الكتاب: العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم المؤلف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الإشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ) المحقق: محب الدين الخطيب - ومحمود مهدي الاستانبولي الناشر: دار الجيل بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1407هـ - 1987م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بحواشيه الثلاث: لمحب الدين الخطيب (خ) ولمحمود مهدي الإستانبولي (م) وللمكتب السلفي لتحقيق التراث. (س)] ---------- العواصم من القواصم ط دار الجيل ابن العربي الكتاب: العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم المؤلف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الإشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ) المحقق: محب الدين الخطيب - ومحمود مهدي الاستانبولي الناشر: دار الجيل بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1407هـ - 1987م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بحواشيه الثلاث: لمحب الدين الخطيب (خ) ولمحمود مهدي الإستانبولي (م) وللمكتب السلفي لتحقيق التراث. (س)] المقدمات مفتاح رموز التحقيق ج= نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية، تحت رقم "42654". ز= نسخة ثانية مخطوطة في دار الكتب المصرية، تحت رقم "621" عقائد تيمور. د= نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية، تحت رقم "22031ب". ب= النسخة المبطوعة التي نشرها الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، في قسنطينة، الجزائر، الجزء الأول سنة 1927، الجزء الثاني سنة 1982. وكان قد نشرها اعتمادًا على مخطوطة واحدة توجد بجامع الزيتونة، بتونس, فيها بياض وخروم في بعض المواطن، وقد اجتهد في قراءة النص اجتهادًا جيدًا، وحاول أن يحافظ على النص كما هو1. * والجدير بالذكر أن العلامة الشيخ محب الدين الخطيب نشر هذا الكتاب اعتمادًا على طبعة الشيخ باديس سالفة الذكر، دون غيرها كما نص على ذلك في مقدمة كتابه2، ولم يعتمد على أية مخطوطة أخرى. وهذا ما جعله يتصرف في بعض النصوص، فيقدم ويؤخر على حسب ما أداه إليه اجتهاده، وخاصة في التهم التي وجهها الخوارج ... ، وتصرف في بعض التراكيب والكلمات، وقد أشرنا إلى أغلب ذلك في هوامش الكتاب. س= المكتب السلفي لتحقيق التراث. خ= محب الدين الخطيب "رحمه الله". م= محمود مهدي الإستانبولي.   1 أراء أبي بكر بن العربي الكلامية, الجزء الأول, صفحة 290. 2 العواصم من القواصم, مقدمة المحقق، صفحة "8". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 بسم الله الرحمن الرحيم التقدمة بقلم: الدكتور محمد جميل غازي: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. الثقافة الإسلامية بين الأصيل والدخيل. 1- الإسلام دين صاغ "دائرة معارف" هائلة لم يشهد لها التاريخ مثيلًا, وقد انبثق من هذه الدائرة العديد من العلوم والفنون والمؤلفات بل و "دوائر المعارف" أيضًا. وظلت البشرية منذ أن ابتدأت هذه الدائرة ترسل أضواءها الأولى بدءًا من: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} تعبُّ من هذا الحريق المختوم، وترتوي من هذا المعين الصافي، وتتزود من هذا الزاد الذي لا ينفد.. بحيث يحق لنا أن نقول: إن دائرة المعارف الإسلامية التي وضع لبناتها الأولى الرسول الخاتم محمد بن عبد الله، عليه صلوات الله بوحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 من الله، ومدد من هداه, ظلت, وستظل المصدر الأول لكل ثقافة، والمرجع الأساسي لكل علم، والمحرك العظيم لأي حضارة ... أقر بهذا من أقر، وجهله من جهله، وأنكره من أنكر ... وموسوعة الثقافة الإسلامية هذه وسعت بين دفاتها عقولًا، وأممًا، ومدارس، واتجاهات, وصاغت كل أولئك صياغة إسلامية موفقة, وباهرة. ولم يكن بناة هذه الحضارة ودعاتها وأساتذتها من العرب وحدهم، بصفتهم هم أول من تلقى الوحي، وآمن به. وإنما شارك في ثراء هذه الحضارة الفكرية أجيال من المفكرين والعلماء والأئمة مذكورون ومسطورون في أعز وأغلى صفحات الفكر الإسلامي والإنساني. إن الحضارة الفكرية الإسلامية لم تكن، ولن تكون ملكًا لأمة من الأمم, أو دولة من الدول، أو جيل من الأجيال, بحيث يحق لأي فرد أو جماعة أن يحتفظ لنفسه أو لأمته بحقوق التأليف والنشر والتصرف. لأن هذه الثقافة ثقافة مرتبطة بالوحي الذي أنزله الله، لهداية البشر، كل البشر. 2- وكانت السمة الغالبة على هذه الثقافة: الحرية، والاجتهاد، والاختيار, وتلك ميزات نعرفها للثقافة التي تتفاعل مع الإنسان، كل إنسان، وتتعامل مع الزمان، كل زمان، وتنداح حتى تستوعب المكان, كل مكان. وظل باب الاجتهاد في هذه الثقافة مفتوحًا، على كل مصاريعه؛ ليقول كلمة الحق في كل ما يعتري المسيرة البشرية من مشكلات وتطلعات وارتباطات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وينبغي لنا، ويجمل بنا، أن نتوقف عند هذه النقطة من هذه المقدمة لنقول: إن ثراء الثقافة الإسلامية ... وإن باب الاجتهاد المفتوح على مصاريعه فيها ... وإن ترحيبها المستمر بكل الأمم والشعوب ... إن كل أولئك كان مدخلًا تسللت منه رواسب ثقافات، وبقايا اعتقادات, ومزج من الخرافات التي لا تتفق مع الإسلام في الشكل أو في الموضوع, أرأيت إلى النهر العظيم، وهو يهدر في مجراه, وينساب قويًّا عظيمًا ليروي الظماء من البشر والحيوان والطير والقفار. كذلك نهر الثقافة الإسلامية. ثم ... أرأيت إلى ما يعلق بهذا النهر من غثاء, ونباتات طفيلية, وجنادل, وصخور ناتئة من شطآنه, أو ملقاة في سبيل مد الهادر. وإذا كان كل نهر في حاجة إلى من يطهر مجراه, ويعمقه, ويزيل ما علق بمجراه، من كل ما يعوق تدفقه واندفاعه, فكذلك الإسلام, وهذا هو دور المجددين الذين قال فيهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" وكلمة "من" لا تعني مجددًا واحدًا, بل تعني عشرات، ومئات، وألوف المجددين, على طول الزمان, وعرض المكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 والتجديد يكون لأمر الدين لا للدين نفسه. وأمر الدين كله تتسع لتشمل كل المعارف التي فجرها هذا الدين، سواء أكانت في أصول الدين، أم أصول الفقه، أم أصول الدنيا. 4- إن الأمم الكثيرة, والأملاء التي لا تكاد تنتهي حصرًا واستقصاء من الداخلين في هذا الدين, قد جروا معهم عن قصد أو عن غير قصد، بحسن نية أو بسوء نية مجموعة من الأفكار، والاتجاهات، والمأثورات الشعبية، والأساطير القومية، والاتجاهات السياسية، والانتماءات الحزبية. وكل ذلك وغيره كثير شكل ركامًا من الدخيل الذي ألصق بالثقافة الإسلامية إلصاقًا, ومثل من نسميه بالخرافات والبدع والأقاصيص. ولقد كان المجال التاريخي -ولا زال، وسيظل- معبرًا للتصورات الباهتة، والروايات الموضوعة، التي تؤيد حزبًا ضد حزب، وتعين فريقًا على فريق, إن الرواية التاريخية أصبحت على لسان المحاربين كالسيف الذي في أيديهم يقتلون بها, ويثيرون القلاقل في صفوف أعدائهم. وإذا كانت الحرب الباردة تعتمد على الإشارة والأكاذيب, فإن الإشاعة والأكاذيب تحولت إلى روايات تاريخية, بل إلى روايات حديثية, يضعها الوضاعون، ثم يرفعونها بلا خوف ولا خجل إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يقفونها بلا حياء ولا استخزاء عند صحابته رضوان الله عليهم. 5- وإن الله الذي تعهد بحفظ ذكره ووحيه قيض لهذه الثقافة من ينفي عنها الخبث والعبث والضلال والتضليل والزيف والدخيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وما هذا الكتاب الذي نقدمه للناس اليوم إلا واحد من هذه الأعمال الجليلة التي قام بها علماء أجلاء ينافحون بها عن دين الله، ويبعدون بها الخرافة والضلالة عن كواه. ومؤلف هذا الكتاب هو الإمام الحجة الثبت محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعافري الأشبيلي المعروف بالقاضي أبي بكر بن العربي، ولد في 22 شعبان سنة 468هـ, وتوفي في ربيع الأول سنة 543هـ. 6- والعواصم من القواصم مؤلف عظيم للقاضي أبي بكر بن العربي. نشره الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1347هـ في جزئين وذلك عن مخطوطة جامع الزيتونة بتونس, وبالمخطوطة خروم وسقطات وتقديم وتأخير، ولعل ذلك من الناسخ. أخذ منه الشيخ محب الدين الخطيب قسمًا من الجزء الثاني منه, ابتداء من صفحة 98 إلى صفحة 193, ونشره معتمدًا على هذه المطبوعة فقط, ولم يلتفت إلى أي مخطوطة أخرى3، وسماه: "العواصم من القواصم" في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك للمرة الأولى سنة 1371هـ ثم توالت الطبعات عن هذه الطبعة نفسها. نشر الكتاب بعد ذلك كاملًا في قسمين الأستاذ الدكتور "عمار طالبي" الأستاذ بكلية الآداب جامعة الجزائر, ورئيس قسم الفلسفة آنذاك. - القسم الأول: دراسة لآراء أبي بكر بن العربي الكلامية, ونقده للفلسفة اليونانية.   3 انظر مقدمته للكتاب, صفحة 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 القسم الثاني: النص الكامل والصحيح للمرة الأولى لكتاب: "العواصم من القواصم". نشر الأستاذ محمود مهدي الإستنابولي حفظه الله, طبعة الشيخ محب الدين الخطيب نفسها محتفظًا بتعليقات الشيخ الخطيب كاملة, إلا أنه زاد عليه في التعليق فقط في إثبات بعض التحقيقات الحديثية والتاريخية. 7- وما قام به الأخوة الكرام في المكتب السلفي لتحقيق التراث1 هو: - المقابلة على مخطوطات ثلاث كلها في دار الكتب المصرية: 1- الأولى برقم 22031ب. 2- الثانية برقم 621 عقائد تيمور. 3- الثالثة برقم 4 ش علم الكلام. وإثبات ما رأوه صحيحًا بين قوسين [-] . - حذف التعليقات التي بناها الشيخ الخطيب على أخطاء مطبوعة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس. مع الاحتفاظ بكل التعليقات الأخرى، وقليل ما حذفوا. - عمل ترجمة للإمام القاضي أبي بكر بن العربي وكتبه. - زيادة تخريج وتحقيق الأحاديث النبوية، وإن كان صديقنا العلامة   1 هو هيئة علمية تتكون من خيرة متخصصة في تحقيق التراث, وهي تابعة لدار الكتب السلفية تقوم بنشر النادر والثمين من تراثنا الإسلامي. وقد أخذت على عاتقها إعادة نشر كتب التراث التي لم تأخذ حقها من التحقيق, أو نشرت بدون الاعتماد على مخطوطات موثقة، كذا إعداد الفهارس؛ لتيسير البحث والاستفادة لطلاب العلم, والله الموفق وهو وحده المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 محمود مهدي الإستانبولي-حفظه الله- قد قام بذلك, ولكن صدق من قال: "كم ترك الأول للآخر". وكذلك قد أثبتوا جميع الفوائد التي كتبها الشيخ محمود مهدي في نشرته. - توثيق نص الكتاب بالاعتماد على المخطوطات سالفة الذكر، دون أخطاء. - إضافة بعض التعليقات التي اقتضاها الموضوع. وإنني إذ أقدم هذا الكتاب العظيم، لذلك المؤلف العظيم، لا يسعني إلا أن أسجل هنا كلمة تحية وتقدير للشاب السلفي الغيور الأستاذ شرف حجازي: الذي قام بخراج هذا الكتاب ومتابعة العمل فيه، على هذا النحو الجيد ... وإن كنت لا أنسى أن أسجل له -أعزه الله ووفقه- جهوده الكبيرة والكريمة في سبيل إخراج كثير من كتب التراث النافعة، بهذا الإخراج الطيب. فجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك. الزيتون في 3 من شهر جمادى الآخرة 1405هـ.. الدكتور محمد جميل غازي رئيس المركز الإسلامي العام لدعاة التوحيد والسنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ترجمة القاضي أبي بكر بن العربي 468 - 543 هـ اسمه ونسه: هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعافري الأشبيلي المالكي. ولد في سنة 22 شعبان سنة 468هـ, 31 مارس 1076م, بمدينة أشبيلية، في أحضان أسرة كانت لها حظوة لدى المعتمد بن عباد في عصر دول الطوائف. مكانته العلمية, وثناء العلماء عليه: - قال الشيخ صديق حسن خان في "التاج المكلل": 308/280: "إمام في الأصول والفروع، سمع ودرس الفقه والأصول, وجلس للوعظ والتفسير، وصنف في غير فن، والتزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أوذي في ذلك بذهاب كتبه وماله, فأحسن الصبر على ذلك كله". أهـ. وقال الشيخ العلامة أحمد بن محمد الشهير بالمقري من كتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب": "علم الأعلام، الطاهر الأثواب، الباهر الأبواب، الذي أنسى ذكاء إياس، وترك التقليد للقياس, وأنتج الفرع من الأصل، وغدا في الإسلام أمضى من النصل" أهـ, من التاج المكلل. فوائد منقولة عنه: 1- قوله: قال علماء الحديث: ما من رجل يطلب الحديث إلا كان على وجهة نضرة؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ... " الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 قال: وهذا دعاء منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحملة علمه، ولابد بفضل الله تعالى من نيل بركته". 2- ومنها أيضًا: قوله: "تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري حديث أبي ثعلبة المرفوع: "إن من ورائكم أيامًا للعامل فيها أجر خمسين منكم، فقالوا: منهم؟ فقال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، وهم لا يجدون عليه أعوانًا"، وتفاوضنا كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة مع أنهم قد أسسوا الإسلام وعضدوا الدين، وأقموا المنار، واقتحموا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا الملة. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح في البخاري: "لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبًا ما بلغ أحدهم ولا نصيفه", فتراجعنا القول وتحصل ما أوضحناه في شرح الصحيح, وخلاصته أن الصحابة كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقهم فيها أحد، ولا يدانيهم فيها بشر، وأعمال سواها من فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين، والإسلام، وهو أيضًا انتهاؤه؛ وقد كان قليلًا في ابتداء الإسلام صعب المرام؛ لغلبة الكفار على الحق؟ وفي آخر الزمان أيضًا يعود كذلك؛ لوعد الصادق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفساد الزمان وظهور الفتن وغلبة الباطل واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق وركوب من يأتي من سنن من مضى من أهل الكتاب, كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لتركبن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه". وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ, فطوبى للغرباء". رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 فلابد والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق أن يرجع الإسلام إلى واحد كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف, وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه كان له من الأجر أضعاف ما كان لمن كان متمكنًا منه, معانًا عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى، وذلك قوله: "لأنكم تجدون على الخير أعوانًا, وهم لا يجدون عليه أعوانًا" حتى ينقطع ذلك انقطاعًا تامًّا؛ لضعف الدين, وقلة اليقين. كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله: الله" رواه مسلم, ويروى برفع الهاء ونصبها؛ فالرفع على معنى: لا يبقى موحد يذكر الله عز وجل؛ والنصب على معنى: لا يبقى آمر بمعروف, وناهٍ عن منكر. 3- ومن فوائده أيضًا: أنه قال: كنت بمجلس الوزير العادل أبي منصور بن جهير؛ فقرأ القارئ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} , وكنت بظهر أبي الوفاء بن عقيل إمام الحنبلية بمدينة السلام, وكان معتزلي الأصول، فلما سمعت الآية, قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري: هذه الآية دليل على رؤية الله تعالى في الآخرة، فإن العرب لا تقول: لقيت فلانًا إلا إذا رأته، فصرف أبو الوفاء وجهه مصرعًا إلينا؟ وقال: ينتصر لمذهب الاعتزال في أن الله لا يرى في الآخرة، فقد قال تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} , وعندك أن المنافقين لا يرون الله تعالى في الآخرة, وقد شرحنا وجه الآية في المشكلين وتقدير الآية: فأعقبهم هو نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه؛ فيحتمل ضمير {يَلْقَوْنَهُ} أن يعود إلى ضمير الفاعل في {أَعْقَبَهُمْ} المقدر بقولنا "هو", ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازًا على تقدير الجزاء". اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 4- ومن فوائده أيضًا: قوله: أنه كان بمدينة السلام إمام من الصوفية, وأي إمام يعرف بابن عطاء, فتكلم يومًا على يوسف وأخباره, حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه، فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالحليقة من كل طائفة فقال: يا شيخ, يا سيدنا, فإِذَن يوسف هَمَّ وما تَمَّ؟ , فقال: نعم؛ لأن العناية من ثَمّ. فانظروا إلى حلاوة العالم والمتعلم، وفطنة العامي في سؤاله, والعالم في اختصاره واستيفائه. ولذا قال علماؤنا الصوفية: أن فائدة قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} أن الله أعطاه العلم والحكمة أيام غلبة الشهوة؛ لتكون سببا للعصمة. ا. هـ. 5- ومنها قوله: كنت بمكة مقيمًا في سنة 489، وكنت أشرب من ماء زمزم كثيرًا, وكلما شربت نويت العلم والإيمان؛ ففتح الله لي ببركته في المقدار الذي يسره لي من العلم, ونسيت أن أشربه للعمل، ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله لي فيهما، ولم يقدر فكان صفوي للعلم أكثر منه للعمل، وأسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته. 6- ومنها قوله:` حكاية عن الجوهري: أنه كان يقول: إذا أمسكت علاقة الميزان بالإبهام والسبابة, وارتفعت سائر الأصابع كان شكلها مقروءًا بقولك: "الله" فكأنها إشارة منه سبحانه لتيسير الوزن إلى الله سبحانه مطلع عليك فأعدل في وزنك. أ. هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 مؤلفاته: للإمام القاضي أبي بكر بن العربي مؤلفات كثيرة لم يصلنا أغلبها، وقد قضى أربعين سنة في الإملاء والتدريس، وفي بث ما حصله من العلوم، ونستطيع أن نصنف أسماء مصنفاته حسب موضوعاتها. أما التصنيف حسب تاريخ تأليفها فمن الصعب القيام به؛ لأنه يحيل إلى كتبه في أماكن كثيرة من مصنفاته، مما يدل على أنه يملي في وقت واحد عدة كتب, وأنه لا يقتصر على كتاب واحد حتى يفرغ منه، ثم يبدأ في غيره5. أ- علوم القرآن: 1- أحكام القرآن: لا شك في نسبة هذا الكتاب إلى أبي بكر بن العربي؛ لأنه قد ذكره في كتابه: "شرح صحيح الترمذي" المسمى بـ "عارضة الأحوذي".ج1/ صـ 204،124،116،59،51. وذكره في "سراج المريدين", "ورقة 237". ونسبه إليه تلميذه أبو بكر بن خير الأشبيلي في فهرست ما رواه عن شيوخه. "ط. سرقسطة, 1893، صـ 54. ونسبه إليه ابن فرحون في "الديباج", صـ 281. 2- أنوار الفجر: هو أعظم كتاب له، كان كثيرًا ما يفتخر به، ويشيد بأهميته في مختلف   5 آراء أبي بكر بن العربي الكلامية, د. عمار طالبي: ج65/1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 كتبه، ذكر أنه ألفه في مدة عشرين عامًا، وأن به ثمانين ألف ورقة، ولم يصل إلينا شيء منه فيما نعلم6. وذكره المقري في "نفح الطيب": ج2 صـ 242. 2- قانون التأويل: ذكر أبو بكر بن العربي أنه ألفه في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة, وصرح بذلك في مقدمة كتابه "عارضة الأحوذي": ج11, صـ 49. وذكره المقرئ في "نفح الطيب": ج2, صـ 242. 4- الناسخ والمنسوخ: ذكره في كتابه "سراج المريدين" ورقة 237, وتحدث عنه في عدة مواضع من "أحكام القرآن", وذكره ابن خير والمقري، وابن فرحون في "الديباج": صـ 282. 5- المقتبس في القراءات: نسبه إليه حاجي خليفة في "كشف الظنون": 499/2.   6 آراء أبي بكر بن العربي الكلامية: ج1, صـ 67, د. عمار طالبي. 7 آراء أبي بكر بن العربي الكلامية" ج1, صـ 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ب- الحديث: 1- عارضة الأحوذي في شرح الترمذي: ذكره بهذا العنوان ابن خلكان في "وفيات الأعيان" ط. محيي الدين عبد الحميد، القاهرة: 4024/3, وسماه في كتابه "سراج المريدين", ورقة 237, بشرح الترمذي. وذكره المقري في "نفح الطيب": 242/2. وطبع الكتاب في ثلاثة عشر مجلدًا. 2- شرح الحديث: ذكر المؤلف هذا الكتاب في أحكام القرآن في ثلاثة مواضع, ويحتمل أن يكون هو نفس كتاب شرح صحيح الترمذي. 3- كتاب النيرين في الصحيحين: وسماه أحيانا شرح الصحيحن كما فعل في كتابه "أحكام القرآن", وذكره في كتابه "العواصم من القواصم". واقتصر أحيانًا على تسميته "بالنيرين" كما فعل في كتابه "عارضة الأحوذي": 22/10. 5- الأحاديث المسلسلات: نسبه إليه أبو بكر بن خير الأشبيلي في فهرست ما رواه عن شيوخه: صـ 175, وأخذه عنه، وذكره في "نفح الطيب": 242/2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 6- الأحاديث السباعيات: نسبه إليه أبو بكر بن خير الأشبيلي, ودرسه عليه: صـ 175, وذكره أيضًا المقري في "نفح الطيب": 242/2. 7- شرح حديث أم زرع: نسبه إليه المقري "نفح الطيب": 242/2. 8- شرح حديث الإفك: نسبه إليه المقري "نفح الطيب": 242/2. 9- شرح حديث جابر في الشفاعة: نسبه إليه المقري "نفح الطيب": 242/2. 10- الكلام على مشكل حديث السبحات والحجاب: ذكره المقري "نفح الطيب": 242/2. 11- كتاب مصافحة البخاري ومسلم: أخذه عنه أبو بكر الأشبيلي: "صـ 166 في فهرسته". ج- مشكل القرآن والحديث: يدخل تحت هذا القسم كتاب واحد وهو كتاب "المشكلين", ذكره في "أحكام القرآن", ونص عليه في "عارضة الأحوذي": 275/11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 د- أصول الدين أو علم الكلام: 1- العواصم من القواصم: وهو كتابنا هذا. وقد أشار المؤلف نفسه إلى كتابه في عدة كتب من تأليفه كسراج المريدين, وعارضة الأحوذي: 255/13، 229/13. ونسبه إليه المقري في "نفح الطيب": 242/2. وابن فرحون في "الديباج": صـ 121. والشاطبي في "الاعتصام": 343،316،202،194, ج154/3 والذهبي في "تذكرة الحفاظ": ج325،324/3 2- الدواهي والنواهي: ذكره في كتبه كأحكام القرآن والعواصم من القواصم. ونسبه إليه المقري "نفح الطيب": 242/2 وذكره حاجي خليفة "كشف الظنون": ج496/1 3- رسالة الغرة: ذكرها المؤلف في العواصم من القواصم وبين أنه كتبها ردًّا على رسالة لابن حزم تسمى "برسالة الدرة في الاعتقاد". "العواصم من القواصم: صـ 266- طبعة د. عمار طالبي." 4- الأمد الأقصى بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا: نوه بكتابه هذا في عدة مواضع من مصنفاته كشرح الترمذي وأحكام القرآن. ونسبه المقري في "نفح الطيب" إليه: 242/2. قال الدكتور عمار طالبي, حفظه الله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 "وقد عثرنا على الكتاب مخطوطًا في خزانة الوثائق بالرباط سنة 1967, ووقفنا عليه، وهو يقع تحت رقم ق4". 5- كتاب المتوسط في معرفة صحة الاعتقاد، والردُّ على من خالف السنة، وذوي البدع والإلحاد: ذكره في كتابه "عارضة الأحوذي": 118/12. ذكره أبو بكر بن خير الأشبيلي في فهرست ما رواه عن شيوخه: صـ 259, ونسبه إليه المقري في "نفح الطيب": 242/2 6- كتاب المقسط في شرح المتوسط: ذكره في كتابه "أحكام القرآن", ونص عليه في غير ما كتاب من مؤلفاته. ونسبه إليه أبو بكر بن خير في فهرست ما رواه عن شيوخه: صـ 258. 7- نزهة الناظر وتحفة الخواطر: وسماه أحيانا "نزهة المناظر وتحف الخواطر"، ذكره في "العواصم من القواصم": صـ 7 من طبعه د. عمار طالبي ولم يذكره المقري ولا ابن خير. هـ- كتب الزهد: 1- سراج المريدين في سبيل المهتدين, كاستنارة الأسماء والصفات في المقامات والحالات الدينية والدنيوية، بالأدلة العقلية والشرعية القرآنية والسنية: هو الكتاب الذي سماه "القسم الرابع من علوم القرآن في التذكير", ذكره مؤلفه في كتابه: "شرح صحيح الترمذي عارضة الأحوذي": 28/1, وحاجي خليفة "كشف الظنون": 23/2, نقلا عن تذكرة القرطبي. ونسبه إليه ابن فرحون "الديباج المذهب": 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وذكره ابن الحاج العبدري 737 هـ, في كتابه "مدخل الشرع"، البابي الحلبي، القاهرة، 1960، ج4, صـ 301. ويوجد هذا الكتب كاملًا مصورًا في دار الكتب المصرية تحت رقم "20348ب", وهو مأخوذ عن نسخة الشيخ أحمد بن الصديق الغماري المغربي. وتوجد نسخة أخرى منه في مكتبة الكتاني بخط أندلسي واضح. 2- سراج المهتدين: نسبه إليه ابن فرحون "الديباج: صـ 282". والمقري في "نفح الطيب: 242/1". 2- مراقي الزلفي: نسبه إليه العبدري في "مدخل الشرع: ج 119،66/1", ج125،123/2", "ج 295،294،25،23/4". والمقري في "نفح الطيب: 242/2". 4- كتاب العقد الأكبر للقلب الأصغر: نسبه إليه المقري "نفح الطيب: 242/2 5- تفصيل التفصيل بين التحميد والتهليل: ذكره المقري في "نفح الطيب: ج2, صـ 242". وأصول الفقه 1- كتاب المحصول في أصول الفقه: أشار إليه المؤلف في "أحكام القرآن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وابن فرحون في "الديباج المذهب: صـ 292". والمقري في "نفح الطيب: 242/2 2- كتاب التمحيص: ذكره المؤلف في "أحكام القرآن"، وفي "العواصم من القواصم: 24", من طبعة د. عمار طالبي, وذكره في "سراج المريدين: ورقة 138". ز- كتب الفقه "الفروع": 1- المسالك في شرح موطأ الإمام مالك: بني هذا الكتاب على أساس المسائل الفقهية فهو كتاب حديث وفقه في آن واحد، ولكن اخترنا أن نعتبره من كتب الفقه؛ لاهتمام أبي بكر بن العربي في شرحه بمسائل الفقه، ولمعارضته فيه للظاهرية، ونقده لها أعنف النقد فيما يتعلق بالرأي عند الإمام مالك8. نسبه إليه ابن فرحون "الديباج: صـ 282". والمقري في "نفح الطيب: ج2, صـ 242"، وسماه "ترتيب المسالك في شرح موطأ الإمام مالك". وتوجد من هذا الكتاب نسختان: الأولى في المكتبة الوطنية بالجزائر "رقم 425"، والثانية في خزانة جامعة القرويين بفاس تحت رقم "180", وتاريخ نسخها 711هـ. 2- القبس على موطأ مالك بن أنس: نسبه إليه أبو بكر بن خير, وسماه "القبس من شرح مالك بن أنس". فهرست ما رواه عن شيوخه صـ 88. وذكره المقري "نفح الطيب: ج1،صـ 242".   8 د. عمار طالبي، آراء أبي بكر بن العربي الكلامية: ج1, صـ 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وابن فرحون في "الديباج: صـ 282". ويوجد للكتاب سبعة نسخ متفرقة في مكتبات الجزائر والمغرب وتركيا. انظر مجلة معهد المخطوطات العربية: مجلد 5, صـ 176،192 2- شرح غريب الرسالة: وهو شرح للألفاظ اللغوية والفقهية الغربية من رسالة ابن أبي زيد القيرواني المالكي 389 هـ. نسبه إليه المقري "نفح الطيب: ج2, صـ 242". 4- تبيين الصحيح في تعيين الذبيح: نسبه إليه المقري في "نفح الطيب: ج1, صـ 242". 5- كتاب ستر العورة: ذكره المقري في "نفح الطيب: ج2, صـ 242. 6- كتاب التقصي: ويبدو أنه في الفقه لإشارة المؤلف إليه في أحكام القرآن بصدد مسألة في الوضوء. 7- تخليص التخليص: ذكره مؤلفه في كتابه "أحكام القرآن", وأحال إليه في مسألة قصر الصلاة, والنية في الإحرام, وابن فرحون "الديباج: 383", والمقري "نفح الطيب: ج2, صـ 242". 8- تخليص الطريقتين: ذكره في كتابه "أحكام القرآن"، ويبدو أنه كتاب في الفقه؛ لأنه لأحال إليه في مسألة فقهية تتعلق بالتسمية في الذبح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ح- الجدل والخلافات: 1- الكافي في أن لا دليل على النافي: نسبه إليه المقري "نفح الطيب: ج2, صـ 242". 2- الإنصاف في مسائل الخلاف: يقع هذا الكتاب في عشرين مجلدًا، أشار إليه مؤلفه في بعض مصنفاته, وسماه "كتاب المسائل", "عارضة الأحوذي: 65/1 ونسبه إليه المقري "نفح الطيب: 242/2 ", وحاجي خليفة: "160/1 من كشف الظنون". ط- اللغة والنحو: 1- رسالة له في النحو واللغة أطلق عليها "ملجئة المتفقيهن إلى معرفة غوامض النحويين، واللغويين": ذكرها أبو بكر بن العربي في عدة مواضع من كتبه، في "أحكام القرآن", وفي شرح الترمذي "عارضة الأحوزي: 144/1". ونسبها إليه المقري في "نفح الطيب: 242/2". 2- رده على ابن السيد البطليوسي: رد أبو بكر بن العربي علي أبي محمد عبد الله بن السيد البطليوسي "521 هـ" في شرحه على ديوان أبي العلاء المعري المسمى بلزوم ما لا يلزم, ورد ابن السيد على رد أبي بكر بن العربي بكتاب سماه "الانتصار عمن عدل عن الاستبصار". وقد نسب هذا الرد إلى أبي بكر بن العربي تلميذه أبو بكر بن خير الأشبيلي, فهرست ما رواه عن شيوخه صـ 419. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ى- تاريخ: 1- ترتيب الرحلة للترغيب في الملة: ذكره مؤلفه في كتابه "سراج المريدين: ورقة 97". وفي "العواصم من القواصم: صـ 43", من طبعة د. عمار طالبي. ونسبه إليه المقري "نفح الطيب: ج2, صـ 242". 2- أعيان الأعيان: نسبه إليه المقري "نفح الطيب: ج2، صـ 242". 3- فهرست شيوخه: ألف أبو بكر بن العربي كتابًا ترجم فيه لشيوخه، سماه تلميذه أبو بكر بن خير الأشبيلي "بكتاب فيه جملة من شيوخ الحافظ أبي بكر بن العربي", وذكر أنهم واحد وأربعون رجلًا, خرَّج عن كل واحد منهم حديثًا، وأنه قرأه عليه "فهرست ما رواه عن شيوخه: صـ 166". وأخيرًا فإن أبا بكر ذكر أن له كتابًا يسمى "بالأمالي" ذكر لك في كتاب "سراج المريدين: ورقة 97". وذكره أيضًا في كتاب "العواصم من القواصم: صـ 176", من طبعة د. عمار طالبي, وإن كان ذكره له في العواصم من القواصم قرن به "أنوار الفجر", وأغلب الظن أنه ليس كتابًا مستقلًا, وإنما هو عبارة عن أماليه عامة بما في ذلك أغلب كتبه التي كان يمليها. وذكر أبو بكر بن العربي أن له كتابًا سماه "بالعوض المحمود", غير أن هذا الكتاب محير لا نعرف أين نضعه غير أنه أشار إلى أنه تحدث فيه عن مسألة الرؤيا, وبين اسم جزء من أجزاء هذا الكتاب وسماه "محاسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الإنسان", انظر "عارضة الأحوذي: 130،123/911", فلعله أن يكون في الأخلاق9.   9 اعتمدنا في نقل مؤلفات القاضي أبي بكر بن العربي على الله سبحانه وتعالى, ثم على الجهد العظيم الذي قام به الدكتور عمار طالبي حفظه الله وأثابه عن العلم وأهله خيرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وفاته: أتاه أجله "بمغيلة" قرب مدينة "فاس" في ربيع الأول سنة 543 هـ, ودفن في "فاس" خارج باب المحروق، على مسيرة يوم من "فاس" غربًا منها. وصلى عليه صاحبه أبو الحكم بن حجاج، وفدن يوم الأحد 7 ربيع الأول سنة 453 هـ. وبموته انطفأت شعلة من الذكاء متقدة، وأفل نجم طلعة متوثبة، وسكنت روح ذات طموح غالب، وخمد ذهن نافذ كان ينير للناس ظلمات حالكة، ويذهب بإشكالات معضلة. وفاضت نفس تواقة إلى تحقيق العدل، وإشاعة مبادئ الأخلاق والدين في الواقع الاجتماعي، وإلى بث الروح العلمية النافذة الفاحصة، وإلى تكوين جيل جديد على أسس تربوية جديدة. أقبل صاحب هذه الروح من المشرق ليغرسها في المغرب، وكفاه أنه ما فارق الوجود حتى بذل جهده، وحقق بعض الذي كان يتوق إليه10. رحمه الله رحمة واسعة.   10 د. عمار طالبي: آراء أبو بكر بن العربي الكلامية: 88/1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وصف المخطوطات التي اعتمدنا عليه في التحقيق : المخطوطة الأولى "د": كتب بخط أندلسي جميل وواضح، وإن كانت فيها آثار رطوبة ومحو في بعض أوراقها، تقع تحت رقم 22031ب, بها مائة وأربع وثلاثون ورقة "134", وفي كل ورقة 23 سطرًا، مقاس حجمها المكتوب 23 سطرًا معًا 27, ونصف 19، لا يعرف ناسخها، ولا تاريخ نسخها ويبدو من خطها أنها أدقم النسخ، كتب على أول ورقة منها: كتاب القواصم والعواصم "س1" للإمام العالم الأجل "س2" أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي رضي الله عنه "س3"، وكتب في السطر الرابع بخط حديث: ألفه في سنة 530 في شعبان, وفي الورقة الثانية: بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، "س1". قال الشيخ الفقيه الإمام الأوحد الحافظ "س2"، العلامة الأمجد أبو بكر بن العربي رضي الله عنه ورحمه "س3"، أول هذه النسخة الحمد لله رب العالمين, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ... إلخ، وكتبت العناوين فيها, وأوائل الفقرات بحروف بارزة سوداء، وآخر هذه النسخة مبتور، كما ترى نقص بعض أوراق منها في أثناء الكتاب كما هو مبين في الهوامش, ولكن نصها في أغلب الأحيان يعتبر أصح النصوص وأوضحها رغم نقص بعض أوراقها، وينبغي التنبيه إلى أنه قد وقع خلط في بعض أوراقها، إذ ما نقص منها في بعض مواضعها، وجد في آخر النسخة مرقمًا على أنه تابع للنص ومسترسل معه، والواقع أنه راجع إلى ما نقص من مواضع أخرى، وقد أشرنا إلى ذلك كله في الهوامش وآخر ما ورد في النسخة: من رآني في المنام فقد رأني حقًّا ... 11 قطعًا أنه لا يرى ذات النبي.   1 طمست منها كلمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 المخطوطة الثانية "ز": أما النسخة الثانية فهي نسخة جيدة أيضًا، إلا أنها رغم أنها كاملة، لا تبلغ جودة النسخة الأولى، وهي واقعة تحت رقم 621 عقائد تيمور, بدار الكتب المصرية أيضًا، والورقة الأولى منها مزخرفة، وكتب في آخر ظهرها: 97 في ثاني الملل والنِّحَل لابن حزم كروية الأرض، وقوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِيْ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ، وفي قصة ذا القرنين، {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} "س2" وكتب على وجه الورقة الثانية: الحمد لله، اعلم أن كلام جميع الحكماء، والفلاسفة وعلومهم مستفادة من الشرائع والملل السابقة، وأن كفرهم وضلالهم والعياذ بالله، بسبب ارتباط العوائد الجارية، في العالم، وخفاء تعلق القدرة بالموجودات وذلك مثل إنكار النصارى، وجود الكيمياء لغموض علمها، وخفاء سرها، وأيضًا فلخفاء سر القدر، والحكمة الإلهية عند الخلق، نعوذ بالله من الضلال، والخذلان، والاستهواء في خارف "كذا" الدنيا والميل إلى الراحة، من مشقة التكليف، الطارئة مشقتها على الطبع البشري، لأنه وحده، بمجرده لا يتوصل به إلى شيء إلا بما تقتضي التجربة، والتكرار المقتضيان لآلاف عديدة وافرة من السنين، تأمله منصفًا وفوق كل من ذوي العلم، العليم هـ. وفي ظهر الورقة الثانية كتب عنوان: فهرست الكتاب، وتحته كتب فهرست تفصيلي لمسائل الكتاب متفق مع ما ورد فيه من موضوعات، وكتب ذلك على شكل جدول ذي أربع مربعات، كل مربع، يوضع فيه رقم الورقة وعنوان المسألة التي وردت في تلك الورقة, وفيما بعدها, هذه المربعات الأربع على عرض الورقة، أما على طولها فهي ثمانية مربعات, ويكون ذلك مستطيلًا ذا اثنين وثلاثين مربعًا صغيرًا، وكتب هذا الفهرست ابتداء من ظهر الورقة الثانية إلى حوالي ثلثي وجه الورقة الخامسة, وبقى ظهر الورقة المذكورة بياضًا مع وجود رسم ذلك الجدول. وكتب على وجه الورقة الأولى التي تعتبر أول نص الكتاب حسب ترقيم الناسخ الذي اعتبر أوراق الفهرست زوائد، وكتب على الجانب الأيسر من أعلى: عقائد تيمور "ك1" أي رقم الكتاب ورقم الكراس الأول منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وكتب في وسط الورقة من أعلى: كتاب العواصم من القواصم "س1"، تأليف الشيخ الفقيه، قاضي القضاة "س2" أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي "س3"، رحمه الله تعالى آمين "س4"، وكتب على الجانب الأيسر: وكانت بداءة نسخه يوم2 الأحد ثاني شهر ربيع الأنور بمولده الشريف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سنة 1258, وكتب تحت ذلك بخط آخر يبدو أنه أحدث من الأول: ودخلت في توبة عبيد الله محمد الملكي بن عزور سنة 1313، وأسأل الله أن تبقى لذريتي بإذن الله ينتفعون وينفعون بها إن شاء الله، ويبدو أن ذلك بخط الشيخ محمد المكي بن عزوز نفسه، وهو من العلماء الجزائريين المعاصرين كانت لهم مكانة مرموقة في العلوم الإسلامية في المغرب الإسلامي، ويبدو أنه أتى بهذه النسخة إلى مصر حين وروده إليها، وذهابه إلى تركيا مهاجرًا، وكتب على الورقة الثانية من النسخة: بسم الله الرحمن الرحيم, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأولها: قال صالح بن عبد الملك بن سعيد: قرأت على الإمام الحافظ أبي بكر ابن العربي رضي الله عنه قال: الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم .... إلخ. بها 226 ورقة، وقد أخطأ الناس في الترقيم فعد الورقات "229" أي أنه زاد ثلاث ورقات، وذلك أنه أخطأ من ترقيم ورقة 86 فكتها 89, واستمر على ذلك. وفي كل ورقة 15 سطرًا, ومقاس حجمها "14×9" بالنسبة للمكتوب فقط, و21 ونصف ×15 ونصف للمكتوب والهامش. أما الناسخ فهو الحاج حمودة بن حمودة بوسن "التونسي مولدًا الطرابلسي القرباني أصلًا ونسبًا، المالكي مذهبًا، الأشعري اعتقادًا، وقد ذكر أنه ابتدأ بنسخ الكتاب في 2 ربيع الأنور سنة 1258هـ, وفرغ من نسخه في 12 ذي الحجة سنة 1258هـ، وقد كتب العناوين أيضًا بالحروف البارزة, وكذلك أوائل الفقرات". وتمتاز هذه النسخة بالتعليقات التي كتبها الناسخ وبالمقارنات التي سجلها بالهوامش بين النسخ المتعددة التي قابل بها نسخته أو نسخ عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 المخطوطة الثالثة "ج": وهي تقع تحت رقم "4 توحيد ش" بدار الكتب المصرية. وأول النسق: قال صالح بن عبد الملك بن سعيد: قرأت على الإمام الحافظ أبي بكر ابن العربي رضي الله عنه قال: الحمد لله رب العالمين, اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ... إلخ. وبهذه النسخة 215 ورقة. وفي كل ورقة 21 سطرًا، ومقاس حجمها الكتوب "16×8", وبزيادة غير المكتوب "22×16". أما الناسخ, فهو غير مذكور. وأما تاريخ النسخ فهو 14 يوم الأحد محرم سنة 1289هـ، وعلى العموم فهي أقل النسخ جودة؛ لكثرة أخطائها ولجهل ناسخها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 صور المخطوطات التي اعتمدنا عليها في التحقيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الشيخ محمود مهدي الاستنابولي حفظه الله: إن المسلمين -بل الإنسانية كلها- أشد ما كانوا اليوم حاجة إلى معرفة فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكرم معدنهم، وأثر تربيته فيهم، وما كانوا عليه من علو المنزلة التي صاروا فيها الجيل المثالي الفذ في تاريخ البشر. وشباب الإسلام معذورون إذ لم يحسنوا التأسي بالجيل المثالي في الإسلام؛ لأن أخبار أولئك الأخيار قد طرأ عليها من التحريف والأغراض والبتر والزيادة وسوء التأويل في قلوب شحنت بالغل على المؤمنين الأولين، فأنكرت عليهم حتى نعمة الإيمان. وقد أصبح من الفرض الديني والقومي والوطني على كل من يستطيع تصحيح تاريخ صدر الإسلام أن يعتبر ذلك من أفضل العبادات، وأن يبادر له, ويجتهد فيه ما استطاع إلى أن يكون أمام شباب المسلمين مثال صالح من سلفهم يقتدون به، ويجددون عهده، ويصلحون سيرتهم بصلاح سيرته1. وهذا التوجيه يذكرنا بأثر ورد عن الصاحبي الجليل جابر بن عبد الله: "إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم".   126 من مقال "اليل المثالي" للأستاذ محب الدين الخطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وقد كان أول من سارع إلى القيام بهذا الواجب العلامة القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم: "العواصم من القواصم, في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي، وتبرئتهم مما نسبه إليهم الملاحدة والمفسدون والمضللون". وقد كشف في هذا الكتاب عن نور الحق، وخذل الباطل، فإذا هو زاهق, وأضاء المصباح بعدما كاد يخبو. فإلى العالم الراقد في جدثه, الهانئ بمضجعه, تحفله مسحة من النور الإلهي نهدي غاديات من الدعوات، ونستمطر وابلًا من الرحمات، فقد كان بكتابه "العواصم من القواصم" كالبدر طلع علينا على خابط ليل ضل السبيل وخانه الدليل، وكالغيث أصاب أرضًا قابلة, فأنبتت من كل زوج بهيج.. والعجب من كثير من علماء المسلمين أنهم نسوا كتاب "العواصم من القواصم"*، فجعل الجيل المسلم الحقيقة التي تذبح على مائدة الخونة والمتآمرين على الإسلام؛ ليضللوه وينفروه من سيرة الجيل المثالي؛ خشية أن يقتدي به, ويحلِّق كما حلَّق سلفه من قبل في ذر المجد والعظمة, فيعيد سيرة الإسلام الأولى. لهذا كله رأينا أن نتحف بهذا الكتاب العظيم القراء؛ ليصحح الكثيرون منهم ما تلقوه من معلومات خاطئة، آملين أن يضعوه بين أيدي أبنائهم وبناتهم، لينجوا من الأفكار الخاطئة التي علقت في أذهانهم بسب الكتب التي يتداولونها، والدروس التي يتلقونها، فيتخذوا من سيرة الصحابة مثلًا عاليًا يحتذونه، وشحنة، بل شحنات قوية تدفع بهم إلى الأمام, إلى آفاق العظمة والمجد والسؤدد، وإلى التشوق إلى حياة البطولة والجهاد والشوق لرائحة الجنة.   * المقصود من عنوان الكتاب: الحقائق التي تعصم المسلم من افتراءات المفسدين القاصمة المدمرة، فتكشف عن أكاذيبهم وتجعلها هباء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وزاد هذا الكتاب روعة ونفعًا وإيضاحًا تعليقات فقيد الإسلام والعروبة العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى, وأجزل ثوابه, وأسكنه فسيح جناته. وقد أضفنا إليه بعض التحقيقات الحديثية والتاريخية، فجاء تحفة علمية, ووثيقة تاريخية قليلة النظير. والله سبحانه نسأل أن ينفع به ويدخر لنا ثوابه {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} . محمد مهدي الاستنابولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 تصدير للعلامة: محب الدين الخطيب: رحمه الله : الحمد لله الذي أنعم على الإنسانية برسالة الإسلام، وصلى الله وسلم على الإنسان الأعلى، والمعلم الأكمل، محمد بن عبد الله صفوته من خلقه، وأعلى مقامَ الذين قاموا بتحقيق رسالته، ممن تشرفوا بصحبته، وأحسنوا الخلافة على أمته، ومن واصلوا عملهم بعدهم، ملتزمين سنتهم، ومتحرين أهدافهم، إلى يوم الدين. وبعد فإن هذا العالم الإسلام الذي نعتز بالانتساب إليه، ونعيش لإسعاده والسعادة به، قد افتتح أكثره في الدولة الإسلامية الأولى بعد الخلفاء الراشدين، ودخل معظم شعوبه في هداية الإسلام على أيدي الخلفاء الأمويين وولايتهم وقواد جيوشهم؛ إتمامًا لما بدأ به صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وخليفتاه الأولان -أبو بكر وعمر- سلام الله عليهما، ورضي عنهما وأرضاهما، وأحسن جزاءهما عنا وعن الإسلام نفسه وجميع أهله. وإن حادثة انتشار الإسلام، ودخول الأمم فيه، أصبحت في ذمة التاريخ، والأجيال التي أتت بعد ذلك إلى يومنا هذا منهم من يفتخر بذلك، ويمتليء قلبه سرورًا به، ويدعو بالخير لمن كانوا سبب هذا الخير العظيم، ومنهم من ابتأس به، واملأ فؤاده حقدًا على الذين علموا فيه، وجعل من دأبه أن يصمهم بكل نقيصة. وقد نذر الذين لم يذوقوا حلاوة الإسلام، وحالت البيئة بينهم وبين الأنس بعظمته، وشريف أغراضه، وسيرة الذين قاموا به، إذ نظروا إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 تاريخ الإسلام نظرةخاطئة، واتخذوا له في أذهانهم صورة غير صورته التي كانت له في الواقع، ولكني أعترف -ولا فائدة من الإنكار- بأن في المنسوبين إلى الاسلام من يبغض حتى الخليفة الأول لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ويقلب جميع حسناته سيئات، وأن أحد الذين شاهدوا بأعينهم عدل عمر، وزهده في متع الدنيا، وإنصافه لجميع الناس، لم يتسطع أن يمنع الحقد الذي في فؤاده على الإسلام أن يدفعه إلى طعنه بالسكين دون أن يسيء إليه، وفي قوم طاعن1 عمر بالسكين من يؤلفون المؤلفات إلى يومنا هذا في تشويه حسنات هذا المثل الأعلى للعدل والإنسانية والخير, وفي عصر عثمان* من ضاقت صدورهم بطيبة ذلك الخليفة الذي خلق قلبه من رحمة الله، فاخترعوا له ذنوبًا، وما زالوا يكررونها على قلوبهم حتى صدقوها، وتفننوا في إذاعتها، ثم استحلوا سفك دمه الحرام، في الشهر الحرام، بجور قبر أبي زوجتيه محمد عليه الصلاة والسلام، وما برحت الإنسانية تشاهد المعجزات من رجالات الإسلام في نشره, وإدخال الأمم فيه, وتوسيع النطاق في الآفاق لكلمة: "الله أكبر ... حي على الفلاح", حتى نودي بها على جبال السند، في ربوع الهند، وعلى سواحل المحيط غربًا، وفي أودية أوربا وجبالها، بما لم يملك أن يصفه حتى أعداء الإسلام إلا بأنه معجزة، كل هذا في زمن هذه الدولة الأموية التي لو صدر عن المجوس، وعبدة الأوثان، عشر ما صدر عنها من الخير، وجزء من مائة جزء مما أثر عن رجالها من أنصاف ومروءة وكرم وشجاعة وإيثار وفصاحة ونبل، لرفعوا لأولئك المجوس والوثنيين ألوية الثناء والتقدير في الخافقين، والتاريخ الصادق لا يريد من أحد أن يرفع لأحد لواء الثناء والتقدير، لكنه يريد من كل من يتحدث عن رجاله أن يذكر لهم حسناتهم على قدرها، وأن   1 يحتفل بعض الزنادقة من كل عام في اليوم الذي استشهد فيه الخليفة عمر على يد المجوسي أبي لؤلؤة الذي يعطونه لقب: "بابا شجاع", فيا للخيانة الشنيعة والحقد الدفين. م. * إن عصر عثمان رضي الله عنه هو من أسعد وأعظم العصور الإسلامية برخائه وفتوحاته العظيمة, وقد حاول تشويهه أناس لا دين لهم, وأوضحنا ذلك في الصفحات المقبلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 يتقي الله في ذكر سيئاتهم, فلا يبالغ فيها ولا ينخدع بما افتراه المغرضون من أكاذيبها. نحن المسلمين لا نعتقد العصمة لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكل من ادعى العصمة لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو كاذب، فالإنسان إنسان، يصدر عنه ما يصدر عن الإنسان، فيكون منه الحق والخير، ويكون منه الباطل والشر، وقد يكون الحق والخير في إنسان بنطاق واسع فيعد من أهل الحق والخير، ولا يمنع هذا من أن تكون له هفوات، وقد يكون الباطل والشر في إنسان آخر بنطاق واسع، فيعد من أهل الباطل والشر، ولا يمنع هذا من أن تبدر منه بوادر صالحات في بعض الأوقات. يجب على من يتحدث عن أهل الحق والخير إذا علم لهم هفوات، أن لا يسيء ما غلب عليهم من الحق والخير, فلا يكفر ذلك كله من أجل تلك الهفوات، ويجب على من يتحدث عن أهل الباطل والشر إذا لهم بوادر صالحات، أن لا يوهم الناس أنهم من أهل الصالحات من أجل تلك الشوارد الشاذة من أعمالهم الصالحات. إن أحداث المائة الأولى من عصور الإسلام كانت من معجزات التاريخ، والعمل الذي عمله أهل المائة الأولى من ماضينا السعيد لم تعمل مثله أمة الرومان، ولا أمة اليونان قبلها، ولا أمة من أمم الأرض بعدها. أما أبو بكر وعمر، وسائر الخلفاء الأربعة الراشدين، وإخوانهم من العشرة المبشرين بالجنة، وطبقتهم من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خصوصًا الذين لازموه، وراقبوه وتمتعوا بجميل صحبته "من أنفق منهم من قبل الفتح وقاتل، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا" فإنهم جميعا كانوا شموسًا طلعت في سماء الإنسانية مرة، ولا تطمع الإنسانية بأن يطلع في سماءها شموس من طرازهم مرة أخرى، إلا إذا عزم المسملون على أن يرجعوا إلى فطرة الإسلام، ويتأدبوا بأدبه من جديد، فيخلق الله منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 خلقًا آخر يعيش للحق والخير، ويجاهد الباطل والشر، حتى تعرف الإنسانية طريقها الحقيقي إلى السعادة، وهذه الشموس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتفاوت أقدارها، وتتباين في أنواع فضائلها، إلا أنها كلها كانت من الفضائل في مرتقى درجاتها, وإذا بدأ المشتغلون بتاريخ الإسلام من أفاضل المسلمين في تمييز الأصيل عن الدخيل من سيرة هؤلاء الأفاضل العظماء، فإنهم ستأخذهم الدهشة لما اخترعه إخوان أبي لؤلؤة، وتلاميذه عبد الله بن سبأ، والمجوس الذين عجزوا عن مقاومة الإسلام وجهًا لوجه في قتال شريف، فادعوا الإسلام كذبًا، ودخلوا قلعته مع جنوده خلسة، وقاتلوهم بسلاح "التقية", بعد أن حولوا مدلولها إلى النفاق، فأدخلوا في الإسلام ما ليس منه، وألصقوا بسيرة رجاله ما لم يكن فيها, ولا من سجية أهلها، وبهذا تحولت أعظم رسالات الله وأكملها إلى طريقة من الخمول والعطالة والجمود كان من حقها أن تقتل الإسلام والمسملين قتلًا، لولا قوة الحيوية الخارقة التي في الإسلام، وهي التي يرجى -إذا رجعنا إلينا، وجردناها من الطوارئ عليها، وخلصنا سيرة رجالها مما شيبت به، وسرنا في طريقهم مخلصين- أن نعود مسلمين من ذلك الطراز الأول كما كان في الواقع، لا كما أراد مبغضوا الصحابة والتابعين لهم بإحسان أن يعرضوه على الناس. ونحن بتقديمنا هذه الحقائق من قلم الإمام ابن العربي، أو من النصوص الأصلية التي علقنا بها عليها، إنما أردنا عكس ما يريد المتعرضون لهذه البحوث من ترديد خلافات عفى عليها الزمن، والصحابة كانوا أسمى أخلاقًا, وأصدق إخلاصًا لله, وترفعا عن خسائس الدنيا من أن يختلفوا للدنيا، لكن كان في عصرهم من الأيدي الخبيثة التي عملت على إيجاد الخلاف وتوسيعه، مثل الأيدي الخبيثة التي جاءت فيما بعد فصورت الوقائع بغير صورتها، ولما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم قدوتنا في ديننا، وهم حملة الكتاب الإلهي والسنة المحمدية إلى الذين حملوا عنهم أماناتها حتى وصلت إلينا، فإن من حق هذه الأمانات على أمثالنا أن ندرأ عن سيرة حفظتها الأولين كل ما ألصق بهم من إفك ظلمًا وعدوانًا؛ لتكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 صورتهم التي تعرض على أنظار الناس هي الصورة النقية الصادقة التي كانوا عليها، فتحس القدوة بهم, وتطمئن النفوس إلى الخير الذي ساقه الله للبشر على أيديهم، وقد اعتبر في التشريع الإسلامي أن الطعن فيهم طعن في الدين الذي هم رواته، وتشويه سيرتهم تشويه للأمانة التي حملوها, وتشكيك في جميع الأسس التي قام عليها كيان التشريع في هذه الملة الحنيفية السمحة، وأول نتائجه حرمان شباب الجيل، وكل جيل بعده، من القدوة الصالحة التي مَنَّ الله بها على المسلمين؛ ليتأسوا بها، ويواصلوا حمل أمانات الإسلام على آثارها، ولا يكون ذلك إلا إذا ألَمُّوا بحسناتهم، وعرفوا كريم سجاياهم، وأدركوا أن الذين شوهوا تلك الحسنات, وصوروا تلك السجايا بغير صورتها، إنما أرادوا أن يسيئوا إلى الإسلام نفسه بالإساءة إلى أهله الأولين، وقد آن لنا أن ننتبه من هذه الغفلة فنعرف لسلفنا أقدارهم؛ لنسير في حاضرنا على هدًى ونور من سيرتهم الصحيحة وسريرتهم النقية الطاهرة. وهذا الكتاب الذي ألفه عالم من كبار أئمة المسلمين؛ بيانًا لما كان عليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صفات الكمال, وإدحاضًا لما ألصق بهم وبأعوانهم من التابعين لهم بإحسان، يصلح على صغره لأن يكون صيحة من صيحات الحق, توقظ الشباب المسلم إلى هذه الدسيسة التي دسها عليهم أعداء الصحابة ومبغضوهم؛ ليتخذوها نموذجًا لأمثالها من الدسائس، فيتفرغ الموفقون إلى الخير منهم لدراسة حقيقة التاريخ الإسلامي واكتشاف الصفات النبيلة في رجاله، فيعلموا أن الله عز وجل قد كافأهم عليها بالمعجزات التي تمت على أيديهم وأيدي أعوانهم في إحداث أعظم انقلاب عرفه تاريخ الإنسانية، ولو كان الصحابة والتابعون بالصورة التي صورهم بها أعداؤهم ومبغضوهم, لكان من غير المعقول أن تتم على أيديهم تلك الفتوح، وأن تستجيب لدعوتهم الأمم بالدخول في دين الله أفواجًا. والقاضي أبو بكر ابن العربي مؤلف "العواصم من القواصم" إمام من أئمة المسلمين، ويعتبره فقهاء مذهب الإمام مالك أحد أئمتهم المقتدى بأحكامهم، وهو من شيوخ القاضي عياض مؤلف كتاب "الشفا في التعريف بحقوق المصطفى"، ومن شيوخ ابن رشد العالم الفقيه والد أبي الوليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الفيلسوف، ومن تلاميذه عشرات من هذه الطبقة كما سترى من ترجمته الآتية بعد**, وكتابه "العواصم من القواصم"، من خيرة كتبه، ألفه سنة 536 هـ, وهو في دور النضج الكامل بعد أن امتلأت الأمصار بمؤلفاته وبتلاميذه الذين صاروا في عصرهم أئمة يهتدى بهم، وهذا الكتاب في جزئين متوسطي الحجم، ومبحث الصحابة الذي نقدمه لقرائنا هو أحد مباحث جزئه الثاني من صـ 98 إلى صـ 193 من طبعة المطبعة الجزائرية الإسلامية في مدينة قسنطينة بالجزائر سنة 1347, كان قد وقف على تلك الطبعة شيخ علماء الجزائر الأستاذ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، ومما يؤسف له أن الأصل الذي اعتمد عليه في تلك الطبعة كان مكتوبًا بقلم ناسخ غير متمكن، فوقعت فيه تحريفات لفظية وإملائية حرصنا على ردها إلى أصلها، بل إن النسخة المخطوطة التي طبعت عليها طبعة الجزائر يظهر أن المجلِّد وضع بعض ورقاتها في غير موضعها، فأرجعناها إلى ما دل عليه السياق في القول، والترتيب في المسائل، وفيما عدا ذلك التزمنا الأمانة في عرض الكتاب إلى أقصى غاية، وعلقت على كل بحث منه بما يزيده وضوحًا، مقتبسًا ذلك من أوثق المراجع وأمهات الكتب الإسلامية المعتمدة، مبينًا في كل نص مأخذه بكل أمانة ووضوح. وأرجو أن يجزل ثواب الإمام ابن العربي على دفاعه هذا عن أصحاب رسول الله الذين حملوا معه صلى الله عليه وآله وسلم أعظم رسالات الله، وكانوا أصدق أعوانه على تبليغها في حياته وبعد أن اختاره الله إليه، بل كانوا سبب كياننا الإسلامي، ولهم ثواب انتمائنا إلى هذه الملة الحنيفية السمحة التي لا عيب لها غير تقصيرنا في التخلق بآدابها في أنفسنا، وتعميم سننها في بيوتنا ومجتمعنا وأسواقنا ومحاكمنا ودور حكمنا، وعسى أن يكون في قراء هذا الكتاب من يعاهد الله على أن يكون خير منا عملًا وأصح منا علمًا، وعلى الله قصد السبيل. محب الدين الخطيب*   ** نلفت نظر القارئ أن الترجمة المثبتة من إعداد المكتب السلفي للتراث, وقد رتبناها على أبواب جديدة مما يجعلها أكثر فائدة "س". * توفى العلامة محب الدين الخطيب -رحمه الله- سنة 1389هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله [وسلم] قال صالح بن عبد الملك بن سعيد: قرأت على الإمام محمد بن أبي بكر بن العربي1 رضي الله عنه قال: الحمد لله رب العالمين2 اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم إنا [نستدعي من رضاك] المنحة، كما نستدفع بك المحنة، ونسألك العصمة، كما نستوهب منك الرحمة. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ويسر لنا العمل كما علمتنا، وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وانهج لنا سبيلا [تهدي] إليك، وافتح بيننا وبينك بابًا نَفِدُ منه عليك، لك مقاليد السموات والأرض وأنت على كل شيء قدير.   1 هو غير "ابن العربي" المتصوف الذي يكتب اسمه نكرة "م". 2 بهذا التحميد، والدعاء السديد، افتتح الإمام ابن العربي الجزء الأول من كتابه "العواصم من القواصم"، فافتتحنا به هذا القسم من جزئه الثاني من صـ 98 إلى صـ 193 من مطبوعة الجزائر سنة 1347, وهو ما اخترنا إفراده بهذا السفر خاصًا بتحقيق مواقف الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما أشرنا إلى ذلك في تصدير الكتاب. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الباب الأول قاصمة الظهر وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقعها في نفوس الصحابة بعد أن استأثر الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم, وقد أكمل له ولنا دينه، وأتم عليه وعلينا نعمته، كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3] ؛ وما من شيء في الدنيا يكمل إلا وجاءه النقصان؛ ليكون الكمال الذي يراد به وجه الله خاصة، وذلك العمل الصالح والدار الآخرة، فهي دار الله الكاملة, قال أنس: "ما نفضنا أيدينا من تراب قبر سول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنكرنا قلوبنا"1. واضطربت الحال، ثم تدارك الله الإسلام ببيعة أبي بكر، فكان موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم "قاصمة الظهر" ومصيبة العمر: فأما علي فاستخفى3 في بيته مع فاطمة3.   1 في مطبوعة الجزائر: "نفوسنا" والمروي في الحديث: "قلوبنا" من وجوه متعددة, أشار إليها الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية: 5: 273-274, أحدها للإمام أحمد عن أنس: "لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء", قال: "وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا". وهكذا رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب, قال ابن كثير: وإسناده صحيح على شرط الصحيحين. "خ". 2 لأن فاطمة وجدت علي أبي بكر لما أصر على العمل بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا نورث ما تركناه صدقة", وسيأتي تفصيل ذلك في صـ 62-63، فعاشت فاطمة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر معتزلة في بيتها ومعها علي، قال الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية" 6: 323, فلما مرضت جاءها الصديق, فدخل عليها, فجعل يترضاها فرضيت, رواه البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي, ثم قال: وهذا مرسل حسن بإسناد صحيح, وقال البخاري: "ك 64 ب 38 ج 5 صـ 83-82" من حديث عروة عن عائشة: "فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلًا, ولم يؤذن لها أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 سكوت عثمان وإهجار عمر وأما عثمان فسكت. وأما عمر فأهجر وقال: "ما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،   = ومبايعته إلخ, وبيعة علي هذه هي الثانية بعد بيعته الأولى في سقيفة بني ساعدة, وأضاف الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية "249: 5" أن عليًّا لم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلف الصديق، وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرًا سيفه يريد قتل أهل الردة. ويحتمل أن يكون مراد المؤلف باستخفاء علي ما كان منه ومن الزبير قبيل الاجتماع في سقيفة بني ساعدة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى ذلك في خطبته الكبرى التي خطبها في المدينة في عقب ذي الحجة بعد آخر حجة حجها عمر، وهذه الخطبة في مسند الإمام أحمد 55: 1 الطبعة الأولى, ج1, رقم391, الطبعة الثانية من حديث ابن عباس. "خ". 16 أن هذا الخبر لا يتفق مع الخبر الوارد في أعلى هذا الكلام القائل بأن عليًّا لم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلف الصديق, وإنه خرج معه لما خرج أبو بكر شاهرًا سيفه لقتال المرتدين. والحقيقة: لقد اضطربت الروايات في بيان موقف علي بن أبي طالب من خلافة أبي بكر الصديق، ولعبت الدسائس دورها، ونسجت الافتراءات والأكاذيب حولها بقصد زعزعة الثقة بالإسلام بصورة عامة، وبالصحابة بصورة خاصة، وإظهارهم بمظهر الجشع والتهالك على المناصب والأموال ولو بمخالفة الشريعة, ونحن ننقل فيما يلي أصح الروايات عن موقف علي النبيل, ثم نأتي على بعض الروايات الأخرى التي تقول بامتناعه عن البيعة حتى وفاة فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ونوضح زيفها وكذبها. قال العلامة محمد عزة دروزة في كتابه: "الجنس العربي: 14: 7", وما بعدها: لقد روى الطبري عن عبد الله بن سعيد الزهري, عن عمه يعقوب, عن سعيد بن عمر, عن الوليد بن عبد الله, عن الوليد بن جميع الزهري, أن عمرو بن حريث سأل سعيد بن زيد: قال: فمتى بويع أبو بكر؟. أشهدت وفاة النبي؟ قال: نعم ... قال: يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرهوا أن يبقوا بعض يوم، وليس في جماعة, قال: فخالف عليه أحد؟ قال: لا, إلا مرتد أو من قد كاد أن يرتد, لولا أن الله أنقذهم من الأنصار. قال: فهل قعد أحد من المهاجرين؟ قال: لا تتباعوا على بيعته من غير أن يدعوهم: ج2صـ 447, والمتبادر أن القائل أراد بما ذكره عن الأنصار = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   موقف سعد بن عبادة وأنصاره يوم السقيفة, وتطلعهم إلى رئاسة الحكم، فأنقذهم الله وجعلهم يتراجعون ويتابعون أبا بكر دون افتراق وخلاف ونزاع. والرواية تعبر عما كان من شدة حرص أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مهاجرين وأنصار على سرعة البت في أمر الرئاسة؛ حتى تجتمع كلمتهم، وتفيد أن الهاشميين أيضًا -وهم من المهاجرين- قد تتابعوا على بيعة أبي بكر, ولم يقعد منهم أحد. ولقد روى الطبري خبر مبايعة علي لأبي بكر فورًا، وبحركة رائعة, حيث روى بأسانيده عن حبيب بن أبي ثابت أن عليًّا كان في بيته، فأتى إليه الخبر عن جلوس أبي بكر للبيعة، فخرج في قميصه ما عليه إزار ولا رداء عجلًا؛ كراهية أن يبطيء عنه حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث, فأحضر ثوبه وتخلله ولزم مجلسه: 447/2. وعلى كل حال فإن المتفق عليه في روايات الشيعة وغيرهم أن عليًّا وبني هاشم بايعوا أبا بكر فورًا، كما يروي الطبري، أو بعد تردد كما تروي رواية الشيعة، وتعاونوا معه، حيث يدل هذا دلالة حاسمة على أنه لم يكن هناك وصية صريحة أو ضمنية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يكون الأمر لعلي من بعده, وما رواه الطبري كذلك بأسانيد أخرى خبر امتناع علي وبني هاشم عن بيعة أبي بكر طوال حياة فاطمة؛ لأن فاطمة جاءت هي والعباس إلى أبي بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهو أرضه من فدك, وسهمه من خيبر, فقال لهما أبو بكر: "أما إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال", وإني والله لا أدع أمرًا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته, فهجرته فاطمة, فلم تكلمه في ذلك حتى توفيت بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ورأى علي انصراف وجوه الناس عنه، وكان لم يبايع أبا بكر هو ولا أحد من بني هاشم, والقصة طويلة وفي ختامها: بايع علي أبا بكر، أي بعد وفاة فاطمة, ويلحظ أن صيغة خبر الطبري تجعل مسألة الميراث سببًا لامتناع علي، وبني هاشم عن مبايعة أبي بكر، ومطالبتهم بالميراث من أبي بكر تقتضي أن تكون بعد الاعتراف بخلافته، وفي هذا من التناقض ما يجعل القصة متهافتة، وإن كان لها أصل ما فكل ما يمكن أن يكون هو أنهم بعد مبايعتهم لأبي بكر طالبوا بما اجتهدوا أنه ميراثهم من النبي, فأورد أبو بكر عليهم حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي سمعه, ووقف الأمر عند هذا الحد، ويكون ما عدا ذلك من مزيدات الشيعة ومدسوساتهم؛ لأنه لا يمكن أن يكون علي وفاطمة وبنو هاشم لم يصدقوا أبا بكر في الحديث الذي رواه، كما لا يمكن أن يكونوا كابروا وأصروا بعد سماعهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ا. هـ. "الجنس العربي: 17/7". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وإنما واعده الله كما واعد موسى17، وليرجعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فليقطعن أيدي ناس وأرجلهم"18.   = ومن الغريب أن أعداء الإسلام الذين يحملون على أبي بكر رضي الله عنه منع فاطمة من إرثها في فدك وسهمها من خيبر، بينما علي نفسه لما تولى الخلافة لم يعط أحد ورثها ولا لأحد من بني هاشم ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحديث: "لا نورث ... ". وإذا كان أبو بكر منع ذلك، فيكون قد منع ابنته عائشة أيضًا من هذا الإرث. وهناك روايات أخرى مختلطة ومكذوبة في رفض علي وبني هاشم بيعة أبي بكر ضربنا عنها صفحًا؛ لتهافتها, وللروايات الكثيرة التي تثبت مسارعة علي لبيعة أبي بكر ومعاونته في شئون الخلافة، وهو أعرف الناس بفضله. "م". 17 إشارة إلى قول الله عز وجل في سورة البقرة: 51: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة} ، وقوله سبحانه في سورة الأعراف:142: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ."خ". 18 مسند أحمد: "196:3 الطبعة الأولى", حديث أنس بن مالك عن يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه: "ثم أرخى الستر، فقبض في يومه ذاك, فقام عمر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يمت، ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فمكث عن قومه أربعين ليلة، وإني لأرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقطع أيدي رجال المنافقين وألسنتهم يزعمون "أو قال: يقولون": إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات, وفي كتاب "فضائل الصحابة من صحيح البخاري: ك62 ب5" عن عائشة: فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... والله ما يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله, فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم", ونقل الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية: 242:5 ما رواه البيهقي من طريق ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة بن الزبير قال: قام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال "مات" بالقتل والقطع، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غشية لو قد قام قتل وقطع* وفي "241:5" من البداية والنهاية من حديث   * في سنده ابن لهيعة، فهو ضعيف في هذه الحال."م". تنبيه: يفهم من إطلاق الأستاذ مهدي الاستنابولي أن في الإسناد عبد الله بن لهيعة أن الحديث ضعيف، ولكن في أمر ابن لهيعة تفصيل كبير, فهو قد اختلط في آخره, فمن سمع منه قبل الاختلاط فحديثه حسن, كالعبادلة الثلاثة, ومن سمع منه بعد الاختلاط فحديثه ضعيف, انظر تقريب التهذيب: 444/1. "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 حوار العباس وعلي في مرضه صلى الله عليه وآله وسلم وتعلق بآل العباس وعليّ بأمر أنفسهما في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال العباس لعلي: "إني أرى الموت في وجوه بني عبد المطلب, فتعال حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كان هذا الأمر فينا علمناه"19. وتعلق بأل العباس وعلي بميراثهما فيما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فدك وبني النضير وخيبر20. واضطرب أمر الأنصار يطلبون الأمر لأنفهسم، أو الشركة فيه مع المهاجرين21.   = عائشة وهي تذكر الساعة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا، فأذنت لهما، ثم قاما، فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر، مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر: كذبت، بل أنت رجل تحوسك "أي تخالطك" فتنة، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين، ثم جاء أبو بكر ... وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين. ومعنى أهجر: خلط في كلامه، وهذى، وأكثر الكلام فيما لا ينبغي. وذلك من هول ما وقع في نفس عمر من هذا الحادث العظيم، فهو لا يكاد يصدقه. "خ". 19 فأجابه علي كرم الله وجهه: إنا والله لئن سألناها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. رواه البخاري في كتاب المغازي من صحيحه: "ك64 ب 83, ج 5, صـ 140-141", ونقله ابن كثير في: البداية والنهاية: "227: 5, 251", من حديث الزهري, عن عبد الله بن كعب بن مالك, عن ابن عباس, ورواه الإمام أحمد في مسنده: "263: 1, 325" الطبعة الأولى, وج4 رقم 2374, وج5 رقم 2999 الطبعة الثانية. "خ". 20 سيأتي تفصيله صـ 48 عند الكلام على حديث: " لا نورث ما تركنا صدقة". "خ". 21 فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وبين ظهرانيهم سعد بن عبادة، وهم يرون أن الأمر لهم؛ لأن البلد بلدهم, وهم أنصار الله وكتيبة الإسلام، أما قريش فإن داقة منهم دفنت، فلا ينبغي أن تختزل الأمر من دون الأنصار, وقال خطيب منهم -وهو الحباب بن المنذر-: "أنا جذيلها المحكك، وعذيقها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 موقف جيش أسامة وانقطعت قلوب الجيش الذي كان قد برز مع أسامة بن زيد بالجرف22   = المرجب, منا أمير ومنكم أمير" وجذيلها المحكك: هو أصل شجرتها الذي تتحكك به الإبل. وعذيقها المرجب: نخلتها التي دعمت ببناء أو خشب لكثرة حملها, ومع ذلك فقد كان رجل من الأنصار -وهو بشير بن سعد الخزرجي والد النعمان بن بشير- يسابق عمر لمبايعة أبي بكر, وقبيل ذلك كان في السقيفة الرجلان الصالحان: عويم بن ساعدة الأوسي, ومعن بن عدي حليف الأنصار, ولم تعجبهما هذه النزعة من الأنصار, فخرجا وهما يريان أن يقضي المهاجرون أمرهم مغير ملتفتين إلى أحد، ولكن حكمة أبي بكر ونور الإيمان الذي ملأ قلبه كانا أبعد مدًى وأحكم تدبيرًا لهذه الملة في أعظم نوازلها. "خ". 22 كان هذا الجيش سبعمائة، والأمير عليهم أسامة بن زيد، وكان قد ندبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمسير إلى تخوم البلقاء "شرق الأردن"، حيث قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة، ولما انتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى أشار كثير من الصحابة -ومنهم عمر- أن لا ينفذ الصديق هذا الجيش؛ لما وقع من الاضطراب في الناس ولا سيما في القبائل, نقل ابن كثير في: البداية والنهاية: "304: 6-305" حديث القاسم وعمرة ,عن عائشة, قالت: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق، والله لقد نزل بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها، وصار أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم كأنهم معزى مطيرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة, فوالله ما ختلفوا في نقطة إلا صار أبي بخطلها وعنانها وفصلها. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 عاصمة تدارك الله الإسلام والأنام بأبي بكر فتدارك الله الإسلام والأنام -وانجابت الغمة انجياب الغمام، ونفذ وعد الله باستئثار رسول الله32, وإقامة دينه على التمام، وإن كان قد أصاب ما أصاب من الرزية الإسلام- بأبي بكر الصديق رضي الله عنه24, وكان إذ مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم غائبًا في ماله بالسُّنح25، فجاء إلى منزل ابنته عائشة رضي الله عنها -وفيه مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم- فكشف عن وجهه، وأكب عليه يقبله، وقال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طبت حيًّا وميتًا، والله لا يجمع الله عليك الموتتين، أما الموتة التي كتب عليك فقد متها" ثم خرج إلى المسجد -والناس فيه، وعمر يأتي بهجر من القول كما قدمنا- فرقى المنبر, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: "أما بعد أيها الناس، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت", ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى   23 استأثر الله فلانًا، وبفلان، إذا مات. "خ". 24 أي: فتدارك الله الإسلام والأنام بأبي بكر. "خ". 25 في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: 244: 5: "كان الصديق قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح، وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع، وكشف ستر الحجرة، ونظر إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر، فأعجبه ذلك وتبسم صلى الله عليه وآله وسلم, حتى همَّ المسملون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة؛ لفرحهم به، وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصِلَ الصف، فأشار إليهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يمكثوا كما هم، وأرخى الستارة، وكان آخر العهد به صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرف أبو بكر من الصلاة دخل عليه، وقال لعائشة: ما أرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة -يعني إحدى زوجتيه، وكانت ساكنة بالسنح شرقي المدينة-, فركب على فرس وذهب إلى منزله، وتوفي صلى الله عليه وآله وسلم حين اشتد الضحى ... ، فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق فأعلمه بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء الصديق حين بلغه الخبر، وكان منه ما سيذكره المؤلف. والسنح منازل بني الحارث بن الخزرج في عوالي المدينة، بينها وبين مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميل واحد. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 موقفه في سقيفة بني ساعدة عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] . فخرج الناس يتلونها في سكك المدينة، كأنها لم تنزل إلا ذلك اليوم26. واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة يتشاورون، ولا يدرون ما يفعلون، "وبلغ ذلك المهاجرين" فقالوا: نرسل إليهم يأتوننا، فقال أبو بكر: بل نمشي إليهم، فسار إليهم المهاجرون، منهم أبي بكر وعمر وأبو عبيدة، فتراجعوا الكلام, فقال بعض الأنصار: منا أمير ومنكم أمير27, فقال أبو بكر كلامًا كثيرًا مصيبًا، يكثر ويصيب, منه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الأئمة من قريش" 28 وقال: "أوصيكم بالأنصار خيرًا: أن تقبلوا   26رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه: "ك62, ب 5, ج 4, صـ 194" من حديث عائشة، وفي البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: "242: 5" من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد أعلام المسلمين، عن أبيه أحد العشرة المبشرين بالجنة، عن عائشة أم المؤمنين التي وقعت هذه الحوادث في بيتها، وفي المسجد النبوي الذي يطل بيتها عليه. وجميع دواوين السنة سجلت هذا الموقف العظيم للصديق الأكبر بأصح الأحاديث، وألفاظها قريب بعضها من بضع. "خ". 27 الذي قال ذلك من خطباء الأنصار الحباب بن المنذر، وقد تقدم في هامش 21 صـ 56. "خ". 28 الحديث في مسند الطيالسي برقم 926, عن أبي برزة، وبرقم 2133 منه عن أنس، وفي كتاب الأحكام من صحيح البخاري: "ك 93، ب 2، ج 8، صـ 104-105" عن معاوية أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين". وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقى منهم اثنان", وفي مسند الإمام أحمد 129: 3 الطبعة الأولى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام على باب البيت ونحن فيه فقال: "الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقا ... إلخ", ورواه الإمام أحمد أيضًا في المسند 183: 3 الطبعة الأولى عن أنس قال: كنا في بيت رجل من الأنصار، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى وقف، فأخذ بعضادة الباب فقال: " الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم مثل ذلك ... إلخ" الإمام أحمد كذلك 421: 4، الطبعة الأولى، عن أبي برزة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الأئمة من قريش: إذا استرحموا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 خلافة الصديق واستخلاف عمر من محسنهم، وتتجاوزوا عن مسيئهم29، إن الله سمانا "الصادقين"30، وسماكم "المفلحين"31، وقد أمركم أن تكونا معنا حيثما كُنَّا، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] . إلى غير ذلك من الأقوال المصيبة والأدلة القوية، فتذكرت الأنصار ذلك، وانقادت إليه، وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه32.   = رحموا، وإذا عاهدوا وفّوا، وإذا حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "*، "خ". 29 في كتاب مناقب الأنصار من صحيح البخاري: "ك 63، ب 11"، من حديث هشام بن زيد بن أنس قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار يبكون، "والظاهر أن ذلك كان في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي مات به" فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم منا. فدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر -ولم يصعده بعد ذلك اليوم- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقى الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم"، وبعده في صحيح البخاري حديث لعكرمة عن ابن عباس، وحديث لقتادة عن أنس بمعنى ذلك، وقريب من ذلك في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري، وفي سنن الترمذي عن ابن عباس. "خ". 31، 30 في سورة الحشر: "8-9": {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . "خ". 32 نقل الحافظ ابن كثير في: "البداية والنهاية: 247: 5" من حديث الإمام أحمد، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري "ابن أخت أمير المؤمنين- =   تكملة: ذكر العلامة القارئ في شرحه لشرح النخبة أن الحافظ قال في هذا الحديث أنه متواتر" ا. هـ. وللحديث تكملة هي" ... لا يقبل منه في صرف ولا عدل" رواه الإمام أحمد والنسائي والضياء المقدسي في "المختارة". "س". * الحديث صحيح لطرقه وشواهده الكثيرة "راجع تخريج الإرواء" "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وقال أبو بكر لأسامة: "انفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". فقال عمر: "كيف ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك؟ فقال: لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء المدينة، ما رددت جيشًا أنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم33. وقال له عمر وغيره: "إذا منعكم العرب الزكاة فاصبر عليهم". فقال:   عثمان" خطبة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، ومنها قوله: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لوسلك الناس واديًا، وسلك الأنصار واديًا سلكت وادي الأنصار" * ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وأنت قاعد: "قريش ولاة هذا الأمر: فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم"، فقال له سعد: "صدقت، نحن الوزراء، وأنتم الأمراء" ** 33 نقل الحافظ ابن كثير في: "البداية والنهاية: 305:6" عن الحافظ أبي بكر البيهقي حديث محمد بن يوسف الفريابي الحافظ، "قال البخاري: كان أفضل أهل زمانه"، عن عباد بن كثير الرملي "أحد شيوخه" "قال ابن المديني: كان ثقة لا بأس به"، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج "أحد التابعين، توفي بالإسكندرية"، عن أبي هريرة قال: "والله الذي لا إله إلا هو، لولا أبو بكر استخلف ما عُبِد الله"، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، نوجه هؤلاء إلى الروم، وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما رددت جيشًا وجهه رسول الله، ولا حللت لواءًا عقده رسول الله" فوجه أسامة، فجعل لا يمر بقبيل يريد الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم، فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على الإسلام."خ".   * رواه البخاري."م" ** رجاله ثقات إلا حميد بن عبد الرحمن، وللحديث شواهد تقويه، راجع الأحاديث الضعيفة 1156."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 موقف الصديق من مانعي الزكاة "والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه، والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة"34. قيل: ومع من تقاتلهم؟ قال: "وحدي، حتى تنفرد سالفتي"35. وقدم الأمراء على الأجناد والعمال في البلاد مختارًا لهم، مرتئيًا فيهم، فكان ذلك من أسدِّ عمله، وأفضل [مقدمه] 36.   34 لما مضى جيش أسامة في طريقه إلى شرق الأردن جعلت وفود القبائل تقدم المدينة، يقرون بالصلاة ويمتنعون عن أداء الزكاة، قال ابن كثير "311: 6": ومنهم من احتج بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] . قالوا: فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا، وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك وأباه، وقد روى الجماعة في كتبهم -سوى ابن ماجه- عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: علام تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؟ " فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقًا "وفي رواية: عقالًا" كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق المال، والله لأقلاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" قال عمر: "فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"، وهذا الحديث في مسند أحمد: "11: 1، 19، 53-36 الطبعة الأولى-ج1 رقم 67، 117، 239 الطبعة الثانية" من حديث عبيد بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، وفي البداية والنهاية: "312: 6" قال القاسم بن محمد "ابن أبي بكر الصديق، وهو أحد الفقهاء السبعة": اجتمعت أسد وغطفان وطيء على طليحة الأسدي، وبعثوا وفودًا إلى المدينة فنزلوا على وجوه الناس، فأنزلوهم إلا العباس، فحملوهم إلى أبي بكر على أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة، فعزم الله لأبي بكر على الحق، وقال: "لو منعوني عقالًا لجاهدتهم". "خ". 35 السالفة: صفحة العنق، وهما سالفتان من جانبيه، ولا تنفرد إحداهما عما يليها إلا بالموت. "خ". 36 غير الشيخ محب النص اجتهادًا منه فكتب عمله وأفضل ما قدمه للإسلام، وهو في جميع النسخ كما أثبتنا، ولكنه لم ينبه إلى ما عمله في النص "صفحة 47". "س". 37 وفي طليعة هؤلاء القواد: أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري، وعمرو بن العاص السهمي، وخالد بن الوليد المخزومي، وخالد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 حديث لا نورث ما تركناه صدقة وقال لفاطمة وعلى والعباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة". فذكر الصحابة ذلك 38. =   ابن أبي سعيد بن العاص الأموي، ويزيد بن أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، والمهاجر بن أبي أمية "شقيق أم المؤمنين أم سلمة"، وشرحبيل بن حسنة، ومعاوية بن أبي سفيان، وسهيل بن عمرو العامري خطيب قريش، والقعقاع بن عمرو التميمي، وعرفجة هرثمة البارقي، والعلاء بن الحضرمي حليف بني أمية، والمثنى بن حارثة الشيباني، وحذيفة بن محصن الغطفاني، وفي طليعة ولاته: عتاب بن أسيد الأموي، وعثمان بن العاص الثقفي، وزياد بن لبيد الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، ويعلى بن منية، وجرير بن عبد الله البجلي، وعياض بن غنم، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وعبد الله بن ثور أحد بني غوث، وسويد بن مقرن المزني. 38 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري: 62ب 12-ج4 صـ 109-210 حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر نسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقى من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى اله عليه وآلهوسلم قال: "لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال- يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل"، "وإني والله لا أغير شيئًا من صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، فتشهد علي، ثم قال: "إنا عرفنا يا أبا بكر فضيلتك"، وذكر قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحقهم، فتكلم أبو بكر فقال: "والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي" وأوسع منه في كتاب المغازي بباب غزوة خيبر من صحيح البخاري: ك 64، ب 38-ج5 صـ 82. وفي كتاب الوصايا من صحيح البخاري: ك 55، ب 32-ج3، صـ 197، وكتاب فرض الخمس منه: ك 57، ب 3-ج4، صـ 45 حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت -بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي-، فهو صدقة". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج: 158: 2: "قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا نورث، ما تركنا صدقة"، رواه عنه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس بن عبد المطلب، وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو هريرة، والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد، وقال قبل ذلك: 157: 2 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = إن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وورثوها لورثتهم، ثم إن من ورثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه ومنهم عائشة بنت أبي بكر، وقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي، ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترث ابنته. وفي كتاب فرض الخميس من صحيح البخاري: ك 57، ب1-ج4، صـ 42 حديث ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرت أن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه، فقال أبو بكر: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة" ... فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى أن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ". وفي الباب نفسه من صحيح البخاري: ج4، صـ 42-44، من حديث الإمام مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه قال: بينما أنا جالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب فقال: أجب أمير المؤنين، فانطلقت معه ... فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون؟ قال: نعم. فأذن لهم ... ثم جلس يرفأ يسيرًا ثم قال: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم، فأذن لهما، فدخلا فسلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا -وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من بني النضير- فقال الرهط، عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمين، اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، قال عمر: تيدكم، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة"، يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك. فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، "وبعد أن ذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفق على أهله سنتهم من هذا المال ثم يجعل ما بقى مجمل مال الله، واستشهدهم على ذلك فشهدوا، قال": ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقبضها، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله يعلم أنه فيها لصادق بارٌّ راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 حديث لا يدفن نبي إلا حيث يموت وقال: سمعته صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا يدفن نبي إلا حيث يموت" 35, وهو في ذلك كله رابط الجأش، ثابت العلم، والقدم في الدين،   = بما عمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بارٌّ راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجائني هذا -يريد عليًّا- يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة" فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبما عمل فيها أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما، فأنشدكم بالله، هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، ثم أقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله، هل دفعتها إليكم بذلك؟ قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك، فإن عجزتما عنها، فأدفعاها إلي، فإني أكفيكماها. وأورد البخاري حديث مالك بن أوس هذا في كتاب المغازي من صحيحه: ك 64، ب 14-ج5، صـ 23-24 من حديث شعيب عن الزهري عن مالك ابن أوس، وفي كتاب النفقات من صحيحه: ك 69، ب 3-ج 6، صـ 190-192، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيحه: ك 69، ب 5-ج 8، صـ 146-147، وانظر كتاب الفرائض من صحيح البخاري: ك 85، ب 3-ج 8، صـ 3-5، ومسند الإمام أحمد: 13: 1 الطبعة الأولى- ورقم77، 78 الطبعة الثانية. وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 230: 3 إلى أن أبا بكر وعمر أعطيا من مال الله أضعاف هذا الميراث الذين كانوا سيرثونه، قال: وإنما أخذ منهم قرية ليست كبيرة، لم يأخذ منهم مدينة ولا قرية عظيمة، ثم قال: 231: 3: وقد تولى علي بعد ذلك، وصارت فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعط لأولاد فاطمة ولا زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ولد العباس شيئًا من ميراثه .... إلخ. "خ". 39 في كتاب الجنائز من موطأ مالك: ك 16، ج 27- صـ 31 أن مالكًا بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، صلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد، فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون، يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 جعل عمر الأمر شورى في اختيار الخليفة بعده ثم استحلف عمر، فظهرت بركة الإسلام، ونفذ الوعد الصادق في الخليفتين40 ثم جعلها عمر شورى، فأخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من الأمر حتى   = قال الحافظ ابن عبد البر: صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك، وفي كتاب الجنائز من جامع الترمذي: ك 8، ب 33 حديث عائشة: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا ما نسيته، قال: "وما قبض الله نبيًّا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" "ادفنوه في موضع فراشه"، وفي كتاب الجنائز من سنن ابن ماجه: ك 6، ب 65 عن ابن عباس: لقد اختلف المسملون في المكان الذي يحفر له، فقال قائلون: يدفن في مسجده، وقال قائلون: يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض". ورواه ابن إسحاق "في السيرة لابن هشام: 103: 3 بولاق" من حديث عكرمة عن ابن عباس، وانظر البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: 266-268: 5. "خ". 40 وهو وعد الله عز وجل في سورة النور: 55: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، ولقد كان المجتمع الإسلامي-بتوجيه هذين الخليفتين- أسعد مجتمع إنساني عرفه التاريخ؛ لأن الناس -من ولاة ورعية- كانوا يتعاملون بالإيثار، وكان الواحد منهم يكتفي بما يفي بحاجته، ويبذل من ذات نفسه أقصى ما يستطيع أن يستخرج منها من جهد لإقامة الحق في الأرض وتعميم الخير بين الناس، ويلقى الرجل الخير منهم رجلًا لا تزال تنزع به نزعات الشر، فلا يزال به حتى يخدر عناصر الشر المتوثبة في نفسه، ويوقظ ما كمن فيها من عناصر الخير إلى أن يكون من أهل الخير، وفي المنتسبين إلى الإسلام حتى يومنا هذا طوائف امتلأت قلوبهم بالضغن حتى على أبي بكر وعمر، فضلًا عمن استعان بهم أبو بكر وعمر من أهل الفضل والإحسان، فصنعوا لهم من الأخبار الكاذبة شخصيات لأخرى غير شخصياتهم التي كانوا عليها في نفس الأمر؛ ليقنعوا أنفسهم بأنهم أبغضوا أناسًا يستحقون منهم هذه البغضاء؛ ولهذا امتلأ التاريخ الإسلامي بالأكاذيب، ولن تتجدد للمسلمين نهضة إلا إذا عرفوا سلفهم على حقيقته واتخذوا منه قدوة لهم، ولن يعرفوا سلفهم على حقيقته إلا بتطهير التاريخ الإسلامي مما ألصق به. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 خلافة عثمان ودعاة الفتنة ينظر، ويتحرى فيمن يقدم41 فقدم عثمان، فكان عند الظن به: ما خالف له عهدًا، ولا نكث عقدًا، ولا اقتحم مكروهًا، ولا خالف سنة42.   41 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ك 62، ب 8-ج 4، صـ 204-207 حديث عمرو بن ميمون أحد تلاميذ معاذ وابن مسعود ومن شيوخ الشعبي وسعيد بن جبير وطبقتهما، وقد اشتمل هذا الحديث على خبر مقتل أمير المؤمنين عمر، وكيف جعل عمر الخلافة شورى بين الستة الذين توفي رسول الله صلى عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، وكيف أخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه منها، ثم انتهى إلى تقديم عثمان، وهذا الحديث من أصح ما ثبت في هذا الموضوع وأجوده، وأقرأ بعد ذلك ما كتبه شيخ الإسلام بن تيمية عن موقف عمر في جعله الأمر شورى في كتاب منهاج السنة: 168: 3-172، وفيه إرشاد دقيق إلى ما كان عليه بنو هاشم وبنو أمية من الاتفاق والمحبة والتعاون في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، وأن عثمان وعليًّا كان أحدهما أقرب إلى صاحبه من سائر الأربعة إليهما، ونقل ابن تيمية في: 233: 3-234 قول الإمام أحمد: "لم يتفق الناس على بيعة كما اتفقوا على بيعة عثمان: ولاه المسلمون بعد تشاورهم ثلاثة أيام، وهم مؤتلفون متفقون متحابون متواردون معتصمون بحبل الله جميعًا. وقد أظهرهم الله، وأظهر بهم ما بعث به نبيه من الهدى ودين الحق، ونصرهم على الكفار، ففتح بهم بلاد الشام والعراق وبعض خراسان ... إلخ "خ". 42 وكيف لا يكون عثمان عند حسن الظن به وقد شهد له بطهارة السيرة وحسن الخاتمة رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، قال الحافظ ابن حجر في ترجمة عثمان من الإصابة: جاء من أوجه متواترة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشر عثمان بالجنة، وعدَّه من أهل الجنة، وشهد له بالشهادة. والحديث الذي يتواتر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرتاب فيه ولا يجنح إلى غير مدلوله إلا الذي يرضى لنفسه بأن يقتحم أبواب الجحيم. وروى الترمذي من طريق الحارث بن عبد الرحمن عن طلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لكل نبي رفيق، ورفيقي في الجنة عثمان "*، وقال الحافظ بن عبد البر في ترجمة عثمان من كتاب الاستيعاب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "سألت ربي عز وجل أن لا يدخل النار أحدًا صاهر إلي أو صاهرت إليه" **. =   * قال الترمذي: هذا حديث غريب، وليس إسناده القوي، وهو منقطع. "م". ** صححه الحاكم عن طريق عمار بن سيف، ووافقه الذهبي، وفيه نظر؛ فإن عمارًا هذا قال الحافظ: ضعيف الحديث، راجع الأحاديث الضعيفة. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 سجايا عثمان ومكانته العالية في الإسلام   وشهادة أخرى من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الإنسان الأفضل يتمنى مثلها أبو بكر وعمر، فقد روى الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه: ك 44، ح 26-ج 7، صـ 116-117 عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في عثمان: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ " . وفي صحيح البخاري: ك 62، ب 7، ج 4، صـ 203 عن نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: "كنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم". وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذو النورين؟ قال: لأنه لم يعلم أن أحدًا أرسل سترًا على ابنتي نبي غيره. وروى خيثمة في فضائل الصحابة عن النزال بن سبرة العامري "أحد الذين أخذوا عن أبي بكر وعثمان وعلي، وهو من شيوخ الشعبي والضحاك وطبقتهما". قال: قلنا لعلي: حدثنا عن عثمان، فقال: "ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى: ذا النورين"، وقال ابن مسعود حين بويع عثمان بالخلافة: بايعنا خيرنا، ولم نال، ووضعه علي بن أبي طالب قعد انقضاء أجله فقال: كان عثمان أوصلنا للحرم، وكان من الذين آمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين، وروى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه قال: لقد عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوا عليه". وعبد الله بن عمر كان شاهد عيان لخلافة عثمان من أولها إلى آخرها، وكان أشد الناس في التزام السنة المحمدية، ومع ذلك فإنه يشهد لعثمان بأن كل ما عتبوا به عليه كان يحتمل أن يكون من عمر -وهو أبوه-، ولو كان ذلك من عمر لما عتب أحد به عليه، وقال مبارك بن فضالة مولى زيد بن الخطاب: سمعت عثمان يخطب وهو يقول: "يا أيها الناس ما تنقمون عليَّ وما من يوم إلا وأنتم تقتسمون فيه خيرًا، وقال الحسن البصري: "شهدت منادي عثمان ينادي: يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم، فيغدون ويأخذونها وافية، حتى -والله- سمعته أذناني يقول: اغدوا على كسوتكم، فيأخذون الحلل، واغدوا على السمن والعسل، قال الحسن: أرزاق دارَّة، وخير كثير، وذات بين حسن، ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنًا، إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق، ولكنهم لم يصبروا، وسلُّوا السيف مع من سلَّ، فصار عن الكفار مغمدًا، وعلى المسلمين مسلولًا" "روى ذلك عنه الحافظ ابن عبد البر". وقال ابن سيرين صنو الحسن البصري وزميله وهو أيضًا كان معاصرًا لعثمان: "كثر المال في زمن عثمان حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم"، وسئل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن علي وعثمان، فقال للسائل: قبحك الله، تسألني عن رجلين-كلاهما خير مني؟ - تريد أن أغض من أحدهما وأرفع من الآخر؟. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 حديث أن عمر شهيد وعثمان شهيد وله الجنة على بلوى تصيبه وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن عمر شهيد، وبأن عثمان شهيد43، وبأن له الجنة على بلوى تصيبه44. وهو زوجه رقيه ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أول   43 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد أحدًا، وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فضربه برجله، فقال: "اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"، رواه البخاري. ولعل هذا الحديث هو الذي دعا عثمان إلى منع الصحابة من الدفاع عنه، خشية على أرواح المسلمين، ما دام المصير محتومًا. "م". 44 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري: ك 62، ب 7-ج 4، صـ 202 حديث أبي موسى الأشعري قال: "إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل حائطًا "أي بستانًا"، وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة"، فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة" فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة، ثم قال: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه" فإذا عثمان بن عفان، وانظر صحيح البخاري: ك 62، ب 5، 6 -ج 4، صـ 195-197، 201-202. ومثله في كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم: ك 44، ح 28، 29-ج 7، صـ 117-119 من حديث أبي موسى الأشعري أيضًا، وروى ابن ماجه في الباب 11 من مقدمة السنن ج 1، صـ 28 طبعة مصر سنة 1313 عن محمد بن سيرين من أئمة التابعين، عن كعب بن عجرة البلوى حليف الأنصار واحد الذين شهدوا عمرة الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونزلت فيه آية الفدية: 195 من سورة البقرة، قال كعب بن عجرة: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتنة فقربها، فمر رجل مقنع رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "هذا يومئذ على الهدى"، فوثبت، فأخذت بضبعي عثمان، ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: هذا؟ قال: هذا. وفي مسند أحمد: "85: 1 الطبعة الأولى- رقم 407 الطبعة الثانية" عن أبي سهلة مولى عثمان -وهو تابعي ثقة- أن عثمان قال يوم الدار حين حصر: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلى عهدًا، فأنا صابر عليه"، والحديث عند الترمذي: 324: 4 من طريق وكيع، وقال: حديث حسن صحيح. وعند ابن ماجه: 28: 1 حديثان أحدهما لأبي سهلة مولى عثمان والآخر لعائشة. وأوردهما الحاكم في المستدرك على الصحيحين: 99: 3 عن عائشة. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وصف إجمالي لدعاة الفتنة الذين قاموا على عثمان مهاجر بعد إبراهيم الخليل صلى الله عليه وآله وسلم، دخل به في باب "أول من .... 45" وهو علم كبير جمعه الناس. ولما صحت إمامته قتل مظلومًا46؛ ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ما نصب حربًا47 ولا جيش عسكرًا48، ولا سعى إلى فتنة49 ولا دعا إلى بيعة50، ولا حاربه ولا نازعه من هو من أضرابه ولا أشكاله51،   45 للجلال السيوطي وغيره من العلماء قبله وبعده كتب ألفوها في تسمية الأشخاص الذين سبقوا غيرهم إلى شيء من الأعمال المحمودة وغيرها، فيقولون مثلًا: كان عثمان أول من هاجر في سبيل الله الهجرة الأولى إلى الحبشة. "خ". تكملة: تسمى هذه الكتب ب "الأوائل" منها: - الأوائل: لأبي هلال العسكري. - الأوائل: للإمام الطبراني. "س". - الأوائل: للإمام المزي. 46 روى الإمام أحمد في: مسنده: 115: 2 الطبعة الأولى -ج 8 رقم 5953 الطبعة الثانية" عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتنة، فمر رجل، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يقتل فيها هذا المقنَّع يومئذ مظلومًا" قال "عبد الله بن عمر": "فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان، قال الشيخ أحمد شاكر: والحديث رواه الترمذي 323: 4 ونقل شارحه عن الحافظ ابن حجر أنه قال: إسناده صحيح. وروى الحاكم في المستدرك: 102: 3 نحوه من حديث مرة بن كعب، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. "خ". 47 أي لقتال أهل القبلة، أما حروبه لإعلاء كلمة الله ونشر دعوة الحق، فكانت من أنشط ما عرفه التاريخ الإسلامي. "خ". 48 أي للدفاع عن نفسه، وكبح جماح البغاة عليه. "خ". 49 بل كان أشد خلق الله كرهًا لها، وحرصًا على تضييق دائرتها؛ حقنًا لدماء المسلمين، ولو أدى ذلك به إلى أن يكون هو ضحية لغيره. "خ". 50 وإنما أتته منقادة على غير تشوف منه إليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 164: 3: إن الصحابة اجتمعوا على عثمان رضي الله عنه؛ لأن ولايته كانت أعظم مصلحة وأقل مفسدة من ولاية غيره، ثم قال في الصفحة التالية: ولا ريب أن الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ-أي الذين عينهم عمر- لا يوجد أفضل منهم، وإن كان في كل منهم ما كرهه، فإن غيرهم يكون فيه من المكروه، أعظم، ولهذا لم يتولَّ بعد عثمان خير منه ولا أحسن سيرة. "خ". 51 أضراب أمير المؤمين عثمان، وأشكاله هم إخوانه الذين أشركهم أمير المؤمنين عمر في الشورى، أما الذين استطاع عبد الله بن سبأ وتلاميذه أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ولا كان يرجوها لنفسه ولا خلاف انه ليس لأحد ان يفعل ذلك في غير عثمان فكيف بعثمان رضى الله عنه وقد سموا من قام عليه فوجدناهم أهل أغراض سوء حيل بينهم وبينها 52فوعظوا وزجروا 53 وأقاموا بحمص عند عبد الرحمن   = يوقعوهم في حبائل الفتنة فبينهم وبين مستوى أهل الشورى أبعد مما بين الحضيض والقمة, بل أبعد مما بين الشر والخير. وإن الشر الذي أقحموه على تاريخ الإسلام بحماقاتهم وقصر أنظارهم لو لم يكن من نتائجه إلا وقوف حركة الجهاد الإسلامي فيما وراء حدود الإسلام سنين طويلة لكفى به إثما وجناية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (2: 186) : إن خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان. لا قتل، ولا أمر بقتله، وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض من أوباش القبائل وأهل الفتن. وكان علي رضي الله عنه يقول «اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل» ."خ" 52 الذين شاركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب: فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين، فأكبروا الهنات، وارتكبوا في إنكارها الموبقات. وفيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش, ولم تكن لهم في الإسلام سابقة. فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم وفتوحهم, فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد. وفيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت على بعض ذويهم, فاضطغنوا في قلوبهم الإحنة والغل لأجلها. وفيهم الحمقى الذين استغل السبئيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة والفساد والعقائد الضالة. وفيهم من أثقل كاهله خير عثمان ومعروفه نحوه, فكفر معروف عثمان عندما طمع منه بما لا يستحقه من الرئاسة والتقدم بسبب نشأته في أحضانه. وفيهم من أصابهم من عثمان شيء من التعزير لبوادر بدرت منهم تخالف أدب الإسلام, فأغضبهم التعزير الشرعي من عثمان, ولو أنهم قد نالهم من عمر أشد منه لرضوا به طائعين. وفيهم المتعجلون بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغترارا بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا تغذيها الحكمة, فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه. وبالإجمال, فإن الرحمة التي جبل عليها عثمان وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثير فيه, وأرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم. ولعلي إذا اتسع لي الوقت أتفرغ لدراسة نفسيات هؤلاء الخوارج على عثمان, وتنظيم المعلومات الصحيحة التي بقيت لنا عنهم, ليكون من ذلك درس عبرة لطلاب التاريخ الإسلامي. 53 وقد وعظهم وزجرهم أهل العافية والحكمة والرضا من أعيان = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ابن خالد بن الوليد54 يؤنبهم ويؤدبهم، حتى تابوا 55 فأرسل بهم إلى عثمان فتابوا6، وخيرهم فاختاروا التفرق في البلاد، فأرسلهم، فلما سار كل ما اختار أنشأوا الفتنة، وألبوا الجماعة، وجاءوا إليه57 بجملتهم، فاطلع عليهم من حائط داره ووعظهم، وذكرهم، وورعهم عن دمه85، وخرج طلحة يبكي ويورع الناس، وأرسل علي ولديه59، وقال الناس لهم60: أنك أرسلتم إلينا "أقبلوا إلى من غير سنة الله"61. فلما جئنا قعد هذا في بيته يعنون عليًّا -وخرجت أنت62 تفيض عينيك، والله لا برحنا حتى نريق دمه. وهذا قهر عظيم، وافتئات الصحابة، وكذب في وجوههم، وبهت   = أمصارهم وعلمائها في الكوفة والبصرة والفسطاط، ثم وعظهم وزجرهم معاوية في مجالس له معهم عندما سيرهم عثمان إلى الشام كما سيجيء عند كلام المؤلف على سطوهم على المدينة -بحجة الحج- فحولوا حجهم الكاذب إلى البغي على خليفتهم وسفك دمه الحرام في جوار قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام. "خ". 54 وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد واليًا لمعاوية على حمص وما يليها من شمال الشام إلى أطراف جزيرة ابن عمر، وسيأتي الحديث عن أحوالهم عندما قبض عليهم هذا الشبل المخزومي بمثل مخالب أبيه."خ". 55 بل تظاهروا بأنهم تابوا،: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَىْ شَيَاطِيْنِهِمْ قَاْلُوْا إِنَّا مَعَكُمْ} . خ. 56 خيَّرَهم عبد الرحمن بن خالد في أن يذهبوا إلى عثمان، فهب كبيرهم الأشتر النخعي، وله قصة نذكرها في موضعها من هذا الكتاب."خ". 57 أي إلى أمير المؤمنين عثمان."خ". 58 ورعهم عن الشيء: كفهم ومنعهم بالحجة والحق المنير."خ". 59 ليكونا في حراسة أمير المؤمني عثمان، ويدافعا عنه بالسلاح إذا شاء."خ". 60 أي قال البغاة بخاطبون عليًّا وطلحة والزبير."خ". 61 زعم البغاة أنهم تلقوا من علي وطلحة والزبير رسائل يدعونهم بها للثورة على عثمان بدعوى أنه غير سنة الله. وسيأتي إنكار علي وطلحة والزبير أنهم كتبوا بذلك، والظاهر أن الفريقين صادقان، وأن منظمي الفتنة من السبأيين زوروا الرسائل التي ذكرها البغاة الثائرون. "خ". 62 الخطاب لطلحة بن عبيد الله."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 لهم، ولو أراد عثمان لكان مستنصرًا بالصحابة، ولنصروه في لحظة63. وإنما جاء القوم مستجيرين متظلمين64، فوعظهم، فاستشاطوا، فأراد الصحابة [إليهم] *، فأوعز إليهم عثمان لا يقاتل أحد بسببه أبدًا. فاستسلم، وأسلموه برضاه. وهي مسألة من الفقه كبيرة: هل يجوز للرجل أن يستسلم، أم يجب عليه أن يدافع عن نفسه؟ وإذا استسلم وحرم على أحد أن يدافع عنه بالقتل، هل يجوز لغيره أن يدافع عنه ولا يلتفت إلى رضاه؟ اختلف العلماء فيها. فلم يأتِ عثمان منكرًا لا في أول الأمر، ولا في آخره، ولا جاء الصحابة بمنكرة, وكل ما سمعت من خبر باطل إياك أن تلتفت إليه66.   63 ولقد راوده في ذلك مرارًا، وعرض عليه معاوية أن ينقل دار الخلافة إلى الشام، أو يمده بجند من الشام لا يعرف له التاريخ إلا التقدم والظفر."خ". 64 أي أن البغاة ظهروا بمظهر المتظلم، وهو يدعى أمورًا يشكوها، فكان عثمان يرى لهم حقًّا عليه أن يبين لهم وللناس حجته فيما ادعوا، ووجهة نظره في الأمور التي زعموها أنهم جاءوا يتظلمون منها."خ". * كذا في جميع النسخ "إليهم" إلا أن الشيخ محب الدين غيره إلى "ألهم" دون أن يشير إلى ذلك، والظاهر أن النص كما هو مثبت والمقصود منه أنهم ارادوا القيام إليهم ومدافعتهم عن عثمان "من تعليق الدكتور عمار طالبي"."س". 66 ومعيار الأخبار في تاريخ كل أمة الوثوق من مصادرها، والنظر في ملائمتها لسجايا الأشخاص المنسوبة إليهم، وأخبار التاريخ الإسلامي نقلت عن شهود عيان ذكروها لمن جاءوا بعدهم، وهؤلاء رووها لمن بعدهم، وقد اندس في هؤلاء الرواة أناس من أصحاب الأغراض زوروا أخبارًا على لسان آخرين وروَّجوها في الكتب إما تقربًا لبعض أهل الدنيا، أو تعصبًا لنزعة يحسبونها من الدين، ومن مزايا التاريخ الإسلامي-تبعًا لما جرى عليه علماء الحديث- إنه قد تخصص فريق من العلماء في نقد الرواية والرواة، وتمييز الصادقين منهم عن الكذبة، حتى صار ذلك علمًا محترمًا له قواعد، وألفت فيه الكتب، ونظمت للرواة معاجم حافلة بالتراجم، فيها التنبيه على مبلغ كل راوٍ من الصدق والتثبت والأمانة في النقل، وإذا كان لبعضهم نزعات حربية أو مذهبية = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الباب الثاني قاصمة المظالم والمناكير التي ادعوها على عثمان قالوا [مبعدين] 67، متعلقين برواية كذابين: جاء عثمان في ولايته بمظالم ومناكير، منها: 1- ضربه لعمار حتى فتق أمعاءه. 2- ولابن مسعود حتى كسر أضلاعه، ومنعه عطاءه. 3- وابتدع في جمع القرآن وتأليفه، وفي حرق المصاحف. 4- وحمى الحمى. 5- وأجلى أبا ذكر إلى الربذة. 6- وأخرج من الشام أبا الدرداء. 7- ورَدَّ الحكم بعد أن نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 9- 12- وولَّى معاوية، "وعبد الله بن عامر بن كريز"68، ومروان، وولَّى الوليد بن عقبة، وهو فاسق ليس من أهل الولاية.   = قد يجنح معها إلى الهوى، ذكروا ذلك في ترجمته؛ ليكون دارس أخبارهم ملمًّا بنواحي القوة والضعف من هذه الأخبار، والذين يتهجمون على الكتابة في تاريخ الإسلام وتصنيف الكتب فيه قبل أن يستكملوا العدة لذلك -ولاسيما في نقد الرواة ومعرفة ما حققه العلماء في عدالتهم أو تجريحهم- يقعون في أخطاء كان في إمكانهم أن لا يقعوا فيها لو أنهم استكملوا وسائل العلم بهذه النواحي. "خ". 67 في ب، ج، ز= مبعدين، وكتب على هامش "ز" في نسخة "مفترين" وغيَّرها الشيخ محب الدين الخطيب إلى "متعدين". "س". 68 سقط اسم بن كريز من الأصل سهوا من الناسخ أو من الطابع في مطبوعة الجزائر، مع أنه ذكر في الدفاع الآتي بعد، ومطبوعة الجزائر طبعت على أصل سقيم بخط ناسخ غير متمكن، وقد وقع تقديم وتأخير في ترتيب التهم وأجوبتها، ويلوح لنا أن مجلد الأصل المخطوط الذي طبعت عليه مبطوعة الجزائر وضع بعض الورق في غير مواضعه عند التجليد، فأعدنا ترتيب التهم وأجوبتها على نسق، ولم نزد على الأصل كلمة ولم ننقص منه كلمة، وبذلك تلافينا الاضطراب الذي كان باديًا للقارئ في المطبوعة الجزائرية. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 13- وأعطى مروان خمس أفريقية. 14- * وكان عمر يضرب بالدرة وضرب هو بالعصا69. 15- وعلا على درجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد انحط عنها أبو بكر وعمر. 16- ولم يحضر بدرًا، وانهزم يوم أحد، وغاب عن بيعة الرضوان. 17- ولم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان "الذي أعطى السكين إلى أبي لؤلؤة، وحرضه على قتل عمر حتى قتله". 18- وكتب مع عبده على [جهله] كتابا إلى ابن أبي سرح في قتل من ذكر فيه70.   69 الدرة عصا صغيرة يحملها السلطان يزع بها. خ * هذه الأرقام المسلسلة من عمل الشيخ محب الدين الخطيب، وليست من عمل المؤلف رحمهما الله."س". 70 تصرف الشيخ محب فأخر قوله: وكتب مع عبده علي جهله [وعنده "خ": جمله] كتاب إلى ... " وقال: إنه رتب التهم على نسق، ولكن جميع النسخ جاءت على خلاف ما تصرف فيه. فقدم وآخر صفحات بأكملها- ولا حول ولا قوة إلا بالله."س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 عاصمة بيان بطلان هذه الدعاوى سندا ومتنا هذا كله باطل سندًا ومتنًا، أما قولهم: "جاء عثمان بمظالم ومناكير فباطل"71. 1-2 وأما ضربه لعمار وابن مسعود ومنعه عطاءه فزور72،   72 كما ترى من الأدلة التي سيوردها المؤلف في نقض هذه التهم واحدة بعد واحدة حتى يأتي على آخرها. "خ". 73 تقدم في هاشم صـ 70 قول عبد الله بن مسعود لما بوقع عثمان: "بايعنا خيرنا ولم نألُ" ويروي "ولينا أعلانا، ذا فوق ولم نألُ"، وعند ولاية عثمان كان ابن مسعود واليًا لعمر على أموال الكوفة، وسعد بن أبي وقاص واليًا على صلاتها وحربها، فاختلف سعد وابن مسعود على قرض استقرضه سعد -كما سيأتي-، فعزل عثمان سعدًا وأبقى ابن مسعود، وإلى هنا لا يوجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 موقف عثمان من عبد الله بن مسعود وضربه لعمار إفك مثله، ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدًا74.   = بين ابن مسعود وخليفته إلا الصفو، فلما عزم عثمان على تعميم مصحف واحد في العالم الإسلامي يجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنه هو المصحف الكامل الموافق لآخر عرضة عرض بها كتاب الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته، كان ابن مسعود يود لو أن كتابة المصحف نيطت به، وكان يود أيضًا لو يبقى مصحفه الذي كان يكتبه لنفسه فيما مضى، فجاء عمل عثمان على خلاف ما كان يوده ابن مسعود في الحالتين: أما في اختيار عثمان زيد بن ثابت لكتابة المصحف الموحد فلأن أبو بكر وعمر اختارا زيد بن ثابت في البداية؛ لأنه هو الذي حفظ العرضة الأخيرة لكتاب الله على الرسول صلى الله عليه قبيل وفاته، فكان عثمان على حق في هذا، وهو يعلم كما يعلم سائر الصحابة مكانة ابن مسعود وعلمه وصدق إيمانه، ثم كان على حق أيضًا في غسل المصاحف الأخرى كلها ومنها مصحف ابن مسعود؛ لأن توحيد كتابة المصحف على أكمل ما كان في استطاعة البشر هو من أعظم أعمال عثمان بإجماع الصحابة، وكان جمهور الصحابة في كل ذلك مع عثمان على ابن مسعود "انظر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية: 191: 3-192". وعلى كل حال فإن عثمان لم يضرب ابن مسعود ولم يمنعه عطاءه، وبقى يعرف له قدره كما بقى ابن مسعود على طاعته لإمامه الذي بايع له، وهو يعتقد أنه خير المسلمين وقت البيعة. "خ". 73 روى الطبري: 99: 5 عن سعيد بن المسيب أنه كان بين عمار وعباس بن عتبة بن أبي لهب خلاف حمل عثمان على أن يؤدبهما عليه بالضرب. قلت: وهذا مما يفعله ولي الأمر في مثل هذه الأحوال قبل عثمان وبعده، وكم فعل عمر مثل ذلك بأمثار عمار ومن هم خير من عمار بما له من حق الولاية على المسلمين، ولما نظم السبأيون حركة الإشاعات، وصاروا يرسلون الكتب من كل مصر إلى الأمصار الأخرى بالأخبار الكاذبة، فأشار الصحابة على عثمان بأن يبعث رجالًا ممن يثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليه بحقيقة الحال، تناسى عثمان ما كان بينه وبين عمار وأرسله إلى مصر؛ ليكون موضع ثقته في كشف حالها، فأبطأ عمار في مصر، والتف به السبأيون؛ ليستميلوه إليهم، فتدارك عثمان وعامله في مصر هذا الأمر وجيء بعمار إلى المدينة مكرمًا، وعاتبه عثمان لما قدم عليه فقال له على ما رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق 429: 7: يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب أن قذفك، وغضبت علي أن أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة، اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي، أخرج عني يا عمار فخرج، فكان إذا لقى العوام نضح عن نفسه وانتفى من ذلك، وإذا لقي من يأمنه أقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وقد اعتذر عن ذلك العلماء بوجوه لا ينبغي أن تشتغل بها؛ لأنها مبنية على باطل74، ولا يبنى حق على باطل، ولا تُذْهِب الزمان في مماشاة الجهال، فإن ذلك لا آخر له.   = بذلك وأظهر الندم، فلامه الناس وهجروه وكرهوه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 192:3-193: وعثمان أفضل من كل من تكلم فيه، وهو أفضل من ابن مسعود، وعمار، وأبي ذر، ومن غيرهم من وجوه كثيرة، كما ثبت ذلك بالدلائل، فليس جعل الكلام المفضول قادحًا في الفاضل بأولى من العكس. وكذلك ما نقل من تكلم عمار في عثمان، وقول الحسن فيه "أي في عمار". نقل أن عمارًا قال: لقد كفر عثمان كفرة صلعاء، فأنكر الحسن بن علي ذلك عليه، وكذلك علي وقال له: "يا عمار، أتكفر برب أمن به عثمان؟ " قال ابن تيمية: وقد تبين من ذلك أن الرجل المؤمن الذي هو ولي الله قد يعتقد كفر الرجل المؤمن الذي هو ولي الله، ويكون مخطئًا في هذا الاعتقاد ولا يقدح هذا في إيمان واحد منهما وولايته، كما ثبت فيء الصحيح أن أسيد بن حضير قال لسعد بن عبادة بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنك منافق تجادل عن المنافقين"، وكما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: "دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فعمر أفضل من عمار، وعثمان أفضل من حاطب بن أبي بلتعة، بدرجات كثيرة، وحجة عمر فيما قال لحاطب أظهر من حجة عمار، ومع هذا فكلاهما من أهل الجنة، فكيف لا يكون عثمان وعمار من أهل الجنة، وإن قال أحدهما للآخر ما قال. مع أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون عمار قال ذلك .... ثم قال شيخ الإسلام: وفي الجملة، فإذا قيل أن عثمان ضرب ابن مسعود أو عمارًا فهذا لا يقدح في أحد منهم، فإنَّا نشهد أن الثلاثة في الجنة، وأنهم من أكابر أولياء الله المتقين، وأن ولي الله قد يصدر عنه ما يستحق عليه العقوبة الشرعية، فكيف بالتعزير، وقد ضرب عمر بن الخطاب أبي بن كعب بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه وقال: "هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع"، فإن كان عثمان أدب هؤلاء، فإما أن يكون عثمان مصيبًا في تعزيرهم؛ لاستحقاقهم ذلك، ويكون ذلك الذي عُزِّروا عليه تابوا منه، وكفر عنهم بالتعزير وغيره من المصائب أو بحسناتهم العظيمة أو بغير ذلك. وأما إن يقال كانوا مظلومين مطلقًا، فالقول في عثمان كالقول فيهم وزيادة؛ فإنه أفضل منهم، وأحق بالمغفرة والرحمة ... إلخ."خ". 74 أي على ادعاء الكاذبين أعداء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أمير المؤمنين عثمان ضرب عمارًا حتى فتق أمعاءه، وضرب ابن مسعود حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 موقف عثمان من عمار بن ياسر 3- وأما جمع القرآن، فتلك حسنته العظمى، وخصلته الكبرى، وإن كان وجدها كاملة، لكنه أظهره ورَدَّ الناس إليها، وحسم مادة الخلاف فيها، وكان نفوذ وعد الله بحفظ القرآن على يديه حسبما بينَّا في كتب القرآن وغيرها75. روى الأئمة بأجمعهم76 أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة77، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: أن عمر أتاه فقال: إن القتل استحرَّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن   = 75 قد قمنا بعمل ترجمة جديدة لابن العربي فانظر هذه الكتب مفصلة فيها. "س". 76 وفي مقدمته الإمام أحمد في مسنده: 13: 1 الطبعة الأولى- رقم76 الطبعة الثاني، و188: 5-189 الطبعة الأولى، والإمام البخاري في صحيحه كتاب التفسير: ك 65 السورة 9 ب، 20 ج، 5 صـ 210-211. وكتاب فضائل القرآن: ك 66 ب 3، و4 ج 6، صـ 98-99. وكتاب الأحكام: ك 93 ب 37، ج 8، صـ 118-119. وكتاب التوحيد: ك 97 ب 22، ج 8، صـ 176-177. "خ". 77 وذلك لما ارتدت بنو حنيفة برئاسة مسليمة الكذاب وبتحريض عدو الله الرجال بن عنفوة بن نهشل الحنفي، وكانت قيادة المسلمين لسيف الله خالد بن الوليد، واستشهد في هذه الملحمة زيد بن الخطاب أخو عمر، وكان حفظة القرآن من الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم، وتحنط خطيب الأنصار وحامل ولائهم ثابت بن قيس، ولبس كفنه، وحفر لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه، ولم يزل يقاتل وهو ثابت بالراية في موضعه حتى استشهد، وقال المهاجرون لسالم موبى أبي حذيفة: أتخشى أن نؤتى من قبلك؟ فأجاب: بئس حامل القرآن أنا إذن, وقاتل حتى استشهد، وقال أبو حذيفة: زينوا القرآن بالفعال، وما زال يقاتل حتى أصيب، وممن استشهد يومئذ حزن بن أبي وهب المخزومي جد سعيد بن المسيب وكان شعار الصحابة يومئذ: وامحمداه؛ وصبروا يومئذ صبرًا لم يعهد مثله حتى ألجأوا المرتدين إلى حديقة الموت، فاعتصم فيها مسيلمة ورجاله، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين، ألقوني عليهم في داخل الحديقة أفتح لكم بابها، فاحتملوه فوق الجحف ورفعوه بالرماح وألقوه في الحديقة من فوق سورها، فمازال يقاتل المردتين دون بابها حتى فتحه ودخل المسلمون = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 جمع القرآن حسنة عثمان العظمة وخصلته الكبرى يستحرَّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تجمع القرآن، قلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر"، قال زيد: قال [لي] أبو بكر: أنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما [كلفاني وأمراني] به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله وآله وسلم؟ قال عمر: "هذا والله خير"، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال78، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع [أبي] خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} حتى خاتمة براءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، حتى قدم حذيفة بن اليمان على عثمان79، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، [فأفزع] حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها.   = وكان النصر، وممن اقتحم الحديثة أبو دجانة من مجاهدي بدر حتى وصل إلى مسليمة وعلاه بالسيف فقتله، وكسرت رجله رضي الله عنه في تلك الوقعة ثم نال الشهادة، وفي البداية والنهاية: 334: 6-340 أسماء كثيرين من شهداء هذا اليوم العظيم في الإسلام، ومنهم حفظة كتاب الله. "خ". 78 العسب: جمع عسيب أي جريدة النخل، وهي السعفة التي لا ينبت عليها الخوص، واللخاف: جمع لخفة وهي حجارة بيض رقاق، كانوا يكتبون عليهما إذا تعذر الورق. "خ". 79 وحديثه عن ذلك في صيح البخاري: ك 66، ب 3-ج 6، صـ 99 عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وقعة اليمامة وستمائة حملة القرآن من الصحابة في تلك المعركة إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله ابن الزبى، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف80.   80 العناية التي بذلها عظيما الإسلام أبو بكر وعمر، وأتمها أخوهما وصنوهما ذو النورين عثمان في جمع القرآن وتثبيته وتوحيد رسمه، كان لهم بها أعظم المنة على المسلمين، وبها حقق الله وعده في قوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقد تولى الخلافة بعد هؤلاء الشيوخ الثلاثة أمر المؤمنين علي فأمضى عملهم، وأقر مصحف عثمان برسمه وتلاوته، في جميع أمصار ولايته، وبذلك انعقد إجماع المسلمين في الصدور الأولى على أن ما قام به أبو بكر وعمر وعثمان هو أعظم حسناتهم، بل نقل بعض علماء الشيعة هذا الإجماع على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. جاء في كتاب تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني "صـ 46" أن علي بن موسى المعروف بابن طاوس "589-664"، وهو من علمائهم نقل في كتابه سعد السعود عن الشهرستاني في مقدمة تفسيره عن سويد بن علقمة قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: "أيها الناس، الله، الله، إياكم والغلو في أمر عثمان، وقولكم: حراق المصاحف، فوالله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جمعنا، وقال: ما تقولون في هذه القراءة التي اختلف الناس فيها، يلقى الرجل الرجل فيقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يجر إلى الكفر؟ فقلنا: ما الرأي؟ قال: أريد أن أجمع الناس على مصحف واحد، فإنكم إن اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافًا، فقلنا: نعم ما رأيت، ومما لا ريب فيه أن البغاة أنفسهم كانوا في خلافة علي رضي الله عنه يقرأون في مصاحف عثمان التي أجمع عليها الصحابة وعلي فيهم، لكن نجم لهم أذناب في العصور التالية فضحوا أنفسهم بسخفهم وكفرهم، كشيطان الطاق محمد بن جعفر الرافضي فيما رواه الإمام ابن حزم في "الفصل" 181: 4 عن الجاحظ قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم النظام وبشر بن خالد أنهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق: ويحك، أما استحييت من الله أن تقول في كتابك في الإمامة: أن الله تعالى لم يقل قط في القرآن: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ؟ قالا: فضحك والله شيطان الطاق ضحكًا طويلًا حتى كأنا نحن الذين أذنبنا، وشيطان الطاق هذا أكبر دعاة الشيعة في زمن الإمامين زيد وأخيه جعفر الصادق، وهو الذي ابتدع أكذوبة أن الإمامة معهود بها إلى أشخاص بأعيانهم، ولم يكن أحد يقول بذلك قبل شيطان الطاق هذا، وأنكرها عليه الإمام زيد في مجلس جعفر. ودعوى الرافضة بتبديل القرآن، مع تصريح علي بإجماع الصحابة على ما قام به عثمان، صارت مادة دسمة لدعاة النصارى يحتجون بها، فقال لهم = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ابن طاوس الشيعي يروي عن علي إجماع الصحابة على مصحف عثمان وقال عثمان للرهط القرشين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم" ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق. قال ابن شهاب81: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بها، فالتمسانها فوجدناها مع خزيمة الأنصاري {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فألحقناها في سورتها في المصحف. وأما ما روى أنه أحرقها أو خرقها -بالحاء المهملة أو الخاء المعجمة، وكلاهما جائز- إذا كان في بقائها فساد، أو كان فيها ما ليس من القرآن أو ما نسخ منه، أو على غير نظمه، وقد83 سلم في ذلك الصحابة كلهم83   = الإمام ابن حزم في الفصل 78: 2: "أن الروافض ليسوا من المسلمين ... وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر"، قلت: وآخر من افتضح منهم بهذا الأمر وفضح به الشيعة جميعًا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي بكتابه الذي اقترفه في المشهد المنسوب لأمير المؤمنين علي في النجف سنة 1292، وطبع في إيران سنة 1298، وعندي نسخة منه، وأن من طبيعة التحزب والتعصب والتشيع أن يذهب بعقول أصحابه وأخلاقهم، ثم يذهب بحياتهم ودينهم، كما برهن على ذلك علم النفس الاجتماعي، وفي مقدمته الدكتور غوستاف لوبون. "خ". 81 فيما رواه عنه الإمام البخاري في صحيحه: ك 56 ب 12 ج 3، صـ 205-206، وك 64 ب 17 ج5، صـ 31، وك 65 السورة 9ب20 والسورة 33ب3، وك 66 ب3، 4، وك 93 ب97، وك 97 ب22 خ. 82 في جميع النسخ "وقد"، فأصلحها الشيخ محب الدين الخطيب "فقد"، ولكنه لم ينص على ذلك "صفحة 71". "س". 83 ولقد حاول بعض الناس أن يلوموا عثمان رضي الله عنه على أمره بإحراق المصاحف، فقال لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لو لم يصنعه = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 عبد الله بن مسعود ومصحفه إلا أنه روي عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة فقال: أما بعد فإن الله قال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَة} ، وإني غالٌّ مصحفي، فمن استطاع منكم أن يغلَّ مصحفه فليغلَّ، وأراد ابن مسعود أن يؤخذ بمصحفه، وأن يثبت ما يعلم فيه، فلما لم يفعل ذلك له قال ما قال، فأكرهه عثمان على رفع مصحفه، ومحا رسومه، فلم تثبت له قراءة أبدًا، ونصر الله عثمان والحق بمحوها من الأرض84. 4- وأما أمر الحِمَى، فكان قديمًا85، فيقال أن عثمان زاد فيه   = عثمان لصنعته أنا"، فجزى الله عثمان عن الأمة خير الجزاء، فقد أحسن وبرَّ فيما صنع، وكان له فضل في رد الناس إلى قراءة واحدة كفضل أبي بكر في جمع القرآن راجع الإتقان للسيوطي. "م". 84 عبد الله بن مسعود من كبار علماء الصحابة ومن أجودهم قراءة لكتاب الله، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة على حسن تلاوة ابن مسعود للقرآن، فتسارع أبو بكر وعمر ليوصلا إليه البشرى بهذا الثناء النبوي، انظر مسند أحمد: 25: 1-26 الطبعة الأولى- رقم 175 الطبعة الثانية، إلا أن ابن مسعود كان يكتب ما يوحي من القرآن في مصحفه كلما بلغه نزول آيات منه، فهو يختلف في ترتيب هذه الآيات عما امتازت به مصاحف عثمان من الترتيب بحسب العرض الأخير على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقدر ما أدى إليه اجتهاد الصحابة المؤيد بإجماعهم، ويحتمل أن يكون ابن مسعود فاته في مصحفه بعض ما استقصاه زيد بن ثابت وزملاؤه من الآيات التي كانت عند آخرين من قراء الصحابة، زد على ذلك أن ابن مسعود كان تغلب عليه لهجة قومه من هذيل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص لمثل ابن مسعود أن يقرأوا بلهجاتهم، ولكن ليس لابن مسعود أن يحمل الأمة في زمنه والأزمان بعده على لهجته الخاصة، فكان من الخير توحيد* الأمة على قراءة كتاب ربها باللهجة المضرية التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 85 كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضًا في حيه استعوى كلبًا، فحمى لخيله وإبله وسوائمه مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره، فلما جاء الإسلام نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا حِمَى إلا لله ورسوله" رواه البخاري =   * قال ابن كثير في فضائل القرآن: "ادعى الطحاوي والباقلاني وابن عبد البر أن قراءة القرآن على سبع لغات كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة". "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أبو ذر ومسيره إلى الربذه لما زادت الرعية، واجتاز أصله للحاجة إليه جازت الزيادة؛ لزيادة الحاجة. 5- وأما نفيه* أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل 86، كان أبو ذر زاهدًا،   من حديث الصعب بن جثامة في كتاب المساقاة: ك 42 ب 11، وكتاب الجهاد: ك 56 ب 146 من صحيحه، ورواه الإمام أحمد في مسنده: 71: 4 و73 الطبعة الأولى، من حديث الصعب بن جثامة أيضًا، وقد حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانًا يسمى "النقيع" وهو "نقيع الخضمات" كما في مسند الإمام أحمد: 91: 2، 155، 157 الطبعة الأولى- رقم 5655 و 6438 و 6464 الطبعة الثانية من حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع للخيل، قال حماد بن خالد راوي هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري: يا أبا عبد الرحمن خيله؟ قال: خيل المسلمين "أي المرصودة للجهاد، أو ما يملكه بيت المال". والنقيع هذا في المدينة على عشرين فرسخًا منها ومساحته ميل في ثمانية أميال كما في موطأ مالك برواية ابن وهب، ومعلوم أن الحال استمر في خلافة أبي بكر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن أبا بكر لم يخرج عن شيء كان عليه الحال في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما وأن حاجة الجهاد إلى الخيل والإبل زادت عن قبل. وفي زمن عمر اتسع الحمى، فشمل "سرف" "والربذة"، وكان لعمر عامل على الحمى هو مولى له يدعى هنيًّا، وفي كتاب الجهاد من صحيح البخاري: ك 56 ب 180 من حديث زيد بن أسلم عن أبيه نص وصية أمير المؤمنين عمر لعامله هذا على الحمى بأن يمنع نعم الأثرياء كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وأن يتسامح مع رب الغنيمة ورب الصريمة؛ لئلا تهلك ماشيتهما. وكما اتسع عمر في الحمى عما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر؛ لزيادة سوائم بيت المال في زمنه، اتسع عثمان بعد ذلك؛ لاتساع الدولة وازدياد الفتوح، فالذي أجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسوائم بيت المال، ومضى على مثله أبو بكر وعمر، يجوز مثله لبيت المال في زمن عثمان، ويكون الاعتراض عليه اعتراضًا على أمر داخل التشريع الإسلامي، ولما أجاب عثمان على مسألة الحمى عندما دافع عن نفسه على ملأ من الصحابة أعلن أن الذين يلون له الحمى اقتصروا فيه على صدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، وأنهم ما منعوا ولا نحوا منها أحدًا. وذكر عن نفسه أنه قبل أن يلي الخلافة كان أكثر العرب بعيرًا وشاء، ثم أمسى وليس له غير بعيرين لحجه، وسأل من يعرف ذلك من الصحابة: أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم. "خ". 86 وإنما اختار أبو ذر أن يعتزل في الربذة فوافقه عثمان على ذلك، كما سيأتي في صـ 88، وأكرمه وجهزه بما فيه راحته. "خ". * وفي نسخة "د": بعثه. "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وكان يقرِّع عمال عثمان، ويتلو عليهم {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] ، ويراهم يتسعون في المراكب والملابس حين وجدوا، فينكر ذلك عليهم، ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم، وهو غير لازم. قال ابن عمر وغيره من الصحابة [وهو الحق] *: إن ما أديت زكاته، فليس بكنز87، فوقع بين أبي ذر ومعاوية كلام بالشام88، فخرج إلى المدينة، فاجتمع إليه الناس، فجعل يسلك تلك الطرق، فقال له عثمان: لو اعتزلت. معناه: إنك على مذهب لا يصلح لمخالطة الناس، فإن للخلطة شروطًا وللعزلة مثلها، ومن كان على طريقة أبي ذر فحاله يقتضي أن ينفرد بنفسه، أو يخالط ويسلم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة، فخرج إلى الربذة زاهدًا فاضلًا، وترك جلة فضلاء، وكل على خير وبركة وفضل، وحال أبي ذر أفضل، ولا تمكن لجميع الخلق، فلو كانوا عليها لهلكوا89، فسبحان مرتب المنازل.   * زيادة من نسخة "د"."س". 87 انظر البيان الفقهي والتفصيل الشرعي لهذه المسألة في منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية: 198:3-199."خ". 88 نقل الطبري: 66:5 وأكثر المصادر الإسلامية أنه لما ورد ابن السوداء "عبد الله بن سبأ" الشام لقى أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا تعجب إلى معاوية يقول: المال مال الله، إلا إن كل شيء لله كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين، ويمحو اسم المسلمين، فأتاه أبو ذر فقال: ما يدعوك إلى أن تسمى مال المسلمين مال الله؟ قال معاوية: يرحمك الله يا أبا ذر، ألسنا عباد الله؟، والمال ماله؟، والخلق خلقه؟، والأمر أمره؟، قال أبو ذر: فلا تقله، قال معاوية: فإني لا أقول إنه ليس لله، ولكن سأقول مال المسلمين، وأتى ابن السوداء "عبد الله بن سبأ" أبا الدرداء، فقال له أبو الدرداء: من أنت أظنك والله يهوديًا، فأتى ابن سبأ عبد الله بن الصامت، فتعلق به ابن الصامت فأتى به معاوية فقال: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر."خ". 89 الذي تحصل عندي من تتبع نصوص الشريعة في أمر المال، ومراقبتي لتطبيق هذه النصوص في سيرة السلف وعملهم بها، أن المسلم له في نفسه وذويه من المال الذي يملكه ما يكفيه ويكفيهم بالمعروف كأمثاله وأمثالهم من أهل العفة والقناعة والدين، وما زاد عن ذلك فعليه أولًا أن يؤدي زكاته الشرعية مباشرة بحسب اجتهاده إن لم يكن أداها للحكومة الإسلامية العاملة بأحكام الشرع. وبعد أداء زكاته يكون صاحب المال في امتحان من الله كيف = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ومن العجب أن يؤخذ عليه في أمر فعله عمر، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سجن ابن مسعود في نفر من الصحابة سنة بالمدينة حتى استشهد، فأطلقهم عثمان؛ وكان سجنهم لأن القوم أكثروا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم90. ووقع بين أبي ذر ومعاوية كلام، وكان أبو ذر يطلق من الكلام ما لم يكن يقوله في زمان عمر، فأعلم معاوية بذلك عثمان، وخشي من العامة أن تثور منهم فتنة، فإن أبا ذر كان يحملهم على التزهد وأمور لا يحتملها   = يحسن التصرف فيه يما يرضى الله، ويزيد المسلمين قوة وسعادة وعزًّا، فإن كان تاجرًا فمن طريق التجارة، أو مزارعًا فمن طريق الزراعة، أو صاحب مصنع فمن طريق الصناعة، والإسلام في دور قيامه استفاد من ثروة أغنياء الصحابة عونًا ويسرًا وقوة، وتجارة التاجر المسلم إذا أغنت المسلمين عن متاجر أعدائهم تعتبر قوة لهم بقدر ما يصدق صاحبها في هذه النية، وكذلك مصنع الصانع المسلم، وزراعة الزارع المسلم، والنية في هذه الأمور أمرها عظيم، وميزانها العمل عندما تمس الحاجة إليه، وبالجملة فإن للمسلم أن يكون غنيًّا بلا تحديد، بشرط أن يكون ذلك من حلّه، وأن يكتفي منه بما يكفيه بالمعروف، محاولًا دائمًا أن يحرر نفسه من العبودية والانقياد للكماليات فضلًا عن توافِهِ الحضارة وسفاسفها، وبعد أن يؤدي زكاة ما يملك يعتبر ما زاد عن حاجته كالأمانة لله تحت يده، فيتصرف فيه بما يزيد المسلمين ثروة وقوة ويسرًا وعزًّا وسعادة، أما طريقة أبي ذرٍّ في أن لا يبين المسلم وعنده مال، فليست الآن من مصلحة المسلمين، وطريقة أغنياء المسلمين الآن -في أن يعيشوا لأنفسهم ومتعهم غير مبالين بعزة الإسلام وقوة دولته وحاجة أهله- فليست من الإسلام، والإسلام لا يعرف الذين لا يعرفونه."خ". 90 في كتاب الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: 139:2 خبر مرسل رواه شعبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه "إبرهيم بن عبد الرحمن بن عوف" قال: قال عمر لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذرٍّ "ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، قال: وأحسبه لم يدعهم أن يخرجوا من المدينة حتى مات، وقد نبه ابن حزم على أن هذا الخبر مرسل، ولا يجوز الاحتجاج به، وعلق عليه الشيخ أحمد شاكر بأن البيهقي وافق ابن حزم على أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف "المتوفى سنة 66 أو 65 عن 75 سنة" لم يسمع من عمر، ولست أدري هل اعتمد ابن العربي في هذه الفقرة على هذا الخبر المرسل أم على خبر آخر لم نطلع عليه."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ما وقع بين أبي الدرداء ومعاوية الناس كلهم، وإنما هي مخصوصة ببعضهم، فكتب إليه عثمان -كما قدمنا- أن يقدم المدينة، فلما قدم اجتمع إليه الناس، فقال لعثمان: "أريد الربذة"91. فقال. افعل. فاعتزل، ولم يكن يصلح له إلا ذلك؛ لطريقته93. 6- ووقع بين أبي الدرداء ومعاوية كلام، وكان أبو الدرداء زاهدًا فاضلًا قاضيًا لهم93، فلما اشتد في الحق، وأخرج طريقة عمر في قوم لم يحتملوها عزلوه94، فخرج إلى المدينة.   91 ولقد ذهب ضحية فرية نفى عثمان أبا ذر الشيخ محمد أبو زهرة، فراح يقول في كتابه: المذاهب الإسلامية: 42/1: "فشكا معاوية أبا ذر إلى عثمان، فأحضره إلى المدينة، ثم نفاه إلى الربذة"، هذا خلاف الحقيقة، وقد ثبت لنا ذلك فيما سبق. "م". 92 ذكر القاضي أبو الوليد بن خلدون في: العبر "بقية 139: 2"، أن أبا ذر استأذن عثمان في الخروج من المدينة وقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعا"* فأذن له، ونزل الربذة وبنى بها مسجدًا، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل، وأعطاه مملوكين، وأجرى عليه رزقًا، وكان يتعاهد المدينة، وبين المدينة والربذة ثلاثة أميال، قال ياقوت: وكانت من أحسن منزل في طريق مكة. 93 أي في دمشق. "خ". 94 بل إن معاوية نفسه حاول السير على طريقة عمر، كما نقل ذلك الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية: 131: 8 عن محمد بن سعد قال: حدثنا عارم، حدثنا حماد بن يزيد، عن معمر، عن الزهري "أن معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيه، ثم أنه بعد عن ذلك". وقد يظن من لا نظر له في حياة الشعوب وسياستها أن الحاكم يستطيع أن يكون كما يريد أن يكون حيثما يكون، وهذا خطأ؛ فللبيئة من التأثير في الحاكم وفي نظام الحكم أكثر مما للحاكم ونظام الحكم** من التأثير على البيئة، وهذا من معاني قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم} . "خ".   * إن هذا الكلام مبالغ فيه، وقد جاء الإسلام ليطور البيئات المنحرفة ويصلحها، لا ليتطور معها كالحرباء ... وإلا كان لا معنى لنزوله, وهذه حقيقة يجهلها الكثيرون. "م". ** قال أبو ذر: "والله ما سير عثمان أبا ذر! ولكن رسول الله قال: "وذكرت الحديث السابق" فلما بلغ البنيان سلعا خرج أبو ذر إلى الشام". صححه الحاكم ووافقه الذهبي وبهذا الحديث تنهار الدعوى السابقة إلى الحضيض. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 عثمان وأبو الدرداء رد الحكم وهذه كلها مصالح لا تقدح في الدين، ولا تؤثر في منزلة أحد من المسلمين بحال، وأبو الدرداء وأبو ذر [براءة] * من عاب، وعثمان بريء أعظم براءة وأكثر نزاهة، فمن روى أنه نفى وروى سببًا فهو كله باطل. 7- وأما رد الحكم فلم يصح95. وقال علماؤنا في جوابه: قد كان أذن له فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال "أي عثمان"96 لأبي بكر وعمر، فقالا له: إن كان معك شهيد رددناه، فلما ولي قضى بعلمه في رده، وما كان عثمان ليصل مهجور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان أباه ولا لينقض حكمه97.   * كذا في جميع النسخ، وقد صححها الشيخ محب الدين هكذا "بريئان" ولم يشر إلى ذلك صفحة 77. "م". 95 أي لم يصح زعم البغاة على عثمان أن عثمان خالف في ذلك ما يقتضيه الشرع. "خ". 96 كتبها الشيخ محب الدين، وليست في أي من النسخ؛ ولكنه أراد توضيح السياق. "م". 97 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 196: 2: وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه "أي في نفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحكم"، وقالوا: ذهب باختياره، وقصة نفى الحكم ليست في الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها، ثم قال: لم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة، فإن كان طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة. وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه كما تقدم، وقالوا: هو ذهب باختياره. وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عزر رجلًا بالنفي لم يلزم أن يبقى منفيًّا طول الزمان، فإن هذا لا يُعرف في شيء من الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيًّا دائمًا، وقد كان عثمان شفع في عبد الله بن سعد ابن أبي سرح فقبل صلى الله عليه وآله وسلم شفاعته فيه وبايعه، فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم، وقد رووا أن عثمان سأله أن يرده، فإذن له في ذلك، ونحن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقصة عبد الله ثابتة معروفة بالإسناد، وأما قصة الحكم فإنما ذكرت مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه، فلم يكن هناك نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان، والمعلوم من فضائل عثمان ومحبة النبي صلى الله عليه وآله = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 عثمان وإتمام الصلاة في منى 8- وأما ترك القصر: فاجتهاد، إذ سمع الناس افتتنوا بالقصر، وفعلوا ذلك في منازلهم، فرأى أن السنة ربما أدت إلى إسقاط الفريضة، فتركها مصلحة98 خوف الذريعة99، مع أن جماعة من العلماء   = وسلم له، وثنائه عليه، وتخصيصه بابنتيه، وشهادته له بالجنة، وإرساله إلى مكة، ومبايعته له عنه، وتقديم الصحابة له في الخلافة، وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات وهو عنه راضٍ، وأمثاله ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه. فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده، ولا يعرف كيف وقع، ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا تعرف حقيقته ... إلخ، وانظر أيضًا: 235: 3-236 من منهاج السنة، ونقل الإمام أبو محمد ابن حزم في كتاب "الإمامة والمفاضلة" المدرج في الجزء الرابع من كتابه "الفصل": صـ 154 قول من احتج لعثمان على من أنكروا ذلك عليه: ونفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يكن حدًّا واجبًا، ولا شريعة على التأبيد، وإنما كان عقوبة على ذنب استحق به النفي والتوبة مبسوطة، فإذا تاب سقطت عنه تلك العقوبة بلا خوف من أحد من أهل الإسلام، وصارت الأرض كلها مباحة، ونقل مجتهد الزيدية السيد محمد بن إبراهيم الوزير اليمني "المتوفى سنة 840" في كتابه "الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم: 141: 1-142" قول الحاكم المحسن بن كرامة المعتزلي الشيعي في كتابه "سرح العيون" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في ذلك لعثمان. قال ابن الوزير: "إن المعتزلة والشيعة من الزيدية يلزمهم قبول هذا الحديث، وترك الاعتراض على عثمان لذلك؛ لأن راوي الحديث عندهم من المشاهير بالثقة والعلم وصحة العقيدة، ثم بسط ابن الوزير الكلام على هذا الموضوع بحجج واستدلالات استغرقت ثلاث صفحات دفاعا عن أمير المؤمنين عثمان في رده الحكم، وهذه الحجج من أحد أئمة الزيدية ومجتهدين-بعد روايته ذلك الحديث عن الإمام المعتزلي المتشيع- لها دلالتها الخاصة، بعد الذي سمعته من إمامَيْ أهل السنة شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي ابن العربي، ومن إمام أهل الظاهر أبي محمد بن حزم. "خ". 98 "ب"، "ج"، "ز" بدون هذه الكلمة، ولكنها وجدت في "د". "م". 99 كان ذلك في منىً في موسم الحج سنة 29، وقد عاتب عبد الرحمن بن عوف عثمان في إتمامه الصلاة وهم في منىً، فاعتذر له عثمان بأن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس قالوا في العام الماضي: إن الصلاة للمقيم، ركعتان، وهذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين، ثم قال عثمان لعبد الرحمن بن عوف: وقد اتخذت بمكة أهلًا "أي أنه صار في حكم المقيم، لا المسافر"، فرأيت أن أصلي أربعًا لخوف ما أخاف على الناس، ثم خرج عبد الرحمن بن عوف من = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = عند عثمان فلقى عبد الله بن مسعود وخاطبه في ذلك فقال ابن مسعود: "الخلاف شر* قد بلغني أنه صلى أربعًا، فصليت بأصحابي أربعًا"، فقال عبد الرحمن بن عوف: "قد بلغني أنه صلى أربعًا فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول" يعني: نصلى معه أربعًا" الطبري: 56: 5-57.   * قد يعترض معترض، فيقول: كيف يقول ابن مسعود: الاختلاف شر، والحديث النبوي يقول: "اختلاف أمتي رحمة"، وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إن هذا الحديث لا أصل له، ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا، حتى قال السيوطي في الجامع الصغير: "ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا". وهذا بعيد عندي إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده، ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: "وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع"، وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي: ق2/92. ثم إن معنى هذا الحديث مستنكر عند المحققين من العلماء، فقال العلامة ابن حزم في الإحكام في الأحكام: 64/5 بعد أن أشار إلى أنه ليس بحديث: "وهذا من أفسد قول يكون؛ لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطًا، وهذا ما لا يقوله مسلم؛ لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أو سخط"، وقال في مكان آخر: "باطل مكذوب". وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيرًا من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الواقع بين المذاهب الأربعة ولا يحاولون أبدًا لرجوع بها إلى الكتاب والسنة الصحيحة كما أمرهم بذلك أئمتهم رضي الله عنهم، بل إن أولئك ليرون أن مذاهب هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما هي كشرائع متعددة، كما صرح المناوي في: فيض القدير: 209/1، يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا برد بعضها المخالف للدليل، وقبول البعض الآخر الموافق له، وهذا ما لا يفعلون، وبذلك فقد نسبوا إلى الشريعة التناقض، وهو وحده دليل على أنه ليس من الله عز وجل لو كانوا يتأملون قوله = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = تعالى في حق القرآن: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله، فكيف يصح إذن جعله شريعة متبعة، ورحمة منزلة؟ وبسبب هذا الحديث ونحوه ظل أكثر المسلمين بعد الأئمة الأربعة إلى اليوم مختلفين في كثير من المسائل الاعتقادية والعملية، ولو أنهم كانوا يرون أن الخلاف شر كما قال ابن مسعود وغيره رضي الله عنهم ودلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة لسعوا إلى الاتفاق، ولأمكنهم ذلك في أكثر هذه المسائل بما نصب الله تعالى عليها من الأدلة التي يعرف بها الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، ثم عذر بعضهم بعضًا فيما قد يختلفون فيه، ولكن لماذا هذا السعي وهم يرون أن الاختلاف رحمة، وأن المذاهب على اختلافها كشرائع متعددة. وإن شئت أن ترى أثر هذا الاختلاف والإصرار عليه، فانظر إلى كثير من المساجد، تجد فيها أربعة محاريب يصلي فيها أربعة من الأئمة، ولكل منهم جماعة ينتظرون الصلاة معه كأنهم أصحاب أديان مختلفة، وكيف لا، وعالمهم يقول: إن مذاهبهم كشرائع متعددة، يفعلون ذلك وهم يعلمون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه مسلم وغيره، ولكنهم يستجيزون مخالفة هذا الحديث وغيره محافظة منهم على المذهب، كأن المذهب محترم عندهم ومحفوظ أكثر من أحاديثه عليه الصلاة والسلام. وجملة القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن؛ لأنه من أسباب ضعف الأمة كما قال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ، أما الرضا به وتسميته رحمة، فخلاف للآيات الكريمة المصرحة بذمه، ولا مستند إلا هذا الحديث الذي لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهنا وقد يرد سؤال وهو: إن الصحابة قد اختلفوا وأفاضل الناس، أفيلحقهم الذم المذكور؟ وقد أجاب عنه ابن حزم رحمه الله تعالى، فقال: 67/5-68: كلا، ما يلحق أولئك شيء من هذا؛ لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله، ووجهته الحق، فالمخطيء منهم مأجور أجرًا واحدًا؛ لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الإثم في خطأهم لأنهم لم يستعمدوه ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين، وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفى عليه من الدين ولم يبلغه، وإنما الذم المذكور والوعيد المنصوص، لمن ترك التعلق بحبل الله تعالى وهو القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد بلوغ النص إليه وقيام الحجة به عليه، وتعلق بفلان وفلان = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 قالوا: إن المسافر مخير بن القصر والإتمام100، واختلف في ذلك   100 ما أحسن كلام القاضي أبي بكر بأن ترك عثمان رضي الله عنه للقصر في الصلاة في السفر "فاجتهاد" وفي الحديث: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر" وعثمان في هذه المرة قد أخطأ، نقول ذلك بصراحة، فإن الحق أحق أن يتبع، وهو مع ذلك مأجور على اجتهاده. والدليل على خطئه من قول ابن عمر رضي الله عنهما: "صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. قال الإمام الشوكاني: قوله: "وكان لا يزيد في السفر على ركعتين" فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لازم القصر في السفر، ولم يصل فيه تمامًا. وحديث عائشة المتفق عليه: "فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر". وفي هذين الحديثين دليل قوي على أن القصر للوجوب، لا للندب كما زعم بعضهم. وإلى وجوب القصر في السفر ذهب علي وعمر وأكثر علماء السلف، وفقهاء الأمصار، وعمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن، والحنفية، وقال حماد بن سليمان: يعيد من يصلي في السفر أربعا، وقال مالك: "يعيد ما دام في الوقت.   = مقلدًا عامًّا للاختلاف داعيًا إلى عصبية وحمية الجاهلية، قاصدًا للفرقة، متحريًا في دعواه برد القرآن والسنة إليها، فإن وافقها النص أخذ به، وإن خالفها تعلق بجاهليته وترك القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهؤلاء هم المختلفون المذمومون، وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم، مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ويشير في آخر كلامه إلى "التلفيق" المعروف عند الفقهاء، وهو أخذ قول العالم بدون دليل، وإنما اتباعًا للهوى أو الرخص، وقد اختلفوا في جوازه والحق تحريمه؛ لوجوه لا مجال الآن لبيانها، وتجويزه مستوحىً من هذا الحديث وعليه استند من قال: "من قلد عالمًا لقى الله سالما" وكل هذا من آثار الأحاديث الضعيفة، فكن على حذر منها إن كنت ترجو النجاة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَاْ بَنُوْنَ، إِلَّا مَنْ أَتَىْ اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ} ، "الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 70/1-72"."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الصحابة101.   = والقائلون بأن القصر للندب لا للوجوب لا حجة قاطعة لهم، والأحاديث التي يحتجون بها غير صحيحة، ومن أراد التحقق من ذلك فليراجع كتاب نيل الأوطار للشوكاني: 213/3. وقد أنكر جماعة من الصحابة على عثمان لما أتم بمنىً، وتأولوا له تأويلات، قال ابن القيم: أحسنها أنه كان قد تأهل بمنىً، والمسافر إذا أقام بموضع وتزوج فيه، أو كان له زوجة أتمَّ، وقد روى أحمد عن عثمان أنه قال: أيها الناس لما قدمت تأهلت بها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إذا تزوج رجل ببلد فليصل به صلاة مقيم"، وقد أعلَّ البيهقي هذا الحديث بانقطاعه، وفي إسناده عكرمة بن إبراهيم وهو ضعيف كما قال البيهقي. قال في الفتح: هذا حديث لا يصح؛ لأنه منقطع، وفي رواته من لا يُحتَجُّ به. وكذلك لا يصح ما نسب إلى عثمان أنه إنما ترك القصر خشية من أن يظن بعض الأعراب أن الصلاة للمقيم ركعتين، راجع هامش صـ 64. وإذا صح أن عائشة رضي الله عنها تأولت ما تأول عثمان رضي الله عنه فكان يصلي في السفر أربعًا، فيصدق عليها ما سبق، وقلناه في عثمان رضي الله عنه من أنها اجتهدت فأخطأت كما أخطأ الخليفة الراشد، والعصمة للأنبياء فقط."م". 101 نقل محمد بن يحيى الأشعري المالكي المعروف بابن بكر: 674-741 في كتابه "التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان" وهو من مخطوطات دار الكتب المصرية "برقم 23 تاريخ" أنه روى عن جماعة من الصحابة إتمام الصلاة في السفر، منهم عائشة وسلمان وأربعة عشر من الصحابة، وفي أبواب التقصير من صحيح البخاري: ك 18 ب 5-ج 2، صـ 36 حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: "الصلاة أول ما فرضت ركعتان، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر" قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: ثم تأولت ما تأول عثمان، وفي مسند أحمد: 94:4 عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجًّا قدمنا معه مكة، فصلى بنا الظهر ركعتين، ثم انصرف إلى دار الندوة، وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعًا أربعًا، فإذا خرج إلى منىً وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرع من الحج وأقام بمنىً أتم الصلاة حتى يخرج من مكة، فلما صلى بنا "أي معاوية" الظهر ركعتين نهض إليه مروان وعمر بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح مما عبته. قال لهما: وما ذاك؟ فقالا له: لم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة، "فذكرهما أنه صلاهما مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر". قالا: فإن ابن عمك كان أتمها، "والظاهر أن معاوية رأى أن القصر رخصة، وأن المسافر على التخيير، فصلى العصر أربعًا"."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 معاوية ومكانته في خلافة أبي بكر وعثمان 9- وأما معاوية: فعمر ولاه، وجمع له الشامات كلها، وأقره عثمان، بل إنما ولاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأنه ولي أخاه يزيد، واستخلفه يزيد، فأقره عمر لتعلقه بولاية أبي بكر لأجل استخلاف واليه له، فتعلق عثمان بعمر وأقره، فانظروا إلى هذه السلسلة ما أوثق عراها، [وأقدر سردها] 102، ولن يأتي مثلها بعدها أبدًا103.   102 سقطت من طبعة الشيخ محب الدين الخطيب، ولكنها موجودة في المخطوطات، وأثبتها الدكتور عمار طالبي. "س". 103 إنما بلغت دولة الإسلام في خلافة أبي بكر وعمر الذروة في العزة، وكانت مضرب الأمثال في الفلاح الإنساني وسعادة المجتمع؛ لأن أبا بكر وعمر كانا يكتشفان بنور الله عز وجل كوامن السجايا في أهلها وعناصر الرجولة في الرجال، فيوليانهم القيادة، ويبوِّئانهم مقاعد السيادة، ويأتمنانهم على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهما يعلمان أنهما مسئولان عن ذلك بين يدي الله عز وجل، وقد رأيت أن يزيد بن أبي سفيان وأخاه معاوية كانا من رجال دولة أبي بكر الصديق الذين اختارهم لحمل أعباء الأمة في حربها وسلمها، فأحسن بذلك كل الإحسان، ولما ولي يزيد قيادة أحد جيوشه خرج معه أبو بكر يشيعه ماشيًا. "الطبري 30: 4". ومعاوية مذكور في التاريخ بعد أخيه يزيد؛ لأنه أصغر منه سنًّا، لا لأنه أقل منه في استكمال صفات القيادة والسيادة، وقبل أن يكون معاوية من رجال الدولتين البكرية والعمرية كان أحد الذين استعملهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستعان بهم، وكان يدعوه لذلك في بعض الأحيان -ومعاوية يأكل- ويلح في دعوته، ويرسل إليه المرة بعد المرة يستعجله في المجيء إليه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولى معاوية شيئًا من عمله قبل أن يوليه أبو بكر وعمر، وولى يزيد بن أبي سفيان أيضًا كما في فتوح البلدان للبلاذري: "صـ 48 طبع مصر سنة 1350". والذين يضطغنون البغضاء والحقد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولاسيما بني أمية منهم لم يستطيعوا أن ينكروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل معاوية في الكتابة له، فقالوا: إنه كان يكتب له، ولكنه لم يكن يكتب الوحي، وهم يقولون هذا بوحي أوحي إليهم من الشيطان، وليس في يدهم نص تاريخي أو دليل شرعي يرجعون إليه، فميزوا بين أمور لا حجة لهم في التمييز بينها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يميز بين كتبته في أمور دون أمور لتواتر ذلك عنه، ولنقله الناقلون كما وقع فيما هو أقل من هذا شأنًا. سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن الظن برأيي في الرجال: ما تقول في معاوية؟ فقلت له: ومن أنا حتى أُسأَل عن عظيم من عظماء هذه الأمة، وصاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ إنه مصباح من مصابيح = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = الإسلام، لكن هذا المصباح سطع إلى جانب أربع شموس ملأت الدنيا بأنوارها، فغلبت أنوارها على نوره. نقل الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية: 133: 8 عن الليث بن سعد "وهو إمام مصر وعالمها ورئيسها المتوفى سنة 175" قال: حدثنا بكير، "وهو ابن عبد الله الأشج المدني المصري المتوفى سنة 127، قال عنه الإمام النسائي: ثقة ثبت" عن بسر بن سعيد المدني "المتوفى سنة 100 قال عنه ابن معين: ثقة. وقال عنه الليث بن سعد: كان من العباد المنقطعين، أهل الزهد في الدنيا والورع" أن سعد بن أبي وقاص "أحد العشرة المبشرين المبشرين بالجنة" قال: "ما رأيت أحدًا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب" يعني معاوية، وروى ابن كثير أيضًا: 135: 8 عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني أحد الأئمة الأعلام الحفاظ "وكان ينسب إلى التشيع"، عن معمر بن راشد أبي عروة البصري ثم اليماني وكان أحد الأعلام، عن همام بن منبه الصنعاني وكان ثقة قال: سمعت ابن عباس يقول: "ما رأيت رجلًا أخلق بالملك من معاوية، وهل يكون الرجل أخلق بالملك إلا أن يكون عادلًا حكيمًا حليمًا، يحسن الدفاع عن ملكه، ويستعين الله في نشر دعوة الله في الممالك الأخرى، ويقوم بالأمانة في الأمة التي ائتمنه الله عليها؟ والذي يكون أخلق الناس بالملك، هل يلام عثمان على توليته؟ ويا عجبًا كيف يلام عثمان على توليته، وقد ولاه من قبله عمر، وتولى لأبي بكر من قبل عمر، وتولى بعض عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن تصير الخلافة إلى أبي بكر وعمر وعثمان، إن المخ الذي يعبث به الشيطان فيسول له مثل هذه الوساوس لا شك أنه مخ فاسد، يفسد على الناس عقولهم ومنطقهم قبل أن يفسد عليهم دينهم وتاريخهم، فمن الواجب على محبي الحق والخير أن يتحاموا كل من يحمل في رأسه مثل هذا المخ كما يتحامون المجذوم، روى الإمام الترمذي عن أبي إدريس الخولاني من كبار علماء التابعين، وأعلم أهل الشام بعد أبي الدرداء أن عمر بن الخطاب لما عزل عمير بن سعد الأنصاري الأوسي عن حمص وولى معاوية، قال الناس: عزل عميرًا وولي معاوية، قال البغوي في معجم الصحابة: وكان عمير يقال له نسيج وحده، قال ابن سيرين: أن عمر كان يسميه بذلك؛ لإعجابه به. وكان عمير من الزهاد فقال عمير: لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "اللهم اهد به"، ويروى أن الذي شهد هذه الشهادة لمعاوية أمير المؤمنين عمر، فإن كان هو الذي شهدها له، وروى دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية بأن يهدي الله به، فذلك أمر عظيم؛ لعظم مكانة عمر، وإن كان الذي شهد بذلك عمير بن سعد الأنصاري مع أنه هو المعزول بمعاوية عن ولاية حمص، فإن ذلك لا يقل عظمة عما لو كانت الشهادة لمعاوية من عمر، وقد علمت أن عميرًا من أصحاب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 تولية عثمان عبد الله بن عامر بن كريز 10- وأما عبد الله بن كريز؛ فولاه -كما قال- لأنه كريم العمات والخالات105.   = رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه من زهاد الأنصار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 189: 3: وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سيرة الولاة، وكان رعيته يحبونه، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"، ولم يتسع المقام هنا لأكثر من هذا، وسنكمل الصورة الحقيقية لمعاوية عند ذكر خلافته لتعلم إلى أي حد كنا مخدوعين بأكاذيب أعداء الصدر الأول للإسلام، هذا قطعة من حديث صحيح كما سنرى فيما بعد. "خ". 104 هو عبد الله بن عامر بن كريز، توفي سنة 59هـ / 678م على أصح الروايات "الذهبي: العبر: 67/1". "س". 105 هو عبشمي الآباء، هاشمي الخؤولة، فإن أم أبيه أروى بنت كريز أمها البيضاء بنت عبد الملطلب بن هاشم عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولما وُلِدَ أتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لبني عبد شمس: "هذا أشبه بنا منه بكم" ثم تفل في فيه فازدرده، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أرجو أن يكون مسقيًّا *" فكان لا يعالج أرضًا إلا ظهر منها الماء. ونشأ سخيًّا كريمًا شجاعًا ميمون النقيبة كثير المناقب، افتتح خراسان كلها، وأطراف فارس، وسجستان، وكرمان حتى بلغ أعمال غزنة، وقضى على يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس، ويعتقد الإيرانيون أن سلسلة ملوكهم بدأت بآدمهم الذي يسمونه "جيومرت" فلم يزل ملك أولاده منتظمًا على سياق إلى أن كان القضاء الأخير عليه بسلطان الإسلام في خلافة أمير المؤمنين عثمان بجهاد هذا العبشمي الآباء الهاشمي الخؤولة عبد الله بن عامر بن كريز. وهي حرقة في قلوب أهل النزعة المجوسية على الإسلام، وعلى عثمان وابن كريز، فهم يحقدون على هؤلاء ويحاربونهم إلى اليوم بسلاح الكذب، والبغض، والدسائس، وسيستمر ذلك إلى يوم القيامة، أما صادقو الإسلام ممن أنجبت إيران أيام كانت شافعية المذهب، ولما كان ينبغ منها علماء السنة المحمدية قبل ذلك، وفيهم كبار الأئمة والمحدثون والفقهاء، فقد نزهوا قلوبهم عن أن يكون فيها غل للذين آمنوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم حتى فتح الله الأقطار على أيديهم، وهدى الأمم بسببهم، فهم يحبونهم ويجلونهم على أقدارهم، ونحن لا ندعى العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله =   * روى ابن عبد البر -كما جاء في الإصابة لابن حجر- نحو هذين الحديثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 تولية عثمان الوليد بن عقبة وإلمامه بنشأة الوليد وجهاده 11- وأما تولية الوليد بن عقبة [فلأن] الناس -على فساد النيات- أسرعوا إلى السيئات قبل الحسنات. فذكر [الأسفرائيون] 106 أنه إنما ولاه للمعنى الذي تكلم به، قال عثمان: ما وليته؛ لأنه أخي107، وإنما وليته؛ لأنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوأمة أبيه، وسيأتي بيانه إن شاء الله108.   =وسلم، ونتوقع الخطأ من كل إنسان صحابيًّا كان أو من التابعين، أو الذين يتبعونهم بإحسان، ولكن الذين ملأوا الدنيا بالحسنات كأنها الجبال، فإن الذي يعمى عنها، ويدس أنفه في مرمى القاذورات ليستخرج منها ما يذم العظماء به، وإن لم يجد يختلق ويكذب، فإن من كرامة المسلم على نفسه أن يترفع عن الإصغاء لأمثال هؤلاء والانخداع لهم، ودع عنك فتوح عبد الله بن عامر بن كريز التي وصلت إلى أقصى المشارق، وتقويضه آخر أمل للإمبراطورية المجوسية، فإن حسناته الإنسانية أيضًا جديرة بالتسجيل. قال ابن كثير في: البداية والنهاية: 88: 8 إنه أول من اتخذ الحياض بعرفة لحجاج بيت الله الحرام، وأجرى إليها الماء المعين، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 189: 3-190: "إن له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما لا ينكر"، ومثل هؤلاء الرجال لو كانوا من سلف الإنجليز أو الفرنسيين لخلدوا عظمتهم في كتب الدراسة والثقافة والتهذيب، فتهافتت وزارات معارفنا على نقل ذلك إلى كتبنا المدرسية، ليؤمن جيلنا بعظمة أسلاف المستعمرين، أما عظمة أسلافنا نحن فقط سلط الشيطان عليها قلوبًا فاسدة تقبض بالسوء، وصدق أكاذيبها الأكثرون منَّا، فأمسينا كالأمة التي لا مجد لها، بينما هي نائمة على تراث من المجد لا تحلم الإنسانية بمثله. "م". 116 وكتبها الشيخ محب الدين الخطيب "الافترائيون"، ولكنها ليست في أي من المخطوطات الثلاثة. "س". 107 هو أخوه لأمه أروى بنت كريز، وأمها البيضاء بنت عبد الملطب بن هاشم. "خ". 108 قد لا يظن من لا يعرف صدر هذه الأمة أن أمير المؤمنين عثمان جاء بالوليد بن عقبة من عرض الطريق فولاه الكوفة، أما الذين أنعم الله عليهم بنعمة الأنس بأحوال ذلك العصر وأهله فيعلمون أن دولة الإسلام الأولى من خلافة أبي بكر تلقفت هذا الشاب الماضي العزيمة، الرضي الخلقي، الصادق الإيمان فاستعملت مواهبه في سبيل الله إلى أن توفي أبو بكر، وأول عمل له في خلافة أبي بكر أنه كان موضع السر في الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفة وقائده خالد بن الوليد في وقعة المذار مع الفرس سنة 12 "الطبري: 7: 4"، ثم وجهه مددًا إلى قائده عياض بن غنم الفهري "الطبري: 22: 4"، وفي سنة 13كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الولاية اجتهاد على ولي أقاربه والولاية اجتهاد109، وقد عزل عمر سعد بن أبي وقاص، وقدم أقل   = الوليد يلي لأبي بكر صدقات قضاعة، ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة، فكتب إلى عمرو بن العاص وإلى الوليد بن عقبة يدعوهما لقيادة فيالق الجهاد، فسار ابن العاص بلواء الإسلام نحو فلسطين، وسار الوليد بن عقبة قائدًا على شرق الأردن "الطبري 29: 4-30"، ثم رأينا الوليد في سنة 15 أميرًا على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة "الطبري 155: 4" يحمي ظهور المجاهدين في شمال الشام لئلًا يؤتوا من خلفهم، فكانت تحت قيادته ربيعة وتنوخ مسلمهم وكافرهم، وانتهز الوليد بن عقبة فرصة ولايته وقيادته على هذه الجهة التي كانت لا تزال مليئة بنصارى القبائل العربية فكان -مع جهاده الحربي وعمله الإداري- داعيًا إلى الله يستعمل جميع أساليب الحكمة الموعظة الحسنة لحمل نصارى أياد وتغلب على أن يكونوا مسلمين كسائر العرب، وهربت منه إياد إلى الأناضول وهو تحت حكم البيزنطيين، فحمل الوليد خليفته عمر على كتابة كتاب تهديد إلى قيصر القسطنطينية بأن يردهم إلى حدود الدولة الإسلامية. وحاولت تغلب أن تتمرد على الوليد في نشره الدعوة الإسلامية بين شبابها وأطفالها، فغضب غضبته المضرية المؤيدة بالإيمان الإسلامي، وقال فيهم كلمته المشهورة: إذا ما عصبت الرأس مني بمشوذ ... فغيّك مني تغلب ابنة وائل وبلغت هذه الكلمة عمر، فخاف أن يبطش قائده الشاب بنصارى تغلب، فيفلت من يده زمامهم في الوقت الذي يحاربون فيه مع المسلمين حمية للعروبة، فكف عنهم يد الوليد ونحاه عن منطقتهم، وبهذا الماضي المجيد جاء الوليد في خلافة عثمان فتولى الكوفة له، وكان من خير ولاتها عدلًا ورفقًا وإحسانًا، وكانت جيوشه مدة ولايته على الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظافرة موفقة على ما سنذكره فيما بعد. "خ". 109 للمؤلف في أواخر هذا الكتاب فصل عنوانه "نكتة" أشار فيه إلى المعاني والحقائق التي يلاحظها ولي الأمر عند اجتهاده في تولية الولاة وعزلهم، وذلك لفقه عظيم ومعارف بديعة بينها أئمة الإسلام وعلماؤه في الفصول التي عقدوها للإمامة وسياسة الدولة في كتبهم المصنفة في أصول الدين، وقد زعم طاغية الشيعة ومدلسهم الحسن بن المطهر الحلي في كتابه "منهاج الكرامة" أن عثمان ولَّى أمور المسلمين من لا يصلح للولاية، فأجابه شيخ الإسلام ابن تيمية في: منهاج السنة: 173: 3-176 أن عليًّا رضي الله عنه ولَّى زياد بن أبي سفيان وولى الأشتر النخعي وولى محمد بن أبي بكر وأمثال هؤلاء، ولا يشك عاقل أن معاوية بن أبي سفيان كان خيرًا من هؤلاء كلهم، قال: ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان أنه ولى أقاربه من بني أمية، ومعلوم أن عليًّا ولى = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من ولى بني أمية واستعان بهم منه درجة110.   = أقاربه من قبل أبيه وأمه فولى عبد الله بن عباس على اليمن، وولى على مكة والطائف قثم بن العباس، وأما المدينة فقيل إنه ولى عليها سهل بن حنيف وقيل ثمامة ربيبة محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره، "لأنه تزوج أمه بعد وفاة أبي بكر وكان محمد صغيرًا". ثم إن الإمامية تدعي أن عليًّا نص على أولاده في الخلافة -أو على ولده، وولده على ولده الآخر وهلم جرَّا- ومن المعلوم أن كان تولية الأقربين منكرًا، فتولية الخلافة العظمة أعظم من إمارة بعض الأعمال ... وإذا قال القائل: لعلي حجة فيما فعله، قيل له: وحجة عثمان فيما فعله أعظم، وإذا ادعى لعلي العصمة ونحوها مما يقطع عنه ألسنة الطاعنين، كان يدعى لعثمان الاجتهاد الذي يقطع ألسنة الطاعنين أقرب إلى المعقول والمنقول ... ثم قال: إن بني أمية كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستعملهم في حياته، واستعملهم بعده من لا يتهم بقرابة فيهم: أبو بكر وعمر، ولا تعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من بني عبد شمس؛ لأنهم كانوا كثيرين، وكان فيهم شرف وسؤدد، فاستعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عزة الإسلام على أفضل الأرض: مكة عتاب بن أسيد ابن أبي العاص بن أمية، واستعمل على نجران أبا سفيان بن حرب بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص على صدقات بني مذحج، وعلى صنعاء واليمن حتى مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستعمل عثمان بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر وقرى عرينة، واستعمل أبان بن سعيد بن العاص على بعض السرايا، ثم استعمله على البحرين فلم يزل عليها بعد العلاء بن الحضرمي "حليف بني أمية" حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فيقول عثمان: أنا لم أستعمل إلا من استعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن جنسهم ومن قبيلتهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده ... فكان الاحتجاج على جواز الاستعمال من بني أمية بالنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أظهر عند كل عاقل من دعوى كون الخلافة في واحد معين من بني هاشم بالنص، لأن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالنقل، وذلك صدق باتفاق أهل العلم بالنقل، "وانظر أيضًا منهاج السنة: 236: 3-237". والذي يستعرض حياة عمال عثمان وجهادهم وفضائلهم يراهم في الذروة العليا من رجال الدولة، ولا يتردد في أنهم من بناة الأساس الأقوم في مجد الإسلام الإداري والعسكري، ولهم ثواب نتائجه في الفتوح وانتشار دعوة الإسلام بما يعده التاريخ من معجزاته الخارقة للعادات. "خ". 110 كان ذلك سنة 21، والذين تولوا بعد سعد: عبد الله بن عبد الله = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 عدالة مروان وأنه من كبار الأمة عند الصحابة وفقهاء المسلمين 12- وأما قول [القائل] في مروان والوليد، فشديد عليهم، وحكمهم عليهما بالفسق فسق منهم. مروان رجل عدل من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، أما الصحابة فإن سهل بن سعد الساعدي روى عنه111. وأما التابعون فأصحابه في السن، وإن [كان] جازهم باسم الصحبة في أحد القولين112، وأما قهاء الأمصار فكلهم على تعظيمه، واعتبار [خلافه] 113، والتفلت   = ابن عتبان، "وفي زمانه كانت وقعة نهاوند" ثم زياد بن حنظلة، وألح في الاستعفاء فأعفي، وولي بعده عمار بن ياسر "الطبري 246، وما قبلها". "خ". 111 وروايته عنه في صحيح البخاري وغيره. "خ". 112 وفي طليعة من روى عنه من كبار التابعين زيد العابدين علي بن الحسين السبط، نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في: منهاج السنة: 123: 2، والحافظ ابن حجر في الإصابة، وترى تفصيله في طبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي في ترجمة اللغوي الشهير أبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهر صاحب تهذيب اللغة: "282-370"، وممن نص الحافظ ابن حجر على روايتهم عن مروان: سعيد بن المسيب رأس علماء التابعين، وإخوانهمن الفقهاء السبعة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وعبيد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وأضرابهم كعراك بن مالك الغفاري المدني فقيه أهل دهلك وكان يصوم الدهر، وكعبد الله بن شداد بن الهاد أحد الرواة عن عمر وعلي ومعاذ: وإن رواية عروة بن الزبير عن مروان في مسند الإمام أحمد "الطبعة الأولى 321: 4، 323، 326، 328، 189: 5"، ورواية عراك عن مروان نقلها إمام أهل مصر الليث بن سعد عن يزيد بن حبيبة في مسند أحمد: 328: 4 ورواية عبد الله بن شداد بن الهاد عن مروان في مسند أحمد: 317: 6 و 323، والذي يتأمل في الأحاديث المروية عن مروان يجد حملتها من الأئمة الثقات تتسلسل روايتهم عنه مدة جيلين وأكثر، وكلهم أعلى مرتبة في الإسلام من الذين يبردون الغل الذي في قلوبهم بالطعن في مروان، ومن هو خير من مروان. بل في رواة أحاديث مروان عبد الرزاق إمام أهل اليمن، وكانت فيه نزعة تشيع، وفي مسند أحمد: 312: 6 حديث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه كان رسول مروان إلى أم المؤمنين أم سلمة في تحقيق بعض الأحكام الشرعية، وفي 299: 6 من مسند أحمد نموذج لعظيم عناية مروان بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بأقصى ما يمكن أن يصدر عن أئمة المسلمين وأمرائهم. "خ". 113 في "ب"، "ج"، "ز": خلافته "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 سقوط كل ما استدلوا به على الوليد في آية {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} إلى فتواه، والانقياد إلى روايته، وأما السفهاء من المؤرخين والأدباء فيقولون على أقدارهم114. وأما الوليد فقد روى بعض المفسرين أنه الله سماه فاسقًا في قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6] فإنها-في قولهم- نزلت فيه، أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني المصطلق، فأخبر عنهم أنهم ارتدوا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم خالد بن الوليد، فتثبت في أمرهم فبيَّن بطلان قوله، وقد اختلف فيه، فقيل: نزلت في ذلك115، وقيل في علي، والوليد في قصة   114 ومن غريب أمر هؤلاء البغاة والمفترين أنهم يحملون على مروان ويتهمونه بمختلف التهم، وهو منها براء، وقد وقع أسيرًا يوم الجمل في أيدي أصحاب علي رضي الله عنه، فلم يمسه أحد بسوء، لا بإذن علي، ولا بغير إذنه. "م". 115 كنت فيما مضى أعجب كيف تكون هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة، ويسميه الله فاسقًا، ثم تبقى له في نفس خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر المكانة التي سجلها له التاريخ، وأوردنا الأمثلة عليها في هامش صـ 98 عند استعراضنا ماضيه في بضعة عشر عامًا قبل أن يوليه عثمان الكوفة، إن هذا التناقض -بين ثقة أبي بكر وعمر بالوليد بن عقبة، وبين ما كان ينبغي أن يعامل به لو أن الله سماه فاسقًا- حملني على الشك في أن تكون الآية نزلت فيه، لا استبعادًا لوقوع أمر من الوليد يعد به فاسقًا، ولكن استبعادًا لأن يكون الموصوم بالفسق في صريح القرآن محل الثقة من رجلين لا نعرف في أولياء الله عز وجل بعد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من هو أقرب إلى الله منهما. وبعد أن ساورني هذا الشك أعدت النظر في الأخبار التي وردت عن سبب نزول الآية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .} ، فلما عكفت على دراستها وجدتها موقوفة على مجاهد، أو قتادة، أو ابن أبي ليلى، أو يزيد بن رومان، ولم يذكر أحد منهم أسماء رواة هذه الأخبار في مدة مائة سنة أو أكثر مرت بين أيامهم وزمن الحادث، وهذه المائة من السنين حافلة بالرواة من مشارب مختلفة، وإن الذين لهم هوىً في تسويء سمعة مثل الوليد ومن هم أعظم مقامًا من الوليد قد ملأوا الدنيا أخبارًا مريبة ليس لها قيمة علمية، وما دام رواة تلك الأخبار في سبب نزول الآية مجهولين من علماء الجرح والتعديل بعد الرجال الموقوفة هذه الأخبار عليهم، وعلماء الجرح والتعديل لا يعرفون من أمرهم حتى ولا أسماءهم، فمن غير الجائز شرعًا وتاريخًا الحكم بصحة هذه الأخبار المنقطعة التي لا نسب لها، وهناك خبران موصولان = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أخرى، وقيل: إن الوليد سيق يوم الفتح في جملة الصبيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح على رؤوسهم وبرك عليهم، إلا هو فقال: إنه كان على رأسي خلوق، فامتنع [صلى الله عليه وآله وسلم] 116 من مسه، فمن يكون في مثل هذه السنة يرسل مصدقًا117.   = أحدهما عن أمة سلمة، زعم موسى بن عبيد الله أنه سمعه من ثابت مولى أم سلمة. وموسى بن عبيدة ضعفه النسائي وابن المديني وابن عدي وجماعة، وثابت المزعوم أنه مولى أم سلمة ليس له ذكر في كل ما رجعت إليه من كتب العلم، فلم يذكر في تهذيب التهذيب، ولا في تقريب التهذيب، ولا في خلاصة تهذيب الكمال، بل لم أجده ولا في قفصي الاتهام أعني ميزان الاعتدال ولسان الميزان. وذهبت إلى مجموعة أحاديث أم سلمة في مسند الإمام أحمد فقرأتها واحدًا واحدًا، فلم أجد فيها هذا الخبر، بل لم أجد لأم سلمة أي خبر ذكر فيها اسم مولى لها يدعى ثابت. زِدْ على كل هذا أن أم سلمة لم تقل في هذا الخبر -إن صح عنها، ولا سبيل إلى أن يصح عنها- أن الآية نزلت في الوليد، بل قالت -أي قيل على لسانها-: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلًا في صدقات بني المصطلق، والخبر الثاني الموصول رواه الطبري في التفسير عن ابن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس. والطبري لم يلق ابن سعد ولم يأخذ عنه؛ لأن ابن سعد لما توفى ببغداد سنة 230كان الطبري طفلًا في السادسة من، عمره ولم يخرج إلى ذلك الحين من بلده آمل في طبرستان لا إلى بغداد ولا لغيرها، وابن سعد وإن كان في نفسه من أهل العدالة في الدين والجلالة في العلم، إلا أن هذه السلسلة من سلفه يجهل علماء الجرح والتعديل أسماء أكثرهم فضلًا عن أن يعرفوا شيئًا من أحوالهم، فكل هذه الأخبار من أولها إلى آخرها لا يجوز أن يؤاخذ بها، مجاهد كان موضع ثقة أبي بكر وعمر، وقام بخدمات للإسلام يرجى له بها أعظم المثوبة إن شاء الله. أضف إلى كل ما تقدم أنه في الوقت الذي حدثت فيه لبني المصطلق الحادثة التي نزلت فيها الآية كان الوليد صغير السن كما سيأتي في الفقرة التالية."خ". 116 زيادة من عمل الشيخ محب الدين الخطيب؛ لتوضيح السياق، ولكنها ليست في أي من المخطوطات الثلاثة. "س". 117 هذا الحديث عن سن الوليد بن عقبة يوم فتح مكة رواه الإمام أحمد في مسنده: 32:4 الطبعة الأولى عن شيخ له هو فياض بن محمد الرقي، عن جعفر بن برقان الرقي عن ثابت بن الحجاج الكلابي الرقي عن عبد الله الهمداني "وهو عبد الله بن مالك بن الحارث" عن الوليد بن عقبة، والظاهر أن الوليد بن عقبة تحدث بهذا الحديث عندما اعتزل الناس في السنين الأخيرة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وبهذا الاختلاف يسقط العلماء الأحاديث القوية، وكيف يفسق118 رجل يتمثل هذا الكلام؟ فكيف برجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!   = من حياته واختيار الإقامة في قرية له من أعمال الرقة، فتسلسلت رواية الخبر في الرواة الرقيين، وأخذه الإمام أحمد عن شيخ له منهم، وعبد الله الهمداني ثقة، لكن التبس اسمه في غير هذه الرواية آخر يكنى أبا موسى واسمه مالك بن الحارث أي على اسم والد عبد الله الهمداني، وهو مجهول عند أهل الجرح والتعديل، وأما عبد الله الهمداني الذي ينتهي إليه الخبر في رواية الإمام أحمد فمعروف وموثوق به، وعلى روايته وأمثاله اعتمد القاضي ابن العربي في الحكم على سن الوليد بن عقبة، بأنه كان صبيًّا عند فتح مكة، وأن الذي نزلت فيه آية: {إِنْ جَاءِكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} هو شخص آخر، ومن عجيب أمر الذين كان لهم هوىً في تشويه سمعة هذا الصحابي الشاب المجاهد الطيب النفس الحسن السيرة في الناس أهم حاولوا إدحاض حجة صغر سنه في ذلك الوقت بخبر آخر روي عن قدومه مع أخيه عمارة إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة ليطلبا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد أختهما أم كلثوم إلى مكة، وأصل هذا الخبر -إن صح- مقدم فيه اسم عمارة على اسم الوليد، وهذا مما يستأنس به في أن عمارة هو الأصل في هذه الرحلة وأن الوليد جاء في صحبته، وأي مانع يمنع قدوم الوليد صبيًّا بصحبة أخيه الكبير كما يقع مثل ذلك في كل زمان ومكان؟ فقول الوليد أنه كان في سنة الفتح صبيًّا ليس في خبر قدومه مع أخيه الكيبر إلى المدينة في السنة السابقة ما يمنعه أو يناقضه، فإذا تقرر عندك أن جميع الأخبار الواردة بشأن الوليد بن عقبة في سبب نزول الآية: {إِنْ جَاءَكْمُ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} لا يجوز علميًّا أن ينبي عليها حكم شرعي أو تاريخي، وإذا أضفت إلى ذلك حديث مسند الإمام أحمد عن سن الوليد في سنة الفتح، يتبين لك بعد ذلك حكمة استعمال أبي بكر وعمر الوليد وثقتهما به واعتمادهما عليه مع أنه كان لا يزال في صدرشبابه."خ". 118 قال محققو تفسير "زاد المسير في علم التفسير" للإمام بن الجوزي: 491/7 طبعة المكتب الإسلامي الذي يديره الأخ الفاضل الأستاذ زهير الشاويش، وهو أحد المشتركين في التحقيق: "ذكر الواحدي أن قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكْمُ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوْا} نزلت في الوليد بن عقبة" ... ذكر ذلك في أسباب النزول بغير سند، ورواه الطبري من حديث أم سلمة، وفي سنده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. ورواه أحمد في المسند من حديث الحارث بن ضرار الخزاعي. قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: رواه ابن إسحاق، والطبراني من حديث = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 إقامة عمر الحد على صهره قدامة بن مظعون من رجال بدر وأما حده في الخمر، فقد حد عمر قدامة بن مظعون على الخمر وهو أمير وعزله، [ثم قيل* له صالحه] 119.   = أم سلمة، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف، قال: ونحوه رواه أحمد والطبراني أيضًا من حديث الحارث بن ضرار الخزاعي، وأخرجه ابن مردويه من طريق عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن موسى بن المسيب عن سالم بن الجعد عن جابر ... ا. هـ. باختصار. مما سبق ندرك أنه لا مجال لقول المؤلف هنا برد الأحاديث القوية عند الاختلاف والاضطراب. "م". لأهل العلم في مثل هذه المسألة مذاهب: - النظر في الناسخ والمنسوخ. - الجمع بينهما أن أمنك [تأويل مختلف الحديث] . - النظر في المحكم والمتشابه، العام والخاص، المطلق والمقيد. إلى غير ذلك من المذاهب، وهذا كله إن كان الحديث في نفسه صحيحًا. "س". 119 قدامة بن مظعون الجمحي أحد السابقين الأولين، هاجر الهجرتين وشهدا بدرًا، وكان صهر أمير المؤمنين عمر على أخته، وقيل بل هو خال أم المؤمنين حفصة بنت عمر وأخيها عبيد الله، وفي إمارة قدامة على البحرين في خلافة عمر قدم الجارود سيد بني عبد القيس على عمر من البحرين وادعى أن قدامة شرب فسكر. فقال له عمر: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة. فاستشهد أبا هريرة فقال: لم أره شرب، ولكني رأيته سكران يقيء، فقال له عمر: لقد تنطعت في الشهادة. واستقدم قدامة من البحرين، فقال الجارود لعمر: أقم على هذا كتاب الله. فقال له عمر: أخصم أنت أم شهيد؟ فقال: شهيد. فقال عمر: قد أديت شهادتك. فصمت الجارود، ثم غدا على عمر فقال: أقم على هذا حد الله. فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لأسوأنك. فقال: يا عمر، ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوؤني ... ثم جيء بزوجة لقدامة فأقامت الشهادة على زوجها، وأراد عمر أن يقيم عليه الحد، فقال له الصحابة: لا نرى أن تحده ما دام مريضًا، ثم عاوده، فقالوا له كما قالوا من قبل. فقال عمر: لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلى من ألقاه وهو في عنقي. وجلده. فغاضبه قدامة. وعند قفولها من الحج جيء به إلى عمر، فكلمه عمر واستغفر له، ومن حسن حظ قدامة بن مظعون أنه قرشي من بني جمح، ولو أنه كان قرشيًّا من بني عبد شمس لانطلقت ألسنة السوء بالبذاءة عليه واختراع الأكاذيب فيه ما دام في الدنيا كذب. "خ". * في جميع النسخ هكذا، وأصلحه الشيخ محب الدين الخطيب: [وقيل إنه صالحه] ، ولم يشر -رحمه الله- إلى ذلك. "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وليست الذنوب مسقطة للعدالة إذا وقعت منها التوبة120. وقد قيل لعثمان: إنك وليت الوليد لأنه أخوك لأمك أروى بنت كريز   120 هذا حق، ولكن في مثل ما تقدم عن قدامة بن مظعون، وفي مثل ما هو مشهور عند الناس عن أبي محجن الثقفي الشاعر الفارسي الذي كان له يوم أغر في حرب القادسية، أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح العادل المظلوم الذي كان منه لأمته كل ما استطاعه من عمل طيب، ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم فيهم، فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له منقطعة عن صخب المجتمع، وهي تبعد خمسة عشر ميلًا عن بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو نصاراها إلى الإسلام في خلافة عمر فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها غوارها. ولا يضير هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيه ثلاثة عشر قرنًا، فإن الحق قديم ولا يؤثر في قدمه احتجابه. أراد الوليد بن عقبة -منذ ولي الكوفة لأمير المؤمنين عثمان- أن يكون الحاكم المثالي في العدل والنبل والسيرة الطيبة مع الناس، كما كان المحارب المثالي في جهاده وقيامه للإسلام بما يليق بالذائدين عن دعوته، الحاملين لرايته، الناشرين لرسالته، وقد لبث في إمارته على الكوفة خمس سنوات، وداره إلى اليوم الذي زايل فيه الكوفة ليس لها باب يحول بينه وبين الناس ممن يعرف أو لا يعرف، فكان يغشاها كل من شاء متى شاء من ليل أو نهار. ولم يكن بالوليد حاجة لأن يستتر عن الناس: فالستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر وكان ينبغي أن يكون الناس كلهم محبين لأميرهم الطيب لأنه أقام لغربائهم دور الضيافة، وأدخل على الناس خيرًا حتى جعل يقسم المال للولائد والعبيد ورد على كل مملوك من فضل الأموال من كل شهر ما يتسعون به من غير أن ينقص مواليهم من أرزاقهم. وبالفعل كانت جماهير الشعب متعلقة بحب هذا الأمير المثالي طول مدة حكمه. إلا أن فريقًا من الأشرار وأهل الفساد أصاب بنيهم سوط الشريعة بالعقاب على يد الوليد، فوقفوا حياتهم على ترصيد الأذى له، ومن هؤلاء رجال يسمى أحدهم أبا زينب بن عوف الأزدي وآخر يسمى أبا مورع وثالث اسمه جندب أبو زهير قبضت السلطات على أبنائهم في ليلة نقبوا بها على ابن الحيسمان داره وقتلوه، وكان نازلًا بجواره رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جيش خزاعة يوم فتح مكة، فجاء هو وابنه من المدينة إلى الكوفة ليسيرا مع أحد جيوش الوليد بن عقبة التي كان يواصل توجيهها نحو الشرق للفتوح ونشر دعوة الإسلام، فشهد هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلاء الأشرار على منزل ابن الحيسمان، وأدى شهادته هو وابنه على هؤلاء القتلة السفاحين، فأنفذ الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة، فكتب آباؤهم العهد على أنفسهم للشيطان = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، قال: بل لأنه ابن عمة رسول الله صلى   = بأن يكيدوا لهذا الأمير الطيب الرحيم، وبثوا عليه العيون والجواسيس ليترقبوا حركاته، وكان بيته مفتوحًا دائما. وبينما كان عنده ذات يوم ضيف له من شعراء الشمال كان نصرانيًّا في أخواله من تغلب بأرض الجزيرة وأسلم على يد الوليد، فظن جواسيس الموتورين أن هذا الشاعر الذي كان نصرانيًّا لابد أن يكون ممن يشرب الخمر ولعل الوليد أن يكرمه بذلك، فنادوا أبا زينب وأبا المورع وأصحابهما، فاقتحموا الدار على الوليد من ناحية المسجد، ولم يكن لداره باب، فلما فوجيء بهم نحى شيئا أدخله تحت السرير، فأدخل بعضهم يده فأخرجه بلا أذن من صاحب الدار، فلما أخرج ذلك الشيء من تحت السرير إذا هو طبق عليه تفاريق عنب، وإنما نحاه الوليد استحياء أن يروا طبقه ليس عليه إلا تفريق عنب، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون من الخجل، وسمع الناس بالحكاية فأقبلوا يسبونهم ويلعنونهم. وقد ستر الوليد عليهم ذلك وطواه عن عثمان وسكت عن ذلك وصبر، ثم تكررت مكايد جندب وأبي زينب وأبي المورع، وكانوا يغتنمون كل حادث فيسيئون تأويله ويفترون الكذب، وذهب بعض الذين كانوا عمالًا في الحكومة ونحاهم الوليد عن أعمالهم لسوء سيرتهم، فقصدوا المدينة وجعلوا يشكون الوليد لأمير المؤمنين عثمان ويطلبون منه عزله عن الكوفة، وفيما كان هؤلاء في المدينة دخل أبو زينب وأبو المورع دار الإمارة بالكوفة مع من يدخلها من غمار الناس وبقيا فيها إلى أن تنحى الوليد ليستريح، فخرج بقية القوم، وثبت أبو زينب وأبو المورع إلى أن تمكنا من سرقة خاتم الوليد من داره وخرجا. فلما استيقظ الوليد لم يجد خاتمه، فسأل عنه زوجتيه -وكانت في مخدع تريان منه زوار الوليد من وراء ستر- فقالتا: إن آخر من بقى في الدار رجلان، وذكرتا صفتهما وحلتيهما للوليد، فعرف أنهما أبو زينب وأبو المورع، وأدرك أنهما لم يسرقا الخاتم إلا لمكيدة بيتاها، فأرسل في طلبهما فلم يوجدا في الكوفة، وكانا قد سافرا إلى توا إلى المدينة، وتقدما شاهدين على الوليد بشرب الخمر "وأكبر ظني أنهما استلهما شهادتهما المزورة من تفاصيل الحادث الذي سبق وقوعه لقدامة بن مظعون في خلافة عمر" فقال لهما عثمان: كيف رأيتما؟ قالا: كنا في غاشيته، فدخلنا عليه وهو يقيء الخمر. فقال عثمان: ما يقيء الخمر إلا شاربها. فجيء بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان وأخبره خبرهم، فقال عثمان: نقيم الحدود، ويبوء شاهد الزور بالنار. هذه قصة اتهام الوليد بالخمر كما في حوادث سنة 30 من تاريخ الطبري، وليس فيها -على تعدد مصادرها القديمة- شيء غير ذلك، وعناصر الخبر عند الطبري أن الشهود على الوليد اثنان من الموتورين الذين تعددت شواهد غلهم عليه، ولم يرد في الشهادة ذكر الصلاة من أصلها فضلًا عن أن تكون = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الله عليه وآله وسلم أم حكيم البيضاء جدة عثمان وجدة الوليد لأمهما أروى   = اثنتين أو أربعًا، وزيادة ذكر الصلاة هي الأخرى أمرها عجيب. فقد نقل خبرها عن الحضين بن المنذر "أحد أتباع علي" أنه كان مع علي عند عثمان ساعة أقيم الحد على الوليد، وتناقل عنه هذا الخبر فسجله مسلم في صحيحه: كتاب الحدود ب 8 ح 38-ج 5، صـ 126، بلفظ: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح ركعتين، وقال أزيدكم، بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمر وشهد الآخر بأنه تقيأ. أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلام حضين، ولم يكن حضين من الشهود. ولا كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم، ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف، ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في صحيح مسلم، وارد في ثلاثة مواضع في مسند أحمد رويًا عن حضين، والذي سمعه من حضين في صحيح مسلم هو الذي سمعه منه في مسند أحمد بمواضعه الثلاثة، فالموضعان الأول والثاني: ج 1صـ 82 و 140 الطبعة الأولى -ج2 رقم 264 و 1184 الطبعة الثانية ليس فيهما ذكر للصلاة عن لسان حضين فضلًا عن غيره، فلعل أحد الرواة من بعده أدرك أن الكلام عن الصلاة ليس من كلام الشهود فاقتصر على ذكر الحد، وأما في الموضع الثالث من مسند أحمد: ج 1 صـ 144-145 الطبعة الأولى ج 2 رقم 1229 فقد جاء فيه على لسان حضين "أن الوليد صلى بالناس الصبح أربعًا" وهو يعارض ما جاء على لسان حضين نفسه في صحيح مسلم، ففي إحدى الروايتين تحريف الله أعلم بسببه. وفي الحالتين لا يخرج ذكر الصلاة عن أنه من كلام حضين، وحضين ليس بشاهد، ولم يروِ عن شاهد، فلا عبرة بهذا الجزء من كلامه، وبعد أن علمت بأمر الموتورين فيما نقله الطبري عن شيوخه. وأزيدك علمًا بأمر حمران، وهو عبد من عبيد عثمان كان قد عصى الله قبل شهادته على الوليد، فتزوج في مدينة الرسول امرأة مطلقة، ودخل بها وهي في عدتها من زوجها الأول، فغضب عليه عثمان لهذا ولأمور أخرى قبله فطرده من رحابه وأخرجه من المدينة، فجاء الكوفة يعيث فيها فسادًا، ودخل على العابد الصالح عامر بن عبد القيس فافترى عليه الكذب عند رجال الدولة، وكان سبب تسييره إلى الشام. وأنا أترك أمر هذا الشاهد والشاهدين والآخرين قبله إلى ضمير القارئ، يحكم به عليهم بما يشاء، وفي اجتهادي أن مثل هؤلاء الشهود لا يقام بهم حد الله على ظنين من السوقة والرعاع، فكيف بصحابي مجاهد وضع الخليفة في يده أمانة قطر وقيادة جيوش فكان عند الظن به من حسن السيرة في الناس وصدق الرعاية لأمانات الله، وكان وضعه ثقة عند ثلاثة من أكمل خلفاء الإسلام = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 المذكورة أم حكيم توأمة عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، و أي حرج على المرء أن يولي أخاه أو قريبه 121، 122.؟.   = أبي بكر وعمر وعثمان، وأن قرابة الوليد من عثمان التي يزعم الكذبة أنها سبب المحاباة منه لهم إنما كانت سبب التسامح من عثمان في عزلهم والقسوة عليهم لئلا يقال: أن له هوىً في ذوي قرابته. ورأينا الذين يتسلون بأعراض الناس يتفكهون بأبيات ستة منسوبة إلى ماجن خسيس النفس وردت في صـ 85 من ديوانه، ولا تحملهم سليقة النقد على الشعور بما في هذه الأبيات من التضارب والتعارض، فأين مدحه فيها للوليد بقوله: ورأوا شمائل ماجد أنف ... يعطى على الميسور والعسر فنزعت مكذوبًا عليك ولم ... تردد إلى عوز ولا فقر من بيقة الأبيات التي فيها: نادى وقد تمت صلاتهم ... أزيدكم ثملًا وما يدري فالذي يقول البيت الأخير لا يعقل أن يقول مع البيتين الأولين فيكون مادحًا وذامًّا في قطعة واحدة لا تزيد على ستة أبيات، وقد كانت لي مقالة مطولة عن "التخليط في الشعر" ضربت فيها الأمثلة على دس أبيات غريبة في قصائد من وزنها ورويها لغير ناظمها. وعلى كل حال فالشهود الذين شهدوا بين يدي عثمان لم يدعوا حكاية الصلاة، مع أنهم لم يكونوا ممن يخاف الله واليوم الآخر. والآن أقولها لوجه الله صريحة مدوية أن الوليد لو كان من رجال التاريخ الأوروبي كلويس التاسع الذي أسرناه في دار لقمان بالمنصورة لعدوه قديسًا؛ لأن لويس لم يحسن إلى فرنسا، كإحسان الوليد بن عقبة إلى أمته، ولم يفتح للنصرانية كفتح الوليد للإسلام، والعجب لأمة تسيء إلى أبطالها، وتشوه جمال تاريخها، وتهدم أمجادها كما يفعل الأشرار منا، ثم ينشر كيد هؤلاء الأشرار حتى يظن الأخيار أنه هو الحق."خ". 121 وقد تقدم في هامش صـ 98 أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب جعل الأمراء في مدة خلافته على أكثر أمصار حكمه من ذوي قرابته. وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولى رجال بني أمية وشبابهم. وكذلك فعل أبو بكر وعمر، فلم يفعل عثمان إلا الذي سبقه إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه. بل إن عثمان لما أقام الحد على أخيه لأمه فعل ما لا نظن أحدًا يفعله بشهادة الشهود المغرضين الذين لم يريدوا الله بشهادتهم. وإذا كان الشهود على الوليد من هذه الطبقة المغرضة، فقد شهد له بظهر الغيب قاضٍ من أعظم قضاة الإسلام في التاريخ علمًا وفضلًا وإنصافًا وهو الإمام عامر بن شراحبيل الشعبي. روى الطبري: 60:5 أن الشعبي سمع في أوائل بطولة مسلمة بن عبد الملك حفيدًا للوليد بن عقبة يتحدث عن جهاد مسلمة، فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = الشعبي: "كيف لو أدركتم الوليد غزوة وإمارته؟ إن كان ليغزو فينتهي إلى كذا وكذا ... ما قصر، ولا انتقض عليه أحد. حتى عزل عن عمله وعلى الباب "أي الدربند، وراء بحر الخزر في روسيا، وكان من أمنع معاقل الدنيا". عبد الرحمن الباهلي "وهو من أعظم قواد الوليد". وإن كان مما زاد عثمان على يده "أي على يد الوليد" أن رد على كل مملوك بالكوفة من فضول الأموال ثلاثة في كل شهر يتسعون بها من غير أن ينقص مواليهم من أرزاقهم". فهذه ثلاثة في كل شهر يتسعون بها من غير أن ينقص مواليهم من أرزاقهم. فهذه الشهادة من الإمام الشعبي للوليد في جهاده الحربي الظافر، وفي إحسانه لرعيته في معايشهم، تفقأ عيون المبطلين، وتقر أعين الصالحين، وصدق أمير المؤمنين عثمان يوم طيب قلب أخيه المظلوم بقوله: "نقيم الحدود، ويبوء شاهد الزور بالنار". {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} . إلخ. 122 ومما يؤسف له أن الشيخ محمد أبا زهرة الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة القاهرة انساق مع من انساق في أن أسباب الثورة على عثمان رضي الله عنه: "اشتهاره بحبه لقرابته، وليس في ذلك إثم ولا لوم، ولكنه ولائهم وقربئهم، وكان يستشيرهم في كثير من شئون الدولة، وفيهم من ليس أهل للثقة، وبمقدار الاكثار من استشارتهم لم يكثر من استشارة عليه الصحابة: كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة وغيرهم" ... المذاهب الإسلامية صـ 43. نستدرك على عبارة الأستاذ أبي زهرة ما يلي: أولا: ليس في تولية الأقارب إثم ولوم ما داموا أكفاء مخلصين، فقد ولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن عمه عليًّا بن أبي طالب على الأخماس باليمن والقضاء بها، كما ولى كثير من رجال بني أمية المناصب الهامة، وهم يمتنون إليه بالقرابة "راجع جوامع السيرة لابن حزم"، وكذلك فعل علي بن أبي طالب لما ولي الخلافة، فكان من ولاته عبد الله بن عباس، وقثم بن عباس، وثمامة بن عباس.. ثانيا: كنا نتمنى من الأستاذ أبي زهرة أن يذكر لنا مثالًا من أقرباء عثمان رضي الله عنه الذين ليسوا أهلًا للثقة كما زعم، كما تقدم معنا. ولعله يقصد بذلك مروان بن الحكم، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي قال عنه صـ 44: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أباح دمه إذ ارتد بعد إيمان، وقد ولاه بعد عمرو بن العاص" .... أما مروان فقد تحدث عنه مؤلف العواصم ما فيه الكفاية ... وأما عبد الله بن سعد فقد ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ما فعله عثمان والذين قبله في خمس الخمس والإقطاع 13- وأما عطاؤه خمس إفريقية لواحد فلم يصح132، على أنه قد   = السنة 196: "كان عثمان شفع في عبد الله بن سعد، فقبل صلى الله عليه وآله وسلم شفاعته فيه وبايعه". وقد أبلى هذا الصحابي بلاءً حسنًا في محاربة الروم، ففتح بلاد النوبة وصالحه أهله على دفع الجزية، واشترك مع معاوية رضي الله عنه في تأسيس الأسطول الإسلامي، وفي معركة "ذات الصواري" في حرب الروم حتى أتم النصر للمسلمين عليهم، وكان لأسطول ابن سعد الفضل في حماية سواحل مصر وأفريقية من غزو الروم، فرحمه الله وجزاه عن الإسلام خير الجزاء. ثالثًا: وما قاله الأستاذ أبو زهرة من إكثار استشارته لأقربائه من بني أمية، وعدم الإكثار من استشارة كبار الصحابة، فكلام متهافت لا دليل له عليه، والأدلة على عكس ما يقول أكثر من أن تذكر، وهي مبنية بتفصيل في بطون كتب التاريخ ويعرفها حتى صغار الطلبة. وقد كان عثمان رضي الله عنه عالمًا بكل ذلك، فكيف يكون من الحزم أن يتقاتل المسلمون ويذهب منهم كثير من الضحايا، وهو عارف أنه مقتول لا محالة. ومما أخذه الأستاذ أبو زهرة وغيره على عثمان رضي الله عنه كما جاء في المصدر السابق. صـ 46 "لم يكن رضي الله عنه حازمًا مع الذين ثاروا عليه وهاجموا داره ... ولو أنه أخذ أولئك العصاة بالشدة ... لأدى ذلك إلى نجاته ... ولقد كان عظماء الصحابة على استعداد لنصرته، وكلما هموا بحمل السلاح ثبطهم ... وقد منعهم سيدنا عثمان؛ إيثارًا للعاقبة، ومنعًا للقتل والقتال بين المسلمين. لقد غاب عن الأستاذ أبي زهرة أن عثمان رضي الله عنه كان عالمًا بمصيره، فقد بشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة على بلوى تصيبه كما جاء في صحيح البخاري، كما بشره بالشهادة أيضًا، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد أحدًا، وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله فقال: "اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" رواه البخاري. إن الحزم كل الحزم كان ما فعله هذا الخليفة الراشد. "م". 123 والذي صح هو إعطاؤه خمس الخمس لعبد الله بن أبي سرح جزاء جهاده المشكور، ثم عاد فاسترده منه. جاء في حوادث سنة 27 من تاريخ الطبري: "49: 5 مصر، 2814: 1-2815 طبع أوربا" أن عثمان لما أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالزحف من مصر على تونس لفتحها قال له: "إن فتح الله عليك غدًا أفريقية، فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلًا"، فخرج بجيشه حتى قطعوا أرض مصر، وأوغلوا في أرض أفريقية = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عثمان لم يضرب أحدا بالعصا ذهب مالك وجماعة إلى الإمام يرى رأيه في الخمس، وينفذ فيه ما أداه إليه اجتهاده، وإن أعطاه لواحد جائز، وقد بينا ذلك في مواضعه134.   = وفتحوها سهلها وجبلها، وقسم عبد الله على الجند ما أفاء الله عليهم وأخذ خمس الخمس وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان مع وثيمة النصرى، فشكا وفد ممن معه إلى عثمان ما أخذه عبد الله بن سعد، فقال لهم عثمان: "أنا أمرت له بذلك، فإن سخطتم فهو ردٌّ"، قالوا: إنا نسخطه، فأمر عثمان عبد الله بن سعد بأن يرده فرده. ورجع عبد الله بن سعد إلى مصر وقد فتح أفريقية. 124 أي في مؤلفاته الأخرى عند بسطه هذه المسألة من أحكام الفقه الإسلامي. قال الإمام عامر بن شراحيل الشعبي: "إنما القطائع على وجه النفل من خمس ما أفاء الله". قال: "وأقطع عمر طلحة وجرير بن عبد الله والربيل بن عمرو. وأقطع "أي عمر" أبا مفزر دار الفيل". وممن أقطعهم عمر بن الخطاب نافع أخو زياد وأبي بكرة لأمهما، وأقطعه أرضًا في البصرة لخيله وإبله مساحتها عشرة أجربة "انظر ترجمة نافع في الإصابة" قال القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج: صـ 61: "وقد أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتألف على الإسلام أقوامًا، وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا أن في أقطاع صلاحًا "وضرب أبو يوسف الأمثلة على ذلك". وانظر باب القطائع في صـ 77-78 من كتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي طبع السلفية. وذكر الإمام الشعبي بعض الذين أقطعهم عثمان فقال: "وأقطع الزبير، وخباب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن هبار أزمان عثمان، فأين يكن عثمان أخطأ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا" "الطبري: 148: 4". واقطع علي بن أبي طالب كردوس بن هانيء الكردوسية، وأقطع سويدًا بن غفلة أرضًا لدى ذويه. فكيف ينكرون على عثمان ويسكتون على عمر وعلي. وللقاضي أبو يوسف كلام سديد في هذا الموضوع في كتاب الخراج صـ 60-63 طبعة السلفية سنة 1352. وما زعمه الزاعمون من أن عثمان كان يود ذوي قرابته ويعطيهم، فمودته ذي قرابته من فضائله، وعلي أثنى على عثمان بأنه أوصل الصحابة للرحم، وعثمان أجاب عن موقفه هذا بقوله: "وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم. فأما حبي لهم فإنه لم يُملْ معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم. وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي، ولا لأحد من الناس. وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، وأنا يومئذ شحيح حريص. أفحين أتت علي أسنان أهل بيتي وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا" وقال الطبري 103: 5: "وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 علو عثمان على منبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 14- وأما قولهم إنه ضرب بالعصا، فما سمعته ممن أطاع أو عصى، وإنما هو باطل يحك، وزر ينثى125، فيالله وللنهي. 15- وأما علوه على درجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما سمعته ممن فيه تقية. وإنما هي إشاعة منكر؛ ليروي ويذكر، فيتغير قلب من يتغير. قال علماؤنا: ولو صح ذلك فما في هذا ما يحل دمه، ولا يخلو أن يكون ذلك حقًّا، فلم تنكره الصحابة عليه إذ رأيت جوازه ابتداء أو لسبب اقتضى ذلك. وإن كان لم يكن فقد انقطع الكلام 128. 16- وأما انهزامه يوم حنينن وفراره يوم أحد، ومغيبه عن بدر وبيعة   = وجعل ولده كبعض من يعطي، فبدأ ببني أبي العاص فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف فأخذوا مائة ألف، وأعطى بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص وبني العيص وفي بني حرب". بل تمادى شيخ الإسلام ابن تيمية مع أوسع الاحتمالات فذكر في منهاج السنة: "3: 178-188" أن سهم ذوي القربى ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لقرابة الإمام كما قاله الحسن وأبو ثور، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي أقاربه بحكم الولاية ... وقيل هو لمن ولي الأمر بعده.. قال: وبالجملة فعامة من تولى الأمر بعد عمر كان يخص بعض أقاربه إما بولاية أو بمال. ثم قال في: 237: 3: "أن ما فعله عثمان في المال له ثلاثة مآخذ: أحدهما أنه عامل عليه، والعامل يستحق مع الغنى. الثاني أن ذوي القربى هم ذوو قربى الإمام. الثالث أنهم "أي ذوو عثمان وقرابته" كانوا قبيلة كثيرة ليسوا مثل قبيلة أبي بكر وعمر، فكان يحتاج إلى إعطائهم وولايتهم أكثر من حاجة أبي بكر وعمر إلى تولية أقاربهما وإعطائهم. وهذا مما نقل عن عثمان الاحتجاج به". "خ". 125 نثى الخبر والحديث: أذاعه وأظهره. والنثا مثل الثناء، إلا أنه في الخير والشر، والثناء في الخير خاصة. "م". 128 كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضيق المساحة في عصر النبوة وخلافة أبي بكر، وكان من مناقب عثمان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما زاد الصحابة أن اشترى من ماله مساحة من الأرض وسع بها المسجد النبوي، ثم وضعه أمير المؤمنين عمر فأدخل فيه دار العباس بن عبد المطلب، ثم ازداد عدد المصلين بازدياد عدد سكان المدينة وقاصديها، فوسعه أمير المؤمنين عثمان مرة أخرى، وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجدد بناءه، فاتساع المسجد وازياد غاشيته وبعد أمكنة بعضهم عن منبر الخطابة يجوز أن يكون من ضرورات ارتفاع الخطيب ليراهم ويروه ويسمعوه. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تخلفه بالمدينة عن بدر لتمريض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرضوان، فقد بيَّن عبد الله بن عمر وجه الحكم في شأن البيعة وبدر وأحد، وأما يوم حنين فلم يبق إلا نفر يسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لم يجر في الأمر تفسير من بقى ممن مضى في الصحيح، وإنما هي أقوال، منها أنه ما بقي معه إلا العباس وابناه عبد الله وقثم، فناهيك بهذا الاختلاف، وهو أمر قد اشترك فيه الصحابة، وقد عفا الله عنه ورسوله، فلا يحل ذكر ما أسقطه الله ورسوله والمؤمنون، أخرج البخاري129: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله وقال: لعل ذلك يسؤوك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي، فذكر من محاسن عمله، وقال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: لعل ذلك يسؤوك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك. انطلق فاجهد على جهدك. وقد تقدم في حديث: "بني الإسلام على خمس" زيادة فيه للبخاري في علي وعثمان130. وقد أخرج البخاري أيضًا131 من حديث عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من أهل مصر يريد حج البيت، فرأى قومًا جلوسًا، فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر، قال: يا ابن عمر، إني سائلك عن شيء فحدثني عنه، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم، فقال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، قال ابن عمر: تعالَ أبين لك. أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له. وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه" 132. وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو   129 في كتاب فضائل الصحابة: ك 62، ب 9-ج 4، صـ 208 من حديث سعد بن عبيدة. "خ". 130 لعل المؤلف يشير إلى حديث ابن عمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري: ك 65 ب 2 تفسير البقرة الحديث: 30 ج 5، صـ 157. "خ". 131 في كتاب فضائل الصحابة: ك 26، ب 7، ج 4، صـ 203-204. "خ". 132 وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببشرى النصر في بدر مع زيد بن حارثة إلى عثمان في المدينة. قال أسامة بن زيد -فيما رواه الطبري: 286: 2: "فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 لو لم يكن لعثمان من الشرف إلا بيعة الرضوان لكفاه كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعث مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان133، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة134، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده اليمنى: "هذه يد عثمان"، فضرب بها على يده فقال: "هذه لعثمان" 135. ثم   = صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلفني عليها مع عثمان"، ثم في ربيع الأول من السنة التالية لغزوة بدر تزوج عثمان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة. "خ". 133 وقبل أن يبعث عثمان دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال عمر: يا رسول الله إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس في مكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، ولكني أدلك على رجل هو أعز مني فيها: عثمان بن عفان. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش. ويوم تدون الدول الإسلامية تاريخ السفارات في الإسلام، سيكون اسم عثمان أول سفراء الإسلام في التاريخ. "خ". 124 لأن عثمان لما أدى رسالته في السفارة التي بعث لها احتبس أيامًا، فلم يعد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الموعد الذي كان يقدر له أن يعود فيه، فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن سفيره قتل، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة إلى بيعة الرضوان، انتصارًا لعثمان، على نية أن يذهب بأصحابه إلى مكة، فيناجز المشركين لما بلغه عن قتلهم عثمان. فبيعة الرضوان كانت رمزًا من رموز الشرف لعثمان، وأي شرف أعظم من اجتماع قوى الإسلام بقيادة الرسول الأعظم للأخذ بثأر هذا الرجل الحبيب إلى المسلمين، والرفيع المنزلة عند سيد الأولين والآخرين. ثم لما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم -في اللحظة الأخيرة التي اجتمع فيها الصحابة لعقد البيعدة- أن عثمان حي، مضى في إتمام البيعة، على سنته صلى الله عليه وآله وسلم في أنه إذا بدا بخير يمضي في إكماله، ولو زال سببه، وحينئذ كان لعثمان الشرف المضاعف بأن يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نابت عن يده في عقد البيعة عنه، فبيعة الرضوان كانت انتصارًا لعثمان، وجميع الصحابة بايعوا بأيدي أنفسهم إلا عثمان فإن أشرف يد في الوجود نابت عن يده في إعطاء بيعته ولو لم يكن لعثمان من الشرف في حياته كلها إلا هذاب لكفاه. "خ". 135 أخرج البخاري نحوه في صحيحه: 291/7. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 مؤاخذتهم عثمان بأنه لم يقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب بالهرمزان قال له ابن عمر: "اذهب بها الآن معك"133. 17- وأما امتناعه عن قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب بالهرمزان، فإن   136 لو أن أمير المؤمنين عثمان كان من حواريي المسيح عليه السلام، وكانت له من سيدنا عيسى بن مريم مثل هذه المنقبة التي كرمه الله بها من نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لعبدته النصارى لأجلها، فالعجب لأمة يكون فيها جهلة يعيبون على عثمان -في زمانه- غيبته عن بيعة الرضوان، ويكون فيهم من يستشعر الشجاعة في نفسه عند الإقدام على سفك دم هذا الخليفة الرحيم لأمور هذا منها، ثم يحمل مثل هذا الجهل في دماغه رجل جاء يعبد الله بأداء فريضة الحج، فيواجه به جماعة الصحابة من قريش ورئيسهم عبد الله بن عمر، ثم تمس الحاجة إلى التعرض لبيان هذه الحقائق في عصر القاضي أبي بكر بن العربي، ثم يشعر أمثالنا في عصرنا بأن عثمان لا يزال من بعض أمته في موقف يحتاج فيه إلى إنصافه* ودفع قالة السوء عنه. حقا إننا أمة مسكينة ... ولأمر ما بلغ بنا الحال بين الأمم إلى ما كنا فيه، وإلى ما لا نزال غارقين فيه {لَاْ يُغَيِّرُ اللهُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىْ يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . " خ".   * ونقول بهذه المناسبة: إن عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه ينبغي أن يسمى العصر الذهبي للإسلام على الرغم من تشويهه من قبل الحساد والمفترين والمضللين، رحمه الله تعالى وأجزل ثوابه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين بما هو أهله، أجر ما جاهد وأنفق من قبل الفتح، ومن بعد الفتح، وحتى في زمن خلافته. لقد تمت في عهد هذا الخليفة العظيم أمور تنظيمية، وكان من أجَلِّها جمعه الناس على مصحف واحد. وزاد في عطاء الناس مئة مئة كما رأينا بل روي ما يدل على ما كان من كثرة الخير في زمنه، والتوسع في العطاء وتنويعه حيث رُوي عن الحسن البصري من علماء التابعين، قال: "شهدت منادي عثمان ينادي: أيها الناس اغدوا على أعطياتكم فيغدون، ويأخذونها وافية، ثم ينادي: أيها الناس اغدوا على أرزاقكم، فيغدون ويأخذونها وافية، حتى والله سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسوتكم، فيأخذون الحلل، واغدوا على السمن والعسل: أرزاق دارة، وخير كثير وذات بين حسن. ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنًا، إلا يرده وينصره ويألفه. فلو صبر الأنصار على الأثرة، لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق ... " واستمرت حركة الفتح في مختلف الميادين في زمنه، فتم في عهده فتح شمال أفريقية، وفتح الإسكندرية مرة ثانية بعدما كرَّ الروم عليها، وغزا بلاد النوبة، وأخذ الجزية من أهلها على يد قائده عبد الله بن سرح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ذلك باطل137. [وإن] كان لم يفعل فالصحابة متوافرون، والأمر في   137 بشهادة ابنه القماذبان، روى الطبري: "34:5-44 مصر، و2801:1 طبعة أوربا" عن سيف بن عمر بسنده إلى أبي منصور قال: سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه ... قال: "فلما ولي عثمان دعاني، فأمكنني منه "أي من عبيد الله بن عمر بن الخطاب"، ثم قال: يا بني هذا قاتل أبيك، وأنت أولى به منا، فاذهب فاقتله". فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي، إلا أنهم يطلبون إلي فيه، فقلت لهم: إلى قتله؟ قالوا: نعم. وسبوا عبيد الله. فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا. وسبوه. فتركته لله ولهم. فاحتملوني، فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال وأكفهم". هذا كلام ابن الهرمزان، وإن كل منصف يعتقد، "ولعل ابن الهرمزان أيضًا كان يعتقد" أن دم أمير المؤمنين عمر في عنق الهرمزان، وأن أبا لؤلؤة لم يكن إلا آلة في يد هذا الفارسي، وأن موقف عثمان وإخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الحادث لا نظير له في تاريخ العدالة الإنسانية."خ".   = وفي خلافة عثمان أنشيء أول أسطول إسلامي، وأول من فكر في ذلك معاوية بن أبي سفيان، وكان واليًا على الشام، استعان بهذا الأسطول على غزو قبرص، وأخذ الجزية من أهلها. ولقد اقتدى عبد الله بن سعد والي مصر بمعاوية، فأنشأ هو الآخر أسطول لحماية سواحل مصر وشمال إفريقية. وارتاع الروم من تقدم العرب البحري فسيروا أسطولًا عظيمًا بلغ عدد مراكبه 600 لعلهم يقضون به على القوة البحرية الإسلامية الناشئة التي أذهلتهم. وكان ذلك بقيادة الملك قسطنطين نفسه على ما رواه الطبري. وقد قابلت أساطيل المسلمين هذه الحملة البحرية بحماسة وشجاعة واشتبكت معها في معركة "ذات الصواري" تم النصر فيها للمسلمين بعدما غطت القتلى من الطرفين سطح البحر، واحمرت مياهه بدمائهم. وفي عهد الخليفة عثمان تم فتح أرمنية وأذربيجان كما تم فتح بقية بلاد فارس. وقد عم الرخاء في عهد عثمان بسبب هذه الفتوحات، وكثر المال والرقيق بصورة لم يعرف لها مثيل من قبل. وقد رثى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه كثير من الشعراء نذكر منهم ليلى الأخيلية في بعض أبيات لها قالت: أبعد عثمان ترجو الخير أمته ... قد كان أفضل من يمشي على ساقِ خليفة الله أعطاهم وخولهم ... ما كن من ذهب حلو وأوراق."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 أوله138. وقد قيل: إن الهرمزان سعى في قتل عمر، وحمل الخنجر وظهر تحت ثيابه139. وكان قتل عبيد الله له، وعثمان لم يَلِ بعد. ولعل عثمان كان لا يرى على عبيد الله حقًّا، لما ثبت عنده من حال الهرمزان وفعله140.   138 وقد تصرف عثمان في هذا الأمر بعد أن ذاكر الصحابة فيه، قال الطبري: 41:5 جلس عثمان في جانب المسجد، ودعا عبيد الله، وكان محبوسًا في دار سعد بن أبي وقاص، وهو الذي نزع السيف من يده.. فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله. فقال بعض المهاجرين: قتل عمر أمس، ويقتل ابنه اليوم؟ فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إن الله أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان، إنما كان هذا الحدث ولا سلطان لك. قال عثمان: أنا وليهم، وقد جعلتها دية، واحتملتها في مالي."خ". 139 في تاريخ الطبري: 42:5 حديث سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال غداة طعن عمر: "مررت على أبي لؤلؤة عشى أمس، ومعه جفينة "وكان نصرانيًّا من أهل الحيرة ظئرًا لسعد ابن أبي وقاص" والهرمزان، وهم نهجى، فلما رهقتهم ثاروا، وسقط منهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فانظ، فرجع إليهم التميمي وقد كان ألفظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه. وجاء بالخنجر الذي وصف عبد الرحمن بن أبي بكر. فسمع بذلك عبيد الله بن عمر. فأمسك حتى مات عمر، ثم اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله."خ". 140 وكذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس رأى جواز قتل علوج الفرس الذين في المدينة بلا استثناء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 200:3: وقد قال عبد الله بن عباس لما طعن عمر -وقال له عمر: كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة- فقال "أي ابن عباس": إن شئت أن نقتلهم، فقال عمر: "كذبت" أفبعد أن تكلموا بلسانكم، وصلوا إلى قبلتكم؟. قال ابن تيمية: فهذا ابن عباس -وهو أفقه من عبيد الله بن عمر وأدين وأفضل بكثير- يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقًا الذين كانوا بالمدينة، لما اتهموه بالفساد، اعتقد جواز مثل هذا ... وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض المحاربين، فيجب قتله لذلك، ولو قدر أن المقتول معصوم الدم يحرم قتله، لكن القاتل متأولًا ويعتقد حل قتله لشبهة ظاهرة، صار ذلك شبهة تدرأ على القاتل "يعني عن عبيد الله بن عمر". قلت: وإلى هذا ذهب عثمان في اكتفائه بالدية= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 تحقيق علمي عن الكتاب المنسوب لعثمان وأيضًا فإن أحدًا لم يقم بطلبه، [فكيف] يصح مع هذه الاحتمالات كلها أن ينظر في أمر لم يصح؟. 18- وأما تعلقهم بأن الكتاب وجد مع غلامه -ولم يقل أحد قط أنه كان غلامه141- إلى عبد الله بن أبي سرح يأمره بقتل حامليه142   = واحتملها من ماله الخاص*. ولو أن حادث مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -بجميع ظروفه- وقع مثله في أي بلد آخر مهما بلغ في ذروة الحضارة لما كان منهم مثل الذي كان من الصحابة في تسامحهم إلى حد المطالبة حتى بقتل ابن أمير المؤمنين المقتول بيد الغدر والنذالة والبغي الذميم. "خ". 141 وإنما قالوا أنه غلام الصدقة، أي أحد رعاة إبل الصدقة. وإبل الصدقة ألوف كثيرة لها مئات من الرعاة، وإن صح أنه من رعاة إبل الصدقة فهؤلاء لكثرتهم وتبدلهم دائمًا بغيرهم لا يكاد يعرفهم رؤسائهم فضلًا عن أن يعرفهم أمير المؤمنين وكبار عماله وأعوانه. ومع افتراض أنه من رعاة إبل الصدقة فما أيسر أن يستأجره هؤلاء البغاة لغرض من أغراضهم، وقد ثبت أن الأشتر وحكيم بن جبلة تخلفا في المدينة عند رحيل الثوار عنها مقتنعين بأجوبة عثمان وحججه. وفي مدة تخلف الأشتر وحكيم بن جبلة تم تدبير الكتاب وحامله للتذرع بهما في تجديد الفتنة ورد الثوار، ولم يكن لأحد غير الأشتر وأصحابه مصلحة في تجديد الفتنة. وكم لها من حيل أكثر التواءًا من استئجار راعٍ يرعى في إبل الصدقة. بل لقد ذكروا عن محمد بن أبي حذيفة ربيب عثمان الآبق من نعمته أنه كان في نفس ذلك الوقت موجودًا في مصر يؤلب الناس على أمير المؤمنين ويزوِّر الكتب على لسان أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويأخذ الرواحل فيضمرها ويجعل رجالًا على ظهور البيوت في الفسطاط ووجوههم إلى الشمس لتلوح وجوههم تلويح المسافر ثم يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق الحجاز بمصر ثم يرسلوا رسلًا يخبرون عنهم الناس ليستقبلوهم ... فإذا لقوهم قالوا إنهم يحملون كتبًا من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في   * وكما قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان، قتل ابنة أبي لؤلؤة، وقتل أيضًا جفينة النصراني لاتهامه بذلك، فقال أعداء عثمان رضي الله عنه إنه لم يقتص من عبيد الله بسبب ذلك. والجواب أن ابنة أبي لؤلؤة كانت مجوسية، وجفينة كان نصرانيًّا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في البخاري: "لا يقتل مسلم بكافر"، وقد دفع عثمان ديتهما كما دفع دية الهرمزان بعد عفو ابنه عن عبيد الله كما رأينا في غير هذا المكان. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 قول علي أن الخارجين على عثمان حساد طلاب دنيا فقد قال لهم عثمان: إما أن تقيموا شاهدين علي [بذلك] ، وإلا فيميني أني ما كتبت ولا أمرت143. وقد يكنز على لسان الرجل، ويضرب على خطه، وينقش على خاتمه144. فقالوا: [تسلم] لنا مروان، فقال: لا أفعل، ولو سلمه لكان ظالمًا145، وأنما عليهم أن يطلبوا حقهم عنده على مروان وسواه، فما ثبت   = الشكوى من حكم عثمان، وتتلى هذه الكتب في جامع عمرو بالفسطاط على ملأ الناس وهي مكذوبة مزورة وحملتها كانوا في مصر ولم يذهبوا إلى الحجاز، انظر كتاب الأستاذ المحقق الشيخ صادق عرجون عن عثمان بن عفان صـ 132-133. فتزوير الكتب في مأساة البغي على أمير المؤمنين عثمان كان من أسلحة البغاة، استعملوه من كل وجه وفي كل الأحوال. وقد تقدم المثال على ذلك، وسيأتي طرف منه فيما بعد. 142 وكيف يكتب إلى عبد الله بن سعيد بن أبي سرح وقد أذن له بالمجيء إلى المدينة، ويعلم أنه خرج من مصر "الطبري 122: 5" وكان المتسلط على الحكم في الفسطاط محمد بن أبي حذيفة رئيس البغاة وعميدهم في هذه الجهة. ومضمون الكتاب المزور قد اضطرب رواة أخباره في تعيين مضمونه. وسيأتي الكلام على ذلك كله فيما بعد. "خ". 143 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 188: 3: كل ذي علم بحال عثمان يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله، ولا عرف منه قط أنه قتل أحدًا من هذا الضرب. وقد سعوا في قتله "أي في قتل أمير المؤمنين عثمان" ودخل عليه محمد فيمن دخل، وهو لا يأمر بقتالهم دفعًا عن نفسه، فكيف يبتدئ بقتل معصوم الدم. "خ". 144 وقد حدث مثل ذلك في زمن عمر، كما رواه البلاذري في فتوح البلدان: صـ 448 طبع سنة 1350، والحافظ بن حجر في الإصابة: 528: 3 طبع سنة 1328. "خ". 145 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 189: 3: بل عثمان إن كان أمر بقتل محمد بن أبي بكر هو أولى بالطاعة ممن طلب قتل مروان؛ لأن عثمان إمام هدى وخليفة راشد يجب عليه سياسة رعيته، وقتل من لا يدفع شره إلا بقتله، وأما الذين طلبوا قتل مروان فقوم خوارج مفسدون في الأرض، ليس لهم قتل أحد ولا إقامة حد، وليس مروان أولى بالفتنة والشر من محمد ابن أبي بكر، ولا هو "أي ابن أبي بكر" أشهر بالعلم والدين منه "أي من مروان". بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان، وله قول مع أهل الفتيا، واختلف في صحبته. ومحمد بن أبي بكر ليس بهذه المنزلة عند الناس ... ومروان من أقران ابن الزبير ... إلخ. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 كان هو منفذه وآخذه ان كان له اخذه والممكن لمن يأخذه بالحق ومع سابقته وفصيلته ومكانته لم يثبت عليه ما يوجب خلعه فضلا عن قتله وأمثل ما روى في قصته انه بالقضاء السابق تألب عليه قوم لأحفاداعتقدوها ممن طلب امرا فلم يصل اليه وحسد حسادة اظهر داءها وحمله على ذلك قلة دين وضعف يقين وإيثار العاجلة على الآجلة 146 وإذا نظرت اليهم ذلك صريح ذكرهم على دناءة قدرهم وبطلان أمرهم 147 كان الغافقي المصري أمير القوم 148 وكنانة بن بشر التجيبي 150   146 بمثل هذه الأوصاف وصفهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الخطبة التي خطبها على الغرائر في معسكره بالكوفة عندما كان الصحابي الفارس المجاهد القعقاع بن عمرو التميمي يسعى بإتمام المهمة التي جاءت عائشة وطلحة والزبير لإتمامها، فروى الطبري (5: 194) أن عليا ذكر إنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه. وقال على مسمع من قتلة عثمان: «ثم حدث هذا الحادث الذي جره على الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا، حسدوا من أفاء الله عليه على الفضيلة، وأرادوا رد الأشياء على أدبارها» ثم ذكر أنه راحل غدا إلى البصرة ليجتمع بأم المؤمنين وأخويه طلحة والزبير وقال: «ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان - رضي الله عنه - بشيء في شيء من أمور الناس، وليغن السفهاء عني أنفسهم» . 147 أجملنا في هامش ص 58 أوصاف البارزين ممن خرج على عثمان. أول من اكتشف سريرتهم، ونظر إلى وجوههم بنور الله فتشاءم منهم، رجل الإسلام المحدث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صاحب الفراسة التي لا تخطئ. روى الطبري (4: 86) أن عمر لما استعرض الجيوش للجهاد سنة 14 مرت أمامه قبائل السكون اليمنية مع أول كندة يتقدمهم حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج أحد الصحابة الذين فتحوا مصر ثم كان أحد ولاتها، فاعترضهم عمر، فإذا فيهم فتية دلم سباط، فأعرض عنهم ثم أعرض ثم أعرض، حتى قيل له: ما لك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مر بي قوم من العرب أكره إلي منهم. فكان منهم سودان بن حمران وخالد بن ملجم وكلاهما من البغاة على عثمان. 148 هو الغافقي بن حرب العكي من أبناء وجوه القبائل اليمنية التي نزلت مصر عند الفتح. فلما تظاهر ابن سبأ بالتشيع لعلي. ولم يجد مرتفعا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = لفساده في الحجاز ولا في الشام، اكتفى باصطناع بعض الأعوان في البصرة والكوفة، واختار الإقامة في الفسطاط، فكان الغافقي هذا من قنائصه، وقد استمالوه من ناحية تهافته على الرئاسة والجاه. وكان محمد بن أبي حذيفة ابن عتبة الأموي ربيب عثمان الآبق من نعمته هو اليد اليمنى لتنفيذ خطط السبأيين في مصر. والغافقي للتصدر والظهور. وفي شوال سنة 35 أعوا عدتهم للزحف من مصر على المدينة بأربع فرق مجموع رجالها نحو ستمائة، وعلى كل فرقة رئيس ورئيسهم العام الغافقي هذا، وتظاهروا بأنهم يقصدون الحج، وفي المدينة تطورت حركاتهم حتى استفحل الأمر، ومنعوا عثمان من الصلاة بالناس في المسجد النبوي، فصار الغافقي هو الذي يصلي بالناس "الطبري: 107: 5" ثم لما أقنعهم الشيطان بالجرأة على الجناية الكبرى كان الغافقي أحد المجترئين عليه وضربه بحديدة معه، وضرب* المصحف برجله، فاستدار "الطبري: 130: 5" وبعد قتل عثمان بقيت المدينة خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب "الطبري: 155: 5". "خ". 150 وهذا أيضًا كان من قنائص ابن سبأ في مصر. ولما أرسل عثمان عمارا** إلى مصر؛ ليكتشف له أمر الإشاعات وحقيقة الحال، استماله السبأبون, وكان كنانة بن بشر هذا واحدًا منهم "الطبري: 99: 5". وعندما جمعوا أوشاب القبائل للزحف على المدينة بحيلة الحج في شوال سنة 35 انقسموا في مصر إلى أربع فرق على كل فرقة أمير، وكان كنانة بن بشر أميرًا على إحدى هذه الفرق "الطبري: 103: 5" ثم كان في طليعة من اقتحم الدار على عثمان، وبيده شعلة من نار تنضج بالنفط، فدخل من دار عمرو بن حزم، ودخلت الشعل على أثره "الطبري: 123: 5"، ووصل كنانة التجيبي إلى عثمان فأشعره مشقصًا "أي نصلًا طويلًا عريضًا" فانتضح الدم على آية {فَسَيَكْفِيْكَهُمُ الله} [الطبري: 126: 5] وقطع يد نائلة زوجة عثمان، واتكأ بالسيف على صدر عثمان وقتله "الطبري: 131: 5"، قال محمد بن عمر الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني المتوفى سنة 43 قال: الذي قتل أمير المؤمنين عثمان هو كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي "الطبري: 132: 5" وفيه يقول الوليد بن عقبة بن أبي معيط:   * في سند الخبر الغريب الموحش سيف الذي يكتب التاريخ، وهو متهم بالكذب كما جاء في الميزان واللسان. "م". ** قضية استمالة السبئيين لعمار، وصلاة الغافقي بالناس في المدينة في سندهما سيف بن عمر التيمي الجرمي: ضعيف جدًّا واتهم بالوضع والزندقة، كما جاء في التهذيب لابن حجر، وهكذا نرى قسمًا كبيرًا من تاريخنا من وضع الزنادقة، فهل من معتبر؟!. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وسودان بن حمران151، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي125،   = ألا إن خير الخلق بعد ثلاثة ... قتيل التجيبي الذي جاء من مصر وكانت عاقبة كنانة هذا وقوعه قتيلًا في الحرب التي نشبت سنة 38 في مصر بين محمد بن أبي بكر الصديق نائب علي، وبين عمرو بن العاص ومن معه من جيش معاوية ابن حديج السكوني "الطبري 58:6-59، 60". "خ". 151 السكوني، من قبائل مراد اليمنية النازلة في مصر. وقد تقدم أنه كان في سنة 14- أحد الذين قدموا في خلافة عمر للجهاد مع جيوش اليمن بقيادة حصين بن نمير ومعاوية بن حديج، فلما استعرضهم أمير المؤمنين وقع نظره على سودان بن حمران هذا وعلى زميله خالد بن ملجم فتشاءم منهما وكرههما. ولما أرسل أمير المؤمنين عثمان عمارًا إلى مصر؛ ليكتشف له مصدر الإشاعات الكاذبة وحقيقة الحال التف السبأيون بعمار وكان سودان بن حمران منهم "الطبري: 99:5". ولما سير السبأيون متطوعة الفتنة من أوشاب القبائل اليمنية التي في مصر في شوال سنة 35 نحو المدينة وجعلوهم أربع فرق كان سودان قئد إحدى هذه الفرق "الطبري: 103:5"، ولما وصل متطوعة الفتنة إلى المدينة، وخرج لهم محمد بن مسلمة ليعظم لهم حق عثمان وما في رقابهم من البيعة له رآهم ينقادون لأربعة هذا واحد منهم "الطبري 118:5". وفي 131:5 من تاريخ الطبري وصف تَسَوُّر سودان ومعه آخرون من دار عمرو بن حزم إلى دار عثمان، وفي 130:5 بعض تفاصيل ما وقع من سودان عند ارتكابهم الجناية العظمى. ولما انتهوا من قتل أمير المؤمنين خرج سودان من الدار وهو ينادي: قد قتلنا عثمان بن عفان "الطبري 123:5"."خ". 152 كان أبوه رجلًا مسنًّا من مسلمة الفتح. وورد ذكر عبد الله بن بديل في الفتنة العظمة على أمير المؤمنين عثمان، فذكر الطبري 124:5-125 أن المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف بن زهرة خرج هو وعبد الله بن الزبير ومروان وغيرهم يدافعون عن أمير المؤمنين على باب الدار، فحمل عبد الله بن بديل على الأخنس بن شريق وقتله. ونقل الحافظ ابن حجر في الإصابة 280:2 عن ابن الكلبي أن عبد الله بن بديل وأخاه عبد الرحمن شهدا صفين مع علي وقتلا بها، والظاهر أن أخاه قتل قبله، فقد نقل ابن حجر في الإصابة 281:2 عن ابن إسحاق في كتاب الفردوس أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب لما قدم الكوفة -أي مع جيش أهل الشام- لقى عبد الله بن بديل، فنصح له ابن بديل بأن لا يهرق دمه في هذه الفتنة، فاعتذر عبيد الله بن عمر بأنه يطلب بدم أمير المؤمنين عثمان الذي قتل ظلمًا، واعتذر ابن بديل بأنه يطلب بدم أخيه الذي قتل ظلمًا. وكيف يكون أخوه قتل ظلمًا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وحكيم بن جبلة من أهل البصرة153، ومالك بن الحارث الأشتر154 في طائفة هؤلاء رؤوسهم، فناهيك بغيرهم.   = وقد قتل في فتنة تطوع للمساهمة فيها مختارًا، بينما عثمان وهو أمير المؤمنين الذي له حق الولاية عليه من ابن بديل وأمثاله ومن هم أقل منه شأنًا، ومع ذلك لم يقاتل أحدًا، ولم يدافع عن نفسه، ونهى الناس عن أن يدافعوا عنه أوباشًا قدموا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مختلف البلاد ليرتكبوا الشر والإثم. وأين عثمان الذي ملأت حسناته الأرض وتعطرت بأريجها السماء، من عبد الرحمن بن بديل الذي لا يكاد يعرف له التاريخ عملًا."خ". 153 حكيم بن جبلة العبدي من قبائل عبد القيس، أصلهم من عمان وسواحل الخليج الفارسي*، وتوطن بالبصرة بعد تمصيرها، وكان حكيم هذا شابًّا شجاعًا، وكانت الجيوش الإسلامية التي تزحف نحو الشرق لنشر الدعوة والفتوح تصدر عن البصرة والكوفة، فكان حكيم بن جبلة يرافق هذه الجيوش. ويجازف في بعض حملات الخطر، كما تفعل كتائب "الكوماندوز" في هذا العصر. وقد استعملته جيوش أمير المؤمنين عثمان في إحدى هذه المهمات عند محاولتها استشكاف الهند، كما نوهت بذلك في مقالة "طلائع الإسلام في الهند"، ويؤكد شيوخ سيف بن عمر التميمي "وهو أعرف المؤرخين بتاريخ العراق" على ما نقله عنه الطبري 90:5 أن حكيم بن جبلة كان إذا قفلت الجيوش خنس عنهم، فسعى في أرض فارس، فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الأرض ويصيب ما شاء ثم يرجع، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان، فكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر أن أحبسه ومن كان مثله فلا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشدًا، فحبسه "أي منعه من مبارحة البصرة". فلما قدم عبد الله بن سبأ البصرة نزل على حكيم بن جبلة، واجتمع إليه نفر، فنفث فيهم سمومه، فأخرج ابن عامر عبد الله بن سبأ من البصرة، فأتى الكوفة فأخرج منها، ومن هناك رحل ابن سبأ إلى الفسطاط ولبث فيه وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، ويختلف الرجال بينهم، وذكر الطبري 104:5 أن السبئية لما قرروا الزحف من الأمصار على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان عدد من خرج منهم من البصرة كعدد من خرج من مصر، وهم مقسمون كذلك إلى أربع فرق، والأمير على إحدى هذه الفرق حكيم بن جبلة، ونزلوا في المدينة في مكان يسمى ذا خشب. ولما حصبوا أمير المؤمين عثمان، وهو يخطب على المنبر النبوي كان حكيم بن جبلة واحدا منهم "الطبري: 106:5" ولما رحل الثوار عن المدينة في المرة الأولى بعد مناقشتهم لعثمان =   * بل الخليج العربي. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 تسيير عثمان مثيري الفتنة إلى معاوية بالشام وقد كانوا أثاروا فتنة، فأخرجهم عثمان بالاجتهاد، وصاروا في جماعتهم.   وسماعهم دفاعه واقتناعهم، تخلف في المدينة الأشتر وحكيم بن جبلة "الطبري 120: 5" وفي ذلك شبهة قوية بأن لهما دخلًا في افتعال الكتاب المزور على أمير المؤمنين، ولما جاءت عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة، وأوشكوا أن يتفاهموا مع أمير المؤمنين علي على رد الأمور إلى نصابها كان حكيم بن جبلة هو الذي أنشب القتال؛ لئلا يتم التفاهم والاتفاق "الطبري 176: 5، وما بعدها" وارتكب دناءة قتل امرأة من قومه سمعته يشتم أم المؤمنين عائشة فقالت له: يا ابن الخبيثة أنت أولى بذلك، فطعنها فقتلها "الطبري 179: 5" وحينئذ تخلى قومه عن نصرته إلا الأغمار منهم، وما زال يقاتل حتى قطعت رجله، ثم قُتِل وقتل معه كل من كان في الواقعة من البغاة على عثمان، ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة: ألا من كان فيكم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة، فليأتنا بهم" فجيء بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا، فما أفلت منهم إلا حرقوص بن زهير السعدي من بني تميم "الطبري 180: 5". روى عامر بن حفص عن أشياخه قال: ضرب عنق حكيم بن جبلة رجل من الحدان، يقال له ضخيم، فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في قفاه "الطبري 182: 5". "خ". 154 من النخع، وهي قبيلة يمنية من قبائل مذحج. بطل شجاع من أبطال العرب، كان أول مشاهده الحربية في اليرموك، وفيها فقد إحدى عينيه. ثم شاء أن يكون سيفه مسلولًا على إخوانه المسلمين في مواقف الفتنة. ولو أنه لم يكن ممن ألب على أمير المؤمنين عثمان، وكتب الله أن تكون وقائعه الحربية في نشر دعوة الإسلام وتوسيع الفتوح، لكان له في التاريخ شأن آخر. والذي دفعه في هذا الطريق غُلُوُّه في الدين وحبه للرئاسة والجاه، ولست أدري كيف اجتمعتا فيه. والأشتر أحد الذين اتخذوا الكوفة دار إقامة لهم، فلما كانت إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة كان الأشتر يشعر في نفسه بأنه أهل للولاية والرئاسة. فأنزلق مع العائبين على الدولة ورجالها من الخليفة الأعلى في المدينة إلى عامله على الكوفة الوليد بن عقبة. ولما سرق أبو زينب وأبو مورع خاتم الوليد من منزله وذهبا به إلى المدينة، فشهدا على الوليد بشرب الخمر كما تقدم في صـ 76 أسرع الأشتر وآخرون معه بالذهاب إلى المدينة لتوسيع دائرة الفتنة، حتى إذا عزل عثمان الوليد سعيد بن العاص عاد الأشتر مع سعيد إلى الكوفة "الطبري 63: 5". وكان عثمان قد سن نظام مبادلة الأراضي، فمن كانت له أرض من الفيء في مكان بعيد عنه يبادل عليها بأرض قريبة منه بالتراضي بين المتبادلين. وبهذه الطريقة تخلى طلحة بن عبيد الله عن أسهمه في خيبر واشترى بها من فيء أهل المدينة بالعراق أرضًا يقال لها النشاستج "الطبري 64: 5". وبينما كان سعيد بن العاص في دار الإمارة بالكوفة والناس عنده أثنى رجل على طلحة بن عبيد الله بالجود، فقال سعيد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = بن العاص: لو كان لي مثل أرض النشاستج لأعاشكم الله عيشًا رغدًا. فقال له عبد الرحمن بن خنيس الأسدي: وددت لو كان هذا الملطاط لك. والملطات أرض على جانب الفرات كانت لآل كسرى. فغضب الأشتر وأصحابه وقالوا للأسدي: تتمنى له سودانا! فقال والده: ويتمنى لكم أضعافه. فثار الأشتر وصحبه على الأسدي وأبيه وضربوهما في مجلس الإمارة حتى غشى عليهما. وسمعت بذلك بنو أسد فجاءوا وأحاطوا بالقصر ليدافعوا عن رجليهما، فتلافى سعيد بن العاص هذه الفتنة بحكمته، ورد بني أسد عن الأشتر وجماعته، وكتب أشراف الكوفة وصلحاؤها إلى عثمان في إخراج هؤلاء المشاغبين من بلدهم، فأرسلهم إلى معاوية في الشام "الطبري 85: 5-86" ثم أخرجهم معاوية فنزلوا جزيرة ابن عمر تحت حكم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد إلى أن تظاهروا بالتوبة، فذهب الأشتر إلى المدينة ليرفع إلى عثمان توبتهم، فرضي عنه عثمان، وأباح له الذهاب حيث شاء، فاختار العودة إلى زملائه الذين عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في الجزيرة "الطبري 87: 5-88". وفي الوقت الذي كان فيه الأشتر يعرض على عثمان توبته وتوبة زملائه، وذلك في سنة 34 كان السبأيون في مصر يكاتبون أشياعهم في الكوفة والبصرة بأن يثوروا على أمرائهم، واتعدوا يومًا، فلم يستقم ذلك إلا لجماعة الكوفة، فثار بهم يزيد بن قيس الأرحبي "الطبري 101: 5". ولما وصل الأشتر من المدينة إلى إخوانه الذين عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وجد بين أيديهم كتابًا من يزيد بن قيس الأرحبي يقول لهم فيه: لا تضغوا كتابي من أيديكم حتى تجيئوا. فتشاءموا من هذه الدعوة وآثروا البقاء، وخالفهم الأشتر، فرجع عاصيًا بعد توبته، والتحق بثوار الكوفة، وقد نزلوا في الجرعة "مكان مشرف على القادسية"، وهناك تلقوا سعيد بن العاص أمير الكوفة وهو عائد من المدينة فردوه، ولقي الأشتر مولى لسعيد بن العاص فضرب الأشتر عنقه. وبلغ عثمان أنهم يريدون إقالة سعيد بأبي موسى الأشعري، فأجابهم ألى ما طلبوا "الطبري 93: 5-94". ولما فشل موعد سنة 34 واقتصرت الفتنة على ما كان في الجرعة، اتعد السبأيون للسنة التي بعدها سنة 35، ورتبوا أمرهم على التوجه إلى المدينة مع الحجاج كالحجاج، وكان الأشتر مع خوارج الكوفة رئيسًا على فرقة من فرقهم الأربع "الطبري 104: 5" وبعد وصولهم إلى المدينة ناقشتهم أمير المؤمنين عثمان، وبيَّن لهم حجته في كل ما كانوا يظنونه فيه، فاقتنع جمهورهم بذلك، وحملوا رؤساء الفتنة على الرضا بأجوبة عثمان، وارتحلوا من المدينة للمرة الأولى. إلا أن الأشتر وحكيم بن جبلة اختلفا في المدينة ولم يرتحلا معهم "الطبري 120: 5". ولما وصل المصريون إلى مكان يسمى البويب اعترضهم راكب مثل لهم دور حامل الكتاب المزعوم، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 عند معاوية155، فذكرهم بالله وبالتقوى لفساد الحال وهتك حرمة الأمة156، حتى قال له زيد بن صوحان [يومًا]- فيما يروى157-:   = وسيأتي الحديث عن ذلك فيما بعد، ونقل الطبري 194:5 أن الأشتر كان في مؤتمر السبئيين الذي عقدوه قبيل ارتحال علي من الكوفة إلى البصرة للتفاهم مع طلحة والزبير وعائشة. فقرر السبئيون في مؤتمرهم هذا أن ينشبوا الحرب بين الفريقين قبل أن يصطلحا عليهم. وفي وقعة الجمل اصطرع عبد الله بن الزبير والأشتر واختلفا ضربتين وقال عبد الله بن الزبير كلمته المشهورة: "اقتلوني ومالكًا" فأفلت منه مالك الأشتر، روى الطبري 217:5 عن الشعبي أن الناس كانوا لا يعرفون الأشتر باسم مالك، ولو قال ابن الزبير "اقتلوني والأشتر"، وكانت للأشتر ألف ألف نفس ما نجا منها شيء، ومازال يضطرب في يدي ابن الزبير حتى أفلت، وروى الطبري 194:5 أن عليًّا لما فرغ من البيعة بعد وقعة الجمل واستعمل عبد الله بن عباس على البصرة بلغ الأشتر الخبر باستعمال علي ابن عباس فغضب وقال: على ما قتلنا الشيخ إذن؟ اليمن لعبيد الله، والحجاز لقثم، والبصرة لعبد الله، والكوفة لعلي! ثم دعا بدابته فركب راجعًا. وبلغ ذلك عليًّا فنادى: الرحيل ثم أجد السير فلحق به فلم يُرِهِ أنه بلغه عنه وقال: "ما هذا السير؟ سبقتنا" وخشي إن ترك والخروج أن يوقع في نفس الناس شرًّا، ثم اشترك الأشتر في حرب صفين. وولاه علي إمارة مصر بعد صرف قيس بن سعد بن عبادة عنها. فلما وصل القلزم "السويس" شرب شربة عسل فمات، فقيل إنها كانت مسمومة، وكان ذلك سنة 38 "الإصابة 482:3"."خ". 155 أثاروا الفتنة يوم ضربوا عبد الرحمن بن خنيس الأسدي وأباه وهم في دار الإمارة بالكوفة، فكتب أشراف الكوفة وصلحاؤها إلى عثمان بإخراجهم إلى بلد آخر، فسيرهم إلى معاوية في الشام. والذين سُيِّروا إلى معاوية هم: الأشتر النخعي، وابن الكواء اليشكري، وصعصعة بن صوحان العبدي، وأخوه زيد، وكميل بن زياد النخعي، وجندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الأزدي، وثابت بن قيس بن منقع، وعروة بن الجعد البارقي، وعمرو بن الحمق الخزاعي."خ". 156 نص كلام معاوية كما رواه الطبري: 86:5: "إنكم قوم من العرب، لكم أسنان وألسنة، وقد أدركتم بالإسلام شرفًا، وغلبتم الأمم، وحويتم مراتبهم ومواريثهم، وقد بلغني أنكم نقمتم قريشًا، وإن قريشًا لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم. إن أئمتكم اليوم جنة، فلا تسدوا عن جئتكم، وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم المؤونة، لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم ثم لا يحمدكم على الصبر، ثم تكونوا شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم"."خ". 157 بل القائل أخوه صعصعة."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قولهم لمعاوية كم تكثر علينا بالأمرة وبقريش "كم تكثر علينا [من الأمرة] وبقريش، فما زالت العرب تأكل من قوائم سيوفها وقريش تجاهد158" فقال له معاوية: "لا أم لك، أذكرك بالإسلام وتذكرني بالجاهلية، قبح الله من كثر على أمير المؤمنين بكم، فما أنتم ممن ينفع أو يضر. أخرجوا عني"159. وأخبره ابن الكوا بأهل الفتنة160 في كل بلد ومؤامراتهم164.   158 وقال أيضًا لمعاوية: "وأما ما ذكرت من الجنة، فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا" أي إذا قتلنا ولاتنا صارت الولاية إلينا. ولو أن هذه الكلمة قالها ثائر وهو من قبضة حاكمه -منذ بدأت الحكومات إلى أن تقوم الساعة- ما وجد من حاكمه حلمًا وسعة صدر كالذي وجده صعصعة من معاوية مع قدرته عليه. "خ". 159 وجواب معاوية على كلام صعصعة في وصف قريش ومكانتها طويل ونفيس، وقد أورده الطبري 86: 5. "خ". 160 قد يقول قائل: فلا يدل ما وقع من الحوادث في مأساة استشهاد الخليفة عثمان على غفلته في عدم علمه فيما يجري في الخفاء من تآمر المتآمرين. في الحقيقة أن هذا الخليفة لم يكن على الرغم من اشتغاله بالفتوحات الواسعة التي تمت في عهده، غافلًا عن المؤامرات التي كانت تحاك ضده من أجل الكيد للإسلام، بل كان على مستوى الأحداث بعيدًا عن تهمة الضعف التي تتردد على ألسنة خصومه. قال الأستاذ المؤرخ محمد عزة دروزة: وقد نشط ابن سوداء "أي عبد الله بن سبأ" وجماعاته في بث الدعاية ضد عثمان وأمرائه حتى أوسعوا الأرض إذاعة كما جاء في رواية الطبري. وكانوا يكتبون كتبًا في الغيب فيهم ويرسلونها للناس في الأمصار. وبلغ ذلك أهل المدينة فجاءوا إلى عثمان يسألونه هل أتاه من الأمصار مثل ما أتاهم. فقال لهم: والله ماجاءني إلا السلامة، فأخبروه. فقال لهم: أنتم شركائي وشهود المؤمنين، فأشيروا علي، فأشاروا عليه إرسال أشخاص ممن يثق فيهم للأمصار، ليقولوا لأهلها إنهم لم ينكروا شيئًا من عثمان، لا أعلامهم ولا عوامهم ... وأن الأمراء يقسطون بين الناس "الطبري ج3 صـ 379". ثم كتب إلى أهل الأمصار كتابًا عامًّا يذكر فيه ما بلغه من الإذاعات والطعن على الأمراء، ويقول: إنه تولى أمر المؤمنين ليقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنه ولى عماله على ذلك، وأنه مستعد لسماع كل شكوى منه ومن عماله وإنصاف صاحبها، وإعطاء كل ذي حق حقه، ويدعو من له شكوى إلى موافاته في الموسم "380-381" الطبري نقلًا عن تاريخ الجنس العربي: 231/7 ثم استدعى ولاة الأمصار واستطلعهم الأمر: وقال: إني أخشى أن= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فكتب إلى عثمان يخبره بذلك، فأرسل إليه بأشخاصهم إليه، فأخرجهم   = يكون مصدقًا عليكم، فأكدوا له أنهم سالكون طريق الحق والمصلحة، وإن ما بلغه دسائس ووساوس تبث سرًّا، واقترح بعضهم تعقب المذيعين، وقتلهم، فأمرهم بالانتباه والرفق والتسامح فيما لا يكون فيه ضياع حقوق الأمة، ومن الولاة معاوية بن أبي سفيان "عن الجنس العربي: 232/7" وقد نقله عن الطبري، وذكر المؤرخون أن عثمان جمع بعض خاصته، فشاورهم في أمر الناس، سمع منهم ثم قال لهم: لقد سمعت كل ما أشرتم به، ولكل أمر باب يؤتى منه. إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن. وإن بابه الذي يغلق عليه ليفتحن، فنكفكفه باللين والمواتاة إلا في حدود الله، فإن فتح فلا يكونن لأحد علي حجة، وقد علم الله أن لم آل الناس خيرًا، وإن رحى الفتنة دائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. سكِّتُوا الناس وهبوا لهم حقوقهم، فإذا تعوطيت حقوق الله فلا توهنوا، "الخليفة المفترى عليه: صـ 64 للأستاذ محمد صادق عرجون". ومن أروع الأدلة على قوة عثمان ورباطة جأشه موقفه حين اشتد عليه هجوم الثوار وأصحاب الفتنة، يقتحمون عليه داره ليقتلوه، وكبار الصحابة الصناديد مع أبنائهم يرجونه للدفاع عنه، كما فصلنا القول في غير هذا المكان، "فيعزم على كل من رأى أن له عليه سمعًا وطاعة أن يكف يده ويلقى سلاحه" حرصًا على دماء المسلمين، ولو بتعريض حياته للهلاك والقتل. ليت شعري أي شجاعة نفسية، وأي صبر يطلبه الناس وراء هذا؟ إذا كانت الشجاعة هي ضبط النفس عند النوازل في غير قلق، والصبر على المكاره من غير جزع، ومصابرة الحوادث من غير سأم، والثبات لجسام الأحداث بلا تزعزع، فلم تنجب الأمهات مثل عثمان في شجاعته ورباطة جأشه، وقوة يقينه، وثباته على رأيه فإن أحدًا من الناس في مثل حال عثمان وشأنه، لم يلقَ ما لقي عثمان، ولا شيئًا منه، ولم يصبر أحد على ما لقي من البلاء والمحنة مثل ما صبر عثمان. وكيف بصبر ينتهي بصاحبه -على علم منه وبصيرة- إلى الموت قتلًا، وكان له لو كان جزوعًا وأراد إلا يصبر عن يقين ورضًا، مخارج ينفذ منها، ويعيش في خفض من العيش، ولكن عثمان رضي الله عنه لم يكن ضعيفًا ولا مستضعفًا -كما يزعم القاصرون والمقصرون- بل كان قويَّ الإيمان، عظيم اليقين، كبير النفس، عبقري الشجاعة، نبيل الصبر، نفاذ البصيرة، فَفَدَى الأمة، ووضع لها بذلك أعظم قواعد النظام في تكوينها الاجتماعي "الخليفة المفترى عليه، للأستاذ عرجون صـ 65"."م". 161 قال ابن الكواء فيما نقله الحافظ ابن عساكر في ترجمته من تاريخ دمشق 299:7 وأبو جعفر الطبري في تاريخه 92:5 يصف لمعاوية= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 انتقال مثيري الفتنة إلى منطقة عبد الرحمن بن خالد ومعاملته لهم بالحزم معاوية162، فمروا بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد163، فحبسهم، ووبخهم؛ وقال لهم: "اذكروا [لي] ما كنتم تذكرون لمعاوية"164، وحصرهم، وأمشاهم بين يديه أذلاء حتى تابوا بعد حول165. وكتب إلى عثمان بخبرهم، فكتب إليه أن سرِّحْهم إلي، فلما مثلوا بين يديه جددوا التوبة، وحلفوا على صدقهم، وتبرأوا مما نسب إليهم166   = أهل الأحداث من أهل الأمصار، أما أهل الأحداث من أهل المدينة فهم أحرص الأمة على الشر، وأعجزهم عنه. وأما أهل الأحداث من أهل الكوفة فإنهم أنظر الناس في صغير، وأركبه الكبير، وأما أهل الأحداث من أهل البصرة فإنهم يردون جميعًا ويصدرون شتى. وأما أهل الأحداث من أهل مصر فهم أوفى الناس بشر، وأسرعه ندامة. وأما أهل الأحداث من أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم، وأعصاه لمغويهم. "خ". 162 وكتب فيهم إلى عثمان: "إنه قدم على أقوام ليست لهم عقول ولا أديان. أثقلهم الإسلام، وأضجرهم العدل. لا يريدون الله بشيء، ولا يتكلمون بحجة. إنما همهم الفتنة، وأموال أهل الذمة. والله مبتليهم ومختبرهم، ثم فاضحهم ومخزيهم. وليسوا بالذين ينكون أحدا إلا مع غيرهم. فانْهَ سعيدًا ومن قبله عنهم، فإنهم ليسوا لأكثر من شغب أو نكير". "الطبري: 87: 5". "خ". 163 وكان يلي حمصًا لمعاوية، ويتبعه منطقة الجزيرة حران والرقة. "خ". 164 وذلك بعد قوله لهم: "يا آلة الشيطان، لا مرحبًا بكم ولا أهل. وقد رجع الشيطان محسورًا وأنتم بعد نشاط. خسر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم حتى يحصركم. يا معشر من لا أدري أعرب أم عجم، لكي لا تقولوا لي ما يبلغني أنكم تقولون لمعاوية. أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن من عجمته العاجمات، أن ابن فاقئ الردة. والله لئن بلغني يا صعصعة بن ذل أن أحدًا ممن معي دق أنفك ثم أمصك لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى" "الطبري: 87: 5". "خ". 165 كان كلما ركب أمشاهم، فإذا مر به "صعصعة" قال: أيا ابن الحطيئة، أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر؟ مالك لا تقول كما كان يبلغني أنك تقول لسعيد ومعاوية فيقول ويقولون: نتوب إلى الله، أقلنا أقالك الله "الطبري: 87: 5-88". "خ". 166 الذي قدم إلى أمير المؤمنين عثمان في المدينة هو الأشتر النخعي وحده، وهو الذي ناب عن ابني صوحان وابن الكواء والآخرين في تجديد التوبة التي أعلنوها من قبل لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، غير أن الفتنة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 [فخيرهم] حيث يسيرونه، فاختار كل واحد ما أراد من البلاد: كوفة، وبصرة، ومصر، فأخرجهم، فما استقروا في [جنب] ما ساروا حتى ثاروا وألبوا، حتى انضاف إليهم جمع167. وساروا إليه168: على أهل مصر عبد الرحمن بن عدس البلوي169،   = لم تكن مقتصرة على هؤلاء، بل كانت جرثومتها في يد ابن سبأ الذي اختار الإقامة في الفسطاط، وكان لها جناح في البصرة، وللأشتر وإخوانه بقية في الكوفة. وبينما كان الأشتر يجدد توبته وتوبة إخوانه في المدينة كان أعوان ابن سبأ يكاتبون البصرة والكوفة في موعد يثبون فيه على ولاتهم، فما رجع الأشتر بتوبته إلى إخوانه الذين كانوا عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد تى وجد عندهم كتابًا من أخوانهم في الكوفة يدعونهم للاشتراك فيما اتعدوا له، فلم يبتهج بهذه الدعوة إلى الفتنة والشر إلا الأشتر الذي لم يكن قد نسى توبته بعد، فأسرع إلى الكوفة وانضم إلى الفتنة التي تسمى في التاريخ "يوم الجرعة" وكان ذلك في سنة 34."خ". 167 لما خفق السبأيون في الوثوب على ولاتهم سنة 34 في الموعد الذي وقعت فيه فتنة يوم الجرعة، اتعدوا لفتنة أخرى بمقياس أوسع يقومون بها في العام التالي سنة 35 فيذهب الحجاج للقيام بطاعة الله، ويذهب دعاة الفتنة للمجاهرة بمعصية الله. وقد نظموا أنفسهم في اثنتي عشرة فرقة: أربع فرق من مصر، وأربع من البصرة، وأربع من الكوفة. وفي كل فرقة نحو مائة وخمسين مفتونًا، أي من كل بلد نحو ستمائة رجل."خ". 168 أي إلى أمير المؤمنين عثمان في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم."خ". 169 فارس شاعر، نزل مصر مع جيش الفتح، ولم يعرف له في سيرته شيء انفرد بالامتياز به غير اشتراكه في هذه الفتنة، مع دعواه أنه كان من الذين بايعوا تحت الشجرة. وأظنه لم يكن من الرؤوس المدبرين للفتنة، ولكن مدبريها استغلوا ميله إلى الرئاسة، فاستفادوا من سنه ووجاهته بين فرسان القبائل العربية بمصر، وولوه القيادة على إحدى الفرق الأربع التي خرجت من مصر إلى المدينة، "وقادة الفرق الثلاثة الأخرى: كنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، ورئيسهم الأعلى الغافقي بن حرب العكي"، وكان عبد الرحمن بن عديس في مدة الحصار شديد الوطأة على أمير المؤمنين عثمان وأهل بيته. ثم كانت عاقبته القتل في جبل الجليل بالقرب من حمص، لقيه أحد الأعراب فلما اعترف له بأنه من قتلة عثمان بادر = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مسير فرق الثوار إلى المدينة وعلى أهل البصرة حكيم بن جبلة170، وعلى أهل الكوفة الأشتر مالك بن الحارث النخعي171. فدخلوا المدينة هلال ذي القعدة سنة خمس وثلاثين173. فاستقبلهم عثمان، فقالوا: ادع بالمصحف، فدعا به. فقالوا: افتح [السابعة] 173-يعني يونس- فقالوا: اقرأ. فقرأ حتى انتهى إلى قوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُوْنَ} قالوا له: قف. قالوا له: أرايت ما حميت من الحمى، أذن الله لك أم علي الله افتريت؟ قال: امضه، إنما نزلت في كذا، وقد حمى عمر، وزادت الإبل فزدت. فجعلوا يتبعونه هكذا، وهو ظاهر عليهم، حتى قال لهم: ماذا تريدون؟ فأخذوا ميثاقه، وكتبوا عليه ستًّا أو خمسًا175: أن المنفي [يقلب] 176   = بقتله "معجم البلدان لياقوت الحموي: الجليل". وأخطأ من نسب ابن عديس إلى تجيب، فإنه بلوي من قضاعة، أما تجيب بنت ثوبان المذحجية فلا ينسب إليها إلا بنو ولديها سعد وعدي ابني أشرس بن شبيب بن السكون من كندة، وأين كندة من قضاعة. "خ". 170 تقدم التعريف به، وهو أمير إحدى الفرق الأربع البصرية "والثلاثة والآخرون: ذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح "الحطم"، وابن المحرش الحنفي، ورئيسهم الأعلى حرقوص بن زهير السعدي". "خ". 171 تقدم التعريف به، وهو أمير إحدى الفرق الأربع الكوفية "والثلاثة الآخرون: زيد بن صوحان العبدي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، ورئيسهم الأعلى عمرو بن الأصم". "خ". 172 نزلوا خارج المدينة على ثلاث مراحل منها، ثم تقدم ثوار البصرة فنزلوا في ذي خشب، ونزل ثوار الكوفة الأعوص، ونزل عامتهم بذي المروة. "خ". 173 ب، ج، ز: التاسعة. قارن "الطبري ج2 صـ 117" "ويونس" يأتي ترتيبها السابعة في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه. ونسخة "د" تتفق مع ما ورد في الطبري. وكان الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله قد أثبتها التاسعة في أصل الكتاب. "س". 175 أي اشترطوا عليه ستة شروط أو خمسة في المعاني الآتية. "خ". 176 ب، ج، ز: "يعلب". وكتبها الشيخ محب الدين: "يعاد"؛ اجتهادًا منه، ولكنه لم ينبه إلى ذلك، رغم أن الشيخ ابن باديس اقترح نفس اللفظة "بقلب" في الهامش. وشهدت نسخة "د" لاقتراح العلامة ابن باديس. "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل [ذو] الأمانة والقوة، فكتبوا ذلك في كتاب، وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصًا، ولا يفرقوا جماعة، ثم رجعوا راضين177، وقيل: أرسل إليهم عليًّا فاتفقوا على الخمس المذكورة ورجعوا راضين، فبينما هم كذلك178، إذا راكب يتعرض لهم179، ثم يفارقهم مرارًا180. قالوا: مالك؟ قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر181 ففتشوه، فإذا هم بالكتاب على لسان   177 كان الزاحفون من أمصارهم على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فريقين: رؤساء خادعين على درجات متفاوتة، ومرءوسين مخدوعين، وهم الكثرة التي بثت فيها دعايات مغرضة حتى ظنت أن هنالك منفيين مظلومين ومحرومين سلبوا حقهم ... إلخ. وقد رأيت شهادة أصدق شاهدين في العراق حينئذ، وهما الحسن البصري وصنوه ابن سيرين عن وفرة الأعطيات والأرزاق وأنواع الخيرات حتى كان منادي عثمان ينادي بدعوة الناس لها فلا يمنع عنها أحد. ورأيت فيما سبق شهادة الإمام الشعبي عن تعميم الرزق والخير حتى إلى الإماء والعبيد. ولما أصغى عامة الثائرين إلى أجوبة عثمان وعرفوا الحقيقة اقتنعوا ورجعوا، وكان رجوعهم من طريقين مختلفين باختلاف اتجاه أمصارهم، فالمصريون اتجهوا شمالًا لغرب ليسايروا ساحل البحر الأحمر إلى السويس ومصر، والعراقيون من بصريين وكوفيين اتجهوا شمالًا لشرق منجدين ليبلغوا البصرة والكوفة من أرض العراق."خ". 178 أي فبينما العراقيون من بصريين وكوفيين في طريقهم نحو الشرق إلى الشمال، والمصريون في طريقهم نحو الغرب إلى الشمال، وبين الفريقين مراحل بعيدة؛ لأنهما تقدما في السير والمسافة تزداد بعدًا بينهما."خ". 179 أي للمصرين وحدهم."خ". 180 ولا يتعرض لهم، ثم يفارقهم، ويكرر ذلك إلا ليلفت أنظارهم إليه، ويثير شكوكهم فيه. وهذا ما أراده مستأجروا هذا الرجل لتمثيل هذا الدور، ومدبرو هذه المكيدة لتجديد الفتنة بعد أن صرفها الله وأراح المسلمين من شرورها، ولا يعقل أن يكون تدبير هذا الدور التمثيلي صادرًا عن عثمان أو مروان أو أي إنسان يتصل بهما؛ لأنه لا مصلحة لهما في تجديد الفتنة بعد أن صرفها الله، وإنما المصلحة في ذلك للدعاة الأولين إلى إحداث هذا الشغب، ومنهم الأشتر وحكيم بن جبلة اللذان لم يسافرا مع جماعتهما إلى بلديهما، بل تخلفا في المدينة "الطبري 120:5"، ولم يكن لهما أي عمل يتخلفان في المدينة لأجله إلا مثل هذه الخطط والتدابير التي لا يفكران يومئذ في غيرها."خ". 181 وقد صرحوا بأنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح "الطبري: 120:5" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عثمان، عليه خاتمه إلى عامل مصر أن يصلبهم ويقطع أيديهم وأرجلهم182. فأقبلوا حتى قدموا المدينة183، فأتوا عليًّا فقالوا له: ألم تر إلى عدو الله   = ولا يعقل أن يكتب إليه عثمان أو مروان؛ لأنه كان عقب خروج الثوار من مصر متوجهين إلى المدينة كتب إلى عثمان يستأذنه بالقدوم عليه "الطبري: 122:5" وخرج بالفعل من مصر نحو العريش وفلسطين وأيلة "العقبة" وتغلب محمد ابن أبي حذيفة على الحكم في مصر، وهو عدو لله ورسوله، وخارج على خليفة المسلمين. فكيف يكتب عثمان أو مروان إلى عبد الله بن سعد وعندهما كتابه الذي يستأذن به في القدوم إلى المدينة؟."خ". 182 الأخبار التي جاء فيها أن الراكب غلام عثمان، وأن الجمل جمل الصدقة، وأن عثمان اعترف بذلك، كلها أخبار مرسلة لا يعرف قائلها أو مكذوبة أذاعها رواة مطعون في صدقهم وأمانتهم، ومضمون الكتاب اضطربت الروايات فيه، ففي بعض الروايات: "إذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس، فاجلده مائة واحلق له رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري. وعمرو ابن الحمق فافعل به مثل ذلك. وسودان بن حمران مثل ذلك. وعروة ابن التباع الليثي مثل ذلك"، وفي رواية: "إذا أتاك محمد بن أبي بكر الصديق وفلان وفلان فاقتلهم، وأبطل كتابهم، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي"، وفي رواية ثالثة أن مضمون الكتاب أمر عامله بالقتل والقطع والصلب على هؤلاء الثوار، وهذا الاختلاف في مضمون كتاب واحد مما يزيد بالريبة في أمره."خ". 183 وأعجب العجب أن قوافل الثوار العراقيين التي كانت متباعدة في الشرق والغرب عادت معًا إلى المدينة في آن واحد، أي أن قوافل العراقيين التي كانت بعيدة مراحل بعيدة عن قوافل المصريين علمت بالرواية المسرحية في الساعة التي مثلت فيها في البويب فرجعت إلى المدينة وقت رجوع المصريين، ووصلتا إلى المدينة معًا كأنما كانوا على ميعاد. ومعنى هذا أن الذين استأجروا الراكب ليمثل دور حامل الكتاب أمام قوافل المصريين استأجروا راكبًا آخر خرج من المدينة معه قاصدًا قوافل العراقيين ليخبرهم بأن المصريين اكتشفوا كتابًا بعث به عثمان إلى عبد الله بن سعد في مصر بقتل محمد بن أبي بكر، قال الطبري: 105:5. فقال لهم علي: "كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقى أهل مصر، وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمر أبرم بالمدينة" "يشير كرم الله وجهه إلى تخلف الأشتر وحكيم في المدينة، وأنهما هما اللذان دبرا هذه المسرحية". قال الثوار العراقيون: "فضعوه على ما شئتم. لا حاجة لنا إلى هذا الرجل. ليعتزلنا" وهذا تسليم منهم بأن قصة الكتاب مفتعلة، وأن الغرض الأول والأخير هو خلع أمير المؤمنين عثمان وسفك دمه الذي عصمه الله بشريعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 كتب فينا بكذا؟ وقد أحل الله دمه، قالوا له: فقم معنا إليه، قال والله لا أقوم معكم، قالوا له: فلم كتبت184 إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم. فنظر بعضهم إلى بعض185. وخرج علي من المدينة. فانطلقوا إلى عثمان، فقالوا له: كتبت فينا كذا. قال لهم: إما أن تقيموا   184 "د": "كتب" ورواية خليفة بن خياط: "كتبت" "تاريخ خليفة بن خياط: 146/1" والمؤلف هنا اعتمد على خليفة بن خياط في رواية أخبار الفتنة، ووثقه فيها ونوه بإسناده "د. عمار طالبي"."س". 185 الطبري 108:5. وهذا الحوار بين علي والثوار مجمع عليه في كل الروايات، وهو نص قاطع على أن اليد التي زورت الكتاب على عثمان، وبعثت إلى العراقيين تخبرهم بذلك وتطلب منهم أن يعودوا إلى المدينة، وهي اليد التي زورت على علي كتابًا إلى الثوار العراقيين بأن يعودوا. وقد قلنا من قبل أن الثوار فريقان -خادع ومخدوع- فالذين نظر بعضهم إلى بعض عندما حلف علي بأنه لم يكتب إليهم هم الفريق المخدوع، يتعجب كيف لم يكتب علي إليهم وقد جاءهم كتابه، ومن ذا الذي يكون قد كتب الكتاب على لسانه إن لم يكن هو الذي كتبه؟ وسيأتي قريبا أن مسروق بن الأجدع الهمداني "وهو من الأئمة الأعلام المقتدى بهم" عاتب أم المؤمنين عائشة بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان، فأقسمت له بالله الذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون أنها ما كتبت إليهم سوادًا في بياض. قال سليمان بن مهران الأعمش "أحد الأئمة الأعلام الحفاظ": "فكانوا يرون أنه كتب على لسانها"، أيها المسملون في هذا العصر وفي كل عصر، إن الأيدي المجرمة التي زورت الرسائل الكاذبة على لسان عائشة أو علي وطلحة والزبير هي التي رتبت هذا الفساد كله، وهي التي طبخت الفتنة من أولها إلى آخرها، وهي التي زورت الرسالة المزعومة على لسان أمير المؤمنين عثمان إلى عامله في مصر في الوقت الذي كان يعلم فيه أنه لم يكن له عامل في مصر، وقد زورت هذه الرسالة على لسان عثمان بالقلم الذي زورت به رسالة أخرى على لسان علي، كل ذلك ليرتد الثوار إلى المدينة بعد أن اقتنعوا بسلامة موقف خليفتهم، وأن ما كان ولم يكن صهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المبشر منه بالشهادة والجنة هو المجني عليه وحده بهذه المؤامرة السبئية الفاجرة، بل الإسلام نفسه كان مجنيًّا عليه قبل ذلك. والأجيال الإسلامية التي تلقت تاريخها الطاهر الناصع مشوهًا ومحرفًا هي كذلك ممن جنى عليهم ذلك اليهودي الخبيث، والمنقادون له بخطام الأهواء والشهوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وقائع ومحاورات بين عثمان والبغاة عليه اثنين من المسلمين، أو [بينة] * -كما تقدم ذكره- فلم يقبلوا ذلك منه186، ونقضوا عهده187، وحصروه. وقد روي أن عثمان جيء إليه بالأشتر، فقال له: يريد القوم منك إما أن تخلع نفسك، أو تقص منها، أو يقتلوك. فقال: "أما خلعي، فلا أترك أمة محمد بعضها على بعض. وأما القصاص، فصاحباي قبلي لم يقصا من أنفسهما، ولا يحتمل ذلك بدني"188. وروي أن رجلًا قال له: نذرت دمك. قال: [له: خذ جنبي، فشرط فيه بالسيف شرطة أراق منه دمه] 189،، ثم خرج الرجل وركب راحلته وانصرف في الحين190.   186 لأنهم ما جاءوا ليقبلوا حقا أو يرجعوا إلى شرع، وإنما جاءوا ليخلعوه أو يسفكوا دمه. "خ". 187 الذي تقدم أنهم قطعوه على أنفسهم بأن لا يشقوا عصًا، ولا يفرقوا جماعة. "خ". * وفي طبعة الشيخ الخطيب "يميني". "س". 188 هذا الخبر في تاريخ الطبري: 117: 5-118، وفي البداية والنهاية 184: 7، وفي أنساب الأشراف للبلاذري 92: 5. 189 وفي مطبوعة الشيخ الخطيب "خذ جبتي، فشرط فيها شرطة بالسيف أراق منه دمه". "س". 190 هذا الخبر في كتاب التمهيد للإمام أبي بكر الباقلاني صـ 216. وأعجب من ذلك ما رواه الطبري 137: 5-138 أن عمير بن ضابيء البرجمي وكميل بن زياد النخعي خضرا إلى المدينة ليغتالا عثمان تنفيذًا لقرار اتخذوه بالكوفة مع بقية عصابتهم، فلما وصلا إلى المدينة نكل عمير، وترصد كميل للخليفة حتى مر به، فلما التقيا ارتاب منه عثمان، ووجأ وجهه فوقع على استه، فقال لعثمان: أوجعتني يا أمير المؤمنين، قال عثمان: أولست بفاتك؟ قال: لا والله الذي لا إله إلا هو، فاجتمع الناس وقالوا: نفتشه يا أمير المؤمنين. فقال: لا. قد رزق الله العافية، ولا أشتهي أن أطلع منه على غير ما قال. ثم قال لكميل: "إن كان كما قلت فاقتد مني "وجثا"، فوالله ما حسبتك إلا تريدني". وقال: "إن كنت صادقًا فأجزل الله، وإن كنت كاذبًا فأذل الله" وقعد له على قدميه وقال: "دونك" فقال كميل: "تركت" أيها القارئ الكريم، إن هذا الموقف ليس موقف خليفة فضلًا عمن دونه، بل هو موقف المتخلقين بأخلاق الأنبياء، على أن الله يمهل ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فتوى ابن عمر لعثمان بألا يخلع نفسه لئلا تتخذ عادة ولقد دخل عليه ابن عمر، فقال "له عثمان: انظر ما يقول هؤلاء، يقولون: اخلع نفسك أو نقتلك. قال له "ابن عمر": أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا، قال: هل يزيدون على أن يقتلوك؟ قال: لا، قال: هل يملكون لك جنة أو نارًا؟ قال: لا، قال: فلا تخلع قميص الله عنك، فتكون سنة، كلما كره قوم خليفتهم خلعوه أو قتلوه191. وقد أشرف عليهم عثمان، واحتج عليهم بالحديث الصحيح في بنيان المسجد، وحفر بئر رومة، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رجف بهم أحد193. وأقروا له به في أشياء ذكرها193.   يهمل، فقد جاء الحجاج بعد أربعين سنة، فقتل ضائبًا وقتل كميلًا بما أراده في هذا الحادث من الفتك برجل خلق قلبه من رحمة الله، و"إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"*. 191 أورد البلاذري هذا الخبر في أنساب الأشراف: 76: 5 من حديث نافع عن ابن عمر، وقبل أن يفتي ابن عمر لخليفته بذلك ويدعوه إلى هذه التضحية النبيلة، كان عثمان على بينة من ذلك ونور من الله، فقد أخرج ابن ماجه في مقدمة سننه الباب 11 ج 1، صـ 28 من حديث النعمان بن بشير عن أم المؤمنين عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعثمان: "يا عثمان، إن ولاك الله هذا الأمر يومًا فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه ** يقول ذلك ثلاث مرات" وفي مسند الإمام أحمد ج6 الطبعة الأولى: صـ 75، 86، 114، 149 حديث عائشة هذا بألفاظ مختلفة يرويه عنها عروة بن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهما. 192 قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" رواه البخاري. "م". 193 انظر في مسند الإمام أحمد: 59: 1 الطبعة الأولى رقم 420 الطبعة الثانية حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن. وسنن النسائي 124: 2-125 وجامع الترمذي 319: 4-320.   * رواه البخاري ومسلم. "م". ** أورد الترمذي وابن ماجه نحوه حسنه الترمذي وصححه محقق المشكاة. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 إشراف عثمان على الناس واستشهاده إياهم بسوابقه وقد ثبت أن عثمان أشرف عليهم وقال: أفيكم ابنا محدوج؟ أنشدكما الله ألتسما تعلمان أن عمر قال: إن ربيعة فاجر أو غادر، وإني والله لا أجعل فرائضهم وفرائض قوم جاءوا من مسيرة شهر، وإنما مهر أحدهم عند [طبيبه] 194. وإني زدتهم في غزاة واحدة خمسمائة، حتى ألحقتهم بهم؟ قالوا: بلى. قال: أذكركما الله ألستما تعلمان أنكما أتيتماني، فقلتما: إن كندة آكلة رأس، وإن ربيعة هي الرأس، وإن الأشعث بن قيس قد أكلهم. فنزعته واستعملتكما؟ قالا: بلي. قال: اللهم إنهم كفروا معروفي، وبدلوا نعمتي، فلا ترضهم عن إمامهم، ولا ترض إمامًا عنهم. وقد روى عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كنت مع عثمان في الدار، فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعًا وطاعة إلا كف يده وسلاحه195.   194 كذا في طبعة الشيخ الخطيب، لكن في: ب، ج، ز: "طسه" وفي "د": "طنيه" وهو ما نختاره، والطني: الفجور، والتهمة، وفي رواية خليفة بن خياط: 149/1 طنبه: وهو سير يوصل بوتر القوس. س. 195 الذي يدل عليه مجموع الأخبار عن موقف عثمان من أمر الدفاع عن أو الاستسلام للأقدار، هو أنه كان يكره الفتنة، ويتقي الله في دماء المسلمين. إلا أنه صار في آخر الأمر يود لو كانت لديه قوة راجحة يهابها البغاة، فيرتدعون عن بغيهم، بلا حاجة إلى استعمال السلاح للوصول إلى هذه النتيجة، وقبل أن تبلغ الأمور مبلغها عرض عليه معاوية أن يرسل إليه قوة من جند الشام تكون رهن إشارته، فأبى أن يضيق على أهل دار الهجرة بجند يساكنهم "الطبري: 101: 5"، وأن لا يظن أن الجرأة تبلغ بفريق من إخوانه المسلمين إلى أن يتكالبوا على دم أول مهاجر إلى الله في سبيل دينه. فلما تذاءب عليه البغاة، واعتقد أن الدفاع عنه تسفك فيه الدماء جزافًا، عزم على كل من له عليهم سمع وطاعة أن يكفوا أيديهم وأسلحتهم عن مزالق العنف. والأخبار بذلك مستفيضة فلي مصادر أوليائه وشانئيه. على أنه لو ظهرت في الميدان قوة منظمة ذات هيبة تقف في وجوه الثوار، وتضع حدًّا لغطرستهم وجاهليتهم، لارتاح عثمان لذلك وسر به، مع ما هو مطئمن إليه من أنه لن يموت إلا شهيدًا. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 موقف عثمان من أمر الدفاع عنه بالاستسلام للأقدار ثم قال: قم يا ابن عمر- وعلى ابن عمر سيفه متقلدا- فأخبر به الناس196 فخرج ابن عمر. ودخلوا فقتلوه197. وجاءه زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين. قال عثمان لا حاجة لي في ذلك كفوا198.   196 في البداية والنهاية: 182: 7 عن مغازي ابن عقبة "أن ابن عمر لم يلبس سلاحه إلا يوم الدار في خلافة عثمان، ويوم أراد نجدة الحروري أن يدخل المدينة مع الخوارج أيام عبد الله بن الزبير". "خ". 197 في تاريخ الطبري 129: 5 كان آخر من خرج عبد الله بن الزبير، أمره عثمان أن يصير إلى أبيه بوصيته التي كتبها استعدادًا للموت، وأمره أن يأتي أهل الدار "أي المدافعين عنه في ساحة القصر" فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، فخرج عبد الله بن الزبير آخرهم، فما زال يدعى بها ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه، وإنما أوصى عثمان إلى الزبير؛ لأن الزبير كان محل الثقة من كبار الصحابة، روى الحافظ ابن عساكر: 362: 5 إن ستة من الصحابة أوصوا إليه: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، والمقداد، ومطيع بن الأسود، وأبو العاص بن الربيع، فكان ينفق على أيتامهم من ماله، ويحفظ لهم أموالهم. "خ". 198 أورده البلاذري في أنساب الأشراف: 73: 5 من حديث ابن سيرين، وأخرج الحافظ ابن عساكر عن مؤرخ الصدر الأول موسى بن عقبة الأسدي الذي قال فيه الإمام مالك: "عليكم بمغازي ابن عقبة، فإنه ثقة، وهي أصح المغازي" أن أبا حبيبة الطائي "وهو ممن يروي عنهم أبو داود والنسائي والترمذي قال: "لما حضر عثمان جاء بنو عمرو بن عوف إلى الزبير فقالوا: يا أبا عبد الله، نحن نأتيك ثم نصير إلى ما تأمرنا به" "أي من الدفاع عن أمير المؤمنين" قال أبو حبيبة: فأرسلني الزبير إلى عثمان، فقال: أقرءه السلام وقل: "يقول لك أخوك: إن بني عمرو بن عوف جاءوني ووعدوني أن يأتوني، ثم يصيروا إلى ما أمرتهم به. فإن شئت أن آتيك فأكون رجلًا من أهل الدار يصيبني ما يصيب أحدهم، فعلت. وإن شئت انتظرت معياد بني عمرو فأدفع بهم عنك، فعلت" قال أبو حبيبة: فدخلت عليه "أي على عثمان" فوجدته على كرسي ذي ظهر، ووجدت رياطًا مطروحة ومراكن مغلوة، ووجدت في الدار الحسن بن علي، وابن عمر، وأبا هريرة، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، فأبلغت عثمان رسالة الزبير، فقال: الله أكبر، الحمد الله الذي عصم أخي. قل له: إنك إن تأت الدار تكن رجلًا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = من المهاجرين، حرمتك حرمة رجل، وغناؤك غناء رجل. ولكن انتظر ميعاد بني عمرو بن عوف، فعسى الله أن يدفع بك". قال: فقام أبو هريرة فقال: "أيها الناس، لقد سمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "تكون بعدي فتن وأحداث" فقلت: وأين النجاء منها يا رسول الله؟ قال: "الأمير وحزبه" وأشار إلى عثمان**. فقال القوم: ائذن لنا فلنقاتل، فقد أمكنتنا البصائر. فقال عثمان: "عزمت على أحد كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل". قال: فبادر -أي سبق- الذين قتلوا عثمان ميعاد بني عمرو بن عوف فقتلوه. وبنو عمرو بن عوف قبيل كبير من الخزرج أحد فرعي الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند وصوله إلى المدينة مهاجرًا من مكة نزل ضيفًا عليهم ثلاثة أيام ثم انتقل إلى بني النجار. "خ".   ** رواه البيهقي في دلائل النبوة. "م". * وهذه المواقف المشرفة للصحابة رضوان الله عليهم تلقم خصوم الإسلام الذين يقولون بأن الصحابة كلهم كانوا راضين بقتل عثمان، ويتبرؤون منه حتى تركوه، ولم يدافعوا عنه، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا. وقد ثبت في نهج البلاغة من كلام علي بن أبي طالب أنه قال: "والله دفعت عنه". وقد نقل البلاذري في كتابه: أنساب الأشراف: 103: 5 عن المدائني عن سلمة بن عثمان عن علي بن زيد عن الحسن قال: "دخل علي بن أبي طالب على بناته وهن يمسحن عيونهن، فقال: مالكنَّ تبكين؟ قلن: نبكي على عثمان، فبكى وقال: ابكين". وروى ابن السمان عن قيس بن عباد قال: سمعت عليًّا يوم الجمل يقول: "اللهم أبرأ إليك من دم عثمان، وقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: ألا تستحي من الله أن أبايع قومًا قتلوا رجلًا قال له رسول الله: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة". رواه مسلم. وقد جاء في العقد الفريد لابن عبد ربه عبارة تصور موقف علي من مقتل عثمان أحسن تصوير قال سعيد الخزاعي: لقيت عليًّا بعد الجمل، فقلت له: إني سائلك عن مسألة كانت منك ومن عثمان، فإن نجوت اليوم نجوت غدًا إن شاء الله، قال: سل عما بدا لك، قلت: أخبرني أي منزلة وسعتك إذ قتل عثمان ولم تنصره؟ قال: إن عثمان كان = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 عثمان في ساعته الأخيرة وقال له أبو هريرة: اليوم طاب الضرب معك. قال: عزمت عليك لتخرجن199. وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان، فعزم عليهم في وضع سلاحهم، وخروجهم، ولزوم بيوتهم. فقال له الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا ألا نبرح، ففتح عثمان الباب، ودخلوا عليه في أصح الأقوال200. فقتله المرء الأسود201. وقيل: أخذ ابن أبي بكر بلحيته، وذبحه [رومان] 202، وقيل:   199 هذا الخبر في تاريخ الطبري: 5: 129. "خ". 200 أصل هذا الخبر في تاريخ الطبري: 128: 5 عن سيف بن عمر التميمي عن أشياخه. "خ". 201 كذا في مطبوعة الجزائر، والذي في تاريخ الطبري: 125: 5 "الموت الأسود"، والأصول التي طبع عليها تاريخ الطبري أصح من الأصول التي طبع عليها كتابنا في الجزائر، ومن الثابت أن ابن سبأ كان مع ثوار مصر عند مجيئهم من الفسطاط إلى المدينة "الطبري: 103: 5-104" وهو في كل الأدوار التي مثلها كان شديد الحرص على أن يعمل من وراء ستار، فلعل الموت الأسود اسم مستعار له أراد أن يرمز به إليه؛ ليتمكن من مواصلة دسائسه لهدم الإسلام. "خ". توضيح: ب، ج، ز: المرء. وتتفق "د" مع ما ورد في تاريخ الطبري حيث عبر عن ذلك بالموت، فقال: ودخل عليه رجل يقال له الموت الأسود، وذكر خليفة بن خياط: أنه رجل من بني سدوس يقال له: الموت الأسود: "152/1". "س". 202 رومان رجل من بني أسد بن خزيمة، وليس محرفًا كما قال الشيخ محب الدين الخطيب، حيث وضع مكانه "كنانة بن بشر" بدعوى أن نسخة الجزائر كثيرة التحريف، انظر تاريخ خليفة بن خياط: 153/1. "س".   = إمامًا وأنه نهى عن القتال، وقال: من سلَّ سيفه فليس مني، فلو قاتلنا دونه عصيناه، قال: فأي منزلة وسعت عثمان إذا استسلم؟ قال: المنزلة التي وسعت ابن آدم إذ قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} . . وما أروع ما قاله محمد بن سيرين في هذا الموضوع: "ما علمت أن عليًّا اتُّهِم في دم عثمان حتى بويع، فلما بويع اتهمه الناس، وذلك أمر مركوز في الطبائع". "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 رجل من أهل مصر يقال له حمار203، فسقطت قطرة من دمه على المصحف على قوله: {فَسَيَكْفِيْكَهُم} فإنها فيه ما حكت إلى الآن204. وروي أن عائشة رضي الله عنها قالت: "غضبت لكم من السوط، ولا أغضب لعثمان من السيف؟ استعتبتموه حتى إذا تركتموه [كالفل] 205 المصفى، ومصتموه موص الإناء، وتركتموه كالثوب المنقى من الدنس، ثم قتلتموه".206 قال مسروق207: قلت لها: "هذا عملك، كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه". فقالت عائشة: "والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم سوادًا في بياض". قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها208. وقد روي أنه ما قتله أحد إلا أعلاج من أهل مصر. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: فهذا أشبه ما روي في الباب.   203 لم أر هذا الاسم فيمن اجترءوا على ارتكاب الجريمة العظمى، ولعل النساخ حرَّفوا اسم سودان بن حمران أو اسم عمرو بن الحمق."خ". 204 ذكرت هذه الحادثة في الطبري بسند حسن، وقد بعث الله على قتلة عثمان من قتلهم جميعًا، ولعل الآية تشير إلى هذا الانتقام."م". 205 ب، ج، ز: "العبد"، وأصلحه الشيخ محب الدين: "القند"، ولعله الذهب، لأنه قد ورد في تاريخ ابن الأثير في شأن عثمان "كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذا ما صوه كما يماص الثوب بالماء": 207/2."س". 206 قالت ذلك أول مرة عند وصولها إلى المدينة عائدة من الحج، فاجتمع إليها الناس، وألقت فيهم خطبة بليغة، وردت هذه الجملة في آخرها، الطبري: "165:5-166". والموص: الغسل بالصابع، والقند: عسل قصب السكر إذا جمد."خ". 207 هو من أئمة التابعين المقتدى بهم، توفي سنة 63. وهو الذي قال لعمار بالكوفة قبل يوم الجمل: يا أبا اليقظان، علام قتلتم عثمان؟ قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا** فقال مسروق: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "الطبري: 187:5". وقد وجدت بعده في تاريخ الطبري ما يخالفه: خرج أبو موسى فلقى الحسن بن علي ... وقال لعمار: يا أبا يقظان، عدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته؟، فقال: لم أفعل."7: 35"."م". 208 كما كتب على لسان علي: ولسان عثمان."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الحكم الفقهي في موقف عثمان من الدفاع أو الإستسلام وبه يتبين -وبأصل المسألة سلوك سبيل الحق- أن أحدًا من الصحابة لم يسع عليه، ولا قعد عنه. ولو استنصر ما غلب ألف أو أربعة آلاف غرباء عشرين ألفًا بلديين أو أكثر من ذلك209، ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة210. وقد اختلف العلماء فيمن نزل به مثلها: هل يلقى بيده، أو يستنصر211، وأجاز بعضهم أن يستسلم ويلقى بيده اقتداء بفعل عثمان، وبتوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في الفتنة212 قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: ولقد حكمت بين الناس فألزمتهم الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لم يكُ [ترى] في الأرض منكر، واشتد الخطب على أهل الغصب، وعظم على الفسقة الكرب فتألبوا   209 أين هذه المواقف الشريفة للصحابة دون استثناء واحد منهم مما يزعم السفهاء من أن الصحابة كلهم كانوا راضين بقتله، ويتبرَّءون منه حتى تركوه بعد قتله ثلاثة أيام بلا دفن، كما ذكره مؤلف التحفة الاثني عشرية ورد عليهما بما ألقمهم حجرًا فكان مما قاله: " ... إن هذا كله كذب صريح وبهتان صريح لا يخفى على الصبيان فضلًا عن ذوي العرفان "مختصر التحفة الاثني عشرية266". "م". 210 لأنه اختار بذلك أهون الشرين، فآثر التضحية بنفسه على توسيع دائرة الفتنة وسفك دماء المسلمين، وعثمان افتدى دماء أمته بدمه مختارًا، فما أحسن الكثيرون منا جزاءه، وإن أوربا تعبد بَشَرًا بزعم الفداء، ولم يكن فيه مختارًا. "خ". 211 من سياسة الإسلام أن يختار في كل أقلها شرًّا وأخفها ضررًا، فإذا كانت للخير قوة غالبة تقمع الشر وتضيق دائرته، فالإسلام يهدي إلى قمع الشر بقوة الخير بلا تردد، وإن لم يكن للخير قوة غالبة تقمع الشر وتضيق دائرته -كما كانت الحال في موقف أمير المؤمنين عثمان من البغاة عليه- فمصلحة الإسلام في مثل ما جنح إليه عثمان أعلى الله مقامه في دار الخلود. "خ". 212 وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم على ما رواه الإمام البخاري في كتاب المناقب ك61 ب 25 ج 4، صـ 177، وفي كتاب الفتن ك 92 ب9، ج 8، صـ 92 من صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم، فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذًا فليعذ به"، وأعلن أبو موسى الأشعري في الكوفة قبل وقعة الجمل أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الطبري: 188: 5". "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وألبوا، وثاروا إليَّ [واستسلمت] لأمر الله، وأمرت كل من حولي ألا يدافعوا عن داري، وخرجت على السطوح بنفسي، فعاثوا علي، وأمسيت سليب الدار، ولولا ما سبق من حسن المقدار لكنت قتيل الدار. وكان الذي حملني على ذلك ثلاثة أمور: أحدها وصاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتقدمة214، والثاني الاقتداء بعثمان، والثالث سوء الأحدوثة التي فر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المؤيدة بالوحي215 فإن من غاب عني، بل من حضر من الحسدة معي، خفت أن يقول: إن الناس مشوا [مستعينين به] مستغيثين له، فأراق دمائهم. وأمر عثمان كله سنة ماضية، وسيرة راضية، فإنه تحقق أنه مقتول بخير الصادق له بذلك، وأنه بشره بالجنة على بلوى تصيبه، وأنه شهيد. وروى أنه قال له في المنام: إن شئت نصرتك، أو تفطر عندنا الليلة217.   214 وقد نقلناها آنفا عن حديث أبي هريرة في صحيح البخاري، ومن حديث أبي موسى في الكوفة قبل وقعة الجمل."خ". 215 وذلك لما قال ابن سلول في غزوة بني المصطلق: "إذا رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، فأراد عمر أن يقتله، فمنعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"." خ". 217 هذه الرواية لابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن سلام في البداية والنهاية: 182:7-183، ومن طريق آخر عنه في أنساب الأشراف للبلاذري: 82:5. وفي مسند أحمد: "72/1 الطبعة الأولى رقم 526 الثانية" من حديث مسلم أبي سعيد مولى عثمان قال: إن عثمان أعتق عشرين مملوكًا، ودعا بسراويل فشدها عليه ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: "إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البارحة في المنام ورأيت أبا بكر وعمر، وأنهم قالوا لي: اصبر، فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه". وروى الإمام أحمد هذا الحديث عن نائلة زوجة عثمان 73:1 رقم 536 بقريب من هذا. وفي البداية والنهاية 182:7 من حديث أيوب السختياني عن نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومن طرق أخرى متعددة، وانظر تاريخ الطبري*: 125:5."خ".   * روى الطبري نحوه مختصرًا وإسناده حسن."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وقد انتدبت المردة والجهلة إلى أن يقولوا: إن كل فاضل من الصحابة كان عليه مشاغبًا مؤلبًا، وبما جرى عليه راضيًا، واخترعوا كتابًا فيه فصاحة وأمثال كتب عثمان به مستصرخًا إلى علي، وذلك كله مصنوع؛ ليوغر قلوب المسلمين على السلف الماضين والخلفاء الراشدين218. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: فالذي ينخل من ذلك أن عثمان مظلوم، محجوج بغير حجة219. وأن الصحابة برآء من دمه بأجمعهم؛ لأنهم أتوا إرادته، وسلموا له رأيه في إسلام نفسه. ولقد ثبت -زائدًا إلى ما تقدم عنهم- أن عبد الله بن الزبير قال لعثمان: إنا معك في الدار عصابة مستبصرة ينصر الله بأقل منهم، فائذن لنا، فقال: أذكر الله رجلًا أراق لي دمه "أو قال دمًا"220.   218 هذه الكتب المصنوعة والأخبار المبالغ فيها أو المكذوبة شحنت بها أسفار الأخبار وكتب الأدب. ولتمييز الحق فيها من الباطل طريقان: أحدهما طريق أهل الحديث في أن لا يقبلوا إلا الأخبار المسندة إلى أشخاص بأسمائهم، ثم يستعرضوا أحوال هؤلاء الأشخاص، فيقبلوا من صادقهم، ويضربوا وجه الكذاب بكذبه، والطريق الثاني طريق علماء التاريخ: وهو أن يعرضوا كل خبر على سجايا من يخبر عنه، ويقارنوه بسيرته، وهل هو مما ينتظر وقوعه ممن نسب إليه، ويلائم المعروف من سابقته وأخلاقه أم لا، وتمحيص تاريخنا يحتاج إلى هاتين الطريقين معًا يقوم بهما علماء راسخون فيهما."خ". 219 كما تبين في هذا الكتاب بأسانيده القاطعة. وانظر كتاب "التمهيد" للإمام أبي بكر الباقلاني: صـ 220-227."خ". 220 ولما بدأ حجاج بيت الله يعودون إلى المدينة كان أول المسرعين منهم المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي الصحابي، فأدرك عثمان قبل أن يقتل، وشهد المناوشة على باب دار عثمان فجلس على الباب من داخل وقال: ما عذرنا عند الله أن تركناك، ونحن نستطيع ألا ندعهم حتى نموت، وكان أول من برز للبغاة المهاجمين، وقاتل حتى قتل. وخرج معه لقتالهم الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو يقول في تسفيه عمل البغاة: لا دينهم ديني ولا أنا منهم ... حتى أسير إلى طمار شمام أي إلى جبل أشم لا ينجو من سقط منه، وخرج معهما محمد بن طلحة بن عبيد الله -وكان يعرف بالسجاد؛ لكثرة عبادته- وهو يقول: أنا ابن من حامى عليه بأحد ... ورد أحزابًا على رغم معد انظر تاريخ الطبري: 128:5-129."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الذين دافعوا عن عثمان في الساعة الأخيرة خارج الدار وقال سليط بن أبي سليط: نهانا عثمان عن قتالهم، فلو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم عن أقطارها221. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن لي عليه سمعًا وطاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم غناء من كف يده وسلاحه222. وثبت أن الحسن والحسين وابن الزبير وابن عمر ومروان كلهم شاك في السلاح حتى دخلوا الدار، فقال عثمان: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم223. فلما قضى الله من أمره ما قضى، ومضى في قدره ما مضى، علم أن الحق [ألا] يترك الناس سدى، وأن الخلق بعده مفتقرون إلى خليفة مفروض عليهم النظر فيه، ولم يكن بعد الثلاثة كالرابع قدرًا وعلمًا وتقىً ودينًا.   221 رواه الحافظ ابن عبد البر في "الاستيعاب: 118: 2-119 هامش الإصابة" من حديث ابن سيرين عن سليط، وأورده الحافظ ابن حجر مختصرًا في الإصابة 72: 2. "خ". 222 وفي تاريخ الطبري: 127: 5 أن عثمان دعا عبد الله بن عباس فقال له: "اذهب فأنت على الموسم" أي على إمارة الحج، فقال ابن عباس: "والله يا أمير المؤمنين لجهاد هؤلاء أحب إليَّ من الحج" فأقسم عليه لينطلقن، فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة. "خ". 223 قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: "181: 7": كان الحصار مستمرًّا من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة. فلما كان قبل ذلك بيوم، قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار-وكانوا قريبًا من سبعمائة، فيهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين ومروان وأبو هريرة وخلق من مواليه ولو تركهم لمنعوه-: "أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده، وأن ينطلق إلى منزله"، وقال لرقيقه: "من أغمد سيفه فهو حر" فبرد القتال من داخل، وحمي من خارج. حتى كانت الساعة التي تم فيها للشيطان ما سعى له وتمناه، ويكفي لبيان ما كان لهذه الفاجعة الكبرى من الأثر في النفوس ما نقله البلاذري في أنساب الأشراف: 103: 5 عن المدائني عن سلمة بن عثمان عن علي بن زيد عن الحسن قال: دخل علي يومًا على بناته وهن يمسحن عيونهن. قال: مالكن تبكين؟ قلن: نبكي على عثمان، فبكى وقال: ابكين ... "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 خلافة علي فانعقدت له البيعة، ولولا الإسراع بعقد البيعة لعلي لجرى على من بها من الأوباش ما لا يرقع خرقه، ولكن عزم عليه المهاجرون والأنصار، ورأى ذلك فرضًا عليه، فانقاد إليه224.   224 في تاريخ الطبري: 155: 5 عن سيف* بن عمر التميمي عن أشياخه قالوا: بقيت المدينة بعد قتل عثمان خمسة أيام أميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه: يأتي المصريون عليًّا فيختبيء منهم ويلوذ بحيطان المدينة "أي يختبيء في بساتينها" فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد مرة. ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه، فأرسلوا إليه حيث هو رسلًا فباعدهم وتبرأ من مقالتهم، ويطلب البصريون طلحة، فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم ... فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا: إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع، فأقدم نبايعك، فبعث إليهم: "إني وابن عمر خرجنا منها، فلا حاجة لي فيها".. ثم إنهم أتوا ابن عمر عبد الله فقالوا: أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر، فقال: إن لهذا الأمر انتقامًا، والله لا أتعرضن له فالتمسوا غيري، وأخرج الطبري: 156: 5 عن الشعبي قال: أتى الناس عليًّا وهو في سوق المدينة، وقالوا له: ابسط يدك نبايعك، قال: لا تعجلوا، فإن عمر كان رجلًا مباركًا، وقد أوصى بها شورى، فأمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون، فارتد الناس عن علي، ثم قال بعضهم: إن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان، ولم يقم بعده قائم بهذا الأمر لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة، فعادوا إلى علي، فأخذ الأشتر بيده، فقبضها علي، فقال: أبعد ثلاثة؟ أما والله لئن تركتها لتعصرن عينيك عليها حينًا، فبايعته العامة، وأهل الكوفة يقولون: أول من بايعه الأشتر، وروى سيف عن أبي حارثة محرز العبشمي وعن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني قالا: لما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان جمعوا أهل المدينة، فوجدوا سعدًا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له ... فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر: أنتم أهل الشورى، وأنتم تعقدون الإمامة، وأمركم عابر على الأمة، فانظروا رجلًا تنصبونه، ونحن لكم تبع. فقال الجمهور: علي بن أبي طالب نحن به راضون ... فقال علي: دعوني والتمسوا غيري ... فقالوا: ننشدك الله، ألا ترى الفتنة، ألا تخاف الله؟ فقال: إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم، إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد "أي يوم الجمعة" فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد، وجاء علي حتى صعد المنبر فقال: "يا أيها الناس عن ملأ وأذن. إن هذا أمركم، ليس لأحد   * سيف هذا متهم بالكذب كما جاء في اللسان والميزان. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 قولهم في بيعة طلحة يد شلاء وفي طلحة والزبير بايعا مكرهين وعقد له البيعة طلحة، فقال الناس: بايع عليًّا يد شلاء، والله لا يتم هذا الأمر235. فإن قيل: بايعا مكرهين236. قلنا: حاشا لله أن يكرها، لهما ولمن بايعهما، ولو كانا مكرهين ما أثر ذلك؛ لأن واحدا أو اثنين تنعقد البيعة بهما وتتم، ومن بايع بعد ذلك فهو لازم له، وهو مكره على ذلك شرعًا، ولو لم يبايعا ما أثر ذلك فيهما، ولا في بيعة الإمام227. وأما من قال يد شلاء وأمر لا يتم، فذلك ظن من القائل أن طلحة أول من بايع، ولم يكن كذلك228. فإن قيل: فقد قال طلحة: "بايعت واللج229 على قفى"230. قلنا: اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل الحديث في "القفا" لغة "قفى" كما يجعل في "الهوى": "هوى". وتلك لغة هذيل لا قريش231 فكانت كذبة لم تدبر.   = فيه حق إلا إن أمرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر، فإن شئتم عقدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد" فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس. وهذه الوقائع على بساطتها تدل على أن بيعة علي كانت كبيعة إخوانه من قبل جاءت على قدرها وفي إبانها، وإنها مستمدة من رضا الأمة في حينها، لا من وصية سابقة مزعومة أو رموز خيالية موهومة. "خ". 225 قائل هذه الكلمة حبيب بن ذؤيب. رواه الطبري: 153: 5 عن أبي المليح الهذلي. "خ". 226 يعني طلحة والزبير. "خ". 227 القاضي ابن العربي يقر هنا الحكم الشرعي في عقد البيعة، لا على أنه رأى له، وللإمام أبي بكر الباقلاني كلام سديد في التمهيد: صـ 231. "خ". 228 وقد علمت أن أهل الكوفة يقولون إن الأشتر كان أول من بايع، ولو كانت يد طلحة هي الأولى في البيعة لكانت أعظم بركة؛ لأنها يد دافعت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويد الأشتر لا تزال رطبة من دم الشهيد المبشر بالجنة. "خ". 229 في جميع النسخ المخطوطة "اللح" وصوابه "اللج" وهو كالسيف، وقد أصلحه الشيخ محب الدين الخطيب ولم ينبه إلى ذلك. "س". 230 بل هي أبعد عن لغة قريش من لهجة هذيل، فقد قال ابن الأثير في النهاية "مادة لجج" إنها لغة طائية، يشددون ياء المتكلم. "خ". 231 كان طلحة من العصابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وأما قولهم "يد شلاء" لو صح فلا متعلق فهم فيه، فإن يدًا شلت في وقاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتم لها كل أمر، ويتوقى بها من كل مكروه232، وقد تم الأمر على وجهه، ونفذ القدر بعد ذلك على حكمه. وجهل المبتدع ذلك فاخترع ما هو حجة عليه.   = وسلم على الموت يوم أحد حين انهزم المسلمون، فصبروا ولزموا، ورمى مالك بن زهير الجشمي بسهم يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -وكان لا يخطيء رميه- فاتقاه طلحة بيده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان ذلك سبب الشلل في يده من خنصره، وأقبل رجل من بني عامر يجر رمحًا له على فرس كميت أغر مدججًا في الحديد يصيح أنا أبو ذات الودع، دلوني على محمد، فضرب طلحة عرقوب فرسه، فاكتسعت، ثم تناول رمحه فلم يخطيء به عن حدقته، فخار كما يخور الثور، فما برح طلحة واضعًا رجله على خده حتى مات، قالت بنتاه -عائشة وأم إسحاق-: جرح أبونا يوم أحد أربعًا وعشرين جراحة في جميع جسده، وقد غلبه الغشى، وهو مع ذلك محتمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كسرت رباعيتاه يرجع به القهقرى، كلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشعب. فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا رأى طلحة: "من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله" * رواه أبو نعيم الأصبهاني، وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: "ذاك يوم كان يوم طلحة". وسمع علي بن أبي طالب رجلًا يقول بعد يوم الجمل: ومن طلحة؟ فزبره علي، وقال: "إنك لم تشهد يوم أحد، لقد رأيته وإنه ليحترس بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن السيوف لتغشاه، وإن هو إلا جنة بنفسه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". أخرج الحافظ ابن عساكر: 78:7 من طريق ابن منده عن طلحة قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد "طلحة الخير"، وفي غزوة العسرة "طلحة الفياض" ويوم حنين "طلحة الجود"."خ". 232 وانظر "التمهيد" للباقلاني: صـ 231، 235، 236، وحقيقة موقف علي من قتلة عثمان أنهم عند البيعة له كانوا هم المستولين على زمام الأمر في المدينة، وفي حالة الإرهاب التي كانت سائدة يومئذ لم يكن في استطاعة علي ولا غيره أن يقف منهم مثل موقف الصحابة من عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان، مع الفارق العظيم بن دم أمير المؤمنين الخليفة الراشد، والأسير الحربي المجوسي الذي قال أنه أسلم بعد وقوعه في الأسر، ولما انتقل علي من المدينة إلى العراق ليكون على مقربة من الشام انتقل معه قتلة عثمان، ولاسيما أهل البصرة والكوفة منهم، فلما صاروا في بصرتهم وكوفتهم صاروا في معقل =   * إسناده صحيح لشواهده كما جاء في الأحاديث الصحيحة "2/ 32."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 موقف علي من قتلة عثمان فإن قيل: بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان، قلنا: هذا لا يصح في شرط البيعة، وإنما يبايعونه على الحكم بالحق، وهو أن يحضر الطالب للدم، ويحضر المطلوب، وتقع الدعوى، ويكون الجواب، وتقوم البينة، ويقع الحكم، فأما على الهجم عليه بما كان من قول مطلق، أو فعل غير محقق، أو سماع كلام، فليس ذلك في دين الإسلام232. قالت العثمانية: تخلف عنه من الصحابة جماعة، منهم سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة، وابن عمر، وأسامة بن زيد وسواهم من نظرائهم. قلنا: أما بيعته فلم يتخلف عنها، وأما نصرته فتخلف عنها قوم، منهم من ذكرتم؛ لأنها كانت مسألة اجتهاد، فاجتهد كل واحد وأعمل نظره وأصاب قدره233.   = قوتهم وعنجهية قبائلهم، ولا شك أن عليًّا أعلن البراءة منهم، وأراد أن يتفق مع أصحاب الجمل على ما يمكن الاتفاق عليه في هذا الشأن، فأنشب قتلة عثمان القتال بين معسكر علي ومعسكر أصحاب الجمل، وتمكن أصحاب الجمل من قتل المصريين من قتلة عثمان إلا واحدًا من بني سعد بن زيد مناة بن تميم حمته قبيلته، فلما اتسعت الأمور وسفكت الدماء كان علي في موقف يحتاج فيه إلى بأس هؤلاء المعروفين بأنهم من قتلة عثمان، وفي مقدمتهم الأشتر وأمثاله، وأن كثيرين منهم انقلبوا على علي بعد ذلك، وخرجوا عليه معتقدين كفره. ويقول علماء السنة والمؤرخون أن الله كان بالمرصاد لقتلة عثمان، فانتقم منهم بالقتل والنكال واحدًا بعد واحد، حتى الذين طال بهم العمر إلى زمن الحجاج كانت عاقبتهم سفك دمائهم؛ جزاء بما قدمت أيديهم، والله أعدل الحاكمين. "خ". 233 وانظر التمهيد للباقلاني: صـ 233-234. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الباب الثالث قاصمة اجتماع أصحاب مكة وخروجهم إلى البصرة روى قوم أن البيعة لما تمت لعلي استاذن طلحة والزبير عليًّا في الخروج إلى مكة234. فقال لهما علي: لعلكما تريدان البصرة والشام، فأقسما ألا يفعلا335. وكانت عائشة بمكة236. وهرب عبد الله بن عامر عامل عثمان على البصرة إلى مكة، ويعلى بن أمية عامل عثمان على اليمن. فاجتمعوا بمكة كلهم، ومعهم مروان بن الحكم، واجتمعت بنو أمية، وحرضوا على دم عثمان، وأعطى يعلى لطلحة والزبير وعائشة أربعمائة ألف درهم، وأعطى لعائشة "عسكرًا" جملًا اشتراه باليمن بمائتي دينار، فأرادوا الشام، فصدهم ابن عامر وقال: لا ميعاد لكم بمعاوية، ولي بالبصرة صنائع، ولكن إليها.   234 وممن استأذنه في الخروج إلى مكة عبد الله بن عمر بن الخطاب، وسبب ذلك أن عليًّا لما تمت له البيعة عزم على قتال أهل الشام، وندب أهل المدينة إلى الخروج معه فأبوا عليه، فطلب عبد الله بن عمر، وحرضه على الخروج معه فقال: إنما أنا رجل من أهل المدينة إن خرجوا خرجت على السمع والطاعة، لكن لا أخرج لقتال في هذا العام. ثم تجهز ابن عمر وخرج إلى مكة، "ابن كثير: 230: 7"، وكان الحسن بن علي مخالفًا لأبيه في أمر الخروج لمقاتلة أهل الشام ومفارقته المدينة كما ترى فيما بعد. "خ". 235 قول علي لهما وقسمهما له من زيادات مرتكبي "القاصمة" ورواتها. "خ". 236 ذهبت إليها هي وأمهات المؤمنين لما قطع البغاة الماء عن أمير المؤمنين عثمان، وأخذ يستسقي الناس، فجاءته أم حبيبة بالماء فأهانوها، وضربوا وجه بغلتها، وقطعوا حبل البغلة بالسيف. "الطبري 127: 5"، فتجهز أمهات المؤمنين إلى الحج فرارًا من الفتنة. "ابن كثير 229: 7". "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 خبر الحوأب وثبوت صحة الحديث فجاءوا إلى ماء الحوأب237، ونبحت كلابه، فسألت عائشة، فقيل لها: هذا ماء الحوأب، فردت خطامها عنه، وذلك لما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أيتكن صاحبة الجمل الأَدْبَب 238، والتي تنبحها كلاب الحوأب" فشهد طلحة والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب239، وخمسون رجلًا إليهم240 وكانت أول شهادة زور دارت في الإسلام241.   237 الحوأب من مياه العرب على طريق البصرة. قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري فيما نقله عنه ياقوت في معجم البلدان، وقال أبو عبد البكري في معجم ما استعجم: ماء قريب من البصرة، على طريق مكة إليها، سمي بالحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية. "خ". 238 الأَدْبَب: الأَدبّ "أظهر الإدغام لأجل السجعة"، والأدبّ: الكثير وبر الوجه. قاله ابن الأثير في النهاية. "خ". 239 هذا الخبر عن الصحابي الجليل الزبير عارٍ عن الصحة. وقد ذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: 212/6 خلافه فقال: روى أبو نعيم بن حماد في الملاحم -وقد أسنده- ثم روى أحمد -وقد أسنده- عن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب، فسمعت نباح الكلاب فقالت: "ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنا: "أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب"، فقال لها الزبير: ترجعين؟ وعسى الله أن يصلح بك بين الناس، قال ابن كثير: وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه. "م". 240 لم يشهدوا، ولم تقل عائشة، ولم يقل** النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسنبين ذلك في موضعه من العاصمة فيما بعد. "خ". 241 شهادة الزور تصدر عن رعاع لا يخافون الله كأبي زينب وأبي المورع كما تقدم، وتصدر عمن يزعم لنفسه أنه قادر على خلق شخصية لم يخلقها الله كالذي اخترع اسم ثابت مولى أم سلمة كما تقدم، أما طلحة والزبير المشهود لهما بالجنة من نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى- فكانا أسمى أخلاقًا وأكرم على أنفسهما وعلى الله من أن يشهدا زورًا، وهذه الفرية عليهما من مبغضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست أول فرية لهم في الإسلام، ولا آخر ما يفترونه من الكذب عليه وعلى أهله. "خ".   ** لقد صح حديث الحوأب كما نرى ذلك واضحًا عما قريب. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 خروج علي إلى الكوفة وما وقع في العراق قبل وصوله وخرج علي إلى الكوفة242، وتعسكر الفريقان والتقوا243، وقال عمار -وقد دنا من هودج عائشة-: ماتطلبون؟ قالوا: نطلب دم عثمان، قال: قتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب لغير الحق244. والتقى علي والزبير، فقال له علي: أتذكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنك تقاتلني؟ فتركه ورجع245. وراجعه ولده، فلم يقبل، وأتبعه الأحنف من قتله"246.   242 خرج من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة 36؛ ليكون على مقربة من الشام. وكان ابنه الحسن يود لو بقى والده بالمدينة، فيتخذها دار خلافته كإخوانه الثلاثة قبله فلا يبرحها "الطبري 171: 5:، وانظر: 163: 5، وقد سلك علي من المدينة إلى العراق طريق الربذة وفيد والثعلبية والساود وذي قار، ومن الربذة أرسل إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر فرجعا إليه وهو في ذي قار بأن أبا موسى وأهل الحجا من الكوفيين يروى القعود، فأرسل الأشتر وابن عباس، ثم أرسل ابنه الحسن وعمارًا لاستمالة القوم إليه، وبينما هو في الطريق أنشب عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة القتال مع أصحاب الجمل. وفي الأساود جاءه خبر مصرع حكيم بن جبلة بن جبلة وقتلة عثمان، ثم جاء عثمان بن حنيف إلى علي وهو في الثعلبية منتوف اللحية ومغلوبًا على أمره، وفي ذي قار أقام على معسكره، ثم قام بمن معه إلى البصرة، وفيها أصحاب الجمل. "خ". 243 بعد وصول علي إلي ذي قار وقيام القعقاع بن عمرو بمساعي التفاهم تقدم علي بمن معه إلى البصرة، فأسرع قتلة عثمان إلى إحباط مساعي الإصلاح بإنشاب القتال. 244 كان الفريقان يطلبان التفاهم وجمع الكلمة، وأما الباغي فهم قتلة عثمان، وقد قتلهم الله جميعًا إلا واحدًا منهم، وسيأتي بيانه. "خ". 245 إن هذا الخبر غير صحيح، وقد ذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: 213/6 ما يماثله وهو ضعيف. "م". روى البيهقي -وقد أسنده- عن أبي وجزة المازني قال: سمعت عليًّا والزبير، وعلي يقول له: ناشدتك الله يا زبير "أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أنك تقاتلني وأنت ظالم"، قال: "بلى ولكني نسيت"، قال البيهقي: وهذا غريب. "م". 246 الذي قتل الزبير عمير بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع التميمي، والأحنف أتقى لله من أن يأمرهم بقتله، بل سمعوه يتذمر من قتال المسلمين بعضهم مع بعض فلحقوا بالزبير فقتلوه, "الطبري 18: 5". "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ونادى علي طلحة من بعد: "ما تطلب؟ " قال: "دم عثمان"، قال: "قاتل الله أولادنا بدم عثمان"، ألم تسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:"اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله" وأنت أول من بايعني ونكث248.   = 247 كان طلحة أصدق إيمانًا وأسمى أخلاقًا من أن يبايع وينكث، وإنما كان يريد جمع الكلمة للنظر في أمر قتلة عثمان، واستجاب علي لهذه الدعوة كما سيأتي في البحوث التالية، ولكن الذين جنوا على الإسلام أول مرة بالبغي على عثمان كانوا أعداء الله مرة أخرى بإنشاب القتال بين هذين الفريقين من المسلمين."خ". 248 الحديث صحيح كما سنرى في غير هذا الوضع ولكن ليس فيه: "اللهم انصر من نصره واخذل من خذله"." م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 عاصمة مجيء أصحاب الجمل إلى البصرة لتأليف الكلمة وللتوصل بذلك إلى إقامة الحد على قتلة عثمان أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه. ولكن لأي شيء خرجوا؟ لم يصح فيه نقل، ولا يوثق فيه بأحد؛ لأن الثقة لم ينقله، وكلام المتعصب [غير مقبول] . وقد دخل مع المتعصب من يريد الطعن في الإسلام واستنقاص الصحابة: فيحتمل أنهم خرجوا خلعًا لعلي لأمر ظهر لهم249، وهو أنهم بايعوا لتسكين الثائرة، وقاموا يطلبون الحق. ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان250. ويمكن أنهم خرجوا [لينظروا] في جمع طوائف المسلمين، وضم [تشردهم] ، وردهم إلى قانون واحد حتى لا يضطربوا فيقتتلوا، وهذا هو الصحيح، لا شيء سواه. بذلك وردت صحاح الأخبار. فأما الأقسام الأُوَل فكلها باطلة وضعيفة: أما بيعتهم كرها فباطل [وقد بيناها] . وأما خلعهم فباطل؛ لأن الخلع لا يكون إلا بنظر من الجميع، فيمكن   249 وهذا الاحتمال بعيد عن هؤلاء الأفاضل الصالحين، ولم يقع منهم ما يدل عليه، بل الحوادث كلها دلت على نزاهتهم عنه، وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 41: 13-42 فنقل عن كتاب "أخبار البصرة" لعمر بن شبة قول الملهب: "إن أحدًا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليًّا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة". "خ". 250 وهذا ما كانوا يذكرونه، إلا أنهم يريدون أن يتفقوا مع علي على الطريقة التي يتوصلون بها إلى ذلك، وهذا ما كان يسعى به الصحابي المجاهد القعقاع بن عمرو، وقبله الطرفان كما سيأتي. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 أن يولى واحد أو اثنان، ولا يكون الخلع إلا بعد الإثبات والبيان. وأما خروجهم في أمر قتلة عثمان فيضعف؛ لأن الأصل قبله تأليف الكلمة. ويمكن أن يجتمع الأمران253. ويروى أن تغيبهم254 قطعًا للشعب بين الناس، فخرج طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم، فيرعوا حرمة نبيهم، واحتجوا عليها255 بقول الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] ، وقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلح وأرسل فيه، فرجت المثوبة، واغتنمت [الفرصة] ، وخرجت حتى بلغت الأقضية مقاديرها. وأحس بهم أهل البصرة، فحرض من كان بها من المتألبين على عثمان الناس، وقالوا: أخرجوا إليهم حتى تروا ما جاءوا إليه، فبعث عثمان بن حنيف حكيم بن جبلة256، فلقى طلحة والزبير بالزابوقة، فقتل   253 واجتماع الأمرين هو الذي كاد يقع، لولا أن السبئيين أحبطوه، فأصحاب الجمل جاءوا في أمر قتلة عثمان، ولم يجيئوا إلا لذلك، إلا أنهم أرادوا أن يتفاهموا عليه مع علي؛ لأن التفاهم معه أول الوسائل للوصول إلى ما جاءوا له."خ". 254 أي تغيب طلحة والزبير وعائشة عن المدينة."خ". 255 لما أقنعوها بالخروج إلى البصرة."م". 256 عثمان بن حنيف أنصاري من الأوس، كان عند هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أحد الشبان الأوسيين الخمسة عشر الذين انضموا إلى عبد عمرو بن صيفي عند خروجه إلى مكة مغاضبًا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عبد عمرو يسمى في الجاهلية الراهب فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفاسق. "الطبري: 16:2". والظاهر أن عثمان بن حنيف عاد من مكة وأسلم قبل وقعة أحد؛ لأنها أول مشاهده "الإصابة: 459:2". وتزعم الشيعة أنه شاغب على خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر الصديق في أول خلافته "تنقيح المقال للمامقاني: 198:1" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الاجتماع في البصرة حكيم257، ولو خرج مسلمًا مستسلمًا لا مدافعًا258 لما أصابه شيء، وأي خير كان له في المدافعة، وعن أي شيء كان يدافع؟ وهم ما جاءوا مقاتلين ولا ولاة، وإنما ساعين في الصلح، راغبين في تأليف الكلمة، فمن خرج إليهم ودافعهم وقاتلهم دافعوا عن مقصدهم، كما يفعل في سائر الأسفار والمقاصد. فلما وصلوا إلى البصرة تلقاهم الناس بأعلى المربد مجتمعين259، حتى لو رمى حجر ما وقع إلا على رأس إنسان، فتكلم طلحة وتكلمت عائشة رضي الله عنها.   = وأعتقد أن هذا من كذبهم، وقد تولى لعمر مساحة أرض العراق وضرب الجزية والخراج على أهلها، فلو صح ما زعموه من شغبه على أبي بكر لتنافى هذا مع استعمال عمر له، إلا أن يكون تاب، ولما بويع لعلي آخر سنة 35 واختار ولاته في بداية سنة 36 ولى عثمان بن حنيف على البصرة "الطبري: 161: 5"، ولما وصل أصحاب الجمل إلى الحفير على أربعة أميال من البصرة أرسل إليهم عثمان بن حنيف عمران بن حصين الخزاعي صاحب راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خزاعة يوم الفتح ليعلم له علمهم، فلما عاد إليه وذكر له حديثه مع أصحاب الجمل قال له عثمان بن حنيف: أَشِرْ علي يا عمران. فقال له: إني قاعد، فاقعد. فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي. وأشار عليه هشام بن عامر الأنصاري -أحد الصحابة المجاهدين الفاتحين- بأن يسالمهم حتى يأتي أمر علي، فأبى عثمان بن حنيف ونادى في الناس، فلبسوا السلاح، وأقبل عثمان على الكيد "الطبري: 174: 5-175"، وكانت العاقبة فشله، وخروج الأمر من يده إلى أيدي أصحاب الجمل، ووقع ابن حنيف في أسر الجماهير فنتفت لحيته، ثم أنقذه أصحاب الجمل منهم فانسحب إلى معسكر علي في الثعلبة ثم في ذي قار. هذا هو عثمان بن حنيف وموقفه من أصحاب الجمل، أما حكيم بن جبلة فالقارئ يعلم أنه من قتلة أمير المؤمنين عثمان، وقد تقدم التعريف به. "خ". 57 الزابوقة: موضع قريب من البصرة كانت فيه وقعة الجمل في دورها الأول بعد أن خطب طلحة والزبير وعائشة في المربد، أما مصرع حكيم بن جبلة فكان بعد المعارك الأولى التي انتهت بغلبة أصحاب الجمل واستيلائهم على الحكم في البصرة، فتمرد حكيم بن جبلة على هذه الحالة الجديدة وقاتل مع ثلاثمائة من أعوانه حتى قتل. "خ". 258 أي مقاتلًا. "خ". 259 مربد البصرة: موضع كانت تقام فيه سوق الإبل خارج البلد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 كتابة الكتاب بين عثمان بن حنيف وأصحاب الجمل بالكف عن القتال وكثر اللغط260، وطلحة يقول: "أنصتوا" فجعلوا يركبونه ولا [ينصتون] ، فقال: "أُفٍّ، أُفٍّ، فراش نار، وذباب طمع"، وانقلبوا على غير بيان261. وانحدروا إلى بني نهد، فرمامهم الناس بالحجارة حتى نزلوا الجبل262، والتقى طلحة والزبير وعثمان بن حنيف- عامل علي، على البصرة-   = ثم صارت تكون فيه مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء، ثم اتسع عمران البصرة، فدخل المربد في العمران، فكان من أجل شوارعها، وسوقه من أجل أسواقها، وصار محطة عظيمة سكنها الناس، ولما انحطت منزلة البصرة، وهزم عمرانها تضاءلت، فأمسى المربد بائنًا عنها حتى كان بينه وبين البصرة في زمن ياقوت ثلاثة أميال، والمربد خراب كالبلدة المفردة في وسط البرية، وكان موضع البصرة يومئذ قريبًا من موضع ضاحيتها الزبير في أيمنا هذه. 260 لأن الذين في الميسرة كانوا يقولون تعليقًا على خطبتي طلحة والزبير: فجرا، وغدرا، وقالا الباطل، وأمرا به. وقد بايعا ثم جاءا يقولان ما يقولان. والذين كانوا في الميمنة يقولون: صدقا، وبرا، وقالا الحق، وأمرا بالحق. وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا، إلا أنه لما انتهت عائشة من خطبتها ثبت الذين مع أصحاب الجمل على موالاتهم لهم، وافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين فقالت فرقة: صدقت والله وبرت وجاءت بالمعروف، وقال الآخرون: كذبت، ما نعرف ما تقولون، فتحاثوا وتحاصبوا أرهجوا. "خ". 261 لما رأت عائشة ما يفعل أنصار عثمان بن حنيف انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لابن حنيف حتى وقفوا في موضع آخر، ومال بعض الذين كانوا مع ابن حنيف إلى عائشة وبقى بعضهم مع عثمان بن حنيف "الطبري: 175: 5". 262 حفظ لنا الطبري: 176: 5-177 وصفًا دقيقًا نقله سيف بن عمر التميمي عن شيخيه محمد بن عبد الله بن سواد بن نويرة، وطلحة بن الأعلم الحنفي عن موقف أصحاب الجمل السلمي في هذه الوقعة، وإسراف حكيم بن جبلة في إنشاب القتال، قالا: وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن ثم حجز الليل بين الفريقين. وفي اليوم التالي انتقل أصحاب الجمل إلى جهة دار الرزق، وأصبح عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة فجددوا التقال، وكان حكيم يطيل لسانه بسب أم المؤمنين ويقتل من يلومه على ذلك من نساء ورجال، ومنادي عائشة يدعو الناس إلى الكف عن القتال فيأبون، حتى إذا مسهم الشر وعضهم نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وصول علي إلى البصرة ووقع التفاهم بينه وبين أصحاب الجمل وكتبوا بينهم أن يكفوا عن القتال، ولعثمان دار الإمارة والمسجد وبيت المال، وأن ينزل طلحة والزبير من البصرة حيث شاءا، ولا يعرض بعضهم لبعض حتى يقدم علي263. وروي أن حكيم بن جبلة عارضهم حينئذ، فقل بعد الصلح. وقدم علي البصرة265، وتدانوا ليتراءوا266، فلم يتركهم أصحاب الأهواء، وبادروا بإراقة الدماء، واشتجر [بينهم] الحرب، وكثرة الغوغاء على البوغاء؛ كل ذلك حتى لا يقع برهان، ولا [تقف] الحال على بيان، ويخفى قتلة عثمان، وإن واحدًا في الجيش يفسد تدبيره، فكيف بألف.   263 ونص كتاب الصلح في تاريخ الطبري 177: 5: ولما بلغ عليًّا ما وقع كتب إلى عثمان بن حنيف يصفه بالعجز، وجمع طلحة والزبير الناس، وقصدوا المسجد وانتظروا عثمان بن حنيف فأبطأ، ولم يحضر، ووقعت فتنة في المسجد من رعاع البصرة أتباع حكيم بن جبلة، وكان لها رد فعل من أناس ذهبوا إلى عثمان بن حنيف ليحضروه، فتوطأه الناس ونتفوا شعر وجهه، أمرهم بذلك مجاشع بن مسعود السلمي زعيم هوازن وبني سليم والأعجاز من قبائل البصرة. "الطبري 178: 5". "خ". 265 فنزل مكانًا منها يسمى الزاوية. وكان أصحاب الجمل نازلين مكانًا منها يسمى الفرضة. "خ". 266 عند موضع قصر عبيد الله بن زياد، وكان ذلك يوم الخميس في النصف من جمادى الأخرة سنة 36 "الطبري 199: 5". وكان الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو التميمي قد قام بين الفريقين بالوساطة الحكيمة المعقولة، فاستجاب له أصحاب الجمل، وأذعن علي لذلك، وبعث علي إلى طلحة والزبير، يقول: "إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو، فكفوا حتى ننزل، فننظر في هذا الأمر"، فأرسلا إليه::إنا على ما فارقنا عليه القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس". قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: 239: 7: فاطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين. فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم، وبعثوا محمد بن طلحة السجاد إلى علي، وعولوا جميعًا على الصلح، وباتوا بخير ليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية. وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط، قد أشرفوا على الهلكة. وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر، واستسروا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وقد روي أن مروان لما وقعت عينه في الاصطفاف على طلحة قال: لا [أطلب] أثرًا بعد عين، ورماه بسهم فقتله267. ومن يعلم هذا إلا علام الغيوب، ولم ينقله ثبت. وقد روي "أنه" أصابه سهم بأمر مروان، لا أنه رماه. وقد خرج كعب بن سور بمصحف منشور بيده يناشد الناس أن لا يريقوا دماءهم269، فأصابه سهم غرب فقتله270، ولعل طلحة مثله.   = الشر، فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم جيرانهم، انسلوا إلى ذلك الأمر انسلالًا "وانظر مع ذلك الموضع من تاريخ ابن كثير تاريخ الطبري 202:5-203 ومنهاج السنة 185:5، 225:3، 241" وهكذا أنشبوا الحرب بين علي وأخويه الزبير وطلحة، فظن أصاب الجمل أن عليًّا غدر بهم، وظل علي أن إخوانه غدروا به، وكل منهم اتقى الله من أن يفعل ذلك في الجاهلية، فكيف بعد أن بلغوا أعلى المنازل من أخلاق القرآن."خ". 267 آفة الأخبار رواتها، وفي العلوم الإسلامية علاج آفة الكذب الخبيثة، فإن كل راوي خبر يطالبه الإسلام بأن يعين مصدره على قاعدة: من أين لك هذا؟ ولا تعرف أمة مثل هذه الدقة في المطالبة بمصادر الأخبار كما عرفه المسملون، ولا سيما أهل السنة منهم، وهذا الخبر عن طلحة ومروان لقيط لا يعرف أبوه ولا صاحبه، وما دام لم ينقله ثبت بسند معروف عن رجال ثقات فإن للقاضي ابن العربي أن يقول بملء فيه: ومن يعلم هذا إلا علم الغيوب؟ 269 كعب بن سور الأزدي أو قضاةء المسلمين على البصرة ولاه أمير المؤمنين عمر. قال الحافظ بن عبد البر: كان مسلمًا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنه لم يره. 270 قال الحافظ ابن عساكر 85:7 في ترجمة طلحة: وقالت عائشة لكعب بن سور الأزدي: "خلِّ يا كعب عن البعير، وتقدم بكتاب الله فادعهم إليه"، ودفعت إليه مصحفًا، وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعلي من خلفهم يزعهم ويأبون إلا إقدامًا، فلما دعاهم كعب رشقوه رشقًا واحدًا فقتلوه، ثم راموا أم المؤمنين ... فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت: "أيها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم"، وأقبلت تدعو، وضج أهل البصرة بالدعاء. وسمع علي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ومعلوم أنه عند الفتنة، وفي ملحمة القتال يتمكن أولوا الإحن والحقود، من حلِّ العرى ونقض العهود، وكانت آجالا حضرت، ومواعد انتجزت771. فإن قيل: لم خرجت عائشة رضي الله عنها وقد قال صلى الله عليه وآله   = الدعاء فقال: "ما هذه الضجة؟ " فقالوا: عائشة تدعو ويدعو الناس معها على قتلة عثمان وأشياعهم. فأقبل علي يدعو وهو يقول: "اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم". قلت: وهكذا اشترك صالحوا الفريقين في لعن قتلة أمير المؤمنين الشهيد المظلوم في الساعة التي كان فيها قتلة عثمان ينشبون القتال بين صالحي المسلمين. 271 نقل الحافظ ابن عساكر 86:7-87 قول الشعبي: رأى علي بن أبي طالب طلحة ملقى في بعض الأودية، فنزل فمسح التراب عن وجهه، ثم قال: "عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلًا في الأودية وتحت نجوم السماء. إلى الله أشكو عجري وبجري" "قال الأصمعي: أي سرائري وأحزاني التي تجول في جوفي". وقال: "ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة". وقال أبو حبيبة مولى طلحة: دخلت أنا وعمران بن طلحة على علي بعد الجمل، فرحب بعمران وأدناه وقال: "إني لأرجو أن يجعلني الله وإياك من الذين قال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} ، وكان الحارث الأعور* جالسًا في ناحية، فقال: الله أعدل من أن نقتلهم ويكونوا إخواننا في الجنة، فقال له علي: قم إلى أبعد أرض الله وأسحقها، فمن هو ذا إن لم أكن أنا وطلحة في الجنة؟ وذكر محمد بن عبد الله أن عليًّا تناول دواة فحذف بها الأعور يريده بها فأخطأه، وقال له ابن الكواء**: "الله أعدل من ذلك"، فقام إليه علي بدرة فضربه، وقال له: "أنت -لا أم لك- وأصحابك تنكرون هذا؟ ".   * هو الحارث بن عبد الله الهمداني الحوثي أبو زهير الكوفي الأعور أحد كبار الشيعة. قال عنه الشعبي وابن المديني: كذاب. قلت: وإنما كان يدفعه إلى الكذب تحزبه وتشيعه، فالحزبية والتشيع والتعصب المذهبي من مدارج الباطل، والإسلام دين الاعتدال والإنصاف والصدق، وأن تقول الحق ولو على نفسك."م". ** ابن الكواء: عبد الله بن أبي أوفى اليشكري أحد القائمين بالفتنة على عثمان. وبعد صفين والتحكيم كان على رأس الخوارج على علي، فلما حاجهم علي وابن عباس رجع إلى علي قبل وقعة النهروان، هذان التعليقان السابقان للخطيب."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وسلم لهن في حجة الوداع "هذه ثم ظهور الحصر"272. قلنا: حدث حديثين امرأة، فإن أبت فأربعة، يا عقول النسوان ألم أعهد إليكم ألا ترووا أحاديث البهتان، وقدمنا لكم على صحة خروج عائشة البرهان273،، فلم تقولون ما لا تعلمون؟ وتكررون ما وقع الانفصال عنه كأنكم لا تفهمون؟ {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} . وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حوب274، ما كان قط شيء مما ذكرتم، ولا قال275 النبي صلى الله   272 في مسند أحمد: 446:2 الطبعة الأولى من حديث صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حج بنسائه قال: "إنما هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر"، وفيه 218:5 الطبعة الأولى من حديث واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لنسائه في حجته: "هذه ثم ظهور الحصر". وحديث أبي واقد في باب فرض الحج من كتاب المناسك بسنن أبي داود: ك11ب1. والحصر جمع حصير، أي لزوم المنزل. ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 215:5 على أنه إشارة نبوية إلى أنه صلى الله عليه وآله وسلم، ينعى لهن نفسه، وأن هذه آخر حجة له صلى الله عليه وآله وسلم، وليس فيه أمر منه بأن لا يزايلن الحصر إلى حج أو مصلحة أو إصلاح بين الناس، فاستشهاد أعداء الصحابة بهذا الحديث على المنوع مطلقًا عده القاضي ابن العربي من البهتان؛ لأنه استشهاد به لغير ما أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم. "خ". 2 روى الإمام ابن حزم في بحث "وجوه الفضل والمفاضلة" من كتاب "الإمامة والمفاضلة" المدرج في الجزء الرابع من الفصل صـ 134 عن شيخه أحمد بن محمد الخوزي عن أحمد بن الفضل الدينوري عن محمد بن جرير الطبري أن علي بن أبي طالب بعث عمار بن ياسر والحسن بن علي إلى الكوفة، إذ خرجت أم المؤمنين إلى البصرة، فلما أتياها اجتمع إليهما الناس في المسجد، فخطبهم عمار، وذكر لهم خروج عائشة أم المؤمنين إلى البصرة ثم قال لهم: "إني أقول لكم، ووالله إني لأعلم أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة كما هي زوجته في الدنيا، ولكن الله ابتلاكم بها لتطيعوها أو لتطيعوه" فقال مسروق أو أبو الأسود: يا أبا اليقظان، فنحن مع من شهدت له بالجنة دون من لم تشهد له، فسكت عمار."خ". 274. الحوب: الإثم."خ". 275 بل هو حديث صحيح، أخرجه أحمد 52/6 و 97 وغيره من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم عن عائشة، وهذا إسناد صحيح = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 تحقيق علمي لمسألة الحوأب عليه وآله وسلم ذلك الحديث، ولا جرى ذلك الكلام، ولا شهد أحد   = رجاله كلهم ثقات، وقد صححه ابن حبان 1831 والحاكم والحافظ والذهبي وابن كثير. وبمناسبة الكلام على حديث الحوأب، لا بد لنا من التصريح بأن خروج عائشة رضي الله عنها كان اجتهادًا منها لتحقيق غاية طلحة والزبير، والتعاون مع علي رضي الله عنه من أجل إطفاء الفتنة والقضاء على المنافقين والمفسدين من قتلة عثمان رضي الله عنهم جميعًا. وقد جاء في كتاب التحفة الاثنى عشرية في رد المطاعن في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين عائشة الصديقة وزوج مفخرة العوالم على الحقيقة. منها أنها خرجت من المدينة إلى مكة، ومنها إلى البصرة، ومعها يزيد على ستة عشر ألف رجل من العسكر. وقد قال تعالى في الأزواج المطهرات: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} فأمرهن بالسكون في البيوت، ونهاهن عن الخروج من بيوتهن. والجواب: أن الأمر باستقرارهن في البيوت والنهي عن الخروج منها ليس بمطلق، ولو كان مطلقًا لما أخرجهن رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم بعد نزول الآية إلى الحج والعمرة والغزوات، ولا رخص بهن بزيارة الوالدين وعيادة المريض وتعزية أقاربهن. واللازم باطل، فكذا الملزوم. والمراد من هذا الأمر والنهي تأكيد التستر والحجاب، بأن لا يدرن ولا يتسكعن في الطرق كنساء العوام. وما طعن به أعداء الله على أم المؤمنين رضي الله عنها وجد في فاطمة رضي الله عنها لما ثبت في كتبهم بطريق التواتر أن الأمير -عليًّا- قد أركب فاطمة على مطية وطاف بها في محلات المدينة ومساكن الأنصار طالبًا منهم الإعانة على ما غصب من حقها في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وذلك بناء على رواية الخصوم. ولما ظهر علي رضي الله عنه جاء إلى أم المؤمنين رضي الله عنها فقال: "غفر الله لك"، قالت: "ولك، ما أردت إلا الإصلاح". ثم أنزلها دار عبد الله بن خلف، وهي أعظم دار في البصرة على سنية بنت الحارث أم طلحة الطلحات، وزارها ورحبت به وبايعته وجلس عندها. فقال رجل: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل منهما مئة جلدة وأن يجردهما من ثيابهما ففعل. "الطبري: 223: 5" ولما أرادت الخروج من البصرة بعث إليها بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وأرسل معها أربعين امرأة وسير معها أخاها محمدًا. ولما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي رضي الله عنه فوقف على الباب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 بشهادتهم، وقد كتبت شهاداتكم بهذا الباطل وسوف تسألون276.   = وخرجت من الدار في الهودج، فودعت الناس ودعت لهم وقالت: "يا بني، لا يغتب بعضكم بعضًا، إنه والله ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار"، فقال علي رضي الله عنه: "صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة، وسار معها مودعا أميالًا سرح بيته معها بقية ذلك اليوم. أما خروج عائشة رضي الله عنها فهو اجتهاد منها لتحقيق غاية طلحة والزبير، والتعاون مع علي من أجل إطفاء الفتنة والقضاء على المنافقين من قتلة عثمان رضي الله عنهم جميعا. "التحفة صـ 260-268، 275، 276 باختصار". فأين هذه البراءة مما زعمه بعض المفترين بأن خروج عائشة رضي الله عنها يوم الجمل كان انتقامًا من علي رضي الله عنه من أنه حض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على طلاقها في حادثة الإفك لما رأى من حزنه من كلام بعض الناس. وقد قال غير واحد أنها اجتهدت، ولكنها أخطأت في الاجتهاد، ولا إثم على المجتهد المخطيء، بل له أجر على اجتهاده، وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن عائشة لم تقاتل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت كلما ذكرت تبكي حتى تبل خمارها، وهكذا عامة السابقن ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن لهؤلاء قصد في القتال، ولك وقع القتال بغير اختيارهم. "المنتقى صـ 223"."م". 276 تقدم بيان موضع الحوأب. وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزعموا أن عائشة ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة. وقد رأينا خبره عند الطبري 170:5 فرأيناه يرويه عن إسماعيل بن موسى الفزاري "وهو رجل قال فيه ابن عدي: أنكروا منه الغلو في التشيع"، ويرويه هذا الشيعي عن علي بن عابس الأزرق "قال عنه النسائي: ضعيف"، وهو يرويه عن أبي الخطاب الهجري "قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: مجهول" وهذا الهجري المجهول يرويه عن صفوان بن قبيصة الأحمسي "قال عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال": مجهول". هذا هو خبر الحوأب. وقد بني على أعرابي زعموا أنهم لقوه في طريق الصحراء ومعه جمل أعجبهم، فأرادوا أن يكون هو جمل عائشة، فاشتروه منه، وسار الرجل معهم حتى وصلوا إلى الحوأب، فسمع هذا الكلام ورواه، مع أنه هو نفسه -أي الأعرابي صاحب الجمل- مجهول الاسم، ولا نعرف عنه أن كان من الكذابين أو الصادقين. ويظهر لي أنه ليس من الكذابين ولا من الصادقين؛ لأنه من أصله رجل موهوم لم يخلق، ولأن جمل عائشة واسمه "عسكر" جاء به يعلى بن أمية من اليمن وركبته عائشة من مكة إلى العراق، ولم تكن ماشية على رجلها حتى اشتروا لها 0جملا من هذا الأعرابي الذي زعموا أنهم قابلوه في الصحراء، وركبوا على لسانه هذه الحكاية السخيفة ليقولوا أن طلحة والزبير -المشهود لهما بالجنة ممن لا ينطق عن الهوى- قد شهدا الزور، ولو كنا نستجيز نقل الأخبار الواهية لنقلنا في معارضة هذا الخبر خبرًا آخر نقله ياقوت في معجم البلدان "مادة حوأب" عن سيف بن عمر التميمي أن المنبوحة من كلاب الحوأب هي أم زمل سلمى بنت مالك الفزارية التي قادت المرتدين ما بين ظفر والحوأب، فسباها المسلمون، ووهبت لعائشة فأعتقتها، فقيلت فيها هذه الكلمة. وهذا الخبر ضعيف والخبر الذي أوردوه عن عائشة أوهى منه. وما برح الكذب بضاعة يتجر بها الذين لا يخافون الله. ذكرنا فيما سبق أن خبر الحوأب صحيح فليرجع إليه. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الباب الرابع قاصمة ودارت الحرب بين أهل الشام وأهل العراق277: هؤلاء يدعون إلى علي بالبيعة وتأليف الكلمة على الإمام، وهؤلاء يدعون إلى التمكين من قتلة عثمان، ويقولون: لا نبابع من يؤوي القتلة278. وعلي يقول: "لا أمكن طالبا من مطلوب ينفذ فيه مراده بغير حكم ولا حاكم"، ومعاوية يقول: "لا نبايع متهمًا [بقتله] أو قاتلًا له، هو أحد من نطلب فكيف نحكمه أو نبايعه، وهو خليفة عداء وتسور".   277 في موضع يسمى صفين بقرب الرقة على شاطيء الفرات آخر تخوم العراق وأول أرض الشام، سار إليها علي بجيوشه في أواخر ذي القعدة سنة 36. "خ". 378 لما انتهى علي من حرب الجمل وسار من البصرة إلى الكوفة، فدخلها يوم الاثنين 12 من رجب، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية في دمشق يدعوه إلى طاعته. فجمع معاوية رءوس الصحابة وقادة الجيوش وأعيان أهل الشام، واستشارهم فيما يطلب عليه، فقالوا: لا نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان، أو يسلمهم إلينا، فرجع جرير إلى علي: بذلك، فاستخلف علي على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر، وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام من العراق، وقد أشار عليه ناس بأن يبقى في الكوفة، وبعث غيره إلى الشام فأبى، وبلغ معاوية أن عليًّا تجهز وخرج بنفسه لقتاله، فأشار عليه رجلاه أن يخرج هو أيضًا بنفسه، فخرج الشاميون نحو الفرات من ناحية صفين، وتقدم علي بجيوشه إلى تلك الجهة، وكان جيش علي في مائة وعشرين ألفًا وجيش معاوية في تسعين ألفًا، وبدأ القتال في ذي الحجة سنة 36 بمناوشات ومبارزات، ثم تهادنوا في المحرم سنة 37 واستؤنف القتال بعده، وقتل في هذه الحرب سبعون ألفًا، وكانت الوقائع 90 وقعة في 110 أيام، وامتازت هذه الحرب بنبل الشجاعة في القتال، ونبل التعامل والاتصال عند التهادن والراحة، ثم كتب كتاب التحكيم يوم 13 صفر سنة 37 على أن يعلن الحكمان حكمهما في رمضان بدومة الجندل بمكان منها يسمى أذرح. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وذكروا في تفاصيل ذلك كلمات آلت إلى استفعال رسائل279، واستخراج أقوال، وإنشاء أشعار، وضرب أمثال تخرج عن سيرة السلف، يقرأها الخَلْف وينبذها الخَلَف280.   279 أي انتحالها زورًا ولا أصل لها، وأكثر ما تجد فيما يرويه أخباريو الشيعة عن رواة مجهولين أو كذابين. وأخفهم وطأة أبو مخنف لوط بن يحيى، قال الحافظ الذهبي: "أبو مخنف إخباري تالف، لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره". وقال فيه ابن عدي: "شيعي محترق صاحب أخبارهم" ثم جاء بعده آخرون منهم كانوا شرًّا على تاريخ الإسلام من لوط هذا ... فأفسدوا على الأمة معرفتها بماضيها."خ". 280 الخَلْف بفتح الخاء وسكون اللام: الطالح. وفي التنزيل {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى} . والخَلَف بفتح الخاء واللام: الصالح. ومنه الحديث "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين "*."خ ".   * يريد بذلك علماء الحديث محاربي المبتدعة والمعطلة."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 عاصمة موقف علي من قتلة عثمان أما وجود الحرب بينهم فمعلوم قطعًا، وأما كونه بهذا السبب فمعلوم كذلك قطعًا، وأما الصواب فيه فمع علي؛ لأن الطالب للدم لا يصح أن يحكم، وتهمة الطالب للقاضي لا توجب عليه أن يخرج عليه، بل يطلب الحق عنده، فإن ظهر له قضاء وإلا سكت وصبر، فكم من حق يحكم الله فيه، وإن لم يكن له دين فحينئذ يخرج عليه، فيقوم له عذر في الدنيا281.   281 وجود قتلة عثمان في معسكر علي حقيقة لا يماري أحد فيه، بل أن الأشتر، وهو من رؤوس البغاة على عثمان كان أكبر مسعر للحرب بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين في معسكر علي والذين في معسكر معاوية، ولما طالب علي معاوية ومن معه من الصحابة والتابعين أن يبايعوه احتكموا إليه في قتلة عثمان، وطلبوا منه أن يقيم حد الله عليهم، أو أن يسلمهم إليهم، فيقيموا عليهم حد الله، وقد اعتذرنا عن أمير المؤمنين علي بأن قتلة عثمان لما صاروا مع علي في العراق صاروا في معقل قوتهم وعنجهية قبائلهم، فكان علي يرى -بينه وبين نفسه- أن قتلهم يفتح عليه بابًا لا يستطيع سده بعد ذلك. وقد انتبه لهذه الحقيقة الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو التميمي، وتحدث بها مع أم المؤمنين عائشة وصاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طلحة والزبير، فأذعنوا لها وعذروا عليًّا، ووافقوا على التفاهم معه على ما يوصلهم إلى الخروج من هذه الفتنة، فما لبث قتلة عثمان أن أنشبوا الحرب بين الفريقين، فالمطالبون بإقامة حد الله على قتلة عثمان معذورون لأنهم يطالبون بحق، سواء كانوا من أصحاب الجمل، أو من أهل الشام. وتقصير علي في إقامة حد الله كان عن ضرورة قائمة ومعلومة، ولكن إذا كانت حرب البصرة ناشئة عن إنشاب قتلة عثمان الحرب بين الفريقين الأولين، فقد كان من مصلحة الإسلام أن لا تنشب حرب صفين بين الفريقين الآخرين، وكان سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن بن علي كارهًا خروج أبيه من المدينة إلى العراق لما يخشاه من نشوب الحرب مع أهل الشام، ولو أن عليًّا لم يتحرك من الكوفة استعدادًا لهذا القتال لما حرك معاوية فيه ساكنًا، قال شيخ الإسلام بن تيمية في منهاج السنة 219: 2: "لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء"، ومع ذلك فإن هذه الحرب المثالية هي الحرب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 حرب صفين ودعوى الفريقين وما اخترع في ذلك من أكاذيب ولئن اتهم علي بقتل عثمان فليس في المدينة أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا وهو متهم به، أو قل معلوم قطعًا أنه قتله؛ لأن ألف رجل جاءوا لقتل عثمان لا يغلبون أربعين ألفًا282. وهبك أن عليًّا وطلحة والزبير تضافروا على قتل عثمان، فباقي الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومن اعتد فيهم وضوى إليهم ماذا صنعوا بالقعود عن نصرته؟. فلا يخلو أن يكون لأنهم رأوا أولئك طلبوا حقًّا، وفعلوا حقًّا، فهذه شهادة قائمة على عثمان فلا كلام لأهل الشام. وإن كان قعدوا عنه استهزاء بالدين، وأنهم لم يكن لهم [رأس مال] في الحال، ولا مبالاة عندهم بالإسلام ولا فيما يجري فيه من اختلال، فهي ردة ليست معصية؛ لأن التهاون بحدود الدين وإسلام حرمات الشريعة للتضييع كفر، وإن كانوا قعدوا لأنهم لم يروا أن يتعدوا حد عثمان وإشارته فأي ذنب لهم فيه؟ وأي حجة لمروان وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وابن عمر وأعيان العشرة معه في داره يدخلون إليه ويخرجون عنه في الشكة والسلاح -[والمطالبون] ينظرون؟   = الإنسانية الأولى في التاريخ التي جرى فيها المتحاربان معًا على مبادئ الفضائل التي يتمنى حكماء الغرب لو يعمل بها في حروبهم، ولو في القرن الحادي والعشرين، وأن كثيرًا من قواعد فقه الحرب في الإسلام لم تكن لتعلم وتدون لولا وقوع هذه الحرب، ولله في كل أمر حكمة. "خ". 282 ليس في أهل السنة رجل واحد يتهم عليًّا بقتل عثمان، لا في زماننا ولا في زمانه، وقد مضى الكلام على ذلك في هذا الكتاب، وكل ما في الأمر وجود قتلة عثمان مع علي، وموقف علي منهم، وعذره بينه وبين الله في موقفه هذا. فنحن جميعًا على رأي القعقاع بن عمرو بأن موقف علي موقف ضرورة، غير أن الحمقى من أخباريي الشيعة دسوا على علي أخبارًا تشعر بغير ما كان في قلبه من المحبة والرضا والموالاة والتأييد لعثمان أثناء محنته، فأساءوا بذلك إلى علي من حيث يريدون الإساءة إلى عثمان، أما معاوية وفريقه فلم يذكروا عليًّا في أمر البغي على عثمان إلا لمناسبة انضواء قتلة عثمان إليه واستعانته بهم، فقتلة عثمان هم الذين أساءوا إلى الإسلام وإلى عثمان وإلى علي أيضًا، فالله حسيبهم، ولو أن كل المسلمين كانوا كعبد الرحمن بن خالد بن الوليد في حزمه قبل أن تستفحل الفتنة ويفلت زمام من أيدي العقلاء لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ولو كان بهم قوة أو أووا إلى ركن شديد لما مكنوا أحدًا أن يراه منهم ولا يداخله، وإنما كانوا نظارة، فلو قام في وجوههم الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وعبد الله ابن الزبير ما جسروا، ولو قتلوهم ما بقي على الأرض منهم حي. ولكن عثمان سلَّم نفسه، فتُرك ورأيه، وهي مسألة اجتهاد كما قدمنا. وأي كلام كان يكون لعلي [لو كتبت عنده البيعة] 284 وحضر عنده ولي عثمان وقال الخليفة "له: يا أيها" [وما] 285 تمالأ عليه ألف نسمة حتى قتلوه، وهم معلومون، ماذا كان يقول إلا: أثبت، وخذ. وفي يوم كان يثبت، إلا أن يثبتوا هم أن عثمان كان مستحقًّا للقتل286. وتالله لتعلمن يا معشر المسلمين أنه ما كان يثبت على عثمان ظلم أبدًا، وكان يكون الوقت أمكن للطلب، وأرفق في الحال، وأيسر وصولًا إلى المطلوب287.   284 غير الشيخ محب هذه العبارة فكتب "لما تمت له البيعة"، ولم يشر إلى ذلك، وهو مخالف للنص في جميع النسخ "صـ 167"، وهذا أدلى إلى تغيير المعنى الذي قصد إليه المؤلف. "س". 285 غير الشيخ محب الدين النص هنا أيضًا هكذا "وقال له: إن الخليفة قد تمالأ عليه ... "وهو مخالف لجميع النسخ المخطوطة ومؤدٍ إلى تغيير في المعنى. "س". 286المؤلف معترف بأن الإثبات كان في متناول اليد؛ لأن الجريمة مشهودة، والمجرمون أعلنوا فيها فجورهم، فلم يتكتموا، ولكن كيف يكون التنفيذ، ومن الذي يقوم به ومدينة الرسول مسكتينة تحت وطأة الإرهاب؟ ومن ذا الذي يضمن لعلي حياته إذا أصدر هذا الحكم؟ أليس هؤلاء هم الذين تداولوا في قتله لما عقدوا مؤتمرهم في ذي قار بعد خطبة علي التي ألقاها على الغرائر قبيل مسيره إلى البصرة؟ "الطبري 165:5" ألم يسخط الأشتر على أمير المؤمنين علي بعد وقعة الجمل؛ لأنه ولى ابن عمه عبد الله بن عباس على البصرة، ولم يولها الأشتر، ففارقه غاضبًا، ولحق به علي فتلافى ما يكون منه من الشر "الطبري 194:5"، والخوارج على علي ألم ينبتوا من هذه النواة؟ ولما قتل علي ألم يقتل بمثل السلاح الذي قتل به عثمان؟ "خ". 287 كان يكون الوقت أمكن الطالب لو وجدت في المدينة القوة التي كان يتمناها عثمان، ويقال إن قوة من جند الشام كانت خرجت من دمشق قاصدة المدينة، فلما جاءها خبر شهادة أمير المؤمنين عثمان رجعت من = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 والذي يكشف الغطاء في ذلك أن معاوية لما صار إليه الأمر لم يمكنه أن قتل من قتلة عثمان أحدًا، إلا بحكم، إلا قمن قتل في حرب بتأويل، أو دس عليه فيما [قيل] 288. حتى انتهى الأمر إلى "زمان" الحجاج، وهم يقتلون بالتهمة لا بالحقيقة، فتبين لكم أنهم ما كانوا في ملكهم أن يفعلوا ما أضحوا له يطلبون. والذي تثلج به صدوركم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر في الفتن، وأشار وبين. وأنذر [الخوارج] 290 وقال:" تقتلهم أدنى الطائفتين   = الطريق، فبقيت المدينة خاضعة لقتلة عثمان حتى بعد البيعة لعلي، وهم إن نزلوا على أحكام هذه البيعة فيما لا ضرر منه عليهم، لا ريب أنهم ينقلبون وحوشًا ضارية لو صدرت عليهم أحكام الله بإقامة الحدود فيما ارتكبوا من جرم شنيع."خ". 288 إن سطوة الله وعدله الأعلى نزلا بأكثر قتلة عثمان فلم يبق منهم في ولاية معاوية إلا المشرد الخائف الباحث عن جحر يختبيء فيه، وبزوال سطوتهم وتقلص شرهم لم يبق بمعاوية حاجة إلى تتبعهم. 290 اسم الخوارج جاء من جماعة خرجوا على علي بن أبي طالب وصحبه؛ لأنه قبل بالتحكيم قائلين: إن حكم الله واضح لا يحتاج إلى هذا التحكيم، وكان شعارهم: "لا حكم إلا لله"، ويسمون أيضًا بالحرورية نسبة إلى قرية في الكوفة تسمى "حروراء" خرجوا إليها، وقد حاربهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الوقعة الشهيرة بوقعة "النهروان" وهزمهم، وقتل منهم كثيرًا، ولكنه لم يستطع إبادتهم، حتى دبروا له مكيدة قتله على يد عبد الرحمن بن ملجم عليه من الله ما يستحق. وقد حارب الخوارج الدولة الأموية وأقلقوا راحتها في حروب متواصلة؛ بحجة أنها مغتصبة الخلافة بزعمهم، ولكنها استطاعت أن تنهك قواهم، غير أنها لم تستطع استئصالهم. والخوارج يقولون بتكفير عثمان لما غير وبدل بزعمهم، وبتكفير علي لقبوله التحكيم وطعنوا في أصحاب الجمل، وكل ذلك من جهلهم وضلالهم. وكان من نظريتهم أن الخلافة تكون باختيار حر من المسلمين، وقد خالفوا بذلك الشيعة القائلين بانحصار الخلافة في بيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان ذلك بخلاف أهل السنة القائلين بأن الخلافة من قريش إذا وجدوا وتحققت فيهم الجدارة، وهو الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الطائفتان كانتا على حق والبغات على عثمان ليسوا من إحداهما إلى الحق"291 فبين أن كل طائفة "منهما" تتعلق بالحق، ولكن طائفة علي أدنى إليه. 292 وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] فلم يخرجهم عن الإيمان بالبغي بالتأويل، ولا سلبهم اسم الأخوة بقوله بعده: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] .   = والخوارج على الرغم من ضلالهم وانحرافهم، لم يعرفوا بالكذب كالرافضة الذين ينكرون الأحاديث الصحيحة، ويضعون الأحاديث المكذوبة على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤولون آيات القرآن الكريم حسب أهوائهم. "م". 291 في صحيح مسلم: "ك12 ح150 ج3 صـ 113" من حديث أبي سعيد الخدري: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق". "خ". 292 أهل السنة المحمدية يدينون لله على أن عليًّا ومعاوية ومن معهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا جميعًا من أهل الحق، وكانوا مخلصين في ذلك. والذي اختلفوا فيه إنما اختلفوا عن اجتهاد، كما يختلف المجتهدون في كل ما يختلفون فيه. وهم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة والخطأ وثواب المصيب أضعاف ثواب المخطيء، وليس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشر معصوم عن أن يخطيء وقد يخطيء بعضهم في أمور ويصيب في أخرى، وكذلك الآخرون، ومن مرق عن الحق في إثارة الفتنة الأولى على عثمان لا يعد من إحدى الطائفتين اللتين على الحق، وإن قاتل معها والتحق بها؛ لأن الذين تلوثت أيديهم ونياتهم وقلوبهم بالبغي الظالم على أمير المؤمنين عثمان -كائنًا من كانوا- استحقوا إقامة الحد الشرعي عليهم سواء استطاع ولي الأمر أن يقيم عليهم هذا الحد أو لم يستطع، وفي حالة عدم استطاعته فإن مواصلتهم تسعير القتال بين صالحي المسلمين كلما أحسوا منهم بالعزم على الإصلاح والتآخي -كما فعلوا في وقعة الجمل وبعدها- يعد إصرارًا منهم على الاستمرار في الإجرام ما داموا على ذلك. فإن قلنا إن الطائفتين كانتا من أهل الحق فإنما نريد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين كانوا من الطائفتين ومن سار معهم على سنته صلى الله عليه وآله وسلم من التابعين، ونرى أن عليًّا المبشر بالجنة أعلى مقاما عند الله من معاوية خال المؤمنين وصاحب رسول الله رب العالمين، وكلاهما من أهل = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 حديث ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين وقال صلى الله عليه وآله وسلم في عمار: "تقتله الفئة الباغية" 293. وقال في الحسين: "ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فحسن له خلعه نفسه وإصلاحه294.   = الخير، وإذا اندس فيهم طوائف من أهل الشر فإن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يَرَهُ، نقل الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 277: 7، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني قاضي أفريقية المتوفى سنة 156، وكان رجلًا صالحًا من الآمرين بالمعروف -وذكر أهل صفين- فقال: كانوا عربًا يعرف بعضهم بعضًا في الجاهلية، فالتقوا في الإسلام معهم على الحمية وسنة الإسلام، فتصابروا، واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم، قال الشعبي: "هم أهل الجنة، لقى بعضهم بعضًا، فلم يفر أحد من أحد". "خ". 293 قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لما كانوا يبنون المسجد، فكان الناس ينقلون لبنة لبنة، وعمار ينقل لبنتين لبنتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه هذه الكلمة على ما رواه أبو سعيد الخدري لعكرمة مولى ابن عباس ولعلي بن عبد الله بن عباس، وهو في كتاب الجهاد والسير من صحيح البخاري: ك 56 ب 17 ج 3، صـ 207، وقد كان معاوية يعرف من نفسه أنه لم يكن منه البغي في حرب صفين؛ لأنه لم يردها، ولم يبتئدها، ولم يأتِ لها إلا بعد أن خرج علي من الكوفة، وضرب معسكره في النخيلة ليسير إلى الشام كما تقدم، ولذلك لما قتل عمار قال معاوية: إنما قتله من أخرجه. وفي اعتقادي الشخصي أن كل من قتل من المسلمين بأيدي المسلمين منذ قتل عثمان، فإنما أثمه على قتلة عثمان لأنهم فتحوا باب الفتنة، ولأنهم واصلوا تسعير نارها، ولأنهم الذين أوغروا صدور المسلمين بعضهم على بعض، فكما كانوا قتلة عثمان فإنهم كانوا القاتلين لكل من قتل بعده، ومنهم عمار، ومن هم أفضل من عمار كطلحة والزبير، إلى أن انتهت فتنتهم بقتلهم عليًّا نفسه، وقد كانوا من جنده، وفي الطائفة التي كان قائما عليها. فالحديث من أعلام النبوة. والطائفتان المتقاتلتان في صفين كانتا طائفتين من المؤمنين، وعلي أفضل من معاوية، وعلي ومعاوية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن دعائم دولة الإسلام. وكل ما وقع من الفتن قائمة على مورئي نارها؛ لأنهم السبب الأول فيها، فهم الفئة الباغية التي قتل بسببها كل مقتول في وقعتي الجمل وصفين وما تفرع عنهما. "خ". 294 سيأتي الكلام على هذا عند الكلام على الصلح بين الحسن ومعاوية. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وكذلك يروى أنه أذن في الرؤيا لعثمان أن يستسلم ويفطر عنده الليلة. فهذه كلها أمور جرت على رسم النزاع، ولم تخرج عن طريق الفقه، ولا تعدت سبيل الاجتهاد الذي يؤجر فيه المصيب عشرة296. وما وقع من روايات في كتب التاريخ -عدا ما ذكرناه- فلا تلتفوا إلى حرف منها، فإنها كلها باطلة.   296 نص الحديث:" إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد" رواه البخاري ومسلم."م". 279 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 219:2-220: "لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء، بل كان من أشد الناس حرصًا على أن لا يكون قتال، وكان غيره أحرص على القتال منه. وقتال صفين للناس فيه أقوال: فمنهم من يقول كلاهما كان مجتهدًا مصيبًا، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام والفقه والحديث ممن يقول: كل مجتهد مصيب، ويقول: كانا مجتهدين. وهذا قول كثير من الأشعرية والكرامية والفقهاء وغيرهم، وهو قول كثير من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، وتقول الكرامية: كلاهما أمام مصيب، ويجوز نصب إمامين للحاجة، ومنهم من يقول: بل المصيب أحدهما لا بعينه، وهذا قول طائفة منه، ومنهم من يقول: علي هو المصيب وحده ومعاوية مجتهد مخطئ، كما يقول ذلك طوائف من أهل الكلام والفقهاء أهل المذاهب الأربعة، وقد حكى هذه الأقوال الثلاثة أبو عبد الله حامد من أصحاب الإمام أحمد وغيره ومنهم من يقول: كان الصواب أن لا يكون قتال، وكان ترك القتال خيرًا للطائفتين، فليس في الاقتتال صواب، ولكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية، والقتال قتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيرًا للطائفتين، مع أن عليًّا كان أولى بالحق، وهذا قول أحمد وأكثر أهل الحديث وأكثر أئمة الفقهاء، وهو قول أكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهو قول عمران بن حسين رضي الله عنه، وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال، ويقول: هو بيع السلاح في الفتنة. وهو قول أسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ولهذا كان من مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة؛ فإنه قد ثبتت فضائلهم ووجبت موالاتهم ومحبتهم."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الباب الخامس قاصمة التحكيم الصحيح فيما رواه الدارقطني وخليفة بن خياط وقد تحكم الناس في التحكيم فقالوا فيه ما لا يرضي الله، وإذا لاحظتموه بعين المروءة -دون الديانة- رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الأكثر عدم الدين، وفي الأقل جهل بين. والذي يصح من ذلك ما روى الأئمة كخليفة بن خياط798، والدارقطني799: أنه لما خرج الطائفة العراقية في مائة ألف والشامية في سبعين أو تسعين ألفًا ونزلوا على الفرات بصفين، اقتتلوا في أول يوم وهو الثلاثاء على الماء، فغلب أهل العراق عليه300. ثم التقوا يوم الأربعاء لبسع خلون من صفر سنة "سبع وثلاثين" ويوم   298 هو الإمام الحافظ أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري البصري أحد أوعية العلم، ومن شيوخ الإمام البخاري. قال عنه ابن عدي: هو صدوق مستقيم الحديث من متيقظي رواة السنة. توفي سنة240. "خ". 299 هو الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني 306-385 كان مع جلالته في الحديث من أئمة فقهاء الشافعية، وله تقدم في الأدب ورواية الشعر، وجاء من بغداد إلى مصر ليساعد ابن حنزابة وزير كافور على تأليف مسنده فبالغ الوزير في إجلاله، قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: "أحسن الناس كلامًا على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون القيسي في وقته، والدارقطني في وقته". "خ". 300 لم يكن القتال على الماء جديًّا، وقد قال عمرو بن العاص يومئذ "ليس من النصف أن نكون ريانين وهم عطاش"، والذين تظاهروا في الجيش الشامي بمنع العراقيين عن الماء أرادوا أن يذكروهم بمنعهم الماء عن أمير المؤمنين عثمان في عاصمة خلافته، وهو الذي اشترى بئر رومة من ماله ليستقي منه إخوانه المسلمين، وبعد اشتراكهم في الماء تناوشوا شهر ذي الحجة من سنة 36، ثم تهادنوا شهر المحرم من سنة 37، ووقعت وقائع شهر صفر التي سيشير إليها المؤلف. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 العراقيون جاءوا بأبي موسى من عزلته لأنه كان ناصحا بالدعوة إلى السلم حتى يكون الرجلان يحكمان بين الدعويين بالحق، فكان من جهة علي الخميس ويوم الجمعة وليلة السبت301، ورفعت المصاحف من أهل الشام، ودعوا إلى الصلح، وتفرقوا على أن تجعل كل طائفة أمرها إلى رجل أبو موسى302، ومن جهة معاوية عمرو بن العاص. وكان أبو موسى رجلًا تقيًا ثقفًا فقيهًا عالِمًا حسبما بيناه في كتاب سراج المريدين303، أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن مع معاذ، وقدمه عمر وأثنى عليه بالفهم304، وزعمت الطائفة التاريخية الركيكة أنه كان أبله، ضعيف الرأي، مخدوعًا في القول، وأن ابن العاص كان ذا دهاء وأرب حتى ضربت الأمثال بدهائه تأكيدًا لما أرادت من الفساد، وتبع في ذلك بعض الجهال بعضًا، وصنفوا فيه حكايات، وغيره من الصحابة كان أحذق منه وأدهى. وإنما بنوا ذلك على أن عمرًا لما غدر أبا موسى في قصة التحيكم صار له الذكر في الدهاء [والفكر] .   301 وكانت تسمى "ليلة الهرير" اقتتل الناس فيها حتى الصباح. "خ". 203 وكان آخر العهد بأبي موسى عندما كان واليًّا على الكوفة، وجاء دعاة علي يحرضون الكوفيين على لبس السلاح والالتحاق بجيش علي استمدادًا لما ينتظرونه من قتال مع أصحاب الجمل في البصرة، ثم مع أنصار معاوية في الشام، فكان أبو موسى يشفق على دماء المسلمين أن تسفك بتحريض الغلاة، ويذكر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقول نبيهم في الفتنة: "القاعد فيها خير من القائم"، فتركه الأشتر يحدث الناس في المسجد بالحديث النبوي، وأسرع إلى دار الإمارة فاحتلها، فلما عاد إليها أبو موسى منعه الأشتر من الدخول وقال له: اعتزل إمارتنا. فاعتزلهم أبو موسى، واختار الإقامة في قرية يقال لها "عرض" بعيدًا عن الفتن وسفك الدماء. فلما شبع الناس من سفك الدماء واقتنعوا بأن أبا موسى كان ناصحًا للمسلمين في نهيهم عن القتال طلبوا من علي أن يكون هو ممثل العراق في أمر التحكيم؛ لأن الحالة التي كان يدعو إليها هي التي فيها الصلاح، فأرسلوا إلى أبي موسى وجاءوا به من عزلته. "خ". 303 من مؤلفات أبي بكر بن العربي وهو في الزهد والتصوف السني، وتوجد منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم 20348 ب. "س". 304 واختصه بكتابه الشهير في القضاء وآدابه وقواعده. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 معاوية لم يكن يومئذ خليفة حتى يخلعه عمرو أو يثبته وقالوا: إنهما لما اجتمعا بأذرح من دومة الجندل305، وتفاوضا اتفقا على أن يخلعا الرجلين306، فقال عمرو لأبي موسى: "اسبق بالقول". فتقدم فقال: "إني نظرت فخلعت عليًّا عن الأمر، ولينظر المسلمون لأنفسهم، كما خلعت سيفي هذا من عاتقي" وأخرجه من عنقه فوضعه في الأرض، وقام عمرو فوضع سيفه في الأرض وقال: "إني نظرت فأثبت معاوية في   305 أذرح: قرية من أعمال الشراة تقع في منطقة بين أراضي شرقي الأردن والمملكة العربية السعودية في الأطراف الجنوبية من بادية الشام. "خ". 306 من الحقائق ما إذا أسيء التعبير عنه وشابته شوائب المغالطة يوهم غير الحققة، فينشأ عن ذلك الاختلاف في الحكم عليه، ومن ذلك حادثة التحكيم، وقول المغالطين أن أبا موس وعمرًا اتفقا على خلع الرجلين، فلخلعهما أبو موسى، واكتفى عمرو بخلع علي دون معاوية. وأصل المغالطة من تجاهل المغالطين أن معاوية لم يكن يومئذ خليفة. ولا هو ادعى الخلافة حتى يحتاج عمرو إلى خلعها عنه، بل إن أبا موسى وعمرًا اتفقا على أن يعهدا بأمر الخلافة على المسلمين إلى الموجودين على قيد الحياة من أعيان الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، واتفاق الحكمين على ذلك لا يتناول معاوية؛ لأنه لم يكن خليفة، ولم يقاتل على الخلافة، وإنما كان يطالب بإقامة الحد الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان، فلما وقع التحكيم على إمامة المسلمين، واتفق الحكمان على ترك النظر فيها إلى كبار الصحابة وأعيانهم تناول التحيكم شيئًا واحدًا هو الإمامة، أما التصرف العملي في إدارة البلاد التي تحت حكمه، ومعاوية متصرف في البلاد التي تحت حكمه، فالتحكيم لم يقع فيه خداع ولا مكر، ولم تتخلله بلاهة ولا غفلة، وكان يكون محل للمكر أو الغفلة لو أن عمرًا أعلن في نتيجة التحكيم أنه ولى معاوية إمارة المؤمنين وخلافة المسلمين، وهذا ما لم يعلنه عمرو، ولا ادعاه معاوية، ولم يقل به أحد في الثلاثة عشر قرنًا الماضية. وخلافة معاوية لم تبدأ إلا بعد الصلح مع الحسن بن علي، وقد تمت بمبايعة الحسن لمعاوية، ومن ذلك اليوم فقط سمي معاوية أمير المؤمنين، فعمرو لم يغالط أبا موسى ولم يخدعه، إنه لم يعطِ معاوية شيئًا جديًّا، ولم يقرر في التحيكم غير الذي قرره أبو موسى، ولم يخرج عما اتفقا عليه معًا، فبقيت العراق والحجاز وما يتبعهما تحت يد من كانت تحت يده من قبل، وبقيت الشام وما يتبعها تحت يد من كانت تحت يده من قبل، وتعلقت الإمامة بما سيكون من اتفاق أعيان الصحابة عليها، وأي ذنب لعمرو في أي شيء مما وقع؟ إن البلاهة لم تكن من أبي موسى، ولكن ممن يريد أن يفهم الوقائع على غير ما وقعت عليه، فليفهمها كل من شاء كما يشاء. أما هي، فظاهرة واضحة لكل من يراها كما هي. "خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الأمر307، 308 كما أثبت سيفي هذا في عاتقي، وتقلده، فأنكره أبو موسى، فقال عمرو: كذلك اتفقنا، وتفرق الجمع على ذلك من الاختلاف.   307 أي أمر؟ إن كان الاستمرار في إدارة البلاد التي تحت يده، فإن هذا لأمر ماضٍ على معاوية وعلي معًا، فكل منهما باقٍ في الحكم على ما تحت يده، وإن كان المراد بالأمر الإمامة العامة وإمارة المؤمنين فإن معاوية لم يكن إمامًا -أي خليفة- حتى يثبته عمرو كما كان. وقد أوضحنا هذه الحقيقة في الفقرة السابقة، وهذه هي نقطة المغالطة التي هزأ بها مؤرخو الإفك المفترى، فسخروا بجميع قرائهم وأوهموهم بأن هناك خليفتين أو أميرين للمؤمنين، وأن الاتفاق بين الحكمين كان على خلعهما معًا، وأن أبا موسى خلع الخليفتين تنفيذًا للاتفاق، وأن عمرًا خلع أحدهما وأبقى الآخر خليفة خلافًا للاتفاق. وهذا كله كذب وإفك وبهتان، والذي فعله عمرو هو نفس الذي فعله أبو موسى لا يفترق عنه قط في نقير ولا قطمير، وبقي أمر الإمامة والخلافة أو إمارة المؤمنين معلق على نظر أعيان الصحابة ليروا فيه رأيهم متى شاءوا وكيف شاءوا. وإذا كانت هذه الخطوة الثانية لم تتم، فما في ذلك تقصير من أبي موسى ولا من عمرو، فهما قد قاما بمهمتهما بحسب ما أدى إليه اجتهادهما واقتناعهما؟ ولو لم تكلفهما الطائفتان معًا بأداء هذه المهمة لما تعرضا لها، ولا أبديا رأيًا فيها. ولو كان موقف أبي موسى في هذا الحادث التاريخي العظيم موقف بلاهة وفشل لكان ذلك سبة عليه في التاريخ، وأن الأجيال التي بعده فهمت موقفه على أنه من مفاخره التي كتب الله له بها النجاح والسداد، حتى قال ذو الرمة الشاعر يخاطب حفيده بلال بن أبي بردة بن أبي موسى: أبوك تلافى الدين والناس بعدما ... تشاءوا وبيت الدين منقطع الكسر فشد أصار الدين أيام أذرح ... ورد حروبًا قد لقحن إلى عقر "خ". 308 قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى بعدما روى هذه القصة: "فإنه حديث منكر ورفعه موضوع والله أعلم، إذ لو كان هذا معلومًا عند علي لم يوافق على تحكيم الحكمين، حتى لا يكون سببًا لإضلال الناس كما نطق به هذا الحديث، وآفة هذا الحديث هو زكريا بن يحيى، وهو الكندي الحميري الأعمى. قال ابن معين: ليس بشيء البداية 385/7."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عاصمة : قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء [اخترعته] المبتعدة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثته أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع309. وإنما الذي روى الأئمة الثقات الأثبات أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر-   309 إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال بني أمية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله، فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف: طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه، وطائفة ظنت أن التدين لا يتم، ولا يكون التقرب إلى الله، ألا بتشويه سمعة أبي بكر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعًا، وطائفة ثالثة من أهل الإنصاف والدين -كالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير- رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب والمشارب -كلوط بن يحيى الشيعي المحترق، سيف بن عمر العراقي المعتدل- ولعل بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها، وقد أثبت أكثر هؤلاء الأسماء رواة الأخبار التي أوردها؛ ليكون الباحث على بصيرة من كل بخبر بالبحث عن حال راويه، وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع، وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع ويجردها عن الذي لم يقع، متكفيًا بأصول الأخبار الصحيحة عن الزيادات الطارئة عليها، وأن الرجوع إلى كتب السنة، وملاحظات أئمة الأمة، مما يسهل هذه المهمة، وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل الإبطاء، وأول من استيقظ في عصرنا للدسائس المدسوسة على تاريخ بني أمية العلامة الهندي الكبير الشيخ شبلي النعماني في انتقاده لكتب جرجي زيدان، ثم أخذ أهل الألمعية من المنصفين في دراسة الحقائق؛ فبدأت تظهر لهم وللناس منيرة مشرقة، ولا يبعد -إذا استمر هذا الجهاد في سبيل الحق- أن يتغير فهم المسلمين لتاريخهم، ويدركوا أسرار ما وقع في ماضيهم من معجزات."خ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 رواية الدارقطني خبر التحكيم فضحت الأكاذيب المفتراة في عصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر ونحوه عزل [عمرو] معاوية310 ذكر الدارقطني بسنده إلى حصين بن المنذر311: لما عزل عمرو معاوية جاء "جاء حصين بن المنذر" فضرب فسطاطه قريبًا من فسطاط معاوية، فبلغ [ثناه] 312 معاوية، فأرسل "إلي" فقال: إنه بلغني عن هذا "أي عن عمرو" كذا وكذا313، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه، فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا314، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغنِ عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما. قال: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه. فأتيته فأخبرته "أي فأتى حصين معاوية فأخبره" أن الذي بلغني عنه كما بلغه. فأرسل إلى ابن الأعور الذكواني315 فبعثه في خيله، فخرج يركض فرسه ويقول: أين عدو الله، أي هذا الفاسق؟ قال أبو يوسف316: أظنه قال: "إنما يريد حوباء نفسه" فخرج   310 أي بتقريره مع أبي موسى أن أمامة المسلمين يترك النظر فيها إلى أعيان الصحابة. "خ". 311 قال الدارقطني: حدثنا إبراهيم بن همام، حدثنا أبو يوسف الفلوسي وهو يعقوب بن عبد الرحمن بن جرير، حدثنا الأسود بن شيبان، عن عبد الله بن مضارب، عن حصين بن المنذر "وحصين من خواص علي الذين حاربوا معه". "خ". 312 أي عزله عليًّا ومعاوية وتفويضه الأمر إلى كبار الصحابة. "خ". 313 أي أنهما لم يعزلا، ولم يوليا، ولكن تركا الأمر لأعيان الصحابة. "خ". 314 وكتبها الشيخ محب: "نباه"، "س". 315 هو أبو الأعور السلمي، "وذكوان قبيلة من سليم" واسمه عمرو بن سفيان، كان من كبار قواد معاوية، وفي حرب صفين طلب الأشتر أن يبارزه، فرفع عن ذلك؛ لأنه لم ير الأشتر من أنداده. 316 أي الفلوسي راوي هذا الخبر عن الأسود بن شيبان عن عبد الله بن مضارب عن حصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 "عمرو" إلى فرس تحت فسطاطه فجال في ظهره عريانًا، فخرج يركضه نحو فسطاط معاوية وهو يقول: "إن الضجور قد تحتلب العلبة، يا معاوية إن الضجور قد تحتلب العلبة"، فقال معاوية: " [أحسبه] ، وتزيد الحالب فتدق أنفه، وتكفأ إناءه"319. قال الدارقطني، وذكر سندًا عدلًا320 [وساق الحديث] : ربعي عن أبي موسى أن عمرو بن العاص قال: "والله لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال، وهو يحل لهما منه شيء لقد غبنا ونقصنا رأيهما. وايم الله ما كانا مغبونين ولا ناقصي الرأي، ولئن كانا أمرأين يحرم عليهما هذا المال الذي أصبناه بعدهما لقد هلكنا، وايم الله ما جاء الوهم إلا من قبلنا"321.   317 الضجور: الناقة التي ترغو وتعربد عند الحلب. و"قد تحلب الضجور العلبة" مَثَل، ومعناه: أن الناقة التي ترغو قد تحلب ما يملأ العلبة، يضربونه للسيء الخلق قد يصاب منه الرفق واللين، وللبخيل قد يستخرج منه المال. 318 في نسخة الشيخ محب "أجل". "س". 319 ثم قال: ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ودعلج بن أحمد قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن النضر، ثنا معاوية بن عمر، ثنا زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن .... "س". 320 أورد المؤلف هذا الخبر للدلالة على ورع عمرو* ومحاسبته لنفسه وتذكيره بسيرة السلف. 321 وأسقطها الشيخ محب من النص وجعلها في الهامش."س".   * قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثناء على عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه:" أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص" وهو حديث حسن كما جاء في الأحاديث الصحيحة: 64/2. قال شيخنا محدث الديار الشامية في المصدر السابق: وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه، أن شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" متفق عليه. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} . وعلى هذا لا يجوز الطعن في عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين، وغيرهم من المخالفين؛ بسبب ما وقع من الخلاف بل القتال مع علي رضي الله عنه؛ لأن ذلك لا ينافي الإيمان، فإنه لا يستلزم العصمة كما لا يخفى، لاسيما إذا قيل: إن ذلك وقع منه بنوع من الاجتهاد وليس اتباعًا للهوى."م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 نصيحة المؤلف للناس بالأدب مع الصحابة فهذا كان بدء الحديث ومنتهاه، فأعرضوا عن الغاوين، وازجروا العاوين، وعرجوا عن سبيل الناكثين، غلى سنن الهتدين. وأمسكوا الألسنة عن السابقين إلى الدين، إياكم أن تكونوا يوم القيامة من الهالكين بخصومة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد هلك من كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصمه، دعوا ما مضى، فقد قضى الله فيه ما قضى، وخذوا لأنفسكم الجد فيما يلزمكم اعتقادًا وعملًا، ولا تسترسلوا بألسنتكم فيما لا يعنيكم مع كل [ماجن] اتخذ الدين هملًا، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. ورحم الله الربيع بن خثيم322 فإنه لما قيل له: قتل الحسين قال: أقتلوه؟ قالوا: نعم. فقال: {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 46] ولم يزد على هذا أبدًا، فهذا العقل والدين، والكف عن أحوال المسلمين، والتسليم لرب العالمين.   322 هو من تلاميذ عبد الله بن مسعود وأبي أيوب الأنصاري وعمرو بن ميمون، وأخذ عنه الإمام الشعبي وإبراهيم النخعي وأبو بردة، قال له ابن مسعود: "لو رآك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحبك، توفي سنة 64. "خ". تكلمة: ب، ج، ز ومطبوعة الشيخ محب: "خيثم" وهو خطأ والتصحيح من طبقات ابن خياط - صفحة 141. "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الباب السادس قاصمة احتجاج الشيعة بحديث خم ودعاء وال من والاه قال قيل: إنما يكون ذلك في المعاني التي تشكل، وأما هذه الأمور كلها فلا إشكال فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على استخلاف علي بعده فقال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"323، وقال: " اللهم324 والِ من والاه، وعادِ من عاداه،   323 في كتاب المغازي من صحيح البخاري: ك 64 ب 78 ج 5، صـ 129، وفي فضائل الصحابة من صحيح مسلم: ك 44 ح 31 ج 7، صـ 120 من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليًّا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي". وانظر المناقشة في هذا الحديث بين السيد عبد الله بن الحسين السويدي سنة 1156 وبين الملا باشي علي أكبر، شيخ علماء الشيعة ومجتهديهم في زمن نادر شاه في كتاب مؤتمر النجف** صـ 25-27 طبع السلفية. "خ". 324 أخرجه النسائي في "خصائص علي" وأحمد والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وله طرق أخرى كلها صحيحة، ولكن ليس في طريق من طرقها جميعها: "اللهم انصر من نصره واخذل من خذله". " م".   ** رجعت إلى كتاب مؤتمر النجف الذي أشار إليه محب الدين الخطيب، فإذا به يذكر على لسان السويدي أن ابن الجوزي قال: إن هذا الحديث موضوع، مع أنه رواه البخاري ومسلم. وليس في هذا الحديث نص على استخلاف علي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال الشيخ السويدي: لو دل هذا على الاستخلاف، لاقتضى أن ابن أم مكتوم خليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه استخلفه على المدينة، واستخلف أيضًا غيره، فلم خص علي رضي الله عنه بالخلافة دون غيره، مع اشتراك الكل في الاستخلاف؟ وأيضًا لو كان هذا من باب الفضائل، لما وجد علي على نفسه وقال: " أتجعلني مع النساء والأطفال والضعفة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطييبًا لنفسه: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 افتراء الشيعة على أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأهل الشام وانصر من نصره، واخذل من خذله325 " فلم يبق بعد هذا خلاف لمعاند. فتعدى عليه أبو بكر، واقتعد في غير موضعه. ثم خلفه في التعدي عمر. ثم رجا أن يوفق عمر للرجوع إلى الحق، فأبهم الحال وجعلها شورى نصرًا للخلاف، للذي سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ثم تحيل ابن عوف حتى ردها عنه إلى عثمان. ثم قتل عثمان لتسوره على الخلافة وعلى أحكام الشريعة326، وصار الأمر إلى علي بالحق الإلهي النبوي، فنازعه من عاقده، وخالف عليه من بايعه، ونقض عهده من شده. وانتدب أهل الشام [مع معاوية] إلى الفسوق في الدين، بل الكفر327.   وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض كلامه على الحديث السابق: " ... وقد شبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبه عمر بنوح وإبراهيم عليهم جميعًا الصلاة والسلام؛ لما أشارا في الأسرى، وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل. وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته في بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة، وكلام العرب". "مجموع الفتاوى 419/4 باختصار". "م". 325 في مسند أحمد 152، 119، 118، 88، 84: 1 الطبعة الأولى رقم 1310، 131، 961، 950، 670، 641 وفي 372، 370، 368، 281: 4 الطبعة الأولى و 419، 370، 366، 347: 5 الطبعة الأولى. وانظر تفسير الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب لهذا الحديث، وسيأتي كلام المؤلف على الحديثين في صـ 263. "خ". 326 كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا. وقد جاء في هذا الكتاب مايثبت كذبهم. "م". 327 كل هذه الفقرات من هذيان مرتكبي "القاصمة" وشيعتهم، وقد أجاب المؤلف في العاصمة التالية مدحضًا سخافاتهم، ولكن اتسع عليه ميدان القول ففاته الكلام على موقف أهل الشام من هذه الفتن التي وقعت في الإسلام، وقد رأيت في صـ 92 قول ابن الكوا أحد زعماء الفتنة وهو يصف = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = أشباهه في الأمصار الكبرى: "وأما أهل الأحداث من أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم، وأعصاهم لمغويهم، وإذا كان كان أهل الأحداث في الشام هكذا على ما شهد به زعيم من زعماء الفتنة، , فإن أهل العافية والإيمان منهم قد شهد لهم أمير المؤمنين علي: فيما نقله ابن كثير في البداية والنهاية: 20: 8 عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني أحد الأئمة الأعلام الحافظ، عن شيخه معمر بن راشد البصري وهو أيضًا من الأعلام، عن الزهري مدون السنة وشيخ الأئمة أن عبد الله بن صفوان الجمحي قال: قال رجل من صفين: "اللهم العن أهل الشام" فقال له علي: "تسب أهل الشام، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال"*، وروي هذا الحديث من وجه آخر مرفوعا@ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروى أبو إدريس الخولاني وهو من أعلام حملة السنة والشريعة، ومن شيوخ الحسن البصري، وابن سيرين، ومكحول، وأضرابهم أن أبا الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بينما أنا نائم رأيت الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام، وأن الإيمان -حين تقع الفتنة- بالشام". ** وروى هذا الحديث من الصحابة غير أبي الدرداء أبو أمامة وعبد الله بن عمرو بن العاص، وللمقارنة بين أهل الشام والذين كانوا يحاربونهم ننقل عن ابن كثير 325: 7 خبر الأعمش، عن عمرو بن مرة بن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأرقم قال: خطبنا علي يوم جمعة فقال: "نبئت أن بشرًا قد طلع اليمن، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم، وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم، وبيخانتكم وأمامنتهم، وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم، وقد بعثت فلانًا فخان وغدر، وبعثت فلانًا فخان وغدر، وبعث المال إلى معاوية، لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته، اللهم سئمتهم وسئموني، وكرهتهم وكرهوني، الله فأرحهم مني وارحني منهم"، بهذا وصف علي جيشه وطائفته، وبعكسه في الفضائل وصف أهل الشام الذين اضطروا إلى أن يقفوا من طائفته موقف المحارب، وليس بعد وصف علي لأهل الشام بالطاعة والأمانة والإصلاح، إلا الضرب بهذه القنبلة وجوه واصفيهم بالكفر والفسوق في الدين. "خ".   * حديث الأبدال لعلي ضعيف لانقطاعه، فإن شريح بن عبيد الحمصي لم يدرك عليًّا. وبمناسبة الكلام على الأبدال نسوق رأي شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى نظرًا لخطورة الموضوع: " ... أما الأسماء الدائرة على ألسنة الكثيرين من النساك والعامة مثل "الغوث" الذي بمكة، و"الأوتاد الأربعة"، و"الأقطاع السبعة"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = و"الأبدال الأربعين"، و"النجباء الثلاثمائة" فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى، ولا هي أيضًا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسناد صحيح، ولا ضعيف، يحمل عليه ألفاظ الأبدال ... أما الغوث والغياث، فلا يستحقه إلا الله، فهو غياث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره، لا يملك مقرب، ولا نبي مرسل "أي بعد موته أو في حياته مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى"، ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ... إلى الغوث فهو كاذب ضالٌّ مشرك، قد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} وقال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاه} . فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحجاب، وهو القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} . وليس من أولياء الله المتقين، ولا عباد الله المخلصين الصالحين، ولا أنبيائه المرسلين: "من كان غائب الجسد دائمًا عن أبصار الناس، بل هذا من جنس قول القائلين أن عليًّا في السحاب، وأن محمد بن الحنفية في جبال رضوى، وأن محمد بن الحسن بسرداب سامري، وأن الحاكم بجبل مصر، وأن الأبدال الأربعين بجبل لبنان، فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان ... "الفتاوى: 433/11-443" باختصار". قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: روى في الأبدال حديث أنهم أربعون رجلًا، وأنهم بالشام، وهو في المسند من حديث علي رضي الله عنه، وهو حديث منقطع ليس بثابت، ومعلوم أن عليًّا ومن معه من الصحابة، كانوا أفضل من معاوية ومعه بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" طبعة المكتب الإسلامي لصاحبه الأستاذ زهير الشاويش. قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه على المسند: إسناده ضعييف لانقطاعه. شريح بن عبيد الحضرمي الحمصي لم يدرك عليًّا، بل، لم يدرك إلا بعض متأخري الوفاة من الصحابة. وما أحسن ما قاله الإمام ابن تيمية أيضًا: وأما أهل العلم فكانوا يقولون عن "أهل الحديث" هم "الأبدال" أبدال الأنبياء، وقائمون مقامهم حقيقة، ليس من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه: هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعًا، وكانوا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الصحابة كلهم كفرة عند الشيعة وهذه حقيقة مذهبهم328، أن الكل [منهم] 329 كفرة330، 331 لأن من   = يقولون: هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظاهرون على الحق؛ لأن الهدى ودين الحق الذي بعث به رسله معهم، وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا. إن الذين يعيبون أهل الحديث ويعدلون عن مذهبهم جهلة زنادقة مناقون بلا ريب، ولهذا لما بلغ الإمام أحمد عن "أبي قتيلة" أنه ذكر عنده أهل الحديث بمكة، فقال: قوم سوء، فقام الإمام أحمد، وهو ينفض ثوبه، ويقول: زنديق، زنديق، زنديق، ودخل بيته، "الفتاوى 96/4-97". 328 أي حقيقة مذهب الرافضة وأعداء الصحابة. "خ". 329 وفي طبعة الشيخ الخطيب "عندهم". "س". 330 يستثنون منهم -بعد علي: وبعض آله- سلمان الفارسي وأبا ذكر والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبا الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت وأبا أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبا سعيد الخدري، وبعض الشيعة يرى أن الطيبين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقل عددًا من هؤلاء. "خ". 331 ومما يحتج به الرافضة على ارتداد الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أن أناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال"، أي إلى جهنم.   * يريد حديث رواه شريح بن عبيد قال: "ذكر أهل الشام عند علي رضي الله عنه وقيل: العنهم يا أمير المؤمنين قال: "لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "الأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلًا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلًا، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب"، وهو حديث ضعيف؛ لانقطاعه، فإن شريح هذا لم يدرك عليًّا. ** رأيت في المشكاة نحوه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رأيت عمودًا من نور، خرج من تحت رأسي حتى استقر بالشام"، رواه البيهقي في دلائل النبوة وسنده صحيح كما قال محقق المشكاة. وروى أبو داود بإسناد صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ستفتح الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها، فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنها معقل المسلمين من الملاحم وفسطاطها، منها أرض يقال لها: الغوطة" وسنده صحيح كما قال محقق المشكاة. "م". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = فأقول: أصيحابي، أصيحابي" على صيغة القلة والتصغير، لقلة عددهم. "فيقول": أي الله سبحانه: " إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم". فأقول كما قال العبد الصالح- أي عيسى عليه السلام معتذرا: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} - إلى قوله- {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} متفق عليه. وتمام الآية: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . قال في أشعة اللمعات في الرد على الرافضة: قالوا: ليس المراد بهذا خواص الأصحاب، لأنا نعلم- يقينا- أنه لم يرتد أحد منهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا قوم من جفاة العرب من اصحاب مسليمة الكذاب والأسود العنسي أو بعض مؤلفة القلوب الذين لم تكن لهم بصيرة بالدين، ولا قوة في افيمان.. ولما كانكل من رأى النبي صلى الله عليه وىله وسلم لحظة* يطلق عليه لفظ صاحب، كان هذا الحديث بحث من لم يرسخ افسلام في نفسه، وهو بحق هؤلاء الأصحاب! مما سبق ندرك مبلغ افتراء الرافضة بالاحتجاج بهذا الحديث على ردة أكابر الصحابة الذين وردت في الثناء عليهم الآيات والأحاديث الكثيرة التي رأينا بعضها في أول هذا الكتاب وقد حضنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على التمسك بسنته وسنتهم في قوله: في الحديث الصحيح: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من كان مستنا، فليستن بمن قد مات. أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وىله وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحة نبيه، ولإقامة دينهن فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما اسطتعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. ويقصد الرافضة من وراء الدعوة إلى ارتداد كبار الصحابة نسف الشريعة التي نقولها إلينا، وزرع الشك في نفوسنا في نقلهم ماداموا قد ارتدوا، لذلك فهم يزعمون أن لهم قرآنا غير قرآننا، راجع كتاب الكافي للكليني طبعة إيران سنة 1378 ص4 5، 57 وكتب الكافي هذا هو كتاب موثوق لديهم =   * ومات على الإسلام. س. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 تكفيرهم كل عاص بكبيرة مذهبهم التكفير بالذنوب333. وكذلك تقوم هذه الطائفة التي تسمى   = يشبه كتاب البخاري عندنا، وراجع كذلك كتاب: فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب وهو محشو بالأكاذيب والأباطيل. ومن أغراض الرافضة التي يقصدونها من وراء ادعاء ارتداد الصحابة العمل على فقدان الثقة في الأجيال الإسلامية بسلفيهم وحرمانهم الاقتداء بالجيل المثالي الأول الذي ترى في مدرسة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيصبحون هملا لا تاريخ عظيم لهم ولا قدورة صالحة يقتدو بها.. وقد حقق الرافضة مآربهم، فدسوا في تاريخنا الإسلامي ما يريدونه من تشويه تاريخ الصحابة وتضليل الناشئة مئات السنين ... مما رأينا في هذا الكتاب نماذج من أكذيبهم وأضاليلهم، وكيف رد عليها القاضي ابن العربي، ومحب الدين الخطيب. ومما يؤسف له أن جميع هذه الردود، ومثلها الكتاب العظيم: منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية بقيت حبرا على ورق ولم تدخل دارسنا ولم توضع بين أيد يالمؤلفين والأساتذة والطلبة الذين مازالوا في فتنة عمياء وفي ضلال مبين. وقد حدثت كثير من هؤلاء المؤلفين والأساتذة عن كذب كثير مما يدرسونه فكانوا يعتذرون بانهم إنما استقوا معلوماتهم من تاريخ الطبري. وقد جهلوا أن في هذا المصدر قد اختلط الصواب والخطأ والصحيح والمكذوب مما لا يستطيع التمييز بينهما إلا المؤرخ العارف بتاريخ الرجال ومعرفة الثقة من الكاذب من الرواة. وكل ذلك تكفلت ببيانه كتب الرجال أمثال ميزان الاعتدال ولسان الميزان وتهذي التهذيب وغيرها. ومن مكائد الرافضة التي تخفى على الكثيرين أنهم يلجؤون إلى الكتب التي تفضح مؤامراتهم، فيجمعونها من الأسواق ويحضرون أتباعهم على حرقها، فقد ذكر لي ثقة أن أحد الدجالين من المتطببين يصف لمرضاه وجوب إحراق منهاج السنة أو العواصم من القواصم والتبخر على نارها طلبا للشفاء، فيسارع المريض المغفل بشراء كتاب من هذين الكتابين، ولو بأغلى الأسعار، وحرقه كما وصف له المتطببون من الرافضة. كل هذا يدعونا إلى المسارعة لتصحيح تاريخنا وتنظيفه من التحريف والتضليل، وهذا ما قصدناه من نشر هذا الكتاب بعد مراجعته، وعرضناه في الأسواق بسعر رخيص ليسهل على الجميع اقتناؤه. خ. 332 ومن مذهبهم أن عليا واحد عشر من آله معصومون عن الخطأ،   * قال شرح حجازي - كان الله له-: هذا أيضاما دعانا إلى الجروع إلى المخطوطات الصلية لهذا الكتاب- النافع- لننشره على الناس خليا من التحريف والتصحيف، أداء للأمانة، وتحملا للمسئولية ... مسئولية نشر العلم والذب عن الدين أمام تحريف الغالبين وانتحال المبطلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 طعن الشيعة في الصحابة بالإمامية: إن كل عاص بكبيرة كافر333، على رسم القدرية 334، ولا أعصى من الخلفاء المذكورين335 ومن ساعدهم على أمرهم، وأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحرص الناس على دنيا336، وأقلهم   = وأنهم مصدر تشريع. ويقبلون التشريع الذي ينسبه إليهم رواة يشترط فيهم التشيع والموالاة، وأن عرفهم الناس بما ينافي الصدق أو يناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة. خ 33 ومدلول الكبيرة عندهم عبر مدلولها عند المسلمين. خ. 334 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 24: كان قدماء الشيعة متفقين على إثبات القدر والصفات. وإنما شاع فيهم رد القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة في دولة بني بويه. خ. 335 وهم أبو بكر وعمر ومثان. خ. 336 قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعلى ردا على قول ابن المطهر الرافضي: فبعضهم طلب الأمر لنفسه بغير حق، وبايعه أكثر الناس طلبا للدنيا. وهذا إشارة إلى أبي بكر، فإنه هو الذي بايعه أكثر الناس، ومن المعلوم أن أبا بكر لم يطلب الأمر لنفسه لا بحق ولا بغير حق، بل قال: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: أما عمر بن الخطاب، وإما أبا عبيدة، فقا لعمر فوالله لأن أقدم فتضر ب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم، أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر. وهذا للفظ في الصحيحين. وقد روى عنه أيضا أنه قال: أقيلوني أقيلوني فالمسلمون اختاروه وبايعوه لعلمهم بأنه خيرهمم ... والمسلمون اختراروه كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح لعائشة: " ادعي لي أباك.. الحديث " وقد ذكرنواه كاملا في موضع آخر. ثم قال ابن تيمية: هب أنه طلبها وبايعه أكثر الناس. فقولكم إن ذلك طلب الدنيا كذب ظاهر. فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعطهم دنيا. والذين بايعوه أزهد الناس في الدنيا، وهم الذين أثنى الله تعالى عليهم. وكان أبو بكر رضي الله عنه قد أنفق ماله في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يأخذ بدله، واوصى بأن يرد إلى بيت المال جرد قطيعة، وبكر وأمة سوداء ونحو ذلك منهاج السنة باختصار 25/2-41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 حماية337 على دين، وأهدمهم لقاعدة وشريعة328. ***   337: وفي نسخة الشيخ محب الدين الخطيب حمية!.س. 338 ومع ذلك يوجد فيمن ينتمي إلى الأزهر، وإلى السنة، من يوالي دار التقريب بين المذاهب التي تأسست في القاهرة بعد الحرب العالمية الثانية، ويتسلى بصرف بعض عمره في الاختلاف إليها وتبادل التقية مع القائمين عليها. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 عاصمة يكفيك من شر سماعه قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: يكفيك من شر سماعه، فكيف التململ به. خمسمائة عام عدا إلى يوم مقال هذا- لا ينقص منها يوما ولا يزيد يوما- وهو مهل شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وماذا يرجى بعد التمام إلا النقص؟ ما رضيت النصارى واليهود في أصحاب موسى وعيسى ما رضيت الروافض في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على افكر والباطل339. فما يرجى من هؤلاء، وما يستبقى منهم؟ وقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} [سورة النور: 55] ، وهذا قول صدق، ووعد حق. وقد انقضر عصرهم ولا خليفة فهيم ولا تمكين، ولا أمن ولا سكون، إلا في ظلمن وتعد وغصب وهرج وتشتيت وإثارة ثائرة. وقد أجمعت 341 الأمة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما نص   337 أخرد الحافظ ابن عساكر 165: 4 أن الحسن المثني بن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب قال لرجل من الرافضة: والله لئن لمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم، ثم لا نقبل منكم توبة. فقال له الرجل: لم لا تقبل منهم توبة؟ قال: نحن أعلم بهؤلاء منكم. إن هؤلاء إن شاءوا صدقوكم، وإن شاءوا كذبوكم وزعموا أن ذليك يستقيم لهم في التقية. ويلك! إن التقية هي باب رخصة للمسلم، إذا اضطر إليها وخاف من ذي سلطان أعطاه غير ما في نفسه يدرأ عن ذمة الله، وليست باب فضل، إنما الفضل في القيام بأمر الله وقول الحق. وايم الله ما بلغ من التقية أن يجعل بها لعبد من عبد الله أن يضل عباد الله. خ. 341 ليس هناك إجماع. قال شارح العقيدة الطحاوية: ثم اختلف أهل السنة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه هل كانت = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 على أحد يكون من بعده343. وقد قال العباس لعلي- فيما روى عنه   = بالنص، أو بالاختيار؟ فذهب الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث إلى أنها ثبتت بالنص الخفي وافشالرة، ومنهم من قال بالنص الجلي. وذهب جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية إلى أنها ثبتت بالاختيار. والدليل على إثباتها بالنص أخبار: من ذلك ما رواه أبو داودد عن جابر رضي الله عنه، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله سولم قال: "رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر" قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال لنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما المنوط بعضهم ببعض، فهو ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه. وهو حديث صحيح كما قال محقق الطحاوية ص473. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر " وسنده صحيح كما قال محقق الطحاوية، وأحاديث تقديمه في الصلاة مشهور معروفة، وهو يقول: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" رواه البخاري ومسلم. وتصرف النظر عن ذكر بقية النصوص، فقد أثبتها القاضي ابن العربي رحمه الله فيما يأتي. واحتج من قال: لم يستخلف بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمرو عن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني، يعني أبا بكر، وأن لا أستخلف، فلم يستخلف من هو خير مني، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال عبد الله، فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستخلف. وما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستخلفا لو استخلف. والظاهر- والله أعلم- أن المراد أنه لم يستخلف بعده مكتوب، ولو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر، بل قد أراد كتابته ثم تركه، وقال: " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر " رواه مسلم، فكان هذا أبلغ من مجرد العهد ... ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتابة اكتفاء بذلك ... ولم يقل أحد من الصحابة قط أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على غير أبي بكر، لا علي، ولا العباس، ولا غيرهما، كما قال أهل البدع. وروى ابن بطة بإسناده: أن عمر بن عبد العزيز بعث محمد بن الزبير الحنظلي إلى الحسن، فقال: هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف أبا بكر؟ فقال: أو فخانك صاحبك؟ نعم، والله الذي لا إله إلا هو استخله! لهو كان أنقى لله أن يتوثب عليها. باختصار ص471- 475.خ. 242 نقل الحافظ ابن عساكر 166:4 عن الحافظ البيهقي حديث= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 عبد الله ابنه- قال عبد الله بن عباس: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من عند رسول الله صلى الله علي وسلم في وجه الذي توفى فيه، فقال الناس يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده العباس بن عبد المطلب فقال له: انت والله بعد ثلاث عبد العصا. وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا. إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلنسأله فيمن يكون هذا الأمر بعده، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمانه فأوصى بنا. فقال علي343: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله   = فضيل بن مرزوق أن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب سئل فقيل له: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه"؟ فقال: بلى، ولكن والله لم يعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الإمارة والسلطان. ولو أراد ذلك لأفصح بهم به، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أنصح للمسلمين. ولو كان الأمر كما قيل لقال: يا أيهنا الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا. والله لئن كان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وجعله القائم للمسلمين من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله، لكان علي أول من ترك أمر الله ورسوله. ورواه البيهقي من طرق متعددة في بعضها زيادة وفي بعضها نقصان والمعنى واحد. خ. 343 سبق الكلام في بحث مضى على بيعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما. وننقل فيما يلي كلاما لطيفا للإمام المازري نقله الحافظ في الفتح 378/7 بمناسبة الرواية التي تقوم بتأخر علي عن مبايعة أبي بكر: لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به- أي لأبي بكر- أنه يكفي في بيعة الإمام أن قع من أهل الحد والعهقد، ولا يجب الاستيعاب. ولا يلزم كل واحد أن يحضر عنده، ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته ولانقياد له بأن لا يخالفه. ولا يشق العصا عليه. وهذا كانحال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 صلى الله عليه وآله وسلم344. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: رأى العباس عندي أصح، وأقرب إلى الآخرة، والتصريح بالتحقيق. وهذا يبطل قول مدعي الإشارة باستخلاف علي، فكيف أن يدعي فيه نص؟! فأما أبو بكر، فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرها أن ترجع إ ليه. قالت: فإن لم أجدك- كأنها تعني الموت- قال: " تجدين أبا بكر "345. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر وقد وقع بينه أبي بين عمر وبين أبي بكر كلام، فتمر وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم346، حتى أشفق من ذلك أبو بكر، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم" هل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين، إني بعثت إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت. ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته" 347. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لو كنت متخذا في الإسلام خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ولكني أخي، وصاحبي "348.   344 رواه البخاري في كتاب المغازي من صحيحه ك 64 ب5 ج5 ص140-141. ونقله ابن كثير في البداية والنهاية 227:5 و 251 من حديث الزهري عن عبد الله بن مالك عن ابن عباس. ورواه الإمام أحمد في مسنده 263:1 و 325 رقم 2374 و 2999. 345 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ك 62 ب5 ج4 ص191 من حديث جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرها أن ترجع إليه. قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك- كأنها تقول الموت- قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر". خ. 346 تمعر وجهه: تغير، وذهب ما كان فيه من النضارة، وإشراق اللون. خ. 347 في كتاب مناقب الصحابة من صحيح البخاري ك 62 ب5 ج4 ص192 عن أبي الدرداء مطولا. خ. 348 في الباب المذكور من كتاب مناقب الصحابة في صحيح البخاري ج4 ص191 من حديث عكرمة عن ابن عباس. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا. لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" 349. وقال النبي صلى الله عليه وآلهوسلم: " بينما أنا نائم رأيتني على قليب350 عليها دلو، فنزعت منها ما شياء الله، ثم اخذها ابن أبي قحافة فهنزع منها ذنوبا أو ذنوبين"351 وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم استحالة غربا352، فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن" 253. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعدا أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، فرجف بهم: فقال: "اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" 354. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم   349 في هذه الجملة اضطراب ونقص. وانظر لهذا المعنى حديث ابي سعيد الخدري في ذلك الموضع من صحيح البخاري ج4ص190-191، وحديث ابن عباس في مسند أحمد 270: 1 رقم 2432 والبداية والنهاية* 329: 5 و 230. 350 القليب: البئر غير المطوية. خ. 350 الذنوب: الدلو العظيمة إذا ملئت ماء، وابن أبي قحافة هو أبو بكر. خ. 352 أي ثم عظمت فصارت كالدلو الواسعة الي تتخذ من جلد الثور لكبرها. خ. 352 أي حتى اتخذ الناس حولها مبركا لا يلهم لغزارة مائها، والحديث في ذلك الموضع من صحيح البخاري ج4 ص193 من حيث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. خ. 354 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم ك62 ب5 ج4 ص197 من حديث قتادة عن أنس بن مالك. خ.   * نظرنا في البداية والنهاية فإذا نص الحديث: " ... لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر " وهكذا رواه البخاري وأحمد ... أهـ. باختصار. وعند مسلم: ". . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لا يبقى في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر". م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أحد فعمر "355. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة رضي الله عنها في مرضه: "ادعى لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" 356. وقال ابن عباس: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أرى الليلة في المنام ظلمة تنظف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون بأيديهم، فالمستكثر والمستقلز وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل له فعلا وذكر الحديث. ثم عبرها أبو بكر فقال: واما السب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، فأخذته فيعليك الله. ثم يأخذ به رجل آخر بعدك فيلعو به، ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به. ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به"357. وصح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذات يوم: "من رأى منكم رؤيا"؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت. ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر. ووزن عمر وعثمان فرجح عمر. ثم رفع الميزان. فرأينا الكراهية في وجه رسول الله   355 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ك62 ب6ج4 ص200 من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة. خ. 356 في مسند أحمد 14:6 الطبعة الأولى من حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة، وانظر المسند أيضا 47:6 و 106 وطبقات ابن سعد 3 1: 127 ومسند * أبي داود الطيالسي: الحديث 1508.خ. 357 في كتاب التعبير من صحيح البخاري ك91 ب47 ج8 ص83-84 من حديث عبد الله بن عباس، وفي كتاب الرؤيا من صحيح مسلم ك47 ح17 ج7 ص55-56 من حديث ابن عباس، وفي مسند أحمد 236:1 الطبعة الأولى رقم 2113 من حديث ابن عباس. خ.   * وروى هذا الحديث الإمام مسلم أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 صلى الله عليه وآله وسلم358، 359. وهذه الأحاديث جبال في البيان، وحبال في التسبب إلى الحق لمن وفقه الله. ولو لم يكن معكم- أيها السنية- إلا قوله تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} 360 [التوبة:40] فجعلها 361 في نصيف وجعل أبا بكر في نصيف آخر وقام معه جميع الصحابة. وإذا تبصرتم هذه الحقائق فليس يخفى منها حال الخلفاء في خلالهم وولايتهم وترتيبهم خصوصا وعموما. وقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [النور:55] . وإذا لم ينفذ هذا الوعد في الخلفاء فلمن ينفذ؟ وإذا لم يكن فيهم ففيمن يكون؟ والدليل على انعقاد الإجماع أنه لم يتقدمهم في الفضيلة أحد إلى يومنا هذا، وما بعدهم مختلف فيه، وأولئك مقطوع بهم، متيقن إمامتهم، ثابت نفوذ وعد الله لهم. فإنهم ذبواعن حوزة المسلمين وقاموا بسياسة الدين. قال علماؤنا: ومن بعدهم تبع لهم من الأئمة الذين هم أركان الملة،   358 في كتاب السنة من سنن أبي داود ك 39 ب8 ح4634 من حديث أبي بكرة. وفي كتاب الرؤيا من جامع الترمذي الباب10 من حديث أبي بكرة أيضا. وانظر في مسند أحمد 259:5 الطبعة الأولى حديث أبي أمامة عن رجحان كفة أبي بكر بكفة فيها جميع الأمة ... إلخ. خ. 359 قال محقق الطحاوية هذا الحديث صحيح من طريقين، وفي أحد الطريقين زيادة: خلافة نبوة، ثم يؤتى الله الملك من يشاء فيها علي بن يزيد، وهو ابن جدعان، وفيه ضعف. م. 360 أنه على الرغم من ثناء الله سبحانه على أبي بكر رضي الله عنه في هذه الآية، يؤولها بعض أعاء الإسلام ويحرفون معناها، بأسلوبك يضحك الثكلى ويترفع عنه حتى المجانين لتكون ذما لا مدحا لأبي بكر رضي الله عنه فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين!.م. 361 أي الأمة. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ودعائم الشريعة، الناصحون لعباد الله، الهادون من استرشد إلى الله. فأما من كان من الولاة الظلمة فضرروه مقصور على الدنيا وأحكامها. وأما حفاظ الدين فهم الأئمة العلماء الناصحون لدين الله، وهم أربعة أصناف: الصنف الأول- حفظوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم بمنزلة الخزان لأقوات المعاش. الصنف الثاني- علماء الأصول: ذبوا عن دين الله أهل العناد وأصحاب البدع، فهم شجعان الإسلام، وأبطاله المداعسون عنه في مآزق الضلال362. الصنف الثالث- قوم ضبطوا أصول العبادات، وقانون المعاملات، وميزوا المحللات من المرحمات، وأحكموا الجراح والديات، وبينوا معاني الإيمان والمنذوريات، وفصلوا الأحكام في الدعاوى. فهم- في الدين- بمنزلة الوكلاء المتصرفين في الأموال. الصنف الرابع- تجردوا للخدمة، ودأبوا على العبادة، واعتزلوا الخلق. هم- في الآخرة- كخواص الملك في الدنيا. وقد أوضحنا في كتاب سراج المريدين في القسم الرابع من علوم القرآن أي المنازل أفضل من هؤلاء الأصناف، وترتيب درجاتهم. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: وهذه كلها إشارات أو تصريحات أو دلالات أو تنبيهات. ومجموع ذلك يدل على صحة ما جرى، وتحقيق ما كان من العقلاء. ونقول- بعد هذا البيان- على مقام آخر: لو كان هناك نص على أبي بكر362 أو على علي، لم يكن بد من احتجاج علي به، أو يحتج له   362 المداعسة: المطاعنة، والمدافعة. خ. 363 قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية تعليقا على الحديث السابق وقد صححه:" ادعى لي أباك وأخاك اكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ... " فأبى الله وعباده المؤمنون أن يتولى غير أبي بكر، فالله هو ولاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 به غيره من المهاجرين والأنصار. فأما حديث غدير خم فلا حجة فيه، لأنه إنما365 استخلفه في حياته على المدينة كما استخلف موسى هارون في حياته- عند سفره للمناجاة- على بني إسرائيل. وقد اتفق الكل من إخوانهم اليهود قاطبة على أن موسى مات بعد هارون، فأين الخلافة؟ وأما قوله:" اللهم وال من والاه "266 فكلام صحيح، ودعوة مجابة. وما يعلم أحد عاداه إلا الرافضة، فإنهم أنزلوه في غير منزلته، ونسبوا إليه ما لا يليق بدرجته. والزيادة في الحد نقصان من المحدود. ولو تعدى عليه أبو بكر ما كان المتعدى وحده، بل جميع الصحابة- كم قلنا- لأنهم ساعدوه على الباطل. ولا تستغربوا هذا من قولهم، فإنهم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مداريا لهم، وممتحنا267 بهم على نفاق وتقية. وأين أنت من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع قول عائشة رضي الله عنها: مروا عمر فليصل بالناس:" إنكم لأنتن صواحب يوسف، مروا   = قدرا وشرعا، وأمر المؤمنين بولايته، وهداهم إلى أن ولوه من غير أن يكون طلب ذلك لنفسه الفتاوى. وبمثل هذا الكلام تقريبا قال الإمام ابن حزم. 365 لعل في هذه العبارة نقصا. فإن حديث غدير خم غير حديث استخلاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضي الله عنه لما ذهب إلى تروك. 366 سند صحيح ونرى تفصيل ذلك في موضع آخر. قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: يريد الرسول أن الولاية بينه وبين المؤمنين، ألطف من الولاية بين المؤمنين بعضهم مع بعض، فجعلها لعلي.. وقد جاءت آيات وأحاديث تفيد بأن الله ورسوله ولى الذين آمنوا. م. 367 صحيح البخاري ك10 ب39 و 46 و67 و 86 و 70ج ص161-162 و 165و 174-176 من حديث عائشة وأبي موسى الأشعري. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أبا بكر فليصل بالناس " وما قدمنا من تلك الأحاديث369. لقد اقتحموا عظيما، ولقد افتروا كبيرا. وما جعلها عمر شورى إلا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبأبي بكر، إذ قال: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني، وإن لم أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف370. فما رد هذه الكلمات أحد. وقال: اجعلها شورى في النفر الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض371. وقد رضى الله عن أكثر منهم، ولكنهم كانوا خيار الرضا، وشهد لهم بالأهلية للخلافة. وأما قولهم تحيل ابن عوف حتى ردها لعثمان، فلئن كانت حيلة ولم يكن سواه فلأن الحول ليس إليه372.. وإذا كان عمل العباد حيلة أو كان القضاء بالحول والقوة لله. وقد علم كل أحد أنه لا يليها إلا واحد، فاستبد عبد الرحمن بن عوف ب الأمر- بعد أن أخرج نفسه- على أن يجتهد للمسلمين في الأسد والأشد، فكان كما فعل، وولا ها من استحقها، ولم يكن غيره أولى منه بها، حسبما بينا في مراتب الخلافة من أنوار الفجر372،وفي غيره من كتب الحديث.   369 في كتاب الإمارة من صحيح مسلم ك33 ح11 و12 ج6 ص4-5 من حديث عروة بن الزبير عن ابن عمر، ومن حديث سالم عن ابن عمر. وفي مسند أحمد 42:1 رقم299 عن عروة بن عمر، و 46:1 رقم322 عن حميد بن عبد الرحمن عن ابن عباس، و47:1 رقم 332 عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. خ 370 من حديث عمرو بن ميمون المطول في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ك62 ب8ج 4 ص204-207. 372 بل إلى الله. وأن الله هو الموفق لابن عوف وسائر إخوانه الصحابة حتى كانوا في ذلك الموقف على ما أراده الله لهم من صفاء النية وإخلاص القصد والعمل لله وحده، فكان اختيار خليفة عمر في حاديث الشورى مثلا أعلى للنفس الإنسانية عندما تكون في أعلى مراتب النبل، والتجرد عن جميع خواطر الهوى. 373 هو التفسير الكبير لابن العربي في ثمانين مجلدا. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وقتل عثمان، فلم يبق على الأرض أحق بها من علي فجاءته على قدر، في وقتها ومحلها وبين الله على يديه من الأحكام والعلوم ما شاء الله أن يبين. وقد قال عمر لول علي لهلك عمر،374 375 وظهر ان فقهه وعله في قتال أهل القبلة- من استدعائهم ومناظرتهم، وتر مبادرتهم، والتقدم إليهم قبل نصب الحرب معهم، وندائه: لا تبدأوا بالحرب، ولا يتبع حول، ولا يجهز على جريح، ولا تهاج امرأة، ولم يغنم لهم مالا- وأمره بقبول شهاداتهم، والصلاة خلفهم، حتى قال أهل العلم: لولا ما جرى ما عرفنا حكم قتال أهل البغي. وأما خروج طلحة والزبير فقد تقدم بيانه376. وأما تكفيرهم للخلق، فهم الكفار. وقد بينا أحوال أهل الذنوب الذين ليس منهم عليها شر فلي غير ما كتاب، وشرحناها في كل باب. فإن قيل: فقد قال العباس ي علي ما رواه الأئمة أن العباس وعليا اختصما عند عمر في شأن أوقاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال العباس لعمر: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الظالم الكاذب الغادر الآثم   374 لم نجد هذا الحديث ي الكتب المعتمدة التي استطعنا الاطلاع عليها ولعله لا يصح مع اعترافنا بفضل علي وعلمه. م. 375 هذا مع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه:" أول من يصافحه الحق عمر**، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم" إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ***، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو كان من بعدي نبي لكان عمر "***.خ. 367 وأنه كان خروجا للتفاهم والتعاون على إقامة الحدود الشريعة في مقتل أمير المؤمنين عثمان. م.   * لم أجده بهذا اللفظ. إنما بلفظ أول من يعطي كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب ... رواه الخطيب عن زيد بن ثابت مرفوعا. والمتهم به عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي. م. *** حسنهما الترمذي ووافقه محقق مشكاة المصابيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الخائن377. فقال الرهط لعمر: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما وارح أحدهما من الآخر. فقال عمر: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"لا نورث، ما تركنا صدقة" يريد بذلك نفسه؟ قالوا: قد قال ذلك. فأقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما الله، هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك؟ قالا: نعم. قال عمر: إن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره، فعمل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حياته، ثم توفى، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقبضها سنتين في إمارته فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأنتما تزعمان أن أبا بكر، كاذب غادر خائن278، والله ليعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق ... وذكر الحديث. قلنا: أما قول العباس لعلي فقول الأب للابن، وذلك على الراس محمول، وفي سبيل المغفرة مبذول، وبين الكبار والصغار-فكيف الآباء والأبناء- مغفور موصول. وأما قول عمر أنهما اعتقدا أن أبا بكر ظالم خائن غادر وكذلك اعتقد فيه، فإنما ذلك خبر عن الاختلاف في نازلة وقعت من الأحكام، رأى فيها هذا رأيا ورأى فيها أولئك لأيا، فحكم أبو بكر   377 تقدم ذكر هذا التقاضي بين العباس وعلى عند أمير المؤمنين عمر من حديث مالك بن أوس بن الحدثان النصرى في صحيح البخاري. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ك57 ب1 ج6 ص125: زاد شعيب ويونس: فاستبد علي والعباس وفي رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض: اقض بين وبين هذا الظالم. استبا وفي رواية جويرية وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. قال الحافظ: ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء، بخلاف ما يفهم من قوله في رواية عقيل استبا. واستصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث وقال: لعل بعض الرواة وهم فيها وإن كانت محفوظة، فأجود ما تحمل عليه أن العباس قالها دلالا علي علي، لأنه كان عنده بمنزلة الولد، فأراد ردعه عمايعتقد أنه مخطيء فيه. خ. 378 قال الحافظ ابن حجر 125:6: وكان الزهري يحدث به تارة فيصرح، وتارة فيكنى، وكذلك مالك، وقد حذف ذلك في رواية بشر بن عمر عنه عند الإسماعيلي وغيره، وهو نظير ما سبق من قول العباس لعلي، إلخ. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وعمر بما رأيا، ولم ير العباس وعلي ذلك. ولكن لما حكما سلما لحكمهما كما يسلم لحكم القاضي في المختلف فيه. وأما المحكوم عليه فرأى أنه قد وهم، ولكن سكت وسلم. فإن قيل: إنما يكون ذلك في أول الحال- والأمر لم يظهر- إذاكان الحكم باجتهاد، وأنماكان هذا الحكم على منع فاطمة والعباس الميارث بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" لا نورث ما تركناه صدقة" وعلمه أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه العشرة وشهدوا به، فبطل ما قلتموه. قلنا: يحتمل أن يكون ذلك في أول الحال- والأمر لم يظهر بعد- فرأيا أن خبر الواحد في معارض القرآن والأصول والحكم المشهور في الزمن لا يعمل به حتى يتقرر الأمر، فلما تقرر سلما وانقادا، بدليل ما قدمنا من الحديث الصحيح إلى آخره، فلينظر فيه. وهذا ايضا ليس بنص في المسألة، لأن قوله "لا نورث، ما تركنا صدقة" يحتمل أن يكون: لا يصح ميراثنا، ولا أنا أهل له، لأنه ليس لي ملك، ولا تلبست بشيء من الدنيا ينتقل إلى غيري عني. ويحتمل"لا نورث" حكم، وقوله" ما تركنا صدقة" حكم آخر معين أبر به أنه قد أنفذ الصدقة فيما كان بيده من سهمه المتصير إليه بتسويع الله له، وكان من ذلك مخوصاص بما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان له سهمه مع المسلمين فيما غنموه بما أخذوه عنوة. ويحتمل ان يكون صدقة منصوبا على أن يكون حالا من المتروك. وإلى هذا أشار أصحاب أبي حنيفة، وهو ضعيف وقد بيناه في موضعه. بيد أنه يأتيك من هذا أن المسألة مجرى الخلاف، ومحل الاجتهاد380، وأنها ليست بنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحتمل التصويب والتخطئة من المجتهدين. والله أعلم. ***   380 ولعل فاطمة وعليا والعباس رضي الله عنهم أخذوا بهذا الاجتهاد، فهم مأجورون على كل حال. ولاشك أن عليا إذا كان أخذ به، فقد رجع عنه مادام لم ينفذه في خلافته. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 الباب السابع قاصمة ثم قتل علي. قالت الرافضة: فعهد غلى الحسن، فسلمها الحسن إلى معاويةن فقيل له مسود وجوه المؤمنين381 وفسقته جماعة من الرافضة، وكفرته طائفة لأجل ذلك. ***   381 من عناصر إيمان الرافضة- بل العنصر الأول في إيمانهم- اعتقادهم بعصمة الحسن وأبيه وأخيه، وتسعة من ذرية أخيه. ومن مقتضي عصمتهم- وفي طليعتهم الحسن بعد أبيه- أنهم لا يخطئون، وأن ما صدر عنهم فهو حق، والحق لا يتناقض. وأهم ما صدر عن الحسن بن علي بيعته لأمير المؤمنين معاوية، وكان ينبغي لهم أن يدخلوا في هذه البيعة، وان يؤمنوا بانها الحق لأنها من عمل المعصوم عندهم. لكن المشاهد من حالهم أنهم كافرون بها. ومخالفون فيها لإمامهم المعصوم. ولا يخلو هذامن من أحد وجهين: فأما أنهم كاذبون في دعوى العصمة لأئمتهم الاثني عشر، فينهار دينهم من أساسه، لأن عقيدة العصمة لهم هي اساسه، ولا أساس له غيرها. وإما أن يكونوا معتقدين عصمة الحسن، وان بيعته لمعاوية هي من عمل المعصوم، لكنهم خارجون على الدين، مخالفون للمعصوصم فيما جنح إليه وأراد أن يلقى الله به، ويتواصون بهذا الخروج على الدين جيلا بعد جيل، وطبقة بعد طبقة، ليكون ثباتهم على مخالفة الإمام المعصوم عن إصرار وعناد ومكابرة وكفر. ولا ندري أي الوجهين يطوح بهم في مهاوي الهلكة أكثر مما يطوح بهم الوجه الآخر، ولا ثالث لهما. فالذين قالوا منهم أن الحسن مسود وجوه المؤمنين لا يحمل كلامهم غلا على أنه مسود وجوه المؤمنين بالطاغوت أما المؤمنون بنبوة جد الحسن صلى الله عليه وآله وسلم فيرون صلحه مع معاوية وبيعته له من من أعلام النبوة، لأنها حققت ما تنبأ به صلى الله عليه وآله وسلم في سبطه سيد شباب أهل الجنة من انه سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين كما سيأتي بيانه. وكل الذين استبشروا بهذه النبوءة وبهذا الصلح يعدون الحسن مبيض وجوه المؤمنين. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 عاصمة : قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: أما قول الرافضة أنه عهد إلى الحسن فباطل. ما عهد إلى أحد382. ولكن البيعة للحسن منعقدة، وهو أحق من معاوية ومن كثير من غيره. وكان خروجه لمثل ما خرج إليه أبوه من عاء الفئة الباغية إلى الإنقياد للحق والدخول في الطعة. فآلت الوساطة إلى أن تخلى عن الأمر صيانة لحقن دماء الأمة383 وتصديقا لوعد   382 روى الإمام أحمد في مسنده 130:1 برقم1078 عن وكيع عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليا يقول وذكر أنه سيقتل قالوا: فاستخلف علينا. قال: لا، ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم. وروى أحمد مثله 156:1 برقم 1339 عن أسود بن عامر عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن سبع. والخبران إسناد كل منهما صحيح. ونقل الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 250:5-251 عن الإمام البيهقي من حديث حصين بن عبد الرحمن عن الإمام الشعبي عن أبي وائل شقيق بن سملة الأسدي أحد سادة التابعين أنه قيل لعلي: ألا تستخلف علينا؟ قالك ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وىله وسلم فأستخلف، ولكن أن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم. وهذا الحديث جيد الإسناد. ونقل ابن كثير أيضا 323:7 عن الإمام البيهقي حديث حبيب ابن أبي ثابت الكاهلي الكوفي عن ثعلبة بن يزيد الحماني وهو من شيعة الكوفة وثقه النسائي أنه قيل لعلي: ألا تستخلف؟ فقال: لا، ولكن اترككم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وانظر السنن الكبرى للبيهقي 149:8.خ. 383 وتمام الحديث: " أنا محمد، وأحمد والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة ". رواه الطيالسي وأحمد في المسند وغيرهما وسنده صحيح كما قال محقق الجامع الصغير وزيادته. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 نبي الملحمة384 حيث قال على المنبر: "ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" 385. فنفذ الميعاد، وصحت البيعة لمعاوية، وذلك لتحقيق رجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فمعاوية خليفة، وليس بملك. فإن قيل: فقد روى عن سفينة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الخلافة ثلاثون سنة، ثم تعود ملكا" فإذا عددنا من ولاية أبي بكر إلى تسليم الحسن كانت ثلاثين سنة لا تزيد ولا تنقص يوما. قلنا: خذ ما تره ودع شيئا سمعت به ... في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل هذا الحديث387 في ذكر الحسن بالبشارة والثناء عليه، لجريان الصلح   384 حكاية الوساطة بين الحسن ومعاوية وصلحهما رواها الإمام البخاري في كتاب الصلح من صحيحه ك53 ب9 ج3 ص169 عن الإمام الحسن البصري قال: استقبل- والله- الحسن بن علي معاوية بكتاب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية- وكان والله خير الرجلين-: أي عمرو، أن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس- عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا غلى هذا الرجل أي إلى الحسن بن علي فأرضا عليه أي ما يشاء، وقولا لهأي ما يرضيه، واطلبا إليه أي ما تريان فيه المصلحة فأنتما مفوضان. فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما وقالا له، وطلبا إليه. فقال لهما الحسن بن علي: أنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وانهذه الأمة قد عاثت في دمائها أي فيحتاج ارضاؤها في دمائها إلى مال كثير قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك، ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به فصالحه. خ. 385 رواه البخاري مع الحديث السابق عن الحسن البصري أنه سمعه من أبي بكرة وأن أبا بكرة رأي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه فقال ذلك. ورواه البخاري أيضا في مناقب الحسن والحسين من كتاب فضائل الصحابة من صحيحه ك62 ب22 ج4 ص216 وانظر البداية والنهاية 17:8-19 وابن عساكر 211:4-216 خ. 387 أي حديث" إن ابني هذا سيد " الذي رواه البخاري عن الحسن البصري عن أي بكرة. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 علي يديه، وتسليم الأمر لمعاوية، عقد منه له388. وهذا389 حديث لا يصح390. ولو صح فهو معارض بهذا الصلح   388 أي عقد بيعة من الحسن لمعاوية. وكان ذلك في موضع يقال له مسكن على نهر دجيل في ربيع الأول سنة إحدى واربعينن فسمى ذلك العام عام الجماعة لاجتماع المسلمين بعد الفرقة، وتفرغهم للحروب الخارجية والفتوح ونشر دعوة افسلام بعد ان عطل قتلة عثمان سيوف المسلمين عن هذه المهمة نحو خمس سنوات كان يستطيع المسلمون أن يسجلوا فيها أمجادا لا يستطيع غيرهم مثلها في خمس قرون. ولله في كل شيء حكمة. خ. 389 أي حدي سفينة. خ. 390 لأن راوه عن سفينة سعيد بن جهمان، وقد اختلفوا فيه: قال بعضهم لا باس به، ووثقه بعضهم، وقال فيه الإمام أبو حاتم شيخ لا يحتج به. وفي سنده حشرج بن نباتة الواسطي وثقه بعضهم، وقال فيه انسائي ليس بالقو. وعبد الله بن أحمد بن حنبل يروي هذا الخبر عن سويد الطحان قال فيه الحافظ بن حجر في تقريب التهذيب: لين الحديثز وهذا الحديث المهلهل يعارضه ذلك الحديث الصحيح الصريح الفصيح في كتاب الإمارة من صحيح مسلك ك33 ح5، 6، 7، 8، 9، 10ج6ص3-4 عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: "إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة" قال: ثم تكلم بكلام خفى عليه، فقلت لبي: ما قال؟ قال:" كلهم من قريش". وانظره في كتاب الأحكام من صحيح البخاري ك93 ب51 ج8 ص125-127 وفي فتح البخاري 126:13 وما بعدها وفي سنن أبي داود ك35 ح1 وفي جامع الترمذي ك31 ب46 وفي مسند الإمام أحد 398:1 و 406 برقم 3781 و 3859 من حيث الشعبي عن مسروق ابن الأجدع الهمداني الإمام القدوة قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني أحد منذ قدمت العراق بلك. م قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: " اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل "*. والحديث في مجمع الزوائد 190:5. وفي مسند احمد 86:5 و 87 بثلاث روايات و 88، 89، 90 بثلاث روايات و92 بثلاث روايات و 93 بروايتين و 94 و 95و 96 بروايتين و 97 بروايتين و89   * إن حديث الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون بعد ذلك ملكا صححه الحافظ في التقريب، وحسنه الترذمي، وابن حبان وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 بيعة الحسن وصلحه مع معاوية المتفق عليه، فوجب الرجوع إليه391. فإن قيل: ألم يكن في الصحابة أقعد بالأمر من معاوية؟ قلنا: كثير392. ولكن معاوية اجتمعت فيه خصال: وهي أن عمر جمع   = بثلاث روايات و99 بثلاث روايات و100، 101 بروايتين و 106 بروايتين و 107 بروايتين و 108 وفي مسند ابي داود الطيالسي ح967 و 2278. خ. وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة. وهذا الحديث لا يعارض الصلح بين الحسن ومعاوية كما ادعى أبو بكر بان العربي، كما أنه لا يعارض حديث: أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر خليفة كما ادعى محب الدين الخطيب فقد جاء في رواية أبي داود بلفظ: " خلافة النبوة ثلاثون عاما " ومعنى هذا أن هناك خلفاء غيرهم على غير النبوة ولا مانع من تسميتهم بالخلفاء، فقد قال الإمام ابن تيمية: يجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء، وغن كانوا ملوكا، ولم يكونوا خلفاء بدليل ما رواه البخاري ومسلم قال: " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي. وستكون خلفاء، فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول، فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم ". وكلمة تكثر تفيد الكثرة، ولا يمكن حصرها بالخلفاء الراشدين الأربعة. م. 391 أي إلى العقد من الحسن لمعاوية، فهو متفق عليه، وتناولته البشري النبوية بالثناء والرضا. قال شيخ افسلام اين تيمية في منهاج السنة 242: 2: وهذا الحديث يبين أن افصلاح بين الطائفتين كان ممدوحا يحبه الله ورسوله، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي صلى الله عليه وىله وسلم. ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم يثن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم يثن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بترك واجب أو مستحب ... إلخ. خ. 392 كسعد بن أبي وقاص المجاهد الفاتح أحد العشرة المبشرين بالجنة، وبعد الله بن عمر بن الخطاب عالم الصحابة الثابت على قدم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في جليل الأمور ودقيقها، وغيرهما من هذه الطبقة وقريب منها، وهؤلاء هم الين ترك لهما الحكمان- أبو موسى وعمرو- أمر الإمامة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 مزايا معاوية وسيرته الممتازة له الشامات كلها وأفرده بها293، لما رأى من حسن سيرته394، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور395، وإصلاح الجند والظهور على العدو396   بعد حرب صفين ليرو فيها رايهم، فلما رأوا اجتماع الأمة كلها على معاوية دخلوا كلهم في إمامته وبايعوه، بعد أن كانوا معتزلين الفتنة من بعد عثمان انظر فتح البخاري 50: 12. ومعاوية نفسه يعرف للناس أقدارهم. فقد جاء في البداية والنهاية 134: 8 عن ابن دريد عن أبي حاتم عن العتبى أن معاوية خطب فقال: أيها الناس، ما أنا بخيركم، وأن منكم لمن هو خير منى: عبد اله بن عمر، وعبد الله بن عمرو وغيرهما من الأفاضل. ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية، وأنكاكم في عدوكم وأدرءكم حلبا. ورواه ابن سعد عن محمد بن مصعب عن أبي بكر بن أبي مريم عن ثابت مولى معاوية أنه سمع معاوية يقول ذلك. خ. 393 فأصبحت تحت قيادته وبحسن سياسته أقوى قوة في الإسلام، وهي في طليعة جيوش الجهاد والفتوح الظافرة الداعية إلى الله بأخلاقها وسيرتها وحكمة قادتها وصدق إسلامهم. خ. 394 تقدم حديث الليث بن سعد إمام أهل مصر بسنده الوثيق إلى سعد بن أبي وقاص فاتح العراق وإيران ومبيد دولة كسرى أنه ما رأي بعد عثمان أقضى بالحق من معاوية. وحديث عبد الرزاق الصنعاني بسنده إلى حبر الأمة ابن عباس أنه ما رأيى رجلا أخلق بالملك من معاوية. وفي قول شيخ الإسلام ابن تيمية: كانت سيرة معاوية م رعيته من خيار سير الولاة، وكان رعيته يحبونه÷ وقد ثبت في صحيح مسلم ك33 ح65 و66 قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم. وفي الطبري 188: 6 رواية مجالد عن الضعبي أن قبيصة بن جابر الأسدي قال: الا أخبركم من صحبت؟ صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلا أفقه فقها ولا أحسن مدارسة منه. ثم صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلا أعطى للجزيل من غير مسألة منه، ثم صحبت معاوية فما رأيت رجلا أحب رفيقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه. خ. 395 وقد بلغ من همته وعظيم عنايته بذلك أن أرسل يهدد ملك الروم- وهو في معمعة القتال مع علي في صفين - وقد بلغه أن ملك الروم اقترب من الحدود في جنود عظيمة، فكتب إليه يقول" والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك، لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك مع جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت فخاف ملك الروم وانكف البداية والنهاية 119: 8. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وسياسة الخلق397،398. وقد شهد له في صحيح،   396 في البر والبحر، فكانت رايات الإسلام تخترق الآفاق بأيد جنده ممثلة العزة التي أرداها الله لدينه ورسالة رسوله وللمؤمنين بها. وكما أن فتح مصر ودخولها في الإسلام والعروبة من عمل عمرو بن العاص وحده، فإن تأسيس الأسطول الإسلامي والفتوح البحرية الأولى من عمل معاوية وحده. ومما ينبغي للمشتغل بتاريخ العروبة والإسلام أن يعلمه أن معاوية مفطور على سجية السيادة والقيادة وصناعة الحكم، أخرج ابن كثير في التاريخ 135:8 عن هشيم عن العوام بن حوشب عن جبلة بن سحيم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ما رأيت أحدا أسود من معاوية. قال جبلة بن سحيم: قلت ولا عمر؟ قال كان عمر خيرامنه، وكن معاوية أسود منه. ورووا مثل هذه الكلمة في معاوية عن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وتقدم قول عبد الله بن عباس ما رأيت رجلا أخلق بالملك من معاوية. خ. 397 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 185:3: لم يكن من ملوك الإسلام ملك خيرا من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أياممن بعده، وغذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل. وقدروى أبو بكر الأثرم-ورواه ابن بطة من طريقه- حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة، حدثنا محمد بن مروان، عن يونس، عن قتادة قال: لو أصحبتم في مثل عمل معاوية لقتال أكثركم: هذا المهدي. وروى ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال: لو أدرتكم معاوية لقلتم هذا المهدي. وروى الأثرم: حدثنا محمد بن حواش، حدثنا أبو هريرة المكتب قال: كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبدا لعزيزو وعدله، فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: لا والله، بل في عدله. وقال عبد الله بنأحمد بن حنبل: أخبرنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة الثقفي، عن أبي إسحاق السبيعي أنه ذكر معاوية فقال: لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم: كان المهدي. وهذه الشهادة من هؤلاء الأئمة الأعلام لأمير المؤمنين معاوية صدى استجابة الله عز وجل دعاء نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الخليفة الصالح يوم قال صلى الله عليه وآله وسلم" اللهم اجعله هاديا مهديا، واهد به **" وهو من أعلام النبوة. خ. 398 رواه الترمذي وحسنه، وهو صحيح الإسناد كما في تحقيق مشكاة المصابيح.   ** يكفي معاوية رضي الله عنه أنه كان كاتب الوحي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجاء في كتاب البداية والنهاية لحافظ ابن كثير 133:8 قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب يعني معاوية. وروى عن علي بن أبي طالب قوله عنه بعد المصالحة التي جرت سنة 40هـ والتي أسفرت عن اعتراف علي بحكمه في الشام واعتراف معاوية بحكم علي في العراق: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ما رأيت رجلا أخلص بالملك من معاوية. وقال الصحابي عمير بن سعد الأنصاري الأوسي، وقد عزله عمر بن الخطاب رضي اله عنه عن حمص وولى معاوية رضي الله عنه: لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " اللهم اهد به ... " وهذامن تمام إنصاف عمير رضي الله عنه. وقال الصحابي الجليل أبو الدرداء لهل الشام: ما رأيت أحد أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من معاوية. وقد روى ابن قتيبة عن عتبة بن مسعود قال: إنه لما مر بنا نعى معاوية قمنا فأتينا ابن عباس فوجدناه السا قد وضع له الخوان وعنده نفر، فأخبرناه الخبر، فقال يا غلام! ارفع الخوان وسكن ساعة ثم قال: جبل تزعزع ثم مال كلكله. أما والله ما كان كمن كان قبله، ولكن لك يكون بعده مثله، وان ابنه خير أهله. وقال الأعمش للذين ذكروا عنده عمر بن عبد العزيز وعدله، كيف لو أدركتم معاوية! قالوا في حلمه؟! قال: لا واله بل في عدله، وقد مر معنى ذلك. وقال قبيصة لجماعته: ألا أخبركم من صحبت؟! صحبت عمر بن الخطاب، فما رأيت رجلا أفقه فقها ولا أحسن مدارسة منه ثم صحبت طلحة فما رأيت رجلا أعظم للجزيل من غير مسألة منه. ثم صحبت معاوية، فما رأيت رجلا احب ر فيقا ولا أشبه سريرة بعلانيةمنه هذه الأقوال منقول عن تاريخ الطبري وعن البداية والنهاية. وقال الإمام ابن تيمية في منهاج السنة 189/3 وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سيرة الولاة. وقد كانت رعيته يحبونه. وقد ثبت في الصحيحن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "خيار ائتمكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم". هذه بعض شهادات الصحابة والتابعين في معاوية رضي الله تعالى عنهم جميا وآراء بعض العلماء والمؤرخين. وقد رأينا ما قال بحقه النبي صلى الله = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الحديث بالفقه399، وشهد بخلافته في حديث أم حرام أن ناسا من أمنه   = عليه وآله وسلم، فمن أبغضه فقد أنكر ما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وطعن في ثناء الصابة والتابعين عليه. روى الحافظ ابن عساكر عن الإمام أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: أنى أبغض معاوية. فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل عليا. فقال له أبو زرعة ويحك! إن رب معاوية رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فايش دخولك أنت بينهما رضي الله عنهما. وقبل أن ننهي الكلام على شهادات الصحابة والتابعين وآراء العلماء في معاوية ننقل رأيا طريفا للمؤرخ العلامة ابن خلدون في اعتبار معاوية من الخلفاء اراشدين فقد قال: أن دولة معاوية وأخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخبارهم فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة تاريخ ابن خلدون 458/2 نذكر جميع هذه الشهادات، وقبلها الأحاديث النبوية ف يفضل معاوية، مع اعترافنا يشهد الله بفضل علي، وأنه أفضل منه والحق غالبه معه، وكل كان مجتهدا. وقد جاء في الحديث الصحيح:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر"! رواه البخاري ومسلم رحمهما الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى معاوية ليكتب له، فقال: إنه يأكل، ثم بعث إليه، فقال: إنه يأكل، فقال رسول الله صلى الله عليه وىله وسلم: " لا أشبع الله بطنه" رواه أبو داود وسنده صحيح. قد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟! فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه آله وسلم غير مقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض نسأله: " تربت يمينك ". ويمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وىله وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث كثيرة متواترة منها حديث عائشة رضي الله عنهما:" ... أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته، فاجعله له زكاة أجرا" رواه مسلم راجع الأحاديث الصحيحة 95/1.م. 399 في كتاب مناقب الصحابة من صحيح البخاري ك62 ب28 ج4 ص219 حديث ابن أبي مليكة ان ابن عباس قيل له: هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة، فقال: إنه فقيه. وفي كتاب المناقب من جامع الترمذي ك46 ب47 حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني عن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 سرور النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برؤيا حرب معاوية يركبون ثبج البحر الأخضر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، وكان ذلك في ولايته400.   = النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لمعاوية: " اللهم اجعله هاديامهديا واهد به *". ورواه الطبراني من طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي- وكان لأهل الشام كالإمام مالك لأهل المدينة - عن ربيعة بن يزيد اليادي أحد الأئمة الأعلام عن عبد الرحمن بن أبي عميرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاوية: "اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب". وأخرجه الإمام البخاري في التاريخ قال: قال لي أبو مسهر وذكره بالعنعنة**. وتقدم حديث عزل عمير بن سعد الأنصاري عن ولاية حمص في خلافة عمر وتوليته معاوية والشهادة له بأن النبي صلى الل عليه وآله وسلم دعا له بأن يهدي الله به. ورواه الإمام أحمد من حديث العرباض بن سارية السلمي. ورواه ابن جرير من حديث ابن مهدي. ورواه أسد بن موسى وبشر السري وعبد الله بن صالح بعن معاوية بن صالح بإسناده. وزاد في رواية بشر بن السري " وأدخله الجنة ". ورواه ابن عدي وغيره عن ابن عباس. ورواه محمد بن سعد بسنده إلى مسلمة بن مخلد أحد فاتحي مصر وولاتها. ورواة هذا الدعاء النبوي لمعاوية من الصحابة أكثر من أن يحصوا. وانظر الدباة والنهاية120: -121. وانظر ترجمة معاوية في حرف الميم من تاريخ دمشق لابن عساكر. ومن لم يصدق هذا الحديث فهو منكر لكل ما ثبت في السنة من شريعة الإسلام. وفي الشيعة المبغضين لمعاوية اللاعنين له من يزعمون أنهم منتسبون غلى النبي صلى الله عليهوآله وسلم فهل تراهم يحقدون على جدهم صلى الله عليه وآله وسلم لرضاه عن معاوية واستعانته به ودعائه له؟ "إذا لم تستح فافعل ما شئت". خ. 400 أم حرام بنت ملحان صحابية من الأنصار من أهل قباء، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذهب إلى قباء استراح عندها، وهي خالة خادمه أنس بن مالك. روى البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه ك56 ب3 ج3 ص201 ومسلم في كتاب الإمارة ك33 ح160 عن أنس أن النبي صلى الله   * حسنه الترمذي وسنده صحيح كما قال محقق المشكاة. م. ** ومعنى ذلك عدم صحة هذا الحديث. م. توضيح: ليس معنى ذلك عجم صحة الحديث على الإطلاق!! فالصحيحين فيهما من ذلك شيء كثير. وأين هذه القاعدة من كتب مصطلح الحديث!! فمعلوم أن عنعنة الثقة تحمل على الاتصال ما لم يكن مدلسا. س. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ويحتمل أن تكون مراتب في الولاية: خلافة ثم ملك401. فتكون ولاية الخلافة للأربعة، وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية402. وقد قال الله في   = عليه وآله وسلم نام عندها القيلولة ثم استيقظ وهو يضحك لأنه رأى ناسا من أمته غزاة في سبيل الله يركون ثبج البحر-= أي وسطه ومعظمه- ملوكا على السرة. ثم وضع راسه فنام واستيقظ وقد رأى مثل الرؤيا الأولى. فقالت أم حرام: ادع الله أن يجعلني منهمن فقال لها " أنت من الأولين". قال الحافظ ابن كثير 229:8 يعني جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها سنة 27 أيام عثمان بن عفان بقيادةمعاوية، عقب إنشائه الأسطول الإسلامي الأول في التاريخ. وكانت معهم أم حرام في صحبة زوجها عبادة بن الصامت. ومعهم من الصحابة أبو الدرداء وأبو ذر وغيرهما. وماتت أم حرام في سبيل الله وقبرها بقبرص إلى اليوم. قال ابن كثير: ثم كان أمير الجيش الثاني يزيد** بن معاوية في غزة القسطنطينية. قال: وهذامن أعظم دلائل النبوة. 401 عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء " وقد حسن هذا الحديث. محقق مشكاة المصابيح. م. 402 الخلافة والملك والإمارة عناوين اصطلاحية تتكيف في التاريخ باعتبار ملولهن العملي، والعبرة دائما بسيرة المرء وعمله. ومعاوية قد ولي الشام للخلافة الراشدة مدة عشرين سنة، ثم اضطلع بمهمة الإسلام كلها عشرين سنة أخرى في الوطن الإسلامي الأكبر بعد بيعة الحسن بن علي له، فكان في الحالتين قواما بالعدل، محسنا غلى الناس من كل الطبقات، يكرم أهل المواهب ويساعدهم على تنمية مواهبهم، ويسع بحلمه جهل الجاهلين فيعالج بذلك نقائصهم، ويلتزم في الجميع أحكام الشريعة المحمدية بحزم ورفق ومثابرة وإيمان. يؤمهم في صلواتهم، ويوجههم في مجتمعهم ومرافقهم، ويقودهم في حروبهم. وفي منهاج السنة 185:3 قول الصحابي الجليل أبي الدرداء لأهل الشام ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إمامكم هذا يعني معاوية. وقد رأيت قول الأعمش للذين ذكروا عند عمر بن عبد العزيز وعدله: كيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: لا والله، بل في عدله. وقد بلغ من   ** وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أم حرام بشارة ليزيد بالجنة والمغفرة: " أول جيش من أمتي يركبون البحر أوجبوا. وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور له". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = ولا أدري كيف يعقل أن يقبل الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري وغيره من كبار الصحابة قيادة يزيد بن معاوية عليهم، وهو على ما وصفه أعداء الإسلام من سوء السيرة. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} . م.   استقامته على جادة الإسلام أن قال فيه أمثال قتادة ومجاهد وأبي إسحاق السبيعي- وكلهم من الأئمة الأعلام-: كان معاوية هو المهدي والذي يتتبع سيرة معاوية في حكمه يرى أن حكومته في الشام كانت حكومة مثالية في العدلن والتراحم والتآسي، لم يخير بين الطيب والأطيب إلا اختار الأطيب على الطيب. فإذاكان هذا المسلك في أربعين سنة يؤهل الأمير المسلم للخلافة على المسلمين وقد ارتضواه لذلك واغتبطوا به فهو خليفة، ومن سماه ملكا لا يستطيع أن يكابر في أنه من أرحم ملوك الإسلام وأصلحهم. كنا أيام طلب العلم في القسطنطينية في مجلس للطلبة يتناقشون في موضوع سيرة معاوية وخلافته، وكان ذلك في أيام السلطان عبد الحميد. فوقف صديقي الشهيد السعيد عبد الكريم قاسم الخليل - وكان شيعيا- فقال: أنتم تسمون سلطاننا خليفة، وأنا أخوكم الشيعي أعلن أن يزيد بن معاوية كان بسيرته الطيبة أحق بالخلافة وأصدق عملا بالشرع المحمدي من خليفتنا، فكيف بأبيه معاوية. على أن معاوية كان يقول عن نفسه- فيما رواه خيثمة عن هارون بن معروف عن ضمرة عن ابن شوذب-: أنا أول الملوك وآخر الخليفة. وقتدم حيث معمر عن الزهري أن معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيه. وقد أشرنا هناك إلى اختلاف البيئة وتأثيرها في أنظمة الحكم، بل إن معاوية نفسه ذكر ذلك لعمر لما قدم عمر الشام وتلقاه معاوية في موكب عظيم فاستنكر عمر ذلك، واعتذر له معاوية بقوله: أنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للإسلام وأهله ونرهبهم به. فقال عبد الرحمن بن عوف لعمر: ما أحسن ما صدر عما أوردته فيه يا أمير المؤمنين فقال عمر: ما أجل ذلك جشمناه ما جشمناه. البداية والنهاية 124: 8-125. وسيرة عمر التي اول معاوية أن يسير عليها سنين كانت المثل الأعلى في بيته، وكان يزيد يحدث نفسه بالتزامها. روى ابن ابي الدنيا عن أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني الحافظ عن رشدين المصري عن عمرو بن الحارث الأنصاري المصري بن بكير بن الأشج المخزومي المدنيثم المصري أن معاوية قال ليزيد: كيف تراك فاعلا إن وليت؟ قال: كنت والله يا أبه عاملا فيهم عمل عمر بن الخطاب. فقال معاوية: سبحان الله يا بني، والله لقد جهدت على سيرة عثمان فما أطقتها، فكيف بك وسيرة عمر. ابن كثير 229: 8. والذين لا يعرفون سيرة معاوية يستغربون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 داود- وهو خير من معاوية403-: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:251] فجعل النبوة ملكا. فلا تلتفتوا إلى أحاديث ضعف سندها ومعناها404. ولو اقتضت الحال النظر في الأمور لكان- والله أعلم- رأى آخر   = إذا قلت لهم: أنه كان من الزاهدين والصفوة الصالحين. روى الإمام أحمد في كتاب الزهد ص172 طبع مكة عن أبي شبل محمد بن هارون عن حسن ابن واقع عن ضمرة بن ربيعة القرشي عن علي بن أبي حملة عن أبيه قالك رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس عليه ثوب مرقوع. وأخرج ابن كثير 134:8 عن يونس بن ميسر الحميري الزاهد وهو من شيوخ الإمام الأوزاعي قال: رأيت معاوية في سوق دمشق، وهو مدرف وراءه وصيفا وعليه قميص مرقوع الجيب، يسير في أسواق دمشق، وكان قواد معاوية وكبار أصحابه يستهدونه ملابسه للتبرك بهان فكان إذا حضر أحدهم إلى المدينة وعليه هذه الملابس يعرفونها ويتغالون في اقتنائها. روى الدارقطني عن محمد بن يحيى بن غسان أن القاشد الشهير الضحاك بن قيس الفهري قدم المدينة، فأتى المسجد فصلى بين القبر والمنبر، وعليه برد مرقع قد ارتدى به من كسوة معاوية، فرآه ابو الحسن البراد فعرف أنه برد معاوية فساومه عليه وهو يظنه أعرابيا من عامة الناس، حتى رضى أبو الحسن البراد أن يدفع له به ثلاثمائة دينار. فانطلق به الضحاك بن قيس إلى بيت حويطب بن عبد العزى فلبس رداء آخر وأعطى أبا الحسن البراد ذلك البرد بلا ثمن وقال له قبيح بالرجل أن يبيع عطافه، فخذه فالبسه فأخذه أبو الحسن فباعه فكان أول مال أصابه ابن عساكر:7 ص6 وقد أوردنا هذه الأمثلة ليعلم الناس أن الصورة الحقيقة لمعاوية تخالف الصورة الكاذبة التي كان أعداؤه يصورونه بها، فمن شاء بعد هذا أن يسمى معاوية خليفة وأميرا للمؤمنين، فإن سليمان بن مهران الأعمش- وهو ن الأئمة الأعلام الحفاظ، وكان يسمى المصحف لصدقه- كان يفضل معاوية على عمر بن عبد العزيز حتى في عدله. ومن لم يملأ معاوية عينه وأراد أن يضن عليه بهذا اللقب، فإن معاوية مضى إلى اله عز وجل بعدله وحلمه وجهاده وصالح عمله، وكان وهو في دنيانا لا يبالي أن يلقب بالخليفة أو الملك، وأنه في آخرته لأكثر زهدا بما كان يزهد به في دنياه. خ. 403 أن داود في نبوءته- كما يعرفها المسلمون في دينهم- تجعله خيرا من معاوية. وأما داود اليهود- كما يعرفه الناس من توراتهم الموجودة الآن في الأيدي- فإن معاوية خير منه. ومن شقاء اليهود ألا يعرفوا للقرن والإسلام فضلهما عليهم في تنزيه أنبياء بني إسرائيل عمال وصفوا به في كتبهم. خ. 404 كتب الشيخ محب الدين: متنها بدل: معناه. س. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 انعقاد البيعة لمعاوية على الوجه الذي وعد به رسول الله للجمهور، ولكن انعقدت البيعة لمعاوية بالصفة التي شاءها الله، على الوجه الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مادحا له، راضيا عنه، راجيا هدنة الحال فيه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" 406. وقد تكلم العلماء في إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه، فلست المسألة في الحد الذي تجعله فيه العامة، وقد بيناها في موضعها407.   406 قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فلما أثنى النبي صلى الله عليه وىله وسلم على الحسن بالإصلاح وترك القتال دل على أن افصللاح بين تلك الطائفين كان أحب إلى الله تعالى من فعله9. فدل على أن القتال لم يكن مأمورا به، ولو كان معاوية كافرا لم تكن تولية كافر وتسليم الأمر إليه مما يحبه الله ورسوله، بل دل احديث على أن معاوية وأصحابه كانوا مؤمنين، كما كان الحسن وأصحابه مؤمنين، وأن الي فعله الحسن كان محودا عند الله تعالى، محبوبا مرضيا له ولرسوله. وهذا كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: "تمرق مارقة على حين فرقة من الناس، فتقتلهم أولى الطائفتين بالحق وفي لفظ: فتقتلهم أدناهما إلى الحق" فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلا الطائفتين المقتتلتين - علي واصحابه، ومعاوية وأصحابه- على حق، وان عليا واصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه الفتاوى 466/4-467. م. 407 أي من مؤلفاته الأخرى. وهذه المسألة من مسائل الفقه الإسلامي الممحصة، المبينة أحكامها على النصوص والسنن والأسس الشرعية التي قام الدين على مثلها في باب جلب المصالح ودرء المفاسد وتقدير الضرورات باقدارها. والقاضي أبو الحسن الماوردي لم يذكر في الأحاكم السلطانية ص5 مخالفا في جواز إمامة المفضل إلا الجاحظ، وماذا يضر أئمة الدين إذا خالفهم الجاحظ، وهل العباسيون الذين عرف الجاحظ بالتقرب إليهم في حياتهم كانوا أفضل معاصريهم؟ أما جمهور الفقهاء والمتكلمين فقالوا تجوز إمامة المفصول وصحة بيعته، ولا يكون وجود الأفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرا عن شروط الإمامة، كما يجوز- في ولاية القضاء- تقليد المفوضل مع وجود الأفضل، لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار، وليست معتبرة في شروط الاستحقاق. ونحيل القارئ على كتاب الإمامة والمفاضلة لبي محمد بن حزم المدرج في الجزء الرابع من كتاب الفصل ولاسيما الفصل المعقود فيه لإمامة المفضول ص163-167 من طبعة مصر سنة 1320. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 حجر بن عدي والأسباب التي حملت معاوية على قتله فإن قيل: فقد قتل حجر بن عدي- وهو من الصحابة مشهور بالخير- صبرا أسيرا بقول زياد، وبعثت إليه عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله. قلنا: قد علمان قتل حجر كلنا، واختلفنا: فقائل يقول قتله ظلما، وقائل يقول قتله حقا408. فإن قيل: الأصل قتله ظلما إلا إذا ثبت عليه ما يوجب قتله. قلنا: الأصل أن قتل الإمام بالحق، فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل. ولو كان ظلما محضا لما بقى بيت إلا لعن فيه معاوية. وهذه مدينة السلام دار خلافة بني العباس- وبينهم وبين بني أمية ما لا يخفى على الناس- مكتب على أبواب مساجدها: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   408 حجر بن عدي الكندي عده البخاري وآخرون من التابعين، وعده ابعض الآخر من الصحابة، وكان من شيعة علي في الجمل وصفين. وروى ابن سيرين أن زيادا- وهو أمير الكوفة- خطب خطبة أطال فيها، فنادى حجر بن عدي الصلاة! فمضى زياد في خطبته، فحصبه حجر وحصبه آخرون معه. فكتب زياد إلى معاوية يشكو بغى حجر على أميره في بيت الله، وعد ذلك من الفساد في الأرض. فكتب معاوية إلى زياد أن سرح به إلى ... فلما جيء به إلى معاوية أمر بقتله. فالذين يرون أن معاوية قتله بحق يقولون: ما من حكومة في الدنيا تعاقب بأقل من ذلك من يحسب أميره وهو قائم يخطب على المنبر في المسجد الجامع، مندفعا بعاطفة الحزبية والتشيع. والذي يعارضونهم يذكرون فضائل حجر ويقولون كان ينبغي لمعاوية أن لا يخرج عن سجيته من الحلم وسعة الصدر لمخالفيه. ويجيبهم الآخرون بأن معاوية يملك الحلم وسعة الصدر عند البغي عليه في شخصه، فأما البغي على الجماعة في شخص حاكمها وهو على منبر المسجد فهو لا يملك معاوية أن يتسامح فيه، ولاسيما في مثل الكوفة التي أخرجت العدد الأكبر من أهل الفتنة الذين بغوا على عثمان بسبب هذا التسامح، فكبدوا الأمة من دمائها وسمعتها وسلامة قلوبها ومواقف جهادها تضحيات غالية كنت في غنى عنها لو أن هيبة الدولة حفظة بتأديب عدد قليل من أهل الرعونة والطيش في الوقت المناسب. وكما كانت عائشة تود لو أن معاوية شمل حجر بسعة صدره، فإن عبد الله بن عمر كان يتمنى مثل ذلك. والواقع أن معاوية كان فيه من حلم عثمان وسجاياه، إلا أنه في مواقف الحكم كان يتبصر في عاقبة عثمان وما جر إلهي تمادى الذين اجترأوا عليه. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله عنهم.409. ولكن حجرا- فيما يقال رأى من زياد أمورا منكرة410ن فحصبه، وخلعه، واراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فسادا. وقد كلمته عائشة في أمره حين حج، فقال لها: دعيني وحجرا حتى نلتقي عند الله. وأنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين، وانتم411 ودخولكم حيث لا تشعرون، فما لكم تسمعون412؟ فإن قيل: قد دس على الحسن من سمه.   409 المؤلف أقام في بغداد زمن الدولة العباسية كما ذكرنا في ترجمته، فهو يعرف مساجدها معرفة مشاهدة وعيان. ومعاوية خال المؤمنين لأنه أخو أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان المشتهرة بكنيتها أم حبيبة. خ. 410 كان زياد في خلافة علي واليا من ولاته، وكان حجر بن عدي من أولياء زيادوأنصاره. ولم يكن ينكر عليه شيئا. فلما صار من ولاة معاوية صار ينكر عليه مدفوعا بعاطفة التحزب والتشيع. وكان حجر يفعل مثل ذلك مع من تولى الكوفة لمعاوية قبل زياد، فلمعاوية عذا إذا رأى أن حجرا من سعى في الأرض فسادا. خ. 411 كذا في جميع النسخ واقترح الشيخ ابن باديس أن يكون: وما أنتم. س. 412 ومن الانتقادات التي يوجهونها إلى معاوية رضي الله عنه لعن على رضي الله عنه على المنابر. قال المؤرخ عبد الوهاب النجار في كتابه الخلفاء الراشدون ص438 ولم يذكر المصدر وذلك بعدما علم عليء نتيجة التحيكم: فكان إذا صلى صلاة الصبح يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمرا. وبإزاء هذا القنوت أقول: أن عليا رحمه الله قد سن لخصومه أن ياقبوله بمثل عمله، ويتخذوا من لعنه نوعا من العبادة في أعقاب الصلوات، فكان معاوية إذا خطب سب عليا ... وصار ذلك سنة في بني أمية إلى زمن عمر بن عبد العزيز. والعهدة في هذا الخبر على الراوي الذي لا علم لنا بمبلغ صحته ولا نظنه يصح والله أعلم. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أهلية يزيد للولاية قلنا: هذا محال من وجهين: أحدهما أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسا وقد سلم الأمر. الثاني أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله فكيف تحمولنه- بغير بينة- على أحد من خلقه في زمان متباعد لم تثق فيه بنقل ناقل، بي أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم413. فإن قيل: فقد عهد إلى يزيد وليس بأهل414، 415. وجرى بينه   413 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 225: 2 فيما تزعمه الشيعة من أن معاوية سم الحسن: لم يثبت ذلك ببينة شرعية، ولا إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به، وهذامما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم. قال: وقد رأينا في زماننا من يقول عنه سم ومات مسموما من الأتراك وغيرهم. ويختلف الناس في ذلك حتى في نفس الموضع الذي مات فيه القلعة التي مات فيها، فتجد كلا منهم يحدث بالشيء بخلاف ما يحدث به الآخر. وقعد أن ذكر ابن تيمية أن الحسن مات يحدث بالشيء بخلاف ما يحدث به الآخر. وبعد أن ذكر ابن تيمية أن الحسن مات بالمدينة وأن معاوية كان بالشام، ذكر الخبر احتمالات- على فرض صحته- منها أن الحسن كان مطلاقا لا يدوم مع امرأة ... إلخ. خ. 414 أن كان مقياس الأهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر وعمر في مجموع صجاياهما، فهذا ما لم يبلغه في تاريخ الإسلام، ولا عمر بن عبد العزيز. وإن طمعنا بالمستحيل وقدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر وعمر آخر فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر وعمر. وإن كان مقياس الأهلية الاستقامة في السيرة، والقيام بحرمة الشريعة، والعمل بأحكامها، والعدل في الناس، والنظر في مصالحهم، والجهاد في عدوهم، وتوسيع الآفاق لدعوتهم، والرفق بأفرادهم وجماعتهم، فإن يزيد يوم تمحص أخباره، ويقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته، يتبين من ذلك أنه لم يكن دون كثيرين ممن تغنى التاريخ بمحامدهم، وأجزل الثناء عليهم. خ. 415 تصدى في العصر الحديث للدفاع عن يزيد استاذ في جامعة القاهرة هو الدكتور إبراهيم العدوي خريج ماعة ليفربول، فيقول في كتابه: الأمويون والبيزنطيون: البحر المتوسط بحيرة إسلامية ناقضا بذلك الشائعات الكاذبة المتواترة التي سمعة وتسمم العقول البريسة. وبذل معاوية جهودا عظيمة لإعداد القوات الإسلامية التي رغب في إرسالها إلى القسطنطينية فجعل على رأس هذه الحملة ابنه وولي عهده يزيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وبين عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين ما نصه عن وهب416 بن جرير بن حازم عن أبيه وعن غيره: لما أجمع معاوية أن يبايع لابنه يزيد حج، فقدم مكة في نحو ألف رجل. فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر. فلما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه. ثم ذكر يزيد فقال: من أحق بهذه الأمر417. ثم ارتحل،   = واستهدف معاوية من وراء ذلك إعطاء ابنه فرصة يعلي فيها من ذكره واسمه في ميدان الجهاد ضد البيزنطيين، وليرد بذلك على الأشخاص الذين أبدوا امتعاضهم من يزيد والمحاولات التي بذلها أبوه لأخذ البيعة له بالخلافة من بعده، إذ صورت الدعايات المعادية لبني أمية شخصية يزيد بحبها للمجون والخلاعة، وعدم أهليتها لتصريف شئون المسلمين. ومن ثم كان ميدان القسطنطينية خير مجال يدحض فيه يزيد افتراءات منافسيه وأعدائه ويعلن عن مواهبه الحربية ما اتصف به من شجاعة وإقدام. وعلى ضفاف البوسفور انضم يزيد إلى القوات، وعبر مياه هذا المضيق إلى الشاطيء الأوروبي وحقق لجنده سبقهم على أقرانهم من جند الإسلام في مشاهدة القسطنطينة، وا لوقوف أمامها، يدقونها بآلاتهم الحربية ويعملون على تخريبها أو إحداث ثغرات فيها. وأظهر يزيد في هذا الحصار من ضروب الشجاعة والبسالة ما أكسبه لقب: فتى العرب ودونت المراجع سيرته وأعماله في هذا النضال. وأشاد الدكتور إبراهيم بمعاوية رضى الله عنه فقال: باستيلاء المسلمين على الشام ومصر، فتحت صفحة جديدة في تاريخ البحر المتوسط دون سطورها الأولى معاوية بن أبي سفيان بمداد الجهاد وملأ بأخبار عظمة الأول في رسم سياسة المسلمين إزاء البحر المتوسط منذ زمن مبكر، وحل المشكلة البحرية التي اعترضتهم. م. 416 وكتبها الشيخ محب الخطيب ما قصه المؤرخون عن وهب!!.س. 417 شباب قريش المعاصرون ليزيد - ممن يحدثون أنفسهم بولاية الأمر لبعض الاعتبارات التي عرفونها لأنفسهم - كثيرون جدا، حتى سعيد بن عثمان بن عفان ومن هم دون سعيد كان يطمعون بولاية الأمر من بعد معاوية. ومبدأ الشورى في انتخار الخليفة أفضل بكثير من مبدأ ولاية العهد. لكن معاوية كان يعمل بينه وبين نفسه أن فتح باب الشورى في انتخاب من يخلفه سيحدث في الأمة افسلامية مجزرة لا ترقأ فيها الدماء إلا بفناء كل ذي أهلية في قريش لولاية شء من أمور هذه الأمة. ومعاوة أحصف من أن يخفى عليه أن المزايا موزعة بين هؤلاء الشباب القرشيين، فإذا امتاز أحدهم بشيء منها على أضرابه ولداته، فإن فيهم من يمتاز عليه بشيء آخر منها. غير أن يزيد- مع مشاركته = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فقدم مكة فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد وقال: أما بعد يا ابن عمر، فقد كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك أمير. وإني أحذرك أن تشق عصا المسملين، وأن تسعى في فساد ذات بينهم. فلما سكت تكلم ابن عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنه قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير منهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار. وإنك تحذر أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، وإنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمرنا فإنما أنا واحد منهم. فخرج ابن عمر418. وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فتشهد ثم أخذ في الكلام،   = لبعضهم في بعض ما يمتازون به- يمتاز عليهم بأعظم ما تحتاج إليه الدولة، أعني القوة العسكرية التي تؤيده في تولى الخلافة، فتكون قوة للإسلام. كما تؤيده إذا وقع الشيطان الفتنة على هذا الكرسي بين المتزاحمين عليه، فيكون ما لا يجب كل مسلم أن يكونز. ولو لم يكن ليزيد إلا أخواله من قضاعة وأحلافهم من قبائل اليمن، لكان منهم ما لا يجوز لبعيد النظر أن يسقطه من قائمة الحساب عندما يفكر في هذه الأمور. أضف إلى هذاما قرر ابن خلدون عند كلامه على مسير الحسين إلى العراق للخروج على يزيد حيث قال في فصل ولاية العهد من مقدمة تاريخه: وأما الشوكة، فغلط يرحمه الله فيها، لأن عصبية مضر كانت في قريش، وعصبية قريش في عبد مناف، وعصبية عبد مناف إنما كانت في بنية أمية، تعرف ذلك لهم قريش في عبد مناف، وعصبية عبد مناف إنما كانت في بني أمية، تعرف ذلك لهم قريش وسائر الناس ولا ينكرونه، وإنما نسي ذلك في أول الإسلام لما شغل الناس من الذهوب بالخوارق وأمر الوحي ... حتى إذا انقطع أمر النبوة والخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشيء للعوائد، فعادت العصبية كما كانت ولمن كانت، وأصحبت مضر أطوع لبني أمية من سواهم*.خ. 418 هذا الخبر معارض بما في كتاب المغازي من صحيح البخاري ك64 ب29 ج5 ص48 عن ابن عمر أن أخته أم المؤمنين حفصة نصحت له بأن يسرع بالذهاب للبيعة وقالت: الحق، فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. خ. وانظر ص166   * أن هذه الحجة لابن خلدون متهافتة، فإن الإسلام في عهد معاوية كان قويا عزيزا. ويظهر بطلانها استلام العباسيين الهاشميين للحكم أكثر من خمسة قرون، بينما لم يستطع الأمويون الاحتفاظ به قرنا واحدا!!.م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فقطع عليه كلامه، فقال: إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمرا بنك إلى الله. وإنا والله لا نفعل. والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لتفرنها عليك جذعة415 ثم وثب فقال معاوية: اللهم اكفينيه420 بما شئت. ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن لأهل الشام، فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك، حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد ذلك على ما بدا لك من أمرك. ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخرن وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما. فقال ابن الزبير: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه. أرأيات إذا باعيت ابنك معك لأيكما نسمع، لأيكما نطيع؟ لا نجتمع البيعة لكما أبدا421. ثم قام. فخرج معاوية فصعد المنبر فقال: إنا وجدناه أحاديث الناس ذوات عوار. زعموا أن ابن عمر وان الزبير وابن ابي بكر لم يبايعوا يزيد، قد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له. فقال أهل الشام: لا والله، لا نرضى حتا يبايعوا على رؤوس الأشهاد، وإلا ضربنا أعناقهم. فقال: سبحان الله، ما أسرع الناس إلى قري بالشرب لا أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم، ثم نزل. فقال الناس: بايعوا. ويقولون هم: لم نبايع. ويقول الناس: قد بايعتهم. وروى وهب من طريق أخرى قال: خطب معاوية فذكر ابن عمر فقال: والله ليبايعين أو لأقتلنه. فخرج عبد الله بن عمر إلى أبيه   419 أي لتنكشف عليك الفتنة في أشد حالاتها، ويلاحظ أن الذين انتحلوا هذه الأقوال في الاستطالة على معاوية لم يطعنوا في كفاءة يزيد وأهليته لأنها آخر ما يرتابون فيه. 420 ب، ج، ذ: أكففه. س. 421 ابن الزبير أذكى من أن تفوته أن البيعة ليزيد بعد معاوية، وليست لهما معا في حياة معاوية. والذين اخترعوا هذه الأخبار وأضافعوها إلى وهب ابن جرير بن حازم يكذبون كذبا مفضوحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وسار إلى مكة ثلاثا وأخبره422، فبكى ابن عمر، فبلغ الخبر إلى عبد الله ابن صفوان: فدخل على ابن عمر فقال: أخطب هذا بكذا؟ قال: نعم. قال: فما تريد، أتريد قتاله؟ قال: يا ابن صفوان، الصبر خير من ذلك. فقال ابن صفوان: والله لئن أراد ذلك لأقاتلنه422. فقدم معاوية مكة فنزل ذا طوى، وخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال: أنت تزعم أنك تقتل ابن عمر إن لم يبايع لابنك؟ قال: أنا أقتل ابن عمر؟ إني والله لا أقتله. وروى وهب من طريق ثالث424 قال: إن معاوية لما راح عن بطن مر قاصدا إلىمكة قال لصاحب حرسه: لا تدع أحدا يسير معي إلا من حملته. فخرج يسير وحده، حتى إذاكان وسط الأراك لقيه الحسن بن علي، فوقف وقال: مرحبا وأهلا بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد شباب المسلمين. دابة لأبي عبد الله يركبها. فأتى ببرذون، فتحول عليه. ثم طلع عبد الرحمن بن أبي بكر425، فقال مرحبا بابن شيخ قريش وسيدهم   422 هذا الخبر عن وهب بن جرير بن حازم يشعر با، معاوية خطب هذه الخطبةوهو في المدينة قادما إليها من دمشق قبل أن يصل إلى مكة، وأن ابن عمر كان يومئذ في مكة فركب إليه ابنه حتى لقيه بمكة واخبره بهذه الخطبة. وفي الخبر الذي قبل هذا- وهو مروى عن وهب بن جرير بن حازم وأنه كان مع الأعيان الذين خرجوا لاستقباله. فالخبران متناقضان يكذب أحدهما الآخر مع أنهما عن راو واحد. ولا أدري من أين جاء بهما المؤلف، ولم ينقلهمال الطبري مع أنه يعتني بأخبار وهب بن جرير لأنه ثقة، ووهب مات سنة 206 وأبوه مات سنة 170 بعد أن اختلط، فبينهما وبين هذه الحوادث رواة آخرون، وبينهما وبين الطبري وغيره من المؤرخين رواة كثيرون. وأعتقد أن هذه الأخبار غير صحيحة لتناقضها، ولو عرفنا رواتها إلى وهب بعد وهب لعرفنا من أين جاء الكذب. خ. 423 عبد الله بن صفوان حفيد أمية بن خلف الجمحي، قتل مع ابن الزبير سنة 73. 425 نحن نعلم من الخبر الأول عن وهب نفسه أن عبد الرحمن بن أبي بكر كان في المدينة، وكان في الذين استقبلوا معاوية عند وصوله إليها من دمشق، فما الذي طار به إلى مكة حتى صار في مستقبلي معاوية عند وصوله إليها؟ حقا أن الذين يكذبون على معاوية أغبياء لا يجيدون ولا صناعة الكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وابن صديق هذه الأمة. دابة لأبي محمد يركبها. فأتى ببرذون فركبه. ثم طلع ابن عمر فقالك مرحبا وأهلا بصاحب رسول الله وابن الفاروق وسيد المسلمين، ودعا له بدابة فركبها. ثم طلع ابن الزبير فقال: مرحبا وأهل بابن حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن الصديق وابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا له بدابة فركبها. ثم أقبل يسير بينهم لا يسايره غيرهم حتى دخل مكة، ثم كانوا أول داخل، وآخر خارج ليس في الرض صباح إلا لهم فيه حباء وكرامة، ولا يعرض لهم بذكر شيء مما هو فيه حتى قضى نسكه وترحلت أثقاله وقرب مسيره إلى الشام وأنخيت رواحله، فأقبل بعض القوم على بعض فقالوا: ايها القوم لا تخدعوا، إنه والله ما صنع هذا لحبكم ولا لكرامتكم ولا صنعه إلا لما يريد، فأعدوا له جوابا. وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله. قال: وفيكم شيخ قريش وسيدها؟ وهو أحق بالكلام. فقالوا: أنت يا أبا محمد- لعبد الرحمن بن أبي بكر- فقال: لست هناك، وفيكم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن سيد المسلمين- يعني ابن علي- فقالوا لابن عمر: أنت! فقال: ليست بصاحبكم، ولكن ولوا426 الكلام ابن الزبير يكفيكم. قالوا: أنت يابن الزبير. قال: نعم، إن أعطيتموني عهودكم ومواثيقكم أن لا تخالفوني كفيتكم الرجل. فقالوا فلك ذلك. فخرج الإذن، فأذن لهم. فدخلوا. فتكلم معاوية فحمد الله واثنى عليه ثم قال: لقد علمتم سيرتي فيكم، وصلتي لأرحامكم، وصفحي عنكم، وملي لما يكون منكم، ويزيد ابن أمير المؤمنين أخوكم وابن عمكم وأحسن الناس لكم رأيا. وإنما أرادت أن تقدموه باسم الخلافة وتكونوا أنتم الذي تنزعون وتؤمرون وتجبون وتقسمون لا يدخل عليكم في شيء من ذلك. فسكت القوم. فقال: ألا تجيبوني؟ فسكت القوم. فقال: ألا تجيبوني. فسكتوا. فأقبل على ابن الزبير قال: هات يا ابن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم. فقال: نعم يا أمير المؤمنين أخيرك بين ثلاث خصال أيها أخذت فهي لك رغبة. قال: لله أبوك، اعرضهن. قال: إن شئت صنعت   426 وكتبها الشيخ محب الدين الخطيب: أولو. س. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شئت صنعتما صنع أبو بكر فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر. قال: لله أبوك، ما صنعوا؟ قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يستخلف أحدا، فارتضى المسلمون أبا بكر. فإن شئت أن تدع أمر هذه الأمة حتى يقضي الله فيها قضاءه فيختار المسلمون لأنفسهم. فقال: إليه، ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، وإني لا آمن عليكم الاختلاف. قال: فاصنع كما صنع أبو بكر، عهد إلى رجل من قاصبة قريش ليس من بني أمية فاستخلفه. قال: لله أبوك. الثالثة؟ قال: تصنع ما صنع عمر، جعل الأمر شورى في ستة نفر من قريش ليس أحد منهم من وليد أبيه. قال هل عندك غير هذا؟ قال: لا. قال: فأنتم؟ قالوا: ونحن أيضا. قال: أما لا، فإني أحببت أن أتقدم إليكم، إنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم القائم منكم إلى فيكذبني على رؤوس الناس فأحتمل له ذلك. وإني قائم بمقالة، فإن صدقت فلي صدقي وإن كذبت فعلي كذبي. وإني أقسم باله لكم لئن رد علي إنسان منكم لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلى رأسهز ثم دعا بصاحب حرسه فقال: أقم على كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد على كلمته بصدق أو كذب فليضرباه بسيفيهما427. ثم خرج وخرجوا معه، حتى رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا يستبد بأمر دونهم، ولا يقضى أمر إلا عن مشورهم. وإنهمد قد ارتضوا وبايعو ليزيد ابن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا باسم الله. فضربوا على يده، ثم دلس على راحلته وانصرف. فلقيهم الناس فقالوا: زعمتم وزعمتم، فلم أرضيتم وحبيتم فعلتم. قالوا: إنا لله وما فعلنا. قال: فما منكم أن ترددوا على الرجل إذ كذب؟ ثم بايع أهل المدينة والناس: ثم خرج إلى الشام.   427 أورد المؤلف هذه الأخبار المفضوح كذبها ليعارضها في الصفحات التالية إن شاء الله بحديث البخاري عن الموقف السليم لابن عمر في هذا الحادث حتى يعلم الناس أن الحق في واد وهؤلاء الرواة الكاذبين في واد غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: لسنا ننكر، ولا تبلغ بنا الجهالة ولا لنافي الحق حمية جاهلية، ولا تنطوي على غل لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل نقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} إلا أن نقول: إن معاوية ترك الأفضل في أن يجعلها شورى، وألا يخص بها أحد من قرابته فكيف ولدا428، وأن يقتدي بما أشار به عبد اله بن الزبير في الترك أو الفعل429 فعدل إلى ولاية ابنه وعقد له   428 قال الإمام ابن خلدون: . والذي دعا معاوية رضي الله تعالى عنه لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مرعاة المصحلة في اجتماع واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية، غذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم. فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها. وعدل عن الفاضل إلى المفوض حرصا على الاتفاق واجتماع الأهوال الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا لعدالته. وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه، فلبسوا مما يأخذهم في الحق هوادة. وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم أجل من ذلك. وعدالتهم مانعة منه. ثم قال: ابن خلدون بعد كلام طويل: أفلا ترى إلى المأمون لما عهد إلى علي بن موسى بن جعفر الصادق، وسماه الرضا، كيف أنكرت العباسية ذلك، ونقضوا بيعته وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي، وظهر من الهرج والخلاف وانقطاع السبل وتعدد الثوار والخوارج ما كاد يصطلم الأمر حتى بادر المأمون من خراسان إلى بغداد وورد أمرهم لمعادة .... المقدمة: مبحث ولاية العهد باختصار. م. 429 كان معاوية أعرف بابن الزبير من ابن الزبير بنفسه، روى البلاذري في أنساب الأشراف 4: 532-54 عن المدائني عن مسلمة بن علقة عن خالد عن أبي قلابة أن معاوية قال لابن الزبير: أن الشح والحرص لن يدعاك حتى يدخلاك مدخلا ضيقا. فوددت أني حينئذ عندك فأستنقذك. فلما حضر ابن الزبير قال: هذاما قال لي معاوية، وددت أنه كان حيا. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 البيعة وبايعه الناس، وتخلف عنها من تخلف،430 فانعقدت البيعة شرعا، لأنها تنعقد بواحد وقيل باثنين. فإن قيل: لمن فيه شروط الإمامة. قلنا: ليس السن في شروطها، ولم يثبت أنه يقصر يزيد عنها. فإن قيل: كان منها العدالة والعلم، ولم يكن يزيد عدلا ولا عالما. قلنا: وبأي شيء نعلم عدم علمه أو عدم عدالته431؟ ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلاثة الفضلاء الذين اشاروا عليه بأن لا يفعل، وإنما رموا إلى الأمر يعيب التحكم، وأرادوا أن تكون شورىز فإن قيل: كان هناك من هو أحق منه عدالة وعلما، منهم مائة ورما ألف. قلنا: إمامة المفضول- كما قدمنا- مسألة خلاف بين العلماء على ذكر العلماء في موضعه. وقد حسم البخاري الباب، ونهج جادة الصواب، فروى في صحيحه ما يبطل جميع هذا المتقدم، وهو أن معاوية خطب وابن عمر حاضر في خطبته، فيما رواه البخاري عن عكرمة بن خالد أن ابن عمر قال: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف434. قلت: قد كان من الأمر ما ترين، فلم يجعل   430 عدل عن الوجه الأفضل لما كان يتوجس من الفتن والمجازر إذا جعلها شورى، وقد رأى القوة والطاعة والنظام والاستقرار في الجانب الذي فيه ابنه. خ. 431 أما عن العدالة فقد شهد له محمد بن علي بن أبي طالب في مناقشته لابن مطيع عند قيام الثورة على يزيد في المدينة فقال عن يزيد: ما رأيت منه ما تذكرون. وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة، متحريا للخير، يسأل عن الفقه، ملازما للسنة ابن كثير 233:8. وأم عن العلم فما يلزم منه لمثله في مثل مركزه كان فيه موضع الرضا وفوق الرضا. روى المدائني أن ابن عباس وفد إلى معاوية بعد وفاة الحسن بن علي، فدخل يزيد على ابن عباس وجلس منه مجلس المعزى فلما نهض يزيد من عنده قال ابن عباس: إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس ابن كثير 228:8.خ. 434 أي وذوائبها تقطر ماء، سمى الذوائب، نوسات لأنها تنوس، أي تتحرك. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 نقد أخبار ملفقة على وهب بن جرير في تمهيد معاوية لولاية يزيد لي من الأمر شيء. فقالت: الحق، فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب. فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكم في هذا الأمر فيلطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة435: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقو: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك واباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدماء وتحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان، فقال حبيب: حظفت وعصمت. وروى البخاري436 أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة " وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله وروسهل437، وإني لأعلم غدرا أعظم من أن نبايع رجلا على   435 حبيب بن مسلمة الفهري مكي كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صبيا، ثم التحق بالشام للجهاد، فاشتهرت بطولته، ويعد فاتح أرمينية، ويقال أنه كان قائد النجدة التي خرجت من الشام لإنقاذ عثمان من أيدي البغاة عليه، فجاءها الخبر بشهادته وهي في الطريق فعادت. خ. 436 في كتاب الفتن من صحيحه ك92 ب21 ج8 ص99. خ. 437 وهذا الخبر المنير الذي يرويه البخاري في صحيحه يفضح الذين زوروا على وهب بن جرير تلك الأخبار المتناقضة بأن عمر وغيرهم لم يبايعوا ليزيد، وان معاوية أقام على رؤوسهم من يقطعها إذا كذبوا فيما افتراه عليهم من أنهم بايعوا لابنه. فتبين الآن انه لم يفتر عليهم، وهذا ابن عمر يعلن في أحرج المواقف- أي ثورة أهل المدينة على يزيد بتحريض ابن الزبير وداعيته ابن مطيع- أن في عنقه كما فيأعناقهم بيعة شرعية لإمامهم على بيع الله ورسوله، وأن من أعظم الغدر أن تبايع الأمة أمامها ثم تنصب له القتال. ولم يكتف ابن عمر بذلك في ترك الثورة على يزيد بن روى مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه ك33 ح58 ج6 ص22 أن ابن عمر جاء غلى ابن مطيع داعية ابن الزبير ومثير هذه الثورة فقال ابن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال ابن عمر: أني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من خلع يدا من طاعة، لقى الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"* وكان   * رواه مسلم رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 تحذير ونصيحة من المؤلف للمسلمين من الدخول في دماء الصحابة وأعراضهم بسوء بيع الله ورسوله ثم تنصب له القتال. وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كنت الفيصل بيني وبينه. فانظروا معشر المسلمين إلى ما روى البخاري في الصحيح، وإلى ما سبق ذكرنا له من رواية بعضهم أن عبد الله بن عمر لم يبايع، وان معاوية كذب وقال قد بايع، وتقدم إلى حرسه يأمره بضرب عنقه إن كذبه. وهو قد قال في رواية البخاري: قد بايعناه على بيع الله ورسوله وما بينهما من التعارض، وخذوا لأنفسكم بالأرجع في طلب السلامة، والخلاص بين الصحابة والتابعين فلا تكونوا ولم تشاهدوهم- وقد عصمكم الله من فتنتهم- ممن دخل بلسانه في دمائهم، فيلغ فيها ولوغ الكلب بقية الدم على الأرض بعد رفع الفريسة بلحمها، ولم يحلق الكلب منها إلا بقية دم سقط على الأرض. وروى الثبت العدل عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد: إن كان خيرا رضيان، وإن كان شرا صبرنا. وثبت عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين استخلف يزيد بن معاوية فقال: تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد، ولا أفقهها فيها فقها، ولا أعظمها فيها شرفا. وأنا أقول ذلك. ولكن والله لأن تجتمع أمة محمد أحب إلى من أن تفترق. أرأيتم بابا دخل فيه أمة محمد ووسعهم، أكان بعجز عن رجل واحد لو كان دخل فيه؟ قلنا: لا. قال: أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم لا أريق دم أخي ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يأتيك من الحياء إلا خير" 438.   لمحمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية مثل هذا الموقف من داعية الثورة ابن مطيع سيراه القارئ في مكان آخر عند الكلام على سيرة يزيد. خ. 438 أورده البخاري ومسلم بلفظ: " الحياء لا يأتي إلا بخير " وفي رواية: " الحياء خيره كله ". م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فهذه الأخبار الصحاح كلها تعطيك أن ابن عمر كان مسلما في أمرة يزيد، وأنه بايع عقد له والتزم ما التزم الناس، ودخل فيما دخل فيه المسلمون، وحرم على نفسه ومن إليه بعد ذلك أن يخرج على هذا أو ينقضه. وظهر لك أن قول من قال: غن معاوية كذب في قوله بايع ابن عمر ولم يبايع، وان ابن عمر وأصحابه سئلوا فقالوا لم نبايع فقد كذب. وقد صدق البخاري في روايته قول معاوية على المنبر أن ابن عمر قد بايع بإقرار ابن عمر ذلك وتسليمه له وتماديه عليه. فأي الفريقين أحق بالصديق إن كنتم تعلمو؟ الفريق الذي فيه البخاري، أم الذي فيه غيره؟ فخذوا لأنسفكم بالأحزم والأصح، أو اسكتوا عن الكل، والله يتولى توفيقكم وحفظكم. والصاحب الذي كنى عنه حميد بن عبد الرحمن هو ابن عمر، والله أعلم. وإن كان غيره فقد أجمع رجلان عظيمان على هذه المقالة وهي تعضد ما أصلنا لكم من أو ولاية المفضول نافذة وغن كان هنالك من هو أفضل منه إذا عقدت له. ولما في حلها- أو طلب الأفضل- من استباحة ما لا يباح، وتشتيت الكلمة، وتفريق أمر الأمة. فإن قيل: كان يزيد خمارا. قلنا: لا يحل440 إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه441 بل شهد العدول بعدالته فروى يحيى بن بكير عن الليث   440 وفي نسخة حد. س. 441 أن معاوية - مع شديد حبه ليزيد، لألمعيته واكتمال مواهبه- آثر أن ينشأ بعيدا عنه في أحضان الفطرة، وخشونة البداوية وشهامتها، ليستكمل الصفات اللائقة بالمهمة التي تنتظر أثماله، فبعث به إلى أخبية البادية عند اخواله منقضاعة، ليكون على مذب أمة ميسون بنت بجدل يوم قالت: لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلى من عصر منيف وفي ذلك الوسط أمضى يزيد زمن صباه وصدر شبابه، وما لبث أن انتقل أبوه إلى رحمة الله حتى تولى المركز الذي أراده الله له. فلما خلا الجو لابن الزبير بموت معاوية صار دعاته يذيعون في الحجاز الأكاذيب على يزيد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الليث بن سعد يسمي يزيد أمير المؤمنين ابن سعد، قال الليث: توفى أمير المؤمنين* يزيد في تاريخ كذا فسماه   = وينسبون إليه ما يحل* لهم. نقل الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 223: 8 أن عبد الله بن مطيع داعية ابن الزبير مشى في المدينة هو وأصحابه إلى محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية فأراده على خلع يزيد، فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: أن يزيد بشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته، وأقمت عنده، فرأيته مواظبا على الصلاة، متحربا للخير، يسأل عن الفقه، متلازما للسنة. قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك. فقالك وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلى الخشوع؟ فأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وغن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم تكن رأيناه. فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة فقال: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف: 86] ، ولست من أمركم في شيء. قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك، فنحن نوليك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعا ولا متبوعا. قالوا: فقد قاتلت مع أبيك. قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه. فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا. قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاما تحض الناس فيه على التال. قال: سبحان الله، آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه؟ إذن ما نصحت الله في عبداه. قالوا: إذن نكرهك. قال: إذن آمر الناس بتقوى الله، وألا يرضوا المخلوق بسخط الخالق وخرج إلى مكة. * إن الذين نسبوا ليزيد ما لا يحل هم - الرافضة للتوصل إلى التشكيك بالقرآن من وراء الطعن بمعاوية ومن عم الخلفاء الذن ولوه وأقروه على الحكم، وهم نقلة القرآن وحفظته. * لقد كان يزيد غائبا عن الشام حينما مات أبوه فلما وصل دمشق جددت له البيعة، ثم جمع الناس في الجامع وخطب فيهم مما يدل على تقواه قائلا بعد حمد الله والثناء عليه: أيها الناس! إن معاوية كان عبدا من عبدي الله، أنعم الله عليه، ثم قبضه إليه، وهو خير من بعده ودون من قبله!. ولا أزكيه على الله عز وجل، فإنه أعلم به. إن عفا عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه. وقد وليت الأمر من بعده، وليست آسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئا كان. إن معاوية كان يغزيكم البحر، وإني لست حاملا أحدا من المسلمين لعل مراده إلا بإذنه واختياره بدليل العبارة التي بعدها في البحر. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الليث أمير المؤمنين بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم، ولولا كونه عنده كذلك ما قال إلا توفى يزيد.   = وأن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتيا أحدا بأرض الروم. وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثا. وأنا أجمعه لكم كله. قال الراوي فافترق الناس عنه وهم لا يفضلون عليه أحدا. البداية ج8 ص143. ومن خطب يزيد الدالة على حصافة عقله وحسن بصيرته وتقواه: الحمد لله وأحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. واشهد أن لا إله إلا الله وحده ر شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اصطفاه لوحيه واختاره لرسالته بكتاب فصله وفضله وأعزه وأكرمه، ونصره وحفظه، ضرب فيه الأمثال وحلل فيه الحلال وحرم الحرام، وشرع فيه الدين أعذارا وإنذارا. لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل، ويكون بلاغا لقوم عابدين. وأصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم الذي ابتدا الأمور بعلمه، وإليه بصير معادها، وانقطاع موتها وتصرم دارها. وأحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات وراقت بالقليل وأينعت بالفاني، وتحببت بالعاجل. لا يدوم نعيمها ولا يؤمن فجيعها، أكالة غوالة غراراة، ولا تبقى على حال، ولا يبقى لها حال، لن تعد الدنيا إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها وأن تكون كما قال الله عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} إلى قوله مقتدرا نسأل الله ربنا وإلهنا وخالقنا ومولانها أن يجعلنا وإياكم من فزع يومئذ آمنين. إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله. يقول الله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخر السورة. العقد الفريد 378:2. ومما روى عن معاوية أنه لما مات الحسن رضي الله عنه وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنه في دمشق، أمر ابنه أن يذهب فيعزيه به فذهب وجلس بين يديه. وأراد ابن عباس أن يرفع مدجلسه فأبى وقال: إنما أجلس مجلس المعزي لا المهني، ثم ذكر الحسن فقال: رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها، وأعظم الله أجرك وأحسن عزاك وعوضك من مصابك ما هو ير لك ثوابا وخير عقبى فلم يسع ابن عباس بعد أن غادره يزيد إلا أن قال لجلسائه: إذا ذهب بنو حرب، ذهب علماء الناس ثم أنشد: مفاضي عن العوراء لا ينقطونها ... واصل وراثات الحلوم الأوائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فإن قيل: ولو لم يكن ليزيد إلا قتله للحسين بن علي قلنا: يا أسفا على المصائب مرة، ويا أسفا على مصيبة الحسين ألف مرة. بوله يجري على صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودمه يراق على البوغاء لا يحقن442 يا لله ويا للمسلمين. وإن أمثل ما روى فيه أن يزيد كتب إلى الوليد بن عتبة بنعى له معاوية ويأمره أن يأخذه له البيعة على أهل المدينة- وقد كانت تقدمت فدعاة مروان فأخبره فقال له: أرسل إلى الحسين بن علي وابن الزبير، فإن بايعوا وإلا فاضرب أعناقهم. قال: سبحان الله، تقتل الحسين بن علي وابن الزبير؟ قال: هو ما أقول لك. فأرسل إليهما، فأتاه ابن الزبير، فنعى إليه معاوية وسأله البيعةن فقال: ومثلي يبايع هنا؟ أرق المنبر، وأنا أبايعكم443 مع الناس علانية. فوثب مروان وقال: اضرب عنقه، فإنه صاحب فتنة وشر فقال ابن الزبير: إنك لهنالك يا ابن الزرقاء؟ واستبا فقال الوليد: اخرجهما444 عني، وأرسل إلى الحسين ولم يكلمه بكلمة في شيء، وخرجا من عنده. وجعل الوليد عليهما الرصد. فلما دنا الصبح خرجا مسرعين إلى مكة فالتقيا بهماز فقال له ابن الزبير: ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك؟ فوالله لو أن لي مثل لذهبت إليهم. فهذا ما صح445.   442 البوغاء: التراب الناعم. خ. 443 كتبها الشيخ محب وغنا نبايع مع الناس ولا مبرر لذلك. س. 444 في ب، د، ز: أخرجاهما. وكتب الشيخ محب أخرجا. س. 445 إننا وإن كنا نلوم ابن الزبير ضي الله عنه على ثورته، وهو لا شك مجتهد لكننا نبرئه من خدعة الحسين يحضه لى الخروج إلى العراق ليخلو له الجو في الحجاز. وقد روى الطبري روايات أخرى تنفي هذه الخدعة عن هذا الصحابي. نذكر بعضها بإيجاز: ذكر الطبري أن ابن الزبير قال للحسين حينما قال له من رغبة في الخروج إلى العراق: أما الملك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر ههنا ما خولف عليك إن شاء الله ج4 ص288 وفي إحداهما أن عبد الله بن مسلم والمذري بن المشتعل سمعا ابن الزبير يسار الحسين بين الحجر والباب، فيقول له: إن شئت أن 289. تقيم أقمت فوليت هذا الأمر، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك فبايعناك ... قود روى ابن كثير رواية جاء فيها أن الحسين قال لابن الزبير اتتني بيعة أربعين ألفا يحلفون بالطلاق والعتاق. فقال له أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟. البداية والنهاية ج8 ص161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وذكر المؤرخون أن كتب أهل الكوفة وردت على الحسين446، وأنه   = ومما يؤيد براءة ابن الزبير من تغرير الحسين ليخلو له الجو في الحجاز ما رواه الإمام ابن كثير أن عبد الله بن مطيع- داعية ابن الزبير- لقيه في مكة، فقال له: فؤادك أمي وأبي. أمتعنا بك ولا تسر إلى العراق، ولئن قتلك هؤلاء يتخذونها عبيدا وخولا!. البداية والنهاية ص161-163.م. 446 أول من كتب إليه من شيوخ شيعته- على ما رواه مؤرخهم لوط بن يحيى-: سلمان بن صرد والمسيب بن نجبه وفراعة بن شداد وحبيب بن مظاهر، وارسلوا كتابهم مع عب الله بن سبع الهمداني وعبد الله بن وال، فبلغا حسبنا بمكة في عاشر رمشان سنة 60، وبعد يومين سرحوا إليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبد اله بن الكدن الأرحبي وعمارة السلولي بثلاث وخمسين صحيفة، وبعد يومين آخرين سرحوا إليه ابن هانيء السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي. وفي الطبري 197:6 نصوص بعض رسائلهم واسماء بعض اصحابها وهي تدور على أنهم لا يجتمعون مع أميرهم النعمان بن بشير في جمعن ويدعون الحسني إليهم حتى إذا أقبل طردوا أميرهموالحقوه بالشام، ويوقولن في بعضها: أينعت الثمار، فغذا شئت فأدقم على جند لك مجند. فأرسل الحسين غليهم ابنعمه مسلم بن قيل بن أبي طالب ليرى إن كانوا مستوثقين مجتمعين ليقدم هو عليهم بعد ذلك. وضل مسلم بن عقيل في الطريق ومات من معه من العطش فكتب إلى الحسين يستعقيه من هذه المهمة، فأجابه: خشيت ألا يكون حملك على الاستعفاء إلا الجبن. فمضى مسلم حتى بلغ الكوفة، وأعطاه البيعة للحسين اثنا عشر ألفا منهم، وشعر أمير الكوفة النعمان بن بشير بحركاتهم فخطب فيهم ينهاهم عن الفتنة والفرقة، وقال لهم: إني لا اقاتل إلا من قاتلني، ولا آخر بالظنة والتهمة، فإنأبديتم لي صفحتكم ونكثتم بيعتكم لضربنكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي. وعلم يزيد أن النعمان بن بشير حليم ناسك لا يصلح في مقاومة مثل هذه الحركة، فكتب غلى عبيد الله بن زيدا عامله على البصرة أنه قد ضم إلي الكوفة ايضا، وأمره أن يأتي الكوفة وأن يطلب بن عقيل كطلب الخرزة حتى يثقه فيوثه فيقتله أو ينفيه. فاستخلف عبيد الله أخاه على البصرة وأقبل على الكوفة فاتصل برؤسائها وقبض على أزمة الحال، فما لبث مسلم ابن عقيل أن رأى مبايعته الاثنى عشر ألفا كالهباء، ورأى نفسه وحيدا طريدا، ثم قبض عليه وقتل. وكان الحسين قد جاءته قبل ذلك رسائل مسلم بن عقيل بأن اثنى عشر ألفا بايعوه على الموت فخرج عقب موسم الحج بريد الكوفة، ولم يشجعه على الخروةج إلا ابن الزبير* لأنه عرف أن أهل الحجاز لا يتابعونه   * هذه تهمة ذكرنا بطلانها فسيما سبق! ولو أنها مذكورة في تاريخ الطبري. فإن في هذا التاريخ ما ينقاضها، وقد كنا ذكرنا طريقة الطبري في التألي. والعبرة في التحقيق العلمي الحديثي!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أرسل مسلم بن عقيل- ابن عمه- إليهم ليأخذ عليهم البيعة وينظرو هو في أتباعه، فنهاه ابن عباس وأعلمهم أنهم خذبوا أباه وأخاه، واشار عليه ابن الزبير با لخروج فخرج، فلم يبلغ الكوفة إلا مسلم بن عقيل قد قتل وأسلمه من كان استدعاه. ويكفيك بهذا عظة لمن اتعظ. فتمادى واستمر غضبا للدين وقياما بالحق. ولكنه- ري الله عنه- لم يقبل نصيحة أعلم أهل   ما دام الحسين معهم فصار الحسين أثقل خلق الله على ابن الزبير. الطبري 196:6-197 وانظر 216:6-217. وأما المشفقون على الحسين من هذا الخروج المشئوم فهم جميع أحبائه وذوي قرابته والناصحين له والمتحررين سنة افسلام في مثل هذا الموقف، كل هؤلاء نهوه عن مسيرهوحذروه من عواقبه، وفي طلعتهم أخوه محمد بن الحنفية. الطبري 190:6-191 وابن عم أبيه حبر الأمة عبد الله بن العباس. الطبري 216:6-217 وابن عمه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب 219:2 وقد بلغ الأمر بعبد الله بن جعفر أن حمل والي يزيد على مكة وهو عمرو بن سعيد بن العاص على أن يكتب للحسين كتاب الأمان ويمنيه فيه البر والصلة ويسأله الرجوع، فأجابه والي مكة إلى كل ما طلب وقال له اكتب ما تشاء وأنا أختم على الكتاب، فكتبه وختمه الوالي، وبعث به إلى الحسين مع أخيه يحيى بن سعيد بن العاص، وذهب عبد الله بن جعفر بمع يحيى، وجهدا بالحسين أن يثنياه عن السفر فأبى وصورة كتاب الوالي في تاريخ الطبري 219:6-220، وليس فوق هؤلاء الناصحين أحد في عقلهم وعلمهم ومكانتم وإخلاصهم، بل أن عبد الله بن مطيع داعية بن الزبير كان من ناصحيه** بعقل وإخلاص الطبري 196:6 وعمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي كان على هذا الرأي. الطبري 215:6-216 والحارث بن خالد بن العاص بن هشام لم يأله نصحا 216:6 وحتى الفرزدق الشاعر قال له: قلوب الناس معكم وسيوفهم مع بني أمية. الطبري 218:6 فلم يفد شيء من هذا الجهود في تحويل الحسين عن هذا السفر الي كان مشئوما عليه، وعلى الإسلام، وعلى الأمة الإسلامية إلى هذا اليوم وإلى قيام الساعة، وكل هذا بجناية شيعته الذين حرضوه بجهل وغرور ورغبة في الفتنة والفرقة والشر، ثم خذلوه بجبن ونذالة وخيانة وغدر. ولم يكتف ورثتهم بمافعل أسلافهم فعكفوا على تشويه التاريخ وتحريف الحقائق ورد الأمور على أدبارها. خ. دـ ** كيف يتفق قول الأستاذ الخطيب رحمه اله فيما مضى أن ابن الزبير كان يشجع الحسين رضي الله عنه- على الخروج إلى العراق، ثم يروح يقول هنا بأن داعيته ابن مطيع نصحه بعدم الخروج!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 زمانه ابن عباس، وعدل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر47،448   447 في إيثاره العافية، وحرصه على وحدة المسلمين وتفرغهم لنشر الدعوة والفتوح. 448 نذكر فيما لي ضراعات كبار الصحابة والمفكرين للحسين بلزوم رجوعه : لقد روى الطبري أن الحسين لما خرج من مكة اعترضه رسل الوالي عمر ابن سعيد بقيادة أخيه يحيى، فقالوا له: أين تذهب وطلبوا منه الانصراف فأبى فتدافع الفريقان وتضاربا بالسياط وامتنع الحسين منهم، ثم مضى فناداه يحيى: يا حسين؟ اتق الله ولا تخرج من الجماعة وتفرق هذه الأمة!! فأجبه بالآية: {لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} ثم مضى. وقد روى الطبري كذلك أن عبد الله بن جعفر لما علم بخروج الحسين من مكة ارسل إليه كتابا مع ابنيه عون ومحمد يقول فيه: إني أسألك الله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه إليه أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. إن هلكت اليوم طفيء نور الأرض، فإنك علم المهتدين ورجل المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب. ولقد روى ابن كثير. ص291-292 أن عبد الله بن عمر لما سمع بخروج الحسين إلى العراق، وكان هو في مكة لحق به على مسيرة ثلاث ليال، فقال له: أين تريد؟ قال العراق: وهذه كتبهم وبيعتهم. فقال له ابن عمر: إني محدثك حديثا: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا. وإنك بعضة من رسول الله وما نالها أحد منكم أبدا، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم. استودعك الله من قتيل! كذلك روى أن أبا سعيد الخدري جاء إلى الحسين وقال له: أنى لك ناصح، وأنى عليك مشفق. وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج! فإني سمعت أباك يقول بالكوفة. والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما يكون منهم وفاء قط. ومن فاز منهم فاز بالسهم الأخيب. والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على السيف. البداية والنهاية ج/ص160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = وقال الإمام ابن كثير وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يطلب منه أن يكف الحسين وقال له: أحسبه قد جاءه رجال من الشرق فمنوه بالخلافة، وعندك منهم خير وتجربة، فإن كان قد فعل، فقد قطع راسخ القرابة، وأنت كبير أهل بيتك، والمنظور إليه، فامنعه عن الفرقة. ودخل ابن عباس على الحسين فكلمه طويلا وقال: أنشدك الله أن تهلك غدا بحال مضيعة، لا تأت العراق، وإن كنت لابد فاعلا، فأقم حتى ينقضي الموسم وتلقى الناس وتعلم ما يصدرون ثم ترى رأيك. فأبى! البداية والنهاية ص161-163. وروى الطبري أيضا أن أحد بني عكرمة لقيهوهو نازل في بطن القصبة، فساله أين تريد فحدثه فقال له: إني أنشدك الله ما انصرفت: فوالله لا تقدم إلا على الأسنة وحد السيوق، فلو كان الذين بعثوا إليك كفوك مؤونة القتال ووطؤوا لك الأشياء، فقدمت عليهك كان ذلك رأيا فقال- أي الحسين- له: يا عبد الله إنه ليس يخفى علي ما رأيت! ولكن الله لا يغلب على أمره. ثم ارتحل ثم أن الحسين استمر في سيره بعد أن وصله خبر مقتل مسلم وتفرق الناس عنه أيضا. وروى الطبري أن مسلم بن عقيل بعد أن اتخنته الحجارة التي رشق بها فاستسلم فأخذوا سيفه فقال: هذا أول الغدر، وبكى، وكان بقربه عمرو بن عبيد الله بن عباس فقال له: من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به الذي نزل بك لا يبكي!. فقال له: والله ما لنفسي ابكي! ولا لها من القتل أرثي. ولكن أبيك لأهل المقبلين، أبكي الحسين وآل الحسين!! ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال له: يا عبد الله! والله ستعجز عن أماني، فهل عندك خبر تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسنا، فإني لا أراه قد خرج إليكم هو وأهل بيته، فيقول له أن مسلما أسيرا ولا يمسي حتى يقتل، فارجع بأهلك وبيتن: ولا يغرك أهل الكوفة، فإنهم اصحاب أبيك! الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، وقد كذبوني وكذبوك، وليس للكذاب رأي! فوعده أن يفعل. ثم أرسل شخصا يخبره خبر مسلم ورسالته، فلقى الحسين وأخبره فقال له: كل ما حم نازل وعند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا ثم استمر في رحلته وكان في إمكانه أن يعود ج4ص278-281. وقد روى الطبري ج4ص292-294 أن الحسين لما تيقن من مقتل مسلم وتيقن من خذلان أهل العراق له، قال لمن معه من غير أسرته، ولمن انضم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 حزن يزيد لاستشهاد الحسين ومعاملته لأهل بيته . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = إليه في طريقه: لقد خذلتنا شيعتنا!! فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف. فتفرق أكثر الناس، ولم يبق معه إلا أبناؤه وأقربائه وبعض المخلصين من وأوليائه، ولمن يكن يزيد مجموعهم على المئة. ويروي المسعودي أن عبدي الله بن زياد قال لقاتل الحسين: أنه كان خير الناس أما وأبا، وخير عباد الله، فلم قتلته؟! ثم أمر بضرب عنقه. مروج الذهب ج3 ص141. وروى الطبري كتاب يزيد على عبيد الله بن زياد يوصيه في الحسين أنك لم تعد إن كنت كما أحب عملت عمل الحازن، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش. وقد بلغني أن الحسين توجه إلى العراق فضع المناظر والمسالح واحترص على الظن وخذ على التهمة ولا تقتل إلا من قاتلك!. الطبري ج4 ص282-286. ولقد روى ابن كثير أن مروان بن الحكم كتب إلى عبيد الله بن زياد حينماخرج الحسين إلى العراق: أن الحسين قد توجه إليك، وهو ابن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتالله ما أحد مسلم أحب إلينا من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء ولا تنساه العامة ولا تدع ذكره آخر الدهر. وقد أوصى معاوية نفسهولاته وابنه يزيد بالحسين. حزن لاستشهاد الحسين ومعاملته لأهل بيته. يروى أن يزيد دمعت عيناه لما حمل إليه راس الحسين وقال لحامله: لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. لعن الله ابن عبيد الله. أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين. أما والله يا حسين لو أنا صاحبك ما قتلتك ثم دعا بعلي الصغير بن الحسين ونسائه، فادخلوه عليه وعنده اشراف الشام. فقال لعلي: ابوك الذي قطع رحمي وجهل حقي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت. ثم أمر بإنزالهم في داره وأمر لهم بما يصلحهم، وكان لا يتغذى ولا يتعشى إلا على معه. ثم أمر النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم ويسيرهم إلى المدينة مع أناس صالحين. ولما أرادوا الخروج دعا عليا فودعه وقال له: لعن الله ابن مرجانة! اما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة إلا أعطيتها إياه ولدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت، ولو بذلت بعض ولدي، ولكن الله قضى ما رأيت، فكاتبني، وإنه إلي كل حاجة تكون لك. ويروي ابن قتيبة أنه لما أدخلوا عليه رأس الحسين وأهله بكى حتى كادت نفسيه تفيض. وبكى معه أهل الشام حتى علت أصواتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 طعن آل البيت بالشيعة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   يروي المسعودي أن ابن زياد قال لقاتل الحسين: أنه كان خير الناس أما وأبا، وخير عباد الله، فلم قتلته؟ ثم أمر بضرب عنقه. مروج الذهب ج141/3 وذكر الطبري أنه لما دخل علي ابن زياد عشاء آل الحسين، أمر لهم بمنزل وأجرى عليهم رزقا وأمر لهم بنفقة وكسوة ثم سيرهم إلى يزيد. قال الأستاذ دروزه 384/8 هذا- يجعل الروايات الواردة في حسن معاملة عبيد\ الله بن زياد، ثم يزيد لابن الحسين الصغير وبناته ونسائه واستياء يزيد لقتله، وبكائه عليه ومشاركة أهله نساء ورجالا في ذلك، أصح من تلك التي تذكر قسوتها وجفاءها إزاءهم، ولاسيما أنه لم يكن هناك قتال شديد يثير نقمة وانافعلاا يمتد أثرها إلى النساي والأطفال. وكان ما وقع على غير إرادتهم بل وعلى مضض منهم. ولعل من الدلائل على ذلك ما رواه الطبري وابن قتيبة معا من استمرار الصلا ة الحسنة، والمكاتبات بين يزيد وعلي بن الحسين، وما كان من موقف هذا إبان ثورة المدينة حيث رووا أنه لا علي ولا أقاربه اشتركوا في هذه الحركة. وأن يزيد وصى قائد جيشه وأمره بأن يدني مجلسه وأن يبلغه أنه وصل إليه كتابه، وأن هؤلاء الخبثاء شغلوه ع8نه، وأن القائد رحب به وأجلسه على السرير وبلغه رسالة يزيد. تاريخ الطبري ج4 ص379 والإمامة والسياسة ج1 ص200. فأين هذه المعاملة الحسنة من افتراء المفترين بسبي أهل البيت وحملهم على الجمال بلا أقتاب بعد استشهاد الحسين؟! فهذا من الكذاب الواضح، ما استحلت أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبي هاشمية، وإنما قاتلوا الحسين خوفا منه ومن أن يزيل عنهم الملك. فلما استشهد فرغ الأمر وبعث بآله إلى المدينة. ولكن جهل الرافضة إليه المنتهي. ولا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب، وفاعله والراضي به مستحق للعذاب لكن ليس قتله بأعظم من قتل أبيه، ولا قتل زوج أخته عمر، وقتل زوج خالته عثمان. والغريب أن هؤلاء المنافقين والمغرضين من أهل الكوفة الذين دعوا الحسين لتوليته هم الذين خذلوه وتخلوا عن نصرفته، وتسببوا بتقله ثم خرجوا يبكون عليه. طعن آل البيت بالشية: قال مؤلف التحفة الاثنى عشرية: نقل علامة الشيعة في هذا العصر الشيخ هبة الدين الشهرستاني ما رواه الجاحظ عن خزيمة الأسدي قال: دخلت الكوفة فصادفت منصرف علي بن الحسين بالذرية عن كربلاء إلى عبيد الله ابن زياد، ورايت نساء الكوفة يومئذ قياما يندبن متهتكات الجيوب، وسمعت علي بن الحسين، وهو يقول بصولة ضئيل: يا أهل الكوفة! إنكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟! = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = ورأيت زينب بنت علي رضي اله عنها فلم أر- والله- خضرة أنطق منها بيانا قالت: يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والخذل فلا رفات القبرة، ولا هدأت الرقة إنمامثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثا، تتخذوا إيمانكم دخلا بينكم. ألا هل فيكم إل الصلف والشنف، وخلق الدماء وغمز الأعداء. وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة؟ الا ساء ما قدمت أنفسكم. أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون؟! أيوالله فابكوا. وإنكم والله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيرا وأضحكوا قليلا فقد فزتم بمعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا!!. هل يزيد مسؤول عن مقتل الحسين ؟ وقال المؤرخ دروزه أيضا: ما سبق ندرك أنه ليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين إلى يزيد، فهو لم يأمر بقتاله، فضلا عن قتله، وكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل، ومثل هذا القول يصح بالنسبة لعبيد الله بن زياد، فكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل، وأن يؤتى به إليه ليصضع يده في يده، أو يبايع يزيد صاحب البيعة الشرعية بل إن هذا ليصح قوله بالنسبة لأمراء القوات التي جرى بينها وبين الحسين وجماعته قتال، فإنهم ظلوا متزمين ما أمروا به، بل كانوا يرغبون أشد الرغبة في أن يعاقبهم الله من الابتلاء بقتاله، فضلا عن قتله، ويبذلون جهدهم في إقناعه بالنزول على حكم ابن زياد ومبايعة يزيد، فإذا كان الحسين أبي أن يستسلم ليدخل فيما د-لخ فيه المسلمون وقام بالقوة، فمقابلته وقتاله صار من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغا الأستاذ دروزة ج383/-384 قد يقول قائل: أم يكن من الواجب على يزيد وبالتالي على ابن زياد أن يقبل من الحسين قبول أحد شروطه الثلاثة العادلة التي عرضها عليه وهي أن يترك ليعود من حيث أتى، أو يذهب إلى يزيد، أو يرسل إلى الثغور. يذكر بعضهم أن هذه الشروط والمطالب من الحسين رضي الله عنه ليس لها أساس من الصحة. فقد روى الطبري رواية عن سمعان: قال: إني صحبت الحسين رضي الله عنه فخرجت معه في المدينة إلى مكة، ومن مكة غلى العراق، ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق، ولا في العراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها. إلا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس، وما يزعمون من أن يضع يده بيد يزيد بن معاوية ولا أن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = دعوي فلأذهب في الأرضي العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس. المسعودي ص131. وهذا الطلب من الحسين لا يمكن قبوله لمن أوتي أقل نصيب من السياسة والتفكير خيفة أن يقوم الحسين بتحريض شيعته في الأمصار فتندلع الثورات والفتن. ونرى لو أن عبيد الله بن زياد وصحبه حاصروا الحسين رضي الله عنه وجماعته وأحاطوهم بصنوف العناية والرعاية، وقدموا لهم ما يشتهون، وتذكروا أمر الصلح لليام ريثما تهدأ ثائرة الحسين لكان خيرا. ولك ذلك كان ممكنا ما داموا قلة لا يزيدون على مئة، فلا يقاتلونهم، ولو قاتلوا على أن تنزع منهم أسلحتهم بمختلف الأساليب ولكن أمر الله كان قدرا مقدورا، وإنا لله وإنا إليه راجعون. نسأل الله سبانه أن يهدي هؤلاء الذين يجددون ذكرى هذه الكارثة من عام إلى آخر وما يهلكون غلا أنفسهم في الدنيا قبل الآخرة وهم لا يشعرون، وخاصة وأن الأمويين قد زالوا. ولكن قبح الله اليهودية والشعوبية فإنهما لا تزالن تعيثان فسادا في النفوس لتحارب الإسلام والمسلمين باسم نصرة آل البيت كذبا وزورا. وختما لهذا الموضوع الخطير نقول كما قال المؤرخ المحقق عزة دروزة 386/8 بعدما نقل بعض ما ذكرناه في هذا البحث. ونشهد الله على أننا لم نكتب ماكتبناه عن هوى أو بغض للحسين رضي الله تعالى عنه وآل بيته وعلى أننا نكن لهم أشد الاحترام والمحبة لصلتهم الشريفة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكننا كمؤرخين لا يسعنا أن نكتب غير ذلك، إذا أردنا أن نلتزم المنطق والإنصاف والحق، لأن الروايات التي تطئمن بها النفس لا تسمح بغيره. ولم ننفرد بهذه النتائج التي استنتجناها من الروايات. فهناك كثيرون غيرنا يشاركوننا فيها، بل وإنه ليشاركنا فيها كل منصف متجرد عن الهوى من المسلمين على اختلاف طوائفهم. ونورد هنا قولين في ذلك أحدهما للإمام المصلح العظيم ابن تيمية، والثاني للمؤرخ المحقق الشيخ محمد الخضري رحمهما الله. وقد أورد الإمام ابن تيمية خبر ما تلقاه الحسين من نصائح كثيرة بعدم الخروج والتحذير من العواقب ثم قال: إنه لم يكن في الخروج مصلحة لا في دين ولا في دنيا. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يحصل لو قعد في بلده. فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وطلب الابتداء في الانتهاء، والاستقامة من أهل449 الاعوجاج، ونضارة الشيبة في هشيم المشيخة. ليس حوله مثله، ولا له من الأنصار من يرعى حفه، ولا من يبذل نفسه دونه، فأردنا أن نطهر الأرض من خمر يزيد450 فارقنا دم الحسين، فجاءتنا مصيبة لا يجبروها سرور الدهر451. وما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذر عن الدخول في الفتن. وأقوال في ذلك كثيرة: منها ما روى مسلم عن زياد بن علاقة عن عرفجة بن شريح   = بذلك، وصار سببا لشر عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن. انظر المنتقى من منهاج السنة ص287-288 أما الشيخ الخضري فإنه عقل على حاديث قتل الحسين قائلا: وعلى الجملة أن الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي جر على الأمة وبال الفرقة والاختلاف وزعزع عماد الفتاها إلى يومنا هذا. وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحاديث لا يريدون بذلك إلا أن تشتعل النيران في القلوب. فيشتد تباعدها. وغاية ما في الأمر أن الرجل طلب أمرا لم يتهيأ له، ولم يعد له عدته، فحيل بينه وبين ما يشتهي وقتل دونه. وقبل ذلك قتل أبوه فلم يجد من أقلام الكاتبين من يبشع أمر قتله، ويزيدون نار العداوة تأجيجا. والحسين قد خالف يزيد، وقد بايعه الناس، ولم يظهر عنه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار الخلاف حتى يكون في الخروج مصلحة للأمة محاضرات الخضري تاريخ الأمم الإسلامية 235/2.م. 449 وكتبها الشيخ محب الاستقامة في الاعوجاج. س. 450 يزعم مثيري الفتنة الذين يشهدون بغير ما علموا. 451 لا أدري سبا معقلا لتضخيم هذه المصيبة على الرغم من فداحتها بعد زوال الأمويين وملكهم؟ فهي مهما كان من أمرها لا تعد شيئا مذكورا بجانب المصيبة باستشهاد الخلفاء عمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم فلماذا لا يقمون عليهم- إذا كانوا مخلصين للإسلام- كل عام مآتما وعويلا. بعرفهم في تجديد المصيبة وإحياء ذكرها؟! ولا أدري أيضا كيف يصح إقامة مثل هذه المآتم، وقد جاء النهي في أحاديث كثيرة عن الصباح وشق الجيوب ولطم الخدود وغير ذلك من العادات الجاهلية! ولكن لعن الله السياسة المتفاهفة كيف تضلل أصحابها وتسبب لهم العذاب في الدنيا قبل الآخرة قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 قوله صلى الله عليه وآله وسلم452: "إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان 453". فما خرج الناس إلا بهذا وأمثاله. ولو أن عظيمها وابن عظيمها وشريفها وابن شريفها الحسين يسعه بيته أو ضيعته أو إبله- ولو جاء الخلق يطلبونه ليقوم بالحق وفي جملتهم ابن عباس وابن عمر لم يلتفت إليهم- وحضره ما أنذر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما قال في أخيه454، ورأى أنها قد خرجت عن أخيه ومعه جيوش الأرض وكبار الخلق يطلبونه فكيف ترجع إليه بأوباش الكوفة، وكبار الصحابة ينهونه وينأون عنه؟ وما أدري في هذا إلا التسليم لقضاء الله، والحزن على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقية الدهر. ولولا معرفة أشياخ الصحابة وأعيان الأمة بأنه أمر صرفه الله عن اهل البيت، وحال من الفتنة لا ينبغي لأحد أن يدخلها، ما اسلموه أبدا. وهذا أحمد بن حنبل- على تقشفه وعظيم منزلته في الدين وورعه- قد أدخل عن يزيد بن معاوية في كتاب الزهد أنه كان يقول في خطبته إذا مرض أحدكم مرضا فأشفى ثم تماثل، فلينظر إلى أفضل عمل عنده فيلزمه، ولينظر إلى أسوأ عمل عنده فليدعه وهذا يدل على عظيم منزلته عنده حتى يدخله في جملة الزهاد من الصحابة والتابعين الذين يقتدى بقولهم   452 من حديث عرفجة في كتاب الإمارة من صحيح مسلم: باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع ك33 ح59 ج6 ص22. 453 الحسين رضي الله تعالى عنه كان مجتهدا فإن اصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر وكان يجدر ببني أمية أن يحترموا سلامة نيته ونبالة قصدواه ويحيطوه بأنواع الرعاية والعناية على الرغم من محاربته لهم، فإنه لا خطر منه مادامت جماعه قلة، وذلك ريثما يتم الاتفاق وينتهي معه إلى سلم. ولكن تسرعهم سبب لهم وللعالم الإسلام النكات فإننا لله وإنا إلينا راجعون والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة كما جاء في حديث رواه البخاري. م. 254 " ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 ويرعوي من وعظهم. ونعم، ما أدخله إلا في جملة الصحابة455، قبل أن يخرج إلى ذكر التابعين456. فأين هذا من ذكر المؤرخين له في الخمر وأنواع الفجور، ألا تستحيون؟! وإذا سلبهم الله المروءة والحياء، ألا ترعوون أنتم وتزدجرون، وتقتدون بالأحبار والرهبان من فضلاء الأمة، وترفضون الملحدة والمجان من المنتمين إلى الملة {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} . والحمد لله رب العالمين. وانظروا إلى ابن الزبير بعد ذلك وما دخل فيه من البيعة له بمكة، والأرض كلها عليه. وانظروا إلى ابن عباس وعقله وإقباله على أمر نفسه   455 يزيد بن معاوية ليس بصحابي وقد ولد عام 52هـ كما جاء في الأعلام. وجاء فيه أيضا: في زمن يزيد فتح المغرب الأقصى على يد الأمير عقبة بن نافع وفتح مسلم بن زياد بخارى وخوارزم ... وإليه ينسب نهر يزيد في دمشق. وكان نهرا صغيرا، فوسعه فنسب إليه. وقال مكحول: كان يزيد مهندسا. م. 456 وخلاصة القول في يزيد بن معاوية اختلف الناس فيه- كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ثلاث فرق: طرفان ووسط. فأحد الطرفين قالوا: أنه كان كافرا منافقا.. وذها القول سهل على الرافضة الذين يكفرون أبا بكر، وعمر، وعثمان. فتكفير يزيد أسهل!! والطرف الثاني يظنون أنه كان رجلا صالحا وإمام عدل. وأنه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحمله على يديه وبرك عليه. وهذا قول بعض الضلال ... والقول الثالث أنه كان ملكأ من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرا، ولكن جرى بسببه ما جرى. وهذا قول أهل العقل والعلم والسنة والجماعة. ثم افترقوا ثلاث فرق، فرق لعنته، وفرق أحبته، وفرقة لا تسبه ولا تحبه! وهذا المنصوص عن الإمام أحمد، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم. وقد استدل القاتلون بالمغفرة له بحديث ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له " وأول جيش غزاها كان أميره يزيد. الفتاوى 481/4-483 باختصار. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وانظروا إلى ابن عمر وسنه وتسليمه للدنيا ونبذه لها. ولو كان للقيام وجه لكان أولى بذلك ابن عباس، فإنه ولدي أخيه عبيد الله قد ذكر أنهما قتلا ظلما457. ولكن رأى بعقله أن دم عثمان لم يخلص إليه، فكيف بدم ولدي عبيد الله! وأن الأمر راهق458، قد خرجا عنه حفظا للأصل وهو اجتماع أمر الأمة وحقن دمائها وائتلاف كلمتها، ودع الأمر يتولاه أسود مجدع حسبما أمر به صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه459. وكل منهم عظيم القدر مجتهد وفيما دخل فيه مصيب مأجور، ولله فيهم حكم في الدنيا قد أنفذه، وحكم في الآخرة قد أحكمه وفرغ منه. فاقدروا هذه الأمور مقاديرها، وانظروا بما قابلها ابن عباس وابن عمر فقابلوها، ولا تكونوا من السفهاء الذين يرسلون ألسنتهم وأقلامهم بما لا فائدة لهم فيه، ولا يغني من الله ولا من دنياهم شيئا عنهم. وانظروا إلى الأئمة الأخيار وفقهاء الأمصار، هل أقبلوا على هذه الخرافات وتكلموا في مثل هذه الحماقات؟ بل علموا أنها عصبيات جاهلية، وحمية باطلة، لا تفيد إلا قطع الحبل بين الخلق وتشتيت الشمل واختلاف الأهواء- وقد كان ما كان، وقال الأخباريون ما قالوا- فإما سكوت، وإما اقتداء بأهل العلم، وطرح لسخافات المؤرخيون والأدباء. والله يكمل علينا وعليكم النعماء برحمته.   457 كان ذلك سنة 40 في اليمن آخر ولاية عبيد الله بن عباس عليها لعلي، فارسل معاوية إلى الحجاز واليمن بسر بن أبي ارطأة فأخذ له البيعة على أهل الحجاز، ثم توجه بسر إلى اليمن فلما علم عبيد الله بمجيئه هرب غلى الكوفة وترك ابنيه في اليمن فقتلهما بسر فيما يقال. خ. 458 أي تداخل حقه في باطله. خ. 459 في كتاب الإمارة من صحيح مسلم من حديث أبي ذر ك33 ح36 ج6 ص14.خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 نكتة: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من عقد الولاية لبني أمية وعجبا لاستكثار الناس ولاية بني أمية، وأول من عقد لهم الولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه ولي يوم الفتح عتاب بن أسيد ابن ابي العيص بن أمية مكة- حرم الله وخير بلاده- وهو فتى السن قد أبقل أو لم يبقل. واستكتب معاوية بن أبي سفيان أمينا على وحيه. ثم ولي أبو بكر يزيد بن أبي سفيان- أخاه- الشام. ومازالوا بعد ذلك يتوقلون في سبيل المجد، ويترقون في درج العز، تى أنهتهم الأيام، إلى منازل الكرام. وقد روى الناس أحاديث فيهم لا أصل لها، منها حديث رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني أمية ينزون على منبره كالقردة، فعز ذلك عليه، فأعطى ليلة القدر خير من ألف شهر يملكها بنو أمية بعده. ولو كان هذا صحيحا ما استفتح الحال بولايتهم، ولا مكن لهم في الأرض بأفضل نقاعها وهي مكة. وهذا أصل يجب أن تشد عليه اليد. فإن قيل: أحدث معاوية في الإسلام الحكم بالباطل، والقضاء بما لا يحل من استلحاق زياد. قلنا: قد بينا في غير موضع أن استلحاق زياد إنما كان لأشياء صحيحة، وعمل مستقيم نبينه بعد ذكر أمثل ما ادعى فيه المعون من الانحراف عن الاستقامة، إذ لا سبيل إلى تحصيل باطلهم، لأن خرق الباطل لا يرفع، ولسانه أعظم منه فكيف به لا يقطع؟! قالوا: كان زياد ينتسب إلى عبيد الثقفي من سمية جارية الحارث بن كلدة460، واشترى زياد عبيدا أباه بألف درهم فأعتقه461.   460 روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة زياد من تاريخ دمشق 409: 5 عن عوانة بن الحكم الكلبي أكبر شيوخ المدائني أن سمية أم زياد كانت لدهقان من دهاقين الفرس، فاشتكى وجع البطن وخاف أن يكون أصيب بداء الاستسقاء فدعا الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب-ب وقد كان قدم على كسرى - فعالج الدهقان فبرأ، فوهب له سمية، فولدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ما روي من اعتراف أبي سفيان لعلي بن أبي طالب بأبوته لزياد قال أبو عثمان النهدي: فكنا نغيطه. واستعمله عمر على بعض صدقات البصرة، وقيل بل كتب لأبي موسى463، فلما لم يقطع الشهادة مع الشهود على المغيرة جلدهم وعزله وقال له: ما عزلتك لخزية، ولكني كرهت أن أحمل على الناس فضل عقلك. ورووا أن عمر أرسله إلى اليمن في إصلاح فساد فرجع وخطب خطبة لم يسمع مثلها، فقال عمرو بن العاص: أما والله لو كان هذا الغلام قرشيا لساق الناس بعصاه، فقال أبو سفيان والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه، فقال له علي: ومن؟ قال: أنا. قال: مهلا يا أبا سفيان. فقال أبو سفيان أبياتا من الشعر: أما والله لولا خوف شخص463 ... يراني يا علي من الأعادي   = له أبا بكرة واسمه مسروح أو نفيع فلم يقر به. ثم ولدت له نافعا فلم يقر به، فلما نزل أبو بكرة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحارث بن كلدة لنافع: أن أخاك مسروحا عبد وأنت ابني. فأقر به يومئذ. وزوجها الحارث غلاما له يقال له عبيد فولدت زيادا على فراشه، وكان أبو سفيان سار إلى الطائف فنزل على رجل يقال له أبو مريم السلولي قال: فأتاه أبو مريم بسمية فوقع بها فولدت زيادا. خ. 461 في ترجمة زياد من تاريخ ابن عساكر 406: 5-407 خبر يرويه زهرة بن معبد ومحمد بن عمرو عن وفادة زياد وهو فتى على أمير المؤمنين عمر من قبل أبي موسى الأشعر يفي يوم جلولاء قالا: نظر إليه عمر رأي له هيئة حسنة وعليه ثياب بيض من كتان قال له: ما هذه الثياب؟ فأخبره. فقال: كم أثمانها؟ فأخبره بشيء يسير، وقدصه. فقال له: كم عطاؤك؟ فقال: ألفان. فقال ما صنعت في أول عطاء خرج؟ فقال: اشتريت به والدتي فأعتقتها، واشتريت بالثاني ربيبي عبيدا فأعتقته، فقال عمر: وقفت. وسأله عن الفرائض والسنن والقرآن فوجده عالما بالقرآن وأحكامه وفرائضه. فرد، إلى أبي موسى، وأمر أمراء البصرة أن يتبعوا رأيه. خ. 462 نقل الحافظ ابن عساكر عن الحافظ أبي نعيم أن زيادا كتب لأبي موسى الأشعري، ثم لعبد الله بن عامر بن كريز، ثم للمغيرة بن شعبة، ثم لعبد الله بن عباس كتب لهؤلاء كلهم على البصرة. وكان أمير المؤمنين على أراده أن يوليه البصر فأشار زياد عليه أن يوليها عبد الله بن عباس ووعده بأن يشير عليه ويعينه. خ. 463 يعني عمر. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 لأظهر أمره صخر بن حرب ... ولم تكن المقالة عن زياد وقد طالبت مخاتلتي ثقيفا ... وتركي فيهم ثمر الفؤاد فذلك الذي حمل معاوية. واستعمله علي على فارس، وحمى، وجبي، وفتح، وأصلح. وكاتبه معاوية يروم إفساده، فوجه زياد بكتابه إلى علي بشعر، فكتب إليه علي: إني وليتك: ما وليتك وأنت أهل لذلك عندي. ولن يدرك ما تريد بما أنت فيه إلا بالصبر والبقين. وإنما كانت من أبي سفيان فلتة ومن عمر، لا تستحق بها نسبا ولا ميرثا. وإن معاوية يأتي المؤمن من بين يديه ومن خلفه. فلما قرأ زياد الكتاب قال: شهد لي أبو حسن ورب الكعبة. فذلك الذي جرأ زياد ومعاوية بما صنعا. ثم ادعاه معاوية سنة أربع واربعين، وزوج معاوية ابنته من ابنه محمد. وبلغ الخبرة أبا بكرة- أخاه لأمه- فآلى يمينا ألا يكلمه أبدا، وقال هذا زنى أمه، وانتفى من ابيه. والله ما رأيت سمية أبا سفيان قط، وكف، وكيف يفعل بأم حبيبة464: أيراها فيهتك حرمة رسول الله، وإن حجبته فضحته. فقال زياد: جزى الله أبا بكرة خيرا، فإنه لم يدع النصيحة في حال. وتكلم فيه الشعراء، ورووا عن سعيد بن المسيب أنه قال: أول قضاء كان في الإسلام بالباطل استلحاق زياد. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: قد بينا في غير موضع هذا الخبر، وتكلمنا عليه بما يغني عن إعادته، ولكن لابد في هذه الحالة من بيان المقصود منه فنقول: كل ما ذكرتم لا ننفيه ولا نثبته لأنه لا يحتاج إليه. والذي ندريه حقا ونقطع عليه علما أن زيادا من الصحابة بالمولد والرؤية465، ولا بالتفقه   464 هي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان وأخت معاوية. خ. 445 ترجم له الحافظ ابن حجر في الإصابة والحافظ أبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب ونقل في مولده أنه ولد عام الفتح، وقيل عام الهجرة، قيل يوم بدر. قال ابن جر: وجزم ابن عساكر بأنه أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يره. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 والمعرفة. وأما أبوه فما علمنا له أبا قبل دعوى معاوية على التحقيق466، وإنما هي أقوال غائرة من المؤرخين. وأما شراؤه له فمراعاة للحضانة، فإنه حضنه عند أمه إذ دخل عليه فيه شبهة، بالحضانة إليه إن كان ذلك. وأما قولهم إن أبا عثمان النهدي غبطه بذلك، فهو بعيد على أبي عثمان، فإنه ليس في أن يبتاع أحد حاضنه أو أباه فيعتقه من المزية بحيث يغبطه عليه أبو عثمان وأمثاله، لن هذه مرتبة يدركها الغنى والفقير والشريف والوضيع، ولو بذل من المال ما يعظم قدره، فيدري به قر مروءته في إهانة الكثير العظيم، في صلة الولي الحميم. وإنما ساقوا هذه الحكاية ليجعلوا له أبا، ويكون بمنزلة من انتفى من أبيه. وأما استعمال عمر له فصحيح، وناهيك بذلك تزكية وشرفا ودينا. وأما قولهم أن عمر عزله لأنه لم يشهد بباطل فباطل، بل روى أنه لما شهد أصحاب الثلاثة467 وعمر يقول للمغيرة: ذهب ربعك، ذهب نصفك، ذهب ثلاثة أرباعك، فلما جاء زياد قال له: أني أراك صبيح الوجه، وإني لأرجو أن لا يفضح الله على يديك رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وأما خطبته التي ذكروا أنه عجب منها عمرو، فما كان عنده فضل علم ولا فصاحة يفوق بها عمرا فمن فوقه أو دونه. وقد أدخل له الشيخ المفترى468 خطبا ليست في الحد المذكور. وأما قولهم إن أبا سفيان اعترف به، وقال شعرا فيه، فلا يرتاب ذو تحصيل في أن أبا سفيان لو اعترف به في حياة عمر لم يخف شيئا، لأن الحال   466 من الثابت أن الحارث بن كلدة اعترف بأبوته لنافع أخي زياد لأمه فصار يقال له نافع بن الحارث بن كلدة. ولا يعرف التاريخ أن عبيدا الثقفي أو الحارث بن كلدة اعترفا بزياد. خ. 467 أصحابه الثلاثة في الشهادة على المغيرة لأخواه لأمه: نفيع، ونافع الذي ينتسب إلى الحارث بن كلدة، والثالث شبل بن معبد. 468 لعله يريد الجاحظ، وأعظم خطبة التي أوردها في في البيان والتبيين خطبته التي تسمى البتراء وهي في أوائل الجزء الثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 لم يكن تخلو من أحد قسمين: إما أن يرى إلاطته به469 كما روى عنه في غيره فيمصي ذلك، أو يرد ذلك فلا يلزم أبا سفيان شيء باقتراف ما كان في الجاهلية. فذكرهم هذه الحكاية المخترعة الباردة المتهافتة الخارجية عن حد الدين والتحصيل لا معنى لها470. وأما تولية على له فتزكية. وأما بعث معاوية إليه ليون معه فصحيح في الجملة. وأما تفاصيل ما كتب معاوية، أوكتب زياد به إلى علي، أو جاوب به على زيادا، فهذا كله مصنوع. وأما قول علي إنما كانت من أبي سفيان فلتة زمن عمر لا تستحق بها نسبا فلو صح لكان ذلك شهادة، كما روى عن زياد، ولم يكن ذلك بمبطل لما فعل معاوية، لأنها مسألة اجتهادا بين العلماء: فرأى علي شيئا ورأى معاوية وغيره، غيره. وأما نكتة الكلام وهو القول في استلحاق معاوية زيادا وأخذ الناس عليه في ذلك، فأي أخذ عليه فيه إن كان سمع ذلك من أبيه؟ وأي عار على أبي سفيان في أن يليط بنفسه ولد زنا كان في الجاهلية. فمعلوم أن سمية لم تكن لأبي سيا، كما لم تكن وليدة زمعة لعتبة، ولكن كان لعتبة منازع تعين القضاء له، ولم يكن لمعاوية منازع في زياد. اللهم إن هاهنا نكتة اختلف العلماء فيها، وهي أن الأخ إذا استحلق أخا بقول هو ابن أبي ولم يكن له منازع بل كان وحده، فقال مالك، يرث ولا يثبت النسب. وقال الشافعي- في آخرين- يثبت النسب ويأخذ المال، هذا إذا كان المقر به غير معروف النسب. واحتج الشافعي بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " هو لك يا عبد بن زعمة، الولد للفراش للعاهر الحجر" 471 فقضى بكونه للفراش وبإثبات النسب. قلنا هذا هل عظيم،   469 أي الحاقه والصاقه. 470 كذا في جميع النسخ، وكتبها الشيخ محب الدين له. س. 471 رواه البخاري ومسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وذلك أن قوله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بكونه للفراش صحيح، وأما قوله بثبوت النسب فباطل، لأن عبد ادعى سببين: أحدهما الأخوة، والثاني ولادة الفراش. فلو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هو أخوك، الولد للفراش. لكان إثباتا للحكم وذكرا للعلة. بيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها، وأعرض عن النسب ولم يصرح به، وإنما هو في الصحيح في لفظ هو أخوك وفي آخر هو لك، معناه فأنت أعلم به. وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف472. فالحارث بن كلدة لم يدع زيادا ولا كان إليه منسوبا، وإنما كان ابن أمته ولد في فراشه- أي في داره- فكل من ادعاه لهو له، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز، بل فعل فيه الحق على مذهب مالك. فإن قيل: فلم أنكر عليه الصحابة؟ فقلنا: لأنها مسألة اجتهاد، فمن رأى أن النسب لا يلحق بالوارث الواحد أنفكر ذلك وعظمه. فإن قيل: ولم لعنوه، وكان يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ملعون من انتسب لغير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه" 473. قلنا: إنما لعنه من لعنه لوجهين: أحدهما لأنه أثبت نسبه من هذا الطريق، ومن لم ير لعنه لهذا لعنه لغيره. وكان زياد أهلا أن يلعن-عندهم- لما أحدث بعد استلحاق معاوية474. فإن قيل: جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للزنا حرمة، ورتب عليها   472 روى نحوه البخاري ومسلم وغيره. 473 وأهم ذلك- عندهم- تسببه في قتل حجر بن عدي، وقد مضى الكلام عليه. 474 مؤلف من مؤلفاته يقع في عشرين مجلدا يعتبر في حكم المفقود. س. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 حكا حين قال" احتجبي منه يا سودة475 "، وهذا يدل على أن الزنا يتعلق به من حرمة الوطء ما يتعلق بالنكاح الصحيح. هكذا قال الكوفيون. ومالك في رواية ابن القاسم يساعدهم على المسأة ولا يساعدهم على دليلها من هذا الوجه، وقد بينها في كتاب النكاح. وقال الشافعي: العدر في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسودة بالاحتجاب مع ثبوت نسبة من زمعة وصحة أخوته لها بدعوى عبد أن لك تعظيم لحرمة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم لم يكن كأحد من النساء في شرفهن وفضلهن. قلنا: لو كان أخاها بنسب ثابت صحيحت كما قلتم، ويكون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"الولد للفراش" تحقيقا للنسب لما منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سودة منه، كما لم يمنع عائشة من الرجل الذي قالت: هو أخي من الرضاعة، وإنما قال:"انظرن من إخوانكن". وأما ما روى عن سعيد بن المسيب، فأخبر عن مذهبه في أن هذا الاستلحاق ليس بصحيح، وكذلك رأى غيره من الصحابة والتابعين. وقد صارت المسأة إلى الخلاف بين الأمومة وفقهاء الأمصار، فخرجت من حد الانتقاد إلى حد الاعتقاد. وقد صرح مالك في كتاب افسلام وهو الموطأ بنسبه فقال في دولة بني العباس زياد بن أبي سفيان. ولم يقل كما يقول المخاذل زياد بن أبيه هذا على أنه لا يرى النسب يثبت بقول واحد، ولكن في ذلك فقه بديع لم يتفطن له أحد، وهو أنها لما كانت مسألة خلاف،   475 في كتاب الأقضية من موطأ مالك ب21 ص740 عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عاشة قالت: كان عتبة بن ابي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن ولية زمعة مني جاريته، فأقبضه إليك. قالت فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال: ابن أخي، ق كان عهد إلي فيه. فقالم إليه عبد بن زمعة فقال: أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه. فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال سعد: يا رسول الله، ابن أخي، قد كان عهد إلي فيه. وقال عبد بن زمعة: أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه. فقال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: "وهو لك يا عبد بن زمعة". ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر". ثم قال لسودة بنت زمعة:"احتجبي منه" لما رأى من شهبة بعتبة بن أبي وقاص. قالت: فما رأها حتى لقي الله عز وجل. وأخرجه البخاري. ك34 ب3 ومسلم. ك17 ب10ح36.خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 نكتة: للولايات والعزلات معان وحقائق لا يعرفها كثير من الناس ونفذ الحكم فيها بأحد الوجهين، لم يكن لنا رجوع فإن حكم القاضي في مسائل الخلاف بأحد القولين يمضيها ويرف الخلاف فيها، والله أعلم. وأما روايتهم أن عمر قال كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس فهذه زيادة ليس لها أصل، من ناقص عقل. وأي عقل كان لزياد يزيد به على الناس في ايام عمر476، وغلام كل واحد من الصحابة كانأ عقل من زياد وأعلم منه، ولهذا كل من كمل عقله أكثبر من الآخر فهو أولى أن يختلط مع الناس. ويقولون: إنه كان داهية، وهي كلمة واهية، والهاء والأرب وهو المعرفة بالمعاني، والاستدلال على العواقب بالمبادئ. وكل أحد من الصحابة والتابعين فوق زياد. وتلك الروايات التي يروي المؤرخون- من كذبهم- في حيل الحرب والفتك بالناس، كل أحد اليوم يقدر على مثلها وأكثر منها، والحيلة إنما تكون بديعة وتنثي وتروى إذا وافقت الدين، وأما كل حكاية تخالف الدين فليست في روايتها ولا في رواتها خير ولا عقل. وكل الناس كما قدمنا- وخذ من ولاة بني أمية خاصة- أعقل من زياد وأفصح منه. فلا تلتفتوا إلى ما روى من الأباطيل. *** نكتة: والولايات والعزلات لها معان وحقائق لا يعلمها كثير من الناس. لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات عن زهاء اثنى عشر ألفا من الصحابة معلومين. منهم ألفان أو نحوهما مشاهير في الجلالة، ولي منهم أبةو بكر سعدا وابا عبيدة ويزيد وخالد بن الوليد وعكرمة بن ابي جهل ونفرا غيرهم فوقهم، وولي أنس بن مالك بن عشرين سنة على البحرين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في عتاب477. ومتى كان استوفى   476 لأنه كان لما دخل على عمر في السابعة عشرة من عمره على ما نقله البخاري في تاريخه الأوسط عن يونس بن حبيب عن آل زياد. خ. 477 عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية. انظر ص181. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 تسمية الذين شهدوا بأبوة أبي سفيان لزياد المشيخة حتى يأخذ الشبان. وولي عمر أيضا كذلك، وبادر بعزل خالد. وذلك كله لفقه عظيم ومعارف بديعة بيانهافي موضعها من كتب الإمامة والسياسة من الصول، فخذوا في فن غير هذا، فليس هذا الباب مما تلوكه أشداق أهل الآداب. وأما ما روى عن معاوية أنه استدعى شهودا فشهد السلولي وسواه478 فسل من الحق، ما روى عن السلولي، فإنه لم يكن قط. واسعد بإسقاط ما روى في القصة سعيد أو سعد. وأما كلام أبي بكرة- أخيه لأمه- فيه فغير ضائر له، لأن ذلك رأي أبي بكرة واجتهاد. أما قولهم فيها عن أبي بكرة أنه زنى أمه، فلو كان ذلك صحيحا لم يضر امه ما جرى في الجاهلية في الدين، فإنه الله عفا عن أمر الجاهلية كلها بالإسلام، وأسقط الإثم والعار منه، فلا يذكره إلا جاهل به. قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: والناس إذا لم يجدوا عيبا لأحد وغلبهم الحسد عليه وعدواتهم له أحدثنا له عيوبا. فاقبلوا الوصية، ولا تلتفوا إلا على ما صح من الأخبار، واجتنبوا- كما ذكرت لكم- أهل التواريخ، فإنما ذكروا عن السلف أخبارا صحيحة يسيرة ليوسلوا بذلك إلى رواية الباطيلن فيقذفوا-كما قدمنا- في قلوب الناس ما لا يرضاه الله تعالى، وليحتقروا السلف ويهونوا الدين، وهوأعز من ذلك، وهم أكرم منا، فرضى الله عن جميعهم. ومن نظر إلى أفعال الصحابة تبين منها بطلان هذه الهتوك التي يختلقها أهل التواريخ فيدسونها في قلوب الضعفاء، وهذا زياد لما أحسن النية   478 السلولي مالك بن ربيعة أبو مريم، وكان ذلك سنة44، وكان معه في الشهادة زياد بن أسماء الحرمازي والمنذر بن الزبير- فيما ذكره المدائني بأسانديه- وجويرة بنت أبي سفيان والمسور بن قدامة الباهلي وابن أبي نصر الثقفي وزيد بن نفيل الأزدي وشعبة بن العقلم المازني ورجل مكمن بني عمرو بن شيبان ورجل من بني المصطلق، شهدوا كلهم على ابي سفيان أن زيادا ابنه، إلا المنذر فشهد أنه سمع عليا يقول: اشهد أن أبا سفيان قال ذلك. فخطب معاوية فاستلحق زيادا، وتكلم زياد فقال: أن كان ما شهد به الشهود حقا فالحمد لله، وإن كان باطلا فقد جعلتهم بيني وبين الله. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 استخلف سمرة بن جندب من كبار الصحابة فقبل خلافته، وكيف ظن به - على منزلته- أنه يقبل ولاية ظالم لغير رشده، وهو على ما هو عليه من الصحبة، وذلك من غير إكراه ولا تقية؟ إن هذا لهو الدليل المبين. فمع من تحبون أن تكونوا: مع سمرة بن جندب، أو مع المسعودي والمبرد وبن قتيبة ونظرائهم479؟ هذا غاية في البيان. *** الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الباب الثامن قاصمة كانت الجاهلية مبنية على العصبية وافتراق المسلمين بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت الجاهلية مبنية على العصبية، متعاملة بينها بالحمية. فلما جاء الإسلام بالحق، وأظهر الله منته على الخق، قال الله سبحانه: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: 103] . وقال لنبيه: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63] فكانت بركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجمعهم، وتجمع شملهم، وتصلح قلوبهم، وتمحو ضغائنهم. واستأثر الله برسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ونفرت النفوس، وتماسكت الظواهر منجرة، مادام الميزان قائما. فلما رفع الميزان- كما تقدم ذكره في الحديث- أخذ الله القلوب عن الألفة، ونشر جناحا من التقاطع، حتى سوى جاحين بقتل عثمان، فطار في الآفاق، واتصل الهرج إلى يوم المساق. وصارت الخلائق عزين481، وفي واد من العصبية يهيمون:   479 حكم القاضي أبو بكر على ابن قتيبة هذا الحكم القاسي وهو يظن أن كتاب افمامة والسياسة من تأليفه كما سيأتي. وكتاب الإمامة والسياسة فيه أمور وقعت بعد موت بعد موت ابن قتيبة، فدل ذلك على أنه مدسوس عليه من خبيثت صاحب هوى. ولو عرف المؤلف هذه الحقيقة لوضع الجاحظ في موضع ابن قتيبة. خ. 481 جمع عزة: العصبة من الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ظهور الأحزاب البكرية والعمرية والعلوية والعباسية فمنهم بكرية، وعمرية، وعثمانية، وعلوية، وعباسية- كل تزعم أن الحق معها وفي صاحبها، والباقي ظلوم غشوم مقتر من الخير عديم. وليس ذلك بمذهب، ولا فيه مقالة، وإنما هي حماقات وجهالات، أو دسائس للضلالات، حتى تضمحل الشريعة، وتهزأ الملحدةمن الملة، ويلهو بهم الشيطان ويلعب، وقد سار بهم في غير مسير ولا مذهب. قالت البكرية، أبو بكر نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة، ورضيته الأمة للدنيا، وكان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك المنزلة العليا، والمحبة الخالصة. وولي فعدل، واختار فأجاد. إلا أنه أوهم في عمر فإنه أمره غليظ، وفظاظته غلبت. وذكروا مايب. وأما عثمان فلم يخف ما عمل وكذلك علي. وأما لعباس فغير مذكور. وقالت العمرية: أما أبو بكر ففاضل ضعيف، وعمر إمام عدل قوي بمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم له في حديث الرؤيا والدلو والعبقري كما تقدم، وأما عثمان فخرج عن الطريق: ما اختار واليا ولا في أحدا حقا، ولا كف أقاربه ولا اتبع سنن من كان قبله. وأما علي فجريء على الدماء. لقد سعت في مجالس ابن جريج483 كان يقدم عمر على أبي بكر وسمعت الطرطوشي يقول: لو قال أحد بتقديم عمر لتبعته. وقالت العثمانية: عثمان له السوابق المتقدمة، والفضائل والفواضل في الذات والمال، وقتل مظلوما. قالت العلوية: علي ابن عمه وصهره وأبو سبطي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضانة. وقالت العباسية: هو أبو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولاهم بالتقديم بعده. وطولوا في ذلك من الكلام ما لا معنى لذكره لدناءته485. وروا أحاديث لا يحل لنا أن نذكرها لعظيم الافتراء فيها ودناءة رواتها.   493 عبد الملك بن عبد العزيز المكي أحد الأعلام توفى سنة 150. خ. 485 وأكثر ذلك كان في زمن دولتهم. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وأكثر الملحدة على التعلق بأهل البيت486، وتقدمة علي على جميع الخلق، حتى إن الرافضة انقسمت إلى عشرين فرقة أعظمهم باسا من قال إن عليا هو الله. والغرابية يقولون إنه رسول الله لكن جبريل عدل بالرسالة عنه إلى محمد حمية منه معه ... في كفر بارد لا تسخنه إلا حرارة السيف، فأما دفء المناظرة فلا يؤثر فيه. ***   486 بتخذونهم ذريعة، ويطعنون في كثيرمن أفاضلهم، ويعرضون بمثل الإمام زيد. ثم إنهم يخالفون صريح شريعة جد أهل البيت بدعوى العصمة والتالية الفعلى لبعض أفرادهم. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 عاصمة تحذير المسلمين من أهواء المفسرين والمؤرخين الجهلة منهم وكذا أهل الآداب إنما ذكرت لكم هذا لتحترزوا من الخلق، وخاصة من المفسرين، والمؤرخين، وأهل الآداب، فإنهم أهل جهالة487 بحرمات الدين، أو على بدعة مصرين، فلا تبالوا بما رووا، ولا تقبلوا رواية إلا عن أئمة الحديث، ولا تسمعوا لمؤرخ كلاما إلا للطبري488، 489 وغير ذلك هو الموت الأحمر، والداء الأكبر، فإنهم ينشئون أحاديث استحقار الصحابة والسلف490، والاستخفاف بهم، واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال   487 يقصد بذلك المفسرين الجاهلين بعلم الحديث، مادام أن الرسول يشرح القرآن. وخير التفاسير: تفسير الإمام ابن كثير. م. 488 لعل القاضي ابن العربي قصد من كلامه أن تاريخ الطبري ذكر حوادثه مسندة إلى رجالها، وفيهم الصادق وفيهم الكاذب. ويستطيع المؤرخ العالم بالرجال تمييز الحق من الباطل. أما غير العالم بعلم الأسانيد، فيضل ضلالا بعيدا بقراءته لتاريخ الطبري، فيكون مثله مثل حاطب ليل يحمل الأفعلى وهو لا يدري وفي ذلك هلاكه وضلاله. وقد ناقشنا بعض أساتذة التاريخ في بعض الجماعات العربية وذكرت لهم خطأ ما كتبوا، فكان يؤيدون كلامهم بأنهمه إنما كان مصدرهم تاريخ الطبري. م. 489 ومع ذلك فالطبري ذكر مصادر أخباره وسمى رواتها فتكون من أمرهم على بينة، وقال في آخر مقدمة كتابه: فما يكن في كتاب هذا من خبر يستنكره قارئه منأجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا. خ. 490 ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يقول الله تعالى: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ". قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" مخرج من الصحيحين. ففي هذا الحديث وأمثاله بيان حالة من جعلهم غرضا بعد رسول االله صلى الله عليه وآله وسلم وسبهم وافترى عليهم وعابهم وكفرهم واجترأ عليهم. وفي الحديث: "حب الأنصار من الإيمان وبغضهم من النفاق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ابن قتيبة بريء من كتاب الإمامة والسياسة عنهم، وخروج مقاصدهم عن الدين إل الدنيا، وعن الحق إلى الهوى، فإذا قاطعتهم أهل الباطل واقتصرتم على رواية العدول، سلمتم من هذه الحبائل، ولم تطووا كشحا على هذه الغوائل. ومن أشد شيء على الناس اهل عاقل491، أو مبتدع محتال. فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسما في كتاب الإمامة والسياسية إن صح عنه جميع ما فيه492 وكالمبرد في كتابه الأدبي492. وأين عقله من عقل ثعلب الإمام   ولولاهم ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفراض والسنن سنة ولا فرضا. ولا علمنا من الأحاديث والأخبار شيئا. فمن طعن فيهم أو سبهم، فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين، لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم وإضمار الحقد عليهم وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم. وما ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم، ولأنهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول والطعن في الوسائط طعن في الأصل والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول. وهذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته. وقد نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث العرباض بن سارية حيث قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور" الحديث. وقال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} الآية. إلا خلاف أيضا أن ذلك في أبي بكر رضي الله عنه شهدت له الربوبية بالصحبة وبشره با لسكينة وخلاه بثاني اثنين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من يكون أفضل من ثاني اثنين الله ثالثهما وقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} قال جعفر الصادق: لا خلاف أن الذي اء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي صدق به أبو بكر رضي الله عنه واي منقبة أبلغ من ذلك فيهم رضي الله عنهم جميعا. م. 491 هكذا في الأصل، ولعل الصحيح: غافل. ومثل المسعودي في الدس على الدس على التاريخ مدفوعا بالتشيع الممقوت الأصفهاني في كتابه الأغاني فإنه ينسب إلى يزيد شرب الخمور وعشق النهود وأنه مات بين العاشقات على الأصفهاني ما يستحق على افترائه وكذبه. م. 492 لم يصح عنه شيء مما فيه. ولو صحت نسبة هذا الكتاب للأمام الحجة الثبت أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة لكان قال عنه ابن العربي، لأن كتاب الإمامة والسياسة مشون با لجهل والغباوة والركة = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 تشييع المسعودي وميل المبرد للخوارج المتقدم في أماليه، فإنها ساقها بطريقة أدبية سالمة من الطعن على أفاضل الآمة. وأما المبتدع المحتال فالمسعودي، فإنه بها يأتي منه متاخمة الإلحاد فيما روى من ذلك، وأما البدعة فلا شك فيه494. فإذا صنتم أسماعكم وأبصاركم عن مطالعة الباطل، ولم تسمعوا في خليفة ممن نسب إليه ما لا يليق ويذكر عنه ما لا يجوز نقله، كنتم على منهج السلف سائرين، وعن سبيل الباطل ناكبين.   = والكذب والتذوير. ولما نشرت لابن قتيبة كتاب الميسر والقداح قبل أكثر من ربع قرن، وصدرته بترجمة حافلة له، وسميت مؤلفاته، ذكرت في ص26-27 مآخذ العلماء على كتاب الإمامة والسياسة، وبراهينهم على أنه ليس لابن قتيبة، وأزيد الآن على ما ذكرته في الميسر والقداح لأن مؤلف الإمامة والسياسة يروي كثيرا عن اثنين من كبار علماء مصر وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ عن هذين العالمين، فل ذلك كله على أن الكتاب مدسوس عليه. خ. 493 المبرد ينزع إلى شيء من رأي الخوارج، وله فيه هوى. وإن إمامته في اللغة والأدب لا تغطي على ضعفه في علم الرواية والإسناد. وإذا كان أبو حامد الغزالي على جلالته في العلوم الشرعية والعقلية (*) لم يتجاوز له العلماء عن ضعفه في علوم الإسناد فأحرى ألا يتجاوزوا عن مثل ذلك للمبرد. وعلى كل حال فكل خبر مما مضى أو سيأتي- في أمتنا أو في أي أمة غيرها- يحتمل الصدق والكذب حتى يثبت صدقه أو كذبه على محك الاختبار وبالبحث العلمي. م. 494 على بن الحسين المسعودي يعده الشيعة من شيوخهم وكبارهم ويذكر له المعمقاني في تنقيح المقال 282: 2-283 مؤلفات في الوصاية وعصمة الإمام وغير ذلك مما يكشف عن عصبيته والتزامه غير سبيل أهل السنة المحمدية. ومن طبيعة التشيع والتحزب والتعصيب البعد بصاحبه عن الاعتدال والإنصاف. خ.   (*) ليس هذا الكلام على إطلاقه، فإن للغزالي عثرات رهيبة في كثير ما ذهب إليه في العقليات وغيرها ومن أراد التحقيق فليراجع كتاب تلبيس إبليس للإمام بن الجوزي وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 فهذا مالك رضي الله عنه قد احتج بقضاء عبد الملك بن مروان في موطأه، وأبرزه في جملة قواعد الشريعة495. وقال في روايته: عن زياد بن أبي سفيان، فنسبه إليه وقد علم قصته، ولو كان عنده ما يقول العوام حقا لما رضي أن ينسبه ولا ذكره في كتابه الذي أسسه للإسلام496، وقد جمع ذلك كله في أيام بني العباس والدولة لهم والحكم بأيديهم فما غير عليه ولا أنكروا ذلك عنه لفضل علومهم ومعرفتهم بأن مسالة زياد قد اختلف الناس فيها فمنهم من جوزها ومنهم من منعها، لم يكن لاعتراضهم إليها سبيل. وكذلك أعجبهم- حين قرأ الخليفة على مالك الموطأ- ذكر عبد الملك بن مروان فيه وإذكاره بقضائه، لأنه إذا احتج بقضائه فسيتحج بقضائه أيضا مثله، وإذا طعن فيه طعن فيه بمثله497.   495 من ذلك ما جاء في باب المستكرهة من النساء بكتاب الأقضية من الموطأ ص734: حدثني مالك عن ابن شهاب أن عبد الملك بن مروان قضى في مرأة أصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك بها. وفي كتاب المكاتب من الموطا ص788 قضاء آخر لعبد الملك. وفي كتاب العقول من الموطأ ص872 قضاء له أيضا. أما أبوه مروان بن الحكم فأقضيته وفتاواه كثيرة في الموطأ ... وغيره من كتب السنة المتداولة في أيدي أئمة المسلمين يعملون بها. وانظر لورع مروان وابنه عبد الملك حديث مالك عن ابن أبي عبلة في كتاب النكاح من الموطأ. ص540.خ. 496 وعامر بن شراحيل الشعبي كان من أئمة المسلمين كذلك، بل إن مالكا كان يراه إماما له. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة زياد من تاريخ دمشق 406:5 أن الشعبي قال: أتت زيادا قضية في رجل مات وترك عمه وخاله فقال: لأقضين بينكم بقضاء سمعته من عمر بن الخطاب وذلك أنه جعل العمة بمنزلة الأخ والخالة بمنزلة الأخت. خ. 497 وممن روى عن عبد الملك بن مروان البخاري في كتابه الأدب المفرد وروى عن عبد الملك الإمام الزهر يوعروة بن الزبير، وخالد بن معدان من فقهاء التابعين وعبادهم، ورجاء بن حيوة أحد الأعلام. قال نافع مولى ابن عمر: لقد رأيت المدينة وما فيها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان. وروى الأعمش عن أبي الزناد أن فقهاء المدينة كانوا أربعة: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وأخرج البخاري498 عن عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان كتب: إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله، ما استطعت. وإن بني قد أقروا بمثل ذلك. وهذا المأمون كان يقول بخلق القرآن، وكذلك الواثق، وأظهروا بدعتهم وصارت مسألة معلومة إذا ابتدع القاضي أو الإمام هل تصح ولايته وتنفيذ أحكامه أم هي مردودة؟ وهي مسألة معروفة. وهذا أشد من برودات ذكرها أصحاب التواريخ من أن فلانا الخليفة شرب الخمر أو غنى أو فسق أو زنى، فإن هذا القول في القرآن بدعة أو كفر- على اختلاف العلماء فيه- قد اشتهروا به، وهذه المعاصي لم يتظاهروا بها إن كانوا فعلوها فكيف يثبت ذلك عليهم بأقوال المغنيين والبراد من المؤرخين الذين قصدوا بذكر ذلك عنهم تسهيل المعاصي على الناس وليقولوا إذا كان خلفاؤنا يفعلون هذا فما يستبعد ذلك منا. وساعدهم الرؤساء على إشاعة هذه الكتب وقراءتها لرغبتهم في مثل افعالهم حتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا، وحتى سمحوا للجاحظ 499 أن تقرأ كتبه في المساجد وفيها من الباطل والكذب   = وعبد الملك بن مروان قبل أن يدخل الإمارة. وقال الشعبي: ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه، إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذاركته حديثا إلا زادني منه، ولا شعرا إلا زادني فيه. البداية والنهاية 62:9-63. خ. 498 في كتاب الأحكام من صحيحه ك93 ب43 جص122. وانظر السنن الكبرى للبيهقي 147:8.خ. 499 قال ابن قتيبة يصف الجاحفظ وتلاعبه ونفاقه: تجده يحتج مرة للعثمانية على الرافضة، مرة للزيدية على العثمانية وأهل السنة. ومرة يفضل عليا ري الله عنه، ومرة يؤخره، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتبعه قال: الجماز، وقال إسماعيل بن غزوان: كذا وكذا من الفواحش. ويعمل كتابا، يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 والمناكر ونسبة الأنبياء إلى أنهم ولدوا لغير رشدة كما قال في إسحاق صلى الله عليه وآلهوسلم في كتاب الضلال والتضليل، وكما مكنوا من قراءة كتب الفلاسفة500 في إنكا الصانع وإبطال الشرائع لما لوزرائهم وخواصهم في   = عليهم، تجوز في الحجة، كأنه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون، وتشكيك الضعة من المسلمين. وتجده يقصده في كتبه للمضاحيك والعبث، يريد بذلك استمالة الأحداث، وشراب النبيذ. ويستهزيء من الحديث، استهزاءن لا يخفى على أهل العلم. كذكره كبد الحوت، وقرن الشيطان، وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض، فسوده المشركون، وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا. ويذكر الصحيفة التي كان فيها المنزل في الرضاع، تحت سرير عائشة، فأكلتها الشاهة ... وهو - مع هذا- من أكذب الأمة وأوضعهم لحديث، وأنصرهم لباطل ... تأويل مختلف الحديث ص59-60.خ. 500 أن قصة المسلمين مع الفلسفة اليونانية قصة مليئة بالفواج والنكبات. والغريب- والغريب جدا- أنه لا يزال الكثير من مثقفينا يتقد أن سبب نهضة المسلمين يعود إلى هذه الفلسفة، مع أنها كانت من أعظم أسباب نزاعهم وبعدهم عن دينهم وضياع محدهم، وقد تحقق فيهم خبرا أحد الأحبار: وتفصيل ذلك- كما رواه العلامة الشيخ محمد السفاريني- قال العلماء أن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى - أظنه صاحب جزيرة قبرص- طلب منه خزانة كتب اليونان، وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد، فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك، فكلهم أشاروا بعدم تجهيزها إليه إلا واحد، فإنه قال: جهزها إليهم! فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها!! لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية ج1ص9. ومن الجدير بالذكر أن أولئك النصارى قد طمروا هذه الفلسفة تحت الأرض تخلصا من شرها لما لمسوه من فسادها وهدمها للدين والفضيلة! أجل قد تحقق في المسلمين تنبؤ الخبر، فما كاد اعلماء المسلمين- بعد أن بلغ مجد الإسلام ذروته في القوة والفتح والعلم- يشتغلون بفلسفة اليونان، حتى راحوا يؤولون نصوص الشريعة الإسلامية حتى تتفق مع هذه الفلسفة فمسخوا الإسلام وأخذوا يزعمون أن للإسلام ظاهرا وباطنا، ظاهره للعامة، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ذلك من الأغراض الفاسدة والمقاصد الباطلة، فإن زل فقيه أو أساء العبارة عالم:   = وباطنه للعلماء والحكماء، وأخذوا يشتغلون بعلم الكلام يسمونه ظلما وعدوانا بعلم التوحيد، ولا يكاد يكون فيه من التوحيد إلا الاسم، أو محتواه، فهو الفلسفة- نفسها وقدحرم دراسته كبار علماء السلف وأئمة المذاهب وأمثال مالك والشافع وابن حنبل رضي الله تعالى عنهم. قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: ما أظن الله يغفل عن المأمون، ولابد أن يعاقبه على ما أدخله على هذه الأمة. وقد انبرى هذا الإمام العظيم للفلاسفة المنحرفين المتصفين بالمسلمين الذين نهلوا من حماة الفلسفة اليونانية وأثبت زيفهم وضلالهم وانحرافهم في كثير من كتبه التي دخل فيها التاريخ، وحق لكليات الفلسفة في البلدان العربية والإسلامية دراسة آرائه وردوده على الفلسفة اليونانية وعلى الذين اعتنقوها من المسلمين. ولم ينج من هذا الضلال والانحراف إلا السلفيون المستمسكون بهدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين عصمهم الله سبحانه لتمسكهم بنصوص الشريعة الثابتة، فكانوا في وجه تيار الفسفة الجارف وعاصفته الهوجاء كالجبل الأشم، وكالصخرة الصلدة. وكان يزيدها مر الليالي جدة وتقادم الأيام حسن شباب! فكانوا يمسكون بكتاب الله وسنة نبيه دون تأويل ولا تعطيل في أسماء الله وصفاته. ومن قال أن الشهب أكبرها السنا ... بغير دليل كذبته الدلائل! وقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاختلاف الذي سيقع بين المسلمين وعن طريقة النجاة منه فقال: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة!! وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم واصحابي"! - رواه أبو داودد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة بسند صحيح-. إن أهل القرآن والحديث رحم الله موتاهم وبارك في إحيائهم وأمدهم بقوته وتوفيقيه، هم مصابيح الهدى والدعاة إلى الرشاد والتقى، من عاداهم هلك، ومن تركهم ضل، وهم المنصورون على خصومهم، بشرهم بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "لا تزال طائفة من أمي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس" - رواه البخاري ومسلم- وقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل وابن المبارك وسفيان الثوري وغيرهم من كبار العلماء بأن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 يكن ما أساء الناس في رأس كبكبا501   هذه الطائفة هم أهل الحديث الذين يتعاهدون مذهب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويذبون عنه الظلم، لولاهم لأهلك الناس المعتزلة وأهل الرأي. حسبهم شرفا وفخرا أنهم جعلوا السنة نبراسا لهم فكانوا هداة مهديين وغدوا مصابيح الهدى. نقلا عن مجلة التمدن الإسلامي مجلد 33 9-12 ص 191-192. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وقد كانوا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، قال مالك رحمه الله: السنة مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، من تخلف عنها هلك. وهذا حق، فإن سفينة نوح إنم ركبها من صدق المرسلين واتبعهم، وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين. واتابع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله، فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح في السفينة باطنا وظاهرا والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نحو عليه السلام وركوب السفينة معه. وهكذا إذا تدبر المؤمن العالم سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر، وجد القرآن والسنة كاشفين لأحوالهم، مبنيين لحقهم، مميزين بين حق ذلك وباطله. والصحابة كانوا أعلم الخلق بذلك، كما كانوا أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين، كما قال فيهم عبد الله بن مسعود، من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات- قصد الصحابة- فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلمكانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، واقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بدينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. فتاوى ابن ت يمية 137/4-138. فأخبر عنهم بكمال بر القلوب، وكمال عمق العلم، وهذا قليل في المتأخرين ... وما أحسن ما قاله الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. المصدر السابق ص155. نعود بعد هذا الاستطراد إلى المأمون فنقول: ومع كل الطامات له وقد ذكرنا بعضها فيما سبق، يعقتد بعضهم أن عصره كان عصرا ذهبيا في تاريخ المسلمين، وكم كنا نود أن نتحدث عن محاربته لأهل السنة وتعذيبه لهم وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضي عنه، وإكرامه لأصحاب الاعتزال والزنادقة، غير أن المقام لا يتسع لذلك. م. 501 كبكب: جبل خلف عرفات مشرف عليها. والشعر للأعشى، وتمامه: ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجررا ومسحبا وتدفن منه الصالحات، وأن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كوكبا. خ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 تحقيقات علمية هامة من كتاب شرح العقيدة الطحاوية وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وبالوقوف على هذه الفصول502 تحسن نياتكم، وتسلم من الغير قلوبكم على من سبق. وقد بينت لكم أنكم لا تقبلون على أنفسكم في دينار، بل في درهم، إلا عدلا بريئا من التهم، سليما من الشهوة. فكيف تقبلون في أحوال السلف503 وما جرى بين الأوائل ممن ليس له مرتبة في الدين، فكيف في العدالة!   502 لاشك أن هذا الكتاب القيم سبحدث انقلابا عظيما في نفوس قرائه، وسيزيل من أفكارهم ما علق فيها من الدسائس التي ثبت لهم كذبها. وقد تلقوها في كتب التاريخ التي لا يزال أبناؤها- ويا للأسف- بتدارسونها، فسممتهم، وهي من وضع خصوم الإسلام. كل ما عزاه أعداء الصحابة ... رضوان الله عليهم أورده القاضي أبو بكر ابن العربي وسماه قواصم وأجاب عن كل قاصمة بعاصمة من الحق عن أصدق المصادر، وأصحها بعد كتاب الله. ومن ذلك تألف كتاب العواصم من القواصم الذي علقنا عليه بما لم يترك مقالا لقائل، فارجع إليه لتطهير قلبك من الغل على الذين آمنوا من تلاميذ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وخاصة أحبابه. فإن أعداءهم شوهوا الكتب بالأكاذيب التي انتشرت وأفسدت قلوب بعض المسلمين على سلفهم الأول، إلى أن أظهر الله- سبحانه- الحق بكتاب: العواصم من القواصم فانتفع به الكثيرون ولله الحمد والمنة. وستعجب- أيها القارئ- بعد الاطلاع على الحقائق التاريخية هناك كيف أن الأمة الإسلامية ذهبت ضحية لشرذمة من الطغام الخارجين على أعدل عصور الإسلام وأسعدها منذ كذبوا، ثم كذبوا حتى انخدع الناس بأكاذيبهم، فظنوا سحرها حقيقة، ولكن ما لبثت الوقائع أن تبينت كما هي، فجاء الحق وزهق الباطل، أن الباطل كان زهوقا. محب الدين الخطيب المنتقى ص374. 503 جاء في العقيدة الطحاوية وشرحها. وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين- أهل الخير والأثر وأهل الفقهخ والنظر- لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115] فجيب على كل مسلم بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن خصوصا الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم- فيما إذا بلغونا عن الرسول- يهتدي بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 رحم الله عمر بن عبد العزيز حيث قال: وقد تكلموا في الذين جرى بين الصحابة: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات   = المسلمون على هدايتهم ودرايتهم إذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم علماؤها شرارها. إلا المسلمين، فإن علماءهم وخيارهم. فإنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أمته. والمحيون لما مات من سنته. فيهم قام الكتاب، وبه قاموا. وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا. وكلهم متفقوين اتفاقا يقينا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن إذا وجب لواحد منهم قول جاء حديث صحيح بخلافه، فلابد له في تركه من عذر، وجماع الأعذار ثلاثة أصناف*، أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاله. والثاني: عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول. والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ فلهم الفضل علينا، والمنة بالسبق، وتبليغ ما أرسل به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلينا، وإيضاح ما كان منه يخفى علينا. فرضى الله عنهم، وأرضاهم. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] .م. 504 وسئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عما شجر بين الصحابة: علي، ومعاوية، وطلحة، وعائشة هل يطالبون به أم لا؟ فأجاب: قد ثبت بالنصوص الصحيحة لأن عثمان وعليا وطلحة والزبير وعائشة من أهل الجنة. بل قد ثبت في الصحيح: أنهلا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة. وأبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، هم من الصحابة. ولهم فضائل ومحاسن. وما يحكى عنهم كثير منه كذب. والصدق منه كانوا فيه مجتهدين. فالمجتهد إذا أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وخطؤه يغفر له. وأن قدر أن لهم ذنوبا، فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقا، إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك وهي عشرة. منها:- التوبة، ومنها الاستغفار، ومنها الحسنات الماحية، ومنها المصائب المكفرة، ومنها شفاعة النبي صلى الله   * ومن أراد الوقوف على مزيد من المعرفة فليقرأ الكتاب الفذ رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. س. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   = عليه وآله وسلم، ومنها شفاعة غيره، ومنها دعاء المؤمنين، ومنها ما يهدي للميت من الثواب والصدقة والعتق، ومنها فتنة القبر، ومنها أهوال القيامة. وقد ثبت الصحيحن عن النبي صلى الله عليه وىله وسلم أنه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". وحينئذ فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنبا يدخل به النار قطعا، فهو كاذب مفتر، فإنه لو قال: لا علم له به، لكان معطلا، فكيف إذا قال ما دلت الدلائل الكثيرة على نقيضه؟ فمن تكلم فيما شجر بينهم- وقد نهى الله عنه: من ذمهم أو التعصب لبعضهم بالباطل، فهو ظالم معتد. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "تمرق ما رقة على حين فرقة من المسلمين، تصلهم أولى الطائفتين بالحق" وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال عن الحسن: "أن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". وفي الصحيحن عن عمار: أنه قال: "تقتله الفئة الباغية" وقد قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . فثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف على أنهم مؤمنون مسلمون، وأن علي بن أبي طالب والذين معه كانوا أولى بالحق من الطائفة المقابلة له، والله أعلم. الفتاوى 432/4-433. وما أحسن ما قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: إني لست من حربهم في شيء: يعني أن ما تنازع فيه علي وإخوانه لا أدخل بينهم فيه، لما بينهم من الاجتهاد والتأويل الذي هم أعلى به مني. وليس ذلك من مسائل العلم التي تعنيني حتى أعرف حقيقة حال كل واحد منهم. وأنا مأمور بالاستغفار لهم، وأن يكون قلبي لهم سليما، ومأمور بمحبتهم وموالاتهم، ولهم من السوابق والفضائل ما لا يهدر. م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الباب التاسع ملاحق : * الفاطميين ليسوا بخلفاء لأنهم مجوس وأكثرهم زنادقة أضفنا إلى مباحث هذا الكتاب الملاحق التالية زيادة في الإيضاح وإتماما للفائدة: -1- قد أطلق جلال الدين السيوطي في كتابه: تاريخ الخلفاء اسم الدولة الخبيثة على الفاطميين، فقال: ولم أورد أحدا من الخلفاء العبيدين، لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور: منها: أنهم غير قرشيين. وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام، وإلا فجدهم مجوسي، قال القاضي عبد الجبار البصري: اسم جد الخلفاء المصريين سعيد، وكان أبوه حدادا يهوديا نشابة، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني، القداح جد عبيد الله الذي يسمى بالمهدي كان مجوسيا، ودخل عبدي الله المغرب، وادعى أنه علوي ولم يعرفه أحد من علماء النسب، وسماهم جهلة الناس الفاطميين، وقال ابن خلكان: أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبد الله جد خلفاء مصر، حتى إن العزيز بالله بن المعز في اول ولايته صعد المنبر يقوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات: إنا سمعنا نسبا منكرا ... يتلى على المنبر في الجمع إن كنت فيما تدعي صادقا ... فاذكر أبا بعد الأب السابع وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع فإن أنساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع وكتب العزيز إلى الاموي صاحب الأدلس كتابا سبه فيه وهجا، فكتب إليه الأموي: أما بعد: فإنك قد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك فاشتد ذلك على العزيز، فأفحمه عن الجواب - يعني أنه ادعى لا تعرف قبيلته. قال الذهبي: المحققون متفقون على أن عبيد الله المهدي ليس بعلوي، وما أحسن ما قاله حفيده المعز صاحب القاهرة - وقد سأله طباطبا العلوي عن نسبهم - فذجب نصف سفيه من الغمد وقال: هذا نسبي، ونثر على الأمراء والحاضرين وقال: هذا حسبي.   * أضافها الأستاذ محمود مهدي الاستانبولي- حفظه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ومنها: أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم من أظهر سب الأنبياء، ومنهم من أباح الخمر ومنهم من أمر بالسجود له، والخير منهم رافضي1 خبيث لئيم يامر بسب الصحابة رضي الله عنهم؛ ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة، ولا تصح لهم إمامة. قال القاضي أبو بكر الباقلاني: كان المهدي عبيد الله باطنيا2 خبيثا حريصا على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء؛ ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه: أباحوا الخمر والفروج، وأشاعوا الرفض. وقال الذهبي: كان القائم بن مهدي شرا من أبيه، زنديقا، ملعونا، أظهر سب الأنبياء وقال: وكان العبيديون على ملة الإسلام شرا من التتر. وقال أبو الحسن القابسي: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة الاف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت، فياحبذا لو كان رافضيا فقط، ولكنه زنديق. وقال القاضي عياض: سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من علماء المالكية عمن اكرهه بنو عبيد - يعني خلفاء مصر - على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟ قال: يختار القتل، ولا يعذر أحد في هذا الأمر، كان أول دخولهم قبل أن يعرف أمرهم، وأما بعد فقد وجب الفرار؛ فلا يذعر أحد بالخوف من إقامته؛ لأن المقام في موضع يطلب من أهل تعطيل الشرائع لا يجوز، وإنما قام من أقام من الفقهاء على المباينة؛ لئلا تخلو للمسلمين حدودهم فيفتنوهم عن دينهم. وقال يوسف الرعيني: أجمع العلماء بالقيروان على أن حال بين عبيد حال المرتدين والزنادقة؛ لما أظهروا من خلاف الشريعة. وقال ابن خلكان: وقد كانوا يدعون علم المغيبات، وأخبارهم في ذلك مشهورة، حتى إن العزيز صعد المنبر يوما فرأى ورقة فيها مكتوب: بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقة إن كنت أعطيت علم الغيب ... بين لنا كاتب البطاقة وكتبت إليه امرأة قصة فيها: بالذي أعز اليهود بميشا، والنصارى بابن نسطورا، وأذل المسلمين بك، إلا نظرت في امري، وكان ميشا اليهودي عاملا بالشام، وابن نسطورا النصراني بمصر. ومنها: أن مبايعتهم صدرت والإمام العباسي قائم موجود سابق البيعة فلا تصح؛ إذ لا تصح البيعة لإمامين في وقت واحد، والصحيح المتقدم.. تاريخ الخلفاء ص4-ص6 باختصار. وقد بنى العبيدون الجامع الأزهر لينشروا فيه ما يسمى بمذهب الفرض، وكانوا يجبرون المسملون على اعتناقه ولما قضى السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه على ملكهم أبطل ذلك وقرر بدلا منه المذهب الشافعي. -2- لما كان غرضنا من نشر كتابه العواصم من القواصم الدفاع عن الصحابة رضوان الله عليهم وتبرئتهم مما نسبه إليه المفسدون المضللون، رأينا أن ننقل موجز البحث التالي للأستاذ محب الدين الخطيب وهو بعنوان: حملة رسالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 بحث موجز للشيخ محب الدين الخطيب في شأن الصحابة الإسلام الأولون، وما كانوا عليه من المحبة والتعاون على الحق والخير، وكيف شوه المغرضون جال سيرتهم وكل ذلك إتماما لبحث هذا الكتاب: . قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء" رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن الغرباء فقال: " الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي ". ومن غربة الإسلام بعد البطون الثلاثة الأولى، وهي القرون التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخيرية في قوله: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" قال عمران بن حصين: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا. وتحديد ذلك إلى نهاية الدولة الأموية، وقد يلتحق به زمن الخلفاء الأولين من بني العباس. أجل ومن غربة الإسلام، ظهور مؤلفين شوهوا التاريخ تقريبا للشيطان أو الحكام، فزعموا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا إخوانا في الله، ولم يكونوا رحماء بينهم، وإنما كانوا أعداء يلعبن بعضهم بعضا، ويمكر بعضهم ببعض، وينافق بعضهم لبعض، ويتآمر بعضهم على بعض، بغيا وعدوانا. لقد كذبوا*، وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أسمى من ذلك وأنبل. وكانت بنو هاشم وبنو أمية أوفى من ذلك لإسلامهما ورحمهما وقرابتهما، وأوثق صلة وأعظم تعاونا على الحق والخير. حدثني بعض الذين لقيتهم في ثغر البصرة لما كنت معتقلا في سجن الإنكليز سنة 1332هـ أن رجلا من العرب يعرفونه، كان ينتقل بين بعض قرى إيران فقتله القرويون لما علموا أن اسمه عمر قلت: وأي بأس يرونه باسم عمر؟ قالوا حبا بأمير المؤمنين علي: قلت وكيف يكونون من شيعة علي، وهم يجهلون أن عليا سمى أبناءه - بعد الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية- بأسماء أصدقائه وإخوانه في الله أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم جميعا. وأم كلثوم الكبرى بنت علي بن أبي طالب كانت زوجة لعمر ابن الخطاب، ولدت له زيدا ورقية ... وعبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن أبي طالب سمى أحد بنيه باسم أبي بكر وسمى ابنا آخر له باسم معاوية، ومعاوية هذا- أي ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب سمى أحد   * من أعظم الأدلة على كذبهم ثناء الله سبحانه في القرآن على الصحابةى في آيات كثيرة- ذكر بعضها في أول هذا الكتاب - وقد قال تعالى في وصفهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] ، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 كتاب نهج البلاغة ليس كله لعلي بن أبي طالب وأبحاث هامة منه بنيه باسم: يزيد. وعمر بن علي بن أبي طالب كان من نسله عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب سمى أحد بنيه أبا بكر وآخر باسم عمر وثالثا باسم طلحة. وين العابدين علي بن الحسين سمى أحد أولاده باسم أمير المؤمنيين عمر تيمنا وتبركا ... فهل يعقل أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأنسالهم، ومثل هذه الأسماء لفلذات أكبادهم، كانوا على غير ما أراده الله-تعالى- لهم من الأخوة في الإسلام والمحبة في الله، والتعاون على البر والتقوى*!!. لقد تواتر عن أمير المؤنين علي رضي الله عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر روى المحدثون والمؤرخون هذا عنه من أكثر من ثمانين وجها. ورواه البخاري وغيره. وكان علي رضي الله عنه يقول: لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري. ولهذا كان الشيعة المتقدمون متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر. نقل عبد الجبار الهمداني من كتاب: تثبيت النبوة أن أبا القاسم نصر بن الصباح البلخي قال في كتاب النقض على ابن الرواندي: سأل شريك بن عبد الله فقال له: أيهما أفضل: أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟! فقال له: نعم: من لم يقل هذا فليس شيعيا!! والله لقد رقى هذه الأعواد على لقال: إلا أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فكيف نرد قوله، وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذابا. وإن خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في نعتصديقه وإمامه خليفة رسول الله أبا بكر يوم وفاته، من بليغ ما كان يستطهره الناس في الأجيال الماضية. وفي خلافة عمر دخل علي في بيعته أيضا، وكان من أعظمأعوانه على الحق. وكان يذكره بالخير ويثني عليه في كل مناسبة، وقد علمت أنه بعد أخيه وصهره عمر سمى ولدين من أولاده باسميهما، ثم سمى ثالثا باسم عثمان لعظيم مكانته عنده، ولأنه كان إمامه ما عاش. ا. هـ. باختصار. -3- إن كتاب نهج البلاغة هو من الكتب المعتمدة عند الشيعة، وينسبونه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحقيقة أن بعضه له، والكثير من وضع الرضى لا والمرتضى الشيعيين، وفيه من الدس والافتراء الشيء الكثير. وقد   * من الرافضة من ينكر كل ذلك، ومنهم من لا يستطيع إنكارها، لأن التاريخ يلقمه حجرا بل حجارة، فيروك ويزعم أن آل البيت أمثال علي والحسن وزين العابدين إنما فعلوا ذلك تقية. وهم ذلك يطعنون بشجاعتهم وبطولتهم وإخلاصهم، كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذبا!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 رأينا أن ننقل عن هذا الكتاب بعض شهادات على في الثناء علي أبي بكر وعرم وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما رأينا أن ننقل أيضا عن بعض كتب الشيعة المعتبر لديه شهادات أخرى لبعض آل البيت المتقديمن في الصاحبين، مع بعض التعليقات من كتاب التحفة الاثنى عشرية للشاه عبد العزيز الدهلوي ما يلقم أعداء الصحابة حجرا ويخرسهم إلى الأبد!. 1- جاء في نهج البلاغة: أن عمر بن الخطاب لما استشار عليا رضي الله تعالى عنهما عند انطلاقه لقتال فارس، وقد جمعوا للقتال فرفض علي ذهاب الخليفة عمر نفسه للاشتراك في هذا القتال خوفا على حياته وقال له: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ ما بلغ وطلع حيثما طلع، ونحن علي وعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} وتلا الآية، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر في الإسلام، مكان النظام من الخرز، فإن انقع النظام تفرق الخرز، ورب متفرق لم يجتمع، والعرب اليوم، وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها. إن العجم أن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه استحرتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك..أ. هـ. باختصار فتدبر- أيها القرائ- منصفا فقد ارتفع الأشكال واتضح الحال، والحمد لله رب العالمين. 2- وجاء في نهج البلاغة أيضا عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه: لله بلاد أبي بكر لقد قوم الأود، وداوى العلل، واقام السنة، وخلف البدعة، وذهب تقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعة واتقاه بحقه ... جاء في كتاب التحفة الاثنى عشرية: وقد حذف الشريف الرضى صاحب نهج البلاغة حفظا لمذهبه. لفظ أبي بكر وأثبت بدله: فلان وتأبى الأوصاف إلا أبا بكر. ولهذا الإيهام اختلف الشراح، فقال البعض هو أبو بكر، وبعض هو عمر، ورجح الأكثر الأول، وهو الأظهر ... 3- إن أمير المؤمنين على رضي الله عنه قد مدح الشيخين - أبي بكر وعمر- ودعا لهما حسبما ثبت عند الفريقين. وقد نقل شراح نهج البلاغة كتاب الأمير إلى معاوية. وقد قال فيه بعد ما ذكر أبا بكر وعمر: لعمري إن مكانهما لعظيم، وأن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمهما الله تعالى وجزاهما بأحسن ما عملا. قال صاحب التحفة الاثنى عشرية تعليقا على هذا الكلام: فكيف يتصور صدور مثل ذلك عن المعصوم- بنظر الشيعة- لو كانا غاصبين ظالمين؟! معاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 تفصيل في تصحيح حديث الحوأب الله من ذلك، ونسأله سبحانه العصمة عما يعقتده أولئك. 4- وأورد المرتضى في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين على من كتابه الذي كتبه إلى معاوية وهو: أما بعد فإن بيعتي - يا معاوية- لزمنك، وأنت بالشام، فإنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، علا ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للنائب أن يرد. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه أماما كان ذلك لله رضا!! فإن خرج منهم خارج يطعن أوة بدعة رده ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتابعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى .... 5- وجاء في الصحيفة الكاملة للسجاد من الدعاء للصحابة ومدح متابع7تهم، ولا امال للتقية في الخلوات، وبين يدرى رب البريات ونصه: اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ} خير جزائك، الذين قصدوا سمتهم، وتحروا وجهتهم، ومضوا في قفو أثرهم، والائتمام بهداية منارهم، يدينون بدينهم على شاكلهم، ولم يتهم ريب في قصدهم، ولم يختلج شك في صدورهم إلى أخر ما قال. 6- وأورد الكلبني في الكافي وهو من كتب الشيعة كالبخاري عند السنينن في باب السبق إلى الإيمان بروايات أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله أنه قال: قلت له أن للإيمان درجات ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله. قال نعم قلت صفه لي رحمك الله حتى أفهمه. قال: أن الله سبق بين المؤمنين كما يستبق الخيل يوم الرهان، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه، ولا يتقدم مسبوق، ولا مفضول فاضلا، تتفاضل بذلك أوائل الأمة وأواخرها. هذه بعض الأدلة على سمو إيمان الصحابة وفضلهم بصورة عامة وفضل أبي بكر وعمر بصورة خاصة نقلناها من مصادر شيعية موثوقة لديهم، غير أن بعض علمائهم- ويا للأسف- يؤولونها بتأويلات تبعث على التقزر والتقيء مما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم، ليزيدوا أتباعهم ضلال فوق ضلالهم فتعوذ بالله من الكفر والعناد!. -4- كنا ذكرنا فيما سبق صفحة 163 صحة حديث الحوأب بإيجاز ونظرا لأهمي الموضوع نزيده إيضاحا فيما يلي نقلا عن كتاب الأحاديث الصحيحة لشيخنا محدث الديار الشامية ناصر الدين الألباني 474/5 بشيء من الاختصار، وهو في كلامه يرد على الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى: ... ونحن وإن كنا نوافقه على إنكار ثبوت تلك الشهادة يريد ما زعمته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الرافضة من دعوى شهادة الزبير وطلحة أنه ليس هذا ماء الحوأب، وخمسون رجلا إليهم، وكانت أول شهادة زور دارت في الإسلام فإنه مما صان الله تبارك وتعالى وأصحابه صلى الله عليه وآله وسلم منها لاسيما من كان منهم من العشرة المبشرين بالجنة..فإننا لننكر عليه قوله: ولا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الحديث كيف وهو قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بالسند الصحيح في عدة مصادر من كتب السنة المعروفة عند أهل العلم؟! ثم قال الشيخ، بعدما ذكر خطأ تضعيف الحديث المذكور: بيد أنه هذا مع بعده عن الصواب، والانحراف عن التحقيق العلمي الصحيح فإنه هين بجانب قول صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني في تعليقه على قول الحافظ الذهبي المتقدم في سير النبلاء: وهذا حديث صحيح الإسناد: في النفس من صحة هذا الحديث شيء، ولأمر ما أهمله أصحاب الصحاح. وفي معجم البلدان مادة حوأب أن صاحب الخطاب سلمى بنت مالك الفزارية، وكانت سبية وهبت لعائشة، وهي المقصودة بخطاب الرسول الذي زعموه ... ومن العجيب أن يصرف الناس هذه القصة إلى السيدة عائشة إرضاء لبعض الأهواء العصبية. وفي هذا الكلام مؤاخذات: الأولى: يظن الأستاذ الصديق أن إهمال إصحاب الصحاح لحديث ما أنما هو لعلة فيه. وهذا خطأ بين عند كل من قرأ شيئا من علم المصطلح، وتراجم أصحاب الصحاح، فإنهم لم يتمدوا جمع كل ما صح عندهم، وفي صحاحهم. الثانية: هذا إن كان يعني الصحاح الكتب الستة، لكن هذا الإطلاق غير صحيح لأن السنن الأربعة من الكتب الستة ليست من الصحاح لا استصلاحا ولا واقعا، فإن فيها أحاديث كثيرة ضعيفة، والترمذي ينبه إلى ضعفها في غالب الأحيان. وإن كان يعني ما هو أعم من ذلك، فليس بصحيح، فقد عرفت من تخريجنا المتقدم أن ابن حبان أخرجه في صحيحه والحاكم في المستدرك على الصحيحين. الثالثة: وثوقه بما جاء في معجم البلدان بدون إسناد، ومؤلفه ليس من أهل العلم بالحديث، وعدم وثوقه بمسند الإمام أحمد، وقد ساق الحديث بالسند الصحيح، ولا بتصحيح الحافظ النقاد الذهبي!! الرابع: جزمه أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك بدون حجة ولا برهان سوى الثقة العمياء بمؤلف معجم البلدان. الخامسة: ان الخبر الذي ذكره ووثق به لا يصح من قبل إسناده بل واه جدا ولم يقبل به الخطيب نفسه رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 السادسة: قوله: إرضاء لبعض الأهواء. وكأنه يشير بذلك إلى الشيعة الذين يبغضون السيدة عائشة رضي الله عنها ويفسقونها.. بسبب خروجها يوم الجمل. ولكن من هم الذين أشار إليهم بقوله: بعض الناس هو الإمام أحمد ... والذهبي، أم يحيى بن سعيد القطان شيخ الإمام أحمد وهو من الثقات الأثبات، أم إسماعيل بن أبي خالد وهو مثله كماعرفت، أم شيخه قيس بن أبي حازم وهو مثله في الثقة والضبط ... وللحديث شاهد يزداد به قوة، وهو من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه: " ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب الكثير وبر الوجه تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعدما كادت" رواه البزار ورجاله ثقات. قال الإمام الزيلعي في نصب الراية 69/4-70 وقد أظهرت عائشة الندم كما أخرجه أن عبد البر في كتاب الاستيعاب عن ابن أبي عتق، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: قال قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيرة؟ قال: رأيت رجلا غلب عليك- يعني الزبير- فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت. أهـ. ولهذا الأثر طريق أخرى صححها الذهبي في سير النبلاء 78-79. مما سبق ندرك صحة حديث الحوأب من عدة طرق ومن قبل كبار علماء الحديث، وقد رأى بعضهم في هذا الحديث تخطئة لعائشة رضي الله عنها فحاول تضعيفه من غير علم! ... ونقول بهذه المناسبة أن الله سبحانه نزه علماء السنة عن الكذب سواء كان ذلك من صالح أهل السنة أو ضدهم، وهم بعكس كثير ممن يسمون بعلماء الرافضة وغيرهم الذين لا نكاد نجد كلمة صدق واحدة عندهم! ومهما كان من شأن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت فإنها نفسها شعرت بخطئها كما تقدم معنا، ولها أجر المجتهد كما جاء في الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الباب العاشر الفهرس الموضوع الصفحة مفتاح رموز التحقيق 5 التقدمة: بلقم الدكتور محمد جميل غازي 6 كلمة تعريف بالمكتب السلفي لتحقيق التراث ودوره في إخراج العواصم من القواصم 11 ترجمة القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله. 13 وصف المخطوطات التي اعتمدنا عليها في التحقيق. 30 صور المخطوطات التي اعتمدنا عليها في التحقيق 34 تقديم للشيخ محمود مهدي الاستانبولي 42 تصدير للعلامة محب الدين الخطيب رحمه الله 45 العواصم من القواصم جزء في: تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمة المؤلف 53 قاصمة الظهر وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقعها في نفوس الصحابة 54 استخفاء على في بيت فاطمة 54 سكوت عثمان وإهجار عمر 55 حوار العباس وعلى في مرضه صلى الله عليه وآلهوسلم 58 اضطراب أمر الأنصار 58 موقف جيش أسامة 59 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الموضوع الصفحة عاصمة تدارك الله الإسلام والأنام بأبي بكر 60 رباطة جأش ابي بكر، ووداعه النبي، وخطبته في المسجد 60 موقفه في سقيفة بني ساعدة 61 خلافة الصديق واستخلاف عمر موقف الصديق من مانعي الزكاة 64 تنظيمه للجيش، واختياره القواد والعمال 64 حديث لا نورث ما تركنا صدقة 65 حديث لا يدفن نبي إلا حيث يموت 67 جعل عمر الأمر شورى في اختيار الخليفة بعده 68 خلافة عثمان ودعاة الفتنة سجايا عثمان ومكانته العالية في الإسلام 69 حديث أن عمر شهيد، وعثمان شهيد، وله الجنة على بلوى تصيبه 71 وصف إجمالي لدعاة الفتنة الذين قاموا على عثمان 73 قاصمة المظالم والمناكير التي ادعوها على عثمان 76 عاصمة بيان بطلان هذه الدعاوى سندا ومتنا 77 موقف عثمان من عبد الله بن مسعود 78 موقف عثمان من عمار بن ياسر 80 جمع القرآن حسنة عثمان العظمة وخصلته الكبرى 81 وقعة اليمامة وساتماتة حملة القرآن من الصحابة في تلك المعركة 82 ابن طاوس الشيعي يروي عن علي إجماع الصحابة على مصحف عثمان 83 أكبر داعية شيعي يدعي تحريف القرآن ويؤيده الطبرسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الموضوع الصفحة عبد الله بن مسعود ومصحفه 84 ما أوخذ به عثمان من حماية الحمى لإبل الصدقة 84 أبو ذر ومسيره إلى الربذه 85 ما وقع بين أبي الدرداء ومعاوية 88 عثمان وأبو الدرداء. رد الحكم. تحقيق ابن تيمية وابن زم وابن الوزير 89 عثمان وإتماه الصلاة في منى 90 معاوية ومكانته في خلافة أبي بكر وعثمان 95 تولية عثمان عبد الله بن عامر بن كريز 97 تولية عثمان الوليد بن عقبة، وإلمامه بنشأة الوليد وجهاده 98 الولاية اجتهاد علي ولي أقاربه 99 كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من ولى بني أمية واستعان بهم 100 عدالة مروان، وأنه من كبار الأمة عند الصحابة وفقهاء المسلمين 101 سقوط كل ما استدلوا به على الوليد في آية {إن جاءكم فاسق بنبأ} 102 إقامة عمر الحد على صهره قدامة بن مظعون من رجال بدر 105 أي حرج على المرء أن يولى أخاه أو قريبه 109 ما فعله عثمان والذين قبله في خمس الخمس والإقطاع 111 عثمان لم يضرب أحدا بالعصا 112 علو عثمان على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 113 تخلفه بالمدينة عن بدر لتمريض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 114 لو لم يكن لعثمان من الشرف إلا بيعة الرضوان لكفاه 115 مؤاخذتهم عثمان بأنه لم يقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب بالهرمزان 116 تحقيق علمي عن الكتاب المنسوب لعثمان 119 قول علي أن الخارجين على عثمان حساد طلاب دنيا 121 تسيير عثمان مثيري الفتنة إلى معاوية بالشام 125 قولهم لمعاوية: كم تكثر علينا بالأمرة وبقريش 128 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الموضوع الصفحة انتقال مثيري الفتنة إلى منطقة عبد الرحمن بن خالد ومعاملته لهم بالحزم 130 تظاهرهم بالتوبة 130 مسير فرق الثوار إلى المدينة 132 الثوار يناقشون عثمان 132 وقائع ومحاورات بين عثمان والبغاة عليه 136 فتوى ابنعمر لعثمان بألا يخلع نفسه لئلا تتخذ عادة 137 أشراف عثمان على الناس واستشهداه إياهم بسوابقه 137-138 موقف عثمان من أمر الدفاع عنه بالاستسلام للأقدار 139 عثمان في ساعته الأخيرة 141 الحكم الفهقي في موقف عثمان من الدفاع أو الاستسلام 143 الذين دافعوا عن عثمان في الساعة الأخيرة خارج الدار 146 خلافة علي قولهم في بيعة طلحة: يد شلاء، وفي طلحة والزبير بايعا مكرهين 148 موقف علي من قتلة عثمان 150 قاصمة اجتماع أصحاب مكة وخروجهم إلى البصرة 151 خبر الحوأب: وثبوت صحة الحديث 152 خروج علي إلى الكوفة، وما وقع في العراق قبل وصوله 153 عاصمة مجيء أصحاب الجمل إلى البصرة لتآليف الكلمة، وللتوصل بذلك إلى إقامة الحد على قتلة عثمان 155 الاجتماع في البصرة 157 كتابة الكتاب بين عثمان بن حنيف وأصحاب الجمل بالكف عن القتال 158 وصول علي إلى البصرة ووقع التفاهم بينه وبين أصحاب الجمل 159 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الموضوع الصفحة تحقيق علمي لمسألة الحوأب 163 قاصمة موقف علي من قتلة عثمان 168 حرب صفين، ودعوى الفريقين، وما اخترع في ذلك من أكاذيب 166 الطائفتان كانتا على حق، والبغاة على عثمان ليسوا من إحداهما 172 حديث"ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" 173 قاصمة التحكيم الصحيح فيها ما رواه الدارقطني وخليفة بن خياط 175 العراقيون جاءوا بأبي موسى من عزلته لأنه كان ناصحا بالدعوة إلى السلم 176 معاوية لم يكن يومئذ خليفة حتى يخلعه عمرو أو يثبته 177 عاصمة رواية الدارقطني خبر التحكيم فضحت الأكاذيب المفتراة 180 نصيحة المؤلف للناس بالأدب مع الصحابة 182 قاصمة احتجاج الشيعة بحديث خم ودعاء وال من والاه 183 افتراء الشيعة علي أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأهل الشام 184 الصحابة كلهم كفرة عند الشيعة 187 تكفيرهم كل عاص بكبيرة 189 لماذا عزمنا على نشر الكتاب بهذا التحقيق 189 طعن الشيعة في الصحابة 190 عاصمة يكفيك من شر سماعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الموضوع الصفحة مقارنة موقفهم من الصحابة بموقف النصارى واليهود من أصحاب موسى وعيسى 192 بيعة الحسن وصلحه مع معاوية 209 مزايا معاوية وسيرته الممتازة 210 سرور انبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برؤياحرب معاوية 214 تحقيق علمي: هل العنعنة معناها ضعف الحديث 214 انعقاد البيعة لمعاوية على الوجه الذي وعد به رسول الله 218 كلام العلماء في إمامة المفضول مع وجود الفاضل 218 حجر بن عدي والأسباب التي حملت معاوية على قتله 219 خير الناس بعده صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عثمان ثم علي خال المؤمنين فساد ما تقول الشيعة في وفاة الحسن 221 أهلية يزيد للولاية 221 نقد أخبار ملفقة على وهب بن جرير في تمهيد معاوية لولاية يزيد تحذير ونصيحة من المؤلف للمسلمين من الدخول في دماء الصحابة وأعراضهم بسوء 231 الليث بن سعد يسمى يزيد أمير المؤمنين 233 ضراعات كبار الصحابة والمفكرين للحسين بلزوم رجوعه 238 حزن يزيد لاستشهدا الحسين ومعاملته لأهل بيته 240 طعن آل البيت بالشيعة 241 هل يزيد مسؤول عن مقتل الحسين 242 نكتة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من عقد الولاية لبني أمية 248 استلحاق معاوية لزياد 248 ما روى من اعتراف أبي سفيان لعلي بن أبي طالب بأبوته لزياد 249 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 نكتة للولايات والعزلات معان وحقائق لا يعرفها كثير من الناس 255 تسمية الذين شهدوا بأبوة ابي سفيان لزياد 256 كانت الجاهلية مبنية على العصبية، وافتراق المسلمين بعد وفاة النبي 257 ظهور الأحزاب البكرية والعمرية والعلوية والعباسية 258 عاصمة تحذير المسلمين من أهواء المفسرين والمؤرخين الجهلة منهم وكذا أهل الآداب 260 ابن قتيبة بريء من كتاب الإمامة والسياسة 261 تشييع المسعودي، وميل المبرد للخوارج 262 تحقيقات علمية هامة من كتاب شرح العقيدة الطحاوية وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 268-270 ملاحق الفاطميين ليسوا بخلفاء لأنهم مجوس وأكثرهم زنادقة 271 بحث موجز للشيخ محب الدين الخطيب في شأن الصحابة كتاب نهج البلاغة ليس كله لعلي بن أبي طالب، وأبحاث هامة منه 272 تفصيل في تصحيح حديث الحوأب 276 الفهرس 281-285 المراجع 286-288 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الباب الحادي عشر المراجع 1- آراء أبي بكر بن العربي- الكلامية- للدكتور عمار طالبي- طبع الجزائر. 1- الإصابة في تمييز الصحابة- للحافظ ابن حجر العسقلاني 852هـ وبهامشها الاستيعاب لابن عبد البر. 2- الأحكام السلطانية- لماوردي 450هـ. 3- الأحكام في أصول الأحكام- لابن حزم الظاهري 457هـ. 4- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخيل- للعليمي 527هـ. 5- أنساب الأشراف- للبلاذري 279هـ. 6- البيان والتبيين- للجاحظ 255هـ. 7- البداية والنهاية- لابن كثير. 774هـ. 8- تاريخ الطبري - لأبي جعفر ابن جرير الطبري 310هـ. 9- تفسير الطبري- جامع البيان 310هـ. 10- التمهيد لأبي بكر الباقلاني 403هـ. 11- تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 571هـ. 12- تذكرة الحفاظ- للذهبي - طبعة الهند 1331هـ. 13- التمهيد والبيان في مقتل عثمان-لابن بكر الأشعري 741هـ- مخطوط. 14- تهذيب التهذيب- لابنحجر العسقلاني452هـ. 15- تاج العروس- للمرتضى الحسيني 1205هـ. 16- تنقيح المقال- للمامقاني 1351هـ. 17- تاريخ القرآن والمصاحف- للزنجاني- طبعة مصر 1354هـ. 18- جامع الترمذي السنن- لأبي عيسى الترمذي 279هـ. 19- خلاصة تهذيب الكمال- للخزرجي922هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 20- ديوان ذي الرمة 117هـ. 21- ديوان الحطيئة 275هـ. 22- الديباج المذهب - لابن فرحون 799هـ. 23- الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم- لابن الوزير 840هـ. 24- سنن أبي داود-275هـ. 25- سنن النسائي- 203هـ. 26- سنن ابن ماجه 273هـ. 27- سلسلة الأحاديث الصحيحة - للألباني. 28- سلسلة الأحاديث الضعيفة- للألباني. 29- السنن الكبرى - للبيهقي 458هـ. 30- شذرات الذهب- لابن العماد 1089هـ. 31- شجرة النور الزكية- لمخلوف. طبع السلفية بمصر. 32- صحيح البخاري 256هـ. 33- صحيح مسلم 261هـ. 34- طبقات ابن سعد 231 هـ. 35- طبقات الشافعية للسبكي 771هـ. 36- العبر- لابن خلدون 806هـ. 37- عثمان بن عفان- صادق عرجون طبعة مصر 1366هـ. 38- فتوح البلدان. للبلاذري 279هـ. 39- فتح الباري - لابن حجر العسقلاني 852هـ. 40- فصل الخطاب للطبرسي. طبعة إيران 1298هـ. 41- الفصل في الملل والنحل- لابن حزم. 457هـ. 42- كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف 182هـ. 43- كتاب الزهد - للإمام أحمد بن حنبل 241هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 44- كتاب العزلة- للخطابي 388هـ. 45- الكفاية - للخطيب البغدادي 463-هـ. 46- لسان العرب- لابن منظور 711هـ. 47- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 852هـ. 48- موطأمالك 179هـ. منهاج السنة- لابن تيمية 728هـ. 49- مسند الإمام أحمد 241هـ. 50- الميسر والقداح - لابن قتيبة 276هـ. 51- المنتقى من أحاديث الأحكام- للمجد ابن تيمية 652هـ. مشكاة المصابي - بتحقيق الألباني. 52- المنتقى من منهاج الاعتدال- لابن تيمية- والذهبي اختصره 748هـ. 53- مجموع فتاوى ابن تيمية. جمع ابن قاسم-27 مجلد. 54- معجم البلدان- لياقوت 626هـ. 55- نسب قريش- للزبيري 236هـ. 56- النهاية في غريب الحديث- لابن الأثير 606هـ. 57- وفيات الأعيان- لابن خلكان 681هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288