بالمدرسين أو حتى أصحاب السلطة، وما يدور فيها من مناسبات كالامتحانات أو زيارة المسئولين. إن التلميذ ليس مسجلا جيدا فحسب بل مشاركا فعالا في كل هذه المناسبات، وله دوره النشط الذي تقصده المدرسة أو تسهل له أن يتبناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 3- معالجة آثار الإحباط على التلاميذ أثناء تنشئتهم داخل المدرسة: الأمر مختلف تماما بالمدرسة، فليس من الضروري في المدرسة كما هو الحال في الأسرة أن نقوم بمعالجة آثار الإحباط أو الألم الناتج من الحرمان من ممارسة نشاط داخل المدرسة، أو عدم الحصول على جائزة لتدني مستوى التلميذ، أو خفض درجته في السلوك مع نهاية الشهر لتجاوزه حدود الألفاظ اللائقة مع الزملاء، أو توقيع أي نوع من أنواع العقاب الأخرى المسموح بها في المدارس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 4- المدرس وعملية التنشئة الاجتماعية : المدرس هو المركز الذي تلتقي عنده بالتلميذ كل النظم الموضوعة في المدرسة وكل الأساليب المتبعة للتنشئة الاجتماعية. والمدرس له عدد من المكانات والأدوار الاجتماعية التي تحددها المؤسسة التي يعمل بها، وهو يعمل ويؤثر في التنشئة الاجتماعية للتلميذ من خلال هذه المكانات والأدوار. والتلميذ يدرك المدرس بصورة قد تتفق أو تختلف عن تلك الصورة المحددة اجتماعيا بواسطة نظم التعليم أو التربية، ولا يمكن أن نغض البصر عن خصائص المدرس ونواحي شخصيته وانعكاستها على دوره. ثم ظاهرة مؤكدة يعرفها كل من مارس مهنة التعليم. كما يعرفها عن تلاميذه الأطفال أو حتى المراهقين، تلك الظاهرة هي المحاولة المبدئية من جانب المدارس والمدرس لتنصنيف الآخر. فأول ما يفكر فيه المدرس هو أن يعرف نوعية التلاميذ الذين وكل إليه أمورهم، كما أن التلاميذ يقومون بنفس المحاولة، وفي ضوء المحاولتين نجد الهدف هو العثور على مفتاح شخصية الطرف الآخر للسيطرة عليه وربما أسره. وإذا كانت للمدرسين وسائل ومظاهر أرقى لتحقيق هذا الأسر، فإن التلاميذ قد يتخذون في هذا السبيل ما يدعو أحيانا إلى الرثاء، لو أن بعض المدرسين يقعون مع ذلك فيها، مثال ذلك ما يلاحظ من تسابق فئة خاصة من تلاميذ الفصل على تقديم بعض الخدمات للمدرس، كتنظيف المكتب أو مسح السبورة ... إلخ. مع أن مثل هذه الأعمال يمكن أن تحقق في جو من التنظيم مبني لفائدة الجماعة وليس للتقرب من المعلم. إن التلاميذ رغم صغر سنهم في المدرسة الابتدائية، يبدون وكأنهم سيكولوجيون صغار بالنسبة لمعلميهم أو بالنسبة لآبائهم حينما كانوا يعتمدون المساومة لتحقيق المطالب أو وصف الطرف الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ومن الملاحظات أن نجد المدرس وهو يسأل تلاميذه الصغار بطرق متنوعة عن أفضل مدرس بالنسبة لهم، فهذه الواقعة التي تبدو في ظاهرها مجرد فضول، إلا أنها تدل في عمقها على أن المدرس يسأل في سبيل جلب الاعتراف بأنه الأحسن، أو ليتعرف على الأقل على الصورة المفضلة لدى التلاميذ التي يمكنه بواسطتها أن يستحوذ على دارسيه، وهو نوع يشبه نوع الموقف الذي يتخذه أحد الوالدين سائلا الطفل إن كان يجب أمه أو أباه أو أيهما أفضل ولماذا؟ إنه موقف المساومة والارتشاء العاطفي والأنانية في الاستحواذ على الطفل. ومع أهمية مثل هذه المواقف في العلاقة الناشئة بين المدرس والتلميذ، وقوة دلالتها، على أن دور المعلم في المدرسة يتحدد بواسطة هذه التصورات التي يكونها من الواقع، أو انطلاقا من تصورات التلاميذ. ومهما كان الأمر فإن للمدرس أدوارا من المفيد أن نستعرضها. أ- المدرس كمنفذ سياسة: وفقا لما تتطلبه سياسة المدرسة، يعمل المدرس على إكساب التلاميذ القيم والمعايير وأنماط السلوك التي تعكس سياسة السلطة التربوية في المجتمع، وليس من حقه التغيير، وإن كان تنفيذ هذه الممارسات للإكساب يعكس ذاتية المدرس وخصائصه الشخصية، وربما وقع في صراع بين السياسة المطلوب تنفيذها منه وما يؤمن به، إلا أنه في النهاية عليه أن يسير طبقا للسلطة التربوية الكبرى، وهو في ذلك يكون قد اتخذ أحد المسالك لعملية التنشئة الاجتماعية للتلاميذ. ب- المدرس كممثل سلطة: السلطة داخل المؤسسة التعليمية ضرورية، وللمدرس نصيب منها بقدر ما يسمح له بإحداث التأثير المناسب في مجالات ضبط سلوك التلاميذ والحكم عليها واتخاذ قرارات تتصل بهم. والتلميذ هنا من خلال تفاعله مع مدرسه الذي يعتبر ممثل السلطة، يتعلم أن هناك قوى مراقبة لضبط سلوكه، وأن هناك سلطات تقدير وتقويم تزنه وتحكم عليه حسب أدائه وسلوكه. جـ- المدرس كنموذج سلوك: المدرس يجب أن يكون مثالا أو نموذجا للتلاميذ، ومتوقع منه أن يسلك تبعا لصورة لها أهميتها. إلا أن الأمر يختلف بين التلاميذ عند اتخاذهم مدرسيهم أو أحدهم نماذج لهم. فالتلميذ الذي ينتمي لمستوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 اقتصادي مرتفع قد يحب مدرسا ويحترمه ولكنه ينظر إليه أنه من فئة أخرى أو من جماعة معينة، وربما ينظر إليه على أنه أقل منه في المستوى بحيث لا يتمنى أن يصبح مثله، بعكس الحال إذا نظر إلى هذا المدرس تلميذ له مستوى اقتصادي منخفض. وهذا لا يعني أن التلميذ صاحب المستوى الاقتصادي المرتفع لا يتأثر ببعض السمات البارزة في هذا المدرس. إن التأثير العاطفي لشخصية المدرس في التلميذ يأتي من مبدأ اتخاذ المدرس كنموذج، فكل الظروف القائمة في مجال المدرسة وشروطه المادية والمعنوية، ومضمون عملية التنشئة التي يقوم بها المجتمع تؤدي إلى هذه النتيجة. وإن المدرس نفسه وهو يتعامل مع التلميذ يكون في ضوء هذا المبدأ، كما أن التلميذ يعامل المدرس على أساس منه. وهذه النموذجية الشاملية على المستوى المعرفي والأخلاقي والوجداني هي ما يجعل العمل التربوي صعبا، وهو أمر واضح من تردد وتخوف المبتدئين في التدريس أو المقبلين عليه. وهذا التأثير للنموذج ربما استمر معهم وعلق بهم إلى مراحل متأخرة من حياتهم، وخاصة ما يتصل بالجانب الخلقي والمهني من شخصية المدرس. د- المدرس كممثل قيم: إن المدرس في سلوكه ومن خلال مركزه الاجتماعي يعكس العديد من القيم مهما اختلف المدرسون، مثل قيمة النظام، وقيمة المعرفة والتحصيل، وقيمة المسايرة الاجتماعية أو التمشي مع الأوضاع. ويتأثر التلاميذ عبر سلوك المدرس وتصرفه في المواقف بهذه القيم، في الفصل أو أثناء النشاط أو أثناء حفلة أو مباراة. هـ- المدرس ككفيل أو معيل Supporter: ربما كان أعمق تأثير للمدرس في نمو التلميذ اجتماعيا، هو ما يشعره التلميذ بأنه مكفول بالمدرس أو أن المدرس راع له. تلك العلاقة التي تقوم على الاهتمام والحرص من جانب الكفيل "المدرس" على المكفول "التلميذ" وتنعكس من التلميذ في صورة احترام أو إعجاب بهذا المدرس، ويسقط معها الفتور بين التلميذ والمدرس مع بقاء الموضوعية والاتزان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 5- نماذج العلاقة بين المدرس والتلميذ أثناء تنشئته : إن العلاقة بين المدرس والتلميذ وشكلها لها أثر فعال على تنشئة التلميذ اجتماعيا. إن هذه العلاقة هي علاقة بين طرفين أحدهما أدنى والآخر أسمى، فالمدرس مكتمل افتراضا ونموذج يحتذى به، والتلميذ تابع في مرحلة التكوين، والمدرس كممثل للسلطة يوقظ في التلميذ ردود فعل من قبيل مشاعره نحو الأب. ولا يعني هذا أن صورة كل من الأب والمدرس تتطابقان، أو أن تأثيرهما واحد على التلميذ. ويمكن إجمال نماذج المواقف بين المدرس والتلميذ في ثلاثة: أ- الفتور: في مثل هذا الموقف يتمثل التلميذ كوسيلة يؤدي بها المدرس وظيفته التعليمية، أو يرضي بها رغباته الشخصية. وفي هذه العلاقة يصبح الهم الرئيسي للمدرس هو ضخ المعلومات في ذهن التلميذ، ويبلغ حد اللامبالاة بهذه الفئة من المدرسين إلى انعدام أي قلق يمكن أن يخامرهم حول مدى استجابة التلاميذ لعملهم، أو حتى حول ما حشر في أذهانهم من معلومات. فموقف المدرس هنا خال من كل لون عاطفي وأحيانا يهتم المدرس بالسرد والشرح لحبة لمادته ولإثبات ذاته. والأمر هنا ينطوي على أنانية من المدرس. ولا يمكن الحديث عن أي علاقة هنا، لا علاقة الخضوع أحيانا للتلميذ والنفور أحيانا أخرى من المدرس ومادته. ب- المبالغة في حب التلميذ: على النقيض من الموقف السابق، إنه ليس موقف الخلو من الدفء العاطفي، بل موقف فيض الحرارة العاطفية. يظهر هنا الاهتمام الزائد بالتلميذ والغيرة الشديدة على مستواه التحصيلي، ومستوى أدائه عموما، إنه موقف حب التلميذ، يهدف المدرس من ورائه إلى اقتناص الضحية "التلميذ" وربطه في حبائل علاقة لا يريد له منها فكاكا، إنه استحواذ، وهو مظهر للأنانية من جانب المدرس أيضا لا تتاح معه للطفل فرصة المناخ الضروري لتبلور عاطفة إعجاب، ولذلك فهذا الأسلوب وإن اختلف مع موقف الفتور واللامبالاة السابق في مظهره لا يختلف عنه في طبيعته، فكل منهما موقف تسلطي. وإن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الموقف الأول يؤدي إلى موقف سلبي في التلميذ، فإن الموقف الثاني يولد داخل التلميذ صراعا وتوترا وربما تمنى الفكاك من هذه العلاقة. وتعد درجة النضج الاجتماعي والعاطفي للمدرس من الأمور التي لها أهميتها في هذا الشأن، وتؤدي إلى تكوين مواقف عاطفية مناسبة إزاء الدراسة عموما. جـ- الاعتراف بشخصية الطفل: إنه موقف خال من الأنانية، موقف يعترف باستقلالية الطفل، ويترك مجال النمو العاطفي للطفل متفتحا، لا يأسره بحب زائد ولا يقتل فيه اعتبار الذات عن طريق لا مبالاة عاطفية أو تحكم ضمني. إن الطفل شديد الحساسية بمواقف الآخرين إزاءه، لذلك فهو أقدر من غيره على استشفاف دلائل الاعتراف بشخصيته، وهو قابل للإجابة بالمثل، وهذا ما يؤدي إلى تكوين علاقة انسجام بين المدرس والتلميذ مبنية على اقتناع التلميذ شعوريا ولا شعوريا بنموذجه "أستاذه" خارج كل قيد مادي أو معنوي. ويعمل المدرس نتيجة نضجه على تخليص التلميذ من الأسر الوجداني، والخروج به من دائرة التقليد والاحتذاء، ليمارس قدرته على الاختيار. وبفضل علاقة الانسجام العاطفي ونكران الذات هذه يتكون ثنائي مثالي Ideal Couple بين المدرس والتلميذ، وفي ظل هذه العلاقة تنمو عواطف الاحترام للذات وللغير، وللمدرس خصوصا، ولا يجب أن يكون التصور من هذا الحديث وجود علاقة ذات بعد واحد، لأن علاقة الانسجام الحقيقية بين المدرس والدارس ليست مجرد حوار بين شخصين، بل تأخذ مضمونها كعامل في إطار الفصل الذي يدرس فيه التلميذ من حيث هو مجموعة تلاميذ أو ما يعبر عنه الفصل، المجموعة Groupe Class وبذلك تكون هذه العلاقة ذات امتداد في جميع الاتجاهات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 6- معالجة ما يصيب المدرس من إحباط أثناء قيامه بالتنشئة : يصاب المدرسون غالبا بخيبة أمل مع بعض تلاميذهم، ويزيد الأمر صعوبة إذا كان هؤلاء الأساتذة من أصحاب المبالغة في حب التلميذ أو حتى الذين يعترفون بشخصية التلميذ. وذلك يجعل المدرسين في حالة من التوتر والقلق إزاء ما كانوا يتوقعونه وما حدث بالفعل سواء من تفوق أو تأخر للتلميذ أو حتى سلوك صدر منه. وربما قال بعض الأساتذة إن هذه المهنة سيئة، أو وضعوا لها أمثالا تثير الضحك أحيانا، وتواسي المدرس المنفعل أحيانا أخرى. وقد أشرنا أنه لا توجد أساليب لمعالجة إحباط الأطفال في المدرسة تخفف عنائهم وكذلك لا توجد وسائل لمعالجة ما يحدث للمدرسين من إحباطات. ولكن الأحاديث الصريحة التي تتم بين المدرسين أحيانا، وتوقيع العقاب على التلاميذ المخالفين ربما يخفف القليل من آثار الإحباط. كذلك تعد النتائج الإيجابية مع نهاية الامتحانات ليست فقط إشباعا لحاجة المدرسين إلى التقدير بل وتخفف أيضا من عناء الإحباطات، بالإضافة إلى الامتنانات القليلة التي ربما يوجهها بعض الآباء المخلصين لمدرسي أبنائهم. ومن الآراء الحديثة إشراك أحد تلاميذ الفصل ليقوم بدور المدرس "قرين المدرس" Peer- Teacher وفي الغالب ما يكون أكبر التلاميذ عمرا، يعاون المدرس ويعلم الأطفال الأصغر. ويستفيد من هذا الأسلوب كل من المدرس والطفل الأكبر والطفل الأصغر. ومن الجدير بالذكر أن هذا النظام عرفته التربية الإسلامية واشتهر باسم "العريف" الذي يطلق على التلميذ الأكبر الذي يتمكن من ضبط سلوك التلاميذ في غيبة المدرس، ويقلل هذا الأسلوب نسبيا من بعض الإحباطات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 7- رؤية الآباء لدور المدرسة في تنشئة الأطفال : معظم الآباء يتوقعون أن تقوم المدرسة بمعاونة الأسرة في تنشئة الأطفال اجتماعيا، أي بتدريبهم بشكل واقع على اكتساب القواعد الخلقية والاجتماعية. فإلى جانب المهارات المعرفية التي يتعلمها الطفل في المدرسة كالقراءة والحساب والكتابة فإنه يجب أن يكتسب معلومات عن المعايير والقيم والأدوار الاجتماعية. ولكن في حين يتفق جميع الآباء أن يتعلم أولادهم الكتابة أو غيرها نجدهم يختلفون فيما يتعلق بالمعايير والوسائل التي تتخذها المدرسة في عملية التنشئة الاجتماعية. ويرى البعض مثلا أن على المدرسة أن تؤكد على صفات الطاعة والأدب، ويرى آخرون ضرورة معاونة الطفل على التعبير عن ذاته وثقته بنفسه، ويرى البعض الأخير أن تكون التنشئة دينية. هناك قواعد أخلاقية واجتماعية تعمل في ضوئها المدرسة مثل التأديب والطاعة ... وقد لا يكون لمثل هذه القواعد أهمية أو غير مناسبة للبيئة خارج الفصل، حيث يكون التقييم بين الأقران قائما على مبدأ الشجاعة والجرأة والاستقلالية والحرية. ولا تسلم الوكالات التعليمية والتربوية عموما من تقريظ أولياء الأمور وملاحظاتهم رغم الموقف الضخم الذي تقوم به هذه الوكالات مع أعداد كبيرة من الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 خامسا: جماعة الرفاق مدخل ... خامسا: جماعة الرفاق "الأقران - الأنداد" Peer - Group يبدي الأطفال بعض مظاهر المشاركة الوجدانية مع بعضهم البعض من سن مبكرة ولا نغالي إذا قلنا أنها تبدأ من العام الأول للميلاد، فنجد أن الطفل يلاحظ غيره من الأطفال يبكون فغالبا يبكي مثلهم. ويزداد تأثير الأقران في سن المدرسة وقبلها بقليل حيث يطرأ على سلوك اللعب عند الطفل تغير ظاهر في نمط اللعب. فيتحول نمط لعب الأطفال من اللعب الانعزالي Isolate play إلى اللعب الاجتماعي Social Play ويلاحظ تفضيل الطفل اللعب في جماعة الأقران عن اللعب مع الكبار. والجماعة جملة أفراد أو أشخاص، تربط بينهم علاقات متبادلة ومتداخلة، ويضمهم وعي، ولا يمثل دخول فرد فيها زيادة عددية فحسب، بل تغييرا كيفيا فيما يخص تأثيراتها الوظيفية السلوكية فيه. والجماعة تبدو كلا مخالفا لمجموع عدد أفراده، ليست منعزلة بذاتها، بل توجد داخل تنظيم اجتماعي تظل تتأثر به مستمدة منه نماذجها، ومتفاعلة على نحو ما مع بقية ما فيه من مجموعات أخرى، هذه المجموعات التي تتفاوت في مقدار اتساعها، ومدى توافر أعضائها، بحيث يمكن التمييز بين جماعات كبرى وجماعات صغرى. كما أن الجماعة كيفما كانت حدودها ومداها، تحتوي داخلها على ترتيب وتنظيم للأعضاء حسب أدوارهم ومستوياتهم. فهناك منصب الرئيس أو القائد أو الزعيم Leader ومن ينوب عنه أو يساعده، أما الطابع العام لسلوك جميع الأفراد فهو التعاضد والتعاون. والتلاميذ في الفصل، من حيث إنهم مرتبطون بعلاقات متبادلة فيما بينهم، وبوعي وبأنماط ثقافية مشتركة، يكونون بالفعل جماعة، وهو قابل كمجموعة كبرى نسبيا إلى أن يضم مجموعات صغرى. إن وجود الطفل في المدرسة بين مجموعة من الرفاق يجعلنا نرى في هذه العلاقة صورة جديدة لعلاقة سبق أن عرفها في الأسرة، وهل علاقته بإخوته، فلكل من مجموعة الإخوة في الأسرة ومجموعة رفاق الفصل الدراسي توجد مرحلة تكوين يشرف عليه ويوجهه كبار. مما يجعل الاهتمامات والمطامح والمشاكل مشتركة بين رفاق المدرسة، كما كانت هناك اهتمامات ومشاكل مشتركة بين كل طفل في الأسرة وسائر إخوته. وهذا بالطبع لا يعني أن هذه العلاقة نسخة طبق الأصل من علاقة الطفل بإخوته، وبالتالي فليس من الضروري أن يترتب عليها نفس التأثير العاطفي الذي يترتب على علاقته بإخوته. غير أن ما نعنيه بتشابه العلاقتين هو أن الطفل مستعد للدخول في علاقة مع آخرين، بناء على خبرة تكونت لديه في ضوء علاقته بإخوته، بجوانبها السلبية والإيجابية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ولا شك أن العلاقة بالإخوة إذا كانت قد سارت في طريقها الإيجابي السليم من ناحية تأثيرها العاطفي، أصبح سهلا على الطفل الاندماج والتفاعل مع جماعة الرفاق بالفصل المدرسي، إلا أن كل علاقة مع ذلك تبقى لها تأثيراتها العاطفية الخاصة. وعلى الأقل فإن عمق العلاقة بين الإخوة، رغم ما فيها من صراعات أحيانا، تساعد الطفل على تحمل الصدمات المنتظرة في علاقاته الجديدة مع جماعة أو جماعات الرفاق. وتبقى له الجماعة الثابتة المستقرة التي يلجأ إليها كلما احتاج إلى ذلك. وتقوم جماعة الرفاق أو الصحبة أو الأقران أو الشلة بدور هام في عملية التنشئة الاجتماعية، فهي تؤثر في قيم وعادات واتجاهات الأطفال، وحتى الكبار. وفي الصحبة يجد الطفل مجموعة من الأطفال يتصل معهم ويقاربونه في العمر والميول. ويحرص الفرد في أي مرحلة عمرية يصل إليها على الانتماء إلى جماعة من الأصدقاء يتقاربون معه في العمر من أجل تحقيق قدر من التفاهم المتبادل، وقدر من الإحساس المشترك. كما أن مدى تأثر الفرد بالجماعة أو الصحبة ومدى ما يتقبله من قيمها واتجاهاتها ومعاييرها يتوقف على درجة علاقة الفرد بشلته، فكلما ازداد مدى تمثل الفرد لما اصطلحت عليه الجماعة من أنماط سلوكية دل ذلك على قوة ارتباطه وتأثره بها. ويبقى باستمرار المبدأ الذي تقام عليه جماعة الرفاق أو الأقران، هو تكونها من أعضاء يتعامل كل منهم مع الآخر على أساس من المساواة سواء كانت تتكون من أفراد أو راشدين. وأساس المساواة هنا في التعامل والتفاعل بين الأطفال، له وجهان: أحدهما إيجابي ويتمثل في ضم أطفال آخرين من نفس العمر تقريبا وغالبا من نفس الجنس ويستطيع أن يتعامل كل منهم مع الآخر على أساس المكانة المتساوية. والجانب السلبي هو استبعاد الراشدين منها أي من هم ليسوا آباء أو أمهات أو مدرسين، ويعتبر هذا الراشد حتى وإن وصلت الجماعة في عمرها إلى مرحلة المراهقة بمثابة مكانة لمغترب Status of Alien. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 1- البنية الاجتماعية لجماعة الرفاق وأثرها على التنشئة الاجتماعية للأطفال : إن البنية الاجتماعية لجماعة الأقرن ليست على نفس المستوى من التحديد والتعقيد كما هو الحال في الأسرة أو المدرسة، ورغم ذلك فإنه يمكننا التحدث بخصوص هذه البنية عن بعض الأمور الجديرة بالتناول. أ- حجم جماعة الرفاق: يصل حجم جماعة الرفاق في الغالب إلى ثلاثة أفراد فأكثر، ويظهر الأطفال الكبار أن الانتماء إلى هذه الجماعة يخلصهم من حصار الأسرة، يتصرف في رحابة كما يشاء، ويكتشف الطفل حينما يصبح على مشارف البلوغ أو قبلها بقليل أنه مكبل بأغلال أقوى مما كان يتوقعه وإن كانت من صنع جماعة الرفاق أنها جماعة ضاغطة Pressure Group، ويجد نفسه منقادا لضغوط الجماعة سواء شاء ذلك أم أبى، وذلك كسبا لرضاء أعضائها وحرصا على تقبلهم الدائم له. ب- استمرارية جماعة الرفاق: ليس من خصائص جماعة الرفاق استمراريتها إلى فترات زمنية طويلة، فهناك جماعات رفاق تستمر لأشهر معدودة كما أنها لا تتجدد ولا يحتفظ بكيانها بالأعضاء أنفسهم. وإن كانت هناك حالات معينة تحتفظ بها الشلة Clique f بوجودها واستمراريتها مثل مجموعة المكفوفين من أبناء حي معين أو أبناء لطبقات عليا في المجتمع التي يكون استمرارها وسيلة لتحقيق بعد نفسي أو اجتماعي. جـ- التجانس العمري والجنسي: غالبا ما تقوم جماعات الأقران على أفراد من نفس العمر ومن نفس الجنس، فهناك جماعات أفرادها إناث، وأخرى أفرادها ذكور، ونادرا ما تنشا جماعات تشمل الجنسين معا في مجتمعاتنا العربية. د- البساطة والتعقيد: هناك أشكال من جماعات الأقرن يمكن تصنيفها على النحو التالي: 1- جماعة اللعب: وهي أبسط أنواع جماعات الأقران، وتتكون بصورة تلقائية لإشباع الحاجة إلى اللهو أو اللعب والمرح. وتظهر أول ما تظهر بين الأطفال في الفئة العمرية 3-4 سنوات وليس لهذه الجماعة أي قيود أو قواعد مشتركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 2- جماعة اللعبة: وهي جماعة تشارك في لعبة جماعية مع تأكيد على قواعد وأصول وقوانين للعبة يجب الالتزام بها، وفيها يقع الثواب والعقاب بناء على الالتزام. وهنا يبدأ التشكيل الاجتماعي للأدوار والمكانة لكل عضو. 3- الشلة "عصبة" Clique: وهي مستوى أعلى من التعقيد في المشاركة الحميمة بين الأفراد، وفيها لا يسمح بدخول أفراد معينين داخلها ويكون هناك اتفاق على استبعاد نوع معين من بينها، وتصل درجة التماسك والعلاقات الحميمة بين أفرادها إلى اتخاذ أنماط سلوكية مشتركة، تصل أحيانا إلى ارتداء نفس النوع أو الشكل من الزي. وتعد جماعة الرفاق عندما تصل إلى هذا المستوى مصدر إشباع عاطفي لأعضائها. والشلة بين أبناء الطبقة الوسطى تبدو أكثر رسمية وتقيدا بعكس الشلة من أبناء الطبقة العليا وأبناء الطبقة الدنيا. 4- العصابة Gang: وهي أقصى درجة من درجات التعقيد والتنظيم، وإن كان أهم ما يميزها الصراع مع السلطة أو مع عصابات أخرى. ولدى أفرادها خبرات متراكمة من الصراع، ورموز مشتركة وشعارات وإشارات، وتعتبر نموذجا اجتماعيا لما يمكن أن يصل به شكل جماعات الأقران نتيجة لظروفهم من قوة ضغط على سلوك أعضائها والانقياد لأوامرها. 5- جماعات تلقائية النشأة ورسمية التكوين: وهي التي تتكون في الأندية أو المدارس، وربما تحولت إلى جماعة أقران على شكل الشلة بعد فترة من التفاعل وغالبا ما يشرف عليها الراشدون، وهذا ما يجعل البعض يقول إنها ليست من جماعات الأقران. لأنها تنشأ من أعضاء يتلقون وجهة نظر الراشدين في الأمور العلاقية لأعضاء هذه الجماعة، وهي ليست مجالا لتفريغ التوتر والشحنات الانفعالية نتيجة مسار الأفراد أثناء عملية التطبيع، وإن كانت تسمح بجزء منها أحيانا. وإذا كانت الصحبة عموما لها وظائف جوهرية للأطفال، منها أن يجد الطفل من يسايره من الأفراد من نفس سنة، وتنمية الإحساس بالقيم والحساسية نحوها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وتوصل الطفل إلى مستوى مناسب من الاعتماد على النفس بالإضافة إلى المساهمة في تكوين الاتجاهات والأدوار الاجتماعية، إلا أن أثر الصحبة في عملية التنشئة أثناء مرحلة الطفولة يظهر في عدد من النقاط: - دخول الطفل في جماعة يعد نوعا من النشاط الاجتماعي وتكوين الصداقات ومن ثم النمو العاطفي. - الالتزام بالقواعد خشية الوقوع في النقد. الدخول في أدوار اجتماعية مثل الزعامة أو القيادة. - الشعور بالاستقلالية والاعتماد على النفس والقدرة على اتخاذ قرارات بسيطة. - الدخول في ممارسات لتجريب بعض أنواع السلوك الجديدة أو المحرم التحدث عنها داخل الأسرة أو المدرسة. - إتحاد الفرصة لتقليد سلوك الكبار في جو سمح أو مرح. - إتاحة الفرصة للالتزام وتحمل المسئولية. - إشباع أهم حاجات الأطفال غير الأولية وهي: الحاجة للشعور بالمكانة والانتماء. - إكمال ما ينقص الطفل من معلومات لا توفرها الأسرة أو المدرسة أو تتجنبها "المحرمات الاجتماعية". - تساعد الطفل في الحصول على استقلال شخصي عن الوالدين أو المدرسين. - ملاحقة التغيرات والألعاب الجديدة. - ممارسة أدوار اجتماعية مثل صلح الأقران، أو إثارة الخلاف. - تنمي الاعتراف بحقوق الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 2- موقع الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة في جماعة الأقران : تعمل في جماعات الأقران وسائل أو أساليب للتطبيع أو التنشئة الاجتماعية نعرضها على النحو التالي: أ- الثواب والعقاب: إن وجود أفراد داخل جماعة الأقران يلزم كلا منهم بأنماط السلوك، وكل فرد يهمه أن يحظى بانتباه وتقدير ورضى باقي أفرادها، أو يحصل على رضى المهمين فيها وألا يستمر في عضويتها وتلفظه الجماعة. وهنا يكون العقاب، وربما اقتصر على الاستهزاء أو النبذ. ويكون الاحترام لعضو الجماعة بمثابة مكافأة أو إثابة له، وربما السماح للمشاركة أو الانضمام للأنشطة. ب- النماذج: داخل جماعة الأقران، قد يصبح أحد الأعضاء ذا قيمة خاصة تجعل منه مثالا يحتذى، ويحاول أن يتوحد أو يتقمصه باقي الأعضاء ويكون باقي أعضاء الجماعة أكثر استعدادا لتقبل أفكاره وآرائه. جـ- المشاركة في اللعب: وهي خاصية أو أسلوب لا يظهر تأثيره بوضوح على التنشئة الاجتماعية مثلما نجده في جماعة الرفاق، وإن كان هذا الأسلوب يعد مشتملا على أساليب أخرى مثل أسلوب الثواب والعقاب، فعن طريق اللعب يعرف الطفل الحدود اللازمة لممارسة اللعبة والقواعد المنظمة لمشاركته أو إخراجه نهائيا. وقبول الطفل لهذه القواعد يحدث تدريجيا، وهو خبرة لها قيمتها في تطبيع الطفل، لأنها تضعه وجها لوجه مع خاصية هامة من خواص المؤسسات الاجتماعية، وهي الالتزام حتى تستمر عضوية الفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 3- معالجة آثار الإحباط أثناء التنشئة داخل جماعة الأقران : هناك أمور محبطة على بعض أعضاء الجماعة، فعدم الاعتراف بأهميتهم أو أهمية ما يبدون، ربما يسبب نوعا من الإحباط، ولا تقوم جماعة الأقران في أغلب الأحوال لإزالة هذا الشعور، وبخاصة أن الفرد أصبح عضوا فيها، وربما وصل الأمر لعلاقات حميمة بين الأعضاء، ويكون التسامح من العضو في حد ذاته أو ارتضاء المكانة وسط هذه الجماعة وارتضاء رواد له أو رضى زعيم الجماعة، بمثابة تخفيف لما أصابه من إحباط. وإن كانت هناك جماعات رفاق تخفف من آثار الإحباط التي بدت على بعض أفرادها من منطلق العاطفة التي تربطهم ومدى الجرح الذي أصاب العضو. كما أن لمساندة الجماعة للعضو مقابل الجماعات. الأخرى، وإفادته بالرأي في مشكلاته الخاصة والصعوبات التي تقابله أحيانا، والأمور التي تتطلب منه اتخاذ قرار تجعله يتسامح فيما أصابه من عقاب أو إحباط من الجماعة نتيجة اختلاف في الرأي أو عدم التزام بقواعد متفق عليها أو متعارف عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 4- رؤية الآباء لدور جماعة الأقران في تنشئة الطفل : ليس لدى الكثير من الآباء فهم واضح لجماعة الرفاق أو الأقران، وإن كان بعض الآباء يعتمدون عليهم في تصفية بعض مشكلات الأطفال مع الأسرة وبخاصة الأطفال الكبار والمراهقون، وربما يعتمد عليهم بعض الآباء في تصفية الخلافات بين الأطفال. إلا أن المفهوم الشائع لدى الآباء كما يشير إليه Krumboltz وزميله هو قلق الآباء بسبب خضوع أبنائهم لتأثير الرفاق وبخاصة إذا كانت صورتهم لدى الوالدين أنهم رفقاء السوء أو هم كذلك فعلا، لأنهم يشكلون مصدر خطر كبير على سلوكياتهم. وينصح الآباء بضرورة تعليم أولادهم، أثناء تنشئتهم، أساليب المناقشة والحوار لأية معايير أو قرارات أو التزامات تفرض عليهم دون خوف وبلا تردد أو امتثال تلقائي، ولا غبار على رأي الآباء فهم حريصون على أطفالهم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسلك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة". وقال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، وإياك وقرين السوء". ولكن يجب أن نعلم أطفالنا صورة الصديق الحسن، ونمهد له بكيفية التعرف على الأصدقاء من منطلق أننا لا ننكر ضرورة تمهيد الأطفال للاستقلالية، أو الانتقال التدريجي من الاعتمادية أو الاتكالية في نطاق الأسرة إلى الاستقلالية الموجهة في رحاب جماعة من الرفاق من نفس العمر، مع مراعاة ضرورة الالتزام بمعايير الأسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 سادسا: النوادي والساحات الشعبية والجمعيات: تنبئ طريقة تنظيم النوادي وكيفية تسييرها عن الأهداف التي يرمي إليها المنظمون ومدى عنايتهم بتكوين إطار تربوي تتوافر فيه شروط معينة. لذلك فإنه كلما تطورت الأهداف تطورت طرق الإعداد والتنفيذ والغاية التربوية للنوادي والساحات والجمعيات هي تعويد الطفل الطاعة وتوزيع المسئوليات، وإسناد جزء من تربية الطفل إلى الطفل نفسه تحت رعاية شخص أكبر سمح الأخلاق. وفي الأندية والساحات تجمعات من الأطفال، لكل منها ميل مشترك فالميول والرغبات لها دور كبير في تنظيم هذه المؤسسات، لدرجة أن هناك نوادي تقوم على نشاط مميز لها نبع من ميل المشتركين. وتؤدي الملاعب عند توافرها وتجهيزها تأثيرا في وجدان الطفل نحو مجال من أهم المجالات المشروعة الأداء والممارسة وهو اللعب. فاحتفالات المجتمع أو بعض شرائحه بمظاهر اللعب المتجلية في تشجيع الرياضة المنظمة "كرة القدم، السباحة ... " بشتى أنواعها يجعل الراشدين والأطفال ينظرون إلى أبطال هذه الرياضات نظرة الإكبار والإقدام فيبدون نماذج تحتذى في هذا المجال، ليس على مستوى ممارسة اللعبة وإتقانها وممارسة سلوك اللاعب بل على مستويات أدنى مثل ارتداء نفس لون ملابس اللعب أو نفس رقم اللاعب المحبب. إن الملاعب والساحات الرياضية والنوادي ترغب الأطفال وحتى الكبار إلى ممارسة الرياضة، وفضلا عن أن هذا فيه استفادة مشروعة من أوقات الفراغ وشغل لها، فهي تنمي الأجسام وتحافظ على البنية، بل تكون واحدة من مجالات الترويح. إن نظرة بسيطة إلى المباريات الرياضية الأسبوعية، وما يحيط بملاعبها أو الأجهزة الإعلامية الناقلة لها لتدل على قوة الشحنة العاطفية التي يحملها الأطفال بين جوانحهم وما يمكن أن ينعكس على قبولهم للصفات الخلقية لممارس الرياضة من تحمل وثقة بالنفس وتعاون. وهناك أندية متعددة المناشط، لتحقق رغبات المشاركين. في جو ممتلئ بالألفة، يجد فيه كل عضو ما يشبع رغباته من اطلاع ولعب وندوات وأنشطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 خدمة بيئة وغيرها. كما أن هذه المؤسسات تستثمر اهتمامات الأطفال الثقافية والعملية، وتنمي تذوقهم للفنون والآداب والرياضة. والهدف من ذلك تنشئة الأطفال وتنمية حصيلتهم العامة وإكسابهم للمهارات عن طريق الممارسة، بالإضافة إلى تنمية الإحساس بالتذوق الفني والتشكيلي والغنائي من خلال مناشط يقيمها الأطفال بأنفسهم وجهودهم الذاتية. والنوادي والساحات الناجحة هي التي تزود الأطفال بما لا تزودهم به المدرسة، أو تضيف على ما يمكن أن تزودهم به المدرسة. ولذلك فدور هذه المؤسسات هو تحقيق نوع من التعليم الذاتي عبر استخدام المؤلفات والآلات التعليمية والمبتكرات الحديثة بالإضافة إلى الأنشطة الرياضية التي تنمى المهارات المختلفة في القفز والجري.. وكذا التدريب على أنشطة تنمي المهارات اليدوية مثل الحياكة والحفر. ولن تكون هذه الأداءات في الأندية والساحات والجمعيات دون تفاعل اجتماعي بين الأعضاء من أطفال أو مدربين ورواد. ويكون المبدأ الأساسي هو احترام شخصية الطفل واستقلاليته أثناء الأداء داخل هذه المؤسسات مما يشعره وينمي فيه القدرة على العطاء ودافع الإنجاز والروح الرياضية، والابتعاد عن الأنانية تقبل وجهة نظر الغير فيما يؤديه، وكلها من قبيل التنشئة الاجتماعية. إن معرفة الفرد بأن هناك متميزين في أداء مهام معينة وغير متميزين وإنه يمكن أن يأخذ موضع الريادة في مجال لا يتمكن منه زميل آخر. ويستطيع أن يبدي الرأي في أمور، كما يسمع الرأي الآخر. كل ذلك يجعله قادرا على تقدير ذاته وسط عمل جماعي مما يسهم عموما في نموه الاجتماعي. ويبقى الشيء الهام الجوهري وهو شعور الطفل بأنه عضو في مؤسسة من هذا النوع فيدعم ذلك شعوره بالانتماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 1- الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة الاجتماعية في الأندية والساحات والجمعيات: ومن هذه الأساليب: أ- ممارسة الأنشطة: هناك كثير من النوادي لها مناشط محددة، ولها برامج موجهة، وتهدف من ممارسة الأطفال لهذه المناشط تنمية الاستقلالية والتعاون وغيرها. وإعطاء فرص لتفوق الأطفال في مجالات ثقافية ورياضة واجتماعية، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويجعلهم نماذج لغيرهم من الأطفال. ب- تقديم نماذج للسلوك: ربما اهتمت بعض النوادي أو الجمعيات بالحديث عن نماذج في صورة أشخاص لهم أداءات متميزة كالمتفوقين في مجالات الرياضة ومجال الثقافة العامة وغيرها، وإن كان الهدف تعريف الأطفال بهذه النماذج إلا أن مجرد التعريف فيه الكثير من الترغيب. والنموذج المقدم هنا لا يشترط أنه يكون من بين الأطفال عموما أو أطفال النادي أنفسهم، فربما كان النموذج شخصا لا نتحدث عنه في ندوة أو اجتماع ولكنه شخص يمارس عمله باحترام واقتدار على خلق حميد داخل هذه المؤسسات، وربما كان رائدا من رواد الأندية أو رئيسا للنادي، وهنا يصبح ذلك الرجل أو ذلك الشاب مثالا يحتذى يدركه الأطفال ويعايشونه. 2- الرائد في النادي والمشرف في الجمعية ودورهما في التنشئة الاجتماعية للأطفال: للرائد بالنادي عدد من الأدوار، فهو ينظم العمل، ويدير البرنامج المعمول به في النادي أو يشارك في إدارته ويحافظ على انسجام هذا البرنامج ورغبات المترددين، كما أنه يتابع أماكن وأدوات النشاط والقائمين عليها، وفضلا عن أنه يكون علاقات مع المشاركين من الأطفال فهو يكون علاقات مع أولياء أمورهم في ضوء من المعايير والقيم، وهذا ما نلاحظه على المشرفين على الجمعيات أيضا. إن ذلك يجعل عمل الرائد والمشرف أكثر فعالية وبصماته أكثر وضوحا، وتعد النوادي الناجحة دليلا على وجود رواد ومشرفين ناجحين. والطفل يدرك ذلك بصور غير مباشرة، فلا يبدو الرائد أو المشرف أمامه كمنفذ سياسة بل كنموذج للسلوك، فيحب الطفل انتماءه لهذا المكان وتزداد فعاليته الاجتماعية مع الكبار داخل النادي ومع أقرانه، وهنا يكون الاحترام المتبادل القائم على قيم ومعايير يرتضيها الجميع الأهل المشرفون الأطفال أنفسهم إنها معايير المجتمع ككل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 سابعا: دور العبادة تقوم دور العبادة بدور هام وفعال في حياة الناس، بتأكيد القيم الخلقية، وعبادة الله سبحانه وتعالى. يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} . ودور العبادة تقوم بتنقية فكر البشر، وتطهير قلوبهم وتصحيح نفوسهم، وإيقاظ ضمائرهم، وضبط سلوكياتهم وتصرفاتهم. إن دور المساجد مثلا لا يتجلى فقط في ربط المسلم بربه، وإعلان توبته، وتوجيه شكره لله، بل وربط الفرد المسلم وإدراكه لقيمته والمحافظة عليه. ودور العبادة عموما تعلم الفرد التعاليم الدينية، ومعايير السلوك، وتنمي ضمير الإنسان وتضع أسس التفاعل الاجتماعي بين الأفراد. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ويفسر الإمام الباقر هذه الآية: "قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم" وكان جعفر عليه السلام يقول: "عظموا أصحابكم ووقروهم، ولا يتجهم بعضكم على بعض". وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك". وتوجه دور العبادة أساليبها إلى الكبار والصغار. وتحث الأديان على تنشئة الأطفال تنشئة دينية واصطحابهم مع الكبار إلى دور العبادة. ودور العبادة تعد مظهرا من مظاهر البيئة الاجتماعية. إن دور العبادة كما عرفت في كثير من المجتمعات القديمة والمعاصرة، لا يقف تأثيرها عند كونها مكانا لممارسة الشعائر الدينية، بل إنها كمؤسسات مارست تأثيرها في أعمق مظاهر الحياة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الاجتماعية، فما زال من القادة في بعض الدول من يتولون السلطة في بلادهم في هذه الدور وبتأييد من القائمين عليها، وتعقد عقود الزواج أيضا داخل هذه الدور أحيانا. ويرتبط بمفهوم دور العبادة ما يسمى بالأضرحة المقدسة وأولياء الله الصالحين، وهذه ذات آثار قوية في بيئتنا العربية، وخاصة ما يشيع حولها من ضروب الشعوذة والخوارق والمعجزات، والتي تتضارب مع أسس وقواعد الدين الإسلامي. وهذا يعد أمرا غاية في الأهمية من حيث تأثيره على أذهان البعض، ودخوله إلى وجدانهم. والطفل الذي يعيش في بيئة يشيع فيها تأثير الأضرحة وأولياء الله الصالحين سواء الصحيح منها أو غير الصحيح وما يقترن بها من أنواع الممارسات وأحيانا بعض الغرائب التي تقام أمام أنظار الأطفال، تدخل في أعماق الطفل وتشد ذهنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وتهز وجدانه، فتحدد له بعض تصوراته عن ظواهر هذا العالم، وكيفة التعامل مع بعض المشكلات والعقبات التي يمكن أن تقابله مستقبلا. لقد رأى الكثير من الكبار يلجئون إلى ذلك الأسلوب. إن التصورات التي تملأ ذهن الطفل إزاء قبور بعض أولياء الله، وعواطف الاحترام التي تولدت داخله إزاءها، تحدد نوعية التعامل مع بعض موضوعات العالم المحيطة، وسوف نرى في نموذج تنشئة الطفل من قرية فرنسية ما يشير إلى ذلك في فصل قادم. أساليب دور العبادة في تنشئة الأطفال: تتخذ دور العبادة عددا من الأساليب لتنشئة الأطفال: أ- تحديد وتوضيح مسئولية الوالدين في تربية الطفل: إن مسئولية الآباء لا تنحصر في إدارة الحياة المعيشية المادية للأطفال بل إن عليهم أن يقوموا بتربيتهم تربية إيمانية صالحة. إن تأديب الأطفال وتربيتهم أهم في نظر الإسلام من الاهتمام باحتياجاتهم الجسدية يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "ما نحل والد ولدا نحلا أفضل من أدب حسن". وتقوم دور العبادة بتوجية نظر الآباء إلى رعاة الأطفال وتنشئتهم، قال تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} وقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . ب- الترهيب والترغيب: تقدم في دور العبادة ما يصلح الناس عموما في الدنيا والآخرة، فترغب في عمله وممارسته وتنهى عن الأشياء التي تجعل الناس على قرب من العذاب والنار في الآخرة وسوء العيش في الدنيا. وسماع الأطفال لبعض من هذه القواعد ومشاهدتهم التزام الكبار بأداء الفرائض يعد ترغيبا لهم في الإقبال على ممارسة أو تقليد النماذج السلوكية الحسنة والطيبة، وترهيب لمن يقبل على أفعال لا يقبلها الله مثل: السرقة والكذب، والغش، وكلها أمور يعد تجنبها من قبيل التنشئة الحسنة للأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 جـ- مخاطبة العقل بأمثلة ونماذج: تقدم دور العبادة أمثالا حية ونماذج للسلوك من التراث أو من الواقع، وشعور الطفل أثناء وجوده بالخضوع لله سبحانه وأداء الصلوات من قبل الكبار شعور لا يمكن إحداثه عبر أساليب أخرى كالكتب أو النصائح بعيدا عن دور العبادة، فالخشية التي يشاهدها في عيون الكبار ومنهم أبواه مثلا، والتضرع إلى الله سبحانه كما يتابعها في رفع أيدي الناس شكرا وطلبا للرحمة المغفرة والصحة والعافية وسعة الرزق، وسماعه للأدعية المختلفة. كلها أمثال حية على طريق التطبيع الاجتماعي للأطفال فينشأ الطفل على التقوى والبر "حسن الخلق"، وقول الصدق والشفقة واحترام الكبير نتيجة غرس القيم الذي تم بأسلوب مزجت فيه بفكرة التدريس حدود الدين وطريق الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ثامنا: وسائل الإعلام مدخل ... ثامنا: وسائل الإعلام تعددت وسائل الإعلام التي أصبحت تشد الطفل من مجلات وكتب هزلية COMICS وتلفزيون وسينما ومسرح وسائل الإعلام ... تحدث تأثيرها بما تنطوي عليه من إحاطة الأطفال بموضوعات. وإغراء الأطفال واستمالتهم ليسلكوا بما يتفق مع رغبة موجه الرسالة بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للترفيه والترويح وهو هدف يأتي في المقدمة. والاستفادة من وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية للطفل ليست حديثة، فالحواديت والقصص والملاحم الشعبية، كانت تستعمل قصدا وبغير قصد في إكساب الطفل كثيرا من عادات المجتمع وتقاليده إلى أن أصبح الآن للطفل مساحة من صفحة أو أكثر من جريدة يومية أو مجلة خاصة به أو برنامج إذاعي موجه يقصد له، ووسائل الإعلام عمومها لها خصائص تنسحب على مجال الأطفال، فغيرها لا يحدث تلاقٍ بين القائم على الوسيلة والطفل مثلما نرى في الأسرة والمدرسة والنادي، كما أنها تعكس جوانب من الثقافة العامة للمجتمعات الأخرى التي لا يعيش فيه الطفل مثل مجتمع البادية ومجتمع الريف والمجتمعات الأخرى الأوروبية والأمريكية. وتزداد أهمية وسائل الإعلام بالنسبة للأطفال والكبار في مجتمعاتنا الحديثة، كما تزداد جاذبيتها، بحيث أصبحت تحتل من الوقت اليومي لهؤلاء الكثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ورغم أن وسائل الإعلام لها أسلوب وطريقة في العرض، إلا أنه لا يجب أن ننظر إليها في معزل عن بقية وكالات التطبيع الاجتماعي مثل الأسرة والمدرسة و ... كما لا يجب أن ننظر إليها في معزل عن العوامل الشخصية لمتلقي الرسالة الإعلامية. وإن كان تأثير وسائل الإعلام عموما على تنشئة الأطفال يتأثر بعدد من العوامل منها أيضا المرحلة العمرية لمتلقى الرسالة الإعلامية، وحاجات الأطفال، والمستوى الاجتماعي والثقافي الذي ينتمي إليه الطفل، وردود فعل الآخرين عند ممارسة الطفل لما تعرض وسائل الإعلام "من أسرة وأقران وجيران ... " ومدى توفير البيئة الاجتماعية التي يجرب فيها الطفل ما عرض من شخصيات ونماذج عبر وسائل الإعلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وإذا كانت الغالبية ترى أن وسائل الإعلام تقدم للأطفال تثقيفا، على اعتبار أن الثقافة طريقة حياة فإن تثقيف الطفل من شأنه أن يجعله يعيش حياته بطريقة أكثر فعالية، ولن يقبل المفهوم الذي يتندر به القلة قائلين إن الثقافة إحدى الكماليات التي لا تتوافر إلا لذوي القدرة على الحصول عليها والاستمتاع بها من أبناء طبقة الصفوة في المجتمع. إن تثقيف الطفل ضرورة حيوية من ضروريات الحياة التي يتحتم تزويد جميع الأطفال بها، بغض النظر عما بينهم من فوارق طبقية. ويبقى السؤال: كيف يتم ذلك وبأي طريقة يمكن التقديم، وما شروط المقدم للرسائل اللازمة لهذا التثقيف؟. ويميل الكثيرون إلى إرجاع ما يلاحظونه من تباينات وانحرافات في سلوك الطفل إلى واحدة أو أكثر من وسائل الإعلام. والواقع أنه لا يجب النظر إلى الأمر بهذه البساطة فإنه إذا كان تقليد الأطفال للرسائل المقدمة واردا فإن تغيير أنماط السلوك السوية والقيم الأخلاقية الموجودة من السواء إلى الانحراف ليس بالأمر السهل. ويجب الحذر عند تحدثنا عن علاقة سببية بين التعرض لرسائل إعلامية معينة وانحراف سلوك الأطفال. إن الجريمة والعنف في وسائل الإعلام لا يحتمل أن تكون هي المحرك الأول والوحيد للنجاح، بل إنه يجب أن تتوافق هذه الرسائل الإعلامية مع ميول واستعدادات وظروف الطفل الاجتماعية والثقافية. إن الوسط الاجتماعي الثقافي الذي يعيش فيه الطفل وردود فعل المحيطين به من أفراد الأسرة، وجماعة الأنداد أو ... ليست بمعزل عن اقتراف الأطفال لانحرافات متفاعلة مع ما يقدم بالرسالة الإعلامية ومستوى توافق هؤلاء الأطفال. ولكن المشكلة الأكثر جوهرية هي نوع ما يقدم ومصدره، ومدى اتفاقه مع قيم وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء الأطفال. على اعتبار أن الثقافة هي الإمتاع العقلي والوجداني لابتكار الفن والمعرفة، ولما كانت الثقافة غذاء وجدانيا واجتماعيا فكريا محببا يسعى إليه الإنسان سعيا ولا يتلقاه فرضا أو عنفا أو تلقائيا، ولا يساق إليها طوعا أو كرها، وبما أن الثقافة بنت البيئة، ولها مذاقها الخاص في كل بيئة من البيئات، إذن هي إن تجردت من بيئتها فقدت طعمها ورائحتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 إن ما يصلح لمجتمع معين من أهداف توجه عملية التثقيف، قد لا يناسب مجتمعا آخر، بل إن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها مجتمع في مرحلة معينة من مراحل حياته قد لا تصبح صالحة لنفس هذا المجتمع في مرحلة أخرى نتيجة لما ينتابه من تغير على مر العصور، ويستدعي التخلص من بعضها أو تعديلها في البعض الآخر أو استحداث أهداف جديدة تتناسب مع طبيعة وسمات مرحلة تاريخية معينة في حياة المجتمع، فأهداف أي مجتمع ترتبط ارتباطا وثيقا بتدرج السلم القيمي فيه، وكلما حدث تغيير في هذا السلم القيمي نتيجة للتغير الاجتماعي، كان من الضروري أن يحدث تغيير في أهدافه يتناسب مع هذا التغير القيمي، معنى هذا أن الأهداف لا تمثل شيئا ثابتا جامدا لا يتغير، بل يجب أن تكون المرونة من أهم سماتها لكي تصبح مناسبة، ليس فقط لمجتمعنا المتغير، بل ولاتجاهات تيارات التغير في المجتمع العالمي الذي يعتبر عالمنا جزءا منه يؤثر فيه ويتأثر به في عملية تفاعلية متبادلة لا يتوقف تأثيرها ما دام احتكاكنا واتصالنا مستمرا بالعالم الكبير الذي نعيش في جزء منه، ولكن لن يكون ذلك على حساب النواحي العامة والخطيرة في مجتمعنا الأصيل. والآن يتعرض الطفل لثقافات متباينة وافرة وعامرة تناقض ثقافة مجتمعه وتراث بيئته الأصلية الذي يجب أن نحافظ عليه باستمرار، ففيه من العراقة والمجد ما يفتخر به كل عربي، وقد لا ينسحب هذا القول على القليل مما يتعرض له الطفل من ثقافة، ويكمن الهدف أولا وأخيرا من وراء ما يتعرض له الطفل في إعداد أجيال صالحة لخدمة الوطن، ويلح السؤال: لمن سأعد هذه الأجيال ولماذا؟ إنها تعد لخدمة أرض عربية إسلامية تتميز بثقافة متميزة وتراث أصيل يطلب من أجياله المقبلة المحافظة عليها في مرونة وعناية، وكيف يكون ذلك إلا من شخص نبت وترعرع وتشبع وأصبح يملأ أعماقه بثقافة ذلك الوطن الذي ينتمي إليه. إن لم تنبع ثقافة الطفل من أرضه وبيئته التي ينتمي إليها فإن ذلك بعد مساهمة على الانسلاخ من هذه البيئة والتناقض معها في فترة ما. وإذا كانت هناك ثقافة ما أعدت لشعب ما قصد أطفال هذا المجتمع وذلك الشعب ثم مراهقيه ثم شبابه، وها نحن الآن نستعين بثقافات متباينة من أجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 أطفالنا العرب فهل سوف نتمم المسيرة ونستعين بثقافة غير عربية للمراهق ومثلها بعد ذلك حينما يصبح هؤلاء شبابا؟ إن الإجابة بنعم أو لا على مثل هذا التساؤل فيها كثير من الخطورة، فإذا قلنا: نعم. فمعنى ذلك أننا نبني أجيالا لأي بيئة وأي أمة وإذا قلنا: لا، فماذا سوف نقدم للطفل الذي يتعرض لهذه الثقافات المتباينة الآن حينما يصبح مراهقا وحين يدنو من الشباب، فإن كان لا شيء سوف نقدمه فهذا خطير، وإن كان ثقافة من نوع مختلف وإطار للسابق غير مؤتلف، فإننا سوف نكون السبب في إحداث فجوة وتكوين هوة بين ما ترعرع عليه ذلك الإنسان في طفولته وما يتطلبه الآن في مراهقته، وأخيرا سوف يكون القول أين ولد؟ وفي أي بيئة سوف يستقر ولأي مجتمع سوف يضحي ويخدم وينمي؟ إنها بيئة وطنه العربي الإسلامي العريق. وإذا كانت هناك من الثقافات التي تثبت من القيم المستوردة والأفكار القادمة من الخارج، فإنها بلا شك سوف تحتاج إلى تطبيق.. وفي أي مجتمع سوف يطبق .... ومن هنا سوف تكون العاقبة. إن نقل نماذج الغرب بجانب الصواب، فالغرب له وجهه الجميل ولكن له أيضا وجهه اللاجميل. إن من أعماق كل مجتمع يمكن أن تشتق ثقافة مرنة لأطفاله تنبع من أصالة وعراقة تراثه يشاركها في ذلك تراث وثقافة مجتمعات قريبة الشبه وتشترك معها في خلفياتها الثقافية أو جذورها التاريخية، مثل هذه المجتمعات القريبة الشبة والمشتركة الخلفية والتاريخ سوف تتقارب أهدافها في بناء أجيال المستقبل المتميزين الواعين بأصولهم، ومن ثم تكون في ذلك على الطريق المأمون. إن هذا لا يقلل من الجهود الكبيرة التي تبذل وبذلت في خدمة ثقافة الطفل العربي والتي تظهر واضحة جلية معلنة عن نفسها. وعلى أي حال فإن وسائل الإعلام للطفل تتمثل في: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 1- التلفزيون : بدأ عمل التلفزيون في مصر عام 1960م وقد تضمنت برامجه منذ البداية جانبا خاصا بالأطفال. ويعتبر التلفزيون جهازا جمع بين الكلمة المسموعة والصورة المرئية، مما يزيد قوة التأثير لاستغلاله حاستين من حواس الأطفال. ورغم أن الوسائل التعليمية تتنوع بين سمعية وبصرية، إلا أنه من المعروف أن الوسيلة الإيضاحية التي تعتمد على أكثر من حاسة من حواس الطفل، يكون أثرها التعليمي أكثر جدوى وأكثر عمقا ودواما من الوسيلة التي تعتمد على حاسة واحدة فقط. فالصورة تزيد من مدى وضوح الكلمة ومدى فهم معناها، كما أن الكلمة توضح ما تتضمنه الصورة من أفكار ومعان، مما يساعد في النهاية على سهولة استيعاب الرسالة الموجهة للطفل. فهو يتفوق على وسيلة الكلمة المكتوبة أو المطبوعة التي تحتاج إلى إعادة تكوينها في صورة ذهنية قد تشوه أو قد تقصر عن التعبير عن الخبرة المباشرة التي تصفها. لقد أصبح التلفزيون هو المسيطر الأول على ميدان الاتصال بالأطفال بين وسائل الإعلام، فقد توصل السيد خيري وآخرون في دراسة عن التلفزيون والصغار إلى أن الأسرة قل لديها الاستماع إلى الراديو بنسبة 71%، وقل لديها الذهاب إلى السينما بنسبة 57%، وقل لديها الذهاب للنادي بنسبة 68% تقريبا. إن المادة المعروضة عبر التلفزيون تمثل أقرب بديل للخبرة الحقيقية وبخاصة الملون منها، فالطفل الذي لم يشاهد قبيلة من قبائل الإسكيمو أو من قبائل البدو أو ... يمكنه أن يحصل على بديل لهذه الخبرة على شاشة التلفزيون بشكل لا يختلف كثيرا عن موطن الخبرة الأصلي. وتشير الإحصاءات إلى أن أطفال المدرسة الابتدائية وما قبل المدرسة يشاهدون التلفزيون أكثر من مشاهدة التلاميذ بالمرحلة الإعدادية له، ويقل عدد ساعات المشاهدة يوميا عن ساعة. إن للتلفزيون قدرة على تحويل المجردات إلى محسوسات، مما يساعد على سهولة فهم الرسالة المقدمة. ويعتبر ذلك مهما جدا لطفل المدرسة الابتدائية، لعدم اكتمال قدرته على فهم المعاني والمدركات الكلية. إن مشاهدة الطفل للتلفزيون تحدث طواعية، وإن انتباهه إلى برامجه يكون محاطا بتركيز أكثر من انتباهه إلى دروس المدرسة، مما جعل البعض يذهب إلى أن الطفل يتعلم عن طريق التلفزيون قدرا من الخصائص والمعلومات والقيم والاتجاهات أكثر من كل ما يتعلمه أو يكتسبه من المدرسة والكتب المدرسية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وإذا كان لكل وسيلة جمهور خاص، وإذا كان المثقفون يفضلون بصفة عامة المطبوعات كوسيلة للحصول على المعلومات بالإضافة إلى المذياع والتلفزيون فإن الأطفال يفضلون الصورة والحركة والأحاديث.. وهذا ما يقدمه التلفزيون. إن القدرة الفائقة التي يستطيع بها أن يعرض غرائب الموضوعات تنمي خيال الطفل وإدراكه. كما أن الاعتماد على الصوت والصورة يقوي القدرة التذكرية واسترجاع الأفكار والمشاهد، وهذا ما يجعله وسيله تعليمية مساعدة في نطاق استغلالها تربويا، وهذا من شأنه أن ينمي عواطف إيجابية في الأطفال نحو البحث والاستطلاع والسعي وراء اكتشاف الغموض. وهذا لا ينفي وجود مظاهر سالبة لمشاهدة التلفزيون، نجد منها على الأطفال ما يثار فيهم من انفعالات من قبيل الخوف والكره، نتيجة مشاهدة بعض المشاهد للأفلام. إن ملاحظة ما يظهر على ملامح الأطفال من تغييرات تدل على مشاركة وجدانية قوية، كما أن التقنية البارعة للمشاهد التلفزيونية تجعل الطفل يستمر لفترة طويلة بعد المشاهدة تحت تأثير هذه الانفعالات. ومن السلبيات أيضا إحساس الطفل بالتناقض العاطفي بين الواقع وما يشاهده على شاشة التلفزيون، ففي الأفلام المستوردة وحتى في بعض الأفلام العربية يعيش الطفل العربي هذا التناقض بين بيئة المحافظة التي يعيشها والبيئة الثقافية التي يشاهدها على الشاشة ومنها الزي أو الملابس الخليعة والمناظر الخليعة، فيقع الطفل في صراع بين قولنا له "عيب" أو "حرام" وبين صورة البطل الذي يراه ويشاهده على الشاشة الصغيرة وربما نشاهده معه في نفس اللحظة. مما يعرض قيمه الأخلاقية والدينية لبعض من الذبذبة وعدم المعقولية. وفي قرب العاشرة من العمر خاصة، وهي ما تعرف برحلة التشكك عند الطفل فيما يدور حوله من أفكار الكبار وتوجيهاتهم بدافع نمو قدرته على النقد، تصبح الذبذبة في القيم الأخلاقية الدينية صعبة. وعندما يطغى حب بطل الشاشة يكون الطفل مهيأ بطبعه لتقليده، وهنا يكون التلفزيون عارضا لنماذج يمكن أن يتقمصها الطفل، وذلك تحت شروط سبق أن تعرضنا لها. وهذا ينعكس على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ألعاب الأطفال العدوانية، ويبلغ أقصاه عندما يصل الأمر بالطفل إلى الانتماء إلى جماعات رفاق من سبيل العصابة. ونتيجة طول المدة التي يقضيها بعض الأطفال أمام التلفزيون والتي تصل أحيانا إلى أكثر من 3 ساعات يوميا، وانعدام رقابة الآباء، يشعر الطفل بالكسل، وهكذا يفقد جانبا كبيرا من طاقته، ويفقد كذلك بالتالي جزءا من طاقته لمراجعة دروسه بالإضافة إلى إجهاد البصر والأعصاب. ويكون مردود ذلك بالطبع سيئا على الانتباه والاهتمام ويتولد لديه شعور بالنفور أحيانا من الأعمال والواجبات المدرسية باعتبارها معارضة للمتعة والراحة. وهذا ما يجعل البعض يرى التلفزيون أداة أو وسيلة "إدمان كهربائية" تشغل الطفل عن القيام بأعمال مفيدة كالقراءة والمحادثة فضلا عن تعليمه العدوان والعنف، كما أن للتلفزيون دورا في ترويج الأفكار الشائعة أو الآراء المقبولة Stereotype أو الصور الشائعة، ورغم كل ذلك فإنه لا نكران لكون التلفزيون ينمي السلوك الإيجابي من التعاطف مع الغير، وقد أثبتت الدراسات أن تعريض الطفل لهذه البرامج يؤدي إلى تنمية روح التعاون والمشاركة عند الأطفال. على الرغم من أن البرامج التلفزيونية التي تحتوي على أدوار عدوانية وأدوار خيرة معا، غالبا ما ينجذب الأطفال إلى الدور العدواني ويفقدون الرسالة الأخرى الخيرة. كما اتضح أن الآباء الذين يعاملون أبناءهم معاملة تتسم بالدفء والمحبة Reaioning غالبا ما نجد أنباءهم ينتفعون كثيرا من البرامج التي تحث على التعاطف. والكثيرون يرون أن التلفزيون إذا كان ينقص من الوقت الذي يقضيه الأطفال في أعمال نافعة مثل القراءة ومشاركة الغير، فإنه يمكن الأطفال من تعلم مهارات متعددة أخرى، ولكن على أن يكون الآباء على وعي واهتمام بأطفالهم. وبين الإيجابيات والسلبيات لمشاهدة الأطفال للتلفزيون تجد بعض النظريات في مجال علم النفس لها مكانا. فنظرية التحليل النفسي لـ Freud ترى أن مشاهدة الأطفال لأفلام العنف وسيلة مفيدة للتنفيس عن الذات والتخلص من العدوانية. أما نظرية التعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الاجتماعي لـ Bandura فتشير إلى أن الإجرام والعنف في التلفزيون قد يشجع على العدوان عن طريق التقليد. إلا أن الدراسات الطويلة أفادت بأن الأطفال الذين كانوا يميلون إلى مشاهدة أفلام العنف في عمر 8 سنوات قيموا من قبل زملائهم في عمر 19 سنة أنهم عدوانيون، وعندما أصبح عمرهم 30 سنة ارتكب عدد منهم بعض الأعمال الإجرامية. وتنتهي هذه الدراسات بأن هناك علاقة بين مشاهدة أفلام العنف والعدوان في واقع الحياة، ولا تشير إلى أن العنف الذي شاهده الطفل في التلفزيون كان السبب في ارتكابه أفعالا إجرامية ولا يجب أن ننسى احتمالية إقبال الأطفال العدوانيين بطبيعتهم على مشاهدة أفلام العنف. وإن جناح الأحداث كان شائعا حتى قبل مجيء التلفزيون. ولا يفوتنا القول بأن من آثار مشاهدة أفلام العنف وبرامج الجريمة على شاشة التلفزيون فقدان الأطفال الحساسية ضد الإجرام أو يحجز العاطفة أو الفؤاد Desensitize فتجعل الطفل يتقبل السلوك العدواني ولا يحس أنه شيء غريب، بالإضافة إلى إعطائه فكرة عن أن المجتمع مليء بالإجرام والعنف، كما أن علاقة الآباء بالأبناء التي تتسم بالنزاع والسلبية بالإضافة لوجود مشاكل أسرية بين الزوجين ترتبط بكمية ونوعية مشاهدة الأطفال للتلفزيون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 2- الإذاعة : على الرغم من تميز عصرنا بالتزايد المستمر في اعتماد الناس على المادة المذاعة بهدف الثقافة والترفيه، إلا أن الإذاعة لم تتغلغل إلى عالم الطفل كما فعل التلفزيون. والإذاعة لا تجد لها مكانا إلا عند أطفال القرى والبدو البعيدة عن الكهرباء وخلاف ذلك يأتي التلفزيون في مقدمة وسائل الإعلام المهمة في تلبية حاجات الأطفال ودعم قيمهم واتجاهاتهم. وبالرغم من ذلك إلا أن الإذاعة تدع خيال الطفل ينساب لتصور المشاهد والأحداث بعكس التلفزيون الذي يصور الأحداث فلا تدع خيال الطفل يعمل. إن الاستماع للمذياع لا يبدأ عند الكثير من الأطفال إلا بعد السادسة من العمر، ومنذ ذلك الحين يصبح المذياع محببا للطفل بشكل متزايد، ويشعره بالاستقلالية في الاستماع وخاصة إذا كان يتملك جهازا لنفسه نظرا لانخفاض ثمن بعض الأجهزة بشدة مقارنة بالتلفزيون غالي الثمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 3- السينما وأفلام الفيديو : للسينما دور مفيد في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال، فهي تخاطب مثلها مثل التلفزيون حاستين للطفل، وإن كانت تتميز عليه بشعور جديد وهو الإحساس بالخصوصية حينما يجد الطفل مكانا له مخصصا أو مقعدا مخصصا له داخل دار العرض، وكذا الإحساس بالخصوصية إذا أحضر له أحد الوالدين واحدا من أفلام الفيديو أو قام هو باختياره أو شرائه. إنها بدايات لدعم الاستقلالية عند الأطفال. وفي معظم الحالات يولع الأطفال بالسينما وشاشتها الكبيرة، وهذا الجمهور الغفير الذي حضر للمشاهدة، إن لها متعة خاصة يشعر بها الأطفال وخاصة الذين عودوا على مشاهدة الصغيرة "التلفزيون". وفي سن الخامسة يكون ندرة من الأطفال قد شاهدوا فيلما خاصا بالأطفال على شاشة سينما نظرا لشيوع التلفزيون وانشغال الآباء، ولكن بعض الأطفال في هذا العمر من الطبقة الاقتصادية المتوسطة والمرتفعة يكونون قد شاهدوا فيلما بالفيديو للصغار. أما في الثامنة وما بعدها فربما طلب الكثير منهم الذهاب إلى السينما مرافقين لأحد الراشدين أو شراء واحد من أفلام الفيديو المخصص للأطفال. ويفضل أغلب الأطفال أفلام الكرتون التي تسبق العرض السينمائي، إلا إذا كانت السينما خصصت ساعات العرض كلها للأطفال، عندها يفضل الأطفال أفلام الحيوانات وأفلام الطيور الراقصة والغنائية، فغالبية الأطفال يكرهون القصص الغرامية. وحينما يصل الأطفال العاشرة من العمر فإنهم يفضلون أفلام الحركة والحرب، إذا كانوا ذكورا، ويفضل الإناث أفلام الغناء والموسيقا، وكل من الذكور والإناث يفضلون أفلام المغامرات إلا أنهم ما زالوا يكرهون الأفلام الغرامية. وحينما يصل الأطفال إلى الحادية عشرة والثانية عشرة يتحمسون لبعض الأفلام لدرجة أنهم يطلبون مشاهدتها أكثر من مرة. ومعظم الأطفال يتقبلون عدم سماح الوالدين لهم برؤية بعض الأفلام أو بالتردد على دور السينما. وتشجع المشاهد السينمائية مثل التلفزيون والفيديو على تعزيز المفاهيم وامتصاص القيم وتعزيز الاتجاهات، كما أنها تنمي لدى الأطفال المشاركة الوجدانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 4- المسرح والسيرك : يمثل المسرح بجوه ومقاعده مكانا غريبا وعجيبا بالنسبة للأطفال، وتصبح الصورة التي كان يشاهدها في التلفزيون أو في السينما أو في الفيديو مجسمة بأناس يراهم يتحركون على مقربة منه. والطفل ما زال جالسا على مقعد متمتعا بالخصوصية والاستقلالية ومشاركا جمعا كبيرا من الأطفال، لدرجة أن الأطفال يثار بينهم الضحك في جرعات جماعية يسعد لها الأطفال عند سماعها وينفجرون أكثر بالضحك. مما يجعل البهجة تملأ النفوس في المواقف الدرامية والفكاهية التي تلقن الطفل قيما وسلوكيات لها أهميتها في المجتمع الذي يعيش فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 5- المطبوعات : لا تزال الكلمة المطبوعة والصور محتفظة بقوة تأثيرها على الأطفال والكبار على حد سواء، وتشمل المادة المطبوعة أنواعا عديدة منها: المجلات والكتب والقصص ودوائر المعارف والمعاجم المصورة. وتكتسب المادة المطبوعة جاذبية خاصة به، فالطفل يستطيع قراءة ما يريد في أي وقت يريد، ويستطيع أن يسترجع قراءاته إذا أراد. وقابلية الشيء المقروء للتشكيل في ذهن الطفل إذا كان أعد بمهارة من قبل متخصصين، وهذا لا يمنع عيوبا، فربما كانت المادة المكتوبة صعبة، ولا يتمكن الطفل من فهمها وهناك احتمالية فهم الطفل للكلمات بتشويه أو غير قصد. وتشير نتائج البحوث أن الأطفال المنحرفين أكثر إقبالا على المجالات الفكاهية المتصلة بالجريمة والعنف عن الأطفال العاديين، كما أن الأطفال ذوي التوافق الجيد كانوا يفضلون الأبطال الخارقين مثل سوبر مان وصوره وملابسه. وتعتبر المسلسلات الهزلية المصورة أكثر المواد المطبوعة قدرة على جذب الطفل وإثارة اهتمامه وميله للقراءة. وتمثل قراءة الكتب بالنسبة للأطفال مرحلة متقدمة. يصل إليها الطفل بعد أن يمر بمرحلة قراءة المجلات التي تتميز ببساطه أسلوبها وبجاذبيتها بفضل ما تحويه من صور، وبسهولة استيعاب مادتها. ويعتبر "كامل الكيلاني" من رواد كتب الأطفال، قدم الكثير من كتب وقصص الأطفال الأدبية والدينية والتاريخية التي ما زال أطفالنا يقرءونها حتى يومنا هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 والسؤال الآن: الكتب الهزلية، هل تعتبر تهديدا إذا استثنينا كتب ومجلات الجرائم الشديدة، فإن الكتب والمجلات يمكن أن توجه قراءتها في داخل الأسرة ولا يتم ذلك عن طريق المعاكسة أو المنع من قبل الوالدين، وإنما عن طريق المراقبة المعقولة. ويتجلى الاهتمام عند الكثير من الأطفال عند الخامسة. إن بعض الأطفال يهتمون بصورة هذه الكتب والمجلات، وبعضهم يطلب أن تقرأ له وأن تشرح. ولكن في حدود السابعة يكون كثير من الأطفال قادرين على شيء من القراءة البسيطة بأنفسهم. وعند الثامنة يندفع الأطفال إلى قراءة كتب المغامرات، والعنف، ويقبل الأطقال على الشراء أو الاستعارة في حدود التاسعة من العمر. ومع العاشرة والحادية عشرة نجد الاهتمام أصبح أشد وأحيانا نجد الأطفال في الإجازات وقد أحاطتهم أعداد من الكتب، وربما لا يكتفون بشراء الكتب وقراءتها وتبادلها أو استعارتها بل ينظمونها ويصنفونها، والويل إذا نقص من هذه الكتب أو اختفى كتاب أو مجلة. ومراقبة الوالدين ضرورية في هذه السن، وبعض الأمهات يشتكين من أن أطفالهن يتصرفون وكأنهم تحت تأثير سحري، وأنهم ينظرون بعيون زجاجية إذا ما تحدث إليهم شخص وهو يقرءون مثل هذه الكتب والمجلات. وإذا كان صحيحا أنه ليس من الجاذبية في شيء أن ترى الطفل وهو أمل الأسرة وقد انغمس مثل هذا الانغماس لأنه مثل الكثيرين من الأطفال في نفس المرحلة العمرية. ولا شك أن هذه الأمور جميعها تحتاج إلى تنظيم كثير. ولكن مثل هذا التنظيم من قبل الآباء أجدى من المنع الكامل. والحقيقة هي أننا لسنا قانعين أن المنع الكامل ضروري حتى ولو كان ممكنا. إن الأطفال المستقرين عاطفيا وفي بيوت وأسر عادية تكون قراءتهم للكتب مثلها مثل بقية أنواع التسلية، حتى وإن كانت فيها من العنف أو العاطفة الشديدة ولا تسبب الجنوح ولا حتى الاضطراب العاطفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 6- وسائل التنشئة الاجتماعية في الوسائط الإعلامية : كل وسائل الإعلام ما عدا المسرح والسيرك لا يحدث فيها تلاق مباشر بين الموجه والطفل، إلا أن أهدافها خلف توسل واضعيها واستعانتهم بمضامين متنوعة من قصة أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني أو رواية سينمائية. وهناك نوعان من وسائل التطبيع أو التنشئة: الأولى تخص موجهي وواضعي المضمون والثانية متصلة بمستقبلي المضمون أي الأطفال أنفسهم. وسائل موجهي وواضعي المضمون: أ- التكرار: تعمد الوسيلة أو الوسائل إلى تكرار مضامين أو مفاهيم أو أحداث معينة أو شخصيات، ومثل هذا التكرار يعرف الأطفال الكثير عن مجتمعهم وحياة الأفراد فيه والقيم والتقاليد والمعايير السائدة. ب- الجاذبية: لقد بلغت أساليب الجذب من القوة بحيث أصبحت تشد الأطفال حتى ولو كانوا أحيانا يرغبون في النوم. جـ- الدعوة للاشتراك: تتعمد بعض وسائل الإعلام دعوة الأطفال للمشاركة الفعلية إما بالكتابة أو بالرسم أو بالتحدث عبر الهاتف، لإبداء الرأي في حل مشكلة أو اتخاذ قرار بشأن رغباتهم أو غير ذلك. وربما استخدمت وسيلة الإعلام وسائل للتحفيز مثل المكافآت العادية والمعنوية. د- النموذج: والنماذج قد تكون أشخاصا لهم من المكانة الاجتماعية "لاعبي الفرق"، وقد تكون أبطالا تاريخيين، يمثلون قيما معينة يريد موجه الرسالة الإعلامية غرسها أو تدعيمها، وأحيانا تكون النماذج أطفالا أو حيوانات أو طيورا. وأيا كان نوع النموذج فإن المضمون فيه دعوة صريحة كي يفعل الطفل مثله، أو دعوة صريحة للابتعاد عن هذا السلوك أو الاقتراب من آخر. وسائل مستقبلي المضمون "الأطفال": أ- الامتصاص: أي استيعاب ما يعرض، وللتكرار والإعادة أهمية كبيرة في استيعاب الطفل للمفاهيم والمدركات والعادات. ب- التقليد: الأطفال يميلون بطبيعتهم إلى التقليد، وهذا التقليد والتأسي يتوقف على سمات شخصية الطفل وحاجاته وردود فعل المحيطين به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 جـ- التقمص: وهنا يشعر الطفل أو لا يشعر بأنه أصبح مثل النموذج، وبذلك يكون قد توحد معه، ويسلك مثله وينفذ تعليمات النموذج. ويتوقف ذلك أيضا على شخصية الطفل وحاجاته ومدى تقبل البيئة المحيطة لسلوكياته المتقمصة. وإذا كانت هناك بعض المخاوف التي تنتاب الآباء من تعرض أطفالهم لرسائل إعلامية لا تليق بأعمارهم، فإن أجهزة الإعلام المعنية عليها مراعاة ذلك قدر الإمكان، كما أن الآباء لا يجب أن يقفوا كما سبق أن أشرنا مكتوفي الأيدي. ورغم ذلك فإن لرسائل الإعلام آثارا جلية في التنشئة الاجتماعية للأطفال ومن ذلك: أ- إشباع حاجات الأطفال للاستطلاع والترويح والتسلية. ب- عرض مضمون يتناسب مع فئات الأعمار بحيث يجد كل طفل ما يناسب عمره، مراعية الخصائص الشخصية للأطفال في كل عمر وطبيعة البيئة والمجتمع الذي يقدم فيه المضمون. جـ- ربط الآباء بوسائل الإعلام بالإجابة على استفساراتهم وتوجيه مشكلاتهم التي تعترضهم أثناء تربية الأطفال إلى المختصين للإجابة عليها وتوضيح الحلول المناسبة لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 7- رؤية الآباء لدور وسائل الإعلام في تنشئة الأطفال : في الوقت الذي لا ينكر فيه الآباء دور وسائل الإعلام على تثقيف طفل اليوم، وأنهم افتقدوا ذلك حينما كانوا أطفالا، نجدهم يوجهون بعض اللوم لهذه الأجيال عبر وسائل إعلامهم وثقافتهم. فنسمع بعض الآباء يقولون "جيل تلفزيون" أو يقولون "جيل فيديو" ... وتحمل هذه العبارات وغيرها نوعا من عدم الرضا في أغلب الأحوال لحال أطفالنا. وهذا لا يخفي الامتنان الواضح للآباء على مشروع القراءة للجميع والذي تبنته سيدة مصر الأولى "سوزان مبارك". وبالرغم من ذلك لا ينسى الآباء الجهود التي تبذل من قبل وسائل الإعلام في خدمة قضاياه ليس فقط في مصر بل والعالم العربي، وهذا يعلن عن نفسه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 تنوع وكم هذا العدد الكبير مما يقدم للأطفال ومن أجلهم. وأود أن أشير إلى أنه بالرغم من أن الأطفال العرب يمثل تعدادهم بنسبة تقدر بنحو 45% من تعداد سكان العالم العربي في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الأطفال في العالم كله 37% من عدد السكان تهبط هذه النسبة إلى 27% تقريبا في أمريكا الشمالية ودول أوروبا وترتفع 42% في أمريكا الجنوبية، وعموما في الدول المتقدمة لا تزيد نسبة الأطفال عن 22% من جملة السكان. إن ارتفاع نسبة الأطفال العرب هذه لا يرفع نسبة الإنفاق على الأطفال في هذه الدول العربية والذي لا يمثل أكثر من 1% مما كان من الواجب إنفاقه، وهذا ينسحب بالتالي على أداء وسائل الإعلام المختلفة لدورها الرئيسي. ومن المعروف أن الخلية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويحتك بها احتكاكا مستمرا ويتلقى فيها أول أنماط التنشئة هي الأسرة. والأسرة لا تعتبر الآن بالأسرة الشاملة للرعاية والتنشئة لهذا الطفل أو ذاك في خلال سنوات حياته الأولى، وذلك كما كان حالها في العصور الماضية، فتشاركها الآن معاونة دور الحضانة والروضة بهدفها التثقيفي التربوي، والمدرسة بأنشطتها الصحافية والإذاعية والموسيقية وغيرها. وكذلك المادة المطبوعة من مجلات وكتب، والمذياع المرئي والمذياع المسموع، ونوادي تثقيف الطفل، وقد استدلت مثل هذه المؤسسات التربوية ومؤسسات أخرى على بعض من تلك الأدوار والأنشطة التي كان الآباء والأقارب يقومون بها في وقت من الأوقات، وبغض النظر عن تعرض الطفل تعرضا هائلا للمؤثرات الخارجية، فما زالت المدرسة ذات آثر في توجيه الطفل ونموه العقلي وجزء من ثقافته وتحاول دور الحضانة والروضات جاهدة أن تساهم بدور ليس بالقليل وخاصة في مرحلة هامة من مراحل نمو الطفل النفسي. ويقع على عاتق الأجهزة الإعلامية الآن نسبة كبيرة من تثقيف الطفل وتوجيهه فضلا عن مساهمة المؤسسات التربوية الأخرى. هذا ... ويؤكد جوهرية الدور الذي تقوم به أجهزة الإعلام في إعطاء ثقافة مشتركة وخلفية موحدة لأعداد كبيرة من الأطفال وفي أسرع وقت ممكن وعبر المساحات الشاسعة والأميال المترامية من البيئات المتباعدة والقريبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ونعود ثانية إلى داخل الأسرة، فنجد أنها أول خلية للمجتمع يقابلها الطفل، وأول وكيلة من قبل البيئة لتنشئته وتنبيه عواطفه، وواضعا بذور القيم والتقاليد والعادات عبر الأم بالدرجة الأولى يساعدها الأب بالدرجة الثانية ويشاركها أعضاء الأسرة، إن هذا يجعل للأسرة الفضل في بث أوليات ثقافة الطفل. ثم نعود ثانية أيضا لمدارسنا فتعتبر عملية توجيه الطفل نحو النظام الاجتماعي والسياسي القائم وتعضييد احترامه له هو أحد المسارات التي تعمل فيها المدرسة كمؤسسة تحافظ على ثقافة المجتمع وتراثه، ولكن مسئولية مدارسنا لن تنتهي بالمحافظة على الوضع الراهن ولا حتى عن طريق التنشئة الاجتماعية للأفراد القادرين على التكيف بسهولة مع البيئة الاجتماعية والمادية المتغيرة، ولكن بدلا من ذلك سوف تمتد إلى أقصى درجة ممكنة من تشجيع القدرات العقلية واستثمارها لأعضاء المجتمع الجدد من الأطفال. وعلى مؤسساتنا التربوية أن تأخذ على عاتقها القيام بدور رئيسي للتحديث الواع والتغير إلى جانب دورها الشرعي في تأكيد الاستمرار الثقافي للمجتمع وأصالته المتميزة، وخاصة بعد انتشار وسائل الاتصال الحديثة مثل "الدش". وسوف يصبح هناك تفاقهم للمشكلة نتيجة لحقيقة يثيرها الآباء وهي: أن المدرسة تبدو أنها تتغير بطريقة أكثر بطئا عن أوجه المجتمع الأخرى، إن كل التعليم تقريبا يصبح قديما وقد يكون باليا في الوقت الذي يعطى فيه. إن علاج هذه المشكلة سوف يساهم فيه التقاء المؤسسات المختلفة التي تهتم بالطفل لتحديد الدور الذي تشارك به كل منها ومداه آخذين في الاعتبار عدم ظهور الازدواجية في الأداء أو التعارض بل التعزيز والتكامل بين هذه المؤسسات. ومن بين هذه المصادر الكلمة المطبوعة والممثلة في الكتب والمجلات المقدمة للأطفال. إن لها الأثر الكبير على ثقافة الطفل، فالكلمة المكتوبة هي أول وسيط ثقافي للإنسان، وظلت وسوف تظل بقدرتها وقيمتها. والكتاب الثقافي للطفل هو الذي يقدم له الصور الذهنية والفكرية والوجدانية ويفسر له المعاني التي تتكون في خاطره وفي خياله على مر الأيام والأعوام، ويترجم له كل التصورات والأفكار والخيالات معتمدا على الانطباعات الحسية والمعنوية فيجد فيه الطفل ومنه إمتاعا عقليا، والكتب بمثابة الناقل للحضارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وقيمها إلى الطفل وكذا المسهم في التربية فضلا عن عرضه للتراث بأشكال فنية جذابة وبسيطة للخبرة المهذبة وتنمية القدرة على مواجهة الحياة. إن نسبة كبيرة من كتب الأطفال بالعربية تصور في باب القصة والموضوعات الدينية وبعض الموضوعات التاريخية، وقلة نادرة هي التي تصور موضوعات علمية أو فنية ولم توجد قواميس أو موسوعات عربية للطفل العربي إلا مؤخرا رغم قلتها. والكتابة للأطفال فن وحساسية وموهبة بالإضافة للمعرفة الدقيقة بمراحل النمو النفسي وجوانبه العقلية والاجتماعية والانفعالية واللغوية، مما يستلزم عدم السماح بتوجه القلم الذي يكتب للطفل إلا لمن أوتي هذه الجوانب مما يدعو إلى الاطمئنان عند مخاطبة الطفل بالكلمة المكتوبة. وعلى اعتبار أن ثقافة الطفل مجموعة من الخبرات الواجب اكتسابها، وتساعده على النمو إلى أقصى حد ممكن، فإن المنزل ودار الحضانة والمدرسة وأجهزة الإعلام والكتب والمجلات يجب أن تشارك معا لاستغلال الكثير من طاقات الطفل المعطلة والتي يمكن عن طريقها إثراء ثقافته ونموه العقلي في ضوء اعتبارات هامة هي: 1- مشكلات الطفل اليومية مصدر رائع للتثقيف والتنشئة. 2- استغلال حواس الطفل في نموه العقلي وثقافته خير ضمان. 3- حب الاستطلاع عند الطفل ثروة يجب استثمارها إيجابيا. 4- إهمال حب الطفل للحركة واللعب في توجيهه خطأ سوف نعاقب عليه أنفسنا. 5- تستيقظ مدارك الأطفال على الغناء والموسيقى. 6- القدرة على التخيل إمكانية ذهنية للتثقيف والنمو العقلي ومن ثم التنشئة. والآن هل علمت الأم بطريقة ما أثر تلك المتغيرات، وهل أشير للأب عن أثره الفعال في ثقافة الطفل ونموه، وهل حاول القاصدون والمربون استغلال تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 العناصر كهدف عن قصد في قضية الثقافة للصغار. وإننا إذا قلنا: وما النوع؟ فسوف نسمح لأنفسنا أن نقول: وما أقل الكم! وإذا كانت الكلمة المقروءة هي أخلد الوسائل للثقافة فإن الكلمة المسموعة والمرئية تفوقها سرعة في التأثير ومدى الوصول إلى أعماق الطفل. والأثر الخطير لكل من الإذاعة والتلفزيون على نفوس الأطفال ووجداناتهم جعلنا نهتم بإعداد برامج خاصة بهم ويتحقق من خلالها لهم الإمتاع العقلي والنفسي وتبتعد به عن التدريس في أسلوب التقديم. والطفل قد يجلس أمام التلفزيون ما يقرب من سدس عدد ساعات اليقظة، وعندما يجلس أمام هذه الشاشة الصغيرة فهو يتعلم نماذج جديدة من السلوك قد تدعم أنماط السلوك السائدة أو تبشر بأشكال جديدة من السلوك المقبول والموافق لمعايير المجتمع، أو قد ثبت قيما وآراء وأشكالا جديدة تتعارض بل تتصارع مع قيم الجماعة وتقاليدها. وهنا تكون الخشية على التنشئة. إن الإيمان بالفكر الغربي فيما يقدم للطفل ونقل نماذج الغرب إلى بلادنا شيء يستحق منا وقفة تأمل. إن ما يصلح هناك قد لا يصلح هنا. ويكفي أن نقول عن هذه البرامج التي تقدم هناك ويستعان بها هنا. إن أطفالنا ليسوا هم بأطفال الغرب وقيمنا التي يجب أن نربيها فيهم لا تصلح لها برامج غربية تعنى وتهتم بتنمية قيم وتقاليد خاصة بأطفالها لإتمام سلسلة قيمية تخدم ثقافة الغرب من أجل أطفال بعينهم، وذلك بهدف أن يصبح الطفل ذا ثقافة فرنسية أو أمريكية أو غير ذلك اعتمادا على القيم والتقاليد والعادات التي تبثها تلك البرامج عن قصد لأطفالها، وهل أطفالنا فوق كل ذلك يتميزون بمعايير النمو التي يختص بها طفل من ثقافة أخرى ومن مجتمع مختلف؟ لا أعتقد هذا وإن تشابهت إلى حد ما إذا جاز لنا هذا القول. وطوق النجاة لن يكون من خارجنا دائما، بل من أعماق أصالتنا وتراثنا العربي العريق، طوق النجاة لنا برامج تؤكد قيم المجتمع العربي وتثبت تقاليد وعادات وعرفا عربيا أصيلا، فالوطن العربي له تراث وله بناء دينامي وله تاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 مجيد خاص به ويتميز به، تعلنه المصادر والمراجع في كل وقت وحين، ويجب ألا يطرأ على الأذهان السؤال التقليدي. لماذا لا نلحق نحن بلدان العالم الثالث بركب الدول المتقدمة باستيراد الثقافة؟ أقول: لأن المسألة ليست استيرادا للثقافة بقدر ما هي تفاعل للتثقيف الواعي، لأن اللحاق بهذا الركب لا يجب أن يكون على حساب عراقة وأصالة وعظمة شعوب من أعظم وأخلد شعوب العالم فيما مضى هم شعوب العالم العربي، وإلا فسوف نساعد الطامعين في محو أصالتنا واختزال تراثنا الزاهر. إن هذا لا ينسحب إلا على عدد فقط من البرامج، والحق أن هناك برامج أخرى لها أهميتها وقدرتها وأصالتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 8- بعض البرامج في الميزان : ومع البرامج التي تشاهد بقصد الترفيه وتمضية الوقت واستهلاكه مع الطفل الزاخر بالإمكانيات، فهي ليست تثقيفية معرفية أو تربوية وتبقى معها طاقات وإمكانيات الأطفال معطلة. إلا أن البعض يأخذ في الاعتبار أفضل ما يمكن له واضعا في الاعتبار غايات تثقيفية ومعرفية وتربوية إلى حد كبير. ومن هذه المسلسلات مسلسل "سنان" و"أحلى الأيام"، و"نبيه وصالح" وبعض حلقات جوهرية جدا من "حواديت زمان" ... وغيرها. وإذا كانت هناك البرامج غير العربية والتي يستعان بها في مثل أفلام الكارتون المحببة للأطفال المشغوفين المولعين بها، فأين الدبلجة الخاصة بها؟ فهذه مثيرات بصرية فقط يتعرض لها الطفل ويتابعها بكل حواسه كل يصل إلى المعنى وبدون تفسيرها أو تعريبها نقدح خيال الطفل لأكثر مما يتحمل الموقف، فقد يأخذه هذا الخيال لتفسيرات سيئة للمواقف التي يشاهدها في هذه الأفلام غير الموجهة للمعنى والحدث بلغة يفهمها الطفل. إن الأمر يحتاج إلى توضيح للمشهد وإشارة للمعنى وإشارة لمحتوى الفكرة في أثناء متابعة الطفل ومراقبته، ومن المستحب توضيح الفائدة بنهاية العرض مباشرة حتى تكون القيمة في طريقها للتشكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وفي البرامج لا نرى تنمية القدرات العقلية فليس من هوايات للرسم والتلوين أو التذكر أو التخيل وإن كان منها بالمدرسة إلا أنه من المفضل توافرها في البرامج التلفزيونية المحببة للأطفال بدرجة أكثر مما هي عليه الآن. ومسلسل "سنان" من المسلسلات الهادفة والتي لها مستوى مرتفع ثقافيا وعقليا، ولها مضمون تربوي عميق، إلا أن بها شخصيات بعيدة عن الطفل، و"سنان" يحافظ على الحب والوفاء ويدعم الإخلاص ويسعى إليه ويتخذ من المثل ويرقى بها إلا أنه ما زال موافقا "لفرفور" و"شرشور" ومعهما كما يظهر في بعض الحلقات على الرغم من أنهما ممثلان للشر والخبث والدعاء في الوقت الذي نسعى فيه مع الأطفال بالبعد عن الجليس السوء وعدم مرافقته. وفي مسلسلات أخرى نجد جميع الحيوانات تأكل نفس الحلوى ونفس نوع الأكل، وتعيش في نفس الأماكن، ويصبح الطفل في حيرة من أمره بين ما يشاهده وبين واقعه، فضلا عن أنها قد تكون حيوانات بأشكال غير معروفة فلم يعرف ما هو هذا الحيوان أو ذاك. وفي مسلسل "حواديت زمان" قد تشمل الحلقة الواحدة حلقتين فرعيتين أو أكثر، ويقوم نفس الأشخاص بالأداء في الحلقتين لأدوار مختلفة الاتجاه ومتعارضة المبادئ، وذلك بالنسبة لبعض الشخصيات فقط، وهذا يعني أنه بالإضافة للخلط الذي يحدث في ذهن الطفل والتداخل في الأفكار نجد الصواب فيما يتكون لدى الطفل نتيجة الدور الذي يقدمه الممثل. وهذا لا يجعلنا نقلل من المضمون التربوي في بعض المواضع. ومن الأفلام المحببة للأطفال "توم وجيري" و"نقار الخشب" إلا أن الملاحظ في معظم الحلقات كيفية تصميم "المقالب" و"الخبث" و"الشر" إلى حد ما، وهذه النواحي لا تطغى بالفعل على إمكانيات هذه الأفلام التربوية والترفيهية بالنسبة للأطفال ولكنها في سبيلها لتدعم النواحي السلبية كالخداخ مقابل نواحي إيجابية. و"افتح يا سمسم" فيه من الأفكار التربوية ويا حبذا إذا وجد ما يشد الأطفال كالمسابقات وأسئلة الذكاء والمفاجآت الهادفة في شتى الخبرات وكذا إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 استعين بأطفال أثناء الأداء، لهم نفس العمر الذي يحتويه الهدف الموجه وليس بأطفال أكبر من الهدف الموجه والمقصود. وإن كان هذا المسلسل به من الأغاني ونعلم أهمية الأغنية وفعاليتها على الأطفال ومعهم، إلا أنها أغان مباشرة ليس فيها من الخيال الذي يمتع الطفل فيصبح للأغنية عمق في نفسه فتشده بالحركة أو الترديد أثناء الأداء فتمس وجدان الطفل وتملأ عاطفته. ويلاحظ أن كلمات الأغاني في معظمها مباشرة للغاية والأغنية ليس لها اللمسة الوجدانية، فالكلمات لأغنية الطفل يجب أن تكون غير مفتعلة وتكون خارجة من وجدان المؤلف حتى تصل إلى وجدان الطفل ومشاعره. فالطفل حساس للكلمة الحلوة الرقيقة ذات الشاعرية والنغم والخيال والتي تشبع العقل والفكر. ولكن أين هي؟. إن الكثير من الأغاني مفتقد بل نادر بصفة عامة في برامج الأطفال ويحتاج إلى المحتوى النفسي والتربوي الملائم للكلمة المنظومة الموجهة للصغير. إن أغنية الطفل لم تشغل حيزا ملائما في برامج الطفل هنا، وبالرغم من أن الكلمة المغناة غذاء لروح الطفل منذ شهوره الأولى، والشكل المحبب منها يكون ذا إيقاع سريع خفيف وتشمل الحوار الرقيق كلما أمكن. والأطفال حتى الرابعة تستهويهم الحركة فيما يقدم، وبعد ذلك العمر يحتاج الأطفال إلى الخيال الحر المنطلق لأن لهم عالمهم الخاص الذي يجب أن ندع له ساعة في النهار يخرج فيها بعقله وفكره على واقعنا المادي البحث فيصور لنفسه أشياء "كالخاتم السحري" و"مصباح علاء الدين" و"بساط الريح" أو "بحار السندباد". لندع الأطفال يعيشون ساعة من اليوم في دنيا لا يقيدها منطق الواقع، ففي ذلك دعم وتنمية لقدراتهم الابتكارية فيما بعد، وعلينا أن نحيط هذا الخيال في نهايته بانتصار الحب والخبر والجمال آخذين في الاعتبار أنه ليس معنى تعاطف الطفل مع الخيال أنه لا يفهم الواقع. وحقيقة هناك العديد من الأعمال للأطفال تظهر على الشاشة المصرية والسعودية الصغيرة تستحق التقدير، ففيها من الجهد والكم، ويا ليت هذه البرامج تكون على قناة واحدة أو في أوقات متفاوتة لأنه في بعض الأحيان قد تأخذ هذه البرامج نفس وقت التقديم على القنوات المختلفة. أما برنامج "ناشئ في رحاب القرآن" الإذاعي فهو برنامج رائع، ومن المستحب أن يستضيف أكثر من طفل في الحلقة، ويحضر النقاش مجموعة أخرى من الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 تصور الوسائل الثقافية المقرةءة وتصور في الحلول ... 9- تصور الوسائل الثقافية المقروءة وتصور في الحلول: من المعروف أن الكلمة المكتوبة هي وسيط ثقافي للإنسان، وكان ولا تزال تحتفظ بقيمتها وقدرتها. والكتاب المقدم للطفل هو الذي يقدم الفكر والمعرفة ويترجم له كل التصورات والأفكار والخيالات مما يشد الطفل لإمتاع فكري ووجداني بنقل القيم الحضارية والمبادئ والتراث بأشكال فنية جذابة، مبسطا له الخبرة في تهذيب، وينمي لديه القدرة على التوافق مع البيئة التي ينتمي إليها. إن نسبة كبيرة من كتب الأطفال العربية تصور في باب القصة والموضوعات الدينية وبعض الموضوعات التاريخية وقلة منها تهتم بالجانب العلمي والفني أو ما يتعلق بالمجتمع الحديث. أما القاموس العربي للطفل أو الموسوعة العربية له أو الأطالس الهامة فهي من القلة أو من الندرة. والأمة العربية أحوج ما تكون إلى مزيد من البحث عن الشكل والمضمون الأفضل لكتاب الطفل، هذا الصغير المتعطش دوما للثقافة بكل ألوانها. نظرا لأن الكلمة المقروءة في ثقافة الطفل تلعب دورا هاما في التنشئة الاجتماعية، وذلك بمساعدته على التعرف على أكبر قدر من ذلك الموجود في خبرته الحالية، وتقترح له دورا سلوكيا، وغالبا ما نجري هذه الأدوار الجديدة في الألعاب التي يؤديها بمفرده أو مع زملائه، وتساعد هذه الكتب على معرفة الطفل بما هو رديء وما هو جيد وتسهم في نمو القيم لديه، مما يجعل دور المربى توجيها لما يقرأ الأطفال. والمادة المقروءة المقدمة للطفل في حاجة إلى تقييم برغم كثرتها، لأن تقديم الكتاب للطفل في مختلف مراحل نموه يجب أن يتم بناء على دراسة علمية وخطة متكاملة تجعل الطفل لا يمر بمرحلة من مراحل نموه إلا ويكون قد قرأ كل ما يمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أن يتلاءم مع قدراته الفنية والأدبية من ناحية وكل ما يشبع احتياجاته النفسية من ناحية أخرى، مما يحتم علينا أن نخضع عملية تأليف الكتاب لجهاز علم يراقب كل ما يقدم للطفل بحيث يشعر الطفل بأن الكتاب متعة حقيقية ويستثمر الطاقات الكامنة بداخله. وبالرغم مما أشرنا إليه إلا أن مجلات "ماجد" و"افتح يا سمسم" و"سوبر مان" و "غريندايزر" قامت بدور فعال بالنسبة للأطفال، وتشبع إلى حد كبير ما تفتقده في الكلمة المقروءة للطفل فضلا عن سلسلة القصص التي اهتم بها محمد سعيد العريان وعبد الحمد جودة السحار وكامل الكيلاني وأحمد نجيب وما يهتم به الشاروني ونتيلة راشد وغيرهم ومعظمها في باب القصة وبها الكثير من الأسس الفنسية التربوية لأطفالنا الصغار. وكانت هناك مجلة سعودية هي مجلة "حسن" على طريق ثقافة الطفل السعودي. ومن المفضل أن توفر صحافة للطفل السعودي ومجلات خاصة به تنبع من تراثه الأصيل، وتعتمد على ثقافة أرضه العريقة مهبط الوحي وأرض الإسلام العظيم خاتم الأديان. إن ما يقدم في مجالات ذكرت وأخرى غيرها لم نذكرها لا يحتوي طبيعة البيئة العربية المميزة للوطن العربي ذات الرمال والصحراء الممتدة وبدلا من توغل الطفل في بحار دزني وثلوج شمال أوروبا علينا توجيه توغل مغامراته إلى أعماق الصحراء ومخاطرات قمم الجبال ومآزق إخراج ثروات الأرض الطيبة، وسير وحياة الملوك والرؤساء العظام، والعطاء الذي لا ينسى منهم من أجل الوطن. وما هو فوق ذلك تقديم طفولة الأنبياء والرسل ففيها من القيم العريقة والأصول الراسخة الأصيلة على أن تكون مداخلها للطفل بأسلوب يلائم حياته الحضارية الحالية. إن إخراج "سلسلة للأرض" توضح أماكن الوطن الحبيب واتساعه ومدنه وشهرة كل منها وأشهر العظماء فيه عن طريق "مخاطرات كشاف" يؤتي من الثمار أفضل من روايات مترجمة للصغار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وهذه بعض المقترحات لحل القصور في المادة المقروءة: - تشكيل لجنة متابعة كتب الأطفال لغرض الرقابة على ما يقدم والذي يعتمد البعض منه على الترفيه والسذاجة والاستهزاء بعقلية الطفل على حساب الدور التثقيفي التربوي للكتاب. وضع خطة عامة لاحتياجات الأطفال من المادة المطبوعة تحترم معايير النمو النفسي وتقوم على أسس نفسية تربوية. - تخصيص جزء أكبر من صفحات الجرائد اليومية ليقدم للأطفال مادة مشوقة وذات جاذبية تعتمد على أسس نفسية وتربوية، وذلك حتى يتاح للطفل ويحيط به من كل جانب كلمة تهمه وفكرة تجذبه. - تخريج متخصص جامعي يقدم للطفل في مجالات متعددة منها الكتابة والكلمة المطبوعة، وقد يكون ذلك مستحبا من خلال إنشاء قسم لدراسة الطفولة تابع لأقسام علم النفس بالجامعات، هذا المتخصص الجامعي يستطيع أن يتعامل مع الطفل بأسلوب مباشر وغير مباشر "عن طريق الكلمة مثلا ... أو رعايته كمربي بدور الحضانة أو المدارس الابتدائية" ويستحب أن يكون هذا المتخصص حاصلا أولا على ليسانس في الأدب العربي ثم يدرس دراسات تربوية ونفسية ثم يعد بعد ذلك إعدادا خاصا يمكنه من الكتابة الهادفة للطفل. - زيادة التقدير المادي لما ينتجه كتاب الأطفال. - مشاركة الصغار بإيجابية فيما يقدم من مادة مطبوعة لإكسابهم الثقة بالنفس وتنمية القدرة على التعبير والطلاقة الفكرية بمساهمتهم في تزويد المجلات بالمادة المقروءة أو الصور. - لفت نظر الآباء والمربين عما يجب أن يكون بالنسبة لأطفالهم وما يتوافر بالنسبة لأطفالهم بالسوق المحلية ويمكن الاستعانة به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 10- دعامات أساسية لبناء صرح ثقافة الطفل المسهمة في تنشئته . وتنقسم إلى أسس التفاعل المباشر وأخرى للتفاعل غير المباشر: أ- أسس التفاعل المباشر: - الدين والقيم الدينية محور أساسي في كل ما يقدم للطفل أو معظمه. - الطفل يحب المتعة والإبهار والحركة السريعة فيما يقدم والحوار الخفيف فيما يسمع. - برامج الأطفال وكتبهم وأغانيهم وموسيقاهم صعبة في كل مراحل تكوينها وتنفيذها تأليفا وإعدادا وتصويرا وإخراجا، لذا كان لا بد من اختيار العناصر البشرية التي تقدمها على أساس الموهبة والمعرفة بسيكولوجية الطفل وتربيته فضلا عن الاهتمامات بالمجال أو التخصص. - الطفل يرفض السذاجة التي تقترب من البلاهة، فالمادة المحببة له هي المادة ذكية الحوار السهلة في غير انحطاط. - أحب ما يكون إلى الأطفال الأشكال سريعة الإيقاع خفيفة الأسلوب المشوقة الممتعة. - سرعة التغير في الفقرات مع التنوع يلائم طبيعة الطفل، وهذا ما يعطي البرامج المنوعة للأطفال أولوية، تليها القصص الخرافية والواقعية ثم المغامرات. - إطلاق الخيال للطفل يوميا لنخرج بعقله عن الواقع المادي البحت في طريقه إلى تنمية الابتكار. - مسرح الطفل يملأ نفوس الأطفال بهجة بعرض المواقف الدرامية والفكاهية بهدف بث قيم المجتمع، ولدينا نحن العرب تراث عربي عريق وأساطير وحضارات، مما يربط أطفالنا بجذورهم الثقافية والحضارة الإسلامية. إن المسرح حقا شيء شبه مفتقد، وخاصة إن التنوع في وسيلة نقل الثقافة المقدمة للطفل تحقق له حاجته للتغير، فيجب أن ينال رضاه من مصادر متعددة من التلفزيون والمسرح والكتاب والإذاعة وغيرها، إن ذلك ضمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 لدعو القيمة وتكثف لبثها عما لو استعين بأداة واحدة أو وسيلة دون غيرها. إننا في حاجة إلى مسرح للطفل العربي. التقصير في مجال أفلام الطفل وخاصة الطفل العربي يدفع الأطفال لمشاهدة أفلام الكبار، وذلك له من الأضرار ما قد يبلغ حد الإيذاء القاتل للبناء النفسي للطفل وعقليته وعواطفه. أين الفيلم العربي للأطفال لا يوجد إلا نادرا، ويكاد يكون مختفيا. - هناك فروق كبيرة بن لغة الطفل ولغة الراشد، ومن ثم فمعرفة لغة الطفل في مراحل النمو المختلفة شيء مهم لكل من يتعرض لعمل في وسائط ثقافة الطفل، إن هذا يحبذ وجود قاموس لغوي للأطفال. وحتى الآن لا يوجد مثل هذا القاموس للغة الطفل لييسر على المهتمين بالثقافة ويبعدهم عن السلبيات فيما يقدم. ب- أسس التفاعل غير المباشر: جذب انتباه الأمهات والآباء العرب عن طريق وسائل الإعلام المختلفة لبعض القضايا الهامة في حياة الطفل ونموه، تفيد بطريقة غير مباشرة في تنمية ثقافة الطفل العربي وهذه القضايا هي: - التأكيد على أهمية السنوات الأولى من حياة الطفل. - التأكيد على تنمية علاقات الاحترام المتبادل بين الطفل ووالديه. - التوعية بضرورة أن يصبح الأب أكثر ارتباطا بأسرته وأطفاله في سني حياتهم الأولى، وألا يكون رمزا للسلطة والتخويف عند أولاده بل هو رمز للثقة والحب. - التأكيد على أن كثرة العقاب البدني ليست وسيلة لإصلاح الصغار بل تولد الخلق المنخفض والرغبة في التمرد والارتياب. - تأكيد العناية الطيبة والغذائية وتقديم المساعدات الطبيعية للأم والتركيز على الأسرة ذات المستوى الاقتصادي الاجتماعي الثقافي غير المرتفع كهدف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 - تبصير الأمهات بأدوار أساسية في التنشئة كعملية الفطام والاندماج مع الأطفال وكيفيتها. - تأكيد كيفية التفاعل بين الطفل ووالديه وضرورة إشباع حاجاته إلى العطف والحب والتقدير والتعود على المسئولية، واكتساب خبرات جديدة باستمرار وتأكيد حب المعرفة عنده من أجل احترامه لذاته. - تبصير الأمهات والآباء بأنهم يسهمون دون وعي منهم في تحطيم ثقة الأطفال بأنفسهم عند الاستخفاف بهم وإذلالهم بتشبيههم بأشياء قبيحة. - التأكيد على الوالدين في التعود على التحدث مع أطفالهم بلغة البالغين وعدم ترويض أخطائهم. - الإيمان بأن اللعب جزء لا يتجزأ من عملية التعلم. إن خطة قومية لتثقيف الطفل العربي تؤكد على القيم الدينية معتمدة على تطور الشعور الديني لدى الأطفال كأساس لبناء هذا الجانب، وتقوية الشعور بانتماء أطفالنا لوطن عريق وتنمية الإحساس بالمسئولية نحو المجتمع الذي يعيش فيه الطفل، يكون من قبيل تنشئة الطفل العربي. إن هذه الخطة إذا أكدت على طاقة الطفل وإمكاناته المعطلة الآن، وقدراته النامية والتي يجب العناية بها ورعايتها على أسس سيكولوجية وتربوية لتكون مهمة بحق في قضية تثقيف الطفل ومن ثم تنشئته. ويعتبر إنشاء أقسام لدراسات الطفولة بالجامعة تقوم على إعداد خريجين يعرفون جيدا متى وماذا وكيف وأين يقدم للطفل من المعلومات والمعارف والقيم والتقاليد والعرف والأصول العربية العريقة، لهو خطوة عظيمة واهتمام رائع ليس بقضايا الطفل وعالمه الخاص، بل تنشئته الطفل العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 تاسعا: الخدم والبشكار والمربيات مما يلون الحياة العاطفية للأطفال داخل الأسرة وجود الخدم أو البشاكير، والحاضنات والمربيات، وذلك إذا افترضنا دخول الأطفال في علاقات مع واحد من هؤلاء، فربما خلا المنزل من مثل هؤلاء. والخدم من الذكور والإناث هم الأشخاص الذين يتم الاستعانة بهم في المنازل لأداء خدمات مثل التنظيف أو الطبخ، وإن كانت الخادمات كثيرا ما يجدن أنفسهن في ظروف تجعل من اختصاصهن رعاية الأطفال بالإضافة إلى أشغال المنزل. وإذا كان مصطلح الخادم قد انتشر في البلاد العربية الإفريقية حتى المغرب العربي وبعض دول آسيا، إلا أن بعض دول الخليج مثل الإمارات تطلق مسمى بشكار على الخدم الإيرانيين بيض البشرة الذين استمر وجودهم هناك حتى قرب الخمسينيات من هذا القرن، وكانت هذه الفئة تقوم بعمل القهوة وصبها في المجالس ويبيعون في المحلات ولا يطبخون ولا يقومون بالأعمال المنزلية مثل النظافة والكنس. وكلمة بشكار من أصل فارسي، وتنقسم إلى "بيش" وتعني "أمام" و"كار" وتعني "عمل" وتكون في مجملها "داخل أو أمام العمل" وجمعها بشاكير. ويذكر فالح حنظل أنها تعني "الخادم في البيت". أما الحضانة فهي الأم الاجتماعية للطفل، ويعهد إليها بالطفل داخل الأسرة أو خارجها، فقد تكون مرضعا أو غير مرضع حسب مؤهلاتها وحسب المرحلة التي وكلت فيها حضانة الطفل، وأحيانا توظف داخل الأسرة للعناية بالطفل في كافة النواحي حتى مع وجود الأم، وأحيانا تستقدم فقط في حالة وفاة الأم. والمربية: أنثى تأني لتربية الطفل ومراعاة تقويم سلوكه، وتنشئته على النحو المراد، وكذا تعليمه في مراحل حياته الأولى. وربما تتقارب هذه المفاهيم عندما تختلط أدوار هؤلاء، نقصد الخادمة والبشكيرة والحاضنة، والمربية، وفيما يخص ما يعهد إلى الواحدة منهن من دور تربوي، فقد يكون دورا عابرا وحسب ظروف سيدة المنزل "أم الطفل" من كونها تقضي اليوم خارج المنزل أو داخله، أو مدى انشغالها داخل المنزل من عدمه ومهما يكن الأمر فإن الطفل يدخل في علاقة ما مع الخادمة أو المربية، سواء مع توافر تام لعلاقته بأمه أو توافر جزئي، ويتم ذلك يوميا سواء في غياب الأم أو في وجودها. وعبر هذه العلاقة يحدث التأثير المرتقب في تنشئة الطفل. وربما وصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الأمر لأن تأخذ الخادمة دور الأم البديلة Substitute Mother. وعندها نكون قد قلنا نعم للخادمة، لقد تنازل الأبوان عن دورهما في تلبية الحاجات العاطفية والنفسية إلى مجهولين، وأصبح البرعم النامي يتجاوب مع مجتمعه عبر واسطة هي محض تأجير، غالبا أبعد عن أن يوف بأبسط المطالب التربوية الإنسانية ونادرا ما تتوافر التجاوبات عبر واسطات صحية بأسرة الطفل، كبعض الحالات التي تصبح الخادمات على علاقة لسنوات بهذه الأسرة، لدرجة تجعلهن غير مفتقدات للتبادل العاطفي مع أفرادها. ولكن غالبية الخدم يعتبرون غرباء عن الأطفال، وفي بعض المجتمعات يأتين من مجتمعات مخالفة وثقافات بعيدة. ففي واحدة من الدراسات التي تمت في منطقة الخليج، اتضح أن 8% من مجموع المربيات في بعض دول الخليج لهن إلمام باللغة العربية، وجاءت اللغة الإنجليزية اللغة الأولى للاتصال بين المربيات والأطفال. فكيف إذن لعملية التطبيع الاجتماعي أن يتم جزء منها في غياب اللغة؟ إن اللغة نظام موضوع من الرموز يستطيع أعضاء الجماعة بواسطته أن يتفاعلوا وأن يتعاملوا وفق المعاير الاجتماعية في المجتمع، وماذا يكون التوقع إذا ظهر أن 25% من الأطفال يقلدون المربية في اللهجة، وأن أكثر من 40% من الأطفال تشوب لغتهم لكنة أجنبية ويتعرضون لمضايقات أقرانهم لهذا السبب، كما أن من 60% إلى 75% من المربيات غير مسلمات، ويمارس منهن ما نسبته 98% تقريبا شعائرهن الدينية ... إنها قدوة خطيرة أمام النشئ المسلم من الأطفال في منطقة الخليج إذا تذكرنا أن الطفل البشري يحتاج لفترة حضانة ورعاية طويلة نسبيا ويأخذ نموه الاجتماعي من خلال تفاعله مع المحيطين به مباشرة، في الوقت الذي تنازلت فيه 41% من أسر الأطفال عن إشرافها على لعب الأطفال، وفي الوقت الذي يمكن أن يستقر بعض المربيات مع الأطفال فترة تفوق الخمس سنوات. وعموما فإن نتائج دراسة وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بعمان أشارت إلى أن وجود مربية أجنبية للأطفال أثناء مرحلة الطفولة المبكرة، قلل من فرص الأطفال في الاعتماد على النفس، بينما أشارات نتائج الدراسة على عينة كويتية إلى عدم وجود آثار سلبية للمربيات الأجنبيات على الأطفال من حيث نموهم اللغوي والنفسي والاجتماعي، نظرا لاقتصار أعمال المربيات على الخدمة المنزلية، وقيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الوالدين بأغلب مسئولياتهم نحو الأبناء مثل توجيههم ومساعدتهم دراسيا والإشراف على طعامهم ولباسهم وألعابهم وصحتهم. وإذا كانت ظاهرة الخدم واضحة في منطقة الخليج، فإن الظاهرة محدودة في مصر ودول المغرب العربي، ولكن عموما كلما ارتفعت مكانة الأسرة اجتماعيا واقتصاديا أمكن أن نتصور إمكانية وجود خدم أو مربيات. إن العلاقة الحميمة التي نلاحظها أحيانا بين المربيات والأطفال، إنما يرجع بعضها إلى اعتماد أساليب تربوية خاطئة لدى المربية، مثل التساهل والتراخي، والتكتم على تصرفات الأطفال ... وحتى الحنان المفرط. وإذا كانت هذه الفئة تتخذ من هذا العمل مهنة لها، فإن تقلباتهم بين البيوت عبر السنوات يجمد حنانهم العاطفي، ويجعلهم عرضة للتذبذب في المشاركة الوجدانية، ولذلك فالأشخاص من هذه الفئة تكون علاقاتهم بالأطفال مجرد علاقات مظهرية ووظيفية في الأعم والأغلب، وبقدر ما تعمل الأسرة على توفير حياة طيبة للخادمة أو المربية يمكن أن تنتظر من الأخيرة الاهتمام والرعاية بالأطفال. إن علاقة الأم والطفل، في جلستها أو في حركتها، أو حالتها النفسية تبدو أثناء إرضاع الطفل أو تغذيته، وينعكس ذلك على الطفل، وربما الخدم والمربيات كثيرا ما يبدو اهتمامهم بتنظيف الأطفال وملاحظتهم أثناء اللعب.. وما إلى ذلك. ولكن قد يثرن انفعالات الأطفال نتيجة توترهن أو التقزز وهن يقمن بتنظيفهم، وينعكس ذلك على شعور الطفل بذاته وقيمته بالإضافة إلى ما يستخدمه بعض الخدم من أساليب الأمر والنهي لانخفاض مستواهم الثقافي ... أو أساليب العقاب ... لقد شاهدت بنفسي خادما يهدد طفلا في الرابعة من العمر تقريبا بضربة بالحذاء، وذلك أثناء وجودي في متجر بإحدى الدول العربية. إن هذا لا يقلل من الجهد الكبير الذي يبذله بعض الخدم والمربيات في خدمة الأطفال بإخلاص، ولكن يظل والدا الطفل أهم عاملين أوليين، ما داما هما الشخصان الرئيسيان اللذان يتصلان بالطفل مع بداية حياته، وينطبق ذلك أيضا على أي شخصيات اجتماعية يكون للطفل بها علاقة مثل المربيات أو الخدم، حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 يتوقع هنا شيء من التوحد Identification يأخذ فيه الشخص اتجاهات وأنماط سلوك شخص آخر ... وينتهي إلى تقليدها أو ممارستها، وهنا يكون قد حدث نوع من الاستدخال Internalization أو النمذجة والاقتداء Modeling. ومع مصطلح التوحد والاستدخال يكون التقبل اللاشعوري لقيم الوالدين والمربين، بحيث تصبح جزءا راسخا أو شبه راسخ في نظام القيم للطفل، وهنا تكون العواقب إيجابية، إذا كان من يحل محل الوالدين فيه من الصفات المؤهلة، أما إذا كان من يحل محل الوالدين ليس مؤهلا نفسيا وخلقيا في ضوء معايير المجتمع الذي يعمل فيه على أداء مهمة رعاية الأطفال، فالمنتظر أن ينتحل الطفل سلوكيات عليها الكثير من التحفظ وربما أودعته الاغتراب. إن الأطفال في سبيل تنشئتهم على النحو المناسب في مجتمع ما يجب، بالإضافة إلى تحقيق حاجاتهم من غذاء وملبس ومأوى، أن نوفر لهم العاطفة وفرص اللعب والتشجيع على ممارسات لغوية ودينية واتصالات رمزية مع الآخرين في ضوء قيم ومعايير نفس المجتمع. وهذا ما يدفع بعض الدول الغربية إلى أن تشترط أن يتعلم المنتقلون إليها لغة البلد التي يعملون فيه، وتوجد في ألمانيا مثلا مدارس رسمية وأخرى خاصة تشرف عليها جهات مسئولة من أجل تعليم الألمانية للأجانب مقابل تكاليف زهيدة، ولذلك لا نجد أثرا للعمالة المهاجرة. إن هذا ما يجب أن يأخذ في الاعتبار عند إحضار أجانب أو مربيات أجنبيات، تلك الظاهرة التي زحفت على المجتمع الخليجي وفي طريقها للمجتمع المصري ومجتمعات أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الفصل الرابع: نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة أولا: نمط تنشئة الطفل من قرية مصرية ... الفصل الرابع: نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة إن أساليب التنشئة تختلف من بيئة إلى أخرى، فتختلف أساليب التربية باختلاف الثقافات، مما يأتي معه اختلاف في شخصيات الأطفال. وسنعرض فيما يلي نماذج للتنشئة في عدد من البيئات المتباينة في مناطق متفرقة من العالم تتفاوت في بنائها الاجتماعي من البدائية إلى الصناعية المتقدمة. أولا: نمط تنشئة الطفل من قرية مصرية: إنها قرية "سلوا" تلك القرية المصرية التي تقع في محافظة أسوان، في منطقة فقيرة، تعتمد الحياة فيها على زراعة المحاصيل ورعي الإبل. وينتمي أهل "سلوا" إلى أصل واحد، لقد نزحوا من شبه الجزيرة العربية، وفيها عائلتان أو عشيرتان كبيرتان، هما الجعافرة والعبابدة، وتنقسم كل عائلة إلى مجموعة من الأسر، والعائلة وحدة اقتصادية واحدة يمارس أفرادها نفس المهنة، ويعتمد مركز العائلة على الملكية. 1- الأعراف والقيم الشائعة: الروابط العائلية هي القوة الأخلاقية وراء تماسك القرية، وتتحمل العائلة مسئولياتها كاملة عن سلوك أفرادها، وتنمي المعاير الأخلاقية بين أفراد العائلة الشعور بالانتماء واحترام الكبير والقائد. وتختفي من مجتمع "سلوا" ظاهرة صراع الأجيال. وكل قواعد السلوك تستند أساسا على القرآن والسنة، ويعتقد السكان أن الإهمال في تربية الأطفال يصحبه غضب من الله ونقمة منه فيحل المرض وتفسد المحاصيل. وتسود مجتمع "سلوا" ظاهرة التنافس والغيرة بين الإخوة، والصغير يغار من يكبره، والكبير ينافس الصغير، فالاعتقاد السائد أن التنافس ظاهرة مفيدة لتحقيق النماء، ويعتقد أن نظافة الأطفال تجلب لهم الحسد. ويرى أهل "سلوا" أن فترة الطفولة أنسب الأوقات لفرض قواعد التأديب والنظام، ليعرف الطفل مكانه بين عالم الكبار في القرية، ويدعم نظام التربية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 المعمول به هناك أسلوب العقاب لردع الانحراف، ويشيع هناك أيضا المثال القائل "العصا لمن عصا"، وتسود في مجالات التفاعل بين الكبار الريبة والتكتم والظن والخوف، إذ يعتقد أهل "سلوا" أن "الخوف بركة". 2- رعاية الأطفال من الوالدين: عرض حامد عمار مظاهر التربية في أطوار للنمو. فقد أوضح أن طور الحضانة يمتد حتى 4 سنوات، ويفطم الطفل غالبا قبل نهايتها. ويتعلم الطفل في هذا الطور الكلام والاستجابة لأوامر الكبار. وتتميز تلك الفترة بالتساهل مع الطفل. وهناك اهتمام بعملية الرضاعة يرجع إلى الاعتقاد الشائع بأن ثدي الأم رمز للحنان. ويفطم الطفل بطريقة قاسية. وحتى عمر 4 سنوات يبدو عدم العناية بمظهر الأطفال أو ملابسهم القذرة، إلا أنه بعد العاشرة من العمر لا تسمح الأسر للأطفال بارتداء الملابس الممزقة أو كشف عوراتهم. وتقوم عملية تلقين الطفل قواعد السلوك على الإلزام وغالبا القهر اعتمادا على الأقوال السائدة مثل "إذا عصى الابن الوي رقبته". ومع هذه القسوة في التنشئة يغرس في نفس الطفل الخنوع، والخوف والرهبة. 3- مراعاة الفروق بين الجنسين في التنشئة: يفرق أهل "سلوا" بين البنين والبنات في المعاملة وحتى عند تناول الطعام كما يحرم لعب الذكور والإناث معا ابتداء من السابعة، بل حتى الاختلاط معا، وعلى البنت بعد هذا العمر أن تغض الطرف كلما قابلت رجلا في الطريق. والمجتمع في "سلوا" يميل إلى القسوة والإلزام مع الفتاة أكثر من تطبيق هذه الأساليب مع الفتى، فالشدة هي ما يميز معاملة الأسرة للبنت، ويرجع التفاوت في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أساليب المعاملة بين الجنسين إلى القيم الدينية والقيمة الاقتصادية والاجتماعية للجنس التي تحقق للأسرة الاستمرار والبقاء. 4- المشاركون في التنشئة: الأب هو العائل والمسئول عن إعالة الزوجة والأبناء، ويطلب الأب من الأولاد الطاعة والاحترام، وقلما أظهر الأب الحب والعطف لهؤلاء الأبناء. والأب له سلطة مطلقة في تحقيق التماسك الأسري. وتسهم جدتا الطفل في تربية الحفيد، وعملية تربية الطفل عملية مشاعة تتولاها العائلةكلها. ومع نهاية 4 سنوات من عمر الطفل، يستقطب الطفل جماعة الأطفال من نفس السن ويلعب الإخوة دورا هاما في تكوين اتجاهات الطفل، ويقف الإخوة الكبار موقف الحراس على إخوتهم الصغار أثناء اللعب. 5- المنتظر للأطفال: ينتظر أن يتعلم الطفل أنماط السلوك وبعض العواطف التي عليه تبادلها مع الأقارب، وعدم اللعب أو الأكل إلا مع أقرانه من الأقارب فقط غالبا، وينتظر أن يحترم الطفل الكبار، وينسحب من مجتمعهم، على الرغم من تدريب الصغار على الأداء مثل هؤلاء الكبار. من الهام لدى أهل "سلوا" أن يلقن الطفل قواعد السلوك الاجتماعي، ليتوافق مع معايير المجتمع، وتأديب الطفل عملية أساسية حتى يبقى استمرار البناء الاجتماعي، وذلك اعتمادا على ركائز الدين الإسلامي. ومع عمر الثالثة سوف يعرف الطفل أنه لن يسمح له بالتبرز خارج المنزل، وفي العاشرة يعرف أنه لا يجب أن يكشف عن أعضائه التناسلية، وعليه أن يذهب إلى المسجد ويطيع الكبار، ويتقبل السلطة المفروضة في هذا السن، وعندها يطلق عليه "ابن حلال". وينتظر أن يتعلم الإخوة التنافس لاعتقاد الآباء أنه أسلوب يدفع الطفل إلى التخلي عن طفولته وينتظر إن يتحول الطفل إلى إنسان منتج وليس عبئا اقتصاديا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 6- نتائج ومشكلات للتنشئة في قرية "سلوا": يغلب على ألعاب الصغار القسوة والخشونة، وهذه المظاهر تبدو تنفيسا عن المشاعر العدوانية ضد عنف الكبار عموما والإخوة الأكبر، والتي يحرم على الطفل التعبير عنها. ويرى حامد عمار أن استعمال القسوة في التربية لأولاد قرية "سلوا" تدفعهم إلى الكذب وممارسة الخداع في اللعب. والشخصية لدى أبناء "سلوا" عموما تتميز بالمثابرة والدأب على العمل، وممارسة الإلحاح، وردود الأفعال السريعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ثانيا: تنشئة الطفل في قرية مكسيكية : إنها قرية سانت دومنجو برير في ولاية أوكساكا المكسيكية، وهي قرية فقيرة يقوم البناء الاجتماعي فيها على ثلاثة عناصر هي القرابة والسن والجنس، وتسير على نظام الأسرة الممتدة، ويسود فيها غالبا نظام الزواج الداخلي. 1- الأعراف والقيم الشائعة: تبدو المشاركات الجماعية في مواسم الحصاد والحفلات. ويرى أهل بريو أن الأسرة لا تكتمل بين زوجين إلا إذا ولد طفل لهما. وينظر أهل القرية إلى عدم الإنجاب كظاهرة غير طبيعية، وتسعى الأمهات لإنجاب أطفال كثيرين في سن مبكرة. والأطفال لهم قيمة اقتصادية، ويعتقد أنهم يتعلمون السلوك المناسب تلقائيا لدرجة أن كثيرا من الأمهات لديهم لا مبالاة من تصرفات الأطفال غير المناسبة كالإخراج. ولا يمارس أهل بريو أساليب التسلط أو العقاب البدني للأطفال، وينظرون إلى التنافس والصراع بين الرفاق نظرة كره، وتكره الأمهات اعتماد الأبناء على أنفسهم ولا يشجعونهم على الاستقلالية عنها، على الرغم من أنها تؤكد وتشجع على سلوكهم الإنجازي. ولايهتم أكثر من نصف أهل القرية بإرسال أطفالهم للمدارس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 2- رعاية الأطفال من الوالدين: ينال الرضيع عناية أمه وحنانها منذ ميلاده، وتعطي الأم ثديها للطفل كلما بكى، وتستمر عملية الرضاعة نحو عامين. ويعمل الابن بالزراعة حينما يتجاوز العاشرة من العمر، أما الأبنة قتدربها الأم على أداء الأدوار النسائية. وأسلوب عقاب الأطفال الشائع هو التأنيب أو العزل من جانب الآباء، وتقف الأمهات موقف لا مبالاة من الأخطاء وكل منهن تقوم بتأنيب أطفالها. 3- مراعاة الفروق بين الجنسين في التنشئة: يوجه الأطفال ليعاون الابن الذكر أباه في العمل، وتساعد البنت أمها، ولا يضرب الأبناء الذكور نهائيا وأحيانا تضرب البنات، وتفضل الأمهات أن يلعب الأولاد الكبار بمفردهم، كما تؤثر الأمهات الفصل بين الجنسين في اللعب بعد مرحلة البلوغ. أما في الطفولة فيمكن أن يلعب الذكور والإناث معا ولكن تحت إشراف فتاة كبيرة. والأمهات لا يفرقن بين ملابس البنين وملابس البنات، فيلبس الأطفال من الجنسين أزياء متشابهة فيما قبل 8 سنوات تقريبا، ولا تهتم الأمهات حتى هذه السن بتربية الأولاد تربية جنسية، وغالبا لا يغطي الأبناء عوراتهم وكثيرا ما يلاحظ ممارستهم للاستمناء. وبعد عمر 12 سنة يبدو التميز واضحا بين الذكور والإناث، وترتبط الإناث بأعمال المنزل وتكون أكثر احتراما وإذعانا وتفرض عليها الأسرة الطاعة، وبينما تفرض الأم على ابنتها الطاعة، تعطي ابنها الحرية كاملة، إلا أن الابن يتعلم الانقياد والطاعة لأوامر الأب، ويُعتنى كثيرا بتغذية البنات أكثر من الأولاد. والبنات أكثر إقبالا على التعليم من الأولاد، نظرا للحاجة إلى مساعدة الأولاد للآباء في أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 4- المشاركون في التنشئة: من الأمور الطبيعية مشاركة الكبار من أبناء العم وأبناء الخال في تربية الصغار، والعائلة كلها تشارك في عملية التنشئة، بل يرى البعض أنها أفضل من الأب والأم. وبالرغم من أن مسئولية العناية بالرضع تقع على الأم أن أختها "خالة الرضيع" تشارك وكذا عمة الرضيع، وتنتقل الرعاية إلى الإخوة وأقارب آخرين بعد الفطام، ولا يهتم الأب غالبا بالعناة بالأطفال لانشغاله بأعماله خارج المنزل. 5- المنتظر للأطفال: الطاعة أمر مرغوب فيه من الطفل. ويمنح الطفل المطيع دائما الثواب على طاعته. ويقلد الأطفال في ألعابهم سلوك الكبار، ولكن حياتهم ليست لعبا خالصا بل يساعدون الأسرة في العناية بالطيور والحيوانات ولا يتعدى نشاط الأبناء فناء المنزل، أما بعد 12 سنة فالمنتظر أن يعمل الابن بالزراعة. ويتعلم الأطفال العدوانية مثل الضرب والبصق والرفس مع الأطفال الآخرين، ويتعلمون سرد الأكاذيب وقول الزور. وإن كانت هذه السلوكيات لا يعرفها الطفل من داخل أسرته. وعلى أي حال فإنه بينما تتصف شخصية الذكور بالعنف والقسوة مثل الآباء، فالمنتظر أن نجد الإناث يتصفن بالوداعة والهدوء مثل الأمهات. 6- نتائج ومشكلات التنشئة في قرية بريو: أساليب التربية المتبعة في القرية تأتي بأفراد يؤمنون بالسحر ويقدرون العمل، ويسود بين أفراد القرية التعاون والمساواة، ومن الشاذ أن يُرى أو يُسمع عن فرد استغل أشخاصا آخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ثالثا: التنشئة للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية : المجتمع الأمريكي مجتمع رأس مالي، وهو مجتمع يقوم على الإنتاج الضخم. ويتميز هذا المجتمع بعدم التجانس بين ثقافاته، وتعدد طبقاته. ويواجه المجتمع كثيرا من المشكلات الصناعية الضخمة. 1- الأعراف والقيم الشائعة: تقوم التربية في المجتمع الأمريكي على قيم متصارعة بين طبقة وأخرى، ويواجه الطفل منذ بداياته تيارات متباينة من المبادئ ونماذج السلوك داخل الأسرة وخارجها. ويؤكد المجتمع الأمريكي على التعبير الحر للفرد، ولو على حساب التماسك الاجتماعي. ولا تخضع عملية التربية للأبناء فيه على أسلوب محدد يرتبط بنظام الدولة، بل إن التربية تعود للأشخاص، وتثمر نتائجها حسب جهد الوالدين أو أحدهما في توجيه الأطفال. ويتفاوت دور الأب والأم أثناء عملية التنشئة، والأسرة تلقن الأبناء قيم الطبقة التي تنتمى إليها، وكثيرا ما تتعارض قيم الأسرة مع قيم الجماعات الأخرى مثل جماعة الرفاق وتدعم جماعات الرفاق للأطفال -وبخاصة مع اقترابهم من البلوغ- النزعات المعادية لقيم الكبار واهتماماتهم. 2- رعاية الأطفال من الوالدين: يتفاوت دور الأب والأم في اتخاذ القرارات الأسرية الخاصة بالأطفال وفي استخدام العقاب البدني، ووضع القيود على الأطفال. وعموما يتضح ضعف دور الأسرة في توجيه الأبناء. فالوالدان لا يبذلان جهدا ولا ينفقان وقتا كافيا في المواقف التي تتطلب تقديم النصح وتوجيه السلوك لضعف علاقات الود داخل الأسرة. كما أن هناك ضعفا في العلاقات بين الكبار بعضهم وبعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 3- مراعاة الفروق بين الجنسين في التنشئة: تختلف بعض الطبقات في أسلوب تربية البنت عن الولد، ويبدو هذا الاختلاف واضحا عند الطبقة العاملة التي تعاقب البنت على أفعال تغفرها للولد. 4- المشاركون في التنشئة: لا تضع الدولة معايير للتربية الجماعية مثلما نجد في دولة ضخمة مثل أمريكا وهي روسيا، وإن كانت هناك دور للحضانة وروضات والتربية مسئولية الأسرة وحدها، وهذا ما يجعل الطفل الأمريكي أكثر عرضة أحيانا للقلق إذا ترك في عناية شخصية آخر أو في دار للحضانة. ولذلك فالأشخاص الآخرون دورهم ثانوي في تربية الأطفال، وللأبوان دور مهم في تلقين الطفل قيم الطبقة التي ينتمي إليها. ولجماعات الرفاق دور مهم على الأطفال الكبار، وهي تعمل مستقلة عن إشراف الآباء إلى حد كبير، وتتميز بالمرونة في أفكارها، ولذا فغالبا تتعارض مع مبادئ الأسر. 5- المنتظر للأطفال: تستقطب الطفل الأمريكي مواقف السلوك الاستقلالي والحرية والسلوك المنحرف بدرجة أوضح من الطفل السوفيتي في نفس العمر، ويعاني الطفل الأمريكي صراع القيم، بين ما يراه داخل الأسرة وما يراه خارجها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 6- نتائج ومشكلات للتنشئة في المجتمع الأمريكي: لا يبدو تحديد من جانب الأسرة لحرية الطفل، ولا تبدو الصورة البارزة للتربية الجماعية، كما لا يوجد توحد مع القيم باستمرار من جانب الأطفال، ويرتضي الأطفال الغش في الامتحانات ولا مانع أن يأخذوا أشياء لا تخصهم أحيانا ويتجاهلون غيرهم ممن هم في حاجة إلى نجدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 رابعا: تنشئة الأطفال في روسيا : كانت روسيا لعهد قريب مجتمعا يعتمد على النهج الاشتراكي، والمجتمع الروسي له نسق صناعي متفوق يتصارع مع الولايات المتحدة الأمريكية. 1- الأعراف والقيم الشائعة: كانت التربية في روسيا تهدف إلى إعداد طفل يتوافق تماما مع معايير الكبار، ومن أهم الأهداف التربوية خضوع الطفل للنظام واحترامه بالإضافة إلى الطاعة. فالطفل في مجتمع متجانس، ويعيش في معايير متجانسة، والتنشئة في روسيا تهدف في جميع أطوارها إلى تحقيق الجماعة وتأكيدها، والقائمون بالتنشئة ملتزمون، وكانوا يؤكدون على غرس القيم الاشتراكية. ومسئولية الأب في المجتمع الروسي نحو أبنائه هي استمرار لمسئوليته نحو المجتمع، وتأكيد السلوك لصالح الجماعة. وتهدف عملية التنشئة إلى التكوين الخلقي عند الطفل. وقد حددت لهذا التكوين برامج إجرائية يتعرض لها الأطفال بفاعلية في المدرسة والبيت والمجتمع. ولكل سن برامجه الخاصة به في تفصيل يحدد بالدقة ماذا يجب على الطفل عمله في تلك البيئات الثلاث. والمعلمة أو المنشئة لها مكانة عالية، ودورها محل تقدير من جميع أفراد المجتمع، ومعروف أن مسئوليتها خطيرة في إعداد النشء ورعايتهم نفسيا وتربويا. 2- رعاية الأطفال من الوالدين: ليست الأسرة الروسية نظاما مغلقا عن المجتمع الكبير، فهي تعد جزءا من البناء الروسي القيمي. وتقوم التربية للأطفال على الإقناع والتشجيع والمدح، ويتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 اللجوء إلى العقاب بالتأنيب والتهديد بسحب الحب للابن المتمرد والروس يكرهون العقاب البدني. ويُربى الطفل على احترام العمل وتنظيمه، واحترام العمل مع جماعة وإخضاع رغباته لصالح الجماعة. ويؤكد الروس على الحماية الزائدة، وغرس الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة. ومنذ مولد الطفل تهتم الأسرة بعملية الرضاعة، إيمانا بإشباع الحاجات الأولية والنفسية للطفل، ومع نمو الطفل يستمر توفير الحنان والدفء الأسري له. فيلاحظ عناقه وتقبيله بكثرة عما يشاهد مع الطفل الأمريكي. ويؤدي الحب الزائد للأطفال إلى تقييدهم. وإن لم تكن الأم متعلمة، فإنها تزود بعديد من النشرات والكتيبات التي توضح لها بأسلوب سهل بالصور والأمثلة، كيف تتعامل مع أطفالها. والاهتمام الأكبر من الوالدين هو تعويد الطفل الطاعة: طاعة الأوامر التي تلقى إليه، وأن يسمع وينفذ ما فيه، ويتم ذلك بلهجة وأسلوب مملوء بالمحبة والحنان والعطف. بل إن الطفل لكي يصبح مطيعا يحاول الأب أو الأم إقناعه بضرورة تنفيذ ما يكلف به، ويتم ذلك بإعطاء أمثلة للطفل أو قص الحكايات القصيرة، أو بالمحاكاة وتقليد ما يفعله غيره. وعندما لا يطيع بعض الأطفال الأوامر، يكون التأنيب في بداية الأمر خفيفا هينا لا خشونة فيه، وخاليا مما يؤلمه نفسيا أو جسميا. وإذا زاد العناد، يبدأ إشعار الطفل بسحب جزء من الحنان والحب اللذين عهدهما، ويكون السحب تدريجيا، ويكون هذا السحب بوسائل مختلفة مثل تغيير ملامح الوجه، أو تغيير نبرة الصوت أو حتى طريقة لمس الطفل، أو عدم الاهتمام بالإصغاء لما يقول. وهنا يشعر الطفل أن ثمة تغييرا لدى الكبير قد حدث. ويهتم الوالدان بضرورة تعويد الطفل على شكر من معه في المنزل، على ما يقدمونه من أعمال له، على أن يقترن الشكر بالابتسامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ومن الطريف أن مواقف الخبرات التي يمر بها الطفل في البيت أو المجتمع يحكd عنها في المدرسة أمام الزملاء وتحت إشراف المعلمة "المنشئة". والملاحظ أنه بعد الحرب العالمية الثانية، فقدت ملايين من الرجال، وأصبح عدد النساء أعلى من الرجال بنسبة 20% وكان على الأم أن تلعب دورا بالغ الأهمية في تنشئة الأطفال، بالإضافة لإشباعهم بالحب والعطف الزائدين في الوقت الذي تطالبهم فيه بالطاعة. 3- مراعاة الفروق بين الجنسين: من الجدير بالذكر أن الأعمال التي يكلف بها الأطفال حتى سن 11 سنة تقريبا سواء في المدرسة أو البيت أو المجتمع تنسحب على الذكور والإناث على السواء. 4- المشاركون في التنشئة: الأسرة الروسية لا تنفرد بعملية التربية، فهناك منظمات للأطفال والصبية ولا تقوم الأم وحدها بتربية الطفل بل تمتد المسئولية إلى الأقارب والأطفال الأكبر سنا. ورغم امتصاص العمل لوقت الآباء في روسيا مما يجعل الأبناء يلحقون بمؤسسات اجتماعية تتولى رعايتهم ويجعل الوالدين يعوضان الساعات الطويلة بعيدا عن أطفالهم بالحنان والحب الزائد. وتؤسس الدولة دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس الأهلية ومدرسة اليوم الكامل لخدمة أبناء النساء المشتغلات، وكل هذه المؤسسات تخدم أيديولوجية المجتمع في التربية. ويلتحق الأطفال عامة بمؤسسات داخلية أو بمؤسسات يطلق عليها مدارس اليوم الطويل الذي يمتد من الصباح الباكر إلى ما بعد العصر، ويطلق البعض على هذه المؤسسات المجمعات أو الجماعيات Collectives. وقد اقترن دور المنزل بالمدرسة، فحينما يتحدث Bronfenbrenner وغيره يقولون أن الأم والمدرسة تفعلان كذا وكذا ... فالصلة بين الاثنتين والدعم دائما قائم لدعم الانتماء والولاء لدى الأطفال لمجتمعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وفي المجتمعات الروسية تقوم المنشئة بتربية الأطفال بلغة مشتركة للتعامل معهم، كأن تستخدم حركة يدها تعني الصمت التام، أو حركة أخرى تعني التصفيق، وثالثة تعني حرية الحركة ... ويتم هذا وغيره مع مراعاة أن المنشئة تخفض من قامتها حتى يصبح وجهها مع مستوى وجوه الأطفال، فتكون عيناها في أعينهم، وليست أعلى من مستواهم تنظر إليهم من علٍ، ولا يطيل الأطفال أعناقهم لينظروا إليها، وإنما هي معهم في مستوى قامتهم وحتى في بساطة محببة إلى نفوس الصغار ... وفي بعض الأحيان حتى لا تضطر المنشئة إلى الانحناء يصمم موقع الأطفال على مستوى عال عن أرضة وقوف المنشئة، ويطلق على ذلك التفاعل وجها لوجه. ويتم تعويد الطفل ارتداء الملابس والذهاب إلى دورة المياه ... وكل هذه الأوامر تصدر عن نبرة مشبعة بالحب ولحنان من المنشئة. حتى يصل الأطفال إلى مرحلة يعتمدون فيها على أنفسهم كمجموعة، وعندها تنسحب المنشئة تدريجيا تاركة للمجموعة زمام القيادة بحيث يكون الطفل مسئولا أمام المجموعة عن تصرفاته. ونسينا القول بأن اليوم الأول للذهاب إلى المدرسة، يقدم الأطفال للمدرسات أو المنشئات زهورا، ويكون الجميع في فرحة وكأنهم على موعد سعيد. وأثناء تعليم الطفل قد تلجأ المنشئة في بداية الأمر إلى تعزيز سلوك الأطفال وتشكرهم وتثني على هذا السلوك. ولكن بعد أن يتأصل فيهم تصبح هذه الأعمال من الواجبات والأمور التي يجب على الأطفال أداؤها. 5- المنتظر للأطفال: تهدف التنشئة في المجتمع الروسي إلى إدماج القيم التي تؤكد على الطاعة وضبط النفس. وينتظر أن يتعود الطفل الالتزام والتفاعل الجماعي، والتعود على العمل الجماعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ولا تستقطب الطفل الروسي مواقف الغش أو الانحراف مثل من هم في مثل سنه بالمجتمع الأمريكي، فالطفل الروسي يعد ليكون له سلوك متوافق مع معايير الجماعة، ويساعد على قوتها. اعتياد الطفل مع كل يوم بالمدرسة أن يحيي المنشئة ومن يقابله من العاملين، ثم تحية غيره من الأطفال. ويحيي الذي يجاوره في غرفة الدراسة باسمه. وينتظر من الطفل في المنزلة العناية بملابسه وترتيبها وتعليقها. بل أحيانا ينتظر منه أن يثبت زرا في قميصه إذا لزم الأمر وتلميع الحذاء كما يشارك في بعض الأعمال المنزلية البسيطة. ومن المتوقع من الطفل أن يصبح على وعي بأن الممتلكات العامة هي أيضا ممتلكاته، وكما يراعي ما يملكه ويحافظ عليه فإن عليه أن يراعي ما يملكه غيره. فالزهرة ملك للجميع في الحديقة مراعاة عدم إزعاج الصوت المنخفض الهادئ دون عويل، احترام المهن المختلفة، الالتزام بمواعيد المدرسة، الاستئذان، مراعاة الوقفة والجلسة، وضع الأشياء في أماكنها المحددة. 6- نتائج ومشكلات التنشئة في المجتمع الروسي: تقييد الحرية للطفل إلى حد ما، وتقوية الروابط بين الأطفال وأسرهم ومجتمعهم مع قلة الشعور بالقلق مقارنة بالطفل الأمريكي. البعد عن الغش وعدم أخذ ما يخص الغير، وتقديم العون والمساعدات للغير عند طلب النجدة من الآخرين. إن الأطفال الروس أقل رغبة في المشاركة في أعمال ضارة بالمجتمع كما أظهرت نتائج البحوث وإن كان الأطفال نسخا مكررة في الوقت الذي تكون الحاجة فيه إلى أفراد أكثر متميزين وليسوا فقط بالضرورة ممتازين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 خامسا: تنشئة الطفل الغجري في الهند: لم يعد كل الغجريين من الرحل، إلا أن الترحال هو الخاصية التي تميزهم، ومن الصعب التكهن بمن سوف ينقطع منهم عن السفر أو لن ينقطع من جيل إلى آخر. والترحال سبب تشتت هؤلاء على وجه الأرض، لأن الترحال يتميز بالطرد والرفض. وفي بعض البلدان تكون نصف المجموعات الغجرية من أطفال ومراهقين دون الخامسة عشر. والمجتمع الغجري غير متجانس، والطفل الغجري في مفترق طرق التقليد والتجديد والانقراض. وقد كتب على الغجر أن يناضلوا من أجل البقاء في مختلف مراحل تاريخهم، وغالبا ما كانت ردود الفعل على هؤلاء الرحل مناهضة عنيفة، وهناك عدم تلاؤم بين المجتمع الصناعي ومجتمعات الرحل، ويبدو أن هذه المجتمعات قد غرست في لا شعور أفرادها مقاومة تأثيرات ما يحيط بها من ثقافات. وهناك نزوع إلى الالتحام بين الأبناء والآباء والمجموعات التي ينتمون إليها. ويلاحظ وجود الأسر الممتدة التي تحافظ على الأجداد والأبناء والأحفاد وتستوعبهم طويلا في شبه التحام يبدو أنه أصبح غريزيا، لدرجة تصل بنا إلى إمكانية القول بامتلاك الآباء للأبناء امتلاكا حقيقيا. 1- الأعراف والقيم الشائعة: إن المهم عند الغجر هو الجماعة وليس الفرد وإن قانون الجماعة فوق الخيار الشخصي. ويعتبر محظوظا من بين الغجريين من يرزق طفلا، وخاصة إذا كان ذكرا وهذا ما يجعل أقرب القريبات من الأم أن تقول بطريقة شعائرية لها "أنت محظوظة" عند وضعها لطفلها. والحظ يؤمن به الغجر ويعبر عن ضمان استمرارهم في هذا الكون وتميزهم عن سواهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 والولادة مجلبة للدنس طبقا لاعتقادات الغجر، فالأم تضطر إلى اعتزال الآخرين أياما محددة، وعلى الأب أن يتحصن من القذارة والابتعاد عن الأم قليلا، ولا يمنعه ذلك من المشاركة في ممارسة الطقوس المتبعة عند استقبال مولود. وهناك اعتقاد حول سلطان الأم بصفتها واسطة مع القوى الغيبية لعلاقتها بالدنس. ولكن هناك خشية من الاقتراب من الأم حتى لا تحدث اتصالات مشئومة مع قوى الشر العليا، لأنها غير طاهرة في هذه المناسبة، ويجب التوقي من الأرواح الشريرة، كما يعتقدون، والعرف يقتضي أن يعيش الزوجان عند أبي الزوج إلى أن تلد الزوجة طفلها الأول إذا أرادا الانفصال عن الأسرة الممتدة. ولا مانع لدى الغجر من قبول القيم الغجرية للبلاد التي ينزلون بها بهدف ضمان التسامح معهم وتجنب النبذ، والنجاة من التعامل السيئ معهم. 2- رعاية الأطفال من الوالدين: ومع المولد يكون عهد رضاعة الطفل قد بدأ، ويظل الطفل متعلقا بأمه سنوات عديدة. وإن كانت بدائل للغذاء أصبحت تدخل على وليد الغجر. وما أن يصبح الطفل قادرا على الحركة حتى تترك له حرية التنقل، ويُساعد على أن يمشي مبكرا، وطعامه يصبح وقتها من بقايا طعام الأسرة، دون أن تتخذ له تدابير خاصة، ويأكل طوال اليوم ما تقع عليه يداه دون أن يقابل من والديه بأي نهي. أما بخصوص النوم، فالأسرة كلها تنام في نفس المكان، وعامة ما يحاذي الأطفال ولي أمرهم ذي الجنس المخالف، وتهدهد الأم رضيعها عندما يسترخي للنوم أثناء السير أو تتحدث إليه وتداعبه بأسلوب شبه آلي دون أن تعيره اهتماما خاصا، بالإضافة إلى بعض المداعبات للعضو التناسلي أو تقبيل الطفل. وعندما يكبر الطفل يحدد بنفسه مكان نومه ووقته، دون أن يعيره الكبار اهتماما خاصا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ولنظافة الأطفال، لا تمارس أي ضغوط، وأحيانا نجد سلوكا مزدوجا للطفل إذا كان ملتحقا بمدرسة، فيتبع أسلوبا للإخراج مثلا في المدرسة غير الذي يمارسه وسط والديه، وحرية التصرف الظاهرة التي ينعم بها الطفل الغجري لا يعتبرها العجر سوءا أو قلة نظام. والأم لا تطاع مثل الأب. إن المداعبات والقبلات للطفل تؤكد أهمية الجسد في العلاقة بين الوليد ووالديه، فالأمر يصل إلى حد الالتقاء بين جسد الطفل وجسد والديه، وهو أمر سوف ينتهي عند وصول الطفل إلى سن البلوغ فعلاقة الوالدين بالأطفال قائمة على الجنس بصورة طبيعية للغاية وهناك تأويل لهذا التقارب الجسدي على أنه انتماء. ومع بلوغ الطفل يحرم من هذه العلاقة ويتم اختيار زوجته دون استشارته ويتولى الأب تحديد تاريخ الخطوبة والزواج. ويُقتدى بهذا النظام باستمرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 3- مراعاة الفروق بين الجنسين: يستبشر الأهل خيرا مع ولادة الذكور، ويقال للأم أنها محظوظة. وعند سن البلوغ يعد الطفل في المجتمع الغجري رجلا يمكنه الزواج، ويكون للذكر حقوق أكثر من الأنثى وواجبات أقل من واجباتها، فتستسلم، كما استسلمت أمها لرغبات الزوج وتقوم بالأعمال المنزلية ولا تخرج بمفردها، وأحيانا تدخل في علاقات محرمة مع رجال المجموعة. 4- المشاركون في التنشئة: الطفل يقرر طريقة عيشه، والآباء الغجريون لا يمنعون أطفالهم من رغباتهم ويعيش الطفل داخل علاقات القرابة المؤسسة على الأبوية عامة حيث يعرف نفسه باسم شجرة الأب، وتتعاضد القرابات لتدعم للطفل انتماءه إلى مجموعته ضد المجموعات غير الغجرية. 5- المنتظر للأطفال: ينتظر من الطفل أن يتكون صورة للأب لديه مثلا أعلى لرجولته، وترك الحرية للأطفال واستقلاليتهم يفضي بهم إلى كيفية تدبير أمورهم بأنفسهم إلى حد كبير قرب الثامنة من العمر. ورغم التحاق بعض الأطفال بالمدارس، فيدخلون في نظام تختلف معاييره عن معايير الغجر، لكنهم يبقون على عدوانيتهم وكثير من سلوكياتهم وهذا الالتحاق بتعليم رسمي لا يدوم طويلا فيتركون المدارس. ويلاحظ انه مع نهاية الطفولة يكون المرور من الحرية إلى المحظور، ويكون التقيد وربما ظهور الانطواء، وهذا ما يجعل الزواج المبكر حلا لهذا الأسر الجديد. 6- نتائج ومشكلات التنشئة للمجتمع الغجري في الهند: يبدو من خلال الأطوار أن الطفل لا يحصل على تفاعل منظم مع والديه، فليس هناك تدريب على الإخراج، أو النظافة، ولا صورا للعاطفة العفيفة البعيدة عن الانطباع الجنسي في جسد الطفل. ويفضي غياب القانون الذي يجعل الطفل يدرك نفسه وذاته إلى عملية تقليد لعالم الأجداد. وعالم الصغار لا يتدخل فيه الكبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 سادسا: نمط التنشئة في قرية كولمبية لقد أطلقت الباحثة Alicia Dussan اسم لينارس Linares على القرية الكولمبية التي أجرت فيها هذه الدراسة. ويقطن القرية سكان من البيض الملونين والهنود والعبيد السود. وينقسم الناس فيها إلى طبقة ميسورة من البيض فقط، وطبقة وسطى ودنيا أغلبها من الملونين. ويعتمد اقتصاد القرية على الزراعة بتقنيات بدائية، والأسر الفقيرة تحيي أراضي الأسر الميسورة. ويأتي إلى القرية سياح كولمبيون ينتمون إلى الطبقة الوسطى والدنيا، يصطحب الواحد منهم معه بعض الأدوات مثل أجهزة التصوير والراديوات الصغيرة، وسلوكه ينافي جزء منه ما هو مألوف بالقرية. وتباع بعض قطع الأراضي لبعض السياح. 1- الأعراف والقيم الشائعة: أنماط التربية للأطفال التي شاعت لسنوات طويلة في طريقها إلى بعض التحولات بسبب الثقافة السياحية. وكل الأمهات يعتقدن أنه لا يجب التخلي عن رضاعة الطفل نهائيا، وتعتقد كل الأمهات أنه لا يوجد طفل أجمل من الطفل الذي يتغذى بلبن الأم. ولا سبيل لإسكان الطفل الباكي من وجهة نظر الأمهات سوى إرضاعه إن لم يكن مبللا. وعلى الأب أن يقدم ثياب الوليد، فهذا دليل على أنه سوف يقوم بواجباته نحو الطفل. أما إذا كانت الأم غير متزوجة منه فإنه يمتنع عن ذلك. ومن المعتقدات الموجودة أنه كلما كان الطفل أكبر كان تعويده على ترك الرضاعة أصعب. وترى النساء أنه لا لزوم لتعليم الأكل للأطفال ولا تعلم الأمهات أطفالهن الكلام. ولا سبيل لأحد غير أم الطفل أن يراه بدون ملابس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ويتسبب تبول الطفل أو تبرزه في نفور كثير من الأمهات والأسر، ولا يليق الحديث عن ذلك أمام الغرباء، ويستغل هذا النفور لتأديب الطفل. وتنام الأسرة كلها في غرفة واحدة عادة حتى وإن كانت في البيت غرف أخرى شاغرة. واستخدام العقاب يكون أشد عند الأسر الفقيرة. 2- رعاية الأطفال من الوالدين: الأمهات واعيات بمشكلة نقص الغذاء، ويولد الأطفال غالبا قبل تسعة أشهر لهذا السبب بالإضافة إلى ضعف الأم. وفي المستشفى الخاص بالقرية تتمخض أغلب الأمهات، ويغذى الطفل من زجاجة في الثلاثة أيام الأولى بعد المولد وفي اليوم الرابع ترضعه الأم من ثديها، وتأخذه في أحضانها وتعينه على التقاط الثدي وتفعل ذلك بطيب خاطر وكثير من اللطف، وتدعه يرضع كلما أراد أو إذا بكى. وإذا وصل الطفل عمر العام تترك الأم ثديها لطفلها، وهي غالبا ما تكون جالسة على مقعد منخفض جدا أمام منزلها ويرضع منها الطفل واقفا. ويستمر غذاء الطفل بلبن الأم حتى الثانية أو الثالثة من العمر، وقد اعتادت النسوة دهن الثدي بمادة منفرة، فالأم لا ترفض تقديم ثديها للطفل بل عليها أن تجعله مصدر نفور لابنها بعد هذا العمر، وإن كان الطفل يبدأ في تناول غير لبن الأم قرب الشهر السادس من عمره، مثل الحساء ثم الأرز قرب الشهر العاشر. وعندما تطعم الأم ولدها فإنها لا تكلمه وتقتصر على إدخال الطعام في فمه في البداية، ثم تضع الغذاء في يده دون أن تظهر اهتماما خاصا. وفي عمر الثالثة يبدي بعض الأطفال غضبهم بقلب الطعام على الأرض أو تقديمه للحيوانات الأليفة، ويعاقب على هذا التصرف بأن يترك الطفل الذي يفعل ذلك بلا طعام سائر اليوم. ومنذ الأيام الأولى تسعى أمه إلى تعليمه بالحركة والصوت والشعور بالحشمة نحو أعضائه التناسلية وإذا ما اقترب منه أحد وهو مكشوف أو من غير سروال تقول له أمه "استح، استر نفسك" وذلك عندما يتمكن من المشي أما في سن الحبو فهم يتركون عراة دون سراويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 والأطفال لا يبدون نظفاء بسبب قلة تبديل ملابسهم وقلة استحمامهم، وتداعب الأم طفلها بيدها حين تستخدم الصابون في استحمامه ويكون الطفل سعيدا لهذه المداعبة. وتُعنى الأم بطفلها وتهدهده بعد الرضاعة، وبعد أن كان يوضع الطفل في سلة بيضاوية في أيامه الأولى ثم في مهد في سرير الأم فإنه في عمر الستة أشهر يوضع في أرجوحة النون، وهي عبارة عن بطانية معلقة بين حبلين، قرب سرير الأم. وفي الشهر التاسع يبدأ توبيخ الطفل، وضربه ومع نهاية الشهر الرابع تطوف الأم بطفلها مشدودا إلى صدرها في الطريق، ومع حبو الطفل تحملة بشال على ظهرها، وحينما يصبح أكبر ويمشي تصطحبه معها للأماكن، ويمكنه أن يخرج عدة ساعات يوميا فيلعب مع الرفاق ويلهو بالأحجار والأزهار ونادرا ما يلعب بلعبة حقيقية. والعقاب البدني المفرط غير محبب، لأنه من وجهة نظر الآباء متى أفرط فيه يأتي الطفل سفيها. والمثل الأعلى هو أن يفهم الطفل من مجرد النظرة، والأم تصوب نحو طفلها مجرد نظرات تنبهه عن تصرفه. ومن أنواع العقاب مع الأطفال تركهم في الظلام، وهو ما يفزع الطفل للغاية، ويتجه الآباء إلى إخافة أطفالهم بالمتسولين ويقولون لهم: "سيأتون ليأكلوكم". ومن المكافآت المتبعة مع الأطفال نظرات العطف والابتسامات، ومنح الحلوى أو الثياب الجديدة وناردا اللعب، أو أخذ الطفل مع الوالدين إلى الحفلات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 والآباء الذين يشتغلون بالمحلات في قرية لينارس، يستعينون بأطفالهم في تحصيل النقود من العملاء أو فتح قوارير الشرب للسياح، ولقد بدأ الأطفال يتخلون تدريجيا عن صحبة آبائهم في المزارع، لأن الريف بدأ يهجر شيئا فشيئا لانشغال الرجال بالبناء والعمران. ويبين الكبر للصغار بكل صبر كيف يعملون، فالأم تبقى دائما بجوار بنتها عندما تعمل وتعلمها، والأب يكتفي بإعطاء بعض الإرشادات للولد ويتركه فترة ثم يعود ليرى ما أنجزه. ولا يكافأ الأطفال على طرافتهم، ولا تغفر زلات لسان الطفل، ويطلب منه دائما التصرف كراشد صغير. 3- مراعاة الفروق بين الجنسين: يعامل الطفل من الجنسين بنفس الطريقة حتى سنة الثانية، ولكن بداية من هذا العمر على البنت أن تقلد أمها وتساعدها، وعلى الولد أن يقلد أباه ويعينه. وتعلم البنت أنها في منزلة أقل من الولد، وأن عليها طاعة الآخرين والتحلي بالتواضع، أما الولد فيتعلم كيف تخدمه النساء وتحترمه باعتباره ممثلا لأبيه. وهذا يتيح له فرصة أنه يغضب إذا لم يعجبه شيء. وفي عمر الخامسة تلعب البنات مقلدة الأم بالعرائس والأشغال المنزلية، ويلعب الأولاد ببناء منازل من حجارة، أو لعبة الشرطي والسكير. ويجتمع الأولاد والبنات للعب الكرة باليد. وفي سن الخامسة يُعطى الطفل الذكر بعض الدجاج وشاه أو أكثر كرأس مال صغير له بالإضافة إلى تقاضيه أجرا على بعض ما يقوم به من أعمال. أما البنت فهي تعاون أمها في سقي النبات والعناية بدجاج الأسرة وغسل الثياب وتقديم الأكل للأب والإخوة. 4- المشاركون في التنشئة: خلال الأسبوع الأول من ولادة الطفل، يبقى الأب بالمنزل ويترك كل أعماله، ويبقى مرافقا للأم إذا كان متزوجها. ويساعدة عدة نساء من الأسرة على ضمان توفير احتياجات المنزل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وإذا انشغلت الأم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الولادة بشئون المنزل اهتم الأب بالرضيع. وإذا اضطرت الأم إلى ترك المنزل فيعوض الطفل إخوته الأكبر ويبذلون ما في وسعهم معه ويتحلون بالصبر معه في البداية ثم يتركونه يبكي. ومع الأسبوع الأول للولادة يختار الزوج والزوجة، زوجين لا ينتميان إلى عائلتهما، ويتولى هذان الزوجان اختيار اسم الطفل ويهبانه الثياب. وعندما يتمكن الطفل من المشي غالبا ما تتركه أمه عند الأقارب في الصباح وتأخذه في المساء، ويرسل الطفل لزيارة أقاربه الذين يحرصون على رعايته ولا يعاقبونه أبدا، وعندما يكبر يعمل زيارات لحقول أعمامه وأخواله. ويكلف الأطفال الكبار أحيانا بمراقبة الأطفال الصغار، ويغضب الأطفال الصغار إذا ما أخذ الطفل الأكبر ما في أيديهم مثل الحلوى، أو الدميات الطينية أو سدادات القوارير التي يلعبون بها. وأحيانا يقوم الإخوة والأخوات الأكبر برعاية الطفل الصغير. 5- المنتظر للأطفال: المتوقع للأطفال في قرية لينارس كما يرى الأهل أن ينطبع الطفل بطابع الأب أكثر من الأم ابتداء من سن السادسة، وأن سلوك الأطفال أثناء وجود الأب بالبيت يصبح أفضل خوفا من عقاب الأب. وينتظر أن يعرف الطفل المطلوب من نظرة الأم أو الأب وينفذ ما يقصدونه كما أن الطفل يتعلم مراعاة الأقارب والمسنين واحترامهم وكذلك احترام من ينتمون إلى الطبقة الراقية، ويتعلم الحرص على حسن هندامه عند زيارة الآخرين وينتظر منه دائما أن يتصرف كراشد صغير. والمتوقع منه الطاعة والجلد والإحساس الشديد بالمسئولية إزاء عائلته، ولا تشجع أو تضخم في تصرفاته العفوية، وعليه احترام ما يصدره رجال الدين. 6- نتائج ومشكلات التنشئة في قرية لينارس الكولمبية: استخدام الضرب يجعل الأطفال يغضبون ويبولون على أنفسهم، كما أن عقاب الأطفال بتركهم في الظلام يجعلهم يخافون، وعموما فإنهم لديهم مخاوف الظلام، ولا يستمتع الأطفال بطفولتهم فترتها المعهودة، ويتعلمون الانضباط من سن صغيرة. كما يتعلمون الادخار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 سابعا: تنشئة الأطفال عند الفينزويليين الأفارقة الفنزويليون الأفارقة من العبيد الذين اقتيدوا إلى فينزويلا للعمل في المناجم وزراعة المنطقة الساحلية، وقد حصلت بعض الأسر منهم على قطع من الأراضي للزراعة فيها، وقد بنت الحكومة لهم مساكن مجهزة بالماء والكهرباء تعويضا عن الأكواخ القديمة، وأصبح بإمكان العبيد هؤلاء شراء أجهزة التلفزيون والأدوات المنزلية. ورغم هذه التحولات إلا أن المراهقين من هذه الفئة يهاجرون عندما يتركون المدرسة إلى المدن بحثا عن مصير أفضل. والآباء يرون من المهم أن يتلقى أبناؤهم تعليما ليحسنوا مستواهم من المنزلة الزراعية. 1- الأعراف والقيم الشائعة: هناك احتفاظ بكثير من التقاليد القديمة كالشعائر الدينية والطب الشعبي والأساطير، ويحيي الفينزويليون الأفارقة "عيد القديس حنا" بأفراح كبيرة. والطقوس الجنائزية ما زالت بها بعض الممارسات الإفريقية، مثل السهر على رأس المتوفى والانتحاب الشعائري، وتنتهي بشعيرة طرد روح الميت. ويؤمن الفلاحون الفينزويليون الأفارقة بالأرواح الشريرة والأرواح الطيبة، وعند موت أحد أفراد العائلة توضع أشرطة سوداء أو حمراء في معاصم الأطفال لمنع روح الميت من أخذهم إلى العالم الآخر. وتكوين العائلة يندر فيه الزواج القانوني، والكثرة الكثيرة من المعاشرات بالتراضي، ولذلك فالنسبة الأعلى من الولادات سفاح، والأمومة محببة جدا سواء كانت الأم لها أولاد شرعيون أو غير شرعيين. ولا وجود للعنوسة. والأبناء اللقطاء لا يعانون من كونهم غير شرعيين. وإذا وجدت روابط زوجية فهي غير ثابتة ولا مستمرة. والأم هي التي تربي الطفل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وليس للطفل من علاقة ثابتة إلا معها، لأن الأطفال يبقون معها حتى إن بدلت صاحبها أو زوجها. وإذا وجد الأب أو الصاحب مستمرا مع الأم، فإنه لا يقوم إلا بدور ثانوي في حياة الطفل، ويظهر بعض الآباء عطفا على طفلهم، ولكنهم يخجلون من مداعبة الأطفال أمام الناس، وكثيرا ما يساهم صاحب الأم الجديد بعد زوجها أو صاحبها الأول في العناية بالأطفال. ورغم ذلك فإن الأمهات يتمنين أن تتزوج بناتهن قبل أن ينجبن سفاحا، أو يجدن على الأقل صاحبا عوضا عن الزوج يكون ملتزما ومسئولا لكن الأمهات يتنازلن بسهولة جدا إذا لم تتحقق أمنياتهن. وبالمقابل فإن الآباء يشجعون أولادهم من سن العاشرة على الألعاب الجنسية، ويفتخر الآباء بمغامرات أبنائهم. وإن كانت العديد من التقاليد تأخذ في الزوال. 2- رعاية الأطفال من الوالدين: تعتني الأم بالطفل، تطعمه وتوفر له الملبس. والرضاعة من ثدي الأم للطفل كانت شائعة فقط في الماضي حتى يصل عمر الطفل إلى عامين أو عند ميلاد طفل جديد وفيما بعد فإن الأمهات يطعمن الطفل من الثدي والزجاجة. وإذا لم يأت للأم طفل آخر، فإنها غالبا ما تدهن حلمتها بمادة مرة لتنفر الطفل وتيسر فطامه. وتعطف الأم على الطفل بشدة، ولا تتركه باكيا مدة طويلة، ولا تعاقبه إلا بعد عمر الثانية، وتأخذ في تعليمه ما يجب أن يفعله وما يجب ألا يفعله ابتداء من هذه السن، وقبلها بقليل يتعلم الطفل كيف يكون نظيفا من عمليات الإخراج. وفي عمر الرابعة أو الخامسة، يتعلم الأطفال أداء بعض الأعمال البسيطة كإحضار الماء والكنس وترتيب الفراش. وفي الماضي كانت الأمهات تقص على أطفالها حكايات عن الأشباح وحيوانات خرافية، لتعلم الأطفال منها القواعد الخلقية ولمنع الأطفال من الاقتراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 من النهر وردعهم عن الخروج من المنزل ليلا، أما في الآونة الحالية فعدد من هذه الأمور قد اندثر أو على وشك الاندثار. والأمهات يتحلين بالصبر رغم كبر عدد الأطفال أو عدد أفراد الأسرة، وهن متذبذبات مع أطفالهن، فاليوم قد تتسامح مع نفس الفعلة التي عاقبت عليها بالأمس. ويعامل الأطفال قرب الثانية عشرة من العمر معاملة الرشد، والأم هي أهم شخص في تنشئة الأطفال في الأسر السوداء بفنزويلا، وهي التي تعلم الطفل كل ما يساعده على اتباع السلوك المناسب، وليس للأب سوى دور هامشي للغاية. 3- مراعاة الفروق بن الجنسين: منذ الطفولة المبكرة، يتم التمييز بين الجنسين، ففي حين تثقب آذان البنات الصغيرات، ويبقين نادرا عاريات، فإن الأولاد الذكور قد يظلون عراة إلى أن يذهبوا إلى المدرسة. وابتداء من سنة الخامسة، تبدأ معاملة الأولاد والبنات بطرق مختلفة تدريجيا. وإذا كان الأب يعيش في المنزل فإنه قد يصطحب ابنه في السفر أو عند الذهاب للحقل ويعلمه مبادئ الزراعة. ويعاقب الأولاد بشدة مقارنة بمعاقبة البنات، وخاصة في حالات العصيان أو قلة الاحترام. وتتعلم البنات مبكرا العناية بشئون المنزل، وفي سن السابعة يذهب أغلب الأطفال إلى المدارس، وقديما لم تكن هناك مدارس، والبنات غالبا ما يصبحن حوامل في الثانية عشرة من العمر وعليهن تحمل المسئوليات قبل الرشد الحقيقي وتحذر الأمهات بناتهن أحيانا من الألعاب الجنسية، ويضربنهن إذا هن تغازلن مع الأولاد، ولا مانع من حبسهن في المنزل ليلا. 4- المشاركون في التنشئة: إذا كانت الأم الشابة تعيش مع والدتها، فإن الأخيرة "الجدة" قد تصبح أهم شخص بالنسبة للطفل، ولا سيما إذا كانت الأم مضطرة للعمل خارج المنزل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وخلاف ذلك وعندما لا تتلقى الأم الشابة أي عون، فإنها تدع الطفل إلى شخص يكون له بمثابة الأم كالخالة. وإذا كانت هناك أخت أكبر للطفل فيفترض الاهتمام به من جانبها عند غياب الأم. وعندما يبلغ الأطفال الرابعة، يشرع ذووهم في اصطحابهم إلى الحفلات ويعلمونهم النقر على الطبول والرقص مع الكبار. وأصبح للمعلم في المدرسة اليوم دور فعال في التنشئة وبمكانه أن يؤثر في تلاميذه سلبا أو إيجابا وذلك تبعا لخصاله الشخصية. ويعطي المعلمون التوجيهات المتعلقة بضروب السلوك الجديدة، المتلائمة مع التحولات الحديثة. 5- المنتظر للأطفال: من سن الرابعة أو الخامسة من المتوقع أن يتعلم الأطفال أهم قواعد السلوك، وفي هذا العمر يتبين الأطفال أن للناس جميعا أبا وأما، وحتى إذا لم يكن الأب موجودا، ويعرفون ما إذا كانت العلاقة بين الوالدين طبيعية أم لا. وفي هذا العمر يكتشف الأطفال الواقع الجنسي من خلال لعبهم بالشارع، ويتعلمونه عن طريق الملاحظة بسبب الاختلاط. وإن كانت الأمهات ينفرن من الحديث عن هذه المسائل مع بناتهن، وحتى عندما يبلغن عشر سنوات ولا يقبلن نهائيا التحدث بهذا الأمر مع الأولاد الذكور. ومن المتوقع بعد تعليمه لمدة ثلاث سنوات بالمدرسة ألا يعرف الأطفال القراءة ولا الكتابة أو يعرفونها بالكاد، لكنهم يكتسبون بعض الأفكار عن المجتمع وعن فينزويلا. وقد تسبب هذه الفترة من الدراسة ظهور بعض الصراعات لدى الأطفال بين قيمهم التقليدية والأفكار الحديثة. ويفترض فيمن وصل إلى العاشرة من العمر أن يفعل كل شيء بنفسه، والمعاشرة مرغوب فيها جدا في هذه الفترة وما بعدها وخاصة لدى الفتيات، ويظهر لدى البنات بعض الاحتشام في حين يصبح الأولاد أكثر عدوانية. وفي سنة 12 سنة يتعين على الأطفال طاعة من هم أكبر منهم واحترامهم رغم تمتعهم بحرية شخصية أكثر عن ذي قبل. 6- نتائج ومشكلات التنشئة لدى الأطفال الفينزويليين الأفارقة: تشكو الأجيال القديمة من الأهمية التي أصبحت للمدرسة، ومن إهمال الأطفال لواجباتهم تجاه أسرهم، ولم يعد الآباء يعلمون الأطفال الزراعة، وأصبحوا أكثر لعبا في الطرق مع الرفاق، ويزعم الأجداد أن الأطفال في السابعة كانوا أكثر احتراما لمن هم أكبر سنا، وأن هناك تغييرا في القيم والتقالد التي سادت لفترات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ثامنا: تنشئة الأطفال في قرية فرنسية إنها قرية من قرى بورغونية الشمالية، وقد جمعت المعلومات عن هذه القرية من كبار السن الذين وصلت أعمارهم تقريبا فوق الستين، واللذين يذكرون أنه حدثت تحولات وتغيرات تكنولوجية واقتصادية ضخمة وحديثة عن ذي قبل في الخمسينات من هذا القرن. وقديما كان مجتمع القرية مقسما إلى فئتين، الأولى أصحاب الأملاك من فلاحين وحرفيين، والثانية من الحطابين والبنائين وحراس الزراعة، لكن هذا التقسيم انقرض من القرية الآن إذ لم يبق إلا الفلاحون وصغار المقاولين وعمال الصناعة، ولا تتمايز هذه الفئات اجتماعيا إلا قليلا. وتتكون الأسرة في القرية من الأب والأم والأولاد الذين لم يتزوجوا ويمكن أن يقطن الجد أو الجدة الأرامل مع الأسرة، والإخوة والأخوات الذين تزوجوا يقيمون في نفس الشارع. والمسكن يتكون من غرفة واحدة، يتم إعداده وتناول الطعام فيه والسهر والجلوس والنوم. أما حديثا فإن المساكن تحوي عدة غرف منها للاستقبال ومنها للأكل ومنها للأطفال بالإضافة إلى مطبخ. وفي هذا الإطار العائلي تمر فترة الطفولة التي كانت تصل إلى عمر 14 سنة في الماضي وتصل الآن إلى 12 سنة. وقد ظلت الأسرة حتى وقت متأخر تأوي في بيت واحد كل الأعمار على اختلافها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وتظل المدافن "القبور" كما كانت قديما، أفضل منتزهات الجدات، مصطحبين معهن الأطفال الذين يجرون فيها ويمرحون. وفي الماضي لم يكن للوالدين من مكانة أو دور فعال أو تقارب مع أطفالهم مثل الجد أو الجدة ولكن الآباء استعادوا مكانتهم، وأصبح التقارب واضحا بين الآباء والأطفال ربما لظهور الأسرة النواة. 1- الأعراف والقيم الشائعة: تُوصى الأمهات بإرضاع أطفالهن، أطول مدة ممكنة، وفي الغالب كان الطفل يفطم بعد عام أو عام ونصف على الأكثر. والطفولة ليس لها إلا عالم القرية المنغلق، فيه من المعارف والحكايات وفيه شيوخ يهتمون جدا بتربية الأطفال. ويقضي الأطفال أغلب وقتهم في قاعة البيت أو داخل الحي. والمبدأ الرئيسي الذي يتخذ تجاه الأطفال هو بقاؤهم مشغولين بمهام يكلفون بها تجعلهم يبقون في مكان محدد وفي منأى عن التأثيرات الفاسدة التي تبدو على بعض القرويين، ذلك أن كل شيء ليس صالحا لأن يرى. ففي الماضي كانوا يوصون الأطفال بألا ينظروا إلى من كانوا على جانب كبير من البشاعة أو ضعاف العقول. وعلى خلاف العلاقات المتوترة أحيانا بين الوالدين والطفل، كانت علاقات تتسم بالعطف واللطف تجمع الأجداد بالأطفال، وطوال مرحلة الطفولة يحتل الأجداد منزلة مهمة في التنشئة. والمعلم له منزلة الاحترام في القرية، وخلال الأجازات لا ينفك عن مراقبة الأطفال بالصرامة التي تعودوها منه في المدرسة، ويخبر الآباء بسلوك أطفالهم. وعلى ذلك فهناك تكامل لإبقاء الأطفال تحت رقابة اجتماعية قوية وتنشئتهم من قبل الجدات والمدرسة والكنيسة. ولذلك فإن ضبط النفس والالتزام واللطافة حظيت بالأولوية في تربية الصغار بالإضافة إلى مراعاة جداول الأعمال التي يكلف به كل طفل. أما حاليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 فإن الواجبات المدرسية في المنزل هي الشيء الوحيد الذي أصبح يكلف به الأطفال. 2- رعاية الأطفال من الوالدين: في الماضي كان الأطفال يلفون من أعلى إلى أسفل في قماط، ويوضع على الرأس طاقية، ويبقون في وضع رقاد إلى أن يتعلموا المشي. وفي الأسرة الفقيرة يخرج أهل المنزل جميعهم إلى العمل، ويترك الرضيع وحيدا مربوطا إلى سريره وزجاجه الرضاعة مثبتة على حافة السرير بطريقة مناسبة. والأسرة دائما مغطاة بستائر تحمي الطفل، والأسرة توضع على قوائم متأرجحة تساعد على هدهدة الطفل. وبالرغم من الاهتمام بكثرة بهدهدة الطفل، إلا أنهم كانوا أيضا يتركونه يبكي قائلين "ابك، فيقل بولك". ومع الشهر السابع يطعم الطفل بالثريد وهو قطع من الخبز المغلي مع الزبد، وما أن يتمكن الطفل من الخطو حتى ينقل إلى سرير كبير. ويخيف الأجداد عند اللزوم الأطفال بكائنات مثل "ست الرياح" "ست الذئاب" وذلك حتى ينضبط الأطفال بالهدوء أو عدم الذهاب إلى أماكن بعيدة ويحكى الأجداد للأطفال القصص والحكايات التي تتوارثها الأجيال، وفي سن مبكرة يتم تعلم الطاعة والخضوع عبر هذا القصص. وقلما يتوافر للطفل لعب مصنعة، ولكنه يلعب مع الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب، ويحاول ترويض البوم والعصافير التي تسقط من أعشاشها. إن الأب والأم كانا يعتنيان ويراقبان أولادهما منذ ولادتهم، لكنهما بحكم انشغالهما في العمل لا يشاركان مشاركة حقيقية في عملية تربية الطفل، إلا عندما يصبح هؤلاء الأطفال كبارا بدرجة تمكنهم من المساهمة في العمل ويكون ذلك قرب السادسة، وعندئذ يظهر الوالدان دورهما في توزيع العمل على الأطفال والمراقبة والمعاقبة، لقد كان الطفل يكلف بالاحتطاب وكسر الأغصان، وإبعاد الحشرات عن المحاصيل، وإطعام الحيوانات، ومتابعة المحراث، وكان الأطفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 يتمنون التسلية قليلا، إنهم في معاملة قاسية، وحينما يخرجون في السادسة صباحا كانت أرجلهم تبلل بالندى البارد لأنهم يرتدون القباقيب فلا توجد أحذية. وهكذا فإن الوالدين يفصلان وقت الطفل ويدبرانه. ومع تقدم عمر الطفل لا يعتمد الأجداد على قصص الكائنات الخرافية ولكن يستخدمونه السخرية والتهكم في عباراتهم مثل "أنت تخاف من ظلك".. ومع العام السابع يتحمل الطفل مسئولات الذهاب بالحيوانات إلى الحقول أو زرع الحبوب. وإذا كان الأجداد يؤدبون الأطفال بالكلام، فإن الوالدين يستخدمان العقوبات البدنية فبعضهم يستخدم الحريق لإيلام الطفل أو يضربه بخرقة مبللة للتأديب. وأحيانا يستنجد الآباء بأشخاص حقيقيين مثل شيخ القرية لتأنيب الطفل، وبعض الآباء يجلدون الأطفال بالسوط. وبالرغم من العقوبات الشديدة التي يسلطها الوالدان، إلا أنهما يكنان للأطفال حبا وحنان غزيرا. ولكن لا نستطيع القول بأن الوالدين كانا ينقلان أي علم أو معرفة إلى أولادهما، ولكن التدرب يأتي من الملاحظة في صمت ويكاد التعلم يقصر على النظر. كان الأطفال يفعلون لأنهم يلاحظون آباءهم يفعلون. لا مجال لأي حوار، إنها تربية بصرية. وهذا الكبت للكلمة بين الأجيال المتعاقبة لا يكون داخل البيت فحسب أو على المائدة فحسب، وإنما في الأماكن العامة التي يتردد عليها الكبار. إن أقصى شيء يفعله الأطفال في حضرة الكبار أن ينظروا ويسمعوا، ويروا ويتعلموا، والكبار فقط لهم حق الكلام. ومن هنا يتعلم الاطفال كيف يتحكمون في الكلام، ويرددونه قبل أن تنطلق به ألسنتهم، وقلما تحاور الآباء والأطفال. أما في الآونة الحديثة، فإن التقنية غيرت كثيرا، إذ بإمكان الفلاحات أن ترعى الأطفال، وتخلصت من نشاط الفلاحة، وإذا كانت بعض النساء تعمل طوال اليوم خارج المنزل، فلقد أصبحن يوكلن الرضيع لأحد مقابل أجر، إلا أن أغلب الأمهات الآن يكرسن كل وقتهن لرضيعهن لتقلص أعمالهن المنزلية، وابتداء من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 اليوم الخامس عشر لا يقمط وتطلق الأم حريته، ولا تبقيه في مهده فقط بل تضعه داخل حاجز معد ليلعب داخله، وإذا بكى تأخذه في حضنها وتربت عليه وتحدثه بحنان. ويستخدم الوالدان الآن مع الطفل لغة الرضع إلى أمد طويل، ويعاملانه بلطف، ويحرصان على تعليمه السلوك المهذب، "قل شكرا، قل صباح الخير ... " والآباء أصبحوا لا يطلبون من الأطفال أي عمل زراعي ومنزلي إلا النادر، وأصبحوا يعدون لهم جداول لأنشطة وألعاب ومذاكرة، بالإضافة إلى الحرص على اشتراك الأطفال في عالم أكثر اتساعا من مجتمع القرية. ولم يعد الصمت والملاحظة هما أداة الأطفال في جلسات الكبار، وحتى تلاميذ المدارس أصبحوا يهتمون أكثر بالكراسة الشخصية التي يجمعون فيها كل ما يروق لهم عن الشعراء أو الأدب والطقس أو الضغط الجوي أو حياة الحيوان، لقد تخلص الأطفال من الجداول الملزمة للأعمال المنزلية أو الزراعية أو المدرسية. 3- مراعاة الفروق بين الجنسين: في الماضي لم تكن هناك فترات تعطى للتسلية سواء للأولاد أو البنات وأقصى ما يعطون أن تذهب البنات إلى مقر حياكة الملابس، ينصتن إلى القصص المكررة التي تقصها متعلمات الخياطة ... اللائي يقال عنهن إنهن طائشات ... وكان الأولاد يترددون على محلات صناعة القباقيب الذي يصبح يوم الأحد حلاقا للذقن، أو إلى الحداد الذي يسقي الخمر للشاربين بعد أن ينتهي من عمله، ويستمعون فقط إلى حكايات الكبار عند الصيد والعمل. وكان لكل جنس منذ الطفولة انطباعاته، فالأولاد لهم أفكار حرة عن الصبر والانتخابات، وللبنات لغة الجنس وأسرار القلوب. وفي الأعياد الدينية ينتظم الأولاد والبنات في مجموعات تجوب أنحاء القرية بالمرور، مرددة دعاء للأهالي في عبارات مثل "صحة طيبة"، "سنة سعيدة" ويحصلون مقابل ذلك على بعض من قطع الحلوى والسكر. والأولاد والبنات أحيانا يمرحون خلف ما يتابعونه من قطيع، وهناك في الحقول بعيدا عن العيون المراقبة باستمرار تبدأ المداعبت بين الأولاد والبنات، أثناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 جني بعض الثمار ... وفي الوقت الحالي مثلما في الماضي تجمع الذكور والإناث أماكن وسط الحقول يلهون فيها ويبدءون أول مبادئ الإعجاب والعشق. 4- المشاركون في التنشئة: لقد كان في الماضي يعني بالرضيع أفراد مثل الجدة أو الأخت الأكبر أو إحدى الفتيات القريبات. وقد كان الأجداد يتكفلون بالطفل سواء كانوا يعيشون مع والديه بنفس المنزل أم لا، وبصحبة الجد أو الجدة يتدرب الطفل شيئا فشيئا على الحياة العائلية. وبصحبة الجد أو الجدة يجوب الطفل الحي بأكملة متنقلا بين بيوت الجيران والأقارب، ومن هنا يتعلم سلسلة الأنساب، ويتعلم أخلاق القرية، وفي أحيان أخرى يرافق الجدة إلى المقابر ذلك المكان الذي تحب أن تتردد عليه كبيرات السن. والأعمام في الغالب يتميزون باللطف مع الأطفال، وإن كان الأطفال يتمتعون بالقرب من الأجداد لأنهم يتيحوا لهم التحدث وتواصل الحوار عوضا عن الصمت والملاحظة التي يجب أن يتحلوا بها في حضرة آخرين. لقد كان الأجداد ليسوا هم المربون فقط بل هم الملاذ والملجأ من صرامة الآباء أو للإصلاح بين الآباء والأبناء، إنهم وسطاء طيبون. أما الأشخاص المراقبون والمؤنبون للطفل فهم كثيرون. فلقد كان المعلم يأتي إلى الآباء ليخبرهم بسلوكيات أطفالهم ومستواهم الدراسي بين حين وآخر. أما حارس الحقول الذي يقوم بدوريته كل يوم ليراقب تجاوز الحيوانات لحدود المراعي إلى مراعي أخرى. فلا يترك أي خطأ دون أن يتسبب على الأقل في تأنيب الأطفال الذين يجب أن يتابعوا الحيوانات. ولا تتهاون الكنيسة في متابعة الأطفال. وفي الوقت الحالي، إذا كانت الأمهات مشغولات بالعمل، فإن أول ما تطلب رعاية للطفل فإنها تطلب من والدة الأم أو والدة الأب أو من الأخت للأم أو الأخت للأب. وعموما فقد أصبح الوالدان يمارسان دورهما الأساسي في تربية الصغار والعناية بهم، وبذلك فقد استعاد الآباء مكانتهم التي أوكلوها لغيرهم في الماضي، في لطف وهدوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 والمفارقة أن الأجداد أصبحوا متسلحين بمقرعة، حتى يطيع الصغار تعاليمهم إلا أنهم غالبا ما يحضون الأطفال ويلاطفونهم في غياب الوالدين، ويظلون مدربي الطفل أثناء جولاتهم معهم داخل القرية وخارجها فيتعرفون على ملكية الأراضي وأوقات الزراعة وأخبار المتوفين السابقة أثناء زيارة قبورهم. ولقد تطورت فعالية المعلم بعد الشخص الصارم القاسي المراقب، بل أصبح يعتمد على الحوار مع الأطفال والإقناع، ويحدد التلاميذ مستوى ونوع العقاب الذي يجب أن يقع على أحدهم إذا أخطأ. والطريف أن المعلم لا يشذ عن القاعدة، فإذا نسي أن ينتعل خفيه قبل دخول الفصل فإن عليه مثلا أن يكرر قوله: "سألبس خفي" خمسين مرة. ويبدو أن الطريقة الجديدة بالمدارس لا ترضي الأهالى، إن أمر المدرسة وصل إلى أن إحدى المعلمات استغنت عن الكتب المدرسية ولم تعد تطلب من الأطفال أي واجبات مدرسية، لقد أصبح الاعتناء بكراسة جديدة يجمع فيها الطفل بشغف الوثائق وأحوال البيئة وظروف الطقس ودرجات حرارة الجو. ومن جهة نظر الآباء أنه ساء وضع المدارس، إذ إن الأطفال ما عادوا يتعلمون القراءة والكتابة والحساب. 5- المنتظر للأطفال: في الماضي كان المتوقع باستمرار تعلم الأطفال عن طريق الملاحظة فقط وليس هناك أي حوار، وما كان الآباء ينتظرون من المدرسة تلقين الأطفال المعارف، إنما ينتظرون أن تعودهم على أداب السلوك وتأكيدا على ما تعلموه من الملاحظة داخل الأسرة. ونتيجة تغير أسلوب المدارس في الضغط على الأطفال، رأى الأهالي أن في ذلك حرية شديدة، وينتظر الآباء أن ترقى المدارس بمنزلة الأطفال وتكسبهم مهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 أو حرفة، ويطلبون من المدارس تسهيل دمج الأطفال في حياة اجتماعية أكثر تفاعلا. 6- نتائج ومشكلات التنشئة: لم يزل الطفل من وجهة نظر الجدات، فاقدا لما يجب أن يكون عليه، وتستغرب الجدات من التساهل الذي أصبح مع الأطفال أثناء التعامل، وترك الصرامة لدرجة أن بعضهم رغم عطفهم الشديد على الأطفال يستعينون بمقرعة لتأديب بعض الأطفال المستهترين وهو أمر لم يكن شائعا في الماضي. إن الاستغناء عن بعض الكتب أصبح يثير أولياء الأمور. ولم يعد اليوم أحد من داخل المدرسة يمكن أن يأتي إلى أسرة الطفل ليخبرهم بسلوكياته وينظر الكبار إلى ذلك أنه سوف يزيد التسيب الأخلاقي لدى الأطفال ويؤدي إلى افتقادهم القدرة على التمييز بين الخير والشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الفصل الخامس: نحو نموذج للوالدية في التنشئة أولا: تفاعل الوالدين مع الأبناء من خلال نماذج وبحوث تبدأ الخطوات الأولى لتنشئة الأطفال داخل أسرهم، فالأسر هي الخلايا الأولى للمجتمع، وكل أسرة بيئة أساسية ترعى الطفل، وفيها تكون القوى المنبثقة التي توجه الطفل مع بداياته النامية في كافة المجالات النفسية للنمو. والقوى التي توجه الوالدين أثناء تنشئة الطفل وتؤثر على نموه بعضها يأتي من الأب وبعضها يأتي من الأم وبعضها يبدو من داخل الطفل، بالإضافة إلى قوى تأتي من محيطات خارجة عن كل هؤلاء. وقد اهتم Belsky بإعداد نموذج يأخذ في اعتباره كل هذه القوى وغيرها على افتراض أن تاريخ نمو الوالدين ينعكس على شخصية كل منهما بل يشكلها ويؤثر على علاقتهما بعضهما ببعض كزوجين ومستوى تفاعلهما مع الآخرين الذي في أدنى رتبة العزلة الاجتماعية Social Isllotion ونوع معاملة الطفل وخصاله، كل ذلك وغيره يؤثر على ذلك الطفل النامي. ويكون من المفيد استعراض هذا النموذج مع بعض الإضافات، حتى تظهر جملة العوامل المؤثرة على عملية التنشئة الوالدية للأطفال، والتي أطلق عليها محددات الوالدية Determinats of Parenting. وإذا كان Belsky لم يغفل العلاقات بين الزوجين "والدي الطفل" عند عرض نموذجه، فإن وظيفة الوالد وعمله وشبكة علاقات كل من الأب والأم، والوضع الأسري لكل منهما، متمثلا في مستوى اقتدار كل من أسرة الأب وأسرة الأم الذي ينطوي على الوضع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لكل من الأسرتين لا يجب أن تخفي من نموذج لمحددات الوالدية. والشكل التالي يوضح نموذجا مقترحا لمحددات الوالدية. ومن المعروف أن شخصية الوالدين يتم تشكيل كل منهما في ضوء التاريخ النمائي النفسي لكل منهما. ولقد جاءت البحوث بنتائج تشير إلى أن ارتفاع مستوى الثقة بالنفس لدى الأمهات ارتبط بالدفء في المعاملة للأبناء وتقبلهم ارتباطا موجبا، وجاء الارتباط سالبا مع الاستهجان، كما أن الأمهات المكتئبات تبدي استعدادا أعلى لبيئة رافضة للأطفال أو غير متقبلة لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ويشير Belsky إلى أن الأب الدافئ الحنون والمتفاعل مع أطفاله يأتي بأبناء يتوحدون معه ويعتبر نموذجا جيدا لهم بعكس الأب غير المتفاعل مع أطفاله. والزواج السعيد يضرب فيه الوالدن لأبنائهم المثل على ما ستكون عليه حياتهم الزوجية المستقبلية، ولا يأتي الطفل في الزواج التعس إلا نقمة غالبا على والديه وعلى نفسه، لأن كره أحد الزوجين للآخر لا يخفضه مجيء طفل لهما، وقد ينعكس الأمر على تصرفاتهما نحوه ومعاملتهما له، وبخاصة إذا جاء الطفل شبيها لأحدهما أو أحد أفراد أسرة أحدهما. إن الأمهات اللائي يشعرن بدفء منخفض وعاطفة متدنية نحو أزواجهن يملن إلى توبيخ أطفالهن والعلاقات الزواجية الطيبة ترتبط تلقائيا بمدح وثناء الأبناء، ومن ثم تقبلهم. وفي دراسة Sentrol وTracy اتضح أن الأطفال الذين يأتون من بيوت حدث فيها الطلاق كانت معاملتهم مختلفة تماما عن الأطفال الذين يأتون من بيوت تقليدية. كما أن العزلة الاجتماعية Social Isolotion وضيق شبكة العلاقات للوالدين يرتبط بالاختلال الوظيفي للوالدية، وهذا لا يعني أن الانفتاح المغالي فيه في شبكة العلاقات مع الأصدقاء والجيران ورفاق العمل يكون مفيدا دائما، والمسألة تعني على أكثر حد أن المساندة والمشاركة التي نلقاها من الأصدقاء أو الجيران أو الأقارب لها تأثير مفيد على العلاقة بين الوالدين والطفل. وتشير الدراسات إلى الارتباط الموجب بين العلاقات الاجتماعية وإحساس الأمهات بالكفاية عند رعاية أطفالهن، كما ارتبطت العلاقات الاجتماعية بتجنب عقاب الأطفال وتقييد حرياتهم. ولا ينكر النموذج المقترح الحالي أخذ متغير عمل الأم ووظيفتها في الاعتبار مثلما اهتم به Belsky فعمل الأم غالبا يؤثر على مسئوليات العناية بالأطفال، ويعد من العوامل المسهمة في صراع الدور لدى الأمهات، وإن كانت الدراسات قد تعارضت في تأثير عمل الأم على رعاية الأبناء. فقد انتهت "ممدوحة سلامة" من دراسة مشيرة إلى أن عمل الأم لا يثير تعارضا مع مطالب وحاجات الطفل، ولا يؤثر على علاقة الوالدين بالطفل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وتأتي دراسة "كاميليا عبد الفتاح" مستخلصة أن أبناء الأمهات المشتغلات أكثر نضجا انفعاليا من أبناء غير المشتغلات، كما أن الأمهات المشتغلات أكثر ميلا إلى إعطاء الأطفال فرص الاستقلالية والتعبير عن الذات، بالإضافة إلى الإقبال بلهفة على الأطفال لتعويض الوقت الذي ابتعدت فيه عنهم بينما نجد الأم غير المشتغلة شاعرة بالتعب والملل من أطفالها الذي تقضي معهم معظم ساعات اليوم مما يجعلها أقرب إلى استخدام الزجر والعنف معهم. وتحدد بثينة قنديل عدد الساعات بخمس الذي بعده يقل تكيف الأبناء إذا زاد غياب الأم بعيدا عن طفلها يوميا، وتوجه الانتباه إلى نتيجة فحواها أن أبناء الأمهات المشتغلات أكثر طموحا من أبناء غير المشتغلات. وقد جاءت دراسة Getta et al. معلنة أن الأمهات المشتغلات يشجعن أطفالهن على التعبير بحرية عن مشاعرهم. وعند مراجعة Hoffman لعدد من الدراسات عن تأثير عمل الأم انتهى إلى أن عمل الأم يؤثر على حالتها الانفعالية وبالتالي يؤثر على تفاعلها مع الأطفال ويتبعه حرمان انفعالي وعقلي للطفل ويبدو نفس التوجه لدى Balsky عن الإشارة إلى أن عمل الأم يؤثر في كل من كيفية وكمية سلوكها الأمومي المفترق تجاه طفلها. ويبدو أن عمل الأم لا بد أن يترك آثاره على شخصية الأبناء من خلال كيفية التعامل معهم وكميته والذي يتأثر بنوع وظيفة الأم والمهام الوظيفية الملقاة على عاتقها، وإن كانت تنشئة الأبناء دالة أيضا لمكانة الأب الوظيفية بل ونوع الوظيفة. وتبدو العلاقات التبادلية بين كل من شخصية الوالدين ووظائفهم من جانب والعلاقات بين الزوجين "الوالدين" من جانب آخر، وينصب الأمر في النهاية على أساليب يعامل بها الأطفال من قبل الوالدين في ضوء قدرتها على تفعيل الدور الوالدي. ولإيضاح معنى القدرة على تفعيل الدور الوالدي، دعنا نشبه الأسرة بمنضدة لها ثلاثة أرجل لا تستوي إلا باستقامة دعائمها الثلاث "الأب، الأم، الطفل". فالطفل بحاجة إلى أبيه وأمه، وكل من الأم والأب بحاجة إلى الآخر كي يقدما للطفل ما يدعم حاجاته وقبل كل شيء تحتاج الأم إلى إحساس بمشاركة الأب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وعيشه معها وتفضيل الرعاية التي تقدمها للطفل. وبذلك تنساب العلاقة القائمة بينهما كزوجين وبينهما وبين الطفل، وهنا يظهر التفعيل للدور الوالدي، الذي يعد غياب الطفل بالنسبة لهذا الدور الوالدي بمثابة كمون لهذ الدور وعدم تفعيل له. ولما كانت الأم هي من يقدم الطفل لأبيه، يصبح من الأفضل أن تهتم بالرضيع أثناء وجود الأب في المنزل، وتحت نظره، ولا مانع من تعاونه بدلا من الإسراع للقيام بهذا الدور قبل حضور الأب إلى المنزل، وإذا كان من المفيد طلب الأم مساعدة الاب أثناء قيامها بمهامها تجاه الطفل، فإن ذلك يجب أن يكون حسب رغبة الأب، إذ ينبغي قبل كل شيء احترام رغباته، فالآباء يختلفون فهناك من يتملكهم الإحساس بأنهم أقدر من زوجاتهم فنجدهم يفضلون التدخل في كل كبيرة وصغيرة. وإذا لم تتفهم الأم ذلك فإن الأمر يعوق تفعيل الدور الوالدي، وأفضل وسيلة لتحقيق التفعيل المطلوب أن يساعد الأب زوجته على رعاية الطفل من غير سحقها أو إزالة معالمها كأم. إن الطفل يتعرف أولا على الأم وعذوبتها وحنانها، وهذا ما يمكنه لاحقا من التعرف على صفاتها الأخرى كالقسوة والحزم التي تتراكم من خلاله صور ذهنية عند الطفل، وهذه الصور هي التي تشكل المنطلق الرئيسي لدخول الأم عالم الطفل على امتداد مراحل طفولته، باعتبار الأب هو القوى، الموقر، الذي يستطيع دفع الطفل إلى احترام القواعد وتعاليم المجتمع وتقبل التقاليد. وعندما يدخل الأب في حياة الطفل، يحول هذا الأخير بعض المشاعر التي أحس بها سابقا تجاه بعض صفات الأم كالحزم والقسوة ... إليه كأب وهذه ما يريح الأم إذ تتخلص من بعض الأعباء فيمكنها التفرغ لمسئولياتها الأخرى. إن وجود الأب ضروري جدا في المنزل كي تحس الأم بالسعادة، والطفل حساس جدا تجاه هذا التفاهم والتناغم بين الوالدين. والود بين الأب والأم يشكل واقعا صلبا يبني الطفل حوله العديد من الإيهامات. إن ضرورة وجود الأب إلى جانب الأم تكمن في ذلك الدعم المادي والمعنوي الذي يقدمه لها فيساعدها على دعم سلطتها تجاه الطفل بفضل تجسيده للقانون والنظام اللذين تدخلهما الأم في حياة الطفل. ودعم الأب للأم لا يتطلب منه حضورا دائما في المنزل بل يحتاج إلى وجوده الرمزي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 ويساعد وجود الأب في المنزل "إلى جانب الأم" الطفل في اختباره ومن ثم عيشه للمشاعر المتناقضة التي تتجاذبه فيتمكن بذلك من الاستمرار بحب أحدهما كي يكره الآخر "والعكس صحيح"، بينما يضطره غياب أبيه عن ساحة نموه لتوجيه مختلف المشاعر المتناقضة والمتجاوبة في ناحية الشخص نفسه، وهذا ما يثير الغموض بداخله. كما أن ذلك يصعب على الأم مهمتها إذ يستحيل عليها تمثيل صورة الحنان والحب إلى جانب الحزم والمنع والقسوة عند الاقتضاء. إن ضرورة وجود الأب تنطلق من صفاته الإيجابية والعناصر المميزة له كذكر راشد يختلف عن الأم كأنثى كما يختلف عن باقي الراشدين الذكور بسبب وضعه الخاص بالنسبة للطفل وإحساس هذا الطفل بقوة شخصية الأب. وعندما يتقبل الوالدان معا مسئولية رعاية طفلهما، فإن ذلك يشكل أرضا خصبة لبناء منزل سعيد، قائم على التفاهم تتذلل فيه الصعوبات بصور تلقائية. وللوسط أو الطبقة الذي يعيش فيه الوالدان والطفل دور جوهري في الطريقة التي يتفاعل بها كل نحو الآخر، ففروق الطبقات الاجتماعية والاقتصادية تعلن عن اختلافات في مستويات وأساليب التنشئة. فلقد اتضح أن الأسر من الطبقة المتوسطة أكثر شدة وقسوة من أسر الطبقة الفقيرة في تدريب أطفالهم على النظافة والغذاء ويعتمد أمهات الطبقة الفقيرة على العقاب البدني والصياح عند محاولة ضبط الطفل. ويدرك أبناء الأسر ذات المستوى الاجتماعي الاقتصادي المرتفع أن آباءهم مبتعدون عن فرض القيود والنشاط. ويعد وضع أسرة كل من الوالد والوالدة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا مهما في توجيه الأطفال وإرشادهم والرغبة في مشاهدتهم على نحو مماثل أو أعلى باستمرار وفي الوقت الذي يحاول فيه أبناء الطبقات الراقية الحفاظ على أطفالهم في نفس المستوى، نجد أبناء الطبقات المتوسطة والمنخفضة يسعون جاهدين للارتقاء بمستوى أطفالهم، وينعكس ذلك على توجيهاتهم لأطفالهم وأساليب معاملتهم في ضوء ما لديهم من مستوى اقتدار. وإذا كان المتوقع أن تترك جملة العوامل أو القوى آثارها على تنشئة الأطفال فلا يجب أن نغفل خصال Child Charactirstices ذلك الطفل النامي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ومن أهم خصال الطفل حالته المزاجية التي تجعل الوالدين أكثر أو أقل شدة في المعاملة. فيشير Belsky إلى أن Batcy توصلت إلى أن المزاج المتقلب وخاصة في فترة الرضاعة يمكن أن يفوض الأداء الوالدي أو يعوقه. في الوقت الذي نجد فيه أن وسامة الطفل أو ذكاءه يمكن أن يجعل الوالدين أكثر حماية أو اهتماما زائدا بطفلهم. ويعد جنس الطفل أيضا من الخصال ذات الأهمية، ففي الوقت الذي يشعر فيه الأبناء الذكور أنهم يعاقبون أكثر، ترى البنات الإناث أن أمهاتهن تراعيهن بدرجة أعلى. ونجد أيضا في بعض المجتمعات العربية مكانة الذكور الواضحة عن الإناث وبخاصة قرب الطفولة المتأخرة وما بعدها. كما أن تكوين الطفل الجسدي وصحته الجسمية ومدى إعاقته تجعل الوالدين يتخذون توجهات معينة نحو تنشئته أو معاملته وتوقف الأمر في كل الأحوال على حجم أسرة الطفل وترتيبه الميلادي بين الإخوة والأخوات. وهناك على أي حال نماذج نظرية لوصف سلوك الوالدين مع أبنائهما ربما كان من المفيد تناولها في الجزء القادم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ثانيا: الأساليب الوالدية في معاملة الأبناء هناك عدد من النماذج النظرية التي تصف سلوك الوالدين في معاملة الأبناء فلقد قدم Symonds نموذجا اشتمل على بعدين قطبيين، وذلك في عام 1939 أحدهما يعتبر أن "تقبل الابن" من جانب الوالد أو الوالدة يقابله أو ضده "رفض الابن" من جانب الوالد أو الوالدة، والثاني "السيطرة على الابن" من جانب الوالد أو الوالدة يكون ضده "الخضوع للابن" أي لطلباته وأغراضه وأوامره وبذلك فإن البعدين تبعا لهذا النموذج هما: التقبل - الرفض، السيطرة - الخضوع وفي عام 1959 ظهر نموذج Scheafer et al. لسلوك الوالدين في معاملة الأبناء على النحو التالي: الاستقلال - الضبط: Aut nomy vs Control الحب - العداء Love vs Hostility الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وقد ذكر البعدان السابقان بمسميات أخرى على النحو التالي: التسامح - التقييد Permissiveness Vs Restrictiveness القبول - الرفض Acceptance vs Rejection وقد ذكر أيضا في هذا النموذج بعض من مسميات أساليب المعاملة بين محاور هذه العوامل القطبية يوضحها الشكل التالي: ولقد عرض Backer نموذجا مقترحا ثلاثي البعد لسلوك الوالدين في معاملة الأبناء عام 1969 جاءت أبعاده الثلاثة على النحو التالي: الدفء - العداء، التشدد - التسامح، الاندماج القلق - الحياد الهادئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وافترض بين هذه الأبعاد الثلاثة أساليب متدرجة للمعاملة يوضحها الشكل الآتي: أما الباحثة Baumrind فقد توصلت إلى أربع طرق يعامل بها الآباء أطفالهم هي: الالتزام بالضبط الوالدي Parental Control مراعاة مطالب النضج Maturity Demends التواصل بين الوالدين والطفل Communication الدفء الوالدي "عطف وحنان" Narturacne وقد انتهت نفس الباحثة في عام 1971 من مراجعة دراستها في ضوء دراسة أخرى وركزت على ثلاثة أساليب يعامل بها الأطفال من قبل الوالدين، وأضافت إليهم فيما بعد أسلوبا رابعا: الحزم، التسامح Permissive، التسلط Authoritative، الانسجام Harmony الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وإذا كانت هناك أساليب للمعاملة الوالديه تمارس مع الأبناء، قد حاولت الدراسات استكشافها، فإن التباين شبه الظاهر يوحي بوجود أنماط وأساليب لا تمارس على وتيرة واحدة خلال مراحل نمو الأطفال، ولا يمكن القول باستقلاليتها، وغالبا تختلف مستوياتها باختلاف المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للأسر. فإذا ارتضينا التقبل أو دفء المعاملة أسلوبا في ضوء ما سبق، ننتظر تأثير هذا الأسلوب على انتماء الطفل للجماعات والاندماج مع الآخرين ومن ثم استدخاله للقيم والمعايير كما أن جحود الوالدين أو أحدهما مع الطفل يفقده لجزء من الأمن ويتعلم الأنانية بالإضافة إلى افتقاد جزء من القدرة على التوافق العام. ويكتسب أسلوب دفء المعاملة أهميته والرفض أو الجحود من قبل الوالدين خطورته كما يشير park, Hetherington في أن الطفل يحاول تجنب التفاعل مع والديه الجحودين كلما تمكن مما يقلل من دور والديه في تنشئته، بالإضافة إلى توهج الغضب والعدوان الذي لا يستطيع الطفل توجيهه إلى والديه فيزيحه إلى الآخرين. ويعد الضبط الوالدي الذي يقابل الاستقلال من أساليب المعاملة التي كشف عنها كل من Scheefer , Becker وفيه يمارس الأب أو الأم سلوكيات تغير السلوك النامي للطفل وتكف عن ميوله، ويصل الضبط إلى الصرامة حينما يضع الوالدان قواعد ويطلبان من الطفل الالتزام بها، وإذا لم يؤكدا على الالتزام بها يقال إن الضبط لين. ويختلف ذلك عن الحماية الزائدة التي تعتني بالطفل في جميع أوقاته لتقدم كل ما يرغب لتهدئته. وترى Baumrind أن الوالدين يحاولان تشكيل أطفالهما، فيكبحان إرادة الطفل ويبخلان بتشجيع الطفل على ممارسة جزء من حريته تحت رعايتهما، وفي ذلك يكون الوالدان على مسار التسلط الوالدي Firm Discipline. ويستخدم بعض الآباء أشكالا مختلفة من العقاب تتباين بين الكره الحقيقي إلى ممارسة الضرب أو النقد والتوبيخ وأحيانا سحب الامتيازات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ويذكر Bordizinsky et al. أن الأبناء الذين كان عقابهم بقسوة من قبل الوالدين أصبحوا عدوانيين مع غيرهم من الأطفال وأيضا مع المعلمين، وينتظر من الأطفال الذكور الذين تمت ممارسة القسوة عند عقابهم أن يصبحوا منحرفين أو لهم سلوكيات مضادة لمجتمعهم حينما ينخرطون في المراهقة. وعلى أي حال فإن أي شكل من الأشكال القاسية والعنيفة في التعامل مع الطفل يعد سوءا لمعاملة الطفل Child Abuse. فالعقاب البدني القاسي بإفراط وإهمال الطفل يعتبر من قبيل سوء المعاملة التي عند استمرارها مع الصغير تجعله يبدو له وجه عجوز عند مقارنته بمن هم في مثل سنه من الأطفال، ولا يخفى أنه من الصعب تحديد عدد الأطفال العرب الذين يعانون من سوء معاملة والديهم، وأشكال هذا السوء للمعاملة. والوالد المسيء لطفله بإفراط يمكن أن يكون والدا مريضا ويحتاج إلى علاج نفسي، ومن سماته الأكثر وضوحا في الغالب الذهانية ويذكر Bark وCollmer أن الدراسات انتهت إلى أن الوالد المسيء في أغلب الأحوال أسيئت معاملته وهو طفل، فهذا الأب حينما كان طفلا كان أمامه نموذج مسيء له، والاحتمال الأعظم أن يكون قد امتص معاييره وطريقته. وهذا ما دفع Belsky إلى ذكر أهمية دراسة تاريخ نمو الوالد المسيء، نظرا لإمكانية أن يكون تاريخ النمو النفسي للوالدين أو أحدهما سببا في سوء معاملة الأبناء. ولا يجب أن نكون في معزل عن خصائص المجتمع الذي يعيش فيه أولياء الأمور المتسمون بالعنف وسوء معاملة الأبناء. فالعنف السائد في المجتمع، والذي يظهر بين أفراده أو على شاشات التلفزيون أو عبر وسائل الإعلام الأخرى يمكن أن يعلم الأبناء والآباء أن العنف وسيلة مقبولة لحل المشكلات. ولقد ظهر أن الوالدين المسيئين إلى أطفالهما، لديهما ممارسات قليلة من التفاعلات اللفظية مع هؤلاء الأطفال بالإضافة إلى أنهم ليسوا متسقين معهم في التعامل. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الطفل ذاته وخصائص شخصيته أحيانا تكون من أسباب معاملته معاملة سيئة من قبل الوالدين أو أحدهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ويعد عدم الاتساق في المعاملة في المعاملة Inconsistence مع الطفل سببا في ممارسة هذا الطفل لسلوك ضد المجتمع Antil Social Behavior مثل العدوان، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية التي تبدو عليه. والواقع أن الإكثار من ترهيب الطفل وتهديده على كل صغيرة وكبيرة من أشد العوامل خطورة على بنائه النفسي. كما ان التحقير والاستهزاء به أو إشعاره باختلافه عن بقية إخوته، هي أساليب للمعاملة سوف تترك آثارها فيما بعد عليه. ولكن الحزم من أنسب الأساليب التي تحقق جزءا من الصحة النفسية للأطفال، ويترتب عليه غالبا أطفال وكبار مستقبلا لهم شخصيات متزنة، قادرة على تقييم الأمور بموضوعية ومتقبلة ذواتها إلى حد بعيد. وربما ينكر شخص الحديث عن دفء الأبوين أو حنانهما بحجة أن هذا الحنان أمر طبيعي فيهما، ولكن ما يحدث من البعض من غلظة وجحود يوجب النصح والإرشاد ويمحو العجب والإنكار، إن هذا يحدث وحدث بالفعل منذ القدم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أبصر الأقرع بن حابس رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل الحسن والحسين، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يَرحم لا يُرحم". وإذا كان علماء النفس يرشدون إلى عدم نهر الطفل لأن ذلك يؤثر على شخصيته نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلى ذلك. فعن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء أو الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال "راوي الحديث": إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت في سجودي فلما قضى الرسول صلى الله عليه وسلم قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني الصلاة سجدة قد أطلتها فظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 إن في عمل الرسول هذا تهذيبا لطباع شرسة، ويحد بذلك من تنطع مقيت، فإصلاح نفس الطفل وإدخال السرور على قلبه أمور هامة في المعاملة. إن الله الرحيم ليقبل الصلاة التي يشغل فيها صاحبها بالحدب على طفل، وربما لا يقبل الصلاة التي توصد حول مؤديها الأبواب والحجب، وينهر من أجلها الأطفال أو يضربون خشية أن تبطل كما يزعمون. إن الآباء الذين يشكون من فساد أولادهم بعد كبرهم، ليس لهم إبداء ضيق أو برم -فعلى نفسها جنت براقش- فهم الذين أرخوا لهم بحجة العطف والحنان، بدافع الحب المفرط. إن الإسلام دين الوسط والاعتدال يجب على الوالدين أن يسلكا في ضوئه مع أولادهما نهجا وسطا، ليس فيه حماية زائدة أو تدليل أو تسلط أو تصلب أو تحقير، بل إن الأمر دفء في غير ضعف وحزم في غير شدة. والذي يقرأ قصة سيدنا يوسف عليه السلام أو قصة سيدنا إبراهيم أو سيدنا شعيب عليهما السلام يلتمس تنبيها إلى صورة حية واقعية، كان فيها الحوار بين الآباء والأولاد وليس التسلط والتصلب بل لغة الإقناع، وكان فيها أيضا تقدير رأي الولد بما يبعث الثقة بالنفس وتقدير الذات. يقول الله تعالى في سورة يوسف عليه السلام: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ، ويقول الله في شأن إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} . وإذا كان الثواب مهما بالنسبة للأطفال، فعقاب الطفل إذا أهمل أو جنح إلى الخطأ مباح أيضا استنادا إلى إباحة الإسلام ضربه على ترك الصلاة عند بلوغه عشر سنين، ولكن هذا العقاب المباح أمر بالغ الحساسية على الأخطاء الأخرى التي ترتكب من الأطفال، ولا ننسى ما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وإذا كانت هناك تباينات واضحة توصلت إليها البحوث بخصوص أبعاد أو أساليب المعاملة الوالدية وانعكاساتها على الأطفال، فإنه في ضوء كل ما سبق وفي ضوء ديننا الإسلامي يمكن تصور أساليب للمعاملة لا يمكن القول بأنها مستقلة في شكل أبعاد على النحو التالي: 1- التقبل "الدفء" - الرفض "الجحود" Ingratitude إن دفء المعاملة يتمثل في السعي إلى مشاركة الطفل، والتعبير الظاهر عن حبه وتقدير رأيه وإنجازاته والتجاوب معه والتقارب منه من خلال حسن الحديث إليه والفخر المعقول بتصرفاته ومداعبته بالإضافة إلى رعايته، واستخدام لغة الحوار والشرح لإقناعه، أو توضيح الأمور له مع البعد عن الاستياء منه والغضب من تصرفاته والضيق بأفعاله وإشعاره بعدم الرغبة فيه والميل غلى انتقاده وبخس قدراته وعدم التمتع بصحبته وظهور النفور من وجوده. عيوب القطب السالب لهذا الأسلوب: يؤدي اتباع الرفض والجحود للطفل، إلى صعوبة في بناء شخصية مستقلة نتيجة شعوره بالرفض، كما أنه يكره السلطة الوالدية وينسحب شعوره بهذا إلى معارضة السلطة الخارجية. وغالبا ما يصبح هذا الطفل متمردا في المستقبل متسلطا ولديه شعور بالنقص. 2- الاستقلال - الضبط "التحكم" هو منح الطفل قدرا من الحرية لينظم سلوكه، دون دفع السلوك للطفل في اتجاهات محددة أو كف ميوله من خلال قواعد ونظم يطلب منه الالتزام بها ويشجع على ممارستها دون مراعاة لرغبات الطفل أو دون تزويده بمعلومات عن نتائج سلوكه. عيوب القطب السالب لهذا الأسلوب: يؤدي اتباع التحكم والسيطرة من قبل الوالدين، إلى الكف عن التعبير الصريح عن الرأي والتردد في اتخاذ القرار وصعوبة معرفة الصواب والخطأ، وفي الأغلب تكون شخصية الطفل أميل إلى العصابية وعدم الاتزان الوجداني مستقبلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 3- الحماية الزائدة - الإهمال هي المغالاة في المحافظة على الطفل والخوف عليه لدرجة مفرطة ليس في أوقات المرض فحسب بل في أوقات التغذية والنظافة واللعب وممارسة المهام التي يكلف بها. عيوب هذا الأسلوب: للحماية الزائدة مضارها المتمثلة في خشية الطفل من اقتحام المواقف، وانخفاض مستوى الجرأة، وعدم الاعتماد على النفس، كما أن للإهمال عواقبه على الطفل مثل التبلد وعدم الانتماء بالإضافة إلى تكوين فكرة سيئة عن الحياة الأسرية. 4- الديموقراطية - التسلط البعد عن فرض النظام الصارم Firm Discipline على الطفل أو كبح إرادته من قبل الوالدين معتمدين على سلطتهما وقوتهما ومقيمين سلوك الطفل وفقا لمعايير مطلقة محددة للسلوك ومنتظرين دائما الطاعة من قبله عند فرض رأيهما عليه، وإجباره على التصرف بما يرضي رغبتهما. عيوب القطب السالب لهذا الأسلوب: غالبا ما يمارس الطفل نفس الأسلوب عندما يكبر، ويبعد عن التعبير عن رأيه وينخفض مستوى مفهوم الذات لدى الذين يعاملون بهذا الأسلوب، بالإضافة إلى تقلب انفعالاتهم والعزلة. 5- التدليل - القسوة Cruelty التراخي والتهاون في معاملة الطفل وعدم توجيهه لتحمل المسئوليات والمهام التي تتناسب ومرحلته العمرية، مع إتاحة إشباع حاجاته في الوقت الذي يريده هو. عيوب هذا الأسلوب: مع التدليل يشعر الطفل بالغرور وإصابته بالإحباط لأتفه المواقف الصعبة ومع القسوة قد ينطوي على نفسه وينسحب من المواقف الاجتماعية ويتولد لديه شعور بالنقص وشعور حاد بالذنب وكره السلطة والعدائية مع الأطفال الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 6- الإثابي - العقابي Parental Reware and Punishment ما يجنيه الطفل كمعزز لتقوى أو تبقى أو تكتسب سلوكيات معينة كالإثابة الأولية "طعام أو شراب ... " أو الإثابة الموضوعية "لعب أو مال ... " أو الإثابة النشاطية "الخروج والنزهة ... " أو الإثابة الاجتماعية "ابتسامة أو إيماءة ... " مقابل ما يوجهه الوالد من ألم جسمي أو نقد لفظي أو توبيخ أو استهجان أو تخفيض في الامتيازات الممنوحة للطفل. فعالية هذا الأسلوب: هناك أدلة مؤداها أن الطفل يتعلم أسرع إذا تلقى كلا من الثواب والعقاب، فالإثابة تعلمه ما ينبغي أن يعلمه، والعقاب يعلمه ما لا ينبغي أن يمارسه. وإحاطة الطفل بالنوعين لها فائدة أكبر عما لو اعتمد على الثواب فقط أو العقاب فقط. 7- التذبذب Irresolution- اتساق المعاملة عدم ثبات الوالدين أو حيرتهما في نظامهما الذي يتعاملان به مع الطفل في المواقف نفسها وتناقض أسلوبهما عند مقارنة أسلوب معاملة كل منهما بالآخر أو داخل أسلوب الوالد الواحد تجاه نفس السلوك الصادر من الطفل أو شبيه هذا السلوك. عيوب القطب السالب لهذا الأسلوب: يجد الطفل صعوبة في معرفة الإيجابات والسلبيات، يكون غالبا مترددا ومتشائما ولا يصلح للقيادة ومنخفض الاتزان الوجداني، ويمارس السلوك ضد الاجتماعي. 8- الحزم - لا مبالاة إقامة ضبط متزن على الطفل يتضمن تنبيهه إلى أخطائه وحثه على الوصول إلى نماذج ناضجة من السلوك مع توضيح الأشكال السلوكية غير المقبولة في جو من الحب وتقدير الرغبة بالإضافة إلى تشجيعه على التحاور وإبداء رؤيته. عيوب القطب السالب لهذا الأسلوب: التسيب في أداء الأعمال، ممارسة التخريب وألعاب العنف. رفض النظام. ولا يمنع الأطفال عند هذه المعاملة من الضبط الذاتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 9- التفرقة - المساواة التفضيل والاهتمام بأحد أو بعض الأبناء عن طريق الحب أو المساعدة والعطاء أو منح السلطة أو التمتع بمزايا دون اكتراث بمشاعر الأبناء الآخرين. عيوب القطب السالب لهذا الأسلوب: الغيرة والخوف من المستقبل والأنانية بالإضافة إلى فقدان الثقة بالآخرين. 10- الاعتزاز التقدير - الاستهزاء "التحقير" الثناء على الطفل وإظهار بأنه محل إعجاب وتقدير مع البعد عن خداعه أو الاستخفاف بتصرفاته وأفعاله وقدراته وانفعالاته وإنجازاته. عيوب القطب السالب لهذا الأسلوب: انخفاض مستوى القطب بالنفس وبالتالي انخفاض مفهوم الذات وضعف الولاء للأسرة والشعور بالإحباط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الفصل السادس: الوالدان كأجزاء من مشاكل تنشئة الأطفال وأجزاء من الحلول أولا: إعطاء الطفل الانطلاقة الأولى ... الغصل السادس: الوالدان كجزء من مشاكل تنشئة الأطفال وأجزاء من الحلول أولا: إعطاء الطفل الانطلاقة الأولى ليس هناك ما يضير في أننا نريد أن ندفع الطفل الدفعة الأولى، ومع هذا لن يفيد أن نكون آباء "مثيرين" أو أن نرغم الطفل على فعل شيء قبل أن يكون مستعدا له، أو أن نغمره بالتعليمات خلال اليوم مما يقيد حرية الطفل وإحساسه بالحياة الهادئة. وبينما الآباء يكافحون في هذه الورطة راغبين أن يعطوا طفلهم كل ميزة مشيرية كل شيء أمامه، فمع ذلك لا يريدون أن يضغطوا عليه أو يدفعوه أكثر من اللازم، فلا توجد ورطة حقيقية إذا وصل إلينا المعنى الحقيقي للانطلاقة الأولى. إعطاء الانطلاقة الأولى يعني ببساطة تعليم الطفل شيئا قبل أن يتعلمه بنفسه عن طريق البيئة الطبيعية المحيطة به. على سبيل المثال: فترة ما قبل المدرسة لا تعلم الطفل غالبا القراءة أو الحساب أو الكتابة أو السباحة أو العزف على آلة موسيقية أو الأمور الاجتماعية، وتكوين الأصدقاء، والعثور على الصحبة الجيدة، أو الإنصات إلى المدرس والتوافق مع الآخرين. ومع ذلك فالأطفال يكونون مستعدين نفسيا وعقليا للقراءة أو الموسيقى أو الحساب ... إلخ. ولكي نستمتع بذلك في سنوات ما قبل المدرسة فإننا نعطيهم الدفعة الأولى إذا بدأنا بتعليمهم في هذه السن المبكرة "الانطلاقة الاولى" إن الطبيعة الأولى إذا بدأنا بتعليمهم في هذه السن المبكرة "الانطلاقة الأولى" إن الطبيعة والبيئة المحيطة لا تسمح بتعليم الطفل ذلك في الوقت الذي يكون فيه غير مستعد للتعلم والتلقين، ولأسباب معينة فهو ينتظر، إذن فالمهم هو ليس أن نجعل الطفل أرفع مقاما وأعلى منزلة من الأطفال الآخرين، بل نجعل حياته مليئة بالحرية والسعادة. لا تخف على طفلك من أن يلتحق مبكرا بفصول تعليمية، لكن إذا لم يرق له ذلك بعد حضوره عددا من المرات، فليس من العدل أن يستمر أو نرغمه على الحضور، ومن الأفضل إيجاد النشاطات التي تشعره بالمتعة والمعلم الذي يرتاح إليه. فالطفل سيتحدى نفسه ويحاول أن يحرز تقدما في الأشياء الغامضة بالنسبة له ولن يكون هناك داع لأن ندفعه الآن بل على العكس ما سوف نفعله هو أن نحاول إخراجه من حمام السباحة أو إبعاده قليلا عن الكمبيوتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 لا يوجد شيء سليم أو غير سليم بخصوص توجيه الطفل وإرشاده وتعليمه القراءة في هذه السن الصغيرة، إن هذا يتوقف على رغبة الطفل واستعداده فلا يجب أن نمنع الطفل من تعليم القراءة أو السباحة إذا امتنع مرة عن قبولها فيجب البحث عن طريقة أكثر تشويقا لذلك. تقول إحدى الأمهات: لقد اعتقدت أن من المهم لطفلي أن يتعلم القراءة في فترة ما قبل المدرسة لسببين: الأول: أني ظننت أنه قد يستمتع بها عندما يصل إلى الدرجة التي يستخدمها كقراءة الكتب المحببة إليه، ثانيا: إن ذلك قد يعطيه الانطلاقة الأولى في المدرسة فيكون مستعدا بدرجة أكبر للتعليم عن أقرانه. ومع ذلك فأنا أعلم أنني لو ألقيت إليه بمجموعة من الحروف ودربته عليها فسيصيبه ذلك بالملل، وبدلا من هذا فأنا أعلمه ذلك من خلال القصص وعندما أكون في الحديقة أو أثناء اللعب سأفعل ذلك قليلا هنا وقليلا هناك، وأتوقف عندما يفقد الرغبة في ذلك، ودائما ما أستمد الأشياء الطبيعية الممتعة ليتعلم بها أثناء القراءة، ويجب أن أتوقف أثناء القراءة وأسأله عن هذا الحرف وكيفية نطقه "هذا شيء عظيم برافو" هكذا نقول له إذا أجاب جيدا، أو أنها هـ" إذا لم يعرف ثم أستمر في القراءة وأتوقف ثانية عند نفس الحرف أو حرف آخر وعندما يحرز تقدما فسوف يتعرف على الحروف في الشوارع والحدائق وفي التلفزيون وبعد محاولة ربط الحروف بالكلمات المعروفة "ماما، باب، لعبة ... إلخ" سنجده يتمتع بمعرفتها وسيسأل إذا لم يعرف حرفا يريد أن يعرفه، والشيء المهم هو ألا تتعجل أو تندفع لطلب شيء يفعله إلا إذا كان مستمتعا بذلك أو نتوقف إذا فقد الرغبة. إن هذه هي الانطلاقة الأولى لأنها توسع مدارك الطفل وتثري حياته، فليس من مصلحة الطفل إرغامه لأنه سوف يكره القراءة ويزيد ذلك سلوكه الاعتراضي للهروب منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ثانيا: أفضل التوقعات إننا نريد لأطفالنا أن يكونوا أذكياء، وذوي دين، رياضيين، واجتماعيين، وكل هذا طبعا شيء جميل، لكن يجب علينا أن نكون حريصين في أن نتسائل ماذا نريد؟ وماذا نتوقع، وماذا يطلب من طفلنا؟ وهل هذا مفيد له أم لا؟ معظم الآباء تصيبهم الحساسية بخصوص ضعف معين فيهم ويتوقعون "أو يأمرون" أطفالهم بأن يكونوا على قدر من المهارة والقوة فيما افتقدوه. فعندما تكون سمينا سوف تزداد حساسيتك بالنسبة لوزن طفلك، وماذا يأكل، أما إذا كنت من محبي الجلوس على المقاعد فسوف يدفعك هذا لأن تنتظر من الطفل ممارسات رياضية فوق العادة. فلا بد أن نكون على دراية بأن مشكلتنا تتضح في مثل هذه المواقف، فليس من الضروري أن يكون الطفل بطلا رياضيا أو قويا فوق العادة. ونحن نظل نعلم أبناءنا في هذا المجال لنساعدهم على التقدم، ويمكن أن يكون عندنا التوقعات ونساعد أطفالنا على تحقيقها، لكن يجب أن يكون هناك حدود لتلك التوقعات، ولا يجب أن نصاب بالإحباط إذا لم تحدث، فيجب أن نساعد الطفل على التعلم بالطرق السليمة مع إحساسه بالاستمتاع بها بدلا من دفعه وإرغامه على كل فعل، والمزيد مما نريده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ثالثا: المنافسة مع الآباء الآخرين عندما نرزق بأول طفل فإننا نراقبه كظله ونقارن بينه وبين الأطفال الآخرين، وبيننا وبين الآباء الآخرين، بل ونشعر بالخوف والفزع عندما نرى غيرنا من الآباء الآخرين يفعلون أشياء قد تبدو مفيدة لا نفعلها نحن ثم سرعان ما نكتشف كم من الحماقة أن نتنافس مع الآباء الآخرين. إنك سترى الأطفال دائما أزكى من طفلك وأكثر طاعة ولا يستخدمون تلك الكلمات الساذجة بل يتحدثون ثلاث لغات، أو يقومون بعمل العمليات الحسابية عندما يبلغون أربع سنوات، ولأنك تحكم على نفسك وعلى طفلك من هذا المنطلق وبهذه الطريقة فستخسر دائما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وإذا رأيت أبا لديه طريقة ناجحة لتعليم طفله السباحة فلتسأله عنها وتحاول تطبيقها فلن يجدي أن تشعر بالغيرة منهم. إننا نتذكر مرات كثيرة قمنا فيها بالخروج مع عائلات أخرى رأينا فيها كيف أن الآباء في منتهى الرقة عند إطعام أطفالهم، وقد أظهروا العديد من الطرق لجعل الطفل يضحك ويأكل كما لو كان هذا درسا في التربية للطفل، ونحن لا نستطيع عمل شيء، فمن الطبيعي أن يحدث هذا الاضطراب مع الطفل الأول خلال السنة الأولى، ومن الممكن أن نراقب أسلوب الآباء الآخرين ونقتبس منهم الطريقة المثلى لتعليم الطفل القراءة أو السباحة أو التعرف على كيفية التغلب على المشاكل الخاصة بالأكل أو الذهاب إلى الفراش، لكن ليس من المفيد حقا أن نتبارى معهم وندفع بأبننا إلى ذلك، فهذا يؤدي إلى أن نفقد متعة التربية، مع العلم بأن الشخص الذي ينصت ويراقب ويتعلم أذكى وأمهر من الذي يتحدث ويستعرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 رابعا: علاقة الأبناء بأحد الأبوين في وقت معين نجد أن الطفل يبدو قريبا من أحد الأبوين أكثر، وهذا يكون قاسيا على الآخر، فعندما يولد أول طفل، فإن الزوجين يقرران أن أحدا منهما سيتوقف عن العمل لرعايته غالبا ما تكون الأم فسوف ترضعه وتعتني به عناية كاملة، ومع هذا فإن الأب سيكون له وظيفة جديدة أو على الأقل سوف يزداد حمل المسئولية الملقاة على عاتقه أكثر من ذي قبل. وبينما تلازم الأم بيتها فإن لديها وقتا أطول "ومسئوليات أكبر" لطفلها وسيكون الترابط بينهما أسرع وسيكون اعتماد الطفل عليها في كل أموره أكثر من أبيه، وسنجد الطفل نفسه في حالة من الضيق عندما تترك أمه الغرفة أكثر من أن يفعل أبوه ذلك، وفي المساء نجد الأم تخبر الأب بكل أفعال الطفل الجديدة التي حدثت صباحا، وهنا يشعر الأب بالغيرة من الوقت الذي تمضيه زوجته مع ابنه والعلاقة التي بينهما. فيأتي واجب الأم لتكون حساسة تجاه وضع الأب واحتياجاته، كما يجب أن يدرك الأب أنه من الممكن أن يخصص وقتا لطفله يقوي به علاقتهما "في المساء أو أيام العطلات مثلا". ويجب أن يدرك أيضا أن علاقته بطفله يمكن أن تكون قوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ولكنها مختلفة عن علاقة الأم. قد يمكن للطفل أن يعتمد عليه في بعض الأشياء ولكن اعتماده الأكثر يكون على والدته في هذه السن. وبعد ذلك، فالمهم هنا أن ينشأ الطفل في أسرة قوية الروابط ويحصل على الرعاية والحنان الكافيين بغض النظر عمن يقوم بذلك، فالأبوان يجب أن يقررا معا ما يجب أن يفعلا، ومن سيفعله ومتى سيشاركه الطرف الآخر في المسئولية وبذلك يصبح لكل منهما وظيفة محددة تناسب التغيير الذي يحتاجه الأب أو الأم أو الطفل. وبداية من السنة الثانية أو الثالثة يبدأ الطفل في التعرف على جنس الأب أو الأم المشابه له فيبدأ الولد في تقليد أباه أكثر من أمه في اللبس، والرغبة في الذهاب إلى العمل معه، فسيصعب على الأم "خاصة إذا جلست في المنزل" أن ترعاه، فبعد أن كانت تعلمه كل شيء ويعتمد عليها في كل ما يفعله من قبل تجده في يوم ما يراقب أباه أكثر، ويريد أن يكون مثله، وبينما يكون الأب خارج المنزل معظم الوقت فقد يكون شيئا خاصا وفريدا أن يراه معه في المنزل وقد يتجه إليه أكثر عندما يكون الأب والأم معا، وربما كان هذا قاسيا على الأم التي ضحت بعملها وراحتها وهوايتها ومتعتها وعلاقاتها الاجتماعية خلال عامين كاملين للعناية بطفلها، وفي النهاية يكون هذا هو المقابل. خلال هذا الوقت يأتي دور الأب في أن يكون حساسا لمشاعر الأم واحتياجاتها لمزيد من الترفيه والنشاطات الاجتماعية، وينبغي أن يناقشا معا دور كل منهما، وأفضل ما يمكن تقديمه لطفلهما مع الامتنان والتقدير من كل منهما لأفعال الآخر بدلا من الغيرة والحقد. أما الآن وبعد أن وجدنا أنه يمكن أن يمر على كليهما مرحلة العلاقة القوية بالطفل أكثر من الآخر، فالنظرة الأخيرة تعتمد على الحب والوقت والمجهود المبذول معه خلال حياته، ولا يتوقف على كونك أباه أو أمه أو أنك تلازمه في المنزل خلال الستة أشهر الأولى أو من يغذيه ومن يغير له الحفاضات والملابس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 خامسا: الطفل يشبه أحد الوالدين إنه لمثير الدهشة أن تجد هذا الكم من الآباء يسألون نفس هذا السؤال، وأكثر إثارة للدهشة أن يصاب أحدهما بالإحباط عندما تكون الإجابة في صالح الآخر. ومن المضحك أن ترى رد فعل الآباء عندئذ وهم يضعون أنوفهم "عيونهم، شفاههم" بجانب الطفل ومحاولة إقناعك بشدة التقارب بينهما ... "كيف تستطيع أن تقول ذلك؟ إن لها نفس ملامح الوجه، وأنفها في وسط وجهها تماما مثلى لكن والدها أنفه معلقة هناك" ... فبعض الآباء يأخذون هذا بجدية ويعتبرون أن الطفل الذ له ملامح من أحدهما أنه يحبه أكثر ويكون قريبا منه أكثر بل ويميل إلى التشبه به دائما، وطبعا هذا هراء. من الطبيعي أن يشبه الطفل أبواه وبعض الملامح تكون مشتركة منهما معا أو بينهما كلون الجلد مثلا لكنه في النهاية يكون أكثر الشبه منهما معا. ليس عيبا أن نسأل هذا السؤال "وسوف يفعله معظم الآباء، ما دمنا لا نردده أكثر من اللازم أو نجد فيه أي قدر من الأهمية، فالطفل الذي له 47 وجه شبه من أمه مقابل 21 من أبيه لا يعني هذا أن يكون قريبا منها أو يماثلها، فهناك أشياء كثيرة قد لا نراها ولا نستطيع مقارنتها مثل الطموح والشخصية وما إلى ذلك، أما شكل الأنف فحقيقة لا يعني شيئا. نحن تولد بجينات وراثية قد تنعكس في المستقبل تأثيراتها على الحيوية أو العدوانية ولا يجب أن ننسى تأثر الطفل بالبيئة المحيطة وبالأسرة وبكل الأحداث المتلاحقة منذ ولادته. إن الطفل لم يولد مثل أبيه وأمه فكل الناس مختلفون، والناس المختلفون عبارة عن نتاج اثنين مختلفين أيضا "بما تتحكم البيئة المحيطة فيهم" فمن الضروري أن نتذكر هذا، فقد يورث أطفالنا هذا التفكير ويؤذيهم أن يلاحظوا الغيرة والتنافس بين أكثر اثنين يحبونهما في هذا العالم. قد يصبح السؤال هذا أقل أهمية عندما نعرف أن ملامح الطفل تتغير خلال الست سنوات الأولى، يقول الأب: لقد كان طفلي شديد الشبه بي حتى بلوغ عام، له نفس الوجه، ونفس القدم، ونفس اللون، وعندما تم أربع سنوات فقد أصبح نسخة طبق الأصل من زوجتي، وهذا شائع حدوثه، وكلما زاد نمو الطفل قلت التغيرات الطبيعية وتطورت التغيرات في الشخصية، وفي معظم الأوقات نجد الآباء يفاجئون بما يفعله أبناؤهم وقد يرونهم شخصيات مستقلة وفريدة ولا يشبهون أي إنسان آخر. فإذا وصل هذا المفهوم إلى أذهاننا وأدركنا أن اختلاف الطفل يحدد باختلاف شخصيته وطباعه وليس باختلاف أنفه، فسوف نتغلب على هذا الضيق الذي يصاحبنا "والأطفال أيضا" عندما نسأل من يشبه الطفل أكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 سادسا: الندية بين الأشقاء Sibling Rivalries إن هذا الموضوع يظهر على الأفق بمجرد ولادة الطفل الثاني فيفقد الطفل الأكبر كثيرا من الأضواء المسلطة عليه، والأم تكون مشتتة ما بين الطفل الجديد وآثار الوضع، والأب أيضا يود قضاء بعض الوقت مع المولود مما يشعر الطفل الأكبر بالغيرة من هذه الزائر الثقيل. وهناك طرق كثيرة لمنع هذه الندية بين الأشقاء فقبل ولادة الطفل يجب أن نتحدث عنه وعن السعادة التي سيجلبها لأخيه الاكبر ... "سوف يحبك كثيرا، سوف نحضر لعبا كثيرة لتلعبا بها، إنك الآن ستكون الأخ الأكبر ... إلخ". ونشركه في تسمية المولود والعناية به ونوجه له أمثلة مثل "هل تساعدني في تغذيته وتحضر لي البيرونة، هل ستعلمه كيف يلعب باللعب" وكذا التحدث معه عن هذا المولود ونشعره برفسه داخل بطن أمه قائلين له "هذا هو أخوك" ولا نقول "ابن والديك أو أحدهما". وعندما يولد الطفل يجب أن يأخذ الأب ابنه ليرى المولود الجديد ووالدته في المستشفى، ومن الأفضل أن يكون في انتظار الابن هدية باسم المولود الجديد، فسوف يؤدي ذلك إلى بداية من الروابط القوية بينهما، ونقول: "خالد، انظر ماذا أعدت ميرام لك؟ إنه شيء جميل حقا أن يكون لك أخت تحبك لهذه الدرجة". ومن الضروري أيضا أن يقضي الأب وقتا أكثر مع طفله الأكبر، فيشعر الطفل أنه لا يزال هناك أمل في أن يحصل على الاهتمام، وعندما يكبر المولود تشجع الطفل الأكبر ونثني عليه عندما يتصرف تصرفا إيجابيا تجاه الأصغر "خالد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 هل تستطيع أن تضحك أختك؟ " فإذا فعل أو حاول فيجب الثناء عليه بشدة "كيف استطعت أن تفعل ذلك؟ أنا لم أستطع أبدا، لا بد أنها تحبك جدا، انظر كيف تراقبك، إنك فعلا أخ عظيم" فستجده بعد ذلك يستمتع باللعب معها وعندما تبدأ في إصدار الأصوات تبين للولد كم هو ممتع أن يقلد صوتها ونصفق لها عندما تقلد أصواتنا، فينتج عن كل هذا كثير من الاهتمامات المشتركة والتقارب الملحوظ بينهما. طبعا سيأتي اليوم الذي ترى الطفل الأكبر "بالصدفة أو بغيرها" يطعن الطفل الأصغر بالسيف "اللعبة طبعا" أو يدفعه أو أي تصرف سلبي من هذا القبيل، فالتعامل مع هذه المواقف يكون كالتعامل مع الغضب والعدوانية. كما سوف يتضح فيما بعد. وهذا ليس بالضرورة أن يكون نوعا من الندية بين الأشقاء لكن إذا سمعت مرة قوله "إنها أخذت لعبتي" ولم يكن لعب بها في هذه اللحظة فهذا من الندية وهنا يجب أن يتعلم الطفل بعد أن نتأكد أن لديه لعبا أخرى كافية المشاركة والعدل مع أخته بأن نقول: "حسنا ما اللعب الذي تود أن تلعب بها؟ إذن ميرام سوف تلعب بالباقي" وتظهر كوالد بعض التصميم على أن تلعب هي باللعب التي لم يستخدمها فيشعره هذا أنه كما أن له الحق في الاختيار واللعب كما يحلو له فليس هناك مانع من أن تشاركه أخته. هناك مفهومان للتعامل مع مثل هذه المواقف التي يشعر فيها الطفل الأكبر أن الأصغر مفضل عنه، أولا: يمكن أن نربط بينهما بلعبة تجمعهما معا فهذا يكسر الجمود الذي ربما يكون بينهما، وخاصة إذا استمتعنا معا بهذه اللعبة، أما الثاني فيعتمد على أن تقوم بإشغال الطفل الاكبر ... "خالد"، هل تريد أن تمر على صديقك عمرو؟ هل تريد أن تلعب بالطائرة؟ فلتذهب إلى منزل "طارق"، هذا لأن الطفلين لن يتمكنا من اللعب معا بصفة دائمة فنحاول أن نلهي الطفل الأكبر بعمل شيء آخر يفضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 سابعا: المشاركة في المسئوليات بين الآباء : معظم الآباء يتحدثون عمن يفعل وماذا يفعل قبل ولادة أول طفل ولا يتكلمون بعد ذلك مرة أخرى، فلا أحد يستطيع أن يتخيل مدى صعوبة تربية الأطفال، والجمع بين العمل والأسرة. ثم إن الناس يتغيرون بمرور الوقت، فالاحتياجات تتغير، والمسئوليات أيضا تزيد بدون أن ندرك ذلك، وبمرور السنين تجد لديك عددا من الأطفال كل منهم في حاجة إلى الذهاب إلى المدرسة والطبيب ولا يمكنك أن تغلق باب المسئولية الساعة الخامسة مثلا. يقول الأب: إني أتساءل ماذا تفعل زوجتي خلال يومها، وأشعر بالغيرة من وجودها بالمنزل طوال اليوم بينما أواجه مشقات وأهوال الحياة خارجه، إنها لا تتعرض لهذا الضغط الفظيع الذي أتحمله من العمل، وذات يوم شاءت الظروف أن تحضر زوجتي حالة وفاة خارج المنزل وتتغيب طوال اليوم فقمت أنا بدورها في ملازمة المنزل وهنا شعرت أنني سوف ألقى حتفي، إنه لشيء مختلف تماما أن تتمتع بهذا الوقت الجميل مع الطفل في المساء أو في العطلات أو أن تقضي معه يوما كاملا، فلا يوجد وقت للراحة أو للتفكير بدون إزعاج أو إطعام ... وبعد أن رجعت أخبرتها أنني أكثر الأزواج تقديرا وعرفانا وامتنانا لها. لقد كان هذا درسا مفيدا، فمن الضروري أن يستعرض أحد الأبوين إذا أمكن مسئوليات وتبعات الآخر قبل أن يشكو من الجزء الخاص به، وعلى العكس قد يرعب زوجته أن ترى حجم العمل الذي يقوم به وتشعر بالسعادة أنها ليست مكانة. لذلك يجب على كل من الوالدين أن يقدر متاعب ومسئوليات الآخر ويحاولان التخفيف بعضهما عن بعض عندما يعاني أحدهما من الضيق أو الملل أو طلب المساعدة عند المرور بتلك الأوقات العصبية. الصياح والشجار أمام الأطفال: كلنا ينتابنا شعور بالغضب بعض الأوقات ونحتاج لتنفيس الغضب والجدال مع شريك الحياة. إن هذا طبيعي، وهذا إنساني في نفس الوقت، ولكن يصعب على الطفل جدا أن يرى هذا، وهذان الشخصان هما كل العالم بالنسبة له هما أساس منزله ... أما أنا يراهما يتشاجران فقد يعصف ذلك بعواطفه. والمفهوم الأقرب أن تكون حساسا لطفلك وتقلل الشجار قدر المستطاع فليست هذه الطريقة التي نعلمه بها كيفية مناقشة الأشياء وما الذى نفعله عندما نشعر بعدم الرضا، فإذا استشعرت مبادئ الغضب فمن الأفضل أن تبحث عن مكان آخر للجدل والشجار. هذا طبعا شيء صعب لكن إذا نظرنا بحساسية إلى مدى تأثير هذا على طفلك فسوف تؤجل الغضب إلى مكان آخر ووقت آخر، أما إذا ازدادت الخلافات الزوجية كل يوم بكثرة فيصعب اللجوء إلى أخصائي في الزواج لاستعادة السعادة الزوجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ثامنا: تأثير الانفصال والطلاق بين الوالدين Separation and Divorce إن هذا الموقف لا يبعث على السعادة، وليس من السهل معرفة أي طريقة لإزالة آلامه، وكلنا نستطيع مع ذلك أن نقلل حدوثه قدر الإمكان. فإذا كان الآباء غير سعداء معا ومختلفين في الطباع فلن يكون هناك فائدة من الاستمرار. هذا بالنسبة للأطفال، فالشجار والجدال بينهم قد يكون أسوأ قدوة للطفل. إنه يصبح في حالة من الضيق والحزن. ويؤدي ذلك إلى حدوث تنافس بين الأب والأم لكسب الطفل مما قد يجعله مدللا لدرجة الفساد، فلن يظهر له أي منهم بعض الصرامة والحزم فيفقد النظام الذي يجب أن يتبعه لينجح في حياته. وقد أثبتت البحوث أن تأثير الانفصال بين الأبوين أقل كثيرا من وجودها بهذه الحالة السيئة معا. يمكن أن يكون هناك بعض المشاعر بين الأبوين، وبالطبع سيكون عند كل منهم أفكار للتعامل مع بعضهما البعض، ومع ذلك فيجب أن يكون هناك وقت للتحدث حول مسئولياتهما تجاه الطفل، إن الحديث ليس فقط لتوضيح الحقوق وترتيب المعيشة وحقوق الزيادة وتكلفة الملابس، إنما يجب على الآباء أن يوضحوا للطفل بطرق إيجابية إذا ما تأزم الأمر ماذا يحدث حوله ويؤكدوا على عواطفهم تجاهه، ويعطوه حرية الاختيار في الإقامة مع أي منهما، وكذلك ما يريد فعله في أيام العطلات ... إلخ. ولا نتمنى أن يصل الأمر إلى الانفصال فهو يحتاج رؤية أبويه معا وهم متوادان قدر المستطاع، أما الآباء فيحتاجون إلى الكلام معا عن طفلهم من وقت إلى آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 تاسعا: جليس الطفل إن معظم الآباء محاطون بالعمل ومع ذلك يشعرون بالذنب تجاه عدم قضاء الوقت الكافي مع أطفالهم وخاصة في سنواتهم الأولى. ولا يوجد أسباب حقيقية وراء هذا الشعور، فالأباء يجب أن يراعوا اهتماماتهم واحتياجاتهم وفي نفس الوقت يراعوا الالتزام تجاه أطفالهم. ومن الأفضل أن يكون الآباء مستمتعين بالتزامهم هذا ولديهم الاستعداد لتغييره، ليس هناك أي شيء سليم أو غير سليم بخصوص مربية في المنزل أو جليسة أو بقاء الآباء فيه لتربية أبنائهم فالشيء الجيد أو السيئ يتوقف على نوع الشخص الموجود، وكيفية العناية اليومية، وإذا أراد الآباء البقاء في المنزل فإن نوعية تلك العناية والرعاية تكون أكثر أهمية وأفضل من أي شخص آخر يقوم بها. وإذا كان مسئولية الطفل الكاملة ملقاة على المربية فالآباء سيكونون مطالبين بتحقيق علاقة جيدة مع أطفالهم واتخاذ القرارات بخصوص نظامهم كما يجب أن يظل لديهم وظيفة إيجابية في التوجيه والحوار مع المربية أو الجليس والتأكيد على حصول الطفل على قدر من الوقت الممتع الذي يقضيه مع والديه. كثير من الآباء يمكثون في المنزل مع طفلهم ولكن لا يجدون الوقت للكلام أو القراءة أو اللعب معهم فمعظم الوقت يضيع في احتياجات الطفل؛ التغذية، تغيير الحفاضات ... إلخ، إذا كان صغيرا. وبعض الآباء يسود اعتقاد في أذهانهم بشأن إبقاء الطفل أطول فترة ممكنة بجانبهم، فهؤلاء مطالبون بتلبية جميع رغبات الطفل وحمايته والغيرة عليه من أي شيء، مثل هذا الأب لا يساعد طفله بل يضره اجتماعيا ونفسيا ويحرمه من مشاركة زملائه وتكوين العلاقات والصداقات. إن هؤلاء الآباء يحبون أطفالهم بشدة ولكنهم لا يعلمون أن هناك فترة من الوقت لا يجب أن يظهروا فيها هذا الحب. فالمهم هنا ليس مقدار حبك للطفل ولكن الآباء الذين يعرفون متى يلقون بالثناء على الطفل، ومتى يعاقبونه لا يحبون الطفل أقل بل هم ببساطة يعرفون ماذا يفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 عاشرا: تفضيل الوالدين لأحد الأبناء : كل الأطفال ليسوا سواء فمنهم من يكون أكثر ذكاء وأكثر حساسية More Sensitive أو أكثر وسامة، ونحن ككثير من الآباء نجد هذه الصفات محببة إلينا وقد ننجذب إلى أحد الأبناء عن الآخرين، هذا خطأ كبير وقد يؤدي بقية الأطفال نفسيا، فإذا عاملنا أحدا منهم بصورة مختلفة، أو إذا بالغنا في الثناء والاهتمام بأحد منهم وإهمال الآخرين فقد يؤدي ذلك إلى حدوث مشاكل بين الأطفال بعضهم وبعض بل وبين الأطفال وآبائهم. عندما يجد الآباء أنفسهم متحيزين إلى أحد الأطفال يجب أن يتأكدوا من عدالتهم في التعامل وتقسيم الوقت بينهم جميعا. وفي معظم العائلات نجد أن هناك طفلا يعتبر خاصا، لكن كل الأطفال لديك يعتبر لكل خصوصية بطرق مختلفة، إن المهم ليس أن تفضل أحدهم على الآخر لكن المهم أن تحب الجميع فإذا استطاعوا جميعا أن يجذبوك نحوهم في أوقات مختلفة فليس من الضروري أن يكون أحدهم أكثر قليلا من الآخر. إن الوقت الذي يمضي في اللعب والكلام ومداعبة طفلك هو الذي يقوي الروابط والانجذاب بين الطفل وأبويه، وهو الأكثر أهمية في حياتهما بينما تقل عنه أهمية بقية المسئوليات الأخرى. بعض الآباء يشعرون بالذنب وربما الغيرة من قوة علاقة الطفل بمربيته وتقول الأم: "إنه يجب أن أكون أنا ... فأنا أمه" وعلى العكس يمكن أن نصاب بالإحباط إذا لم تستشعر العلاقة الطيبة بينهم، وقد نفكر في إيجاد مربية أخرى. ومما لا شك فيه أن تقوية علاقتك مع الطفل سوف يغير كلا منكما وإذا لم تسمح الظروف بذلك فإنه كلما كانت العلاقة طيبة بين الطفل ومربيته ازدادت متعة الطفل ومعلوماته ونموه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 حادي عشر: حب الأطفال أكثر من اللازم كلا ... لا يوجد حب أكثر من اللازم للطفل، ومع ذلك فهناك مشاكل تظهر على السطح تشبه الحب الزائد، بعض الآباء يدللون أطفالهم ويرفضون توبيخهم أو إجبارهم على نظام معين، وهذا ليس تعبيرا عن الحب فالحب هو أن تبذل الجهد الكافي في الرعاية والتنظيم لطفلك، وكما نرى من بعضهم يهملون كل هذه الاهتمامات لكي يخصصوا وقتهم للبقاء مع الطفل فقط فيؤدي ذلك بالطفل لأن يظل طفلا للأبد. ويجب على الآباء أن يدركوا أنه سيأتي اليوم الذي يتخرج أبناؤهم فيه من الجامعة ويتزوجون وينجبون أطفالا بعيدا جدا عن أعينهم فنحن لا يجب أن نتوقف عن حبهم ولكن يجب أن نحب أشياء أخرى وأشخاصا آخرين أيضا. وإلا أصبحنا معتمدين عاطفيا عليهم بينما يقل اعتمادهم علينا بمرور الوقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الفصل السابع: دور الوالدين في تنشئة الأبناء على المبادئ أولا: استدلال الطفل عبر النموذج ... الفصل السابع: دور الوالدين في تنشئة الأبناء على المبادئ المبادئ المتناولة هنا عامة "قواعد سلوك الطفل". وحدوثها لس مشروطا بسوء سلوك الطفل، إنها تلك المبادئ التي يجب أن تنفذ بدقة أفضل لتصل إلى العلاقة المثالية بين الآباء والأبناء. ولذلك تعتبر هذه المبادئ مفيدة لتعليم معظم "أوكل" ما تود أن تعلمه للطفل مثل الفضولية أو الاستطلاع Curiosity والإبداع Creativity والقراءة وآداب المعاملة والحساسية، ومعرفة الأرقام والحروف والألوان ... إلخ. وتعليم الطفل مقولة "لو سمحت"، "شكرا" تعليم أسماء الناس والملابس "بنطلون، قميص، جزمة"، وتعليم بعض القواعد اليسيرة الخاصة بالمنزل، وتعليم كيف يلبس الطفل ملابسه بنفسه أو كيف يتصرف في المسجد، كل هذا يمكن إحصاؤه وتحقيقه. وهنا سيكون حوارنا البسيط عن تعليم المبادئ. أولا: استدلال الطفل عبر النموذج Modelling إن أسرع طريقة لتعليم طفلك هي عمل نموذج له. لنوضح ذلك بمثال: إذا أراد طفلي لعبة طفل آخر، فسأبحث عن لعبة للبيع وسأذهب معه لأشتريها ثم نلعب بها أمام الطفل الآخر ونقول: كم لعبتنا جميلة ومسلية، ثم نطلب منه أن نبدل لعبتنا بلعبته، وبهذه الطريقة يتعلم الطفل كيف يتعامل مع هذا الموقف. وإذا طلبت منه كتابة حرف "ب" فأنا لا أعطيه الورقة والقلم فقط وإنما أرسم أمامه الحرف وأطلب منه أن يقلد هذا الرسم بنفسه، وبالطبع يتم ذلك مع التشجيع في أول مرة. إنه لمن العجب أن نتخيل مدى تعلم الأطفال من النموذج. فأنا عندي جهاز كمبيوتر في المنزل وطفلي الآن موقفه رافض. ففي بادئ الأمر عليَّ تعليمه مفتاح "الدخول"، "والخروج" ثم "الصعود والهبوط على الشاشة" ثم كيف نضع الديسك، وكيف يشغله، وبعد ذلك عاونه كيف يفرق "وأنت تمارس" بين البرامج المعدة إذا كانت فعلا متعلقة بشيء من الأشياء المشوق بها، أو المهارات حتى المعقدة، إن ذلك أكثر تأثيرا، لأن الطفل أو حتى الكبار يتعلمون ببطء وبكثير من الأخطاء إذا تم فقط توضيح كيفية عمل ذلك، فالتمثيل والدلالة أسرع طريق للتعليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ثانيا: زيادة قدرة الطفل العملية لتوجيهه زيادة قدرة الطفل وتسريعها هي طريقة أخرى من طرق توجيه وتعليم الطفل، مثال ذلك إذا أردنا من الطفل إحضار "معطف" من بين الملابس، ففي بادئ الأمر نجعل المعطف مكانه واضحا وفي مكان ظاهر عن بقية الملابس أو حتى نبعد كل الملابس عنه حتى يختار الاختيار الصحيح ثم نعيد الكرة مع وضع شيء آخر بجانب المعطف وليكن الحذاء ثم نضع شيئين ثم ثلاثة فأربعة وهكذا. عموما علينا أن نجعل الموضوع سهلا في بادئ الأمر بتوفير مساعدة خارجية ثم نخفف هذه المساعدة، فإذا لم يستطع الطفل مثلا إيجاد حرف "B" فمن الممكن أن أجعله الحرف الوحيد، الموجود، وأشير إليه أيضا أو أجعله أكبر وأظهر من بقية الحروف فإذا عثر الطفل عليه أربع أو خمس مرات بالمساعدة فأنا أقلل من حجم المساعدة تدريجيا حتى يتمكن من العثور على الحروف بصورة طبيعية من بين بقية الحروف المتشابهة. وفي بعض الأحان لا يجوز للمساعدة أن تكون واضحة، فإذا أراد الطفل فتح شنطة الأوراق فيكفي أن نقول له "اضغط على الذهبي" وإذا ألقى بالملابس المتسخة فنقول له "أرجوك في مكان غسيل". ربما يتطلب الأمر مجرد الإشارة إلى الخطأ إذا لم يغسل يديه بعد خروجه من دورة المياه. وأحيانا يمكن للنموذج نفسه أن يستخدم في زيادة القدرة ... مثلا إذا كان ابني يحب الديناصورات فإننا نشتري بعض الكتب والصور ونقص صورة الديناصورات وأسألة: ما هذا؟ وبالطبع فسوف لا يتذكر، ولذلك سوف أساعده قائلا إنه "الديناصورات العملاق وإذا ظهر هذا في قصة أخرى ولم يتذكر فأنا أكتفي هذه المرة بأن أقول "إنه العملاق" ثم يكمل هذا الباقي وهكذا حتى بمجرد ذكر أول حرف "د. د. د.." سيتعرف عليه بنفسه وبسرعة. وهناك عدد لا نهائي من الطرق للمساعدة على "زيادة القدرة" للطفل، وتقريبا كلهم يعلمون بهذه الطريقة مثل ارتداء الملابس، السباحة، الرياضة، الكلام، المشاركة، الأدب، وهكذا ... فعند مساعدة الطفل لارتداء البنطلون نكتفي أولا بأن يغلق السوستة، بنفسه ثم نترك له فيما بعد أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 يرفع البنطلون ثم يغلق السوستة، وفي مرات تالية وعندما يصبح ذلك سهلا نتركه يدخل قدميه داخل البنطلون ثم يرفعه ثم يغلق السوستة وهكذا نقلل تدريجيا من حجم المساعدة "زيادة القدرة" حتى يستغني عنا تماما. يجب على الآباء أن يحذروا من تعليم الطفل أي شيء لم تصل إليه قدرته بعد وإلا أصبحت العملية معقدة ومقززة وتأتي بنتائج سلبية. وكمثال فإن تزوير الزراير من أصعب عمليات ارتداء الملابس بالنسبة للطفل ولا يجب أن يتعلمها حتى يتقن عملية اللبس كاملة بغض النظر عن أسلوب التعليم هذا، فإذا لم يكن الطفل مهيأ عضليا ونفسيا لذلك فلن يتعلمها. ومع ذلك إذا لم يكن الطفل مستعدا للتعليم الآن فلا يعني هذا أن نتوقف عن المساعدة. وكمثال فإذا لم يكن الطفل قادرا على اللبس بنفسه فلنجرب خلع الملابس أولا فهي أسهل، ثم نستخدم بعد ذلك فكرة تقليل المساعدة فنقوم بخلع كل ملابسه ونرفع فانلته إلى أعلى رأسه ونتركه أيضا ليخلع قميصه ثم نخرج يدا واحدة ونتركه يخرج الأخرى ثم يخلع القميص. وباستمرار هذه الخطوات البسيطة يمكن تعلمه كيف يخلع قميصه، بنطلونه، شرابه، حذاءه، ويضعها في المكان المخصص لذلك، وفي كل مراحل زيادة القدرة فإن الطفل يجب تشجيعه عند عمل الصواب "حتى إذا تم ذلك بمساعدتك" وإذا حدث وأخطأ مرتين فلا بد من زيادة حجم المساعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ثالثا: تقسيم طريق الوصول إلى الهدف المقصود هنا ببساطة تجزئة الهدف إلى خطوات صغيرة، وتعلم الطفل خطوة واحدة كل مدة زمنية فمن المستحيل أن نبلغ هذا الهدف مرة واحدة، فكتابة الحرف "هـ" وإيجاد مكان الحديقة، ومعرفة رقم التليفون أو العنوان "ومهارات أخرى كثيرة" يمكن تعليمها إذا تمت تجزئتها والتعامل مع كل جزء على حدة، فمثلا لتعلم ربط رباط الحذاء يمكن أن تعمل الرباط كله إلا الجزء الأخير نتركه للطفل كي يحزم العقدة، ومرحليا أجعله يضع دائرة تحت الثانية ثم يخبرنا، وبعد ذلك أجعله يلف الدائرتين بنفسه ثم يضع واحدة تحت الأخرى ثم يشد وهكذا وبنفس الطريقة يمكن تعليم كتابه حرف "A" فيمكن أن يرسم كله عدا الخط الأوسط نتركه له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ليرسمه فإذا تحقق ذلك نترك خطين لكي يرسمهمها بنفسه وهكذا. أو نستبدل هذا بأن نرسم الحرف بالنقط مع تقليل عدد النقط بالتدريج حتى يرسمه بدون أى نقط. ولتعليم الطفل كيفية الذهاب للحديقة أو المدرسة أو لبيت أحد أصدقائهن نسير معه في الطريق عدة مرات ونسأله أي طريق نسلك عندما يكون هناك عمارة واحدة فقط قبل المكان، ثم نتوقف قبل المكان بعمارتين ونسأل ثم ثلاثة ونسأل عند كل عمارة فإذا أخطأ في أي مكان ندله طبعا على الطريق الصحيح بعد ذلك نسأله عند نفس المكان في أيام أخرى فسيكون قد تدرب بالطبع على الطريق الصحيح وهكذا نزيد إلى أربع عمارات تدريجيا حتى ينتهي الطريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 رابعا: حب الأطفال لاهتمام وانتباه الوالدين إن المتعة الرئيسية للأطفال بين 6 أشهر و6 سنين هي جذب انتباه والديهم ويفعل الأطفال أي شيء للحصول على اهتمام الوالدين، وقد يتوسل الأطفال قائلين: من فضلك يا بابا هيا نلعب أو بتخبئه الألعاب، الطعام، أو إخفاء الحذاء الذي قد تبحث عنه الأم وقد يغفو إلى حضنك ويمطرك بوابل من القبلات. وقد يصرخ ويغضب ويجذبك إلى غرفة اللعب لكي يحظى باهتمام شخص له. وقد يحاول الأطفال أن يقولوا أي شيء وكل شيء بابتداء من "أنا حزين جدا" إلى أن يصل إلى الاقتراحات مثل القيام بالألعاب المفضلة لك بقوله "هيا نلعب شطرنج" وبكثير من الطرق ... إنه وقت جميل جدا يعتمد الأطفال علينا فيه ولا يخفون عنا ذلك، وعلى هذا فإن حبنا واهتمامنا ومساعدتنا لأطفالنا من السهل تحقيقها لأن الأطفال دائما وأبدا يطلبون حبنا ورعايتنا، إنك سوف تحب هذه الفترة "عادة" أنك سوف تشعر بارتياح تجاه هذا الطفل عموما فإن الأطفال سيفعلون كل ما في وسعهم لكي يحصلوا على مزيد من الاهتمام والرعاية. إنهم يحبون هذا الاهتمام جدا، ولهذا عندما تكون الطفلة قربة وتسأل عنا لكي نرعاها فإذا بنا نذهب إليها بسرعة شديدة، فماذا سوف تفعل عندما تكون وحيدة وتحتاج إلى جليس، سوف تصرخ بالطبع ويزداد صراخها ارتفاعا إذا لم نذهب إليها مسرعين في الوقت المناسب، وأخيرا ربما تقوم بالدبدبة بقدميها وإلقاء اللعب إذا تهاونا ولم نذهب. وعلى الجانب الآخر إذا لاحظت طفلك قوم بمشاركة طفل آخر نفس اللعبة وذهبت إليه وقلت له "هشام إني فخور بك جدا لقد سمحت لصديقك أن يشاركك في اللعب بلعبتك وهذا ما يفعله الكبار" ومنذ ذلك سيرغب دائما في أن يشاركه أحد أثناء لعبه "وقد يعرض دائما على أصدقائه مشاركته اللعب" وبعد فترة فإنه باستمرار يمدح الأشياء الخاصة التي يفعلها. إنك سوف تجعلنه يأتي إليك مسرعا في المطبخ ويقول: انظري أمي لقد سمحت ليسرا بمشاركتي في ألعابي، إنه بدأ بتخزين هذا في داخله ويتعلم أن هذا الفعل جيد وصحيح ويستحق عليه الثناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ومع ذلك لا بد من ملاحظة مدى أهمية المرح والثناء في أن الطفل لا يستطيع أن يفرق بين العادة السيئة والعادة الصحيحة إلا إذا حظي باهتمام منا. إنها أساليب سوف تقوى وتعضد في أي نوع من السلوكيات الإنسانية المرغوبة، إن الآباء الجيدين يمرون عما نحن بصدده الآن من المرح والاهتمام إلى الأشياء الجيدة التي يفعلها الأطفال، بينما يتأكدون لعدم مجاوزتهم للحد الأدنى من المدح والاهتمام عندما يتصرف الأطفال تصرفات غير مقبولة وغير مألوفة على الإطلاق. بعض الآباء لديهم فتور لإظهار مشاعرهم ونادرا ما يستخدمون الثناء لأي شخص، ولا بد من تشجيعهم ليمارسوا المدح عندما يكونون مع الطفل، إنه لشيء جميل أن يأتي المدح بثماره "بأن يقوم الطفل بدوره بالسؤال عنك أكثر ... ويسمع لك أكثر وينادي عليك أكثر" هؤلاء الآباء طبيعيا سوف يجدون أنفسهم سريعا يستخدمون الثناء والاهتمام في كل مكان وبطرق متعددة وجديدة في كل المجالات المختلفة المتعلقة بالطفل. عندما يستخدم الثناء بكثرة نجد مشاكل سلوكية أقل، وعلى سبيل المثال، المشاجرات، التخريب ... إلخ، إن من السهل عندما يكون البيت مملوءا بالحب والدفء أن يكون غياب هذا الحب والمدح مضايقا للإنسان بدرجة كبيرة، إنه يصبح أكثر سهولة لكي نتعامل مع غضب الأطفال وأخطائهم، لأن إظهار عدم الرضا والتوقف أثناء اللعب أو أثناء المحادثة، بغير الدفء المحسوس في عيني الأب والحنان المنبعث في صوت وشكل الأم. وليس من معادل للحب والرعاية التي اعتاد الأطفال أن يحصلوا عليها. وسوف يتوقف الطفل بسرعة لفعل الأشياء التي تؤدي إلى عدم رضاك أو عدم إظهارك للحب. وباختصار فإن السخاء غالبا في استخدام الثناء والاهتمام يجعل طلباتك ورغباتك أكثر تأثيرا ويبعد بنا عن اللجوء للعقاب إلى حد كبير. إن أهمية الثناء وغيره يؤدي إلى التأكد عليها فإنها تجعل التعلم متعة، وبدونه سيكون هناك حافز ضعيف للطفل كي يتعلم ما نود أن نعلمه إياه، وبه يشعر الطفل بالراحة والأمان تجاه ما يحب أن يفعله فيستمتع بالتعليم ويحاول ذلك بجدية فيتحول العمل إلى متعة إذا شاركناه في العمل "الاهتمام" بدلا من مجرد التوجيه بالكلام "أو الانتظار أن يفعل ذلك بنفسه". إن بعض الآباء لا يأخذون الوقت الكافي في المشاركة والاهتمام والتشجيع لأطفالهم وملاحظة مجهوداتهم، وكل تقدم يتم إحرازه، والنتيجة أن الطفل لن يشارك ولن يتقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 خامسا: استخدام التغذية الراجعة FEEDBACK التغذية الراجعة هي خطوة أساسية في التعلم. إن التغذية الراجعة يستدل الطفل منها على أن ما يفعله صحيح، أو يمكن أن يكون أصح، والتغذية الراجحة تعني أننا نقوم بعمل تقييم شامل وتصحيح لسلوك الطفل إذا احتاج الأمر، فإذا كان سليما نقول للطفل: "ما فيش مانع، هذا صحيح، استمر" وإذا لم يكن سليما تماما فإننا نقول: "تقريبا هذا جيد، ولكننا نرجح الأفضل لقد اقتربت ولكن دعنا نحاول مرة أخرى". والتغذية الراجعة يجب أن تكون على علاقة بالسلوك سليم أو غير سليم، فالأمر ليس تعليقا أو نقدا للطفل ولكن لسلوكه، فإننا نقول إن السلوك كان خطأ ولا نقول أن الطفل كان خطأ. إذا فإننا نركز على السلوك لسببين: الأول أنه يمكن تحسين السلوك والتغذية الراجعة، والثناء سوف يساعدنا على، والسبب الثاني أننا لا نريد أن نعطي انطباعا للطفل أنه سيئ وغبي وما شابه ذلك. إن السلوك هذا يمكن أن يكون سليما أو غير سليم لكننا لا نريد لسلوك غير صحيح متعلق بجانب واحد أن يلقي بظلال قاتم على بقية سلوكيات الطفل. والتغذية الراجعة دائما مفيدة وخاصة إذا كان الطفل عنده بعض المشاكل إذا كان مثلا لس لطيفا مع أصدقائه فإن التغذية الراجعة تكون على كثير من الأشياء السليمة وغير السليمة التي يفعلها. فيقول الأب: "أنا أعجبت بالطريقة التي اختبأت بها وأنت تلعب الاستغماية" أعتقد أن طارق بكى لأنك دفعته بشدة لذلك دعنا نذهب معا للاعتذار". وبمقدار تقدم الطفل في مهارة أو في سلوك معين كالرياضة أو الأناقة يتطلب ذلك التقليل من التغذية الراجعة، فإنها تكون مفيدة عندما يبدأ الطفل في تعلم شيء جديد أو تعلم شيء لا يجب أن يفعله "مثل الغضب أو العدوانية". وعندما يكون الطفل في مرحلة التعلم فإن التغذية الراجعة سوف تعوده إلى أسرع طريقة لذلك وفي نفس الوقت فإنه سوف يقلل من التعقد عندما لا يتكرر نفس الخطأ مرأت عديدة، وأخيرا فإن التغذية الراجعة يجب أن تكون مقرونة بالثناء. وعندما يتحسن أداء الطفل. إنه ليس كافيا أن تقول: "لقد فعلت ذلك بطريقة سليمة" إنه لقول جاف أليس كذلك؟ إنه يمكن أن يفعل ذلك بصورة صحيحة ولكن لن يفعله مرة ثانية ولكن إذا أضفنا الثناء "لقد فعلت ذلك عن جدارة إن هذا رائع" فإن هذا سيحثه فعلا على المزيد وسيشعر بتحسن ويحاول بجدية أكثر، لذلك ستكون هناك متعة أكثر في الأداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 سادسا: ماذا يخبرنا الطفل بخصوص مشكلاته إن معظم ما يفعله الطفل -سيئ أو جيد- هو الاتصال وتبليغك بشيء ما لذلك يجب أن تصغى إلى ما يخبره الطفل ومن الضروري أن تفهم لماذا يتصرف الطفل هكذا ونحاول تعليمه الطرق الصحيحة لما يريد أن يفعله. هناك أسباب عديدة للتصرفات السيئة، ولكن سببين فقط يجب أن تنظر لهما نظرة خاصة "وقد نوقشت بقية الأسباب من قبل". أولا: أن الطفل سيحاول بشتى الطرق ليجد طريقة، وهذا لا يعني أنه يندس فيما لا يعنيه وإنما يحاول أن يتعلم طبيعة الأشياء وكيفية الحصول عليها. فكل ما يحتاجه في ذلك الوقت هو الاهتمام، وأن يجلس أحد بجانبه ليلعب معه أو يجلس بجانبه ويمسك بيده عندما يشاهد التلفزيون أو يذهب للنوم. إن الأطفال في الحقيقة سوف يتحكمون برغباتهم في كثير من أوقاتنا مع زيادة الاهتمام بهم في كل لحظة، ففي بعض الأوقات يمكن أن نفعل أشياء معهم أو قد لا يكون عندنا الوقت أو الجهد لذلك، وإذا أقدم الطفل على عمل شيء جديد بطريقته، فإنه يمكن أن يصرخ أو يبكي أو يضرب أي شيء إذا لم يحصل على ما يريد وبنفس السرعة التي يريدها، فإنه يمكن أن يلقي بالزهرية أو يكسر اللعبة أو يقذف الطعام أو الحذاء ولا يعلم أن هذه الزهرية قيمة وإنك قد تفضل أن يكسر شيئا أرخص، أو يقفز عليك ويمسك برأسك أو يضع أصبعه في أذانك أو أنفك أو فمك إذا تجرأت وكنت مشغولا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 إنه عادة من السهل أن تعرف ماذا يريد الطفل إذا أخذت الوقت اللازم لملاحظته والاستماع إليه، فإنه سيقوم هو بذلك فمثلا يقول: "دعنا نلعب" ويأخذك إلى اللعب وسيضحك عندما تشاركه اللعب. إنه سوف يساعدك على فهم ما يقصده وستكون رسالته لذلك، "الابتسام أو الصراخ أو الرفس ... إلخ" واضحة جدا. المشكلة هنا أنه كلما ازداد تطرف السلوك يزداد معه مقدار الاهتمام والرعاية، فمن الصعب عدم ملاحظته "وخلال السنتين الأوليين تكون في منتهى الحرص" فالطفل تعلم أن يبكى أو يصرخ ليحصل على الخدمات وبسرعة ويتعلم أن هناك طرقا أكثر تأثيرا "الغضب، العدوانية، الاحتجاج ... إلخ" لجذب الانتباه. ثانيا: للأطفال أن يتجنبوا عمل شيء لا يرغبون في عمله مثل الذهاب للنوم، ارتداء الملابس، أخذ الدواء، الأكل وهم يلعبون، فستكون المحاولة ببعض من سوء السلوك للابتعاد عن ذلك. أو أكثر من ذلك فيتظاهرون بعدم وجودهم أو يختبئون أو مجرد أن يديروا رءوسهم بحيث إنك لا تستطيع أن ترى الطفل وعيناك إلى عينيه عندما تريد أن تحدثه إنه لشيء مهم فهم رغبات الطفل لأن الأسباب لهذا السلوك سوف تحدد كيفية التعامل، وعامة إذا فهمنا لماذا يفعل الطفل ذلك فإننا يمكن أن نتوقع أسوأ السلوك الذي سوف ينتهي إليه، ويمكن أن نعلمه السلوك الصحيح. لكننا نفعل هذا فقط إذا شعرنا بما يريده. إذا كان الطفل يريد الاهتمام أو الانتباه فيجب أن نكون حريصين على ألا نبدأ اللعب أو المناقشة أو احتضانه إذا تصرف بسوء سلوك ليحصل عليه، وإذا كان يحاول تجنب شيء؛ ارتداء الجاكيت أو الجزمة، الذهاب إلى النوم فإنه سيكون من الخطأ أن نهمله لأن الإهمال يولد الغضب "فسوف لا يذهب إلى النوم أو لن يرتدي الجاكيت". إذا كنا لا نعلم ما يريده الطفل فسوف لا نعرف ماذا يمكن أن نفعل حيال سوء سلوكه سواء أن نهمله وأن نهتم به، وأكثر من ذلك أننا لا يمكن أن نعلمه الطريقة الصحيحة للتعامل مع الموقف إذا كنا نعرف ما يريد الطفل مثل الطريقة الصحيحة لكي نجذب انتباهه أو أن يكون بها صداقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 سابعا: عقاب الأطفال مدخل ... سابعا: عقاب الأطفال Punishment هل العقاب ضروري؟ أحد الأصابع للطفل دخل في عيني والآخر سبب خدشا مؤلما فبدون تفكير قمت بصفعه على يديه صائحا فيه. كلا. فبكى ... لقد فزعت ... هكذا قالت الأم. إنها أول مرة أضرب وبدأ قلبي يرتعد خوفا وبعد تلك اللحظة قمت بتجميع شتات نفسي موضحة له لماذا لا يجب أن يفعل ذلك وما هي الطريقة الصحيحة للعب. وفي الساعة الواحدة صباحا كنت في فراشي أحملق في سقف الحجرة يتملكني الضيق فلا يجب أن يكون هذا هو الأسلوب المناسب لمعاملة الطفل حدث فجأة وكان قلقي على مدى سرعة حدوثه وما قد يعني هذا له، المهم أنني كنت قادرة على التراجع والتفكير فيما سأقوله لأي أم أخرى فهل ذلك وهذا هو ما كنت سأقوله، إنك لست شريرة ... إنك لم تؤذي أحدا، ذلك لم يكن تعسفا أو استبدادا فالطفل قام بفعل سيئ بسيط، وكان هناك زيادة في رد فعلك. إن هذا سوف لا يترك صدمه على الطفل وعلى علاقتكم إلا إذا حدث هذا كثيرا أو لأسباب خاطئة. إذًا المهم ما الذي نتعلمه من هذا؟ لا يجب أن يكون العقاب باندفاع وإذا كان لا بد منه فإنه يجب أن يكون بالأسلوب الصحيح. فهناك أسلوب صحيح وآخر غير صحيح، واستخدامه بالطريقة غير الصحيحة. قد يسبب مشاكل خطيرة للطفل بمرور الوقت. وفعل هذا باندفاع هو إحدى الطرق الخاطئة. وهناك طرق أخرى فإذا تم ذلك بالطريقة الصحيحة المعتدلة فإن التأثير سيكون إيجابيا. ليس المجال هنا للحديث عن صحة أو خطأ استخدام العقاب إنها قضية أدبية وليست عملية بالدرجة الأولى، أولا من المهم أن نفهم ما هو العقاب وكيف يكون عقابا؟ ومتى يكون سوء تصرف؟ وما هي الطرقة الصحيحة وغير الصحيحة لاستخدام العقاب؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 1- ما هو العقاب "آثار استخدامه" ؟ العقاب هو أي رد فعل سلبي يتبع أي سوء سلوك فيقلل من حدوثه. أولا: رد فعل الآباء لا بد أن يكون سلبيا بالرغم من وضوح الخطأ وغالبا ما يعلم الآباء ما يود أطفالهم عمله وما لا يودون عمله. لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن كل مشكلة من هذا العقاب لا بد أن تتضمن اهتماما ورعاية. ولبعض الأطفال يكون الاهتمام إيجابيا حتى لو كان كله بالسلب وعدم الاكتراث، هذا خاص بالفعل الذي يحصل على قدر كبير من الرعاية والاهتمام من الآباء "يمكن أن يكون الآباء يعملون جاهدين طوال اليوم. ربما يشعرون أن الطفل يشعر بالتسلية بنفسه في هذه الحالة والحالة الأخرى الطفل يتمتع بأي اهتمام يمكن أن يحصل عليه حتى البكاء والصراخ وحتى العقاب "الاهتمام السلبي". بعض الآباء الآخرين يجمعون بين رد الفعل الإيجابي والسلبي تجاه سوء السلوك. إنهم يمكن أن ينشغلوا في مناقشة طويلة شاعرين بالذنب ومحاولين راحة الطفل بعد عقابه مباشرة أو إرساله إلى غرفته مع لعبه قائلين بصوت هادئ وبنعومه. لا يا طفلي لا يمكن أن تفعل ذلك". وباختصار إذا كان العقاب مستخدما فيجب أن يكون رد الفعل سلبيا وبدون اهتمام إيجابي مثلا، ومحاولة التخفيف أو التهيئة أو الدخول في مناقشة مطولة بعد ذلك. ومن غير الممكن أن نلقن الطفل أكثر من درس في آن واحد فيجب أن تكون الرسالة واضحة ومختصرة قدر الإمكان. وأحد أشهر أنواع العقاب هو التوبيخ فهو غالبا مؤثر ولكن نشاهد معظم الآباء يستخدمونه بطريقة غير صحيحة، ومثال ذلك بعضهم يقول: "لا تفعل هذا" وهو بعيد عنه، وهنا الخطأ لأنه ليس سلبيا فتتكرر هذه الجملة للطفل أكثر من مرة وأمه بعيدة عنه في المطبخ فيستخدم الطفل نفس الخطأ ليحصل على انتباه والدته. وهناك خطأ آخر مشترك للآباء عندما يكونون في أشد الضيق من فعلة أبنائهم نجدهم يتحولون إلى تخفيف الفعلة واحتضان الطفل ومحاولة إهمال ما قد حدث بل واللعب معهم وإلقاء ما حدث وراء ظهورهم. فهذه رسالة معقدة لأن الثواب تم عندما حدث سوء سلوك. إن أكثر الطرق تأثيرا هو جذب الطفل في التو واللحظة تجاهك وتوجيه نظره إليه مباشرة وقول "لا" بصوت صارم وبدون صراخ، ودعه يذهب ثم ابدأ في عمل شيء آخر بدونه ساعتين مثلا، بدون أمور للاندماج معه، وبدون نكد، أو ترفيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ثانيا: العقاب هو أهم نوع من أنواع رد الفعل السلبي فإنه لا يعني بالضرورة الضرب أو حتى الصياح فإن النظر شزرا أو عدم الرضا أو التوبيخ و"لا" ليس أقل من الضرب على اليدين عقابا، لكن بعض الأطفال يضايقهم جدا أسلوب التوبيخ عندما يكون علنا أي أمام الآخرين أو أمام أصدقائهم كثيرا من الأطفال تتحطم قلوبهم عند ظهور عدم الرضا عنهم من الوالدين، إنهم يتضايقون كثيرا أن نأخذ أي لعبة بعيدا عنهم، أو أن نخرجهم من الحديقة أو نرفض أن نلعب معهم أو أن يلعبوا مع أصدقائهم. كل هذه أنواع من العقاب ولا نحتاج بالضرورة لاستجلاب الضرب. إن التوبيخ له تأثير كبير على الطفل أكثر بكثير مما نظن وعادة ما نحتاجه بشدة إذا تم بالطريقة الصحيحة، إن معظم الأطفال تصل إليهم الرسالة إذا تم جذبهم من كلتا ذراعيهم نحوك وبسرعة وبصرامة قائلا: "لا تضرب أختك" مظهرا على وجهك وتصرفاتك كل الشدة والجدية. ثالثا: العقاب لا بد أن يتبع سوء السلوك فورا، فلا يجب الانتظار أو التأخير، فإن الأطفال سيتأكدون من أن ما فعلوه قبل العقاب مباشرة شيء سيئ، فإذا تأخرنا ولو دقائق فإننا نسمح بأن يفعلوا شيئا آخر قبل العقاب بالمعارضة ويظنون أنهم يعاقبون عليه. ونفترض أن الطفل يشارك أصدقاءه اللعب أو حتى يلعب مع نفسه ثم أنت تحضر قائلا بصوت غليظ "ممنوع الضرب" فإنه سوف يتوقف عن اللعب ومع هذا لم يكن هذا ما أنت تقصد أن تعاقبه عليه. إنها تعتبر رسالة مختلطة ومعقدة، فليعرف الطفل لماذا تفعل ذلك الآن وما هو الخطأ الذي ارتكبه ومتى؟ وبالرغم من نيتك الحسنة فإن العقاب إذا لم يتم في الحال فمن المحتمل أن يشكل صدمة. ولا يجب فقط أن يتبع العقاب السلوك غير السليم ولكنه يجب أن يحدث فقط عند حدوث هذا السلوك، وليس لنا أن نتصرف باندفاع ولا يجب أن نتأخر في رد الفعل، فإذا كنا في حالة مزاجية سيئة أو مشغولين أو متضايقين بسبب ما من الطفل فلا نبعد هذا عن الطفل. فالطفل لا يعلم ما الخطأ الذي فعله وجعلك في هذه الحال السيئة فإننا يجب أن نتأكد تماما من أننا نربط العقاب بسوء السلوك لكي يفهم الطفل على ماذا يعاقب. رابعا: العقاب يجب أن يتبع سوء السلوك دائما، فلا شيء يمكن أن يكون أسوأ من أن نعاقب في مناسبة ولا تعاقب عند حدوث نفس السبب في مناسبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 أخرى، فإن الرسالة هنا تكون مشوهة للطفل، لأنه يود أن يعلم إن كان تصرفه سليما أم لا. خامسا: معدل أو مقدار العقاب يجب أن يقل بمرور الوقت، إذا لم يحدث ذلك فإنه سيكون خطأ كبيرا، وهذا لا يعني اختفاء هذا السلوك السيئ إلى الأبد ففي أول مرة تعاقب فيها الطفل اعتبرها هي الحالة الحقيقية فإذا عوقب الطفل بالضرب مرتين أو ثلاثا في اليوم فإننا نعاقبه مرة واحدة فقط في اليوم أو أقل ونستمر في التقليل. سادسا: التحذير يجب أن يكون دائما مستخدما في مرحلتين. الأولى: بأن نقول: "يجب أن نغلق التلفزيون بعد خمس دقائق" فأنت تسمح بذلك للطفل أن يجهز نفسه للتغير القادم في نشاطه. وفي بعض الأحيان فهذا وحده يمنع الغضب، الثانية: بأن تحذر بمعنى "إذا لم تذهب إلى السرير حالا سأعد من واحد إلى ثلاثة ثم سأحملك ولن نقرأ القصة" ثم تنفذ، لأنه يجب أن يعرف أنه سوف يحدث بغض النظر عن أي شيء، عندها يتعلم الطفل هذا، وقليلا ما سوف تقابل غضبه. وباختصار فإن التحذير يؤدي إلى منع الغضب والاعتراض وسوف يقلل من حاجتنا إلى المتابعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 2- منع الآثار الجانبية السلبية للعقاب مفهوم العقاب بالطبع سوف يساعدنا لأن نفعله بالطريقة الصحيحة وأكثر ذلك فهناك خطر كبير لاستخدامه ولا نستطيع أن نجزم بأنه فقط يحجم سلوك الطفل. إننا يجب أن نهتم بتعليمه السلوك السليم والأشياء الجديدة مع المعاقبة على الأشياء السيئة، ويجب أيضا أن نعلم الطفل قليلا من التحكم في نفسه فلا يجب أن نتبع العقاب بصورة مستديمة في مواجهة سوء السلوك فهناك بعض القواعد البسيطة التي سوف نتبعها لمعرفة الطرق الصحيحة للعقاب: 1- يجب أن نتأكد دائما من وجود ثلاث مرات على الأقل من الثناء كما هو من العقاب، فلا ندع العقاب يسيطر على علاقتنا مع الطفل، ولا يجب أن يتعلم منا الطفل هذا بل يجب أن يتلقى منا الحب والحنان والرعاية، وهذا هو ما يجب أن يسيطر على علاقتنا معه، ومع ذلك فهذا يعني أننا عندما نستخدم العقاب يجب أن نبحث "في مناسبات أخرى بالطبع" عن أشياء أخرى جيدة لنثني عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 2- يجب ألا نستخدم العقاب فقط بل يجب أيضا أن نعلم الطفل الطريقة الصحيحة في التعامل، فلا يجدي العقاب حينئذ إذا لم نستبدله بالطريقة الصحيحة، إذن يجب أن نعلمه طرقا أخرى صحيحة في التعامل مع المواقف. 3- نحن دائما نقول "كلا" كرسالة، وهذه تعني الضرب عندما نعاقب وهذا مهم لسببين: الأول: أن هذا يجعل الرسالة واضحة لذلك فالطفل يعلم جيدا ما هو السلوك المفروض. الثاني: أنك تعرف الأمر الفعلي بعقاب معين تستخدمه وتجعل هذا الأمر أكثر تأثيرا، فبهذه الطريقة يمكننا التحكم في سوء السلوك. 4- أننا نستخدم أقل نوع من أنواع العقاب يمكن أن يكون معقولا ومقبولا فلا حاجة لاستخدام الديناميت إذا كانت هناك آلة تكسير. إن الخطر الحقيقي هنا هو أننا بسهولة يمكن أن نعاقب وأن ذلك يتم بسرعة، فإذا انطلق طفلي إلى الشارع بعدما قمت بالتنبيه ألا يفعل هذا فسوف أقوم بضربه على مؤخرته لأنني أشعر أن هذا الخطر يجب أن أسيطر عليه بسرعة. والخطر هو أننا نصبح في حرج من مدى تأثير هذه الضربة عليه ونبدأ في استخدامها بكثرة. ومثل هذا العقاب "الضرب الخاص" يجب أن ندخره للمواقف الطارئة لأن الطفل يعتاد عليه إذا استخدم بكثرة، ويبدأ في فقد تأثيره. وأكثر من ذلك فإن هناك طرقا كثيرة للعقاب على السلوك السيئ إذا بحثنا جيدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 3- الأثر الإيجابي للعقاب إذا استخدم العقاب بطريقة صحيحة مع مراعاة كل الاحتياجات الموضحة سابقا، فلن نتجنب بذلك أي آثار سلبية تقع على الطفل فحسب "هذا من وجهة النظر العاطفية" بل وسيتبع ذلك إيجابيات كثيرة نافعة. لقد أظهرت الأبحاث أن العقاب يجعل هناك بريقا وتأثيرا للثناء، فإذا لم يعاقب الطفل على التصرفات الخاطئة فلن يصبح هناك معنى للثناء وسيعتاد عليه، وسنضطر إلى الأشياء الصناعية للوصول إلى هذا المعنى من نقود ولعب ونقود أكثر ولعب أكثر تكلفة، وفي المقابل إذا عوقب الطفل فإنه سيتعلم كيف يقدر الثناء! والفائدة الثانية للعقاب هي زيادة الاهتمام بالسلوك الاجتماعي. فبعد العقاب سوف نجد أن السلوك غير السوي لا ينقص فحسب بل سيصبح الطفل أكثر انتباها واستمتاعا ومراقبة لك وسيكون عنده سلوك اجتماعي إيجابي كرغبته في أن يكون بجانبك ويتحدث إليك ويثبت وجوده. نحن في الحقيقة لا نعرف السبب ربما لأن العقاب يظهر بعض اهتمامنا أو أننا نهدف إلى تعليمه ومساعدته ومراقبة ما يقوله، أو ربما يكون الطفل إيجابيا واجتماعيا لكي يمنع حدوث أي عقاب آخر، ومهما كان السبب فإن هناك دائرة ما محسوسة بجانب تقويم السلوك السيئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ثامنا: الاستمتاع مع الطفل في هذه الأيام تجد في أكثر العائلات ينهمك الآباء بالعمل، أو يحدث الانفصال بين الزوجين أو الطلاق الشائع حدوثه، ويترتب على ذلك وجود أحد الأبوين فقط في المنزل مما يؤدي بالأطفال إلى عدم وجودهم مع آبائهم خلال اليوم فإذا حدث وكانوا معا فإن أحدا منهم غالبا ما يكون متعبا ومنهكا من أحداث العمل، وفي أكثر العائلات لا يشعر الآباء والأطفال بالمتعة معا فمن الصعب أن يجدوا الوقت المناسب لذلك، إنه الوقت الذي يحتاج فيه الآباء للراحة، ولن يمكنهم من مشاهدة ومتابعة تقدم أطفالهم حتى ينتهي بهم الأمر إلى مجرد الكلام للطفل وليس الكلام معه. إن القضية المهمة ليست مقدار الوقت الذي نقضيه مع الطفل ولكن فائدة الوقت الذي نقضيه معه. إن التعب والإعياء يستبد بنا ويأخذ الكثير من جهدنا، وفي المقابل يعود ذلك على الوقت المخصص للطفل واللعب معه ورعايته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 هناك حل وحيد للتغلب على مشكلة التوفيق في الأوقات بين الطفل وأبويه وهو حدوث الاستمتاع بينهم. فإذا شعرنا بذلك نحن أيضا فسوف لا يبدو هذا مثل العمل، وسيكون السهل الاستمرار فيه، وإذا حدث هذا الاستمتاع للآباء والأطفال معا فسوف يجد الآباء الوقت الكافي لأنفسهم بدون القلق على علاقتهم مع الطفل أو رعايتهم، فمن الممكن أن نقرأ القصص التي تستهوينا ومحاولة جعلها مسلية للطفل أو نلعب الألعاب الرياضية الذهنية التى نحبها والمحافظة على رعايتنا له. ونستطيع أن نبدأ قصة ما ونطلب من الطفل أن يكملها ونشغل أنفسنا قليلا حتى ينتهي، أو ندغدغ بعضنا البعض، أو نقذف الأحجار في البحيرة أو نلعب الاستغماية أو نلعب الكمبيوتر، أو ندعو الأطفال الباقين لمباراة في كرة القدم معنا. الهدف هنا أنه يمكن أن نجد أشياء كثيرة للاستمتاع بها معا إذا بذلنا مجهودا في ذلك. وهذا يتطلب منا أن نغلق التلفزيون لفترة ونترك المقاعد، عند ذلك فسوف تتطلع إلى ذلك الوقت الذي تقضيه مع طفلك هاربا من الضغط طوال اليوم. وسوف تلاحظ تغير طفلك وتقدمه في كثير من المجالات، فالطفل سوف ينتظر قدومك إلى المنزل في نهاية اليوم بفارغ الصبر ويجري قافزا على يديك بمجرد سماع وقع أقدامك أو صوت السيارة. إن العلاقة الطيبة مع الطفل تعني الكثير، وإذا لم تستمتع مع طفلك فأنت لا تستطيع أن تقدم له ما يطلبه إن هناك أشياء حولنا أهم وأثمن من أن تحب أو تكون محبوبا من طفلك ولكن هذا لا يأتي فجأة. ولا بد من التمهل والانتظار، فالعلاقة الجيدة لا بد لها من تمضية الوقت معا والرعاية والمتعة، ولا يعني أننا أبواه أن علينا أن نضع الأكل على المنضدة أو نضع قميصه في شنطته أو تغطيه أثناء النوم، ولكن يتأتى ذلك بالتعليم والقرب منه والتحدث معه والثناء عليه واللعب والضحك أو حتى النظام، وهكذا تكون الرعاية الحقيقية وهكذا نصنع من أنفسنا والدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 تاسعا: الثواب أو الرشوة للأطفال ... تاسعا: الثواب أو الرشوة Rewards or Bribes للأطفال: بعض الناس يعتقدون أن الثواب معناه الرشوة، فهذه أم تقول: "بعد ذهابك للسرير سوف أعطى لك بعض الحلوى" ... هذا من الممكن أن يؤدي بالطفل إلى اعتياده على الثواب وانتظاره عند عمل أي شيء. فمن الأفضل دائما. عدم اللجوء إلى الثواب المادي ما دام بإمكاننا أن نستغنى عنه. ومن ناحية أخرى ففي بعض الأحيان نجد أن لا شيء آخر سوف يجدي مع هذا من قول أو عمل لمساعدة الطفل، فتفرض علينا الظروف المحيطة هنا أن نلجأ إلى الثواب المادي لعمل ذلك. ففي الحقيقة أن هذا أسلوب مؤثر ويجعل الطفل يفعل ما لا يود أن يفعله وبدون اعتراض أو شجار، ولكن بمنتهى الرضا، وذلك إذا كان الثواب مجزيا. إذن فالقضية ليست في إمكانية استخدامه ولكن في وقت استخدامه، فإن كان السلوك مهما ولا نجد طريقا آخر للتشجيع على فعله فليس هناك حرج من استخدام الثواب ولكن بالطريق الصحيح. هذا ابن في الثالثة من عمره، وقد اعتاد أن يكره الذهاب إلى دورة المياه حتى وهو في أمس الحاجة لذلك. ولن يذهب لمدة ساعات طويلة ثم يضطر إلى التبول في ثيابه، إنه يعلم أن ذلك ما يؤديه، ولكن لن يفلح معه التشجيع أو النموذج أو الثناء لكي يقنعه. وفي آخر الأيام ومن دافع القلق تجاه موقفه، قام الأب بتجهيز مفاجأة له إذا ذهب إلى دورة المياه، إن الطفل تردد للحظة ثم سأل ما هي المفاجأة "عندئذ علمت أنه وقع في يدي" وبدأت تشغل تفكره، وفي اليوم التالي عندما سأل إذا ذهبت إلى دورة المياه هل يمكن أن أحصل على الهدية، وأكد الأب له ذلك وأظهرها له فعلا موضحا سهولة أن يحصل عليها. ولكن يجعله يعتاد على ذلك وينقل إليه الإحساس بالراحة عندما يفعل ذلك فلم يتوقف الأب عن الثواب من أول مرة ولكن اشترى أربع أو خمس لعب ثمينة وأعطى له واحدةكل يوم طبعا يهتم فيه بالذهاب إلى دورة المياه ثم بعد أن أصبح ذلك سهلا ومريحا له. يقول الأب: بدأت أغير في الأسلوب "سوف أقدم لك اللعبة غدا أنا لا أملك واحدة الآن" ثم بدأ يؤخر الهدية لتكون كل ثلاثة أيام حتى تنتهي تماما "مع مراعاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 استخدام الثناء عند ذهابه كل مرة" إنه سوف يتوقف عن السؤال عن اللعبة وسيستمر في الذهاب إلى دورة المياة بصورة طبيعية. يقول الأب: إن كل هذه العملية استغرقت حوالي أسبوعين "وكلفتني خمس أو ست لعب" والآن قد انتهت إلى الأبد مشكلة ذهابه إلى دورة المياه. ويضيف الأب: أنا لم أكن أؤيد فكرة الدفع له بهدايا لكي يذهب إلى دورة المياه ولكن قلقي حيال هذا الموقف جعلني أفعل ذلك وأسعد به لأنه وضح تأثيره وأصبح لدي سلاح استخدمه إذا أعيتني الجيل "بدون إرغامه على ذلك أو مضايقته أو جعل الذهاب إلى دورة المياه عملية منفرة له". والأهم من ذلك هو الثناء عليه بعد الذهاب إلى دورة المياه وبعد أن تنتهي عملية الثواب الأمر روتيني يكون من السهل الامتناع نهائيا عن هذا الجزء المادي. ومن المعتاد أن هذا الثواب المادي لس ضروريا يجب ألا يستخدم هذا الأسلوب ليصبح عادة عند الطفل ونستخدمه لكي نجعله يفعل أي شيء وكل شيء آنذاك سوف تجعله صعب الانقياد إذا لم تكافئه على تعاونه. ومع ذلك فإننا يجب أن نستخدم الثواب عندما لا نجد شيئا آخر غيره "عندما يعجز العقاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 عاشرا: إعطاء الطفل حق الاختيار عادة ما نرفض السلوك الاعتراضي أو الغاضب أو العدواني إذا أعطينا الطفل حق الاختيار. إذا أردنا أن يرتدي الطفل قميصا بكم طويل وقلنا له "ارتد هذا القميص" فإنه من المحتمل أن يعترض أو يتلكع أو يرفض، مع ذلك إذا قلنا هل تريد ارتداء هذا القميص أو ذاك" فلن يكن هناك اعتراض لأن يختار. وبنفس الطريقة إذا أردنا الذهاب إلى السوق فلن نسأل الطفل إذا كان سيحضر معنا أو يجلس بمفرده في المنزل، إنما نسأله إذا كان يريد أن يشتري بعض الحلوى أو يرفع عربة الشراء أو يركب فيها أو يحمل لنا المشتريات معاونا. وإذا حان الوقت لغلق التلفزيون، يجب أن نسأله إذا كان يريد أن يغلق هو بنفسه أو أن أغلقه أنا فإن كان يرى هو فإن أمامه دقيقتين من الآن وهكذا. هذا بالتأكيد لا يمنع كل الاعتراض ولكنه يمنع كثيرا منه، فإن الأطفال يحبون أن يتحكموا في فعل الأشياء بأنفسهم ولا يجب أن نجعل هذا سبب مشكلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الحياة الجيدة أنا لست متأكدا ما هي، ولكن أعلم أن كل الناس يريدون قدرا كبيرا منها، وإن ذلك له علاقة بالحرية والكرامة وإتاحة الفرصة والتعلم والتقدم ولكن صعب أن تعرف ذلك بالتحديد فكل حياتي وحياة طفلي جيدة؟ وكيف نستطيع أن نحسنها؟ إنك لا يجب أن تعلم كيف تقيمه لكي تحصل على قدر أكبر من الحياة الجيدة. إن أفضل طريقة لفهم ماذا يفعل شخص آخر هو أن تفعل ذلك معه، ولذلك أنا أعيش "يوم من الحياة مع طفلي". وكمثال "باسم" يبلغ من العمر سنتين لا يستطيع الكلام حتى الآن أو فهم أكثر ما نقوله له وأيضا قليل المشاركة الاجتماعية ولا يلعب بالطريقة الصحيحة التي يكون عليها الأطفال في مثل سنه. الأسرة أحضرت له كثيرا من اللعب ولكن معظمها كانت خاصة لأخيه الأكبر وفي الحقيقة لم يكن باسم يلعب بكثرة اللعب والقليل منها الذي كان يحبه محطم تماما الآن. باسم يفعل أشياء كثيرة غير صحيحة كإلقاء اللعب والصياح وضرب الناس، والآن لا يستطيع الكلام فلا أستطيع أنا أيضا وإذا عوقب سأعاقب أنا وكل شيء يحدث له يزعجني. الحرص اليومي هو أقل ما يقال. وبسرعة من الواضح أن كل الحب والرعاية والاهتمام من الآباء لا يزال يعطي مقدارا ضئيلا من وجوده في حياة الطفل. وفي الصباح وأثناء لعبه مع أخيه لعبة السيف طعنه باسم وقد رأت والدته الطعنة الشديدة فقط قامت بتوبيخه هو وأخيه ولم نستطع الدفاع عن أنفسنا تجاه عدم العدالة، فقط قمنا بإلقاء اللعبة والتشاجر بعضنا مع بعض، ولكن أمنا لم تفهم أن هذه ليست الطريقة الوحيدة للمخاطبة والتعبير عن خطئنا وربما ترك ذلك بعض الحقد. هناك كثير من الناس مسئولون عن الأطفال خلال اليوم. الأم، الأب، الأقارب، جليسة الأطفال، الجيران. فسيجعلنا ذلك نشعر أننا لا نعرف أحدا منهم جيدا ولا نشعر بالعقرب من شخص معين. وفي المساء عند مقابلة والدي باسم لمناقشة كيف تكون حياته جيدة وقررنا أن نبحث عن لعب ونشاطات مسلية تعني شيئا لماجد بدلا من اللعب القديمة التي كان يستعملها أخوه. لقد قررنا أن يكون الأشخاص المسئولون عن ماجد محدودين جدا طوال اليوم فلذلك سوف يجعلهم يعرفون ويهتمون بعضهم ببعض، وقد قررنا أن نقضي وقتا أطول في الحديث معهم موضحين لهم ما هي الكلمات والتعبيرات التي يمكن أن يستخدمها للتعبير عن حاجته. إن الرسالة الموجهة هنا مهمة جدا ومطبقة على كل طفل وكل والدين، ومن الممكن أن يحلوا محل أطفالهم ويتعايشوا مع مطالبهم طوال اليوم، وما الأشياء التي يستمتعون بها لتصل بهم إلى كيفية قضاء يوم سعيد، وبذلك نكون قد حققنا لكل منا الحياة الجيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 حادى عشر: تعلم الصفات الخلقية والقيم ... حادي عشر: تعلم الصفات الخلفية والقيم نحن جميعا نود أن يفرق أطفالنا بين الصواب والخطأ، ونحن نريد منهم أن يمارسوا المشاعر الحية والأمانة ومساعدة الآخرين، لكن كيف يمكن تعليم ذلك. التعليمات فقط ليست كافية فلذلك التوضيح البسيط بين الخطأ والصواب ليس مؤثرا، فمن الأفضل للطفل أن يوجه نحو الصفات الأدبية ويبقى فقط كيف يتعلمها. عندما يبدأ الطفل في كتابة حرف "A" لأول مرة يجب أن أقول له "هذا صواب إنك في منتهى الذكاء" أنا لست أثني عليه فقط، وليس هذا بمعنى أنني أشجعه أو أريد منه أن يفعل ذلك مرات عديدة، ولكن إني فرحت بالتأكيد وأعطيت انطباعا على أن الذكاء شيء جيد، وبعد استخدام تلك الكلمة مرات قليلة ستجد لها صدى في نفسه بعد أن أقوم باستخدام نفس الكلمة في مواقف أخرى مشابهة، وبذلك أكون قد علمته إحدى القيم، وبنفس الطريقة يمكن أن أحدثه عن المشاركة والمساعدة. إذا كنا نشجعه على سلوك معين ونثني عليه وفي نفس الوقت نضع تعريف هذا السلوك فإنه سوف يحس تلك الكلمات ومعناها ويقدر فعلها، وبنفس الطريقة يمكن أن نعلم الطفل أنواع السلوك الذي لا نود أن يفعله بتعريف هذا السلوك بدلا من التوبيخ وما شابه ذلك، وعلى سبيل المثال إن "والدة مازن اتصلت لتسأل عما إذا كان عندنا المضرب الخاص به لقد قلت لي يا خالد إنك قد وجدت هذا المضرب في الشارع أهذا ما حدث حقا، وإذا لم تقل لي الحقيقة فإن هذا "كذب" والكذب خطأ فادح والآن انصرف إلى غرفتك" ونحن نستطيع أن نفعل ذلك بالتعليق على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 سلوك الطفل "انظر ماذا يفعل هذا الوالد إنه ينفخ فقاعات الهواء في رأس ابنه قائلا: إن هذا معناه أن مازن سوف يظل حزينا ووالدته غاضبة ... ". وبنفس الطريقة يمكن أن نعلم أطفالنا الكثير من الصواب والخطأ بملاحظة لأمثلة من تصرفات الأطفال الآخرين، فكلما كثرت الأمثلة ازداد فهمه للخطأ والصواب. بنفس الطريقة أيضا يمكن تعليمه الفرق بين الرغبة في الصداقة وعدم الرغبة فيها. وكذلك الأمانة والخيانة. وكان الحنان والقسوة والحب والكراهية ومع أن هذه المفاهيم ستأخذ طريقها عبر السنين لكن لا بد للطفل أن يتلقى مبادئها منذ الصغر. وواحد من أهم الأسلحة المستخدمة لتعليم الأدب والأخلاق والقيم طبعا هو النموذج، فإن الطفل يميل إلى أن يتعلم طريقة تعبير وسلوك وشكل والديه، فإنه لن يفيد أن نقول للطفل أن القسم أو الحلف سيئ بينما كلامك كله يحتوي على الحلف واليمين، إن الطفل لن يعرف الخطأ من الصواب إذا قلت له لا تكذب ثم يسمع والدته تقوله لشخص على التليفون أن والده مريض أو غير موجود بالمنزل بينما والده يجلس بجواره، إن الطفل لا يستطيع أن يجرد كيف يعاكس سلوكنا أو أمرنا وسوف يركبه. وقد يتعلم أن يعطي لنفسه بعض الاستثناءات في القاعدة كلما احتاج، ولذلك فإن سلوك الآباء لا بد أن يكون على وتيرة واحدة مع أوامرهم، وإذا لم يحدث ذلك واختلف السلوك عن الأمر أو العكس فلن يمكن للطفل أن يفرق بين الخطأ والصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الفصل الثامن: دور الوالدين في مواجهة مشكلات أطفالهم أثناء التنشئة مدخل ... الفصل الثامن: دور الوالدين في مواجهة مشكلات أطفالهم أثناء التنشئة قبل الحديث عن الطباع المختلفة للأطفال، التي تشغل بال معظم الآباء يجب أن نقول لهم إن الأطفال يكتسبون كثيرا من العادات والسلوكيات خلال الخمس أو الست سنوات الأولى من عمرهم، وهذا ليس غير طبيعي، بل سيكون هذا إن لم يظهر على هذا النحو، ولقد سمعنا جميعا عن النشاط الشائع في الأربع سنوات الأولى ثم فترة الاعتراض والغضب، التي تلي ذلك كتطور لسلوك الطفل، فلا ضرر في كل ذلك. أما ما يستحق القلق فهو ما إذا استمرت أي فترة مدة طويلة، وفي هذا الجزء سوف نصف كل سلوك ومدى الوقت الطبيعي له وما إذا كان الوقت قد طال أم لا أو أصبحت هناك مشكلة أم لا. وسوف نتعرض بالذكر إلى اختلافات سلوك الطفل وكيفية التعامل معها بالطرق الفعالة. البداية ستكون من مشاكل الطفولة المبكرة "مثل: البكاء، التغذية، النوم" ثم التطرق إلى الفترة من أربع ست سنوات "مثل: عدم الاستجابة، والعدوانية، ومشاكل الكلام"، ثم نتتبع مراحل تطور سلوك الطفل تدريجيا. إذا كان اهتمامك ينصب على أفعال الطفل فتأكد أنك لن تتركه بمفرده وكما هو موضح بالجدول القادم الذي يبين قلق الأمهات يهتمون بنقطة معينة وهي الغضب عند الأطفال الصغار و60% من الأمهات يصيبهم الضيق بسبب عدم استجابة ومشاركة أبنائهم، واثنتين من كل ثلاث أمهات يشكين من متاعب النوم والكوابيس وصعوبة الذهاب إلى النوم والمشي أثناء النوم والضيق عندما يترك أحد الأبوين فراش نومهم ... إلخ. وتقريبا نصف نسبة الأمهات يهتمن بمدى النشاط الزائد Hyperactivity عند الأطفال وعدم مقدرتهم على الجلوس في سكون لبضع دقائق. كما أن 43% من الأمهات يقلقن على خوف الأطفال وتستمر الإحصائيات التي حسبت كما سيتضح فيما بعد على أطفال ابتداء من 21 شهر حتى 11 سنة هذه الإحصائيات لا يجب أن تخيفك، بل على العكس إنها تظهر مدى شيوع هذه الحالات في مراحل التطور الطبيعي، كما تظهر أن هناك صورا من التطور يمكن لمعظم الأطفال أن يكبروا بدون الدخول فيها. ويجب أن تعلم أن السلوك الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أنت قلق بشأنه يحدث بكثرة عند الأطفال ولن يجعلك تشعر أن حالة طفلك فريدة. كثير من الآباء لديهم هذه النظرة "غير الحقيقية" لمثالية الطفل التي لا يمكن أن يصل إليها، لذلك فإننا نلاحظ هذه الانحرافات عن المثالية، والأرقام التي في الجدول القادم لا تعكس المؤشر الحقيقي لمشاكل الأطفال ولكن تمثل مدى قلق وفزع الأمهات وحساسيتهن تجاه أدق الأمور، كما تخبرنا عن تطور الطفل كي نصبح في النهاية واقعيين وأقل حساسية تجاه حيود الطفل عن المثالية، إننا يجب أن نتذكر بينما يكون الطفل في حالة سلوكية سيئة فإنه في الحقيقة يقع في ذلك لفترة بسيطة، ومعظم الوقت نكون مأثورين بتعبيرات الأطفال الممتعة، فكم من الممتع أن تعشر أنك جعلتهم يضحكون أو يقبلونك أو يحتضنونك وكيف تشع وجوههم مضيئة عندما ترتسم الابتسامة عند رؤية "الأم" أو "الأب" فجأة. وهناك ملاحظة أخرى توجب الراحة مع الاستثناء لبعض الحالات، هي أن هذه الطباع الغريبة للطفل لا يجب أن تؤدي إلى سوء تصرفاته أو سلوكه فيما بعد فالخوف ومشاكل النوم وصعوبة الذهاب إلى دورة المياه، من المشكلات التى نراها في الطفولة، ولا يعني أنها سوف تستمر فيما بعد أو حتى سوف يصحبها مشاكل أخرى اجتماعية أو عاطفية في العمل أو في المدرسة، بل بالعكس إنها تقل بدون أي تدخل باستثناء النشاط الزائد الشائع في سن 4 سنوات والذي يجب أن يختفي عند ست سنوات ونصف تقريبا، وأيضا السلوك غير الاجتماعي مثل الغضب والعدوانية والاعتراض، إنه بمرور الوقت يجب أن يختفي، وأحيانا يمكن أن يكون لها تأثير على النمو وعلى كثير من العلاقات في المدرسة وعلاقات الصداقة والعلاقات الأسرية ... إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 جدول "1" يوضح النسب المئوية للأمهات المنزعجات تجاه المشاكل الخاصة بأطفالهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 أولا: مشكلات الأكل Eating Problems وبالتأكيد سوف يكون الاهتمام الأول بطفلك بخصوص الطعام والأمر يبدأ في اليوم الأول عندما نكون منتظرين بشغف كيف سيأخذ الطفل الثدي أو الزجاجة، وتتساءل الأم: "هل تأخذ الطفلة كفايتها" "هل الطفل يشرب كثيرا؟ ". لماذا هذه الطفلة لا تأخذ الثدي؟. وتحاول الأم التي ترفض ابنتها أن تأخذ ثديها جاهدة ... وهنا تظهر العقبة الأولى. وتعاود الأم أسئلتها "هل هي تكرهني؟ " "هناك شيء خطأ بي؟ " يا إلهي ماذا سأفعل؟ " حتى ولو شرحت الممرضة أو الصديقات أن هذا عام وأنها من الممكن أن تستغرق يوما أو يومين، وأنه لا يوجد مخاطرة على الطفل، وأن هذا الموضوع بسيط لحين اتخاذ الوضع الصحيح لفم الطفل والثدي. وما هي إلا دقائق أو ساعات قليلة ويتخذ الرضيع الوضع الصحيح، وهكذا تشعر الأم بالفخر عند رعاية طفلها. ولا تعجب في أننا نسرف في أحاسيسنا وعنايتنا وإشفاقنا على الإطعام للصغار وهذا الاهتمام سوف يستمر عبر السنوات، بالرغم من أن النتيجة ربما تتغير، إننا شغوفون بمعرفة دور الطعام في مستوى النشاط، الصحة والرؤية، المزاج، هل الطفل يأكل كثيرا أو لا يأكل. هل هو سمين جدا أو نحيف جدا، مع إحاطته بالرعاية. ويعطي مجتمعنا رعاية بالغة بالطعام. وليس غريبا أننا نعطي اهتماما مبكرا لكبر أو صغر حجم أطفالنا وكم ونوعية ما يأكلونه. وعندما يكون اهتمامنا الأول للإطعام خطوة للأمم يكون بالطبع به بعض التطرف وتبين الإحصاءات أن من 80-85% من الأطفال زائدي الوزن يستمرون زائدي الوزن حتى يصبحوا في سن 12 سنة، وهناك تزايد في مشكلات زيادة الوزن وعواقبها النفسية والاجتماعية على الأطفال. وسوف نبدأ ببعض اهتمامات الوالدين بشأن الإطعام في مرحلة الطفولة: 1- مرحلة الإطعام خلال السنة الأولى: يقوم الطفل في مرحلة المهد بانعكاسات وضعية خاطئة. وتسيطر الانعكاسات عندما يلمس خد الطفل أي شيء، ويقلب الطفل فمه تجاهها. ونحن نذكرها هنا لأنها تساعد على تدارك أخطاء عامة تحدث في الرضاعة الأساسية بالثدي. ففي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 بعض الأوقات نجد الأم أو الممرضة تضع يدها على خد الطفل لترشده تجاه الثدي "أو الزجاجة" وبالطبع يدير الطفل رأسه وفمه ناحية اليد وكأنها الثدي تماما. في الوقت الذي يجب أن يلمس الثدي خد الطفل، ويقوى الانعكاس الخاطئ عندما يكون الطفل جائعا ويضعف عندما يكون غير جائع، ولا تنس أنه من الممكن أن يكون الطفل كسولا نتيجة المسكنات التي تأخذها الأم أثناء الولادة التي تستغرق أياما عديدة، وهذا بالتأكيد واحد من الأسباب المفسرة لماذا أطفال كثيرون لا يأخذون الثدي فورا؟ وانعكاسات الرضاعاة تظهر جليا في الأطفال حديثي الولادة. والأطفال حديثو الولادة يقومون بمص أي شيء يوضع في الفم ويبدو أنهم يستمتعون بالمص حتى عندما لا يكون هناك طعام، ورغبة المص تبقى قوية لمدة 12-15 شهرا وفي بعض الأحيان من 2-3 سنوات، يعوضها الثدي، أو الزجاجة، أو الأصابع. والجوع، والشهية تضعف أثناء السبعة أو العشرة أيام الأولى. ومؤشرات الجوع تكون منتظمة من اثنين إلى ثلاثة أسابيع من العمر، ويبدأ الطفل في الجوع أكثر من العادة، ومع مرور أربعة أسابيع يكون هناك انتظام للحاجة إلى الطعام كل ثلاث ساعات وهكذا. وتقوى الشهية وخاصة بين أربعة إلى اثني عشر أسبوعا. وهناك أيام يأخذ الطفل فيها أكثر مما يحتاج جسمه، وبانتظام مستمر وفي السنة الأولى من العمر يبدأ الجوع في الانتظام، وعامة تتميز السنة الأولى بسرعة النمو وانتظام الصحة والشهية وفي السنة الثانية تبدو الشهية أكثر وضوحا. والإطعام بالثدي بعكس الزجاجة، وتقترح أغلب البحوث أن لبن الثدي هو الطعام المفضل للأطفال. والأطفال الذين يرضعون بواسطة الثدي لا يعانون من مشاكل المعدة. فلبن الثدي يمدهم بمناعة من التلوث. ومميزات الإطعام عن طريق الثدي ليست حقيقة بهذه العظمة، فلقد وجد أن 37% من الرضع عن طريق الزجاجة يعانون من نفس الأشياء. ويعتبر التلوث عاما في السنة الأولى. وكل هذه التلوثات هي في الحقيقة تعالج بسهولة ومبكرا عن طريق الطبيب وأحيانا الأم. وبينما يعتبر الإطعام عن طريق الثدي مصدرا من مصادر الرضا والراحة لبعض الأمهات، يعتبر مشكلة بالنسبة للبعض الآخر. فربما يتسرب اللبن عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الإطعام وتبدو الملابس المبللة أو الفراش المبلل. وربما بعض الآباء يعترضون لأنهم يريدون أن يشاركوا في إطعام الأطفال، وربما يؤلم الثدي الأم، أو يتورم وينتفخ وربما لا تستطيع الأم العاملة أن ترضع طفلها عن طريق الثدي، والأفظع أنها ربما تشعر أن "الأمومة" ربما تتعارض مع "المستقبل في العمل". وعموما فالإطعام عن طريق الثدي أفضل كثيرا للأطفال من الإطعام عن طريق الزجاجة. ليس لأنه طبيعي فقط، بل لأنه مميز بكثير من المناعة ضد التلوث، وأقل ما يقال إن المزايا ليست غامرة وهي مستمرة في التناقص، لأن الغذاء البديل للبن الأم يتحسن ويبقى العامل المقرر لذلك عاطفيا في بعض الأسر. ومع ذلك فالعائلات العاديات، ترى أن جمع الرضاعة الطبيعية والرضاعة الصناعية أفيد وأقنع أسلوب للرضاعة، فالأم يمكن أن تُرضع إذا كان متاحا لها أن تفعل ذلك، وقد يوضع لبن الثدي في زجاجة للأب لإرضاع الطفل، وأيضا قد يستخدم اللبن البديل عندما يكون الوقت قصيرا، وفي أي الحالات ليس هناك سبب للشعور بالذنب أو التأنيب، فالملاييين من الأطفال يتم تبنيهم كل عام، والعديد من الأمهات قد لا يستطعن طبيا أن يرضعن بالثدي لسبب أو لآخر، ورغم ذلك فأبناؤهن من الأطفال يبدو عليهم النمو الصحي والسعادة مثلهم مثل الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية. ولا تدع أحدا يخبرك أن الصلة أو الارتباط يتناقص إذا لم يكن هناك رضاعة طبيعية، فمثل هذا الارتباط العاطفي يأتي إذا حمل أحد الطفل أو احتضنه أو غنى له أو أحبه أو هدهد له واعتنى به ناظرا في عينيه بحب أثناء إطعامه، وهذا لا يأتي من الثدي. وإذا كانت الرضاعة الطبيعية متاحة للأم فإنها لا بد أن تتداخل مع الحب والرعاية وتلاقي العيون بالدفء. 2- بعض الخدع لتقديم الثدي: العديد من الأطفال الرضع لا يقبلون على الثدي بطريقة مباشرة. وفي إحدى الدراسات وجد أن 40% من الأطفال حديثي الولادة يحتاجون إلى مساعدة كبيرة عندما يرضعون من الثدي لأنهم يصابون بالإرهاق ومن ثم عدم الاهتمام عندما يقدم لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 إن جوع الطفل قد يكون متأثرا بالمخدر الذي يعطى للأم أثناء المخاض. الذي قد يأخذ وقتا، ولذلك فجوع الطفل قد يترتب عليه بعض الصعوبات، مثل أن يحصل أو يحتفظ بالحلمة في فمه وقد يأخذ وقتا حتى يجد وضعا مريحا لكل من الأم والطفل. ولهذا إذا كان لدى طفلك بعض مشكلات الرضاعة في البداية فاستريحي فهذا شائع جدا. وهناك بعض الأشياء يجب أن تقومي بها في البداية. أولا: بالطبع لا بد أن تبحث الأم عن وضع مريح. إن وضع الجلوس يبدو أكثر شعبية بين الأمهات، فجربي الجلوس على السرير مع وضع مخدات كبيرة خلف الرأس والظهر. وضعي وسادة في حجرك والطفل فوق الوسادة وارفعي ركبتيك لكي تقربي الطفل، وانحني إلى الأمام لكي تجعلي الثدي أقرب إلى الطفل، فإذا فعلت ذلك عدة مرات فستجدين الوضع المحبب والمكان المفضل للرضاعة. ثانيا: حركي حلمة ثديك ناحية فم الطفل ولكن احذري أن تلمس يدك خده أثناء ذلك حتى لا يتجه فمه إلى يدك تاركا الحلمة. ثالثا: قد يكون الأمر محبطا للطفل حتى يتعلم أنه لا بد أن يأخذ الجزء المحيط بالحلمة كله في فمه، فقد تساعد الأم بأن تحرك الحلمة ببطء في شفتيه إلى أعلى وإلى أسفل لكي تغيظ الطفل فيفتح فمه أكثر لتناول هذه المنطقة. رابعا: يمكن للأم أن تجلب القليل من اللبن من ثديها وتضع الثدي وهذه القطرات من اللبن بين شفاه الطفل. معظم اللبن سيزيد من اهتمام الطفل، وهكذا بالطبع سيركز الطفل على الثدي ومن هنا تظهر حاسة التذوق. خامسا: ومن الإحباطات الشائعة للأطفال حديثي الولادة أثناء الرضاعة الطبيعية، أن الطفل لا يستطيع التنفس لأن أنفه يدفن في الثدي. ولذلك فإنك تستطيعين أن تضغطي على الثدي لإبعاده عن أنف الطفل، أو تقربي ساقيه فيأخذ الطفل وضعا يعطي أنفه الحرية، وأخيرا في بعض الأحيان لا يستطيع الطفل أخذ الثدي إلى فمه لكون الثدي ممتلئا وصلبا فعلى الأم نقل أو تفريغ بعض اللبن قبل إطعام الطفل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 3- الفطام Weaning from the breast في أمريكا الشمالية هناك عادة فطام الطفل من الثدي فيما بين الشهر السادس والثامن، فالفطام المبكر عادة يمثل صعوبات بالنسبة للطفل. ومع هذا فالفطام المتأخر في أثناء الستة أشهر الثانية من النمو قد يسبب بعض الصعوبات مثل التعود على الأكل وفقدان الوزن والجفاف. إن أفضل طريقة لمنع هذه المشاكل هي فطامه بعد حولين أو تبادل الثدي بالزجاجة أو بأي طريقة للإطعام في أثناء الأربعة أشهر الأولى من العمر فقط، لكي يتعود الطفل على هذه الوسائل. وفي معظم التوصيات يجب أن تبدأ هذا عندما يبلغ الطفل شهرين. إذًا مهدي كأم لاستخدام الزجاجة، وعودي الطفل على تناولها مبكرا فلن يكون هناك مشكلة عندما تقررين فطام الطفل من الثدي. على الأم أن تفعل هذا متى تشاء من عمر الطفل تدريجيا لإحلال وجبته من الثدي بالزجاجة أو الطعام. إذا لم يتناول الطفل الزجاجة مباشرة جربي عددا من الحلمات فالكثير من الأطفال لا يحبون حجما واحدا معينا. بالإضافة إلى هذا افحصي الفتحات حتى تري تدفق اللبن منها سريعا جدا أو بطيئا جدا، ويكون هذا حقيقيا خاصة للأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية، وإذا كانت فتحة الزجاجة ضيقة فقد يتضايق الطفل بالطبع لأنه سيظل جائعا. ونستطيع أن نعوض هذا بوضع اللبن في كوب مع الأطفال الأكبر، وعموما من الممكن وضع لبن الثدي في زجاجة حتى نستطيع أن نعود الطفل على الرضاعة بواسطة الزجاجة. وفي الأطفال فوق التسعة أشهر يكون من الأفضل أن ندعهم يمسكون الزجاجة أو الكوب. 4- متطلبات ضد برنامج التغذية: والوالدان اللذان يطعمان أطفالهما سوف يجدان أن الطفل سيظهر برنامجا "نظاما" بطريقة أو بأخرى، وهذا البرنامج ربما يبدأ الساعة 8 صباحا في يوم، والساعة 5 صباحا في يوم آخر، إنه من الصعب لتدبير أعمال المنزل أن تلتزم بهذا الروتين الذي يتغير كل يوم. وفي الشهر الأول من العمر فإن أغلب الأطفال سوف يكونون برنامجا لمدة 4 ساعات، يبدأ في نفس الوقت كل يوم ويكون هذا ملائما في بيوت كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 ويجب على الفرد أن يضع في ذهنه أن بعض الأطفال سوف يكونون غير سعداء بهذه الفترة الفاصلة، وربما يحتاجون وجبات صغيرة من وقت إلى آخر، ويجب أن يكون الوالدان مستعدين ليتكيفوا ويتغيروا عند الحاجة، وهناك مظهر آخر من المتطلبات ضد برنامج التغذية وكمية أكل الأطفال. فمعظم البحوث تقترح أن نتركهم يأكلون بقدر ما يريدون. فإطعام الأطفال عن طريق الثدي يمكن أن يتغير ويزداد في أوقات مختلفة، ففي بعض الأوقات يأخذون 15 جراما، وفي وقت آخر اثنين وقية فقط. وباستخدام الثدي أو الزجاجة يجب ألا يحاول المرء الضغط على الطفل لأن شهيته سوف تتغير، وهذا أمر طبيعي جدا. وإذا شعرت الأم برغبة الطفل للرضاعة كل ساعتين فمن المفيد استشارة الطبيب. 5- الأغذية الجامدة "الصلبة". في الشهور القليلة الأولى سوف يدفع الطفل لسانه للخارج تجاه الطعام الجامد، في الشهور الثلاثة أو الأربعة التالية سيحدث تغيير فسيدخل اللسان الطعام داخل الفم وبالتدريج، إن هذا وقت مناسب لممارسات التذوق الأولى للأطعمة الجامدة. فالخضروات الطازجة واللحوم غالبا ما تستخدم أولا، يتبعها الحبوب والجبن الأبيض وقطع الموز وفواكة أخرى وعصير مصفى. وغالبا أي شيء يمكن أن يوضع في مزيج، ويمكن أن يكون ذلك خلال وجبة المساء عندما تزيد فعالية الأطفال على الاندفاع والمرح، وعندما يقبل الطعام الخفيف مرة سيصبح بعد ذلك أي طعام خفيف "طري أو لين" مقبولا لديه، والأطعمة الناعمة التي تتطلب مضغا يمكن أن تقدم مبكرا عن 7 أو 8 أشهر حتى ولو لم تظهر أي أسنان، فسوف يبلعها الطفل ويكون هذا تدريجيا جيدا للمضغ. وعندما يقبل الطفل هذا الأكل الخفيف فقد لا يقبل الزجاجة كما كان، فمذاق الأطعمة الجامدة أفضل ومتعة اللعب بها أكثر، فالطفل يستطيع أن يلفظها أو يضعها على وجهه أو على شعره ويديرها بأصابعه، وقد يضرب الطبق ليرى الطعام يطير ويسقط على الأرض وهو ما لا يستطيع أن يفعله بالزجاجة أو اللبن. والأطفال الطبيعيون ما بين 9 و10 أشهر يضعون أي شيء في أفواههم، ومن 10 أشهر إلى 4 سنوات ستجد أعقاب السجائر وطلاء الأظافر والدواء وكلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 أشياء غير معروفة لهم أسفل الأغطية وتحت الوسائد، وهنا يجب على الوالدين أن يشرفوا على أبنائهم بصفة دائمة. بعد 4 سنوات لا يقدم الطفل على هذه الأفعال بعد ذلك لأنها يجب أن تتوقف، والخطر يكون جسيما إذا لعب الطفل بالعقاقير الطبية السامة، وهنا يصبح العقاب "الضرب" جزءا من المعاملة. وتنخفض الشهية وتصبح غير منتظمة في السبعة إلى العشرة أيام الأولى، وربما يفقد المولود حديثا 10%من وزنه في الأسبوعين الأول والثاني، ويصبح الجوع متعلقا بالحيوية، أما المرحلة ما بين السنة الأولى والخامسة فيكون النمو فيها بطيئا حتى يصبح 2 كيلوجرام زيادة في وزنه كل عام، وقد تمر شهور بدون زيادة في الوزن، ويحتاج الطفل طعاما أقل وتقل شهيته ويزداد معها مخاوف وقلق الآباء، وقد تظهر بوضوح قدرتنا على عدم إطعام الطفل، ولكن لا يوجد شيء خطأ في ذلك، فاحتياج الجسم يصبح قليلا لأنه يكون بطيء النمو ويظهر ذلك في أن الطفل يأكل ربما مرة واحدة في اليوم، ولكن يعوض ذلك بأن يأكل كثيرا خلال الوجبة. وإذا ازداد نقص وزن طفلك وشحوب لونه فإن الروشتة من الطبيب ستساعد على تهدئتك. إن الإجبار على الأكل عادة يكون غير ضروري وغير مؤثر، إلا إذا لاحظنا أن الطفل جوعان فعلا ويظهر هذا بتوقفه عن اللعب وظهور الجوع عليه فالأطفال يحبون اللعب ويكرهون أي شيء يعطلهم عن ذلك، فإذا استمرت فترة لعبة مدة وأخرته عن العشاء يجب تحذيره "يجب أن تأكل بعد 5 دقائق" ثم إجباره على الطعام ونأخذ منه اللعب إذا استدعى الأمر ذلك. 6- ماذا نفعل عند حدوث مشكلة فقد الشهية: نادرا ما يفقد الطفل ما دون الست سنوات شهيته، والطفل فاقد الشهة من الصعب إرضاعه ليتقبل الطعام، فهو يحب بعض الأطعمة ويرفض البعض الآخر وعندما يسبب ذلك فقد الوزن فهنا تبدأ المشكلة. وكثير من الناس يشيرون إلى أن فقد الشهية ما هو إلا خوف حقيقي من الطعام وغالبا ما يبدأ عند الأطفال البالغين من العمر 12 سنة وفي هذه الحالات النادرة يكون بسبب مرض ما، وهناك بعض الطرق التي تفتح شهية الطفل وتجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وقت الوجبة أكثر متعة، فإذا كان الطفل يكره نوعا من الطعام فعلينا أن نبدله بنوع أخر لكي نجعل الطعام تجربة ممتعة بالنسبة له، فالبيئة المحيطة به ووقت تناول الطعام يجب أن يشعراه بالسعادة كما يجب ألا يجبر الطفل على أكل جميع ما يوضع أمامه وتترك له الحرية في اختيار طعامه، ثم من الأفضل ألا يناقش الآباء الأطعمة التي يكرهونها أمام الأطفال. 7- شراهة الطعام: واحد من كل خمسة يعانون من زيادة الوزن تقريبا. ونجد ذلك في النساء مرتين أكثر من الرجال. ويمثل هذا الخطر الأول على الصحة وغالبا ما يبدأ في الطفولة، ولقد أثبتت الأبحاث التي تتعلق بنمو الجسم أن وزن الجسم لا يتعلق بكمية السعرات الحرارية التي يتناولها، ويجب أن نعرف ما هي الأسباب التي تؤدي إلى ذلك. 8- أسباب زيادة الوزن: هناك عوامل عديدة لذلك، مثل الناحية النفسية والنشاط الجسماني وعادات الطعام الموروثة، إن الوراثة تعطينا الحجم وبناء الجسم، والناحية النفسية تمدنا بالسرعة التي تأكل بها، والنشاط الجسماني يحدد عدد وكمية السعرات المحترقة أثناء اليوم وعادات الطعام تحدد كمية المأكولات التي نتناولها ومتى نتناولها. وفي الأطفال نجد أن شراهة الطعام لا يزداد بها وزن الجسم فقط ولكن حجمه أيضا، فكمية السعرات التي تسبب التخمة تزداد عندما يصل الطفل 12 سنة "وربما قبل ذلك" ولهذا فإن من الصعوبة أن يفقد "أو يكسب" الطفل كمية كبيرة من الوزن بعد 12 سنة. إن 80% من الأطفال المصابين بالتخمة يظلون هكذا بعد أن يكبروا. بعض الآباء يعتقدون اعتقادا خاطئا في عدم أهمية مستوى نشاط الطفل، لأن التمرينات تستهلك قدرا ضئيلا من الطاقة كما أن شهية الطفل تزيد كلما زاد نشاطه. وفي الحقيقة أن الطفل الزائد الوزن "من 6-8 سنوات" يعاني أيضا من قلة الحركة مقارنة بالطفل ذي الحجم الطبيعي، كما أن تقليل مستوى نشاط الطفل لا يقلل من كمية الطعام التي يتناولها الطفل الشره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وبالطبع لا بد من وجود مشكلات نفسية لدى الطفل السمين فهو دائما يرى في نفسه قبح الشكل وعدم الصلاحية الاجتماعية، وعدم ملاءمته كصديق لأحد. وفي النهاية يجب أن نوضح أن عددا ضئيلا جدا من الأطفال يصبحون سمانا ما لم يكن أحد والديهم سمينا، كما أن 10% من الأطفال المصابين بالتخمة يكون والديهم من ذوي الحجم الطبيعي، وقد ترتفع إلى 50% عندما يكون أحدهم سمينا، وتصل إلى 80% إذا كان كلاهما سمينا، وعلى أي حال نجد أن القدوة والمثل للطفل في الآباء يلعبان دورا كبيرا في التحكم الغذائي لديه. 9- متى تكون المشكلة؟! لا يجب أن يهتم الآباء بوزن أطفالهم إلا بعد أربع أو خمس سنوات، فكثير من المواليد يبدون وكأنهم زائدو الوزن، وينعكس ذلك بعد بلوغهم ثلاث أو أربع سنوات. ولقد أثبتت البحوث أن مشاكل الوزن المتعلقة بالطفولة تكون من الخامسة إلى السابعة من العمر، وفي هذه الفترة يجب أن نضع أعيننا على وزن الطفل ونزنه باستمرار. فهناك دائما وزن معين يعتبر طبيعيا، وقد يختلف ذلك طبقا لتكوين الطفل الجسماني أي إذا كان عريض المنكبين مثلا. وإذا كان الطفل في هذه السن أو أكبر قليلا لا يزيد وزنه على الوزن المثالي بنسبة 20% فيجب أن يتعامل الآباء مع هذه المشكلة. كما أن هذا يتضح بشدة ويبدو مشكلة في وزن الطفل بسبب قلة مستوى نشاطه الملحوظ وتجنبه لأصدقائه ربما بسبب الأسماء التي يطلقونها عليه. كما يجب التأكيد على أنه من الخطر الانتظار حتى تتفاقم مشكلة زيادة الوزن التي تحدث نتيجة التغذية الجيدة وقلة التمرينات الرياضية. إن الإستراتيجية التي نتبعها تصلح الأطفال ابتداء من سن الخامسة. وأخيرا يجب أن نشير إلى أنه من النادر أن يصبح الطفل سمينا بعد سن الثانية عشرة. لذلك فإن الآباء يجب أن يشعروا بالفخر إذا استطاعوا أن يحافظوا على وزن طفلهم الطبيعي خلال تلك السنوات السبع "من سن الخامسة حتى الثانية عشرة". وهناك أشياء يجب ألا نفعلها إذا كان الطفل لديه زيادة في الوزن: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 1- يجب ألا نترك الطفل حتى يشتد جوعه. 2- يجب ألا نجعل من موضوع الطعام قضية أخلاقية فنقوم بلوم الطفل وإحراجه ونقوم بمراقبته باستمرار. 3- لا نتوقع من الأطفال أن يفعلوا شيئا لا نفعله نحن. ولا نتوقع أنهم سيرفضون غالبا تناول نوع من أنواع الطعام نتناولها نحن الكبار. 4- لا تصبح متحمسا أكثر من اللازم، فإن هذا تغيير يعترض الطفل دائما. 5- يجب ألا يأتي ذكر استخدام فاتحات الشهية بتاتا إذا لم يكن هناك مشكلة صحية تتعلق بالوزن. 6- أخيرا فالتوبيخ ليس له تأثير على الوزن إطلاقا ولكنه يهدف إلى تحويل انتباه الطفل لما فيه مصلحته ويشعره بمسئوليته. 10- كيفية تحاشي الزيادة في وزن الطفل وكيفية معالجة ذلك: من السهل علينا أن نتعامل مع عادات الطعام بالنسبة للأطفال، بعكس الكبار لأننا ببساطة يمكن أن نتحكم في نوعية وكمية الأكل المقدم للطفل، ومع ذلك فإن الآباء الذين يعانون من السمنة نجدهم غير قادرين على ضبط النظام الغذائي لأطفالهم. أولا: على الآباء أن يتفهموا أن وزن الطفل يجب أن يقاس خلال السنوات الأولى من العمر لتحاشي السمنة فيما بعد وليكون من السهل التحكم فيه. ثانيا: يجب على الآباء أن يتخلصوا من الحكمة القائلة "أن الطفل السمين هو الطفل السليم"، فكثير من العائلات يشجعون أطفالهم على إنهاء طعامهم، ويسعدهم أن يطلب الطفل زيادة من الطعام "هل تريد طبقا آخر من الإسباجتي؟ " إذن سأحضر لك بعض الحلوى "هل أملؤه لك مرة أخرى". ثالثا: يجب أن نتعامل مع الوجبات الخفيفة بحكمة، فليس هناك ضرر من تقديمها، ولكن يجب التأكد من نوعية ما نقدمه خلالها وتكون بسيطة مثل البطاطس المحمرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 رابعا: تخصيص مكان واحد للأكل "ليس أمام التلفزيون" فيمكن أن يأكل الطفل كل ما يريده ولكن على مائدة الطعام. بهذه الطريقة نجعل الطعام يتنافس مع الأفعال الأخرى المفضلة للطفل بدلا من أن يقوم الطفل بشيئين في وقت واحد فقد يصبح هذا عادة عند الطفل. وقد تعني مشاهدة التلفزيون إحضار أي شيء للأكل. خامسا: إن الأشخاص الزائدي الوزن غالبا ما يكون أكلهم بسبب شعورهم بالسعادة أو بالحزن، إذن فالأكل بالنسبة لزائدي الوزن يرتبط بالحالة النفسية لديهم. نحن لا ننقل هذا الشعور كمثال لأطفالنا فقط، ولكننا نفترض أن الطعام ساعدنا خلال الأوقات العصبية، لذلك فنحن نقدم الطعام للطفل عندما يشعر بإحباط، ولا مانع من كوب من الليمون إذا تعرض الطفل للأذى من طفل آخر. إن الطعام يجب أن يقدم بانتظام ولا يجب أن يعتمد على المزاج أو يقدم تبعا لظروف نفسية فقد يتحول هذا إلى عادة من الصعب التخلص منها. سادسا: الأكل ببطء وبهدوء، وننتظر من الطفل أن يفعل نفس الشيء. فإذا ازدادت سرعة أكله أكثر من اللازم فإن الإشارات الفسيولوجية ستستغرق وقتا أطول لكي تذهب من المعدة إلى المخ لتخبرك بأنك قد شبعت. لذلك فسوف تأكل طعاما أكثر من احتياجك، ولن يستطيع المخ أن يخبرك أن معدتك قد امتلأت. فالجوع يظهر على هيئة تقلصات عضلية في المعدة، وهذه التقلصات أو الانقباضات لا تهدأ بمجرد أن يوضع الطعام في الفم، فالطعام لا بد أن يعد للهضم وبعد دقائق سيؤثر على الجوع. والأكل ببطء يسمح للمعدة والمخ أن يستوعبا كمية الطعام الذي تم أكله بالفعل ومدى امتلاء المعدة. سابعا: لا تتسوق لشراء الطعام وأنت جائع، تسوق وأنت شبعان، وخاصة إذا كان معك طفلك. فإن كان كل منكما شبعان فلن يغريك وجود حلوى أو طعام مملح أو نشويات. ثامنا: اكتب قائمة للأطعمة التي تريد أن تشتريها قبل ذهابك للتسوق واشتر فقط ما كتب بالقائمة. تاسعا: تأكد أن طفلك ينال بعض التمرينات الرياضية كل يوم. وهذا لا يمثل مشكلة مع معظم الأطفال لأن اللعب مع الأطفال أو الذهاب إلى الروضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 "ما قبل المدرسة" يهتم بذلك جيدا. ولكن الأطفال الزائدي الوزن قد لا يشاركون وقد يصابون بالإرهاق بسهولة، وإذا كان الأمر هكذا، إذن فنحن الآباء والأمهات يجب أن نزيد للأطفال مهام رياضية فنستطيع مثلا أن نذهب للتريض مساء كل يوم بعد العمل مع طفلنا، ويمكن أن نذهب إلى السوق لمشاهدة المحلات أو التفرج عليها، ويمكن أن نقوم بتعليق سلة ونلعب كرة السلة معا في مكان مناسب، وبالطبع من الصعب حقيقة أن نجد طرفا للتمرينات كل يوم، وأن نجد أنشطة يتمتع بها الطفل وأبواه معا، والمشكلة دائما تكون من ناحية الآباء الذين يكون من الصعب أخذهم من عملهم أو بعيدا عن التلفزيون أو الكمبيوتر، فمفتاح التمرينات هو أن نؤدي شيئا ممتعا ولا نقول إنك يجب أن تمشي ميلين مثلا. فالتمرينات يمكن أن تكون أبسط من ذلك بكثير بشرط أن تترك الطفل ينطلق. وعلى الآباء اكتشاف اللعبة المحببة لدى أطفالهم. وهناك شيء آخر عن التمرينات، وهو أنه يجب عدم إجبار الطفل على القيام بها إذا كان متعبا، أما الأطفال الزائدو الوزن فنجد أنه من الصعب عليهم أداء أي تمارين، لدرجة أنهم إذا بدءوا في أي تمرين لا يلبثون أن يشعروا بالتعب والإرهاق. عاشرا: وفي النهاية حين يحين وقت الوجبات، لا تستخدمي الطعام السريع لفترة طويلة لأنها عملية وسهلة، ولكن جهزي أطعمة أساسية "كالخضار والدجاج واللحم المشوي" في طريقة لذيذة، لأنه ليس فقط الأطعمة السريعة هي اللذيذة، ولكن الأساس هنا هو تقديم طعام عادي بطعم لذيذ، وخاصة لمن يهتمون بالسعرات الحرارية الموجودة في الأطعمة لأطفالهم. وفي أثناء إعداد الوجبات لا بد أن نهتم بالبروتينات ونجعل الطفل يتناول المناسب منها. ولا مانع من تقديم الأطعمة التي لا يفضلها الطفل عندما يكون جائعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 ثانيا: البكاء ونوبات الغضب والانفعال مدخل ... ثانيا: البكاء ونوبات الغضب والانفعال إن البكاء ونوبات الغضب غالبا ما يكون لها سبب وجيه، لذلك فعلى الآباء أن يكون لهم رد فعل دائم تجاه ذلك فنحن نقفز مسرعين عندما نسمع بكاء الطفل لأن هذا يدل بالتأكيد على أن هناك شيئا ما قد حدث ولا بد لنا أن نساعده فورا، فالاستجابة لصراخ الطفل شيء أساسي بالنسبة لنا، بسبب حبنا الكبير للطفل، ولكن بمرور الوقت قد يبكي الطفل لا لأنه في حاجة إلى شيء ولكن لأنه قد يريد مكرونة أو قولا بدلا من الأرز، أو يريد أن يلعب مع والده مع أنه مشغول في عمله. إذن لا بد أن يأتي وقت للآباء لكي يتجاهلوا صراخ الطفل. فتحاول الأم أن تجلس في حجرة بعيدة قليلا وتترك الطفل يبكي قليلا لرغبته مثلا في النوم معها وهذا سيكون اختبارا لقدرة هذه الأم وصلابتها. فالطفل يبكي لأنه يعرف أن أمه أو أباه سوف يأتي، ولهذا إن لم يتحقق ذلك قد يزيد الطفل من بكائه وصراخه، وقد يبدأ في فعل أشياء أخرى مثل رمي الأشياء على الأرض. وإذا فشلت في أن تقاوم بكاء الطفل فإن البكاء والصراخ سيكون حولك طوال اليوم وفي كل دقيقة. ولا عجب من أن الدراسات أثبتت أن 80% من الآباء يهتمون ببكاء الطفل. عند الأطفال حديثي الولادة يستغرق وقت البكاء من ساعة إلى 4 ساعات يوميا، وبالتأكيد يزداد أثناء الستة أسابيع الأولى من العمر وحتى الأسبوع الثامن لأنها فترة البكاء الطبيعي فالطفل يبكي لأنه جائع أو مبتل أو نائم في وضع غير مريح ... إلخ، وقد يبكي الطفل حوالي 12 مرة يوميا مع العلم أن هناك فروقا بين طفل وآخر. فعندما يبكي الطفل لا بد أن نقفز إليه ولا نتجاهل بكاءه على الأقل في السنة الأولى من عمره. وكلما حملنا الطفل واعتنينا به نقص بكاءه. فقد أثبتت الدراسات أن حمل الطفل أربع ساعات كحد أدنى ينقص بكاءه إلى النصف تقريبا. وبمرور الوقت يتناقص البكاء بعد شهرين أو ثلاثة من الولادة ويصبح حوالي 4 مرات يوميا فقط. وبعد عام يبكي الطفل ليس لتعب جسماني أو عضوي ولكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الأكثرية تكون لأسباب بيئية، كرؤيته لأغراب في ميعاد نومه أو لأنه يفضل أنواعا معينة من الطعام. وفي السادسة من العمر نجد أن 18% فقط من الأطفال يبكون أكثر من مرتين أو ثلاث كل أسبوع. وبينما يتناقص البكاء فإن نوبات الغضب تبدأ في الظهور حتى قبل أن يبلغ ثمانية أشهر من العمر. رغم أنه في هذه السن قد يكون البكاء مناسبا وذا قيمة، فهو يحدث عندما يكون الطفل قد ناله أذى، مثلما يكون خائفا أو في حاجة إلى شيء، أما نوبات الانفعال فتبدأ كعامل جذب أعلى من البكاء، فقد يشنج الطفل جسمه ويحبس أنفاسه أو يضرب رجليه في الأرض ويتطور الانفعال فيقوم بإلقاء الأشياء والضرب أو الوقوع على الأرض. ونوبات الغضب بالتحديد هي محاولة الطفل لأن يجد وسيلة أو مخرجا، ويقوم بها كل الأطفال، ورغم هذا فإنه قد يأخذ أشكالا متعددة مع أطفال مختلفين، وهو طبيعي جدا وشائع. ومع كل فإننا في العام الأول نقفز مع أقل صرخة بل وقد نقفز لمجرد تخيلنا سماع صرخة من الطفل. فالطفل في أول عمره يتعامل معاملة خاصة من الآباء. فهم في خدمته باستمرار. والأم تقدم الإفطار له في السرير، وقبل حتى أن يطلبه يكون قد توافر، والطفل يتعود على هذه المعاملة الحسنة، وإذا وضعت نفسك مكانه فماذا ستفعل لو تعودت أن تقوم الخادمة بكل شيء لراحتك ثم فجأة تدق لها الجرس ولا تحضر لتلبي رغباتك، فإنك سوف تصرخ في وجهها. هكذا الطفل يعتبر أنك العبد وهو السيد، وفي وقت ما لا بد للطفل أن يتعلم أن هذه العبودية ستتلاشى وأنه لا يمكن أن ينال كل ما يريد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 1- متى يتحول البكاء والغضب إلى مشكلة ؟ إن البكاء والغضب شيئان طبيعيان عند كل طفل. وهذا السلوك لا يكون شاذا أو يمثل مشكلة، ولكن المسألة هي أنه لا بد أن يتناقص بمرور الوقت. وتصبح نوبات الغضب مشكلة إذا لم يحدث هذا، وإذا استمر مدة أطول من اللازم. فإذا استمر الآباء في تلبية طلبات أطفالهم عند أقل انفعال فإن نوبات الغضب لدى الطفل سوف تزداد وسيصبح نموذجا للطفل المتسلط، وسيظهر هذا أثناء تعامله مع الآخرين "المدرسين والأغراب أيضا". وهذا ما يؤدي إلى عدة صعوبات ستواجه الطفل في المدرسة. وسيقل تعلم الطفل لأي شيء عن التفاعلات الاجتماعية السوية مثل المشاركة، الأخذ والعطاء، والتعاون والاندماج مع الآخرين، أو حتى أسلوبه في المطالبة بشيء. والخلاصة أنك لا تستطيع أن تمنع انفعال الطفل، ولكن كيف نتعامل معه وكيف تعتزم داخليا على ألا تستمر في تلبية رغباته؟ هذا هو ما سوف نتحدث عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 2- كيف نتعامل مع البكاء ونوبات الغضب والانفعال ؟ يجب ألا نقلق بسبب البكاء خلال العام الأول من عمر الطفل. ولكن بعد ذلك يجب أن نميز بين البكاء الحقيقي والبكاء الاستغلالي. فمعظم الآباء قادرون على أن يفرقوا بينهما في نقطة ما أحيانا في الستة أشهر الأولى وأحيانا بين 12 و15 شهرا. وإذا كتت غير متأكد اذهب للطفل وتفحص إذا ما كان محتاجا لأي شيء. أما إذا اتضح أن البكاء استغلالي فهناك العديد من الأشياء يجب القيام بها للتأكد من أن هذا لن يدوم طويلا: 1- لا بد أن نتأكد من أن نوبة الغضب لا تهدف لأن تكون وسيلة لتحقيق رغباته، وهذا يعني طبعا أنه لا بد أن نعرف بالقطع لماذا تأتي نوبة انفعال الطفل فإن عرفت أن الطفل يريد شيئا كمشاهدة برنامج تلفزيوني، أو تناول حلوى أو أن يذهب إلى اللعب فلا بد أن تتجاهله لأن تجاهل الطفل هنا سيكون مؤثرا. فتجاهله يؤكد أنه لن يحصل على كل ما يريد وأن هذا الغضب لن يجدي أو يفيد ... ولكن من ناحية أخرى إذا كان الطفل يحاول تجنب شيء ما مثل أن يذهب إلى النوم أو يأكل بالمعلقة فإن تجاهله يكون أسوأ شيء يمكن فعله، فإذا تجاهلته فسيشعر أنه ليس مطالبا بترتيب لعبه مثلا أو الذهاب إلى النوم في وقت معين، وتكون هنا نوبات غضب الطفل ناجحة لأنه قد نال ما يريد. لا تستمع لأحد يقول لك إنه يجب تجاهل الطفل باستمرار عندما يغضب لأن هذا اقتراح شائع بين الآباء، فإن البحوث الحديثة توضح أن هذا خطأ، لأنها بشكل أو بآخر تبين للطفل أن نوبات الغضب قد تفيد أحيانا. أثناء الغضب يجب أن تتفاهم وتتناقش مع الطفل فيجب أن تحاول إقناعه مثلا بسبب عدم تناول الحلوى الآن، ولماذا لا يمكن أن يشترى كل اللعب التي في المتجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 2- التقليل من الحوار أو المناقشة خلال الغضب: لا يجب أن نوضح أو نشرح خلال الغضب لماذا يجب ألا يأكل الحلوى الآن، كل الأطفال يتطلعون إلى الرعاية والاهتمام من آبائهم لكننا يجب ألا نجعل هذا هو السبب في الغضب بحيث يصبح وسيلة للحصول على الاهتمام، إننا يمكن أن نناقش ونشرح لماذا يجب أن يذهب إلى الفراش الآن ولكن قبل أن تنتابه حالة الغضب. 3- عندما يحل بنا التعب ونكون في حالة من الضيق والضغط العصبي فإننا قد نلبي الطلب للطفل من أول سؤال هاربين من التعامل مع الغضب، لذلك سوف يتعلم الطفل جدوى الغضب وفائدة استخدامه. 4- نحن نعلم الطفل الطرق السليمة لطلب ما يريده: إننا يجب أن نعلم الطفل كيف ومتى يشارك، يأخذ دوره، فإذا أراد لعبة يلعب بها طفل آخر فيجب أن يبدل معه لعبة أخرى مفضلة لديه ويجب تعليم هذا في مواقف كثيرة ولا تترك الغضب يتسلل إلى طريقة عرض طلباته. 5- التطلع إلى الأشياء الجيدة التي يفعلها الطفل والثناء عليها. والتعامل مع الغضب يجب أن يبدأ من أول ملاحظتك لحدوثه، لكننا لا نود أن تسوء العلاقة بيننا وبين أطفالنا، لذلك فإننا نبذل مجهودا خاصا لتحديد ما هي الأشياء الجميلة التي يفعلها الطفل ونثني عليها، أما يمكن أن نقضي معه وقتا أطول في اللعب فبذلك يتعلم الطفل أنه ليس بالطفل السيئ. إنها مجرد لحظات يظهر فيها هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 السلوك الذي لا نحبه، وبهذا يكتسب الطفل الثقة ويسهل التعامل مع تلك المشكلة. 6- بينما يتم التعامل مع الغضب لا يجب التطرق إلى أي مشكلة أخرى، فإذا غضب الطفل في المتوسط مرة واحدة أو أكثر خلال اليوم فلا ينبغي أن نحيل بقية يومه إلى مضايقات وأحزان بتعليمه أشياء أخرى لا يود فعلها مثل تدريبات التواليت أو روتين ما قبل النوم، فمن الممكن أن نبدأ في هذا بعد التأكد من إحرازنا تقدما كبيرا في مشكلة الغضب. 7- النكد والعار وإساءة التحكم يجب ألا يكون لهم مكان في التعامل مع الغضب. مثل هذه الأمور ليست مؤثرة بشدة ولكنها قد تعوض التقدير في معالجة الغضب لأنك بهذه الأمور تظهر للطفل كيفية تعاملك مع الناس الآخرين، كما أنك أيضا تعلمه طرقا جديدة للغضب بل وتشجع على فعل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ثالثا: عادة مص الأصابع Thumbsucking كثير من الآباء يهتمون بتلك المشكلة لدى أبنائهم. فحوالي واحد من كل تسعة آباء يشكون من هذه المشكلة، وقد تناول العديد من الكتاب هذه المشكلة وأشاروا إلى أنها مرتبطة بأشياء متعددة في حياة الطفل بداية من عدم إحساس الطفل بالآمان إلى ارتباطها بمشكلات الأسنان والفم. ولكن بنظرة موضوعية سنجد أن عادة مص الأصابع لا يوجد فيها ما يقلق. فهي سوف تختفي تدريجيا ومن تلقاء نفسها بدون ترك أي آثار جانبية، ويمكن أن نتعرف على هذه المشكلة وأحداثها ومعدلاتها وأسباب حدوثها خلال الأربعة أشهر الأولى من حياة الطفل. فإن عادة مص الأصابع هي الطريقة الوحيدة التي يشير بها الطفل إلى أنه في حاجة إلى الطعام، وهي تستمر طوال السنة الأولى. ويمكننا القول بأن الأطفال يستمتعون بهذه العادة حتى إن لم تكن مرتبطة بحاجة الطفل إلى الطعام. فقد يقوم الطفل أحيانا بامتصاص أصبعك أنت أو أي شيء آخر ولا يعنيه إذا كان هذا الشيء لكبير أم صغير، لزجا أم صلبا، المهم هو أي شيء كون قريبا من فمه. وسوف يظل الفم هو المصدر السحري لإسعاد الطفل طوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 حياته فقد اعتاد على تناول الأطعمة من خلاله وكذلك يقوم بقرض أظافره من خلاله. وعادة ما تبدا عادة مص الأصابع في الشهور الأولى المبكرة من عمر الطفل، وأحيانا مع بداية مرحلة التسنين، وعادة مص الأصابع تبلغ ذروتها في حوال 18-20 شهرا الأولى من عمر الطفل، وهناك نسب عالية تؤكد تكرارها والفترات الطويلة التي تستمر فيها وبعض الأطفال قد يستمرون ساعات طويلة وأصابعهم داخل أفواههم سواء كانوا بمفردهم أو عند مشاهدتهم لأطفال أخرين وهم يلعبون. والطبيعي أن تختفي هذه العادة في العام الثاني أو الثالث، ولكننا قد نجدها. تستمر حتى العام الخامس أو السادس. وحوالي 29% من الأطفال تستمر هذه العادة بعد سن الثالثة. ولكن هناك حالات نادرة تستمر إلى عمر أكبر. وأحيانا تكون عادة مص الأصابع مرتبطة بالنوم، فالعديد من الأطفال قد يقومون بهذه العادة عندما يرغبون في النوم أو وهم نائمون بالفعل، والبعض يقول إن هذه الحالة ترتبط لدى الطفل بالتوتر وعدم الأمان ولكن كل هذه الأفكار ثبت عدم صحتها إلى حد ما في بعض البحوث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 1- الآثار الجانبية لمشكلة مص الأصابع: هناك العديد من المشكلات التي تسببها عادة مص الأصابع فهي قد تسبب عدم انتظام الأسنان أو تتسبب في انتقال الأمراض المعدية إلى الطفل، وكذلك اضطرابات المعدة، وفي حالات نادرة تكون خلف ممارسة العادة السرية فيما بعد. ولكن من الممكن تلاشي انتقال الأمراض والاضطرابات التي قد تحدث للمعدة عن طريق تنظيف الطفل بصفة مستمرة لمنع دخول أي أشياء ضارة إلى فمه. وعادة امتصاص الأصابع تسبب تشويه شكل الفم، لأن الطفل يقوم بضغط قوي أثناء عملية المص، وهذا يؤدي أيضا إلى تورم الإبهام كما أن هذا الإصبع يكون معرضا للتلوث بسبب وضعه في الفم وابتلاله. وبما أن هذه العادة لا تستمر غالبا لما فوق الثلاث سنوات، إذن فإنها لن تؤثر على الأسنان المستديمة، ولكن يكون لها تأثير على سقف الحلق والأسنان إذا استمرت لما بعد الثالثة. وفي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى طبيب أسنان للحصول على النصائح المفيدة لحل هذه المشكلة وعلاجها. وتصبح هذه العادة مشكلة وغير مرغوب فيها في ثلاث حالات: أولا: إذا استمرت إلى ما بعد سن السادسة. ثانيا: إذا أخبرنا الطبيب أن لها آثارا جانبية على أسنان الطفل. ثالثا: إذا مارسها الطفل بعد العام الثالث بشكل مبالغ فيه لدرجة الاستغناء عن اللعب بسببها، عندئذ يجب التعامل معها كمشكلة. 2- كيفية التعامل مع مشكلة مص الأصابع: الطريقة الشائعة للتعامل مع هذه المشكلة هي أن تنهي الطفل بقولك "لا تمص أصبعك" أو أن تشغل الطفل بشيء آخر كاللعب، ولكن هذا يتطلب أن ترافق الطفل كظله حتى تكون مستعدا للإمساك بذراعه لمنع وصول أصبعه إلى فمه. ويجب أن يكون هذا برقة وبدون أي عنف أو صراخ، ولكن يكون هذا بمنتهى البساطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وهناك بديل آخر لذلك وهو أن نضع شيئا ذا طعم منفر على أصبع الطفل ولكن هناك بعض المتخصصين يرفضون ذلك لأنه يكون قاسيا جدا وقد يؤدي إلى نتائج عكسية لدى الطفل، وقد يؤدي إلى غضب الطفل. ولكن من الممكن القيام بذلك عندما يكون الطفل نائما فهو لن يدرك أنك أنت الذي فعلت ذلك. وبهذه الطريقة سيجد الطفل أن طعم أصبعه منفر ولم يعد مصدر لذة له. وهناك بديل ثالث لحل هذه المشكلة ينصح به أطباء الأسنان وهي خياطة كم الطفل لفترة من الوقت أو نقوم بإلباسه قفازات بدون أصابع. وهذا الإجراء يؤتي نتائج جيدة إذا تم استخدامه في المراحل الأولى من بداية هذه العادة. وآخر إجراء يمكن القيام به هو أن نقوم بإغراء الطفل بالمكافآت، وفي البداية يمكن أن تقدم له هذه المكافآت بعد 15 دقيقة فقط لو أن الطفل توقف عن مص أصبعه لهذه الفترة، وبالتدريج يمكن أن تصبح 30 دقيقة ثم ساعة ثم ساعتين ... إلخ. وسوف يجد الطفل نفسه يمنح بسخاء كلما زادت الفترة التي يمتنع فيها عن امتصاص أصبعه، ويمكن أن نقول للطفل "يمكنك مص أصبعك في حجرتك فقط" في الوقت الذي يهيأ له كثير من الوسائل الترفيهية خارج حجرته. وينصح أطباء الأسنان بضرورة وضع شيء ما خلف الأسنان يمنع وصول إصبع الطفل إلى سقف الحلق. ويتم هذا الإجراء إذا استمرت تلك العادة إلى ما بعد سن الثامنة أو التاسعة من العمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 رابعا: مشكلات الكلام Speech يأخذ الكلام عند الأطفال فترة من الوقت حتى يتحسن، وفي خلال هذه الفترة يصدر منهم العديد من الأخطاء، فكل الأطفال في بداية تعلمهم الكلام يتعلمون أثناء نطق الكلام في بعض المواقف. وكذلك أحيانا لا يستطيع الطفل نطق بعض كلمات معينة ويتلعثم أثناء نطقها بدون وجود مواقف. ولكن مع الوقت سوف يتعلم الطفل الكلام. ويمكن القول بأن الأخطاء التي تصدر من الأطفال هي بداية الطريق للتحسن وتعلم اللغة العادية حيث إنهم مع الوقت ينضجون فسيولوجيا وعقليا وعندئذ يبدءون في التحسن وتتسع ثروتهم اللغوية. أن ما يقارب 95% من أطفالنا لا يمثل الكلام أي مشكلة لهم. فهم في البداية يتعلمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 ويقهقهون وينطقون الكثير من الحروف بطريقة خطأ، فقد يتركون بعض المقاطع في الكلمة التي ينطقونها، أي يمكن القول أنهم يقضون على اللغة أثناء نطقهم، ولكن في الحقيقة هذه الأشياء تعتبر طبيعة لوصول الطفل إلى مرحلة التحسن والتمكن من اللغة. ويجب علينا أن نشجعهم على استخدام اللغة المهذبة بأن نقول لهم "عندما تريد شيئا يجب أن تقول من فضلك". ويجب أن نعلمهم الكلمات الجيدة ونشجعهم على الحديث. وصوف نلقي نظرة على الصعوبات التي تقابل الطفل في الكلام، وكل مشكلة سوف نتناولها بمفردها حتى نستطيع التمييز بين ما يمثل مشكلة أو لا يمثل وكيفية التغلب على هذه الصعوبات. 1- التهتهة Stuttering هي تقطع أثناء الكلام يصدر من الفرد عند النطق، فالطفل ربما يتوقف عند كلمة واحدة ويكررها أكثر من مرة ولا يستطيع نطقها، أو قد يتردد عند نطق كل كلمة، وكذلك لا يستطيع نطق بعض الأحرف أو يكرر بعض الحروف أكثر من مرة بطريقة لافتة للنظر. والتهتهة يمكن أن تزداد عندما يكون الطفل قلقا، متعبا، خائفا أو واقعا تحت ضغط أو اضطراب معين. ويمكن القول أن التهتهة تحدث بين العام الثاني والرابع من عمر الطفل وتزول بعد ذلك. فقد أوضحت بعض الدراسات التي أجريت على 200 طفل من الأطفال الطبيعيين فيما بين الثانية والرابعة، أن كل واحد منهم تصدر عنه التهتهة عند نطق كلمة بها أربعة حروف، ومثال لذلك عند نطق كلمة "ماما" فهو يقول "م. م. ماما". وبالرغم من أن هذا هو السلوك الشائع في مرحلة الطفولة، فهناك حوالي 1% من الأطفال يستمرون في عملية التهتهة إلى ما بعد سن العاشرة. 2- متى تصبح التهتهة مشكلة؟ إن الأطفال ما بين العام الثاني والرابع يحبون استخدام الكلمات الجديدة لكي تنمو قدراتهم اللغوية. ففي سن 36 شهرا يكون متوسط عدد الكلمات المستخدمة لدى كل منهم حوالي 15000 يوميا، وهذه المرحلة تشبه انفجار السد. وفي نفس هذه المرحلة قد تكون التهتهة في الكلمة المكونة من 4 حروف، وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 يكون هناك العديد من التكرارات في الكلمة الواحدة بطريقة لا يمكن قصدها وهنا نجد أن الآباء لا يلقون بالا ولا يعتبرون هذه مشكلة. ويجب أن نضع في الاعتبار أن التهتهة لا يجب أن نعتبرها مشكلة إلا حينما يصل الطفل إلى عامه الخامس على الأقل، وتصدر منه في هذه الفترة حوالي عشر أو ربما 1000 تهتهة في اليوم، وفي فترة ممتدة من الوقت "حوالي 6 شهور متتابعة". وقد تكون مشكلة التهتهة مقصورة على مواقف أو كلمات معينة أو أماكن أو أشخاص معينين، فعلى سبيل المثال: الطفل الخائف من المدرسة أو الذي يخاف المدرس، إنه قد يكون طليق اللسان في معظم الأوقات ولكنه يبدأ في التهتهة عندما يتعرض لمثل هذه المواقف. 3- كيفية التعامل مع مشكلة التهتهة: يجب ألا نعطي التهتهة اهتماما كبيرا وخاصة عند الأطفال الصغار، فذلك يجعل الأطفال أكثر ترددا وقلقا وخوفا من حدوث التهتهة. فالطريقة المثلى للتعامل مع هذه المشكلة هي ألا تعطي اهتماما حتى يصل الطفل إلى العام الخامس. مع وجوب معرفة أنه ليس هناك علاقات بين التهتهة ودرجة ذكاء الطفل. فالتهتهة لا تعني بأي طريقة أن الطفل غير طبيعي أو أقل منزلة عن غيره من الأطفال، وأني أؤكد على ذلك لا لنجعلك تشعر بالراحة، ولكن على أمل أن نجعلك لا تلفت نظر طفلك لحدة المشكلة، وإلا فسوف يتجه كل انتباهه لها، وذلك يجعل الطفل قلقا وأكثر ترديدا لكثير من الكلمات والتهتهة فيها مما يجعله يشعر بالدونية. وسوف أعطي مثالا لأوضح به كيف يحدث ذلك، فهناك حالة تخص طفلا يدعى "رضا" ويعد من الاطفال المتحدثين من الدرجة الأولى، وقد فاز في العديد من مسابقات الكلام، ثم تم نقله إلى مدرسة أخرى وقد تم إجراء اختبار المقابلة له، وعندما تمت مقابلته بمن تجري له الاختبار قالت له "إنك تتهته". الطبيعي أن معظم الأطفال سوف يتلجلجون إذا قلت لهم "إني أسجل لكم أحاديثكم" وخاصة أن هذا مهم جدا وبمثابة تقييم لقدرتهم على التحدث. لهذا فإن رضا كان قلقا كمعظم الأطفال، وقد أساءت هذه المعلمة المبتدئة توجيه الطفل الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 كان متحدثا لبقا. ولسوء الحظ أن رضا قد حفظ نصائح المعلمة عن ظهر قلب فقد قالت له: "تحدث ببطء لكي تدرك أخطاءك وتتحكم فيها". وقبل بلوغ الطفل عامة الخامس يجب أن نتركه يتهته، و99% من الأطفال سوف يتجازون هذه المرحلة ببساطة، ولكن هذا لا يعني أننا يجب ألا نتحدث إلى خبراء اللغة أو الأطباء النفسيين بخصوص ذلك، فمساعدة الطفل يجب أن تتم في مرحلة مبكرة لضمان نجاحها. ولو أنه بعد العام الخامس وجد أن التهتهة مشكلة لا تزال قائمة وإذا كانت هذه المشكلة مرتبطة بالمواقف المخيفة والأحداث المحبطة أو كانت مرتبطة بحروف أو كلمات معينة فيجب استشارة الأخصائي النفسي في هذه الحالة. أما آثار التهتهة فهي سيئة، كأن يشعر الطفل بعدم الطمأنينة في المدرسة أو لا يرغب في المشاركة في الأنشطة المدرسية ويتجنب التحدث إلى أي شخص منعا للحرج. ونتيجة لذلك فهو يحرص على عدم تكوين صداقات وربما يكون محبطا بصورة دائمة. وقد تزول هذه الآثار كلما كان علاج المشكلة سريعا. إن إجراءات العلاج التي أثبتت نجاحها في الجدول القادم، ورغم ورود هذه النتائج في كثير من البحوث إلا أننا يجب ألا نطلع عليها بمفردنا ولا بد من تدخل الأخصائي النفسي لتوضيح هذه النتائج. 4- تأخير عملية الكلام: العديد من الآباء يصبحون قلقين بشأن الفترة التي يجب أن يبدأ فيها طفلهم في الكلام. فالبعض يحاولون دفع أطفالهم للتحدث مبكرا، لأن هذا بالطبع يعني لهم أن ابنهم يتمتع بالذكاء ويطلبون العون من الله إذا جاءت مرحلة الكلام عند طفلهم متأخرة فهذا يعني لهم أن طفلهم سيكون متخلفا أو بليدا، وبالطبع هذه الفكرة خاطئة. والجدول بعد القادم يوضح العديد من الأساسيات في تطور الكلام. ولكن في الحقيقة أن هذه الأساسيات نسبية نوعا ما، وقد تظهر عند بعض الأطفال مبكرا وقد تظهر على البعض الآخر متأخرة وهذا لا يعني أن الطفل حاد الذكاء وبطيء الفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 5- تعريف عملية تأخير الكلام: كل هذه العمليات التي يقابلها الطفل أقل أهمية من مشاهدة الاتجاه العام في التحسن في عملية الكلام. ففي أثناء الخمسة عشر شهرا الأولى يجب عليك ملاحظة الزيادة في كمية الكلمات أو الأصوات المختلفة التي يستخدمها الطفل وفيما بين 15-48 شهرا يجب عليك أن تساعده في اتساع عدد الكلمات وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 طول الجمل التي يستعملها. سواء استخدم 25 كلمة أو 25 كلمة في العامين الأولين من حياته. ولكن الذي يعنينا هو هل كلام الطفل يتحسن بمرور الوقت، هل هو يستخدم العديد والعديد من الأصوات من الكلمات أو يستخدم جملا أطول، فإذا وجدت الطفل يتحسن تدريجيا عندئذ يجب ألا تقلق، فقط يمكن أن تقلق إلى حد ما عندما يبطئ هذا التقدم أو يتوقف لفترة طويلة من الزمن، فيجب أن تهتم بهذا الشأن لاحتمال تأخر مرحلة الكلام. ووجهة النظر في هذا الشأن أنه نادرا ما يحدث تأخر في مرحلة الكلام عند الأطفال. فقد أثبتت الدراسات أن حوالي 99.8% من الأطفال لن يتعرضوا للتأخر في الكلام فحوالي اثنين من كل ألف طفل يتعرضون لذلك، وعادة الغالبية العظمى من الأطفال تتقدم بسرعة وإن تأخرت بعض الشهور ولكنهم سوف يتعلمون كيفية الكلام وسوف يصبحون طبيعيين بشتى المقاييس. 6- متى يصبح التأخر في الكلام مشكلة: بصفة عامة هناك ملحوظتان كبيرتان على تأخر مرحلة الكلام عند الطفل: أولا: العملية الأساسية توضح أن مشكلة تأخر الكلام يجب أن تناقش عندما يبدأ الطفل في استخدام الكلمات عامة، ولو أن الطفل لم يستخدم خمس كلمات على الأقل عندما يبلغ 24 شهرا. فيجب أن يبدأ برنامج تعليم الكلام. ثانيا: لو أن الطفل مر بعام آخر دون كلام، فيجب عليك استشارة المتخصصن، فالعديد من الأطفال يبدءون في استخدام أول كلماتهم ما بين 14: 15 شهرا. وفي سن سنتين يستخدم الأطفال الكلمات بانتظام. وعموما: فإن بعض حالات تأخر الكلام تكون نادرة الحدوث، وغالبا إذا بدأ الطفل في ترديد بعض الكلمات فسوف يتخطى العقبة الأولى وسوف يستمر في إحراز التقدم، وفي بعض الحالات قد نجد معدلات بطيئة من التقدم "على سبل المثال عندما يكون هناك فقدان في السمع أو إعاقة أي خلل في المخ". أو قد يكون بسبب نقص في القدرات اللغوية، وعلى أي حال لو أن الطفل بلغ 12 شهرا بدون إحراز أي تقدم لغوي، فيجب اللجوء إلى الأخصائيين لطلب العون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 7- ماذا يجب عمله لجعل عملية الكلام عملية ناجحة تماما: إنه من المهم أن تعرف أن "الطفل الوحيد" الذي ليس له إخوة أو أخوات والذي يأخذ الكثير من اهتمام الكبار ويحتك بهم، كثيرا ما يصبح ماهرا في عملية الكلام. وهناك بعض النماذج التي تعتبر بدون شك أشياء مهمة يمكن أن نزودك بها إن أفضل طريقة لتشجيع الطفل على الكلام هي التحدث الكثير معه أو أن نعطيه الفرصة لكي يتكلم، وبأصوات سهلة ومفهومة، ولكن نجد أن الطفل تحدث معظم الوقت بينما الآباء لا يستمعون إليه "فهم يقولون أشياء أخرى ويتحدثون إلى أفراد آخرين". وقد يقاطعون الطفل قبل استكمال حديثه. أو قد يعطونه إجابات غير كافية لأسئلته، وذلك لأنهم قد يكونون ذاهبين إلى أماكن أخرى أو يفعلون أشياء أخرى، بالإضافة إلى أن الآباء قد يقدمون معظم الخدمات للطفل قبل أن يطلب ذلك. ربما لأنهم عادة ما يعلمون بما يفكر فيه الطفل أو ما يريده "مثال: يقولون له أنت جائع"، أو قد يعلمون أنه يريد مساعدة "فيقولون: أنا سأساعدك". ولكن نتيجة ذلك لا تتاح لديه الفرصة ليتكلم ليحصل على ما يريد، فكلامه يتجاهل، والفرص التي يستطيع فيها الحديث قليلة "فلا تكون هناك فرصة لممارسة الكلمات أو التركيبات اللغوية الجديدة". فلو أننا بدلا من ذلك استطعنا أن ندربه على النقاش كل يوم، ونستمع إليه ونعطيه الفرصة لاستكمال حديثه، ونترك له الفرصة لإلقاء الأسئلة، وننصت إلى ما يقول الطفل، عندئذ سوف نمده بالكثير لحديثه وإلى استخدامه نماذج جديدة من الكلمات، مما يعطيه الفرصة لممارسة التحدث والتدريب عليه ويجب أن نمدح الطفل على أي نطق يصدر منه ونشجعه على وضع الكلمات في جمل، وبهذه الطريقة فإننا لا نقدم دوافع مطمئنة فقط للطفل ولكننا نساعده أيضا على التقدم في تشكيل وإخراج الجمل الجيدة. ولو أن الطفل لم يستطع الكلام حتى عامة الثاني ففي هذه الحالة يمكن اعتبارها مشكلة، ولسوء الحظ فإن العديد من المتخصصيين بالأطفال وعلماء النفس لم يتخذوا الموضوع بجدية، وقد يتأخرون في ضوء هذا الحالات ولا أستطيع أن أحصى لك عدد الآباء الذين واجهوا هذه المشكلة وقد قيل لهم إن طفلهم لم يستطع تجنبها، وقد واجهوا التشخيص البشع بأن طفلهم يكون معافا اجتماعيا وربما عقليا. والحقيقة لو أن علماء الكلام بدءوا في التعامل مع هذه المشكلة مبكرا فسوف يمكن للطفل أن يتقدم ويصل إلى المرحلة الطبيعية، ولكن لو تأخرنا عاما بعد هذه السن فسوف تصبح المشكلة حقيقية ولن نستطيع التغلب عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 خامسا: الخوف مدخل ... خامسا: الخوف معظم الأطفال لهم مخاوف كثيرة، وحوالي 43% من الآباء يهتمون بهذه المشكلة لأن أولادهم يعانون منها. ولكن نجد أن معظم هذه المخاوف تختفي وتحل محلها مخاوف أخرى، وكلما كبر الطفل فإن خياله وتفكيره ينموان فتتولد مخاوف أخرى جديدة، وتختفي غيرها، ويبقى البعض منها. فكلما نما الطفل يكتشف أن الكلب يمكن أن يعض ويؤذي، أو يمكن أن يتعثر في الظلام ويقع، أو أنه لا يمكن أن يتنفس تحت الماء، أو أنه يوجد مخلوق غريب بثلاثة عيون أو مصاص يأتي له في حلمه. ويبدو هذا قريبا جدا من الحقيقة عند الأطفال الصغار، وعندما يزداد نموهم أكثر يكتشفون مع ذلك أن الظلام لا يحضر الوحوش ويزداد قربهم من الماء والحيوانات. ويبدأ الطفل في تحديد ما يجب أن يخاف منه. وبما أن الخوف مشترك عند الأطفال نجد أن "الفوبيا" PHOBIA" ليست كذلك وهي أكثر بكثير من الخوف، والطفولة الطبيعية تتغلب على الخوف بمرور الوقت، أما إذا استمر الخوف أو ازداد في القوة والرعب والهلع من ريشة تطير مثلا فهذه هي الفوبيا، ومع أن الفوبيا تكون نادرة في الأطفال لكن متى تحدث لهم فهي تترك آثارا جانبية. ومثال ذلك الطفل الذي يخاف من الماء ويرفض أن يشارك الأطفال ألعاب الماء بل ويرفض الاقتراب من حمام السباحة مما يجعله أضحوكة. ومع ذلك "فالفوبيا" يسهل علاجها وخاصة في الأطفال الصغار ومثال ذلك الطفل الذي زادت عنده تلك المشكلة بسبب المستشفيات والأطباء، فعندما وصل الطفل عمر ثلاث سنوات كسرت قدمه. وفي المستشفى كان يجب أن يمدوا قدمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 باستقامة ليتأكدوا من سلامة العظام ثم تجبيسها وهكذا. كل هذا كان مفيدا في الأسابيع الأولى. وتقول الأم: ولا يمكن أن أنسى أول ما بدءوا في مد قدمه باستقامة بعد أن رأته الممرضة في غرفة الطوارئ، أخذته وتقدمت به قبل جميع المرضى المنتظرين منذ ساعات "وعلمت حينئذ أننا في مأزق"، وسألنا الطبيب أن نمسك بذراعيه لأسفل جيدا، وبدأ الطبيب يشد هنا ويضغط هناك بينما طفلي يتمزق من الصراخ والألم. وكنت أعلم أنه لا يوجد أي فائدة من أن يرى الدموع والعذاب على وجه أبيه. وتستكمل الأم حديثها. ومنذ ذلك الوقت وهذا الطفل أصبح مريضا بالفوبيا من الممرضات والأطباء والمستشفيات وغرف الطوارئ، وحتى هذه الملابس البيضاء ولقد اعتقدنا أننا لن نستطيع أبدا التغلب على هذا وكنا متأكدين أن مثل هذه العملية سوف تترك آثارا من الخوف والرعب في نفسه. ولكن هذا لم يحدث. وتلا ذلك كثير من العمليات والعلاقات مع الأطباء خارج المستشفى مع اختفاء الخوف. وبعد أربعة أشهر من خروجنا كان لا بد من دخوله المستشفى مرة أخرى كرها. وذلك ليرى أمه وأخته المولودة الجديدة. ولكن عندما حان موعد عودتنا إلى المنزل كان في أشد الحزن لتركه أمه في هذه "المستشفى". ولكننا وجدنا أن هذه الحالة أصبحت أزمة مع ضيق في النفس عند ذهابنا مرة أخرى لتلك المستشفى لدرجة أن أضطر الأطباء إلى إعطائه دواء ليساعده على التنفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 1- ما هو الخوف وما هي الفوبيا؟ إن الطفل بصفة عامة يكون خائفا من أي شيء فيبدي رد فعل انفعالي تجاهه ويحاول تجنبه. كل الأطفال تخاف من أشياء وتظهر عليهم صور مختلفة من الخوف. الأطفال الرضع تظهر عليهم علامات فزع مثل أن يغمضوا أعينهم وينتصب قوامهم وظهرهم ويحتمل أن يبكوا وذلك عند سماع صوت عال أو رؤية ضوء مفاجئ. أما الأطفال الأكبر سنا فيظهرون ذلك بالخجل والجبن أو البكاء والاختفاء وراء آبائهم. مثل هذا الخوف يكون طبيعيا ولا خوف على الأطفال من المرور بمثل هذه التجارب حتى يتفهموا هذا الأشياء التي تخفيهم، وهذا الخوف يتغير بمرور الوقت وكل خوف يجب أن يقلل من نفسه بالتدريج ويضمحل بمرور الوقت. عند سن الثمانية أشهر يبدأ الخوف من الغرباء، ويظل هذا الخوف حتى يتم الطفل الثلاث سنوات، والطفل بعد هذا العمر إذا خاف من الغرباء ولا يتحدث إليهم ولا يقترب منهم مهما حاولنا في وجود أبويه فهنا تكون المشكلة. وإذا زاد الخوف بمرور الوقت يجب علينا أن نتيقن أننا أمام مشكلة أما إذا زاد الخوف بصورة كبيرة يصل إلى درجة الهلع فنسميه هنا "فوبيا". وقد يسمى الخوف "فوبيا" عندما يخاف الطفل من موقف معين لا يستدعي كل هذا الخوف أو لا يستحق خوفا على الإطلاق، كأن يسير الطفل بعيدا عن طريقه بعمارتين ليتجنب المرور بجانب الكلب المربوط في الحديقة أو خلف السور. هذا طبعا غير معقول، أما إذا كان الكلب يجري وراءه وهو يظهر له أسنانه فهذا الموقف يستحق الخوف فعلا. كلنا نخاف ولكن معظم الناس لا يمثل الخوف لهم أي مشكلة، فكلنا نخاف من الثعابين، والطائرات، والارتفاعات والعقارب وهذا كله بالطبع خوف طبيعي ولا يتعارض مع حياتنا اليومية فيمكن للطفل أن يكون خائفا من الثعابين لكن نادرا ما يقابلها. أحيانا يكون الخوف غير معقول، فالطفل يخاف من المدرسة جدا، ويرفض الذهاب ويجري ويدعي المرض ويقف وحيدا داخل المدرسة، وهناك طفل يخاف من القذارة والجراثيم ويقضي وقته في الاغتسال بدلا من اللعب. وهناك طفل يخاف من المرض. وإذا كان الخوف يزداد سوءا بدلا من أن يقل بمرور الوقت فهنا نسمي هذا الخوف "قريبا". شيء طبيعي أن يكون الخوف داخل كل طفل. وقد تلقينا تقارير من الآباء نصفهم يشكو من أن أطفالهم عندهم عدة أنواع من الخوف في مراحل الطفولة المبكرة وتستمر حتى سن 12 عاما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وفي مرحلة المهد "حتى سن ستة أشهر" يخاف الأطفال من أي صوت أو حركة مفاجئة. ثم بدءا من 8 أشهر يتكون عند الأطفال الخوف من الناس، أما ما بين 9 إلى 24 شهرا فإن الخوف الشائع يكون في البعد عن الآباء، أو الاختفاء بالملابس، وفي هذه السن يبدأ انزعاج الطفل من الحفاضات المبللة أو غير الناعمة، ويبدأ الآباء في وضعهم في الفراش بينما هم لم يناموا بعد. وما بين 24-48 شهرا يأتي خوف الأطفال من الأسباب التخيلية الوهمية أكبر من الأسباب الواقعية. ومن أكثر أنواع الخوف شيوعا هو الظلام والمخلوقات الوهمية والكلاب والوحدة ولا تندهش إذا رأيت الطفل يتخيل نفسه ذا ثلاث عيون أو يأخذ شكل مخلوق متوحش. وخلال السنة الخامسة أو السادسة فإن الخوف الشائع يكون من المدرس، والمرض، والنار، والرعد، والبرق، والحشرات والقذرات. وهناك أنواع كثيرة من الخوف تختفي بسرعة، وهناك أنواع أخرى قد تظل مع الطفل. لذلك يجب العلاج غير الآجل. ويتم نجاح عملية التداخل والتعامل مع مصدر الخوف بعناية في أكثر من 80% من الأطفال المصابين بالفوبيا. وكانت نتيجة العلاج طيبة جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 2- لماذا تتطور هذه الأنواع من الخوف ؟ التجارب السابقة التي قام بها Pavlov أوضحت أن معظم الطرق لهذا التطور من خلال الاقتران. فمثلا إذا أعقبنا كل جرس يسمعه حيوان معين بصدمة كهربية، نجد أن الحيوان بعد فترة يفزع من صوت الجرس. وبنفس الطريقة إذا دأب الآباء على ترك أطفالهم في الظلام فإن الطفل سيفزع بمجرد وضعه في الفراش لأن هذا مصحوب دائما بتركه وحيدا في الظلام. وهناك طرق أخرى لتطور حالات الخوف والفوبيا وبعضها يكون مزمنا وكما نتعلم القيم والأدب والمثل العليا من الآباء والأصدقاء فيمكن أيضا تعلم الخوف عن طريقهم. فنحن نرى ونسمع ونقرأ عن الحوادث السيئة التي تحدث في حمامات السباحة، فهناك من غرق أو أصيب أثناء اللعب، فالأطفال يرون ردود أفعالنا تجاه هذه الأخبار ويلتقطون قلقنا من طريقة تحذيرنا الدائم لهم. فإذا رأى والداته تضع أصبع قدمها في الماء ثم ترجع وهي ترتعش من الخوف قائلة "مش ممكن" فلن يسعى الطفل أبدا بالقفز في المياه. والمطلوب هنا: أولا: عدم مناقشة الحوادث المفزعة أمام الأطفال. ثانيا: عدم إظهار الخوف أمامهم من أي شيء على قدر المستطاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 3- كيفية التعامل مع الخوف : لكي نتعامل مع الخوف بالطريقة الصحيحة يجب أن نفرق بين نوعين من الخوف: أولا: أن هناك نوعا من الخوف يكون عارضا ووقيتا مثل الاستيقاظ على الكوابيس أثناء الليل. ثانيا: الخوف الذي يؤرقنا ويستمر معنا، فإن الخوف الذي يستمر ويزداد مع نمو الطفل سيكون له أسوأ الآثار على الطفل. ففي الحالة الأولى: الخوف وقتي: يجب أن يكون رد فعلنا مريحا للغاية ومهدئا لروع الطفل، فإذا خاف الطفل من الكوابيس أو العواصف فإن هذا الخوف سيمر بسلام، لكن السؤال هنا: ماذا يجب أن نفعل في هذه اللحظة؟ فهذا ليس عذرا للآباء أن يقولوا هنا "سوف يفهم إذا تركناه وشأنه" ومع أن هذا يكون منطقيا لنا ويكون عكس ذلك بالنسبة للطفل فالطفل يكون خائفا حقيقة. لذلك من الممكن أن نجلس مع الطفل ونحتضنه ونتكلم معه أو نقرأ له قصة مضحكة ومسيلة. أما النوع الآخر من الخوف فهناك أسلوب يتبع معه، يعتمد على تقسيم الخوف إلى أقسام والتغلب على كل جزء على حدة. فنبدأ بأقل المواقف وأخفها فزعا للطفل حتى نصل تدريجيا لأصعبها وأخطرها. وفي كل مرة نعطي العناية بالكلام والأحضان والتهدئة والتشجيع المستمر، فإذا كان الطفل عصبيا إلى حد ما وهو على بعد عشرة أقدام من حمام السباحة فإننا نتوقف هنا ونبدأ في الكلام ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 اللعب بالعرائس واللعب حتى نشعر تماما أنه مستريح وفي حالته الطبيعية، ثم نكرر نفس ما حدث من تهدئة إذا شعرنا أنه بدأ في الخوف ثانية عندما نقترب خطوة أخرى، في اتجاه حمام السباحة وهكذا في كل خطوة. إن هذا سيأخذ مدة عشرين دقيقة للطفل لكي يسترجع هدوءه. لكن لا بد ألا نتقدم حتى يتم ذلك ولا بد أن نسرف في التشجيع خطوة بخطوة حتى نصل إلى حافة حمام السباحة، وهنا الخطوة الرئيسية، فنجلس على حافة الحمام وندعوه إلى ذلك فإن قاوم فلا نرغمه بل نشجعه بوضع أقدامنا في المياه ونضحك، ثم نضع اللعب إلى آخره ... وخطوة بخطوة ننزل الحمام ونبدأ اللعب بالمياه ونظهر له استمتاعنا بالمياه ونمسك به لينزل، وهكذا يستطيع الطفل التغلب على خوفه الشديد تجاه المياه. وبالتدريج يتحول الطفل من رافض رفضا تاما لرؤية حمام السباحة إلى طفل يتحرق شوقا للذهاب إلى الحمام والاستمتاع بالسباحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 سادسا: ضرب الرأس بالحائط أو إصابة الطفل لنفسه ... سادسا: سلوك ضرب الرأس بالحائط أو إصابة الطفل لنفسه: Hea- Banging and Self-Injurous Behavior قليل من الأشياء تدعو للعجب، وأحيانا الخوف لكن ليس هناك أكثر من أن نرى طفلا يضرب رأسه في الحائط عمدا، نعم إن هذا شائع عند الأطفال في مثل سنه، ولكن هذا يختلف عند رؤيته يحدث لطفلك أمام عينيك، ومن المستحيل أن تصدق أن هذا يمكن أن يكون طبيعيا ولكنه في الحقيقة طبيعي، ومن الشائع أن يحدث مثل هذه الجروج لنفسه، ويحدث هذا في السنتين الأوليين من عمره ومع ذلك فإن ظهور هذا ليس فيه خطورة، ولكن يصعب أن يحدث ذلك أمام عينيك، وعند معظم الأطفال نجد أن هذا يختفي بمرور الوقت. إن سلوك جرح الطفل لنفسه لا يعني بالضرورة أن يؤذي الطفل نفسه ولكن في الحقيقة إن هذا نادرا ما يسبب أضرارا، ولكن قد يؤذي نفسه بالفعل إذا فعل ذلك بكثرة، والشيء المؤسف في هذا السلوك للطفل نحسه أكثر عندما يصدم رأسه في زاوية المكتب أو سور السلم أو الحائط أو الأرض أو في ظهر كرسي خشبي أو ذراعه، أو أن يعض إحدى شفتيه أو يكسر إحدى أسنانه، ويعض لسانه مما قد يسبب الالتهابات والإصابات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وبالنسبة للأطفال حتى 18شهرا فهذا يتكرر كثيرا وبتصميم قليل، أما الأطفال من سنتين إلى 6 سنوات فقد يسبب هذا السلوك لهم مشاكل كبيرة، وهذا يحتاج للرعاية والاهتمام. وغالبا ما يظهر السلوك عند سن 12 شهرا، ويظل حتى سن سنتين، فقد يمكن أن يستمر هذا لأيام، أو لأسابيع، أو شهور، أو حتى سنة أو سنتين، فلا توجد قاعدة ثابتة له. إن عملية كسر الأسنان تكون لدى ما نسبته 56% من الأطفال، أما خبط الرأس أو العض أو الخربشة أو شد الشعر فهذا يحدث بنسبة تتراوح بين 3% إلى 15% تحت سن سنتين، وهذا يكون للذكور أكثر من الإناث ثلاث أو أربع مرات، وعموما فإن هناك فرصة كبيرة لحدوث هذا السلوك للطفل الطبيعي. وفي نفس الوقت إنه من النادر جدا أن يسبب هذا السلوك أي جروح أو أذى للطفل تحت سن سنتين، وأن هذا يقل بالفعل حتى يتلاشى. إن هذا السلوك يبدأ في هذه السن الصغيرة ليكون ما يسمى بـ"الإثارة الذاتية "Self- Stimulation" وهذا يعني أن الطفل يثير نفسه ليفعل شيئا أو يشعر بشيء يريد أن يكتشفه. إن ضرب الرأس في الحائط يشبع هذه الرغبة القوية لديه، وذلك بالنسبة للحركة نفسها التي دائما ما تكون منتظمة وتعطي شعورا بالسعادة لما يسمعه الطفل من أصوات تناظر ما يقوم بفعله. بينما هذا الصوت قد يعطي شعورا بالقلق غير مرغوب فيه لي ولك، لكن يجب أن نتذكر أننا نتحدث عن طفل لا يستطيع أن يكتشف البيئة المحيطة به عند تركه بمفرده في فراشه، فهناك وقت محدد للفراش أو لتركه بمفرده أثناء الليل. فبعد أن يمل الأطفال مص الأصابع والرفس بالأرجل ومتابعة الأشياء المتحركة فإنهم سيقدمون على فعل آخر كضرب الرأس في الحائط أو الخربشة والعض. ومن الملاحظ أن هؤلاء الأطفال نادرا ما يقومون بضرب رأسهم عندما يحملهم أحدا أو يلعب معهم، إن ضرب الرأس في الحائط ليس صفة حميدة ولكن يبدو أنه شيء اعتاد الأطفال فعله عندما لا يجدون أي شيء آخر يفعلونه. وفي الحقيقة أن هذا السلوك لا يحدث بالدرجة الكافية التي قد تؤدي إلى الأذى، أما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 السبب الثاني لهذا السلوك فهو جذب الانتباه، فإنه قد يحدث أولا بمحض الصدفة أو كجزء من انفعالات الغضب. وعندما يكون الطفل في حالة من الضيق أو الجوع فيقوم بضرب يديه أو رأسه في ظهر الكرسي ولكن ماذا يحدث بعد ذلك؟ الأم ستسرع بإحضار الطعام ومحاولة التهدئة والتحدث برفق لتهدئ من روعه فسرعان ما يتعلم الطفل أن هناك شيئا جميلا يحدث بعد ضرب رأسه، فإن ذلك يجعل من حوله يسرعون إليه، يتحدثون معه ويلعبون معه ويحتضنونه، ونتيجة ذلك أن الطفل قد يكرر هذا الفعل عندما يتأخر عليه الطعام أو عندما لا يجد من يحتضنه. 1- متى تكون المشكلة؟ هناك على الأقل 3 مواقف تحتاج إلى تدخل مع العلم أنهما نادرا ما تحدث: 1- إذا استمر هذا السلوك بعد سن سنتين. 2- أن يستخدم هذا السلوك كلما أراد الطفل شيئا في نفس اللحظة "الطعام - اللعبة ... إلخ". 3- عندما يكون هناك خطر على الطفل في أي سن أو في أي وقت، ومع ذلك فإن حدوث هذا لا يستدعي القلق خلال أول سنتين من العمر. 2- ما يجب أن نفعله: إن رد فعلنا يجب أن يختلف تجاه هذه الحوادث، ففي حالة جرح الطفل نفسه بشكل منتظم من سن 4 إلى 18 شهرا فإن هناك طريقتين من الاحتياطات يمكن أن نتبعهما: الأولى: نحمي الطفل من الأذى أو الخطر بحشو المقاعد والأسرة الصلبة ببطانة تمتص الصدمات، وبالنسبة للخربشة فنحرص على قص الأظافر دائما أو نلبسه قبعة على رأسه في حالة شد الشعر. الثانية: أن نحاول التقرب إلى الطفل دائما بحمله أو احتضانه أو النوم بجانبه أو هزه لينام حيث إن هذه العادة تتوقف تماما بهذا التقرب. وإذا كان الطفل يضرب رأسه بغرض الانتباه أو لتنفيذ طلباته فإن ذلك يسبب مشكلة إلى حد ما في حالة عدم توقف ذلك، وقد يستمر الطفل في استخدامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 ليحصل على كل ما يريده "حلوى، لعب، ... إلخ" ويبتعد عن كل ما لا يريده "النظافة، الذهاب إلى الفرش، تعاطي الدواء ... إلخ". إن هذا يحدث غالبا بعد سن 18 شهرا لكن لا بد أن يتوقف، وكلما كان أسرع كان أفضل. كيف نستطيع أن نقول إن هذا نوع من التظاهر؟ هناك الكثير لكي نقوله، فإذا حدث هذا كجزء من الغضب فإن ذلك يكون مصحوبا بالرفس والصياح والسقوط على الأرض، وهذا عادة ما يكون تظاهرا وتمثيلا. وإذا كنت تعلم أن الطفل يريد شيئا كالطعام أو اللعب أو ما شابه ذلك فإن هذا من الخداع أيضا، وإذا حدث هذا فقط عندما تترك الحجرة "وهذا يزعجه جدا" وعندما يقطع العمل الممتع الذي كان يفعله، أو عندما لا يستطيع أن يحصل على ما يريد، فكل هذا يعتبر من قبيل التظاهر. فإذا كثر حدوث ذلك وصاحبه صياح وصوت عالٍ وبكاء فإن هذا يعتبر تمثيلا أيضا "تذكر أن الإثارة الذاتية لا يصحبها أي بكاء أو صياح أو غضب، ولكنها تحدث بانتظام وبتكرار وبهدوء". إنه من الشائع بين الأطفال أن يحاولوا إصابة أنفسهم ليحصلوا على ما يريدون، حتى ما بعد سن السنتين، ويكون هذا مؤقتا فعلا إذا تعاملنا معه بالطريقة الصحيحة، ولكنه يكون مفزعا، فأحد الأطفال في سن 3 سنوات بدأ في ضرب رأسه بشدة للخلف في شيء وكان هذا هو المقعد واعتقدنا أنه ربما أن يكون نوعا من اللعب ولكن بعد ذلك بدأ يضرب رأسه في الحائط ثم الأرض ويفعل ذلك عندما يغضب أو عندما يريد أبا من أبويه يلعب معه. وبتحليل نتائج البحوث حول كيفية التعامل مع هذا النوع من السلوك فقد أكدت جميعها نفس المفاهيم. أولا: أن خطورة هذا السلوك لا يمكن أن يكون سببا في تلبية رغبة الطفل. ثانيا: أن الطفل يجب أن يتعلم الطرق السليمة لكي يحصل على ما يريد. ثالثا: يجب أن نعمل مجهودا خاصا لكي نشبع نشاط الطفل باللعب معه وتعليمه ألعابا جديدة ونقرأ له القصص، وأن نقضي معه وقتا أكبر نشعره فيه بالمتعة، فإذا حدث هذا بتركيز واهتمام فإننا سوف نقلل من حدوث هذا السلوك. إن الباحثين قد أضافوا بعضا من العقاب إلى الخطة، وقد أثبت هذا نجاحه "مع حدوثه في نفس الوقت الخطأ" والآن نعود إلى حديث خطوات التعامل مع أذى الطفل لنفسه بقليل من التفصيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 إنه لشيء أساسي أن يتعلم الطفل أن ضربه لرأسه أو عضه ذراعه لن يفيده في شيء، وإذا قمت بتلبية رغبته إذا فعل ذلك فسوف يتعلم أن هذه الطريقة فعالة للحصول على ما يريد، وإذا استسلمنا لسلوكه يزداد الأمر سوءا ونجعل من الصعب علاجه فيما بعد، وكما ناقشنا من قبل أن المهم هو أن نعرف لماذا يفعل الطفل ذلك لنتخلص منه، فإذا كان يريد لعبة يلعب بها بها أو أحد والديه يلعب معه أو قطعة حلوى، أو مشاهدة التلفزيون، فوضع أيدينا على المشكلة يساعدنا في تعليمه الطريقة الصحيحة لطلبها ولا نحاول ذلك بعد حدوث هذا السلوك مباشرة "لكي لا يعتقد أنه في النهاية أيضا وباستخدامه العض أو الخبط سيحصل على ما يريد" ولكن بعدها بحوالي 15 دقيقة نأخذه إلى حجرته ونعلمه أن يقول: "اللعبة من فضلك" وعندما يفعل ذلك نعطيها له" وهكذا بالنسبة للتلفزيون والحلوى"، وتتكرر العملية لأيام عديدة، والغرض هنا طبعا تعليمه طرق التعبير عن رغبته، ولا ننسى أن نعطيه ما يريد في كل مرة كي نجعله يشعر بنجاحه في ذلك، وعندما يعتاد على عمل ذلك بلطف وأدب نتوقف عن تلبية رغباته، فمثلا إذا أراد الطفل قطعة من الحلوى قبل الغذاء فنقول له: "حاضر ولكن بعد الغذاء" إنه الآن لم يقابل بالرفض ولكنه كوفئ بدبلوماسية قد يرحب بها كثير من الأطفال حتى لو رفض طلبه. والشيء الثالث المهم في هذا الموضوع هو إشباعنا لطاقة الطفل ونشاطه عندما لا يفعل هذا الفعل السيئ، إن ذلك سيساعدنا لأسباب عديدة. منها إذا كان عندنا كثير من الألعاب المسلية فسيقلل من هذا السلوك ربما يمنعه تماما لأن وقت اللعب والمتعة ينتهي إذا حدث الضرب للرأس أو شد للشعر أو خربشة في نفس الوقت، وإذا كان هناك ما يشغله ويسلي به وقته كالألعاب أو الأصدقاء أو والديه. فلن يكون هناك سبب لكي يلجأ إلى هذا السلوك والتخلص منه سيكون أكثر سهولة، وفي الحالات النادرة عندما يؤذي الطفل نفسه بالفعل أو لم تفعل معه الطرق السابقة لتغيير هذا السلوك فإننا نضف قليلا من التعديل إلى الخطة، وكما ناقشنا من قبل الصواب والخطأ في كيفية العقاب، كمثال أن التوبيخ القاسي قد يستخدم بجذب الطفل من كلتا ذراعيه والحملقة في عينيه وجعل وجهك ملاصقا لوجهه وفي منتهى الصرامة قائلا بكل حزم "لا" وربما تضيف صفعه على يديه في حالة عض اليدين أو إصابة نفسه. 3- متى نطلب المساعدة؟ إذا لم ينته هذا السلوك بعد سن السنتين وحتى بعد استخدام العقاب للأسف لن يكون أمامك إلا استشارة أخصائي نفسي، قد يمكن مناقشة نظامك ومشكلتك معه. وما الخطأ وما الصواب الذي يحدث في الخطة التي تتبعها وأفضل أن يكون الأخصائي من المتخصصيين في الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 سابعا: سلوك عدم الطاعة والاعتراض مدخل ... سابعا: سلوك عدم الطاعة والاعتراض:Noncomploance and Oppostitional Behavior إنني لا أستطيع أن أتخيل أن هناك شيئا يعكر الوالدين ويضايقهم أكثر من عدم طاعة أطفالهم لهم، "خالد انتظر لحظة ... حبيبي خالد ... انتظر ... خالد انتظر عندك. انتظر حالا ... تعال هنا الآن". وما الأمر الثالث تقريبا تبدأ الأم في الانفعال والتحرك، ومع الأمر السادس تركض وراء طفلها الذي قارب على أن يختفي قائلة "هذه المرة سوف أقتله". هذا القول يبدو مألوفا لأنه يحدث لكل منا "ولكنه غير مقبول" والطفولة مليئة بالطباع العادية وغير العادية. تعد طاعة الطفل هي المطلب الرئيسي للآباء، فمعظم شكاوى الآباء تدور حول عدم طاعة أطفالهم لهم، والفرصة هنا جيدة لكي نعلم أنه عند نقطة معينة ستصبح مشكلتك أنت أيضا، فالأطفال يتعلمون كيف يمارسون هذه المهارة التي تحرك الناس خلفهم وتؤثر عليهم ومدى تأثير ذلك ومعرفة إلى أي مدى يجب أن يفعلوه، وتلك هي طبيعة الأطفال ... وإذا لم يكن هناك مفر من عدم الطاعة فيجب ألا نرغم الطفل على ذلك فلا يستحب أن يطيع الطفل معظم الوقت لأننا بتقليل نسبة عدم طاعته قد نجعله مطيعا لأي شخص "حتى الغرباء" ومنفذا لجميع الأوامر الصادرة له "حتى ممن هم في مثل سنة". إننا لا يجب أن نتمادى في إرغام الطفل على الطاعة باستمرار، فقليل من عدم الطاعة يجب أن يحدث ولكن لا بد أن يحتفظ الآباء بحقهم في طاعة الطفل لهم إذا احتاجوا ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وإذا كانت الطاعة تعني أن يفعل الطفل ما يطلب منه وعدم الطاعة تعني عدم فعله ذلك يبقى الأمر أكثر تعقيدا عند التدخل الخاطئ. إننا نريد أن يبدأ الطفل في التنفيذ بعد فترة معقولة من 10 إلى 20 ثانية مثلا ليس بعد ساعتين. كما أننا نفضل أن يكون الأمر مرة واحدة فقط، وبعض الآباء يتوقعون الاستجابة في جميع المواقف كالطلبات، الأوامر، الأسئلة، الاقتراحات والتعليمات. إن هذا سيكون غير منطقي حدوثه، ومع ذلك فإننا يجب أن نحصل على استجابة كاملة "100% " للأوامر فلن تصبح أوامر إلا لأهميتها القصوى. ثم أننا يمكن أن نجعل بعضا من عدم الطاعة "حرية رأي" في حالة الاقتراحات مثل. "ما رأيك لو لعبنا بالمكعبات" أو الأسئلة هل تريد أن تأكل الآن؟ " أو في حالة الطلبات "ممكن أن تحضر لي ساعتي من فضلك؟ ". إذن فالمغالاة في إجبار الطفل على الاستجابة لهذه الرغبات ليس في مصلحة الطفل وإنما في مصلحة الآباء فقط، وقد يؤثر على الطفل فيما بعد. والملاحظة الأخيرة أننا نذكر الفرق بين عدم الطاعة والاعتراض لأنهما في الحقيقة متشابهان جدا ويتم التعامل معهما بنفس الطريقة، فقط الاختلاف الوحيد هو أن عدم الطاعة عبارة عن عدم تنفيذ الطفل لطلباتك، أما السلوك الاعتراضي أكثر تطرفا فهو لن يقوم برفض طلباتك وإنما قد يقوم بعض أنفك أيضا أو عمل عكس ما قد تطلبه منه، إذن فالاعتراض هو حالة متطورة من حالات عدم الطاعة. لقد وجد أن المعدل الطبيعي للطاعة من 60% إلى 80% "ولذلك فإن عدم الطاعة يكون معدله من 20إلى 40%" ولم تجد الدراسات أي اختلاف بين الأولاد والبنات، ولم يوجد أيضا أي اختلاف بين الآباء والأمهات تجاه عدم الطاعة. إن الطاعة يجب أن تزداد بعد سنة الخامسة إلى النقطة التي عندها يصبح عدم الطاعة ليس ذا أهمية. وبينما مستوى الطاعة خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر لا يدل على ما سوف يحدث في السنوات التالية لكن الطاعة في سن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 الثالثة إلى السادسة وجد أنها تتعلق بالطاعة فيما بعد "أي من السادسة حتى الأربعين" وإضافة إلى ذلك فإن زيادة مستوى عدم الطاعة من الثالثة حتى السادسة يعتبر من المشاكل السلوكية التي تؤثر على الطفل فيما بعد. لقد توصلت الدراسات إلى أن هناك علاقة بين عدم الطاعة وبقية المشاكل السلوكية الأخرى، ومثال على ذلك فإن زيادة عدم الطاعة دائما ما تكون مصحوبة بالغضب والبكاء. والآباء لا يثنون على الأطفال عند طاعتهم والنسبة التي تفعل ذلك لا تزيد عن 30% فبعض الآباء يتوقعون مجرد الطاعة من أطفالهم، وإن ذلك لا يستحق أي ثناء خاص، أما البعض الآخر فلا يلاحظون تلك الطاعة بين كل هذا الكم من التعليمات الموجهة لأطفالهم خلال اليوم أو حتى لم يخطر على بالهم مجرد الثناء عليهم. وفي معظم الأحيان تزداد الطاعة بالرغم من غياب الثناء، ولكن وجد أنه يجب على الآباء أن يستخدموا أسلوب الثناء على أطفالهم عند حدوث الطاعة مع أنه في بعض الأحيان تقل الطاعة عند استخدام الآباء للثناء الزائد عن قيمة ما طلب تنفيذه. وبعض الآباء لا يمهلون أطفالهم لكي يطيعوا ولا يساعدونهم في ذلك عند إصدارهم الأوامر أو خلال ثوان من الأمر فهذا خطأ. لأن ذلك يعلم الطفل أن هناك شخصا سوف ينفذ الأمر بدلا منه، والبعض الآخر من الآباء يستخدمون الصياح أو الغضب أو التهديد مع الأوامر ليحصلوا على الطاعة. وقد يصاحب ذلك عدد أكبر من الأوامر مما يؤدي إلى زيادة عدم الطاعة وسلبية في رد الفعل. وفي النهاية نجد أن الآباء غالبا ما يتحملون أو يتسامحون مع عدم الطاعة حتى سن الخامسة لذلك نجد أنه بعد سن الخامسة يصبح الآباء أكثر صرامة، ربما لأن سن دخول المدرسة قد حان وتكون الأوامر والتعليمات المعقدة والكثيرة التي يجب أن يبدأ في المنزل. فلا يوجد شيء يجعل رفاق الطفل والمدرس ينفرون منه أكثر من عدم الطاعة وعدم التعاون والمشاركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ومع كل ما قيل يبقى سؤال هام، لماذا لا يستجيب الأطفال بصفة دائمة؟ إن هذا بالطبع سوف يقلل من قدر الاحترام والاهتمام والثناء عليهم من الأب والأم، وعدم الطاعة عادة ما تمدهم بالمساعدة. إن الإجابة هنا بسيطة جدا فعند معظم الأطفال روابط معينة تربطهم بوالديهم، والأطفال يتعلمون أنه من المهم أن ينصتوا والآباء بالفطرة يعتادون ويثنون على تحقيقهم ذلك، ويبدأ هذا من اليوم الذي تطعم فيه الأم ابنها الجائع. والأبناء يتعلمون بسرعة أن تنفيذ رغباتهم يكون عن طريق آبائهم ويعتمدون عليهم في كل شيء، وبالتالي فليس من الحكمة أن يجعلوا آباءهم في حالة من الضيق والغضب منهم ولكن هذا يحدث بطريقة أوتوماتيكية حيث يهتم الآباء ويعتنون بأبنائهم وفي المقابل ينصت الابن ويتعاون مع أبيه وهذا يدفعنا إلى أن نربط بين عدم الطاعة وبين التغير في رد فعل الآباء أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 1- عدم استجابة الأطفال : هناك ثلاثة أسباب رئيسية لعدم استجابة الطفل: أولا: إذا كانوا يحبون ما يفعلون ومنهمكين في الاستمتاع به، ففي هذه اللحظة سوف يرفضون أن يقاطعهم أحد "مثال: عندما أنادي على الطفل "هيا إلى الغذاء" وهو مستغرق في اللعب مع أصدقائه". ثانيا: ربما كان الطفل لا يحب ما يطلب منه أن يفعله كالذهاب إلى الدكتور أو عيادة الأسنان أو الحمام أو النوم أو أخذ الدواء. كل هذه الأشياء مطالب شائعة يرفض الأطفال عامة الاستجابة لها. ثالثا: أن يرى الطفل أعلى رد فعل من أبيه أو أمه لكي يستمتع بالنظر إلى عيونهم يتطاير منها الشرر، ويستمع إلى صوت الضغط على أسنانهم ومراقبتهم في هذه الحالة من الضيق والغضب فقد يعطي هذا للطفل تعبيرا عن الاهتمام به. إنه لمن الطبيعي ألا يستجيب الطفل في اللحظة التي يسعد فيها بلعبة فقد يصل به الأمر إلى درجة من الغيظ أن يقول أبواه "هذا هو وقت الطعام اذهب إلى المائدة" فمن الطبيعي عندئذ أن يهمل الطفل هذا الأمر وينتظر ليرى ما سيحدث قائلا: "أرجوك دقيقة واحدة" أو "كلا أن أريد اللعب" أو يكون ذهابه إلى المائدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 مصحوبا بالبكاء والصياح والرفس، فقد أصبح الآن تفضيل اللعب على الطعام هو مبعث السعادة لدى الأطفال، وسنبحث فيما بعد كيفية علاج ذلك. إن لعدم الطاعة إستراتيجية واحدة ليست أكثر ولا أقل، فإذا نجحت فسوف تستخدم بكثرة ويزداد ما يصاحبها من الغضب والصياح والبكاء. والأدهى من ذلك هو أسباب عدم طاعة الطفل "أنا لست جائعا" أنا انتهيت من الإفطار متأخرا" "أنا لا أستطيع أن أخرج في الشمس فهي تضايقني" كل هذه الأسباب التي يقولها الطفل قد تجعلنا مترددين وفي حيرة ونتساءل إذا كنا نفعل الشيء الصحيح أم لا. ومع ذلك فقد أوضح لنا باحث كبير هو Gerald Patterson أن الطفل يتعلم كيف يصبح أكثر اعتراضا وسلبية بغرض إيقاف أوامر والديه. والآباء بدورهم يصبحون أكثر إجبارا وتهديدا للطفل في محاولة للقضاء على هذه السلبية، ومن ثم فإن الطفل قد يزيد من صياحه لتقليل هذه الأوامر من قبل والديه. وإذا استسلم الآباء فإن الأطفال سرعان ما يتعلمون أنه بالتصميم على ما يفعلون تجاه المزيد من الأوامر حتى عند استخدام العنف فسيكون الفوز من نصيبهم. أما الآباء فقد يقعون بسهولة فريسة لهذه الحيل، وباختصار فإن عدم الاستجابة أمر طبيعي ومتوقع حدوثه بأكثر من شكل ويصاحبه تصرفات عديدة كالاعتراض والبكاء والغضب ... إلخ. وليس المهم حدوث ذلك أم لا، ولكن المهم هو طول المدة التي يستمر الطفل خلالها في اتباع تلك الإستراتيجية بنجاح للحصول على ما يريده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 2- متى يكون ذلك مشكلة ؟ بالنسبة للسنتين الأوليين من عمر الطفل فإن القلق لا يساور علماء النفس أما من سن الثالثة إلى السادسة فقد يصبح عدم الطاعة مشكلة إلى حد ما، لأن الطفل يستخدم طريقته ويعتاد عليها فربما يحصل على المزيد من الاهتمام ورد الفعل المناسب. هناك موقفان خلال الفترة من الثالثة إلى السادسة يظهر فيها بوضوح مشكلة عدم الطاعة. الموقف الأول هو أن حدوث الطاعة عند الطفل يكون بنسبة 60% إلى 80% من الوقت فإذا كانت الاستجابة أقل من ذلك فيتحتم علينا فعل شيء. والموقف الثاني أننا يجب أن نؤكد على الطاعة لأوامرنا، ولا يشترط ذلك في الطلبات والاقتراحات أو الأسئلة، لأنه إذا لم ينصت الطفل في حالة الضرورة أو الخطر فيجب أن نعلمه ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 3- تعليم الطاعة : عامة نحن بصدد تعليم ثلاثة أشياء: أولا: الاستجابة المصحوبة بالتقدير والمكافأة والثناء. ثانيا: عدم الطاعة ليست مشكلة. ثالثا: في حالة الأوامر يجب أن يستجيب الطفل دائما بدون تفكير. وأيضا سوف نلقي النظر على سلوكنا الخاص، فيجب أن يكون الأمر ملزما ولا نستخدم الأسئلة والاقتراحات بين وقت وآخر عندما لا يكون ذلك واجب التنفيذ. سوف نلقي الضوء بعناية على ما نصدره من أوامر وتعليمات، هل نكثر من إصدارها؟ هل بعض ما نأمر به لا يهمنا إذا لم يستجب الطفل له، وماذا كنا نعني من صدوره؟ هل نقوم بكثير من التصرفات السلبية مع ذلك الغضب الصياح ... إلخ أو نعيد تكرار الأمر مرت عديدة؟ إذا كان هذا يحدث فنحن ببساطة يجب علينا الحد من ذلك فسوف لن يفيدنا على أي حال. وباختصار لا يجب أن نقوم بإصدار الأوامر إذا لم يكن إصدارها مهما بدرجة كافية وإذا لم تهتم باستجابة الطفل للأمر فهذا سوف يكون تحت مسمى السؤال وليس الأمر. مثلا: هل تود أن تأكل الآن؟ بدلا من "اذهب إلى المنضدة لتأكل" و"هل تحب أن تخرج معنا" بدلا من "ارتد لتخرج الآن" وهنا ندع للطفل الفرصة ليقول نعم أو لا. والآن وبعد أن تعرضنا للأوامر سنتعرض معا للطرق التي يجب أن نتبعها لكي نعطي الطفل حرية الاختيار كلما أمكن ذلك، لأن هذا سوف يساعده على الاستعداد للتغيير في الأسلوب بين الاختيار والأمر، فبدلا من أن نقول "حان وقت الغذاء اذهب لتأكل" يمكن أن تكون "هل تريد أن تأكل الآن أم بعد خمس دقائق؟ حسنا. فلنجعلها الساعة التاسعة" وعندما تدق الساعة التاسعة "الساعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الآن التاسعة اذهب إلى المنضدة" إذا لم يستجب لهذا الأمر فيجب إعطاءه إنذارا واحدا فقط". "إذا لم تذهب إلى السرير الآن ستحرم من قصة قبل النوم، والآن سوف أعد واحد اثنين ثلاثة" إذا لم يتراجع الطفل ويستجب يتم حمله إلى الحجرة بدون نقاش وبدون قصص ويلقى في الفراش. إنك بدون شك عندما تحمله إلى الفراش سوف تقابل بعاصفة من الرفس والصياح ثم البكاء بشدة، وهذا سوف يحطم قلوبنا ونحن نسمعه ولكن الأمر الذي نعطيه أهم من هذا "وإلا ما كان يجب أن نفعله أساسا". هناك أمور فرعية هامة تتعلق بهذا الموضوع. أولا: لقد أنذرناه وهذا الإنذار مهم جدا فربما ينتج عنه استجابة مسبقة بدون الحاجة للبكاء والرفس والصياح، إنه يواجه الطفل بالحقيقة التي ستنتهي به في النهاية إلى فعل الشيء كما يريده أبواه. إذن فبعد حمله مرات قليلة إلى الفراش رغما عنه سوف لا يكون عليك إلا أن تعد فقط "واحد، اثنين" لتجد الطفل يترك ما في يديه وينفذ المطلوب. أما الأمر الثاني المهم في هذا الشأن فهو حمل الطفل إلى حجرة النوم "ثم يتبع ذلك إلقاؤه في الفراش" هذا أساسي لأنه سيتعلم أنه لن يجدي أي سلوك اعتراضي لكي يؤخر أو يمنع الأمر من التنفيذ فإذا حان وقت الذهاب إلى المدرسة فإننا نلبسه الجاكيت المدرسي ونأخذه من يده أو حمله إذا استدعى الأمر" فيؤخذ الطفل إلى السيارة. وإذا كان هذا هو وقت الطعام فيؤخذ الطفل إلى المنضدة ويظل هناك حتى يأكل أي شيء "لاحظ أن شهية الطفل تقل عندما يكون غضبان" لكن على الأقل يجب أن يأكل أي شيء لمجرد تعليمه أن الاعتراض لن يخدم غرضه بالامتناع عن الأكل. الأمر الثالث المتعلق بهذا المثل هو أن تقول للطفل إنك لن تقرأ له قصة قبل النوم إذا لم يذهب إلى الفراش. إن الطفل يجب أن يتعلم أن هناك ثمنا يدفع لعدم استجابته ولكن لا بد أن يكون هذ الثمن حقيقيا فإذا لم تكن قراءة قصص قبل النوم جزءا من الروتين الذي يتبع عند الذهاب للنوم فسوف لا يشكل هذا خسارة للطفل أن يفقدها، وفي هذه الحالة يجب البحث عن ثمن آخر، مثلا لن ينام الدب البني المفضل لديه بجواره أو أي لعبة يحبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 إن الأنواع الأخرى من عدم الاستجابة تعامل بنفس الطريقة. إن ابني يفرغ الصندوق تلو الآخر من اللعب على الأرض ولا يتعب نفسه بتنظيف المكان. فنحن نطلب منه أن ينظف مكان الصندوق الأول قبل أن يبدأ باللعب بالصندوق الآخر. بالطبع لن نلجأ لأن نقول إننا سنحرمه من قصة قبل النوم لأن ذلك سيكون معيبا ومتأخرا جدا. فنحن نريد شيئا لحظيا سريعا فيمكن أن نقول له: "إذا لم تلم المكعبات فلن تلعب بالبلي" فلنفعل ذلك مرتين أو ثلاثا وفي كل مرة نصر على تنظيف المكان أولا ولا مانع لو أننا قما بمساعدته أو نأخذ منه كل اللعب لمدة عشر دقائق لكي يتأكد من جدية هذا التهديد. عند حدوث عدم الاستجابة فليس هناك وقت للشرح والتهدئة أو حتى المناقشة فإن الطفل يريد ذلك بغرض زيادة في الاهتمام والانتباه له بأي طريقة لكن الرسالة الموجهة له يجب أن تكون واضحة وصريحة. شيء آخر حول التعامل مع عدم الطاعة: إننا يجب أن نبذل مجهودا خاصا للثناء على الطفل وتشجيع روح التعاون عنده. فمن السهل أن نعتقد أنه لا بد أن يفعل ذلك. فلماذا لا أكون ممتنا له، هذا الاعتقاد لن يجدي، حتى الآباء الذين اعتادوا على أن يثنوا على أطفالهم بشدة عندما يفعلون أي شيء جيد، فهم لا يلاحظون ذلك. ومن الإحصائيات كما أشرنا وجد أن الآباء الذين يثنون على أطفالهم عند الطاعة تبلغ نسبتهم 30%. إذن أول ما يجب أن نفعله هو زيادة هذه النسبة إلى 90% أو 100% والسبب بسيط، وهو أنه لا يوجد حافز للطفل على الاستجابة أكثر من أن تحمله في حب وتقول له "برافو عليك يا حبيبي إنني فخور بك فعلا"، وليس بالإنذار فقط لنجعل الرسالة الموجهة له هي ترغيبه في عمل ما وليس ترهيبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 4- الإفراط في الطاعة من جانب الطفل : بينما يكون عدم الطاعة من الأشياء التي تقلق الآباء فإننا يجب أن نكون حريصين على التفرقة بين الطاعة اللازمة لصحة وسلامة الأبناء وبين الطاعة لمجرد الطاعة فقط. وفي بعض الأوقات نجد أننا نطلب من الأطفال فعل أشياء ليست من الأهمية بمكان أو لمجرد أنها مناسبة لها "هيا نلعب بالمكعبات الآن" ألق هذا الشيء في صندوق القمامة احضر لي كوبا من الماء ولكي تطالبه بالطاعة لكل طلب أو سؤال فإن ذلك فه إساءة للتعامل معه وسوف يؤثر عليه بشدة فيما بعد. فإذا أصبح الطفل مفرطا في الطاعة فسيعتقد أن الطاعة شيء جميل وطيب ومن ثم فإنه سيطيع كل من حوله حتى الأغراب، وهذا ما لا يجب أن يراه الآباء، والأخطر من ذلك أن الإفراط في الطاعة يمكن أن تكون للطلبات غير المعقولة، وغالبا ما تكون من الأصدقاء في مثل سنة فإن معظم الأطفال لا يقبلون أن تؤخذ منهم لعبهم أو يتعرضوا لأي أذى دون أن يدافعوا عن أنفسهم لكن المفرط في الطاعة يفعل ذلك. وإذا كان هناك أحد يطيع بدرجة 100% فلن تكون عنده المقدرة على التفرقة بين الحقوق الاجتماعية له وبين الخطأ منها. أحد أبحاث Stanley Milgram في جامعة ستانفورد أظهرت أن الطلبة الأمريكيين بالجامعات يطيعون عندما يطالبون بأن يصدموا طالبا آخر معهم صدمة كهربية "بعيدا عن مستوى الخطر طبعا" ما دام هذا الأمر من المدرس الذي يقف معهم في المعمل، وحتى لو رأوا الضحية تنزف من الألم. قد تظن لأول وهلة أن هذا المثل مرحلة غير التي نتحدث فيها ولكن في الحقيقة أنه يتعلق بالموضوع تماما فهو يظهر لنا أن الإفراط في الطاعة أو عدم الطاعة هما وجهان لعملة واحدة سيئة وهي الضرر بصحة وسلامة الطفل. نحن نستخدم الأوامر ونطالب بالاستجابة لكل الأوامر. وهناك مفهومان مهمان جدا يجب ألا ننساهما: أولا: عندما تكون الاستجابة مطلوبة ومهمة فيجب أن نعطي التعليمات والأوامر بحزم وصرامة ووضوح، ويظهر ذلك من تعبير الوجه الذي يقول للطفل "إنني أعني ذلك"، وعدم الاستجابة في هذه الحالة مرفوض تماما. وعندما يؤمر الطفل بالطاعة فيجب أن تشرح له أهمية ذلك ليتعلم القواعد التي تجعله يستجيب. ويتحتم على الآباء تقييم كل موقف يأمروا فيه أطفالهم أن يستحيبوا له. ثانيا: نحن نعلم الطفل كلما كبر عدم الطاعة لكي يكون عنده المقدرة على التفرقة بين الصواب والخطأ وبين المعقول واللامعقول فعله. وعندنا من الأمثلة الكثير لإعطائها له والتي تجمع بين الطاعة وعدم الطاعة في موقف واحد "إذا قام بتوصيلك جارك إلى المنزل فلا مانع، أما إذا لم تكن تعرف هذا الشخص فيجب أن ترفض وتهرب منه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ثامنا: التدريب على قضاء الحاجة مدخل ... ثامنا: التدريب على قضاء الحاجة Toilet Training هناك ثلاثة اعتبارات للآباء حول موضوع قضاء الحاجة: 1- بدء تعليم الطفل كيفية استخدام التواليت بدلا من أن يبلل البنطلون أو الحفاظة. 2- تلطيخ وتوسيخ ما حوله. 3- البلل أثناء النوم. تقريبا كل الآباء يتعرضون لهذه المواقف، وقد نجد كثيرا من الأطفال مغرمين بالتبول والتبرز أثناء تدريبهم على ذلك إذن فلا عجب أن نرى أنواعا أخرى من المشاكل مثل استخدام التبرز في اللعب أو اعتباره شيئا جميلا وأمثال هذه المفاهيم الخاطئة. وعندما يود الآباء تعليم أبنائهم الطرق الصحيحة لقضاء الحاجة فلا يجب عليهم أن يقلقوا مطلقا. فعند سن السادسة أو السابعة سيختفي أي خطأ، لذلك فلنهدأ ونحاول أن نفهم المناسب للأطفال أثناء تعليمهم وتدريبهم. وما الضرورة والعجلة في أن نجعله جافا دائما؟ يحدث أحيانا اختلاف بين الآباء حول الوقت الذي يبدءون فيه تعليم الطفل قضاء حاجته بنفسه، بعد استخدام الحفاظات، إنه عادة ما يكون الأب الذي يقوم بعمل ذلك لعدم رؤيته لأي مشاكل في ذلك إن بعض الآباء يشعرون أن قضاء الحاجة له علاقة بالذكاء، والطفل الذي ينجح في قضاء الحاجة بنفسه مبكرا لا بد أن يكون عبقريا. وفي الحقيقة أن الذكاء ليس له علاقة قوية بالتدريب على هذه العادة. كما أنه ليس معنى أن الطفل جاهز لتلقي التدريب أن ندربه في نفس الوقت أو أسرع كلما أمكن فإن التدريب على قضاء الحاجة يكون أسهل كلما ازداد نمو الطفل وكبر، ومتى نقوم بذلك هو موضوع التوفيق المناسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ولحسن الحظ فإن كان مشاكل قضاء الحاجة يمكن التعامل معها بسهولة وبسرعة وبقليل من التخطيط. ومن نتائج الأبحاث وجد أن 95% من مشاكل قضاء الحاجة قد تم التغلب عليها عند سن الثالثة وربما أقل من تلك السن. إن الأغلبية العظمى من الأطفال يتوقفون عن بلل أنفسهم عند سن الخامسة وهذا يعني أن الآباء سيتركونهم ليتمتعوا بحياتهم الطبيعية. ومع ذلك هناك بعض الأطفال يتعلمون قضاء الحاجة في التواليت من سن سنتن وربما 18 شهرا، ذلك إذا دفعك خوفك أن تبدأ تدريبات التواليت في سن مبكرة. هذا السن مناسبة للطفل، لكن مع ذلك فإن هذا يمكن ألا يناسبه الآن فالاختيار الحقيقي لاستعداد الطفل للتدريب على التواليت ليس له علاقة بالسن ولكن يعتمد على أشياء أخرى. ومن ناحية ثانية فالبلل أثناء النوم أصعب قليلا للطفل. وقد يستمر بعد تدريبات التواليت، ويحدث هذا للأطفال بنسبة 15% بعد خمس سنوات وأيضا يسهل علاجه بنجاح بنسبة 80% من الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 1- متى يكون الطفل مستعدا لتدريبات التواليت ؟ هناك أربعة اختبارات بسيطة لذلك: أ- تحكم المثانة: أولا: يجب أن يتبول الطفل كمية مناسبة كل مرة بدلا من الكميات الصغيرة المتلاحقة خلال اليوم. ثانيا: يجب أن يظل الطفل جافا ساعات عديدة. ثالثا: عند معظم الأطفال "وليس جميعهم" نلاحظ العلامات الدالة على رغبتهم في قضاء الحاجة، فإما أن يطلبوا ذلك صراحة أو ينتابهم عدم ثبات أثناء الجلوس أو الوقوف واللعب في الأصابع وما إلى ذلك من إنذارات المثانة. ب- النضج الطبيعي: إن الطفل يتحرك بحرية من حجرة لأخرى، لكن هل عنده القدرة الميكانيكية على خلع البنطلون أو رفع الفستان؟ فإذا كان كذلك فهو طبيعي، مستعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 ج- نمو اللغة: إن الطفل يجب أن يفهم التعبيرات الخاصة التي نحتاجها أثناء عملية التدريب "فوق، تحت ذراع، قدم، مبلل، جاف ... ". د- الطاعة: هل يتبع الطفل التعليمات عادة؟ أم هو من النوع غير المطيع؟ إذا أجرينا تلك الاختبارات على الطفل بنجاح فهو مستعد لتدريبات التواليت أما إذا لم تكن الاختبارات واحد واثنين وثلاثة ناجحة بدرجة كافة فيفضل الانتظار لأن الوقت يعالج تلك المشاكل. أما المشكلة الرابعة فتتطلب اتباع أسلوب معين في معالجتها حتى لا تزيد عملية التدريب الأمر سوءا. هناك تدريبات التبول Urination Training وقد أظهر المتخصصون لنا خطوات عديدة مؤثرة لتعليم ذلك. فإذا كان التبول باستمرار فيجب أن يتعلم الطفل كيف يقوم بإنزال السروال ويتبول ثم يرفع البنطلون بنفسه. والنتائج تكون سريعة إذا قمنا بتخصيص الوقت اللازم لمتابعة ذلك، دون أن يصرف انتباهنا أو يشتتنا أي شيء "القراءة، التليفون، تجهيز الطعام ... ". أما إذا لم نستطع التركيز فسيأخذ ذلك وقتا أطول ربما بضعة أسابيع وهذه أمور يجب أن تتبع: 1- نعمل اختبارات عشوائية على حفاظة الطفل كل 5 دقائق مثلا لنتأكد من أنه يحرز تقدما في استخدام التواليت. 2- عندما تكون الحفاظة جافة عند اختبارها يجب إظهار الرضا والثناء على الطفل ويتبع ذلك أيضا عندما يقف الطفل "الولد" أو تجلس "البنت" على القصرية تنفيذا لكلامنا بمحاولة التبول. 3- يجب أن نمثل لهم ذلك فيطلب الآباء من أبنائهم الذهب معهم إلى دور المياه وتعليمهم بأنفسهم "أو يمكن استخدام عروسة Dolls" كيف ينزل البنطلون ثم يجلس ثم يجذب البنطلون ثم يغسل يديه بعد الانتهاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 4- عندما يجلس الطفل على التواليت نقوم بعمل أي شيء لتهدئته "نتحدث نلعب نسمع موسيقيا نقرأ قصصا ... إلخ". 5- تحاشي دائما الصياح أو الغضب عند تعليمه لكي لا يقترن التدريب بأشياء يمقتها. 6- نحن نظهر عدم السعادة -بدون غضب- عند حدوث البلل ونقول: أنا زعلان أو خيبت أملي لأنك بللت الحفاظة بدلا من الذهاب إلى دورة المياه. 7- عند حدوث ذلك البلل يجب أن ينظف الطفل نفسه ويغير ملابسه على قدر استطاعته، والتنظيف لا يكون ممتعا بل يجب أن يصحبه بعض النقاش ليتعلم الطفل أن يفعل ذلك بمفرده في المستقبل. 8- مراقبة أي علامة تظهر رغبة الطفل في الذهاب إلى التواليت والإسراع بتلبية ذلك ومساعدته إذا احتاج. 9- نأخذ الطفل إلى التواليت بانتظام كل 15 دقيقا تقريبا ونوفر له جوا من الهدوء والراحة ثم نتركه وبعد عشر دقائق نعود له وفي كل مرة يتم فيها التدريب على إنزال البنطلون أو رفع الرداء ثم الجلوس ثم رفعه ... ثم الاغتسال وهكذا. 10- اعطاء الطفل كثيرا من السوائل المحببة لديه "وبدون إرغام" فذلك يساعد على عملية التبول بكثرة فتكون هناك فرصة أكبر للتدريب. 11- يجب التأكيد على معنى الكلام مثل "جاف، مبلل" ومتى يكون الثناء، ومتى يكون عدم الرضا ليفهم الطفل المرغوب وغير المرغوب في فعله. كل هذه خبرات للطفل يصاحبها كثيرا من الثناء، لكن الشيء الذي يضايق الطفل هو عملة التنظيف وما يصاحبها ولكن يمكننا التغلب على هذه المشكلة بسهولة. أما التبرز Soiling فهو عملية يتم فيها التعامل بالطبع في نفس وقت التبول وبنفس الأسلوب، بل إن كلمة جاف تعني أنه لا توجد أشياء صلبة أو سائلة داخل الحفاظ ولكنها قد تتطلب وقتا أطول في التمرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 2- البلل أثناء النوم : Bed - Wetting إن استجابة الطفل لإشارات المثانة شيء صعب على الطفل، ومع ذلك فهذا من السهل أن يعالج لكي يجب التأكد أولا من نجاح الطفل في تدريبات التواليت فعندما يبلل الطفل فراشه يجب إشعاره بنبرة الضيق ثم إيقاظه وأخذه إلى دورة المياه ومطالبته البيجاما أو الرداء. عادة لا يفعل أكثر من ذلك فالطفل الذي يتعلم كيف يذهب إلى التواليت يكون فخورا بذلك قائلا: "أنا أستطيع أن أفعل ذلك بنفسي" والشيء الوحيد الباقي هو تعلم الطفل كيف يستجيب لإشارات المثانة أثناء الليل. والنقطة الهامة في هذا الموضوع هي عدم إشعار الطفل بالكسوف أو العار Shame أو عقابه أو توبيخه على ذلك عندما يفعله، فالعقاب قد يؤذي نفسية الطفل في هذه الحالة ويهبط من محاولات للاستجابة بينما هو يبذل أقصى ما عنده لمحاولة التركيز في إشارات المثانة أثناء نومه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 تاسعا: مشاكل النوم مدخل ... تاسعا: مشاكل النوم Sleeping Problems إن وضع الطفل في فراشه قد يصبح من أصعب المشاكل بدءا من سن 18 شهرا. فمعظم الأطفال لا يحبون بل يكرهون الذهاب للفراش، فهناك اللعب التي يلعب بها والناس من حوله والعالم كله الذي يحاول اكتشافه، لمن يترك كل هذا؟ "هل يجب كأم أن أتركه حتى يغرق في النوم؟ أو هل أهدئه أو أجلس معه حتى ينام؟ أو آخذه إلى الفراش معي؟ ماذا أفعل؟ " إن الاستماع إلى صراخ الطفل في فراشه يكاد ينفطر قلب الأم له ويشعرها بالذنب. ولمنع الشعور بالذنب ودموع الطفل، يجب أن يطور الطفل من الروتين اليومي للذهاب إلى النوم أغاني، قصص، ألعاب، طعام، مشروبات، لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات حتى يسقط في النوم. لكن هذا ليس الغرض فبطريقة ما يجب أن يذهب الطفل بنفسه لكي ينام بدون وجود أحد أبويه بدلا من أن يسقط طبعا نائما بين يديها. إن وضع الطفل في فراشه بدون شك من أكثر الموضوعات إثارة لقلق الآباء بل ومنهم من يشكو من عدم الانتظام في النوم "الأرق Insomnias" أو الكوابيس Night Mare، أو الرعب الليلي Sleep Terror والمشي أثناء النوم. وهذا مقرون بانفعالات عاطفية لدى الطفل، وكما يبدو هذا مفزعا، فإن ذلك أكثر الأشياء شيوعا عند الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 1- القواعد المتبعة لوقت النوم : بعد أن يولد الطفل بأسبوعين فإنه ينام حوالي 16 ساعة في اليوم ويستمر من 15-16 ساعة في الشهور الأربعة الأولى، وتصل إلى 11 ساعة عند السنة السادسة. وكلما زاد نمو الطفل زاد عدد ساعات نومه مما هو معروض بالجدول الموضح لهذا. لكن لا مانع من مراجعة الطبيب عن الاختلاف إذا زاد عن ساعتين. وبالنسبة لروتين النوم فيقابل وقت النوم كثيرا من الأحداث الدرامية عند بعض العائلات، فقد يفضل بعضهم وجود وقت محدد للنوم والبعض الآخر ينتظر حتى يتعب الأطفال. فالاختيار يرجع للآباء والأطفال يهيئون أنفسهم على ذلك أما فترة ما قبل النوم التي يصاحبها الكلام والغناء فيجب أن تستمر من 15-30 دقيقة في المتوسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 2- مشاكل ومتاعب النوم المختلفة : صعوبات الذهاب إلى النوم تغطي جزءا كبيرا من المشاكل وكلها تدور حول عدم حب الطفل في الذهاب للفراس، إلا برغبته أو بجانب لعبة أو أمام التلفزيون أو بجانب الأب. وقد يطلب الأطفال كوبا من الماء أو الذهاب إلى التواليت أو تفاحة أو حلوى هربا من الروتين الذي يسبق النوم رافضين ارتداء البيجاما أو رداء النوم. بداية من 18-24 شهرا معظم الآباء سوف يواجهون مثل هذه الصعوبات عند الذهاب بأبنائهم النوم. ومن ناحية أخرى نجد مشكلة الاستيقاظ أثناء الليل وبعد فترة وجيزة من نوم الطفل فمعظم الناس "الأطفال والكبار" قد يصيبهم الأرق، ولكن يعودون ثانية للنوم. أما إذا استيقظ طلبا للرعاية أو بكى بصفة منتظمة بدلا من الرجوع للنوم فتظهر هنا المشكلة، إن هذا ليس غريبا بل ويتلاشى بمرور الوقت. إن حوالي 20% من الأطفال في سن سنتين يوقظون آباءهم بانتظام خلال الليل و14% ممن هم في سن 3 سنوات يفعلون ذلك، وتصل النسبة إلى 8% عند أربع سنوات فعادة لا يحتاج هذا إلى أي علاج خاص. أما المشي أثناء النوم فإنه نادرا ما يحدث إلا بنسبة 6% بين الأطفال. فالذين يفعلون هذا قد يقفزون من النافذة او يخرجون من المنزل أو يدورون في الحجرة بدون أن يستيقظوا، فعيونهم تكون مفتوحة لكن هناك شيء ما مختلف يدور في رأسهم. هذا بالطبع يكون مقلقا إذا عرض الطفل للخطر. ومن الصعب أن نحدد متى يبدأ الأطفال في الأحلام المزعجة والكوابيس ولكن أغلب الظن أنها تبدأ من السنة الثانية، وتكون شائعة الحدوث من 3: 5 سنوات. إن الكوابيس تستمر بضع دقائق ثم يستيقظ الطفل بعدها وقد يتذكر بعضا مما رآه ويخبرك به. أما الفزع الليلي فهو يختلف عن هذا ويزداد معه خوف الآباء أكثر فهو يستمر لمدة 15-20 دقيقة، ولا يكون الطفل مستيقظا ومع ذلك تكون عيناه مفتوحتين وعلى وجهه آثار الخوف والهلع. كما أن انفعالاته وصياحه تكون أكثر من التي تصاحب الكوابيس. إن السبب الحقيقي وراء الكوابيس والرعب الليلي غير معلوم، ولكن لحسن الحظ بينما الكوابيس شيء شائع، نجد أنه نادرا ما يحدث هذا الرعب الليلي، ويبدو على الأطفال فوق 5 سنوات وبنسبة 2% فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 3- لماذا يقابل الأطفال تلك الصعوبات في النوم ؟ ربما يقابل الأطفال مشاكل في الذهاب إلى النوم لأسباب عديدة، منها أنهم يرغبون في فعل أشياء أخرى أفضل والشيء الثاني المعروف أنهم يرفضون الوحدة أثناء الليل، أو ببساطة قد يكونون غير متعبين الآن أو ناموا أثناء النهار، والسبب الأخير أن الطفل ربما يكون قد تعرض لموقف مخيف أو شاهد شيئا في التلفزيون أفزعه، أو قرأ قصة مخيفة كل هذا يسبب له كراهية الظلام والوحدة والنوم. وقد يشعر بعض الآباء بالذنب من رغبتهم أن ينام الطفل بنفسه وقد يشعر بالوحدة والانفصال، حينئذ بما يجعلهم يقفزون عند كل صرخة أو بكاء، وهذا للأسف يعلم الطفل كيف يستدعي الآباء فورا بمجرد احتياجه، لهم ولقد سمعنا كثيرا من الأطفال يقولون "إني حزين جدا" وهو ليسوا كذلك أو "إني خائف" وما هم بخائفين أو يبكون بشدة بمجرد ترك والديهم للغرفة ... أما لماذا يقولون ذلك فالإجابة بسيطة لأن هذا قد أثبت نجاحه من قبل فعندما كانوا فعلا في حاجة إلى الطعام أو خائفين أو في حالة من الحزن كانوا يجدون الصحبة فورا. والمفهوم الوحيد للتعامل مع هذه المشكلة هو أن نقنع الأبناء بأننا لن نعود ثانية في حالة لو تركنا الغرفة وننفذ ما نقوله، ولكي لا نشعر بالذنب نقوم بتلبية جميع رغبات الطفل من ذهاب إلى التواليت وطعام وشراب وقصص قبل أن نقول تصبح على خير ونتركه ينام في سلام. إن الكوابيس قد تتعلق بالأحداث اليومية وخاصة عندما ينضج وينمو تفكير الطفل وتخيلاته، أما الفزع الليلي والمشي أثناء النوم فيمكن معرفة المزيد عنها عند مراجعة كتاب المشكلات النفسية عند الأطفال للمؤلف زكريا الشربيني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 4- متى تصبح صعوبات النوم مشكلة حقيقية ؟ نادرا ما تكون أي من الصعوبات السابقة مشكلة حقيقية للطفل وغالبا ما تختفي بتقدم عمره ونموه، لكن المشكلة الحقيقية تكون في الآباء أنفسهم، فهم يدفعون ثمن الشعور بالذنب ومحاولاتهم الدائمة لضبط مشاعر الطفل تجاههم، فما دام الآباء لا يتعدون حدودهم كإلقاء الطفل في فراشه وحيدا عندما يكون خائفا فعلا، فلا بد أن تكون أوقاتهم التي يقضونها مع أنفسهم أو عندما ينام الطفل هادئة ومريحة لمواصلة الحياة مع الطفل مرة أخرى. وهناك طريقة أخرى فنحن نجد روتين ما قبل النوم يصبح مشكلة. إنه قد يكون مشكلة "من" الآباء بدلا من أن يكون مشكلة "لهم" لقد قابلنا آباء كثيرون يفضلون النوم مع أطفالهم برغبتهم وليس برغبة الطفل حتى بعد أن يبلغ الطفل الخامسة أو السادسة. إنه لا توجد أي مشكلة في أن تنعم بالراحة بجوار طفلك أو تنام بجانبه لتهدئته إذا خاف، لكن كأي سلوك قد يصبح ذلك مشكلة إذا تعدى الحد. فإن هذا قد يشعر الطفل بالحماية الزائدة عن الحد فيعتمد على والديه في كل ما يحتاجه، وهذا غير طبيعي، كما يسبب ذلك مشاكل زوجية، وقد يعكس قصورا في العواطف بين الزوجين لمنع العملية الجنسية بينهما لوجود الطفل في فراشهما. عادة فإن الإفراط في روتين النوم قد يسبب المشاكل للطفل ووالديه في نفس اللحظة. كما أن لجوء أحد الوالدين إلى استخدام الطفل ليمنع العملية الجنسية قد يؤدي إلى نفس النتيجة السيئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 5- كيفية التعامل مع مشاكل النوم : هناك بعض المفاهيم الأساسية للتعامل مع تلك الصعوبات: 1- من المهم أن يكون هناك روتين ما قبل النوم لكن لا يعني هذا أننا لا نستطيع الاستغناء عنه إلا في المناسبات الخاصة عند الخوف أو المرض لكن يجب أن يشعر الطفل بميعاد النوم قبله بفترة ليكون متأهبا نفسيا لذلك. 2- يجب أن يستيقظ الطفل مدة كافية خلال الصباح، أما إذا نام الطفل لساعات قليلة خلال اليوم فلا نتوقع أن يدخل الفراش في نفس وقت الأيام العادية فيجب أن نتأكد أن الطفل متعب لينام أما إذا اختلف النظام اليومي فيجب أن يتغير مع هذا وقت النوم أيضا. 3- تنبيه الطفل بميعاد النوم قبله بـ15 دقيقة ليستطيع إنهاء ما يفعله عندئذ. 4- يتضمن وقت النوم بعضا من الأفعال التي تؤدي إلى الهدوء والراحة مثل قراءة القصص والأغاني والكلام عن أحداث اليوم ويستمر ذلك من 15: 20 دقيقة. 5- يقدم للطفل المشروبات والطعام الذي يريده كما يذهب إلى التواليت لقضاء الحاجة لنتأكد من أن الطفل لن يقوم بطلب هذه الأشياء بعد دخوله للفراش كنوع من الخداع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 6- يُعطى الطفل كل ما يبعث على الهدوء مثل بطانيته المفضلة والدب البني أو صورة سوبرمان ... إلخ. 7- تحاشي إزعاج الطفل قدر المستطاع -الصوت العالي والتلفزيون- كما يكون الضوء خافتا غير مباشر إذا احتاج، وأيضا فراش خاص به لكي لا يزعج أيا من الأبوين. 8- يمكن تغيير روتين ما قبل النوم لكي لا يصاب الطفل والأبوان بالملل. فإذا لم يستجب الطفل لمحاولات الأم يمكن أن يقوم الأب بذلك في اليوم التالي. تلك النقاط هي أساس المساعدة لطفلك للتغلب على أي صعوبات في النوم. يبقى بعض خطوات إضافية مهمة يمكن اتباعها كما يلي: أولا: وضع الطفل في الفراش: اعتاد الطفل الرضيع على النوم بين يديك بعد الرضاعة لكن بعد حوالي 12 شهرا يجب أن يكون هناك تغيير كبير وهو ببساطة أن يوضع الطفل في فراشه "قبل نومه" ليسهل لنا ترك حجرته قبل أن يستغرق في النوم، هناك طرق يجب أن نتبعها لذلك: أ- يمكن أن نقول له إن وقت النوم قد حان ونتبع روتين ما قبل النوم، ثم نترك الغرفة بعد فترة. في البداية سيقاوم الطفل بشدة تركك الغرفة ويستخدم أساليب عديدة لذلك كالبكاء أو يطلب أي طلبات كالماء أو الطعام. ومع ذلك فإننا يمكن أن نخفف من شدة هذا الحزن باستخدام العوامل الخارجية كالدب البني والاحتضان لألعابه المفضلة. ويمكن أن نجعل روتين ما قبل النوم أكثر متعة بتجهيز لعبة جديدة جميلة نعاهد بها الطفل بأنه سوف تجدها تحت الوسادة في الصباح في حالة إذا نام فورا بدون أن يستيقظ مرة أخرى، ونجعل هذا الوقت من الأوقات الخاصة لدى الطفل الذي ينعم فيها بالقبلات والمداعبات. لكننا في النهاية يجب أن نترك غرفة الطفل قبل نومه فإذا فعلنا ذلك ولم نتراجع "إلا في الحالات القصوى" مثل المرض أو "استيقاظ الطفل فجأة بعد نومه" فسيشعر الطفل أننا فعلا نعني ذلك وينام بدون مشاكل فيما بعد، بل سيصبح وقت النوم من الأوقات المفضلة لديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 ب- هناك طريقة ثانية يمكن اتباعها تختلف عن الطريقة الأولى، ففي الأيام الأولى يمكن أن تظل في الغرفة أو على سريره لكن بدون كلام وعيناك مغلقتان متظاهرا بأنكَ نائم، أو أنكِ نائمة وبعد ذلك في الأيام التالية تجلس على كرسي وتقرأ بدلا من السرير وتقل مدة وجودك في الغرفة كلما مضت الأيام. ثانيا: الاستيقاظ أثناء الليل: عند حدوث ذلك لا يعتبر مشكلة ما دام ذلك بسبب واقع مثل المرض أو الخوف أو الحاجة الشديدة، لكن إذا تكرر الأمر أكثر من الطبيعي فقد يشوبه بعض من الخداع من الطفل لذلك فعند استيقاظه من النوم يجب الذهاب إليه لتهدئته والتأكد من عدم وجود أي سبب حقيقي. ثم نتركه أثناء استيقاظه ولا نعود مرة أخرى. ثالثا: الكوابيس والرعب الليلي: عند استيقاظ الطفل خوفا من أي شيء يجب أن نمده بكل أنواع التهدئة والراحة، فتظهر له أنه لا يوجد أي وحش تحت السرير وهذا التنين ينام أثناء الليل، كما أن سوبر مان لا يخاف منهما ويحميه طوال الليل، ولا مانع من وضع السيف الخاص به بجانبه. المهم أن نتأكد من أن الطفل قد استعاد هدوءه وراحته قبل أن تنصرف ويمكن أن تنتظر حتى ينام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 6- جعل وقت النوم للطفل ممتعا للآباء : يعد وقت النوم من أصعب الأوقات على الآباء. فعادة ما يصابون بالملل والتعب والرغبة في انتهائه ليحصلوا على حريتهم، وذلك لأنهم يعتبرون هذا الوقت وظيفة، مما ينتج عنه صعوبات في النوم ويصبح روتين ما قبل النوم أطول وقت وينقل الشعور بالملل للطفل أيضا. والحل هنا هو أن نجعل الوقت ممتعا ومتضمنا كثيرا من الأشياء التي نحبها ونرغب في فعلها مثل الطفل. كالألعاب المسلية "مثلا نقلب 12 كارت من الكوتشينة على ظهرها تتضمن اثنين من كل من الواحد والشايب والولد والبنت والعشرة والتسعة ومحاولة إيجاد الكارتين المتشابهين بكلتا يديك مرة واحدة وهذا يعتمد على الذاكرة لكل من الكبار والأطفال" كما أن قليلا من الكلام مع الطفل قد يعينه ويعينك أما إذا كنت قليل الكلام فمن الممكن أن تقوم بقراءة قصة تحبها. فإن هذا هو أنسب وقت تشعر بالمتعة وأنت ترى ملامح وجهه عندما تعيش معه في تلك القصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 7- العلاقة بين وقت النوم وعدم الطاعة : إذا استخدام الآباء الطرق الموضحة في الجزء الخاص بعدم الطاعة لكي يستجيب الطفل لهم، فإن وضعه في الفراش سيكون أسهل كثيرا. فإذا حافظنا على جدية الأوامر الصادرة للطفل وإحساسه باختلافها عن الطلبات أو الأسئلة أو الاقتراحات فإن الأمر الخاص بالذهاب إلى النوم سيكون أسهل ما يكون ولا يحتاج لأي معاملة خاصة، ومع ذلك فلا يمكننا أن نأمر الطفل بأن ينام فهذا ليس مفتاحا يغلق ويفتح وإنما يمكن أن يكون الأمر "ألبس البيجاما الآن" "اذهب إلى الفراش فورا" هذا إذا احتاج الموضوع لأوامر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 عاشرا: العدوانية مدخل ... عاشرا: العدوانية Aggression إن الصدمة تكون كبيرة عند رؤية العدوانية على أطفالنا، وربما نكره ذلك الطفل. قالت الأم لزوجها: هل تعلم ما الذي فعلته ابنتك؟ صعدت إلى السرير وخربشت وجهي "كيف تجرؤ على قذفي بهذا الشيء؟ " هل تصدق أن الأميرة الجميلة ابنتنا صعدت إلى المرجيحة وأوقعت هذا الطفل من فوقها على الأرض. والحقيقة أن الباحثين يوضحون أن أكثر الأطفال طموحا وذكاء يكونون أكثر عدوانية في الفترة من 2-3 سنوات، ولكن هذا العدوان يختفي بالقطع عند تطور حياة الطفل الاجتماعية وتقدمه في السن. إن مظاهر العدوانية كثيرة، منها أن يقوم الطفل بإلقاء وتحطيم الأشياء، وآخر يدفع ويضرب برجله الآخرين، وثالث يظهر عدم الرضا والصياح والبكاء بصفة دائمة. وهذا يؤثر بالطبع على سلوك الطفل في المستقبل لهذا فهو من أكثر الموضوعات قلقا للآباء. إن العدوانية عامة وهي أي سلوك مؤذ "جسديا أو نفسيا" للآخرين، ويأخذ أشكالا عديدة فالطفل المؤذي جسديا ربما يضرب، يرفس، يدفع، وقد يصرخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الطفل العدواني بأعلى ما في رئتيه من هواء ليحصل على ما يريد بإلحاح أو حتى بالتهديد، وقد يلقي هذا الطفل أي لعبة أو طبق أو يحطم الأشياء بقدم واحدة أو بواحدة تلو الأخرى حتى يخلي الحجرة من كل ما فيها. من الضروري التفرقة بين العدوانية والميل إلى الحزم والصرامة ... فقليل من الحزم مطلوب لضبط الطباع والخصائص فنحن نريد أطفالنا "والكبار" أن يكونوا حازمين بدلا من الإيجابية في مواجهة الأوامر غير السليمة التي توجه إليه في حياته. وما لم يبلغ الطفل سنتين لا يمكن أن نعتبر العدوانية مشكلة كالتي تظهر عندما يحين وقت الأكل أو النوم أو التواليت ... إلخ. ومع ذلك فنتائج البحوث تشير إلى أن حوادث العدوانية تقل بمرور الزمن وباكتساب الطفل للنشاطات الاجتماعية. كما أن أنواع العدوانية تتغير بمرور الزمن. لكن التجارب أثبتت أن 70% من الكبارالذين كانوا عدوانيين في طفولتهم لم يصبحوا كذلك فيما بعد، مما يؤكد أن هذه المشكلة إذا لم تكن خطيرة في الطفولة لن تكون كذلك فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 1- سبب عدوانية الأطفال : إن الطريقة التي يتعلم بها الأطفال العدوانية تكون عن طريق القدوة أو التقليد، فهم يرون الآخرين يفعلون ذلك وربما يكون هذا في التلفزيون أو النادي أو من الآباء، وعند تعرض الطفل للعدوانية فهذا خير مثال له ليفعل هو أيضا ذلك بل ولا يتوقف بعد ذلك عن فعله. إن الكم الهائل من الأبحاث المتعلقة بالعنف في التلفزيون أوضحت أن الأطفال تتأثر وتقلد ما يحدث حتى أبطال الكارتون ... فلا عجب إذا رأيت طفلك يحاول الطيران رافعا قدمه في حركة كراتيه. كذلك فالأطفال يتعلمون شكل العدوانية من آبائهم فلا تتعجب إذا رأيت طفلك يقسم ويتوعد ويصرخ فالحقيقة أنهم يقلدون انفعالاتنا "وهذا أحيانا يثير ضحكنا فمن الأفضل أن تذهب وتضحك بعيدا عن الطفل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ويجب أن نحاول منع عدوانية الطفل، فمن الحكمة ألا نعرضهم لأحداث عنيفة، وأن نقلل من وقت مشاهدة التلفزيون والتحكم فيما يشاهدونه مع عدم الدخول في جدال ومهاترات أمام الأطفال. لكن من المستحيل أن تمنع كل هذا أمام الطفل، وإذا فعلت فسيقوم بذلك أصدقاء المدرسة. إن بعض الأسر تميل إلى الموافقة والتأييد لعدوانية أطفالهم، ومثال على ذلك فالعدوانية عند الأطفال شائعة عندما يكون على درجة كبيرة من التساهل والتسامح، فالآباء الذين يدللون أطفالهم ولا يتعاملون بحزم وصرامة مع السلوك غير السليم يعلمون أطفالهم أن العدوانية هي المنفذ وطوق النجاة من الغرق. وكما في القول المأثور أن التسامح يجعلك بعيدا عن الجريمة ويجعل الجريمة تقترب منك، هكذا يعلمون أطفالهم. إن الإسراف في استخدام الرفض، النكد العقاب قد يزيد من عدوانية الطفل، وأيضا فالآباء يمثلون قدوة أساسية للطفل فعند قيامهم بفعل أي شيء، يعتبر هذا تصريحا للطفل بفعله وغالبا ما يقوم بذلك. في بعض العائلات نجد الآباء لا يجنبون مشاعرهم وانفعالاتهم عن الأطفال، خاصة بمشاكل العمل أو تكلفة المعيشة فالطفل قد يعتقد أنه قد أخطأ في عمل شيء بسبب هموم أبيه ولا يدري ما السبب. فإذا استمرت هموم أبيه وإحساسه بها، فقد يشعره ذلك بالحزن والإحباط ثم يتحول ذلك إلى العدوانية. كما أن الآباء إذا فشلوا في الثناء على الأشياء الجيدة التي يقوم بها الطفل ويكونون مهتمين بالجزء الخاص بالعقاب فقط، فإن الطفل يحفظ مثل هذا السلوك في الحقيقة. إن الطفل قد يحاول الصياح أو القيام بالأفعال الاعتراضية الأخرى ليحصل على اهتمام والديه أو يمنعهم من الصياح والرفض له، فمن هذا المنطلق نجد أن العقاب من أكثر الأسباب الواضحة لعدوانية الطفل. إن هذا يوضح لماذا توجد مشاكل مع الأطفال الذين ينفصل آبائهم وأمهاتهم عن بعض، بالطلاق، فلا يكون عدوانهم بسبب الانفصال وإنما بسبب النموذج العدواني الذي أعطوه لهم، إن الأسر التي تتعامل مع الغضب بنجاح -مع أن الغضب يظهر ولكن سرعان ما يختفي ويحل محله السلوك الاجتماعي السليم- لهم الخصائص التالية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 1- أنهم ينذرون أطفالهم قبل استخدام العقاب 2- أنهم شديدو الحرص على إبعاد همومهم وانفعالاتهم عن الطفل "أو أي من أفراد الأسرة"، لذلك فالطفل لا يعاقب إلا إذا فعل شيئا يستحق ذلك. 3- أنهم يفضلون التوضيح والمناقشة بدلا من العقاب، إلا إذا تأكدوا من عدم جدوى التوضيح. 4- عدم السماح لعدوانية الطفل أن تؤدي إلى أن يحصل على ما يريده. 5- أن يعلموا الطفل الطرق الصحيحة السليمة للعدوانية "المشاركة، الطلبات، التعاون، مساعدة الآخرين ... ". هذه الصفات أو الخصائص سوف تساعدنا في الحقيقة على التعامل مع عدوانية أطفالنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 2- متى تعتبر العدوانية مشكلة ؟ إذا كان يجب أن تزيد العدوانية ويزيد معها الطرق التي يسيطر بها الطفل ليحصل على ما يريده فهنا تكون المشكلة. فهذا يكون مصحوبا بصعوبات أخرى، فيكول الطفل غير محبوب من أصدقائه، ويشعر بالحزن، فيقوم بتحطيم الأشياء أو إيذاء الآخرين ونادرا ما يشاركهم أو يتعاون معهم. وتبدأ هذه المشكلة في المدرسة. أما إذا لم يظهر طفلك أيا من هذه المشكلات إذًا فمعنوياته من النوع الطبيعي ومع ذلك تظل غير مقبولة. هناك اختبار بسيط يمكن أن نجريه وهو مدى استجابة الطفل للأوامر الصارمة فإذا كان طفلك يستجيب بنسبة من 60-80% فإن فرصة تخلصه من العدوانية كبيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 3- كيفية التعامل مع العدوانية : هناك طرق إيجابية كثيرة يمكن أن تتبعها بغرض تقليل العدوانية ثم تعليم الطرق البديلة: 1- نحن متأكدون من أن العدوانية لا تخدم الطفل للحصول على ما يريده فمعظم العدوانية عند الأطفال تكون ظاهرية، فالطفل قد يريد حلوى أو لعبة أو قد لا يريد أن يفعل شيئا يجب عليه القيام به كالنظافة أو النوم، أو تعاطي الدواء ... إلخ، فيعبر عن ذلك بالعدوانية، وعندما يبدأ ذلك يجب ألا نعطيه اللعبة التي يريدها، وقد نحمله ونلقي به في الفراش بدون مناقشة. 2- التحذير قبل الإقدام على العقاب "إذا لم تتجه إلى الفراش الآن سوف أعد واحد، اثنين، ثلاثة. وسوف نذهب للنوم بدون قراءة القصة بعد ذلك مباشرة" هذا النوع من التحذير شائع وإذا اتبعته يكون له تأثير على الطفل. فالطفل يجب عليه أن يتوقف عما يفعله ويتبع التعليمات قبل الرقم ثلاثة. النوع الآخر من التحذير هو أن نجعل الطفل يعلم بوقت كاف بميعاد الذهاب مثلا إلى السوق فهذا يحل محل إيقاف الطفل فجأة عما يفعله. 3- يجب أن نحرص على الثناء والانتباه عندما يتحسن سلوك الطفل ونبحث عن الأشياء التي تجعلنا نثني عليه، ولا نجعل أسلوب العقاب يطغى على علاقتنا معه. فلا يجب أن نتحفز وننفعل عندما يفعل الطفل شيئا خطأ، ونظل على هدوئنا ونتصرف التصرف الصحيح. 4- يجب أن نتأكد من تعليم الطفل الطرق السليمة للحصول على ما يريده فنعلمه كيف يستأذن صديقه للعب بلعبته. فذلك يكون بلطف وأدب، كما نعلمه مدى أهمية المساعدة والتعاون وإدخال السرور على الآخرين مع عدم إهمال الثناء عندما يفعل ذلك. 5- لا تدخل مع الطفل في جدال حاد، إلا إذا كنت متأكدا من أنك الفائز في النهاية فإذا كنت متعبا جدا أو مشغولا بشيء عن التعامل مع عدوانيته فلتسأل زوجتك لتقوم بذلك بدلا منك أو لا تبدأ ذلك أبدا. وإذا لم تستطع أن تقوم بروتين قبل النوم فدع طفلك يغرق في النوم حتى لو كان على الأرض. ثم يجب عليك أن تلبي رغبته قبل أن يلجأ إلى العدوانة، أو تأخذه بعيدا عن لعبه "وهو يرفس ويبكي في ذلك الوقت يبدو هذا كحرب". فالطفل يبدي بعض الانفعال ليحصل على ما يريد لكن هذا لا يستمر طويلا بمجرد أن يتعلم الطفل أنه لن يجني شيئا من وراء ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 6- يجب أن يكون هناك ثمن العدوانية. إن هناك أشياء هامة كثيرة نذكرها حول موضوع التوبيخ والعقاب أولا: لا تطرق عشرة أبواب مرة واحدة، فإذا كنت تحاول التعامل مع العدوانية لا تبدأ في تدريبات التواليت أو نظام جديد للنوم لأن هذا قد يصبح مملا. ثانيا: كل منا له همومه ومشاكله ولكننا لا ينبغي أن نعامل الطفل على أساس ذلك فيمكن أن نقول: "أنا آسف يا حبيبي لكن والدك عنده شيء آخر يجب أن يفعله" بدلا من "كلا اتركني وشأني". فقد يصيب ذلك الطفل بالحزن والأسى والإحباط، خاصة إذا لم يكن قد فعل شيئا. ثالثا: إذا استخدمنا العقاب فيجب أن يكون مؤثرا. فلا فائدة من أن نغلق التلفزيون أمام الطفل إذا لم يكن يشاهده، أو نأخذ منه لعبة إذا كان أمامه لعب أخرى. كما يجب أن نعلمه أن العدوانية قد تؤدي إلى أشياء سيئة بألا نأخذه إلى الحديقة ولا نجعله يلعب مع الأطفال الآخرين. وإذا قام بدفع أحد الأطفال الآخرين نأخذ كل الألعاب التي أمامه بعيدا عنه. وقد نوجه له توبيخا شديد اللهجة. ومع أن هذه الطريقة مؤثرة فإنها يجب ألا تستخدم في حالة العدوانية غير المتقدمة. وإذا كانت العدوانية خطيرة ومتكررة أو مصحوبة بمشاكل عديدة كما شرحنا من قبل "فقد النشاط الاجتماعي، عدم الطاعة، تجمد المشاعر ... إلخ". فالأفضل البحث عن متخصص ليضع الخطوات الرئيسية للتعامل مع هذا الطفل وهذا ليس معناه أن الطفل يعاني من مرض نفسي خطير، لكن هذا من قبيل المعرفة للطرق السليمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 4- الرد على العدوانية : يصيب الآباء حيرة شديدة فيما سيقولونه لطفلهم عندما يتعرض للأذى أو الضرب من طفل آخر، هل يجب أن يرد له الضرب؟ الخطورة الأولى هنا أن نتأكد من أن الطفل الآخر قد توقف، فلا يجب أن نسمح بأن يتعرض طفلنا للأذى، فقد يصيبه ذلك بمتاعب نفسية كالخوف، والعزلة، وقد يكره المدرسة واللعب مع زملائه. كمثال لذلك إذا أراد الطفل الآخر أن يركب المرجيحة أولا فإن هذا يحدث عامة وليس من العدوانية في شيء. ومع ذلك إذا تعمد أن يفعل هذا بصفة منتظمة فإنه يجب أن يتوقف أولا بطريقة أو بأخرى، وهناك طرق عديدة لإيقاف عدوانية الطفل. ويمكن أن نقول لطفلنا أن يرد له الضرب أو نطلب من المدرس مراقبة الأمر، أو قد نذهب إلى الحديقة أو المدرسة ونقوم بتوبيخ الطفل العدواني، وأخيرا نخبر والديه بذلك ونطلب مساعدتهم. يجادل بعض الآباء حول وجوب دفاع الطفل عن نفسه وتعلم كيفية رد الأذى، لكن في الحقيقة هذا أقل أهمية من أن نتأكد من توقف العدوانية على طفلهم. كثير من الأطفال، يشعرون بالخجل وصعوبة أن يدفعوا أو يردوا ضرب أي طفل آخر، أو قد ينفذوا تعليمات والديهم بالإحباط والضيق. فقد تكون النتائج أسوأ عندما نأمر طفلنا برد الأذى إذا كان خجولا أو جسمه ليس أكبر من بقية زملائه، إن الحل الوحيد لذلك أن نعتني بهذا الموضوع "بمطالبة المعلم أو آباء الطفل الآخر بالتدخل أو التعامل مع الطفل نفسه، أو إلحاقه بإحدى دور تعليم الدفاع عن النفس" وبذلك نكون قد أوقفنا المشكلة الحالية ونعد الطفل لأي مشكلة أخرى. وبالنسبة للطفل القوي جسديا هل نطلب منه رد الأذى أم لا؟ هذا في الحقيقة يرجع إلى الآباء، فإذا كان الطفل لديه الرغبة والقدرة على رد الأذى فلن يحتاج إلى تحفيزه أو الضغط عليه، أما إذا فعل ذلك لرغبة والديه وتصريح منهم فقد يشكل ذلك مسئولية كبيرة على الآباء، فيجب تعليم الطفل متى يتشاجر ومتى لا يتشاجر، فقد يبادر الطفل بالشجار ليأخذ حقه، أو قد يتعدى الحدود اللازمة لذلك كأن يكيل اللكمات في وجه طفل بمجرد أنه أخذ لعبته. وباختصار فإن الشجار لا بد أن يحكم بواسطة الآباء، ولا بد أولا أن يتأكدوا من سلامة موقف طفلهم والتأكيد عليه في ذلك تماما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 حادي عشر: السلوك الاجتماعي والعلاقات Social Behavior and Relationships في وقت ما تجد أن بعض الأطفال على درجة من الإنطواء والخجل وقد يكون عندهم مشاكل في المشاركة الاجتماعية، ولكن في الحقيقة أن هذا شيء بسيط وسريع الاختفاء بمجرد تقدم عمر الطفل، أو المشكلة هنا تقع على توقعات الآباء، فبمجرد إجادة الطفل للكلام يظهر في نظرهم كرجل عاقل ويتوقعون منه الكثير، وننسى أنه لا يزال في مرحلة اكتشاف ما حوله، ومع ذلك فالمشكلة الحقيقية تظهر عندما تتعلق بالأحداث اليومية. مثلا الطفل الذي يرفض اللعب مع أصدقائه ويكتفي بالمشاهدة لمدة طويلة جدا "حتى عندما يبلغ ست سنوات" فهذا مؤشر لمتابع مستقبلية له. 1- الصداقة Friendship: لا شيء ينمي السلوك الاجتماعي لدى الطفل أكثر من أن يكون له صديق، ولحسن الحظ أن الصداقة شيء سهل الحدوث بالنسبة للأطفال، فمعظمهم يكون له نفس الهدف في الحياة، كل ما في الأمر أن يجد طفلا آخر يلعب معه بدلا من أن يلعب كل منهما على حدة وبدون شجار، إذن سيكون لديه الصديق الذي يقوم والداه بدعوته إلى البيت وزيارة بيته بانتظام. إن الطفل يحتاج إلى صديق واحد جيد على الأقل، فإذا كانت هناك مشكلة بسبب عدم المشاركة في المدرسة أو في المنزل، فهذا الصديق سيمثل له المنفذ والمعلم له، لذلك فإننا نسأل طفلنا من هو صديقه أو أصدقاؤه المفضلون، ثم ندعو كل واحد منهم على حدة حتى نرى أن العلاقة قد توطدت مع أي منهم، وهنا ندعو هذا الطفل ثانية لنجعلهم يقضون فترة أطول مع بعضهم البعض، يذهبان إلى الحديقة مثلا. وإذا كان في نفس الفصل الدراسي فسيكون لديهم الكثير ليفعلاه معا، وتكون هذه هي بداية تكوين صداقات أخرى. يجب على الآباء أن يكون لهم وظيفة فعالة هنا، فلا بد أن يعرفوا من المدرس "أو الطفل" من هو أكثر الزملاء قربا من طفلهم، ثم يقوموا بدعوة هذا الطفل وتوطيد علاقتهما معا، والمرور عليه عند الذهاب إلى المدرسة. إن ذلك سيعود على طفلك بالمنفعة خاصة إذا انتقل إلى فصل أو مدرسة أخرى أو إلى مسكن أخر. 2- المشاركة Sharing: إن حب التملك صفة من صفات الأطفال من سن 3 إلى 4 سنوات، وهذا يمنعه من أن يعطي أيا من الأطفال الآخرين لعبته المفضلة -لماذا؟ - إذا وصل طفل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 آخر لهذه اللعبة، فلا تعجب من أن ترى طفلك يتشبث بها قائلا: إنها ملكي، ثم يذهب لإخفائها في مكان سري حتى لو لم يكن له الرغبة في اللعب بها. هناك طرق عديدة يمكن أن نساعد بها الطفل لكي يتعلم المشاركة، والنقطة التي نبدأ بها هي أن نتأكد من أننا نمتلك ما يريده الطفل، وإذا زاد امتلاكه فيجب استبداله بشيء قيم في المقابل، فلا تعطي له دراجة جديدة في مقابل أن يعطيك عصى الآيس كريم. فإذا عرض الطفل في المقابل أيا من لعبه ليركب تلك الدرجة الجديدة فنقول: "لا، أنا أريد هذا السيف "المفضل لديه" بدلا من هذه اللعبة" وبهذه الطريقة فهو لن يتعلم المشاركة فقط ولكن يعرف الطرق الصحيحة التي يطلب بها ما يريد كما يقلل هذا "إذا نجح" من حدة العدوانية والغضب والبكاء عندما يقوم به، ولا ننسى الثناء على الطفل عندما يشارك الآخرين، موضحين مدى الأثر النفسي الجيد الذي يتركه هذا عليهم "انظر كيف جعلت ميرام سعيدة، انظر إنها معجبة بك كثيرا إنها تبتسم، يجب أن تفتخر بنفسك أنك جعلتها سعيدة". وما الشيء الثاني الذي يجب أن تفعله لتعليم المشاركة في حالة وجود طفل أصغر؟ إن الأطفال يميلون عادة إلى مشاركة ومساعدة من هم أصغر منهم، فإني أرى كثيرا من الأطفال يدعون الطفل الأصغر للعب بلعبهم أو أن يأخذ دورهم في المراجيح بينما يقومون برفس الطفل الأكبر إذا جرؤ على ذلك. عامة نحن نثني على أي نوع من أنواع المشاركة "أنا فخور بك لأنك سمحت للصغير باسم أن يلعب بلعبك" إن الطفل لن يتعلم فن الإحساس بالمشاركة ولكنه يتعلم الإحساس السحري الذي يسببه ذلك، فلا تتعجب أن تخبره قادما إليك فرحا قائلا "أنا شاركت مازن، لقد أعطيته سيفي ليلعب به، ألا يعجبك ذلك يا أمي؟ " إني أعلم أن كثيرا من الآباء يعلمون أطفالهم المشاركة بطلب ذلك منهم "دع ذلك لأختك" لا يجب أن يتم ذلك بهذه الطريقة، فالطفل يستجيب إلى الأمر دون أن يتعلم فائدته، فهذا يعلم الطفل الطاعة فقط دون أن يتطرق لموضوع المشاركة. والوقت الوحيد المسموح به في إعطاء الأوامر عندما تكون تصرفات الطفل غير طبيعية. كمثال إنها تريد ببساطة أن ترد لعبة الطفل الآخر وفي هذه الحالة يجب أن نأمرها بذلك، ونوضح لها بعناية ما السبب في هذا التصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 3- الانسحاب والاعتزال والخجل Withdrawal, Isolation and Shyness: إذا أخذ الطفل يراقب بقية الأطفال وهم يلعبون عن بعد دون أن يشرك نفسه، فيجب أن نساعده بطرق عديدة، ولكي نعلم ما يجب أن نفعله لا بد أن نحدد سبب عدم مشاركة الطفل، فهناك احتمالات عديدة، بعض الأطفال لا يشاركون لأنهم لا يعرفون كيف ذلك "اللعبة أو الأغنية" ربما يجب علينا تعليم الطفل هذه الألعاب بعيدا عن الأطفال الآخرين، فإذا تعلمها فسيكون أكثر مقدرة على المشاركة. والبعض الآخر من الأطفال لا يشاركون باللعب بسبب الخوف أو الخجل. نحن نتعامل مع هذا كأي مشكلة من مشاكل الخوف بتقسيمها إلى خطوات صغيرة والتغلب على كل خطوة على حدة بالتهدئة والكلام واللعب. إنني ربما أذهب معها إلى الحديقة أولا، أضم يدها أو ألعب معها أيضا فتكون في وسط الأحداث بجانبي، ثم أشجعها لتحاول أن تقذف لي الكرة، وعندما تعتاد على ذلك أترك يدها وأذهب لأتلقى الكرة. إني أنتظر في نفس المكان لدقائق معدودة لأرى ما إذا كانت ستستمر أم لا، وأتركها تلعب بالكرة بمفردها "ذلك قد يستمر لمدة 3 أيام". وقد نستخدم بعض خطوات أقل من هذه الخطوات، كأن يبدأ في اللعب مع طفل واحد آخر في البيت أو في المدرسة ثم نجعلهم اثنين ... إلخ. السبب الثالث لعدم مشاركة الأطفال أن الآباء يبالغون في الرعاية والاهتمام بأطفالهم عندما يكونون بجانبهم، فالطفل سرعان ما يتعلم أن عدم المشاركة يؤدي إلى اهتمام كثير من الناس به، وفي هذه الحالة فإن الآباء أو المعلم يجب أن يعطي لا يشارك بسبب عدم رغبته في اللعب أو تفضيله لشيء آخر يفعله، ففي هذه الحالة لا توجد هناك مشكلة على الإطلاق حيث لا يلجأ الطفل فيها إلى العزلة أو الخجل. 4- مساعدة الآخرين Hepling Others: هناك طريقتان لتشجيع الطفل على مساعدة الآخرين، الأولى: أننا يمكن أن نفعل أشياء كثيرة جيدة باعتمادنا على مساعدة أطفال آخرين، أو قد يعجل هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 من الوصول إليها مثال ذلك قولنا: عمرو "الأخر الأكبر" إن أختك ياسمين لا تعرف كيف تفعل ذلك، هل يمكن أن تساعدها، أو "نحن لا نستطيع أن نخرج قبل أن ينظف طارق حجرته فإذا استطعت أن تساعده سوف نخرج كلنا في أسرع وقت" وبهذه الطريقة فإننا نحرك روح المساعدة عند الطفل بدون استخدام الأوامر، فالطفل ينتظر شيئا سعيدا يحدث له ولشريكه عندما يستطيع المساعدة. الطريقة الثانية: هي وضع الطفل في موقف يعطيه الفرصة والقدرة على مساعدة طفل آخر، فإن الأطفال يميلون إلى المساعدة ولو من قبيل التظاهر. إذا كنا نلعب لعبة تتضمن أسئلة، واللعبة توقفت انتظارا لإجابة طفل آخر فإننا نجد طفلنا يحاول المساعدة والتدخل، وهذا يسري على الرياضة، المهم هنا أن نراقب هذه الفرصة وأن نثني على الطفل الذي يقدم المساعدة، ولكننا لا نثني على ذكائه في سرعة الإجابة لكي لا يتعمد ذلك، ولكن نثني على تعاونه فقط، وبالإضافة إلى ذلك فإذا كان الطفل لديه أصدقاء فسوف نجد أنهم يساعدون بعضا بالفعل، فعندما نود الثناء على الطفل يجب الانتظار لنراه معهم والإشارة إلى أي تعاون يبديه، وقد يمكن أن نتدخل بأن نمسك بأحدهم ثم نقول له ضاحكين "هاها!! لن يستطيع أحد أن يحميك الآن" وقد يصيح الطفل "مازن، ساعدني". أما ما يحدث بعد ذلك فهو شعور جميل وإحساس كل منهم بمدى التضحية والمساعدة التي أسداها بعضهم لبعض. 5- عاطفة المحبة Affection: الطريقة المثلى لإثارة العواطف في التمثيل وإظهار مدى تأثيرها على الناس ثم المطالبة بها من الآن فصاعدا. إذا التقطت طفلك وغمرته بكثير من الأحضان والقبلات وأطبقت على يديه وأجلسته على رجلك، واضعا يديك حول ظهره، بينما تقرأ له قصة، فسوف يثير ذلك رغبة الطفل في أن يقلدك "وبالفعل يقوم بوضع يديه حول كتفك عند القراءة". ويجب أن تنظر إلى مدى فعلك لهذه الأمور مع زوجك أو مع الأقارب والأصدقاء، لأن الطفل الذي لديه جمود في العواطف غالبا ما يميل والده إلى عدم إظهار شعورهما. ومما يجعل تعليم العواطف أسهل من بقية الصفات أنها ببساطة تؤدي إلى أشياء جميلة فعندما يندفع الطفل نحوي عند عودتي من العمل فأتركه يتعلق برقبتي ليحصل على كثير من القبلات والأحضان، وأي طفل يغمر بالعواطف التي تؤدي إلى كثير من الارتبط واللعب وهذا يحدث طبيعيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 ثانى عشر: النشاط الزائد مدخل ... ثاني عشر: النشاط الزائد Hyperactivity في خلال الخمس إلى العشر سنوات الأخيرة، أصبح موضوع النشاط الزائد من المشاكل التي يطول بحثها، وبالتأكيد هي واحدة من أعظم الشكاوي الشائعة بين الوالدين. وتقريبا الآباء والأمهات يشكون من أن لدى أطفالهم نشاطا زائدا. في عام 1950 تم تلخيص الأنشطة الزائدة مبدئيا كمشكلة مرحلة الطفولة الوسطى، ولكنها الآن عرفت كمشكلة تبدأ قبل سن السابعة وهذا مفيد للتركيز أكثر بالعناية والرعاية على مستوى الأنشطة للأطفال الصغار. والذي نعنيه بمصطلح الأنشطة الزائدة يختلف تماما عما يعتقده العامة. وهو في الحقيقة أكثر بكثير من مجرد "طفل له نشاط زائد" وقد بذلت جهود كبيرة لحل المشكلة التي تنبع من الطفل ذي النشاط الزائد وهذه المشكلة حقيقية. والطفل ذو النشاط الزائد لا يمثل مشكلة حقيقية فهو قد يقوم بذلك لاختبار مدى صبر أمه. والآباء كثيرا ما يستخدمون لفظ النشاط الزائد ببساطة لكي يصفوا مستوى النشاط لأطفالهم. وهم عادة يستخدمون هذا المصطلح عندما يكون أطفالهم ذوي نشاط ملحوظ عن باقي الأطفال فهم يقولون عن طفلهم "إنه يعبث في كل شيء" "إنه صعب السيطرة عليه". والطفل عجب بنفسه إذا كان كذلك لأن هذا يجعل أبويه مهتمين به بدرجة كبيرة لأن هذا بالطبع يتطلب انتباها وتيقظا. ومثال على ذلك الطفل الذي يعبث بالأدوية والأشياء الكهربائية والاختفاء خارج الأبواب، فيكون بالطبع بعكس الطفل الذي يبقى في حجرة المعيشة يلعب مع الأصدقاء أو مع لعبة. وكل هذه التصرفات شائعة جدا وخاصة بين الأولاد وتتطور بتقدم عمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 1- خصائص الطفل ذي النشاط الزائد: أولا: تنحصر مشاكل الطفل في ثلاث جهات: الاندفاع Impulsiveness، ضعف الانتباه والتركيز، عشوائية الانطلاق. ثانيا: لديه مشاكل ملحة تتعلق بالنقاط الثلاث السابق ذكرها. ثالثا: أن هذا يعني أن هذه الصعوبات التي تواجهه تزيد المواقف سوءا عندما يطلب منه السيطرة على النفس في المرحلة الأولى من التعليم، مثل خلال الوقت الذي يسوده الهدوء عندما تحاول قراءة قصة، أو عند انتظار دوره في اللعب أو عند تنظيف المكعبات التي كان يلعب بها، وهكذا. رابعا: ولكن تعتبر هذا نشاطا زائدا لا بد أن تستمر هذا الأمور معة لفترة ستة أشهر على الأقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 جدول "5" مؤشرات النشاط الزائد: بالمقارنة مع الأطفال في نفس عمره أو عمرها، يظهر على الطفل، علامات ضعف التركيز، الاندفاع ومستوى عالٍ من النشاط أو الانطلاق، وهذا بالطبع ينعكس انعكاسا سلبيا على بناء المواقف "في الفصل مثلا" وعندما يطلب منه السيطرة على النفس. 1- عدم الرعاية والاهتمام بالأمور "التركيز": وفي الأغلبية تنعكس عليه في الصور التالية: أ- يفشل دائما في إنهاء ما بدأه. ب- غالبا لا يحسن الاستماع ولا المشاهدة أو المتابعة. جـ- من السهل إثارته. د- يجد صعوبة في أي مهام أو نشاطات تحتاج إلى تركيز كبير. هـ- يجد صعوبة في التعلم. 2- الاندفاع: وغالبا ما تنعكس عليه الصور الآتية: أ- غالبا ما يتصرف بدون تفكير. ب- ينتقل دائما من نشاط لآخر. جـ- لديه صعوبة في تنظيم اللعب أو مواد العمل. د- يحتاج لقدر كبير من المراقبة والإشراف. هـ- يجد صعوبة في انتظار دوره في اللعب 3- مستوى النشاط العالي أو الانطلاق، وغالبا تنعكس في: أ- يجري أو يتسلق الأشياء بتطرف. ب- يصعب عليه الاستقرار في مكان ما. جـ- يجد صعوبة في الجلوس مستقرا. د- يتحرك كثيرا أثناء النوم. هـ- دائما يتحرك أو يتصرف كأنه يعمل بموتور. 4- تستمر هذه المؤشرات لفترة 6 أشهر على الأقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 والطفل ذو النشاط الزائد "مفرط النشاط" يكون لديه صعوبة كبيرة في المواظبة على مهام أو أوامر أو تعليمات تلقى إليه، فهي تدخل من أذن وتخرج من أذن، وهو من السهل إثارته بكم قلل من الضوضاء أو الحركة. والمصطلح "الاندفاع" يدل على قصور في السيطرة على النفس، وعدم القدرة على الانتظار أو التعايش مع الأحداث، فالطفل ربما يتسلق قمة الأسطح، أو الأرفف "ويقفز من فوقها" أو ربما يدفع بنفسه إلى حمام السباحة وهو لا يجيد السباحة. والطفل الزائد النشاط له مشاكل في مستويات الأنشطة وبالتحديد عندما توضع قيود أو متطلبات على عاتقه، وبالبحث وجدنا أنه لا اختلاف في مستويات النشاط بين الطفل العادي والطفل الزائد النشاط في أوقات اللعب الحرة، ولكن يجد الطفل ذو النشاط الزائد صعوبة في التحكم في مستوى نشاطه، أو تغييره، أو عندما يطلب منه الهدوء. وعلى كل حال فإن مستوى نشاط الأطفال ليس هو العامل الفاصل في تعريف أو تحديد الطفل ذي النشاط الزائد، ولكن هناك عوامل أخرى مهمة. الطفل غير القادر على السيطرة على نفسه هو غالبا ما يكون مصدر إزعاج، فهو لا يسمع لمن هو أكبر منه، ودائم الحركة في كل مكان، ولا بد أن ننتبه له سواء كان هذا الانتباه من المدرسين أو الآباء. ولكن الطفل النشيط فحسب، يلعب في هدوء ويتصرف تصرفات طبيعية وملائمة فهذا ما نطلق عليه النشاط الطبيعي. ولكن الطفل الزائد النشاط نطلق عليه هكذا لما يصدر منه من سلوك وتصرفات تثير المشكلات حتى ولو كان نشاطه لا يزيد عن نشاط الطفل الطبيعي. وفي الواقع هناك بعض التساؤلات مثل: هل النشاط الزائد يختلف في حقيقته عن مشكلة سلوكية؟ هناك بعض الباحثين يشعرون بأنه لا اختلاف بينهما. يظهر النشاط الزائد بوضوح في سن الثامنة إلى العاشرة، وهذه تعتبر من المراحل الدراسية الأولى، والمشاكل الناتجة عن النشاط الزائد تكون قد بدت، فالطفل لا بد أن يجلس على مقعد لفترات طويلة، يذاكر أو يتابع كتابا ما، أو يؤدي نشاطا ما في نفس المكان لفترة طويلة، وينظف ويترب مكانه بعدما ينتهي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وعندما يكون النشاط الزائد نادرا، فيجب التعامل معه عند ظهوره. وقد أوضحت الدراسات أن النشاط الزائد غالبا ما يستمر في الطفولة المتأخرة، ويختفي طبيعيا عند البلوغ، ويصبح الطفل طبيعيا عند هذه السن. إن النشاط الزائد لا يعني أن هناك خطأ تنظيميا فادحا فادح، وكثيرا من الدراسات فشلت في أن تربط بين النشاط الزائد والوظائف العقلية وفي الحقيقة أن حوالي 10% من الأطفال ذوي النشاط الزائد يظهر عليهم قصور في الناحية العقلية والإدراك. والطعام والغذاء لهما دور فعال في الأنشطة الزائدة، وخاصة أن الآباء يبالغون في النظام الطبيعي للغذاء. ولا تتحسن حالة الأطفال ذوي النشاط الزائد عندما يتغير الطعام. والدراسات قد سجلت أن الأطفال ذوي النشاط الزائد لديهم كميات كبيرة من الرصاص في أوعيتهم الدموية. وهذا يسبب اللامبالاة وضعف في التركيز وصعوبة في التعليم. والرصاص الآن أصبح متوافرا في التلوث الصناعي. وتشير الدراسات أن الرصاص عامل مقلق وسبب في النشاط الزائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 2- ماذا تفعل حيال النشاط الزائد ومستوياته ؟ بالرغم من أن النشاط الزائد شائع، والأطفال تتخلص منه بالنمو إلا أننا يجب أن نشجع الطفل على الهدوء "كالجلوس على السفرة ومساعدته في تنظيف مكان لعبه وتعليمه القراءة في الكتاب" فكل هذه الأشياء لها تأثير قوي ومباشر على نشاط الطفل. والبعض قد أضاف بعض المكافآت "مشاهدة برامج مفضلة في التلفزيون، وقت للعب، الذهاب إلى السباحة ... إلخ" أو مفاجآت ولعب بسيطة إذا شعرنا ببدء الهدوء وفي المقابل لدينا التوبيخ إذا لم يحدث ذلك. عامة إننا نتمعن في المراقبة لهذه التصرفات مع التأكيد على حدوث الأشياء الجميلة إذا أظهر الطفل بعضا من ضبط النفس. مثلا سوف أدعك تلعب بعربة السباق الجديدة عندما تنظف مكان لعبك بالمكعبات، ثم نجزل الثناء إذا نجحت الخطة ولا مانع من مساعدته في بادئ الأمر، وبالمثل عند قراءة القصص يجب أولا توفير جو من الهدوء حوله والقراءة معه بمنتهى اللطف، فإذا تململ بجانبك وقفز واقفا وتحدث بصوت عال أو سريع، إذن فلنقل إنك لم تدعني أكمل القصة، فسوف أتركها حالا. للأسف هناك حل شائع للنشاط المفرد وهو استخدام الدواء، وهذا لسوء الحظ تكون نتائجه غير إيجابية على المدى البعيد، فإن العلاج بالدواء للطفل المريض بالنشاط الزائد يجعله أسوأ حالا من الذي لا يتعاطى أي دواء، وقد يجعله هذا الدواء هادئا في الوقت الحالي ولكنه لا يعلمه أي شيء، وقد تمنع العقاقير الطفل من عمل المشاكل للآباء والمعلمين، ولكنها لها تأثيرها الضار على حياة الطفل الاجتماعية وضبط النفس فيما بعد، هذا ما يقرره Rincover الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ثالث عشر: الاستحواذ والإكراه والطقوس Obsessions Compulsions and Rituals عمرو يستحوذ على لعبة السوبر مان في كل وقت، عند مشاهدة التلفزيون، عند شرائه كل سوبر مان جديد ليأخذه معه في كل وقت، عند ذهابه إلى التواليت، في المدرسة، إلى أصدقائه، عندما ينام، ولا بد أيضا من ارتداء فانلة السوبر مان، والنوم على الملاءة المرسوم عليها السوبر مان، وطبعا لا بد من الغطاء ببطانية السوبرمان، ولا بد من ارتداء كل لبس السوبر مان "القناع، الحزام، علامة الصدر، السيف والحذاء الطويل" ولا تنس الصورة الكبيرة في حجرته. إن هذا مجرد مثال لموضوع الاستحواذ الذي يتملك الأطفال، وفي الحقيقة ليس هناك ما يقلق تجاه ذلك وليس هذا استحواذ بالمعنى الحقيقي، فإن الطفل يتعلق بألعاب يتمتع بها نفسه ولكن سرعان ما يكبر ويتخلص منها ويكتشف أن هناك أصدقاء وألعابا جديدة "ركوب الدرجات، كرة القدم ... " يمكن أن تنافس هذه الألعاب القديمة. إن فكرة الاستحواذ التي يجب أن تعالج إلى الأفكار المخيفة، أما الإكراه فيرجع إلى سلوك الخوف، أي أن كليهما تنصب على المخاوف. وكمثال أن الطفل قد يغسل يديه في اليوم 10 مرات خوفا من القذارة ويخاف منها بل ويرفض الذهاب إلى منزل آخر خوفا من القذارة، وعدم اللعب في الحديقة لأنها قد تكون قذرة، وعامة فإن القذارة تسبب له قدرا هائلا من المخاوف، وطقوس غسيل اليدين تريحه إلى حد ما، وهذا ما يجب أن يعالج لكنه نادر الحدوث عند الأطفال أقل من 6 سنوات. إذا كان هناك كثيرا من تلك المخاوف تتدخل في حياة الطفل اليومية وتستمر على الأقل لمدة 6 أشهر، فيجب أن يعالج هذا الموضوع معالجة الفوبيا "انظر الجزء الخاص بالخوف والفوبيا" ومن الأفضل أن تأخذ النصيحة من الأخصائي قبل عمل أي شيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 رابع عشر: طلب المساعدة "Getting Help" الآباء يجب ألا يخجلوا من طلب المساعدة في تربية أبنائهم وإن سيطر عليهم الإحساس بأن هذه المشكلة خاصة بهم فقط نتيجة تصرفتهم. أو أن الأخصائيين النفسيين وجدوا للمشكلات العويصة والخطيرة، وهذا ليس حقيقيا. أولا: يجب أن نعلم أن الأخصائيين النفسيين يبحثون عن ثقتك، ولا يمكن أن يغلقوا أي باب في وجهك بدون علاج، ولا بد أن يثق الآباء فيما يقال بينه وبين الأخصائي ويعتمد عليه. لقد وجد الأخصائيون لمساعدتك إذا احتجت أي شيء، إذا انتابك أي قلق بخصوص طفلك، وتوجيهك التوجيه السليم أثناء تقدم حالة الطفل أو تأخره، المهم هنا هو اختيار الأخصائي السليم، ولا بد أن يسأل الآباء وينقبوا عن أسمائهم. وتخصصاتهم. لقد أوضحنا من قبل متى يكون سلوك الطفل مشكلة، وماذا يجب أن نفعل حيال ذلك والنظم التي وضعت ليست جميعها مصممة لطفلك أنت، وإنما هي أمثلة ومفاهيم من خبرات سابقة وقراءات، الأمر الذي يجعلك تبحث عن النظام الخاص بك، وإذا لم تفلح محاولاتك الشخصية في وضع النظام لتقويم الطفل فلا مفر من أن نلجأ إلى المساعدة، وسوف يصبح طفلك في أحسن حال ما دمت ترعاه وتهتم بمشكلاته مبكرا. تم بحمد الله ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 المراجع أولا: المراجع العربية : 1- إبراهيم خليفة "1986": المربيات الأجنبيات في البيت العربي الخليجي. الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخلج. 2- أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني "د. ت": المفردات في غريب القرآن. تحقيق محمد سيد كيلاني. بيروت: دار المعرفة. 3- السيد محمد خيري وآخرون "1975": التلفزيون والصغار. القاهرة: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. 4- بثينة قنديل "1964": دراسة مقارنة بين أبناء المشتغلات وغير المشتغلات من حيث بعض نواحي شخصيتهم. رسالة دكتوراه، كلية التربية - جامعة عين شمس. 5- جابر عبد الحميد وسليمان الخضري "1978": دراسات نفسية في الشخصية العربية. القاهرة: عالم الكتب. 6- حامد زهران "1984": علم النفس الاجتماعي. القاهرة: عالم الكتب. 7- زكريا الشربيني "1981": التوافق النفسي وعلاقته بدافع الإنجاز في مرحلة الطفولة المتأخرة. رسالة دكتوراه، كلية البنات - جامعة عين شمس. 8- زكريا الشربيني "1994": المشكلات النفسية إلى عند الأطفال. القاهرة: دار الفكر العربي. 9- سعد عبد الرحمن "1970": عملية التطبيع الاجتماعي وأزمات التحامل والتعصب في مجتمعاتنا المعاصرة. الكويت: وزارة الإعلام. 10- سيد أحمد عثمان "1974": علم النفس الاجتماعي التربوي، التطبيع الاجتماعي. القاهرة: الأنجلو المصرية. 11- صالح البكاري "1984": أنماط تنشئة الطفل اجتماعيا. طرابلس: الدار العربية للكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 12- عادل عز الدين "1989": علم نفس النمو. القاهرة: الأنجلو المصرية. 13- عصام عبد الجواد "1987": أثر الخدم الآسيوي والمربيات الأجنبيات في أبناء دولة الإمارات العربية. بيروت: دار الوسام. 14- علي عبد الواحد وفي "1958": عوامل التربية. القاهرة: الأنجلو المصرية. 15- علي عبد الواحد وافي "1971": الأسرة والمجتمع. القاهرة: نهضة مصر. 16- غريب سيد أحمد وآخرون "1995": دراسات في علم الاجتماع العائلي. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية. 17- فؤاد البهي السيد "1980": علم النفس الاجتماعي القاهرة. دار الفكر العربي. 18- فاروق العدلي "1984": التنشئة الاجتماعية الأسرية للطفل القطري. حولية كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. العدد السابع. 19- فالح حنظل "1978": حجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات. أبو ظبي: مؤسسة دار الفكر للطباعة. 20- كاميلية عبد الفتاح "1972": في سيكولوجية المرأة العاملة. القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة. 21- ماهر محمود عمر "1992": سيكولوجية العلاقات الاجتماعية الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية. 22- مبارك ربيع "1984": عواطف الطفل. طرابلس - ليبيا: الدار العربية للكتاب. 23- محمد فايز 1984: مدخل إلى علم الاجتماع: دراسة نظرية في فهم المجتمع. الرياض: منشورات دار الفيصل الثقافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 24- محمد فرح "1989": البناء الاجتماعي والشخصية. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية. 25- مصطفى سويف "1959": الأسس النفسية للإبداع الفني "في الشعر" القاهرة: دار المعارف. 26- مفيد حواشن وزيدان حواشين "1989": النمو الانفعالي عند الأطفال. عمان: دار الفكر. 27- ممدودحه سلامة "1987": مخاوف الأطفال وإدراكهم للقبول والرفض الوالدي. مجلة علم النفس العدد الثاني: ص54-61. 28- وزارة الشئون الاجتماعية والعمل "1983": أثر المربيات الأجنبيات على خصائص الأسرة الكويتية: إدارة التخطيط والمتابعة. 29- وزارة الشئون الاجتماعية والعمل "1983": أثر المربيات الأجنبيات على خصائص الأسرة في البحرين. البحرين: قسم التخطيط والبحوث. 30- وزارة الشئون الإجتماعية والعمل "1984": أثر المربيات الأجنبيات على خصائص الأسرة العمانية. عمان: المديرية العامة للشئون الاجتماعية. 31- وليم لامبرت وولاس لامبرت "1989": علم النفس الاجتماعي. ترجمة سلوى الملا، القاهرة: دار الشروق. 32- يسرية صادق "1979": العلاقة بين حجم الأسرة وبعض نواحي شخصية الطفل. رسالة ماجستير، كلية البنات، جامعة عين شمس 33- يسرية صادق "1982": دراسة لمتغيرات ترتبط ببعض أبعاد التكوين النفسي للطفل داخل الأسرة. رسالة دكتوراه، كلية البنات - جامعة عين شمس. 34- يوسف القاضي ومحمد زيدان "1981": السلوك الاجتماعي للفرد القاهرة: شركة مكتبات عكاظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ثانيا: المراجع الأجنبية ... 35 Ammar, H."1954": Growing Up in Egyptian Vaillage, Silwa Provience of Aswan. London: Routledge and Kegan Paul. 36 Atkinson, J. "1958": Motives in Fantasy Action and Socitey. New Youk: D.van Nostrand Caompany, Inc. 37 Bandura, A. "1971": Social Learing Theory. New York: General Learning Corp. 38 Baumring, D. "1971": Current patterns of Parental Authority. Developmental Psychology Monographs. 4-A, PP.1-103. 39 Baumrind, D. "1980": New Directions In Socialzation Research. American Psyschlologist, Vol. 35, PP. 639-652. 40 Becker, W. "1969": Consquences of different Kinds of parental descipline. In M.Hoffmen and L.Hoffmen "Eds". Review of Child Development Reasearch, Vol. 1,PP. 169- 206. 43 Brazelton, B. "1974": The Origins of Recipocity: the Early Mother Infant Interacion. In Lewis. M. and Rosenblum, L. "1977": The Effect of the Infant on Its Caregiver: The Origins of Behavior, vol.1. New York: Wiley and sons. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 44 Brodzinsky. D. Gormly, A. and Ambon,S. "1986": Life Spane Human Development, New York: CB Publishing. 45 Bronfenbrenner, U. "1970": Two worlds of Childhood, U.S.A and U.S.S.R. New York: Russell Sage Foundation. 46 Denham, S., Zoller, D. and Coujchoud, E. "1994": Socialization of preschoolers' Emotion Understanding. Developmental psychologhy, Vol. 30, No. 6. pp. 928- 936. 47 Doreen, R. "1972": Programs are Tools, Not Riligious in Teacher of Young Children. Houghton: Mc Million Comp. 48 Dunn, J., Brown. J., Slomkowski, C., Tesla, C., Youngblade, l. "1991": Young Chileren's Understanding of other Pepole's Feelings and beliefs: Individual Differences and their Antecedents. Child Development, 62, PP. 1352- 1366. 49 Eliason, C. and Jenkens, L. "1977": Apracical Guide Early Childhood Curriculum. Sant louis: the C.V. Mosly Comp. 50 Elkin, F. and Hardel, G. "1972": The Process of Socialization New York: Random House. 51 Elkin.C. "1974": Effects of Maternal Employment on Children: A review of recent research. Merrillpalmer Quarterlyl. vol. 20 "2", pp. 71-98. 52 Field, T. "1991": Quality Infant day -care and Grade School Behaviour and Performance. Child Development, 62, PP. 863-870. 53 Fong, B. and Resnick, M. "1980": The Child, Development Through Adolescence. Menlo Park: the Benjamin Cummings Pub. Co. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 54 Gruse, J. and Kuczyndki, J. "1980": Direction of Effects In Socialization: A Comparizon of the Parents nates of Disciplinery Technicques. Devlopmental Pschology, vol l.pp.1-9. 55 Hetherigton, E. and Park, D. "1979": Child Psychology Conter. New York: McGrow-Hill. 56 Hetherington. E. and Parke, R. "1980":Child Psychology: A McGraw -Hill Book co. 57 Kagan, J. "1971" Personality Develpment. New York: Harcout Brace Jovonovich, Inc. 58 Klaus, M. and Kennel, J. "1976": Maternal Infant bonding. St. Lousi. Mosby. 59 Krumboltz, J. and Krumboltz, H. "1972": Changing Children's Bevavior, New Jersey: Prentice -Hall, Inc. 60 Lambert, W. and Lambert, W. and Lambert, W. "1973": Social Psychology. New Jersey: Printice -Hall, Inc. 61 Maccoby, E. "1961": The Choice of Variables In the Study of Socialiazation. Sociometry, Vol. 24, No. 4. 62 Maccoby, E. "1980": Social Develpment, Psychological Growth and the parent-Child Relationship. New York: Harcourt Brace Hovanovich, Inc. 63 Maccoby, E., and Martin, J., "1983": Socialization in the Context of the Family: Parent-Child interaction. In P.H. Hussen "series Ed." and E.M. Hetherington "vol. Ed.", handbook of Personality and Social Develop, PP. 1-102. New York: Wiley. 64 Marjoribanks, K. "1981": Birth Order and Family Learning Enviromments. Psychological Reports, 49, PP. 915-919. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 65 Mead, M. "1935" Sex and Temperament in There Primitive Societies. New Yorlk: Morrow. 66 Michalson, L. and Lewis, M. "1985": What do children Know about emotios and when do they know it? In M. Lewis and C. Sarrni "Eds.", The Socialiaztion of emotion. PP. 117-140. New York: Plenum. 67 Park, R. and Collmer, C. "1975": Child Abuse, An Interdisciplinary Analysis. In E. Hetherington "Ed". Review of Child Develpment Reasearch, Vol. 5, PP. 139- 146. 68 Parsons, T. "1955": Family, Family, socialization and Interaction. London: The free Press. 69 Parsons, T. "1965": Socila Structure and Personality. London: The Free Press. 70 Patterson, G. "1979": Aperformance Theory for Coercive Family Interaction. In r. Garins "Ed" Social Interaction. New Jersey: Lawrence Erlbaum. 71 Reber, A. "1985": Deictionary of psychology. London: Hazell Watson and Viney Livmited. 72 Rincover, A. "1990": The Parent-Child Connection. New York: Simon and Schuster, Inc. 73 Schaefer, E. "1959": Acercumplex Model for Maternal Behavior. J. Abnormal and Social Psychology. vol. 59, pp. 225-253. 74 Sears, R., Maccoby, E. and Levin, H. "1957": Patterns of Child Rearing, Evanston, III: Row, Paterson. 75 Selzick, L. "1954": Sociology. London: Brentic-Hell. 76 Sewell, W. "1963": Some Recent Developments in Socialiaztion Theory and Research, In the Annals. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 of the of the American Academy of Political and Social Science, Philadelphia, vol. 349, PP. 163-181. 77 Sewell, W. and Shah, v. "1980": social Calss Parental Incouragement and Educational Aspriation American Hournal of Sociology, vol. 33, PP. 559-572. 78 Shaffer, D. "199": Develpmental Psychology Califormia Wadsworh, Inc. 79 Stern, D., "1974": Mother and Infant at blay; the Dyadic interaction involoving facial and Gaze Behavior. Dans, In Lewis, M. and Ronseblum, L. "1977": the Effect of the In fant on its caegiver: The Origins of Behavior, Vol. 1.New York: wiley and Sons. 80 Watson, R. and Lindgern, H. "1979": Psychology of the Child and the Adolescent. New York: Macmil-lan Publishing Co., Inc. 81 Whiting, B. "1963": Six Cultures Sudies of Child Rearing. New York: Jahn Wiley. 82 Zahn -Waxler, C., Ridgway, D., Denham, S., Usher. B., and cole, P. "1993": Research Strategies for assewssing mother's interpretaios of infants' emotions. In r. Emade, J. Osofsky, and P. Butterfield "Eds.", Parental Percetios of Infant emotions, PP. 217-236. Madisoon, CT: International Universities Press. 83 Olevera -Ezzell, N., Power, T., and Cousins, J. "1990": Maternal Socialization of Children's Eating Habits: Sterategies used by obese Mexican American Mothers. child Development, 61, PP. 396-400. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 84 Power, T., and Parke, R. "1986": Patterns of Early Socialiaztion in the Home. International J. of Behavioral Develpment, 9, PP. 331-341. 85 Power. T., McGrath, M. Manire, S., "1994": Compliance and Self -Assertion: Young Children's Responses to Mothers versus Fathers. Developmental psychology, 30, PP. 980- 989. 86 Alexander, K., and Entwisle, D. "1988": Achievement In the First 2 Years of School: Patterns and Processes. Monographs of the Society for Research in child Development, 53 "2, Serial No. 218". 87 St. Peters, M., Fitch, M., Huston, A. and familiens: what do young children Wathch with their parents?. Child DevekloPent, 62, PP. 1409- 1423. 88 Selroade, J. "1993": Genetic Influence on Family Enfviroment: the Role Of personality. Developmental psychology, 29, PP. 110-118. 89 Fabes, R., Eisenberg, N., Karbon, M., Bernzweing, J., and Speer, A. "1994": Socialization of Children's vicarious Emotional Responding and Prosocial Behavior: Relations with Mother's percepions pf children's Emotional Reactivity. Developmental psychology, 30, pp. 44-55. 90 Belsky, J., Fish, M., and Isabella, R. "1991": Continuity and Descontinuiy in Infant Negative and Positive Emotionality: Family Antecedents and Attachment Consequences. Developmental Psychology, 27,pp. 421- 431 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 91 Melton. G. "1991": Socialization In the Global Communiy: Respect for the Dignity of Children. American psychologist, 46, pp. 66-71. 92 Denham, S., Zoller, D., and Couchoud, E. "1994": Socialization of Perschoolers' Emotion Understanding. Develpmental Pstchology. 30, pp. 928- 936. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362