الكتاب: بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب المؤلف: محمود بن عبد الرحمن (أبي القاسم) ابن أحمد بن محمد، أبو الثناء، شمس الدين الأصفهاني (المتوفى: 749هـ) المحقق: محمد مظهر بقا الناشر: دار المدني، السعودية الطبعة: الأولى، 1406هـ / 1986م عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب أبو الثناء الأصبهاني الكتاب: بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب المؤلف: محمود بن عبد الرحمن (أبي القاسم) ابن أحمد بن محمد، أبو الثناء، شمس الدين الأصفهاني (المتوفى: 749هـ) المحقق: محمد مظهر بقا الناشر: دار المدني، السعودية الطبعة: الأولى، 1406هـ / 1986م عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [مقدمة الكتاب] [مقدمة الشارح] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ أَعِنْ بِلُطْفِكَ يَا كَرِيمُ. الْحَمْدُ لِلَّهِ (الَّذِي أَظْهَرَ) بَدَائِعَ مَصْنُوعَاتِهِ عَلَى أَحْسَنِ النِّظَامِ، وَخَصَّصَ مِنْ بَيْنِهَا نَوْعَ الْإِنْسَانِ (بِمَزِيدِ) الطَّوْلِ وَالْإِنْعَامِ، وَهَدَى أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَرْشَدَهُمْ (طَرِيقَ) مَعْرِفَةِ اسْتِنْبَاطِ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ، لِيُبَاشِرُوا الْحَلَالَ مِنْهَا [وَيُجَانِبُوا (الْحَرَامَ) ] . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا (عَبْدُهُ) وَرَسُولُهُ الَّذِي فَضَّلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنَامِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ (الْكِرَامِ) - مَا مَطَرَ غَمَامٌ، وَعَطِرَ كِمَامٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ تَطَابَقَ قَاضِي الْعَقْلِ، وَهُوَ لَا يُبْذَلُ وَلَا يُعْزَلُ، وَشَاهِدُ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْمُزَكِّي الْمُعَدِّلُ، عَلَى أَنَّ أَرْجَحَ الْمَطَالِبِ وَأَرْبَحَ الْمَكَاسِبِ، وَأَعْظَمَ الْمَوَاهِبِ، وَأَكْرَمَ الرَّغَائِبِ هُوَ الْعِلْمُ ; لِأَنَّهُ عَمَلُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ، وَسَعْيُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَعَزُّ الْأَشْيَاءِ. وَنَاهِيكَ كَمَالًا وَمَرْتَبَةً، وَجَلَالًا وَمَنْقَبَةً بِقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] . فَإِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، وَثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ، وَثَلَّثَ بِأُولِي الْعِلْمِ. وَأَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَكْمَلُهَا، وَأَنْفَعُ الْمَعَارِفِ وَأَجَلُّهَا: هُوَ الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ، وَالْمَعَارِفُ الدِّينِيَّةُ، إِذْ بِهَا يَكْمُلُ انْتِظَامُ الْمَعَاشِ فِي الدُّنْيَا، وَيَحْصُلُ اغْتِنَامُ الِارْتِيَاشِ فِي الْعُقْبَى. وَكَانَ عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ جُمْلَتِهَا فِي الرُّتْبَةِ الْعُظْمَى، وَالدَّرَجَةِ الْعُلْيَا ; إِذْ جُمِعَ فِيهِ الرَّأْيُ وَالشَّرْعُ، وَاصْطُحِبَ فِيهِ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ. وَمِمَّا صُنِّفَ فِيهِ مِنَ الْكُتُبِ الشَّرِيفَةِ وَالزُّبُرِ اللَّطِيفَةِ: (مُخْتَصَرُ [مُنْتَهَى الْوُصُولِ] وَالْأَمَلِ فِي عِلْمَيِ الْأُصُولِ وَالْجَدَلِ) . مِنْ مُصَنَّفَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 الْإِمَامِ الْفَاضِلِ الْمُحَقِّقِ الْعَلَّامَةِ: جَمَالِ الدِّينِ أَبِي عَمْرٍو عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ الْمَالِكِيِّ، الْمَعْرُوفِ بِـ " ابْنِ الْحَاجِبِ " (تَغَمَّدَهُ) اللَّهُ - تَعَالَى - بِغُفْرَانِهِ، وَكَسَاهُ حُلَلَ رِضْوَانِهِ، كِتَابٌ صَغِيرُ الْحَجْمِ، وَجِيزُ النَّظْمِ، (غَزِيرُ الْعِلْمِ) ، كَبِيرُ الِاسْمِ، مُشْتَمِلٌ عَلَى مَحْضِ الْمُهِمِّ. فَتَصَدَّيْتُ لِأَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا يُبَيِّنُ حَقَائِقَهُ، وَيُوَضِّحُ دَقَائِقَهُ، وَيُذَلِّلُ مِنَ اللَّفْظِ صِعَابَهُ، وَيَكْشِفُ عَنْ وَجْهِ الْمَعَانِي نِقَابَهُ، مُقْتَصِدًا، غَيْرَ مُخْتَصِرٍ اخْتِصَارًا يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَالِ، وَلَا مُطْنِبًا إِطْنَابًا يُفْضِي إِلَى الْإِمْلَالِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 سَاعِيًا فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِهِ، وَفَتْحِ مُعْضِلَاتِهِ، وَتَقْرِيرِ مَعَاقِدِهِ، وَتَحْرِيرِ قَوَاعِدِهِ، وَدَفْعِ الشُّبَهَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى مَقَاصِدِهِ. وَ (أَسْمَيْتُهُ) بَيَانَ الْمُخْتَصَرِ ". وَالْمَأْمُولُ مِنْ حُسْنِ أَخْلَاقِ مَنْ هُوَ مُنْصِفٌ، وَعَنْ مَشْرَبِ الْحَقِّ مُغْتَرِفٌ، أَنَّهُ إِذَا اطَّلَعَ عَلَى خَطَأٍ وَسَهْوٍ، أَنْ يُصَحِّحَهُ مُصْلِحًا لَا مُفْسِدًا، وَمُعَاوِنًا لَا مُعَانِدًا، وَمُعَاضِدًا لَا مُحَاسِدًا. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا سَبِيلَ الرَّشَادِ، (وَطَرِيقَ) السَّدَادِ. وَهَا أَنَا أَشْرَعُ فِي الْمَقْصُودِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 [مقدمة الماتن] [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ قُصُورَ الْهِمَمِ عَنِ الْإِكْثَارِ، وَمَيْلَهَا إِلَى الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ - صَنَّفْتُ مُخْتَصَرًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، ثُمَّ اخْتَصَرْتُهُ عَلَى وَجْهٍ بَدِيعٍ، وَسَبِيلٍ مَنِيعٍ، لَا يَصُدُّ اللَّبِيبَ عَنْ تَعَلُّمِهِ صَادٌّ، وَلَا يَرُدُّ الْأَرِيبَ عَنْ تَفَهُّمِهِ رَادٌّ. وَاللَّهَ تَعَالَى أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) . [المبادئ] [المبادئ الأصولية] [ص - وَيَنْحَصِرُ] . ص - فِي الْمَبَادِئِ وَالْأَدِلَّةِ (السَّمْعِيَّةِ) وَالِاجْتِهَادِ (وَالتَّرْجِيحِ) . ص - فَالْمَبَادِئُ: حَدُّهُ، وَفَائِدَتُهُ، وَاسْتِمْدَادُهُ.   [الشرح] ش - قَوْلُهُ: " وَيَنْحَصِرُ " أَيِ الْمُخْتَصَرُ لَا الْأُصُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] (لِأَنَّ) هَذِهِ الْقِسْمَةَ قِسْمَةُ الْكُلِّ إِلَى أَجْزَائِهِ. وَالْمَبَادِئُ عَلَى (الْوَجْهِ) الَّذِي أَخَذَهُ لَا تَكُونُ بِأَقْسَامِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأُصُولِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ. ش - (قِيلَ فِي بَيَانِ انْحِصَارِهِ) فِيهَا: إِنَّ لِكُلِّ عِلْمٍ مَبَادِئَ وَمَسَائِلَ وَمَوْضُوعَاتٍ. فَالْمَبَادِئُ فِي قَوْلِهِ - (هِيَ مَبَادِئُ) أُصُولِ الْفِقْهِ. وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَالِاجْتِهَادُ وَالتَّرْجِيحُ - مَوْضُوعُهُ ; لِأَنَّ الْأُصُولِيَّ يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِهَا الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْأَحْكَامِ، (وَكَيْفِيَّةِ اسْتِثْمَارِهَا عَنْهَا) عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَسَائِلَهُ تِلْكَ الْأَحْوَالُ الْمَبْحُوثُ فِيهِ عَنْهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُفِيدُ، (إِلَّا أَنَّ) الْمَذْكُورَ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى الْمَبَادِئِ وَالْمَوْضُوعِ وَالْمَسَائِلِ. وَالْغَرَضُ لَيْسَ هَذَا، (بَلِ) الْحَصْرُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، عَلَى مَا لَا يَخْفَى. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَقْصُودَ، بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، مِنْ تَأْلِيفِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ: الْعَمَلُ (بِالْأَحْكَامِ) وَلَا يُمْكِنُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهَا. وَلَهَا طُرُقٌ، وَلِلطُّرُقِ أُمُورٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ جِهَةِ إِفْضَائِهَا إِلَى التَّمَكُّنِ مِنَ الْعَمَلِ فَإِذًا لَا يَكُونُ الْمَذْكُورُ إِلَّا أَمْرًا لَهُ مُدْخَلٌ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَرَّفَ نَفْسَهُ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ. وَالثَّانِي: إِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الْمُعَرَّفُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْمَبَادِئُ. وَالثَّانِي: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِهِ تَحْصُلُ غَلَبَةُ طَرِيقٍ عَلَى آخَرَ عِنْدَ التَّعَارُضِ، أَوْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَوَّلُ: التَّرْجِيحُ. وَالثَّانِي: الِاجْتِهَادُ ; إِذْ لَيْسَ لِغَيْرِ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ تَعَلُّقٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الْعَمَلِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الثَّلَاثَةِ إِذَا بَذَلَ الْمُكَلَّفُ جُهْدَهُ وَعَرَفَهَا، حَصَلَتْ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ، وَتَمَكَّنَ مِنَ الْعَمَلِ الْمَقْصُودِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ [إِلَى] الصَّوَابِ، لَكِنْ فِيهِ خَلَلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِاجْتِهَادِ إِمَّا مَعْرِفَتُهُ، أَوْ نَفْسُهُ. فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَبَاطِلٌ ; لِأَنَّ نَفْسَ الِاجْتِهَادِ لَا يَكُونُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُخْتَصَرِ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَلَا نُسَلِّمُ، أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لِغَيْرِ الِاجْتِهَادِ تَعَلُّقٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الْعَمَلِ ; لِأَنَّ الْفِقْهَ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ، وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الْعَمَلِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ تَأْلِيفِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ: هُوَ: [مَعْرِفَةُ] كَيْفِيَّةِ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ. فَمَا يُذْكَرُ فِيهِ إِلَّا أَمْرٌ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْمَعْرِفَةِ. فَالْمَذْكُورُ فِيهِ إِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الْبَحْثُ وَالشُّرُوعُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْمَبَادِئُ. وَالثَّانِي: إِمَّا الْأَدِلَّةَ الَّتِي تُسْتَنْبَطُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ، إِذْ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ عِنْدَنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي، إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرْجِيحَ الدَّلَائِلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، عِنْدَ التَّعَارُضِ - لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ لِكَوْنِهَا ظَنِّيَّةً يَقَعُ فِيهَا التَّعَارُضُ - أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: التَّرْجِيحُ. وَالثَّانِي: الِاجْتِهَادُ ; إِذْ لَيْسَ بِغَيْرِ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ تَعَلُّقٌ بِمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ بِالضَّرُورَةِ. وَالْبَيَانُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُنَاقَشَ فِيهِ، لَكِنِ انْدَفَعَ بِهِ النَّقْضُ الْوَارِدُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ. ش - الْمَبَادِئُ - بِاصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ - هِيَ: مَا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْمَقْصُودِ لِذَاتِهِ، لِتَوَقُّفِ ذَاتِ الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ فَقَطْ. وَهِيَ إِمَّا تَصَوُّرَاتٍ، وَهِيَ: تَصَوُّرُ الْمَوْضُوعِ، وَأَجْزَائِهِ، وَجُزْئِيَّاتِهِ، وَأَعْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَتُسَمَّى: الْحُدُودَ. وَإِمَّا تَصْدِيقَاتٍ. وَهِيَ: الْمُقَدِّمَاتُ الَّتِي تُؤَلَّفُ مِنْهَا قِيَاسَاتُ الْعِلْمِ. وَتُسَمَّى: الْقَضَايَا الْمُتَعَارَفَةُ، إِنْ كَانَتْ بَيِّنَةً. وَهِيَ الْمَبَادِئُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ص - أَمَّا حَدُّهُ لَقَبًا ص - فَالْعِلْمُ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ. ص - وَأَمَّا حَدُّهُ مُضَافًا:   [الشرح] وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُهَا مَعَ مُسَامَحَةٍ وَحُسْنِ ظَنٍّ بِالْمُعَلِّمِ، تُسَمَّى: أُصُولًا مَوْضُوعَةً. وَإِنْ كَانَتْ مَعَ اسْتِنْكَارٍ وَتَشَكُّكٍ، سُمِّيَتْ: مُصَادَرَاتٍ. وَالْمَبَادِئُ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ. وَقَدْ تُطْلَقُ (عَلَى) مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ: مَا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْمَقْصُودِ؛ لِتَوَقُّفِ ذَاتِهِ عَلَيْهِ، أَوْ تَصَوُّرِهِ، أَوِ الشُّرُوعِ فِيهِ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَكُونُ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ (بِتَمَامِهَا) ; ضَرُورَةً دُخُولُ الْحَدِّ، وَتَصَوُّرُ الْغَايَةِ، وَبَيَانُ الِاسْتِمْدَادِ فِيهَا، مَعَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " فَالْمَبَادِئُ ": هُوَ الثَّانِي، لَا الْأَوَّلُ. لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ، وَتَصَوُّرَ غَايَتِهِ، وَبَيَانَ أَنَّهُ يُسْتَمَدُّ مِنْ أَيِّ الْعُلُومِ، لَا يَكُونُ [مَبَادِئَ] بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ [مَبَادِئَ] بِالْمَعْنَى الثَّانِي; لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْعِلْمِ وَتَصَوَّرَهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْزَائِهِ فَلَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُخْتَصَرِ. [حد أصول الفقه لقبا] ش - أَيْ حَدُّ أُصُولِ الْفِقْهِ. وَاللَّقَبُ عِلْمٌ يَتَضَمَّنُ مَدْحًا أَوْ ذَمًّا. وَ " أُصُولُ الْفِقْهِ " لَقَبٌ مَنْقُولٌ عَنِ الْمُرَكَّبِ الْإِضَافِيِّ، مَفْهُومُهُ الْإِضَافِيُّ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَى مَفْهُومِهِ اللَّقَبِيِّ. أَمَّا أَنَّهُ لَقَبٌ ; فَلِأَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ وَسِيلَةٌ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي بِهَا نِظَامُ الْمَعَاشِ فِي الدُّنْيَا وَاغْتِنَامُ الِارْتِيَاشِ فِي الْعُقْبَى. وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَدَائِحِ. وَأَمَّا أَنَّ مَفْهُومَهُ الْإِضَافِيَّ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَى مَفْهُومِهِ اللَّقَبِيِّ ; فَلِأَنَّ مَفْهُومَهُ اللَّقَبِيَّ هُوَ: الْعِلْمُ. وَمَفْهُومَهُ الْإِضَافِيَّ: مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ. فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ. ش - لَا يُمْكِنُ حَدُّ نَوْعٍ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا بِذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِ ; لِأَنَّ إِضَافَةَ الْعِلْمِ إِلَى مُتَعَلِّقِهِ إِمَّا دَاخِلَةً فِيهِ أَوْ عَارِضَةً لَازِمَةً لَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ فَلِذَلِكَ قُيِّدَ الْعِلْمُ بِـ " الْقَوَاعِدِ ". وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هَهُنَا: الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ الثَّابِتُ لِمُوجِبٍ قَطْعِيٍّ. وَالْقَوَاعِدُ: هِيَ الْأُمُورُ الْكُلِّيَّةُ الْمُنْطَبِقَةُ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ لِيُتَعَرَّفَ أَحْكَامُهَا مِنْهَا. وَهِيَ عَامٌّ ; لِأَنَّهَا جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتُرِزَ بِهَا، عَنِ الْعِلْمِ بِالْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ. وَعَنِ الْعِلْمِ بِبَعْضِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأُصُولِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ نَفْسَهُ ; لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: " يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ " احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْعِلْمِ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي تُسْتَنْبَطُ مِنْهَا الصَّنَائِعُ، وَالْعِلْمِ بِالْمَاهِيَّاتِ وَالصِّفَاتِ. وَفِي ذِكْرِ التَّوَصُّلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ طَرِيقٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ، بَلْ بِالْعَرَضِ. وَقِيلَ: خَرَجَ بِ " الْأَحْكَامِ " - أَيْ جَمِيعِهَا - عَلِمُ الْخِلَافِ ; لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِقَوَاعِدَ يُسْتَنْبَطُ مِنْهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ، لَا كُلُّهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ الْخِلَافِ جُزْءًا مِنَ الْأُصُولِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " الشَّرْعِيَّةِ " احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْأَحْكَامِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: " الْفَرْعِيَّةِ " احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: " عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ " لَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ شَيْءٍ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةَ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا كَذَلِكَ. هَذَا تَحْرِيرُ الْحَدِّ. وَأَمَّا الشُّبَهَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَيْهِ: فَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ ; لِانْطِبَاقِهِ عَلَى الْخِلَافِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخِلَافَ عِلْمٌ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُسْتَنْبَطُ بِهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ. وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ، لِمَا ذَكَرْنَا. بَلِ الْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ بِقَيْدِ " الِاسْتِنْبَاطِ " عِلْمُ الْخِلَافِ ; لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِقَوَاعِدَ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى حِفْظِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ أَوْ رَدِّهَا، وَلَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَدِ اعْتَبَرَ فِي الْحَدِّ إِضَافَةَ الْعِلْمِ إِلَى الْمَعْلُومِ، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْمَعْلُومِ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ ; لِأَنَّهُ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ يَلْزَمُهَا الْإِضَافَةُ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِلْمَ الْمُطْلَقَ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً أَوْ إِضَافِيَّةً. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَرِدُ الشُّبْهَةُ. أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ ; فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً ; إِذِ الْقَوْمُ سَمَّوْا - فِي اصْطِلَاحِهِمْ - الْعِلْمَ الْمُضَافَ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ: أُصُولَ الْفِقْهِ. فَلَا يَكُونُ الْمَعْلُومُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ خَارِجًا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمَعْلُومَ خَارِجٌ عَنِ الْعِلْمِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعِلْمُ الْمُضَافُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ حَقِيقِيَّةً أَوْ إِضَافِيَّةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْمَعْلُومِ الْمُتَعَلِّقِ خَارِجَةٌ عَنِ الْعِلْمِ الْمُضَافِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ هُوَ الْعِلْمُ الْمُضَافُ، لَا الْعِلْمُ الْمُطْلَقُ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا خُرُوجَهَا، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْأَمْرِ الْخَارِجِيِّ لَيْسَ بِحَدٍّ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ: الْمُعَرِّفُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ، لَا الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ الْمُرَكَّبَ مِنَ الذَّاتِيَّاتِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَنَاوَلَتْ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاعِدَةٌ ظَنِّيَّةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؟ وَأُجِيبَ عَنْهُ لِاخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ صَحَّ ذَلِكَ ; إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ يُفِيدُ الظَّنَّ. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يُسَمَّى مَظْنُونًا. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ دَلَّ الْقَاطِعَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعَ الظَّنِّ، يَكُونُ مَعْلُومًا. وَفِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّ الْقَاطِعَ دَلَّ عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِنَفْسِهِ. فَلَا يَكُونُ مَعْلُومًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. بَلِ الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِيَاسِ، وَخَبَرِ الْوَاحِدِ قَاعِدَةٌ. بَلْ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفِيدًا لِلظَّنِّ قَاعِدَةٌ. فَالظَّنُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا أَفَادَهُ، وَالْعِلْمُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ. وَلَا امْتِنَاعَ فِي تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ يَكُونُ مَا أَفَادَهُ مَظْنُونًا. [حد أصول الفقه مضافا] ش - حَدُّ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُضَافٌ - لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ لَقَبٌ - إِنَّمَا يُعْرَفُ إِذَا عُرِفَ مُفْرَدَاتُهُ. ش - الْأُصُولُ جَمْعُ الْأَصْلِ، وَهُوَ: مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ. وَقِيلَ: مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ الشَّيْءُ. وَفَسَّرَهَا هَهُنَا بِالْأَدِلَّةِ. وَاللَّامُ فِي " الْأُصُولِ " وَ " الْأَدِلَّةِ " لِلْعَهْدِ. وَالْمَعْهُودُ: الْأُصُولُ الْمُضَافُ، وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ لَفْظِيٌّ مُنَاسِبٌ لِمَا فِي اللُّغَةِ ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الشَّيْءُ وَيُبْتَنَى عَلَيْهَا. ش - الْفِقْهُ لُغَةً: الْفَهْمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] أَيْ لَا تَفْهَمُونَ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا ذَكَرَهُ. وَالْعِلْمُ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الظَّنِّ وَالتَّقْلِيدِ وَالْيَقِينِ، وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الرَّاجِحُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ص - فَالْأُصُولُ: الْأَدِلَّةُ. ص - وَالْفِقْهُ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَحْكَامُ سَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا. وَالْجِهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرْعِ: كَوْنُ تَعَلُّقَاتِهَا، أَوْ كَوْنُ الْعِلْمِ بِتَعَلُّقَاتِهَا مُسْتَفَادًا مِنْهُ، لَا كَوْنُ وُجُودَاتِهَا مِنْهُ، كَمَا قِيلَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ مُتَحَقِّقٌ قَبْلَ الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ قَدِيمًا. وَالْجِهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنِّسْبَةِ إِلَى الْفَرْعِ: كَوْنُ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ مُتَفَرِّعَةً عَلَى الْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ، أَوْ كَوْنُهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ الْعِلْمِ. وَالْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ: هِيَ الْأَمَارَاتُ. وَمُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِذَاتِهِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الذَّاتُ، كَالْجَوَاهِرِ. وَالثَّانِي، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً لِلتَّغَيُّرِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْأَفْعَالُ. وَالثَّانِي - إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِنِسْبَةٍ مُفِيدَةٍ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْأَحْكَامُ. وَالثَّانِي: الصِّفَاتُ الْحَقِيقِيَّةُ. فَخَرَجَ بِالْأَحْكَامِ: الْعِلْمُ بِالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْأَفْعَالِ. وَبِالشَّرْعِيَّةِ: الْأَحْكَامُ الْعَقْلِيَّةُ. وَبِالْفَرْعِيَّةِ: الْأُصُولِيَّةُ. وَبِقَوْلِهِ: عَنْ أَدِلَّتِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّفْصِيلِيَّةِ: عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَعِلْمُنَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ; لِأَنَّ عِلْمَنَا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرُورِيٌّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى دَلِيلٍ. وَبِالِاسْتِدْلَالِ: اعْتِقَادُ الْمُسْتَفْتِي. وَالْبَاقِي قَوْلُهُ: " بِالْأَحْكَامِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: الْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَحْكَامِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا تَصَوُّرَهَا ; لِأَنَّهُ مِنْ مَبَادِئِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَا التَّصْدِيقَ بِثُبُوتِهَا فِي أَنْفُسِهَا ; فَإِنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ بَلِ التَّصْدِيقُ بِكَوْنِهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْأَفْعَالِ. كَقَوْلِنَا: شُرْبُ النَّبِيذِ حَرَامٌ، وَالْبَيْعُ حَلَالٌ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. بَقِيَ هَهُنَا بَحْثٌ: وَهُوَ أَنَّ التَّصْدِيقَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، أَوْ بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ الرَّاجِحِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْيَقِينِ وَالظَّنِّ وَالتَّقْلِيدِ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: لَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْيَقِينِ - أَيِ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ الْمُطَابِقِ، لَا لِمَحْضِ التَّقْلِيدِ، وَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ: " عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ " بِالْفَرْعِيَّةِ - لَمْ يَدْخُلِ التَّقْلِيدُ ; لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْمُقَلِّدِ غَيْرُ يَقِينِيٍّ. وَيَخْرُجُ عِلْمُ الْبَارِي بِـ " الِاسْتِدْلَالِ " لَا بِقَيْدِ " عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ " عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِهَا بِالْفَرْعِيَّةِ ; لِأَنَّ تَفَرُّعَ الْأَحْكَامِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ لَا يُوجِبُ تَفَرُّعَ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ فَرْعِيَّةَ الْأَحْكَامِ عَنْهَا، إِمَّا مِنْ حَيْثُ الْوُجُودِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ; ضَرُورَةَ كَوْنِ الْحُكْمِ قَدِيمًا، وَالثَّانِي يُلْزِمُ تَفَرُّعَ الْعِلْمِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْفَرْعِيَّةَ صِفَةٌ لِلْأَحْكَامِ وَهِيَ بِاعْتِبَارِ التَّصَوُّرِ، لَا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ ; إِذْ عَدَمُ الْأَدِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَهَا، وَعَدَمُ الْفَرْعِ مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الْأَصْلِ، فَهِيَ فَرْعٌ بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِحُصُولِهَا لِلْأَفْعَالِ. وَأَيْضًا - الْأَحْكَامُ لَيْسَتْ هِيَ فَرْعًا، بَلْ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْفَرْعِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ. وَقَوْلُهُ: " عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ " مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ. وَبِهِ خَرَجَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَعَلْمُنَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَمَا قِيلَ: إِنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَحْكَامِ عَنِ " الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ " ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ بِالْمَعْلُولِ، فَبَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا تَكُونُ عِلَّةً لِلْأَحْكَامِ، بَلْ تَكُونُ أَمَارَاتٍ لَهَا، لِمَا قِيلَ: إِنَّ الدَّلِيلَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ - وَهُوَ: مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ - يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ تَعَالَى عَنِ الْأَدِلَّةِ ; ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ حُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ بِالنَّظَرِ ; لِأَنَّ مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ. فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ عِلْمِهِ تَعَالَى عَنِ الْأَدِلَّةِ، حُصُولُهُ بِالنَّظَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا قَيْدُ " الِاسْتِدْلَالِ " ضَائِعٌ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِقَيْدِ " عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ " عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَعِلْمُنَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَاعْتِقَادُ الْمُسْتَفْتِي، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا حَاصِلًا عَنِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ! أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِقَادَ الْمُسْتَفْتِي لَيْسَ بِحَاصِلٍ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْمُسْتَفْتِي مُسْتَنِدٌ إِلَى عِلْمِ الْمُفْتِي الْمُسْتَنِدِ إِلَى الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ. فَاعْتِقَادُ الْمُسْتَفْتِي مُسْتَنِدٌ إِلَى الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ. وَقَوْلُنَا: الْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَنِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا عَنْهَا بِلَا وَاسِطَةٍ. فَقَوْلُهُ: " بِالِاسْتِدْلَالِ " يُخْرِجُ اعْتِقَادَ الْمُسْتَفْتِي ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا عَنْهَا، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِالِاسْتِدْلَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: مَا قِيلَ فِي عَدَمِ خُرُوجِهِ بِقَوْلِهِ: " عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ " يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي عَدَمِ خُرُوجِهِ بِـ " الِاسْتِدْلَالِ ". أُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى الْعِلْمِ، وَاعْتِقَادُ الْمُسْتَفْتِي لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ. هَذَا إِذَا أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ. وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِالْعِلْمِ: الْيَقِينُ، يَلْزَمُ بُطْلَانُ التَّعْرِيفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْعِلْمُ حِينَئِذٍ اعْتِقَادَ الْمُسْتَفْتِي، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَيْدٍ يُخْرِجُهُ، فَيَكُونُ قَيْدُ " الِاسْتِدْلَالِ " ضَائِعًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَرِدُ الشُّبْهَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ: أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ. وَالْمُسْتَفَادُ مِنَ الظَّنِّيِّ ظَنِّيٌّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا. وَمَا ذَكَرُوهُ فِي جَوَابِهِ ضَعِيفٌ. أَمَّا تَقْرِيرُ الْجَوَابِ، فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِقْهَ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْأَحْكَامِ، وَهُوَ قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا ظَنَّ الْحُكْمَ، حَصَلَ عِنْدَهُ مُقُدِّمَتَانِ قَطْعِيَّتَانِ. إِحْدَاهَا: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَظْنُونٌ. وَهِيَ ضَرُورِيَّةٌ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَظْنُونٌ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ الظَّنَّ هُوَ الْحُكْمُ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ. فَإِمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَبِالطَّرَفِ الْآخَرِ فَيَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ لَا بِهَذَا وَلَا بِذَاكَ. فَيَلْزَمُ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ. أَوْ بِالْمَرْجُوحِ فَقَطْ، فَيَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ خِلَافُ الْعَقْلِ. فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ قَطْعًا. وَيَلْزَمُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ قَوْلُنَا: هَذَا الْحُكْمُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا، إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ الظَّنُّ فِي طَرِيقِهِ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ مَحْمُولًا فِي الصُّغْرَى، مَوْضُوعًا فِي الْكُبْرَى. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَحْمُولِ ظَنًّا، كَوْنُ الْقَضِيَّةِ ظَنِّيَّةً. أَمَّا بَيَانُ ضَعْفِهِ فَمِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَالْأَلْفَاظُ الْمَجَازِيَّةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي [التَّعْرِيفَاتِ] . فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَجَازِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي [التَّعْرِيفَاتِ] فَإِنَّ الْحُدُودَ النَّاقِصَةَ وَالرُّسُومَ التَّامَّةَ وَالنَّاقِصَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَاهِيَّةِ الْمَحْدُودِ وَالْمَرْسُومِ إِلَّا بِالْمَجَازِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِّ النَّاقِصِ وَالرَّسْمَ، لَمْ يَرِدْ بِهِمَا الْمَحْدُودُ وَالْمَرْسُومُ، وَإِلَّا لَكَانَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، بَلْ أُرِيدَ مِنْهُمَا الْمَفْهُومُ الْمُطَابَقِيُّ وَدَلَالَتُهُمَا عَلَى مَفْهُومِهِمَا الْمُطَابَقِيِّ بِالْحَقِيقَةِ، لَا بِالْمَجَازِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ، وَالْفِقْهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنَ الدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ ; لِأَنَّ الصُّغْرَى فِي كُلِّ قِيَاسٍ مُغَايِرَةٌ لِلصُّغْرَى فِي الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ - وَهُوَ قَوْلُنَا " مَظْنُونٌ " - فِي كُلٍّ مِنْهَا يُغَايِرُ الْمَحْكُومَ بِهِ فِي الْآخَرِ ; لِأَنَّ ظَنَّ كُلِّ حُكْمٍ مُسْتَفَادٌ عَنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ بِهِ، فَيَكُونُ مُغَايِرًا لِلظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ. وَتَغَايُرُ الظَّنِّ يُوجِبُ تَغَايُرَ الْمَظْنُونِ مِنْ حَيْثُ مَظْنُونٌ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّغَايُرَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرُ كَافٍ فِي كَوْنِ الدَّلِيلِ تَفْصِيلِيًّا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَنَا: " كُلُّ مَا هُوَ مَظْنُونٌ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ " قَطْعِيٌّ. قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُفِيدُ الْقَطْعُ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الظَّنِّيِّ ظَنِّيٌّ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ أَدِلَّةَ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّةٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ بَلَغَ إِلَيْنَا بِالتَّوَاتُرِ، حَتَّى يُفِيدَ الْقَطْعَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي بَيَانِ قَطْعِيَّتِهِ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِوَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، يَلْزَمُ رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ فِي الْوَاقِعِ ; لِجَوَازِ أَنْ لَا يُعْمَلَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ، مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا - لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا عُمِلَ بِالْمَرْجُوحِ، يَلْزَمُ خِلَافُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، مَرْجُوحًا فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. لَا يُقَالُ: إِنَّ الظَّنَّ هُوَ الْحُكْمُ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ فِي الْوَاقِعِ ; لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالرَّاجِحِ فِي الْوَاقِعِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الثَّابِتَ فِيهِ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنَّ هُوَ الْحُكْمُ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ ; لِجَوَازِ كَذِبِهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَبَيِّنُوهُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ أَوَّلًا ثُمَّ يُتَكَلَّمَ عَلَيْهِ ثَانِيًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ انْحِصَارُ جَمِيعِ الْفِقْهِ فِي الْوُجُوبِ، فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْعِلْمُ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ، مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْفِقْهِ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّعَرُّضُ لِلْوُجُوبِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْعِلْمُ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ بِالْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَظْنُونِ. فَإِنْ ظُنَّ وَجُوبُهُ عُلِمَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِنْ ظُنَّ حُرْمَتُهُ عُلِمَ حُرْمَةُ الْعَمَلِ بِهَا وَكَذَا الْبَاقِي. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ لَا يُفِيدُ إِلَّا وُجُوبَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ وُجُوبُ اعْتِقَادِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَظْنُونِ; فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ النَّدْبُ مَظْنُونًا وَجَبَ اعْتِقَادُ نَدْبِيَّتِهِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِقَوْلِهِ: " الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ " عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّعْرِيفُ فَاسِدًا. ش - الْحَدُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلْمَحْدُودِ ; لِأَنَّ الْأَخَصَّ أَخْفَى، وَالْأَعَمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ أَصْلًا. فَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَحَقُّقُ الْمَحْدُودِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَدِّ، وَهُوَ الِاطِّرَادُ، وَانْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَهُوَ الْعَكْسُ. فَالسُّؤَالُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْحَدَّ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ إِمَّا غَيْرَ مُطَّرِدٍ وَإِمَّا غَيْرَ مُنْعَكِسٍ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْكَامِ بَعْضُهَا أَوْ جَمِيعُهَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يَلْزَمُ عَدَمُ اطِّرَادِ الْحَدِّ; ضَرُورَةَ تَحَقُّقِهِ بِدُونِ تَحَقُّقِ الْمَحْدُودِ ; لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ عَالِمٌ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ، فَيَصْدُقُ عَلَى عِلْمِهِ حَدُّ الْفِقْهِ، وَلَا يَكُونُ عِلْمُهُ فِقْهًا ; لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يُسَمَّى فَقِيهًا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، يَلْزَمُ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ; ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَحْدُودِ بِدُونِ الْحَدِّ ; لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ فُقَهَاءُ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ; ضَرُورَةَ ثُبُوتِ " لَا أَدْرِي " بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ. لِأَنَّهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: " لَا أَدْرِي ". ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شِقَّيِ التَّرْدِيدِ. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِاطِّرَادِ. قَوْلُهُ: ضَرُورَةُ دُخُولِ الْمُقَلِّدِ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ص - وَأَوْرَدَ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْبَعْضَ - لَمْ يَطَّرِدْ ; لِدُخُولِ الْمُقَلِّدِ. وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعَ - لَمْ يَنْعَكِسْ ; لِثُبُوتِ " لَا أَدْرِي ".   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ص - وَأُجِيبَ: بِالْبَعْضِ، وَيَطَّرِدُ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَدِلَّةِ: الْأَمَارَاتُ، وَبِالْجَمِيعِ، وَيَنْعَكِسُ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ تَهَيُّؤُهُ لِلْعِلْمِ بِالْجَمِيعِ. ص - وَأَمَّا فَائِدَتُهُ - فَالْعِلْمُ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنَ الْأَدِلَّةِ: الْأَمَارَاتُ، وَهِيَ الَّتِي تُفِيدُ الظَّنَّ، وَيُحْتَاجُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ التَّعَارُضِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُقَلِّدِ: مَنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالْأَحْكَامِ عَنِ الْأَمَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَقِيهًا، حَتَّى يَلْزَمَ عَدَمُ الِاطِّرَادِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَلَا نُسَلِّمُ صِدْقَ الْحَدِّ عَلَيْهِ، حَتَّى يَلْزَمَ أَيْضًا عَدَمُ الِاطِّرَادِ. وَإِمَّا عَلَى الثَّانِي فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِانْعِكَاسِ. قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ " لَا أَدْرِي ". قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ " لَا أَدْرِي " بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُلِّ، يَلْزَمُ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ: الْعِلْمُ بِهَا بِالْفِعْلِ. بَلِ الْمُرَادُ: تَهَيُّؤُ الْعَالِمِ لِلْعِلْمِ بِجَمِيعِهَا. فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقًا مَعَ ثُبُوتِ " لَا أَدْرِي ". وَالْمُرَادُ بِالتَّهَيُّؤِ: الِاسْتِعْدَادُ الْقَرِيبُ إِلَى الْفِعْلِ عِنْدَ حُصُولِ الطُّرُقِ، وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ. [فَائِدَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ] ش - اعْلَمْ أَنَّ فَائِدَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى السَّعَادَاتِ فِي الْأُولَى وَالدَّرَجَاتِ فِي الْأُخْرَى. [استمداد أُصُولِ الْفِقْهِ] ش - هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْمَبَادِئِ، وَقَدْ جَمَعَ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا - بَيَانُ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ يُسْتَمَدُّ. وَالثَّانِيَةُ - بَيَانُ بَعْضِ مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ. وَالْأُولَى لَيْسَتْ مِنَ الْمَبَادِئِ الْمُصْطَلَحَةِ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. ش - الْأَدِلَّةُ الْكُلِّيَّةُ - الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، مِنْ حَيْثُ هِيَ أَدِلَّةٌ - تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْبَارِي وَصِدْقِ الْمُبَلِّغِ وَهُوَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَصِدْقُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ: " الْأَدِلَّةُ الْكُلِّيَّةُ " يَتَنَاوَلُ الْأَدِلَّةَ الْإِجْمَالِيَّةَ الَّتِي يُسْتَفَادُ مِنْهَا الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ، وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا مَسَائِلُ الْأُصُولِ. ش - الْأَدِلَّةُ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ص - وَأَمَّا اسْتِمْدَادُهُ - فَمِنَ الْكَلَامِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ. ص - أَمَّا الْكَلَامُ - فَلِتَوَقُّفِ الْأَدِلَّةِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْبَارِي - تَعَالَى - وَصِدْقِ الْمُبَلِّغِ، [هُوَ] يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ. ص - وَأَمَّا الْعَرَبِيَّةُ - فَلِأَنَّ الْأَدِلَّةَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَرَبِيَّةٌ. ص - وَأَمَّا الْأَحْكَامُ - فَالْمُرَادُ [تَصَوُّرُهَا، لِيُمْكِنَ] إِثْبَاتُهَا وَنَفْيُهَا، وَإِلَّا جَاءَ الدَّوْرُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا عَرَبِيَّا الدَّلَالَةِ، فَيَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ، وَالْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ، وَالِاشْتِرَاكِ وَالتَّرَادُفِ، وَالنَّقْلِ وَالْإِضْمَارِ وَغَيْرِهَا. ش - أَمَّا اسْتِمْدَادُ الْأُصُولِ مِنَ الْأَحْكَامِ فَمِنْ جِهَةِ التَّصَوُّرِ; لِأَنَّ قَصْدَ الْأُصُولِيِّ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّةِ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ الْأَحْكَامِ. وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ إِمَّا مَحْمُولَاتِ الْمَسَائِلِ، كَقَوْلِنَا: مُقْتَضَى الْأَمْرِ: الْوُجُوبُ، وَمُقْتَضَى النَّهْيِ: التَّحْرِيمُ. أَوْ مُتَعَلِّقَاتُهَا. كَقَوْلِنَا: الْعَامُّ إِذَا خُصِّصَ يَكُونُ حُجَّةً فِي الْبَاقِي فَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِهَا لِيُمْكِنَ إِثْبَاتُهَا أَوْ نَفْيُهَا. وَأَمَّا التَّصْدِيقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، فَلَا يَكُونُ اسْتِمْدَادُ الْأُصُولِ مِنْهُ ; لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأُصُولِ. فَلَوِ اسْتَمَدَّ الْأُصُولَ مِنْهُ لَزِمَ الدَّوْرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَذَا التَّصْدِيقُ بِهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مَحْمُولَاتُ مَسَائِلِ الْأُصُولِ أَوْ مُتَعَلِّقَاتُهَا، لَا يَكُونُ مِنَ الْمَبَادِئِ ; لِأَنَّ الْمَسَائِلَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَبَادِئِ. فَلَوِ اسْتَمَدَّ الْأُصُولَ مِنْهُ لِتَوَقَّفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِوُجُودِ الْأَحْكَامِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ، فَيَكُونُ مِنْ مَبَادِئِ الْأُصُولِ. وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ حَيْثُ تُعَلُّقُهَا بِالْأَفْعَالِ لَا يَكُونُ مِنَ الْمَبَادِئِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " وَإِلَّا جَاءَ الدَّوْرُ " إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ، لَوْ حُمِلَ التَّصْدِيقُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. [الْمَبَادِئُ الْكَلَامِيَّةُ] [الدليل] ش - قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: " الدَّلِيلُ " إِلَى قَوْلِهِ: " مَبَادِئُ اللُّغَةِ " مِنَ الْمَبَادِئِ الْكَلَامِيَّةِ. وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِهَا ; لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ اسْتِمْدَادَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ، أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ عَلَى التَّرْتِيبِ. فَبَدَأَ بِالْكَلَامِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ بَحْثَ الدَّلِيلِ وَالْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِالْكَلَامِ. وَنِسْبَتَهُ إِلَى الْكَلَامِ كَنِسْبَتِهِ إِلَى الْأُصُولِ ; لِأَنَّ الْمَنْطِقَ آلَةٌ لِجَمِيعِ الْعُلُومِ الْكَسْبِيَّةِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَمَّا ذُكِرَ الدَّلِيلُ فِي حَدَّيِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ، وَلَمْ يَسْبِقْ شَيْءٌ يُعْرَفُ مِنْهُ الدَّلِيلُ، أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَعْنَاهُ. وَالدَّلِيلُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْمُرْشِدُ، وَمَا بِهِ الْإِرْشَادُ. وَالْمُرْشِدُ: هُوَ النَّاصِبُ لِلْعَلَامَةِ، أَوِ الذَّاكِرُ لَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الْمَبَادِئُ الْكَلَامِيَّةُ. ص - الدَّلِيلُ لُغَةً: الْمُرْشِدُ. وَالْمُرْشِدُ: النَّاصِبُ، وَالذَّاكِرُ، وَمَا بِهِ الْإِرْشَادُ. ص - وَفِي الِاصْطِلَاحِ: [مَا] يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ. ص - وَقِيلَ: إِلَى الْعِلْمِ بِهِ فَتَخْرُجُ الْأَمَارَةُ. ص - وَقِيلَ: قَوْلَانِ فَصَاعِدًا يَكُونُ [عَنْهُ] قَوْلٌ آخَرُ. ص - وَقِيلَ: يَسْتَلْزِمُ لِنَفْسِهِ، فَتَخْرُجُ الْأَمَارَةُ. ص - وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَلْزِمٍ لِلْمَطْلُوبِ حَاصِلٍ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَتِ الْمُقَدِّمَتَانِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَا بِهِ الْإِرْشَادُ: الْعَلَامَةُ الَّتِي نُصِبَتْ لِلتَّعْرِيفِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ " مَا بِهِ الْإِرْشَادُ " مَعْطُوفًا عَلَى " الْمُرْشِدِ " لَا عَلَى " الذَّاكِرِ ". وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى " الذَّاكِرِ " ; لِأَنَّ الْمُرْشِدَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى النَّاصِبِ لِلْعَلَامَةِ، يُطْلَقُ عَلَى الْعَلَامَةِ الْمَنْصُوبَةِ ; إِذِ الْفِعْلُ قَدْ يُنْسَبُ إِلَى الْآلَةِ، كَمَا يُقَالُ: السِّكِّينُ قَاطِعٌ. ش - فَمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ، لَا بِالنَّظَرِ، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِالنَّظَرِ، لَا بِصَحِيحِهِ، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِصَحِيحِهِ، لَا إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ، لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا دَلِيلًا. فَخَرَجَ عَنْهُ الْمُقَدَّمَاتُ الْكَاذِبَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِالنَّظَرِ الْفَاسِدِ فِيهَا إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ ; ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ التَّوَصُّلِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهَا إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ ; لِأَنَّ النَّظَرَ إِنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا إِذَا كَانَ مَادَّتُهُ صَادِقَةً. وَدَخَلَ فِيهِ الْمُقَدِّمَاتُ الصَّادِقَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ [يُتَوَصَّلَ] بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فِيهَا إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِمْكَانُ التَّوَصُّلِ بِالنَّظَرِ الْفَاسِدِ فِيهَا إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ، لَا يُنَافَى إِمْكَانُهُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهَا إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ. وَخَرَجَ عَنْهُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوبٍ تَصَوُّرِيٍّ، أَعْنِي: الْأَقْوَالَ الشَّارِحَةَ. وَإِنَّمَا قَالَ: " يُمْكِنُ " وَلَمْ يَقُلْ: يُتَوَصَّلُ بِالْفِعْلِ، لِيَتَنَاوَلَ الدَّلِيلَ الَّذِي لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ. وَخَرَجَ عَنْهُ: الْقَضَايَا الْمُرَتَّبَةُ تَرْتِيبًا صَحِيحًا ; إِذِ الْمَرْتَبَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهَا. وَدَخَلَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ الْأَمَارَةُ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْخَبَرِيَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِلْمِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا. ش - وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ: إِنَّ الدَّلِيلَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ، فَتَخْرُجُ عَنْهُ الْأَمَارَةُ ; لِأَنَّهَا لَا يُتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهَا إِلَى الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ، بَلْ إِلَى الظَّنِّ بِهِ. فَالدَّلِيلُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنَ الدَّلِيلِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. ش - أَيْ وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ: إِنَّهُ قَوْلَانِ، أَيْ قَضِيَّتَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُهُ: " فَصَاعِدًا " يَتَنَاوَلُ: الْقِيَاسَ الْبَسِيطَ وَالْمُرَكَّبَ. وَقَوْلُهُ: " يَكُونُ عَنْهُ " أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَوْ غَيْرَهُ، لِيَتَنَاوَلَ الْأَمَارَةَ. وَخَرَجَ عَنْهُ قَضِيَّتَانِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا شَيْءٌ آخَرُ. وَقَوْلُهُ: " قَوْلٌ آخَرُ " أَيْ يَكُونُ مُغَايِرًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقَضِيَّتَيْنِ، لِيَخْرُجَ عَنْهُ مَجْمُوعُ أَيَّةِ قَضِيَّتَيْنِ اتَّفَقَتَا ; فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إِحْدَاهُمَا. ش - أَيْ وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ: إِنَّهُ قَوْلَانِ فَصَاعِدًا يَسْتَلْزِمُ لِنَفْسِهِ قَوْلًا آخَرَ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِلْزَامُ بَيِّنًا أَوْ غَيْرَهُ. فَيَتَنَاوَلُ الْأَشْكَالَ الْأَرْبَعَةَ، وَالْقِيَاسَ الِاسْتِثْنَائِيَّ. وَيَخْرُجُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ " لِنَفْسِهِ " قِيَاسُ الْمُسَاوَاةِ، كَقَوْلِنَا: (أ) مُسَاوٍ لِـ (ب) ، وَ (ب) مُسَاوٍ لِـ (ج) ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ (أ) مُسَاوٍ لِـ (ج) ، وَلَكِنْ لَا لِنَفْسِهِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ مُقَدِّمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، أَيْ مُقَدِّمَةٍ غَيْرِ لَازِمَةٍ لِإِحْدَى مُقَدِّمَتِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُنَا: كُلُّ مَا هُوَ مُسَاوٍ لِـ (ب) مُسَاوٍ لِـ (ج) . وَكَذَا خَرَجَ عَنْهُ الْقَوْلُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ قَوْلَيْنِ الْمُسْتَلْزِمُ لِقَوْلٍ آخَرَ بِوَاسِطَةِ عَكْسِ نَقِيضِ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَقَوْلِنَا: جُزْءُ الْجَوْهَرِ يُوجِبُ ارْتِفَاعُهُ ارْتِفَاعَ الْجَوْهَرِ، وَمَا لَيْسَ بِجَوْهَرٍ لَا يُوجِبُ ارْتِفَاعُهُ ارْتِفَاعَ الْجَوْهَرِ. فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قَوْلَنَا: الْجَوْهَرُ جَوْهَرٌ، وَلَكِنْ لَا لِنَفْسِهِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ عَكْسِ نَقِيضِ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُنَا: مَا يُوجِبُ ارْتِفَاعُهُ ارْتِفَاعَ الْجَوْهَرِ فَهُوَ جَوْهَرٌ. وَكَذَا خَرَجَ عَنْهُ: الْأَمَارَةُ ; فَإِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ لِنَفْسِهَا قَوْلًا آخَرَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأَمَارَةِ وَمَا تُفِيدُهُ رَبْطٌ عَقْلِيٌّ يَقْتَضِي لُزُومَ الْقَوْلِ الْآخَرِ عَنْهَا. وَالدَّلِيلُ بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ أَخَصُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ؛ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْأَوَّلِ بِدُونِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَوْلِ، وَصِدْقِ الثَّالِثِ بِدُونِهِ عَلَى الْقَضَايَا الْمُرَتَّبَةِ تَرْتِيبًا صَحِيحًا، وَصِدْقِهِمَا مَعًا عَلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهَا إِلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ. وَكَذَا بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا بَيْنَ الرَّابِعِ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي. وَالرَّابِعُ أَخَصُّ مِنَ الثَّالِثِ مُطْلَقًا ; ضَرُورَةَ خُرُوجِ الْأَمَارَةِ عَنْهُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذِكْرَ خُصُوصِيَّةِ الْقَوْلِ ; إِذِ اسْتِحْضَارُ الْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَلْزُومًا، وَلَوْ مَا يَتَخَيَّلُ الْقَوْلَ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، يَكُونُ دَلِيلًا، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَخْصُوصًا بِالْقَوْلِ. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَخْصِيصُ مَا فِي قَوْلِهِ " مَا يُمْكِنُ " أَيْضًا لِقَوْلِ: فِيهِ مَا فِيهِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَصْطَلِحَ قَوْمٌ عَلَى تَخْصِيصِ الدَّلِيلِ بِالْقَوْلِ، وَقَوْمٌ عَلَى عَدَمِ تَخْصِيصِهِ بِهِ. ش - أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنْ مُقَدَّمَتَيْنِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْخَبَرِيَّ إِذَا كَانَ مَجْهُولًا فَلَابُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي الدَّلِيلِ أَمْرٌ يُوجِبُ الْعِلْمَ أَوِ الظَّنَّ بِهِ. وَذَلِكَ الْأَمْرُ يُسَمَّى " الْوَسَطَ ". وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ " وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَلْزِمٍ لِلْمَطْلُوبِ ". وَالْوَسَطُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، فَيَحْصُلُ الصُّغْرَى، وَالْمَحْكُومُ بِهِ حَاصِلًا لَهُ أَوْ مَسْلُوبًا (عَنْهُ، أَوِ الْوَسَطُ) مَسْلُوبًا عَنِ (الْمَحْكُومِ بِهِ) فَيَحْصُلُ الْكُبْرَى. فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَتِ الْمُقَدِّمَتَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَخْصُوصٌ بِالشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَبِضُرُوبِ الشَّكْلِ الثَّانِي الَّتِي صُغْرَاهَا مُوجَبَةٌ. وَلَا يَخْتَصُّ بِالِاقْتِرَانِيِّ الْحَمْلِيِّ كَمَا ظَنَّ بَعْضٌ، بَلْ يَتَنَاوَلُ الشُّرْطِيَّ أَيْضًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بَيَانَ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، لِأَنَّ بَاقِيَ الْأَشْكَالِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ " وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَلْزِمٍ حَاصِلٍ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومِ بِهِ حَاصِلٌ لَهُ أَوْ مَسْلُوبٌ عَنْهُ ". [النظر] ش - لَمَّا ذَكَرَ النَّظَرَ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَعْنَاهُ. وَالنَّظَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْبَصَرِيِّ وَعَلَى الْفِكْرِيِّ وَالْمُرَادُ هَهُنَا هُوَ الثَّانِي. فَلِذَلِكَ قَالَ: النَّظَرُ: الْفِكْرُ. وَالْفِكْرُ يُطْلَقُ عَلَى حَرَكَةِ النَّفْسِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي آلَتُهَا مُقَدَّمُ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنَ الدِّمَاغِ الْمُسَمَّى بِالدُّودَةِ، أَيَّةُ حَرَكَةٍ كَانَتْ (أَعَمُّ مِنْ) أَنْ تَكُونَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ أَوْ فِي الْمَعْقُولَاتِ. وَعَلَى حَرَكَتِهَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الْمَطَالِبِ إِلَى الْمَبَادِئِ وَرُجُوعِهَا عَنْهَا إِلَى الْمَطَالِبِ. (وَقَدْ يُرْسَمُ) الْفِكْرُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي بِأَنَّهُ: تَرْتِيبُ أُمُورٍ حَاصِلَةٍ فِي الذِّهْنِ ; لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى أُمُورٍ مُسْتَحْصِلَةٍ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى حَرَكَةِ النَّفْسِ مِنَ الْمَطَالِبِ إِلَى الْمَبَادِئِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ الرُّجُوعُ مِنْهَا إِلَى الْمَطَالِبِ جُزْءًا مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْفِكْرَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي - قَالَ: " الَّذِي (يُطْلَبُ مِنْهُ) عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ " تَصَوُّرًا أَوْ تَصْدِيقًا. [العلم] ش - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَفِي تَحْدِيدِهِ، لَا لِخَفَائِهَا بَلْ لِغَايَةِ وُضُوحِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ص - وَالنَّظَرُ: الْفِكْرُ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ. ص - وَالْعِلْمُ، قِيلَ: لَا يُحَدُّ. فَقَالَ الْإِمَامُ: لِعُسْرِهِ. ص - وَقِيلَ: لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ غَيْرَ الْعِلْمِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالْعِلْمِ فَلَوْ عُلِمَ الْعِلْمُ بِغَيْرِهِ، كَانَ دَوْرًا. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَوَقُّفَ تَصَوُّرِ غَيْرِ الْعِلْمِ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ، لَا عَلَى تَصَوُّرِهِ، فَلَا دَوْرَ. ص - وَثَانِيهُمَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ وُجُودَهُ ضَرُورَةً.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ. فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لِعُسْرِهِ. وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ يَعْسُرُ تَحْدِيدُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ بِعِبَارَةٍ مُحَرَّرَةٍ لِلْجِنْسِ الذَّاتِيِّ وَالْفَصْلِ ; فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُدْرَكَاتِ الْحِسِّيَّةَ مِثْلِ الرَّوَائِحِ وَالطَّعُومِ مِمَّا يَعْسُرُ حَدُّهُ لِصُعُوبَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى ذَاتِيَّاتِهَا الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُخْتَصَّةِ. وَإِذَا كَانَ حَالُ الْمُدْرَكَاتِ كَذَلِكَ، فَمَا قَوْلُكَ فِي الْإِدْرَاكَاتِ. وَلَكِنْ يُمْكِنُنَا أَنْ نَشْرَحَ مَعْنَاهُ بِتَقْسِيمٍ وَمِثَالٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِتَحْدِيدِهِ: التَّحْدِيدَ بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ، لَا تَعْرِيفَهُ مُطْلَقًا. فَسَقَطَ سُؤَالُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمِثَالَ وَالتَّقْسِيمَ إِنْ أَفَادَ التَّمْيِيزَ صَلُحَا لِلتَّعْرِيفِ الرَّسْمِيِّ، وَإِلَّا لَمْ يَصْلُحَا لِلتَّعْرِيفِ. وَقِيلَ اكْتِسَابُهُ بِالتَّعْرِيفِ عَسِيرٌ; إِذْ فِيهِ إِضَافَةٌ اشْتَبَهَتْ أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِهِ أَوْ مِنْ ذَاتِيَّاتِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ هَذَا الِاشْتِبَاهَ لَا يَمْنَعُ التَّعْرِيفَ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يُمْنَعُ تَحْدِيدُهُ بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ، لَا مُطْلَقًا، بَلْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ. ش - قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا - لَامْتَنَعَ تَصَوُّرُهُ. وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا - لَكَانَ كَسْبِيًّا ; إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا. وَحِينَئِذٍ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِغَيْرِهِ ; لِامْتِنَاعِ كَوْنِ الشَّيْءِ مُعَرِّفًا لِنَفْسِهِ. وَغَيْرُ الْعِلْمِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالْعِلْمِ فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِ وَمَعْرِفَةُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ تَصَوُّرِهِ. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: تَوَقَّفَ تَصَوُّرُ غَيْرِ الْعِلْمِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حُصُولِ نَفْسِ الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ لَا عَلَى تَصَوُّرِ الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ، وَحُصُولُ نَفْسِ الْعِلْمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ، بَلْ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ، فَلَا دَوْرَ. فَإِنْ قِيلَ: تَصَوُّرُ غَيْرِ الْعِلْمِ هُوَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: تَوَقَّفَ تَصَوُّرُ غَيْرِ الْعِلْمِ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَوَقُّفَ تَصَوُّرِ غَيْرِ الْعِلْمِ أَخَصُّ مِنْ حُصُولِ الْعِلْمِ بِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ يَنْقَسِمُ إِلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي تَوَقُّفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قِيلَ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ: إِنَّ غَيْرَ الْعِلْمِ يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُهُ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ بِالْغَيْرِ لَا عَلَى تَصَوُّرِهِ، وَتَصَوُّرُ الْعِلْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ الْغَيْرِ لَا عَلَى تَصَوُّرِهِ. وَهُوَ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ تَصَوُّرَ الْعِلْمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ الْغَيْرِ، بَلْ عَلَى تَصَوُّرِهِ ; لِأَنَّ تَصَوَّرَ الْمَحْدُودِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ الْحَدِّ. ش - الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ وُجُودَهُ ضَرُورَةً، وَهُوَ عِلْمٌ خَاصٌّ. وَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ الْخَاصُّ ضَرُورِيًّا، كَانَ مُطْلَقُ الْعَلَمِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا. ش - تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلْمَ الْخَاصَّ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَمْرٍ تُصَوُّرُهُ أَوْ تُقَدُّمُ تَصَوُّرِهِ. وَإِنَّمَا أَكَّدَ بِقَوْلِهِ: " أَوْ تَقَدُّمُ تَصَوُّرِهِ " دَفْعًا لِوَهْمٍ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ حَالَ حُصُولِهِ أَوْ قَبْلَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي تَقْرِيرِ الْوَجْهِ الثَّانِي: إِنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَدِيهِيًّا - لَمَا كَانَ تَصْدِيقٌ بَدِيهِيٌّ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ لَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْكَسْبِ - وَالتَّصْدِيقُ أَحَدُ قِسْمَيِ الْعِلْمِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى مُطْلَقِ الْعِلْمِ - لَتَوَقَّفَ التَّصْدِيقُ عَلَى الْكَسْبِ ; لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى التَّوَقُّفِ عَلَى الشَّيْءِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ. وَقَرَّرَ جَوَابَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُلَازَمَةِ، وَعَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ يُنْتِجَ الْمُلَازَمَةَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَمْرٍ تَصَوُّرُهُ، وَلَا تَقَدُّمُ تَصَوُّرِهِ، أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْعِلْمِ بِبَدَاهَةِ التَّصْدِيقِ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ وَلَا تَقَدُّمُ تَصَوُّرِهِ ; إِذِ الْمُرَادُ بِبَدَاهَةِ التَّصْدِيقِ أَنَّ الْعِلْمَ بِانْتِسَابِ طَرَفَيْهِ حَصَلَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ. وَحُصُولُ الْعِلْمِ بِالِانْتِسَابِ وَبِطَرَفَيْهِ لَا يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَمْرٍ تُصَوُّرُهُ أَوْ تُقَدُّمُ تَصَوُّرِهِ. ص - ثُمَّ نَقُولُ: لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا - لَكَانَ بَسِيطًا ; إِذْ هُوَ مَعْنَاهُ. وَيَلْزَمُ [مِنْهُ] أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَعْنًى عِلْمًا. ص - وَأَصَحُّ الْحُدُودِ: صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ. ص - فَيَدْخُلُ إِدْرَاكُ الْحَوَاسِّ، كَالْأَشْعَرِيِّ. ص - وَإِلَّا زِيدَ: " فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ ".   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَعَلَّ هَذَا الشَّارِحَ إِذَا لَاحَظَ قَوْلَهُ: " إِذِ الْمُرَادُ بِبَدَاهَةِ التَّصْدِيقِ أَنَّ الْعِلْمَ بِانْتِسَابِ طَرَفَيْهِ حَصَلَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ " وَتَفَكَّرَ فِي تَفْسِيرِهِ الْبَدَاهَةَ، لَمْ يَجِدْ هَذَا الْجَوَابَ كَمَا يَنْبَغِي ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِبَدَاهَةِ التَّصْدِيقِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرَهُ عِلْمٌ بِعِلْمٍ خَاصٍّ، وَالْعِلْمُ بِالْعِلْمِ الْخَاصِّ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ بِالْعِلْمِ الْمُطْلَقِ. فَحُصُولُ الْعِلْمِ بِبَدَاهَةِ التَّصْدِيقِ يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ الْعِلْمِ. بَلِ الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَصَوُّرَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ لَوْ كَانَ بِالْكَسْبِ، يَلْزَمُ كَسَبِيَّةَ التَّصْدِيقِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّصْدِيقَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُطْلَقِ الْعِلْمِ، وَمُطْلَقُ الْعِلْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْكَسْبِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْكَسْبِ، بَلْ تَصَوُّرُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْكَسْبِ، وَالتَّصْدِيقُ الْبَدِيهِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْعِلْمِ تَصَوُّرُهُ أَوْ تَقَدُّمُ تَصَوُّرِهِ. ش - لَمَّا أَبْطَلَ الدَّلِيلَيْنِ اسْتَدَلَّ عَلَى امْتِنَاعِ كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا، وَبَنَى عَلَى تَعْرِيفِهِ التَّصَوُّرَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُهُ تَصَوُّرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ التَّرْكِيبِ فِي مُتَعَلِّقِهِ. فَقَالَ: " لَوْ كَانَ الْعِلْمُ ضَرُورِيًّا، لَكَانَ بَسِيطًا " وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلضَّرُورِيِّ إِلَّا كَوْنُهُ بَسِيطًا، لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ مَا لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُهُ عَلَى تَصَوُّرِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ بَسِيطًا، وَإِلَّا لَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى تَصَوُّرِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ غَيْرُهُ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَسِيطًا، لَكَانَ كُلُّ مَعْنًى عِلْمًا. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْعِلْمَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَعْنَى. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ مَعْنًى عِلْمًا، لَكَانَ الْمَعْنَى أَعَمَّ مِنَ الْعِلْمِ، فَيَلْزَمُ تَرَكُّبُ الْعِلْمِ مِنَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ وَمِنْ أَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ، وَقَدْ فَرَضَ كَوْنَهُ بَسِيطًا هَذَا خُلْفٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ أَخَصَّ مِنَ الْمَعْنَى يَلْزَمُ تَرَكُّبُهُ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَرَضًا عَامًّا لِلْعِلْمِ. وَأَيْضًا - غَايَتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِلْمُ ضَرُورِيًّا بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ ضَرُورِيًّا بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ: مَا لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى طَلَبٍ وَفِكْرٍ. فَإِنَّ الضَّرُورِيَّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَجْزَاؤُهُ ضَرُورِيَّةً، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى طَلَبٍ وَفِكْرٍ، وَإِنْ كَانَ تَصَوُّرُهُ مَوْقُوفًا عَلَى تَصَوُّرِ أَجْزَائِهِ الَّذِي هُوَ غَيْرُهُ. ش - لَمَّا أَمْكَنَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ تَحْدِيدُ الْعِلْمِ ذَكَرَ لَهُ حَدًّا، فَقَالَ: " وَأَصَحُّ الْحُدُودِ " أَيِ الْحَدُّ الصَّحِيحُ " صِفَةٌ " وَهِيَ مَا تَقُومُ بِغَيْرِهِ، فَيَتَنَاوَلُ الْعِلْمَ وَغَيْرَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُهُ: " يُوجِبُ تَمْيِيزًا " أَيْ تَمْيِيزَ النَّفْسِ الْأَشْيَاءَ. يُخْرِجُ الصِّفَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ الَّتِي لَا تُوجِبُ تَمْيِيزَ النَّفْسِ الْأَشْيَاءَ مِثْلَ السَّخَاوَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْحُزْنِ وَالْفَرَحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ تَمْيِيزَ مَوْصُوفِهَا مِنْ غَيْرِهِ، لَا تُوجِبُ تَمْيِيزَ النَّفْسِ الْأَشْيَاءَ. قَوْلُهُ: " لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ " أَيْ بِوَجْهٍ. يَخْرُجُ عَنْهُ الظَّنُّ وَالِاعْتِقَادُ وَالْوَهْمُ ; فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ تَمْيِيزَ النَّفْسِ الْأَشْيَاءَ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، إِمَّا فِي الْعَقْلِ أَوْ فِي الْخَارِجِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ " أَنَّ الْعِلْمَ يُوجِبُ تَمْيِيزَ النَّفْسِ فِي مُتَعَلِّقِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ نَقِيضِ الْمُتَعَلِّقِ لَا فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي الْخَارِجِ. ش - أَيْ فَيَدْخُلُ إِدْرَاكُ النَّفْسِ الْمَحْسُوسَاتِ بِوَاسِطَةِ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ فِي حَدِّ الْعِلْمِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحَدُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعِلْمِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الْمُنْقَسِمِ إِلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ، أَوْ لِلْعِلْمِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ التَّصْدِيقِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقِيدًا " لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ " غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْمَظْنُونَ وَالِاعْتِقَادَاتِ عِلْمٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُمَا يَحْتَمِلَانِ النَّقِيضَ. وَأَيْضًا التَّصَوُّرَاتُ السَّاذَجَةُ - وَهُوَ حُصُولُ صُورَةِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ مُطَابِقًا أَوْ غَيْرَ مُطَابِقٍ - عِلْمٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَمْ يُعْتَبَرْ عَدَمُ احْتِمَالِ النَّقِيضِ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا نُسَلِّمُ انْدِرَاجَ الْحَوَاسِّ تَحْتَ الْحَدِّ. ش - أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ إِدْرَاكُ الْحَوَاسِّ عِلْمًا، زِيدَ (عَلَى) الْحَدِّ الْمَذْكُورِ لَفْظَةُ " فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ " لِيَخْرُجَ عَنْهُ إِدْرَاكُ الْحَوَاسِّ ; فَإِنَّ الْمَعْنَى قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُقَابِلِ الْمَحْسُوسِ. ش - تَقْرِيرُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ ; ضَرُورَةَ خُرُوجِ بَعْضِ الْأَقْسَامِ مِنْهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِمُوجِبٍ، وَمُوجِبُهُ إِمَّا الْحِسَّ أَوْ غَزِيرَةَ الْعَقْلِ أَوِ الْبُرْهَانِ. وَالْحَدُّ لَا يَتَنَاوَلُ الْعُلُومَ الْعَادِيَّةَ، أَيِ الَّتِي مُوجِبُهَا الْعَادَةُ ; لِأَنَّ الْعُلُومَ الْعَادِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ جَوَازَ النَّقِيضِ عَقْلًا، أَيِ الْعَقْلُ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْعُلُومَ الْعَادِيَّةَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ نَقِيضُ مُتَعَلِّقِهَا فِي الْوَاقِعِ ; فَإِنَّ الْجَبَلَ إِذَا عُلِمَ بِالْعَادَةِ كَوْنُهُ حَجَرًا، جَازَ أَنْ يَنْقَلِبَ ذَهَبًا عَقْلًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَالْمُمْكِنُ جَازَ أَنْ يَقَعَ بِقُدْرَةِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، فَيَخْرُجُ عَنِ الْحَدِّ. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْجَبَلَ إِذَا عُلِمَ بِالْعَادَةِ كَوْنُهُ حَجَرًا، اسْتَحَالَ حَالَةَ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ لَا يَكُونُ حَجَرًا فِي [الْخَارِجِ] وَلَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ص - وَاعْتَرَضَ [بِالْعُلُومِ الْعَادِيَّةِ] فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ جَوَازَ النَّقِيضِ عَقْلًا. ص - وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَبَلَ إِذَا عُلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ حَجَرٌ - اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ ذَهَبًا ضَرُورَةً، وَهُوَ الْمُرَادُ. وَمَعْنَى التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ: [أَنَّهُ] لَوْ قُدِّرَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ لِنَفْسِهِ، لَا أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ. ص - وَاعْلَمْ أَنَّ مَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ أَوْ لَا. الثَّانِي: الْعِلْمُ. وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقِيضَ [عِنْدَ الذِّكْرِ لَوْ قَدَّرَهُ أَوْ لَا. وَالثَّانِي: الِاعْتِقَادُ. فَإِنْ طَابَقَ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ. وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقِيضَ] 3) وَهُوَ رَاجِحٌ أَوْ لَا. فَالرَّاجِحُ: الظَّنُّ. وَالْمَرْجُوحُ: الْوَهْمُ. وَالْمُسَاوِي: الشَّكُّ. ص - وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ حُدُودهَا. ص - وَالْعِلْمُ ضَرْبَانِ: عِلْمٌ بِمُفْرَدٍ، وَيُسَمَّى: تَصَوُّرًا وَمَعْرِفَةً. وَعِلْمٌ بِنِسْبَةٍ، وَيُسَمَّى: تَصْدِيقًا وَعِلْمًا. ص - وَكِلَاهُمَا ضَرُورِيٌّ وَمَطْلُوبٌ. ص - فَالتَّصَوُّرُ الضَّرُورِيُّ: مَا لَا يَتَقَدَّمُهُ تَصَوُّرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ; لِانْتِفَاءِ التَّرْكِيبِ فِي مُتَعَلِّقِهِ، كَالْوُجُودِ وَالشَّيْءِ. ص - وَالْمَطْلُوبُ بِخِلَافِهِ، أَيْ تُطْلَبُ مُفْرَدَاتُهُ بِالْحَدِّ. ص - وَالتَّصْدِيقُ الضَّرُورِيُّ: مَا لَا يَتَقَدَّمُهُ تَصْدِيقٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. ص - وَالْمَطْلُوبُ بِخِلَافِهِ، أَيْ يُطْلَبُ بِالدَّلِيلِ. ص - وَأَوْرَدَ عَلَى التَّصَوُّرِ: إِنْ كَانَ حَاصِلًا - فَلَا طَلَبَ، وَإِلَّا فَلَا شُعُورَ بِهِ فَلَا طَلَبَ. ص - وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَشْعُرُ بِهَا وَبِغَيْرِهَا وَالْمَطْلُوبُ تَخْصِيصُ بَعْضِهَا بِالتَّعْيِينِ. ص - وَأُورِدُ ذَلِكَ عَلَى التَّصْدِيقِ. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تُتَصَوَّرُ النِّسْبَةُ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ، ثُمَّ يُطْلَبُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ النِّسْبَةِ حُصُولُهَا، وَإِلَّا لَزِمَ النَّقِيضَانِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعَقْلِ ; ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ جَمْعِ النَّقِيضَيْنِ. وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّقِيضِ. وَمَعْنَى التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ مُقَدِّرٌ نَقِيضَ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَقْدِيرِهِ مُحَالٌ لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ. قَوْلُهُ: " لَا أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ " أَيْ لَيْسَ مَعْنَى التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ أَنَّ نَقِيضَ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ بِوَجْهٍ. فَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ النَّقِيضُ مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ الِاحْتِمَالُ، فَيُدْخِلُ الْعُلُومَ الْعَادِيَّةَ تَحْتَ الْحَدِّ. وَتَفْسِيرُ التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ بِالْإِمْكَانِ الْخَارِجِيِّ، وَالِاحْتِمَالِ: بِالْإِمْكَانِ الذِّهْنِيِّ - كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ - يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي الْجَوَابِ ; لِأَنَّ إِمْكَانَ انْقِلَابِ الْحَجَرِ ذَهَبًا فِي الْخَارِجِ يُنَافِي الْعِلْمَ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدِ اعْتُبِرَ فِي الْعِلْمِ أَنْ لَا يُحْتَمَلُ نَقِيضُ الْمُتَعَلِّقِ فِي الْخَارِجِ وَلَا فِي الْعَقْلِ. وَإِذَا كَانَ النَّقِيضُ مُمْكِنًا فِي الْخَارِجِ لَمْ يَصْدُقْ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ. فَإِنْ قِيلَ: تَفْسِيرُهُ بِالْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ - أَيْضًا - يُنَافِي الْعِلْمَ [لِأَنَّهُ] حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ ; ضَرُورَةَ احْتِمَالِهِ فِي ذَاتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِنَا: إِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ، أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ، لَا فِي الْخَارِجِ وَلَا فِي الْعَقْلِ مُطْلَقًا، وَلَا بِتَشْكِيكِ مُشَكِّكٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَجَازَ أَنْ يَكُونَ النَّقِيضُ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ، وَيَكُونَ مُمْتَنِعًا فِي الْخَارِجِ لِغَيْرِهِ. فَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَمَلُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: الْعَادَةُ تَمْنَعُ احْتِمَالَ النَّقِيضِ فِي الذِّهْنِ. أَمَّا فِي الْخَارِجِ فَلَا; لِأَنَّ غَايَةَ حُكْمِ الْعَادَةِ الْجَزْمُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا. أُجِيبُ بِأَنَّ النَّفْسَ اكْتَسَبَتْ بِالْعَادَةِ أَنَّ النَّقِيضَ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ، مُمْتَنِعٌ فِي الْخَارِجِ لِغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [الاعتقاد والظن والوهم والشك] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ حَدِّ الْعِلْمِ - أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ الظَّنَّ فَذَكَرَ تَقْسِيمًا يُعْرَفُ مِنْهُ الظَّنُّ وَغَيْرُهُ لِيَكُونَ أَتَمَّ فَائِدَةً. وَاعْلَمْ أَنَّ الذِّكْرَ الْحُكْمِيَّ - وَهُوَ الْكَلَامُ الْخَبَرِيُّ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى الْخَبَرِ - أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا تَخَيُّلِيًّا أَوْ لَفْظِيًّا. وَمَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ: هُوَ مَفْهُومُ الْكَلَامِ الْخَبَرِيِّ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلِ الْحُكْمَ مَوْرِدَ الْقِسْمَةِ، لِئَلَّا يَلْزَمَ خُرُوجُ الْوَهْمِ وَالشَّكِّ عَنْ مَوْرِدِ الْقِسْمَةِ، عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ مُقَارَنَتَهُمَا لِلْحُكْمِ. وَمُتَعَلِّقُهُ - أَيْ مُتَعَلِّقُ مَا عَنْهُ الذِّكْرُ -: النِّسْبَةُ الْوَاقِعَةُ بَيْن طَرَفَيِ الْخَبَرِ فِي الذِّهْنِ. فَإِنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِهَا. وَمَا قِيلَ: إِنَّ الذِّكْرَ الْحُكْمِيَّ: هُوَ الْكَلَامُ الْمَوْجُودُ فِي اللَّفْظِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحُكْمِ الْخَبَرِيِّ، وَمَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ: الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الَّذِي وُضِعَ الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ لَهُ، وَمُتَعَلِّقُهُ: الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْخَارِجِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ فِي الْخَارِجِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُهُ مَوْرِدًا لِلْقِسْمَةِ إِلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ نَقِيضَهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِلَى مَا يَحْتَمِلُهُ. وَإِذَا تَحَقَّقَ هَذَا فَنَقُولُ: مَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ، إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْخَارِجِ أَوْ عِنْدَ الذَّاكِرِ، إِمَّا بِتَقْدِيرِهِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ بِتَشْكِيكِ مُشَكِّكٍ إِيَّاهُ، أَوْ لَا يَحْتَمِلُ أَصْلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي: الْعِلْمُ. وَالْأَوَّلُ، إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ عِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَقْدِيرِهِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ لَا. وَالثَّانِي: الِاعْتِقَادُ. فَإِنْ طَابَقَ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ. وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ لَوْ قَدَّرَهُ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ احْتِمَالُ الْمُتَعَلِّقِ رَاجِحًا عِنْدَ الذَّاكِرِ عَلَى احْتِمَالِ النَّقِيضِ. وَهُوَ: الظَّنُّ، أَوْ لَا. وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَرْجُوحًا أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْوَهْمُ. وَالثَّانِي: الشَّكُّ. وَمَا قِيلَ: إِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْسِيمِ الِاعْتِقَادِ: " فَإِنْ طَابَقَ فَصَحِيحٌ " فِيهِ تَنَاقُضٌ ; فَإِنَّهُ يُنَاقِضُ احْتِمَالَ النَّقِيضِ وَمُطْلَقَ الِاعْتِقَادِ وَالَّذِي هُوَ الْمُقَسَّمُ يَحْتَمِلُهُ - فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: " فَإِنْ طَابَقَ " لَا يَقْتَضِي إِلَّا عَدَمَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَعِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَقْدِيرِهِ فِي نَفْسِهِ. فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُنَاقِضًا لِاحْتِمَالِ النَّقِيضِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَحْتَمِلَهُ بِالتَّشْكِيكِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّقْسِيمِ حُدُودُ الْأَقْسَامِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كُلِّ قِسْمٍ الْمَوْرِدَ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَالْفَصْلُ الَّذِي بِهِ تَمَيَّزُ عَنِ الْأَقْسَامِ الْأُخَرِ. فَقَدْ عُلِمَ فِي كُلِّ قِسْمٍ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ وَمَا بِهِ الِامْتِيَازُ. وَلَا نَعْنِي بِالْحَدِّ إِلَّا هَذَا. وَلْنَذْكُرْ حُدُودَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ: فَالْعِلْمُ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ، لَا فِي الْوَاقِعِ وَلَا عِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَقْدِيرِهِ وَلَا بِالتَّشْكِيكِ. وَالِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَشْكِيكِ مُشَكِّكٍ إِيَّاهُ فَقَطْ. وَالْفَاسِدُ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ [بِتَشْكِيكِ مُشَكِّكٍ إِيَّاهُ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ بِتَقْدِيرِهِ، وَيَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ. وَالظَّنُّ: مَا عَنْهُ] 1) ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَقْدِيرِهِ مَعَ كَوْنِهِ رَاجِحًا. وَالْوَهْمُ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَقْدِيرِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَرْجُوحًا. وَالشَّكُّ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ مَعَ تَسَاوِي طَرَفَيْهِ عِنْدَ الذَّاكِرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمَّا كَانَ الْأُصُولُ عِلْمًا اسْتِدْلَالِيًّا، وَالْعُلُومُ الِاسْتِدْلَالِيَّةُ تَحْتَاجُ إِلَى الْمَنْطِقِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْقَوَاعِدَ الْمُهِمَّةَ فِي الْمَنْطِقِ، اقْتِدَاءً بِالْغَزَالِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. [أقسام العلم: التصور والتصديق] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْبَةِ: إِسْنَادُ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ بِالنَّفْيِ أَوِ الْإِثْبَاتِ وَبِالْمُفْرَدِ: مَا يُقَابِلُهُ. فَكَأَنَّهُ فَرَضَ النِّسْبَةَ - لِاسْتِلْزَامِهَا التَّرْكِيبَ - مُرَكَّبًا. وَمَا لَيْسَ بِنِسْبَةٍ - لِكَوْنِهِ مُقَابِلًا لَهَا - مُفْرَدًا. لِأَنَّ الْمُفْرَدَ مُقَابِلُ الْمُرَكَّبِ. وَالْعِلْمُ قِسْمَانِ: عِلْمٌ بِمُفْرِدٍ مِثْلَ عِلْمِكَ بِمَعْنَى الْإِنْسَانِ وَالْكَاتِبِ. وَعَلِمٌ بِنِسْبَةٍ، لَا بِمَعْنَى حُصُولِ صُورَتِهَا فِي الْعَقْلِ ; فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، بَلْ بِمَعْنَى إِيقَاعِهَا أَوِ انْتِزَاعِهَا، أَعْنِي الْحُكْمَ، مِثْلَ حُكْمِكَ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَاتِبٌ أَوْ لَيْسَ بِكَاتِبٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُسَمِّي الْمَنْطِقِيُّونَ الْأَوَّلَ: تُصَوُّرًا. وَالثَّانِي: تَصْدِيقًا. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ سَمَّى الْأَوَّلَ: مَعْرِفَةً، وَالثَّانِيَ: عِلْمًا، تَأَسِّيًا بِقَوْلِ النُّحَاةِ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَالْعِلْمَ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: النِّسْبَةُ: الْحُكْمُ، وَالْمُفْرَدُ: مَا لَيْسَ بِحُكْمٍ. وَالْعِلْمُ بِمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ، يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْعِلْمُ بِنَفْسِ النِّسْبَةِ وَحَقِيقَتِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَعِلْمٌ تَعَلَّقَ بِالْحُكْمِ، لَا بِحَقِيقَةٍ، بَلْ بِحُصُولِهِ هُوَ: التَّصْدِيقُ. وَالتَّصْدِيقُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ; إِذِ التَّصْدِيقُ قِسْمٌ مِنَ الْعِلْمِ، وَالْحُكْمُ لَيْسَ بِقِسْمٍ مِنْهُ، وَتَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قِسْمًا مِنْهُ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَوَقُّفَ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ. وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَخْلُو عَنْ خَبْطٍ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْحُكْمِ: تَصْدِيقًا، لَا الْحُكْمَ نَفْسَهُ، وَالنِّسْبَةَ: حُكْمًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْحُكْمِ إِنْ كَانَ تَصَوُّرَ حُصُولِ الْحُكْمِ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّصْدِيقُ تَصَوُّرًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلْيُبَيَّنَ لِيُتَصَوَّرَ مَعْنَاهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُتَكَلَّمَ عَلَيْهِ ثَانِيًا. وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ خَارِجًا عَنِ التَّصْدِيقِ ; لِأَنَّ الْمَعْلُومَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] خَارِجٌ عَنِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْحُكْمَ خَارِجٌ عَنِ التَّصْدِيقِ، بَلِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ نَفْسُ التَّصْدِيقِ أَوْ دَاخِلٌ فِيهِ. وَأَيْضًا التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ اللُّغَوِيَّانِ يَعْرِضَانِ لِحُصُولِ الْحُكْمِ، لَا لِلْعِلْمِ بِهِ. فَتَسْمِيَةُ الْحُكْمِ بِالتَّصْدِيقِ أَوْلَى مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْعِلْمُ مِنْ مَقُولَةِ أَنْ يَنْفَعِلَ، وَالْحُكْمُ أَعْنِي الْإِيقَاعَ وَالِانْتِزَاعَ مِنْ مَقُولَةِ أَنْ يَفْعَلَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ تَقْسِيمُهُ إِلَى التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ، وَإِلَى التَّصَوُّرِ. قُلْتُ: لَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا إِلَّآ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُقَسَّمَ الْعِلْمُ إِلَى التَّصَوُّرِ وَإِلَى التَّصْدِيقِ، بَلْ إِلَى التَّصَوُّرِ السَّاذَجِ، وَإِلَى التَّصَوُّرِ مَعَ التَّصْدِيقِ، كَمَا فَعَلَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِشَارَاتِ، حَيْثُ قَالَ: فَكَمَا أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُعْلَمُ تَصَوُّرًا سَاذَجًا، فَكَذَلِكَ قَدْ يُعْلَمُ تَصَوُّرًا مَعَهُ تَصْدِيقٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ تَفْسِيرَ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْإِدْرَاكِ، إِنْ قُسِّمَ إِلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ بِأَنْ يُقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةُ إِمَّا الْإِدْرَاكُ أَوْ غَيْرُهُ. وَالثَّانِي: إِمَّا الْهَيْئَةُ اللَّاحِقَةُ بِهِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: - أَعْنِي الْهَيْئَةَ اللَّاحِقَةَ بِهِ - إِمَّا أَنْ يُقَارِنَهَا احْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، أَوْ لَا. وَالثَّانِي: مِثْلُ الْهَيْئَاتِ اللَّاحِقَةِ فِي أَقْسَامِ التَّنْبِيهِ، كَالتَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالنِّدَاءِ وَغَيْرِهَا. وَالْأَمْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْإِدْرَاكِ وَالْهَيْئَةِ اللَّاحِقَةِ بِهِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ - وَهُوَ الْمَعْنَى الذِّهْنِيُّ الْمُقَيَّدُ بِعَدَمِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ - هُوَ الْعِلْمُ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا فُسِّرَ الْعِلْمُ بِهِ، يَنْقَسِمُ إِلَى الْإِدْرَاكِ الَّذِي هُوَ التَّصَوُّرُ، وَإِلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي هِيَ التَّصْدِيقُ. ش - أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ يَنْقَسِمُ إِلَى ضَرُورِيٍّ وَمَطْلُوبٍ. وَيُعْرَفُ الْحَصْرُ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا. ش - اعْلَمْ أَنَّ التَّصَوُّرَ إِمَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ تَصَوُّرٌ أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالضَّرُورِيُّ يَتَنَاوَلُ الْقِسْمَيْنِ، أَعْنِي مَا لَا يَتَقَدَّمُهُ تَصَوُّرٌ، وَمَا يَتَقَدَّمُهُ تَصَوُّرٌ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " لِانْتِفَاءِ التَّرْكِيبِ فِي مُتَعَلِّقِهِ " تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ التَّصَوُّرِ عَلَى تَصَوُّرٍ يَتَقَدَّمُهُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُتَعَلِّقُهُ بَسِيطًا، لَمْ يَتَوَقَّفْ تَصَوُّرُهُ عَلَى تَصَوُّرٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " كَالْوُجُودِ وَالشَّيْءِ " مِثَالَانِ لِمَا يَكُونُ تَصَوُّرُهُ ضَرُورِيًّا. وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُرَكَّبٍ مَطْلُوبًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَمَا ذَكَرَ. وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونُ الْبَسَائِطُ تَصَوُّرُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَصَوُّرٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ الْبَسِيطِ مَوْقُوفًا عَلَى تَصَوُّرٍ لَازِمٍ خَارِجٍ عَنْ حَقِيقَتِهِ. ش - أَيِ التَّصَوُّرُ الْمَطْلُوبُ بِخِلَافِ التَّصَوُّرِ الضَّرُورِيِّ، وَهُوَ مَا يَتَقَدَّمُهُ تُصَوَّرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ لِتَحْقِيقِ التَّرْكِيبِ فِي مُتَعَلِّقِهِ. قَوْلُهُ: " أَيْ يُطْلَبُ مُفْرَدَاتُهُ " يَعْنِي مُفْرِدَاتِ التَّصَوُّرِ لِكَوْنِهِ مُرَكَّبًا. فَإِذَا أُرِيدَ تَصَوُّرُهُ بِالْحَدِّ لَا بُدَّ أَنْ يُطْلَبَ أَجْزَاؤُهُ أَوَّلًا، لِيُحُدَّ الْمُرَكَّبُ بِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: " بِالْحَدِّ " لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ يُطْلَبَ مُفْرَدَاتُهُ بِسَبَبِ هَذَا الْمُرَكَّبِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: " فَتُحَدُّ ". ش - التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ لِلتَّصْدِيقِ [الضَّرُورِيِّ] مُوَافِقٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ طَرَفَاهُ كَسْبِيَّيْنِ. فَمَا لَا يَتَقَدَّمُهُ تَصْدِيقٌ، أَوْ يَتَقَدَّمُهُ تَصْدِيقٌ وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ - وَإِنْ كَانَ تَصَوُّرُ طَرَفَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، بِالْكَسْبِ - يَكُونُ ضَرُورِيًّا. ش - أَيِ التَّصْدِيقُ الْمَطْلُوبُ بِخِلَافِ التَّصْدِيقِ الضَّرُورِيِّ، أَعْنِي يَتَقَدَّمُهُ تَصْدِيقٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُطْلَبُ ذَلِكَ التَّصْدِيقُ بِالدَّلِيلِ ; لِأَنَّ الْمُوَصِّلَ إِلَى التَّصْدِيقِ الْمَجْهُولِ هُوَ الدَّلِيلُ. مِثَالُ التَّصْدِيقِ الضَّرُورِيِّ: النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَمِثَالُ التَّصْدِيقِ الْمَطْلُوبِ: الْعَالَمُ حَادِثٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - تَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّصَوُّرَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا ; لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا، أَوْ لَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَمْتَنِعُ طَلَبُهُ. أَمَّا إِذَا كَانَ حَاصِلًا، فَلِامْتِنَاعِ طَلَبِ الْحَاصِلِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا، فَلِامْتِنَاعِ تَوَجُّهِ الطَّلَبِ نَحْوَهُ ; لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ، يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ النَّفْسُ طَالِبَةً لَهُ. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّصَوُّرَ إِذَا كَانَ حَاصِلًا، يَمْتَنِعُ طَلَبُهُ ; لِأَنَّ التَّصَوُّرَ قَابِلٌ لِلشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَاهِيَّةُ الَّتِي يُطْلَبُ تَصَوُّرُهَا مَشْعُورًا بِهَا مِنْ جِهَةِ عَارِضٍ مِنْ عَوَارِضِهَا، بِحَيْثُ لَمْ تَتَمَيَّزْ فِي الذِّهْنِ عَنْ غَيْرِهَا الَّذِي هُوَ مَشْعُورٌ بِهِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَارِضٍ مِنْ عَوَارِضِهِ وَالْمَطْلُوبُ تَصَوُّرُهَا عَلَى وَجْهٍ يَتَعَيَّنُ مَفْهُومُهَا بِحَيْثُ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَصَوُّرَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا، بِحَيْثُ لَا تَتَعَيَّنُ حَقِيقَتُهُ بِذَلِكَ التَّصَوُّرِ فِي الذِّهْنِ، وَلَا يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ فِيهِ. وَقَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ بِهِ حَقِيقَتُهُ وَيَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ فِيهِ. وَالْحُصُولُ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ طَلَبَهُ [بِاعْتِبَارِ الثَّانِي] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - تَقْرِيرُهُ كَمَا فِي التَّصَوُّرِ. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّصْدِيقَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا، يَمْتَنِعُ طَلَبُهُ. قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ ". قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا لَا يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ ; لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ النِّسْبَةُ الْإِيجَابِيَّةُ أَوِ السَّلْبِيَّةُ مُتَصَوَّرَةً، وَلَا تَكُونُ حَاصِلَةً. فَمِنْ حَيْثُ التَّصَوُّرُ يَتَوَجَّهُ الذِّهْنُ نَحْوَهُ، ثُمَّ يَطْلُبُ حُصُولَ أَحَدِهِمَا، أَعْنِي الْحُكْمَ الْإِيجَابِيَّ أَوِ السَّلْبِيَّ عَلَى التَّعْيِينِ. قَوْلُهُ: " وَلَا يَلْزَمُ " إِلَى آخِرِهِ، إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابٍ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النِّسْبَةَ الْإِيجَابِيَّةَ أَوِ السَّلْبِيَّةَ إِذَا كَانَتْ مُتَصَوَّرَةً، كَانَتْ حَاصِلَةً، فَيَمْتَنِعُ طَلَبُ حُصُولِهَا. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ شَيْءٍ حُصُولُهُ. فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الْحُكْمِ الْإِيجَابِيِّ أَوِ السَّلْبِيِّ حُصُولُهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، أَعْنِي الْحُكْمَ الْإِيجَابِيَّ وَالسَّلْبِيَّ عِنْدَ تَعَقُّلِ السَّلْبِ ; لِأَنَّ تَعَقُّلَ [السَّلْبِ] لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ تَعَقُّلِ الْإِيجَابِ، وَإِضَافَةُ السَّلْبِ إِلَيْهِ ; إِذِ السَّلْبُ الْمُطْلَقُ لَا تَمَيُّزَ لَهُ وَلَا اخْتِصَاصَ، وَهُوَ مُحَالٌ. [مادة المركب] ش - اعْلَمْ أَنَّ جُزْءَ الْمُرَكَّبِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَكَّبُ مَعَهُ بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ الْمَادَّةُ. أَوْ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الصُّورَةُ. وَلَمَّا كَانَ الْمُرَكَّبُ مَعَ مُفْرَدَاتِهِ بِالْقُوَّةِ وَمَعَ هَيْئَتِهِ الْخَاصَّةِ بِالْفِعْلِ كَانَتْ مُفْرَدَاتُهُ: الْمَادَّةَ. وَهَيْئَتُهُ الْخَاصَّةُ: الصُّورَةَ. وَالْهَيْئَةُ الْخَاصَّةُ: تَأْلِيفُ الْأَجْزَاءِ عَلَى وَجْهٍ يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْوَاحِدُ. [الْحَدُّ حَقِيقِيٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ] ش - لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ [التَّصَوُّرَ] الْمَطْلُوبَ يُطْلَبُ بِالْحَدِّ، أَرَادَ [أَنْ] يُشِيرَ إِلَى مَعْنَاهُ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهِ وَشَرَائِطِهِ. وَالْحَدُّ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ. وَالْمُرَادُ هَهُنَا: الْجَامِعُ الْمَانِعُ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ، أَوْ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ: اللَّفْظِيَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ص - وَمَادَّةُ الْمُرَكَّبِ: مُفْرَدَاتُهُ. وَصُورَتُهُ: هَيْئَتُهُ الْخَاصَّةُ. ص - وَالْحَدُّ حَقِيقِيٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ. ص - فَالْحَقِيقِيُّ: مَا أَنْبَأَ عَنْ ذَاتِيَّاتِهِ الْكُلِّيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ. ص - وَالرَّسْمِيُّ: مَا أَنْبَأَ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمٍ لَهُ. مِثْلَ: الْخَمْرُ: مَائِعٌ يَقْذِفُ بِالزَّبَدِ. ص - وَاللَّفْظِيُّ: مَا أَنْبَأَ [عَنْهُ] بِلَفْظِ أَظْهَرِ مُرَادِفٍ مِثْلَ: الْعَقَارُ: خَمْرٌ. ص - وَشَرْطُ الْجَمِيعِ: الِاطِّرَادُ وَالِانْعِكَاسُ، أَيْ إِذَا وُجِدَ - وُجِدَ، وَإِذَا انْتَفَى - انْتَفَى. ص - وَالذَّاتِيُّ: مَا لَا يُتَصَوَّرُ فَهْمُ الذَّاتِ قَبْلَ فَهْمِهِ، كَاللَّوْنِيَّةِ لِلسَّوَادِ، وَالْجِسْمِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ. ص - وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ حَدَّانِ ذَاتِيَّانِ. ص - وَقَدْ يُعَرَّفُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّلٍ، وَبِالتَّرْتِيبِ الْعَقْلِيِّ. ص - وَتَمَامُ الْمَاهِيَّةِ: هُوَ الْمَقُولُ فِي جَوَابِ مَا هُوَ، وَجُزْؤُهَا الْمُشْتَرَكُ: الْجِنْسُ. وَالْمُمَيِّزُ: الْفَصْلُ. وَالْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا: النَّوْعُ. ص - وَالْجِنْسُ: مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُخْتَلِفٍ بِالْحَقِيقَةِ. وَكُلٌّ مِنَ الْمُخْتَلِفِ: النَّوْعُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى جَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ. وَالثَّانِي: الرَّسْمِيُّ. وَيَدْخُلُ فِيهِ الْحُدُودُ النَّاقِصَةُ. وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا أَثَرًا مِنَ الْمَحْدُودِ ; لِأَنَّ النَّاقِصَ لَا يُفِيدُ كُنْهَ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ. ش - أَيِ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ مُعَرِّفٌ دَلَّ عَلَى جَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ [الْكُلِّيَّةِ الْمُجْتَمِعَةِ. فَقَوْلُهُ: " مَا أَنْبَأَ " كَالْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ: " عَنْ ذَاتِيَّاتِهِ " يُخْرِجُ التَّعْرِيفَ بِالْعَرَضِيَّاتِ وَبِبَعْضِ الذَّاتِيَّاتِ] 1) . وَقَوْلُهُ: " الْكُلِّيَّةِ " يُخْرِجُ عَنْهُ الْمُشَخِّصَاتِ، فَإِنَّهَا ذَاتِيَّةٌ لِلشَّخْصِ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَخْصٌ، لَكِنْ لَا يُحَدُّ بِهَا ; لِأَنَّ الْحَدَّ لِلْكُلِّيَّاتِ لَا لِلْمُشَخِّصَاتِ. وَقَوْلُهُ: " الْمُرَكَّبَةِ " يُخْرِجُ الذَّاتِيَّاتِ الَّتِي لَمْ يُعْتَبَرْ تَرْكِيبُهَا عَلَى وَجْهٍ تَحْصُلُ لَهَا صُورَةٌ وَحْدَانِيَّةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْمَحْدُودِ، فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى حَدًّا حَقِيقِيًّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - أَيِ الْحَدُّ الرَّسْمِيُّ مُعَرِّفٌ أَنْبَأَ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمٍ أَيْ مُخْتَصٍّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْعَرَضِيِّ الْمُفَارِقِ، كَالضَّاحِكِ بِالْفِعْلِ لِلْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّعْرِيفَ. وَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مُخْتَصٍّ، بَلْ عَرَضِيٌّ مُفَارِقٌ لَكِنْ لَا مُنَاقَشَةَ فِي الْمِثَالِ. ش - أَيِ الْحَدُّ اللَّفْظِيُّ مُعَرِّفٌ أَنْبَأَ عَنِ الشَّيْءِ بِلَفْظِ أَظْهَرِ مُرَادِفٍ. فَبِقَوْلِهِ: " بِلَفْظِ " يُخْرِجُ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ وَالرَّسْمِيَّ. وَبِقَوْلِهِ: " أَظْهَرِ " يُخْرِجُ عَنْهُ اللَّفْظَ الْأَخْفَى وَالْمُسَاوِيَ. وَبِقَوْلِهِ: " مُرَادِفٍ " يُخْرِجُ عَنْهُ اللَّفْظَ الْأَظْهَرَ الْمُبَايِنَ. وَفِي تَعْرِيفِ الْحَدِّ اللَّفْظِيِّ مُؤَاخَذَةٌ ; لِأَنَّ الْخَمْرَ مَا أَنْبَأَ عَنِ الْعَقَارِ بِلَفْظِ أَظْهَرِ مُرَادِفٍ، بَلْ أَنْبَأَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِالْعِنَايَةِ. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمَحْدُودُ بِالْحَدِّ اللَّفْظِيِّ: مَعْنَى الْعَقَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعٌ لَهَا الْعَقَارُ. وَالْحَدُّ: مَعْنَى الْخَمْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْخَمْرُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى الْخَمْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ الْخَمْرُ، أَنْبَأَ عَنْ مَعْنَى الْعَقَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ الْعَقَارُ، بِلَفْظِ الْخَمْرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مُرَادِفٍ لَهُ. [شروطُ الْحُدُودِ الثَلَاثَةٌ] ش - شَرْطُ الْحُدُودِ ثَلَاثَةٌ: الِاطِّرَادُ، وَهُوَ: الِاسْتِلْزَامُ مِنْ جَانِبِ الْوُجُودِ، أَيْ إِذَا وُجِدَ الْحَدُّ، وُجِدَ الْمَحْدُودُ. وَالِانْعِكَاسُ أَيْ: الِاسْتِلْزَامُ مِنْ جَانِبِ الْعَدَمِ، أَيْ إِذَا عُدِمَ الْحَدُّ عُدِمَ الْمَحْدُودُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلْمَحْدُودِ ; وَإِلَّا لَكَانَ أَعَمَّ أَوْ أَخَصَّ. وَهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلتَّعْرِيفِ. أَمَّا الْأَعَمُّ ; فَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْأَخَصِّ أَصْلًا، وَلِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّمْيِيزَ، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ التَّعْرِيفِ: التَّمْيِيزُ. وَأَمَّا الْأَخَصُّ فَلِأَنَّهُ أَخْفَى مِنَ الْأَعَمِّ ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ وُجُودًا مِنْهُ. وَلَمَّا ذَكَر َ الذَّاتِيَّ فِي تَعْرِيفِ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ، أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَعْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [الذاتي] ش - " الذَّاتِيُّ مَا لَا يُتَصَوَّرُ " أَيْ يُمْنَعُ فَهْمُ الذَّاتِ قَبْلَ فَهْمِهِ، مِثْلَ اللَّوْنِيَّةِ لِلسَّوَادِ، وَالْجِسْمِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ. الْأَوَّلُ مِثَالٌ لِذَاتِيِّ الْعَرَضِ، وَالثَّانِي لِذَاتِيِّ الْجَوْهَرِ. وَالذَّاتِيُّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مُتَنَاوِلٌ لِنَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَلِأَجْزَائِهَا ; فَإِنَّهَا لَا يُمْكِنُ فَهْمُ الذَّاتِ قَبْلَ فَهْمِهَا. وَقِيلَ: إِنَّ التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَانِعٍ ; ضَرُورَةَ صِدْقِهِ عَلَى اللَّازِمِ الْبَيِّنِ لِلْجِنْسِ. وَهُوَ وَهْمٌ ; لِأَنَّ اللَّازِمَ الْبَيِّنَ لِلْجِنْسِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فَهْمُهُ قَبْلَ فَهْمِ النَّوْعِ، وَلَا مَعَهُ. وَتَقُدُّمُ فَهْمِ الْجِنْسِ عَلَى فَهْمِ النَّوْعِ لَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ فَهْمِ لَازِمِهِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ. ش - أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ فَهْمَ الذَّاتِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ فَهْمِ الذَّاتِيِّ، لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ حَدَّانِ ذَاتِيَّانِ ; لِأَنَّ الْحَدَّ الذَّاتِيَّ لِلشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرُهُ تَصَوُّرَ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ فَإِذَا [تَصَوَّرَ] حَقِيقَةَ الْمَحْدُودِ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ، فَالْحَدُّ الثَّانِي إِنْ كَانَ عَيْنَ الْأَوَّلِ، لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ حَدَّانِ ذَاتِيَّانِ، وَقَدْ فَرَضَ بِخِلَافِهِ. هَذَا خُلْفٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَصَوَّرَ الْمَاهِيَّةَ بِدُونِهِ ; ضَرُورَةَ تَصَوُّرِهَا بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ، يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْحَدُّ الثَّانِي ذَاتِيًّا لَهُ ; ضَرُورَةَ فَهْمِ الذَّاتِ بِدُونِهِ. هَذَا خُلْفٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرَّرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ الذَّاتِيَّ لَا يُتَصَوَّرُ فَهْمُ الذَّاتِ قَبْلَ فَهْمِهِ، لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ حَدَّانِ ذَاتِيَّانِ ; لِأَنَّ الْحَدَّ الذَّاتِيَّ مَا يُفِيدُ فَهْمَ الذَّاتِ، وَفَهْمَ الذَّاتِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بَعْدَ فَهْمِ جَمِيعِ ذَاتِيَّاتِهِ. فَالْحَدُّ الذَّاتِيُّ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ وَلَا تَعَدُّدَ لِجَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ. ش - وَقَدْ يُعَرَّفُ الذَّاتِيُّ بِمَا لَا يُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الذَّاتَ لَا تَحْتَاجُ فِي اتِّصَافِهَا بِالذَّاتِيِّ إِلَى عِلَّةٍ مُغَايِرَةٍ لِعِلَّةِ الذَّاتِ. فَإِنَّ السَّوَادَ لَوْنٌ لِذَاتِهِ، لَا لِشَيْءٍ آخَرَ جَعَلَهُ لَوْنًا. وَقَدْ يُعْرَّفُ الذَّاتِيُّ - أَيْضًا - بِالتَّرْتِيبِ الْعَقْلِيِّ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الذَّاتِ فِي الْوُجُودَيْنِ. أَعْنِي: الْخَارِجِيَّ وَالذِّهْنِيَّ. وَكَذَا فِي الْعَدَمَيْنِ، أَيْ مَتَى وُجِدَ الذَّاتُ بِأَحَدِ الْوُجُودَيْنِ يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّ الذَّاتِيَّ وُجِدَ قَبْلَهَا، وَمَتَى عُدِمَتْ بِأَحَدِ الْعَدَمَيْنِ يَحْكُمُ بِأَنَّ الذَّاتِيَّ عُدِمَ قَبْلَهَا. لَكِنَّ التَّقْدِيمَ فِي جَانِبِ الْوُجُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ ; لِأَنَّ الْكُلَّ إِنَّمَا يُوجَدُ إِذَا وُجِدَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِي جَانِبِ الْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ فُسِّرَ التَّرْتِيبُ بِتَرَتُّبِ تَعَقُّلِ الذَّاتِيِّ عَلَى تَعَقُّلِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ، لَمْ يَسْتَقِمْ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الذَّاتِيُّ مُتَأَخِّرًا فِي التَّعَقُّلِ عَنِ الشَّيْءِ ; لِأَنَّ [التَّرْتِيبَ] يَقْتَضِي التَّأَخُّرَ. وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ تَعَقُّلَ الذَّاتِ يَمْتَنِعُ قَبْلَ تَعَقُّلِ الذَّاتِيِّ. ش - لَمَّا فَسَّرَ الذَّاتِيَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ انْحِصَارَهُ فِي الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَالنَّوْعِ. اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً هُوَ بِهَا هُوَ. وَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِجَمِيعِ مَا عَدَاهَا، لَازِمًا كَانَ أَوْ مُفَارِقًا. وَيُسَمِّي تِلْكَ الْحَقِيقَةَ: الْمَاهِيَّةَ. وَسُؤَالُ السَّائِلِ " بِمَا هُوَ "؟ - بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ كُلُّ لُغَةٍ - هُوَ: طَلَبُ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ. فَوَجَبَ أَنْ يُجَابَ بِتَمَامِ الْمَاهِيَّةِ، لِيَكُونَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَتَمَامُ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ هُوَ الْمَقُولُ فِي جَوَابِ " مَا هُوَ ". كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الْمَقُولِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ بِمَا هُوَ، عَنِ الْإِنْسَانِ. وَتَمَامُ جُزْءِ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ: الْجِنْسُ. كَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ تَمَامُ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ. وَتَمَامُ الْجُزْءِ الْمُمَيِّزِ لَهَا - كَالنَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ - هُوَ: الْفَصْلُ. وَوَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّ الذَّاتِيَّ إِمَّا تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ دَاخِلٌ فِيهَا. [وَالْأَوَّلُ] هُوَ الْمَقُولُ فِي جَوَابِ مَا هُوَ. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَمَامَ الذَّاتِيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ هُوَ: الْجِنْسُ. وَالثَّانِي هُوَ: الْفَصْلُ، سَوَاءٌ اخْتَصَّ بِهَا أَوْ لَمْ يَخْتَصَّ. أَمَّا إِذَا اخْتَصَّ بِهَا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهَا فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ جُزْءًا لِجَمِيعِ الْمَاهِيَّاتِ، وَإِلَّا لَانْتَفَى الْبَسَائِطُ، فَيَكُونُ جُزْءًا لِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، فَيُمَيِّزُهَا عَمَّا لَا يَكُونُ جُزْءًا لَهُ فَيَكُونُ فَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَنْحَصِرِ [الْجُزْءُ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ ; لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مَاهِيَّةً مُرَكَّبَةً مِنْ أَمْرَيْنِ أَوْ أُمُورٍ مُتَسَاوِيَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا جِنْسًا وَلَا فَصْلًا ; ضَرُورَةَ عَدَمِ اشْتِرَاكِهِ وَعَدَمِ كَوْنِهِ تَمَامَ الْجُزْءِ الْمُمَيِّزِ. أُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوُجُودِ، وَمُخَالِفٌ لِأُصُولِ الْقُدَمَاءِ. وَلَنَا بُرْهَانٌ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِهِ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بِهَذَا الْكِتَابِ. وَالْمُرَكَّبُ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ: [النَّوْعُ] أَعْنِي الْإِضَافِيَّ. وَقِيلَ: يُرِيدُ بِهِ النَّوْعَ الْمُطْلَقَ. وَهُوَ وَهْمٌ ; لِأَنَّ النَّوْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِضَافِيِّ وَالْحَقِيقِيِّ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، لَا الْمَعْنَوِيِّ، حَتَّى يُقَالَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا النَّوْعُ الْمُطْلَقُ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُطْلَقِ غَيْرُ مَا فَهِمْنَا مِنْهُ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ اصْطِلَاحًا جَدِيدًا. [الجنس والفصل والنوع] ش - لَمَّا ذَكَرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ، أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ رَسْمَهَمَا. فَقَوْلُهُ: " مَا اشْتَمَلَ " أَيْ مَقُولٌ فِي جَوَابِ مَا هُوَ، اشْتَمَلَ عَلَى مُخْتَلِفٍ بِالْحَقِيقَةِ. فَبِقَوْلِهِ: فِي جَوَابِ مَا هُوَ، خَرَجَ الْفَصْلُ وَالْخَاصَّةُ وَالْعَرَضُ الْعَامُّ ; لِأَنَّ شَيْئًا مِنْهَا غَيْرُ مَقُولٍ فِي جَوَابِ مَا هُوَ. وَبِقَوْلِهِ: " بِالْحَقِيقَةِ " خَرَجَ النَّوْعُ ; لِأَنَّهُ مَقُولٌ فِي جَوَابِ مَا هُوَ، مُشْتَمِلٌ عَلَى مُخْتَلِفٍ بِالْعَدَدِ لَا بِالْحَقِيقَةِ. وَكُلُّ مِنَ الْمُخْتَلِفِ الَّذِي يُقَالُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ الْجِنْسُ فِي جَوَابِ مَا هُوَ: النَّوْعُ، يَعْنِي الْإِضَافِيَّ. وَاللَّامُ فِي " الْمُخْتَلِفِ " لِلْعَهْدِ. وَالْمَعْهُودُ قَوْلُهُ " مُخْتَلِفٌ بِالْحَقِيقَةِ ". فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْفَصْلُ وَالْخَاصَّةُ وَالْعَرَضُ الْعَامُّ ; لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يُقَالُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فِي جَوَابِ مَا هُوَ إِلَّا أَنَّهُ يُشَكَّلُ بِالصِّنْفِ وَالشَّخْصِ ; فَإِنَّ الْجِنْسَ مَقُولٌ فِي جَوَابِ مَا هُوَ عَلَى أَصْنَافِ الْأَنْوَاعِ وَأَشْخَاصِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَيُطْلَقُ النَّوْعُ عَلَى ذِي آحَادٍ مُتَّفِقَةِ الْحَقِيقَةِ. فَالْجِنْسُ [الْوَسَطُ] نَوْعٌ بِالْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. وَالْبَسَائِطُ بِالْعَكْسِ. ص - وَالْعَرَضِيُّ بِخِلَافِهِ. وَهُوَ لَازِمٌ وَعَارِضٌ. فَاللَّازِمُ: مَا لَا يُتَصَوَّرُ مُفَارَقَتُهُ. وَهُوَ لَازِمٌ لِلْمَاهِيَّةِ بَعْدَ فَهْمِهَا كَالْفَرْدِيَّةِ لِلثَّلَاثَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ لِلْأَرْبَعَةِ. وَلَازِمٌ [فِي الْوُجُودِ] خَاصَّةً، كَالْحُدُوثِ لِلْجِسْمِ وَالظِّلِّ لَهُ. وَالْعَارِضُ بِخِلَافِهِ وَقَدْ لَا يَزُولُ، كَسَوَادِ الْغُرَابِ وَالزِّنْجِيِّ. وَقَدْ يَزُولُ، كَصُفْرَةِ الذَّهَبِ. ص - وَصُورَةُ الْحَدِّ: الْجِنْسُ الْأَقْرَبُ ثُمَّ الْفَصْلُ. ص - وَخَلَلُ ذَلِكَ: نَقْصٌ. ص - وَخَلَلُ الْمَادَّةِ: خَطَأٌ وَنَقْصٌ. ص - فَالْخَطَأُ: كَجَعْلِ الْمَوْجُودِ وَالْوَاحِدِ، جِنْسًا. وَكَجَعْلِ الْعَرَضِيِّ الْخَاصِّ بِنَوْعٍ فَصْلًا. فَلَا يَنْعَكِسُ. وَكَتَرْكِ بَعْضِ الْفُصُولِ فَلَا يَطَّرِدُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: اللَّامُ فِي " الْمُخْتَلِفِ " لِلْعَهْدِ، أَيِ الْمُخْتَلِفِ لِذَاتِهِ بِالْحَقِيقَةِ. فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِالشَّخْصِ وَالصِّنْفِ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَ الشَّخْصِ وَالصِّنْفِ بِالْحَقِيقَةِ، لَا لِذَاتِهِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ النَّوْعِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مُخْتَلِفٌ بِالْحَقِيقَةِ، لَا مُخْتَلِفٌ بِالْحَقِيقَةِ لِذَاتِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ [عَنِ] الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ فِي قَوْلِهِ: " مُخْتَلِفٌ بِالْحَقِيقَةِ ": الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْعَوَارِضِ اللَّاحِقَةِ بِهَا الْمُصَنِّفَةِ أَوِ الْمُشَخِّصَةِ. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: بِـ " الْحَقِيقَةِ " يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى. وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْهُ الصِّنْفُ وَالشَّخْصُ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا بِالْعَوَارِضِ. وَالنَّوْعُ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ، وَيُسَمَّى نَوْعًا حَقِيقِيًّا، وَهُوَ ذُو آحَادٍ، أَيْ مَقُولٌ فِي جَوَابِ مَا هُوَ: ذُو آحَادٍ مُتَّفِقَةٍ بِالْحَقِيقَةِ. فَبِقَوْلِهِ: " فِي جَوَابِ مَا هُوَ " خَرَجَ الْفَصْلُ وَالْخَاصَّةُ، وَالْعَرَضُ الْعَامُّ. وَبِقَوْلِهِ: " مُتَّفِقَةً بِالْحَقِيقَةِ " خَرَجَ الْجِنْسُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجِنْسَ الْوَسَطَ، كَالْجِسْمِ النَّامِي، نَوْعٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ فَوْقَهُ جِنْسٌ يُقَالُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ. وَلَا يَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] نَوْعًا بِالْمَعْنَى الثَّانِي ; ضَرُورَةَ كَوْنِهِ مَقُولًا فِي جَوَابِ مَا هُوَ عَلَى مُخْتَلِفَةٍ بِالْحَقِيقَةِ، وَهِيَ الْأَنْوَاعُ الْمُنْدَرِجَةُ تَحْتَهُ. وَالْبَسَائِطُ، أَعْنِي الْمَاهِيَّاتِ الَّتِي لَا جُزْءَ لَهَا، كَالْوَحْدَةِ وَالنُّقْطَةِ، بِالْعَكْسِ [أَيْ] تَكُونُ نَوْعًا بِالْمَعْنَى الثَّانِي ; ضَرُورَةَ كَوْنِهَا مَقُولَةً فِي جَوَابِ مَا هُوَ، عَلَى الْمُتَّفِقَةِ [بِالْحَقِيقَةِ] الَّتِي هِيَ أَفْرَادُهَا. وَلَا تَكُونُ نَوْعًا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ; ضَرُورَةَ عَدَمِ انْدِرَاجِهَا تَحْتَ جِنْسٍ. وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَسَائِطُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [العرضي] ش - الْعَرَضِيُّ بِخِلَافِ الذَّاتِيِّ، وَهُوَ: مَا يُمْكِنُ فَهْمُ الذَّاتِ قَبْلَ فَهْمِهِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمٍ وَعَارِضٍ ; لِأَنَّهُ [إِنْ] لَمْ يُمْكِنْ مُفَارَقَتُهُ عَنِ الشَّيْءِ، فَهُوَ: اللَّازِمُ، وَإِلَّا فَهُوَ: الْعَارِضُ. قَوْلُهُ: " فَاللَّازِمُ مَا لَا يُتَصَوَّرُ مُفَارَقَتُهُ " أَيْ لَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ. وَاللَّازِمُ قِسْمَانِ: لَازِمٌ لِلْمَاهِيَّةِ بَعْدَ فَهْمِهَا، أَيْ يَلْزَمُ فَهْمُهُ بَعْدَ فَهْمِ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، كَالْفَرْدِيَّةِ لِلثَّلَاثَةِ، وَالزَّوْجِيَّةِ لِلْأَرْبَعَةِ ; فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فَهْمُ الْفَرْدِيَّةِ بَعْدَ فَهْمِ مَاهِيَّةِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا الزَّوْجِيَّةُ لِلْأَرْبَعَةِ. وَإِنَّمَا قَالَ: " بَعْدَ فَهْمِهَا " لِيُخْرِجَ عَنْهُ الذَّاتِيَّ، وَإِنْ كَانَ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ; لِأَنَّهُ خَرَجَ بِقَيْدِ الْعَرَضِيِّ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ بِقَوْلِهِ: " بَعْدَ فَهْمِهَا " لَازِمُ الْمَاهِيَّةِ فِي الْوُجُودِ; فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فَهْمُهُ بَعْدَ فَهْمِهَا. وَلَازِمٌ فِي الْوُجُودِ، أَيْ يَلْزَمُ الْمَاهِيَّةَ فِي الْوُجُودِ، وَلَا يَلْزَمُهَا فِي الْفَهْمِ وَالتَّصَوُّرِ. وَلِهَذَا قَالَ: " خَاصَّةً، كَالْحُدُوثِ لِلْجِسْمِ " ; فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الْوُجُودِ، وَلَا يَلْزَمُ فَهْمُهُ بَعْدَ فَهْمِ [الْجِسْمِ] . وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي حُدُوثِ الْجِسْمِ بَعْدَ تَصَوُّرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَالظِّلِّ لِلْجِسْمِ ; فَإِنَّهُ لَازِمٌ لِمَاهِيَّةِ الْجِسْمِ فِي الْوُجُودِ، لَا فِي الْفَهْمِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَازِمٌ لِلْجِسْمِ فِي الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَرْطٍ. وَالثَّانِي لَازِمٌ لَهُ فِي الْوُجُودِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كَثِيفًا مُقَابِلًا لِلْمُضِيءِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ لَكَانَ عَرَضِيًّا مُفَارِقًا.، وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْعَرَضِيُّ بِاعْتِبَارٍ لَازِمًا وَبِدُونِهِ مُفَارِقًا، بِخِلَافِ اللَّازِمِ وَهُوَ مَا يُمْكِنُ مُفَارَقَتُهُ عَنِ الشَّيْءِ، وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ أَبَدًا ; لِأَنَّ دَوَامَ الثُّبُوتِ لَا يُنَافِي إِمْكَانَ السَّلْبِ. وَالْعَرَضِيُّ الْمُفَارِقُ قَدْ لَا يَزُولُ، [سَوَاءٌ عَرَضَ بَعْدَ وُجُودِ] الْمَعْرُوضِ، كَسَوَادِ الْغُرَابِ، أَوْ مَعَ وُجُودِهِ، كَسَوَادِ الزِّنْجِيِّ. وَقَدْ يَزُولُ، كَصُفْرَةِ الذَّهَبِ. [صُورَةُ الْحَد] ش - لَمَّا كَانَ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ مُرَكَّبًا مِنَ الذَّاتِيَّاتِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ لَهُ مَادَّةٌ وَصُورَةٌ، أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَادَّةِ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ وَصُورَتِهِ. وَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ الصُّورَةِ مُسْتَلْزِمًا لِذِكْرِ الْمَادَّةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، خَصَّ الصُّورَةَ بِالْقَصْدِ، فَقَالَ: " وَصُورَةُ الْحَدِّ " أَيِ الْحَقِيقِيِّ ; لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ: الْجِنْسُ الْأَقْرَبُ ثُمَّ الْفَصْلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْهَيْئَةَ الْحَاصِلَةَ بِسَبَبِ وَضْعِ الْجِنْسِ الْأَقْرَبِ أَوَّلًا ثُمَّ الْفَصْلِ ثَانِيًا، هِيَ صُورَةُ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوضَعْ كَذَلِكَ، لَمْ يَحْصُلْ لِلْحَدِّ صُورَةٌ وَحْدَانِيَّةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْمَحْدُودِ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ. وَتَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَادَّةَ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ: الْجِنْسُ الْأَقْرَبُ وَالْفَصْلُ. وَإِنَّمَا اخْتَارَ لَفْظَ " ثُمَّ " عَلَى الْفَاءِ ; لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَأَخُّرَ الْفَصْلِ عَلَى الْجِنْسِ بِلَا لُزُومٍ ; لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ مُتَخَلِّفًا عَنِ الْمُقَدَّمِ بِخِلَافِ الْفَاءِ، فَإِنَّهُ لِلتَّعْقِيبِ. فَلَوْ أُتِيَ بِهِ بَدَلَ " ثُمَّ " لَكَانَ مُشْعِرًا بِعَدَمِ تَخَلُّفِ الْفَصْلِ عَنِ الْجِنْسِ. وَالْوَاقِعُ بِخِلَافِهِ. وَلَمَّا ذَكَرَ صُورَةَ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ وَمَادَّتَهُ أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى خَلَلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَبَدَأَ بِخَلَلِ الصُّورَةِ; لِأَنَّ الصُّورَةَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَحْدُودِ مِنَ الْمَادَّةِ. [خلل الحد] ش - أَيْ وَخَلَلُ الْجُزْءِ الصُّورِيِّ مِنَ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ يُوضَعَ الْفَصْلُ أَوَّلًا، نَقْصٌ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَحْصُلْ لِلْأَجْزَاءِ صُورَةٌ وَحْدَانِيَّةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْمَحْدُودِ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ. لَكِنْ لَا يَكُونُ خَطَأً لِأَنَّ الْحُدُودَ النَّاقِصَةَ صَحِيحَةٌ لِتَمْيِيزِهِ لِلْمَحْدُودِ عَنْ غَيْرِهِ تَمْيِيزًا ذَاتِيًّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - أَيْ خَلَلُ مَادَّةِ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ قِسْمَانِ: لِأَنَّهُ إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ خَطَأٌ أَوْ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَهُوَ نَقْصٌ. ش - اعْلَمْ أَنَّ الْخَطَأَ عَلَى أَنْوَاعٍ: مِنْهَا: أَنْ يُجْعَلَ الْعَرَضُ الْعَامُّ جِنْسًا، كَجَعْلِ الْمَوْجُودِ وَالْوَاحِدِ، جِنْسًا لِلْإِنْسَانِ. فَيُقَالُ: الْإِنْسَانُ مَوْجُودٌ نَاطِقٌ أَوْ وَاحِدٌ نَاطِقٌ. وَمِنْهَا: أَنْ تُجْعَلَ الْخَاصَّةُ الْمُفَارِقَةُ مَكَانَ الْفَصْلِ، كَمَا يُقَالُ فِي تَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ: إِنَّهُ الْحَيَوَانُ الْكَاتِبُ ; فَإِنَّ الْكَاتِبَ عَرَضِيٌّ خَاصٌّ بِنَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ جُعِلَ فَصْلًا لَهُ، فَلَا يَنْعَكِسُ الْحَدُّ ; لِوُجُودِ الْمَحْدُودِ بِدُونِهِ ; ضَرُورَةَ وُجُودِ الشَّيْءِ بِدُونِ خَاصَّتِهِ الْمُفَارِقَةِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْفُصُولِ كَتَرْكِ الْمَايِتِ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ، عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ النَّاطِقَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْمَلَائِكَةِ، فَلَا يَطَّرِدُ الْحَدُّ ; ضَرُورَةَ وُجُودِ الْحَدِّ بِدُونِ الْمَحْدُودِ فِي الْمَلَائِكَةِ. وَخَلَلُ الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَادَّةِ ; إِذْ وُضِعَ الْعَامُّ ثُمَّ قُيِّدَ بِالْخَاصِّ فَوَقَّعَ الصُّورَةَ غَيْرَ مُخْتَلَّةٍ، فَلَا يَكُونُ الْخَلَلُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَادَّةِ. ش - مِنْ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ: تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، أَيْ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَى نَفْسِ الْمَحْدُودِ، كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ; فَإِنَّ تَعْرِيفَ الْإِنْسَانِ وَالْحَرَكَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْبِشْرِ وَالنَّقْلَةِ، وَهُمَا نَفْسُ الْإِنْسَانِ وَالْحَرَكَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ أَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْأَوَّلِ عَرَضٌ وَفِي الثَّانِي جَوْهَرٌ. وَإِنَّمَا اخْتُصَّ الْخَلَلُ فِيهِمَا بِالْمَادَّةِ ; لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيهِمَا نَفْسَ الشَّيْءِ مَكَانَ الْفَصْلِ. ش - وَمِنْ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ أَخْذُ نَوْعِ الشَّيْءِ أَوْ جُزْئِهِ الْغَيْرِ الْمَحْمُولِ] 3) . مَكَانَ جِنْسِهِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: قَوْلُنَا: الشَّرُّ ظُلْمُ النَّاسِ ; فَإِنَّ الظُّلْمَ نَوْعٌ مِنَ الشَّرِّ أَخَذَ مَكَانَ جِنْسِهِ. وَمِثَالُ الثَّانِي: قَوْلُنَا: الْعَشْرَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ ;َ فَإِنَّ الْخَمْسَةَ غَيْرُ مَحْمُولَةٍ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَقَدْ أَخَذَتْ مَكَانَ جِنْسِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ص - وَكَتَعْرِيفِهِ بِنَفْسِهِ، مِثْلَ: الْحَرَكَةُ: عَرَضُ نَقْلَةٍ، وَالْإِنْسَانُ: حَيَوَانٌ بَشَرٌ. ص - وَكَجَعْلِ النَّوْعِ وَالْجُزْءِ جِنْسًا، مِثْلَ: الشَّرُّ: ظُلْمُ النَّاسِ، وَالْعَشَرَةُ: خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ. ص - وَيَخْتَصُّ الرَّسْمِيُّ بِاللَّازِمِ الظَّاهِرِ، لَا بِخَفِيٍّ مِثْلِهِ، وَلَا أَخْفَى، وَلَا بِمَا تَتَوَقَّفُ عَقْلِيَّتُهُ عَلَيْهِ. مِثْلَ: الزَّوْجُ: عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْفَرْدِ بِوَاحِدٍ. وَبِالْعَكْسِ، فَإِنَّهُمَا [مُتَسَاوِيَانِ] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْخَلَلُ فِي الْمِثَالَيْنِ إِنَّمَا اخْتُصَّ بِالْمَادَّةِ ; لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيهِمَا غَيْرُ الْجِنْسِ مَكَانَهُ. قِيلَ: الْخَطَأُ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ كَمَا يَقَعُ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ، فَقَدْ يَقَعُ فِي الْحَدِّ الرَّسْمِيِّ الْمُرَكَّبِ مِنَ الْعَرَضِيَّاتِ الصِّرْفَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْحَدَّ الرَّسْمِيَّ الْمُرَكَّبَ مِنَ الْعَرَضِيَّاتِ الصِّرْفَةِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ جِنْسٌ وَلَا فَصْلٌ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُوجِدَ غَيْرُهُمَا مَكَانَهُمَا؟ . وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْحَدُّ الرَّسْمِيُّ عَلَى الْوَجْهِ [الَّذِي] اعْتَبَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَنَاوِلًا لِلْحُدُودِ النَّاقِصَةِ كَمَا مَرَّ. وَالْحُدُودُ النَّاقِصَةُ جَازَ أَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ. فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الْخَطَأُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِّ الرَّسْمِيِّ. وَالْمَذْكُورُ عَقِيبُ الرَّسْمِيِّ يَخْتَصُّ بِهِ ; إِذْ لَا مَدْخَلَ لَلْخَفَا وَالتَّوَقُّفِ فِي الذَّاتِيِّ. [اختصاص الرَّسْمِيُّ بِاللَّازِمِ الظَّاهِرِ] ش - اللَّامُ فِي " اللَّازِمِ " لِلْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ: اللَّازِمُ الْمُخْتَصُّ، أَيْ وَيَخْتَصُّ الْحَدُّ الرَّسْمِيُّ بِاللَّازِمِ الْمُخْتَصِّ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَجَازَ صِدْقُ الْمَحْدُودِ بِدُونِهِ، فَيَلْزَمُ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا، لَجَازَ صِدْقُهُ بِدُونِ الْمَحْدُودِ، فَيَلْزَمُ الِاطِّرَادُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لَمْ يُفِدْ ; لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ فِي الظُّهُورِ وَالْخَفَا، عِنْدَ الْعَقْلِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْرِيفِ ; لِامْتِنَاعِ التَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. وَكَذَا الْأَخْفَى ; لِامْتِنَاعِ تَرْجِيحِ الْمَرْجُوحِ. وَكَذَا مَا يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهُ عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْدُودِ ; لِامْتِنَاعِ تَوَقُّفِ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. مِثَالُ تَعْرِيفِ الشَّيْءِ بِمَا يُسَاوِيهِ فِي الظُّهُورِ وَالْخَفَا قَوْلُنَا: الزَّوْجُ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْفَرْدِ بِوَاحِدٍ. فَقَدْ عُرِفَ الزَّوْجُ بِالْفَرْدِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ عِنْدَ الْعَقْلِ فِي الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ. قَوْلُهُ: " وَبِالْعَكْسِ " أَيْ مِثْلَ: الْفَرْدُ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الزَّوْجِ بِوَاحِدٍ. وَمِثَالُ تَعْرِيفِ الشَّيْءِ بِالْأَخْفَى قَوْلُنَا: النَّارُ جِسْمٌ كَالنَّفْسِ ; فَإِنَّ النَّفْسَ أَخْفَى مِنَ النَّارِ عِنْدَ الْعَقْلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَمِثْلَ: النَّارُ: جِسْمٌ كَالنَّفْسِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَخْفَى. وَمِثْلَ: الشَّمْسُ: كَوْكَبٌ نَهَارِيٌّ، فَإِنَّ النَّهَارَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّمْسِ. ص - وَالنَّقْصُ، كَاسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَالْمَجَازِيَّةِ. ص - وَلَا يَحْصُلُ الْحَدُّ بِالْبُرْهَانِ لِأَنَّهُ وَسَطٌ يَسْتَلْزِمُ حُكْمًا عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. فَلَوْ قُدِّرَ فِي الْحَدِّ لَكَانَ مُسْتَلْزِمًا عَيْنَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. ص - وَلِأَنَّ الدَّلِيلَ يَسْتَلْزِمُ تَعَقُّلَ مَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ. فَلَوْ دَلَّ عَلَيْهِ - لَزِمَ الدَّوْرُ. ص - فَإِنْ قِيلَ: فَمِثْلُهُ فِي التَّصْدِيقِ. ص - قُلْنَا: دَلِيلُ التَّصْدِيقِ عَلَى حُصُولِ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ أَوْ نَفْيِهَا لَا عَلَى تَعَقُّلِهَا. ص - وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُمْنَعِ الْحَدُّ. ص - وَلَكِنْ يُعَارَضُ وَيُبْطَلُ بِخَلَلِهِ. ص - أَمَّا إِذَا قِيلَ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، وَقُصِدَ مَدْلُولُهُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا - فَدَلِيلُهُ النَّقْلُ بِخِلَافِ تَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ. ص - وَيُسَمَّى كُلُّ تَصْدِيقٍ: قَضِيَّةً، وَتُسَمَّى فِي الْبُرْهَانِ: مُقَدِّمَاتٍ. ص -[وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِيهَا] إِمَّا جُزْئِيًّا مُعَيَّنًا أَوْ لَا. صَارَتْ أَرْبَعَةً: شَخْصِيَّةً، وَجُزْئِيَّةً مَحْصُورَةً، وَكُلِّيَّةً، وَمُهْمَلَةً. كُلٌّ مِنْهَا مُوجَبَةٌ وَسَالِبَةٌ. وَالْمُتَحَقِّقُ فِي الْمُهْمَلَةِ الْجُزْئِيَّةِ فَأُهْمِلَتْ. ص - وَمُقَدِّمَاتُ الْبُرْهَانِ قَطْعِيَّةٌ [لِتُنْتِجَ قَطْعِيًّا] ; لِأَنَّ لَازِمَ الْحَقِّ حَقٌّ. وَتَنْتَهِي إِلَى ضَرُورِيَّةٍ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ. ص - وَأَمَّا الْأَمَارَاتُ - فَظَنِّيَّةٌ أَوِ اعْتِقَادِيَّةٌ، إِنْ لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ ; إِذْ لَيْسَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالِاعْتِقَادِ وَبَيْنَ أَمْرٍ، رَبْطٌ عَقْلِيٌّ ; لِزَوَالِهِمَا مَعَ قِيَامِ مُوجِبِهِمَا. ص - وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِي الْمُقَدَّمَتَيْنِ أَنَّ الصُّغْرَى خُصُوصٌ وَالْكُبْرَى عُمُومٌ، فَيَجِبُ الِانْدِرَاجُ فَيَلْتَقِي مَوْضُوعُ الصُّغْرَى وَمَحْمُولُ الْكُبْرَى. وَقَدْ تُحْذَفَ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ لِلْعِلْمِ بِهَا. ص - وَالضَّرُورِيَّاتُ، مِنْهَا: الْمُشَاهَدَاتُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ مَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عَقْلٍ، كَالْجُوعِ وَالْأَلَمِ. وَمِنْهَا: الْأَوَّلِيَّاتُ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، كَعِلْمِكَ بِوُجُودِكَ، وَأَنَّ النَّقِيضَيْنِ يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا. وَمِنْهَا: الْمَحْسُوسَاتُ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ بِالْحِسِّ. وَمِنْهَا [التَّجْرِيبِيَّاتُ] وَهِيَ مَا يَحْصُلُ بِالْعَادَةِ، كَإِسْهَالِ الْمُسْهِلِ وَالْإِسْكَارِ. وَمِنْهَا: الْمُتَوَاتِرَاتُ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ بِالْأَخْبَارِ تَوَاتُرًا، كَبَغْدَادَ وَمَكَّةَ. ص -[وَ] صُورَةُ الْبُرْهَانِ اقْتِرَانِيٌّ [وَ] اسْتِثْنَائِيٌّ. فَالِاقْتِرَانِيُّ: مَا لَا يُذْكَرُ اللَّازِمُ وَلَا نَقِيضُهُ فِيهِ بِالْفِعْلِ. وَالِاسْتِثْنَائِيُّ: نَقِيضُهُ. ص - وَالْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَلَا تَقْسِيمٍ. وَيُسَمَّى الْمُبْتَدَأُ فِيهِ: " مَوْضُوعًا " وَالْخَبَرُ: " مَحْمُولًا " - وَهِيَ الْحُدُودُ - وَالْوَسَطُ: الْحَدُّ الْمُتَكَرِّرُ. وَمَوْضُوعُهُ: " الْأَصْغَرُ "   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِثَالُ تَعْرِيفِ الشَّيْءِ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَقْلِيَّتُهُ عَلَى الشَّيْءِ قَوْلُنَا: الشَّمْسُ كَوْكَبٌ نَهَارِيٌّ. فَإِنَّهُ عَرَّفَ الشَّمْسَ بِالنَّهَارِ، وَالنَّهَارُ يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهُ عَلَى تَعَقُّلِ الشَّمْسِ ; لِأَنَّ النَّهَارَ عِبَارَةٌ عَنْ وَقْتِ ظُهُورِ الشَّمْسِ فَوْقَ الْأُفُقِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَرْدَأُ مِمَّا قَبْلَهُ، فَلِهَذَا أَخَّرَهُ عَنْهُ. ش - اعْلَمْ أَنَّ النَّقْص - وَهُوَ الْخَلَلُ فِي الْمَادَّةِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ -[إِنَّمَا يَكُونُ] بِاسْتِعْمَالِ أَلْفَاظٍ غَرِيبَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّامِعِ كَتَعْرِيفِ الْخَلْقِ بِالدِّيدَانِ مَثَلًا، أَوْ أَلْفَاظٍ مُشْتَرَكَةٍ، نَحْوَ: الشَّمْسُ عَيْنٌ، أَوْ مَجَازِيَّةٍ، نَحْوَ: الطَّوَافُ صَلَاةٌ. وَإِنَّمَا أَخَّرَ النَّقْصَ اللَّفْظِيَّ عَنِ الْخَطَأِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى النَّقْصِ [الصُّورِيِّ] ; لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِقِسْمَيِ الْحَقِيقِيِّ وَالرَّسْمِيِّ، وَمِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [حصول الْحَدُّ بِالْبُرْهَانِ] ش - أَيْ لَا يُمْكِنُ إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ ; لِأَنَّ الْبُرْهَانَ وَسَطٌ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْمَحْكُومِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. فَلَوْ قُدِّرَ الْبُرْهَانُ فِي الْحَدِّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْزِمًا لِثُبُوتِ عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ، أَيْ مُسْتَلْزِمًا لِثُبُوتِ عَيْنِ الْمَحْدُودِ لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّ الْبُرْهَانَ إِذَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِثُبُوتِ الْحَدِّ الَّذِي هُوَ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَحْدُودُ، لَكَانَ مُسْتَلْزِمًا لِثُبُوتِ عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ. لِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ إِنَّمَا يَكُونُ بِوَاسِطَةِ أَجْزَائِهِ لَهُ. فَمَا يَكُونُ عِلَّةً لِثُبُوتِ أَجْزَاءِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ يَكُونُ عِلَّةً لِثُبُوتِهِ لَهُ، وَمُحَالٌ أَنْ يَتَوَقَّفَ ثُبُوتُ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَثُبُوتُ أَجْوَائِهِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَثُبُوتِ أَجْزَائِهِ لَهُ لَا يَتَوَقَّفُ إِلَّا عَلَى تَصَوُّرِهِ وَتَصَوُّرِ أَجْزَائِهِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْبُرْهَانُ وَسَطًا ; لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاسِطَةُ لِلْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي النَّتِيجَةِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إِنَّ الْحَدَّ لَيْسَ نَفْسَ الْمَحْدُودِ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَحْصُلُ بِالدَّلِيلِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ تَعَقُّلَ مَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَدِلُّ عَلَيْهِ هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ. فَيَكُونُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَوْقُوفًا عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْدُودِ وَالْحَدِّ، وَالْحُكْمِ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. فَلَوْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ لَكَانَ ثُبُوتُ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ مَوْقُوفًا عَلَى الدَّلِيلِ، وَتَعَقُّلُ الْمَحْدُودِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ ; ضَرُورَةَ اسْتِفَادَةِ تَعَقُّلِ الْمَحْدُودِ مِنْ ثُبُوتِ الْحَدِّ. فَيَكُونُ تَعَقُّلُ الْمَحْدُودِ مَوْقُوفًا عَلَى الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَعَقُّلِهِ ; فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ، وَهُوَ مُحَالٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الدَّوْرِ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْدُودِ بِاعْتِبَارٍ مَا، لَا عَلَى تَعَقُّلِ حَقِيقَتِهِ، وَتَعَقُّلُ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ، فَلَا يَكُونُ دَوْرًا. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُثْبَتَ بِالدَّلِيلِ بِثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَدٌّ لَهُ فَيَجِبُ تَصَوُّرُهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَتَصَوُّرُهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يُوجِبُ تَصَوُّرَ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ. فَيَكُونُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَوْقُوفًا عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ ; فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. ش - هَذَا نَقْضٌ إِجْمَالِيٌّ لِلدَّلِيلِ الثَّانِي. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ عَلَى امْتِنَاعِ اكْتِسَابِ الْحَدِّ بِالدَّلِيلِ، مِثْلُهُ فِي التَّصْدِيقِ جَارٍ فِي بَيَانِ اكْتِسَابِهِ بِالدَّلِيلِ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى التَّصْدِيقِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِ التَّصْدِيقِ. فَلَوْ كَانَ التَّصْدِيقُ مُسْتَفَادًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنَ الدَّلِيلِ لَزِمَ الدَّوْرُ. فَلَوْ صَحَّ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ لَزِمَ امْتِنَاعُ حُصُولِ التَّصْدِيقِ بِالدَّلِيلِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. ش - أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ جَارٍ فِي التَّصْدِيقِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى التَّصْدِيقِ يُوقَفُ عَلَى تَعَقُّلِ التَّصْدِيقِ، فَلَوْ كَانَ التَّصْدِيقُ مُسْتَفَادًا مِنْهُ لَزِمَ الدَّوْرُ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لَوْ كَانَ التَّصْدِيقُ مُسْتَفَادًا مِنَ الدَّلِيلِ لَزِمَ الدَّوْرُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دَلِيلَ التَّصْدِيقِ عَلَى ثُبُوتِ النِّسْبَةِ أَوْ نَفْيِهَا، أَعْنِي الْحُكْمَ الْإِيجَابِيَّ أَوِ السَّلْبِيَّ، لَا عَلَى تَعَقُّلِ النِّسْبَةِ الْإِيجَابِيَّةِ أَوِ السَّلْبِيَّةِ. فَيَكُونُ ثُبُوتُ النِّسْبَةِ أَوْ نَفْيُهَا مَوْقُوفًا عَلَى الدَّلِيلِ، لَا عَلَى تَعَقُّلِهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ النِّسْبَةِ أَوْ نَفْيِهَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَعَقُّلِهَا لَا عَلَى ثُبُوتِهَا فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. بِخِلَافِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ ; فَإِنَّ الدَّلِيلَ مَوْقُوفٌ عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْدُودِ، وَتَعَقُّلَ الْمَحْدُودِ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ فَيَكُونُ دَوْرًا. ش - أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَحْصُلُ بِالدَّلِيلِ، لَا يَجُوزُ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يُمْنَعَ الْحَدُّ بِأَنْ يُقَالَ: لِمَ قُلْتُمْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ مَثَلًا، وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَى الْحَادِّ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَنْعَ يُشْعِرُ بِطَلَبِ الدَّلِيلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ. اعْلَمْ أَنَّ " ثَمَّ " وُضِعَ فِي اللُّغَةِ لِلْمَكَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ امْتِنَاعُ الدَّلِيلِ عَلَى الْحَدِّ أَصْلًا لِامْتِنَاعِ مَنْعِ الْحَدِّ، وَالْأَصْلُ كَالْمَحَلِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَرْعِ، عَبَّرَ عَنْهُ بِـ " ثَمَّ " مَجَازًا. ش - لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَمْنَعُ، أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ طَرِيقَ الْمُنَازَعَةِ [فِيهِ] ، وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ أَوْ إِبْطَالُهُ بِإِثْبَاتِ خَلَلِهِ. وَالْمُعَارَضَةُ هِيَ: الْمُقَابَلَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ. وَفِي الْحَدِّ إِنَّمَا يُمْكِنُ بِإِيرَادِ حَدٍّ آخَرَ رَاجِحٍ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، أَوْ [مُسَاوٍ] لَهُ. وَالْخَلَلُ إِمَّا فِي طَرْدِهِ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَدِّ، فَإِثْبَاتُهُ يُبْطِلُ الْحَدَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنِ امْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَدِّ بِالدَّلِيلِ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا قُصِدَ بِذِكْرِ الْحَدِّ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ. أَمَّا إِذَا قُصِدَ بِهِ مَدْلُولُهُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا، كَمَا إِذَا قِيلَ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، وَقَصَدَ بِذِكْرِ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ أَنَّهُ مَدْلُولُ الْإِنْسَانِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا، فَلَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ وَلِهَذَا اسْتَدْرَكَ بِقَوْلِهِ " أَمَّا ". وَإِنَّمَا لَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُهُ بِالدَّلِيلِ ; لِأَنَّ الْحَادَّ حِينَئِذٍ يَدَّعِي بِأَنَّ مَدْلُولَ لَفْظِ الْإِنْسَانِ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ شَرْعًا أَوْ لُغَةً فَيُمْكِنُ إِثْبَاتُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَوِ الشَّرْعِ أَرَادُوا بِهَذَا اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ النَّقْلُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوِ الشَّرْعِ. بِخِلَافِ [تَعْرِيفِ] الْمَاهِيَّةِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ مُتَصَوَّرَةٌ مِنَ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، وَلَا يُمْكِنُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَحْثِ التَّصَوُّرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْحُدُودِ وَالذَّاتِيَّاتِ، شَرَعَ فِي التَّصْدِيقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْعَكْسِ وَالدَّلِيلِ وَالنَّقِيضِ وَالْبُرْهَانِ. [القضية] ش - التَّصْدِيقُ الْمُرَكَّبُ الَّذِي يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ يُسَمَّى: قَضِيَّةً. وَيُرَادِفُهَا: الْقَوْلُ الْجَازِمُ، وَالْخَبَرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتُسَمَّى الْقَضَايَا الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْبُرْهَانِ، أَيِ الْقِيَاسُ: مُقَدِّمَاتٍ ; لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ قَضِيَّةٌ جُعِلَتْ جُزْءَ قِيَاسٍ. [قِسْمَةٌ الْقَضِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ] ش - هَذِهِ قِسْمَةٌ لِلْقَضِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ إِلَى الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَالشَّخْصِيَّةِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ فِيهَا، أَيِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْقَضِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ جُزْئِيًّا مُعَيَّنًا، أَيْ مُشَخَّصًا - وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْإِضَافِيِّ - أَوْ كُلِّيًّا. وَالْأَوَّلُ تُسَمَّى: " شَخْصِيَّةً ". كَقَوْلِنَا: هَذِهِ الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْكُلِّيُّ مِنَ الْأَفْرَادِ أَوْ عَلَى نَفْسِ الْكُلِّيِّ. وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَبِينَ فِيهَا أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ الْأَفْرَادِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّ بَيْنَ تُسَمَّى: " جُزْئِيَّةً مَحْصُورَةً " إِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى الْبَعْضِ. وَسُورُهَا - وَهُوَ: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى كَمِّيَّةِ أَفْرَادِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ - " بَعْضٌ " وَ " وَاحِدٌ " إِنْ كَانَتْ مُوجَبَةً كَقَوْلِنَا: [بَعْضُ الْعِبَادَةِ وُضُوءٌ] . وَ " لَيْسَ بَعْضُ " وَ " بَعْضُ لَيْسَ " وَ " لَيْسَ كُلُّ " إِنْ كَانَتْ سَالِبَةً، كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْعِبَادَةِ لَيْسَ بِوُضُوءٍ. وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ الْأَفْرَادِ، تُسَمَّى: " قَضِيَّةً كُلِّيَّةً ". وَسُورُهَا " كُلُّ " إِنْ كَانَتْ مُوجَبَةً، كَقَوْلِنَا: كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ. وَ " لَا شَيْءَ " وَ " لَا وَاحِدَ " وَ " لَيْسَ كُلُّ " إِنْ كَانَتْ سَالِبَةً، كَقَوْلِنَا: لَا شَيْءَ مِنَ الْوُضُوءِ بِعِبَادَةٍ. وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا الْحُكْمُ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْكُلِّيُّ مِنَ الْأَفْرَادِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ، تُسَمَّى: " مُهْمَلَةً ". كَقَوْلِنَا: الْإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ. وَالثَّانِي: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ مَفْهُومِ الْكُلِّيِّ، لَا عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَفْرَادِ - تُسَمَّى: " طَبِيعِيَّةً " إِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ مَفْهُومِ الْكُلِّيِّ، مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الْعُمُومِ. كَقَوْلِنَا: الْإِنْسَانُ جَوْهَرٌ. وَتُسَمَّى: " عَامَّةً " إِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ، كَقَوْلِنَا: الْإِنْسَانُ نَوْعٌ. فَإِنَّ النَّوْعَ إِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْبَحْثُ فِيهِمَا، أَعْنِي فِي الْقَضِيَّةِ [الطَّبِيعِيَّةِ] وَالْعَامَّةِ، مُفِيدًا وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فِي أَحْكَامِ الْقَضَايَا مِنَ الْعُكُوسِ وَالتَّنَاقُضِ وَغَيْرِهِمَا - أَعْرَضَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهِمَا فِي هَذَا التَّقْسِيمِ. فَيَبْقَى أَرْبَعُ قَضَايَا: شَخْصِيَّةٌ، وَجُزْئِيَّةٌ مَحْصُورَةٌ، وَكُلِّيَّةٌ وَمُهْمَلَةٌ. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِمَّا مُوجَبَةً، إِنْ حُكِمَ فِيهَا بِثُبُوتِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لِلْآخَرِ. وَإِمَّا سَالِبَةً، إِنْ حُكِمَ فِيهَا بِرَفْعِ هَذَا الثُّبُوتِ. فَيَصِيرُ ثَمَانِ قَضَايَا. وَالْمُتَحَقِّقُ فِي الْمُهْمَلَةِ، الْجُزْئِيَّةِ، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ الْمُهْمَلَةِ، الْجُزْئِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ. أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلِأَنَّهُ مَهْمَا صَدَقَ الْحُكْمُ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْأَفْرَادِ يَصْدُقُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ ; لِأَنَّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْأَفْرَادِ، إِمَّا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا. [وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ] يَصْدُقُ الْحُكْمُ عَلَى الْبَعْضِ، فَيَلْزَمُ صِدْقُ الْجُزْئِيَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي ; فَلِأَنَّهُ مَهْمَا صَدَقَ الْحُكْمُ عَلَى بَعْضِ الْإِنْسَانِ، صَدَقَ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْأَفْرَادِ بِالضَّرُورَةِ، فَيَلْزَمُ صِدْقُ الْمُهْمَلَةِ ; فَيَكُونُ ذِكْرُ الْجُزْئِيَّةِ فِي أَحْكَامِ الْقَضَايَا مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ الْمُهْمَلَةِ، فَلِذَلِكَ أُهْمِلَتْ فِي أَحْكَامِ الْقَضَايَا وَلَمْ يُتَعَرَّضْ لَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَا قِيلَ: الْمُهْمَلَةُ يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا كُلِّيَّةً، وَيُحْتَمَلُ صِدْقُهَا جُزْئِيَّةً. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْجُزْئِيَّةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالْكُلِّيَّةُ مُحْتَمَلَةٌ. فَلِذَلِكَ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا الْحُكْمُ عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا، بَلْ أُهْمِلَتْ، سَهْوًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْجُزْئِيَّةِ فِي الْمُهْمَلَةِ وَاحْتِمَالَ الْكُلِّيَّةِ فِيهَا بِسَبَبِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَمْ يُبَيِّنْ عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا، بَلْ أُهْمِلَتْ، فَكَيْفَ يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْإِهْمَالِ بِتَحَقُّقِ الْجُزْئِيَّةِ وَاحْتِمَالِ الْكُلِّيَّةِ مِنْهَا. [قطعية مُقَدِّمَاتُ الْبُرْهَانِ] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْبُرْهَانَ هُوَ الْقِيَاسُ الْيَقِينِيُّ الْمُنْتِجُ لِنَتِيجَةٍ قَطْعِيَّةٍ [أَيْ يَقِينِيَّةٍ] فَلَابُدَّ وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مُقَدِّمَاتِهِ قَطْعِيَّةً ; لِأَنَّ مُقَدِّمَاتِهِ لَازِمَةٌ لَهُ، وَلَازِمُ الْحَقِّ حَقٌّ. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمَاتُ الْبُرْهَانِ ضَرُورِيَّةً أَيْ بَيِّنَةً بِنَفْسِهَا ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا مَطْلُوبَةً قَطْعِيَّةً، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الضَّرُورِيَّاتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى الضَّرُورِيَّاتِ، لَزِمَ التَّسَلْسُلُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتُ مُكْتَسَبَةً مِنْ مُقَدِّمَاتٍ أُخَرَ، وَتِلْكَ أَيْضًا مُكْتَسَبَةٌ، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. وَلَمَّا كَانَ الدَّوْرُ أَيْضًا تَسَلْسُلًا، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْأُمُورِ الْمُتَنَاهِيَةِ، اسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ التَّسَلْسُلِ عَنْ ذِكْرِهِ. [الْأَمَارَات] ش - أَيْ وَأَمَّا الْأَمَارَاتُ فَنَتَائِجُهَا ظَنِّيَّةٌ أَوِ اعْتِقَادِيَّةٌ لَا مُطْلَقًا، بَلْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعٌ يَمْنَعُ عَنْ حُصُولِ الظَّنِّ أَوِ الِاعْتِقَادِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمَارَاتِ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الظَّنِّيَّاتِ الصِّرْفَةِ، أَوْ مِنَ الِاعْتِقَادِيَّاتِ أَوْ مُخْتَلِطَةٌ، أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَمِنَ الْقَطْعِيَّاتِ. وَعَلَى التَّقَارِيرِ لَا تَكُونُ الْأَمَارَاتُ قَطْعِيَّةً بَلْ ظَنِّيَّةً أَوِ اعْتِقَادِيَّةً. وَالظَّنِّيَّةُ وَالِاعْتِقَادِيَّةُ لَا تُفِيدُ إِلَّا ظَنِّيَّةً أَوِ اعْتِقَادِيَّةً، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْنَعَ مَانِعٌ. إِذْ لَيْسَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالِاعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ نَتِيجَةُ الْأَمَارَاتِ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا، ـ أَيِ الْأَمَارَاتِ الْمُنْتِجَةِ لَهَا ـ، رَبْطٌ عَقْلِيٌّ، أَيْ عَلَامَةٌ طَبِيعِيَّةٌ تَقْتَضِي اسْتِلْزَامَ الْأَمَارَاتِ لِنَتَائِجِهَا ; إِذْ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا رَبْطٌ عَقْلِيٌّ لَمَا زَالَ ظَنُّ النَّتِيجَةِ أَوِ اعْتِقَادُهَا مَعَ قِيَامِ مُوجِبِهِمَا، أَعْنِي الْأَمَارَاتِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي ; فَلِأَنَّا إِذَا شَاهَدْنَا مَثَلًا مَرْكُوبَ الْقَاضِي وَخَدَمَهُ عَلَى بَابِ دَارٍ حَصَلَ لَنَا الظَّنُّ بِحُضُورِ الْقَاضِي فِيهَا. فَمُشَاهَدَةُ مَرْكُوبِ الْقَاضِي وَخَدَمِهِ عَلَى بَابِ الدَّارِ أَمَارَةٌ لِلظَّنِّ بِحُضُورِ الْقَاضِي فِيهَا. فَإِذَا دَخَلْنَا الدَّارَ فَظَهَرَ غَيْبَتُهُ زَالَ الظَّنُّ الْمَذْكُورُ مَعَ قِيَامِ مُوجِبِهِ، وَهُوَ الْأَمَارَةُ. وَالْمَانِعُ إِمَّا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ أَوْ حِسِّيٌّ يُعَارِضُ الْأَمَارَةَ. أَمَّا الْعَقْلِيُّ فَكَالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَوْجُودِ لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ. فَإِنَّهُ مَانِعٌ لِلَازِمِ الْأَمَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مَحْسُوسٌ. وَأَمَّا الْحِسِّيُّ فَكَمَا فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا. ش - الدَّلَالَةُ فِي الْمُقَدَّمَتَيْنِ هِيَ: كَوْنُهُمَا بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنَ الْعِلْمِ بِهِمَا، الْعِلْمُ بِالْمَطْلُوبِ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ، أَيْ لِمِّيَّتِهَا - وَهِيَ السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ لَزِمَ مِنَ الْعِلْمِ بِالْمُقَدِّمَتَيْنِ الْعِلْمُ بِالنَّتِيجَةِ - هُوَ أَنَّ الصُّغْرَى خُصُوصٌ وَالْكُبْرَى عُمُومٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْكُبْرَى عَلَى جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْأَوْسَطُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَصْغَرَ وَغَيْرَهُ. وَالْحُكْمُ فِي الصُّغْرَى مَخْصُوصٌ بِالْأَصْغَرِ فَقَطْ. وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِ الصُّغْرَى خُصُوصًا وَالْكُبْرَى عُمُومًا إِلَّا هَذَا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيِ الصُّغْرَى خُصُوصًا وَالْكُبْرَى عُمُومًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَجَبَ انْدِرَاجُ الْأَصْغَرِ تَحْتَ الْأَوْسَطِ فِي الْحُكْمِ بِالْأَكْبَرِ عَلَى جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْأَوْسَطُ ; لِأَنَّ الْأَصْغَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا فَيَلْتَقِي بِالضَّرُورَةِ مَوْضُوعُ الصُّغْرَى أَعْنِي الْأَصْغَرَ، وَمَحْمُولُ الْكُبْرَى، أَعْنِي الْأَكْبَرَ إِمَّا إِيجَابًا، إِنْ كَانَتِ الْكُبْرَى مُوجَبَةً، أَوْ سَلْبًا، إِنْ كَانَتِ الْكُبْرَى سَالِبَةً. مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُنَا: الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ تَصِحُّ بِنِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ. وَ [مِثَالُ الثَّانِي] قَوْلُنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْمُسْكِرِ بِحَلَالٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيذَ لَيْسَ بِحَلَالٍ. وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْبَيَانُ بِالشَّكْلِ الْأَوَّلِ لِرُجُوعِ الْبَاقِي إِلَيْهِ. وَقَدْ تُحْذَفَ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيِ الدَّلِيلِ لِلْعِلْمِ بِهَا، وَهِيَ إِمَّا الصُّغْرَى أَوِ الْكُبْرَى. مِثَالُ مَا إِذَا كَانَتِ الصُّغْرَى مَحْذُوفَةً قَوْلُنَا: الْوُضُوءُ يَحْتَاجُ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] النِّيَّةِ ; لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تَحْتَاجُ إِلَيْهَا ; فَإِنَّ الصُّغْرَى، وَهِيَ قَوْلُنَا: الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ، قَدْ حُذِفَتْ. مِثَالُ مَا إِذَا كَانَتِ الْكُبْرَى مَحْذُوفَةً قَوْلُنَا: الْوُضُوءُ لَا يَصِحُّ [بِدُونِ] النِّيَّةِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ. فَإِنَّ الْكُبْرَى، وَهُوَ قَوْلُنَا: وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، قَدْ حُذِفَتْ. [الضَّرُورِيَّاتُ] ش - لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مُقَدَّمَاتِ الْبُرْهَانِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الضَّرُورِيَّاتِ أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهَا، فَذَكَرَ مَا هُوَ الْأَشْهَرُ مِنْهَا، لَا الْجَمِيعَ ; لِأَنَّ الْقَضَايَا الْحَدْسِيَّةَ وَالْقَضَايَا الَّتِي قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا، مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا. فَلِذَلِكَ قَالَ: " مِنْهَا " ; لِأَنَّ " مَنْ " تُفِيدُ التَّبْعِيضَ، فَلْنَقْتَصِرْ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَهِيَ خَمْسٌ: الْأُولَى: الْمُشَاهَدَاتُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ الْقَضَايَا الَّتِي يَسْتَفِيدُ الْإِنْسَانُ التَّصْدِيقَ بِهَا مِنَ الْقُوَى الْبَاطِنَةِ، وَهِيَ مَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى عَقْلٍ، أَيْ مَا لَا تَفْتَقِرُ فِي حُصُولِ طَرَفَيْهَا عِنْدَ الْمَشَاهِدِ إِلَى عَقْلٍ. كَالْجُوعِ وَالْأَلَمِ ; فَإِنَّ حُصُولَهُمَا عِنْدَ مَنْ يُشَاهِدْهُمَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَقْلِ، وَلِذَلِكَ يَحْصُلُ لِلْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِيهَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَقْلِ، إِنْ كَانَ كُلِّيًّا [كَمَا] فِي سَائِرِ الْقَضَايَا، وَإِنْ كَانَ جُزْئِيًّا فَيَفْتَقِرُ إِلَى الْعَقْلِ أَيْضًا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْحَاكِمَ مُطْلَقًا هُوَ الْعَقْلُ، سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا ; إِذِ الْحِسُّ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، لَا حُكْمَ لَهُ. الثَّانِيَةُ: الْأَوَّلِيَّاتُ، وَهِيَ الْقَضَايَا الَّتِي تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ حُكْمُ الْعَقْلِ بِهَا إِلَّا عَلَى تَصَوُّرِ طَرَفَيْهَا فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَ تَصَوُّرُ طَرَفَيْهَا جُزْئِيًّا، كَعِلْمِكَ أَيْ كَتَصْدِيقِكَ بِوُجُودِكَ، أَوْ كُلِّيًّا، كَتَصْدِيقِكَ بِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ: الْمَحْسُوسَاتُ، وَهِيَ الْقَضَايَا الَّتِي يَسْتَفِيدُ الْإِنْسَانُ التَّصْدِيقَ بِهَا مِنَ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ. كَقَوْلِنَا: الشَّمْسُ مُضِيئَةٌ، وَالنَّارُ حَارَّةٌ. الرَّابِعَةُ: التَّجْرِيبِيَّاتُ، وَهِيَ قَضَايَا تَحْصُلُ بِالْعَادَةِ، أَيْ بِتَكْرَارِ الْمُشَاهَدَةِ عَلَى وَجْهٍ يَتَأَكَّدُ مِنْهَا عَقْدٌ قَوِيٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَهِيَ لَا تَخْلُو عَنْ قِيَاسٍ خَفِيٍّ مَعَ تَكْرَارِ الْمُشَاهَدَةِ، وَهُوَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْوُقُوعَ الْمُتَكَرِّرَ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ اتِّفَاقِيًّا. كَحُكْمِنَا بِإِسْهَالِ الْمُسْهِلِ الَّذِي هُوَ السَّقَمُونْيَا مَثَلًا ; فَإِنَّ بَعْدَ تَكَرُّرِ وُقُوعِ الْإِسْهَالِ عَقِيبَ مُلَاقَاةِ الْمُسَهِّلِ الْبَدَنَ، يَحْصُلُ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَكَحُكْمِنَا بِإِسْكَارِ الْمُسْكِرِ. الْخَامِسَةُ: الْمُتَوَاتِرَاتُ، وَهِيَ قَضَايَا تَحْصُلُ لِلنَّفْسِ بِالْأَخْبَارِ تَوَاتُرًا أَيْ كَثْرَةً مُتَوَالِيَةً، مُوجِبَةً لِسُكُونِ النَّفْسِ سُكُونًا تَامًّا، يَزُولُ مَعَهُ الشَّكُّ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الشَّهَادَاتِ بِحَيْثُ يُحِيلُ الْعَقْلُ تَوَاطُؤَ الشُّهَدَاءِ عَلَى الْكَذِبِ. كَحُكْمِنَا بِوُجُودِ بَغْدَادَ وَمَكَّةَ. [صُورَةُ الْبُرْهَانِ اقْتِرَانِيٌّ واسْتِثْنَائِيٌّ] ش - لَمَّا ذَكَرَ مَادَّةَ الْبُرْهَانِ، شَرَعَ فِي صُورَتِهِ، وَهِيَ الْقَوْلُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ قَضَايَا مَتَى سَلِمَتْ لَزِمَ عَنْهُ لِذَاتِهِ قَوْلٌ آخَرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُسَمِّيهِ الْمَنْطِقِيُّونَ: " قِيَاسًا ". وَقَدْ مَرَّ فَائِدَةُ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ. وَالْقِيَاسُ يَنْقَسِمُ إِلَى اقْتِرَانِيٍّ وَاسْتِثْنَائِيٍّ. فَالِاقْتِرَانِيُّ: الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَذْكُرُ اللَّازِمَ، أَيِ النَّتِيجَةَ، وَلَا نَقِيضَهُ فِيهِ بِالْفِعْلِ. كَقَوْلِنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيذَ حَرَامٌ، وَهُوَ لَا يَكُونُ مَذْكُورًا فِيهِ بِالْفِعْلِ وَلَا نَقِيضِهِ. وَالِاسْتِثْنَائِيُّ نَقِيضُهُ أَيْ مَا يَكُونُ اللَّازِمُ أَوْ نَقِيضُهُ فِيهِ مَذْكُورًا بِالْفِعْلِ. كَقَوْلِنَا: لَوْ كَانَ [الْوُضُوءُ عِبَادَةً لَمْ] يَصِحَّ بِدُونِ [النِّيَّةِ، لَكِنَّ الْوُضُوءَ] عِبَادَةٌ، يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، [وَهُوَ مَذْكُورٌ فِيهِ بِالْفِعْلِ] . وَكَقَوْلِنَا: لَوْ كَانَ الْوُضُوءُ صَحِيحًا بِدُونِ النِّيَّةِ لَمَا كَانَ عِبَادَةً، لَكِنَّهُ عِبَادَةٌ، يَنْتُجُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا بِدُونِ النِّيَّةِ. فَإِنَّ نَقِيضَهُ مَذْكُورٌ [فِيهِ] بِالْفِعْلِ. [الموضوع والمحمول والوسط] ش - الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ الِاقْتِرَانِيُّ بِغَيْرِ شَرْطٍ، أَيْ لَا يَكُونُ فِيهِ مُقْدِمَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى [الشَّرْطِ، وَهِيَ الْمُتَّصِلَةُ، وَلَا تَقْسِيمَ، أَيْ لَا يَكُونُ فِيهِ مُقْدِمَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى] التَّقْسِيمِ، وَهِيَ [الْمُنْفَصِلَةُ] . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ الِاقْتِرَانِيَّ لَا يَكُونُ فِيهِ مُتَّصِلَةٌ وَلَا مُنْفَصِلَةٌ، وَقِيلَ [عَلَيْهِ] بِأَنَّهُ يُشْكِلُ هَذَا بِالْقِيَاسَاتِ الِاقْتِرَانِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَا تَقْسِيمٍ: أَنَّهُمَا غَيْرُ مُلَازِمَيْنِ فِي الِاقْتِرَانِيِّ: فَإِنَّ الِاقْتِرَانِيَّ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً. بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَائِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: لَمَّا كَانَتِ الِاقْتِرَانَاتُ الشَّرْطِيَّةُ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ فِي كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ، لِكَوْنِهَا غَيْرَ يَقِينِيَّةِ الْإِنْتَاجِ، وَلِقِلَّةِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا، لَمْ يَعْتَبِرْهَا الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يَعُدَّهَا مِنَ الْقِيَاسَاتِ الِاقْتِرَانِيَّةِ، فَلِهَذَا خَصَّ الِاقْتِرَانِيَّ بِالْحَمْلِيِّ. وَيُسَمَّى الْمُبْتَدَأُ، أَعْنِي الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلِ الَّذِي جُعِلَ جُزْءَ الْقِيَاسِ الِاقْتِرَانِيِّ: " مَوْضُوعًا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَمَحْمُولُهُ: " الْأَكْبَرُ " وَذَاتُ الْأَصْغَرِ: " الصُّغْرَى " وَذَاتُ الْأَكْبَرِ: " الْكُبْرَى ". ص - وَلَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ قَدْ يَقُومُ عَلَى إِبْطَالِ النَّقِيضِ، وَالْمَطْلُوبُ نَقِيضُهُ، وَقَدْ يَقُومُ عَلَى الشَّيْءِ، وَالْمَطْلُوبُ عَكْسُهُ - احْتِيجَ إِلَى تَعْرِيفِهِمَا. ص - فَالنَّقِيضَانِ: كُلُّ [قَضِيَّتَيْنِ] إِذَا صَدَقَتْ إِحْدَاهُمَا كَذَبَتِ الْأُخْرَى وَبِالْعَكْسِ. ص - فَإِنْ كَانَتْ شَخْصِيَّةً - فَشَرْطُهَا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْنَى إِلَّا النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، فَيَتَّحِدُ الْجُزْءَانِ بِالذَّاتِ وَالْإِضَافَةِ، وَالْجُزْءُ وَالْكُلُّ، وَالْقُوَّةُ وَالْفِعْلُ، وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، وَالشَّرْطُ. ص - وَإِلَّا لَزِمَ اخْتِلَافُ الْمَوْضُوعِ فِي الْكَمِّ ; لِأَنَّهُ إِنِ اتَّحَدَا - جَازَ أَنْ يَكْذِبَا فِي الْكُلِّيَّةِ، مِثْلَ: كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِعَرَضِيٍّ خَاصٌّ بِنَوْعٍ. وَأَنْ يَصْدُقَا فِي الْجُزْئِيَّةِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَنَقِيضُ الْكُلِّيَّةِ الْمُثْبَتَةِ جُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ، وَنَقِيضُ الْجُزْئِيَّةِ الْمُثْبَتَةِ سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُسَمَّى الْخَبَرُ أَيِ الْمَحْكُومُ بِهِ فِيهِ: " مَحْمُولًا ". وَالْمَوْضُوعُ وَالْمَحْمُولُ فِي مُقَدِّمَتَيِ الْقِيَاسِ تُسَمَّى: " حُدُودًا ". وَإِنَّمَا أُنِّثَ الضَّمِيرُ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ. " وَالْوَسَطُ " هُوَ: الْحَدُّ الْمُتَكَرِّرُ. وَمَوْضُوعُهُ، أَيْ مَوْضُوعُ اللَّازِمِ، أَعْنِي النَّتِيجَةَ تُسَمَّى: " الْأَصْغَرَ ". وَمَحْمُولُهُ يُسَمَّى: " الْأَكْبَرُ ". وَذَاتُ الْأَصْغَرِ، أَعْنِي الْمُقَدِّمَةَ الَّتِي فِيهَا الْأَصْغَرُ تُسَمَّى: " الصُّغْرَى ". وَذَاتُ الْأَكْبَرِ، أَيِ الْمُقَدِّمَةُ الَّتِي فِيهَا الْأَكْبَرُ تُسَمَّى " كُبْرَى ". ش - مِثَالُ الْأَوَّلِ: قِيَاسُ الْخُلْفِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَقُومُ عَلَى إِبْطَالِ نَقِيضِ النَّتِيجَةِ، وَالْمَطْلُوبُ: النَّتِيجَةُ. مِثَالُ الثَّانِي مَا يَقَعُ فِي الْأَشْكَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُغَايِرَةِ لِلْأَوَّلِ ; فَإِنَّهَا عِنْدَ رَدِّهَا إِلَى الْأَوَّلِ قَدْ يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ شَيْءٍ، وَالْمَطْلُوبُ عَكْسُهُ، كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] سَيَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ مُفَصَّلًا. فَلِذَلِكَ احْتِيجَ إِلَى تَعْرِيفِ التَّنَاقُضِ وَالْعَكْسِ، وَبَيَانِ شَرَائِطِهِمَا وَأَحْكَامِهِمَا. [النقيضان] ش - لَمَّا كَانَ بَيَانُ الْعَكْسِ مُتَوَقِّفًا عَلَى التَّنَاقُضِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، بَدَأَ بِالتَّنَاقُضِ، فَقَالَ: النَّقِيضَانِ: كُلُّ قَضِيَّتَيْنِ إِذَا صَدَقَتْ إِحْدَاهُمَا كَذَبَتِ الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ، أَيْ إِذَا كَذَبَتْ إِحْدَاهُمَا صَدَقَتِ الْأُخْرَى. وَاحْتَرَزَ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ عَنْ سَائِرِ الْمُتَقَابِلِينَ ; فَإِنَّهُ إِذَا صَدَقَ كَذَبَ الْآخَرُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَذِبِ أَحَدِهِمَا صِدْقُ الْآخَرِ ; لِجَوَازِ خُلُوِّ الْمَحَلِّ عَنْهُمَا. وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ [كَوْنُ] الْقَضِيَّةِ مَعَ لَازِمِ نَقِيضِهَا الْمُسَاوِي مُتَنَاقِضَيْنِ ; لِأَنَّهُ إِذْ صَدَقَتْ إِحْدَاهُمَا كَذَبَتِ الْأُخْرَى وَبِالْعَكْسِ. كَقَوْلِنَا: هَذَا إِنْسَانٌ، هَذَا لَيْسَ بِنَاطِقٍ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: النَّقِيضَانِ: كُلُّ قَضِيَّتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ صِدْقُ إِحْدَاهُمَا لِذَاتِهِ كَذِبَ الْأُخْرَى وَبِالْعَكْسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ الْقَضِيَّةُ مَعَ لَازِمِ نَقِيضِهَا الْمُسَاوِي ; لِأَنَّهُ وَإِنِ اسْتَلْزَمَ صِدْقَ إِحْدَاهُمَا كَذِبَ الْأُخْرَى، لَكِنْ لَا لِذَاتِهَا، بَلْ بِوَاسِطَةِ لَازِمِهَا الْمُسَاوِي. [شرائط النقيضين] ش - لَمَّا ذَكَرَ تَعْرِيفَ النَّقِيضَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ شَرَائِطِهِمَا. فَبَدَأَ بِشَرَائِطِ الْقَضِيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ لِكَوْنِهَا عَامَّةً. فَإِنْ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ شَخْصِيَّةً فَشَرْطُهَا فِي أَنْ يَكُونَ نَقِيضًا لِشَخْصِيَّةٍ أُخْرَى: أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الشَّخْصِيَّتَيْنِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْنَى إِلَّا الِاخْتِلَافَ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الِاخْتِلَافَ بِقَوْلِهِ: " فِي الْمَعْنَى " لِيَدْخُلَ فِيهِ نَحْوُ: هَذَا إِنْسَانٌ، هَذَا لَيْسَ بِبَشَرٍ ; فَإِنَّهُمَا مُتَنَاقِضَانِ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا بِغَيْرِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ بِاللَّفْظِ. وَإِذَا اشْتُرِطَ اتِّحَادُ الشَّخْصِيَّتَيْنِ فِي غَيْرِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجُزْءَانِ، أَيِ الْمَوْضُوعُ وَالْمَحْمُولُ بِالذَّاتِ أَيْ بِالْمَعْنَى. كَقَوْلِنَا: زَيْدٌ كَاتِبٌ، زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ. وَبِالْإِضَافَةِ، كَقَوْلِنَا: زِيدٌ أَبٌ لِعَمْرٍو، وَزَيْدٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَيْسَ بِأَبٍ لِعَمْرٍو. وَبِالْجُزْءِ وَالْكُلِّ، كَقَوْلِنَا: الزِّنْجِيُّ أَسْوَدٌ كُلُّهُ، الزِّنْجِيُّ لَيْسَ بِأَسْوَدَ كُلِّهِ. وَكَذَا الْجُزْءُ. وَبِالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ، كَقَوْلِنَا: الْخَمْرُ مُسْكِرٌ بِالْقُوَّةِ، لَيْسَ بِمُسْكِرٍ بِالْقُوَّةِ، وَكَذَا الْفِعْلُ. وَبِالزَّمَانِ، كَقَوْلِنَا: زَيْدٌ جَالِسٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ، زَيْدٌ لَيْسَ بِجَالِسٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَبِالْمَكَانِ، كَقَوْلِنَا: زَيْدٌ جَالِسٌ فِي الدَّارِ، زَيْدٌ لَيْسَ بِجَالِسٍ فِي الدَّارِ. وَبِالشَّرْطِ، كَقَوْلِنَا: الْجِسْمُ مُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَبْيَضَ، الْجِسْمُ لَيْسَ بِمُفَرِّقٍ لِلْبَصَرِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَبْيَضَ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ فِي تَنَاقُضِ الشَّخْصِيَّتَيْنِ اتِّحَادَهُمَا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ; لِأَنَّهُ لَوِ اخْتَلَفَتَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَمْ يَتَحَقَّقِ التَّنَاقُضُ بَيْنَهُمَا. ش - أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْقَضِيَّةُ شَخْصِيَّةً، بَلْ مَحْصُورَةً، يَلْزَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَعَ الشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّخْصِيَّةِ، اخْتِلَافُ الْمَوْضُوعِ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ بِالْكَمِّ أَيْ بِالْكُلْيَةِ وَالْجُزْئِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ فِي إِحْدَاهُمَا كُلِّيًّا، وَفِي الْأُخْرَى جُزْئِيًّا ; لِأَنَّهُ إِنِ اتَّحَدَ الْمَوْضُوعُ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ بِالْكَمِّ، جَازَ أَنْ يَكْذِبَا فِي الْكُلِّيَّةِ. مِثْلَ قَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ، لَا شَيْءً مِنَ الْإِنْسَانِ بِكَاتِبٍ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْكَاتِبِ عَلَى الْإِنْسَانِ حُكْمٌ بِعَرَضِيٍّ خَاصٍّ بِهِ، غَيْرِ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ، فَلَا يَصْدُقُ السَّلْبُ عَنْ كُلِّ أَفْرَادِهِ، وَلَا الثُّبُوتُ لِكُلِّهَا ; ضَرُورَةَ ثُبُوتِهِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَسَلْبِهِ عَنْ بَعْضِهَا. وَأَنْ يَصْدُقَا، أَيْ إِنِ اتَّحَدَ الْمَوْضُوعُ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ بِالْكَمِّ، جَازَ أَنْ يَصْدُقَا فِي الْجُزْئِيَّةِ، كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْإِنْسَانِ كَاتِبٌ، بَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِكَاتِبٍ ; لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الْقَضِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالسَّلْبِ غَيْرَ الْبَعْضِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالْإِيجَابِ، فَيَجُوزُ صِدْقُهُمَا مَعًا. وَإِذَا بَيَّنَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَوْضُوعِ بِالْكَمِّ شَرْطٌ فِي تَنَاقُضِ الْمَحْصُورَتَيْنِ، فَنَقِيضُ الْكُلِّيَّةِ الْمُثْبَتَةِ، أَيِ الْمُوجَبَةِ، جُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ. كَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ ; فَإِنَّ نَقِيضَهُ: بَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ. وَنَقِيضُ الْقَضِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُوجَبَةِ، سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ، كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْحَيَوَانِ إِنْسَانٌ، فَإِنَّ نَقِيضَهُ: لَا شَيْءَ مِنَ الْحَيَوَانِ بِإِنْسَانٍ. وَإِذَا كَانَتِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ نَقِيضًا لِلْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَالسَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ نَقِيضًا لِلْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ، تَكُونُ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ نَقِيضًا لِلسَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ نَقِيضًا لِلسَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ; لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. [العكس المستوي] ش - لَمَّا ذَكَرَ التَّنَاقُضَ، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَكْسِ، وَبَدَأَ بِالْعَكْسِ الْمُسْتَوِي، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْوِيلِ مُفْرَدَاتِهَا، أَيْ تَبْدِيلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيِ الْقَضِيَّةِ، أَعْنِي الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَبِهِ، بِالْآخَرِ، فَيَتَنَاوَلُ عَكْسَ الْحَمْلِيَّاتِ وَالشَّرْطِيَّاتِ ; لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْضُوعَ وَالْمُقَدَّمَ، وَالْمَحْكُومُ بِهِ يَتَنَاوَلُ الْمَحْمُولَ، وَالتَّالِي. قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ. فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا: بَعْضُ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ، عَكْسًا لِقَوْلِنَا: بَعْضُ الْحَيَوَانِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا التَّعْرِيفُ ; لِأَنَّهُ بَدَّلَ كُلٍّا مِنَ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ ; لِأَنَّ عَكْسَ السَّالِبَةِ لَا يَكُونُ مُوجَبَةً وَبِالْعَكْسِ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ: " عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ " أَنَّهُ عَلَى وَجْهٍ مَتَى صَدَقَ الْأَصْلُ الْعَكْسُ; لِأَنَّ بَقَاءَ الصِّدْقِ بِهَذَا الْمَعْنَى شَرْطٌ فِي الْعَكْسِ ; لِأَنَّ الْعَكْسَ لَازِمُ الْأَصْلِ، وَصِدْقُ اللَّازِمِ شَرْطٌ فِي صِدْقِ الْمَلْزُومِ. وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بَقَاءُ الْكَيْفِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْجُمْهُورَ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا. ش - عَكْسُ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَدَقَ قَوْلُنَا: كُلُّ ج ب، وَجَبَ أَنْ يَصْدُقَ بَعْضُ ب ج، وَإِلَّا لَصَدَقَ نَقِيضُهُ، وَهُوَ قَوْلُنَا: لَا شَيْءَ مِنْ ب ج. فَيُجْعَلُ كُبْرَى الْأَصْلِ هَكَذَا: كُلُّ ج ب وَلَا شَيْءَ مِنْ ب ج، يَنْتُجُ: لَا شَيْءَ مِنْ ج ج. هَذَا خُلْفٌ. وَلَا يَنْعَكِسُ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ إِلَى الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ ; لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَحْمُولِ أَعَمَّ مِنَ الْمَوْضُوعِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَصْدُقُ الْعَكْسُ كُلِّيًّا. كَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ كُلُّ حَيَوَانٍ إِنْسَانٌ فِي عَكْسِهِ. وَعَكْسُ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةِ مِثْلُهَا، أَيِ السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَدَقَ لَا شَيْءٌ مِنْ ج ب، وَجَبَ أَنْ يَصْدُقَ لَا شَيْءَ مِنْ ب ج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ص - وَعَكْسُ كُلِّ قَضِيَّةٍ: تَحْوِيلُ مُفَرَدَيْهَا عَلَى وَجْهٍ يَصْدُقُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ص - فَعَكْسُ الْكُلِّيَّةِ الْمُوجَبَةِ، جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ، وَعَكْسُ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةِ مِثْلُهَا، وَعَكْسُ الْجُزْئِيَّةِ الْمُوجَبَةِ مِثْلُهَا. وَلَا عَكْسَ لِلْجُزْئِيَّةِ السَّالِبَةِ. ص - وَإِذَا عُكِسَتِ [الْكُلِّيَّةُ الْمُوجَبَةُ] بِنَقِيضِ مُفَرَدَيْهَا - صَدَقَتْ. وَمِنْ ثَمَّ انْعَكَسَتِ السَّالِبَةُ سَالِبَةً [جُزْئِيَّةً] . ص - وَلِلْمُقَدِّمَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَسَطِ أَرْبَعَةُ أَشْكَالٍ: فَالْأَوَّلُ: مَحْمُولٌ لِمَوْضُوعِ النَّتِيجَةِ، مَوْضُوعٌ لِمَحْمُولِهَا. وَالثَّانِي: مَحْمُولٌ لَهُمَا. وَالثَّالِثُ: مَوْضُوعٌ لَهُمَا. وَالرَّابِعُ: عَكْسُ الْأَوَّلِ. ص - فَإِذَا رُكِّبَ كُلُّ شَكْلٍ بِاعْتِبَارِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَالْمُوجَبَةِ وَالسَّالِبَةِ - كَانَتْ مُقَدَّرَاتُهُ سِتَّةَ عَشَرَ ضَرْبًا. ص -[الشَّكْلُ] الْأَوَّلُ أَبْيَنُهَا، وَلِذَلِكَ يَتَوَقَّفُ غَيْرُهُ عَلَى رُجُوعِهِ إِلَيْهِ وَيُنْتِجُ الْمَطَالِبَ الْأَرْبَعَةَ. ص - وَشَرْطُ إِنْتَاجِهِ: إِيجَابُ الصُّغْرَى، أَوْ فِي حُكْمِهِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَّا لَصَدَقَ نَقِيضُهُ، وَهُوَ قَوْلُنَا: بَعْضُ ب ج. فَتَجْعَلُهُ صُغْرَى الْأَصْلِ هَكَذَا: بَعْضُ ب ج، وَلَا شَيْءَ مِنْ ج ب، يَنْتُجُ: لَيْسَ بَعْضُ ب ب، هَذَا خُلْفٌ. وَعَكْسُ الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ مِثْلُهَا، أَيِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ. بَيَانُهُ كَمَا فِي الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ. وَلَا عَكْسَ لِلْجُزْئِيَّةِ السَّالِبَةِ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ قَوْلُنَا: لَيْسَ بَعْضُ الْحَيَوَانِ إِنْسَانًا، وَلَا يَصْدُقُ فِي عَكْسِهِ: لَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ حَيَوَانًا. هَذَا إِذَا كَانَتِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ غَيْرَ الْخَاصَّتَيْنِ. أَمَّا الشَّرْطِيَّاتُ فَالْمُنْفَصِلَةُ مِنْهَا لَا تَنْعَكِسُ ; لِأَنَّ مُقَدَّمَهَا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ تَالِيهَا بِالطَّبْعِ. وَأَمَّا الْمُتَّصِلَةُ فَعَكْسُهَا عَلَى قِيَاسِ عَكْسِ الْحَمْلِيَّاتِ، وَبَيَانُهَا كَبَيَانِهَا. [عكس النقيض] ش - لَمَّا ذَكَرَ الْعَكْسَ الْمُسْتَوِيَ أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى عَكْسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] النَّقِيضِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَبْدِيلِ كُلٍّ مِنْ طُرُقِ الْقَضِيَّةِ بِنَقِيضِ الْآخَرِ مَعَ بَقَاءِ الْكَيْفِ وَالصِّدْقِ. وَإِذَا عُكِسَتِ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ، لَا الْجُزْئِيَّةُ، فَإِنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ، عَكْسَ النَّقِيضِ بِنَقِيضِ مُفْرَدَيْهَا، أَيْ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيِ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ بِنَقِيضِ الْآخَرِ صَدَقْتَ. مَثَلًا - إِذَا صَدَقَ: كُلُّ ج ب، وَجَبَ أَنْ يَصْدُقَ: كُلُّ مَا لَيْسَ ب لَيْسَ ج، وَإِلَّا لَصَدَقَ نَقِيضُهُ، وَهُوَ قَوْلُنَا: لَيْسَ كُلَّ مَا لَيْسَ ب لَيْسَ ج، وَيَسْتَلْزِمُ: بَعْضَ مَا لَيْسَ ب ج، وَهُوَ يَنْعَكِسُ بِالْعَكْسِ الْمُسْتَوِي إِلَى قَوْلِنَا: بَعْضُ ج لَيْسَ ب، وَكَانَ الْأَصْلُ: كُلُّ ج ب هَذَا خُلْفٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُوجَبَةَ الْجُزْئِيَّةَ لَا تَنْعَكِسُ بِعَكْسِ النَّقِيضِ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ: بَعْضُ الْحَيَوَانِ هُوَ لَا إِنْسَانَ، وَلَا يَصْدُقُ فِي عَكْسِ نَقِيضِهِ: بَعْضُ الْإِنْسَانِ لَا حَيَوَانَ. وَمِنْ ثَمَّ، أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ تَنْعَكِسُ عَكْسَ النَّقِيضِ إِلَى الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ، انْعَكَسَتِ السَّالِبَةُ كُلِّيَّةً أَوْ جُزْئِيَّةً بِعَكْسِ النَّقِيضِ إِلَى السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتِمُّ بَيَانُهُ بِوَاسِطَةِ عَكْسِ النَّقِيضِ لِلْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ. مَثَلًا إِذَا صَدَقَ: بَعْضُ ج لَيْسَ ب، وَجَبَ أَنْ يَصْدُقَ: لَيْسَ بَعْضُ مَا لَيْسَ ب لَيْسَ ج، وَإِلَّا بِصِدْقِ نَقِيضِهِ، وَهُوَ قَوْلُنَا: كُلُّ مَا لَيْسَ ب لَيْسَ ج، وَهُوَ يَنْعَكِسُ عَكْسَ النَّقِيضِ إِلَى قَوْلِنَا: كُلُّ ج ب، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ: بَعْضُ ج لَيْسَ ب. هَذَا خُلْفٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِذَا انْعَكَسَتِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ إِلَى السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ انْعَكَسَتِ السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ إِلَى السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ ; لِأَنَّ السَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ أَعَمُّ مِنَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَلَازِمُ الْعَامِّ لَازِمُ الْخَاصِّ. وَلَا تَنْعَكِسُ السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ إِلَى السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ قَوْلُنَا: لَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِلَا حَيَوَانٍ، وَلَا يَصْدُقُ فِي عَكْسِ نَقِيضِهِ: لَا شَيْءَ مِنَ الْحَيَوَانِ بِلَا إِنْسَانٍ ; ضَرُورَةَ صِدْقِ قَوْلِنَا: بَعْضُ الْحَيَوَانِ لَا إِنْسَانَ. وَكَذَا حُكْمُ نَقِيضِ الْمُتَّصِلَةِ. [الأشكال الأربعة] [مقدمة الأشكال الأربعة] ش - اعْلَمْ أَنَّ الشَّكْلَ هُوَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ وَضْعِ الْأَوْسَطِ عِنْدَ الْحَدَّيْنِ، أَعْنِي الْأَصْغَرَ وَالْأَكْبَرَ. وَلِلْمُقَدِّمَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الْوَسَطِ أَرْبَعَةُ أَشْكَالٍ: لِأَنَّ الْوَسَطَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا فِي الصُّغْرَى، مَوْضُوعًا فِي الْكُبْرَى، أَوْ مَحْمُولًا فِيهِمَا، أَوْ مَوْضُوعًا فِيهِمَا، أَوْ مَوْضُوعًا فِي الصُّغْرَى، مَحْمُولًا فِي الْكُبْرَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَالْأَوَّلُ أَيِ الشَّكْلُ الْأَوَّلُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَسَطُ مَحْمُولًا لِمَوْضُوعِ النَّتِيجَةِ، مَوْضُوعًا لِمَحْمُولِهَا، أَيِ الْوَسَطُ يَكُونُ مَحْمُولًا فِي الصُّغْرَى، مَوْضُوعًا فِي الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَسَطُ مَحْمُولًا لَهُمَا، أَيْ لِمَوْضُوعِ النَّتِيجَةِ وَلِمَحْمُولِهَا، أَيْ يَكُونُ الْوَسَطُ مَحْمُولًا فِي الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى. وَالثَّالِثُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَسَطُ مَوْضُوعًا لَهُمَا، أَيْ لِمَوْضُوعِ النَّتِيجَةِ وَلِمَحْمُولِهَا، أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْوَسَطُ مَوْضُوعًا فِي الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى. وَالرَّابِعُ: عَكْسُ الْأَوَّلِ، أَيْ يَكُونُ الْوَسَطُ مَوْضُوعًا لِمَوْضُوعِ النَّتِيجَةِ، مَحْمُولًا لِمَحْمُولِهَا، أَيْ يَكُونُ مَوْضُوعًا فِي الصُّغْرَى، مَحْمُولًا فِي الْكُبْرَى. ش - الضَّرْبُ هُوَ: اقْتِرَانُ الصُّغْرَى بِالْكُبْرَى، وَيُسَمَّى أَيْضًا قَرِينَةً. وَالضُّرُوبُ الْمُمْكِنَةُ الِانْعِقَادِ فِي كُلِّ شَكْلٍ بِحَسَبَ الْحَصْرِ [الْعَقْلِيِّ] بِاعْتِبَارِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَالْمُوجَبَةِ السَّالِبَةِ - لَا الْجِهَاتِ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] سِتَّةَ عَشَرَ. لِأَنَّ الصُّغْرَى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِحْدَى الْمَحْصُورَاتِ الْأَرْبَعِ، أَعْنِي الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ وَالسَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ، وَالْمُوجَبَةَ الْجُزْئِيَّةَ وَالسَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ، وَكَذَا الْكُبْرَى. وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ: سِتَّةَ عَشَرَ. [الشكل الأول] ش - الشَّكْلُ الْأَوَّلُ أَبْيَنُ الْأَشْكَالِ الْبَاقِيَةِ ; لِأَنَّ إِنْتَاجَهُ بَدِيهِيٌّ، بِخِلَافِ الْأَشْكَالِ الْبَاقِيَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ بَدِيهِيِّ الْإِنْتَاجِ وَلِذَلِكَ يَتَوَقَّفُ غَيْرُهُ، أَيِ الْأَشْكَالُ الْبَاقِيَةُ عَلَى رُجُوعِهِ إِلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ بَيَانَ إِنْتَاجِهَا إِمَّا بِالْخُلْفِ، أَوْ بِالِافْتِرَاضِ. وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رُجُوعِهِ إِلَى الْأَوَّلِ، كَمَا سَنُبَيِّنُ مُفَصَّلًا. وَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَشْرَفَ الْأَشْكَالِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُنْتِجُ الْمَطَالِبَ الْأَرْبَعَةَ أَعْنِي الْمَحْصُورَاتِ الْأَرْبَعَ. ش - أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ شَرَائِطَ إِنْتَاجِ الضُّرُوبِ فِي كُلِّ شَكْلٍ وَعَدَدَ ضُرُوبِهِ الْمُنْتَجَةِ. فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِ [الْبَاقِي] عَلَيْهِ. فَيَقُولُ شَرْطُ إِنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِحَسْبِ الْكَيْفِ إِيجَابُ الصُّغْرَى أَوْ فِي حُكْمِ الْإِيجَابِ، بِأَنْ يَكُونَ سَالِبَةً مُرَكَّبَةً. وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ إِيجَابَ الصُّغْرَى لِيَتَوَافَقَ الْوَسَطُ مَعَ الْأَصْغَرِ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ عَلَى الْأَوْسَطِ إِلَى الْأَصْغَرِ الَّذِي يُوَافِقُهُ ; لِأَنَّ الصُّغْرَى لَوْ كَانَتْ سَالِبَةً لَمْ يَتَوَافَقِ الْأَوْسَطُ مَعَ الْأَصْغَرِ، بَلْ يُبَايِنُهُ، فَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ عَلَى الْأَوْسَطِ إِلَى الْأَصْغَرِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَسْتَدْعِي الْحُكْمَ عَلَى مَا يُبَايِنُهُ. وَالِاخْتِلَافُ الْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ - وَهُوَ صِدْقُ الْقِيَاسِ - تَارَةً مَعَ تَوَافُقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 لِيَتَوَافَقَ الْوَسَطُ وَكُلِّيَّةُ الْكُبْرَى، لِيَنْدَرِجَ فَيُنْتِجَ فَتَبْقَى أَرْبَعَةٌ: مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ، وَكُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ أَوْ سَالِبَةٌ. الْأَوَّلُ: كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ بِنِيَّةٍ. الثَّانِي: كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ. الثَّالِثُ: بَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ وَكُلُّ عِبَادَةٍ بِنِيَّةٍ. الرَّابِعُ: بَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الطَّرَفَيْنِ وَتَارَةً مَعَ تَبَايُنِهِمَا، يُحَقِّقُ مَا ذَكَرْنَا. كَمَا نَقُولُ: لَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِحَجَرٍ، وَكُلُّ حَجَرٍ جَمَادٌ. وَالْحَقُّ لَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِجَمَادٍ، وَهُوَ تَبَايُنٌ. وَلَوْ بَدَّلَ الْكُبْرَى بِقَوْلِنَا: وَكُلُّ حَجَرٍ جِسْمٌ، كَانَ الْحَقُّ فِي قَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ جِسْمٌ، وَهُوَ التَّوَافُقُ. وَكَذَا الصُّغْرَى السَّالِبَةُ مَعَ الْكُبْرَى السَّالِبَةِ. وَكُلِّيَّةُ الْكُبْرَى، أَيْ شَرْطُ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ: كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى، لِيَنْدَرِجَ الْأَصْغَرُ تَحْتَ الْأَوْسَطِ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ عَلَى الْأَوْسَطِ إِلَى الْأَصْغَرِ الْمُنْدَرِجِ تَحْتَهُ، فَيَنْتُجُ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً لَمْ يَنْدَرِجِ الْأَصْغَرُ تَحْتَ الْأَوْسَطِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْكُبْرَى غَيْرَ الْمَحْكُومِ بِهِ فِي الصُّغْرَى، فَلَمْ يَتَعَدَّ الْحُكْمُ مِنَ الْأَوْسَطِ إِلَى الْأَصْغَرِ. وَالِاخْتِلَافُ يُحَقِّقُهُ [كَقَوْلِنَا:] كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، وَبَعْضُ الْحَيَوَانِ نَاطِقٌ، وَالْحَقُّ: الْإِيجَابُ، وَهُوَ قَوْلُنَا: بَعْضُ الْإِنْسَانِ نَاطِقٌ. وَلَوْ بَدَّلَ الْكُبْرَى بِقَوْلِنَا: بَعْضُ الْحَيَوَانِ فَرَسٌ، كَانَ الْحَقُّ: السَّلْبُ، وَهُوَ قَوْلُنَا: بَعْضُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِفَرَسٍ. وَعِنْدَ اعْتِبَارِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ يَسْقُطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّالِبَتَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُوجَبَتَيْنِ مَعَ الْجُزْئِيَّتَيْنِ، وَهِيَ اثْنَيْ عَشَرَ ضَرْبًا يَبْقَى أَرْبَعَةٌ: مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَجُزْئِيَّةٌ، كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ كُلِّيَّةٍ مُوجَبَةٍ وَسَالِبَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُوجَبَةَ عَلَى الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ فِي الْأَوَّلِ، وَقَدَّمَ الْكُلِّيَّةَ عَلَى الْمُوجَبَةِ وَالسَّالِبَةِ فِي الثَّانِي ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ إِشَارَةٌ إِلَى الصُّغْرَى، وَالثَّانِي إِلَى الْكُبْرَى. وَذِكْرُ الْمُوجَبَةِ فِي الصُّغْرَى أَهَمُّ لِكَوْنِهَا شَرْطًا فِيهَا. بِخِلَافِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَتَا بِشَرْطَيْنِ فِيهَا. وَذِكْرُ الْكُلِّيَّةِ فِي الْكُبْرَى أَهَمُّ ; لِأَنَّ الْكُلِّيَّةَ فِي الْكُبْرَى شَرْطٌ. بِخِلَافِ الْمُوجَبَةِ وَالسَّالِبَةِ. الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مِنْ مُوجَبَتَيْنِ كُلِّيَّتَيْنِ يَنْتُجُ مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةُ. كَقَوْلِنَا: كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ تَصِحُّ بِنْيَةٍ، فَكُلُّ وُضُوءٍ يَصِحُّ بِنْيَةٍ. الثَّانِي: مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ وَالْكُبْرَى سَالِبَةٌ. يَنْتُجُ سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ. كَقَوْلِنَا: كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، فَكُلُّ وُضُوءٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ. الثَّالِثُ: مِنْ مُوجَبَتَيْنِ وَالصُّغْرَى جُزْئِيَّةٌ، يُنْتُجُ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ تَصِحُّ بِنْيَةٍ، فَبَعْضُ الْوُضُوءِ يَصِحُّ بِنْيَةٍ. الرَّابِعُ: مِنْ صُغْرَى مُوجَبَةٍ جُزْئِيَّةٍ وَكُبْرَى كُلِّيَّةٍ سَالِبَةٍ، [يَنْتُجُ] سَالِبَةٌ [جُزْئِيَّةٌ] كَقَوْلِنَا: بَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحْ بِدُونِ النِّيَّةِ، فَبَعْضُ الْوُضُوءِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ. [الشكل الثاني] ش - الشَّكْلُ الثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ الْأَوْسَطُ مَحْمُولًا لِطَرَفَيِ النَّتِيجَةِ، شَرْطُهُ بِحَسَبِ الْكَيْفِ وَالْكَمِّ اخْتِلَافُ مُقَدِّمَتَيْهِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَكُلِّيَّةُ كُبْرَاهُ. يَسْقُطُ بِمُقْتَضَى الشَّرْطَيْنِ اثْنَا عَشَرَ ضَرْبًا: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجُزْئِيَّتَيْنِ كُبْرَى مَعَ الْأَرْبَعِ بِحَسْبِ الشَّرْطِ الثَّانِي. وَالْكُلِّيَّةُ الْمُوجَبَةُ كُبْرَى مَعَ الْمُوجَبَتَيْنِ. وَالْكُلِّيَّةُ السَّالِبَةُ كُبْرَى مَعَ السَّالِبَتَيْنِ بِحَسْبِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ. يَبْقَى الضُّرُوبُ الْمُنْتِجَةُ أَرْبَعَةٌ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ص - الشَّكْلُ الثَّانِي، شَرْطُهُ اخْتِلَافُ مُقَدِّمَتَيْهِ فِي الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ وَكُلِّيَّةِ كُبْرَاهُ تَبْقَى أَرْبَعَةً. وَلَا يُنْتِجُ إِلَّا سَالِبَةً. أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلِوُجُوبِ عَكْسِ إِحْدَاهُمَا وَجَعْلِهَا الْكُبْرَى. فَمُوجَبَتَانِ بَاطِلٌ وَسَالِبَتَانِ لَا تَتَلَاقَيَانِ. وَأَمَّا كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى ; فَلِأَنَّهَا إِنْ كَانَتِ الَّتِي تَنْعَكِسُ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ عَكَسَتِ الصُّغْرَى - فَلَابُدَّ وَأَنْ تَكُونَ سَالِبَةً لِتَتَلَاقَيَا. وَيَجِبُ عَكْسُ النَّتِيجَةِ وَلَا تَنْعَكِسُ ; لِأَنَّهَا تَكُونُ جُزْئِيَّةً سَالِبَةً. ص - الْأَوَّلُ: كُلِّيَّتَانِ، وَالْكُبْرَى سَالِبَةٌ. الْغَائِبُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَيْسَ بِمَجْهُولِ الصِّفَةِ وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى. الثَّانِي: كُلِّيَّتَانِ وَالْكُبْرَى مُوجَبَةٌ. الْغَائِبُ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعْلُومُ [الصِّفَةِ] وَلَازِمُهُ كَالْأَوَّلِ. وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى وَجَعْلِهَا الْكُبْرَى وَعَكْسِ النَّتِيجَةِ. الثَّالِثُ: جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَكُلِّيَّةٌ سَالِبَةٌ. بَعْضُ الْغَائِبِ مَجْهُولٌ، وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَيْسَ بِمَجْهُولٍ. فَلَازِمُهُ: بَعْضُ الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْكُلِّيَّةُ الْمُوجَبَةُ مَعَ السَّالِبَتَيْنِ، وَالْكُلِّيَّةُ السَّالِبَةُ مَعَ الْمُوجَبَتَيْنِ. أَمَّا بَيَانُ اشْتِرَاطِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ هَذَا الشَّكْلَ إِنَّمَا يَتَبَيَّنُ إِنْتَاجُهُ بِالرَّدِّ إِلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، بِعَكْسِ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ: إِمَّا الْكُبْرَى، كَمَا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ بِعَكْسِ الِاسْتِقَامَةِ وَفِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ بِعَكْسِ النَّقِيضِ. وَإِمَّا الصُّغْرَى وَجَعْلِهَا كُبْرَى ثُمَّ عَكَسُ النَّتِيجَةِ، كَمَا فِي الضَّرْبِ الثَّانِي. فَلَوْ كَانَتِ الْمُقَدِّمَتَانِ مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ ; فَإِنْ كَانَتَا مُوجَبَتَيْنِ ; فَإِنْ عَكَسْتَ الْكُبْرَى حَتَّى ارْتَدَّ إِلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ آخَرَ، صَارَتِ الْكُبْرَى فِي الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْمُوجَبَةَ لَا تَنْعَكِسُ إِلَّا جُزْئِيَّةً. وَإِنْ عَكَسْتَ الصُّغْرَى وَجَعَلْتَهَا كُبْرَى، لِتَرْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ، يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْقِيَاسِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " فَمُوجَبَتَانِ بَاطِلٌ ". وَإِنْ كَانَتَا سَالِبَتَيْنِ ; فَإِنْ عَكَسْتَ الْكُبْرَى أَوِ الصُّغْرَى وَجَعَلْتَهَا كُبْرَى تَصِيرُ الصُّغْرَى فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ سَالِبَةً، فَلَا يَتَلَاقَى الْأَصْغَرُ وَالْأَكْبَرُ فِي النَّتِيجَةِ، لَا بِالْإِيجَابِ وَلَا بِالسَّلْبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالسَّالِبَتَانِ لَا يَتَلَاقَيَانِ ". وَأَمَّا بَيَانُ اشْتِرَاطِ الْأَمْرِ الثَّانِي، وَهُوَ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى ; فَلِأَنَّ الْكُبْرَى إِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَنْعَكِسُ فَوَاضِحٌ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً لَمْ يَكُنْ عَكْسُهَا كُلِّيًّا، فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ كُبْرَى فِي الْأَوَّلِ. وَإِنْ عَكَسْتَ الصُّغْرَى فَلَابُدَّ وَأَنْ تَكُونَ سَالِبَةً كُلِّيَّةً، لِتَنْعَكِسَ سَالِبَةً كُلِّيَّةً وَتُجْعَلَ الْكُبْرَى فَيَتَلَاقَى الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى فِي الْأَوَّلِ ;] 1) لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُوجَبَةً لَمْ تَنْعَكِسْ كُلِّيًّا، وَإِنْ كَانَتْ [سَالِبَةً] جُزْئِيَّةً لَمْ تَنْعَكِسْ أَصْلًا. وَإِذَا كَانَتِ الصُّغْرَى سَالِبَةً فَلَابُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الْكُبْرَى كُلِّيَّةً، وَإِلَّا لَكَانَتِ النَّتِيجَةُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً. وَيَجِبُ عَكْسُ النَّتِيجَةِ عِنْدَ عَكْسِ الصُّغْرَى. وَالسَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيَانَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِبَيَانِ هَذِهِ الضُّرُوبِ وَجْهٌ آخَرُ غَيْرُ الْعَكْسِ. وَهُوَ مَمْنُوعٌ، لِجَوَازِ أَنْ يُبَيَّنَ بِالْخُلْفِ، كَمَا فِي الْجَمِيعِ، أَوْ بِالِافْتِرَاضِ، كَمَا فِي الضُّرُوبِ الْجُزْئِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَوْلَى أَنْ يُبَيِّنَ الِاشْتِرَاطُ بِالِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ لِلْعُقْمِ كَمَا بَيَّنَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ. ش - لَمَّا ذَكَرَ الشَّرَائِطَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الضُّرُوبِ الْمُنْتَجَةِ. الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ، وَالْكُبْرَى سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ. مِثَالُهُ: كُلُّ غَائِبٍ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَيْسَ بِمَجْهُولِ الصِّفَةِ يُنْتِجُ: كُلُّ غَائِبٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى، وَإِلَّا لَصَارَ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً وَالصُّغْرَى سَالِبَةً فِي الْأَوَّلِ. الضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ وَالْكُبْرَى مُوجَبَةٌ. يُنْتِجُ أَيْضًا سَالِبَةً كُلِّيَّةً. مِثَالُهُ: كُلُّ غَائِبٍ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَهُوَ مَعْلُومُ الصِّفَةِ، يَنْتُجُ: كُلُّ غَائِبٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى وَجَعْلِهَا الْكُبْرَى ثُمَّ عَكْسِ النَّتِيجَةِ وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى ; لِأَنَّ الْكُبْرَى مُوجَبَةٌ، وَالْمُوجَبَةُ لَا تَنْعَكِسُ إِلَّا إِلَى جُزْئِيَّةٍ، وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ كُبْرَى فِي الْأَوَّلِ. الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مِنْ مُوجَبَةٍ جُزْئِيَّةٍ صُغْرَى، وَكُلِّيَّةٍ سَالِبَةٍ كُبْرَى. يُنْتِجُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الرَّابِعُ: جُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ وَكُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ. بَعْضُ الْغَائِبِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعْلُومٌ وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى بِنَقِيضِ مُفْرَدَيْهَا. ص - وَيَتَبَيَّنُ أَيْضًا فِيهِ وَفِي جَمِيعِ ضُرُوبِهِ بِالْخُلْفِ فَتَأْخُذُ نَقِيضَ النَّتِيجَةِ، وَهُوَ: كُلُّ غَائِبٍ يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَتَجْعَلُهُ الصُّغْرَى فَيَنْتُجُ نَقِيضُ الصُّغْرَى الصَّادِقَةِ. وَلَا خَلَلَ إِلَّا مَنْ نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ، فَالْمَطْلُوبُ صِدْقٌ. ص - الشَّكْلُ الثَّالِثُ، شَرْطُهُ إِيجَابُ الصُّغْرَى أَوْ فِي حُكْمِهِ، وَكُلِّيَّةُ إِحْدَاهُمَا، تَبْقَى سِتَّةٌ. وَلَا يَنْتُجُ إِلَّا جُزْئِيَّةٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَكْسِ إِحْدَاهُمَا وَجَعْلِهَا الصُّغْرَى فَإِنْ قَدَّرْتَ الصُّغْرَى سَالِبَةً وَعَكَسْتَهَا - لَمْ تَتَلَاقَيَا وَإِنْ كَانَ الْعَكْسُ فِي الْكُبْرَى، وَهِيَ سَالِبَةٌ - لَمْ تَتَلَاقَيَا مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَتْ مُوجَبَةً - فَلَا بُدَّ مِنْ عَكْسِ النَّتِيجَةِ وَلَا تَنْعَكِسُ. وَأَمَّا كُلِّيَّةُ إِحْدَاهُمَا، فَلِتَكُونَ هِيَ الْكُبْرَى آخِرًا بِنَفْسِهَا أَوْ بِعَكْسِهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُهُ: بَعْضُ الْغَائِبِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَيْسَ بِمَجْهُولِ الصِّفَةِ، فَبَعْضُ الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى. وَلَا يُمْكِنُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى، وَإِلَّا لَصَارَتِ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً وَالصُّغْرَى سَالِبَةً فِي الْأَوَّلِ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ: مِنْ سَالِبَةٍ جُزْئِيَّةٍ صُغْرَى، وَكُلِّيَّةٍ مُوجَبَةٍ كُبْرَى، يُنْتِجُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً. مِثَالُهُ: بَعْضُ الْغَائِبِ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ، فَبَعْضُ الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى، وَإِلَّا لَصَارَتِ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً فِي الْأَوَّلِ. وَلَا بِعَكْسِ الصُّغْرَى ; لِأَنَّ السَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ لَا تَنْعَكِسُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ انْعِكَاسِهَا تَصِيرُ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً فِي الْأَوَّلِ. وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ بِعَكْسِ نَقِيضِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْبَيَانَ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَتِ السَّالِبَةُ مُسْتَلْزِمَةً لِلْمُوجَبَةِ الْمَعْدُولَةِ، حَتَّى يُجْعَلَ صُغْرَى فِي الْأَوَّلِ. وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ السَّالِبَةَ أَعَمُّ مِنَ الْمُوجَبَةِ الْمَعْدُولَةِ ; ضَرُورَةَ صِدْقِ السَّالِبَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَوْضُوعِ، بِخِلَافِ الْمُوجَبَةِ الْمَعْدُولَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ أَنَّ الصُّغْرَى سَالِبَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَلْزِمَةً لِلْمُوجَبَةِ الْمَعْدُولَةِ لَكِنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْمُوجَبَةِ السَّالِبَةِ الْمَحْمُولِ ; لِأَنَّ الْمُوجَبَةَ السَّالِبَةَ الْمَحْمُولَ لِشَبَهِهَا بِالسَّالِبَةِ لَا تَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ. وَحِينَئِذٍ يُنْتِجُ هَذِهِ الْمُوجَبَةَ مَعَ عَكْسٍ نَقِيضِ الْكُبْرَى. ش - وَيَتَبَيَّنُ أَيْضًا. بَيَانُ الْإِنْتَاجِ فِي هَذَا الضَّرْبِ وَفِي جَمِيعِ ضُرُوبِ الشَّكْلِ الثَّانِي بِالْخُلْفِ. وَطَرِيقُ الْخُلْفِ فِي هَذَا الشَّكْلِ هُوَ أَنْ تَجْعَلَ نَقِيضَ النَّتِيجَةِ - لِإِيجَابِهِ - صُغْرَى وَكُبْرَى الْقِيَاسِ - لِكُلِّيَّتِهَا - كُبْرَى، لِيَنْتُجَ مِنَ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ مَا يُنَاقِضُ الصُّغْرَى. مَثَلًا فِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ نَقُولُ: لَوْ لَمْ يَصْدُقْ قَوْلُنَا: بَعْضُ الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، لَصَدَقَ نَقِيضُهُ، وَهُوَ قَوْلُنَا: كُلُّ غَائِبٍ يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ صَادِقٌ بِالْفَرْضِ ; لِأَنَّهَا كُبْرَى الْقِيَاسِ، فَيَنْتُجُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنَ الْأَوَّلِ: كُلُّ غَائِبٍ مَعْلُومُ الصِّفَةِ وَ [هُوَ] نَقِيضُ الصُّغْرَى الصَّادِقَةِ، فَيَلْزَمُ كَذِبُهُ. وَلَا بُدَّ فِي قِيَاسِ الْخُلْفِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهُ مِنْ خَلَلٍ، وَلَا خَلَلَ فِي صُورَتِهِ ; لِأَنَّهُ عَلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الْحَقِّ الْمُبِينِ. وَلَا خَلَلَ أَيْضًا فِي كُبْرَى الْقِيَاسِ الصَّادِقَةِ. فَيَلْزَمُ الْخَلَلُ مِنْ نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ، فَيَلْزَمُ صِدْقُ الْمَطْلُوبِ. [الشكل الثالث] ش - الشَّكْلُ الثَّالِثُ شَرْطُ إِنْتَاجِهِ بِحَسَبِ كَمِّيَّةِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَكَيْفِيَّتِهِمَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الصُّغْرَى مُوجَبَةً أَوْ فِي حُكْمِ الْمُوجَبَةِ، أَعْنِي السَّالِبَةَ الْمُرَكَّبَةَ. الثَّانِي: كَوْنُ إِحْدَاهُمَا كُلِّيَّةً. يَبْقَى الضُّرُوبُ الْمُنْتَجَةُ بِمُقْتَضَى الشَّرْطَيْنِ سِتَّةً: الصُّغْرَى الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ مَعَ الْمَحْصُورَاتِ الْأَرْبَعِ. وَالْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ مَعَ الْكُلِّيَّتَيْنِ. وَلَا يُنْتِجُ هَذَا الشَّكْلُ إِلَّا جُزْئِيَّةً. أَمَّا بَيَانُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ إِيجَابُ الصُّغْرَى ; فَلِأَنَّ هَذَا الشَّكْلَ إِنَّمَا يَتَبَيَّنُ إِنْتَاجُهُ بِالرَّدِّ إِلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، إِمَّا بِعَكْسِ الْكُبْرَى وَجَعْلِهَا صُغْرَى ثُمَّ عَكَسِ النَّتِيجَةِ. أَوْ بِعَكْسِ الصُّغْرَى وَجَعْلِهَا صُغْرَى. فَلَوْ كَانَتِ الصُّغْرَى سَالِبَةً وَعَكَسْتَهَا لَمْ يَتَلَاقَيَا فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ; ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الصُّغْرَى سَالِبَةً فِي الْأَوَّلِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ قَوْلَهُ: لَمْ يَتَلَاقَيَا مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَلَاقَيَا فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَأَمَّا إِنْتَاجُهُ جُزْئِيَّةً ; فَلِأَنَّ الصُّغْرَى عَكْسُ مُوجَبَةٍ أَبَدًا أَوْ فِي حُكْمِهَا. ص - الْأَوَّلُ: كِلْتَاهُمَا كُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ. كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ رِبَوِيٌّ، فَيُنْتِجُ: بَعْضُ الْمُقْتَاتِ رِبَوِيٌّ وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ عَكَسْتَ الْكُبْرَى وَهِيَ سَالِبَةٌ لَمْ يَتَلَاقَيَا مُطْلَقًا ; إِذْ لَا قِيَاسَ عَنْ سَالِبَتَيْنِ، لَا فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الرَّابِعِ. وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: " مُطْلَقًا ". وَإِنْ كَانَتِ الْكُبْرَى مُوجَبَةً، وَهِيَ لَا تَنْعَكِسُ إِلَّا جُزْئِيَّةً، فَإِذَا جَعَلْتَهَا الصُّغْرَى، وَالصُّغْرَى السَّالِبَةُ، الْكُبْرَى، يُنْتِجُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً. وَيَجِبُ عَكْسُ النَّتِيجَةِ، وَالسَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ. وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي، وَهُوَ كُلِّيَّةُ إِحْدَاهُمَا فَلِتَكُونَ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ هِيَ الْكُبْرَى آخِرًا، أَيْ بَعْدَ الرَّدِّ. وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ الَّتِي هِيَ الْكُبْرَى بَعْدَ الرَّدِّ، إِمَّا الْكُبْرَى بِنَفْسِهَا، وَذَلِكَ إِذَا عَكَسْتَ الصُّغْرَى. وَإِمَّا الصُّغْرَى، وَذَلِكَ إِذَا عَكَسْتَ الْكُبْرَى وَجَعَلْتَهَا صُغْرَى. وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ إِلَّا جُزْئِيَّةً ; فَلِأَنَّ الصُّغْرَى فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ الرَّدِّ يَكُونُ عَكْسَ مُوجَبَةٍ أَبَدًا [أَوْ فِي حُكْمِهَا، أَيِ السَّالِبَةِ] مُرَكَّبَةً ضَرُورَةً ; لِأَنَّ الصُّغْرَى إِنْ كَانَتْ تَنْعَكِسُ فَظَاهِرٌ. وَإِنْ كَانَتِ الْكُبْرَى تَنْعَكِسُ فَلَابُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُوجَبَةً لِتُجْعَلَ صُغْرَى فِي الْأَوَّلِ. وَعَكْسُ الْمُوجَبَةِ جُزْئِيَّةٌ فَالنَّتِيجَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا جُزْئِيَّةً. وَهَذِهِ الْبَيَانَاتُ إِنَّمَا تَتِمُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِبَيَانِ إِنْتَاجِ ضُرُوبِ هَذَا الشَّكْلِ طَرِيقٌ سِوَى الْعَكْسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِإِمْكَانِ بَيَانِهِ بِالْخُلْفِ فِي الْجَمِيعِ، وَالِافْتِرَاضِ فِي الْبَعْضِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُبَيِّنَ الِاشْتِرَاطَ بِالِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ لِلْعُقْمِ. وَإِنَّ بَيْنَ إِنْتَاجِهِ جُزْئِيَّةً بِأَنْ يُقَالَ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَالرَّابِعُ أَخَصُّ ضُرُوبِ هَذَا الشَّكْلِ، وَهُمَا لَا يُنْتِجَانِ إِلَّا الْجُزْئِيَّةَ ; لِجَوَازِ كَوْنِ الْأَصْغَرِ أَعَمَّ مِنَ الْأَكْبَرِ فِيهِمَا. أَمَّا فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَكَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ نَاطِقٌ، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي هُوَ الْأَصْغَرُ أَعَمُّ مِنَ النَّاطِقِ الَّذِي هُوَ الْأَكْبَرُ. وَأَمَّا فِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ فَكَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانِ حَيَوَانٌ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ. فَإِنَّ الْحَيَوَانَ أَعَمُّ مِنَ الْفَرَسِ. وَإِذَا كَانَ الْأَصْغَرُ أَعَمَّ مِنَ الْأَكْبَرِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْأَكْبَرُ كُلِّيًّا، وَلَا يُسْلَبُ عَنْهُ أَيْضًا كُلِّيًّا، فَيَكُونُ النَّتِيجَةُ جُزْئِيَّةً. وَمَتَى لَمْ يُنْتِجْ هَذَانِ الضَّرْبَانِ إِلَّا الْجُزْئِيَّةَ، لَمْ يُنْتِجِ الْبَاقِي إِلَّا الْجُزْئِيَّةَ. ش - الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مِنَ الشَّكْلِ الثَّالِثِ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ كُلِّيَّتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الثَّانِي: جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَكُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ. بَعْضُ الْبُرِّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ رِبَوِيٌّ، فَيُنْتِجُ [مِثْلَهُ] وَيَتَبَيَّنُ كَالْأَوَّلِ. الثَّالِثُ: كُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَجُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ. كُلُّ بُرٌّ مُقْتَاتٌ، وَبَعْضُ الْبُرِّ رِبَوِيٌّ، فَيُنْتِجُ مِثْلَهُ، وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى وَجَعْلِهَا الصُّغْرَى وَعَكْسِ النَّتِيجَةِ. الرَّابِعُ: كُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَكُلِّيَّةٌ سَالِبَةٌ. كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، فَيَنْتُجُ: بَعْضُ الْمُقْتَاتِ لَا يُبَاعُ وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى. الْخَامِسُ: جُزْئِيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَكُلِّيَّةٌ سَالِبَةٌ. بَعْضُ الْبُرِّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، فَيَنْتُجُ وَيَتَبَيَّنُ مِثْلُهُ. السَّادِسُ: كُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَجُزْئِيَّةٌ سَالِبَةٌ. كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٌ، وَبَعْضُ الْبُرِّ لَا يُبَاعُ [بِجِنْسِهِ] فَيَنْتُجُ مِثْلُهُ. وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى عَلَى حُكْمِ الْمُوجَبَةِ وَجَعْلِهَا الصُّغْرَى، وَعَكْسِ النَّتِيجَةِ. وَيَتَبَيَّنُ مَعَ جَمِيعِهِ بِالْخُلْفُ أَيْضًا فَتَأْخُذُ نَقِيضَ النَّتِيجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، إِلَّا أَنَّكَ تَجْعَلُهَا الْكُبْرَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَنْتُجُ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ رِبَوِيٍّ، فَيَنْتُجُ: بَعْضُ الْمُقْتَاتِ رِبَوِيٌّ. بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ. وَيُمْكِنُ بَيَانُهُ أَيْضًا بِعَكْسِ الْكُبْرَى وَجَعْلِهَا صُغْرَى، ثُمَّ عَكَسَ النَّتِيجَةِ. الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ مُوجَبَتَيْنِ وَالْكُبْرَى كُلِّيَّةٌ، يَنْتُجُ أَيْضًا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ بَعْضُ الْبُرِّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ رِبَوِيٌّ، فَبَعْضُ الْمُقْتَاتِ رِبَوِيٌّ. وَيَتَبَيَّنُ أَيْضًا بِعَكْسِ الصُّغْرَى. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى، وَإِلَّا لَصَارَ الْقِيَاسُ عَنْ جُزْئِيَّتَيْنِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ. الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ وَالصُّغْرَى كُلِّيَّةٌ فَيَنْتُجُ أَيْضًا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٌ، وَبَعْضُ الْبُرِّ رِبَوِيٌّ، فَيَنْتِجُ بَعْضُ الْمُقْتَاتِ رِبَوِيٌّ. بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى وَجَعْلِهَا صُغْرَى، ثُمَّ عَكَسَ النَّتِيجَةَ. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى، وَإِلَّا لَصَارَ الْقِيَاسُ عَنْ جُزْئِيَّتَيْنِ فِي الْأَوَّلِ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ وَالْكُبْرَى سَالِبَةٌ، يَنْتُجُ سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، فَيَنْتِجُ: بَعْضُ الْمُقْتَاتِ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا. بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى. وَلَا يُمْكِنُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى، وَإِلَّا لَصَارَتِ الصُّغْرَى سَالِبَةً فِي الْأَوَّلِ. الضَّرْبُ الْخَامِسُ مِنْ صُغْرَى مُوجَبَةٍ جُزْئِيَّةٍ وَكُبْرَى سَالِبَةٍ كُلِّيَّةٍ، فَيَنْتِجُ أَيْضًا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. بَعْضُ الْبُرِّ مُقْتَاتٌ، وَكُلُّ بُرٍّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، فَبَعْضُ الْمُقْتَاتِ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى وَلَا يُمْكِنُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى، وَإِلَّا لَصَارَ الصُّغْرَى سَالِبَةً فِي الْأَوَّلِ. الضَّرْبُ السَّادِسُ مِنْ مُوجَبَةٍ كُلِّيَّةٍ صُغْرَى وَسَالِبَةٍ جُزْئِيَّةٍ كُبْرَى، فَيَنْتِجُ أَيْضًا سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٌ، وَبَعْضُ الْبُرِّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، فَيَنْتِجُ: بَعْضُ الْمُقْتَاتِ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا. لَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى، وَإِلَّا لَصَارَ الْقِيَاسُ عَنِ الْجُزْئِيَّتَيْنِ فِي الْأَوَّلِ. وَلَا بِعَكْسِ الْكُبْرَى ; لِأَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ انْعِكَاسِهَا لَا تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ صُغْرَى فِي الْأَوَّلِ ; لِكَوْنِهَا سَالِبَةً. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْكُبْرَى السَّالِبَةُ فِي حُكْمِ الْمُوجَبَةِ، أَعْنِي تَكُونُ مُرَكَّبَةً. أَوْ تَكُونُ مُسْتَلْزِمَةً لِلْمَعْدُولَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى وَجَعْلِهَا صُغْرَى، ثُمَّ عَكْسِ النَّتِيجَةِ. وَيَتَبَيَّنُ هَذَا الضَّرْبُ مَعَ جَمِيعِ بَاقِي الضُّرُوبِ بِالْخُلْفِ. وَطَرِيقُهُ فِي هَذَا الشَّكْلِ أَنْ يَجْعَلَ نَقِيضَ النَّتِيجَةِ - لِكُلِّيَّتِهِ كُبْرَى وَصُغْرَى الْقِيَاسِ لِإِيجَابِهَا - صُغْرَى، لِيَنْتِجَ مِنَ الْأَوَّلِ مَا يُنَاقِضُ الْكُبْرَى. مَثَلًا نَقُولُ فِي الضَّرْبِ السَّادِسِ: لَوْ لَمْ يَصْدُقْ قَوْلُنَا: بَعْضُ الْمُقْتَاتِ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، لَصَدَقَ قَوْلُنَا: كُلُّ مُقْتَاتٍ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، فَتَجْعَلُهُ كُبْرَى، وَالصُّغْرَى - وَهِيَ قَوْلُنَا: كُلُّ بُرٍّ مُقْتَاتٍ - صُغْرَى، لِيَنْتِجَ قَوْلُنَا: كُلُّ بُرٍّ يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَقَدْ كَانَتِ الْكُبْرَى: بَعْضُ الْبُرِّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا. هَذَا خُلْفٌ. [الشكل الرابع] ش - قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ إِلَّا بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ; فَإِنَّ مَا قُدِّمَ فِي الْأَوَّلِ جُعِلَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّابِعِ وَبِالْعَكْسِ. وَقَدْ أَزَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْوَهْمَ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ نَتِيجَةَ الشَّكْلِ الرَّابِعِ لَيْسَتْ نَفْسَهَا نَتِيجَةَ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، بَلْ عَكْسُهَا. اعْلَمْ أَنَّ السَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ فِي هَذَا الشَّكْلِ سَاقِطَةٌ ; لِأَنَّ بَيَانَ هَذَا الشَّكْلِ إِمَّا بِعَكْسِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَوَضْعِ الْعَكْسِ مَقَامَ الْأَصْلِ لِيَرْتَدَّ إِلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِعَكْسِ الْكُبْرَى فَقَطْ لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّالِثِ أَوْ بِعَكْسِ الصُّغْرَى فَقَطْ لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّانِي. وَإِمَّا بِالْقَلْبِ بِأَنْ تَجْعَلَ الصُّغْرَى كُبْرَى، وَالْكُبْرَى صُغْرَى، لِيَرْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَعْكِسُ النَّتِيجَةَ. فَلَوْ كَانَتْ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً لَمْ يُمْكِنْ بَيَانُهُ بِالْعَكْسِ أَصْلًا ; لِأَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ. وَلَا بِالْقَلْبِ أَيْضًا ; لِأَنَّ السَّالِبَةَ الْجُزْئِيَّةَ قَبْلَ الْقَلْبِ إِمَّا صُغْرَى أَوْ كُبْرَى، فَإِنْ كَانَتْ كُبْرَى [لَمْ] يَتَلَاقَ الْمُقَدِّمَتَانِ بَعْدَ الْقَلْبِ ; ضَرُورَةَ صَيْرُورَةِ الصُّغْرَى سَالِبَةً جُزْئِيَّةً فِي الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَتْ صُغْرَى لَمْ تَصْلُحْ بَعْدَ الْقَلْبِ لِأَنْ تَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ص - الشَّكْلُ الرَّابِعُ وَلَيْسَ تَقْدِيمًا وَ [لَا] تَأْخِيرًا لِلْأَوَّلِ ; لِأَنَّ هَذَا نَتِيجَتُهُ عَكْسُهُ. وَالْجُزْئِيَّةُ السَّالِبَةُ سَاقِطَةٌ ; لِأَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ. وَإِنْ بَقِيَتَا وَقُلِبَتَا، فَإِنْ كَانَتِ الثَّانِيَةَ - لَمْ تَتَلَاقَيَا، وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى - لَمْ تَصْلُحْ لِلْكُبْرَى. وَإِذَا كَانَتِ الصُّغْرَى مُوجَبَةً كُلِّيَّةً - فَالْكُبْرَى عَلَى الثَّلَاثِ. وَإِنْ كَانَتْ سَالِبَةً كُلِّيَّةً - فَالْكُبْرَى مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ ; لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً وَبَقِيَتْ - وَجَبَ جَعْلُهَا الصُّغْرَى وَعَكْسُ النَّتِيجَةِ. وَإِنْ عُكِسَتْ وَبَقِيَتْ - لَمْ تَصْلُحْ لِلْكُبْرَى. وَإِنْ كَانَتْ سَالِبَةً كُلِّيَّةً - لَمْ تَتَلَاقَيَا بِوَجْهٍ. وَإِنْ كَانَتْ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً - فَالْكُبْرَى سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ ; لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مُوجَبَةً كُلِّيَّةً وَفَعَلْتَ الْأَوَّلَ - لَمْ تَصْلُحْ لِلْكُبْرَى، وَإِنْ فَعَلْتَ الثَّانِي - صَارَتِ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَإِنْ كَانَتْ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً - فَأَبْعَدُ. فَيَنْتِجُ مِنْهُ خَمْسَةٌ. ص - الْأَوَّلُ: كُلُّ عِبَادَةٍ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى النِّيَّةِ، وَكُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، فَيَنْتِجُ بَعْضُ الْمُفْتَقِرِ وُضُوءٌ. وَيَتَبَيَّنُ بِالْقَلْبِ فِيهِمَا وَعَكْسِ النَّتِيجَةِ. الثَّانِي: مِثْلُهُ، وَالثَّانِيَةُ جُزْئِيَّةٌ. الثَّالِثُ: كُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَسْتَغْنِي، وَكُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، فَيَنْتِجُ كُلُّ مُسْتَغْنٍ لَيْسَ بِوُضُوءٍ. وَيَتَبَيَّنُ بِالْقَلْبِ وَعَكْسِ النَّتِيجَةِ. الرَّابِعُ: كُلُّ مُبَاحٍ مُسْتَغْنٍ، وَكُلُّ وُضُوءٍ لَيْسَ بِمُبَاحٍ، فَيَنْتِجُ: بَعْضُ الْمُسْتَغْنِي لَيْسَ بِوُضُوءٍ. وَيَتَبَيَّنُ بِعَكْسِهِمَا. الْخَامِسُ بَعْضُ الْمُبَاحِ مُسْتَغْنٍ، وَكُلُّ وُضُوءٍ لَيْسَ بِمُبَاحٍ، وَهُوَ مِثْلُهُ. ص - وَالِاسْتِثْنَائِيُّ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ بِالشَّرْطِ وَيُسَمَّى: " الْمُتَّصِلَ ". وَالشَّرْطُ: " مُقَدَّمًا ". وَالْجَزَاءُ: " تَالِيًا ". وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: اسْتِثْنَائِيَّةٌ. وَشَرْطُ إِنْتَاجِهِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ الْمُقَدَّمِ، فَلَازَمَهُ عَيْنُ التَّالِي. أَوْ بِنَقِيضِ التَّالِي، فَلَازَمَهُ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ. وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ لَازِمٍ مَعَ مَلْزُومِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا. مِثْلَ: إِنْ كَانَ هَذَا إِنْسَانًا فَهُوَ حَيَوَانٌ. وَأَكْثَرُ الْأَوَّلِ بِـ " إِنَّ " وَالثَّانِي بِـ " لَوْ ". ص - وَيُسَمَّى مَا بِـ " لَوْ ": قِيَاسَ الْخُلْفِ. وَهُوَ إِثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ بِإِبْطَالِ نَقِيضِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كُبْرَى فِي الْأَوَّلِ ; ضَرُورَةَ كَوْنِهَا جُزْئِيَّةً. فَسَقَطَ بِمُقْتَضَى هَذَا الشَّرْطِ سَبْعَةُ أَضْرُبٍ. فَإِذَا كَانَتِ الصُّغْرَى مُوجَبَةً كُلِّيَّةً يَنْتُجُ مَعَ الْكُبْرَيَاتِ الثَّلَاثِ. وَإِنْ كَانَتْ سَالِبَةً كُلِّيَّةً لَا يَنْتُجُ إِلَّا مَعَ الْكُبْرَى الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ ; لِأَنَّ الْكُبْرَى إِذَا كَانَتْ جُزْئِيَّةً وَبَقِيَتْ، أَيْ [لَمْ] تُعْكَسْ، وَجَبَ جَعْلُهَا صُغْرَى، ثُمَّ عَكَسَ النَّتِيجَةَ، وَالنَّتِيجَةُ سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ ; ضَرُورَةَ تَرَكُّبِ الْقِيَاسِ مِنَ الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالسَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ. وَالسَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ. وَإِنْ عَكَسْتَ الْكُبْرَى الْجُزْئِيَّةَ وَجَعَلْتَهُ كُبْرَى، فَإِنْ لَمْ تَعْكِسِ الصُّغْرَى، ارْتَدَّ الْقِيَاسُ إِلَى الثَّالِثِ، فَلَمْ تَصْلُحِ السَّالِبَةُ لِلصُّغْرَى. وَإِنْ عَكَسْتَ الصُّغْرَى أَيْضًا ارْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَصْلُحْ عَكْسُ الصُّغْرَى لِأَنْ يَكُونَ صُغْرَى فِي الْأَوَّلِ، وَلَا الْكُبْرَى لِأَنْ تَكُونَ كُبْرَى فِيهِ ; ضَرُورَةَ صَيْرُورَةِ الصُّغْرَى سَالِبَةً، وَالْكُبْرَى جُزْئِيَّةً فِي الْأَوَّلِ. هَذَا إِذَا كَانَتِ الْكُبْرَى مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الصُّغْرَى سَالِبَةً كُلِّيَّةً. وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْكُبْرَى سَالِبَةً كُلِّيَّةً فَلَمْ تَتَلَاقَ الْمُقَدِّمَتَانِ وَلَا عَكْسُهُمَا أَصْلًا. فَسَقَطَ الصُّغْرَى السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ مَعَ الْكُبْرَيَاتِ الثَّلَاثِ الْغَيْرِ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَتِ الصُّغْرَى مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً فَلَا تَنْتِجُ إِلَّا مَعَ الْكُبْرَى السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ ; لِأَنَّ الْكُبْرَى إِنْ كَانَتْ مُوجَبَةً كُلِّيَّةً، وَفَعَلْتَ الْأَوَّلَ، أَيِ الْقَلْبَ، بِأَنْ جَعَلْتَ الْكُبْرَى صُغْرَى، وَالصُّغْرَى كُبْرَى، لَمْ تَصْلُحِ الْجُزْئِيَّةُ لِلْكُبْرَى فِي الْأَوَّلِ. وَإِنْ فَعَلْتَ الثَّانِيَ، أَيِ الْعَكْسَ، صَارَتِ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً فِي الْأَوَّلِ، إِنْ عَكَسْتَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ; لِأَنَّ الصُّغْرَى جُزْئِيَّةٌ وَالْكُبْرَى مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ، وَهِيَ لَا تَنْعَكِسُ إِلَّا جُزْئِيَّةً. وَإِنْ عَكَسْتَ الْكُبْرَى فَقَطْ، صَارَ الْقِيَاسُ عَنْ جُزْئِيَّتَيْنِ فِي الثَّالِثِ ; لِأَنَّهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى وَحْدَهَا يَرْتَدُّ إِلَى الثَّالِثِ. وَإِنْ عَكَسْتَ الصُّغْرَى فَقَطْ، ارْتَدَّ إِلَى الثَّانِي، فَيَصِيرُ الْقِيَاسُ عَنْ مُوجَبَتَيْنِ فِي الثَّانِي. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْتَبَرِ الرَّدَّ إِلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: " صَارَتِ الْكُبْرَى جُزْئِيَّةً ". هَذَا إِذَا كَانَتِ الْكُبْرَى مُوجَبَةً كُلِّيَّةً. فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً فَأَبْعَدُ مِنْهُ ; إِذْ لَا قِيَاسَ عَنْ جُزْئِيَّتَيْنِ فِي [الْأَشْكَالِ] الثَّلَاثَةِ أَصْلًا. فَالصُّغْرَى الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ تَسْقُطُ مَعَ الْكُبْرَيَاتِ الثَّلَاثِ. فَالضُّرُوبُ الْمُنْتَجَةُ خَمْسَةٌ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الصُّغْرَى الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ مَعَ الْكُبْرَيَاتِ الثَّلَاثِ الْغَيْرِ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ. وَالصُّغْرَى السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ مَعَ الْكُبْرَى الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ. وَالصُّغْرَى الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ مَعَ الْكُبْرَى السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ. وَفِي هَذِهِ الْبَيَانَاتِ أَيْضًا نَظَرٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُبَيَّنَ بِالِاخْتِلَافِ. ش - الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مِنْ مُوجَبَتَيْنِ كُلِّيَّتَيْنِ يَنْتُجُ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُهُ: كُلُّ عِبَادَةٍ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى النِّيَّةِ، وَكُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، يَنْتُجُ: بَعْضُ الْمُفْتَقِرِ إِلَى النِّيَّةِ وُضُوءٌ. بَيَانُهُ بِقَلْبِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِأَنْ تَجْعَلَ الصُّغْرَى كُبْرَى، وَالْكُبْرَى صُغْرَى، لِيَرْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ وَيَنْتِجَ مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ، ثُمَّ تَعْكِسُ النَّتِيجَةَ إِلَى الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَطْلُوبُ. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَإِلَّا لَصَارَ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ عَنِ الْجُزْئِيَّتَيْنِ وَلَا بِعَكْسِ [الصُّغْرَى، وَإِلَّا لَصَارَ الْقِيَاسُ] عَنْ مُوجَبَتَيْنِ فِي الثَّانِي. وَيُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّالِثِ وَيَنْتِجُ الْمَطْلُوبُ. وَلَا يُنْتِجُ هَذَا الضَّرْبُ كُلِّيَّةً ; لِأَنَّ بَيَانَهُ [إِمَّا] بِالْقَلْبِ، لِيَرْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ ; ثُمَّ عَكَسُ النَّتِيجَةِ. وَالْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيًّا. أَوْ بِعَكْسِ الْكُبْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّالِثِ، وَالثَّالِثُ لَا يُنْتِجُ إِلَّا جُزْئِيَّةً. وَهَذَا الْبَيَانُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ. وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا لَا يَنْتُجُ هَذَا الضَّرْبُ إِلَّا الْجُزْئِيَّةَ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْغَرُ فِيهِ أَعَمَّ مِنَ الْأَكْبَرِ، فَلَمْ يَصْدُقِ الْأَكْبَرُ عَلَى الْأَصْغَرِ. كَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، وَكُلُّ نَاطِقٍ إِنْسَانٌ، فَلَا يَصْدُقُ إِلَّا قَوْلُنَا: بَعْضُ الْحَيَوَانِ نَاطِقٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا الضَّرْبُ أَخَصُّ مِنَ الضُّرُوبِ الْمُنْتِجَةِ لِلْمُوجَبَةِ، فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهَا مُنْتِجًا لِلْكُلِّيَّةِ. الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ مُوجَبَتَيْنِ وَالْكُبْرَى جُزْئِيَّةٌ، يَنْتُجُ أَيْضًا مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ. مِثَالُهُ: كُلُّ عِبَادَةٍ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى النِّيَّةِ، وَبَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ، فَبَعْضُ الْمُفْتَقِرِ إِلَى النِّيَّةِ وُضُوءٌ. بَيَانُهُ بِالْقَلْبِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَإِلَّا لَصَارَ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ جُزْئِيَّتَيْنِ. وَلَا بِعَكْسِ الصُّغْرَى، وَإِلَّا لَصَارَ الْقِيَاسُ عَنْ مُوجَبَتَيْنِ جُزْئِيَّتَيْنِ فِي الثَّانِي. وَيُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْكُبْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّالِثِ وَيَنْتُجَ الْمَطْلُوبُ. الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ وَالْكُبْرَى مُوجَبَةٌ، يَنْتُجُ سَالِبَةً كُلِّيَّةً. مِثَالُهُ: كُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَسْتَغْنِي عَنِ النِّيَّةِ، وَكُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ، فَيَنْتِجُ: كُلُّ مُسْتَغْنٍ عَنِ النِّيَّةِ لَيْسَ بِوُضُوءٍ. بَيَانُهُ بِالْقَلْبِ، ثُمَّ عَكَسَ النَّتِيجَةَ. وَإِنَّمَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ كُلِّيَّةً ; لِأَنَّ السَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَوِ الْكُبْرَى. وَيُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّانِي وَيُنْتَجَ الْمَطْلُوبُ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ وَالْكُبْرَى سَالِبَةٌ، يُنْتِجُ سَالِبَةً جُزْئِيَّةً. مِثَالُهُ: كُلُّ مُبَاحٍ مُسْتَغْنٍ عَنِ النِّيَّةِ، وَكُلُّ وُضُوءٍ لَيْسَ بِمُبَاحٍ، فَيَنْتِجُ: بَعْضُ الْمُسْتَغْنِي لَيْسَ بِوُضُوءٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لِيَرْتَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِالْقَلْبِ وَإِلَّا لَصَارَتِ الصُّغْرَى سَالِبَةً فِي الْأَوَّلِ. وَيُمْكِنُ بَيَانُهُ بِعَكْسِ الصُّغْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّانِي. وَبِعَكْسِ الْكُبْرَى لِيَرْتَدَّ إِلَى الثَّالِثِ. وَلَا يُنْتِجُ هَذَا الضَّرْبُ كُلِّيَّةً. أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ ; فَلِأَنَّ بَيَانَهُ بِالْعَكْسِ، وَعِنْدَ الْعَكْسِ صَارَ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ جُزْئِيَّةً أَوِ الْقِيَاسُ عَلَى هَيْئَةِ الثَّالِثِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يُنْتِجُ إِلَّا جُزْئِيَّةً. وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَالْحُقُّ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْأَصْغَرُ جَازَ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنَ الْأَكْبَرِ فَلَمْ يَكُنِ الْأَكْبَرُ مَسْلُوبًا عَنِ الْأَصْغَرِ كُلِّيًّا. كَقَوْلِنَا: كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْفَرَسِ بِإِنْسَانٍ. وَهَذَا الضَّرْبُ أَخَصُّ مِنَ الْخَامِسِ، فَلَا يُنْتِجُ الْخَامِسُ إِلَّا جُزْئِيَّةً. الضَّرْبُ الْخَامِسُ مِنْ مُوجَبَةٍ جُزْئِيَّةٍ صُغْرَى وَسَالِبَةٍ كُلِّيَّةٍ كُبْرَى، يُنْتِجُ أَيْضًا سَالِبَةً مُوجَبَةً. مِثَالُهُ: بَعْضُ الْمُبَاحِ مُسْتَغْنٍ عَنِ النِّيَّةِ، وَكُلُّ وُضُوءٍ لَيْسَ بِمُبَاحٍ يَنْتُجُ: بَعْضُ الْمُسْتَغْنِي عَنِ النِّيَّةِ لَيْسَ بِوُضُوءٍ. بَيَانُهُ بِعَكْسِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَوْ بِعَكْسِ إِحْدَاهُمَا. وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ بِالْقَلْبِ، وَإِلَّا لَصَارَا الصُّغْرَى فِي الْأَوَّلِ سَالِبَةً، وَالْكُبْرَى جُزْئِيَّةً. وَيُمْكِنُ بَيَانُ جَمِيعِ الضُّرُوبِ بِالْخُلْفِ. أَمَّا الضُّرُوبُ الْمُنْتِجَةُ لِلْمُوجَبَةِ فَكَالثَّالِثِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا الضُّرُوبُ الْمُنْتِجَةُ لِلسَّلْبِ فَكَالثَّانِي. [الاستثنائي (المتصل والمنفصل) ] [الاستثنائي المتصل] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِيَاسِ الِاقْتِرَانِيِّ، شَرَعَ فِي الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ النَّتِيجَةُ أَوْ نَقِيضُهَا مَذْكُورًا فِيهِ بِالْفِعْلِ. وَهُوَ قِسْمَانِ: مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ شَرْطِيَّةٌ. فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً - وَهِيَ مَا فِيهِ حَرْفُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ - سُمِّيَ الْقِيَاسُ مُتَّصِلًا. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " ضَرْبٌ بِالشَّرْطِ، وَيُسَمَّى الْمُتَّصِلَ ". وَإِنْ كَانَتِ الشَّرْطِيَّةُ مُنْفَصِلَةً - وَهِيَ مَا فِيهِ حَرْفُ الِانْفِصَالِ - سُمِّيَ الْقِيَاسُ: مُنْفَصِلًا. وَابْتَدَأَ الْمُصَنِّفِ بِالْمُتَّصِلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالشَّرْطُ فِي الْمُتَّصِلِ، أَيِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمُتَّصِلَةِ الْمُقْتَرِنِ بِهِ حَرْفُ الشَّرْطِ يُسَمَّى: مُقَدَّمًا ; لِتَقَدُّمِهِ. وَالْجُزْءُ الثَّانِي، أَيِ الْجُزْءُ الثَّانِي الْمُقْتَرِنُ بِهِ حَرْفُ الْجَزَاءِ، يُسَمَّى [بِالتَّالِي] لِأَنَّهُ يَتْلُوهُ. وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُ تُسَمَّى اسْتِثْنَائِيَّةً ; لِاشْتِمَالِهَا عَلَى حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَشَرْطُ إِنْتَاجِهِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ الْمُقَدَّمِ أَوْ نَقِيضَ التَّالِي ; لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَثْنَى نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ أَوْ عَيْنَ التَّالِي، لَمْ يُنْتِجْ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّالِي أَعَمَّ مِنَ الْمُقَدَّمِ. فَلَا يَلْزَمُ [مِنْ] تَحَقُّقِ الْمُقَدَّمِ، وَلَا انْتِفَائِهِ، وَلَا مِنِ انْتِفَاءِ الْمُقَدَّمِ تَحَقُّقُ التَّالِي أَوِ انْتِفَاؤُهُ; لِجَوَازِ صَدْقِ الْعَامِّ بِدُونِ الْخَاصِّ. أَمَّا إِذَا اسْتَثْنَى عَيْنَ الْمُقَدَّمِ، يَنْتُجُ عَيْنُ التَّالِي ; لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْمَلْزُومِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ اللَّازِمِ. وَإِذَا اسْتَثْنَى نَقِيضَ التَّالِي يَنْتُجُ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ. وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ لَازِمٍ مَعَ مَلْزُومِهِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَيْنِ الْمَلْزُومِ عَيْنُ اللَّازِمُ، وَمِنْ نَقِيضِ اللَّازِمِ نَقِيضُ الْمَلْزُومِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ اللَّازِمِ تَحَقُّقُ الْمَلْزُومِ وَلَا عَدَمُ تَحَقُّقِهِ، وَلَا مِنِ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ تَحَقُّقُ [اللَّازِمِ] وَلَا انْتِفَاؤُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ ذَلِكَ: إِنْ كَانَ هَذَا إِنْسَانًا فَهُوَ حَيَوَانٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِنْسَانِ تَحَقُّقُ الْحَيَوَانِ، وَمِنِ انْتِفَاءِ الْحَيَوَانِ انْتِفَاءُ الْإِنْسَانِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْإِنْسَانِ انْتِفَاءُ الْحَيَوَانِ وَلَا تَحَقُّقُهُ، وَلَا مِنْ تَحَقُّقِ الْحَيَوَانِ تَحَقُّقُ الْإِنْسَانِ وَلَا انْتِفَاؤُهُ. وَأَكْثَرُ الْأَوَّلِ بِـ " إِنَّ " أَيِ الْقِيَاسُ الِاسْتِثْنَائِيُّ الْمُتَّصِلُ الَّذِي يُسْتَثْنَى فِيهِ عَيْنُ الْمُقَدَّمِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ بِـ " إِنَّ ". وَالَّذِي يُسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضُ التَّالِي، أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ بِـ " لَوْ " ; لِأَنَّ " لَوْ " لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ. ش - اعْلَمْ أَنَّ قِيَاسَ الْخُلْفِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُرَكَّبٌ مِنْ قِيَاسَيْنِ: أَحَدُهُمَا اقْتِرَانِيٌّ [مُرَكَّبٌ] مِنْ مُتَّصِلَةٍ، يَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِيهَا فَرْضَ الْمَطْلُوبِ غَيْرَ حَقٍّ، وَتَالِيهَا وَضِعَ نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ. وَمِنْ حَمْلِيَّةٍ غَيْرِ مُتَنَازَعٍ فِيهَا. وَيَكُونُ تِلْكَ الْحَمْلِيَّةُ مُشَارِكَةً لِتَالِي الْمُتَّصِلَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُنْتِجَةٍ. فَيُنْتِجَانِ مُتَّصِلَةً، مُقَدَّمُهَا الْمُقَدَّمُ مِنَ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي هِيَ جُزْءُ الْقِيَاسِ وَتَالِيهَا نَتِيجَةُ التَّأْلِيفِ بَيْنَ تَالِي الْمُتَّصِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَمْلِيَّةِ. وَتَكُونُ نَتِيجَةُ التَّأْلِيفِ كَاذِبَةً لِكَوْنِهَا نَقِيضًا لِمُقَدِّمَةٍ صَادِقَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْقِيَاسُ الثَّانِي اسْتِثْنَائِيٌّ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي هِيَ نَتِيجَةُ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ. وَمِنِ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ تَالِيهَا، فَيَنْتُجُ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ الْمَطْلُوبِ غَيْرَ حَقٍّ فَيَنْتُجُ كَوْنُ الْمَطْلُوبِ حَقًّا. مَثَلًا إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ: لَا شَيْءَ مِنْ ج آ، وَالْمُقَدِّمَةُ الصَّادِقَةُ: لَا شَيْءَ مِنْ آب، وَنَقِيضُ نَتِيجَةِ التَّأْلِيفِ الصَّادِقِ: كُلُّ ج ب فَنَقُولُ: لَوْ لَمْ يَصْدُقْ: لَا شَيْءَ مِنْ ج آ، لَصَدَقَ: بَعْضُ ج آ. وَلَا شَيْءَ مِنْ آب، فَيَنْتُجُ: لَوْ لَمْ يَصْدُقْ: لَا شَيْءَ مِنْ ج آ، لَصَدَقَ. بَعْضُ ج لَيْسَ ب. لَكِنْ كَذَبَ: بَعْضُ ج لَيْسَ ب، فَيَلْزَمُ صِدْقُ: لَا شَيْءَ مِنْ ج آ. وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَعَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، قِيَاسُ الْخُلْفِ: قِيَاسٌ بَسِيطٌ اسْتِثْنَائِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ مُتَّصِلَةٍ مُقَدَّمُهَا نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ، وَتَالِيهَا أَمْرٌ مُحَالٌ. وَمِنِ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ التَّالِي. مَثَلًا إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ قَوْلَنَا: الزَّكَاةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمَدْيُونِ، فَنَقُولُ: لَوْ كَانَتِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمَدْيُونِ، لَكَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْفَقِيرِ، لَكِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْفَقِيرِ، فَيَنْتُجُ: الزَّكَاةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمَدْيُونِ. وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. فَقَدْ أَثْبَتْنَا الْمَطْلُوبَ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا: الزَّكَاةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمَدْيُونِ بِإِبْطَالِ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا: الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَدْيُونِ. فَاصْطِلَاحُهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ. [الاستثنائي المنفصل] ش - هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ، وَهُوَ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ص - وَضَرْبٌ بِغَيْرِ [الشَّرْطِ] وَيُسَمَّى: " الْمُنْفَصِلَ ". وَيَلْزَمُهُ تَعَدُّدُ اللَّازِمِ مَعَ التَّنَافِي. فَإِنْ تَنَافَيَا إِثْبَاتًا وَنَفْيًا - لَزِمَ مِنْ إِثْبَاتِ [كُلٍّ نَقِيضَهُ،] وَمِنْ نَقِيضِهِ عَيْنُهُ، فَيَجِئْ أَرْبَعَةٌ. مِثَالُهُ: الْعَدَدُ إِمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، لَكِنَّهُ - إِلَى آخِرِهَا. وَإِنْ تَنَافَيَا إِثْبَاتًا لَا نَفْيًا - لَزِمَ الْأَوَّلَانِ. مِثَالُهُ: الْجِسْمُ إِمَّا جَمَادٌ أَوْ حَيَوَانٌ. وَإِنْ تَنَافَيَا [نَفْيًا لَا إِثْبَاتًا]- لَزِمَ [الْأَخِيرَانِ] مِثَالُهُ: الْخُنْثَى إِمَّا لَا رَجُلٌ أَوْ لَا امْرَأَةٌ. ص - وَيُرَدُّ الِاسْتِثْنَائِيُّ إِلَى الِاقْتِرَانِيِّ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَلْزُومُ وَسَطًا. وَالِاقْتِرَانِيُّ إِلَى الْمُنْفَصِلِ بِذِكْرِ مُنَافِيهِ مَعَهُ. ص - وَالْخَطَأُ فِي الْبُرْهَانِ لِمَادَّتِهِ وَصُورَتِهِ. فَالْأَوَّلُ يَكُونُ فِي اللَّفْظِ لِلِاشْتِرَاكِ، أَوْ فِي حُرُوفِ الْعَطْفِ، مِثْلُ الْخَمْسَةِ أَوْ فِي حَرْفِ الْعَطْفِ، مِثْلُ: الْخَمْسَةُ زَوْجٌ وَفَرْدٌ. وَنَحْوُ: حُلْوٌ حَامِضٌ، وَعَكْسُهُ طَبِيبٌ مَاهِرٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَكُونُ الشَّرْطِيَّةُ فِيهِ مُنْفَصِلَةً. وَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَرْطٌ قَالَ: " وَضَرْبٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ ". وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ: الْمُنْفَصِلُ، لَا الْقَضِيَّةَ الَّتِي يُسْتَثْنَى جُزْؤُهَا أَوْ نَقِيضُهَا، عَلَى مَا تَوَهَّمَ بَعْضٌ ; لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ لَا تُسَمَّى الْمُنْفَصِلَ، بَلِ الْمُنْفَصِلَةَ. قَوْلُهُ: " وَيَلْزَمُهُ تَعَدُّدُ اللَّازِمِ " أَيْ أَجْزَاءِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ مَعَ التَّنَافِي بَيْنَ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ. وَلَمَّا كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمُنْفَصِلَةِ قَدْ تَكُونُ نَتَائِجَ الْقِيَاسِ، وَالنَّتِيجَةُ لَازِمَةٌ، سَمَّاهَا بِاللَّازِمِ مَجَازًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمُنْفَصِلَ يَلْزَمُهُ تَعَدُّدُ النَّتِيجَةِ مَعَ التَّنَافِي بَيْنَهَا ; لِأَنَّ نَتَائِجَهَا لَا يَجْتَمِعُ بَعْضُهَا مَعَ الْبَعْضِ; لِأَنَّ جُزْئَيِ الْمُنْفَصِلَةِ إِنْ تَنَافَيَا إِثْبَاتًا وَنَفْيًا يَلْزَمُ أَرْبَعُ نَتَائِجَ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ كُلِّ جُزْءٍ نَقِيضُ الْآخَرِ ; لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِهِمَا. وَمِنْ نَقِيضِ كُلِّ جُزْءِ عَيْنُ الْآخَرِ ; لِامْتِنَاعِ ارْتِفَاعِهِمَا. مِثَالُهُ: الْعَدَدُ إِمَّا زَوْجٌ وَإِمَّا فَرْدٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنِ اسْتِثْنَاءِ عَيْنِ الزَّوْجِ نَقِيضُ الْفَرْدِ، وَمِنِ اسْتِثْنَاءِ عَيْنِ الْفَرْدِ نَقِيضُ الزَّوْجِ، وَمِنْ نَقِيضِ الزَّوْجِ عَيْنُ الْفَرْدِ وَمِنْ نَقِيضِ الْفَرْدِ عَيْنُ الزَّوْجِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ تَنَافَيَا إِثْبَاتًا لَا نَفْيًا، يَلْزَمُ الْأَوَّلَانِ، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ عَيْنِ كُلِّ جُزْءٍ نَقِيضُ الْآخَرِ ; لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا عَيْنُ الْآخَرِ ; لِجَوَازِ انْتِفَائِهِمَا ; إِذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْئَيْنِ فِي النَّفْيِ. مِثَالُهُ الْجِسْمُ إِمَّا حَيَوَانٌ أَوْ جَمَادٌ ; فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْحَيَوَانِ نَقِيضُ الْجَمَادِ، وَمِنَ الْجَمَادِ نَقِيضُ الْآخَرِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَقِيضِ شَيْءٍ مِنْهُمَا عَيْنُ الْآخَرِ ; لِجَوَازِ انْتِفَائِهِمَا مَعًا. وَإِنْ تَنَافَيَا نَفْيًا لَا إِثْبَاتًا لَزِمَ الْآخَرَانِ، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ نَقِيضِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَيْنُ الْآخَرِ ; ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ انْتِفَائِهِمَا. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَيْنِ أَحَدِهِمَا نَقِيضُ الْآخَرِ ; لِجَوَازِ ثُبُوتِهِمَا مَعًا. مِثَالُهُ: الْخُنْثَى إِمَّا لَا رَجُلٌ أَوْ لَا امْرَأَةٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ اللَّا رَجُلٍ ثُبُوتُ اللَّا امْرَأَةٍ، وَمِنِ انْتِفَاءِ اللَّا امْرَأَةٍ، ثُبُوتُ اللَّا رَجُلٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْآخَرِ ; لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً. [رد الاستثنائي إلى الاقتراني] ش - الْقِيَاسُ الِاسْتِثْنَائِيُّ يُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى الْقِيَاسِ الِاقْتِرَانِيِّ إِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ وَالتَّالِي فِي الشُّرْطِيَّةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ مُتَشَارِكِينَ فِي الْمَوْضُوعِ بِأَنْ [تُجْعَلَ] الْمُقَدِّمَةُ الِاسْتِثْنَائِيَّةُ صُغْرَى وَالْحَمْلِيَّةُ اللَّازِمَةُ لِلشَّرْطِيَّةِ كُبْرَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ الْمُتَّصِلِ الَّذِي يُسْتَثْنَى فِيهِ عَيْنُ الْمُقَدَّمِ قَوْلُنَا: إِنْ كَانَ هَذَا إِنْسَانًا فَهُوَ حَيَوَانٌ، لَكِنَّهُ إِنْسَانٌ فَهُوَ حَيَوَانٌ، فَيُقَالُ هَذَا إِنْسَانٌ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ، فَيَنْتُجُ: هَذَا حَيَوَانٌ. مِثَالُ الْمُتَّصِلِ الَّذِي يُسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضُ التَّالِي: إِنْ كَانَ هَذَا فَرَسًا فَهُوَ لَيْسَ بِجَمَادٍ لَكِنَّهُ جَمَادٌ فَهُوَ لَيْسَ بِفَرَسٍ، فَيُقَالُ هَذَا جَمَادٌ، وَكُلُّ جَمَادٍ لَيْسَ بِفَرَسٍ، فَهَذَا لَيْسَ بِفَرَسٍ. مِثَالُ الْمُنْفَصِلِ: هَذَا الْعَدَدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجًا أَوْ فَرْدًا، لَكِنَّهُ زَوْجٌ فَهُوَ لَيْسَ بِفَرْدٍ، فَيُقَالُ هَذَا الْعَدَدُ زَوْجٌ، وَكُلُّ زَوْجٍ لَيْسَ بِفَرْدٍ، فَهَذَا الْعَدَدُ لَيْسَ بِفَرْدٍ. وَلَمَّا كَانَ الْوَسَطُ فِي الْمِثَالَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدَهُمَا الْمُصَنِّفُ مَلْزُومًا ; أَمَّا فِي الْمُتَّصِلِ فَلِمَحْمُولِ التَّالِي، وَأَمَّا فِي الْمُنْفَصِلِ فَلِنَقِيضِهِ، قَالَ: وَيُرَدُّ الِاسْتِثْنَائِيُّ إِلَى الِاقْتِرَانِيِّ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَلْزُومُ وَسَطًا، أَيْ فِي الْمِثَالَيْنِ. وَيُرَدُّ الْقِيَاسُ الِاقْتِرَانِيُّ إِلَى الِاسْتِثْنَائِيِّ الْمُنْفَصِلِ بِأَنْ يُذْكَرَ مُنَافِي الْوَسَطِ مَعَهُ. مَثَلًا إِذَا كَانَ الِاقْتِرَانِيُّ قَوْلَنَا: الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، فَيُقَالُ: الْوُضُوءُ إِمَّا عِبَادَةٌ أَوْ صَحِيحٌ بِدُونِ النِّيَّةِ، لَكِنَّهُ عِبَادَةٌ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ. [الْخَطَأُ فِي الْبُرْهَانِ لِمَادَّتِهِ وَصُورَتِه] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْبُرْهَانِ وَأَقْسَامِهِ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْخَطَأَ الْوَاقِعَ فِيهِ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ. وَالْخَطَأُ فِي الْبُرْهَانِ إِمَّا لِأَجْلِ مَادَّتِهِ أَوْ لِأَجْلِ صُورَتِهِ. وَالْأَوَّلُ قَدْ يَكُونُ فِي اللَّفْظِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى. وَالَّذِي يَكُونُ فِي اللَّفْظِ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ اشْتِبَاهِ دَلَالَتِهِ؟ إِمَّا الِاشْتِرَاكُ فِي أَحَدِ جَزِّئِي الْقَوْلِ بِحَسَبِ جَوْهَرِهِ كَالْعَيْنِ أَوْ بِحَسَبِ تَصَارِيفِهِ، كَالْمُخْتَارِ، فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِحَسَبِ الصِّيغَةِ. أَوْ فِي حَرْفِ الْعَطْفِ، مِثْلَ: الْخَمْسَةُ زَوْجٌ وَفَرْدٌ، فَإِنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ، فَيَصْدُقُ قَوْلُنَا: زَوْجٌ وَفَرْدٌ حَالَةَ الْجَمْعِ، فَيُتَوَهَّمُ صِدْقُهُ حَالَةَ الْإِفْرَادِ، فَيُقَالُ الْخَمْسَةُ زَوْجٌ. وَقَوْلُنَا لِلْمُرِّ: إِنَّهُ حُلْوٌ حَامِضٌ، نَحْوُهُ فِي أَنَّهُ يَصْدُقُ حَالَةَ الْجَمْعِ، فَيُتَوَهَّمُ صِدْقُهُ حَالَةَ الْإِفْرَادِ، فَيُقَالُ: الْمُرُّ حُلْوٌ، أَوْ حَامِضٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَلِاسْتِعْمَالِ الْمُتَبَايِنَةِ كَالْمُتَرَادِفَةِ، كَالسَّيْفِ وَالصَّارِمِ. وَيَكُونُ فِي الْمَعْنَى لِالْتِبَاسِهَا بِالصَّادِقَةِ، كَالْحُكْمِ عَلَى الْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ. وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي النَّقِيضَيْنِ. وَكَجَعْلِ غَيْرِ الْقَطْعِيِّ كَالْقَطْعِيِّ، وَكَجَعْلِ الْعَرَضِيِّ كَالذَّاتِيِّ، وَكَجَعْلِ النَّتِيجَةِ مُقَدِّمَةً بِتَغْيِيرٍ مَا، وَيُسَمَّى الْمُصَادَرَةَ. وَمِنْهُ الْمُتَضَايِفَةُ وَكُلُّ قِيَاسٍ دَوْرِيٍّ. وَالثَّانِي أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْأَشْكَالِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَ " عَكْسُهُ " أَيْ يَصْدُقُ اللَّفْظُ حَالَةَ الْإِفْرَادِ، فَيُتَوَهَّمُ صِدْقُهُ حَالَةَ الْجَمْعِ، كَمَا إِذَا كَانَ زَيْدٌ مَاهِرًا فِي الْخِيَاطَةِ، غَيْرَ مَاهِرٍ فِي الطِّبِّ، فَيَصْدُقُ حَالَةَ الْإِفْرَادِ: زِيدٌ طَبِيبٌ، زَيْدٌ مَاهِرٌ، فَيُتَوَهَّمُ صِدْقُهُ حَالَةَ الْجَمْعِ، فَيُقَالُ: زِيدٌ طَبِيبٌ مَاهِرٌ. وَإِلَى هَذَا إِشَارَةٌ بِقَوْلِهِ: " وَعَكْسُهُ طَبِيبٌ مَاهِرٌ ". وَإِمَّا [لِاسْتِعْمَالِ] الْأَلْفَاظِ الْمُتَبَايِنَةِ مِثْلَ اسْتِعْمَالِ الْمُتَرَادِفَةِ، كَاسْتِعْمَالِ السَّيْفِ مَقَامَ الصَّارِمِ وَبِالْعَكْسِ، فَإِنَّ السَّيْفَ اسْمُ الذَّاتِ سَوَاءٌ كَانَ قَاطِعًا أَوْ لَا، وَالصَّارِمُ اسْمٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْقَطْعِ، فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ، لِإِطْلَاقِهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَيُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ. وَالْخَطَأُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَادَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، لِالْتِبَاسِ الْمَادَّةِ الْكَاذِبَةِ بِالصَّادِقَةِ، كَالْحُكْمِ عَلَى الْجِنْسِ بِمَا حُكِمَ بِهِ نَوْعُهُ. كَقَوْلِنَا: الْفَرَسُ حَيَوَانٌ، وَالْحَيَوَانُ نَاطِقٌ، فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ عَلَى الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ بِالنَّاطِقِ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ نَوْعُهُ. وَهَذَا مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يُسَمَّى فِي بَابِ الْمُغَالَطَةِ بِسُوءِ اعْتِبَارِ الْحَمْلِ، وَهُوَ أَنْ يُؤْخَذَ مَعَ الشَّيْءِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، أَوْ لَا يُؤْخَذُ مَعَهُ مَا هُوَ مِنْهُ. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ: الْغَلَطُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي شَرَائِطِ التَّنَاقُضِ ; مِنْ أَخْذِ مَا بِالْقُوَّةِ مَكَانَ مَا بِالْفِعْلِ، وَأَخْذِ الْمُطْلَقِ مَكَانَ الْمُقَيَّدِ، وَأَخْذِ الْكُلِّ مَكَانَ الْجُزْءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُهُ: وَ " كَجَعْلِ " عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: " كَالْحُكْمِ " أَيْ وَكَجَعْلِ الْمُقَدِّمَةِ الْغَيْرِ الْقَطْعِيَّةِ - مِثْلَ الْمُقَدِّمَةِ الظَّنِّيَّةِ أَوِ التَّقْلِيدِيَّةِ أَوِ الْوَهْمِيَّةِ - مَكَانَ الْقَطْعِيِّ وَكَأَخْذِ الْعَرَضِيِّ مَكَانَ الذَّاتِيِّ، كَأَخْذِ الْمَاشِي [جِنْسًا] لِلْإِنْسَانِ مَكَانَ الْحَيَوَانِ. وَكَجَعْلِ النَّتِيجَةِ مُقَدِّمَةً بِتَغْيِيرٍ فِي اللَّفْظِ، وَيُسَمَّى هَذَا الصِّنْفُ: الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ ; مِثْلَ قَوْلِنَا: كُلُّ حَرَكَةٍ نَقْلَةٌ، وَكُلُّ نَقْلَةٍ فِي مَكَانٍ، فَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي مَكَانٍ ; فَإِنَّ الْكُبْرَى عَيْنُ النَّتِيجَةِ، إِلَّا أَنَّهُ بَدَّلَ لَفْظَ الْحَرَكَةِ بِالنَّقْلَةِ. وَمِنْ هَذَا [الْقَبِيلِ] أَيْ وَمِنْ جَعْلِ النَّتِيجَةِ مُقَدِّمَةً بِتَغْيِيرٍ مَا: الْمُتَضَايِقَةُ. مِثْلَ: هَذَا ذُو أَبٍ، وَكُلُّ ذِي أَبٍ ابْنٌ، [فَهَذَا ابْنٌ] ، فَإِنَّ الصُّغْرَى عَيْنُ النَّتِيجَةِ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ: كُلُّ قِيَاسٍ دَوْرِيٌّ، وَهُوَ أَنْ تَثْبُتَ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ بِقِيَاسٍ مُتَأَلِّفٍ مِنْ نَتِيجَةِ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ، وَعَكْسِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُخْرَى. كَمَا يُقَالُ: كُلُّ وُضُوءٍ رَفْعُ الْحَدَثِ، وَكُلُّ مَا هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ، فَكُلُّ وُضُوءٍ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ. ثُمَّ يُسْتَدَلُّ عَلَى قَوْلِنَا: كُلُّ مَا هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ، بِقَوْلِنَا: كُلُّ مَا هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ وُضُوءٌ، وَكُلُّ وُضُوءٍ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ، فَكُلُّ مَا هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ بِسَبَبِ الصُّورَةِ - أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى هَيْئَةِ شَكْلٍ مِنَ الْأَشْكَالِ، أَوْ لَا يَكُونَ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ الضُّرُوبِ الْمُنْتَجَةِ. [مَبَادِئُ اللُّغَةِ] [مقدمة مَبَادِئ اللُّغَةِ] ش - مَبَادِئُ اللُّغَةِ، إِضَافَةُ الْمَبَادِئِ إِلَى اللُّغَةِ، إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى جِنْسِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى " مِنْ " وَتَقْدِيرُهُ مَبَادِئُ مِنَ اللُّغَةِ] 1) . لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ شَرَعَ فِيمَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ مِنَ اللُّغَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَبَادِئُ اللُّغَةِ. وَلْنُقَدِّمْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا مُقَدِّمَةً. فَنَقُولُ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ الْوَاحِدَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَقِلُّ بِمَصَالِحِ مَعَاشِهِ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى إِعَانَةِ غَيْرِهِ إِيَّاهُ، وَهِيَ إِنَّمَا تَتَيَسَّرُ إِذَا عَرَفَ صَاحِبُهُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْحَاجَةِ بِطَرِيقٍ، كَإِشَارَاتٍ أَوْ أَمْثِلَةٍ أَوْ أَلْفَاظٍ تُوضَعُ بِإِزَاءِ الْمَقَاصِدِ، وَكَانَ اللَّفْظُ أَفْيَدَ ; لِأَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعُدِمَ عِنْدَ عَدَمِهَا. وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ; إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُوضَعَ لِلْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ وَالْمَعْقُولِ وَالْمَحْسُوسِ، بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ وَالْمِثَالِ ; إِذْ لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَعْقُولِ وَالْغَائِبِ وَالْمَعْدُومِ، وَلَا يَكُونُ لِكُلِّ شَيْءٍ مِثَالٌ. وَأَيْسَرُ; لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلْأَصْوَاتِ الْحَادِثَةِ مِنْ كَيْفِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ص - مَبَادِئُ اللُّغَةِ وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ - تَعَالَى - إِحْدَاثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ. ص - فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى حَدِّهَا أَوْ أَقْسَامِهَا أَوِ ابْتِدَاءِ وَضْعِهَا، وَطَرِيقِ مَعْرِفَتِهَا. ص - الْحَدُّ: كُلُّ لَفْظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى. ص - أَقْسَامُهَا: مُفْرَدٌ وَمُرَكَّبٌ. ص - فَالْمُفْرَدُ: اللَّفْظُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِخْرَاجِ النَّفَسِ الضَّرُورِيِّ الْمُمْتَدِّ مِنْ قِبَلِ الطَّبِيعَةِ دُونَ تَكَلُّفٍ اخْتِيَارِيٍّ، أَنْعَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَلَطَفَ بِهِمْ بِإِحْدَاثِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ بِأَنْ وَضَعَهَا لِلْمَعَانِي وَوَقَفَهُمْ عَلَيْهِ ; لِيَتَوَصَّلُوا بِهَا فِي مَطَالِبِهِمْ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى إِحْدَاثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ " إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا وَمُشْعِرٌ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ التَّوْقِيفُ. ش - رَتَّبَ الْكَلَامَ فِي مَبَادِئِ اللُّغَةِ عَلَى [أَرْبَعَةِ] أَبْحَاثٍ. [الأول: حَدِّ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ] ش - الْبَحْثُ الْأَوَّلُ فِي حَدِّ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْـ " كُلِّ "، الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ، لَا كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةَ. هِيَ مَجْمُوعُ الْأَلْفَاظِ لَا كُلَّ وَاحِدٍ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قُلْتَ: فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ أَلْفَاظٍ وُضِعَتْ لِلْمَعَانِي ; إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْمَوْضُوعَاتُ اللُّغَوِيَّةُ مَجْمُوعُ لَفْظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى. أُجِيبُ بِأَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ، وَالْمَصْدَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: " لَفَظٌ " بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ، وَقَوْلُهُ: " مَعْنًى " بِمَعْنَى الْمَعَانِي، وَاللَّفْظُ بِمَعْنَى الْمَلْفُوظِ. وَالْوَضْعُ: اخْتِصَاصُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ بِحَيْثُ إِذَا أُطْلِقَ الشَّيْءُ الْأَوَّلُ، فُهِمَ مِنْهُ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ: " كُلُّ لَفْظٍ " كَالْجِنْسِ، يَتَنَاوَلُ الْمَوْضُوعَ وَالْمُهْمَلَ. وَقَوْلُهُ: " وُضِعَ لِمَعْنًى " يُخْرِجُ الْمُهْمَلُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنًى. وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدِ الْمَعْنَى بِالْمُفْرَدِ لِيَتَنَاوَلَ الْمُرَكَّبَ ; ضَرُورَةَ تَنَاوُلِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ لَهُمَا. [الثَّانِي أَقْسَامُ الموضوعات اللغوية] [المفرد] [تعريف المفرد] ش - الْبَحْثُ الثَّانِي فِي أَقْسَامِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارَاتٍ: الْأَوَّلُ إِلَى الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ بِاعْتِبَارِ الْبَسَاطَةِ وَغَيْرِهَا. وَيُعَرَّفُ الْحَصْرُ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا. ش - الْمُفْرَدُ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كَلِمَةً وَاحِدَةً. وَنَعْنِي بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مَا لَا يَشْتَمِلُ عَلَى لَفْظَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ. وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَاهُلٌ. وَبِاصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ، الْمُفْرَدُ: مَا وُضِعَ، أَيْ لَفْظٌ وَضِعَ لِمَعْنًى وَلَا جُزْءَ لَهُ، أَيْ لِذَلِكَ اللَّفْظِ، يَدُلُّ فِيهِ، أَيْ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ عَلَى شَيْءٍ. فَالْمُفْرَدُ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ يَتَنَاوَلُ مَا لَا جُزْءَ لَهُ مِثْلَ - زَازَا، جُعِلَ عَلَمًا لِشَخْصٍ. وَمَا لَهُ جُزْءٌ وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ لَهُ أَصْلًا، مِثْلُ - زِيدٍ. وَمَا لَهُ جُزْءٌ دَالٌّ، وَلَكِنْ لَا عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ، مِثْلَ " عَبْدِ اللَّهِ " إِذَا جُعِلَ عَلَمًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ. وَالْمُرَكَّبُ بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ فِي التَّعْرِيفَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَقِيلَ: مَا وُضِعَ لِمَعْنًى وَلَا جُزْءَ لَهُ يَدُلُّ فِيهِ. وَالْمُرَكَّبُ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا. فَنَحْوَ بَعْلَبَكَّ مُرَكَّبٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. وَنَحْوَ يَضْرِبُ بِالْعَكْسِ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ نَحْوَ ضَارِبٍ وَمُخْرِجٍ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ، مُرَكَّبٌ] ) . ص - وَيَنْقَسِمُ الْمُفْرَدُ إِلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ. ص - وَدَلَالَتُهُ اللَّفْظِيَّةُ فِي كَمَالِ مَعْنَاهَا: دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ، وَفِي جُزْئِهِ: دَلَالَةُ تَضَمُّنٍ. وَغَيْرُ اللَّفْظِيَّةِ: الْتِزَامٌ. وَقِيلَ: إِذَا كَانَ ذِهْنِيًّا. ص - وَالْمُرَكَّبُ جُمْلَةٌ وَغَيْرُ جُمْلَةٍ. فَالْجُمْلَةُ: مَا وُضِعَ لِإِفَادَةِ نِسْبَةٍ. وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي اسْمَيْنِ، أَوْ فِي فِعْلٍ وَاسْمٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَةٍ. وَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي فَمَا وُضِعَ لِمَعْنًى وَلَهُ جُزْءٌ يَدُلُّ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى عَلَى شَيْءٍ. فَنَحْوُ بَعْلَبَكَّ مُرَكَّبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ كَلِمَتَانِ، وَلَا يَكُونُ مُرَكَّبًا بِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي ; لِأَنَّ جُزْأَهُ لَا يَدُلُّ فِي مَعْنَاهُ عَلَى شَيْءٍ. وَكَذَا " عَبْدُ اللَّهِ " إِذَا كَانَ عَلَمًا لِشَخْصٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَعْلَبَكَّ مُرَكَّبٌ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ ; إِذْ لَا دَلَالَةَ لِجُزْئِهِ حَالَةَ [الْعَلَمِيَّةِ] . أُجِيبُ بِأَنَّ الْكَلِمَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ دَالَّةً عِنْدَ الْعَلَمِيَّةِ، بَلْ يَكْفِي فِيهَا دَلَالَتُهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ. وَعَدَمُ دَلَالَتِهَا بِالنَّقْلِ لَا يَسْقُطُ اسْمُ الْكَلِمَةِ عَنْهَا. وَ " نَحْوُ يَضْرِبُ بِالْعَكْسِ " أَيْ مُرَكَّبٌ بِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي ; لِأَنَّ جُزْآهُ - وَهُوَ حَرْفُ الْمُضَارِعِ - يَدُلُّ فِي مَعْنَاهُ عَلَى شَيْءٍ. وَلَا يَكُونُ مُرَكَّبًا بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُهُ: " وَيَلْزَمُهُمْ " أَيْ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي أَنَّ نَحْوَ " ضَارِبٍ " وَ " مُخْرِجٍ " أَيْ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ مُرَكَّبٌ ; لِكَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنَ الْمَصْدَرِ مَعَ صِيغَةٍ خَاصَّةٍ يَدُلُّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَعْنًى. وَلَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرْكِيبِ: تَرَتُّبُ أَجْزَاءٍ مَسْمُوعَةٍ، إِمَّا أَلْفَاظٌ أَوْ حُرُوفٌ، وَالْمَصْدَرُ مَعَ الصِّيغَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ. [أقسام الْمُفْرَد] ش - لِأَنَّ الْمُفْرَدَ إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ أَوْ لَا، الثَّانِي: الْحَرْفُ. وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ، أَعْنِي الْمَاضِيَ وَالْحَالَ وَالْمُسْتَقْبَلَ أَوْ لَا، وَالثَّانِي: الِاسْمُ. وَالْأَوَّلُ: الْفِعْلُ. وَيُعْلَمَ مِنَ التَّقْسِيمِ حَدُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. [دلالة المفرد] ش - اعْلَمْ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ إِذَا سُمِعَ أَوْ تُخُيِّلَ، لَاحَظَتِ النَّفْسُ مَعْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهِيَ إِمَّا وَضْعِيَّةٌ، أَيْ يَكُونُ لِلْوَضْعِ مَدْخَلٌ فِيهَا، إِمَّا بِلَا وَاسِطَةٍ كَمَا فِي الْمُطَابَقَةِ، أَوْ بِوَاسِطَةٍ، كَمَا فِي التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ. وَإِمَّا غَيْرُ وَضْعِيَّةٍ، وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْعُلُومِ. وَالْوَضْعِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى لَفْظِيَّةٍ وَإِلَى غَيْرِهَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَفْهُومَ مِنَ اللَّفْظِ إِمَّا خَارِجٌ عَنْ مُسَمَّاهُ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ، وَالثَّانِي لَفْظِيَّةٌ. وَاللَّفْظِيَّةُ إِمَّا فِي كَمَالِ مَعْنَاهُ، وَتُسَمَّى: دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ، مِثْلَ دَلَالَةِ الْبَيْتِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّقْفِ وَالْجِدَارِ وَالْأُسُسِ. وَإِمَّا فِي جُزْءِ مَعْنَاهُ، وَتُسَمَّى: دَلَالَةَ تَضَمُّنٍ، مِثْلَ دَلَالَةِ الْبَيْتِ عَلَى الْجِدَارِ. وَغَيْرُ اللَّفْظِيَّةِ: تُسَمَّى دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ. وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْأُصُولِيُّونَ اللُّزُومَ الذِّهْنِيَّ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، بَلْ يُطْلِقُونَ اللَّفْظَ عَلَى لَازِمِ الْمُسَمَّى، سَوَاءٌ كَانَ اللَّازِمُ خَارِجِيًّا أَوْ ذِهْنِيًّا. وَالْمَنْطِقِيُّونَ يَشْتَرِطُونَ اللُّزُومَ الذِّهْنِيَّ، أَيْ كَوْنَ الْمَعْنَى الْخَارِجِيَّ بِحَالَةٍ يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الْمُسَمَّى تَصَوُّرُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلِ الْفَهْمُ ; لِأَنَّ الْفَهْمَ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى، أَوْ يَلْزَمُ مِنْ تُصَوُّرِ الْمُسَمَّى تَصَوُّرُهُ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ حِينَئِذٍ وَلَا يَشْتَرِطُونَ اللُّزُومَ الْخَارِجِيَّ لِحُصُولِ الْفَهْمِ دُونَهُ، كَمَا فِي الْعَدَمِ وَالْمِلْكَةِ، مِثْلَ - دَلَالَةِ الْعَمَى عَلَى الْبَصَرِ. [المركب وأقسامه] ش - قِسْمُ الْمُرَكَّبِ إِلَى جُمْلَةٍ وَغَيْرِ جُمْلَةٍ. فَالْجُمْلَةُ: مَا وُضِعَ، أَيْ لَفْظٌ وُضِعَ لِإِفَادَةِ نِسْبَةٍ، أَيْ إِسْنَادُ إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى لِإِفَادَةِ الْمُخَاطَبِ مَعْنًى يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، مِثْلَ: زَيْدٌ قَائِمٌ. فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ، مِثْلَ: غُلَامُ زِيدٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُفِدِ الْمُخَاطَبَ مَعْنًى يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ. وَالْجُمْلَةُ لَا تَتَأَلَّفُ إِلَّا مِنِ اسْمَيْنِ، أَوْ مِنْ فِعْلٍ وَاسْمٍ ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِسْنَادَ، وَالْإِسْنَادُ يَقْتَضِي مُسْنَدًا وَمُسْنَدًا إِلَيْهِ، وَالِاسْمُ يَصْلُحُ لَهُمَا، وَالْفِعْلُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا، وَلَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا إِلَيْهِ، وَالْحَرْفُ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا. وَالتَّرْكِيبُ الْعَقْلِيُّ مِنْ كَلِمَتَيْنِ لَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةٍ: اسْمٌ مَعَ اسْمٍ، وَاسْمٌ مَعَ فِعْلٍ، وَاسْمٌ مَعَ حَرْفٍ، وَفِعْلٌ مَعَ فِعْلٍ، وَفِعْلٌ مَعَ حَرْفٍ، وَحَرْفٌ مَعَ حَرْفٍ. وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا الْجُمْلَةُ، إِمَّا لِعَدَمِ الْمُسْنَدِ أَوِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ أَوْ لِعَدَمِهِمَا جَمِيعًا. وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَتَأَتَّى مِنْهُمَا الْجُمْلَةُ لِوُجُودِ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ. قَوْلُهُ: " وَلَا يَرِدُ " جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ مُقَدَّرٍ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ لِلْجُمْلَةِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ; ضَرُورَةَ صِدْقِهِ عَلَى التَّقْيِيدِيِّ، وَعَلَى نَحْوِ " كَاتِبٌ " فِي مِثْلِ قَوْلِنَا: زَيْدٌ كَاتِبٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَلَا يَرِدُ " حَيَوَانٌ نَاطِقٌ " وَ " كَاتِبٌ " فِي " زَيْدٌ كَاتِبٌ " ; لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِإِفَادَةِ نِسْبَةٍ. وَغَيْرُ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِ، وَيُسَمَّى مُفْرَدًا أَيْضًا. ص - و [لِلْمُفْرَدِ] بِاعْتِبَارِ وَحْدَتِهِ وَوَحْدَةِ مَدْلُولِهِ وَتَعَدُّدِهِمَا، أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ: الْمُرَكَّبُ مِنِ اسْمَيْنِ، أَوِ اسْمٍ وَفِعْلٍ، يَكُونُ الثَّانِي قَيْدًا فِي الْأَوَّلِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُمَا لَفْظٌ مُفْرَدٌ. مِثْلَ: " حَيَوَانٌ نَاطِقٌ " وَ " الَّذِي يَكْتُبُ " فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ: الْإِنْسَانُ، وَمَقَامَ الثَّانِي: الْكَاتِبُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا; لِأَنَّ الْأَوَّلَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ نِسْبَةٍ تَقْيِيدِيَّةٍ، وَالثَّانِي وُضِعَ، لِإِفَادَةِ نِسْبَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ إِلَى الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهُ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِفَادَةِ النِّسْبَةِ: إِفَادَةُ نِسْبَةٍ يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، وَهُمَا لَمْ يُوضَعَا لِإِفَادَةِ نِسْبَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا. " وَغَيْرُ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ " أَيِ الْمُرَكَّبُ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ نِسْبَةٍ، وَيُسَمَّى مُفْرَدًا. وَإِنَّمَا قَالَ: " أَيْضًا " لِأَنَّ الْمُفْرَدَ يُطْلَقُ عَلَى مُقَابِلِ الْجُمْلَةِ، وَعَلَى مُقَابِلِ الْمَجْمُوعِ وَالْمُثَنَّى، وَعَلَى مُقَابِلِ الْمُرَكَّبِ. [تَقْسِيمٌ آخَرُ للْمُفْرَدِ] ش - هَذَا تَقْسِيمٌ آخَرُ لِلَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ وِحْدَتِهِ وَوَحْدَةِ مَدْلُولِهِ وَتَعَدُّدِهِمَا. وَإِنَّمَا انْحَصَرَ فِي الْأَرْبَعَةِ; لِأَنَّ اللَّفْظَ إِمَّا وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَمَعْنَاهُ إِمَّا وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ. ش - أَقُولُ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى إِنِ اشْتَرَكَ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ، أَيْ يَصْدُقُ مَفْهُومُهُ عَلَى الْأَفْرَادِ الْمُتَوَهَّمَةِ، مِثْلَ: الْإِنْسَانُ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَشْخَاصِهِ، وَهُوَ الْكُلِّيُّ. فَإِنْ تَفَاوَتَتِ الْأَفْرَادُ فِي مَفْهُومِهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ وَعَدَمِهَا، أَوِ الشَّدَّةِ وَالضِّعْفِ، أَوِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، كَالْوُجُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، فَإِنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِيهِمَا بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثِ، سُمِّيَ مُشَكِّكًا ; لِأَنَّ النَّاظِرَ فِي مَفْهُومِهِ يَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَاطِئِ أَوْ مِنْ قَبِيل ِ الْمُشْتَرَكِ ; لِاسْتِوَاءِ الْأَفْرَادِ فِي حُصُولِ مَعْنَاهُ لَهَا، وَتَفَاوُتِهَا فِي مَفْهُومِهِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَفَاوَتِ الْأَفْرَادُ فِي مَفْهُومِهِ بَلْ حُصُولُهَا فِيهَا بِالسَّوِيَّةِ، سُمِّيَ: مُتَوَاطِئًا ; لِتُوَافُقِهَا [فِيهِ] مِثْلَ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَفْرَادِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ص - فَالْأَوَّلُ إِنِ اشْتَرَكَ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ فَهُوَ: الْكُلِّيُّ. فَإِنْ تَفَاوَتَ، كَالْوُجُودِ لِلْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، فَمُشَكِّكٌ وَإِلَّا فَمُتَوَاطِئٌ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكْ فَجُزْئِيٌّ. وَيُقَالُ لِلنَّوْعِ أَيْضًا: جُزْئِيٌّ. ص - الثَّانِي مِنَ الْأَرْبَعَةِ: مُتَقَابِلَةٌ مُتَبَايِنَةٌ. ص - الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ حَقِيقَةً لِلْمُتَعَدِّدِ - فَمُشْتَرَكٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ. ص - الرَّابِعُ مُتَرَادِفَةٌ. وَكُلُّهَا مُشْتَقٌّ وَغَيْرُ مُشْتَقٍّ، صِفَةٌ وَغَيْرُ صِفَةٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكْ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ فَهُوَ الْجُزْئِيُّ، مِثْلَ: زَيْدٌ وَهَذَا الْإِنْسَانُ. وَالْجُزْئِيُّ يُقَالُ عَلَى الْمُنْدَرِجِ تَحْتَ الْكُلِّيِّ، وَيُسَمَّى جُزْئِيًّا إِضَافِيًّا. وَالنَّوْعُ الْإِضَافِيُّ، مِثْلُ " الْإِنْسَانِ " جُزْئِيٌّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي ; لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ كُلِّيٍّ وَهُوَ الْجِنْسُ. وَالْكُلِّيُّ إِمَّا ذَاتِيٌّ، إِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ، مِثْلَ الْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَإِمَّا عَرَضِيٌّ، إِنْ خَرَجَ عَنْ حَقِيقَتِهِ، مِثْلَ الضَّاحِكِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنْطِقِ بِحَثُ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ. ش - الثَّانِي مِنَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَدَّدَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا. وَيُسَمِّي تِلْكَ الْأَلْفَاظَ مُتَقَابِلَةً مُتَبَايِنَةً ; لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُبَايِنًا لِلْآخَرِ فِي مَعْنَاهُ، مِثْلَ الْفَرَسِ وَالْبَقَرِ وَالْحِمَارِ. ش - الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظُ وَيَتَعَدَّدَ الْمَعْنَى، إِنْ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً لِلْمُتَعَدِّدِ، أَيْ يَكُونُ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ كُلٍّ مِنْهَا وَضْعًا أَوَّلًا فَمُشْتَرَكٌ مِثْلَ: " الْعَيْنِ " بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعَانِيهِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَضْعًا أَوَّلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ حَقِيقَةً لِلْمُتَعَدِّدِ، أَيْ لَا يَكُونُ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَضْعًا أَوَّلًا، بَلْ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِأَحَدِهَا، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْبَاقِي لِمُنَاسَبَةٍ، فَحَقِيقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَمَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ، كَالْأَسَدِ، فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَقِيقَةٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الشُّجَاعِ مَجَازٌ. ش - الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَدَّدَ اللَّفْظُ وَيَتَّحِدَ الْمَعْنَى، وَيُسَمَّى: مُتَرَادِفَةً. كَاللَّيْثِ وَالْأَسَدِ وَالْغَضَنْفَرِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وُضِعَ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مُشْتَقٌّ، إِنْ دَلَّ عَلَى ذِي صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِلَّا فَغَيْرُ مُشْتَقٍّ. مِثَالُ الْمُشْتَقِّ: ضَارِبٌ وَعَالِمٌ. وَغَيْرُ الْمُشْتَقِّ: الْإِنْسَانُ وَالْعِلْمُ. وَأَيْضًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِفَةٌ إِنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِالذَّاتِ، كَالضَّحِكِ وَالْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ، وَإِلَّا فَغَيْرُ صِفَةٍ، كَالْجِسْمِ، وَالْإِنْسَانِ. وَإِلَيْكَ طَلَبُ أَمْثِلَتِهَا مِنَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمَّا فَرَغَ عَنْ ذِكْرِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُفْرَدِ، شَرَعَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِهَا، وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ. اثْنَتَانِ مِنْهَا مُتَعَلِّقَتَانِ بِالْمُشْتَرَكِ. إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ وَاقِعًا فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا؟ وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْقُرْآنِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا؟ [الْمُشْتَرَكُ] [وقوع المشترك] ش - الْمُشْتَرَكُ هُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمَوْضُوعُ لِعِدَّةِ مَعَانٍ وَضْعًا أَوَّلًا. فَقَوْلُهُ: اللَّفْظُ، كَالْجِنْسِ لِلْمُشْتَرَكِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: الْوَاحِدُ الْمَوْضُوعُ لِعِدَّةِ مَعَانٍ، يُخْرِجُ عَنْهُ الْأَلْفَاظَ الْمُتَبَايِنَةَ وَالْمُتَوَاطِئَةَ وَالْمُشَكِّكَةَ ; لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِعِدَّةِ مَعَانٍ، بَلْ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَفْرَادِ. وَقَوْلُهُ: وَضْعًا أَوَّلًا، يُخْرِجُ عَنْهُ الْأَلْفَاظَ الْمَنْقُولَةَ وَالْمَجَازِيَّةَ ; فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِعِدَّةِ مَعَانٍ وَلَكِنْ لَا وَضْعًا أَوَّلًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مُمْكِنًا أَوْ مُمْتَنِعًا. وَالْمُمْكِنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا أَوَّلًا. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ احْتِمَالَاتٍ: وَقَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَائِلٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُمْكِنًا وَاقِعًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ وَاجِبًا عِنْدَ التَّحْقِيقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الْمُشْتَرَكُ ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُشْتَرَكُ وَاقِعٌ عَلَى الْأَصَحِّ. لَنَا أَنَّ الْقُرْءَ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ مَعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ - لَخَلَتْ أَكْثَرُ الْمُسَمَّيَاتِ ; لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. ص - وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ. وَلَا يُفِيدُ فِي غَيْرِهَا. وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُتَعَقِّلُ مُتَنَاهٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هَهُنَا هُوَ الْوُجُوبُ بِالْغَيْرِ، إِذْ لَا مَعْنَى لِلْوُجُوبِ بِالذَّاتِ أَصْلًا، وَالْمُمْكِنُ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْغَيْرِ ; لِأَنَّ الْمُمْكِنَ، مَا لَمْ يَجِبْ صُدُورُهُ عَنِ الْغَيْرِ، لَا يَقَعُ فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا بَيْنَ الْمُمْكِنِ الْغَيْرِ الْوَاقِعِ وَالْمُمْتَنِعِ، كَمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا. فَتَكُونُ الِاحْتِمَالَاتُ الْأَرْبَعَةُ رَاجِعَةً إِلَى الْوُقُوعِ وَإِلَى عَدَمِهِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ إِلَّا لَهُمَا وَذَكَرَ دَلِيلَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْوُقُوعِ. وَقَدْ عُلِمَ بِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يُشِيرُ بِلَفْظِ " لَنَا " إِلَى الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ عَلَى مَطْلُوبِهِ. وَبِلَفْظِ " اسْتَدَلَّ " إِلَى الدَّلِيلِ الْفَاسِدِ عَلَى مَطْلُوبِهِ ; وَبِلَفْظِ " قَالُوا " إِلَى دَلِيلِ الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ وَاقِعٌ، فَلِهَذَا قَالَ " لَنَا ". وَتَقْرِيرُ دَلِيلِهِ أَنَّ الْقُرْءَ وُضِعَ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ مَعًا عَلَى الْبَدَلِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ وُضِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، لِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ مَعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. وَلِأَنَّا إِذَا سَمِعْنَا الْقُرْءَ، لَمْ نَفْهَمْ أَحَدَهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَبَقِيَ الذِّهْنُ مُتَرَدِّدًا. وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُتَوَاطِيًا أَوْ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا أَوْ مَجَازًا فِي الْآخَرِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الثَّانِي بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَخَفِيَ ذَلِكَ، احْتِمَالٌ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ الْخَفَاءَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَعَ مُبَالَغَتِهِمْ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَالدَّلَائِلِ اللُّغَوِيَّةِ لَا يَجِبُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْقَطْعِ الْمَانِعِ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الْبَعِيدَةِ، بَلْ يَكْفِي فِيهَا [الْأَوْلَى] وَالْأَقْرَبُ. ش - هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الْفَاسِدُ عَلَى مَطْلُوبِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرَكُ وَاقِعًا لَخَلَتْ أَكْثَرُ الْمُسَمَّيَاتِ عَنِ الْأَلْفَاظِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمَعَانِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ ; لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَعْدَادُ وَالرَّوَائِحُ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. وَالْأَلْفَاظُ، لِكَوْنِهَا مُرَكَّبَةً مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ، مُتَنَاهِيَةٌ، فَإِذَا وُزِّعَتْ عَلَى الْمَعَانِي بِحَيْثُ وُضِعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِزَاءِ وَاحِدٍ، لَزِمَ خُلُوُّ أَكْثَرِ الْمُسَمَّيَاتِ عَنِ الْأَلْفَاظِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَى التَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالْأَلْفَاظِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِهَا لَهَا. ش - لَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ فَاسِدًا، ذَكَرَ بَيَانَ فَسَادِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ الْمُلَازَمَةِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعَانِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. قُلْنَا: إِنْ أَرَدْتُمْ بِكَوْنِ الْمَعَانِي غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ: [أَنَّ] الْمَعَانِيَ الْمُتَضَادَّةَ، وَهِيَ الْأُمُورُ الْوُجُودِيَّةُ الَّتِي يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ. وَالْمُخْتَلِفَةُ، وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي حَقِيقَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا فِي مَحَلٍّ كَالْحَرَكَةِ وَالْبَيَاضِ وَالضَّحِكِ وَالْكِتَابَةِ، غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَضَادَّةِ وَالْمُخْتَلِفَةَ، أَعْنِي الْمُتَمَاثِلَةَ - وَهِيَ الْأُمُورُ الْمُتَّفِقَةُ الْحَقَائِقِ، كَأَفْرَادِ الْأَنْوَاعِ الْحَقِيقِيَّةِ - غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَنُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَلَكِنْ لَا يُفِيدُ عَدَمُ تَنَاهِيهَا فِي بَيَانِ الْمُلَازَمَةِ ; إِذْ يَكْفِي أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ بِإِزَاءِ الْحَقِيقَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بِالتَّوَاطُؤِ، فَلَا يَلْزَمُ خُلُوُّهَا عَنِ الْأَسْمَاءِ ; ضَرُورَةَ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْحَقِيقَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهَا إِيَّاهَا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُخْتَلِفَةَ وَالْمُتَضَادَّةَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَأَنَّ الْمُتَمَاثِلَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَإِنْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ [الْمُتَرَكِّبَ] مِنَ الْمُتَنَاهِي، مُتَنَاهٍ. وَأُسْنِدَ بِأَسْمَاءِ الْعَدَدِ. وَإِنْ سُلِّمَ مُنِعَتِ الثَّانِيَةُ وَيَكُونُ كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ - لَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي القَدِيمِ وَالْحَادِثِ مُتَوَاطِئًا ; لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْمَوْجُودَ إِنْ كَانَ الذَّاتَ - فَلَا اشْتِرَاكَ، وَإِنْ كَانَ الصِّفَةَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْقَدِيمِ - فَلَا اشْتِرَاكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا يَكْفِي وَضْعُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْحَقِيقَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهَا، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا يَجِبُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لَهُ، غَيْرُ مُتَنَاهٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَجِبُ أَنْ يُوضَعَ لَهُ اللَّفْظُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَقِّلًا ; إِذْ غَيْرُ الْمُتَعَقِّلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لَهُ، وَالْمُتَعَقِّلُ مِنْهَا مُتَنَاهٍ ; لِامْتِنَاعِ إِحَاطَةِ الذِّهْنِ بِالْأُمُورِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَعْقُولَةَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ مُتَنَاهِيَةٌ. قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنَ الْمُتَنَاهِي، مُتَنَاهٍ. وَسَنَدُهُ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْمُرَكَّبَ مِنْهَا غَيْرُ مُتَنَاهٍ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنَ الْمُتَنَاهِي مُتَنَاهٍ حَتَّى يَلْزَمَ صِدْقُ الْمُلَازَمَةِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي. [وَإِلَيْهِ أَشَارَ] بِقَوْلِهِ: وَإِنْ سُلِّمَتْ مُنِعَتِ الثَّانِيَةُ، يَعْنِي الْمُقَدِّمَةَ الِاسْتِثْنَائِيَّةَ. وَهِيَ اسْتِثْنَاءُ [نَقِيضِ] التَّالِي ; فَإِنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ خُلُوُّ أَكْثَرِ الْمُسَمَّيَاتِ عَنِ الْأَلْفَاظِ، كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ ; فَإِنَّ أَكْثَرَهَا خَلَا عَنِ الْأَلْفَاظِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ فَاسِدٌ عَلَى مَطْلُوبِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرَكُ وَاقِعًا لَكَانَ صِدْقُ " الْمَوْجُودِ " عَلَى الْقَدِيمِ أَيِ الْبَارِي تَعَالَى، وَعَلَى الْحَادِثِ، أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ " الْمَوْجُودَ " حَقِيقَةٌ فِيهِمَا ; إِذْ لَوْ كَانَ مَجَازًا فِي أَحَدِهِمَا، جَازَ سَلْبُهُ عَنْهُ ; إِذْ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ صِحَّةُ السَّلْبِ لَكِنْ لَمْ يَجُزْ سَلْبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِاتِّفَاقِ. وَإِذَا كَانَ الْمَوْجُودُ حَقِيقَةً فِيهِمَا وَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ مُتَوَاطِئًا ; ضَرُورَةَ انْحِصَارِ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فِي الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ. فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا تَحَقَّقَ الْآخَرُ. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَأَمَّا الثَّانِيَةُ " فَلِأَنَّ الْمَوْجُودَ " إِنْ كَانَ الذَّاتَ " أَيْ عَيْنَ مَاهِيَّةِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ ذَاتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لِذَاتِ الْآخَرِ، فَلَا يَكُونُ مُتَوَاطِئًا. وَإِنْ كَانَ صِفَةً، أَيْ لِلْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْقَدِيمِ، وَمُمْكِنَةٌ فِي الْحَادِثِ، فَلَا يَكُونُ الْمَوْجُودُ فِيهِمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فِي أَحَدِهِمْ، وَمُمْكِنًا فِي الْآخَرِ، فَلَا يَكُونُ مُتَوَاطِئًا. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي. قَوْلُهُ: إِذَا كَانَ صِفَةً وَاجِبَةً فِي الْقَدِيمِ وَمُمْكِنَةً فِي الْحَادِثِ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُجُوبَ وَالْإِمْكَانَ يَمْنَعُ اشْتِرَاكَ الْمَوْجُودِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ إِذَا كَانَ صِفَةً لِذَاتِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، كَانَ مَعْنَى كَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّ ذَاتَ الْقَدِيمِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَقْتَضِي تِلْكَ الصِّفَةَ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُمْكِنًا أَنَّ ذَاتَ الْمُمْكِنَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا تَقْتَضِي تِلْكَ. فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً وَاحِدَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَاهِيَّتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ، أَعْنِي الْقَدِيمَ وَالْحَادِثَ، وَتَقْتَضِي إِحْدَاهُمَا لِذَاتِهَا تِلْكَ الصِّفَةَ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً فِيهَا، وَالْأُخْرَى لَا تَقْتَضِي لِذَاتهَا تِلْكَ الصِّفَةَ فَتَكُونُ مُمْكِنَةً فِيهَا، مَعَ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، كَالْعَالِمِ وَالْمُتَكَلِّمِ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَيَكُونُ الْوَاجِبُ مُقْتَضِيًا لِوُجُوبِهِ، وَالْمُمْكِنُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ، بَلْ يَقْتَضِي إِمْكَانَهُ. فَظَهَرَ أَنَّ وُجُوبَ الْوُجُودِ فِي الْقَدِيمِ وَإِمْكَانَهُ فِي الْمُمْكِنِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاكِ الْمَوْجُودِ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَلَا يَمْنَعَانِ التَّوَاطُؤَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ وَالْإِمْكَانَ لَا يَمْنَعُ التَّوَاطُؤَ كَالْعَالِمِ وَالْمُتَكَلِّمِ. ص - قَالُوا: لَوْ وُضِعَتْ - لَاخْتَلَّ الْمَقْصُودُ مِنَ الْوَضْعِ. ص - قُلْنَا: يُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ. وَإِنْ سُلِّمَ فَالتَّعْرِيفُ الْإِجْمَالِيُّ مَقْصُودٌ كَالْأَجْنَاسِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : وَوَقَعَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْأَصَحِّ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، وَ {عَسْعَسَ} [التكوير: 17] لِأَقْبَلَ، وَأَدْبَرَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَوْضِعُ. ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ ذِكْرِ مَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ عَدَمُ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ. وَتَوْجِيهُ دَلِيلِهِمْ أَنْ يُقَالَ: لَوْ وُضِعَتِ الْأَلْفَاظُ الْمُشْتَرَكَةُ لَاخْتَلَّ الْمَقْصُودُ مِنَ الْوَضْعِ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. أَمَّا بُطْلَانُ اللَّازِمِ فَلِأَنَّهُ لَوِ اخْتَلَّ الْمَقْصُودُ لَكَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الْمَفَاسِدِ، وَمَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا إِلَى الْمَفَاسِدِ، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ. وَأَمَّا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْوَضْعِ هُوَ التَّفَاهُمُ التَّفْصِيلِيُّ حَالَةَ التَّخَاطُبِ. وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا لَمْ يَحْصُلِ التَّفَاهُمُ ; لِجَوَازِ أَنْ لَا يَفْهَمَ الْمُخَاطَبُ حَالَةَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ يَفْهَمَ غَيْرَ مُرَادِهِ. ش - مَنَعَ الْمُصَنِّفُ الْمُلَازَمَةَ بِأَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَمْ يَفْهَمِ الْمُخَاطَبُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ ; لِجَوَازِ أَنْ يُعْرَفَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ بِالْقَرَائِنِ. وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ الْمُرَادَ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوَضْعِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ هُوَ الْفَهْمُ التَّفْصِيلِيُّ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ الْإِجْمَالِيُّ مَقْصُودًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَمَا فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ ; فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا وُضِعَتْ لَهُ إِجْمَالًا وَلَا تَدُلُّ عَلَى تَفَاصِيلِ مَا تَحْتَهَا. [وقوع المشترك في القرآن] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فِي اللُّغَةِ، هَلْ هُوَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ أَمْ لَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاقِعٌ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ " الْقَرْءَ " مُشْتَرَكٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] فَإِنَّهُ بِمَعْنَى أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. ش - هَذَا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُشْتَرَكُ فِي الْقُرْآنِ لَوَقَعَ إِمَّا مُبَيَّنًا، بِأَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُفِيدُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنَ الْمَعَانِي الْمَوْضُوعِ حُصُولُهَا، كَمَا يُقَالُ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، وَهِيَ الْأَطْهَارُ] فَيَلْزَمُ التَّطْوِيلُ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ ; إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ وُضِعَ لَهُ فَقَطْ. وَإِمَّا غَيْرُ مُبَيَّنٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مُفِيدٍ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الْفَهْمُ التَّفْصِيلِيُّ. وَغَيْرُ الْمُفِيدِ لَا يَقَعُ بِهِ الْخِطَابُ، وَإِلَّا لَكَانَ عَبَثًا، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ غَيْرَ مُبَيَّنٍ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَتِ الْفَائِدَةُ مُنْحَصِرَةً فِي الْفَهْمِ التَّفْصِيلِيِّ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ غَيْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ص - قَالُوا: إِنْ وَقَعَ مُبَيَّنًا لَطَالَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَغَيْرُ [مُبَيَّنٍ] غَيْرُ مُفِيدٍ. ص - وَأُجِيبَ [بِأَنَّ] فَائِدَتَهُ مِثْلُهَا فِي الْأَجْنَاسِ. وَفِي الْأَحْكَامِ: الِاسْتِعْدَادُ لِلِامْتِثَالِ إِذَا بَيَّنَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُبَيَّنِ فِي الْقُرْآنِ إِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَحْكَامِ فَفَائِدَتُهُ مِثْلُ الْفَائِدَةِ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَهُوَ الْفَهْمُ الْإِجْمَالِيُّ. وَإِنْ وَقَعَ فِي الْأَحْكَامِ فَفَائِدَتُهُ الِاسْتِعْدَادُ لِلِامْتِثَالِ إِذَا بَيَّنَ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَعَلِّقَتَيْنِ بِالْمُشْتَرَكِ، شَرَعَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرَادُفِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ. [الْمُتَرَادِفُ] [وقوع المترادف] ش - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ التَّرَادُفَ وَاقِعٌ أَوْ لَا؟ الْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاقِعٌ. وَالتَّرَادُفُ هُوَ: تَوَارُدُ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ. وَوَحْدَةُ الِاعْتِبَارِ يُخْرِجُ الْمُتَبَايِنَيْنِ كَالسَّيْفِ وَالصَّارِمِ، فَإِنَّهُمَا دَلَّا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الذَّاتِ وَالْآخَرُ عَلَى الصِّفَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَيْدُ الِاعْتِبَارِ يُخْرِجُ أَيْضًا تَوَارُدَ اللَّفْظَيْنِ الْمُفْرَدَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ أَحَدَهُمَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْآخَرَ بِالْمَجَازِ، كَالْأَسَدِ وَالشُّجَاعِ، فَإِنَّهُمَا دَالَّانِ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ، لَكِنَّ أَحَدَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَالْآخَرَ بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الْمُتَرَادِفُ ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُتَرَادِفُ وَاقِعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، كَأَسَدٍ وَسَبُعٍ، وَجُلُوسٍ وَقُعُودٍ. ص - قَالُوا: لَوْ وَقَعَ - لَعَرِيَ عَنِ الْفَائِدَةِ. ص - قُلْنَا: فَائِدَتُهُ: التَّوْسِعَةُ، وَتَيْسِيرُ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ لِلرَّوِيِّ أَوِ الْوَزْنِ [وَ] تَيْسِيرُ التَّجْنِيسِ وَالْمُطَابَقَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْيِيدِ الْأَلْفَاظِ بِالْمُفْرَدَةِ، احْتِرَازًا عَنْ تَوَارُدِ الْحَدِّ وَالرَّسْمِ أَوِ الِاسْمِ ; فَإِنَّ اعْتِبَارَ دَلَالَتِهَا مُخْتَلِفٌ. وَدَلِيلُ قَوْلِهِ أَنَّ الْأَسَدَ وَالسَّبُعَ مِنْ أَسْمَاءِ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ. وَالْجُلُوسَ وَالْقُعُودَ اسْمَانِ لِلْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ. وَلَا نَعْنِي بِالْمُتَرَادِفِ إِلَّا هَذَا. ش - هَذَا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُتَرَادِفَ لَوْ وَقَعَ لَعَرِيَ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْوَضْعِ إِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلُ الْفَائِدَةِ بِالْمُرَادِ عِنْدَ السَّمَاعِ. وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ تَحْصُلُ بِوَضْعِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ [لَهُ] ، فَيَكُونُ وَضْعُ اللَّفْظِ الْآخَرِ عَارِيًا عَنِ الْفَائِدَةِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الثَّانِي ; فَلِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْوَاضِعِ أَنْ يَضَعَ لَفْظًا عَارِيًا عَنِ الْفَائِدَةِ. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْوَضْعِ تَحْصِيلُ الْفَائِدَةِ بِالْمُرَادِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَائِدَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا ذَكَرْتُمْ ; فَإِنَّ لِوَضْعِ اللَّفْظِ فَوَائِدَ: مِنْهَا: التَّوْسِعَةُ، وَهِيَ تَكْثِيرُ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْغَرَضِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَأْدِيَةِ الْمَقْصُودِ بِإِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ عِنْدَ نِسْيَانِ الْأُخْرَى. وَمِنْهَا: تَيْسِيرُ النَّظْمِ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ وَزْنُ الْبَيْتِ وَقَافِيَتُهُ مَعَ بَعْضِ أَسْمَاءِ الشَّيْءِ، وَيَصِحُّ مَعَ اسْمٍ آخَرَ بِسَبَبِ مُوَافَقَتِهِ لِلرَّوِيِّ وَالزِّنَةِ. وَكَذَا تَيْسِيرُ النَّثْرِ. وَالرَّوِيُّ: حَرْفُ الْقَافِيَةِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْقَصِيدَةُ، كَاللَّامِ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْقَافِيَةُ هِيَ: آخِرُ كَلِمَةٍ فِي الْبَيْتِ، نَحْوَ " مَنْزِلِ " فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ. وَمِنْهَا: تَيْسِيرُ التَّجْنِيسِ. وَهُوَ: تَشَابُهُ الْكَلِمَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ، نَحْوَ: رَحَبَةٌ، رَحْبَةٌ، وَجُبَّةُ الْبَرْدِ، جُنَّةُ الْبَرْدِ، بِأَنْ يَحْصُلَ التَّجْنِيسُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. وَتَيْسِيرُ الْمُطَابَقَةِ، وَهِيَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] . وَلَا مَدْخَلَ فِي تَيْسِيرِ الْمُطَابَقَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لِلتَّرَادُفِ إِلَّا أَنْ يُفَسِّرَ الْمُطَابَقَةَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُوَازِنًا لِلْآخَرِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: فَلَا الْجُودُ يُفْنِي الْمَالَ وَالْجِدُّ مُقْبِلٌ ... وَلَا الْبُخْلُ يُبْقِي الْمَالَ وَالْجِدُّ مُدْبِرٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ فِي تَيْسِيرِهَا. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُتَرَادِفُ لَزِمَ تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ ; لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ. فَلَوْ وُضِعَ لَفْظٌ ثَانٍ لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُعَرِّفًا لَمَا عَرَّفَهُ الْأَوَّلُ وَتَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ غَيْرُ جَائِزٍ ; إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. ش - وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّفْظَ عَلَامَةٌ لِلْمَعْنَى، لَا مُعَرِّفَ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ عَلَامَاتٌ. [ترادف الحد والمحدود] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ الْحَدَّ وَالْمَحْدُودَ، وَالْمَتْبُوعَ وَالتَّابِعَ، هَلْ هُمَا مُتَرَادِفَانِ أَمْ لَا؟ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَرَادِفَيْنِ. مِثَالُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ: الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ وَالْإِنْسَانُ. وَالْمَتْبُوعُ وَالتَّابِعُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ص - قَالُوا: تَعْرِيفُ [الْمُعَرَّفُ] . ص - قُلْنَا: [عَلَامَةٌ ثَانِيَةٌ] . ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ، وَنَحْوُ عَطْشَانَ نَطْشَانَ غَيْرُ مُتَرَادِفَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الْحَدَّ يَدُلُّ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ، وَنَطْشَانُ لَا يُفْرَدُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَقَعُ كُلٌّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَلَا حَجْرَ فِي التَّرْكِيبِ. ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّ - لَصَحَّ " خِدَائِي أَكْبَرُ ". ص - وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِهِ، وَبِالْفَرْقِ بِاخْتِلَاطِ اللُّغَتَيْنِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهُمَا لَفْظَانِ يَكُونُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا مَوْضُوعًا لِمَعْنًى، وَالثَّانِي يَتْبَعُهُ وَلَا يُفْرَدُ وَيَكُونُ عَلَى زِنَةِ الْأُولَى، نَحْوَ عَطْشَانَ نَطْشَانَ وَخَرَابٍ [يَبَابٍ] . وَقِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضُوعٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى إِلَّا أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُفْرَدُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَرَادِفَيْنِ: أَمَّا الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ ; فَلِأَنَّ مَفْهُومَ الْمَحْدُودِ مُغَايِرٌ لِمَفْهُومِ الْحَدِّ ; لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمَحْدُودِ: الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ. وَمَفْهُومَ الْحَدِّ: أَجْزَاؤُهَا، فَلَا يَكُونَانِ مُتَرَادِفَيْنِ ; لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مُتَّحِدٌ. أَمَّا التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ، فَلِأَنَّ التَّابِعَ نَحْوُ نَطْشَانَ لَا يَنْفَرِدُ بِالذِّكْرِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ يَنْفَرِدُ بِالذِّكْرِ. [وقوع كُلٌّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ كُلٌّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ أَمْ لَا؟ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَقَعُ كُلٌّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ فِي التَّرْكِيبِ ; لِأَنَّ مَعْنَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ بِعَيْنِهِ مَعْنَى الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ. وَالْمَعْنَى لَمَّا صَحَّ أَنْ يُضَمَّ إِلَى مَعْنًى حِينَ مَا يَكُونُ مَدْلُولًا لِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا بُدَّ وَأَنْ تَبْقَى تِلْكَ الصِّحَّةُ حَالَ كَوْنِهِ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ الثَّانِي، وَلَا حَجْرَ، أَيْ وَلَا مَانِعَ فِي التَّرْكِيبِ ; لِأَنَّ صِحَّةَ الضَّمِّ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعْنَى، لَا اللَّفْظِ. ش - هَذَا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّةِ وُقُوعِ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ. تَوْجِيهُهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَقَعَ كُلٌّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ، لَصَحَّ وُقُوعُ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ مُرَادِفِهِ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى، فَيَصِحُّ " خِدَائِي أَكْبَرُ ". وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. وَالْمُلَازَمَةُ وَانْتِفَاءُ التَّالِي كِلَاهُمَا ظَاهِرَانِ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي وَالْتِزَامِهِ صِحَّةَ " خِدَائِي أَكْبَرُ ". وَثَانِيًا بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مِنْ لُغَةٍ وَبَيْنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مِنْ لُغَتَيْنِ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ كُلٌّ مِنَ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ إِذَا كَانَا مِنْ لُغَةٍ ; لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ اللُّغَتَيْنِ الْمُسْتَلْزِمُ لِضَمِّ مُهْمَلٍ إِلَى مُسْتَعْمَلٍ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنَ اللُّغَتَيْنِ ; فَإِنَّ لَفْظَ إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُخْرَى مُهْمَلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ إِذَا كَانَا مِنْ لُغَتَيْنِ، لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ اللُّغَتَيْنِ. وَالْجَوَابُ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي يَقْتَضِي صِدْقَ عُمُومِ الدَّعْوَى، وَهُوَ وُقُوعُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ، سَوَاءٌ كَانَا مِنْ لُغَتَيْنِ أَوْ مِنْ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْجَوَابُ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ لَا يَقْتَضِي صِدْقَ عُمُومِ الدَّعْوَى، بَلْ يَقْتَضِي خُصُوصُهَا، وَهُوَ وُقُوعُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ إِذَا كَانَا مِنْ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَمَّا فَرَغَ عَنِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُتَرَادِفِ شَرَعَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَهِيَ سِتٌّ. [الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ] [الحقيقة] [تعريف الحقيقة] ش - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي حَدَّيِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَقْسَامِهِمَا وَشَرَائِطِهِمَا. وَفِي الْمَجَازِ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ أَمْ لَا؟ وَابْتَدَأَ بِحَدِّ الْحَقِيقَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فَعِيلَةٌ مِنَ الْحَقِّ، إِمَّا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، كَالْعَلِيمِ، فَلَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، فَيَكُونُ تَاءُ التَّأْنِيثِ فِيهِ جَارِيَةً عَلَى الْقِيَاسِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا: الثَّابِتَةُ. وَإِمَّا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، كَالْجَرِيحِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، فَيَكُونُ التَّاءُ لِنَقْلِ اللَّفْظِ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ حِينَئِذٍ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا: الْمُثْبِتَةُ. ثُمَّ نُقِلَتْ إِلَى الِاعْتِقَادِ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ ; لِكَوْنِهِ مُثْبِتًا أَوْ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. ثُمَّ نُقِلَتْ مِنَ الِاعْتِقَادِ إِلَى الْقَوْلِ الْمُطَابِقِ ; لِكَوْنِ مَدْلُولِهِ مُثْبِتًا أَوْ ثَابِتًا أَيْضًا. ثُمَّ نَقَلَ مِنَ الْقَوْلِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهِيَ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْحَقِيقَةُ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ. ص - وَهِيَ لُغَوِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ وَشَرْعِيَّةٌ. كَالْأَسَدِ وَالدَّابَّةِ وَالصَّلَاةِ. ص - وَالْمَجَازُ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلَ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ. ص - وَلَا بُدَّ مِنَ الْعَلَاقَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَهِيَ مَنْقُولَةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ. وَقَوْلُهُ: " اللَّفْظُ " كَالْجِنْسِ، يَتَنَاوَلُ الْحَقِيقَةَ وَغَيْرَهَا. وَقَوْلُهُ: " الْمُسْتَعْمَلُ " يَخْرُجُ عَنْهُ: اللَّفْظُ فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ ; فَإِنَّ اللَّفْظَ فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا. وَقَوْلُهُ: " فِي وَضْعٍ " أَيْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ. وَفِيهِ تَسَاهُلٌ، يَتَنَاوَلُ مَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً، وَعُرْفًا، وَشَرْعًا، وَالْمَفْهُومَ الْمَجَازِيَّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ. وَيَخْرُجُ عَنْهُ: الْأَلْفَاظُ الْمُهْمَلَةُ. وَقَوْلُهُ: " أَوَّلًا " يُخْرِجُ الْمَجَازَ ; فَإِنَّهُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ ; ضَرُورَةَ خُرُوجِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا ; ضَرُورَةَ كَوْنِهَا مَنْقُولَةً، وَالنَّقْلُ يَسْتَلْزِمُ وَضْعًا ثَانِيًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ، مَا يَكُونُ أَوَّلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاصْطِلَاحِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّخَاطُبُ، لَا مَا يَكُونُ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ ; فَإِنَّ الْوَضْعَ الْأَوَّلَ أَعَمُّ مِنَ الْوَضْعِ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ. فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْأَلْفَاظُ الْمَنْقُولَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَوِ الْعُرْفِيَّةُ بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ بِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ بِالْوَضْعِ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ. مَثَلًا: الصَّلَاةُ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي ذَاتِ الْأَرْكَانِ، كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهَا بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ اسْتِعْمَالًا فِي وَضْعٍ أَوَّلَ، وَبِاصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْتِعْمَالًا فِي وَضْعٍ ثَانٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي الدُّعَاءِ فَبِالْعَكْسِ. وَمَا قِيلَ: إِنَّ فِي الْحَدِّ نَظَرًا ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْئَيْنِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَدُّ الْحَقِيقَةِ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَجَازِ، لَيْسَ بِشَيْءٍ. لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ إِضَافِيًّا لَا يَسْتَلْزِمُ إِلَّا الْوَضْعَ الثَّانِيَ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُوم ِ الْمَجَازِ إِنِ اعْتُبِرَ الْوَضْعُ الثَّانِي فِي الْمَجَازِ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ ; لِجَوَازِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَدِّ الشَّيْءِ جُزْءُ مُقَابِلِهِ. [أقسام الحقيقة] ش - الْحَقِيقَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَوَاضِعِ تَنْقَسِمُ إِلَّا ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَإِنْ كَانَ الْوَاضِعُ أَهْلَ اللُّغَةِ، سُمِّيَتْ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً، كَالْأَسَدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ. وَإِنْ كَانَ أَهْلَ الْعُرْفِ، سَوَاءٌ كَانَ عُرْفًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا، سُمِّيَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، كَالدَّابَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَاتِ [الْحَافِرِ] . فَإِنَّ الدَّابَّةَ وُضِعَتْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يَدُبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَخَصَّصَ أَهْلُ الْعُرْفِ بِذَاتِ [الْحَافِرِ] . وَكَاصْطِلَاحِ النُّحَاةِ وَالنُّظَّارِ، مِثْلَ: الْفَاعِلِ وَالنَّقْضِ مَثَلًا. وَإِنْ كَانَ أَهْلَ الشَّرْعِ، سُمِّيَتْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، كَالصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَى ذَاتِ الْأَرْكَانِ ; فَإِنَّهَا وُضِعَتْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِلدُّعَاءِ، ثُمَّ نُقِلَتْ إِلَى ذَاتِ الْأَرْكَانِ. [المجاز] ش - الْمَجَازُ مَفْعَلٌ مِنَ الْجَوَازِ بِمَعْنَى الْعُبُورِ. وَالْمَفْعَلُ لِلْمَصْدَرِ أَوْ لِلْمَكَانِ. ثُمَّ نُقِلَ إِلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ، فَهُوَ مَجَازٌ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مِنْ جِهَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعُبُورَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِانْتِقَالِ الْجِسْمِ مِنْ حَيِّزٍ إِلَى آخَرَ، فَإِذَا اعْتُبِرَ فِي اللَّفْظِ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ، فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ صِيغَةٌ لِلْمَصْدَرِ أَوْ لِلْمَكَانِ، وَقَدْ أُطْلِقَ هَهُنَا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ مُنْتَقِلٌ فَيَكُونُ مَجَازًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: " اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ " بِحَالِهِ. وَقَوْلُهُ: " فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلَ " أَيْ غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا يُخْرِجُ عَنْهُ الْحَقِيقَةَ. وَيَتَنَاوَلُ الْمُهْمَلَ، لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلَ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ " أَيْ يَكُونُ بَيْنَ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَاقَةٌ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَضْعِ الثَّانِي لِأَجْلِهَا، يُخْرِجُ الْمُهْمَلَ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ. [ضرورة العلاقة] ش - اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ عَلَاقَةٌ اعْتُبِرَتْ فِي اصْطِلَاحِ التَّخَاطُبِ بِحَسَبِ النَّوْعِ، وَإِلَّا لَجَازَ اسْتِعْمَالُ كُلِّ لَفْظٍ لِكُلِّ مَعْنًى بِالْمَجَازِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا لَكَانَ الْوَضْعُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى الثَّانِي أَوَّلًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا. وَقَدِ اشْتَرَطَ قَوْمٌ: اللُّزُومَ الذِّهْنِيَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ. وَهُوَ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَجَازَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ عَارِيَةٌ عَنِ اللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ. وَالْعَلَاقَةُ الْمُعْتَبَرَةُ مِنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ كَثِيرَةٌ. وَقِيلَ: إِنَّهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ. وَالْمُصَنِّفُ مَا ذَكَرَ مِنْهَا إِلَّا أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: الْمُشَابَهَةُ. وَهِيَ إِمَّا بِالشَّكْلِ، كَالْإِنْسَانِ لِلصُّورَةِ الْمَنْقُوشَةِ، لِمُشَابَهَتِهَا فِي الشَّكْلِ. وَإِمَّا فِي الصِّفَةِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً، كَإِطْلَاقِ الْأَسَدِ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ لِمُشَابَهَتِهِ فِي صِفَةِ الشَّجَاعَةِ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ، غَيْرُ خَفِيَّةٍ. فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ الْأَسَدِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَقَدْ تَكُونُ بِالشَّكْلِ، كَالْإِنْسَانِ لِلصُّورَةِ. أَوْ فِي صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ، كَالْأَسَدِ عَلَى الشُّجَاعِ لَا عَلَى الْأَبْخَرِ، لِخَفَائِهَا. أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا، كَالْعَبْدِ. أَوْ آيِلٍ كَالْخَمْرِ أَوْ لِلْمُجَاوَرَةِ، مِثْلَ جَرْيِ الْمِيزَابِ. ص - وَلَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ فِي الْآحَادِ عَلَى الْأَصَحِّ. لَنَا: لَوْ كَانَ نَقْلِيًّا - لَتَوَقَّفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ. ص - وَاسْتَدَلَّ لَوْ كَانَ نَقْلِيًّا - لَمَا افْتَقَرَ إِلَى النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلْوَاضِعِ. وَإِنْ سُلِّمَ فَلِلِاطِّلَاعِ عَلَى الْحِكْمَةِ. ص - قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَجَازَ " نَخْلَةٌ " لِطَوِيلٍ غَيْرِ إِنْسَانٍ، وَ " شَبَكَةٌ " لِلصَّيْدِ وَ " ابْنٌ " لِلْأَبِ، وَبِالْعَكْسِ. ص - وَأُجِيبَ بِالْمَانِعِ. ص - قَالُوا: لَوْ جَازَ - لَكَانَ قِيَاسًا أَوِ اخْتِرَاعًا. ص - وَأُجِيبَ بِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الْعَلَاقَةَ مُصَحِّحَةٌ، كَرَفْعِ الْفَاعِلِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّجُلِ الْأَبْخَرِ، وَإِنْ كَانَ مُشَابِهًا لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ فِي صِفَةِ الْبَخْرِ ; لِأَنَّهَا فِي الْأَسَدِ خَفِيَّةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ. وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ، أَيِ الْمَجَازُ الَّذِي بِسَبَبِ الْمُشَابَهَةِ: مُسْتَعَارًا أَيْضًا. وَالثَّانِي اتِّصَافُ الْمَحَلِّ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، كَتَسْمِيَةِ الْمُعْتَقِ عَبْدًا، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا، كَالْعَبْدِ ". الثَّالِثُ اتِّصَافُ الْمَحَلِّ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِحَسَبِ مَا سَيَئُولُ إِلَيْهِ، كَتَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ صَيْرُورَتِهِ خَمْرًا. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ آيِلٍ. الرَّابِعُ: الْمُجَاوَرَةُ، كَإِطْلَاقِ الْمِيزَابِ عَلَى الْمَاءِ، لِمُجَاوَرَتِهِمَا، كَقَوْلِهِمْ: جَرْيُ الْمِيزَابِ. [اشتراط النَّقْلُ فِي الْآحَادِ] ش - اخْتُلِفَ فِي أَنَّ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ هَلْ يَفْتَقِرُ فِي كُلِّ صُورَةٍ إِلَى النَّقْلِ أَمْ لَا؟ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. وَلْنُحَرِّرِ الْمَطْلُوبَ أَوَّلًا، فَنَقُولُ: إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، النَّقْلُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِاسْتِعْمَالِهِمْ فِيهَا، حَتَّى إِذَا لَمْ يُسْمَعْ [أَنَّهُمْ] اسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، لَمْ يَجُزْ لَنَا اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا، بَلْ يَكْفِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي كُلِّ صُورَةٍ ظُهُورُ نَوْعٍ مِنَ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَإِنَّمَا قَالَ: " فِي الْآحَادِ " أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ; لِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ شَرْطٌ. مَثَلًا إِذَا لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَدِ اعْتَبَرُوا إِطْلَاقَ اسْمِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ، لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُطْلِقَ اسْمَ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ مَجَازًا ; لِأَنَّ أَصْلَ الْمَجَازِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْقُولٍ عَنْهُمْ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ. أَمَّا إِذَا نُقِلَ إِلَيْنَا أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا إِطْلَاقَ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ، يَجُوزُ لَنَا فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ إِطْلَاقُ اسْمِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ مَجَازًا، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا إِطْلَاقَهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصُّوَرِ ; لِأَنَّ النَّقْلَ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ هُوَ إِطْلَاقُ اسْمِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ كَافٍ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْآحَادِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّقْلَ فِي الْآحَادِ لَوْ كَانَ شَرْطًا، لَتَوَقَّفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَجَوُّزَاتِهِمْ عَلَى النَّقْلِ مِنَ الْوَاضِعِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمِ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ النَّقْلَ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي الِاسْتِعْمَالِ لَتَوَقَّفَ الْمَشْرُوطُ - وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ - عَلَى الشَّرْطِ، وَهُوَ النَّقْلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي ; فَلِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي ظَهَرَ [فِيهَا] الْعَلَاقَةُ مَعَ عَدَمِ النَّقْلِ. ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّقْلُ فِي الْآحَادِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ شَرْطًا، لَمَّا افْتَقَرَ الْمُسْتَعْمِلُ إِلَى النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ، جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِذَا كَانَ النَّقْلُ شَرْطًا يَكْفِي فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى كَوْنُهُ مَنْقُولًا عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْعَلَاقَةَ كَمَا فِي جَمِيعِ الْمُسْتَعْمَلَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ أَوَّلًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي. وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ افْتِقَارَ الْمُسْتَعْمِلِ إِلَى النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ فِي الْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ ; لِأَنَّ النَّقْلَ عَنِ الْوَاضِعِ فِي الْآحَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَافٍ فِي إِطْلَاقِنَا. وَالِافْتِقَارُ إِلَى النَّظَرِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْوَاضِعِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاضِعَ عِنْدَ وَضْعِهِ اللَّفْظَ لِلْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ يَفْتَقِرُ إِلَى أَنْ يُلَاحِظَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ يَفْتَقِرُ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ الْمُلَازَمَةِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَرِ فِيهَا هُوَ جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَرِ فِيهَا مُنْحَصِرٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّظَرِ فِيهَا اسْتِخْرَاجُ حِكْمَةِ الْوَضْعِ لِلْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ. فَلِذَلِكَ يُنْظَرُ فِيهَا، لَا لِأَجْلِ افْتِقَارِنَا فِي جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا. ش - هَذَا دَلِيلٌ لِلْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصُّوَرِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ النَّقْلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصُّوَرِ، لَجَازَ إِطْلَاقُ " النَّخْلَةِ " عَلَى كُلِّ طَوِيلٍ غَيْرِ إِنْسَانٍ. وَإِطْلَاقُ " الشَّبَكَةِ " عَلَى الصَّيْدِ، وَإِطْلَاقُ " الِابْنِ " عَلَى الْأَبِ، وَبِالْعَكْسِ، أَيْ إِطْلَاقُ " الْأَبِ " عَلَى الِابْنِ. وَالتَّالِي بِأَقْسَامِهِ بَاطِلَةٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِظُهُورِ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِظُهُورِ الْمُشَابَهَةِ فِي الصُّورَةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِلْمُجَاوَرَةِ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَلِأَنَّ الْأَبَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى صِفَةِ الْبُنُوَّةَ. وَأَمَّا فِي الرَّابِعِ فَلِأَنَّ الِابْنَ سَيَئُولُ إِلَى الْأَبِ. وَلَمَّا كَانَتِ الْعَلَاقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، ذَكَرَ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ الْمُشْتَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَإِذَا ظَهَرَ الْعَلَاقَةُ الْمُعْتَبَرَةُ مِنَ الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُشْتَرَطِ النَّقْلَ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمْ، جَازَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ [لِتَحَقُّقِ] الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ النَّقْلِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَبِالِاتِّفَاقِ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ النَّقْلُ، لَجَازَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ قَدْ يَكُونُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ، لَا لِاشْتِرَاطِ النَّقْلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُصُوصِيَّةُ هَذِهِ الْحَالِ مَانِعَةً مِنْ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهَا. أَوْ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَيَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَانِعًا عَنِ الْجَوَازِ. أَوْ لَمْ يَكْتَفِ الْوَاضِعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ، وَاعْتِبَارُ الْعَلَاقَةِ عِنْدَ الْوَاضِعِ شَرْطَ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى اشْتِرَاطِ النَّقْلِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ فِي الْآحَادِ لِمُجَرَّدِ الْعَلَاقَةِ بِدُونِ النَّقْلِ، لَجَازَ إِمَّا بِالْقِيَاسِ أَوِ الِاخْتِرَاعِ. وَالتَّالِي [بِقِسْمَيْهِ] بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ كَذَلِكَ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِاسْمِ الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ إِنْ كَانَ بِسَبَبِ وُجُودِ وَصْفٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومٍ مَجَازِيٍّ آخَرَ، يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ سَبَبًا لِتَسْمِيَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْآخَرِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، كَمَا أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَنَارَةِ بِالنَّخْلَةِ بِسَبَبِ وُجُودِ وَصْفِ الطُّولِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ وَالَّذِي هُوَ - أَعْنِي وَصْفَ الطُّولِ - سَبَبٌ لِتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ بِالنَّخْلَةِ، كَانَ ذَلِكَ قِيَاسًا فِي اللُّغَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَانَ اخْتِرَاعًا. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي; فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَالِاخْتِرَاعُ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ] ) خَارِجًا عَنْ وَضْعِ اللُّغَةِ. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا، كَانَ اخْتِرَاعًا. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ لَمْ يَكُنِ الِاسْتِقْرَاءُ دَالًّا عَلَى أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُعْتَبَرَةَ كَافِيَةٌ فِي صِحَّةِ الِاسْتِعْمَالِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الِاسْتِقْرَاءُ دَالًّا فَلَا. كَمَا فِي رَفْعِ الْفَاعِلِ لَمْ يُسْمَعْ رَفْعُهُ مِنَ الْعَرَبِ. فَإِنَّا لَمَّا اسْتَقْرَأْنَا كَلَامَهُمْ فِي رَفْعِ الْفَاعِلِ حَكَمْنَا بِكَوْنِ الْفَاعِلِ مَرْفُوعًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قِيَاسًا فِي اللُّغَةِ وَلَا اخْتِرَاعًا. كَذَلِكَ هَهُنَا. اسْتَقْرَأْنَا الْأَلْفَاظَ الْمَجَازِيَّةَ فَوَجَدْنَاهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى الْعَلَاقَةِ، فَحَكَمْنَا حُكْمًا مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ الْعَلَاقَةَ مُصَحِّحَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ تَصْحِيحَ الْعَلَاقَةِ لِجَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إِلَى النَّقْلِ، لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا. وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى النَّقْلِ، يَلْزَمُ مَطْلُوبُ الْخَصْمِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ لِأَجْلِ الْعَلَاقَةِ مَعَ وُجُودِ النَّقْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْلَ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ كَافٍ فِي تَصْحِيحِ الْعَلَاقَةِ لِجَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصُّوَرِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى النَّقْلِ فِي الْآحَادِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ ; لِأَنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِيهِ. [وجوه معرفة المجاز] ش - قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: إِذَا لَمْ يُوجَدِ النَّقْلُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ، وَذَاكَ مَجَازٌ، يُعَرَفُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِصِحَّةِ النَّفْيِ، يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا جَازَ نَفْيُهُ عَمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ، كَانَ مَجَازًا. كَقَوْلِكَ لِلْبَلِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحِمَارٍ. فَإِنَّ الْحِمَارَ لَمَّا كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَلِيدِ مَجَازًا، صَحَّ سَلْبُهُ عَنْهُ، عَكْسُ الْحَقِيقَةِ. يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا لَمْ يَجُزْ سَلْبُهُ عَمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ كَانَ حَقِيقَةً. كَالْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَلِيدِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ حَقِيقَةً، امْتَنَعَ سَلْبُهُ عَنْهُ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّفْيِ وَامْتِنَاعَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَلَوْ عَرَفْنَاهُمَا بِصِحَّةِ النَّفْيِ وَامْتِنَاعِهِ، لَزِمَ الدَّوْرُ. ش - الْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِأَنْ يَتَبَادَرَ غَيْرُهُ، يَعْنِي أَنَّ الْمَدْلُولَ إِذَا تَبَادَرَ غَيْرُهُ إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِدُونِ الْقَرِينَةِ كَانَ اللَّفْظُ مَجَازًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَإِطْلَاقِ الْأَسَدِ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ ; فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ - وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ - إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ. عَكْسُ الْحَقِيقَةِ، أَيْ أَنَّ الْمَدْلُولَ إِذَا تَبَادَرَ إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ عَارِيًا عَنِ الْقَرِينَةِ، وَلَمْ يَتَبَادَرْ غَيْرُهُ، كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ص - وَقَالُوا: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِوُجُوهٍ: أ - بِصِحَّةِ النَّفْيِ، كَقَوْلِكَ لِلْبَلِيدِ: لَيْسَ بِحِمَارٍ، عَكْسُ الْحَقِيقَةِ ; لِامْتِنَاعِ " لَيْسَ بِإِنْسَانٍ ". وَهُوَ دَوْرٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ص - ب - وَبِأَنْ يَتَبَادَرَ غَيْرُهُ، لَوْلَا الْقَرِينَةُ، عَكْسُ الْحَقِيقَةِ. ص - وَأُورِدَ الْمُشْتَرَكُ. ص - فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ - لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ مَجَازًا. ص - ج - بِعَدَمِ اطِّرَادِهِ وَلَا عَكْسَ. ص - وَأَوْرَدَ: " السَّخِيَّ " وَ " الْفَاضِلَ " لِغَيْرِ اللَّهِ، وَ " الْقَارُورَةَ " لِلزُّجَاجَةِ. ص - فَإِنْ أُجِيبَ [بِالْمَانِعِ] فَدَوْرٌ. ص - د - وَبِجَمْعِهِ عَلَى خِلَافِ جَمْعِ الْحَقِيقَةِ، كَـ " أُمُورٍ " جَمْعُ " أَمْرٍ " [الْفِعْلُ] وَامْتِنَاعُ " أَوَامِرَ " وَلَا عَكْسَ. ص - هـ - وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ، نَحْوَ: " جَنَاحُ الذُّلِّ " وَ " نَارُ الْحَرْبِ ". ص - وَ - وَبِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ، مِثْلَ {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. كَإِطْلَاقِ الْأَسَدِ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ بِدُونِ الْقَرِينَةِ ; فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ. ش - تَقْرِيرُ إِيرَادِهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ لِلْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ حَقِيقَةٌ، مَعَ أَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْقَرِينَةِ لَمْ يَتَبَادَرْ إِلَى الذِّهْنِ. ش - فَإِنْ أُجِيبَ عَنِ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَدِ مَفْهُومَيْهِ، لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَقَدْ يَتَبَادَرُ أَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ بِدُونِ الْقَرِينَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ انْعِكَاسِ تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ، لَزِمَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ عَلَى التَّعْيِينِ مَجَازًا ; لِأَنَّ غَيْرَهُ تَبَادَرَ إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ بِدُونِ الْقَرِينَةِ. وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مَفْهُومَيْهِ بِالتَّوَاطُؤِ، ضَرُورَةَ كَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ. وَفِي قَوْلِهِ: " لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ مَجَازًا " تَسَاهُلٌ فِي اللَّفْظِ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ هُوَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَعَيَّنِ، لَا الْمَعَيَّنُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجِيبَ عَنْ أَصْلِ الْإِيرَادِ بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ، لَا تَعْرِيفُهَا الْحَقِيقِيُّ. وَالْعَلَامَةُ جَازَ أَنْ يَكُونَ خَاصَّةَ مُفَارَقَةٍ، فَلَا يَجُبِ الْعَكْسُ فِيهَا. ش - الْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِعَدَمِ اطِّرَادِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى مَعْنًى، وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَانَ مَجَازًا. كَإِطْلَاقِ النَّخْلَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ ; فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ جَارِيًا فِي نَظَائِرِ الْإِنْسَانِ فِي [الطُّولِ] إِذْ لَا يُقَالُ لِكُلِّ طَوِيلٍ " نَخْلَةٌ ". وَلَا عَكْسَ، أَيْ لَا يَكُونُ اطِّرَادُ اللَّفْظِ فِي نَظَائِرِهِ عَلَامَةَ الْحَقِيقَةِ ; فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَكُونُ مُطَّرِدًا، كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ ; فَإِنَّهُ مَجَازٌ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا عَكْسَ " أَنَّهُ لَا عَكْسَ لِهَذِهِ الْعَلَامَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمَجَازِ عَدَمُ الِاطِّرَادِ فَيَكُونُ هَذِهِ الْعَلَامَةُ غَيْرَ مُنْعَكِسَةٍ. ش - تَقْرِيرُ الْإِيرَادِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ; لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " السَّخِيَّ " وَ " الْفَاضِلَ " لِلْكَرِيمِ، وَالْعَالَمِ بِالْحَقِيقَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَارِيًا فِي نَظَائِرِهِ ; إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبَارِي، مَعَ أَنَّهُ كَرِيمٌ وَعَالِمٌ. وَكَذَلِكَ " الْقَارُورَةُ " حَقِيقَةٌ فِي الزُّجَاجَةِ الْمَخْصُوصَةِ ; لِكَوْنِهَا مَقَرًّا لِلْمَائِعَاتِ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الزُّجَاجَةِ الْمَخْصُوصَةِ، فَلَا يَكُونُ مُطَّرِدًا. ش - فَإِنْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِأَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ بِشَرْطِ انْتِفَاءِ الْمَنْعِ مِنَ الشَّرْعِ أَوِ اللُّغَةِ عَنِ الْإِطْلَاقِ، عَلَامَةُ الْمَجَازِ، لَا عَدَمَ الِاطِّرَادِ فَحَسْبُ. وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَدْ وُجِدَ الْمَنْعُ، أَمَّا فِي " السَّخِيِّ " وَ " الْفَاضِلِ " فَمِنَ الشَّرْعِ ; إِذْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ. وَأَمَّا فِي " الْقَارُورَةِ " فَالْمَنْعُ مِنَ اللُّغَةِ. فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ ; لِأَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ حِينَئِذٍ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَامَةً لِلْمَجَازِ إِذَا عُلِمَ كَوْنُ عَدَمِ الِاطِّرَادِ لَا لِمَانِعٍ، وَكَوْنُ عَدَمِ الِاطِّرَادِ لَا لِمَانِعٍ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَجَازِ، فَيَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِالْمَجَازِ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِ الِاطِّرَادِ، لَا لِمَانِعٍ، وَيَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِعَدَمِ الِاطِّرَادِ لَا لِمَانِعٍ، عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَجَازِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَيُمْكِنُ أَنْ نُبَيِّنَ لُزُومَ الدَّوْرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ عَدَمَ الطَّرْدِ لَهُ مُوجِبٌ، وَلَيْسَ مُوجِبُهُ مَنْعَ الشَّرْعِ أَوِ اللُّغَةِ ; إِذِ التَّقْدِيرُ بِخِلَافِهِ، وَلَا الْعَقْلُ قَطْعًا. فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ عَدَمِ الطَّرْدِ كَوْنَ اللَّفْظِ مَجَازًا، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْوَجْهُ الرَّابِعُ: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِجَمْعِهِ عَلَى خِلَافِ جَمْعِ الْحَقِيقَةِ، يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا كَانَ لَهُ جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ، وَقَدْ جُمِعَ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولٍ آخَرَ جَمْعًا عَلَى خِلَافِ جَمْعِ الْحَقِيقَةِ [كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ] مَجَازًا بِالنِّسْبَةِ عَلَى الْمَدْلُولِ الْآخَرِ. كَـ " الْأَمْرِ " فَإِنَّ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ - وَهُوَ: الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ - عَلَى " أَوَامِرَ ". وَقَدْ جُمِعَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الْمَجَازِيِّ - وَهُوَ: الْفِعْلُ - عَلَى " أُمُورٍ ". وَامْتَنَعَ جَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ [مَفْهُومِهِ الْمَجَازِيِّ] عَلَى " أَوَامِرَ ". " وَلَا عَكْسَ " أَيْ لَا عَكْسَ لِهَذَا التَّعْرِيفِ ; فَإِنَّهُ عَدَمُ اخْتِلَافِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، وَلَمْ يَنْتَفِ الْمَجَازُ ; فَإِنَّهُ يُقَالُ " أَسَدٌ " لِلشُّجْعَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلضَّرَاغِمِ. ش - الْوَجْهُ الْخَامِسُ: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ، أَيِ اللَّفْظُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِذَا الْتُزِمَ تَقْيِيدُهُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ عَلَى مَدْلُولِهِ، كَانَ مَجَازًا، مِثْلَ: " جَنَاحُ الذُّلِّ " وَ " نَارُ الْحَرْبِ ". وَإِنَّمَا كَانَ الْتِزَامُ التَّقْيِيدِ دَالًّا عَلَى الْمَجَازِ ; إِذْ عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَدِ اسْتَعْمَلُوا اللَّفْظَ فِي مُسَمَّاهُ مُطْلَقًا، غَيْرَ مُقَيَّدٍ، وَفِي غَيْرِ مُسَمَّاهُ، بِخِلَافِهِ، يَعْنِي مُقَيَّدًا، غَيْرَ مُطْلَقٍ. وَإِنَّمَا قَالَ: " بِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ " وَلَمْ يَقُلْ: " بِتَقْيِيدِهِ " ; لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ يُقَيَّدُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ التَّقْيِيدَ فِيهِ. ش - الْوَجْهُ السَّادِسُ: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ، يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا كَانَ إِطْلَاقُهُ عَلَى أَحَدِ مَدْلُولَيْهِ مُتَوَقِّفًا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَدْلُولِ الْآخَرِ، كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَدْلُولِهِ الَّذِي [تَوَقَّفَ] إِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَدْلُولِ الْآخَرِ [مَجَازًا] مِثْلَ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] ; فَإِنَّ إِطْلَاقَ لِفْظِ " الْمَكْرِ " عَلَى الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنَ الْحَقِّ، مُتَوَقِّفٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنَ الْخَلْقِ، فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَقِّ مَجَازًا، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ حَقِيقَةً. [كون اللفظ قبل الاستعمال حقيقة أو مجازا] ش - اعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا وُضِعَ لِمَعْنًى وَلَمْ يَتَّفِقِ اسْتِعْمَالُهُ، لَا فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا، وَلَا فِي غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا ; لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَانْتِفَاءُ الْجُزْءِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْكُلِّ. ش - اخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْمَجَازَ هَلْ يَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَقِيقَةِ أَمْ لَا، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا، هَلْ يَكُونُ مَشْرُوطًا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا أَمْ لَا؟ " بِخِلَافِ الْعَكْسِ " أَيْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْمَجَازِ بَلِ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمَةٍ لَهُ. ش - أَيْ قَالَ الْمُلْزِمُ - وَهُوَ الَّذِي يَدَّعِي لُزُومَ الْحَقِيقَةِ لِلْمَجَازِ -: لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَجَازُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَقِيقَةِ، لَعَرِيَ وَضْعُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى عَنِ الْفَائِدَةِ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ فَائِدَةَ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى: اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَجَازُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَقِيقَةِ، لِجَازَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَ لَهُ أَوَّلًا، مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا. فَيَكُونُ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ مُجَرَّدًا عَنِ الْفَائِدَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ص - وَاللَّفْظُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ. ص - وَفِي اسْتِلْزَامِ الْمَجَازِ الْحَقِيقَةَ خِلَافٌ. بِخِلَافِ الْعَكْسِ. ص - الْمُلْزِمُ: لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ - لَعَرِيَ الْوَضْعُ عَنِ الْفَائِدَةِ. ص -[النَّافِي] : لَوِ اسْتَلْزَمَ - لَكَانَ [لِنَحْوِ] " قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ " وَ " شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ " حَقِيقَةً. وَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، لِلُزُومِ الْوَضْعِ. ص - وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْمُفْرَدِ، وَلَا مَجَازَ فِي [التَّرْكِيبِ] . وَقَوْلُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيِّ فِي نَحْوِ " أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِكَ ": إِنَّ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ، بَعِيدٌ: لِاتِّحَادِ جِهَتِهِ. ص - وَلَوْ قِيلَ: لَوِ اسْتَلْزَمَ - لَكَانَ لِلَفْظِ " الرَّحْمَنِ " حَقِيقَةٌ وَلِنَحْوِ [عَسَى]- كَانَ قَوِيًّا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ - فَالْمَجَازُ أَقْرَبُ. ص - لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ. ص - وَيُؤَدِّي إِلَى مُسْتَبْعَدٍ مِنْ ضِدٍّ أَوْ نَقِيضٍ. ص - وَيَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَتَيْنِ. ص - وَلِأَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ، وَيَكُونُ أَبْلَغَ، وَأَوْجَزَ، وَأَوْفَقَ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى السَّجْعِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَالْمُطَابَقَةِ، وَالْمُجَانَسَةِ وَالرَّوِيِّ. ص - وَعُورِضَ بِتَرْجِيحِ الِاشْتِرَاكِ بِاطِّرَادِهِ، فَلَا يَضْطَرِبُ. وَبِالِاشْتِقَاقِ فَيَتَّسِعُ. وَبِصِحَّةِ الْمَجَازِ فِيهِمَا، فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ. [وَبِاسْتِغْنَائِهِ] عَنِ الْعَلَاقَةِ، وَعَنِ الْحَقِيقَةِ، وَعَنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرٍ، وَعَنِ الْغَلَطِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ. ص - وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ أَبْلَغُ، فَمُشْتَرَكٌ فِيهِمَا. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُقَابِلُ الْأَغْلَبَ شَيْءٌ [مِمَّا ذَكَرْنَا] . ص - (مَسْأَلَةٌ) : الشَّرْعِيَّةُ وَاقِعَةٌ. خِلَافًا لِلْقَاضِي. وَأَثْبَتَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الدِّينِيَّةَ أَيْضًا. ص - لَنَا الْقَطْعُ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الصَّلَاةَ لِلرَّكَعَاتِ، وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ كَذَلِكَ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: لِلدُّعَاءِ، وَالنَّمَاءِ، وَالْإِمْسَاكِ مُطْلَقًا، وَالْقَصْدِ مُطْلَقًا. ص - قَوْلُهُمْ: بَاقِيَةٌ وَالزِّيَادَاتُ شُرُوطٌ. رُدَّ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ غَيْرُ دَاعٍ وَلَا مُتَّبِعٍ. ص - قَوْلُهُمْ: مَجَازٌ. إِنْ أُرِيدَ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لَهَا - فَهُوَ الْمُدَّعِي. وَإِنْ أُرِيدَ أَهْلُ اللُّغَةِ - فَخِلَافُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّهُمْ [لَمْ يَعْرِفُوهَا] . وَلِأَنَّهَا تُفْهَمُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ عَبَثًا. وَلَمَّا كَانَ مَنْعُ هَذَا الدَّلِيلِ ظَاهِرًا لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهُ. وَبَيَانُ الْمَنْعِ [أَنْ] يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَعْمَلْ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا، لَعَرِيَ عَنِ الْفَائِدَةِ ; لِأَنَّ مِنْ فَوَائِدِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ. وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ. ش - أَيْ قَالَ النَّافِي لِاسْتِلْزَامِ الْمَجَازِ الْحَقِيقَةَ: لَوِ اسْتَلْزَمَ الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ، لَكَانَ نَحْوُ " قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ) وَ " شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ " حَقِيقَةً. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ مَجَازَاتٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدْلُولَاتِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي ; فَلِأَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ مَدْلُولَاتِهَا الْمَجَازِيَّةِ. وَكَوْنُهَا حَقِيقَةً مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعَانِي الْمَوْضُوعَةِ لَهَا وَضْعًا أَوَّلًا. وَهَذَا الدَّلِيلُ ضَعِيفٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ نَحْوَ " قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ " وَ " شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ " مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، أَيْ كَمَا يُمْكِنُ إِلْزَامُ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِلْزَامِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّافِي، يُمْكِنُ إِلْزَامُ النَّافِي بِهِ، بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْمَجَازُ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ فِي الْأَصْلِ، لَكَانَ لِنَحْوِ " قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ) وَ " شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ " مَوْضُوعٌ لَهُ فِي الْأَصْلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ نَحْوَهُمَا مَجَازٌ، وَالْمَجَازُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَفْهُومُ وَضْعِ اللَّفْظِ بِإِزَائِهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَظَاهِرٌ. وَلَمَّا كَانَ اشْتِرَاكُ الْإِلْزَامِ نَقْضًا إِجْمَالِيًّا لِدَلِيلِ النَّافِي، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَنْقُضَ دَلِيلَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَنَقْضُهُ التَّفْصِيلِيُّ مَوْقُوفٌ [عَلَى تَحْقِيقِ الْمَجَازِ] الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ الْمِثَالَيْنِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْحَقُّ مِنَ الْمَجَازِ الْوَاقِعِ فِي نَحْوِهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [كون المجاز في التركيب] ش - بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَجَازَ يَقَعُ فِي مُفْرَدَاتِ الْمُرَكَّبِ، لَا فِي التَّرْكِيبِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ النَّافِي: " لَوْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَقِيقَةِ " لَكَانَ لِنَحْوِ: " قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ) وَ " شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ " حَقِيقَةً: أَنَّهُ لَا بُدَّ لِمُفْرَدَاتِهَا مِنْ حَقِيقَةٍ أَوْ [التَّرْكِيبِ] . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ التَّالِي ; لِأَنَّ لِمُفْرَدَاتِهَا حَقَائِقَ ; إِذِ " الْقِيَامُ " وُضِعَ أَوَّلًا لِلْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَ " اللُّمَّةُ " وَضِعَتْ لِلشَّعْرِ الْمُجَاوِزِ لِشَحْمَةِ الْأُذُنِ، وَ " الشَّيْبُ " لِبَيَاضِ الشَّعْرِ، فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا، فَتَكُونُ حَقَائِقَ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ الْمَجَازُ وَاقِعًا فِي التَّرْكِيبِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيِّ: أَنَّ الْمَجَازَ فِي نَحْوِ " أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِكَ " وَاقِعٌ فِي الْإِسْنَادِ، بَعِيدُ الصَّوَابِ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا كَانَ لِلْإِسْنَادِ جِهَتَانِ، إِحْدَاهُمَا جِهَةُ الْحَقِيقَةِ، وَالْأُخْرَى جِهَةُ الْمَجَازِ، كَالْأَسَدِ، فَإِنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا جِهَةُ الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، وَالْأُخْرَى جِهَةُ الْمَجَازِ، وَهِيَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ. وَالْإِسْنَادُ فِي نَحْوِ هَذَا التَّرْكِيبِ لَمْ يُتَصَوَّرْ لَهُ جِهَتَانِ، إِحْدَاهُمَا جِهَةُ الْحَقِيقَةِ، وَالْأُخْرَى جِهَةُ الْمَجَازِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ نَحْوُ هَذَا التَّرْكِيبِ أَوَّلًا لِمَعْنًى، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الثَّانِي لِمُنَاسَبَةٍ. ش - هَذَا دَلِيلٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نُصْرَةً لِلنَّافِي. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ لَفْظَ " الرَّحْمَنِ " فِيمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ، مَجَازٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ " الرَّحْمَةِ ". وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ حَقِيقَةً. وَ " الرَّحْمَنُ " لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرِقَّةُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ، فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا " رَحْمَنُ " فَعْلَانُ، وَهُوَ لِلْمُذَكَّرِ حَقِيقَةٌ، فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ كَانَ مَجَازًا. وَكَذَا نَحْوُ " عَسَى " ; فَإِنَّهُ فِعْلٌ بِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ، وَالْفِعْلُ لِلْحَدَثِ الْمُقْتَرِنِ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ حَقِيقَةً. فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْحَدَثِ مُجَرَّدًا عَنِ الزَّمَانِ كَانَ مَجَازًا. فَحِينَئِذٍ يَقُولُ: لَوْ كَانَ الْمَجَازُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَقِيقَةِ لَكَانَ نَحْوُ " الرَّحْمَنِ " وَنَحْوُ " عَسَى " حَقِيقَةً. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا [بَيَانُ] الْمُلَازِمَةِ فَلِأَنَّهُمَا مَجَازَانِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمَجَازُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَقِيقَةِ ; إِذِ التَّقْدِيرُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي [فَلِأَنَّهُمَا] لَمْ يُسْتَعْمَلَا قَطُّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُمَا الْأَوَّلِ وَالِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ الْأَوَّلِ شَرْطُ الْحَقِيقَةِ. وَجَزَاءُ قَوْلِهِ: [لَوْ قِيلَ] قَوْلُهُ: " كَانَ قَوِيًّا ". وَجَزَاءُ قَوْلِهِ: " لَوِ اسْتَلْزَمَ "، قَوْلُهُ: " لَكَانَ لِلَفْظِ الرَّحْمَنِ ". وَبَيَانُ [قَوْلِهِ] أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُ الْإِلْزَامِ [ضَرُورَةَ] تُحَقُّقِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُ اسْتِعْمَالِهَا فِي مَفْهُومَيْهِمَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. بِخِلَافِ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ. [دوران اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي تَعَارُضِ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ، وَهُمَا مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُخِلَّةِ بِالْفَهْمِ التَّامِّ. وَالتَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَدِ مَدْلُولَيْهِ، ثُمَّ الذِّهْنُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَفْهُومِ الثَّانِي حَتَّى يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ، أَوْ غَيْرُ حَقِيقَةٍ، حَتَّى يَلْزَمَ الْمَجَازُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَقْرَبُ وَأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وُجُوهٌ: بَعْضُهَا بِاعْتِبَارِ مَفَاسِدِ الِاشْتِرَاكِ وَبَعْضُهَا بِاعْتِبَارِ خَوَاصِّ الْمَجَازِ. فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْوُجُوهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَفَاسِدِ الِاشْتِرَاكِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ. ش - الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: تَقْرِيرُهُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ يُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْقَرِينَةِ، لَمْ يُفْهَمْ وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَيَيْهِ عَلَى التَّعْيِينِ، فَاخْتَلَّ التَّفَاهُمُ، بِخِلَافِ الْمَجَازِ ; فَإِنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ، فَلَمْ يَخْتَلَّ الْفَهْمُ، لَا عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ وَلَا عِنْدَ عَدَمِهَا. وَمَا لَا يَكُونُ مُخِلًّا بِالتَّفَاهُمِ فَهُوَ أَقْرَبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ إِذَا فُهِمَ مِنْهُ غَيْرُ الْمُرَادِ يَكُونُ مُؤَدِّيًا إِلَى مُسْتَبْعَدٍ، وَهُوَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، مِنْ ضِدِّ مُرَادِهِ أَوْ نَقِيضِهِ. فَإِنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، كَالْجَوْنِ، بَيْنَ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ. وَقَدْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ كَلَفْظِ " النَّقِيضِ " الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، إِنْ لَمْ نَقُلْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا. بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ، لَمْ يَكُنْ مُسْتَبْعَدًا ; ضَرُورَةَ اعْتِبَارِ الْمُنَاسِبَةِ بَيْنَ مَفْهُومَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَجَازَ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ مُؤَدِّيًا إِلَى مُسْتَبْعَدٍ، مِنْ ضِدٍّ أَوْ نَقِيضٍ ; فَإِنَّ لَفْظَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلضِّدِّ الْآخَرِ مَجَازًا، فَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مُؤَدٍّ إِلَى مُسْتَبْعَدٍ كَمَا فِي الِاشْتِرَاكِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَجَازَ لَمَّا اعْتُبِرَ فِيهِ الْمُنَاسِبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ - وَإِنْ كَانَ ضِدًّا لِلْمُرَادِ - لَمْ يَكُنْ مُسْتَبْعَدًا ; لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لَهُ. بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرِ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ مَفْهُومَيْهِ، فَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ، حَمْلٌ عَلَى مَا هُوَ غَيْرِ مُنَاسِبٍ فَيَكُونُ مُسْتَبْعَدًا. ش - الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [بِحَسْبِ] مَعْنَيَيْهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ مُعَيِّنَةٍ مُخَصِّصَةٍ لَهُ [إِذْ لَا] تَرْجِيحَ لِوَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، كَالْعَيْنِ، فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي [الْبَاصِرَةِ] إِلَى قَرِينَةٍ [تُخَصِّصُهَا] وَكَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْجَارِيَةِ. بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَفْهُومِهِ الْمَجَازِيِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَرِينَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ. كَالْأَسَدِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَرِينَةِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ. وَكُلَّمَا كَانَ الِافْتِقَارُ إِلَى الْقَرِينَةِ أَكْثَرَ، كَانَ الْمَحْذُورُ أَشَدَّ. ش - هَذِهِ هِيَ الْوُجُوهُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِخَوَاصِّ الْمَجَازِ مِنْهَا: أَنَّ الْمَجَازَ أَكْثَرُ وُقُوعًا فِي اللُّغَةِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَالْأَكْثَرُ أَرْجَحُ، وَمَا كَانَ أَرْجَحَ فَهُوَ أَوْلَى. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ، أَيْ يَكُونُ أَدَلَّ عَلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ. لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلَنَا: " زِيدٌ أَسَدٌ " أَتَمُّ دَلَالَةً عَلَى شَجَاعَتِهِ مِنْ قَوْلِنَا: " زِيدٌ شُجَاعٌ " أَوْ " زِيدٌ كَالْأَسَدِ فِي الشَّجَاعَةِ ". يُدْرِكُ ذَلِكَ صَاحِبُ الذَّوْقِ السَّلِيمِ. وَمَا كَانَ أَبْلَغَ فَهُوَ أَوْلَى. وَبَعْضُ الشَّارِحِينَ أَوْرَدَ لَفْظَ الْمَتْنِ هَكَذَا: " وَلِأَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ فَيَكُونُ أَبْلَغَ ". وَقَالَ: " الْفَاءُ " لِلسَّبَبِيَّةِ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ: " فَيَكُونُ أَبْلَغَ " إِلَى قَوْلِهِ " الرَّوِيِّ " أَسْبَابًا لِغَلَبَةِ الْمَجَازِ. هَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ وَجْهًا مُسْتَقِلًّا لِأَوْلَوِيَّةِ الْمَجَازِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَهُ هَذَا الشَّارِحُ، يَكُونُ جَمِيعُ الْمَذْكُورَاتِ مُتَمِّمًا لِوَجْهٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَكُونُ أَوْجَزَ فِي اللَّفْظِ ; إِذْ يَقُومُ لَفْظُ الْمَجَازِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ. كَقَوْلِنَا: رَأَيْتُ أَسَدًا ; فَإِنَّ الْأَسَدَ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِنَا: " رَجُلٌ شُجَاعٌ ". وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَجَازَ أَوْفَقُ لِلطِّبَاعِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحْسَنَ فِي الْعَادَةِ. كَالتَّعْبِيرِ عَنْ إِيلَاجِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ بِالْجِمَاعِ. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] . وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى السَّجْعِ، وَهُوَ رِعَايَةُ الْوَزْنِ وَالْعَجُزِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَى الْمُطَابَقَةِ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُمَا فِي التَّرَادُفِ. وَإِلَى الْمُقَابَلَةِ، وَهِيَ أَنْ تَجَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَبَيْنَ ضِدَّيْهِمَا ثُمَّ إِذَا شَرَطْتَ هُنَا شَرْطًا، شَرَطْتَ هُنَاكَ ضِدَّهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7] . {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى - وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 8 - 10] . وَإِلَى الْمُجَانَسَةِ وَالرَّوِيِّ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُمَا أَيْضًا فِي التَّرَادُفِ. ش - لَمَّا ذَكَرَ الْوُجُوهَ الدَّالَّةَ عَلَى تَرْجِيحِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ شَرَعَ فِي الْوُجُوهِ الدَّالَّةِ عَلَى تَرْجِيحِ الِاشْتِرَاكِ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالَ: وَعُورِضَ، أَيْ عُورِضَ الْوُجُوهُ الدَّالَّةُ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ الْمَجَازِ بِوُجُوهٍ دَالَّةٍ عَلَى تَرْجِيحِ الِاشْتِرَاكِ عَلَى الْمَجَازِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنْهَا: أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مُطَّرِدٌ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ. وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ، الِاطِّرَادُ، وَمَا يَكُونُ مُطَّرِدًا لَا يَضْطَرِبُ ; ضَرُورَةَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي جَمِيعِ نَظَائِرِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ، وَالِاشْتِقَاقَ مِنْ خَوَاصِّ الْحَقِيقَةِ، كَالْأَمْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّهُ يُشْتَقُّ مِنْهُ " الْأَمْرُ " وَ " الْمَأْمُورُ " وَغَيْرُهَا مِنَ الْمُشْتَقَّاتِ. بِخِلَافِ الْمَجَازِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَقُّ مِنْهُ، كَالْأَمْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَقُّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ مُتِّسَعًا ; ضَرُورَةَ تَكَثُّرِ الْمُشْتَقَّاتِ. وَالِاتِّسَاعُ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ، وَمَا يُفِيدُ الْأَمْرَ الْمَطْلُوبَ فَهُوَ أَوْلَى. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَصِحُّ التَّجَوُّزُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ ; ضَرُورَةَ تَكَثُّرِ الْمَجَازَاتِ. بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ [لَا] يَصِحُّ التَّجَوُّزُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ، فَلَا تَكْثُرُ الْفَائِدَةُ. وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَائِدَةً فَهُوَ أَوْلَى. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَسْتَغْنِي عَنِ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ مَفْهُومَيْهِ ; لِأَنَّ وَضْعَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ. بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْحَقِيقَةِ، بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى رَأْيٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْهَا: أَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَسْتَغْنِي عَنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي كُلِّ مَفْهُومَيْهِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ [لَهُ] فَلَمْ يُرْتَكَبْ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ. بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي مَفْهُومِهِ الْمَجَازِيِّ، اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ، وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ خِلَافَ الظَّاهِرِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُشْتَرَكَ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْقَرِينَةِ، لَمْ يُحْمَلْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومَيْهِ، فَلَمْ يَقَعْ غَلَطٌ. بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْقَرِينَةِ يُحْمَلُ عَلَى مَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ، وَيَحْتَمِلُ الْغَلَطَ ; لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ هُوَ الْمَفْهُومُ الْحَقِيقِيُّ. ش - لَمَّا ذَكَرَ الْوُجُوهَ الدَّالَّةَ عَلَى تَرْجِيحِ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَرَادَ بَيَانَ مَا هُوَ الْحَقُّ. فَذَكَرَ أَوَّلًا: أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ، فَمُشْتَرَكٌ، أَيِ الْبَلَاغَةُ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ السَّجْعِ، وَالْمُقَابَلَةِ، وَالْمُطَابَقَةِ، وَالْمُجَانَسَةِ، وَالرَّوِيِّ ; فَإِنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْبَلَاغَةِ، مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ الْبَلَاغَةَ كَمَا يُمْكِنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وُقُوعُهَا فِي الْمَجَازِ، كَذَلِكَ يُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِي الِاشْتِرَاكِ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ يُفِيدُ الْمَقْصُودَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَيَقَعُ فِي مَعْنَاهُ إِلْهَامٌ وَبَيَانٌ، فَتَتَشَوَّقُ النَّفْسُ إِلَى تَحْصِيلِهَا. فَإِذَا حَصَلَ كَانَ أَوْقَعَ فِي الذِّهْنِ ; فَإِنَّ الْحَاصِلَ بَعْدَ الطَّلَبِ أَعَزُّ مِنَ الْمُنْسَاقِ بِلَا تَعَبٍ، فَيَكُونُ أَبْلَغَ. وَكَذَلِكَ فِيمَا يَتْبَعُ الْبَلَاغَةَ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ وُجِدَ لَفْظُهُ " إِلَى آخِرِهِ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " إِنَّهُ أَبْلَغُ " وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ وَالْمَجَازَ مُشْتَرَكَانِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ " أَبْلَغَ ". ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُقَابِلُ مَا ذَكَرْنَا، مِنْ كَوْنِ الْمَجَازِ أَغْلَبَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنَ الْوُجُوهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ الْمُشْتَرَكِ رَاجِحًا ; لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَجَازِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَوْفَقُ لِلطَّبْعِ، [وَأَلَذُّ] وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ ذِكْرَهُ. وَمَا كَانَ أَوْفَقَ لِلطَّبْعِ فَهُوَ أَقْرَبُ وَأَوْلَى. [الحقيقة الشرعية] ش - وَلْنَذْكُرْ قَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْمَقْصُودِ مُقَدِّمَةً. اعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا وُضِعَ لِمَعْنًى، ثُمَّ نُقِلَ فِي الشَّرْعِ إِلَى مَعْنًى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ثَانٍ، لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي، يُسَمَّى: " مَنْقُولًا شَرْعِيًّا ". وَالْمَنْقُولُ الشَّرْعِيُّ لَمَّا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي بِحَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ، إِلَى مُلَاحَظَةِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ، صَارَ كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَنْقُولِ إِلَيْهِ وَضْعًا أَوَّلًا ; ضَرُورَةَ عَدَمِ الِافْتِقَارِ إِلَى مُلَاحَظَةِ وَضْعٍ سَابِقٍ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً. بِخِلَافِ الْمَجَازِ ; فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَغْلِبِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي افْتَقَرَ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ عَلَى الثَّانِي إِلَى اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا وَضْعًا أَوَّلًا; ضَرُورَةَ افْتِقَارِهِ إِلَى مُلَاحَظَةِ وَضْعٍ سَابِقٍ. وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ: هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا فِي الشَّرْعِ. وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْمَنْقُولَ الشَّرْعِيَّ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمَوْضُوعَاتُ الْمُبْتَدَأَةُ، وَهِيَ أَلْفَاظٌ وَضَعَهَا الشَّارِعُ بِإِزَاءِ الْمَعَانِي الْمُخْتَرَعَةِ ابْتِدَاءً، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَلَ مِنَ اللُّغَةِ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ. فَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّهَا غَيْرُ وَاقِعَةٍ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تِلْكَ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَالزِّيَادَاتِ الَّتِي هِيَ فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ شُرُوطٌ. أَوْ] ) عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا اسْتَعْمَلَهُ الشَّارِعُ مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْحَقَائِقِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ] ) مَجَازَاتٍ فِي ابْتِدَاءِ النَّقْلِ بِسَبَبِ عَدَمِ اشْتِهَارِهَا، ثُمَّ صَارَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَأَثْبَتَ الْمُعْتَزِلَةُ الْأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ وَالدِّينِيَّةَ أَيْضًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ الدِّينِيَّةِ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ إِنْ أُجْرِيَتْ عَلَى الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ، كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، تُسَمَّى: غَيْرَ دِينِيَّةٍ. وَإِنْ أُجْرِيَتْ عَلَى الْمُشْتَقَّاتِ مِنَ الْفَاعِلِينَ، كَالْمُؤْمِنِ، وَالْفَاسِقِ، وَالْكَافِرِ تُسَمَّى: دِينِيَّةً. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ وَاقِعَةٌ. إِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، غَيْرُ مَنْقُولَةٍ مِنَ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ. وَالْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ بِخِلَافِهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْقَطْعَ حَصَلَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الشَّرْعِ مَوْضُوعَةٌ لِلرَّكَعَاتِ، وَالزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ كَذَلِكَ، أَيْ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ. أَمَّا الزَّكَاةُ، فَلِلْمِقْدَارِ الْمُخْرَجِ مِنَ النِّصَابِ. وَأَمَّا الصِّيَامُ، فَلِلْإِمْسَاكِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ إِلَى آخِرِهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ. وَأَمَّا الْحَجُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَلِلْقَصْدِ إِلَى الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ. وَاسْتِعْمَالُهَا فِيهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ; ضَرُورَةَ سَبْقِ فَهْمِ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهَا بِدُونِ الْقَرِينَةِ. وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةٌ لِغَيْرِ هَذِهِ الْمَعَانِي ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي اللُّغَةِ لِلدُّعَاءِ، وَالزَّكَاةَ لِلنُّمُوِّ، وَالصِّيَامَ لِلْإِمْسَاكِ مُطْلَقًا، وَالْحَجَّ لِلْقَصْدِ مُطْلَقًا. فَتَكُونُ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً مَنْقُولَةً مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى تَقْيِيدِ الْقَصْدِ بِالْمُطْلَقِ، بَلْ قَيَّدَ الْإِمْسَاكَ أَيْضًا بِهِ، وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رُجُوعٌ مُطْلَقًا إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ إِلَى الْآخَرِ فَقَطْ، وَهُمَا غَيْرُ مُرَادَيْنِ. ش - هَذَا إِيرَادٌ لِلْمَانِعِينَ مِنْ وُقُوعِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ رَدُّهُ مُنَاقَضَةً لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: " قَوْلُهُمْ " مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: " رَدٌّ " خَبَرُهُ. وَتَقْرِيرُ الْإِيرَادِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وُضِعَتْ فِي الشَّرْعِ لِهَذِهِ الْمَعَانِي، بَلْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بَاقِيَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ. وَالزِّيَادَاتُ الْحَاصِلَةُ فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ شُرُوطٌ زِيدَتْ عَلَى الْمَفْهُومَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] اللُّغَوِيَّةِ، لَا بِاعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةً لَهَا، دَالَّةً عَلَيْهَا، بَلْ لِأَنَّ وُقُوعَ الْمَفْهُومَاتِ اللُّغَوِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، لَا يَحْصُلُ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ. فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَثَلًا وُضِعَتْ فِي اللُّغَةِ لِلدُّعَاءِ، وَاسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْعِ لِلدُّعَاءِ أَيْضًا. إِلَّا أَنَّ وُقُوعَ الدُّعَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا زِيدَ عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ، فَلَا يَكُونُ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَفْهُومَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ، لَمَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُورَةٍ لَمْ تَتَحَقَّقِ الْمَفْهُومَاتُ اللُّغَوِيَّةُ فِيهَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي اللُّغَةِ، إِمَّا الدُّعَاءُ أَوِ الِاتِّبَاعُ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي الشَّرْعِ فِيمَا لَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صَلَاةِ الْأَخْرَسِ الْمُنْفَرِدِ، وَهُوَ غَيْرُ دَاعٍ وَلَا مُتَّبِعٍ. ش - هَذِهِ مُنَاقَضَةٌ أُخْرَى لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَعَ جَوَابِهَا. وَتَقْرِيرُ الْمُنَاقَضَةِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي مَعَانِيهَا شَرْعًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، بَلِ اسْتِعْمَالُهَا فِيهَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، لِتَحَقُّقِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْمَفْهُومَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي. فَإِنَّ الصَّلَاةَ لِلدُّعَاءِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ، وَهُوَ جُزْءُ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ. وَالزَّكَاةَ فِي اللُّغَةِ لِلنَّمَاءِ، وَهُوَ سَبَبٌ [لِلْمَعْنَى] الشَّرْعِيِّ، وَتَسْمِيَةُ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ، وَالْمُسَبِّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ، مَجَازٌ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْمُنَاقَضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِكَوْنِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَجَازَاتٍ، أَنَّ الشَّارِعَ اسْتَعْمَلَهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَهُوَ الْمُدَّعِي ; لِأَنَّنَا لَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً إِلَّا أَنَّ الشَّارِعَ اسْتَعْمَلَهَا فِي غَيْرِ مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهَا. وَإِنْ أُرِيدَ بِكَوْنِهَا مَجَازَاتٍ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَدِ اسْتَعْمَلُوهَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي فَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَعْرِفُوا هَذِهِ الْمَعَانِيَ قَبْلَ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُونَ لَهَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ ; لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ مَسْبُوقٌ بِفَهْمِ الْمَعْنَى. الثَّانِي: أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِهَذِهِ الْمَعَانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ; لِأَنَّهُ يُفْهَمُ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ إِطْلَاقِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَلَيْهَا، بِدُونِ قَرِينَةٍ. فَلَوْ كَانَتْ مَجَازَاتٍ، لَمْ يُفْهَمِ الْمَعْنَى بِدُونِ قَرِينَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 ص - الْقَاضِي: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ، لَفَهِمِهَا الْمُكَلَّفُ. وَلَوْ فَهِمَهَا - لِنُقِلَ، لِأَنَّا مُكَلَّفُونَ مِثْلَهُمْ. وَالْآحَادُ لَا تُفِيدُ، وَلَا تَوَاتُرَ. ص - وَالْجَوَابُ أَنَّهَا فُهِمَتْ بِالتَّفْهِيمِ بِالْقَرَائِنِ، كَالْأَطْفَالِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَتْ - لَكَانَتْ غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ [لِأَنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوهَا] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - أَيْ قَالَ الْقَاضِي: إِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَكُونُ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ، أَيْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً، لَزِمَ أَنْ يُفْهِمَهَا الشَّارِعُ الْمُكَلَّفِينَ أَوَّلًا، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ ; لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِفَهْمِ مُرَادِهِ مِنْهَا، وَالْفَهْمُ لَا يَكُونُ بِدُونِ تَفْهِيمِ الشَّارِعِ إِيَّاهُمْ. وَلَوْ فَهِمَهَا الشَّارِعُ الْمُكَلِّفِينَ، لِنُقِلَ ذَلِكَ التَّفْهِيمُ إِلَيْنَا نَقْلًا يُفْهَمُ مُرَادُ الشَّارِعِ مِنْهُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ; لِأَنَّا مُكَلَّفُونَ مِثْلَهُمْ، وَالتَّكْلِيفُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلتَّفْهِيمِ. وَنَقْلُ التَّفْهِيمِ إِلَيْنَا، إِمَّا بِالْآحَادِ، وَلَا سَنَدَ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةِ قَطْعِيَّةٍ. وَإِمَّا بِالتَّوَاتُرِ، وَلَا يَكُونُ حَاصِلًا، وَإِلَّا لَمْ يَقَعِ النِّزَاعُ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذِهِ الْمُنَاقَضَةِ بِأَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ فَهَّمَهَا الشَّارِعُ الْمُكَلَّفِينَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَفْهِيمُ الشَّارِعِ إِيَّاهُمْ بِالْقَرَائِنِ، كَالْوَالِدَيْنِ مَعَ الْأَطْفَالِ. أَمَّا إِذَا كَانَ بِالْقَرَائِنِ فَلَا يَلْزَمُ النَّقْلُ إِلَيْنَا ; إِذْ يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يُفْهَمَ أَيْضًا بِالْقَرَائِنِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمَانِعِينَ مِنْ وُقُوعِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ. بَيَانُهُ: لَوْ كَانَتِ الْأَسْمَاءُ الْمَذْكُورَةُ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً، لَكَانَتْ غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً، لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَاتُ الْعَرَبِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوهَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي، عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَاتُ الْعَرَبِ، لَمْ تَكُنْ عَرَبِيَّةً ; إِذْ مَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ عَرَبِيًّا إِفَادَتُهُ لِمَا وَضَعَ وَاضِعُ لُغَةِ الْعَرَبِ ذَلِكَ اللَّفْظَ بِإِزَائِهِ. وَأَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ اللَّازِمِ - وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَأَمَّا الثَّانِيَةُ ". وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، يُشِيرُ بِهِ إِلَى الْمُقَدِّمَةِ الِاسْتِثْنَائِيَّةِ - فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ عَرَبِيَّةً، لَمَا كَانَ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهَا غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ، فَلَا يَكُونُ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا ; ضَرُورَةَ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَا هُوَ غَيْرُ عَرَبِيٍّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ [لَا] يَكُونُ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا عَرَبِيَّةٌ بِوَضْعِ الشَّارِعِ لَهَا مَجَازًا. [وَ] " أَنْزَلْنَاهُ " ضَمِيرُ السُّورَةِ، وَيَصِحُّ إِطْلَاقُ اسْمِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا، كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمِائَةِ وَالرَّغِيفِ. وَلَوْ سُلِّمَ - فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ اسْمِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا غَالِبُهُ عَرَبِيٌّ، كَشِعْرٍ فِيهِ فَارِسِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ. ص - الْمُعْتَزِلَةُ: الْإِيمَانُ: التَّصْدِيقُ. وَفِي الشَّرْعِ الْعِبَادَاتُ ; لِأَنَّهَا الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ. وَالدِّينُ: الْإِسْلَامُ، وَالْإِسْلَامُ: الْإِيمَانُ، بِدَلِيلِ وَمَنْ يَبْتَغِ فَثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ: الْعِبَادَاتُ. وَقَالَ: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. ص - وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] . ص - وَقَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ - لَكَانَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مُؤْمِنًا، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ; لِأَنَّهُ مُخْزًى، بِدَلِيلِ: {مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] . وَالْمُؤْمِنُ لَا يُخْزَى بِدَلِيلِ: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ أَوَّلًا بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ، وَثَانِيًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً، لَمْ تَكُنْ عَرَبِيَّةً. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَضَعُوهَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا لَمْ يَضَعُوهَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي لَمْ تَكُنْ عَرَبِيَّةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ عَرَبِيًّا، إِفَادَتُهُ لِمَعْنَاهُ عَلَى طَرِيقِ الْعَرَبِ، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ، وَإِنْ كَانَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً، لَكِنَّهَا إِفَادَتُهَا لِمَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَهَا لِمَحَلِّ الْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ. فَتَكُونُ مَجَازَاتٍ لُغَوِيَّةً، صَارَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً بِحَسَبِ الشُّهْرَةِ، فَلَمْ تَخْرُجْ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَقَائِقَ لُغَوِيَّةً. وَأَمَّا مَنْعُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَبِأَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا الْمُلَازَمَةَ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً. قَوْلُهُمْ: وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا. وَهُوَ بَاطِلٌ. قُلْنَا: إِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا، فَمَمْنُوعٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ مُشْتَمِلًا عَلَى أَلْفَاظٍ غَيْرِ عَرَبِيَّةٍ كَوْنُ جَمِيعِهَا كَذَلِكَ. وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ عَرَبِيًّا، فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ التَّالِي. وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ ; لِأَنَّ ضَمِيرَ " أَنْزَلْنَاهُ " رَاجِعٌ إِلَى السُّورَةِ بِتَقْدِيرِ بَعْضِ الْقُرْآنِ. فَإِنْ قِيلَ: السُّورَةُ الْوَاحِدَةُ بَعْضُ الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ إِطْلَاقُ اسْمِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمُ جِنْسٍ ; لِأَنَّهُ اسْمٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِعْجَازِ، فَيَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْبَعْضِ وَالْمَجْمُوعِ، " كَالْمَاءِ " وَ " الْعَسَلِ " فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِخِلَافِ نَحْوِ " الْمِائَةِ " وَ " الرَّغِيفِ " فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ، فَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْجُزْءِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ، لَكِنَّ وُجُودَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيهِ، لِكَوْنِهَا قَلَائِلَ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا، فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا غَالِبُهُ عَرَبِيٌّ. كَشِعْرٍ عَرَبِيٍّ فِيهِ أَلْفَاظٌ فَارِسِيَّةٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُ الْعَرَبِيِّ عَلَيْهِ. وَكَذَا شِعْرٌ فَارِسِيٌّ فِيهِ أَلْفَاظٌ عَرَبِيَّةٌ، يَصِحُّ إِطْلَاقُ اسْمِ الْفَارِسِيِّ عَلَيْهِ. ش - هَذَا دَلِيلُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْأَسْمَاءَ الدِّينِيَّةَ مَوْضُوعَاتٌ مُبْتَدَأَةٌ، لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَفْهُومَاتِ اللُّغَوِيَّةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ فِي اللُّغَةِ: التَّصْدِيقُ، وَفِي الشَّرْعِ: الْعِبَادَاتُ، أَيْ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالنَّقْلِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ هِيَ الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. أَيْ دِينُ الْمِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ. وَهُوَ الدِّينُ، أَيِ الْمُعْتَبَرُ. وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، دِينًا مُعْتَبَرًا. وَالدِّينُ الْمُعْتَبَرُ: الْإِسْلَامُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ أَيِ الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ. إِذْ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ لَا يَكُونُ إِسْلَامًا. وَالْإِسْلَامُ: الْإِيمَانُ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ يُقْبَلُ مِنْ مُبْتَغِيهِ. فَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْ مُبْتَغِيهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ فَيَثْبُتُ أَنَّ الْإِيمَانَ: الْعِبَادَاتُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَقَوْلُهُ: " وَقَالَ: " فَأَخْرَجْنَا " إِشَارَةٌ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْإِيمَانِ لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُؤْمِنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ إِخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ. وَهُوَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ; فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ غَيْرَ الْإِيمَانِ لَمْ يَصْدُقِ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 35] ، {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 36] فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَثْنَى الْمُسْلِمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ فِي الْآيَةِ. وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ هَذَا الدَّلِيلُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ يَبْتَغِ ". وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أُخِّرَ إِلَى هَهُنَا حَتَّى يَخْتَصَّ الْمُعَارَضَةَ الْمَذْكُورَةَ بِهِ. ش - هَذِهِ مُعَارَضَةٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ. وَتَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْآيَتَيْنِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ: الْإِيمَانُ وَلَكِنْ عِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَوْ كَانَ هُوَ الْإِيمَانَ لَمَا ثَبَتَ الْإِسْلَامُ عِنْدَ سَلْبِ الْإِيمَانِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ سَلَبَ عَنْهُمُ الْإِيمَانَ مَعَ إِثْبَاتِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَكْثَرُهَا مُزَيَّفَةٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ: الْعِبَادَاتُ: الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] فَلَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ وَاحِدٌ مُذَكَّرٌ، وَمَا تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مُؤَنَّثٌ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} [آل عمران: 85] إِلَى آخِرِهِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ: مَنِ ابْتَغَى غَيْرَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدِّينَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، لَا عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ غَيْرَ دِينٍ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا. وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ، فَهِيَ أَيْضًا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ. غَايَةٌ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَصْدُقُ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ هُوَ الْإِيمَانُ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ فِي الشَّرْعِ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ فِي الشَّرْعِ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ، لَكَانَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مُؤْمِنًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْعِ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ، لَكَانَ فِي الشَّرْعِ هُوَ التَّصْدِيقُ الْخَاصُّ، وَهُوَ تَصْدِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا عَلِمَ مَجِيئُهُ مِنْهُ ; إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ. وَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ الْخَاصُّ، كَانَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مُؤْمِنًا، ضَرُورَةَ كَوْنِهِ مُصَدِّقًا. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِأَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ مُخْزًى، وَالْمُؤْمِنُ لَا يَخْزَى، فَقَاطِعُ الطَّرِيقِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ. وَأَمَّا بَيَانُ الصُّغْرَى فَلِأَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَدْخُلُ النَّارَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114] . وَكُلُّ مَنْ أُدْخِلَ فِي النَّارِ فَهُوَ مُخْزًى ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] . فَقَاطِعُ الطَّرِيقِ مُخْزًى. وَأَمَّا بَيَانُ الْكُبْرَى فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلصَّحَابَةِ، أَوْ مُسْتَأْنَفٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمَجَازُ وَاقِعٌ، خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ. بِدَلِيلِ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ، وَالْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ، وَشَابَتْ لُمَّةِ اللَّيْلِ. ص - الْمُخَالِفُ: مُخِلٌّ بِالتَّفَاهُمِ. وَهُوَ اسْتِبْعَادٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي. وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فِي بَيَانِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ; لِأَنَّ كُبْرَاهُ - وَهِيَ قَوْلُهُ: وَالْمُؤْمِنُ لَا يُخْزَى - لَا تَصْدُقُ كُلِّيَّةً ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّهُمْ بِالْمَعِيَّةِ، وَهُمُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ مُخْزَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ كَذَلِكَ. هَذَا إِذَا عُطِفَ وَالَّذِينَ آمَنُوا عَلَى مَا قَبْلَهُ. أَمَّا إِذَا جَعَلَ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ لَمْ يُثْبِتْ صِدْقَ الْكُبْرَى، لَا كُلِّيَّةً وَلَا جُزْئِيَّةً. [وقوع المجاز] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ. اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ الْمَجَازُ فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ الْبَاقُونَ: نَعَمْ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَسَدَ يُسْتَعْمَلُ لِلشُّجَاعِ، وَالْحِمَارَ لِلْبَلِيدِ، وَشَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ لِظُهُورِ الصُّبْحِ. فَاسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إِمَّا بِطْرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ; إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ. وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانٍ أُخَرَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. فَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَيْضًا، يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَجَازُ أَيْضًا خِلَافُ الْأَصْلِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، لَكَانَتْ سَابِقَةً إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ، إِنْ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَيْرِ مَجَازًا. أَوْ لَمْ يَسْبِقِ الْغَيْرُ إِلَى الْفَهْمِ، إِنْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إِلَى الْفَهْمِ. ش - قَالَ الْمُخَالِفُ، أَيِ الْأُسْتَاذُ: لَوْ كَانَ الْمَجَازُ وَاقِعًا لَاخْتَلَّ التَّفَاهُمُ وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ وَأُرِيدَ [بِهِ] مَفْهُومُهُ الْمَجَازِيُّ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، أَوْ لَا] ) . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَذْهَلَ الْمُخَاطَبُ عَنِ الْقَرِينَةِ فَلَا يَفْهَمَ الْمُرَادَ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَلْزَمُ الِاخْتِلَالُ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْقَرِينَةِ، يَتَبَادَرُ الْمَفْهُومُ الْحَقِيقِيُّ إِلَى الذِّهْنِ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُرَادِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْعَادِ وُقُوعِ الْمَجَازِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ إِمَّا الِاخْتِلَالُ أَوْ جَوَازُ عَدَمِ فَهْمِ الْمُرَادِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ. [وقوع المجاز في القرآن] ش - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ - عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فِي اللُّغَةِ - هَلْ هُوَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ الظَّاهِرِيُّونَ، أَعْنِي الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يُؤَوِّلُونَهُ أَصْلًا: لَا. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: نَعَمْ. وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ " وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ " لِلْحَالِ. وَالْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَهَا حَالٌ عَنِ الضَّمِيرِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَاقِعٌ " فِي قَوْلِهِ: " الْمَجَازُ وَاقِعٌ " وَالْعَامِلُ اسْمُ الْفَاعِلِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] مَجَازٌ ; لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ أَوَّلًا لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأُرِيدَ هَهُنَا نَفْيُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ بَيَانُ تَفَرُّدِهِ فِي ذَاتِهِ، وَنَفْيُ الْمِثْلِ عَنْهُ. لِأَنَّ نَفْيَ مِثْلِ الْمِثْلِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْمِثْلِ. بَلْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ الْمُحَالُ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَفْيُهُ. تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى مَثَّلَ لِمِثْلِهِ. لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى مَثَّلَ لِمِثْلِهِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ مَثَلًا لِمِثْلِهِ، إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِثْلِهِ، وَثُبُوتُ مِثْلِهِ مُحَالٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: ثُبُوتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ص - (مَسْأَلَةٌ) : وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ. خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ. بِدَلِيلِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] ، {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] ، {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] ، {سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] . وَهُوَ كَثِيرٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ص - قَالُوا: الْمَجَازُ كَذِبٌ ; لِأَنَّهُ يَنْتَفِي فَيَصْدُقُ. قُلْنَا: إِنَّمَا يَكْذِبُ إِذَا كَانَا مَعًا لِلْحَقِيقَةِ. ص - قَالُوا: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي - تَعَالَى - مُتَجَوِّزًا. قُلْنَا: مِثْلُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : فِي الْقُرْآنِ [مُعَرَّبٌ،] وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَنَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلِ الْمِثْلِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْمِثْلِ فِي الْخَارِجِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ مِثْلِهِ فِي الذِّهْنِ. وَالْحُقُّ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى مِثْلُ الْمِثْلِ يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْمِثْلُ فِي الْجُمْلَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مِثْلَ مِثْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ مِثْلَ مِثْلِهِ مُنْتَفٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] مَجَازٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْقَرْيَةِ أَهْلُهَا ; لِامْتِنَاعِ السُّؤَالِ مِنَ الْقَرْيَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] مَجَازٌ، لِأَنَّ الْإِرَادَةَ صِفَةٌ لِذِي شُعُورٍ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا هَهُنَا الْمَيْلُ الْقَائِمُ بِالْجِدَارِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ; فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْقِصَاصِ، وَالِاعْتِدَاءُ ضِدُّ الْقِصَاصِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ سَبَبُ الْقِصَاصِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ ضِدِّهِ، وَعَلَى الثَّانِي بِاسْمِ سَبَبِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} [الشورى: 40] ; فَإِنَّهُ أَطْلَقَ السَّيِّئَةَ عَلَى جَزَاءِ السَّيِّئَةِ. وَجَزَاءُ السَّيِّئَةِ حَسَنَةٌ. فَثَبَتَ أَنَّ الْمَجَازَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا أَطْلَقَ الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مُشَابِهٌ لِلِاعْتِدَاءِ فِي الصُّورَةِ، فَيَكُونُ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِاسْمِ مُشَابِهِهِ. وَالْقَرِينَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: " {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى} [البقرة: 194] ". فَإِنَّ الْمِثْلَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاعْتِبَارِ الْمُشَابَهَةِ (فِي الصُّورَةِ) ] 2) . ش - الظَّاهِرِيُّونَ قَالُوا: الْمَجَازُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ كَذِبٌ، وَالْكَذِبُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ. بَيَانُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَجَازَ يَصِحُّ نَفْيُهُ فَيَصْدُقُ الْمَنْفِيُّ، كَقَوْلِنَا: الْبَلِيدُ لَيْسَ بِحِمَارٍ. وَإِذَا صَدَقَ الْمَنْفِيُّ كَذَبَ الْمُثْبَتُ، وَهُوَ الْمَجَازُ. كَقَوْلِنَا: الْبَلِيدُ حِمَارٌ ; ضَرُورَةَ صِدْقِ نَقِيضِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَجَازَ إِنَّمَا يَكْذِبُ عَلَى تَقْرِيرِ صِدْقِ الْمَنْفِيِّ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَنْفِيِّ وَالْمُثْبَتِ مَعًا هُوَ الْمَفْهُومُ الْحَقِيقِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَنْفِيِّ، الْمَفْهُومُ الْحَقِيقِيُّ، وَمِنَ الْمُثْبَتِ، الْمَفْهُومُ الْمَجَازِيُّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ الْمَنْفِيِّ كَذِبُ الْمُثْبَتِ ; فَإِنَّ قَوْلَنَا: الْبَلِيدُ لَيْسَ بِحِمَارٍ يَصْدُقُ مَعَ قَوْلِنَا: الْبَلِيدُ حِمَارٌ، إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْحِمَارِ فِي الْأَوَّلِ، الْمَفْهُومُ الْحَقِيقِيُّ، وَفِي الثَّانِي، الْمَفْهُومُ الْمَجَازِيُّ ; لِاخْتِلَافِ الْمَحْمُولِ فِي الْمُثْبَتِ وَالْمَنْفِيِّ. ش - الظَّاهِرِيُّونَ قَالُوا أَيْضًا: لَوْ وَقَعَ الْمَجَازُ فِي الْقُرْآنِ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى مُتَجَوِّزًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ ثُبُوت َ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لِشَيْءٍ يُصَحِّحُ إِطْلَاقَهُ اسْمُ الْمُشْتَقِّ عَلَيْهِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ، فَيَتَوَقَّفُ إِطْلَاقُ الْأَسْمَاءِ عَلَيْهِ - مُشْتَقَّاتٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا - عَلَى صُدُورِ الْإِذْنِ مِنْهُ. فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ " الْمُتَجَوِّزِ " عَلَيْهِ، لَا لِامْتِنَاعِ صُدُورِ الْمَجَازِ مِنْهُ. [وقوع المعرب في القرآن] ش - الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ هَلْ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُعَرَّبِ أَمْ لَا؟ وَوَجْهُ تَعَلُّقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، اشْتِرَاكُ الْمُعَرَّبِ وَالْمَجَازِ فِي أَنَّهُمَا لَيْسَ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ لِلُغَةِ الْعَرَبِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ. وَنَفَاهُ أَكْثَرُونَ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وُقُوعَهُ فِيهِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ " الْمِشْكَاةَ " هِنْدِيَّةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 لَنَا: " الْمِشْكَاةُ " هِنْدِيَّةٌ، وَ " إِسْتَبْرَقٌ " وَ " سِجِّيلٌ " فَارِسِيَّةٌ وَ " قِسْطَاسٌ " رُومِيَّةٌ. ص - قَوْلُهُمْ: مِمَّا اتَّفَقَ فِيهِ اللُّغَتَانِ، " كَالصَّابُونِ " وَ " التَّنُّورِ " بَعِيدٌ. وَإِجْمَاعُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ [نَحْوَ] إِبْرَاهِيمَ مُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ، يُوَضِّحُهُ. ص - الْمُخَالِفُ: بِمَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِيَّةِ. وَبِقَوْلِهِ: أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ. فَنَفَى أَنْ يَكُونَ مُتَنَوِّعًا. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى مِنَ السِّيَاقِ: أَكَلَامٌ أَعْجَمِيٌّ وَمُخَاطَبٌ عَرَبِيٌّ لَا يَفْهَمُهُ [وَهُمْ يَفْهَمُونَهَا] . وَلَوْ سَلِمَ نَفَيُ [التَّنْوِيعِ] فَالْمَعْنَى: أَعْجَمِيٌّ لَا يَفْهَمُهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُشْتَقُّ مَا وَافَقَ أَصْلًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ وَمَعْنَاهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَ " إِسْتَبْرَقًا " و " سِجِّيلًا " فَارِسِيَّةٌ، و " قِسْطَاسًا " رُومِيَّةٌ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي الْقُرْآنِ. ش - هَذَا إِيرَادٌ لِلْمَانِعِينَ عَنْ وُقُوعِ الْمُعَرَّبِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إِذَا كَانَتْ [مِنْ] غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُعَرَّبًا. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ [مِنْ] لُغَةِ الْعَرَبِ أَيْضًا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْعَرَبِ وَافَقَ فِيهَا وَضْعَ لُغَةٍ أُخْرَى، فَيَكُونُ مِمَّا اتَّفَقَ فِيهِ اللُّغَتَانِ، كَالصَّابُونِ وَالتَّنُّورِ، فَإِنَّهُمَا مِمَّا اتَّفَقَ فِيهِ اللُّغَتَانِ بِلَا خِلَافٍ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَعْنِي كَوْنَهُمَا مِمَّا اتَّفَقَ فِيهِ اللُّغَتَانِ بِعِيدٌ ; لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي نَحْوِ " الْإِسْتَبْرَقِ " وَ " السِّجِّيلِ " ظَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُعَرَّبَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ نَحْوَ " إِبْرَاهِيمَ " مُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ لِوُجُودِ الْعِلَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: الْمَعْرِفَةُ، وَالْأُخْرَى: الْعُجْمَةُ، فَيَكُونُ مُعَرَّبًا، وَهُوَ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ. ش - اسْتَدَلَّ الْمُخَالِفُ، أَيِ الْقَائِلُ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ بِالدَّلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذُكِرَ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاقِعَةً، لَمَا كَانَ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا. وَتَوْجِيهُهُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ كَمَا مَضَى، مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُعَرَّبُ لَكَانَ الْقُرْآنُ مُتَنَوِّعًا، أَيْ أَعْجَمِيًّا وَعَرَبِيًّا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44] فَإِنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ أَعْجَمِيًّا وَعَرَبِيًّا. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُوَ الِاسْتِفْهَامُ، بَلِ الْإِنْكَارُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْقُرْآنُ أَعْجَمِيًّا وَبَعْضُهُ عَرَبِيًّا، فَيَنْتَفِي التَّنَوُّعُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الدَّلِيلِ الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - نَفَى التَّنْوِيعَ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ السِّيَاقِ إِنْكَارُ كَوْنِ الْقُرْآنِ أَعْجَمِيًّا مَعَ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ عَرَبِيًّا. فَيَكُونُ الْأَعْجَمِيُّ صِفَةَ الْقُرْآنِ، وَالْعَرَبِيُّ صِفَةً لِلْمُخَاطَبِ. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: أَكَلَامٌ أَعْجَمِيٌّ وَمُخَاطَبٌ عَرَبِيٌّ لَا يَفْهَمُهُ. فَلَا يَنْتَفِي التَّنَوُّعُ. وَإِنَّ سُلِّمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْجَمِيِّ وَالْعَرَبِيِّ صِفَةُ الْكَلَامِ، فَالْمَعْنَى: أَكَلَامٌ بَعْضُهُ أَعْجَمِيٌّ لَا يُفْهَمُ وَبَعْضُهُ عَرَبِيٌّ. فَلَا يَلْزَمُ نَفْيُ التَّنْوِيعِ مُطْلَقًا ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ أَعْجَمِيًّا يُفْهَمُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، شَرَعَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاشْتِقَاقِ. وَهِيَ خَمْسٌ. [المشتق] ش - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ الْمُشْتَقِّ. الْمُشْتَقُّ مَا وَافَقَ، أَيْ كَلِمَةٌ وَافَقَتْ أَصْلًا، أَيْ كَلِمَةً أُخْرَى، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا - بِحُرُوفِهِ، أَيْ حُرُوفِ ذَلِكَ الْأَصْلِ، الْأُصُولِ وَمَعْنَاهُ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ مِثْلَ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي فِي الْأَصْلِ، وَمِثْلَ مَعْنَاهُ مَوْجُودٌ فِي الْمُشْتَقِّ. وَإِنَّمَا قَالَ: " أَصْلًا " لِيَنْطَبِقَ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ فِي كَوْنِ الْمَصْدَرِ مُشْتَقًّا مِنَ الْفِعْلِ، وَعَكْسِهِ. لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْمًا، اخْتَصَّ بِمَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ. وَلَوْ قَالَ فِعْلًا، اخْتَصَّ بِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَوْلُهُ: " كَلِمَةُ " بِمَثَابَةِ الْجِنْسِ، تَتَنَاوَلُ الْمُشْتَقَّ وَغَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: " وَافَقَ أَصْلًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ " يُخْرِجُ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تُوَافِقُ أَصْلًا بِمَعْنَاهُ لَا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ، كَالْحَبْسِ وَالْمَنْعِ. وَقَوْلُهُ: " وَمَعْنَاهُ " احْتُرِزَ عَنْ مِثْلِ الذَّهَبِ. فَإِنَّهُ يُوَافِقُ أَصْلًا وَهُوَ الذَّهَابُ - فِي حُرُوفِهِ الْأُصُولِ، وَلَكِنْ غَيْرَ مُوَافِقٍ فِي مَعْنَاهُ. مِثَالُ الْمُشْتَقِّ: خَفَقَ مِنَ الْخَفَقَانِ، فَإِنَّ خَفَقَ يُشَارِكُ الْخَفَقَانَ فِي الْخَاءِ وَالْفَاءِ وَالْقَافِ، الَّتِي هِيَ الْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ مِنَ الْخَفَقَانِ. قَوْلُهُ: " وَقَدْ يُزَادُ " أَيْ وَقَدْ يُزَادُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لِفَظَّةُ: " بِتَغْيِيرٍ مَا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَقَدْ يُزَادُ: بِتَغْيِيرٍ مَا. وَقَدْ يَطَّرِدُ، كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ يَخْتَصُّ، كَالْقَارُورَةِ وَالدَّبَرَانِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : اشْتِرَاطُ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا. لِأَنَّ التَّغْيِيرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالزِّيَادَةِ وَحْدَهَا، أَوْ بِالنُّقْصَانِ وَحْدَهُ، أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا. وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ، مِثْلِ كَاذِبٍ مِنَ الْكَذِبِ، زِيدَتِ الْأَلْفُ. أَوْ بِزِيَادَةِ الْحَرَكَةِ، مِثْلَ نَصَرَ مِنَ النَّصْرِ، زِيدَتْ حَرَكَةُ الصَّادِ. أَوْ بِزِيَادَةِ الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةِ جَمِيعًا، نَحْوَ ضَارِبٍ مِنَ الضَّرْبِ، زِيدَتِ الْأَلْفُ وَكَسْرَةُ الرَّاءِ. وَالثَّانِي - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّغْيِيرُ بِالنُّقْصَانِ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنُقْصَانِ الْحَرْفِ، مِثْلُ خَفْ مِنَ الْخَوْفِ، نُقَصَتْ مِنْهُ الْوَاوُ. أَوْ بِنُقْصَانِ الْحَرَكَةِ، كَمَا فِي الضَّرْبِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ ضَرَبَ. أَوْ بِنُقْصَانِهِمَا، مِثْلَ غَلَى مِنَ الْغَلَيَانِ، نُقِصَتْ مِنْهُ الْأَلِفُ وَالنُّونُ وَحَرَكَةُ الْيَاءِ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ التَّغْيِيرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ جَمِيعًا. فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَا فِي الْحَرْفِ فَقَطْ، مِثْلَ مُسْلِمَاتٍ، زِيدَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَالتَّاءُ، وَنُقِصَتْ عَنْهَا التَّاءُ الَّتِي فِي الْوَاحِدِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا فِي الْحَرَكَةِ فَقَطْ، مِثْلَ حَذِرَ مِنَ الْحَذَرِ، حُذِفَتْ فَتْحَةُ الذَّالِ، وَزِيدَتْ كَسْرَتُهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَرْفِ وَالنُّقْصَانُ فِي الْحَرَكَةِ، مِثْلَ عَادٍّ، بِالتَّشْدِيدِ مِنَ الْعَدَدِ، نُقِصَتْ حَرَكَةُ الدَّالِ الْأُولَى لِلْإِدْغَامِ وَزِيدَتِ الْأَلْفُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَرَكَةِ وَالنُّقْصَانُ فِي الْحَرْفِ، مِثْلَ: نَبَتَ مِنَ النَّبَاتِ، زِيدَتْ فَتْحَةُ التَّاءِ وَنُقِصَتِ الْأَلْفُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةِ كِلَيْهِمَا، وَالنُّقْصَانُ فِي الْحَرْفِ فَقَطْ، نَحْوَ خَافَ مِنَ الْخَوْفِ، زِيدَتِ الْأَلْفُ وفَتْحَةُ الْفَاءِ، وَنُقِصَتِ الْوَاوُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةِ كِلَيْهِمَا، وَالنُّقْصَانُ فِي الْحَرَكَةِ فَقَطْ، مَثَلُ اضْرِبْ مِنَ الضَّرْبِ، زِيدَتِ الْأَلْفُ لِلْوَصْلِ وَحَرَكَةُ الرَّاءِ، وَنُقِصَتْ حَرَكَةُ الضَّادِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ فِيهِمَا، وَالزِّيَادَةُ فِي الْحَرْفِ فَقَطْ، مِثْلُ كَالٌّ - بِالتَّشْدِيدِ مِنَ الْكَلَالِ، نُقِصَتْ حَرَكَةُ اللَّامِ الْأُولَى لِلْإِدْغَامِ، وَنُقِصَتِ الْأَلْفُ بَيْنِ اللَّامَيْنِ، وَزِيدَتِ الْأَلْفُ قَبْلَهُمَا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ فِيهِمَا، وَالزِّيَادَةُ فِي الْحَرَكَةِ فَقَطْ، مِثْلُ عِدْ مِنَ الْوَعْدِ، نُقِصَتِ الْوَاوُ وَفَتَحْتُهَا، وَزِيدَتْ كَسْرَةُ الْعَيْنِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِزِيَادَةِ الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةِ، وَنُقْصَانِهِمَا، مِثْلَ ارْمِ مِنَ الرَّمْيِ، زِيدَتْ أَلْفُ الْوَصْلِ وَحَرَكَةُ الْمِيمِ، وَنُقِصَتِ الْيَاءُ وَحَرَكَةُ الرَّاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْرِيفَيْنِ، أَعْنِي الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ يُشْكِلُ بِمِثْلِ الْجَلَبِ وَالْجَلْبِ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ التَّغْيِيرُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ جَمِيعًا، فَحِينَئِذٍ يَسْلَمُ التَّعْرِيفُ الثَّانِي عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ. لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمِثْلِ فُلْكٍ جَمْعًا وَمُفْرَدًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَغْيِيرٌ بِحَسْبِ اللَّفْظِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالتَّغْيِيرِ اللَّفْظِيِّ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَحْقِيقًا أَوِ اعْتِبَارًا. وَالْمُشْتَقُّ قَدْ يَطَّرِدُ إِطْلَاقُهُ عَلَى جَمِيعِ مَدْلُولَاتِهِ، كَاسْمِ الْفَاعِلِ، وَالصِّفَةِ، وَاسْمِ الْمَفْعُولِ. فَإِنَّ الضَّارِبَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الضَّرْبُ. وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ وَالْمَضْرُوبُ. وَقَدْ لَا يَطَّرِدُ، كَالْقَارُورَةِ وَالدَّبَرَانِ، فَإِنَّ الْقَارُورَةَ لَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا يَكُونُ مَقَرًّا لِلْمَائِعَاتِ مَعَ دَلَالَتِهَا عَلَيْهِ، بَلْ يَخْتَصُّ بِالزُّجَاجَةِ الْمَخْصُوصَةِ. وَكَذَلِكَ الدَّبَرَانُ، فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِالدُّبُورِ، بَلْ يَخْتَصُّ بِمَجْمُوعِ خَمْسَةِ كَوَاكِبَ مِنَ الثَّوْرِ. يُقَالُ: إِنَّهُ سَنَامُهُ، وَهُوَ الْمَنْزِلُ الرَّابِعُ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ الْمُعَاقِبِ لِلثُّرَيَّا. [اشْتِرَاطُ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ صِدْقَ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةٌ هَلْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: اشْتِرَاطُهُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. وَثَالِثُهَا، أَيْ ثَالِثُ الْمَذَاهِبِ: أَنَّ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مُمْكِنًا بَقَاؤُهُ، كَالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ، اشْتُرِطَ وَإِلَّا فَلَا. كَالْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ نَحْوَ التَّكَلُّمِ وَالتَّحَرُّكِ. وَلَمَّا نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ بِالْفَرْقِ، عُلِمَ أَنَّ أَحَدَ الْأَوَّلَيْنِ: الِاشْتِرَاطُ مُطْلَقًا، وَالْآخَرَ: عَدَمُهُ مُطْلَقًا. ش - أَيْ قَالَ: الْمُشْتَرَطُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَقُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، لَمَّا صَحَّ نَفْيُ الْمُشْتَقِّ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا يَصِحُّ سَلْبُهَا، لِمَا مَرَّ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي، فَلِأَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الضَّرْبِ، مَثَلًا، يَصْدُقُ: لَيْسَ بِضَارِبٍ فِي الْحَالِ بِالضَّرُورَةِ. وَإِذَا صَحَّ السَّلْبُ فِي الْحَالِ، صَحَّ السَّلْبُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الْمُطْلَقَ جُزْءُ الْمُقَيَّدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ مُمْكِنًا، اشْتُرِطَ. ص - الْمُشْتَرَطُ: لَوْ كَانَ حَقِيقَةً، وَقَدِ انْقَضَى، لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ كَالْأَخَصِّ. فَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ. ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّ بَعْدَهُ - لَصَحَّ قَبْلَهُ. ص - أُجِيبُ: [إِذَا] كَانَ الضَّارِبُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الضَّرْبُ - لَمْ يَلْزَمْ. ص - النَّافِي: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى صِحَّةِ " ضَارِبٍ أَمْسِ " وَأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ. ص - أُجِيبَ: مَجَازٌ كَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِاتِّفَاقٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي. قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الضَّرْبِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِضَارِبٍ فِي الْحَالِ، فَيَصْدُقُ: لَيْسَ بِضَارِبٍ مُطْلَقًا. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَصْدُقُ: لَيْسَ بِضَارِبٍ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّارِبَ فِي الْحَالِ أَخَصُّ مِنَ الضَّارِبِ مُطْلَقًا، وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ ; لِأَنَّ نَقِيضَ الْأَخَصِّ أَعَمُّ مِنْ نَقِيضِ الْأَعَمِّ مُطْلَقًا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُنَا: لَيْسَ بِضَارِبٍ فِي الْحَالِ، سَلْبُ أَخَصَّ، لَا سَلْبُ الْأَخَصِّ، فَيَصْدُقُ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِهِ: لَيْسَ بِضَارِبٍ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ السَّلْبَ الْمُطْلَقَ لَازِمٌ لِلسَّلْبِ الْمُقَيَّدِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ حِينَئِذٍ صِدْقَ قَوْلِنَا: لَيْسَ بِضَارِبٍ فِي الْحَالِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَاهُ: الضَّارِبُ مُطْلَقًا صِدْقُ سَلْبِهِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُشْتَرِطِينَ. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ صَحَّ إِطْلَاقُ الضَّارِبِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الضَّرْبِ بِسَبَبِ ضَرْبٍ وُجِدَ قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، لَصَحَّ إِطْلَاقُهُ حَقِيقَةً قَبْلَ حُصُولِ الضَّرْبِ بِسَبَبِ ضَرْبٍ يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِجَامِعِ وُجُودِ الضَّرْبِ فِي أَحَدِ الزَّمَانَيْنِ مَعَ خُلُوِّ الْمَحَلِّ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَى الضَّارِبُ مِنْ ثَبَتَ، أَيْ شَخْصٌ ثَبَتَ لَهُ ضَرْبٌ. وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُ هَذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ صِدْقِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الضَّرْبِ، صِدْقُهُ قَبْلَ حُصُولِ الضَّرْبِ، لِقِيَامِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ الضَّرْبُ وَانْقَضَى، يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ ضَرْبٌ. بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ ضَرْبٌ أَصْلًا. فَيَصْدُقُ الضَّارِبُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا: مَا ذَكَرْتُمْ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ. ش - قَالَ النَّافِي لِلِاشْتِرَاطِ: لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي صِدْقِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا " ضَارِبٌ أَمْسِ " وَعَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ. وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، الْحَقِيقَةُ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا صَحَّ إِطْلَاقُهُ فِي الْمَاضِي يَكُونُ حَقِيقَةً. لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا كَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ; فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا يُقَالُ: " ضَارِبٌ غَدًا ". مَعَ أَنَّهُ مَجَازٌ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ الْأَصْلِ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مَا هُوَ أَشَدُّ مَحْذُورًا مِنْهُ. وَهَهُنَا قَدْ لَزِمَ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي - وَفِي الْحَالِ حَقِيقَةً بِالِاتِّفَاقِ - يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمُشْتَرَكَ - وَهُوَ وُقُوعُ الضَّرْبِ فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ - مُتَحَقِّقٌ فِيهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. ش - لِهَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لَنَا فِي الِاشْتِرَاطِ. تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: بَقَاءُ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِدْقِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَى النَّائِمِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَعَالِمٌ، مَعَ خُلُوِّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ. وَالْأَصْلُ فِي إِطْلَاقِهِ، الْحَقِيقَةُ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ إِطْلَاقَ " الْمُؤْمِنِ " وَ " الْعَالَمِ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ص - قَالُوا: صَحَّ مُؤْمِنٌ وَعَالِمٌ لِلنَّائِمِ. ص - أُجِيبَ: مَجَازٌ ; لِامْتِنَاعِ " كَافِرٍ " لِكُفْرٍ تَقَدَّمَ. ص - قَالُوا: يَتَعَذَّرُ فِي مِثْلِ " مُتَكَلِّمٍ " وَ " مُخْبِرٍ ".   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حَالَةَ النَّوْمِ عَلَى النَّائِمِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً، لَكَانَ مُطَّرِدًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِامْتِنَاعِ إِطْلَاقِ " الْكَافِرِ " عَلَى الْمُسْلِمِ لِكُفْرٍ تَقَدَّمَ. وَعَدَمُ الِاطِّرَادِ عَلَامَةُ الْمَجَازِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَدَمُ الِاطِّرَادِ هَهُنَا لِأَجْلِ الْمَنْعِ مِنَ الشَّرْعِ لِتَعْظِيمِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ مَعَ الْمَنْعِ لَا يَكُونُ عَلَامَةَ الْمَجَازِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لَنَا فِي الِاشْتِرَاطِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ بَقَاءُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ شَرْطًا فِي صِدْقِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً لَمَا كَانَ مِثْلُ " الْمُتَكَلِّمِ " أَيِ الْمُشْتَقَّاتِ الَّتِي تَكُونُ مَصَادِرُهَا سَيَّالَةً حَقِيقَةً أَصْلًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمَصَادِرَ السَّيَّالَةَ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا فِي الْوَاقِعِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَجْزَاءَ مَعَانِيهَا لَا تَجْتَمِعُ فِي الْوُجُودِ مَعًا ; لِأَنَّ الْجُزْءَ اللَّاحِقَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بَعْدَ انْعِدَامِ السَّابِقِ. وَإِذَا امْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الشَّيْءِ فِي الْوَاقِعِ، امْتَنَعَ وُجُودُهُ فِيهِ. فَلَوْ كَانَ بَقَاءُ الْمَعْنَى شَرْطًا فِي صِدْقِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً، امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ الْمُشْتَقَّاتُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَصَادِرِ حَقِيقَةً ; لِامْتِنَاعِ وُجُودِ [مَعْنَى] الْمُشْتَقِّ مِنْهُ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَقَاءَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ شَرْطٌ إِذَا أَمْكَنَ وُجُودُ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ فِي الْوَاقِعِ. وَبَقَاءُ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْهُ شَرْطٌ إِذَا تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُ أَجْزَاءِ الْمَعْنَى فِي الْوَاقِعِ. وَاللُّغَةُ لَمْ تُبْنَ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُشَاحَّةِ حَتَّى لَا يُكْتَفَى بِبَقَاءِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فِي مِثْلِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنَ الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْحَالِ حَقِيقَةً عَلَى زَمَانِ الْفِعْلِ الْحَاضِرِ مَعَ أَنَّ أَجْزَاءَ زَمَانِ الْفِعْلِ الْحَاضِرِ، لَا تَكُونُ بَاقِيَةً عِنْدَ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْحَالِ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ قَارِّ الذَّاتِ، أَيْ لَا تَجْتَمِعُ أَجْزَاؤُهُ مَعًا فِي الْوُجُودِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ بَقَاءُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ كَذَلِكَ، أَيْ شَرْطٌ بِتَمَامِهِ حِينَئِذٍ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَقَاءُ شَرْطًا أَصْلًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فِي الْجَمِيعِ شَرْطًا. [اشتقاق اسْم الْفَاعِلِ لِشَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَقُّ اسْمُ الْفَاعِلِ لِشَيْءٍ، أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَالْفِعْلُ، أَيْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ قَائِمٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: نَعَمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ قَائِمٍ بِالْجِسْمِ، لَا بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لَكَانَ قَابِلًا وَفَاعِلًا، وَلَكَانَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ. وَكِلَاهُمَا مُحَالَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فَسَادَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ مُبِيَّنٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ. حُجَّةُ أَصْحَابِنَا: الِاسْتِقْرَاءُ. وَبَيَانُهُ أَنَّا اسْتَقْرَأْنَا مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَقَّاتِ، فَلَمْ تَعْثُرْ عَلَى مَوْضِعٍ اشْتُقَّ لَهُ اسْمٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ قَائِمًا بِهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنَّهُ قَدِ اشْتُقَّ قَاتِلٌ وَضَارِبٌ لِذَاتِ الْقَتْلِ وَالضَّرْبِ، - لِكَوْنِهِمَا أَثَرَيْنِ - قَائِمَيْنِ بِغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْمَقْتُولُ ; ضَرُورَةَ حُصُولِ الْأَثَرِ فِيهِ. ش - أَجَابَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَتْلَ هُوَ: الْأَثَرُ، بَلِ الْقَتْلُ: التَّأْثِيرُ، وَالتَّأْثِيرُ لِلْفَاعِلِ، وَلَا يَكُونُ قَائِمًا بِالْمَقْتُولِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ص - أُجِيبَ بِأَنَّ اللُّغَةَ لَمْ تُبْنَ عَلَى الْمُشَاحَّةِ فِي مِثْلِهِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْحَالِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يُشْتَقُ اسْمُ [الْفَاعِلِ] لِشَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ. خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. لَنَا: الِاسْتِقْرَاءُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ص - قَالُوا: ثَبَتَ قَاتِلٌ وَضَارِبٌ، وَالْقَتْلُ لِلْمَفْعُولِ. ص - قُلْنَا: الْقَتْلُ: التَّأْثِيرُ، وَهُوَ الْفَاعِلُ. ص - قَالُوا: أُطْلِقَ الْخَالِقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارَ الْمَخْلُوقِ، وَهُوَ (الْأَثَرُ ; لِأَنَّ) الْخَلْقَ، الْمَخْلُوقَ، وَإِلَّا لَزِمَ قِدَمُ الْعَالَمِ أَوِ التَّسَلْسُلُ. ص - وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ. وَثَانِيًا بِأَنَّهُ [لِلتَّعَلُّقِ] الْحَاصِلِ بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْقُدْرَةِ حَالَ [الْإِيجَادِ] . فَلَمَّا نُسِبَ إِلَى الْبَارِي تَعَالَى - صَحَّ الِاشْتِقَاقُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَسْوَدُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْمُشْتَقَّاتِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِسَوَادٍ، لَا عَلَى خُصُوصٍ مِنْ جِسْمٍ وَغَيْرِهِ ; بِدَلِيلِ صِحَّةِ: " الْأَسْوَدُ جِسْمٌ ". ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ قِيَاسًا. خِلَافًا لِلْقَاضِي وَابْنِ سُرَيْجٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَلِ التَّأَثُّرُ قَائِمٌ بِالْمَقْتُولِ، وَهُوَ لَيْسَ بِقَتْلٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْثِيرِ وَالتَّأَثُّرِ وَاضِحٌ، لَا يُنْكِرُهُ مَنْ كَانَ لَهُ إِنْصَافٌ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ اسْمُ الْفَاعِلِ عَلَى شَيْءٍ وَمَعْنَى الْمُشْتَقِّ [مِنْهُ] غَيْرُ قَائِمٍ بِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْخَالِقَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ الْمَخْلُوقِ وَهُوَ الْأَثَرُ الْمُبَايِنُ عَنْ ذَاتِهِ تَعَالَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ إِطْلَاقَ الْخَالِقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى [بِاعْتِبَارِ الْمَخْلُوقِ ; لِأَنَّ] الْخَالِقَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلْقِ، وَالْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُغَايِرًا لِلْمَخْلُوقِ لَكَانَ إِمَّا قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا ; إِذْ كُلُّ مَفْهُومٍ - وُجُودِيًّا أَوْ عَدَمِيًّا - لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ سَبْقًا زَمَانِيًّا فَهُوَ الْحَادِثُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْقَدِيمُ. وَالتَّالِي بِقِسْمَيْهِ بَاطِلٌ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْعَالَمِ ; لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ بَيْنَ الْخَالِقِ وَبَيْنَ الْعَالَمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِذَا كَانَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَدِيمَةٌ يَلْزَمُ قِدَمُ الْمُنْتَسِبِينَ ; ضَرُورَةَ تَأَخُّرِ النِّسْبَةِ عَنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ حَادِثًا يَفْتَقِرُ إِلَى مُؤَثِّرٍ، وَلِذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ تَأْثِيرٌ فِيهِ وَتَسَلْسُلٌ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مَطْلُوبُكُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَطْلُوبَكُمْ هُوَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى شَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ. وَإِذَا كَانَ الْخَلْقُ عَيْنَ الْمَخْلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا قَائِمًا بِالْغَيْرِ، بَلْ هُوَ ذَاتُ الْغَيْرِ. فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ جَوَازِ اشْتِقَاقِ اسْمِ الْخَالِقِ لِلْبَارِي تَعَالَى بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ، جَوَازُ إِطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى شَيْءٍ مَعَ قِيَامِ الْفِعْلِ بِغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الدَّلِيلِ يَقْتَضِي جَوَازَ إِطْلَاقِ الْخَالِقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ كَوْنِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْخَلْقُ غَيْرَ قَائِمٍ بِهِ. وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلِيلِ، أَعْنِي الِاسْتِقْرَارَ يَقْتَضِي كَوْنَ الْخَلْقِ الَّذِي اشْتُقَّ مِنْهُ الْخَالِقُ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْرًا قَائِمًا بِهِ. فَيُجْعَلُ الْخَلْقُ عِبَارَةً عَنِ التَّعَلُّقِ الْحَاصِلِ بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْقُدْرَةِ حَالَةَ الْإِيجَادِ، تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بِأَنْ يُعْمَلَ لِكُلٍّ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ نِسْبَةً بَيْنَ الْقُدْرَةِ وَالْمَخْلُوقِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ. فَلَا يَلْزَمُ إِهْمَالُ دَلِيلِكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ عُمِلَ بِهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلِ الْخَلْقَ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ بِالْحَقِيقَةِ. وَبِاعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْقُدْرَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ تَعَالَى، لَمْ يَكُنْ مُبَايِنًا عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ ; لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ، مُتَعَلِّقٌ بِهِ بِالضَّرُورَةِ. فَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ الْخَالِقُ لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَلَا يَلْزَمُ إِهْمَالُ دَلِيلِنَا بِالْكُلِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْأَثَرِ الْمُبَايِنِ عَنْ ذَاتِهِ. أَمَّا إِذَا حُمِلَ الْخَلْقُ عَلَى الْمَخْلُوقِ - كَمَا ذَكَرْتُمْ - يَلْزَمُ التَّرْكُ بِدَلِيلِنَا بِالْكُلِّيَّةِ ; ضَرُورَةَ كَوْنِ الْمَخْلُوقِ أَمْرًا مُنْفَصِلًا عَنْ ذَاتِهِ. وَإِذَا حُمِلَ عَلَى فِعْلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَائِمٍ بِهِ بِالْحَقِيقَةِ - كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا - يَلْزَمُ التَّرْكُ بِدَلِيلِكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالتَّرْكُ بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّلِيلِ إِعْمَالُهُ لَا إِهْمَالُهُ. [الْأَسْوَدُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْمُشْتَقَّاتِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي مَفْهُومِ الْمُشْتَقِّ. الْأَسْوَدُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْمُشْتَقَّاتِ. كَالْأَبْيَضِ وَالضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ، يَدُلُّ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى ذَاتٍ مَا مُتَّصِفَةٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ. فَإِنَّ الْأَسْوَدَ مَثَلًا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مَا مُتَّصِفَةٍ بِالسَّوَادِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ تِلْكَ الذَّاتِ مِنْ جِسْمٍ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِزَامِ، لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ مُسَمَّاهُ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَنَا: الْأَسْوَدُ جِسْمٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَوْ دَلَّ الْأَسْوَدُ عَلَى خُصُوصِ الْجِسْمِ لَكَانَ غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَاهُ: الْجِسْمُ ذُو السَّوَادِ جِسْمٌ. وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ; لِلُزُومِ التَّكْرَارِ بِلَا فَائِدَةٍ. [ثبوت اللغة قياسا] ش - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَنَّ اللُّغَةَ هَلْ تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ أَمْ لَا. فَقَالَ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُدَبَاءِ: لَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ سُرَيْجٍ مِنَّا وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: نَعَمْ. وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ عَلَمٍ تَعْمِيمَهُ لِلْأَفْرَادِ بِالنَّقْلِ، عَلَى مَا سَكَتَ عَنْهُ، أَيْ لَمْ يُسْمَعْ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. مِثْلَ " رَجُلٍ " فَإِنَّهُ وُضِعَ لِوَاحِدٍ مِنْ ذُكُورِ بَنِي آدَمَ وَعُلِمَ تَعْمِيمُهُ بِالنَّقْلِ. فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى وَاحِدٍ، لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي نَحْوِ " رَجُلٍ " وَرَفْعِ الْفَاعِلِ. أَيْ لَا يُسَمَّى مَسْكُوتًا عَنْهُ إِلْحَاقًا بِتَسْمِيَةِ الْمُعَيَّنِ لِمَعْنًى يَسْتَلْزِمُهُ وُجُودًا وَعَدَمًا. كَالْخَمْرِ لِلنَّبِيذِ لِلتَّخْمِيرِ، وَالسَّارِقِ لِلنَّبَّاشِ لِلْأَخْذِ خُفْيَةً، وَالزَّانِي لِلَّائِطِ لِلْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، إِلَّا بِنَقْلٍ أَوِ اسْتِقْرَاءِ التَّعْمِيمِ. ص - لَنَا: إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالْمُحْتَمَلِ. ص - قَالُوا: دَارَ الِاسْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا. ص - قُلْنَا: وَدَارَ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْعِنَبِ، وَكَوْنِهِ مَالَ الْحَيِّ، وَقُبُلًا. ص - قَالُوا: ثَبَتَ شَرْعًا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. ص - قُلْنَا: لَوْلَا الْإِجْمَاعُ - لَمَا ثَبَتَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا يُقَالُ: إِنَّهُ إِثْبَاتٌ بِالْقِيَاسِ ; إِذْ تَنَاوَلَ اللَّفْظَ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ عُلِمَ بِالنَّقْلِ. وَلَيْسَ أَيْضًا الْخِلَافُ فِي نَحْوِ رَفْعِ فَاعِلٍ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ رَفْعُهُ ; فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ رَفْعِهِ. وَلَا يُقَالُ أَيْضًا: إِنَّهُ إِثْبَاتٌ بِالْقِيَاسِ ; إِذْ عُلِمَ تَعْمِيمُ رَفْعِ الْفَاعِلِ بِالِاسْتِقْرَاءِ. فَإِنَّا لَمَّا اسْتَقْرَأْنَا الْكَلَامَ وَجَدْنَا كُلَّ مَا أُسْنِدَ الْفِعْلُ أَوْ شَبَهُهُ إِلَيْهِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ مَرْفُوعًا، حَصَلَ عِنْدَنَا قَاعِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ: كُلَّ فَاعِلٍ مَرْفُوعٌ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ شَكٌّ. فَإِذَا جُعِلَ فَاعِلًا لَمْ يُسْمَعْ رَفْعُهُ مِنَ الْعَرَبِ مَرْفُوعًا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قِيَاسًا ; إِذْ عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الرَّفْعَ وُضِعَ لِكُلِّ فَاعِلٍ. بَلْ إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَمَّى مَسْكُوتًا عَنْهُ، مِثْلَ النَّبِيذِ، مَثَلًا إِلْحَاقًا بِتَسْمِيَةٍ، أَيْ بَاسِمٍ مِثْلِ اسْمِ الْخَمْرِ مَوْضُوعِ الْمُعَيَّنِ، مِثْلِ مَاءِ الْعِنَبِ الْمَخْصُوصِ، لِأَجْلِ مَعْنًى، مِثْلِ التَّخْمِيرِ، يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الِاسْمَ وُجُوَدًا وَعَدَمًا، أَيْ مَتَى وُجِدَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ وُجِدَ الِاسْمُ، وَمَتَى عُدِمَ عُدِمَ، [أَمْ لَا] ; لِأَنَّهُ هُوَ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ. وَالْبَاقِي قَوْلُهُ " بِتَسْمِيَةٍ " مُتَعَلِّقَةٍ بِقَوْلِهِ " يُسَمَّى ". وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِنَا: إِنَّ اللُّغَةَ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا أَنَّهُ إِذَا سُمِّيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُعَيَّنٌ بَاسِمٍ، وَيُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ مَعْنًى يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ [الْمَعْنَى] ذَلِكَ الِاسْمَ وُجُودًا وَعَدَمًا، ثُمَّ وُجِدَ مُعَيَّنٌ آخَرُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَوُجِدَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى [الْمُعَيَّنُ] الْمَسْكُوتُ عَنْهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ لِأَجْلِ الْمَعْنَى الْمُسْتَلْزِمِ لِذَلِكَ الِاسْمِ. كَمَا [إِذَا] سُمِّيَ النَّبِيذُ بِالْخَمْرِ لِأَجْلِ التَّخْمِيرِ، وَهُوَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ الْمُخَمِّرَةُ عَلَى الْعَقْلِ. وَكَمَا إِذَا سُمِّيَ النَّبَّاشُ بِالسَّارِقِ لِأَجْلِ الْأَخْذِ خُفْيَةً. وَكَمَا إِذَا سُمِّيَ اللَّائِطُ بِالزَّانِي لِأَجْلِ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ. قَوْلُهُ: إِلَّا بِنَقْلٍ أَوِ اسْتِقْرَاءِ التَّعْمِيمِ، اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ: " لَا يُسَمَّى " أَيْ لَا يُسَمَّى الْمَسْكُوتُ عَنْهُ بِاسْمِ الْمُعَيَّنِ لِأَجْلِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، لَكِنْ يُسَمَّى الْمَسْكُوتُ عَنْهُ بِاسْمِ الْمُعَيَّنِ بِسَبَبِ النَّقْلِ وَالِاسْتِقْرَاءِ الدَّالَّيْنِ عَلَى التَّعْمِيمِ كَمَا ذَكَرْنَا. ش - هَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِثْبَاتِ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ. تَقْرِيرُهُ: لَوْ جَازَ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ لَجَازَ إِثْبَاتُهَا بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ لَا يَكُونَ [ذَلِكَ الْمَعْنَى] اللَّازِمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِلْمُسَمَّى حَامِلًا لِلْوَاضِعِ عَلَى التَّسْمِيَةِ ; لِجَوَازِ أَنْ لَا يُلَاحِظَ [الْوَاضِعُ] مُنَاسَبَةً بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى عِنْدَ التَّسْمِيَةِ. وَكَمَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى الْوَضْعِ هَذَا الْمَعْنَى، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ حَامِلًا عَلَيْهِ. فَإِثْبَاتُ تَسْمِيَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَعْنَى إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالْمُحْتَمَلِ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَبِالِاتِّفَاقِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ لِمُثْبِتِ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اسْمَ الْخَمْرِ دَارَ مَعَ التَّخْمِيرِ وُجُودًا وَعَدَمًا. أَمَّا وُجُودًا فَفِي مَاءِ الْعِنَبِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ الْمُخَمِّرَةُ عَلَى الْعَقْلِ، فَإِنَّهُ وُجِدَ التَّخْمِيرُ فِيهِ وَوُجِدَ الِاسْمُ ; فَإِنَّهُ يُسَمَّى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ خَمْرًا. وَأَمَّا عَدَمًا فَفِي مَاءِ الْعِنَبِ الَّذِي لَمْ تُوجَدُ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ الْمُخَمِّرَةُ لِلْعَقْلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ التَّخْمِيرُ، وَلَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَمْرِ. وَكَذَلِكَ اسْمُ السَّارِقِ وَالزَّانِي دَارَ مَعَ الْأَخْذِ خُفْيَةً وَمَعَ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ وُجُودًا وَعَدَمًا. وَدَوَرَانُ الشَّيْءِ مَعَ الشَّيْءِ آيَةُ كَوْنِ الْمُدَارِ عِلَّةً لِلدَّائِرِ، فَيَكُونُ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ عِلَّةً لِلتَّسْمِيَةِ بِالْأَسَامِي الْمَذْكُورَةِ. فَإِذَا وُجِدَتْ فِي صُوَرٍ أُخَرَ، أُطْلِقَ عَلَيْهَا الْأَسْمَاءُ. وَإِلَّا يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنِ الْعِلَّةِ وَهُوَ مُحَالٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابُ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَذْكُورَةَ كَمَا دَارَتْ مَعَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ، كَذَلِكَ دَارَتْ مَعَ مَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِالصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا. فَإِنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ دَارَ مَعَ تَخْمِيرِ مَاءِ الْعِنَبِ، وَلَفْظَ السَّارِقِ مَعَ أَخْذِ مَالِ الْحَيِّ خُفْيَةً، وَلَفْظَ الزَّانِي مَعَ كَوْنِ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ قُبُلًا. وَدَوَرَانُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَعَ هَذِهِ الْمَعَانِي ظَاهِرٌ. وَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَعَانِي الَّذِي ذَكَرْتُمْ عِلَّةً لِلتَّسْمِيَةِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ الْمَعَانِي أَيْضًا عِلَّةً. فَإِثْبَاتُ التَّسْمِيَةِ بِالْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْتُمْ إِثْبَاتٌ بِالْمُحْتَمَلِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُثْبِتِينَ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: ثَبَتَ الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ، وَمَعْنَى الْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَاحِدٌ ; لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِأَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي الشَّرْعِ. وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَثَبَتَ [ثَمَّةَ] ، وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ هَهُنَا ; إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. ش - تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْقِيَاسُ شَرْعِيًّا أَوْ لُغَوِيًّا - إِنَّمَا يَثْبُتُ إِذَا كَانَ لَهُ مُصَحِّحٌ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الشَّرْعِ مَا هُوَ مُصَحِّحٌ لَهُ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، وَلَمْ يُوجَدِ الْإِجْمَاعُ فِي الْقِيَاسِ اللُّغَوِيِّ، فَلِهَذَا ثَبَتَ ثَمَّةَ وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا. ش - هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، هُوَ أَنَّ اللُّغَةَ إِذَا لَمْ تَثْبُتْ بِالْقِيَاسِ فَكَيْفَ صَحَّ إِثْبَاتُ قَطْعِ النَّبَّاشِ وَحَدِّ شَارِبِ النَّبِيذِ؟ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي السَّارِقِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ. وَقَدْ أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَطْعَ النَّبَّاشِ وَحَدَّ شَارِبِ النَّبِيذِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِيجَابُ قَطْعِ النَّبَّاشِ وَحَدِّ الشَّارِبِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِثُبُوتِ تَعْمِيمِ اسْمِ الْخَمْرِ وَالسَّارِقِ لِلنَّبِيذِ، وَالنَّبَّاشِ بِالنَّقْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، بِأَنْ يُقَاسَ النَّبِيذُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ مُخَمِّرَةٌ عَلَى الْعَقْلِ. وَالنَّبَّاشُ عَلَى السَّارِقِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْمَفْسَدَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ خُفْيَةً، لَا لِأَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ خَمْرٌ بِالْقِيَاسِ اللُّغَوِيِّ. [الْحُرُوفُ] [تعريف الحرف] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ النُّحَاةِ: إِنَّ الْحَرْفَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْمَفْهُومِيَّةِ: أَنَّ نَحْوَ " مِنْ " وَ " إِلَى " شَرْطُ الْوَاضِعِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْإِفْرَادِيِّ ذِكْرُ مُتَعَلِّقِهَا، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَاضِعَ نَصَّ عَلَى أَنَّ " مِنْ " وَ " إِلَى " إِذَا ذُكِرَ مُتَعَلِّقُهُمَا مَعًا، كَانَ مَعْنَاهُمَا: الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ. وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُمَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقُهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَعْنًى أَصْلًا، لَا الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ وَلَا غَيْرُهُمَا. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " الْإِفْرَادِيِّ " عَنِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ ; فَإِنَّ [كُلَّ وَاحِدٍ] مِنْهُمَا فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعَانِي التَّرْكِيبِيَّةِ، أَعْنِي الْمَعَانِي الَّتِي تَكُونُ لَهُ حَالَةَ التَّرْكِيبِ، مَشْرُوطَةٌ بِذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِ. فَإِنَّ كَوْنَ الِاسْمِ فَاعِلًا، إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ، وَكَوْنُ الْفِعْلِ خَبَرًا إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمُبْتَدَأِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ص - وَقَطْعُ النَّبَّاشِ وَحَدُّ النَّبِيذِ، إِمَّا لِثُبُوتِ التَّعْمِيمِ، وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ، لَا لِأَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ خَمْرٌ بِالْقِيَاسِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ص - الْحُرُوفُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْحَرْفُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْمَفْهُومِيَّةِ: أَنَّ نَحْوَ " مِنْ " وَ " إِلَى " مَشْرُوطٌ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْإِفْرَادِيِّ، ذِكْرُ مُتَعَلِّقِهَا. وَنَحْوُ " الِابْتِدَاءِ " وَ " الِانْتِهَاءِ " وَ " ابْتَدَأَ " وَ " انْتَهَى " غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِيهَا ذَلِكَ. ص - وَأَمَّا نَحْوُ " ذُو " وَ " فَوْقَ " وَ " تَحْتَ " وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ إِلَّا بِمُتَعَلِّقِهَا لِأَمْرٍ فَغَيْرُ مَشْرُوطٍ فِيهَا ذَلِكَ ; لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ وَضْعَ " ذُو " بِمَعْنَى " صَاحِبٍ " لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى الْوَصْفِ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ اقْتَضَى ذِكْرَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَأَنَّ وَضْعَ " فَوْقَ " بِمَعْنَى مَكَانٍ، لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى عُلُوٍّ خَاصٍّ اقْتَضَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَكِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي دَلَالَتِهِمَا عَلَى مَعَانِيهِمَا الْإِفْرَادِيَّةِ ذِكْرُ مُتَعَلِّقِهِمَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ نَحْوَ " الِابْتِدَاءِ " وَ " الِانْتِهَاءِ " وَكَذَا " ابْتَدَأَ " وَ " انْتَهَى " لَمْ يُشْتَرَطْ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى مَعَانِيهَا الْإِفْرَادِيَّةِ ذِكْرُ مُتَعَلِّقِهَا، وَلِهَذَا يُفْهَمُ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ. وَكَذَا مَعْنَى " ابْتَدَأَ " وَ " انْتَهَى " بِدُونِ ذِكْرِ مُتَعَلِّقِهَا. بِخِلَافِ " مِنْ " وَ " إِلَى " فَإِنَّ مَعْنَاهُمَا لَا يُفْهَمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُذْكَرَ مُتَعَلِّقُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: " مِنْ " وَ " إِلَى " يُفْهَمُ مِنْهَا الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ بِدُونِ ذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الِابْتِدَاءَ وَالِانْتِهَاءَ فُهِمَا مِنْهُمَا حَالَةَ اعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. وَإِنَّمَا مَثَّلَ مِنَ الْأَسْمَاءِ بِـ " الِابْتِدَاءِ " وَ " الِانْتِهَاءِ "، وَمِنَ الْأَفْعَالِ بِـ " ابْتِدَأَ " وَ " انْتَهَى " ; لِيُعْلَمَ أَنَّهُ إِذَا عَبَّرَ عَنِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ بِمُجَرَّدِ لَفْظِ " مِنْ " وَ " إِلَى " وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَهُمَا، لَمْ يَدُلَّا عَلَيْهِمَا. وَإِذَا عَبَّرَ عَنِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ بِالِاسْمِ أَوِ الْفِعْلِ، فُهِمَا بِدُونِ ذِكْرِ مُتَعَلِّقِهِمَا. ش - هَذَا جَوَابٌ عَنْ وَهْمٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْخَاصَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِلْحَرْفِ تَنْتَقِضُ بِهَذِهِ الْأَسَامِي. وَذَلِكَ لِأَنَّ " ذُو " وَ " فَوْقَ " وَ " تَحْتَ " وَأَمْثَالَهَا أَسْمَاءٌ بِالِاتِّفَاقِ، مَعَ أَنَّ الْخَاصَّةَ الْمَذْكُورَةَ ثَابِتَةٌ لَهَا ; لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ بِمَعْنَاهَا الْإِفْرَادِيِّ ; فَإِنَّهَا مَا لَمْ يُذْكَرْ مُتَعَلِّقُهَا مَعَهَا لَمْ يُفِدْ فَائِدَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ بِدُونِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ بِمَعْنَاهَا الْإِفْرَادِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ " ذُو " وَ " فَوْقَ " وَأَمْثَالَهُمَا لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاضِعُ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى مَعَانِيهَا الْإِفْرَادِيَّةِ ذِكْرَ مُتَعَلِّقِهَا، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ أَنْ لَا تُذْكَرَ إِلَّا مَعَ مُتَعَلِّقِهَا لِأَمْرٍ. وَهُوَ أَنَّهُ عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ وَضْعَ " ذُو " بِإِزَاءِ " صَاحِبٍ " لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى وَصْفِ الْأَسْمَاءِ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ. فَلِأَجْلِ حُصُولِ غَرَضِهِ مِنَ الْوَضْعِ اقْتَضَى ذِكْرَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، لَا لِأَجْلِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا وُضِعَ بِإِزَائِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَوَقُّفِ حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ وَضْعِهِ عَلَى ذِكْرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ تَوَقُّفُ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ " فَوْقَ " وُضِعَ بِإِزَاءِ مَكَانٍ عَالٍ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى عُلُوٍّ خَاصٍّ. فَلِذَلِكَ اقْتَضَى ذِكْرَ مُتَعَلِّقِهِ. فَإِنَّ قَوْلَنَا: زَيْدٌ فَوْقَ الدَّارِ، إِنَّمَا يَتَخَصَّصُ [كَوْنُ] مَكَانِهِ عَالِيًا بِالِاقْتِرَانِ بِالدَّارِ. وَقِسْ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْوَاوُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَا لِتَرْتِيبٍ، وَلَا مَعِيَّةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. لَنَا: النَّقْلُ [عَنِ الْأَئِمَّةِ] أَنَّهَا كَذَلِكَ. ص - وَاسْتَدَلَّ لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ - لَتَنَاقَضَ " وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [وَقُولُوا حِطَّةٌ] " مَعَ الْأُخْرَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ " لِمَا عُلِمَ " بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: " لِأَمْرٍ ". [الْوَاوُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ] ش - اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَ، هَلْ هُوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، [أَيْ] لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَالْمَعِيَّةِ، مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصِهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَدَلِيلُهُ: النَّقْلُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّهَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ. وَنَقَلَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ حُجَّةً فِي الْأَبْحَاثِ اللُّغَوِيَّةِ. ش - قَدِ اسْتَدَلَّ مِنْ طَرَفِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ لَوْ كَانَتْ مُقْتَضِيَةً لِلتَّرْتِيبِ لَتَنَاقَضَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْأَعْرَافِ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف: 161] وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ. فَلَوِ اقْتَضَتِ الْوَاوُ التَّرْتِيبَ، لَكَانَ الْأَمْرُ بِدُخُولِ الْبَابِ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْأُولَى، وَلَمْ يَكُنْ مُقَدَّمًا لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ. فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. وَأَمَّا بُطْلَانُ اللَّازِمِ ; فَلِأَنَّ التَّنَاقُضَ كَذِبٌ، وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَلَمْ يَصِحَّ " تَقَاتَلَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو ". وَلَكَانَ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بَعْدَهُ، [تَكْرِيرًا،] وَقَبْلَهُ، تَنَاقُضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ لِمَا سَنَذْكُرُ. ص - قَالُوا: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] . قُلْنَا: التَّرْتِيبُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَبَرِهِ. ص - قَالُوا: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: 158] وَقَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ". قُلْنَا: لَوْ كَانَ لَهُ - لَمَا احْتِيجَ إِلَى " ابْدَءُوا ". ص - قَالُوا: رَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِلَ: " «وَمَنْ عَصَاهُمَا فَقَدْ غَوَى» " وَقَالَ: قُلْ: " «وَمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ". قُلْنَا: لِتَرْكِ إِفْرَادِ اسْمِهِ بِالتَّعْظِيمِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَعْصِيَتَهُمَا، لَا تَرْتِيبَ فِيهَا. ص - قَالُوا: إِذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ - وَقَعَتْ وَاحِدَةً، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. ص - وَقَوْلُ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِثْلُ " ثُمَّ " إِنَّمَا قَالَهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَعْنِي يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلَا يُنْوَى فِي التَّأْكِيدِ. ص - الثَّالِثُ: ابْتِدَاءُ الْوَضْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا صَحَّ قَوْلُ الْقَائِلِ: " تَقَاتَلَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو " وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ قَوْلَنَا: " تَقَاتَلَ " يَقْتَضِي الْأَخْذَ فِي الْفِعْلِ مَعًا ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ [التَّفَاعُلِ] وَهُوَ يَقْتَضِي حُصُولَ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَعًا، وَهُوَ يُنَافِي التَّرْتِيبَ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْوَاوِ حِينَئِذٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَكَانَ قَوْلُنَا: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بَعْدَهُ، تَكْرِيرًا ; لِإِفَادَةِ الْوَاوِ الْبَعْدِيَّةِ. وَلَكَانَ: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو قَبْلَهُ، تَنَاقُضًا ; لِأَنَّ الْوَاوَ يُفِيدُ الْبَعْدِيَّةَ وَهِيَ تُنَاقِضُ الْقَبْلِيَّةَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِي التَّرْتِيبِ، لِمَا سَنَذْكُرُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهَا حَقِيقَةً لِلتَّرْتِيبِ. فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْمُحَالَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، الْحَقِيقَةُ، فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِي التَّرْتِيبِ أَيْضًا كَمَا سَيُذْكَرُ. وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اسْتِعْمَالُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَجَازًا، لَلَزِمَ الِاشْتِرَاكُ. وَاللَّفْظُ إِذَا دَارَ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ فَالْمَجَازُ أَقْرَبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِذَا كَانَتِ الْوَاوُ مُسْتَعْمَلَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ التَّرْتِيبِ وَالْمَعِيَّةِ، فَلَيْسَ جَعْلُهُ حَقِيقَةً فِي التَّرْتِيبِ مَجَازًا فِي الْمَعِيَّةِ، أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ. فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَى أَنْ تُجْعَلَ حَقِيقَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ. وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ. ش - الْقَائِلُونَ بِالتَّرْتِيبِ تَمَسَّكُوا بِوُجُوهٍ. الْأَوَّلُ أَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] لِأَنَّ وُجُوبَ تَقَدُّمِ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ مُسْتَفَادٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ سِوَى الْوَاوِ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي التَّرْتِيبِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْمَجَازُ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. بَلْ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] قَالَتِ الصَّحَابَةُ: بِأَيِّهِمَا نَبْدَأُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ، لَمْ يَقُلْ فِي جَوَابِهِمُ: " ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ". وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْقَلْبِ. وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ دَعْوَى الْخَصْمِ بِدَلِيلِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ، لَمَا احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَقُولَ لَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ". لِأَنَّ الْوَاوَ لَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِي التَّرْتِيبِ، لَمَا اشْتَبَهَ عَلَى أَهْلِ اللِّسَانِ. ش - الْوَجْهُ الثَّالِثُ «أَنَّ وَاحِدًا قَامَ فِي حَضْرَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ عَصَاهُمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ. قُلْ: وَمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى» ". فَلَوْ كَانَتِ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَمَا ذَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; إِذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا [عَلِمَهُ] رَسُولُ اللَّهِ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الْخَطِيبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا ذَمَّهُ لِأَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ لَمْ يُفِدْهُ، بَلْ إِنَّمَا ذَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ تَرَكَ إِفْرَادَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَدْخَلُ فِي التَّعْظِيمِ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّمَّ لِتَرْكِ الْإِفْرَادِ، لَا لِدَلَالَةِ الْوَاوِ عَلَى التَّرْتِيبِ، أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ; لِأَنَّ مَعْصِيَةَ الرَّسُولِ هِيَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ وَبِالْعَكْسِ. ش - الْوَجْهُ الرَّابِعُ هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْحُكْمِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، وَقَعَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَعَتْ ثَلَاثًا. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ، بَلْ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، لَمْ يَتَحَقَّقْ فَرْقٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. فَإِنَّ الْقَوْلَ [بِأَنَّ] فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: " تَقَعُ وَاحِدَةً " مَمْنُوعٌ، بَلْ تَقَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَيْضًا ثَلَاثًا، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَلَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ بِوُقُوعِهِ ثَلَاثًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ مَنْ مَنَعَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إِذَا كَانَتْ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ " ثَلَاثًا " فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَفْسِيرٌ لِمَا قَصَدَهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ. فَيَكُونُ قَوْلُهُ " ثَلَاثًا " مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، فَيَقَعُ الثَّلَاثُ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ. بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ: وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: طَالِقٌ. وَالْإِنْشَاءَاتُ مُتَرَتِّبَةٌ تَرَتُّبَ الْأَلْفَاظِ، فَوَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَاحِدَةً، فَبَانَتْ بِهَا، وَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ. ش - هَذَا جَوَابٌ عَنْ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْوَاوَ مِثْلُ ثُمَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ فِي صُورَةِ " ثُمَّ طَالِقٌ " تَقَعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً، فَيَجِبُ أَنْ تَقَعَ فِي صُورَةِ الْوَاوِ أَيْضًا وَاحِدَةً. فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ فِي صُورَةِ الْوَاوِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِثُمَّ فِي صُورَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ فِي التَّأْكِيدِ، أَيْ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى التَّأْكِيدِ، إِذَا قَالَ الزَّوْجُ: أَرَدْتُ بِهِ التَّأْكِيدَ. كَمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْوَاوِ فِي صُورَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ [فِي التَّأْكِيدِ] فَتَكُونُ الْوَاوُ بِمَنْزِلَةِ ثُمَّ فِي صُورَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَفِي عَدَمِ اعْتِبَارِ نِيَّةِ التَّأْكِيدِ بِهَا، لَا فِي صُورَةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْوَاوِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. [الثَّالِثُ: ابْتِدَاءُ الْوَضْعِ] ش - الْبَحْثُ الثَّالِثُ فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ. اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ فَرْعٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْوَاضِعِ ; لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ الْوَاضِعَ مَنْ هُوَ، لَمْ يَتَحَقَّقِ ابْتِدَاءُ الْوَضْعِ. فَلِذَلِكَ بَحَثَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْوَاضِعِ. وَالْبَحْثُ عَنِ الْوَاضِعِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي بِالْوَضْعِ لَا بِالذَّاتِ. فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ إِبْطَالَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي بِالذَّاتِ وَالطَّبْعِ، - وَهُوَ عَبَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّمْرِيُّ - فَقَالَ: لَيْسَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَدْلُولِهِ مُنَاسَبَةٌ طَبِيعِيَّةٌ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فِي الدَّلَالَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ، وَلِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ. وَأَيْضًا الْقَطْعُ بِوُقُوعِ اللَّفْظِ عَلَى الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ، كَـ " الْقَرْءِ " الْوَاقِعِ عَلَى الْحَيْضِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ الطُّهْرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 لَيْسَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَدْلُولِهِ مُنَاسَبَةٌ طَبِيعِيَّةٌ. لَنَا: الْقَطْعُ بِصِحَّةِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ وَضِدِّهِ، وَبِوُقُوعِهِ " كَالْقَرْءِ " وَ " الْجَوْنِ ". ص - قَالُوا: لَوْ تَسَاوَتْ - لَمْ تَخْتَصَّ. قُلْنَا: تَخْتَصُّ بِإِرَادَةِ الْوَاضِعِ الْمُخْتَارِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: عَلَّمَهَا اللَّهُ بِالْوَحْيِ، أَوْ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ، أَوْ بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ. الْبَهْشَمِيَّةُ: وَضَعَهَا الْبَشَرُ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ، وَحَصَلَ التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ، وَالْقَرَائِنِ كَالْأَطْفَالِ. الْأُسْتَاذُ: الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ [بِتَوْقِيفٍ] وَغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْجَمِيعُ مُمْكِنٌ. ثُمَّ الظَّاهِرُ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ ص - قَالَ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] . [قَالُوا] : أَلْهَمَهُ أَوْ عَلَّمَهُ مَا سَبَقَ. قُلْنَا: خِلَافُ الظَّاهِرِ. قَالُوا: الْحَقَائِقُ، بِدَلِيلِ: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} [البقرة: 31] . قُلْنَا: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} [البقرة: 31] يُبَيِّنُ أَنَّ التَّعْلِيمَ لَهَا وَالضَّمِيرَ لِلْمُسَمَّيَاتِ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] . وَالْمُرَادُ: اللُّغَاتُ بِاتِّفَاقٍ. قُلْنَا: التَّوْقِيفُ وَالْإِقْدَارُ فِي كَوْنِهِ آيَةً سَوَاءٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَبِوُقُوعِ اللَّفْظِ عَلَى الشَّيْءِ وَضِدِّهِ، كَـ " الْجَوْنِ " الْوَاقِعِ عَلَى الْأَبْيَضِ وَضِدِّهِ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ. فَلَوْ كَانَتْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعَانِي لِمُنَاسَبَةٍ طَبِيعِيَّةٍ بَيْنَهُمَا، لَزِمَ أَنْ يُنَاسِبَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لِلنَّقِيضَيْنِ وَالضِّدَّيْنِ بِالطَّبْعِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي لَوْ كَانَتْ بِالذَّاتِ لَمَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ، وَلَاهْتَدَى كُلُّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَى كُلِّ لُغَةٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. ش - هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَذْهَبِ عَبَّادٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُنَاسَبَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لَتَسَاوَتْ نِسْبَةُ اللَّفْظِ إِلَى جَمِيعِ الْمَعَانِي. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ الِاسْمُ الْمُعَيَّنُ بِالْمُسَمَّى الْمُعَيَّنِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نِسْبَةُ ذَلِكَ اللَّفْظِ إِلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، كَنِسْبَتِهِ إِلَى سَائِرِ الْمَعَانِي. فَاخْتِصَاصُهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ تَخْصِيصٌ بِلَا مُخَصِّصٍ، وَهُوَ مُحَالٌ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُخَصِّصَ هُوَ إِرَادَةُ الْوَاضِعِ الْمُخْتَارِ، وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى كَتَخْصِيصِ إِيجَادِ الْعَالَمِ فِي وَقْتٍ دُونَ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ إِيجَادُهُ فِيهَا، مَعَ أَنَّ نِسْبَةَ الْعَالَمِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ، كَنِسْبَتِهِ إِلَى سَائِرِ الْأَوْقَاتِ ; فَإِنَّ الْمُخَصِّصَ ثَمَّةَ هُوَ إِرَادَةُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، فَكَذَا هَهُنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [قول الأشعري: الاختلاف في ابتداء الوضع] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ إِبْطَالِ مَذْهَبِ عَبَّادٍ، شَرَعَ فِي الْبَحْثِ عَنِ الْوَاضِعِ. اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْوَاضِعِ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: التَّوْقِيفِيُّ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَهَا، وَوَقَفَ عِبَادَهُ عَلَيْهَا بِأَنْ عَلَّمَهَا بِالْوَحْيِ، أَيْ أَفْهَمَهَا بِالْخِطَابِ أَوْ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ فِي جِسْمٍ مِنَ الْأَجْسَامِ، وَإِسْمَاعِ ذَلِكَ الْجِسْمِ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ، أَوْ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ فِي وَاحِدٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ، بِأَنَّ وَاضِعًا وَضَعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ بِإِزَاءِ الْمَعَانِي. وَسُمِّيَ هَذَا الْمَذْهَبُ تَوْقِيفًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: الِاصْطِلَاحِيُّ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ وَأَتْبَاعِهِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْأَلْفَاظَ وَضَعَهَا الْبَشَرُ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ، ثُمَّ حَصَلَ تَعْرِيفُ الْبَاقِينَ بِالْإِشَارَاتِ، وَالْقَرَائِنِ، وَالتَّرْدِيدِ - وَهُوَ التَّكْرَارُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى - كَمَا حَصَلَ تَعْرِيفُ الْأَطْفَالِ بِالْإِشَارَاتِ وَالْقَرَائِنِ وَالتَّرْدِيدِ. الثَّالِثُ: تَوْقِيفِيٌّ بَعْضُهُ وَالْبَاقِي مُحْتَمَلٌ لِأَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا أَوِ اصْطِلَاحِيًّا. وَهُوَ مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَائِينِيِّ ; فَإِنَّهُ قَالَ: الْقَدْرُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الِاصْطِلَاحِ تَوْقِيفِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَالْبَاقِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحِيًّا. وَالرَّابِعُ: عَكْسُ هَذَا. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَذْهَبِ تَمَسُّكٌ مُعْتَدٌّ بِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهُ. وَالْخَامِسُ: التَّوَقُّفُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: جَمِيعُ ذَلِكَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ وَالدَّلَائِلُ مُتَعَارِضَةٌ، وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهَا عَلَى الْبَاقِي تَرْجِيحًا يُفِيدُ الْقَطْعَ، فَلَمْ يَحْصُلِ الْجَزْمُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا. وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ [التَّوَقُّفِ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالدَّلَائِلُ عَلَى [الْمَذَاهِبِ] لَمْ تُفِدِ الْقَطْعَ. لَكِنَّ دَلِيلَ مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَهُوَ رَاجِحٌ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأُخَرِ مِنْ حَيْثُ إِفَادَتُهُ الظَّنَّ. فَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: ثُمَّ الظَّاهِرُ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ. ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ بَدَأَ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ اللُّغَاتِ لَوْ لَمْ تَكُنْ تَوْقِيفِيَّةً لَمْ تَكُنْ مُعَلَّمَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. وَالْمُلَازَمَةُ ظَاهِرَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسْمَاءَ مُعَلَّمَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَإِذَا ثَبَتَ التَّعْلِيمُ فِي الْأَسْمَاءِ، ثَبَتَ فِي الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ ; إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ. وَلِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِالْأَسْمَاءِ وَحْدَهَا مُتَعَذَّرٌ، فَلَا بُدَّ مَعَ تَعْلِيمِ الْأَسْمَاءِ تَعْلِيمُ الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ. وَأَيْضًا الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ أَسْمَاءٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَرْفَعُ الْمُسَمَّى إِلَى الْأَذْهَانِ، أَوْ تُتِمُّهُ. وَالتَّخْصِيصُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ النُّحَاةِ. وَقَدِ اعْتَرَضُوا عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] ، أَنَّهُ تَعَالَى أَلْهَمَهُ الِاحْتِيَاجَ إِلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الْعُلُومِ مَا لِأَجْلِهِ قُدِرَ عَلَى الْوَضْعِ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ التَّعْلِيمِ فِعْلًا يَصْلُحُ لِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُصُولُ الْعِلْمِ، لَا إِيجَادُ الْعِلْمِ. فَلِذَلِكَ يُقَالُ: عَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ. وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيمُ إِيجَادَ الْعِلْمِ، لَمَا صَحَّ ذَلِكَ الْكَلَامُ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِلْهَامَ، وَلَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحَاتُ قَوْمٍ خَلَقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ، فَعَلَّمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تِلْكَ الِاصْطِلَاحَاتِ السَّابِقَةَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّعْلِيمِ إِيجَادُ الْعِلْمِ، لَا الْإِلْهَامُ. وَكَذَا الْأَصْلُ عَدَمُ اصْطِلَاحٍ سَابِقٍ. وَإِذَا كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاعْتَرَضُوا أَيْضًا عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ قَالُوا: الْمُرَادُ مِنَ الْأَسْمَاءِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، هِيَ حَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ وَصِفَاتُهَا. وَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَ آدَمَ حَقِيقَةَ كُلِّ شَيْءٍ وَصِفَتَهُ. مِثْلَ أَنَّ الْخَيْلَ حَقِيقَتُهُ كَذَا وَأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَالْجَمَلَ لِلْحَمْلِ، وَالثَّوْرَ لِلزَّرْعِ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْحَقَائِقَ، لَا الْأَلْفَاظَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ عَرَضَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الْحَقَائِقِ، وَفِيهَا ذَوُو عُقُولٍ، اخْتَارَ ضَمِيرَ الْعُقَلَاءِ تَغْلِيبًا لَهُمْ. فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْأَلْفَاظَ، لَقَالَ: ثُمَّ عَرَضَهَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْمَاءِ، الْأَلْفَاظُ، لَا الْحَقَائِقُ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ. فَإِنَّهُ أَضَافَ الْأَسْمَاءَ إِلَى هَؤُلَاءِ. فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحَقَائِقَ، لَزِمَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ عَرَضَهُمْ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسَمَّيَاتِ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ رَاجِعًا إِلَى الْمُسَمَّيَاتِ، وَبَيْنَ كَوْنِ الْأَسْمَاءِ أَلْفَاظًا. ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَلْسِنَةِ، مَفْهُومَهَا الْحَقِيقِيَّ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِ الْأَلْسُنِ، أَبْلَغُ وَأَجْمَلُ ; إِذْ الِاخْتِلَافُ فِي أَجْرَامِهَا لَا يَبْلُغُ إِلَى حَدٍّ يُسْتَغْرَبُ. فَإِذَنِ الْمُرَادُ اللُّغَاتُ، تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ. وَإِذَا كَانَتِ اللُّغَاتُ مَخْلُوقَةً، كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً. وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ اللِّسَانَ اسْمٌ لِلْجَارِحَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنَّ التَّوْقِيفَ وَالْإِقْدَارَ عَلَى وَضْعِ اللُّغَاتِ مُتَسَاوِيَانِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آيَةً. وَاللِّسَانُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اللُّغَاتِ مَجَازًا، حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ التَّوْقِيفُ آيَةً، يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْقُدْرَةِ كَذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ الْإِقْدَارُ آيَةً: فَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى اللُّغَاتِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى وَضْعِ اللُّغَاتِ. ش - الْبَهْشَمِيَّةُ، أَيِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ اللُّغَاتِ كُلَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ص - الْبَهْشَمِيَّةُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] دَلَّ عَلَى سَبْقِ اللُّغَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ. قُلْنَا: إِذَا كَانَ آدَمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الَّذِي عُلِّمَهَا، انْدَفَعَ الدَّوْرُ. ص - وَأَمَّا جَوَازُ أَنْ يَكُونَ التَّوْقِيفُ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ، أَوْ بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ. فَخِلَافُ الْمُعْتَادِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ سَابِقَةٌ عَلَى بِعْثَةِ الرَّسُولِ، فَلَا تَكُونُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةً ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْقِيفَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْوَحْي، فَيَتَقَدَّمُ الْبَعْثَةُ عَلَى اللُّغَاتِ السَّابِقَةِ عَلَى الْبَعْثَةِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الدَّوْرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةً، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ أَنْ لَوْ كَانَتِ اللُّغَاتُ سَابِقَةً عَلَى بَعْثَةِ جَمِيعِ الرُّسُلِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَقَدُّمِ اللُّغَاتِ عَلَى بَعْثَةِ الرُّسُلِ الَّذِينَ لَهُمْ قَوْمٌ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بِلِسَانِ قَوْمِهِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَعْثَةُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى اللُّغَاتِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ قَوْمٌ، فَيَنْدَفِعُ الدَّوْرُ. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اللُّغَاتِ بِالْوَحْي ثُمَّ عَلَّمَ آدَمُ غَيْرَهُ فَتَكُونُ اللُّغَاتُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ بَعْثَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَبَعْثَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ لَهُمْ قَوْمٌ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ اللُّغَاتِ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. ش - هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَزْيِيفِ جَوَابٍ عَنْ دَلِيلِ الْبَهْشَمِيَّةِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ. وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللُّغَاتِ لَوْ كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً يَلْزَمُ تَقَدُّمُ الْبَعْثَةِ عَلَى اللُّغَاتِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ طَرِيقُ تَعْلِيمِهَا مُنْحَصِرَةً فِي الْوَحْيِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّوْقِيفُ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ فِي أَجْسَامٍ، كَمَا مَرَّ أَوْ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ فِي وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ بِأَنَّ اللُّغَاتِ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي. وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ التَّعْلِيمَ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ أَوْ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ خِلَافُ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا فِي ذَاتِهِ ; إِذِ الْمُعْتَادُ فِي التَّعْلِيمِ هُوَ التَّفْهِيمُ بِالْخِطَابِ، وَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ يُجْزَمُ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ. ش - قَالَ الْأُسْتَاذُ: الْقَدْرُ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ تَوْقِيفِيٌّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ [تَوْقِيفِيًّا] لَزِمَ الدَّوْرُ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ص - الْأُسْتَاذُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ [تَوْقِيفِيًّا] لَزِمَ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى اصْطِلَاحٍ سَابِقٍ. قُلْنَا: يُعْرَفُ بِالتَّرْدِيدِ وَالْقَرَائِنِ، كَالْأَطْفَالِ. ص - الرَّابِعُ: طَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا: التَّوَاتُرُ فِيمَا لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ، كَالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ. وَالْآحَادُ فِي غَيْرِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ اصْطِلَاحِيًّا، لَاحْتِيجَ فِي تَعْلِيمِهَا إِلَى اصْطِلَاحٍ آخَرَ، سَابِقٍ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ يُعْرَفُ بِاصْطِلَاحٍ آخَرَ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَعُودَ إِلَى الْأَوَّلِ، ضَرُورَةَ تَنَاهِي الِاصْطِلَاحَاتِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ اصْطِلَاحِيًّا يَلْزَمُ الِاحْتِيَاجُ فِي تَعْلِيمِهَا إِلَى اصْطِلَاحٍ آخَرَ سَابِقٍ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَرَّفَ الِاصْطِلَاحُ بِالتَّرْدِيدِ وَالْقَرَائِنِ، كَمَا يَعْرِفُ الْأَطْفَالُ لُغَةَ أَبَوَيْهِمْ بِهَا. [الرَّابِعُ: طريق معرفة الموضوعات اللغوية] ش - الْبَحْثُ الرَّابِعُ مِنْ مَبَادِئِ اللُّغَةِ فِي بَيَانِ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ. اعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ ; لِأَنَّ الْأُمُورَ الْوَضْعِيَّةَ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِهَا، بَلْ يَكُونُ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا النَّقْلُ. وَهُوَ إِمَّا مُتَوَاتِرٌ - وَهُوَ فِي اللُّغَاتِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّشْكِيكَ - كَالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَنَحْوِهِمَا فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّشْكِيكِ. وَإِمَّا آحَادٌ، وَهُوَ فِي اللُّغَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّشْكِيكَ. وَلُغَاتُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَكْثَرُهَا مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. [الْأَحْكَامُ] [مقدمة الأحكام] [الحسن والقبح في حكم الله] ش - لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ مِنَ اللُّغَةِ، شَرَعَ فِيمَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَرَتَّبَ الْكَلَامَ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَدْعِي حَاكِمًا وَمَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَمَحْكُومًا بِهِ. الْأَوَّلُ فِي الْحَاكِمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ص - الْأَحْكَامُ لَا يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّ الْفِعْلَ حَسَنٌ أَوْ قَبِيحٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُطْلَقُ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ إِضَافِيَّةٍ: لِمُوَافَقَةِ الْغَرَضِ وَمُخَالَفَتِهِ، وَلِمَا أَمَرَنَا بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالذَّمِّ، وَلِمَا لَا حَرَجَ [فِيهِ] وَمُقَابِلِهِ. وَفِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ بِالِاعْتِبَارَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ وَالْبَرَاهِمَةُ: الْأَفْعَالُ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا. [فَالْقُدَمَاءُ] : مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ. وَقَوْمٌ: بِصِفَةٍ. وَقَوْمٌ: بِصِفَةٍ فِي الْقَبِيحِ. وَالْجِبَائِيَّةُ: بِوُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ. ص - لَنَا: لَوْ كَانَ ذَاتِيًّا - لَمَا اخْتَلَفَ، وَقَدْ وَجَبَ الْكَذِبُ إِذَا كَانَ فِيهِ عِصْمَةُ نَبِيٍّ، وَالْقَتْلُ وَالضَّرْبُ وَغَيْرُهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْكُمَ فِي فِعْلٍ تَعَلَّقَ حُكْمُ اللَّهِ بِهِ، أَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ حَسَنٌ أَوْ قَبِيحٌ. وَعِنْدَهُمْ يُطْلَقُ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ إِضَافِيَّةٍ: أَحَدُهَا الْمَشْهُورُ، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِغَرَضِ الْفَاعِلِ، فَهُوَ الْحَسَنُ. وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَرَضِهِ فَهُوَ الْقَبِيحُ. وَنَعْنِي بِالْغَرَضِ مَا لِأَجْلِهِ يَصْدُرُ الْفِعْلُ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ. فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُوَافِقًا لِشَخْصٍ وَمُخَالِفًا لِآخَرَ فَهُوَ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُوَافِقُهُ، وَقَبِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، فَيَكُونُ إِضَافِيًّا. الثَّانِي: أَنَّهُ يُطْلَقُ الْحُسْنُ لِفِعْلٍ أُمِرْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ، وَالْقُبْحُ لِفِعْلٍ أُمِرْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِالذَّمِّ لِفَاعِلِهِ. وَهَذَا أَيْضًا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ وُرُودِ الشَّرْعِ فِي الْأَفْعَالِ، فَيَكُونُ أَيْضًا إِضَافِيًّا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُطْلَقُ الْحَسَنُ لِفِعْلٍ لَا حَرَجَ عَلَى فَاعِلِهِ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ، وَالْقَبِيحُ لِفِعْلٍ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ حَرَجٌ عَلَى فَاعِلِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ، فَيَكُونُ أَيْضًا إِضَافِيًّا. وَفِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ حَسَنًا بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ لِغَرَضٍ. وَهُوَ حَسَنٌ بِالِاعْتِبَارَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي ; فَلِأَنَّهُ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ. وَأَمَّا بِالِاعْتِبَارِ الثَّالِثِ ; فَلِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ. وَالْحَسَنُ بِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَنَا الشَّارِعُ بِالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ. وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُبَاحَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرِ الشَّارِعُ بِالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ. وَبِالتَّفْسِيرِ الثَّالِثِ يَتَنَاوَلُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ أَيْضًا ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ. وَالْقَبِيحُ بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَخْتَصُّ بِالْحَرَامِ ; لِأَنَّهُ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالذَّمِّ لِفَاعِلِهِ، وَفِي فِعْلِهِ حَرَجٌ. وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ ; لِأَنَّهُ [لَمْ يَأْمُرْ] الشَّرْعُ بِالذَّمِّ لِفَاعِلِهِمَا وَلَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِمَا. فَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ لَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَسَنًا وَلَا قَبِيحًا [بِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي] . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ عَقْلِيٌّ. وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. وَالْأَصْحَابُ قَالُوا: إِنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ مُتَعَلِّقُ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا. وَكَوْنُهُ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ حَرَجٌ أَوْ لَيْسَ، لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَلَا اسْتِقْلَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ وَالْبَرَاهِمَةُ: الْأَفْعَالُ حَسَنَةٌ لِذَاتِهَا، قَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا. فَمِنْهَا: مَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إِلَى حُسْنِهِ وَقُبْحِهِ بِالضَّرُورَةِ، كَحُسْنِ إِنْقَاذِ الْغَرْقَى وَقُبْحِ الْكَذِبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ. وَمِنْهَا: مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، كَحُسْنِ الصِّدْقِ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ، وَقُبْحِ الْكَذِبِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ. وَمِنْهَا مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِالسَّمْعِ. كَحُسْنِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ. وَالشَّارِعُ كَاشِفٌ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، لَا مُوجِبٌ لَهُمَا. ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الذَّاتِيِّينَ اخْتَلَفُوا، فَقَالَتِ الْقُدَمَاءُ: لَيْسَ فِي الْفِعْلِ صِفَةٌ تَقْتَضِي حُسْنَهُ أَوْ قُبْحَهُ، بَلِ الْفِعْلُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَحَدَهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّ حُسْنَ الْفِعْلِ وَقُبْحَهُ لِأَجْلِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْفِعْلِ لَازِمَةٍ لَهُ تَقْتَضِي تِلْكَ الصِّفَةُ اللَّازِمَةُ حُسْنَ الْفِعْلِ أَوْ قُبْحَهُ. مَثَلًا الزِّنَا قَبِيحٌ ; لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَفْسَدَةِ اخْتِلَاطِ النَّسَبِ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ تَعَهُّدِ الْأَوْلَادِ. وَالصَّوْمُ حَسَنٌ ; لِأَنَّهُ مُكَسِّرٌ لِلْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْفِعْلَ الْقَبِيحَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ تُوجِبُ قُبْحَهُ دُونَ الْفِعْلِ الْحَسَنِ ; فَإِنَّهُ لِذَاتِهِ يَقْتَضِي الْحُسْنَ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا إِلَى الْمَفْسَدَةِ يَكُونُ قَبِيحًا، وَإِلَّا فَحَسَنًا. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجِبَائِيُّ وَأَتْبَاعُهُ: إِنَّ الْأَفْعَالَ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ بِوُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ، كَالْمُوَاقَعَةِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ بِلَا نِكَاحٍ وَلَا مِلْكٍ، فَإِنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ حَسَنًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الِاشْتِبَاهُ أَصْلًا، كَانَ قَبِيحًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ مِنْ جَانِبٍ دُونَ آخَرَ فَهُوَ حَسَنٌ فِي حَقِّ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، قَبِيحٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَحْرِيرِ الْمَبْحَثِ، احْتَجَّ بِالدَّلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَيْسَا بِذَاتِيَّيْنِ لِلْفِعْلِ. الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ الْفِعْلُ يَقْتَضِي الْحُسْنَ أَوِ الْقُبْحَ لِذَاتِهِ أَوْ لَوَصْفٍ هُوَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ، لَمَا اخْتَلَفَ، أَيْ لَمَا صَارَ الْفِعْلُ الْحَسَنُ قَبِيحًا وَبِالْعَكْسِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ طَبِيعَةَ الْفِعْلِ إِذَا اقْتَضَى الْحُسْنَ لِذَاتِهِ أَوْ لِوَصْفٍ هُوَ مُقْتَضَاهُ، لَتَحَقَّقَ الْحُسْنُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ مُقْتَضَى الذَّاتِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَصِيرَ قَبِيحًا. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي; فَلِأَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ حَسَنًا. وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِعِصْمَةِ نَبِيٍّ. وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ. وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَتْلُ لِلْقِصَاصِ وَالضَّرْبُ لِلْحَدِّ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ ذَاتِيِّينَ لِلْفِعْلِ، لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِي صِدْقِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَأَكْذِبَنَّ غَدًا، وَكَذَا فِي كَذِبِهِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: لَأَكْذِبَنَّ غَدًا، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكْذِبَ غَدًا أَوْ يَصْدُقَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذَاتِيًّا - لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِي صِدْقِ مَنْ قَالَ: لَأَكْذِبَنَّ غَدًا، وَكَذِبِهِ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَ ذَاتِيًّا - لَزِمَ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّ حُسْنَ الْفِعْلِ زَائِدٌ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ مِنْ تَعَقُّلِ الْفِعْلِ تَعَقُّلُهُ، وَيَلْزَمُ وُجُودُهُ ; لِأَنَّ نَقِيضَهُ لَا حَسَنٌ، وَهُوَ سَلْبٌ، وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ حُصُولُهُ مَحَلًّا مَوْجُودًا، وَلَمْ يَكُنْ ذَاتِيًّا، وَقَدْ وُصِفَ الْفِعْلُ بِهِ، فَيَلْزَمُ قِيَامُهُ بِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَلْزَمُ قُبْحُهُ لِكَوْنِهِ كَذِبًا، وَحُسْنُهُ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَلْزِمًا لِصِدْقِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ. وَالْمُسْتَلْزِمُ لِلْحَسَنِ حَسَنٌ، فَيَجْتَمِعُ فِي الْخَبَرِ الثَّانِي الْحَسَنُ [وَاللَّا حَسَنُ،] وَهُوَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَلْزَمُ أَيْضًا حُسْنُ الْخَبَرِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ صِدْقٌ، وَقُبْحُهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِكَذِبِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّلِيلَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْقُدَمَاءِ. وَمَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْفِعْلِ لِصِفَةٍ [ذَاتِيَّةٍ] تَقْتَضِي الْحُسْنَ أَوِ الْقُبْحَ. وَلَا يَدُلَّانِ عَلَى إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْجِبَائِيَّةِ. وَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي. وَذَلِكَ لِأَنَّ عِصْمَةَ النَّبِيِّ قَدْ تَحْصُلُ بِدُونِ الْكَذِبِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِصُورَةِ الْإِخْبَارِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ، أَوْ مَعَ قَصْدٍ إِلَيْهِ وَلَكِنْ مَعَ التَّعْرِيضِ. ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ عِصْمَةُ النَّبِيِّ إِلَّا مَعَ الْكَذِبِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَذِبَ حَسَنٌ هَهُنَا. وَكَوْنُ عِصْمَةِ النَّبِيِّ حَسَنًا لَا يَسْتَلْزِمُ حُسْنَ الْكَذِبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِصُورَةِ الْإِخْبَارِ عَلَى وَجْهٍ يُفْهِمُ الْخَبَرَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى الْإِخْبَارِ، أَمْرٌ لَا يُعْقَلُ وَلَا يُتَصَوَّرُ. وَلِأَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِالْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ. وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فَرُبَّمَا لَمْ يُفِدْ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ صَرِيحُ الْإِخْبَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " كَوْنُ عِصْمَةِ النَّبِيِّ حَسَنًا لَا يَسْتَلْزِمُ حُسْنَ الْكَذِبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ " فَبَاطِلٌ ; لِأَنَّ مَا لَا يَحْصُلُ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَقْلًا عِنْدَهُمْ. وَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا: لِمَ لَا يَجُوزُ اقْتِضَاءُ الشَّيْءِ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ بِحَسَبَ شَرْطَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ. فَإِنَّ الْجِسْمَ إِذَا كَانَ فِي حَيِّزِهِ يَقْتَضِي السُّكُونَ وَفِي غَيْرِهِ يَقْتَضِي الْحَرَكَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ أَنَّ الْفِعْلَ لِذَاتِهِ، أَوْ لِوَصْفٍ لَازِمٍ لَهُ، يَقْتَضِي الْحُسْنَ أَوِ الْقُبْحَ. وَالشَّرْطَانِ الْمُتَنَافِيَانِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصْفًا لَازِمًا لَهُ ; لِأَنَّ اللَّازِمَ يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُ الشَّيْءِ عَنْهُ. ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّ الْقُبْحَ وَالْحُسْنَ لَيْسَا بِذَاتِيِّينَ لِلْفِعْلِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْحُسْنُ ذَاتِيًّا لِلْفِعْلِ، لَزِمَ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى، أَيْ قِيَامُ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ حُسْنَ الْفِعْلِ زَائِدٌ عَلَى الْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَائِدًا عَلَيْهِ لَكَانَ نَفْسَهُ أَوْ دَاخِلًا فِيهِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلَانِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ مِنْ تَعَقُّلِ الْفِعْلِ تَعَقُّلُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّا قَدْ نَعْقِلُ الْفِعْلَ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِنَا أَنَّهُ حَسَنٌ أَوْ قَبِيحٌ، فَيَثْبُتُ أَنَّ الْحُسْنَ زَائِدٌ عَلَى الْفِعْلِ. وَيَلْزَمُ وُجُودُهُ، أَيْ يَكُونُ الْحُسْنُ الَّذِي هُوَ زَائِدٌ عَلَى الْفِعْلِ مَوْجُودًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَقِيضَهُ لَا حَسَنٌ، وَهُوَ سَلْبٌ، أَيْ مَعْدُومٌ ; لِأَنَّ الْحُسْنَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا اسْتَلْزَمَ وُجُودُهُ مَحَلًّا مَوْجُودًا يَقُومُ بِهِ. وَإِذَا اسْتَلْزَمَ مَحَلًّا مَوْجُودًا امْتَنَعَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْدُومِ. لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْدُومِ ; إِذْ يُقَالُ: الْمَعْدُومُ لَا حَسَنٌ. فَثَبَتَ أَنَّ الْحُسْنَ سَلْبٌ، فَيَكُونُ الْحُسْنُ مَوْجُودًا ; لِأَنَّ أَحَدَ النَّقِيضَيْنِ إِذَا كَانَ سَلْبًا يَكُونُ النَّقِيضُ الْآخَرُ مَوْجُودًا، وَإِلَّا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ. الثَّانِي: أَنَّ الْحُسْنَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا لَمْ يَكُنْ ذَاتِيًّا لِلْفِعْلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ التَّقْدِيرِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ص - وَاعْتَرَضَ بِإِجْرَائِهِ فِي الْمُمْكِنِ. وَ [بِأَنَّ] الِاسْتِدْلَالَ بِصُورَةِ النَّفْيِ عَلَى الْوُجُودِ دَوْرٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثُبُوتِيًّا أَوْ مُنْقَسِمًا، فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ. ص - وَاسْتَدَلَّ: فِعْلُ الْعَبْدِ غَيْرُ مُخْتَارٍ، فَلَا يَكُونُ حَسَنًا وَلَا قَبِيحًا لِذَاتِهِ إِجْمَاعًا. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ - لَازِمًا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا - فَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى مُرَجِّحٍ - عَادَ التَّقْسِيمُ وَإِلَّا فَهُوَ اتِّفَاقِيٌّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْحُسْنَ لَوْ كَانَ مَعْدُومًا، اسْتَحَالَ إِسْنَادُهُ إِلَى الذَّوَاتِ ; لِأَنَّ السَّلْبَ لَيْسَ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُسْنَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْفِعْلِ، مَوْجُودٌ، لَزِمَ قِيَامُ الْعَرَضِ - وَهُوَ الْحَسَنُ - بِالْعَرَضِ، وَهُوَ الْفِعْلُ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِمَا بَيَّنَ فِي الْكَلَامِ مِنِ امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ. ش - اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ بِنِقْضَيْنِ إِجْمَالِيٍّ وَتَفْصِيلِيٍّ. أَمَّا الْإِجْمَالِيُّ فَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: كُلٌّ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ مَوْجُودٌ، غَيْرُ صَحِيحٍ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ فِي الْمُمْكِنِ عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ مَوْجُودٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ [فَبِأَنْ] يُقَالَ: الْإِمْكَانُ ثُبُوتِيٌّ ; لِأَنَّ نَقِيضَهُ لَا إِمْكَانَ، وَهُوَ سَلْبٌ، وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ حُصُولُهُ مَحَلًّا مَوْجُودًا، فَيَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْدُومِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي [فَبِأَنْ] يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ الْإِمْكَانَ ثُبُوتِيًّا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ وَصْفًا ذَاتِيًّا لِلْمُمْكِنِ. فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ يَلْزَمُ كَوْنُ الْإِمْكَانِ ثُبُوتِيًّا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا التَّفْصِيلِيُّ [فَبِأَنْ] يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُسْنَ ثُبُوتِيٌّ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ نَقِيضَهُ - وَهُوَ لَا حَسَنٌ - سَلْبٌ. قُلْنَا: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمُجَرَّدِ صُورَةِ السَّلْبِ - وَهُوَ قَوْلُنَا: " لَا حَسَنٌ " - عَلَى وُجُودِ نَقِيضِهِ، وَهُوَ قَوْلُنَا: حَسَنٌ. فَمَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْحَسَنِ مَوْجُودًا، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ نَفْيُهُ - وَهُوَ لَا حَسَنٌ - مَعْدُومًا. فَلَوْ أَثْبَتْنَا وُجُودَ الْحُسْنِ، يَكُونُ سَلْبُهُ عَدَمِيًّا، يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْحُسْنِ مَوْجُودًا، لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ الْحُسْنِ عَدَمِيًّا ; لِأَنَّ صُورَةَ النَّفْيِ قَدْ تَكُونُ ثُبُوتِيَّةً، كَقَوْلِنَا: لَا مَعْدُومٌ، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي هُوَ صُورَةُ النَّفْيِ، لَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ يَكُونُ مُنْقَسِمًا إِلَى الثُّبُوتِيِّ وَالْعَدَمِيِّ، كَالِامْتِنَاعِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُمْكِنِ الْمَوْجُودِ وَيَصْدُقُ عَلَى الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ. وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ النَّفْيِ ثُبُوتِيَّةً أَوْ مُنْقَسِمَةً إِلَى الثُّبُوتِيِّ وَالْعَدَمِيِّ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ نَقِيضِهِ مَوْجُودًا لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ عَدَمِيًّا، فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَالُ بِمُجَرَّدِ صُورَةِ النَّفْيِ كَوْنَ الْحُسْنِ مَوْجُودًا. أَقُولُ: النَّقْضُ التَّفْصِيلِيُّ الْمَذْكُورُ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ مَوْجُودٌ. وَأَمَّا النَّقْضُ التَّفْصِيلِيُّ لِلدَّلِيلِ الثَّانِي [فَهُوَ أَنْ] يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُسْنَ لَوْ كَانَ عَدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَاتِيًّا لِلْفِعْلِ. قَوْلُهُ: " لِأَنَّ الْعَدَمِيَّ لَيْسَ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ لِلشَّيْءِ ". قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ; فَإِنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِاتِّصَافِهِ بِنَقِيضِ مُبَايِنِهِ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِاتِّصَافِهِ بِكَوْنِهِ لَا فَرَسًا. ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ آخَرُ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَيْسَا بِذَاتِيِّينَ لِلْفِعْلِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ مُخْتَارٍ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمُخْتَارٍ، لَا يَكُونُ حَسَنًا وَلَا قَبِيحًا لِذَاتِهِ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُ الْعَبْدِ حَسَنًا وَلَا قَبِيحًا لِذَاتِهِ. أَمَّا الْكُبْرَى فَبِالْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِالْحُسْنِ الْعَقْلِيِّ وَقُبْحِهِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفِعْلَ إِنَّمَا يَكُونُ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا إِذَا صَدَرَ عَنِ اخْتِيَارٍ. وَالْمُصَنِّفُ قَدْ حَذَفَ الْكُبْرَى وَأَشَارَ إِلَى صِدْقِهَا بِقَوْلِهِ: " إِجْمَاعًا ". وَأَمَّا بَيَانُ الصُّغْرَى فَلِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ إِنْ كَانَ لَازِمًا، أَيْ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَرْكِهِ، فَوَاضِحٌ كَوْنُهُ غَيْرَ مُخْتَارٍ ; لِأَنَّ مَا لَا يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ تَرْكِهِ، يَكُونُ صُدُورُهُ عَنْهُ ضَرُورِيًّا، وَالضَّرُورِيُّ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا. وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، أَيْ يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ تَرْكِهِ، فَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى مُرَجِّحٍ عَادَ التَّقْسِيمُ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْفِعْلَ مَعَ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَوْ جَائِزًا، فَإِنْ كَانَ لَازِمًا، ثَبَتَ كَوْنُهُ ضَرُورِيًّا، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عَادَ التَّقْسِيمُ. فَإِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا فَيَكُونُ ضَرُورِيًّا أَوْ إِلَى مَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ فَيَكُونُ اتِّفَاقِيًّا، أَوْ يَتَسَلْسَلُ، وَهُوَ مُحَالٌ. " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرِ الْفِعْلُ إِلَى مُرَجِّحٍ فَهُوَ اتِّفَاقِيٌّ; لِأَنَّ صُدُورَ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ فِي زَمَانٍ دُونَ آخَرَ لَا لِمُرَجِّحٍ مَعَ إِمْكَانِ صُدُورِهِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، يَكُونُ اتِّفَاقِيًّا. ش - ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا ضَعْفَ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ جَدَلِيَّةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ تَحْقِيقَ الْحَقِّ فِي مُرَجِّحِ الْفِعْلِ. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ، فَيَكُونُ تَشْكِيكًا فِي الضَّرُورِيَّاتِ، وَالتَّشْكِيكُ فِي الضَّرُورِيَّاتِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ ; لِأَنَّا نَجِدُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الضَّرُورِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِيَّةِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ. فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الضَّرُورِيَّةَ تَصْدُرُ عَنِ الْعَبْدِ، وَإِنْ أَبَى عَنْهُ، كَحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى أَسْفَلَ بِالْقَسْرِ. وَالِاخْتِيَارِيَّةُ لَا تَصْدُرُ عَنْهُ إِنْ أَبَى، كَحَرَكَتِهِ بِالْإِرَادَةِ فِي السُّطُوحِ الْمُسْتَوِيَةِ. فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ مُخْتَارٍ، اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ص - وَهُوَ ضَعِيفٌ [فَإِنَّا] نُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّرُورِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِيَّةِ ضَرُورَةً. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْبَارِي. وَأَنْ لَا يُوصَفَ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ شَرْعًا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِالِاخْتِيَارِ. ص - وَعَلَى الْجِبَائِيَّةِ: لَوْ حَسُنَ الْفِعْلُ أَوْ قَبُحَ لِغَيْرِ الطَّلَبِ - لَمْ يَكُنْ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ لِنَفْسِهِ ; لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ. ص - وَأَيْضًا لَوْ حَسُنَ الْفِعْلُ أَوْ قَبُحَ لِذَاتِهِ أَوْ صِفَتِهِ - لَمْ يَكُنِ الْبَارِي مُخْتَارًا فِي الْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمَرْجُوحِ عَلَى خِلَافِ الْمَعْقُولِ، فَيَلْزَمُ الْآخَرُ، فَلَا اخْتِيَارَ. ص - وَمِنَ السَّمْعِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: 15] حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا لِاسْتِلْزَامِ مَذْهَبِهِمْ خِلَافَهُ. ص - قَالُوا: حُسْنُ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَالْإِيمَانُ، وَقُبْحُ الْكَذِبِ الضَّارِّ وَالْكُفْرَانُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى عُرْفٍ أَوْ شَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَالْجَوَابُ: الْمَنْعُ. [بَلْ] بِمَا ذَكَرَ. ص - قَالُوا: إِذَا اسْتَوَيَا فِي الْمَقْصُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كُلِّ مُقَدَّرٍ - آثَرَ الْعَقْلُ الصِّدْقَ. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَقْدِيرُ مُسْتَحِيلٍ، فَلِذَلِكَ يُسْتَبْعَدُ مَنْعُ إِيثَارِ الصِّدْقِ. وَلَوْ سَلَّمَ [فَلَا يَلْزَمُ] فِي الْغَائِبِ ; لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَقْبُحُ مِنَ اللَّهِ تَمْكِينُ الْعَبْدِ مِنَ الْمَعَاصِي وَيَقْبُحُ مِنَّا. ص - قَالُوا لَوْ كَانَ شَرْعِيًّا - لَزِمَ إِفْحَامُ الرُّسُلِ، فَيَقُولُ لَا أَنْظُرُ فِي مُعْجِزَتِكَ حَتَّى يَجِبَ النَّظَرُ وَيَعْكِسُ، أَوْ لَا يَجِبُ حَتَّى يُثْبِتَ الشَّرْعُ وَيَعْكِسَ. ص - وَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُوبَهُ عِنْدَهُمْ نَظَرِيٌّ، فَنَقُولُهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِهِ. وَلَوْ سُلِّمَ - فَالْوُجُوبُ بِالشَّرْعِ نُظِرَ أَوْ لَمْ يُنْظَرْ، ثَبَتَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ - لَجَازَتِ الْمُعْجِزَةُ مِنَ الْكَاذِبِ، وَلَامْتَنَعَ [الْحُكْمُ] بِقُبْحِ نِسْبَةِ الْكَذِبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَبْلَ السَّمْعِ وَالتَّثْلِيثِ وَأَنْوَاعِ الْكُفْرِ مِنَ الْعَالَمِ [بِخِلَافِهِ] . ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ إِنِ امْتَنَعَ فَلِمُدْرِكٍ آخَرَ. وَالثَّانِي [مُلْتَزِمٌ] إِنْ أُرِيدَ [بِهِ] التَّحْرِيمُ الشَّرْعِيُّ. ص - (مَسْأَلَتَانِ) عَلَى التَّنَزُّلِ. ص - الْأُولَى: شُكْرُ الْمُنْعِمِ لَيْسَ [بِوَاجِبٍ] عَقْلًا ; لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ - لَوَجَبَ لِفَائِدَةٍ، وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا، وَهُوَ قَبِيحٌ. وَلَا فَائِدَةَ لِلَّهِ تَعَالَى لِتَعَالِيهِ عَنْهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُخْتَارٍ، صَحِيحًا، لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مُخْتَارٍ ; لِأَنَّ التَّرْدِيدَ الْمَذْكُورَ يَطَّرِدُ فِيهِ، بِأَنْ يُقَالَ: فِعْلُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَوْ جَائِزًا. وَالْأَوَّلُ يَكُونُ ضَرُورِيًّا، وَالثَّانِي إِنِ افْتَقَرَ إِلَى مُرَجِّحٍ عَادَ التَّقْسِيمُ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ اتِّفَاقِيٌّ. لَكِنَّ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاخْتِيَارِ اتِّفَاقًا، فَلَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا. الثَّالِثُ: أَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا، لَزِمَ أَنْ لَا يُوصَفَ فِعْلُ الْعَبْدِ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ شَرْعًا ; لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِمَا ذَكَرْتُمْ، وَغَيْرُ الْمُخْتَارِ لَا يَتَّصِفُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ. اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ نَقْضٌ إِجْمَالِيٌّ لِلِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ جَائِزٌ صُدُورُهُ عَنْهُ وَلَا صُدُورُهُ، نَظَرًا إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ، وَتَرْجِيحُ صُدُورِهِ عَلَى لَا صُدُورِهِ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَعِنْدَ تَعَلُّقِ اخْتِيَارِهِ بِالْفِعْلِ يَكُونُ لَازِمًا. وَاللُّزُومُ بِاخْتِيَارِهِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْفِعْلِ مُخْتَارًا ; لِأَنَّ لُزُومَ صُدُورِ الْفِعْلِ عَنِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ تَعَلُّقِ الِاخْتِيَارِ بِهِ، لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ. ش - لَمَّا ذَكَرَ إِبْطَالَ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِلْمُعْتَزِلَةِ، شَرَعَ فِي إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْجِبَائِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ حُسْنُ الْفِعْلِ وَقُبْحُهُ لِغَيْرِ نَفْسِ الطَّلَبِ، مِنَ الْوُجُوهِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَارِضَةِ لِلْفِعْلِ بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنْ تَعَلُّقُ طَلَبِ الْفِعْلِ لِنَفْسِ الْفِعْلِ، بَلِ التَّعَلُّقُ لِأَجْلِ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّ التَّعَلُّقَ حِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ الزَّائِدِ عَلَى الْفِعْلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي فَلِأَنَّ التَّعَلُّقَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالْفِعْلِ، وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ إِلَّا عَلَى حُصُولِهِمَا. وَالطَّلَبُ قَدِيمٌ. فَإِذَا حَصَلَ الْفِعْلُ تَعَلَّقَ الطَّلَبُ بِهِ، سَوَاءٌ عَرَضَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ لِلْفِعْلِ أَوْ لَمْ يَعْرِضْ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الطَّلَبِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ إِلَّا عَلَى الطَّلَبِ وَالْفِعْلِ، لَكِنَّ نَفْسَ الطَّلَبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ لِلْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلْحُسْنِ أَوِ الْقُبْحِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَبَ، أَعْنِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ قَدِيمٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا بَيَّنَ فِي الْكَلَامِ. وَالْجِهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُسْنِ أَوِ الْقُبْحِ حَادِثَةٌ، فَكَيْفَ يَصِحُّ تَوَقُّفُ الْقَدِيمِ عَلَى الْحَادِثِ. بَلِ التَّوَقُّفُ إِمَّا يَكُونُ لِلتَّعَلُّقِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْجِهَةِ مُوجِبَةً لِلْحُسْنِ ; لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَكُنِ الْجِهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُسْنِ، لَمْ يَحْصُلْ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَبَ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ، حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ التَّعَلُّقُ إِلَّا عَلَى الطَّلَبِ وَالْفِعْلِ. لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ إِذَا كَانَ عَلَى الْجِهَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُسْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَكُونُ التَّعَلُّقُ الَّذِي هُوَ [نِسْبَةٌ] يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفِعْلِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَمَا لَمْ يُوجَدْ تِلْكَ الْجِهَةُ لَمْ يَحْصُلْ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْفِعْلِ. ش - لَمَّا ذَكَرَ عَلَى إِبْطَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ دَلِيلًا أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلًا مُتَنَاوِلًا لِإِبْطَالِ مَذْهَبِهِمْ جَمِيعًا. فَقَالَ: لَوْ حَسُنَ الْفِعْلُ أَوْ قَبُحَ لِذَاتِهِ، أَوْ لِصِفَةٍ لَهُ لَازِمَةٍ، أَوِ اعْتِبَارِيَّةٍ عَارِضَةٍ، لَمْ يَكُنِ الْبَارِي تَعَالَى مُخْتَارًا فِي الْحُكْمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْفِعْلَ الْحَسَنَ يَكُونُ حِينَئِذٍ رَاجِحًا عَلَى الْقَبِيحِ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا لِحُكْمِ الْوُجُوبِ، وَالْفِعْلُ الْقَبِيحُ يَكُونُ رَاجِحًا عَلَى الْحُسْنِ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا لِحُكْمِ التَّحْرِيمِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ غَيْرُ رَاجِحٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، أَوْ مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ رَاجِحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ خِلَافٌ صَرِيحُ الْحُكْمِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ رَاجِحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ تُعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالرَّاجِحِ ضَرُورِيًّا لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا فِي حُكْمِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِمَا هُوَ رَاجِحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، أَنْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ اخْتِيَارِيًّا ; فَإِنَّ الْمُخْتَارَ الْحَكِيمَ يَخْتَارُ مَا يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ بِالْحِكَمِ وَالْأَغْرَاضِ، كَمَا بَيَّنَ فِي الْكَلَامِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْأَصْحَابِ عَلَى نَفْيِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، مَأْخُوذٌ مِنَ السَّمْعِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: 15] حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا يَقْتَضِي نَفْيَ التَّعْذِيبِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَتَرْكِ بَعْضِهَا قَبْلَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ إِلَى غَايَةِ الْبَعْثَةِ. وَمَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ يَسْتَلْزِمُ تَعْذِيبَ تَارِكِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَمُبَاشَرَةِ بَعْضِهَا قَبْلَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ ; لِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ. وَالْحُسْنُ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ مُسْتَلْزِمٌ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا، وَالْقُبْحُ فِي بَعْضِهَا مُسْتَلْزِمٌ لِكَوْنِهِ حَرَامًا، فَيَكُونُ بَعْضُ الْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَاجِبًا وَبَعْضُهَا حَرَامًا. فَمَنْ تَرَكَ الْبَعْضَ الْوَاجِبَ أَوْ بَاشَرَ الْبَعْضَ الْمُحَرَّمَ عُذِّبَ ; لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوَاجِبَ: مَا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ الْعَذَابَ، وَالْحَرَامُ: مَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْعَذَابَ. فَالتَّعْذِيبُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَتَرْكِ بَعْضِهَا قَبْلَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ لَازِمٌ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُوَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ، فَيَكُونُ مَذْهَبُهُمْ مُسْتَلْزِمًا لِخِلَافِ مُقْتَضَى الْآيَةِ، أَيْ لِمَنَافِيهِ. وَإِذَا كَانَ اللَّازِمُ مُنَافِيًا لِشَيْءٍ يَكُونُ الْمَلْزُومُ مُنَافِيًا لَهُ، فَيَكُونُ مَذْهَبُهُمْ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْآيَةِ. وَمُقْتَضَى الْآيَةِ ثَابِتٌ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ مَذْهَبِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعْذِيبَ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَتَرْكِ بَعْضِهَا لَازِمٌ لِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، بَلِ اسْتِحْقَاقُ التَّعْذِيبِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهَا وَتَرْكِ بَعْضِهَا يَكُونُ لَازِمًا لِمَذْهَبِهِمْ، وَاسْتِحْقَاقُ التَّعْذِيبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَذَابَ ; لِجَوَازِ الْعَفْوِ، فَلَا يَكُونُ مَذْهَبُهُمْ مُسْتَلْزِمًا لِمَا هُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْآيَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ تَعْذِيبَ الْعَبْدِ عَلَى ارْتِكَابِ الصَّغَائِرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَعَلَى الْكَبَائِرِ بَعْدَهَا وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ التَّعْذِيبُ لَازِمًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ. ش - هَذَا دَلِيلُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ ذَاتِيَّيْنِ لِلْفِعْلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: حُسْنُ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَالْإِيمَانُ وَقُبْحُ الْكَذِبِ الضَّارِّ وَالْكُفْرَانُ مَعْلُومٌ [بِالضَّرُورَةِ] لِكُلِّ عَاقِلٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى عُرْفٍ أَوْ شَرْعٍ، أَوْ بُرْهَانٍ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُسْنُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَقُبْحُهَا ذَاتِيَّيْنِ لَهَا، لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ ذَاتِيَّيْنِ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَا ذَاتِيَّيْنِ لِجَمِيعِهَا ; إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ عَدَمُ حُسْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَقُبْحِهَا بِمَا ذَكَرَ، أَيِ الْعُرْفِ، أَوِ الشَّرْعِ، أَوِ الْبُرْهَانِ. لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنْفُسَنَا خَالِيَةً عَنْ مُوجِبَاتِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ وَالْبُرْهَانِ، وَعَرَضْنَا هَذِهِ الْأُمُورَ عَلَى أَنْفُسِنَا، لَمْ يَحْصُلْ لَنَا جَزْمٌ بِحُسْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا بِقُبْحِهَا. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ ذَاتِيَّانِ لِلْفِعْلِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا اسْتَوَيَا، أَيِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ فِي الْمَقْصُودِ، أَيْ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا لِغَرَضِ الْعَاقِلِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفَانِ إِلَّا بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا صِدْقًا وَالْآخَرِ كَذِبًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَنْ كُلِّ مُقَدَّرٍ مِنْ شَرْعٍ أَوْ عُرْفٍ أَوْ بُرْهَانٍ آثَرَ الْعَقْلُ الصِّدْقَ. فَلَوْلَا أَنَّ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ يَقْتَضِي الْحُسْنَ لَمَا آثَرَهُ الْعَقْلُ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ تَقْدِيرَ اسْتِوَاءِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْمَقْصُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْغَيْرِ تَقْدِيرُ مُسْتَحِيلٍ ; لِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ مُتَنَافِيَانِ. وَمِنَ الْمُحَالِ تَسَاوِي الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ. فَلِذَلِكَ، أَيْ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ الْمُسْتَحِيلِ يَسْتَبْعِدُ الْعَقْلُ مَنْعَ إِيثَارِ الصِّدْقِ، [لَا يَلْزَمُ] مِنِ اسْتِبْعَادِ الْعَقْلِ مَنْعُ إِيثَارِ الصِّدْقِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ اسْتِبْعَادُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ مُمْكِنٌ. فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى حُسْنِ الصِّدْقِ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ، فَلَا نُسَلِّمُ حُسْنَهُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ ; إِذْ لَا يُسْتَبْعَدُ مِنْهُ إِيثَارُ الصِّدْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَائِبِ. وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لِلْأَفْعَالِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْكَامِ اللَّهِ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُ حُسْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الصِّدْقِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، الَّذِي هُوَ الْغَائِبُ، عَلَى حُسْنِ الصِّدْقِ فِي الشَّاهِدِ. فَإِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَقْبُحُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَمْكِينُ الْعَبْدِ مِنَ الْمَعَاصِي ; لِأَنَّهُ وَاقِعٌ، وَلَوْ كَانَ قَبِيحًا لَمْ يَقَعْ ; لِامْتِنَاعِ صُدُورِ الْقَبِيحِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقْبُحُ مِنَّا تَمْكِينُ الْغَيْرِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ. وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ قَبِيحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، غَيْرَ قَبِيحٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لَمْ يُمْكِنْ قِيَاسُ حُسْنِ الصِّدْقِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حُسْنِهِ فِي حَقِّنَا. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ غَيْرُ شَرْعِيَّيْنِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ شَرْعِيَّيْنِ لَزِمَ إِفْحَامُ الرُّسُلِ أَيْ عَدَمُ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الرَّسُولَ إِذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ وَقَالَ لِلْمُعَانِدِ: انْظُرْ فِي مُعْجِزَتِي حَتَّى يَظْهَرَ لَكَ صِدْقُ دَعْوَايَ. فَيَقُولُ الْمُعَانِدُ: لَا أَنْظُرُ فِي مُعْجِزَتِكَ حَتَّى يَجِبَ النَّظَرُ عَلَيَّ فِي مُعْجِزَتِكَ. وَيَعْكِسُ أَيْ وَيَعْكِسُ الْمُعَانِدُ وَيَقُولُ: وَلَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَّا بِنَظَرِي فِي مُعْجِزَتِكَ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وُجُوبُ النَّظَرِ شَرْعِيًّا، فَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُ النَّظَرِ عَلَى ثُبُوتِ الشَّرْعِ، وَثُبُوتُ الشَّرْعِ عَلَى ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ فِي دَعْوَاهُ، وَثُبُوتُ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمُعْجِزَةِ. وَحِينَئِذٍ يَقُولُ: لَا أَنْظُرُ فِي مُعْجِزَتِكَ لِئَلَّا يَثْبُتَ نُبُوَّتُكَ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الرَّسُولُ مِنْ إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ فَيَلْزَمُ الْإِفْحَامُ. أَوْ يَقُولُ الْمُعَانِدُ: لَا أَنْظُرُ فِي مُعْجِزَتِكَ حَتَّى يَجِبَ النَّظَرُ عَلَيَّ وَلَا يَجِبَ عَلَيَّ النَّظَرُ فِي مُعْجِزَتِكَ حَتَّى يُثْبِتَ الشَّرْعُ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ الْوُجُوبِ عَلَى الشَّرْعِ حِينَئِذٍ وَيَعْكِسُ الْمُعَانِدُ وَيَقُولُ: وَلَا يُثْبِتُ الشَّرْعُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ النَّظَرُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِنَظَرِي فِي مُعْجِزَتِكَ، وَلَا أَنْظُرُ فِيهَا مَا لَمْ يَجِبِ النَّظَرُ فَيَلْزَمُ الْإِفْحَامُ أَيْضًا. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ أَيْ يَلْزَمُ مِنْهُ إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَقْلِيَّيْنِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّظَرِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ نَظَرِيٌّ، لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، فَحِينَئِذٍ يَقُولُ الْمُعَانِدُ لِلنَّبِيِّ: لَا أَنْظُرُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُعْجِزَتِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيَّ النَّظَرُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيَّ النَّظَرُ فِي مُعْجِزَتِكَ إِلَّا بِنَظَرِي، فَلَا أَنْظُرُ لِئَلَّا يَجِبَ عَلَيَّ النَّظَرُ. فَيَلْزَمُ الْإِفْحَامُ. وَكُلَّمَا تَجْعَلُ الْمُعْتَزِلَةُ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابُنَا عَمَّا ذَكَرُوهُ. وَثَانِيًا: بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْمُعْجِزَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ ; لِإِمْكَانِ أَنْ يَنْظُرَ الْعَاقِلُ قَبْلَ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ النَّظَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ، فَوُجُوبُ النَّظَرِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْعِ عِنْدَنَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرِ الْعَاقِلِ فِي الْمُعْجِزَةِ. فَوُجُوبُ النَّظَرِ عَلَى الْعَاقِلِ مُتَحَقِّقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، سَوَاءٌ نَظَرَ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ، ثَبَتَ الشَّرْعُ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ تَكْلِيفٌ لِلْغَافِلِ عَنْ وُجُوبِ الْمُكَلَّفِ بِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلضَّرُورَةِ. فَإِنْ قِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِلْزَامَ مُشْتَرَكٌ ; فَإِنَّ وُجُوبَ النَّظَرِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَإِنْ كَانَ نَظَرِيًّا لَكِنْ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ الْجَلِيَّةِ الَّتِي تُسَمَّى نَظَرِيَّةَ الْقِيَاسِ ; فَإِنَّ النَّظَرَ يَحْصُلُ بِهِ دَفْعُ الضَّرَرِ، وَكُلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ دَفْعُ الضَّرَرِ فَهُوَ وَاجِبٌ، فَهَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ قَطْعِيَّتَانِ، وَانْسِيَاقُ الذِّهْنِ مِنْهَا إِلَى النَّتِيجَةِ انْسِيَاقٌ طَبِيعِيٌّ، فَهُوَ وَاضِحٌ يَجْرِي مَجْرَى الضَّرُورِيَّاتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ النَّظَرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ فِي الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ يُفِيدُ الْعِلْمَ. وَذَلِكَ لَيْسَ بِجَلِيٍّ بَلْ خَفِيٌّ. وَلِذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي [أَنَّ] النَّظَرَ فِي الْإِلَهِيَّةِ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوِ الظَّنَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّ النَّظَرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ، إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ لَوْ عُرِفَ أَنَّ غَيْرَ النَّظَرِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي إِفَادَةِ الْعِلْمِ. وَذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالنَّظَرِ الدَّقِيقِ. وَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ النَّظَرِ مَوْقُوفًا عَلَى ذَيْنِكَ الْمَقَامَيْنِ النَّظَرِيَّيْنِ، فَالْحُكْمُ بِكَوْنِهِ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ الْجَلِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ الْمُكَابَرَةِ. ش - قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ لَيْسَا بِشَرْعِيَّيْنِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا شَرْعِيَّيْنِ لَجَازَ ظُهُورُ الْمُعْجِزَةِ مِنَ الْكَاذِبِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَا شَرْعِيَّيْنِ لَحَسُنَ مِنَ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَلَوْ حَسُنَ مِنَ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ لِحَسُنَ مِنْهُ إِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَظْهَرَ الْمُعْجِزَةُ مِنْهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَا شَرْعِيَّيْنِ لَامْتَنَعَ الْحُكْمُ مِنَ الْعَالَمِ قَبْلَ ظُهُورِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الشَّرْعِ بِقُبْحِ نِسْبَةِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِقُبْحِ التَّثْلِيثِ، وَبِقُبْحِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ مِنَ الْعَالِمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِحُكْمِ الْعَقْلِ حِينَئِذٍ وَلَمْ تَظْهَرِ الشَّرِيعَةُ بَعْدُ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّ الْعُقَلَاءَ يَحْكُمُونَ بِقُبْحِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأُمُورِ. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْجَوَازِ، الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ امْتِنَاعًا ذَاتِيًّا، فَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي ; فَإِنَّ إِظْهَارَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ لَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْجَوَازِ، الْجَوَازُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ فَلَا نُسَلِّمُ صِدْقَ الْمُلَازَمَةِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ شَرْعِيَّيْنِ، وَامْتِنَاعُ إِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ يُدْرَكُ بِمُدْرَكٍ آخَرَ غَيْرِ الْقُبْحِ الذَّاتِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّا نَعْلَمُ امْتِنَاعَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ بِالْعَادَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّا لَا نُسَلِمُّ انْتِفَاءَ التَّالِي أَيْضًا، إِنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ بِقُبْحِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِتَحْرِيمِهَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِقُبْحِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَسْبِ الشَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِ الشَّرِيعَةِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُكْمُ بِتَحْرِيمِهِ بِحَسْبِ الْعَقْلِ فَلَا مَجَالَ لَهُ عِنْدَنَا ; إِذْ لَا نَقُولُ بِهِ. [مَسْأَلَتَانِ عَلَى التَّنَزُّلِ] ش - اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَقْلًا، وَحُكْمَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ نَوْعَانِ عَلَى ثُبُوتِ قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَبُطْلَانُهَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُمَا. إِلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ عَادَتُهُمْ أَنْ يُسَلِّمُوا تِلْكَ الْقَاعِدَةَ وَيُثْبِتُوا إِبْطَالَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ إِظْهَارًا لِسُقُوطِ كَلَامِهِمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. فَلِهَذَا يُقَالُ لِهَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ مَسْأَلَتَانِ عَلَى التَّنَزُّلِ. وَمَعْنَى التَّنَزُّلِ هَهُنَا: الِانْتِقَالُ مِنْ [مَذْهَبِ] الْحَقِّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةٍ إِلَى مَذْهَبِهِمُ الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الِانْخِفَاضِ. [وجوب شكر المنعم] ش - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي أَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَقْلًا. وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ، ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً مُدْرَكَةً وَمُحَرَّكَةً، فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَجْلِهِ، كَاسْتِعْمَالِ النَّظَرِ فِي مُشَاهَدَةِ مَصْنُوعَاتِهِ وَآثَارِ رَحْمَتِهِ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صَانِعِهَا. وَتَوْجِيهُ الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ وَجَبَ شُكْرُ الْمُنْعِمِ عَقْلًا، لَوَجَبَ لِفَائِدَةٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَا لِفَائِدَةٍ لَكَانَ عَبَثًا، وَهُوَ قَبِيحٌ عَقْلًا. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِفَائِدَةٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الْفَائِدَةُ إِمَّا لِلْمَشْكُورِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِتَعَالِيهِ عَنِ الْفَائِدَةِ. أَوْ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الشُّكْرَ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ بِاسْتِعْمَالِ جَمِيعِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ لِأَجْلِهِ، مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ. أَوْ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ ; إِذْ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ، أَيْ لَا جَزْمَ لِلْعَقْلِ فِي حُصُولِ الْفَائِدَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ ; لِأَنَّ الْجَزْمَ بِحُصُولِ الْفَائِدَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَلَا لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ مَشَقَّةٌ، وَلَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ. وَلَا فِي الْآخِرَةِ ; إِذْ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ. ص - قَوْلُهُمْ: الْفَائِدَةُ: الْأَمْنُ مِنِ احْتِمَالِ الْعِقَابِ فِي التَّرْكِ [وَذَلِكَ] لَازِمُ الْخُطُورِ، مَرْدُودٌ بِمَنْعِ الْخُطُورِ فِي الْأَكْثَرِ. وَلَوْ سُلِّمَ - فَمُعَارَضٌ بِاحْتِمَالِ الْعِقَابِ عَلَى الشُّكْرِ ; لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. أَوْ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِهْزَاءِ. كَمَنْ شَكَرَ مَلِكًا عَلَى لُقْمَةٍ، بَلِ اللُّقْمَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَلِكِ أَكْثَرُ. ص - الثَّانِيَةُ: لَا حُكْمَ فِيمَا لَا يَقْضِي الْعَقْلُ فِيهِ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأُخْرَوِيَّةِ لِلْعَقْلِ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا جَزَمَ الْعَقْلُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ أَوْ دَفْعِ الْعِقَابِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالشُّكْرِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِاحْتِمَالِ الْعِقَابِ عَلَى الشُّكْرِ. ش - هَذَا جَوَابُ إِيرَادِ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الشُّكْرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا. وَتَوْجِيهُ الْإِيرَادِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشُّكْرُ لِفَائِدَةِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا. قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِي الشُّكْرِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنْ لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِي الشُّكْرِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ فَائِدَةَ الشُّكْرِ الْأَمْنُ مِنِ احْتِمَالِ الْعِقَابِ فِي تَرْكِ الشُّكْرِ الْمُوجِبِ لِخَوْفِ النَّفْسِ ; إِذْ هَذَا الِاحْتِمَالُ لَازِمٌ أَنْ يَخْطُرَ عَلَى قَلْبِ الْعَاقِلِ. وَالْأَمْنُ مِنَ الِاحْتِمَالِ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ لِلْخَوْفِ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَرْدُودٌ; لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَازِمُ الْخُطُورِ بِالْبَالِ حَتَّى يَكُونَ الْأَمْنُ مِنْهُ فَائِدَةً. فَقَوْلُهُ: " قَوْلُهُمْ " مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: " مَرْدُودٌ " خَبَرُهُ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَازِمُ الْخُطُورِ بِالْبَالِ فَمُعَارَضٌ بِاحْتِمَالِ الْعِقَابِ عَلَى الشُّكْرِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى الشُّكْرِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ; لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشُّكْرِ إِنَّمَا هُوَ بِاسْتِعْمَالِ الْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى الَّتِي هِيَ كُلُّهَا مِلْكُ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَالتَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، يَحْتَمِلُ الْعِقَابَ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّ الْقِيَامَ بِالشُّكْرِ عَلَى نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى كَالِاسْتِهْزَاءِ بِالْمُنْعِمِ. كَمَنْ شَكَرَ مَلِكًا عَلَى لُقْمَةٍ أَنْعَمَ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فِي الْمَحَافِلِ الْعَظِيمَةِ. بَلِ اللُّقْمَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خِزَانَةِ الْمَلِكِ أَكْثَرُ مِنْ [نِعَمِ] اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ بِالْقِيَاسِ إِلَى خَزَائِنِهِ تَعَالَى. فَلَعَلَّ الشَّاكِرَ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِسَبَبِ شُكْرِهِ. ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي حُكْمِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ. مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَتْبَاعِهِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعُقَلَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ لَا حُكْمَ لَهَا ; ضَرُورَةَ بُطْلَانِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ وَعَدَمِ الشَّرْعِ. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ، فَقَالُوا: الْأَفْعَالُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ اضْطِرَارِيَّةً، كَالنَّفْسِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَا. وَالْأُولَى: لَا بُدَّ مِنَ الْقَطْعِ بِكَوْنِهَا مُبَاحَةً. وَالثَّانِيَةُ: إِمَّا أَنْ لَا يَقْضِيَ الْعَقْلُ فِيهَا بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ، أَيْ لَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إِلَى حُسْنِهَا أَوْ قُبْحِهَا، أَوْ يَقْضِي فِيهَا بِحُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ. وَالْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: الْحَظْرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَغْدَادِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَالثَّانِي: الْإِبَاحَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَثَالِثُهَا: لَهُمُ الْوَقْفُ عَنِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. وَأَمَّا غَيْرُهَا - فَانْقَسَمَ عِنْدَهُمْ إِلَى الْخَمْسَةِ. ص - لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَحْظُورَةً وَفَرَضْنَا ضِدَّيْنِ - لَكُلِّفَ بِالْمُحَالِ. ص - الْأُسْتَاذُ إِذَا مَلَكَ جَوَادٌ بَحْرًا لَا يَنْزِفُ، وَأَحَبَّ مَمْلُوكُهُ قَطْرَةً - فَكَيْفَ يُدْرَكُ تَحْرِيمُهَا عَقْلًا؟ ص - قَالُوا: تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. قُلْنَا: يُبْتَنَى عَلَى السَّمْعِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَفِيمَنْ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ مَا. وَلَوْ سُلِّمَ - فَمُعَارَضٌ بِالضَّرَرِ النَّاجِزِ. ص - وَإِنْ أَرَادَ الْمُبِيحُ أَنْ لَا حَرَجَ - فَمُسَلَّمٌ. وَإِنْ أَرَادَ خِطَابَ الشَّارِعِ - فَلَا شَرْعَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَ " ثَالِثُهَا " أَيْ ثَالِثُ الْمَذَاهِبِ " لَهُمْ " أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ: التَّوَقُّفُ عَنِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: " لَهُمْ ": أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِيمَا بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِوُجُودِ الْحُكْمِ. لَا فِيمَا بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ ; لِأَنَّ مَذْهَبَهُمْ، أَنْ لَا حُكْمَ لِلْأَفْعَالِ قِبَلَ الشَّرْعِ مُطْلَقًا. وَلَمَّا نَبَّهَ " بِالثَّالِثِ " عَلَى مَذْهَبِ التَّوَقُّفِ عَنِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، عُلِمَ أَنَّ أَحَدَ الْأَوَّلَيْنِ: الْحَظْرُ، وَالْآخَرَ: الْإِبَاحَةُ. وَالثَّانِيَةُ: وَهِيَ الَّتِي يَقْضِي الْعَقْلُ فِيهَا بِحُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ فَعِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ إِلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ. لِأَنَّ قَضَاءَ الْعَقْلِ فِيهَا إِمَّا بِالْحُسْنِ أَوْ بِالْقُبْحِ. وَالْأَوَّلُ: إِمَّا أَنْ لَا يَتَرَجَّحَ وُجُودُهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَهُوَ الْمُبَاحُ. أَوْ يَتَرَجَّحَ وُجُودُهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَلْحَقَ تَارِكَهُ الذَّمُّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَنْدُوبُ. وَالثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي قَضَاءُ الْعَقْلِ فِيهِ بِالْقُبْحِ: إِمَّا أَنْ يَلْحَقَ فَاعِلَهُ ذَمٌّ، وَهُوَ الْحَرَامُ، أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَكْرُوهُ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: " عِنْدَهُمْ " أَنَّ تَحَقُّقَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ قِبَلَ الشَّرْعِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ الْأَشَاعِرَةِ فَلَا. فَعُلِمَ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الْأَشَاعِرَةِ أَنْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ لِلْأَفْعَالِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - اعْلَمْ أَنَّ غَرَضَ الْأَصْحَابِ عَنِ التَّنَزُّلِ إِبْطَالُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي لَا يَقْضِي الْعَقْلُ فِيهَا بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ، عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، لَا إِبْطَالَ قَوْلِهِمْ فِي الْأَفْعَالِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، وَالْأَفْعَالُ الَّتِي يَقْضِي الْعَقْلُ فِيهَا بِحُسْنٍ وَقُبْحٍ ; فَإِنَّهُمُ اكْتَفَوْا فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ فِي هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ عَلَى مَا قِيلَ فِي إِبْطَالِ قَاعِدَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ إِلَّا لِإِبْطَالِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي لَمْ يَقْضِ الْعَقْلُ فِيهَا بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ. فَبَدَأَ بِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْحَظْرِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَمْ يَقْضِ الْعَقْلُ فِيهَا بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ، لَوْ كَانَتْ مَحْظُورَةً، أَيْ مُحَرَّمَةً قَبْلَ الشَّرْعِ، وَفَرَضْنَا ضِدَّيْنِ، لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً، لَوَجَبَ تَرْكُ جَمِيعِهَا. فَلَوْ فُرِضَ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ ضِدَّانِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَرْكُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ تَرْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ. ش - اعْلَمْ أَنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيُّ قَنَعَ فِي رَدِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَعْنِي الْقَائِلِينَ بِالْحُرْمَةِ، بِمِثَالٍ فِي الشَّاهِدِ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ إِلَّا مُجَرَّدَ الِاسْتِبْعَادِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْجَوَادَ إِذَا مَلَكَ بَحْرًا لَا يَنْزِفُ، أَيْ لَا يَذْهَبُ مَاؤُهُ، وَأَحَبَّ مَمْلُوكُهُ قَطْرَةً مِنْهُ فَكَيْفَ يُدْرَكُ تَحْرِيمُهُ عَقْلًا؟ أَيْ لَا يُتَصَوَّرُ مَنْعُ الْجَوَادِ الْمَمْلُوكَ عَنْ تِلْكَ الْقَطْرَةِ. فَكَذَلِكَ الْجَوَادُ الْمُطْلَقُ جَلَّ شَأْنُهُ الْمَالِكُ لِجَمِيعِ النِّعَمِ، إِذَا أَحَبَّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِهِ الِاسْتِلْذَاذَ بِنِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نِعَمِهِ مِنْ تِلْكَ الْقَطْرَةِ إِلَى بَحْرِ الْجَوَادِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَحْرِيمُهَا. ش - الْقَائِلُونَ بِالْحَظْرِ قَالُوا: إِنْ مُبَاشَرَةَ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ، تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَيَكُونُ حَرَامًا، كَمَا فِي الشَّاهِدِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حَرَامًا يُبْتَنَى عَلَى السَّمْعِ وَلَا سَمْعَ قَبْلَ الشَّرْعِ، فَلَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَرَامًا. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ عُلِمَ بِالْعَقْلِ لَا بِالسَّمْعِ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا حَرَامٌ عَقْلًا، بَلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ مَنْ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ حَرَامٌ عَقْلًا، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا، [كَالِاسْتِظْلَالٍ بِجِدَارِ الْغَيْرِ وَالِاقْتِبَاسِ مِنْ نَارِ غَيْرِهِ] . وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا - سَوَاءٌ تَضَرَّرَ أَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ - حَرَامٌ عَقْلًا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْمُتَصَرِّفُ بِهِ آجِلًا، لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِالضَّرَرِ النَّاجِزِ أَيِ الْحَاضِرِ، فَإِنَّ التَّرْكَ يُوجِبُ الضَّرَرَ فِي الْحَالِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَاجِبٌ عَقْلًا، وَاعْتِبَارُ الْحَاضِرِ أَوْلَى. قِيلَ فِي هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ صُورَةَ الضَّرَرِ النَّاجِزِ هِيَ الَّتِي يَقْضِي الْعَقْلُ فِيهَا بِالْقُبْحِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مَحَلَّ النِّزَاعِ. بَلِ النِّزَاعُ إِنَّمَا كَانَ فِي صُورَةٍ لَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إِلَى حُسْنِهَا وَقُبْحِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: بِالضَّرَرِ النَّاجِزِ، جَوَازُ الضَّرَرِ النَّاجِزِ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ، لَا الْجَزْمُ بِتَحَقُّقُ الضَّرَرِ النَّاجِزِ] ) . فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّ الْعَقْلَ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ لَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِعَدَمِ احْتِمَالِ الضَّرَرِ النَّاجِزِ. [حكم الأشياء قبل الشرع] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْحَظْرِ، شَرَعَ فِي إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْإِبَاحَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُبِيحَ إِنْ أَرَادَ بِكَوْنِهِ مُبَاحًا، أَنْ لَا حَرَجَ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَمُسَلَّمٌ ; إِذِ الْحَرَجُ إِنَّمَا يَحْصُلُ مِنَ الشَّرْعِ وَلَا شَرْعَ. وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِبَاحَةِ خِطَابَ الشَّارِعِ - وَهُوَ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ فِي الْفِعْلِ مَعَ نَفْيِ الْحَرَجِ - فَلَا إِبَاحَةَ قَبْلَ الشَّرْعِ ; إِذْ لَا شَرْعَ. وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِبَاحَةِ حُكْمَ الْعَقْلِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَلَا إِبَاحَةَ أَيْضًا ; إِذِ الْفَرْضُ أَنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهَا بِأَنْ تَقْضِيَ بِكَوْنِهَا حَسَنَةً أَوْ قَبِيحَةً. ش - الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَإِنْ أَرَادَ حُكْمَ الْعَقْلِ (بِالتَّخْيِيرِ،) - فَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ. ص - قَالُوا: خَلَقَهُ وَخَلَقَ الْمُنْتَفِعَ بِهِ، فَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ. قُلْنَا: مَعَارَضٌ بِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ. وَخَلَقَهُ لِيَصْبِرَ فَيُثَابَ. ص - وَإِنْ أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنَّهُ وَقَفَ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ - فَفَاسِدٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنَ الطُّعُومِ، وَخَلَقَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ إِمْكَانِ أَنْ لَا يَخْلُقَهُمَا، فَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ ; إِذِ الْمَنْعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا يُنَاسِبُ الْحَكِيمَ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي خَلْقِهِ فَائِدَةٌ، يَكُونُ عَبَثًا. وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَعُودَ الْفَائِدَةُ إِلَى الْخَالِقِ لِتَعَالِيهِ عَنْهَا. فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُنْتَفِعِ بِهِ. وَلَيْسَتِ الْإِضْرَارَ اتِّفَاقًا، فَيَكُونُ الْفَائِدَةُ الِانْتِفَاعُ، وَهُوَ إِمَّا التَّلَذُّذُ أَوِ الِاجْتِنَابُ مَعَ الْمَيْلِ، أَوِ الِاسْتِدْلَالُ بِالصَّانِعِ ; إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْغَيْرِ، وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِالتَّنَاوُلِ، فَيَكُونُ التَّنَاوُلُ مُبَاحًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمُعَارَضَةٍ وَمُنَاقَضَةٍ. أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فَهِيَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْحَظْرِ بِأَنَّهُ تَصَّرُفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَحْرُمُ ; لِأَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي عَدَمَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. وَأَمَّا الْمُنَاقَضَةُ فَهِيَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِانْتِفَاعَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ التَّنَاوُلِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهُ لِيَصْبِرَ الْمُكَلَّفُ عَلَى تَرْكِ التَّنَاوُلِ فَيُثَابَ عَلَى الصَّبْرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُعَارَضَةُ بِدَلِيلِ الْقَائِلِينَ بِالْحُرْمَةِ مِمَّا يُنَافِي تَسْلِيمَ الْمُصَنِّفِ الْإِبَاحَةَ بِمَعْنَى أَنْ لَا حَرَجَ فِيهِ. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِبْطَالِ الْمَذْهَبَيْنِ شَرَعَ فِي إِبْطَالِ مَذْهَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّوَقُّفِ. وَاسْتَفْسَرَ بِأَنْ قَالَ: إِنْ أَرَادَ الْوَاقِفُ بِالتَّوَقُّفِ عَنِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَنِ الْحُكْمِ بِكَوْنِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ مَحْظُورَةً أَوْ مُبَاحَةً لِتَعَارُضِ أَدِلَّةِ أَصْحَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَفَاسِدٌ ; إِذْ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهَا، فَلَا تَعَارُضَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ وَقَفَ لِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى وُرُودِ الشَّرْعِ، فَذَلِكَ حَقٌّ. [الْحُكْمُ] [أقسام الحكم] ش - الْأَصْلُ الثَّانِي فِي الْحُكْمِ. وَفِيهِ مُقَدِّمَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً. أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ وَأَقْسَامِهِ. قِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ: إِنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ. وَالْخِطَابُ مَصْدَرٌ، مَعْنَاهُ تَوْجِيهُ مَا أَفَادَ فِي الِاصْطِلَاحِ نَحْوَ الْحَاضِرِ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِ. وَأُرِيدَ بِهِ هَهُنَا مَا وَقَعَ بِهِ الْخِطَابُ -، وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ إِفْهَامُ مَنْ هُوَ مُتَهَيِّئٌ لِلْفَهْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 ص - الْحُكْمُ قِيلَ خِطَابُ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ. فَوَرَدَ مِثْلُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ فَزِيدَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ. فَوَرَدَ كَوْنُ الشَّيْءِ دَلِيلًا وَسَبَبًا وَشَرْطًا. فَزِيدَ أَوِ الْوَضْعِ، فَاسْتَقَامَ. وَقِيلَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ. وَقِيلَ لَيْسَ بِحُكْمٍ. ص - وَقِيلَ: الْحُكْمُ: خِطَابُ الشَّارِعِ بِفَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَخْتَصُّ بِهِ، أَيْ لَا تُفْهَمُ إِلَّا مِنْهُ لِأَنَّهُ إِنْشَاءٌ فَلَا خَارِجَ لَهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَقَوْلُهُ: " الْخِطَابُ " كَالْجِنْسِ لِلْحُكْمِ، يَتَنَاوَلُ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابَ الْمَلِكِ وَالْبَشَرِ. وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، خَرَجَ عَنْهُ خِطَابُ غَيْرِهِ. وَبِقَوْلِهِ: " الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ " خَرَجَ مِثْلُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] . فَإِنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ. وَقَدْ وَرَدَ عَلَى اطِّرَادِ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ مِثْلُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] ; فَإِنَّهُ يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَيْسَ بِحُكْمٍ. فَزِيدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ قَوْلُنَا: " بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ " فَخَرَجَ عَنْهُ مِثْلُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ; فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، لَكِنْ لَا بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ طَلَبُ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مِنَ الْمُكَلَّفِ أَوْ تَخْيِيرُهُ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ. فَوَرَدَ بِسَبَبِ ازْدِيَادِ قَيْدِ الِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ كَوْنُ الشَّيْءِ دَلِيلًا، كَدُلُوكِ الشَّمْسِ لِلصَّلَاةِ، وَسَبَبًا، كَالزِّنَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ، أَوْ شَرْطًا، كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا أَحْكَامٌ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا اقْتِضَاءٌ وَلَا تَخْيِيرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْتَزَمَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ اخْتِلَالَ هَذَا التَّعْرِيفِ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَحْكَامًا لَا تَرْجِعُ إِلَى الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ، فَزَادَ عَلَى التَّعْرِيفِ لِفَظَّةَ: " أَوِ الْوَضْعِ " فَاسْتَقَامَ التَّعْرِيفُ طَرْدًا وَعَكْسًا ; لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ مَا خَرَجَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الْقَيْدِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ الدُّلُوكَ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَالزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَالْوُضُوءَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، كَانَ كُلُّهَا بِوَضْعِهِ تَعَالَى، فَيَدْخُلُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِسَبَبِ كَوْنِهِ وَضْعِيًّا تَحْتَ الْحُكْمِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدُّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ ; لِأَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ - وَهُوَ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ - خَارِجٌ عَنْهُ ; ضَرُورَةَ كَوْنِ الْأَوَّلِ خِطَابَ الرَّسُولِ، وَالثَّانِي خِطَابَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، وَالثَّالِثِ خِطَابَ الْقَائِسِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْحُكْمِ، بَلْ مُعَرِّفَاتٌ لِلْأَحْكَامِ، وَالْأَحْكَامُ ثَابِتَةٌ قَبْلَهَا ; لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَنَعَ الْآخَرُونَ اخْتِلَالَ التَّعْرِيفِ بِدُونِ قَيْدِ الْوَضْعِ، وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا الْقَيْدِ فِي اسْتِقَامَةِ التَّعْرِيفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَذَهَبَ فَرِقْةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْوَضْعِ أَحْكَامٌ رَاجِعَةٌ إِلَى الِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ كَوْنَ الدُّلُوكِ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَكَوْنَ الزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ، رَاجِعَانِ إِلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ مِنَ الِاقْتِضَاءِ. وَكَوْنَ الْوُضُوءِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، رَاجِعٌ إِلَى الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ. فَلَا حَاجَةَ إِلَى قَيْدِ الْوَضْعِ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْوَضْعِ لَيْسَتْ بِأَحْكَامٍ بَلْ عَلَامَاتٌ لَهَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ كَوْنِ [الدُّلُوكِ] دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ يَظْهَرُ عِنْدَ دُلُوكِ الشَّمْسِ. وَكَذَا سَبَبِيَّةُ الزِّنَا وَشَرْطِيَّةُ الْوُضُوءِ. وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ أَحْكَامًا، فَلَوْ قُيِّدَ الْحَدُّ بِالْوَضْعِ لَدَخَلَتْ تَحْتَ الْحُكْمِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْحَدِّ: ضَرُورَةَ دُخُولِ مَا لَيْسَ مِنَ الْمَحْدُودِ فِيهِ. ش - اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ ذَكَرَ لِلْحُكْمِ تَعْرِيفًا آخَرَ، وَهُوَ: أَنَّهُ خِطَابُ الشَّارِعِ بِفَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ. فَقَوْلُهُ: " خِطَابٌ " كَالْجِنْسِ. وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى الشَّارِعِ خَرَجَ خِطَابُ غَيْرِهِ. وَالْفَائِدَةُ هِيَ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ بِهِ أَحْسَنَ حَالًا. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " بِفَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ " الْخِطَابُ الَّذِي يُفِيدُ فَائِدَةً عَقْلِيَّةً أَوْ حِسِّيَّةً، كَالْإِخْبَارِ عَنِ الْمَعْقُولَاتِ أَوِ الْمَحْسُوسَاتِ. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، لَزِمَ الدَّوْرُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْفَائِدَةَ الَّتِي لَا تَكُونُ عَقْلِيَّةً وَلَا حِسِّيَّةَ، يَلْزَمُ عَدَمُ اطِّرَادِ الْحَدِّ ; لِأَنَّ إِخْبَارَ الشَّارِعِ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) . يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خِطَابُ الشَّارِعِ بِفَائِدَةٍ غَيْرِ عَقْلِيَّةٍ وَلَا حِسِّيَّةٍ. وَلَا يَكُونُ حُكْمًا، فَزِيدَ عَلَى الْحَدِّ قَيْدٌ " تَخْتَصُّ بِهِ " أَيْ بِالْخِطَابِ. فَخَرَجَ عَنْهُ الْإِخْبَارُ الشَّرْعِيُّ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: " تَخْتَصُّ بِهِ " أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ الْفَائِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَّا مِنْ ذَلِكَ الْخِطَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ص - فَإِنْ كَانَ طَلَبًا لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ، يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ، سَبَبًا لِلْعِقَابِ - فَوُجُوبٌ. وَإِنِ انْتَهَضَ فِعْلُهُ خَاصَّةً لِلثَّوَابِ - فَنَدْبٌ. وَإِنْ كَانَ طَلَبًا لِكَفٍّ عَنْ فِعْلٍ يَنْتَهِضُ فِعْلُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ - فَتَحْرِيمٌ. وَمَنْ يُسْقِطُ " غَيْرَ كَفٍّ " فِي الْوُجُوبِ - يَقُولُ: " طَلَبًا لِنَفْيِ فِعْلٍ " فِي التَّحْرِيمِ. وَإِنِ انْتَهَضَ الْكَفُّ خَاصَّةً لِلثَّوَابِ - فَكَرَاهَةٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْإِخْبَارُ الشَّرْعِيُّ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا بِفَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ، لَكِنَّ تَفَهُّمَ تِلْكَ الْفَائِدَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْإِخْبَارِ. وَأَمَّا الْفَائِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ فِي الْحُكْمِ فَلَا يُفْهَمُ إِلَّا مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنْشَاءٌ، فَلِهَذَا لَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَإِذَا كَانَ إِنْشَاءً يَكُونُ مُوجِبًا لِمَعْنَاهُ، أَيِ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ. فَلَا شَيْءَ خَارِجٌ لِلْحُكْمِ حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ غَيْرِهِ ; ضَرُورَةَ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِمَعْنَاهُ. بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ الشَّرْعِيِّ ; فَإِنَّ مَعْنَاهُ خَارِجٌ عَنْهُ، لَا يَكُونُ الْإِخْبَارُ مُوجِبًا لَهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ غَيْرِهِ. هَذَا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِ. ش - لَمَّا ذَكَرَ تَعْرِيفَ الْحُكْمِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَقْسَامَهُ. وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إِنْ كَانَ طَلَبًا لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ يَنْتَهِضُ تَرْكُ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ، فَهُوَ الْوُجُوبُ. فَقَوْلُهُ: " طَلَبًا " يُخْرِجُ التَّخْيِيرَ وَالْوَضْعِيَّ. وَقَوْلُهُ: " غَيْرِ كَفٍّ " يُخْرِجُ عَنْهُ الْحُرْمَةَ ; فَإِنَّهَا أَيْضًا طَلَبُ فِعْلٍ، وَهُوَ الْكَفُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ. وَقَوْلُهُ: يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ، أَيْ يَصِيرُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، يُخْرِجُ عَنْهُ النَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ. وَخُرُوجُهَا بِقَوْلِهِ: " غَيْرِ كَفٍّ " لَا يُنَافِي خُرُوجَهَا بِهَذَا الْقَيْدِ. وَإِنَّمَا قَالَ: " فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ " لِيُدْخِلَ فِي التَّعْرِيفِ مِثْلَ وُجُوبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ ; فَإِنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ لَا يَكُونُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ فِي وَقْتِهِ، لَكِنْ يَكُونُ تَرْكُهُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ. وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ طَلَبًا لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ يَنْتَهِضُ فِعْلُهُ خَاصَّةً سَبَبًا لِلثَّوَابِ فَنَدْبٌ. وَإِنَّمَا قَالَ: " خَاصَّةً " لِيُعْرَفَ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ شَيْءٌ. فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْوُجُوبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَإِنْ كَانَ تَخْيِيرًا - فَإِبَاحَةٌ. وَإِلَّا فَوَضْعِيٌّ. وَفِي تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ فِي الْأَزَلِ خِطَابًا، خِلَافٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ طَلَبًا لِكَفٍّ عَنْ فِعْلٍ يَكُونُ فِعْلُهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، فَتَحْرِيمٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: فَحُرْمَةٌ، لِيَكُونَ مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِ: " فَوُجُوبٌ " وَ " نَدْبٌ ". وَقَوْلُهُ: " وَمَنْ يُسْقِطْ غَيْرَ كَفٍّ فِي الْوُجُوبِ " إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلٍ، وَهُوَ يُسْقِطُ " غَيْرَ كَفٍّ " فِي تَعْرِيفِ الْوُجُوبِ; لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يُغْنِي عَنْهُ، وَيَقُولُ فِي تَعْرِيفِ التَّحْرِيمِ: إِنَّهُ طَلَبٌ لِنَفْيِ فِعْلٍ يَكُونُ فِعْلُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ. وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ طَلَبًا لِكَفٍّ انْتَهَضَ ذَلِكَ الْكَفُّ خَاصَّةً سَبَبًا لِلثَّوَابِ، فَكَرَاهَةٌ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ " خَاصَّةً " لِيُعْلَمَ أَنَّ فِعْلَهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَإِبَاحَةٌ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ طَلَبًا وَلَا تَخْيِيرًا فَوَضْعِيٌّ. وَتَحَقَّقَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَقْسَامُ الْحُكْمِ وَتَعْرِيفَاتُهَا. وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ فِي الْأَزَلِ خِطَابًا. فَمَنْ ذَهَبَ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ هُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ إِفْهَامُ مَنْ هُوَ مُتَهَيِّئٌ لِلْفَهْمِ، لَا يُسَمِّي الْكَلَامَ فِي الْأَزَلِ خِطَابًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ إِفْهَامُ مُتَهَيِّئٍ لِلْفَهْمِ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِفْهَامُ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِقَوْلِهِ " مَنْ هُوَ مُتَهَيِّئٌ لِلْفَهْمِ " يُسَمِّي خِطَابًا ; لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ الْإِفْهَامُ فِي الْجُمْلَةِ. [الوجوب] ش - الْوُجُوبُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الثُّبُوتِ. قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إِذَا وَجَبَ الْمَرِيضُ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ " أَيْ ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ وَزَالَ عَنِ الِاضْطِرَابِ. وَعَلَى السُّقُوطِ. قَالَ تَعَالَى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا أَيْ سَقَطَتْ. وَالْوُجُوبُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي قِسْمَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. وَالْوَاجِبُ: الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ كَفٍّ يَنْتَهِي تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ص - الْوُجُوبُ: الثُّبُوتُ وَالسُّقُوطُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ، مَا تَقَدَّمَ. وَالْوَاجِبُ: الْفِعْلُ الْمُتَعَلِّقُ لِلْوُجُوبِ، كَمَا تَقَدَّمَ. ص - وَمَا يُعَاقَبُ تَارِكُهُ - مَرْدُودٌ ; لِجَوَازِ الْعَفْوِ. وَمَا أُوعِدَ بِالْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ - مَرْدُودٌ بِصِدْقِ إِيعَادِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَا يُخَافُ - مَرْدُودٌ بِمَا يُشَكُّ فِيهِ. ص - الْقَاضِي: مَا يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرَعًا بِوَجْهٍ مَا. وَقَالَ: " بِوَجْهٍ مَا " لِيُدْخِلَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ وَالْكِفَايَةَ. حَافَظَ عَلَى عَكْسِهِ فَأَخَلَّ بِطَرْدِهِ ; إِذْ يَرِدُ النَّاسِي وَالنَّائِمُ وَالْمُسَافِرُ. فَإِنْ قَالَ: يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِذَلِكَ. قُلْنَا: وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. ص - وَالْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ مُتَرَادِفَانِ. الْحَنَفِيَّةُ: الْفَرْضُ: الْمَقْطُوعُ بِهِ. وَالْوَاجِبُ: الْمَظْنُونُ. ص - الْأَدَاءُ: مَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا. وَالْقَضَاءُ: مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ، اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجُوبٌ مُطْلَقًا أَخَّرَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، تَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهِ، كَالْمُسَافِرِ، أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِمَانِعٍ مِنَ الْوُجُوبِ شَرْعًا، كَالْحَائِضِ، أَوْ عَقْلًا، كَالنَّائِمِ. وَقِيلَ: لَمَّا سَبَقَ وُجُوبُهُ عَلَى الْمُسْتَدْرَكِ. فَفِعْلُ الْحَائِضِ وَالنَّائِمِ قَضَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ، لَا الثَّانِي، إِلَّا فِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ. وَالْإِعَادَةُ: مَا فُعِلَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ ثَانِيًا [لِخَلَلٍ] . وَقِيلَ: [لِعُذْرٍ] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - لَمَّا ذَكَرَ التَّعْرِيفَ الصَّحِيحَ لِلْوَاجِبِ، أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الرُّسُومَ الْمُزَيَّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأُصُولِيُّونَ لَهُ. مِنْهَا: أَنَّ الْوَاجِبَ: مَا يُعَاقَبُ تَارِكُهُ. وَهُوَ مَرْدُودٌ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْكَسٍ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ الْعِقَابِ بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا. فَيَصْدُقُ الْوَاجِبُ بِدُونِ الْحَدِّ ; ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْعِقَابِ. وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ الْمُخْتَارِ لِلْوَاجِبِ ; لِأَنَّ التَّرْكَ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْعِقَابُ عَنْهُ لِمَانِعٍ، وَهُوَ: الْعَفْوُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْوَاجِبَ: مَا أُوعِدَ بِالْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ. وَهُوَ أَيْضًا مَرْدُودٌ ; ضَرُورَةَ عَدَمِ انْعِكَاسِهِ ; لِأَنَّ مَا أُوعِدَ بِالْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ، يَجِبُ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى تَرْكِهِ ; لِأَنَّ إِيعَادَ اللَّهِ تَعَالَى صِدْقٌ ; لِامْتِنَاعِ الْخُلْفِ فِي خَبَرِهِ، فَيَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ فِي صُورَةِ الْعَفْوِ، مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْهَا: أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُخَافُ عَلَى تَرْكِهِ. وَهُوَ أَيْضًا مَرْدُودٌ ; لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، قَدْ يُخَافُ عَلَى تَرْكِهِ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَيَلْزَمُ عَدَمُ اطِّرَادِ التَّعْرِيفِ. قِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاجِبَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وُجُوبِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِهِ لَا يُخَافُ عَلَى تَرْكِهِ، فَيَصْدُقُ الْوَاجِبُ بِدُونِ التَّعْرِيفِ، فَيَلْزَمُ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ. ش - رَسَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْوَاجِبَ بِأَنَّهُ: مَا يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا بِوَجْهٍ مَا. وَقَالَ: شَرْعًا، لِيُوَافِقَ مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ. وَقَالَ: " بِوَجْهٍ مَا " لِيُدْخِلَ فِي حَدِّهِ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ وَوَاجِبَ الْكِفَايَةِ ; لِأَنَّهُمَا لَا يُذَمُّ تَارِكُهُمَا مُطْلَقًا، بَلْ يُذَمُّ بِوَجْهٍ مَا. أَمَّا الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ، فَإِنَّمَا يُذَمُّ تَارِكُهُ إِذَا تَرَكَهُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَوَاجِبُ الْكِفَايَةِ، إِنَّمَا يُذَمُّ تَارِكُهُ إِذَا تَرَكَهُ الْكُلُّ. وَالْقَاضِي حَافَظَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ، لَكِنْ أَخَلَّ بِطَرْدِهِ ; لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنَ الْمُعَرَّفِ ; لِأَنَّ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا يُذَمُّ شَرْعًا تَارِكُهُ بِوَجْهٍ مَا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. كَصَلَاةِ النَّاسِي وَالنَّائِمِ وَصَوْمِ الْمُسَافِرِ ; فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَيُذَمُّ شَرْعًا تَارِكُهَا بِوَجْهٍ مَا، وَهُوَ إِذَا لَمْ يَقْضِهَا إِلَى الْمَوْتِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ يُذَمُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنْ قَالَ الْقَاضِي: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، حَتَّى يَلْزَمَ عَدَمُ الِاطِّرَادِ ; بَلْ تَكُونُ وَاجِبَةً لَكِنْ يَسْقُطُ وُجُوبُهَا بِذَلِكَ، أَيْ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ وَالنَّوْمِ وَالسَّفَرِ. قُلْنَا: إِذَا جَوَّزَ ثَمَّ سُقُوطَ وُجُوبِهَا بِسَبَبٍ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى زِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِنَّمَا يُذَمُّ تَارِكُهُ ; لِأَنَّ الْوُجُوبَ سَقَطَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إِنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ ; فَإِنَّ النَّاسِيَ وَالنَّائِمَ وَالْمُسَافِرَ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. وَلَا يُذَمُّونَ عَلَى تَرْكِهِ بِوَجْهٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَصْلًا. فَإِنْ أَجَابَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ سَقَطَ بِالنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالسَّفَرِ. وَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ سَاقِطًا عَنْهُمْ لَمْ يُذَمُّوا عَلَى تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ. قُلْنَا: فَالْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. هَذَا كَلَامُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَارِدًا عَلَى عَكْسِهِ لَا عَلَى طَرْدِهِ. [ترادف الفرد والواجب] ش - الْوَاجِبُ لُغَةً: الثَّابِتُ وَالسَّاقِطُ. وَالْفَرْضُ لُغَةً: التَّقْدِيرُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ أَيْ قَدَرْتُمْ. وَفِي الشَّرْعِ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عِنْدَنَا. وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: الْفَرْضُ: الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَهُوَ مَا عُرِفَ وَجُوبُهُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ. وَالْوَاجِبُ: الْمَظْنُونُ، وَهُوَ مَا عُرِفَ وَجُوبُهُ بِدَلِيلٍ مَظْنُونٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَالُوا: إِنَّمَا خَصَّصْنَا اسْمَ الْفَرْضِ بِمَا عُرِفَ وَجُوبُهُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَهُ عَلَيْنَا. وَاسْمُ الْوَاجِبِ بِمَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ; لِأَنَّهُ سَاقِطٌ عَلَيْنَا، لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ عَلَيْنَا. وَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْمُقَدَّرُ، سَوَاءٌ كَانَ ثَبَتَ تَقْدِيرُهُ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ السَّاقِطُ، سَوَاءٌ ثَبَتَ كَوْنُهُ سَاقِطًا عِلْمًا أَوْ ظَنًّا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ تَحَكُّمًا مَحْضًا. [الأداء] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى مُعَيَّنٍ وَمُخَيَّرٍ. وَبِاعْتِبَارِ فَاعِلِهِ، إِلَى فَرْضِ عَيْنٍ وَفَرْضِ كِفَايَةٍ. وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِ وَقْتِهِ زَائِدًا عَلَيْهِ، إِلَى مُضَيَّقٍ وَمُوَسَّعٍ. وَبِاعْتِبَارِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ أَوْ خَارِجَ وَقْتِهِ، إِلَى أَدَاءٍ وَقَضَاءٍ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ أَحْكَامَهَا فِي مَسَائِلَ. وَذَكَرَ الْأَدَاءَ وَالْإِعَادَةَ وَالْقَضَاءَ فِي الْمُقَدِّمَةِ. الْعِبَادَةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ أَوْ لَا. وَالثَّانِي لَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ، كَالْأَذْكَارِ وَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ. وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ - فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مَحْدُودًا أَوْ لَا. وَالثَّانِي يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ، كَالْحَجِّ، وَلَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ. وَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَجِّ الْمُسْتَدْرَكِ لِحَجٍّ فَاسِدٍ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُشَابِهُ الْمَقْضِيَّ فِي الِاسْتِدْرَاكِ. وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ - يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَالْأَدَاءُ: مَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا. وَإِنَّمَا قَالَ: " مَا فُعِلَ " وَلَمْ يَقُلْ: وَاجِبٌ ; لِيَشْمَلَ النَّوَافِلَ الْمُوَقَّتَةَ. وَقَوْلُهُ: " فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ " احْتِرَازٌ عَمَّا لَا وَقْتَ لَهُ، وَعَنِ الْقَضَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَيَسْقُطُ بِالْبَعْضِ. لَنَا: إِثْمُ الْجَمِيعِ بِالتَّرْكِ بِاتِّفَاقٍ. قَالُوا: [يَسْقُطُ] بِالْبَعْضِ. قُلْنَا: اسْتِبْعَادٌ قَالُوا: كَمَا أُمِرَ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ أُمِرَ بَعْضٌ مُبْهَمٌ. قُلْنَا: إِثْمٌ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ لَا يُعْقَلُ. قَالُوا: " فَلَوْلَا نَفَرَ ". قُلْنَا: يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى الْمُسْقَطِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: قَوْلُهُ " شَرْعًا " احْتِرَازٌ عَنِ الصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا أَوَّلًا. وَحِينَئِذٍ يَخْتَصُّ الْحَدُّ بِالْأَدَاءِ الصَّحِيحِ، وَلَا يَمْتَنِعُ تَسْمِيَةُ مُقَيَّدٍ بِاسْمِ الْمُطْلَقِ، إِذَا غَلَبَ ذَلِكَ الْمُقَيَّدُ. وَقَوْلُهُ: " أَوَّلًا " - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " فُعِلَ " - احْتِرَازٌ عَنِ الْإِعَادَةِ. وَالْقَضَاءُ: مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ، اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجُوبٌ مُطْلَقًا، أَيْ بِالنَّظَرِ إِلَى [انْعِقَادِ سَبَبِ الْوُجُوبِ] لَا بِالنَّظَرِ إِلَى الْمُسْتَدْرَكِ، سَوَاءٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَدْرِكِ أَوْ لَا. فَقَوْلُهُ: " اسْتِدْرَاكًا " احْتِرَازٌ عَمَّا أَتَى بِهِ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ، لَا بِقَصْدِ الِاسْتِدْرَاكِ. وَقَوْلُهُ: " لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجُوبٌ " احْتِرَازٌ عَنِ النَّوَافِلِ. وَقَوْلُهُ: " مُطْلَقًا " احْتِرَازٌ عَنِ الْمَذَاهِبِ الْأُخَرِ. وَالْفِعْلُ إِذَا وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ يُسَمَّى قَضَاءً. سَوَاءٌ أَخَّرَ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُ وَجُوبِهِ عَلَيْهِ الْأَدَاءَ عَمْدًا. كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ أَدَّاهَا خَارِجَ الْوَقْتِ. أَوْ أَخَّرَهُ سَهْوًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ نَاسِيًا ثُمَّ أَتَى بِهَا بَعْدَ وَقْتِهَا. وَسَوَاءٌ تَمَكَّنَ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ سَبَبُ الْوُجُوبِ مِنَ الْأَدَاءِ، كَالصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهِ لِمَانِعٍ مِنَ الْوُجُوبِ. إِمَّا شَرْعًا، كَصَوْمِ الْحَائِضِ. أَوْ عَقْلًا، كَصَلَاةِ النَّائِمِ. فَعَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْمُسْتَدْرِكِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِهِ. وَقِيلَ: الْقَضَاءُ: مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِهِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ وَجُوبُهُ عَلَى الْمُسْتَدْرِكِ. فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَلَى الْمُسْتَدْرِكِ. فَفِعْلُ الْحَائِضِ وَالنَّائِمِ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْحَدِّ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لَمَّا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُسْتَدْرِكِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبِ الْأَدَاءُ. وَلَا يَكُونُ قَضَاءٌ عَلَى الْحَدِّ الثَّانِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبِ الْأَدَاءُ عَلَى الْمُسْتَدْرِكِ إِلَّا فِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنَّائِمِ ; لِأَنَّهُمَا شَهِدَا الْوَقْتَ. وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ الْفِعْلَ يَمْتَنِعُ صُدُورُهُ عَنْهُمَا فَيَكُونُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِمَا تَكْلِيفًا بِالْمُمْتَنِعِ. وَيَلْزَمُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ أَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُوصَفُ بِالْقَضَاءِ إِلَّا مَجَازًا. وَالْإِعَادَةُ: مَا فُعِلَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ ثَانِيًا لِخَلَلٍ. فَقَوْلُهُ: " فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ " يُخْرِجُ الْقَضَاءَ. وَقَوْلُهُ: " ثَانِيًا " يُخْرِجُ الْأَدَاءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ: " لِخَلَلٍ " أَيْ لِفَوَاتِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ، احْتِرَازٌ عَنْ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مُسْتَجْمِعَةً لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي وَقْتِهِ ; فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى إِعَادَةً. وَقِيلَ: الْإِعَادَةُ: مَا فُعِلَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ ثَانِيًا لِعُذْرٍ. وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْخَلَلِ. فَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى صَلَاةً صَحِيحَةً مُنْفَرِدًا، إِعَادَةٌ عَلَى الثَّانِي، لَا تَكُونُ إِعَادَةً عَلَى الْأَوَّلِ. [الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنِ الْمُقَدِّمَةِ شَرَعَ فِي الْمَسَائِلِ، وَذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ فِي أَحْكَامِ الْوَاجِبِ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ. اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَيَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْهُمْ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ، أَمْ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ وَالْأُخْرَى إِلَى الْآخَرِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ. لَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ [لَوْ] لَمْ يَكُنْ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ لَمَا أَثِمَ الْجَمِيعُ بِتَرْكِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مُؤَاخَذَةُ الْإِنْسَانِ بِتَرْكِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ الْخَصْمُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا عَلَى إِبْطَالِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ، وَالْآخَرُونَ عَلَى إِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ سَقَطَ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْجَمِيعِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مُجَرَّدُ اسْتِبْعَادٍ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الِامْتِنَاعَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ الْوُجُوبُ عَنِ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ، كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ مُسْتَقِيمٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ: الْجَمِيعُ وَاجِبٌ. وَبَعْضُهُمْ: الْوَاجِبُ: مَا يُفْعَلُ. وَبَعْضُهُمْ: الْوَاجِبُ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ وَيَسْقُطُ بِهِ وَبِالْآخَرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [الْوَجْهُ] الثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ أَمْرُ الْمُكَلَّفِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ، كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَكَذَا يَجُوزُ أَمْرُ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ، قِيَاسًا عَلَيْهِ. وَالْجَامِعُ تَعَدُّدُ مُتَعَلِّقِ الْوُجُوبِ مَعَ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الْإِثْمُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مُمْكِنٌ مَعْقُولٌ. فَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا لِلْوُجُوبِ. بِخِلَافٍ إِثْمِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْقَلُ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا لِلْوُجُوبِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ طَلَبَ الْفِقْهِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. وَالْآيَةُ أَوْجَبَتْ عَلَى كُلِّ فِرْقَةٍ أَنْ يَنْفِرَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، وَتِلْكَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ بَعْضًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّائِفَةَ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَلَبَ الْفِقْهِ، احْتُمِلَ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يُسْقِطُونَ الْوُجُوبَ بِالْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْجَمِيعِ. وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا، يُحْمَلُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. فَإِنَّا لَوْ حَمَلْنَا الطَّائِفَةَ عَلَى الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، يَلْزَمُ بُطْلَانُ دَلِيلِنَا، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَأْثِيمِ الْجَمِيعِ بِتَرْكِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُسْقِطِينَ، لَمْ يَلْزَمْ بُطْلَانُ دَلِيلِنَا، وَلَا الْعَمَلُ بِالْآيَةِ. فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. [الواجب المخير] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ، كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، هَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ أَمْ لَا. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: نَعَمْ. وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا مَعْنَى لِلْإِيجَابِ مَعَ التَّخْيِيرِ ; فَإِنَّهُمَا مُتَنَاقِضَانِ. فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ مِنْهَا وَاجِبٌ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَدِّدَةِ. ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَقْرِيرِ الْمَذَاهِبِ شَرَعَ فِي الِاحْتِجَاجِ، فَبَدَأَ بِإِثْبَاتِ مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ. وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مِنْ جُمْلَتِهَا لَا بِعَيْنِهِ. لَنَا أَنْ نَقْطَعَ بِجَوَازِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَقْلًا، وَالنَّصُّ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ سَمْعًا. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ تَبْنِيَ هَذَا الْحَائِطَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَيْهُمَا فَعَلْتَ اكْتَفَيْتُ بِهِ. وَإِنْ تَرَكْتَ الْجَمِيعَ عَاقَبْتُكَ، وَلَسْتُ آمِرًا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، بَلْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ. فَهَذَا الْكَلَامُ مَعْقُولٌ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلْعِقَابِ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْجَمِيعُ مَأْمُورٌ بِهِ ; فَإِنَّهُ صَرَّحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 ص - لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، وَالنَّصُّ دَلَّ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا وُجُوبُ تَزْوِيجِ أَحَدِ الْخَاطِبَيْنِ وَإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ. فَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ يُوجِبُ الْجَمِيعَ - لَوَجَبَ تَزْوِيجُ الْجَمِيعِ، وَلَوْ كَانَ مُعَيِّنًا لِخُصُوصِ أَحَدِهِمَا - امْتَنَعَ التَّخْيِيرُ. ص: الْمُعْتَزِلَةُ: غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولٌ، وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعَيَّنٌ مِنْ حَيْثُ [إِنَّهُ] وَاجِبٌ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَيَنْتَفِي الْخُصُوصُ، [فَصَحَّ] إِطْلَاقُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَيْهِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا، مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ، مُبْهَمًا - لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا. فَإِنْ تَعَدَّدَا - لَزِمَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ. وَإِنِ اتَّحَدَا - لَزِمَ اجْتِمَاعُ التَّخْيِيرِ وَالْوُجُوبِ. وَأُجِيبَ بِلُزُومِهِ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْخَاطِبَيْنِ. وَالْحُقُّ أَنِ الَّذِي وَجَبَ لَمْ يُخَيَّرْ فِيهِ، وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. وَالتَّعَدُّدُ يَأْبَى كَوْنَ الْمُتَعَلِّقَيْنِ وَاحِدًا. كَمَا لَوْ حَرَّمَ وَاحِدًا وَأَوْجَبَ وَاحِدًا. ص - قَالُوا: يَعُمُّ وَيَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، كَالْكِفَايَةِ. قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ ثَمَّةَ عَلَى تَأْثِيمِ الْجَمِيعِ، وَهَهُنَا بِتَرْكِ وَاحِدٍ. وَأَيْضًا: فَتَأْثِيمُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِنَقِيضِهِ. وَلَا وَاحِدَ بِعَيْنِهِ ; لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّخْيِيرِ. فَلَا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَأْمُورُ بِهِ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِيهِ، دَلَّ عَلَى جَوَازِ كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ. وَأَيْضًا: وُجُوبُ تَزْوِيجِ الْبِكْرِ الطَّالِبَةِ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَحَدِ الْكُفُوَيْنِ الْخَاطِبَيْنِ. وَوُجُوبُ إِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسِ أَرِقَّائِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالْجَمِيعِ، لَوَجَبَ تَزْوِيجُ الْخَاطِبَيْنِ، وَإِعْتَاقَ جَمِيعِ الرِّقَابِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. وَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ يُوجِبُ تَزْوِيجَ وَاحِدٍ [بِخُصُوصِهِ] ، أَيْ عَلَى التَّعْيِينِ، وَكَذَا إِعْتَاقُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، لَامْتَنَعَ التَّخْيِيرُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ضَرُورَةَ تَحْقِيقِ التَّخْيِيرِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَوْ كَانَ مُوجِبًا لِوُجُوبِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لَكَانَ مُوجِبًا لِنَقِيضِهِ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يُنَافِي التَّعْيِينَ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يُجَوِّزُ تَرْكَ الْمُعَيَّنِ وَالتَّعْيِينُ لَا يُجَوِّزُهُ. وَكُلُّ مَا كَانَ مُوجِبًا لِنَقِيضِهِ كَانَ مُمْتَنِعًا. ش - قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ; لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولٌ، وَكُلُّ مَجْهُولٍ لَا يُكَلَّفُ بِهِ ; لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الشُّعُورُ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ. وَأَيْضًا: غَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ وَاقِعٌ، فَهُوَ مُشَخَّصٌ، وَكُلُّ مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٌ، وَكُلُّ مَا يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ لَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مُحَالٌ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ [مُعَيَّنٌ] مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حَيْثُ إِنَّهُ وَاجِبٌ [وَهُوَ] مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ، فَيَنْتَفِي [خُصُوصُهُ] أَيْ تَعَيُّنُهُ الشَّخْصِيُّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ، لَا بِعَيْنِهِ فَصَحَّ إِطْلَاقُ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ انْتِفَاءِ [خُصُوصِهِ] الشَّخْصِيِّ، وَإِطْلَاقِ الْمُعَيَّنِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَاجِبًا. فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَيَصِحُّ وُقُوعُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ بِهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَدِّدَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاحِدٌ، لَا بِعَيْنِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ مُبْهَمًا، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ; فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ [فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ [وَاحِدًا، يَكُونُ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي ; فَلِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِ التَّالِي يَلْزَمُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا التَّخْيِيرَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ، وَإِمَّا اجْتِمَاعَ التَّخْيِيرِ وَالْوُجُوبِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ، فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ التَّالِي. أَمَّا لُزُومُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ; فَلِأَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاحِدَ الْمُخَيَّرَ فِيهِ، أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ كَانَ الثَّانِي، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ ; ضَرُورَةَ كَوْنِ الْوَاحِدِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ غَيْرَ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ التَّخْيِيرِ وَالْوُجُوبِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ الْأَمْرِ الثَّانِي ; فَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ [جَازَ] أَنْ يَخْتَارَ الْمُكَلَّفُ غَيْرَ الْوَاجِبِ، وَغَيْرُ الْوَاجِبِ يَجُوزُ تَرْكُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ [لَا يَأْتِي] الْمُكَلَّفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ; فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ يُنَافِي التَّخْيِيرَ، وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَازِمٌ عَلَيْكُمْ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ بِاعْتِنَاقِ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسِ أَرِقَّائِهِ. وَفِي صُورَةِ تَزْوِيجِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الطَّالِبَةِ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَحَدِ الْخَاطِبَيْنِ الْكُفُوَيْنِ. فَإِنَّ الْوَاجِبَ إِعْتَاقُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ، وَتَزْوِيجُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَكُلُّ مَا يَكُونُ جَوَابًا عَنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ صُورَةِ النِّزَاعِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَنْعُ إِلْزَامِيًّا لَمْ يَقْتَنِعْ بِهِ وَأَشَارَ إِلَى مَا هُوَ الْحَقُّ. فَقَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ لَيْسَا بِوَاحِدٍ ; فَإِنَّ الَّذِي وَجَبَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ. وَهُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ غَيْرُ مُخَيَّرٍ فِيهِ. وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُعَيَّنٌ ; لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ فِيهِ هُوَ [كُلُّ] وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ. هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: " لِعَدَمِ التَّعْيِينِ " مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: " الَّذِي وَجَبَ ". وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: " وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ " فَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى [تَعَدُّدٍ] وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الَّذِي وَجَبَ مُتَعَيِّنٌ مِنْ حَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هُوَ وَاحِدٌ، لَا تَعَدُّدَ فِيهِ. وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَدِّدٌ. قَوْلُهُ: " وَالتَّعَدُّدُ " إِشَارَةٌ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ فِيهِ لَا يَتَّحِدَانِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ وَالتَّخْيِيرَ يَتَعَدَّدَانِ. وَتُعَدُّدُ الْمُتَعَلِّقِينَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقَانِ، أَيِ الْوَاجِبَ وَالْمُخَيَّرَ فِيهِ وَاحِدًا. كَمَا لَوْ حَرَّمَ الشَّارِعُ وَاحِدًا، وَأَوْجَبَ آخَرَ. فَإِنَّ تَعَدُّدَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَاهُمَا - أَيِ الْوَاجِبُ وَالْحَرَامُ - وَاحِدًا. وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ وَالْوَاجِبُ، التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، بَلِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ غَيْرُ وَاجِبٍ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ. تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ قِيَاسًا عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ عَنْهُمْ. وَالْجَامِعُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْوُجُوبِ مَعَ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَوُرُودُ النَّصِّ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ لَا يُنَافِي عُمُومَ الْوُجُوبِ لِلْجَمِيعِ وَسُقُوطَهُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ، يَأْثَمُ الْجَمِيعُ بِتَرْكِهِ. وَهَهُنَا إِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ. فَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَقُلْ بِإِيجَابِ الْجَمِيعِ فِي الْمُخَيَّرِ. الثَّانِي: أَنَّ تَأْثِيمَ مُكَلَّفٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عِقَابُ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَلَمْ يَكُنِ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. بِخِلَافِ تَأْثِيمِ الْمُكَلَّفِ عَلَى تَرْكِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ ; فَإِنَّهُ مَعْقُولٌ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ الْمُكَلَّفُ عَلَى أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ. قِيلَ عَلَى الثَّانِي: إِنَّ التَّأْثِيمَ بِتَرْكِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، غَيْرُ مَعْقُولٍ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 بِخِلَافِ التَّأْثِيمِ عَلَى تَرْكِ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ. ص - قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ الْوَاجِبَ. قُلْنَا: يَعْلَمُهُ حَسْبَمَا أَوْجَبَهُ. وَإِذَا أَوْجَبَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. ص - قَالُوا: عَلِمَ مَا يَفْعَلُ فَكَانَ الْوَاجِبَ. قُلْنَا: فَكَانَ الْوَاجِبَ لِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْهَا لَا لِخُصُوصِهِ ; لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْخَلْقَ فِيهِ سَوَاءٌ. ص - الْمُوَسَّعُ. الْجُمْهُورُ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَنَحْوِهِ وَقْتٌ لِأَدَائِهِ. الْقَاضِي: الْوَاجِبُ: الْفِعْلُ أَوِ الْعَزْمُ، وَيَتَعَيَّنُ آخِرًا. وَقِيلَ وَقْتُهُ أَوَّلُهُ. فَإِنْ أَخَّرَهُ - فَقَضَاءٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ إِذَا كَانَ التَّأْثِيمُ بِتَرْكِ أَحَدِهَا عَلَى التَّعْيِينِ. أَمَّا إِذَا كَانَ التَّأْثِيمُ بِتَرْكِ أَحَدِهَا لَا بِعَيْنِهِ، [لَمْ يَلْزَمْ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ] . وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَأْثِيمَ الْمُكَلَّفِ هَهُنَا بِتَرْكِ وَاحِدٍ ; فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ [لَمْ يَأْثَمْ] بَلِ التَّأْثِيمُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ ; فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ، أَثِمَ بِهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَعْلَمَهُ الْآمِرُ، وَكُلُّ مَا يَعْلَمُهُ الْآمِرُ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. بَيَانُ الصُّغْرَى أَنَّ الْآمِرَ طَالِبٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، أَعْنِي الْوَاجِبَ. وَمِنَ الْمُحَالِ طَلَبُ الْمَجْهُولِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْكُبْرَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مُتَمَيَّزٌ عَنْ غَيْرِهِ. وَكُلُّ مَا هُوَ مُتَمَيَّزٌ عَنْ غَيْرِهِ يَكُونُ مُتَعَيِّنًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْكُبْرَى. تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْلَمُهُ الْآمِرُ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآمِرَ يَعْلَمُ الْوَاجِبَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ. وَإِذَا أَوْجَبَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ أَنْ يُعْلَمَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. وَكَوْنُ الْمَعْلُومِ مُتَعَيِّنًا بِاعْتِبَارِ تَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْفِعْلِ لَا يُنَافِي عَدَمَ تَعَيُّنِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا بِحَسَبِ النَّوْعِ، غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ بِحَسَبِ الشَّخْصِ. ش - هَذَا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ مُتَعَيِّنًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوُجُوبُ تَعَلَّقَ بِهِ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مُعَيَّنًا، وَهُوَ مَا يَفْعَلُ الْمُكَلَّفُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا، لَا بِعَيْنِهِ، لَا مِنْ حَيْثُ [خُصُوصُهُ] ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَفَاوُتُ الْمُكَلَّفِينَ فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ أَحَدُ الْمُكَلَّفِينَ وَاحِدًا مِنْهَا وَالْآخَرُ غَيْرَهُ، فَإِذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ هُوَ مَا فَعَلَهُ بِخُصُوصِهِ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا، كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى ذَا الْمُكَلَّفِ غَيْرَ الْوَاجِبِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَلْزَمُ تَفَاوُتُ الْمُكَلَّفِينَ، وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ عَلَى السَّوَاءِ. [الواجب الموسع] ش - الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ رَاجِعٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ [إِلَى] الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ ; إِذِ الصَّلَاةُ الْمُؤَدَّاةُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ غَيْرُ الْمُؤَدَّاةِ فِي غَيْرِهِ بِحَسَبِ الشَّخْصِ. وَالْوَاجِبُ هُوَ أَحَدُ الْأَشْخَاصِ الْمُتَمَايِزَةِ بِالْأَوْقَاتِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا [لَا بِعَيْنِهِ، كَخِصَالِ] الْكَفَّارَةِ فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ [تَابِعًا لِلْوَاجِبِ] الْمُخَيَّرِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي [مَسْأَلَةٍ مُنْفَرِدَةٍ] . وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَقْتِ عَلَى أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ. الْأَوَّلُ: أَنْ [يَكُونُ] الْفِعْلُ زَائِدًا عَلَى الْوَقْتِ. وَالتَّكْلِيفُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ إِلَّا لِغَرَضِ الْقَضَاءِ كَمَا إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ [قَدْرُ] تَكْبِيرَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: آخِرُهُ، فَإِنْ قَدَّمَهُ - فَنَفْلٌ يُسْقِطُ الْفَرْضَ -. الْكَرْخِيُّ: إِلَّا أَنْ يَبْقَى بِصِفَةِ الْمُكَلَّفِ فَمَا قَدَّمَهُ وَاجِبٌ. ص - لَنَا أَنَّ الْأَمْرَ قُيِّدَ بِجَمِيعِ الْوَقْتِ. فَالتَّخْيِيرُ وَالتَّعْيِينُ تَحَكُّمٌ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا - لَكَانَ الْمُصَلِّي فِي غَيْرِهِ مُقَدَّمًا.، فَلَا يَصِحُّ، أَوْ قَاضِيًا، فَيُعْصَى، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. ص - الْقَاضِي: ثَبَتَ فِي الْفِعْلِ وَالْعَزْمِ حُكْمُ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَاعِلَ مُمْتَثِلٌ لِكَوْنِهَا صَلَاةً قَطْعًا، لَا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَوُجُوبُ الْعَزْمِ فِي كُلِّ [وَاجِبٍ] مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ. ص - الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَانَ وَاجِبًا أَوَّلًا - عَصَى بِتَأْخِيرِهِ ; لِأَنَّهُ تَرْكٌ. قُلْنَا: التَّأْخِيرُ وَالتَّعْجِيلُ فِيهِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ، عَصَى اتِّفَاقًا. فَإِنْ لَمْ يَمُتْ ثُمَّ فَعَلَهُ فِي وَقْتِهِ - فَالْجُمْهُورُ: أَدَاءٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّهُ قَضَاءٌ. فَإِنْ أَرَادَ وُجُوبَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ - فَبَعِيدٌ. وَيَلْزَمُهُ لَوِ اعْتَقَدَ انْقِضَاءَ الْوَقْتِ قَبْلَ الْوَقْتِ -[يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ. وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ فَمَاتَ فَجْأَةً - فَالتَّحْقِيقُ لَا يَعْصِي. بِخِلَافِ مَا وَقْتُهُ الْعُمُرُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ [وَكَانَ] مَقْدُورًا شَرْطًا وَاجِبٌ. وَالْأَكْثَرُ: وَغَيْرُ شَرْطٍ. كَتَرْكِ الْأَضْدَادِ فِي الْوَاجِبِ، وَفِعْلِ ضِدٍّ فِي الْمُحَرَّمِ، وَغَسْلِ جُزْءِ الرَّأْسِ. وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا. ص - لَنَا: لَوْ لَمْ يَجِبِ الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا. وَفِي غَيْرِهِ لَوِ اسْتَلْزَمَ الْوَاجِبُ وُجُوبَهُ - لَزِمَ تَعَقُّلُ الْمُوجِبِ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ تُعَلُّقُ الْوُجُوبِ لِنَفْسِهِ، وَلَامْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِغَيْرِهِ، وَلَعَصَى بِتَرْكِهِ، وَلَصَحَّ قَوْلُ الْكَعْبِيِّ فِي نَفْيِ الْمُبَاحِ، وَلَوَجَبَتْ [نِيَّتُهُ] . ص - قَالُوا: لَوْ لَمْ يَجِبْ - لَصَحَّ دُونَهُ، وَلَمَا وَجَبَ التَّوَصُّلُ إِلَى الْوَاجِبِ. وَالتَّوَصُّلُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُسَاوِيًا لِلْوَقْتِ، كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَهُوَ الْوَاجِبُ الْمَضَيَّقُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ زَائِدًا عَلَى الْفِعْلِ. وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ. فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا، وَنَحْوَهُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالْعَشَاءِ، وَقْتٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ، إِمَّا بِلَا بَدَلٍ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ - أَوْ مَعَ بَدَلٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْعَزْمُ. وَالْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا، أَعْنِي الْعَزْمَ أَوِ الْفِعْلَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ. وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَقْتُهُ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَأَتَى بِهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَهُوَ قَضَاءٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الْوَقْتُ آخِرُهُ، فَإِنْ قَدَّمَهُ، أَيْ أَتَى بِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَمَا فَعَلَهُ نَفْلٌ يُسْقِطُ الْفَرْضَ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إِنَّ الصَّلَاةَ الْمَأْتِيَّ بِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَوْقُوفَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ أَدْرَكَ الْمُصَلِّي آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى صِفَةِ الْمُكَلَّفِينَ، فَمَا قَدَّمَهُ وَاجِبٌ. وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ آخِرَ الْوَقْتِ، أَوْ أَدْرَكَ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى صِفَةِ الْمُكَلَّفِينَ، فَمَا قَدَّمَهُ نَفْلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ، شَرَعَ فِي إِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ وَتَمَسَّكَ بِوَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَمْرَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا قُيِّدَ بِجَمِيعِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَخْصِيصِهِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ قَابِلًا لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ ذَلِكَ الْأَمْرِ إِيجَابَ [إِيقَاعِ] ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بِحَسَبِ إِرَادَةِ الْمُكَلَّفِ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْعَزْمِ تَحَكُّمًا. وَكَذَا تَعْيِينُ أَوَّلِ الْوَقْتِ إِلَى آخِرِهِ تَحَكُّمٌ ; إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّعْيِينِ وَلَا عَلَى التَّخْيِيرِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ مُعَيَّنًا، لَتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ، لَكَانَ الْمُصَلَّى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مُقَدَّمًا، إِنْ أَتَى قَبْلَ دُخُولِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، أَوْ قَاضِيًا، إِنْ أَتَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، فَيَكُونُ عَاصِيًا ; لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بِالْعَمْدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ ; لِأَنَّهُمَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. ش - تَقْرِيرُ قَوْلِ الْقَاضِي إِنَّهُ ثَبَتَ فِي الْفِعْلِ وَالْعَزْمِ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ حُكْمُ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا جَازَ تَرْكُهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبِ الْعَزْمُ بَدَلًا، لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ وَاجِبًا مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ جَازَ تَرْكُهُ بِلَا بَدَلٍ. فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَحَدَهُمَا. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَحَدَهُمَا أَعْنِي الْعَزْمَ أَوِ الْفِعْلَ، لَكَانَ الْفَاعِلُ مُمْتَثِلًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهُمَا، لَا عَلَى التَّعْيِينِ، كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ; لِأَنَّ الْفَاعِلَ إِنَّمَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا صَلَاةً بِخُصُوصِهَا قَطْعًا، وَإِلَّا لَجَازَ الْإِتْيَانُ بِالْعَزْمِ دُونَ الصَّلَاةِ. وَوُجُوبُ الْعَزْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ ; لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَزْمِ غَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَخْصُوصٍ بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، بَلْ كُلُّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ، أَيْ كُلُّ أَمْرٍ دِينِيٍّ، يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ إِذَا كَانَ وَاجِبًا ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ". ش - قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: الْفِعْلُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ [الْوَقْتِ] ، عَصَى الْمُكَلَّفُ بِتَأْخِيرِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُكَلَّفُ قَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ فَهُوَ عَاصٍ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعْجِيلَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَكَمَا [أَنَّ] تَارِكَ إِحْدَى الْخِصَالِ لَا يَعْصِي، إِذَا أَتَى بِالْبَاقِي، كَذَلِكَ تَارِكُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا يَعْصِي إِذَا أَتَى بِهِ آخِرَ الْوَقْتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ] ش - الْمَسْأَلَةُ [الثَّالِثَةُ] فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ. الْقَائِلُونَ بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ الْمَوْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ، لَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَصَى بِتَرْكِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ اتِّفَاقًا ; لِأَنَّهُ قَدْ تَضَيَّقَ الْوَقْتُ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ بِلَا عُذْرٍ عِصْيَانٌ. فَإِنْ لَمْ يَمُتِ الْمُكَلَّفُ، ثُمَّ فَعَلَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ، [فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَدَاءٌ ;] لِأَنَّهُ فُعِلَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ أَوَّلًا [شَرْعًا] . وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ مَا فَعَلَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَضَاءً ; لِأَنَّهُ قَدْ تَضَيَّقَ الْوَقْتُ بِظَنِّهِ، فَيَكُونُ وُقُوعُهُ فِي الْآخِرِ وُقُوعَ الْوَاجِبِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِهِ، فَيَكُونُ قَضَاءً. وَالْمُصَنِّفُ زَيَّفَ قَوْلَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْقَاضِي بِكَوْنِهِ قَضَاءً: وُجُوبَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ، فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَا يُؤْتَى بِهِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ ; وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَ الظَّنِّ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ ; فَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: قَدْ تَضَيَّقَ الْوَقْتُ عَلَيْهِ بِظَنِّهِ وَقَدْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْفِعْلُ بَعْدَهُ قَضَاءً، فَبَاطِلٌ ; لِأَنَّ الظَّنَّ الْبَيِّنَ خَطَؤُهُ لَا يُؤَثِّرُ. وَيُمْكِنُ تَقْرِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنْ أَرَادَ وُجُوبَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ كُلٌّ مَكَانَ الْآخَرِ. فَوُجُوبُ نِيَّتِهِ يَكُونُ بَعِيدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ قَضَاءٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَقَعَ خَارِجَ وَقْتِهِ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّنَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا، لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّ الْعِصْيَانَ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ ظَنِّهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّنَّ يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الظَّنُّ مُعْتَبَرًا قَبْلَ ظُهُورِ الْخَطَأِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، فَبِتَرْكِهِ يَكُونُ عَاصِيًا. وَبَعْدَ ظُهُورِ الْخَطَأِ لَمْ يُعْتَبَرْ، فَيَكُونُ الْوَقْتُ غَيْرَ مُضَيَّقٍ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُلْزَمُ الْقَاضِي: لَوِ اعْتَقَدَ الْمُكَلَّفُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ دَخَلَ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ انْقَضَى الْوَقْتُ، فَعَصَى بِالتَّأْخِيرِ. أَنَّهُ يَكُونُ مَا فَعَلَهُ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ خَطَأُ اعْتِقَادِهِ، قَضَاءً ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ تَضَيَّقَ الْوَقْتُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ. فَوُقُوعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ عَلَى زَعْمِ الْقَاضِي. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَنْ لَا يَعْصِيَ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِ الْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ فِي الْبَاقِي مِنَ الْوَقْتِ، وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ ; لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقْتُهُ مُوَسَّعٌ مَا لَمْ يُتَعَمَّدْ بِالتَّرْكِ. وَلَا يَعْصِي إِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ فِي الْوَقْتِ إِذَا ظَنَّ الْمُكَلَّفُ قَبْلَ الْوَقْتِ دُخُولَهُ وَخُرُوجَهُ [لَوْ] لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرْكُ وَالتَّأْخِيرُ بِالْإِجْمَاعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرْنَا فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ لَفْظِهِ " أَنَّهُ " [عَنْ] أَوَّلِ قَوْلِهِ: " يَعْصِي " وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ. وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ فَمَاتَ فَجْأَةً فِي الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ، فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَعْصِي ; إِذِ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْعَاقِبَةِ. وَإِذَا كَانَ تَرْكُهُ جَائِزًا فَكَيْفَ يَعْصِي بِهِ. وَأَيْضًا أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى عَدَمِ الْعِصْيَانِ. وَقَوْلُهُمْ إِنَّمَا جُوِّزَ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ مَسْتُورَةٌ عَنْهُ. فَإِذَا سَأَلْنَا وَقَالَ الْعَاقِبَةُ مَسْتُورَةٌ، وَأُرِيدَ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِيَ التَّأْخِيرُ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعَاقِبَةِ، أَوْ أَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ جَوَابٍ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَعْصِي، فَلَمْ يَأْثَمْ بِالْمَوْتِ الَّذِي لَيْسَ إِلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَعْصِي فَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ قُلْنَا: إِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّكَ تَمُوتُ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَأَنْتَ فِي الْحَالِ عَاصٍ بِالتَّأْخِيرِ. وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّكَ تَعِيشُ إِلَى الْآخِرِ، فَلَكَ التَّأْخِيرُ. فَيَقُولُ: وَمَا يُدْرِينِي مَاذَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا فَتْوَاكُمْ فِي حَقِّ الْجَاهِلِ؟ فَلَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ بِالتَّحْلِيلِ أَوِ التَّحْرِيمِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: يَجُوزُ بِالتَّأْخِيرِ بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ بَقِيَ أَوْ لَمْ يَبْقَ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا وَقْتُهُ الْعُمُرُ كَالْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ وَمَاتَ يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ ; لِأَنَّ الْبَقَاءَ إِلَى سَنَةٍ أُخْرَى لَيْسَ بِغَالِبٍ إِلَى الظَّنِّ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ إِلَى سَنَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أُخْرَى. وَأَمَّا تَأْخِيرُ الصَّوْمِ إِلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ جَائِزٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْمَوْتُ إِلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَالشَّافِعِيُّ يَرَى الْبَقَاءَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ غَالِبًا عَلَى الظَّنِّ فِي حَقِّ الشَّابِّ الصَّحِيحِ دُونَ الشَّيْخِ. [مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ اعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ أَمْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، وَكَالْيَدِ فِي الْكِتَابَةِ، وَالرِّجْلِ فِي الْمَشْيِ، وَحُضُورِ الْإِمَامِ الْجُمُعَةَ، وَحُضُورِ تَمَامِ الْعَدَدِ. فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ وَاجِبَةً، بَلْ عَدَمُهَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ. الْأَوَّلُ - وَهُوَ مَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ - هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا شَرْعِيًّا لِلْوَاجِبِ، كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ. أَوْ لَا يَكُونَ شَرْطًا شَرْعِيًّا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ وُجُوبَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا، أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ يُوجِبُ الشَّرْطَ الشَّرْعِيَّ دُونَ غَيْرِهِ. وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ كَمَا يُوجِبُ وُجُوبَ الشَّرْطِ، يُوجِبُ وُجُوبَ غَيْرِ الشَّرْطِ، سَوَاءٌ كَانَ غَيْرُ الشَّرْطِ سَبَبًا، كَالنَّارِ لِلْإِحْرَاقِ، أَوْ غَيْرَ سَبَبٍ. أَمَّا تَرْكُ ضِدِّ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، أَوْ فِعْلُ ضِدِّ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَتِمُّ تَرْكُ الْحَرَامِ إِلَّا بِهِ، أَوْ طَرِيقٍ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ، كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ لِغَسْلِ الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ الْوَجْهِ إِلَّا بِغَسْلِ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ، أَوْ طَرِيقٍ إِلَى الْعِلْمِ [بِإِتْيَانِ] الْوَاجِبِ، كَالْإِتْيَانِ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ إِذَا تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا بِعَيْنِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا. أَيْ وُجُوبُ الشَّيْءِ مُطْلَقًا لَا يُوجِبُ وُجُوبَ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرْطِ وَغَيْرِهِ. ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ، أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، إِنْ كَانَ شَرْطًا، فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ شَرْطٍ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الشَّرْطُ وَاجِبًا، لَمْ يَكُنْ هُوَ شَرْطًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الشَّرْطَ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، جَازَ تَرْكُهُ، فَإِذَا تَرَكَهُ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ حِينَئِذٍ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الشَّيْءِ مُقَيَّدًا بِوَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ. وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُمْكِنَ الْحُصُولِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ أَوْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي بَاطِلٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ فَيَتَحَقَّقُ الْأَوَّلُ، فَلَا يَكُونُ شَرْطًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوِ اسْتَلْزَمَ الْوَاجِبُ وُجُوبَ غَيْرِ الشَّرْطِ مِمَّا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، لَزِمَ تَعَقُّلُ الْمُوجِبِ، أَيِ الْأَمْرِ لِغَيْرِ الشَّرْطِ ; لِاسْتِحَالَةِ إِيجَابِ الشَّيْءِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِلشَّيْءِ قَدْ يَغْفُلُ عَنْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوِ اسْتَلْزَمَ الْوَاجِبُ وُجُوبَ غَيْرِ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْوُجُودِ مَعَ مَنْعِ النَّقِيضِ بِغَيْرِ الشَّرْطِ لِنَفْسِ الْوُجُوبِ أَوْ لِنَفْسِ ذَلِكَ الْغَيْرِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمَا; لِتَوَقُّفِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمَلْزُومِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الطَّلَبَ لَا يُعْقَلُ تَعَلُّقُهُ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَطْلُوبِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوِ اسْتَلْزَمَ الْوَاجِبُ وُجُوبَ غَيْرِ الشَّرْطِ، لَامْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِغَيْرِ وُجُوبِهِ، أَيِ امْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ غَيْرَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا ; لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْوَاجِبِ مُسْتَلْزِمًا لِوُجُوبِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ غَسْلَ الْوَجْهِ، وَمَا أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ غَسْلَ شَيْءٍ مِنَ الرَّأْسِ. الرَّابِعُ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مُسْتَلْزِمًا لِوُجُوبِ غَيْرِ الشَّرْطِ، لَعَصَى الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ تَارِكَ الصَّوْمِ يَكُونُ عَاصِيًا بِتَرْكِ الصَّوْمِ، لَا بِتَرْكِ إِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوِ اسْتَلْزَمَ وُجُوبَهُ، لَصَحَّ قَوْلُ الْكَعْبِيِّ فِي نَفْيِ الْفِعْلِ الْمُبَاحِ فِي الشَّرْعِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِمَا سَنَذْكُرُهُ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمُبَاحَ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، وَمَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ يَكُونُ وَاجِبًا. السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرُ الشَّرْطِ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَاجِبًا لَوَجَبَتْ نِيَّتُهُ ; لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ تَعَقُّلِ الْمُوجِبِ لَهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ بِالْأَصَالَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ بِالتَّبَعِيَّةِ فَلَا. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِوُجُوبِ الشَّرْطِ. وَعَلَى الثَّانِي: إِنْ أَرَادَ بِالتَّعَلُّقِ لِنَفْسِهِ: [التَّعَلُّقَ] بِالْأَصَالَةِ، فَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي ; فَإِنَّ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالْمُقَدِّمَاتِ لَيْسَتْ بِالْأَصَالَةِ بَلْ بِالْفَرْعِيَّةِ ; لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَلْزُومِهَا أَوَّلًا، وَبِوَاسِطَةِ الْمَلْزُومِ يَتَعَلَّقُ بِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ الْفَرْعِيِّ بِالْمُقَدِّمَاتِ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَاهُ، فَمَنْعُهُ ظَاهِرٌ ; فَإِنَّ الْوُجُوبَ الْأَوَّلَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ نَشَأَ مِنْهُ الْوُجُوبُ الثَّانِي، فَتَعَلَّقَ الْوُجُوبُ الثَّانِي الْفَرْعِيُّ بِالْمُقَدَّمَاتِ لِذَاتِهِ. وَأَيْضًا فَمَنْقُوضٌ بِوُجُوبِ الشَّرْطِ. وَعَلَى الثَّالِثِ أَنَّ غَسْلَ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ; إِذِ الْوُجُوبُ عِنْدَهُمْ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَاجِزِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، دُونَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ لَا الْقَادِرِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ فِي صُورَةِ الْقَادِرِ، وَنَفْيُ التَّالِي فِي صُورَةِ الْعَاجِزِ. وَبِهِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَلَى الرَّابِعِ. وَيُقَالُ عَلَى الرَّابِعِ أَيْضًا: لَا نُسَلِّمُ نَفْيَ اللَّازِمِ ; فَإِنَّ تَرْكَهُ يُوجِبُ تَرْكَ الْوَاجِبِ بِالذَّاتِ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالذَّاتِ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ فَيَكُونُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِصْيَانِ. عَلَى أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِوُجُوبِ الشَّرْطِ. وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّهُ يَلْزَمُ نَفْيُ الْمُبَاحِ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَرْكُ الْحَرَامِ إِلَّا بِفِعْلِ الْمُبَاحِ. أَمَّا إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِهِ فَلَا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْمُبَاحُ مُقَدِّمَةً لِلْوَاجِبِ. وَعَنِ السَّادِسِ: لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ غَيْرُ الشَّرْطِ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالْعَرَضِ فَلَا. ش - اعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ وُجُوبَ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ مَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا أَوْ غَيْرَهُ، قَدْ تَمَسَّكُوا بِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ، شَرْطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لَصَحَّ الْفِعْلُ الْوَاجِبُ بِدُونِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْآتِيَ بِالْفِعْلِ الْوَاجِبِ يَكُونُ آتِيًا بِجَمِيعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ يُوجِبُ الصِّحَّةَ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ صَحِيحًا دُونَهُ، لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ. وَلَمَّا كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ بَاطِلًا كَانَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْفِعْلِ دُونَ بَاطِلًا. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَبِالِاتِّفَاقِ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ، شَرْطًا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَأُجِيبَ: إِنْ أُرِيدَ بِـ " لَا يَصِحُّ " وَ " وَاجِبٌ " لَا بُدَّ مِنْهُ - فَمُسَلَّمٌ. وَإِنْ أُرِيدَ مَأْمُورٌ بِهِ - فَأَيْنَ دَلِيلُهُ؟ [وَإِنْ سُلِّمَ الْإِجْمَاعُ فَفِي] الْأَسْبَابِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجُوزُ أَنْ يُحَرَّمَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ. خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَهِيَ كَالْمُخَيَّرِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَسْتَحِيلُ كَوْنُ الشَّيْءِ وَاجِبًا حَرَامًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، إِلَّا عِنْدَ بَعْضِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ غَيْرَهُ، لَمَا وَجَبَ التَّوَصُّلُ إِلَى الْوَاجِبِ ; لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى الْوَاجِبِ بِهِ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إِنَّهُ " لَا يَصِحُّ الْوَاجِبُ بِدُونِهِ " فِي نَفْيِ تَالِي الْمُلَازَمَةِ الْأُولَى، وَبِقَوْلِهِمْ: " وَجَبَ التَّوَصُّلُ بِهِ إِلَى الْوَاجِبِ " فِي نَفْيِ تَالِي الْمُلَازَمَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ، فَنَفْيُ التَّالِي مُسَلَّمٌ. وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ الْمُلَازَمَةِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ بُدٌّ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ. وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَأَيْنَ دَلِيلُهُمْ عَلَى هَذَا. وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى الْوَاجِبِ وَاجِبٌ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْأَسْبَابِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، لَا لِنَفْسِ وُجُوبِ الْفِعْلِ. وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَمَّا أَوَّلًا ; فَلِأَنَّهُ كُلُّ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مُمْتَنِعٌ تَرْكُهُ، وَكُلُّ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ تَرْكُهُ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَكُلُّ وَاجِبٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا ; فَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهَا يَجِبُ التَّوَصُّلُ بِهَا إِلَى الْوَاجِبِ دُونَ غَيْرِهَا، تَحَكُّمٌ مَحْضٌ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، شَرْطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، فَهُوَ وَاجِبٌ. بَيَانُهُ أَنَّ إِيجَابَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا، إِيجَابٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ; فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِوُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ حَالَ عَدَمِ الْمُقَدِّمَةِ، لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِهِ حَالَ عَدَمِهَا، وَهُوَ مُحَالٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ التَّكْلِيفِ بِهِ حَالَ عَدَمِ الْمُقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ يُوجِبُ عَدَمَهَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ إِيجَابَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا يَسْتَلْزِمُ إِيجَابَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْحَالَةُ الَّتِي عُدِمَتْ فِيهَا الْمُقَدِّمَةُ، فَيَلْزَمُ إِيجَابُهُ حَالَ الْمُقَدِّمَةِ، وَهُوَ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ. وَأَيْضًا عَدَمُ إِيجَابِ الْمُقَدِّمَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ عَدَمَهَا، لَكِنَّهُ يُجَوِّزُهُ فَيُلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمُحَالِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِيجَابَهُ مُطْلَقًا يَسْتَدْعِي إِيجَابَ الْمُقَدِّمَةِ ; إِذْ مِنَ الْجَائِزِ تَقَيُّدُهُ بِوَقْتِ حُصُولِ الْمُقَدِّمَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لِوُرُودِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. قُلْتُ: يَلْزَمُكَ أَيْضًا خِلَافُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّكَ تُوجِبُ الْمُقَدِّمَةَ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةِ إِيجَابِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ. فَالْجَوَابُ، أَنَّ إِيجَابَ الْمُقَدِّمَةِ أَمْرٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا. فَلَمْ يَكُنْ خِلَافَ الظَّاهِرِ. التَّقْيِيدُ بِوَقْتِ وُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ يَنْفِيهِ اللَّفْظُ ; لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. فَتَقْيِيدُهُ بِوَقْتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وُجُوبِ الشَّرْطِ يُنَافِيهِ، فَيَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ خِلَافَ الظَّاهِرِ إِثْبَاتُ مَا يَنْفِيهِ اللَّفْظُ، أَوْ رَفْعُ مَا أَثْبَتَهُ اللَّفْظُ. وَمَا لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ، لَا يَكُونُ إِثْبَاتُهُ وَنَفْيُهُ مُخَالَفَةً لِلظَّاهِرِ. [تحريم وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَاجِبِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْحَرَامِ، وَذَكَرَهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ. الْأُولَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُحَرَّمَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ أَمْ لَا. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: نَعَمْ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا. لَنَا أَنَّهُ لَا مَانِعَ عَقْلًا ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِغُلَامِهِ: لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، فَقَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْكَ كَلَامَ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ أُحَرِّمْ عَلَيْكَ كَلَامَهُمَا جَمِيعًا، وَلَا كَلَامَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ. فَلَيْسَ الْمُحَرَّمُ مَجْمُوعَ كَلَامِهِمَا، وَلَا كَلَامَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ; لِتَصْرِيحِهِ بِنَقِيضِهِ. فَلَمْ يَبْقَ الْمُحَرَّمُ إِلَّا كَلَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَطَرِيقُ الْخَصْمِ فِي الِاعْتِرَاضِ وَطَرِيقُنَا فِي الْجَوَابِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. [استحالة كَوْنُ الشَّيْءِ وَاجِبًا حَرَامًا] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا حَرَامًا أَمْ لَا. الْوَاحِدُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِالنَّوْعِ أَوْ بِالشَّخْصِ. وَالْأَوَّلُ كَالسُّجُودِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنَ الْأَفْعَالِ، ذُو أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ، يَجُوزُ أَنْ يَنْقَسِمَ إِلَى الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ، فَيَكُونُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ وَاجِبًا، كَالسُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبَعْضُهَا حَرَامًا، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ. وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ. فَإِنْ كَانَ ذَا جِهَةٍ وَاحِدَةٍ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ وَاجِبًا حَرَامًا لِتَنَافِيهَا، إِلَّا عِنْدَ بَعْضِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ، وَهُمُ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ عَقْلًا وَشَرْعًا. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ شَرْعًا لَا عَقْلًا فَلَا يُجَوِّزُونَهُ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وَأَمَّا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَهُ جِهَتَانِ، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ - فَالْجُمْهُورُ: [تَصِحُّ] . وَالْقَاضِي: [لَا تَصِحُّ] وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ عِنْدَهَا. وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ: [لَا تَصِحُّ،] وَلَا يَسْقُطُ. ص - لَنَا: الْقَطْعُ بِطَاعَةِ الْعَبْدِ وَعِصْيَانِهِ بِأَمْرِهِ بِالْخِيَاطَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ مَكَانٍ مَخْصُوصٍ لِلْجِهَتَيْنِ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ تَصِحَّ - لَكَانَ لِاتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِينَ ; إِذْ لَا مَانِعَ سِوَاهُ اتِّفَاقًا، وَلَا اتِّحَادَ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلصَّلَاةِ وَالنَّهْيَ لِلْغَصْبِ. وَاخْتِيَارُ الْمُكَلَّفِ [جَمْعَهُمَا] لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حَقِيقَتِهِمَا. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ تَصِحَّ - لَمَا ثَبَتَ صَلَاةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَلَا صِيَامٌ مَكْرُوهٌ ; لِتَضَادِّ الْأَحْكَامِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنِ اتَّحَدَ الْكَوْنُ مُنِعَ، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ ; لِرُجُوعِ النَّهْيِ إِلَى وَصْفٍ مُنْفَكٍّ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ تَصِحَّ - لَمَا سَقَطَ التَّكْلِيفُ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُمْ [لَمْ يَأْمُرُوهُمْ] بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَهُ جِهَتَانِ، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ ذَاتُ جِهَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُهَا صَلَاةً، وَالثَّانِيَةُ كَوْنُهَا غَصْبًا. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ مَعْقُولَةٌ بِدُونِ الْأُخْرَى. فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا وَاجِبًا مِنْ جِهَتَيْنِ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ إِذَا أَتَى بِهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَذَهَبَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا وَاجِبًا مِنْ جِهَتَيْنِ، وَلَا تَصِحُّ إِذَا أَتَى بِهَا، وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنِ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ الصَّلَاةِ لَا بِهَا. وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا وَاجِبًا مِنْ جِهَتَيْنِ، وَلَا تَصِحُّ إِذَا أَتَى بِهَا، وَلَا يَسْقُطْ عَنْهُ الطَّلَبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَقْرِيرِ الْأَقْوَالِ، شَرَعَ فِي إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مُدَّعَاهُ، وَبَيَّنَهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِجَوَازِ ذَلِكَ عَقْلًا. كَمَا إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا تَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ. فَإِنَّهُ إِذَا خَاطَ الثَّوْبَ فِي الدَّارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، نَقْطَعُ بِطَاعَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ خَاطَ، وَبِمَعْصِيَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ خَاطَ فِي الدَّارِ. فَيَكُونُ فِعْلُ الْخِيَاطَةِ مَأْمُورًا بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ جِهَتَيْنِ. فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَأْمُورٌ بِهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ، مَنْهِيٌّ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مَأْمُورًا بِهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا، كَانَ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ; إِذْ لَا مَانِعَ سِوَاهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ; إِذْ لَا اتِّحَادَ بَيْنَ مُتَعَلِّقِيهِمَا ; لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ هُوَ الصَّلَاةُ، وَمُتَعَلِّقَ النَّهْيِ كَوْنُهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ. وَاخْتِيَارُ الْمُكَلَّفِ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ كَوْنِهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حَقِيقَتِهِمَا، حَتَّى يَتَّحِدَّ الْجِهَتَانِ. وَقَدْ قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّلَاةَ مَأْمُورٌ بِهَا، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَوْنِهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، صَارَتْ هَيْئَةُ الصَّلَاةِ مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَلَا يُمْكِنُ حُصُولُهَا بِدُونِهَا، فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَنْهِيًّا عَنْهَا، فَلَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهَا. وَأَيْضًا: الْخِيَاطَةُ، إِنْ أُمِرَ بِهَا كَيْفَ كَانَتْ فَلَا يَكُونُ شَغْلُ الْحَيِّزِ مَمْنُوعًا عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ نَظِيرًا لِمُتَنَازَعٍ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ أُمِرَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَمُنِعَ الْعَبْدُ عَنْ شُغْلِ الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ وَاشْتَغَلَ بِالْخِيَاطَةِ فِيهَا فَهَذِهِ الْخِيَاطَةُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا، وَلَكِنْ يُعَدُّ الْعَبْدُ مُمْتَثِلًا; لِأَنَّهَا فِعْلٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَبْطُلُ بِالْمَنْعِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ لِلْمَانِعِ أَنْ يَقُولَ: لَا كَلَامَ فِي التَّغَايُرِ، بَلِ الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْجَمْعَ أَوْجَبَ لِلصَّلَاةِ هَيْئَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا مَنَعَتْ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مَأْمُورًا بِهَا. وَمَا ذَكَرْتَ لَا يَدْفَعُهُ. وَقِيلَ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَحَدُ أَجْزَائِهَا: الْكَوْنُ الَّذِي هُوَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ. وَهَذَا الْكَوْنُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ كَوْنٌ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَإِذَا كَانَ الْجُزْءُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، يَكُونُ الْكُلُّ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لَيْسَتْ مَأْمُورًا بِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاةٌ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ مُطْلَقًا. وَالْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ لَهَا بَعْدَ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَنْهِيًّا عَنْهَا، لَا يَكُونُ نَهْيُهَا مُوجِبًا لِنَهْيِ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ ; ضَرُورَةَ كَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ [لَهَا] ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُطْلَقَةَ قَدْ تَتَحَقَّقُ بِدُونِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ. وَإِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ الْمُطْلَقَةُ غَيْرَ مَنْهِيٍّ، وَقَدْ أَتَى بِهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالصَّلَاةِ الْمُقَيَّدَةِ، وَالْمُقَيُّدُ يَسْتَلْزِمُ الْمُطْلَقَ، فَيَكُونُ قَدْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهَا. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَمَرَ الْعَبْدَ بِالْخِيَاطَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَنَهَاهُ عَنْ شَغْلِهِ الْمَكَانَ الْمَخْصُوصَ وَقَالَ: إِنِ ارْتَكَبْتَ النَّهْيَ ضَرَبْتُكَ، وَإِنِ امْتَثَلْتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَمْرَ أَعْتَقْتُكَ، فَخَاطَ الثَّوْبَ فِي الدَّارِ، فَيَحْسُنُ مِنَ السَّيِّدِ أَنْ يَضْرِبَهُ وَيُعْتِقَهُ، وَيَقُولُ: أَطَاعَ بِالْخِيَاطَةِ وَعَصَى بِدُخُولِ الدَّارِ. فَالْخِيَاطَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ خِيَاطَةٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهَا قَطْعًا. وَأَمَّا الْفَرْقُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعِدُ الْعَبْدَ مُمْتَثِلًا لِأَنَّهَا فِعْلٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَبْطُلُ بِالْمَنْعِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ عَنِ الصَّلَاةِ، حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ لَا يُعَدَّ مُمْتَثِلًا، بَلِ الْمَنْعُ عَنْ كَوْنِهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَوُرُودُ الْمَنْعِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِعَدَمِ وُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ أَوْ لَا يَكُونُ مُوجِبًا. وَأَيًّا مَا كَانَ، لَا فَرْقَ بَيْنَ خِيَاطَةِ الْعَبْدِ وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فِي كَوْنِهِمَا وَاقِعِينَ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ أَوْ غَيْرَ وَاقِعَيْنِ. وَبِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا يُعْرَفُ جَوَابُ مَا قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، لَمَا ثَبَتَ صَلَاةٌ مَكْرُوهَةٌ وَلَا صِيَامٌ مَكْرُوهٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَمْكِنَةِ الَّتِي نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى كَرَاهَتِهَا فِيهَا، كَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْحَمَّامِ، صَلَاةٌ مَكْرُوهَةٌ. وَكَذَا الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الشَّكِّ صَوْمٌ مَكْرُوهٌ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوِ اسْتَحَالَ اجْتِمَاعُ التَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ، لَاسْتَحَالَ اجْتِمَاعُ الْوُجُوبِ وَالْكَرَاهَةِ ; لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ التَّحْرِيمُ ضِدًّا لِلْوُجُوبِ، تَكُونُ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا ضِدًّا لَهُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَوْنَ، أَيِ الْجِهَةَ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْوُجُوبُ، وَالْكَرَاهَةُ إِنِ اتَّحَدَ، مَنَعَ انْتِفَاءَ التَّالِي ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ صَلَاةٍ مَكْرُوهَةٍ تَكُونُ جِهَةُ وُجُوبِهَا وَكَرَاهَتِهَا مُتَّحِدَةً، وَلَا ثُبُوتَ صَوْمٍ كَذَلِكَ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ يَتَّحِدِ الْكَوْنُ، أَيِ الْجِهَةُ الْمَذْكُورَةُ، لَمْ يُفِدِ الدَّلِيلُ ; لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ حِينَئِذٍ رَاجِعٌ إِلَى وَصْفِ جَائِزِ الِانْفِكَاكِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ التَّعَرُّضُ لِنِفَارِ الْإِبِلِ فِي أَعْطَانِهَا، وَلِحَظْرِ السَّيْلِ فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَلِخَوْفِ الرَّشَاشِ فِي الْحَمَّامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَمْرُ رَاجِعٌ إِلَى الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، فَيَجُوزُ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ وَالْكَرَاهَةِ بِهَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ الْمُتَغَايِرَتَيْنِ. بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الْجِهَةَ الَّتِي تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِهَا - وَهِيَ كَوْنُهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ - لَا تَنْفَكُّ عَنِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ثُبُوتِ اجْتِمَاعِ الْكَرَاهَةِ وَالْوُجُوبِ ثُبُوتُ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ. قِيلَ: إِنَّ جِهَةَ الْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، هِيَ الصَّلَاةُ الْمُطْلَقَةُ، وَكَوْنُهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُنْفَكَّةٍ عَنِ الصَّلَاةِ الْمُشَخَّصَةِ لَكِنْ جَائِزَةُ الِانْفِكَاكِ عَنِ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ. وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ وَبَيْنَ جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْحُرْمَةِ وَالْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ، وَصْفٌ مُنْفَكٌّ عَنِ الصَّلَاةِ الْمُشَخِّصَةِ، بِخِلَافِ الْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْفَكٍّ عَنِ الصَّلَاةِ الْمُشَخِّصَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْفَرْقَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ غَيْرُ مُفِيدٍ ; لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ هُوَ الصَّلَاةُ الْمُطْلَقَةُ، لَا الْمُشَخِّصَةُ. ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ آخَرُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، لَمَا سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهَا عَنِ الْمُكَلَّفِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً لَمْ يُمْكِنِ الْإِتْيَانُ بِهَا، [إِتْيَانًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ،] وَالتَّكْلِيفُ كَيْفَ يَسْقُطُ بِعَدَمِ إِتْيَانِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِمَا قَالَ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَأْتِيِّ بِهَا فِي الْأَرَاضِي الْمَغْصُوبَةِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ خَالَفَ الْفُقَهَاءَ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَهُوَ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَالَغَ فِي تَفْتِيشِ النَّقْلِيَّاتِ، وَمَعَ مُخَالَفَتِهِ كَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ. ش - قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْمُتَكَلِّمُونَ: لَوْ صَحَّتِ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لَاتَّحَدَ الْمُتَعَلِّقَانِ، أَيْ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ أَنَّ الْكَوْنَ الْمَخْصُوصَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ هُوَ بِعَيْنِهِ الْكَوْنُ الَّذِي هُوَ الْغَصْبُ. وَالْكَوْنُ الَّذِي هُوَ الْغَصْبُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ. فَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ صَحِيحَةً لَكَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا ; لِأَنَّ الصِّحَّةَ هِيَ: مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَوْنُ مَأْمُورًا بِهِ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيُ وَاحِدًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِأَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ لَوْ صَحَّتْ لَاتَّحَدَ الْمُتَعَلِّقَانِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَوْنَ الْمَخْصُوصَ لَهُ جِهَتَانِ: إِحْدَاهُمَا جِهَةُ الصَّلَاةِ، وَالْأُخْرَى جِهَةُ الْغَصْبِ. وَلَا شَكَّ فِي تَغَايُرِ الْجِهَتَيْنِ وَجَوَازِ انْفِكَاكِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَبِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ، وَبِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ. قِيلَ: لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ لَمْ تَنْفَكَّ فِيَ الْخَارِجِ عَنِ الْجِهَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَمَلْزُومُ الْمَنْهِيِّ مَنْهِيٌّ. فَهَذِهِ الصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ مَنْهِيَّةٌ، فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَنْفَكَّ فِي الْخَارِجِ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَرُدَّ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَةِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ. ص - قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَكَلِّمُونَ: لَوْ صَحَّتْ - لَاتَّحَدَ الْمُتَعَلِّقَانِ ; لِأَنَّ الْكَوْنَ وَاحِدٌ، [وَهُوَ غَصْبٌ] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وَأُجِيبَ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ بِمَا سَبَقَ. ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّتِ يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ بِالْجِهَتَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ غَيْرُ مُنْفَكٍّ عَنِ الصَّوْمِ بِوَجْهٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ جِهَتَانِ. أَوْ بِأَنَّ نَهْيَ التَّحْرِيمِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدٌ إِلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ فِيهِ. ص - وَأَمَّا مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً - فَحَظُّ الْأُصُولِيِّ فِيهِ بَيَانُ اسْتِحَالَةِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعًا بِالْخُرُوجِ، وَخَطَأِ أَبِي هَاشِمٍ. وَإِذَا تَعَيَّنَ الْخُرُوجُ لِلْأَمْرِ - قُطِعَ بِنَفْيِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ بِشَرْطِهِ. وَقَوْلُ الْإِمَامِ بِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْخُرُوجِ، وَلَا نَهْيَ بَعِيدٌ. وَلَا جِهَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الِامْتِثَالِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ. خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ. لَنَا أَنَّهُ طَاعَةٌ. وَأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْأَمْرَ إِلَى إِيجَابٍ وَنَدْبٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْجِهَةِ الْمَنْهِيَّةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِهَةَ الْمَنْهِيَّةَ كَوْنُ الْفِعْلِ غَصْبًا، وَالصَّلَاةُ تَجُوزُ [انْفِكَاكُهَا] عَنْ كَوْنِ الْفِعْلِ غَصْبًا. ش - قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَكَلِّمُونَ: لَوْ صَحَّتِ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ بِاعْتِبَارِ جِهَتَيْنِ يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ عِلَّةَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ تَعَدُّدُ الْجِهَةِ، وَتَعَدُّدُ الْجِهَةِ مُتَحَقِّقٌ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَلْزَمُ صِحَّةُ الصَّوْمِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُومِ عَنِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ مُحَالٌ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجِهَتَيْنِ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ إِحْدَاهُمَا الصَّوْمُ، وَالْأُخْرَى صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ، وَصَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ غَيْرُ مُنْفَكٍّ عَنِ الصَّوْمِ ; لِأَنَّهُ خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْعَامِّ، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ جِهَتَانِ يَجُوزُ انْفِكَاكُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْأُخْرَى، فَيَمْتَنِعُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِهِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالنَّهْيَ يَجُوزُ تَعَلُّقُهُمَا بِشَيْءٍ ذِي جِهَتَيْنِ، إِذَا جَازَ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ. وَالْجِهَتَانِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ جَازَ انْفِكَاكُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْأُخْرَى ; لِأَنَّ الْجِهَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ لِلْأَمْرِ هِيَ الصَّلَاةُ، وَالْجِهَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ لِلنَّهْيِ كَوْنُ الْفِعْلِ غَصْبًا. وَيُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ الصَّلَاةُ بِدُونِ كَوْنِهَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَكَذَا كَوْنُ الْفِعْلِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يَجُوزُ انْفِكَاكُهُ عَنِ الصَّلَاةِ. فَيَجُوزُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، لِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْفَرْقِ. الثَّانِي: أَنَّ [نَهْيَ] صَوْمِ النَّحْرِ نَهْيَ التَّحْرِيمِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ نَهْيَ التَّحْرِيمِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الْجِهَتَيْنِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ فِيهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ نَهْيَ التَّحْرِيمَ تَعَدُّدُ الْجِهَتَيْنِ ; لِأَنَّ نَهْيَ التَّحْرِيمِ يَقْتَضِي الِانْتِهَاءَ عَنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَاعْتِبَارُ تَعَدُّدِ الْجِهَتَيْنِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. فَإِذًا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْجِهَتَيْنِ فِي نَهْيِ التَّحْرِيمِ إِلَّا بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. وَلَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ اعْتِبَارِ جِهَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَقِمِ الصَّلَاةَ، وَدَلَّ الدَّلِيلُ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ جِهَةِ الْغَصْبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] اعْتُبِرَ تَعَدُّدُ الْجِهَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ. وَأَيْضًا: الْإِجْمَاعُ عَلَى سُقُوطِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَأْتِيِّ بِهَا فِي الْأَمَاكِنِ الْمَغْصُوبَةِ، دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْإِجْمَاعَ. وَقِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْغَصْبِ بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ يُوجِبُ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَوْقَعَتْ فِيهَا. وَعَلَى الثَّانِي إِنَّ الدَّلِيلَ كَمَا دَلَّ عَلَى تَعَدُّدِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْجِهَتَيْنِ فِي صَوْمِ النَّحْرِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ جِهَةِ وُجُوبِ الصَّوْمِ. وَنَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمَيِ الْعِيدِ، دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ يَوْمِ الْعِيدِ ; فَإِنَّ الصَّوْمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ. وَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا: إِنَّ لِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ جِهَتَيْنِ، كَمَا لِلصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ: إِحْدَاهُمَا: الصَّوْمُ، وَالْأُخْرَى: إِيقَاعُهُ فِي ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْيَوْمِ. فَالصَّوْمُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَحِينَئِذٍ لَوْ صَحَّتِ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، لَصَحَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْغَصْبِ بَعْدَ الْجَمْعِ يُوجِبُ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجُزِ انْفِكَاكُ الْغَصْبِ، الَّذِي تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِهِ، عَنِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَمْ يُتَصَوَّرِ [انْفِكَاكُ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ عَنْ صَوْمٍ] . بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ ; فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْغَصْبِ فَالْغَصْبُ يَجُوزُ انْفِكَاكُهُ عَنِ الصَّلَاةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ إِثْبَاتِ كَوْنِ مِثْلِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ، أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا. وَحَظُّ الْأُصُولِيِّ بَيَانُ اسْتِحَالَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدَةِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ. أَمَّا بَيَانُ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ، مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَذَلِكَ فَلَا حَظَّ لِلْأُصُولِيِّ فِيهِ، بَلْ أَمْرُهُ مَوْكُولٌ إِلَى نَظَرِ الْفَقِيهِ. فَمَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً، فَلَا حَظَّ لِلْأُصُولِيِّ فِيهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْهَا مَأْمُورٌ بِهِ أَوْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، بَلْ حَظُّ الْأُصُولِيِّ فِيهِ أَنْ يُبَيِّنَ اسْتِحَالَةَ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعًا بِالْخُرُوجِ عَنْهَا ; لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْهَا لَيْسَ لَهُ جِهَتَانِ يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِإِحْدَاهُمَا وَالنَّهْيُ بِالْأُخْرَى. وَكَذَلِكَ حَظُّ الْأُصُولِيِّ أَنْ يُبَيِّنَ خَطَأَ أَبِي هَاشِمٍ لَاسْتَلْزَمَ مَذْهَبُهُ كَوْنَ الْخُرُوجِ مُتَعَلِّقًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا هَاشِمٍ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِالْخُرُوجِ وَالْإِقَامَةِ مَعًا. وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ مَأْمُورًا بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ ; لِأَنَّ الْإِقَامَةَ إِذَا كَانَتْ عِصْيَانًا، تَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ، فَيَكُونُ الْخُرُوجُ مَأْمُورًا بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ. وَإِذَا تَعَيَّنَ الْخُرُوجُ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا لِلْأَمْرِ، يَجِبُ أَنْ يُقْطَعَ بِنَفْيِ الْمَعْصِيَةِ، لِأَجْلِ الْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ، لَكِنْ بِشَرْطِ نَفْيِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ عَنِ الْغَضَبِ. فَإِنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِالْخُرُوجِ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَمْ يَنْتَفِ الْمَعْصِيَةُ عَنْهُ. أَمَّا لَوْ قَصَدَ الْخُرُوجَ عَنِ الْغَضَبِ انْتَفَى الْمَعْصِيَةُ ; لِكَوْنِ الْخُرُوجِ حِينَئِذٍ مَأْمُورًا بِهِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ لَا يَكُونُ مَعْصِيَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: يَتَعَيَّنُ الْخُرُوجُ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا لِلْأَمْرِ، وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَلَكِنْ يَسْتَصْحِبُ حُكْمَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْخُرُوجِ ; إِذِ الْمُوجِبُ لِلْمَعْصِيَةِ هُوَ الْغَضَبُ، وَهُوَ بَاقٍ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ. وَاسْتَبْعَدَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْإِمَامِ; لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِفِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقِ النَّهْيُ بِالْخُرُوجِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مَعْصِيَةً. قَوْلُهُ: " وَقَوْلُ الْإِمَامِ " مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: " بَعِيدٌ " خَبَرُهُ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا جِهَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الِامْتِثَالِ " إِشَارَةٌ إِلَى دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَقْرِيرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعًا بِالْخُرُوجِ مِنْ جِهَتَيْنِ، كَمَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا جِهَتَيْنِ لِلْخُرُوجِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ بِالْخُرُوجِ لَوْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لِلْخُرُوجِ جِهَتَانِ لَمْ يَتَعَذَّرْ الِامْتِثَالُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ. [هل الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَعَلِّقَتَيْنِ بِالْحَرَامِ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْمَنْدُوبِ وَذَكَرَهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ. الْمَنْدُوبُ لُغَةً: الْمَدْعُوُّ لِمُهِمٍّ، مِنَ النَّدْبِ وَهُوَ الدُّعَاءُ. وَفِي الشَّرْعِ: الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ النَّدْبُ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ. فَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، وَالْبَاقُونَ إِلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 قَالُوا: لَوْ كَانَ - لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً ; لِأَنَّهَا مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ، وَلَمَا صَحَّ: " لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ ". قُلْنَا: الْمَعْنَى أَمْرُ الْإِيجَابِ فِيهِمَا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمَنْدُوبُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ، خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ. وَهِيَ لَفْظِيَّةٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمَكْرُوهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ، كَالْمَنْدُوبِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْحَرَامِ، وَعَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يُطْلَقُ الْجَائِزُ عَلَى الْمُبَاحِ، وَعَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا. وَعَلَى مَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ [فِيهِمَا] وَعَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ [فِيهِمَا] بِالِاعْتِبَارَيْنِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. لَنَا أَنَّهَا خِطَابُ الشَّارِعِ. قَالُوا: انْتِفَاءُ الْحَرَجِ، وَهُوَ قَبْلَ الشَّرْعِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُبَاحُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، خِلَافًا لِلْكَعْبِيِّ. لَنَا أَنَّ الْأَمْرَ طَلَبٌ يَسْتَلْزِمُ التَّرْجِيحَ، وَلَا تَرْجِيحَ. ص -[قَالَ] : كُلٌّ مُبَاحٍ تَرْكُ حَرَامٍ، وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ. [وَتَأَوَّلَ] الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَاتِ الْفِعْلِ، لَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَنْدُوبَ طَاعَةٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ طَاعَةٌ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، فَالْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ. أَمَّا الصُّغْرَى فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْكُبْرَى فَلِأَنَّ الطَّاعَةَ تُقَابِلُ الْمَعْصِيَةَ، وَالْمَعْصِيَةُ: مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ، فَالطَّاعَةُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ فُلَانٌ مُطَاعُ الْأَمْرِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ. الثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ يَنْقَسِمُ إِلَى أَمْرِ إِيجَابٍ وَإِلَى أَمْرِ نَدْبٍ. وَمَوْرِدُ الْقِسْمَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ بِالضَّرُورَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِالطَّاعَةِ: مَا يُتَوَقَّعُ الثَّوَابُ عَلَى فِعْلِهِ، فَالصُّغْرَى مُسَلَّمَةٌ، وَالْكُبْرَى مَمْنُوعَةٌ; لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تُقَابِلُ الْمَعْصِيَةَ ; لِأَنَّ تَارِكَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ. وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالطَّاعَةِ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَالْكُبْرَى مُسَلَّمَةٌ، لَكِنَّ الصُّغْرَى مَمْنُوعَةٌ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَقِيقَةِ لِلْوُجُوبِ. فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى النَّدْبِ [كَانَ] مَجَازًا. وَنَحْنُ نَمْنَعُ إِطْلَاقَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْمَنْدُوبِ بِالْحَقِيقَةِ، وَنُسَلِّمُ إِطْلَاقَهُ عَلَيْهِ بِالْمَجَازِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُمَا: إِنَّ الْمَنْدُوبَ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ لِوَجْهَيْنِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً ; لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ: مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ وَإِلَّا لَاسْتَحَقَّ النَّارَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ، لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» " وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى سَلْبِ الْأَمْرِ عَنِ السِّوَاكِ، فَلَوْ كَانَ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ كَانَ السِّوَاكُ - لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا بِالِاتِّفَاقِ - مَأْمُورًا بِهِ، فَلَا يَكُونُ سَلْبُ الْأَمْرِ عَنْهُ صَحِيحًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْرَ: الَّذِي يَكُونُ مُخَالَفَتُهُ مَعْصِيَةً، وَالْأَمْرُ الْمَسْلُوبُ عَنِ السِّوَاكِ أَمْرُ الْإِيجَابٍ، لَا مُطْلَقَ الْأَمْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، أَوْ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يَلْزَمُ أَنْ [لَا] يَكُونَ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ. [هل المندوب تكليف] ش - اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ الْمَنْدُوبَ هَلْ يَكُونُ تَكْلِيفًا أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ. وَذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيُّ إِلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ. وَالْمَسْأَلَةُ لَفْظِيَّةٌ أَيِ النِّزَاعُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ لِفَظِّ التَّكْلِيفِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّكْلِيفِ: مَا يَتَرَجَّحُ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ، فَالْمَنْدُوبُ تَكْلِيفٌ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ طَلَبًا يَمْنَعُ النَّقِيضَ، فَهُوَ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ. [كون الْمَكْرُوهُ مَنْهِيّا عَنْهُ] ش - ذِكْرُ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمَكْرُوهِ. وَالْمَكْرُوهُ لُغَةً ضِدُّ الْمَحْبُوبِ. وَفِي الشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَعَلَّقُ بِهِ الْكَرَاهَةُ، كَمَا سَبَقَ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْمَكْرُوهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، غَيْرَ مُكَلَّفٍ، كَالْخِلَافِ فِي الْمَنْدُوبِ فِي كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ مُكَلَّفًا. وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الْكَلَامِ فِي الطَّرَفَيْنِ تَزْيِيفًا وَاخْتِيَارًا. وَيُطْلَقُ الْمَكْرُوهُ أَيْضًا عَلَى الْحَرَامِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى، كَتَرْكِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. [إطلاق الْجَائِزُ عَلَى الْمُبَاحِ] ش - ذَكَرَ أَحْكَامَ الْمُبَاحِ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي بَيَانِ مَفْهُومِ الْمُبَاحِ وَالْجَائِزِ. الْمُبَاحُ لُغَةً: الْمُعْلَنُ وَالْمَأْذُونُ، مِنَ الْإِبَاحَةِ. وَفِي الشَّرْعِ: الْفِعْلُ الَّذِي تَعْلَقُ بِهِ الْإِبَاحَةُ. وَالْجَائِزُ فِي اللُّغَةِ: الْعَابِرُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ: عَلَى الْمُبَاحِ الشَّرْعِيِّ. وَعَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ شَرْعًا، فَيَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ. وَعَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ عَقْلًا، فَيَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ الْخَاصَّ. وَعَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " مَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ " وَهُوَ الْمُمْكِنُ الْخَاصُّ، فَيَكُونُ أَخَصَّ مِمَّنْ قَبْلَهُ. وَعَلَى مَا يُشَكُّ فِيهِ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ، وَبِاعْتِبَارِ الِاسْتِوَاءِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجَائِزَ يُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا يُشَكُّ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا وَعَلَى مَا يُشَكُّ أَنَّهُ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ شَرْعًا. وَفِي الْعَقْلِ عَلَى مَا يُشَكُّ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا، وَعَلَى مَا يُشَكُّ أَنَّهُ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ عَقْلًا. [الْإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِبَاحَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. لَنَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ خِطَابُ الشَّارِعِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. قَالَ الْبَاقُونَ: الْإِبَاحَةُ: انْتِفَاءُ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَهُوَ قَبْلَ الشَّرْعِ مُتَحَقِّقٌ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. وَالْحُقُّ أَنَّ النِّزَاعَ فِيهِ لَفْظِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ أُرِيدَ الْإِبَاحَةُ: عَدَمُ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ، فَلَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا ; لِأَنَّهُ قَبْلَ الشَّرْعِ مُتَحَقِّقٌ، وَلَا حُكَمَ قَبْلَ الشَّرْعِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ: الْخِطَابُ الْوَارِدُ مِنَ الشَّرْعِ بِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ عَنِ الطَّرَفَيْنِ، فَهِيَ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. [كون الْمُبَاحُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ الْمُبَاحَ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَوْ لَا. فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا. وَالْكَعْبِيُّ: نَعَمْ. دَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَمْرَ طَلَبٌ يَسْتَلْزِمُ تَرْجِيحَ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْمُبَاحِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَبُ بِهِ، فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ. ش - قَالَ الْكَعْبِيُّ: الْمُبَاحُ مَأْمُورٌ بِهِ ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ وَاجِبٌ، وَكُلُّ وَاجِبٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ. أَمَّا الْكُبْرَى فَبِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا الصُّغْرَى فَلِأَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ ; إِذْ مَا مِنْ فِعْلٍ مُبَاحٍ إِلَّا وَيَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ تَرْكُ حَرَامٍ مَا. وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ. وَلَا يَتِمُّ تَرْكُ الْحَرَامِ إِلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّرْكُ، فَيَكُونُ الْمُبَاحُ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبًا ; لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ. وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُ الْكَعْبِيِّ: " الْمُبَاحُ تَرْكُ حَرَامٍ " عَلَى ظَاهِرِهِ، لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا ; لِأَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ يَحْصُلُ بِالْمُبَاحِ لَا نَفْسَهُ. وَأَيْضًا لَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: " وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ " وَجْهٌ. " وَتَأَوُّلُ الْإِجْمَاعِ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْكَعْبِيِّ. تَوْجِيهُ السُّؤَالِ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَعْبِيُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ وَاجِبٌ، يَقْتَضِي كَوْنَ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، الَّتِي تَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ، أَرْبَعَةً ; ضَرُورَةَ كَوْنِ الْمُبَاحِ وَاجِبًا حِينَئِذٍ. وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الْجُمْهُورَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَنْقَسِمُ إِلَى خَمْسَةٍ: وَاجِبٍ، وَمَنْدُوبٍ، وَمُبَاحٍ، وَمَكْرُوهٍ، وَمُحَرَّمٍ. فَيَكُونُ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ بَاطِلًا. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ - نَظَرًا إِلَى ذَاتِهَا، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ - تَنْقَسِمُ إِلَى خَمْسَةٍ، فَيَكُونُ الْفِعْلُ الْمُبَاحُ - نَظَرًا إِلَى ذَاتِهِ - لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ص - وَأُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ: [الْأَوَّلُ] أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِذَلِكَ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَفِيهِ تَسْلِيمُ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ، فَمَا [فَعَلَهُ] فَهُوَ وَاجِبٌ قَطْعًا. الثَّانِي: إِلْزَامُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ حَرَامٌ إِذَا تُرِكَ بِهَا وَاجِبٌ، وَهُوَ يَلْتَزِمُهُ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ. ص - وَلَا مُخَلِّصَ إِلَّا بِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ [مِنْ عَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ] فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. ص - قَوْلُ الْأُسْتَاذِ: " الْإِبَاحَةُ تَكْلِيفٌ " بَعِيدٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُبَاحُ لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ، بَلْ هُمَا نَوْعَانِ لِلْحُكْمِ. لَنَا: لَوْ كَانَ جِنْسُهُ - لَاسْتَلْزَمَ النَّوْعُ التَّخْيِيرَ. قَالُوا: مَأْذُونٌ فِيهِمَا، وَاخْتَصَّ الْوَاجِبُ. قُلْنَا: تَرَكْتُمْ فَصْلَ الْمُبَاحِ. ص - خِطَابُ الْوَضْعِ، كَالْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِالسَّبَبِيَّةِ، الْوَقْتِيَّةِ، كَالزَّوَالِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَوْنِهِ مُبَاحًا. وَبِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ، يَكُونُ وَاجِبًا. وَإِنَّمَا أُوِّلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَوْ حُمِلَ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ مُنْقَسِمًا إِلَى الْخَمْسَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ، يَلْزَمُ بُطْلَانُ دَلِيلِ الْكَعْبِيِّ. وَلَوْ حُمِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنَ الدَّلِيلَيْنِ، أَعْنِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ خَمْسَةٌ، وَدَلِيلُ الْكَعْبِيِّ ضَائِعًا. ش - أُجِيبَ عَنْ دَلِيلِ الْكَعْبِيِّ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْصُلُ تَرْكُ الْحَرَامِ بِالْمُبَاحِ، كَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، فَلَا يَكُونُ الْمُبَاحُ عَلَى التَّعْيِينِ وَاجِبًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَزَيَّفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْجَوَابَ بِأَنَّ فِي الْجَوَابِ تَسْلِيمَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، فَمَا فَعَلَهُ، أَعْنِي الْمُبَاحَ، يَكُونُ وَاجِبًا ; لِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ. الثَّانِي: نَقْضٌ إِجْمَالِيٌّ. تَقْرِيرُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَعْبِيُّ صَحِيحًا، يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ حَرَامًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ إِذَا تُرِكَ بِهَا وَاجِبٌ، كَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفَوْرِ، يَكُونُ تَرْكُهَا وَاجِبًا ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ، لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَاجِبًا، فَتَكُونُ الصَّلَاةُ حَرَامًا. وَزَيَّفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْجَوَابَ أَيْضًا، بِأَنَّ الْكَعْبِيَّ يَمْنَعُ انْتِفَاءَ التَّالِي وَيَلْتَزِمُ كَوْنَ الصَّلَاةِ وَاجِبًا حَرَامًا بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. ش - لَمَّا زَيَّفَ الْجَوَّابَيْنِ، أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا مُخَلِّصَ مِنْ دَلِيلِ الْكَعْبِيِّ إِلَّا بِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، إِنْ كَانَ شَرْطًا شَرْعِيًّا، كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا عَقْلًا، كَنَصْبِ السُّلَّمِ لِلصُّعُودِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ عَادَةً، كَطَلَبِ الرَّفِيقِ فِي السَّفَرِ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ شَرْعًا. فَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ دَلِيلُ الْكَعْبِيِّ لِكَوْنِ تَرْكِ الْأَضْدَادِ مِنَ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ عَقْلًا. فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الشَّيْءِ شَرْعًا وُجُوبُ تَرْكِ أَضْدَادِهِ. ش - ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيُّ إِلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ تَكْلِيفٌ، خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ. وَقَوْلُ الْأُسْتَاذِ بِعِيدٌ ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِطَلَبِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، وَلَا كُلْفَةَ فِي التَّخْيِيرِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلَبْ بِهِ شَيْءٌ. [كون المباح من جنس الواجب] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُبَاحَ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ أَمْ لَا. فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ وَالْأُخْرَى إِلَى الْآخَرِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ، بَلْ لِلْوَاجِبِ وَالْمُبَاحِ نَوْعَانِ مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ جِنْسٍ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ. وَتَسْمِيَتُهُ بِالْحُكْمِ مَجَازٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُبَاحُ جِنْسًا لِلْوَاجِبِ لَاسْتَلْزَمَ النَّوْعُ أَعْنِي الْوَاجِبَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمُبَاحَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّخْيِيرِ، وَإِذَا كَانَ الْجِنْسُ مُسْتَلْزِمًا لِشَيْءٍ يَكُونُ النَّوْعُ مُسْتَلْزِمًا لَهُ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مُسْتَلْزِمًا لِلتَّخْيِيرِ. الْقَائِلُونَ بِكَوْنِ الْمُبَاحِ جِنْسًا لِلْوَاجِبِ، قَالُوا: الْمُبَاحُ وَالْوَاجِبُ مَأْذُونٌ فِيهِمَا، وَاخْتَصَّ الْوَاجِبُ بِفَصْلِ الْمَنْعِ مِنَ التَّرْكِ. فَالْمَأْذُونُ [الَّذِي] هُوَ حَقِيقَةُ الْمُبَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ جِنْسًا لَهُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ فَصْلَ الْمُبَاحِ ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ هُوَ الْمَأْذُونَ فَقَطْ، بَلِ الْمَأْذُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنَ التَّرْكِ. وَالْمَأْذُونُ الْمُقَيَّدُ بِهَذَا الْقَيْدِ لَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، بَلْ يَكُونُ مُبَايِنًا لِلْوَاجِبِ. وَالْحُقُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْمُبَاحِ: الْمَأْذُونُ فَقَطْ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ جِنْسًا. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَأْذُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنَ التَّرْكِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَكُونُ نَوْعًا مُبَايِنًا لِلْوَاجِبِ، فَلَمْ يَكُنْ جِنْسًا لَهُ. [خِطَابُ الْوَضْعِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ [خِطَابِ] الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ شَرَعَ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ. وَهُوَ عَلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا. وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ شَيْءٍ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَبْلُ: السَّبَبَ. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا مُؤَثِّرًا فِيهِ. فَإِنَّ الْأَحْكَامَ قَدِيمَةٌ، وَالْأَوْصَافَ الَّتِي جُعِلَتْ أَسْبَابًا، حَادِثَةٌ، وَالْحَادِثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْقَدِيمِ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ فِي السَّبَبِ كَوْنَهُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا ; لِأَنَّ الْأَسْبَابَ إِنَّمَا وُضِعَتْ مُعَرِّفَاتٍ لِلْأَحْكَامِ لِسُهُولَةِ اطِّلَاعِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَالْمَعْنَوِيَّةِ، كَالْإِسْكَارِ وَالْمِلْكِ وَالضَّمَانِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَبِالْمَانِعِيَّةِ لِلْحُكْمِ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ، كَالْأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ وَلِلسَّبَبِ لِحِكْمَةٍ تَحِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ، كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ. فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ - فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِمَا، كَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَالطَّهَارَةِ. ص - وَأَمَّا الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ أَوِ الْحُكْمُ بِهِمَا - فَأَمْرٌ عَقْلِيٌّ ; لِأَنَّهَا إِمَّا كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ، وَإِمَّا مُوَافَقَةُ أَمْرِ الشَّرْعِ. وَالْبُطْلَانُ وَالْفَسَادُ نَقِيضُهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُتَعَيِّنِ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهَا، خُصُوصًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَسْبَابُ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً حَتَّى يَحْصُلَ الْغَرَضُ الْمَذْكُورُ. وَالسَّبَبُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَقْتِيٍّ، وَإِلَى مَعْنَوِيٍّ. فَالْوَقْتِيُّ: هُوَ مَا لَا يَسْتَلْزِمُ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحُكْمِ حِكْمَةً بَاعِثَةً، كَدُلُوكِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّفُ وَقْتَ وُجُوبِ الظُّهْرِ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِحِكْمَةٍ بَاعِثَةٍ. وَالْمَعْنَوِيُّ: هُوَ مَا يَسْتَلْزِمُ حِكْمَةً بَاعِثَةً فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَالْإِسْكَارِ جُعِلَ عِلَّةً لِلتَّحْرِيمِ. وَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ جُعِلَ سَبَبًا لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ. وَالضَّمَانِ فَإِنَّهُ جُعِلَ سَبَبًا لِمُطَالَبَةِ الضَّامِنِ بِالدَّيْنِ. وَالْعُقُوبَاتِ فَإِنَّهُ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ. الثَّانِي: الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ [بِكَوْنِهِ] مَانِعًا، إِمَّا لِلْحُكْمِ، هُوَ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الْمُسْتَلْزِمُ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ السَّبَبِ. كَالْأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّهَا وَصْفٌ وُجُودِيٌّ مُنْضَبِطٌ ظَاهِرٌ مَانِعٌ لِحُكْمِ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى حِكْمَةٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْقِصَاصِ. وَتِلْكَ الْحِكْمَةُ: كَوْنُ الْأَبِ سَبَبَ وُجُودِ الِابْنِ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ سَبَبًا مُعْدِمًا لَهُ. وَإِمَّا لِسَبَبِ الْحُكْمِ، وَهَذَا الْمَانِعُ هُوَ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الْمُقْتَضِي لِاخْتِلَالِ حِكْمَةِ السَّبَبِ، كَالدَّيْنِ عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا كَامِلًا. فَإِنَّهُ [وَصْفٌ] وُجُودِيٌّ مُقْتَضٍ لِاخْتِلَالِ حِكْمَةِ سَبَبِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ تَحَقُّقُ النِّصَابِ وَحِكْمَتَهُ سَدُّ خَلَّةِ الْفُقَرَاءِ. وَحِكْمَةُ الْمَانِعِ لِلسَّبَبِ تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ. الثَّالِثُ: الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ بِالشَّرْطِيَّةِ. قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصْفَ الْمَانِعَ لِلْحُكْمِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ. وَالْوَصْفُ الْمَانِعُ لِسَبَبِ الْحُكْمِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي اخْتِلَالَ حِكْمَةِ السَّبَبِ. فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمُهُ حِكْمَةً تَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ، يُسَمَّى شَرْطَ الْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمُهُ حِكْمَةً تَقْتَضِي اخْتِلَالَ حِكْمَةِ سَبَبِ الْحُكْمِ، يُسَمَّى شَرْطَ السَّبَبِ. مِثَالُ شَرْطِ السَّبَبِ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ ; فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ حُكْمٌ، وَصِحَّةُ الْبَيْعِ سَبَبُهُ، وَإِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ حِكْمَةُ صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِفَاعِ الْمُوجِبِ لِاخْتِلَالِ إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ. مِثَالُ شَرْطِ الْحُكْمِ: الطَّهَارَةُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ ; فَإِنَّ حُصُولَ الثَّوَابِ وَدَفْعَ الْعِقَابِ حُكْمٌ، وَالصَّلَاةُ سَبَبُهُ، وَحِكْمَةُ الصَّلَاةِ التَّوَجُّهُ إِلَى جَنَابِ الْحَقِّ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطُ الصَّلَاةِ ; فَإِنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ يَسْتَلْزِمُ مَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ، أَعْنِي عَدَمَ حُصُولِ الثَّوَابِ وَعَدَمَ دَفْعِ الْعِقَابِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ الصَّلَاةِ. [الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ] ش - اعْلَمْ أَنَّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْوَضْعِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَمْ لَا. فَقَالَ قَوْمٌ: خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَرِدُ [بِالِاقْتِضَاءِ] وَالتَّخْيِيرِ، فَقَدْ يَرِدُ لِجَعْلِ الشَّيْءِ سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا. فَلِلَّهِ تَعَالَى فِي الزَّانِي حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي جَعْلُ الزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمَذْهَبَ. فَلِهَذَا الْتَزَمَ وُجُوبَ ذِكْرِ الْوَضْعِ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ لِاسْتِقَامَتِهِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ كَوْنَ الزِّنَا مَثَلًا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ، بَلِ الْمُرَادُ حُكْمُ الشَّرْعِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا، أَيْ مُعَرِّفًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ. فَتَكُونُ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ حُكْمًا وَضْعِيًّا. وَأَمَّا الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ، فَقِيلَ: إِنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْوَضْعِ ; لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَبُطْلَانِهَا، وَكَذَا بِصِحَّةِ الْمُعَامَلَاتِ وَبُطْلَانِهَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اقْتِضَاءٌ وَلَا تَخْيِيرٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: الصِّحَّةُ مَعْنَاهَا: الْإِبَاحَةُ. وَالْبُطْلَانُ مَعْنَاهُ: الْحُرْمَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الْحَنَفِيَّةُ: الْفَاسِدُ: الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ، الْمَمْنُوعُ بِوَصْفِهِ. ص - وَأَمَّا الرُّخْصَةُ: فَالْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ. كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَمُبَاحًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ إِلَى أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ، أَوِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ، غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنَ الشَّرْعِ، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا أَمْرٌ عَقْلِيٌّ ; لِأَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْعِبَادَةِ إِمَّا كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ، أَوْ مُوَافَقَتُهُ لِأَمْرِ الشَّرِيعَةِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ. فَصَلَاةُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ ; لِعَدَمِ [سُقُوطِ] الْقَضَاءِ، وَصَحِيحَةٌ عَلَى الثَّانِي ; لِكَوْنِهَا مُتوَافِقَةً لِأَمْرِ الشَّرْعِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِبَادَةَ إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى أَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا حَكَمَ الْعَقْلُ بِصِحَّتِهَا بِكُلٍّ مِنَ التَّفْسِيرَيْنِ، سَوَاءٌ حَكَمَ الشَّارِعُ بِهَا أَوْ لَا. وَأَمَّا الصِّحَّةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: [إِنَّهَا أَيْضًا] أَمْرٌ عَقْلِيٌّ ; لِأَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ: كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ. وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْأَسْبَابِ وَالشَّرَائِطِ وَارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ، حَكَمَ الْعَقْلُ بِتَرَتُّبِ أَثَرِهِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ حَكَمَ الشَّرْعُ بِهَا أَوْ لَمْ يَحْكُمْ. وَالْبُطْلَانُ وَالْفَسَادُ عِنْدَنَا نَقِيضُ الصِّحَّةِ. فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: الْفَاسِدُ قِسْمٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْبَاطِلِ. فَالصَّحِيحُ مَا شُرِعَ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ. وَالْبَاطِلُ مَا لَمْ يُشْرَعْ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، كَبَيْعٍ الْمَلَاقِيحِ. وَالْفَاسِدُ مَا شُرِعَ بِأَصْلِهِ وَلَمْ يُشْرَعْ بِوَصْفِهِ. كَعَقْدِ الرِّبَا فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَيْعٌ، وَمَمْنُوعٌ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى وَصْفِ الزِّيَادَةِ. [الرخصة والعزيمة] ش - الرُّخْصَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّيْسِيرُ. وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَإِنَّمَا قَالَ: " الْمَشْرُوعُ " وَلَمْ يَقِلْ مَا جَازَ فِعْلُهُ ; لِيَتَنَاوَلَ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ ; فَإِنَّ الرُّخْصَةَ كَمَا تَكُونُ بِالْفِعْلِ، كَذَلِكَ قَدْ تَكُونُ بِالتَّرْكِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " وَالْمَشْرُوعُ " كَالْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ " لِعُذْرٍ " احْتِرَازٌ عَنِ الْمَشْرُوعِ لَا لِعُذْرٍ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: " مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ " احْتِرَازٌ عَنِ الْمَشْرُوعِ لِعُذْرٍ، مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ، كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَإِنَّ الْإِطْعَامَ هُوَ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ، وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِعْتَاقِ، لَكِنَّ الْمُحَرِّمَ غَيْرُ قَائِمٍ ; لِأَنَّ عِنْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ لَا يَكُونُ الْإِعْتَاقُ وَاجِبًا، لِاسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا تَرْكُ الْإِعْتَاقِ قَائِمًا. وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: " لَا لِعُذْرٍ " لِيُعْلَمَ أَنَّ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ، لَا عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْعُذْرِ ; فَإِنَّ عِنْدَ وُجُودِ الْعُذْرِ لَمْ يَكُنِ الْمُحَرِّمُ قَائِمًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِطْعَامُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عِنْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ رُخْصَةً ; لِأَنَّهُ لَوِ الْعُذْرُ - وَهُوَ فَقْدُ الرَّقَبَةِ - لَكَانَ الْمُحَرِّمُ قَائِمًا. وَالْمَشْرُوعُ الَّذِي هُوَ الرُّخْصَةُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ. وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا كَالْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ، إِذَا كَانَ السَّفَرُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ. وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا، كَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفٌّ وَنَشْرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ الْوَضْعِ، بَلْ رَاجِعَةٌ إِلَى الِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُبَاحَةً. وَالْعَزِيمَةُ فِي اللُّغَةِ: الرُّقْيَةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ الْمُوَكَّدِ عَلَى أَمْرٍ مَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] ، وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ الرُّسُلِ " أُولِي الْعَزْمِ " لِتَأْكِيدِ قَصْدِهِمْ فِي إِظْهَارِ الْحَقِّ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَعِبَارَةٌ عَمَّا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا. [الْمَحْكُومُ فِيهِ: الْأَفْعَالُ] [شَرْطُ الْمَطْلُوبِ الْإِمْكَانُ] ش - الْأَصْلُ الثَّالِثُ الْمَحْكُومُ فِيهِ، وَهُوَ الْأَفْعَالُ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ. وَالْأَفْعَالُ لَا تَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمْتَنِعَةً لِذَاتِهَا أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ مَطْلُوبًا، أَيْ مُكَلَّفًا بِهِ. فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُكَلَّفَ بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُكَلَّفَ بِهِ وَقَدْ نُسِبَ هَذَا إِلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَالثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ - لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا لِغَيْرِهِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ - أَوْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 ص - الْمَحْكُومُ فِيهِ: الْأَفْعَالُ. (مَسْأَلَةٌ) : شَرْطُ الْمَطْلُوبِ: الْإِمْكَانُ. وَنُسِبَ خِلَافُهُ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. لَنَا: لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ [بِالْمُسْتَحِيلِ] ، لَكَانَ مُسْتَدْعِي الْحُصُولِ ; لِأَنَّهُ مَعْنَى الطَّلَبِ. وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ. وَاسْتِدْعَاءُ حُصُولِهِ فَرْعُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ مُثْبَتًا - لَزِمَ تَصَوُّرُ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ مَاهِيَّتِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ. ص - فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ - لَمْ يُعْلَمْ إِحَالَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِصِفَةِ الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ مَطْلُوبًا وَوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِهِ. وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ - انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِهِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، أَيِ الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ، بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لَكَانَ الْمُحَالُ مُسْتَدْعَى الْحُصُولِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَالُ مُكَلَّفًا بِهِ، لَكَانَ مَطْلُوبًا ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ: طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. وَلَوْ كَانَ مَطْلُوبًا لَكَانَ مُسْتَدْعَى الْحُصُولِ ; لِأَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْحُصُولِ مَعْنَى الطَّلَبِ. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِأَنَّ الْمُحَالَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ، وَاسْتِدْعَاءُ حُصُولِهِ فَرْعُ تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ ; لِاسْتِحَالَةِ اسْتِدْعَاءِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ. وَإِذَا انْتَفَى الْأَصْلُ، انْتَفَى الْفَرْعُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُحَالَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ مُثْبَتًا، أَيْ تُصُوِّرَ وُقُوعُهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ - وَهُوَ مُمْتَنِعُ الْحُصُولِ مِنْهُ - لَزِمَ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَاهِيَتِّهِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ ; فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ مَعَ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ. ش - هَذِهِ مُعَارَضَةٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ. تَوْجِيهُهَا أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُقُوعُ الْمُحَالِ امْتَنَعَ التَّصْدِيقُ بِإِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ; لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِثُبُوتِ الصِّفَةِ لِلشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الشَّيْءِ. فَالْحُكْمُ بِإِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّصْدِيقِ، فَرْعٌ عَلَى تَصَوُّرِ وُقُوعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: " لَمْ يُعْلَمْ " أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ بِهِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُخَصُّ بِالتَّصْدِيقِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: " الْعِلْمُ " فِي قَوْلِهِ: " الْعِلْمُ بِصِفَةِ الشَّيْءِ ". أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُتَصَوَّرَ الْمَحْكُومَ بِنَفْيهِ عَنِ الضِّدَّيْنِ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُضَادَّةً. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنِ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ ثَابِتًا لَهُمَا، فَلَا يَلْزَمُ تَصَوُّرُ وُقُوعِ الْمُحَالِ. وَفِي قَوْلِهِ: " لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا " نَظَرٌ ; لِأَنَّ تَصَوُّرَ السَّلْبِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَصَوُّرِ الْإِيجَابِ ; إِذِ السَّلْبُ الْمُطْلَقُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ابْتِدَاءً. وَلِهَذَا قِيلَ: الْإِيجَابُ أَبْسَطُ مِنَ السَّلْبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 قُلْنَا: الْجَمْعُ الْمُتَصَوَّرُ جَمْعُ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَهُوَ الْمَحْكُومُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنِ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا. ص - فَإِنْ قِيلَ يُتَصَوَّرُ ذِهْنًا لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ، لَا فِي الْخَارِجِ. قُلْنَا: فَيَكُونُ الْخَارِجُ مُسْتَحِيلًا، وَالذِّهْنِيُّ بِخِلَافِهِ. وَأَيْضًا: يَكُونُ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحَالَةِ عَلَى مَا لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ. وَأَيْضًا: الْحُكْمُ عَلَى الْخَارِجِ يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَهُ لِلْخَارِجِ. ص - الْمُخَالِفُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ - لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ الْعَاصِيَ مَأْمُورٌ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ. وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ، وَمَنْ نُسِخَ عَنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ. وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا حَالَ الْفِعْلِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَقَدْ كُلِّفَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ. وَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَيْنِ نُسِبَ تَكْلِيفُ الْمُحَالِ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ. ص - وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَ الْوُقُوعِ لِجَوَازِهِ مِنْهُ، [فَهُوَ] غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَبِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا تَكْلِيفٌ بِالْمُسْتَحِيلِ، وَهُوَ بَاطِلٌ [بِالْإِجْمَاعِ] . ص - قَالُوا: كَلَّفَ أَبَا جَهْلٍ تَصْدِيقَ رَسُولِهِ فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقَهُ، فَقَدْ كَلَّفَهُ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ. ص - وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كُلِّفُوا بِتَصْدِيقِهِ. وَإِخْبَارُ رَسُولِهِ كَإِخْبَارِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَلَا يَخْرُجُ الْمُمْكِنُ عَنِ الْإِمْكَانِ بِخَبَرٍ أَوْ عِلْمٍ. نَعَمْ لَوْ كُلِّفُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ - لَانْتَفَتْ فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ قَطْعًا، خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي تَكْلِيفِ الْكَفَّارِ بِالْفُرُوعِ. وَالظَّاهِرُ [الْوُقُوعُ] . ص - لَنَا: لَوْ كَانَ شَرْطًا - لَمْ تَجِبْ صَلَاةٌ عَلَى مُحْدِثٍ وَجُنُبٍ، وَلَا قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا اللَّامُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا. ص - قَالُوا: لَوْ كُلِّفَ بِهَا - لَصَحَّتْ مِنْهُ. قُلْنَا: غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ. ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّ لَأَمْكَنَ الِامْتِثَالُ. وَفِي الْكُفْرِ لَا يُمْكِنُ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ. قُلْنَا: يُسَلِّمُ وَيَفْعَلُ، كَالْمُحْدِثِ. ص - الْوُقُوعُ. وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. ص - قَالُوا: لَوْ وَقَعَ - لَوَجَبَ الْقَضَاءُ. قُلْنَا: الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ وَلَا صِحَّتِهِ رَبْطٌ عَقْلِيٌّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِفِعْلٍ. فَالْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ: كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْفِعْلِ. وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ وَكَثِيرٍ: نَفْيُ الْفِعْلِ. لَنَا: لَوْ كَانَ - لَكَانَ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ مِنْهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ [لَهُ] . وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ [لَهُ] ، كَأَحَدِ قَوْلَيِ الْقَاضِي. وَرُدَّ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا وَاسْتَمَرَّ. وَالْقُدْرَةُ تَقْتَضِي أَثَرًا عَقْلًا. وَفِيهِ نَظَرٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا فِي الذِّهْنِ لِكَوْنِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ ; وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ حَاصِلٌ فِي الذِّهْنِ، فَيُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِيهِ. وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الْخَارِجِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ. أَحَدُهَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الْخَارِجِ مُسْتَحِيلٌ، وَالْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الذِّهْنِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ. فَلَا يَكُونُ تَصَوُّرُ وُقُوعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ذِهْنًا، تَصَوُّرَ وُقُوعِ الْحَالِ، بَلْ تَصَوُّرُ وُقُوعِ الْمُمْكِنِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي تَصَوُّرِ وُقُوعِ الْمُحَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحُكْمُ بِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ حُكْمًا بِاسْتِحَالَةِ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فِي الذِّهْنِ الَّذِي هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ فِي الْخَارِجِ يَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ وُقُوعِهِ فِي الْخَارِجِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُقُوعُهُ فِي الْخَارِجِ، اسْتَحَالَ الْحُكْمُ بِاسْتِحَالَتِهِ فِيهِ. ش - قَالَ الْمُخَالِفُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لَمْ يَقَعْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ وُقُوعَ الشَّيْءِ فَرْعُ إِمْكَانِهِ، فَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ مُمْكِنًا، لَا يَكُونُ وَاقِعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ الْعَاصِيَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ مَأْمُورٌ بِالْإِتْيَانِ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ. وَالْإِتْيَانُ بِهِ مُحَالٌ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ عَدَمَ وُقُوعِهِ. وَكُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَ وُقُوعِهِ، يَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ جَهْلُهُ، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَيَكُونُ مَا يَتْرُكُهُ الْعَاصِي مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ. فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ وَاقِعًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمِنُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: 7] فَوُقُوعُ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ مُحَالٌ وَلَا يَلْزَمُ كَذِبُ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ. وَالْكَافِرُ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ وَاقِعًا. وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْفِعْلِ. وَكَذَلِكَ كَلَّفَ مَنْ نَسَخَ عَنْهُ الْفِعْلَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ. وَذَلِكَ بِعَيْنِهِ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ، فَيَكُونُ وَاقِعًا. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْفِعْلِ إِلَّا حَالَ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ ; إِذْ لَوْ وُجِدَتِ الْقُدْرَةُ قَبْلَ الْفِعْلِ لَكَانَ لَهَا مُتَعَلِّقٌ مَوْجُودٌ ; لِاسْتِحَالَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَنْ يَكُونَ الْمَعْدُومُ مَقْدُورًا. وَإِذَا كَانَتِ الْقُدْرَةُ مَعَ صُدُورِ الْفِعْلِ يَكُونُ الْفِعْلُ قَبْلَ صُدُورِهِ مُمْتَنِعًا ; ضَرُورَةَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. وَالتَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ لَا يَكُونُ حَالَةَ صُدُورِ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ صُدُورِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ، وَيَكُونُ قَبْلَ صُدُورِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِهِ [تَكْلِيفًا] بِالْمُسْتَحِيلِ. وَمِنْهَا: أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] ". وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً لِلْعَبْدِ لَكَانَ الْعَبْدُ خَالِقَهَا، إِمَّا بِالطَّبْعِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ بِالِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ عَالِمًا بِتَفَاصِيلِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِتَفَاصِيلِ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ صُدُورُ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ بِالِاخْتِيَارِ. وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُرِيدًا لَهَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِتَفَاصِيلِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَا تَكُونُ مَخْلُوقَةً لَهُ، فَتَكُونُ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعَالَى. فَيَكُونُ [تَكْلِيفُ] الْعَبْدِ بِهَا تَكْلِيفًا بِمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ ; لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ مَا وَقَعَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ لَا قُدْرَةَ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْفِعْلِ إِلَّا حَالَ إِيجَادِ الْفِعْلِ، وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَيْنِ نُسِبَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ، فَضْلًا عَنِ الْقَوْلِ بِهِمَا. ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ فِي نَفْيِ التَّالِي لَا يَمْتَنِعُ تَصَوُّرُ وُقُوعِهَا مِنَ الْمُكَلَّفِ، لِجَوَازِ صُدُورِهَا مِنَ الْمُكَلَّفِ بِحَسَبِ الذَّاتِ، وَإِنِ امْتَنَعَ صُدُورُهَا مِنْهُ بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ، وَهُوَ تَعَلُّقُ عِلْمِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ، فَيَكُونُ غَيْرَ مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُمْتَنِعِ بِالذَّاتِ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ بِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا اسْتِلْزَامُ كَوْنِ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ، كَوْنَ الْفِعْلِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا اسْتِلْزَامُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ وُقُوعَهُ وَامْتَنَعَ كُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَ وُقُوعِهِ، لَكَانَتِ الْأَفْعَالُ إِمَّا وَاجِبَةً أَوْ مُمْتَنِعَةً، وَالتَّكْلِيفُ بِهِمَا تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ ذَكَرُوا دَلِيلًا آخَرَ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ جَائِزٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ أَبَا جَهْلٍ تَصْدِيقَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ ; لِأَنَّهُ كَلَّفَهُ بِالْإِيمَانِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَصْدِيقِهِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ. وَمِمَّا جَاءَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ ; فَيَكُونُ أَبُو جَهْلٍ مُكَلَّفًا [بِتَصْدِيقِ] الرَّسُولِ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ. [وَهَذَا] الْخَبَرُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِالتَّصْدِيقِ حَالَ عَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَهُوَ تَكْلِيفٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ وَاقِعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَأَمْثَالَهُ كُلِّفُوا بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا جَاءَ بِهِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ. وَإِخْبَارُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَهُ، كَإِخْبَارِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] وَالْمُمْكِنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ إِمْكَانِهِ بِخَبَرِ الرَّسُولِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ، وَبِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى [أَيْضًا] بِعَدَمِ وُقُوعِهِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يَكُونُ مُمْتَنِعًا بِسَبَبِ الْغَيْرِ. وَالْعِلْمُ وَالِامْتِنَاعُ بِالْغَيْرِ لَا يُنَافِي الْإِمْكَانَ بِحَسْبِ الذَّاتِ. فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفُهُمْ بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ تَكْلِيفًا بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ الَّذِي هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ كُلِّفُوا بِتَصْدِيقِهِ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَهُ، لَانْتَفَتْ فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ: لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ، الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَعَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ. وَمِثْلُ هَذَا التَّكْلِيفِ - وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ مَعَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ - غَيْرُ وَاقِعٍ. [شرطية حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ في التكليف] ش - ذَكَرَ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: لَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَيِ الْحَنَفِيَّةُ: نَعَمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الشَّيْءِ، كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ حَالَةَ الْكُفْرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَعَمَّ مِنْهُ. وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمَشْرُوطِ وَاقِعٌ عِنْدِ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ. ش - أَقَامَ الْمُصَنِّفُ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ قَطْعًا. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُصُولُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ شَرَطَا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ، لَمْ تَجِبْ صَلَاةٌ عَلَى مُحْدِثٍ وَجُنُبٍ، وَلَمْ تَجِبْ صَلَاةٌ قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَمْ يَجِبْ أَيْضًا " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا اللَّامُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ عَنِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَالنِّيَّةِ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لِصِحَّةِ التَّلَفُّظِ بِـ " اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَكْبَرُ ". وَالْهَمْزَةُ أَيْضًا شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لِصِحَّةِ التَّلَفُّظِ بِاللَّامِ. وَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ الشَّرْطُ - الَّذِي هُوَ حُصُولٌ هَذِهِ الشَّرَائِطِ - انْتَفَى الْمَشْرُوطُ، وَهُوَ وُجُوبُ هَذِهِ الْأُمُورِ. ش - الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: لَوْ كُلِّفَ الْمُكَلَّفُ بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَصَحَّتِ الْعِبَادَةُ مِنْهُ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالشَّيْءِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ صُدُورِهِ مِنْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ. فَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي التَّكْلِيفُ صِحَّةَ الْمُكَلَّفِ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي أَنَّهُ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ هَلْ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْمَشْرُوطِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ الْمَشْرُوطِ، كَمَا يُعَاقَبُ بِتَرْكِ شَرْطِهِ، لَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْمَشْرُوطِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِالْإِتْيَانِ بِهِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ لَوْ أَتَى بِهِ حَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ حَالَةَ الْكُفْرِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ صَحَّ تَكْلِيفُ الْكَافِرِ بِالصَّلَاةِ مَثَلًا حَالَةَ الْكُفْرِ لَأَمْكَنَ الِامْتِثَالُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي أَنَّ الِامْتِثَالَ إِمَّا حَالَةَ الْكُفْرِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ لِعَدَمِ حُصُولِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، أَوْ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ أَيْضًا لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وِفَاقًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِامْتِثَالَ بَعْدَ الْكُفْرِ مُمْتَنِعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ وَيَفْعَلَ كَالْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ، وَيَفْعَلُ. ش - وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمَشْرُوطِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ، ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى وُقُوعِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْآيَتَيْنِ. الْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الفرقان: 68] . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْمُنْتَهِينَ عَنِ الشِّرْكِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالزِّنَا، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. وَأَشَارَ بِلَفْظِ " ذَلِكَ " إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْبَعْضِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَيَكُونُ تَضَاعُفُ الْعَذَابِ وَالْخُلُودِ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمِيعِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْكَفَّارُ مُكَلَّفِينَ بِالْفُرُوعِ لَمَا اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ بِفِعْلِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّرْكِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي مَدْخَلٌ فِي الْعَذَابِ لَكَانَ ذِكْرُهُ مَعَ الشِّرْكِ قَبِيحًا. فَإِنْ قِيلَ: " ذَلِكَ " يَعُودُ إِلَى الْكُلِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْكُلِّ حُرْمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ حَرَامًا لَكَانَ غَيْرُ الْحَرَامِ مُنْضَمًّا إِلَى الْحَرَامِ فِي الْوَعِيدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَضَاعُفُ الْعَذَابِ بِسَبَبِ الشَّرَكِ وَالْبَاقِي شَرْطًا لِاقْتِضَاءِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَاقِي مَدْخَلٌ فِي اقْتِضَاءِ اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ لَكَانَ مُحَرَّمًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] . وُوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكَفَّارِ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا دُخُولَ النَّارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَحْكُمِ الْعَقْلُ بِكَذِبِهِمْ، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ حَقِيقَةً فَتَكُونُ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُمَا عِلَّةً لِدُخُولِ النَّارِ. وَحَمْلُ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْمُعْتَقَدِينَ انْصِرَافٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ. ش - الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: تَكْلِيفُ الْكَفَّارِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ وَاقِعٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ، لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْعِبَادَاتِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْكَفَّارَ لَوْ كَانُوا مُكَلَّفِينَ بِالْفُرُوعِ، لَوَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْعِبَادَاتُ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْعِبَادَاتُ، وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ، بَلِ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ. وَلَيْسَ بَيْنَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَبَيْنَ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ وَلَا صِحَّةِ التَّكْلِيفِ رَبْطٌ عَقْلِيٌّ، حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْعِبَادَاتِ أَوْ صِحَّتِهِ وُجُوبُ قَضَائِهَا. وَلِهَذَا قَدْ يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِوُجُوبِ الْعِبَادَةِ دُونَ قَضَائِهَا، كَوُجُوبِ الْجُمْعَةِ، وَبِالْعَكْسِ كَصَوْمِ الْحَائِضِ. [لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِفِعْلٍ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ هَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا أَمْ لَا؟ فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِفِعْلٍ. وَالْمُصَنِّفُ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى هَذَا. وَمَذْهَبُ الْبَاقِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ فِعْلٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْفِعْلِ، لَا نَفِيُ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ كَفَّ النَّفْسِ فِعْلٌ وَنَفْيَ الْفِعْلِ لَيْسَ بِفِعْلٍ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ وَكَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ نَفْيُ الْفِعْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَفْيُ الْفِعْلِ مُكَلَّفًا بِهِ لَكَانَ نَفْيُ الْفِعْلِ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ طَلَبٌ، وَالطَّلَبُ اسْتِدْعَاءُ الْحُصُولِ، فَيَكُونُ الْمُكَلَّفُ بِهِ مَطْلُوبًا، وَالْمَطْلُوبُ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَلِأَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْحُصُولِ فَرْعُ تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ نَفْيِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ، وَالنَّفْيُ الْمَحْضُ لَا يَكُونُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُقُوعُهُ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ص - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِفِعْلٍ حَالَ حُدُوثِهِ. وَمَنَعَهُ الْإِمَامُ وَالْمُعْتَزِلَةُ. فَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ [تَعَلُّقَهُ لِنَفْسِهِ] فَلَا يَنْقَطِعُ بَعْدَهُ أَيْضًا. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ تَنْجِيزَ [التَّكْلِيفِ بِهِ] بَاقٍ فَتَكْلِيفٌ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ [وَهُوَ مُحَالٌ] وَلِعَدَمِ صِحَّةِ الِابْتِلَاءِ فَتَنْتَفِي فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَهُوَ أَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَمُكْتَسَبُهُ، وَلِهَذَا يُمْدَحُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِ الزِّنَا. وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَانَ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِ الْمُكَلَّفِ، وَبَعْدَهُ اسْتَمَرَّ الْعَدَمُ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِقُدْرَتِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ بِقُدْرَتِهِ لَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ النَّفْيِ ; لِأَنَّ الْقُدْرَةَ تَقْتَضِي أَثَرًا عَقْلًا، وَلَا أَثَرَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ ; لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ بَعْدَ وُجُودِ الْمُكَلَّفِ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِيَ هَذَا الرَّدِّ نَظَرٌ ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مُتَحَقِّقًا قَبْلَ وُجُودِ الْمُكَلَّفِ، إِلَّا أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ وُجِدَ الْمُكَلَّفُ وَدَعَاهُ نَفْسُهُ إِلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يُطِعْهَا وَكَفَّ عَنِ الْفِعْلِ يَتْبَعُ هَذَا الْكَفَّ بَقَاءُ نَفْيِ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَثَرُ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْفِعْلِ مُكَلَّفًا بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. [قول الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِفِعْلٍ حَالَ حُدُوثِهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ التَّكْلِيفَ بِفِعْلٍ هَلْ يَنْقَطِعُ عَنِ الْمُكَلَّفِ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَمْ لَا. فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ. وَمَنَعَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُعْتَزِلَةُ مَذْهَبَ الشَّيْخِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَنْقَطِع ُ التَّكْلِيفُ بِالْفِعْلِ حَالَ حُدُوثِهِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ، وَزَيَّفَ قَوْلَ الشَّيْخِ بِأَنْ قَالَ: إِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ بِعَدَمِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ لِنَفْسِ التَّكْلِيفِ، وَالْمُتَعَلِّقُ لِنَفْسِهِ بِالشَّيْءِ امْتَنَعَ انْقِطَاعُهُ عَنْهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ التَّكْلِيفُ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ أَيْضًا. وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَإِنْ أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ تَنْجِيزَ التَّكْلِيفِ، أَيْ كَوْنَ الْمُكَلَّفِ مُكَلَّفًا بِالْإِتْيَانِ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ، بَاقٍ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مُحَالٌ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْإِتْيَانِ بِالْمُكَلَّفِ [بِهِ] بَاقِيًا حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ ; لَعَدِمَ صِحَّةَ الِابْتِلَاءِ ; لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ إِنَّمَا يَصِحُّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ، فَيَنْتَفِي فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ ; لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ إِمَّا الِامْتِثَالُ أَوِ الِابْتِلَاءُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ لِنَفْسِهِ بِالْفِعْلِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ بَعْدَ حُدُوثِ الْفِعْلِ بِتَمَامِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلتَّعَلُّقِ هُوَ الطَّلَبُ ; إِذْ هُوَ مَعْنَى التَّكْلِيفِ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ يَنْقَطِعُ الطَّلَبُ ; لِأَنَّ الْمَفْرُوغَ عَنْهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ. وَكَذَا غَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلتَّكْرَارِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْعَدِمَ الطَّلَبُ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ مُكَلَّفٌ بِالْإِتْيَانِ بِالْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ، لَا بِإِيجَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ حَالَ الْحُدُوثِ تَكْلِيفًا بِإِيجَادِ الْمَوْجُودِ ; لِأَنَّ الْكُلَّ الْمَجْمُوعِيَّ لَمْ يُوجَدْ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ، وَالِابْتِلَاءُ صَحِيحٌ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ الْفِعْلِ بَعْدُ. وَأَيْضًا: لَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الِامْتِثَالِ وَالِابْتِلَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا وُجِدَ مِنَ الْفِعْلِ فَقَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ ; فَيَكُونُ تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِالْبَاقِي، لَا بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالذَّاتِ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَبِأَجْزَائِهِ بِالْعَرَضِ. [فَمَا] لَمْ يَحْدُثْ، فَالْمَجْمُوعُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ. [التكليف بالْفِعْلُ حَالَ حُدُوثِهِ] ش - قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ تَابَعَهُ: الْفِعْلُ حَالَ حُدُوثِهِ مَقْدُورٌ بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِتَقَدُّمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، أَوْ لَمْ نَقُلْ. وَإِذَا كَانَ حَالَ حُدُوثِ الْفِعْلِ مَقْدُورًا، صَحَّ التَّكْلِيفُ بِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ، بَلْ يَمْتَنِعُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ لُزُومِ عَدَمِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بَعْدَ تَمَامِ الْفِعْلِ، أَوْ لُزُومِ إِيجَادِ الْمَوْجُودِ وَعَدَمِ الِابْتِلَاءِ. وَمِمَّا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ يُعْرَفُ جَوَابُهُ. [الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: الْمُكَلَّفُ] [كون الْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ] ش - الْأَصْلُ الرَّابِعُ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ; وَهُوَ الْمُكَلَّفُ. وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ فَهْمَ الْمُكَلَّفِ هَلْ هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ شَرْطَ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا يَفْهَمُ الْخِطَابَ. وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ مَنْ جَوَّزَ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ: الِابْتِلَاءُ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي تَكْلِيفِ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْخِطَابَ. لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّهَيُّؤُ لِلِامْتِثَالِ إِذَا فَهِمَ الْمُبْتَلَى الْخِطَابَ. بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّهَيُّؤُ لِلِامْتِثَالِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الِامْتِثَالُ، فَتَحْصُلُ فَائِدَةُ التَّكْلِيفِ الَّتِي هِيَ الِابْتِلَاءُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْفَهْمِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِدُونِ فَهْمِ الْمُكَلَّفِ الْخِطَابَ، لَكَانَ الْمُكَلَّفُ بِهِ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ فِي الْمُكَلَّفِ طَاعَةً، أَيْ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 ص - قَالُوا: مَقْدُورٌ حِينَئِذٍ بِاتِّفَاقٍ، فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ. قُلْنَا: [بَلْ] يَمْتَنِعُ بِمَا ذَكَرْنَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ص - الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: الْمُكَلَّفُ. (مَسْأَلَةٌ) : الْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ. وَقَالَ بِهِ بَعْضُ مَنْ جَوَّزَ الْمُسْتَحِيلَ ; لِعَدَمِ الِابْتِلَاءِ. لَنَا: لَوْ صَحَّ - لَكَانَ مُسْتَدْعَى حُصُولِهِ مِنْهُ طَاعَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَصَحَّ تَكْلِيفُ الْبَهِيمَةِ ; لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَهْمِ. ص - قَالُوا: لَوْ لَمْ يَصِحَّ - لَمْ يَقَعْ، وَقَدِ اعْتُبِرَ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَقَتْلُهُ وَإِتْلَافُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ تَكْلِيفٍ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْأَسْبَابِ، كَقَتْلِ الطِّفْلِ وَإِتْلَافِهِ. ص - قَالُوا: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى. قُلْنَا: يَجِبُ تَأْوِيلُهُ، إِمَّا بِمِثْلِ " لَا تَمُتْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ ". وَإِمَّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الثَّمِلُ لِمَنْعِهِ التَّثَبُّتَ، كَالْغَضَبِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ [أَنَّ] التَّكْلِيفَ طَلَبٌ. وَالطَّلَبُ يَسْتَدْعِي الْحُصُولَ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَلِأَنَّ حُصُولَ الْمُكَلَّفِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ مَشْرُوطٌ بِالْقَصْدِ إِلَى الِامْتِثَالِ، وَالْقَصْدُ إِلَى الِامْتِثَالِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْفَهْمِ. وَكُلُّ خِطَابٍ مُتَضَمِّنٍ لِلْأَمْرِ بِالْفَهْمِ. فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ كَيْفَ يُقَالُ لَهُ: افْهَمْ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ تَكْلِيفُ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْخِطَابَ، يَصِحُّ تَكْلِيفُ الْبَهِيمَةِ ; لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَفْهَمِ الْخِطَابَ وَالْبَهِيمَةَ مُتَسَاوِيَانِ فِي عَدَمِ الْفَهْمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. ش - هَذَا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ تَكْلِيفِ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْخِطَابَ. تَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ تَكْلِيفُ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْخِطَابَ، لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ الْوُقُوعَ فَرْعُ الْجَوَازِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَهُوَ مُكَلَّفٌ ; لِأَنَّهُ قَدِ اعْتُبِرَ طَلَاقُهُ وَقَتْلُهُ وَإِتْلَافُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ تَكْلِيفٍ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَنْوَاعِ خِطَابِ الْوَضْعِ، كَإِتْلَافِ الصَّبِيِّ، وَإِتْلَافِ الْبَهِيمَةِ حَيْثُ أُرْسِلَتْ بِاللَّيْلِ وَأَتْلَفَتِ الزَّرْعَ. فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْبَهِيمَةَ لَمْ يَكُونَا مُكَلَّفَيْنِ، بَلْ جُعِلَ فِعْلُهُمَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَدَاؤُهَا أَوْ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ بَالِغًا. وَيَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْبَهِيمَةِ أَدَاؤُهَا. كَذَلِكَ السَّكْرَانُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، بَلْ جَعَلَ اللَّهُ طَلَاقَ السَّكْرَانِ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ حُكْمِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ بَاقِي أَفْعَالِهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِدُونِ فَهْمِ الْخِطَابِ. تَوْجِيهُهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ مُكَلَّفٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حَالَةَ السُّكْرِ، وَالسَّكْرَانُ حَالَةَ السُّكْرِ غَافِلٌ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِلَّا يَلْزَمُ بُطْلَانُ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ. وَلَهَا تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ السُّكْرِ حَالَةَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ، إِنْ كَانَ نُزُولُ الْآيَةِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، لَا النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ حَالَةَ السُّكْرِ. مِثْلَ مَا يُقَالُ: لَا تَمُتْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ. أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الظُّلْمِ عِنْدَ الْمَوْتِ، لَا النَّهْيَ عَنِ الْمَوْتِ حَالَةَ الظُّلْمِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السَّكْرَانِ: الثَّمِلُ. وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَتْ مِنْهُ مَبَادِئُ النَّشَاطِ وَالطَّرَبِ وَمَا زَالَ عَقْلُهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] مَعْنَاهُ حَتَّى يَتَكَامَلَ فِيكُمُ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ. وَيَكُونُ تَسْمِيَةُ الثَّمِلِ بِالسَّكْرَانِ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يُئُولُ إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَإِنْ فَهِمَ الْمُكَلَّفُ الْخِطَابَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، لِعَدَمِ تَثَبُّتِ الثَّمِلِ فِي الصَّلَاةِ ; لِأَنَّهُ يَعْسُرُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِتْمَامُ الْخُشُوعِ وَمُحَافَظَةُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، كَالْغَضْبَانِ. [تعلق الأمر بالمعدوم] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الشَّيْخُ: نَعَمْ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِالْمَعْدُومِ، أَنَّ الْمَعْدُومَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَعْدُومًا ; فَإِنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَأْمُورَيْنِ، وَهُمَا أَقْرَبُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَأْمُورِينَ مِنَ الْمَعْدُومِ. بَلِ الْمُرَادُ التَّعَلُّقُ الْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْدُومِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ وَاسْتَعَدَّ لِفَهْمِ الْخِطَابِ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِذَلِكَ الطَّلَبِ الْقَدِيمِ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ الطَّلَبِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقِ الْأَمْرُ بِالْمَعْدُومِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ أَزَلِيًّا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 ص - (مَسْأَلَةٌ) : قَوْلُهُمْ: الْأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ، لَمْ يُرَدْ تَنْجِيزُ التَّكْلِيفِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ التَّعَلُّقُ الْعَقْلِيُّ. لَنَا: لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ - لَمْ يَكُنْ أَزَلِيًّا ; لِأَنَّ مِنْ حَقِيقَتِهِ التَّعَلُّقَ، وَهُوَ أَزَلِيٌّ. ص - قَالُوا: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ مِنْ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ [مَوْجُودٍ] مُحَالٌ. قُلْنَا: مَحَلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ اسْتِبْعَادٌ. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ابْنُ سَعِيدٍ: إِنَّمَا يَتَّصِفُ بِذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَقَالَ: الْقَدِيمُ الْأَمْرُ الْمُشْتَرَكُ. وَأَوْرَدَ [أَنَّهَا] أَنْوَاعُهُ فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ. ص - قَالُوا: يَلْزَمُ التَّعَدُّدُ. قُلْنَا: التَّعَدُّدُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدًا وُجُودِيًّا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ. فَلِذَلِكَ يُعْلَمُ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَخَالَفَ الْإِمَامُ وَالْمُعْتَزِلَةُ. وَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْآمِرِ اتِّفَاقًا. ص - لَنَا: لَوْ لَمْ يَصِحَّ - لَمْ يَعْصِ أَحَدٌ أَبَدًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ وُقُوعِهِ مِنْ إِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ أَوْ حَادِثَةٍ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَصِحَّ - لَمْ يُعْلَمْ تَكْلِيفٌ ; لِأَنَّهُ بَعْدَهُ، وَمَعَهُ يَنْقَطِعُ، وَقَبْلَهُ لَا يُعْلَمُ. فَإِنْ فَرَضَهُ مُتَّسِعًا، فَرَضْنَاهُ زَمَنًا زَمَنًا، فَلَا يُعْلَمُ أَبَدًا. وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَصِحَّ - لَمْ يَعْلَمْ إِبْرَاهِيمُ وُجُوبَ الذَّبْحِ. وَالْمُنْكِرُ مُعَانِدٌ. ص - وَقَالَ الْقَاضِي: الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. ص - الْمُعْتَزِلَةُ: لَوْ صَحَّ - لَمْ يَكُنِ الْإِمْكَانُ شَرْطًا فِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ الْمَشْرُوطَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَادَةً عِنْدَ وَقْتِهِ وَاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ. وَالْإِمْكَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْوُقُوعِ مَحَلُّ النِّزَاعِ. [وَبِأَنَّهُ] يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ مَعَ جَهْلِ الْآمِرِ. ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّ - لَصَحَّ مَعَ عِلْمِ الْمَأْمُورِ. وَأُجِيبَ بِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ. وَلِهَذَا يُطِيعُ وَيَعْصِي بِالْعَزْمِ وَالْبِشْرِ وَالْكَرَاهَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْغَيْرِ جُزْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ. فَإِذَا لَمْ يَجُزِ التَّعَلُّقُ بِالْمَعْدُومِ، لَمْ يَكُنِ التَّعَلُّقُ حَاصِلًا فِي الْأَزَلِ ; ضَرُورَةَ كَوْنِ الْمُكَلَّفِ مَعْدُومًا فِي الْأَزَلِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ التَّعَلُّقُ حَاصِلًا، لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ حَاصِلًا فِي الْأَزَلِ ; ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْكُلِّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْجُزْءِ، فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ أَزَلِيًّا. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِمَا بَيَّنَ فِي الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ. فَقَوْلُهُ " لِأَنَّ مِنْ حَقِيقَتِهِ التَّعَلُّقَ " إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ الْمُلَازَمَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَهُوَ أَزَلِيٌّ " إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ التَّالِي. ش - الْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ أَزَلِيًّا. وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ لَوْ كَانَ أَزَلِيًّا، لَكَانَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ مَوْجُودٌ ; الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَحِيلُ بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ مَوْجُودٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأَزَلِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ: " إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْتَحِيلُ بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ مَوْجُودٍ " أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْجُمْلَةِ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِلْمِيًّا أَوْ خَارِجِيًّا، فَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ التَّالِي. لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ الَّذِي هُوَ مَعْدُومٌ فِي الْخَارِجِ ثَابِتٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلًا. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ، فَلَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ. قَوْلُهُ: " لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَسْتَحِيلُ بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ مَوْجُودٍ ". قُلْنَا: هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ وُجُودَ الْأَمْرِ بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ مُسْتَبْعَدٌ، وَالِاسْتِبْعَادُ لَا يَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ. وَمِنْ أَجْلِ اسْتِبْعَادِ تَحَقُّقِ الْأَمْرِ بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ سَامِعٍ لِلْخِطَابِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ إِنَّمَا يَتَّصِفُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا فِيمَا لَا يَزَالُ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْأَزَلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَزَلِ شَيْءٌ مِنْهَا، فَلَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهَا قَدِيمًا، بَلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقَدِيمُ، الْأَمْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ. فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ: إِثْبَاتُ الْكَلَامِ فِي الْأَزَلِ، وَالْحُكْمُ بِحُدُوثِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ الْمُوجِبِ رَفْعَ الِاسْتِبْعَادِ. وَأُورِدُ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ أَنْوَاعُ الْكَلَامِ، وَلَا نَوْعَ لَهُ سِوَاهُ. فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْكَلَامِ فِي الْأَزَلِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ أَنْوَاعِهِ حَادِثَةً ; لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي أَحَدِ أَنْوَاعِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وَاحِدٌ مِنْ أَنْوَاعِهِ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَتَحَقَّقْ هُوَ فِيهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ، لَا تَكُونُ قَدِيمَةً. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ قَدِيمَةً، يَلْزَمُ التَّعَدُّدُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ ; ضَرُورَةَ كَوْنِهَا أَنْوَاعًا لِلْكَلَامِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْجُمْهُورَ اتَّفَقُوا أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي الْأَزَلِ، لَا تَعَدُّدَ فِيهِ، وَأَنَّ تَنَاوُلَ جَمِيعِ مَعَانِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُنَزَّلَةِ إِلَى رُسُلِهِ، كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ وَاحِدٌ، وَمَعَ وَحْدَتِهِ يُحِيطُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: التَّعَدُّدُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْكَلَامِ، هُوَ التَّعَدُّدُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ الَّتِي هِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ. وَالتَّعَدُّدُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ لَمَّا كَانَ اعْتِبَارِيًّا لَا يُوجِبُ التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْجُمْهُورُ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْأَزَلِ، لَا التَّعَدُّدَ الِاعْتِبَارِيَّ. وَمَعْنَى كَوْنِ كَلَامِهِ وَاحِدًا بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ، وَمُتَعَدِّدًا بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ. فَبِاعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا لَوْ فُعِلَ اسْتَحَقَّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ، وَإِنْ تُرِكَ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ، يَكُونُ أَمْرًا. وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَا لَوْ تُرِكَ اسْتَحَقَّ تَارِكُهُ الْمَدْحَ، وَإِنْ فُعِلَ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ يَكُونُ نَهْيًا. وَبِاعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا لَا طَلَبَ فِيهِ، يَكُونُ خَبَرًا. [صحة التَّكْلِيف بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ عِنْدَ وَقْتِهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِفِعْلٍ عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَنِ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ وَقْتِهِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى صِحَّتِهِ. وَلِأَجْلِ صِحَّةِ مِثْلِ هَذَا التَّكْلِيفِ بِعِلْمِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ. فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُكَلَّفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ ; ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ شَرْطِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ عِنْدَ الْوَقْتِ. وَخَالَفَهُمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُعْتَزِلَةُ. وَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِمَا جَهِلَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ مِنَ الْمُكَلَّفِ عَنِ الْوَقْتِ بِالِاتِّفَاقِ. كَمَا إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: " صُمْ غَدًا " فَإِنَّ هَذَا مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ الْعَبْدِ غَدًا، وَهُوَ مَجْهُولٌ لِلْآمِرِ. ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ شَرَعَ فِي إِثْبَاتٍ مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَهُوَ صِحَّةُ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ. وَبَيَّنَهُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَعْصِ أَحَدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ أَبَدًا بِتَرْكِ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ وُقُوعَ كُلِّ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ مَشْرُوطٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ - وَهِيَ الْإِرَادَةُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ أَوْ بِإِرَادَةٍ حَادِثَةٍ - وَهِيَ إِرَادَةُ الْخَلْقِ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. فَإِذَا تَرَكَ الْفَاعِلُ الْفِعْلَ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ وُقُوعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْهُ. وَأَيْضًا: يُعْلَمُ أَنَّ الْعَاصِيَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ فَيَكُونُ عَالِمًا بِانْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مُكَلَّفًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَكُونُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَمْ يُعْلَمْ تَكْلِيفٌ أَصْلًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّكْلِيفَ يَنْقَطِعُ بَعْدَ الْفِعْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَعَ الْفِعْلِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ. فَلَا يَكُونُ الْعِلْمُ بِالتَّكْلِيفِ بَعْدَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَكُونُ خِلَافَ الْوَاقِعِ. وَقَبْلَ الْفِعْلِ لَا يُجْزَمُ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ عِنْدَ وَقْتِ الْفِعْلِ. وَإِذَا لَمْ يُجْزَمْ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ لَمْ يُجْزَمْ بِوُقُوعِ الْمَشْرُوطِ. فَلَا يُعْلَمُ التَّكْلِيفُ قَبْلَ الْفِعْلِ. وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلًا. قَوْلُهُ: " فَإِنْ فَرَضَهُ مُتَّسِعًا " إِشَارَةٌ إِلَى سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْمُلَازَمَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَمْ يُعْلَمْ تَكْلِيفٌ أَصْلًا. وَذَلِكَ لِأَنَّا نَفْرِضُ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ مُوَسَّعًا، كَالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، فَإِنَّهُ إِذَا انْقَضَى مِنَ الْوَقْتِ، الْقَدْرُ الَّذِي تَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ، وَلَمْ يَأْتِ بَعْدُ، فَقَدْ عَلِمَ الْمُكَلَّفُ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ يُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنَ الْفِعْلِ. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: نَفْرِضُ زَمَنًا زَمَنًا، أَيْ يَجْرِي الْوَقْتُ الْمُوَسَّعُ إِلَى مَا قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ. وَنَقُولُ: التَّكْلِيفُ لَمْ يُعْلَمْ قَبْلَ أَوَّلِ الزَّمَانِ الْمُوَسَّعِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْفِعْلِ، وَلَا مَعَ أَوَّلِ الزَّمَانِ الْمُوَسَّعِ، إِنْ وَقَعَ الْفِعْلُ فِيهِ، وَلَا بَعْدَهُ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ. وَقِسْ عَلَى هَذَا بَاقِيَ الْأَجْزَاءِ. الثَّالِثُ: لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَعْلَمْ إِبْرَاهِيمُ وُجُوبَ ذَبْحِ وَلَدِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُكَلَّفًا بِالذَّبْحِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ بِانْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِالذَّبْحِ، لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ. أَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَ الذَّبْحِ لَمْ يَأْخُذْ فِي مُقَدِّمَاتِهِ مِنَ الْإِضْجَاعِ، وَتَلِّ الْجَبِينِ، وَإِمْرَارِ الْمُدْيَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَنْ أَنْكَرَ عِلْمَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وُجُوبَ الذَّبْحِ فَهُوَ مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ مُكَابِرٌ. ش - احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ وَقَالَ: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ قَدْ تَحَقَّقَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ. فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَتَحَقَّقِ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ، لِجَوَازِ ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ الْوُقُوعِ عِنْدَ الْوَقْتِ. ش - الْمُعْتَزِلَةُ: لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَمْ يَكُنْ إِمْكَانُ الْمُكَلَّفِ بِهِ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِمُمْكِنٍ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الشَّرْطِ يَكْشِفُ عَنْ تَحَقُّقِ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ الْعِلْمُ عِلْمًا. وَعَدَمُ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ الْمَشْرُوطِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ ; أَحَدُهُمَا نَقَضٌ [تَفْصِيلِيٌّ] وَالْآخَرُ إِجْمَالِيٌّ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْإِمْكَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ بِهِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَادَةً عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَاسْتِجْمَاعُ شَرَائِطِهِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ مُمْكِنٌ بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَإِنَّهُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ يَتَأَتَّى وُقُوعُهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ، وَامْتِنَاعُهُ سَبَبُ انْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ لَا يُنَافِي هَذَا الْإِمْكَانَ، بَلِ الْإِمْكَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الْفِعْلِ يُنَافِي امْتِنَاعَهُ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ] ) . وَكَوْنُ هَذَا الْإِمْكَانِ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ، هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا لِإِمْكَانِ شَرْطِ الِامْتِثَالِ، لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ ; فَإِنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْمُكَلَّفِ بِهِ، بَلْ قَدْ يَقَعُ التَّكْلِيفُ لِأَجْلِ الِابْتِلَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ، لَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا إِذَا جَهِلَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنِ الْإِمْكَانُ شَرْطًا; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ مُمْتَنِعًا، لِجَوَازِ انْتِفَاءِ شَرْطِ وُقُوعِهِ. ش - الْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا أَيْضًا: لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، لَصَحَّ التَّكْلِيفُ بِمَا عَلِمَ الْمَأْمُورُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ، قِيَاسًا عَلَيْهِ. وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومًا عَدَمُ حُصُولِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ. فَإِنَّ مَحَلَّ الْوِفَاقِ إِنَّمَا لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ ; لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ إِمَّا الِامْتِثَالُ أَوِ الْعَزْمُ عَلَيْهِ. وَإِذَا عَلِمَ الْمَأْمُورُ امْتِنَاعَ الْفِعْلِ، يَمْتَنِعُ الِامْتِثَالُ مِنْهُ، وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا يُطِيعُ وَلَا يَعْصِي. بِخِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمَأْمُورُ امْتِنَاعَ الْفِعْلِ قَدْ يُطِيعُ بِالْعَزْمِ وَالْبِشْرِ، وَقَدْ يَعْصِي بِالتَّرْكِ وَالْكَرَاهَةِ. [الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ] [مقدمة الأدلة الشرعية] ش - قَدْ ذُكِرَ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا الْمُخْتَصَرَ يَنْحَصِرُ فِي الْمَبَادِئِ وَالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالِاجْتِهَادِ وَالتَّرْجِيحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 بَيَانُ الْمُخْتَصَرِ شَرْحُ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ (الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ)   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ ص - الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَالِاسْتِدْلَالُ. وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ. وَ [هُوَ] نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ. وَالْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ ضَرُورِيٌّ. وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بِهِ - لَكَانَتِ النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ ; إِذْ لَا غَيْرَهُمَا. وَالْخَارِجِيَّةُ لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا عَلَى تَعَقُّلِ الْمُفْرَدَيْنِ. وَهَذِهِ مُتَوَقِّفَةٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمَّا فَرَغَ عَنِ الْمَبَادِئِ شَرَعَ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدَّمَهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالتَّرْجِيحِ ; لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَعْرِفِ الْأَدِلَّةَ وَأَقْسَامَهَا، وَأَحْكَامَهَا، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ اسْتِثْمَارِهَا، وَلَا [مَعْرِفَةِ] تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. وَالْأَدِلَّةُ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهَا. وَالْمُرَادُ بِالشَّرْعِيَّةِ: أَنْ تَكُونَ طَرِيقُ [مَعْرِفَةِ دَلَالَتِهَا] مُسْتَفَادًا مِنَ الشَّرْعِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّمْعِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ. وَإِنَّمَا انْحَصَرَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ فِي الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِدًا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْجِزًا، وَهُوَ الْكِتَابُ، أَوْ لَا، وَهُوَ السُّنَّةُ. وَيَنْدَرِجُ فِيهَا قَوْلُ الرَّسُولِ وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ. وَالثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ وَارِدًا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِرًا مِمَّنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ - وَهُوَ الْإِجْمَاعُ - أَوْ لَا. وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَمْلُ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ لِعِلَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا - وَهُوَ الْقِيَاسُ - أَوْ لَا، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ. وَهَذِهِ الدَّلَائِلُ الْخَمْسَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ ; لِأَنَّ أَصْلَهَا الْكِتَابُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا السُّنَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3] . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ أَصْلَهُ إِمَّا الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَلْزَمُ رُجُوعُهُ إِلَى الْكِتَابِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِدْلَالُ، فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَاجَعٌ إِلَى مَعْقُولِ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِجْمَاعِ. وَعَلَى التَّقَادِيرِ يَلْزَمُ رُجُوعُهُ إِلَى الْكِتَابِ. وَالْكِتَابُ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ الْكَاشِفُ عَنِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. فَيَكُونُ الْجَمِيعُ رَاجِعًا إِلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ. وَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ، قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ. أَمَّا كَوْنُ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ نِسْبَةً فَالْعِلْمُ بِهِ ضَرُورِيٌّ. وَأَمَّا كَوْنُ النِّسْبَةِ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةً بِالْمُتَكَلِّمِ فَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقُمِ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ بِالْمُتَكَلِّمِ، لَكَانَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا خَارِجِيَّةً، أَيْ خَارِجَةً عَنِ الْمُتَكَلِّمِ ; إِذْ لَا غَيْرُهُمَا. لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً بِنَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ لَا تَكُونَ قَائِمَةً بِهَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا عَلَى تَعَقُّلِ مُفَرَدَيْهَا، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْخَارِجِيَّةِ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا عَلَى تَعَقُّلِ شَيْءٍ. فَهَذِهِ النِّسْبَةُ لَا تَكُونُ خَارِجِيَّةً، فَتَكُونُ قَائِمَةً بِالْمُتَكَلِّمِ. [الْكِتَابُ] [تعريف الكتاب] ش - لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ أَصْلًا لِلْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ قَدَّمَ ذِكْرَهُ. ثُمَّ قَدَّمَ السُّنَّةَ عَلَى الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهَا أَصْلُهُ. ثُمَّ قَدَّمَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْقِيَاسِ لِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ سَالِمًا عَنِ الْخَطَأِ. وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مُقَدِّمَةً وَثَلَاثَ مَسَائِلَ وَخَاتِمَةً. اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا فِي النَّفْسِ، نَقُولُ: سَمِعْتُ كَلَامَ فُلَانٍ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَدْلُولِ الْأَلْفَاظِ، وَهِيَ الْمَعَانِي الَّتِي فِي النَّفْسِ، كَمَا قِيلَ: إِنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا = جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 1 - الْكِتَابُ ص - الْكِتَابُ: الْقُرْآنُ، وَهُوَ الْكَلَامُ الْمُنَزَّلُ لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ. وَقَوْلُهُمْ: " مَا نُقِلَ بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ تَوَاتُرًا " - حَدٌّ لِلشَّيْءِ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْمُصْحَفِ وَنَقْلَهُ فَرْعُ تَصَوُّرِ الْقُرْآنِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : مَا نُقِلَ آحَادًا فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِالتَّوَاتُرِ فِي تَفَاصِيلِ مِثْلِهِ. ص - وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ فِي (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مَنَعَتْ مِنَ التَّكْفِيرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأُصُولِيُّ يَبْحَثُ فِي الْكَلَامِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَالْمُتَكَلِّمُ يَبْحَثُ فِي الْكَلَامِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَلِذَلِكَ أَعْرَضَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، وَقَيَّدَ - فِي تَعْرِيفِ الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ - الْكَلَامَ بِالْمُنَزَّلِ، لِيُخْرِجَ النَّفْسَانِيَّ. وَأَيْضًا يُخْرِجُ عَنْهُ كَلَامَ الْبَشَرِ. وَقَوْلُهُ: لِلْإِعْجَازِ، وَهُوَ قَصْدُ إِظْهَارِ صِدْقِ دَعْوَى النَّبِيِّ الرِّسَالَةَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، يُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُنَزَّلَ الَّذِي لَيْسَ لِلْإِعْجَازِ، كَالْأَحَادِيثِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ إِنْ لَمْ نَقُلْ بِكَوْنِ نُزُولِهَا لِلْإِعْجَازِ. وَقَوْلُهُ: " بِسُورَةٍ مِنْهُ " وَأَرَادَ بَعْضًا مَخْصُوصًا يُسَاوِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقَدْرِ، الْكَوْثَرَ الَّتِي هِيَ أَقْصَرُ سُورَةٍ، يُخْرِجُ الْآيَةَ أَوْ بَعْضَهَا. وَأَيْضًا يُخْرِجُ الْكُتُبَ الْمَنْقُولَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْقُرْآنِ إِنْ قُلْنَا: إِنَّ إِنْزَالَهَا لِلْإِعْجَازِ ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلْإِعْجَازِ لَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِعْجَازُ بِسُورَةٍ مِنْهُ. فَصَارَ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنْطَبِقًا عَلَى مَجْمُوعِ الْقُرْآنِ. وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُسَمَّى بَعْضُ الْقُرْآنِ، قُرْآنًا، إِلَّا بِالْمَجَازِ. وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فِي حَدِّ الْكِتَابِ: " مَا نُقِلَ إِلَيْنَا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا " حَدٌّ لِلشَّيْءِ بِمَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ. لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمُصْحَفِ، وَعَلَى مَا نُقِلَ فِيهِ ; لِأَنَّ الَّذِي نُقِلَ إِلَيْنَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مَنْقُولًا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمُصْحَفِ وَبَعْدَ النَّقْلِ. وَوُجُودُ الْمُصْحَفِ وَنَقْلُهُ فَرْعُ تَصَوُّرِ الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْمُصْحَفِ فَرْعٌ عَلَى إِثْبَاتِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِيهِ. وَإِثْبَاتُهَا فَرْعٌ عَلَى تَصَوُّرِهَا. وَكَذَا النَّقْلُ الْمُضَافُ إِلَى مَا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِهِ، فَيَكُونُ مَعْرِفَةُ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مُتَوَاتِرًا مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ الْمُصْحَفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَنَقْلِهِ، وَهُمَا مَوْقُوفَانِ عَلَى تَصَوُّرِ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مَعْرِفَةُ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مُتَوَاتِرًا مَوْقُوفَةً عَلَى تَصَوُّرِ الْقُرْآنِ. لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الشَّيْءِ مَوْقُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ. فَيَكُونُ تَعْرِيفُ الْقُرْآنِ بِهِ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. وَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي تَقْرِيرِهِ: " الْمُصَنِّفُ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِلُزُومِ الدَّوْرِ ; فَإِنَّ الْحُكْمَ بِوُجُودِ الْمُصْحَفِ وَنَقْلِهِ مَسْبُوقٌ بِتَصَوُّرِ الْقُرْآنِ ; لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ التَّصْدِيقَ مَسْبُوقٌ بِالتَّصَوُّرِ. فَلَوْ عُرِفَ الْقُرْآنُ بِهِمَا لَزِمَ الدَّوْرُ ". وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الْمَتْنِ، لَا تَوْجِيهَ لَهُ أَصْلًا. أَمَّا كَوْنُهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمَتْنِ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقُلْ: إِنَّ الْحُكْمَ بِوُجُودِ الْمُصْحَفِ وَنَقْلِهِ، فَرْعُ تُصَوُّرِ الْقُرْآنِ، بَلْ قَالَ: وُجُودُ الْمُصْحَفِ وَنَقْلُهُ فَرْعُ تَصَوُّرِ الْقُرْآنِ. أَمَّا أَنَّهُ لَا تَوْجِيهَ لَهُ أَصْلًا، فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: " الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمُصْحَفِ وَنَقْلِهِ فَرْعُ تَصَوُّرِ الْقُرْآنِ " غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. قَوْلُهُ: " لَمَّا عُرِفَ أَنَّ التَّصْدِيقَ مَسْبُوقٌ بِالتَّصَوُّرِ ". قُلْنَا: هَذَا مُسَلَّمٌ بِهِ وَلَكِنْ لَا يُفِيدُ هَهُنَا ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِوُجُودِ الْمُصْحَفِ مَسْبُوقٌ بِتَصَوُّرِ الْمُصْحَفِ وَالْوُجُودِ، لَا بِتَصَوُّرِ الْقُرْآنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمُصْحَفِ وَنَقْلِهِ مَسْبُوقًا بِتَصَوُّرِ الْقُرْآنِ، لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ عُرِفَ الْقُرْآنُ بِالْمُصْحَفِ وَالنَّقْلِ، يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ عُرِفَ الْقُرْآنُ بِالْحُكْمِ بِوُجُودِ الْمُصْحَفِ وَنَقْلِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي زَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُسْتَصْفَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَدْفَعَ التَّزْيِيفَ بِالْعِنَايَةِ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّعْرِيفُ إِنَّمَا ذَكَرَهُ لِغَيْرِ الْمُثْبِتِ. وَالْإِثْبَاتُ وَالنَّقْلُ لَا يَسْتَدْعِيَانِ تَصَوُّرَ الْقُرْآنِ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُثْبِتِ. [مَا نُقِلَ آحَادًا فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي بَيَانِ أَنَّ مَا نُقِلَ آحَادًا لَيْسَ بِقُرْآنٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّا قَاطِعُونَ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي يَكُونُ هَادِيًا لِلْخَلْقِ، مُعْجِزًا عَلَى وَجْهٍ لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَتَوَاتَرَ فِي تَفَاصِيلِهِ، أَيْ فِي أَصْلِهِ وَأَجْزَائِهِ وَوَضْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ وَمَحَلِّهِ ; إِذِ الدَّوَاعِي تَتَوَفَّرُ عَلَى نَقْلِهِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ شَائِعًا مُسْتَفِيضًا مُتَوَاتِرًا. فَمَا لَمْ يَبْلُغْ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ يُقْطَعْ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ. [حكم البسملة في أول السور] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي النَّمْلِ: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] مِنَ الْقُرْآنِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ سِوَى التَّوْبَةِ،؟ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهَا هَلْ تَكُونُ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ آيَةً بِرَأْسِهَا، أَوْ هِيَ مَعَ أَوَّلِ آيَةٍ مِنَ السُّورَةِ آيَةٌ. وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ حَمَلَ التَّرَدُّدَ عَلَى أَنَّهَا هَلْ هِيَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ سُورَةٍ أَوْ لَا. قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْأَوَّلِ، أَصَحُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وَالْقَطْعُ (أَنَّهَا) لَمْ تَتَوَاتَرْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ قُرْآنًا، فَلَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِيهَا قَطْعًا، كَغَيْرِهَا. وَتَوَاتَرَتْ بَعْضُ آيَةٍ فِي النَّمْلِ فَلَا مُخَالِفَ. ص - قَوْلُهُمْ: مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " سَرَقَ - الشَّيْطَانُ مِنَ النَّاسِ آيَةً ". لَا يُفِيدُ ; لِأَنَّ الْقَاطِعَ يُقَابِلُهُ. ص - قَوْلُهُمْ: لَا يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ ثُبُوتِ مِثْلِهِ، ضَعِيفٌ، يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ سُقُوطِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُكَرَّرِ. وَجَوَازَ إِثْبَاتِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ مِنْهُ. مِثْلَ " وَيْلٌ " وَ " فَبِأَيِّ ". ص - لَا يُقَالُ: يَجُوزُ، وَلَكِنَّهُ، اتَّفَقَ تَوَاتُرُ ذَلِكَ. لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ لَمْ يُقْطَعْ بِانْتِفَاءِ ذَلِكَ السُّقُوطِ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَالدَّلِيلُ نَاهِضٌ. وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ فِيمَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ، كَالْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ وَنَحْوِهَا) . لَنَا: لَوْ لَمْ تَكُنْ - لَكَانَ بَعْضُ الْقُرْآنِ غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ، كَـ " مَلِكِ " وَ " مَالِكِ " وَنَحْوِهِمَا. وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ لِاسْتِوَائِهِمَا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْعَمَلُ بِالشَّاذِّ غَيْرُ جَائِزٍ، مِثْلَ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيْامٍ مُتَتَابِعَاتٍ. وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. لَنَا: لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلَا بِخَبَرٍ يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ. قَالُوا: يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا، فَيَجِبُ. قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ فَرِيقٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ أَمْ لَا، وَقَالَ: يُسَرُّ بِهَا فِي الصَّلَاةِ. إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: " وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ " إِلَى قَوْلِهِ: " مِنَ الْجَانِبَيْنِ " يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِ التَّسْمِيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، أَوْ يُحْكَمَ بِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهَا. وَأَيًّا مَا كَانَ يَلْزَمُ تَكْفِيرُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ إِمَّا جَعْلُ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا، أَوْ إِنْكَارُ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبٌ لِلْكُفْرِ. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَلْزَمْ تَكْفِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ; لِأَنَّ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَنَعَتْ مِنَ التَّكْفِيرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى كَوْنِ التَّسْمِيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي أَوَائِلِ السُّورِ لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ قَطْعِيٍّ، فَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ قُوَّةِ الشُّبْهَةِ عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ ; لِأَنَّ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ إِنَّمَا تُطْلَقُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا عِنْدَهُ، لَكِنَّهُ عِنْدَ الْخَصْمِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ. فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَحَّ إِطْلَاقُ الشُّبْهَةِ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ التَّكْفِيرَ إِنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْقَطْعِيِّ، وَلَا مُخَالَفَةَ لِلْقَطْعِيِّ هَهُنَا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ ; لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْقَطْعِيَّ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ قَطْعًا ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ قُرْآنًا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ لَا يَكُونُ قُرْآنًا قَطْعًا. فَالتَّسْمِيَةُ فِي أَوَائِل السُّوَرِ لَا تَكُونُ قُرْآنًا قَطْعًا كَغَيْرِهَا الَّذِي لَمْ يَتَوَاتَرْ. وَذَكَرَ أَنَّهَا قَدْ تَوَاتَرَتْ بَعْضُ آيَةٍ فِي سُورَةِ النَّمْلِ، فَلَا مُخَالِفَ فِي أَنَّهَا قُرْآنٌ فِي سُورَةِ النَّمْلِ ; لِأَنَّ التَّوَاتُرَ مَقْطُوعٌ وَالْمَقْطُوعُ [لَا تَخَالُفَ فِيهِ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنَ الْقُرْآنِ ذَكَرُوا دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ، لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ خَطِّ التَّسْمِيَةِ وَخَطِّ الْمُصْحَفِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَتَكُونُ مِنَ الْقُرْآنِ. لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْقُرْآنِ لَمَنَعَ الصَّحَابَةُ مِنْ أَنْ تُكْتَبْ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ ; لِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَصِيَانَتِهِ وَتَمْيِيزِهِ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ، حَتَّى يَمْنَعُوا مِنْ كُتُبِهِ أَسَامِي السُّوَرِ مَعَ الْقُرْآنِ، وَمِنَ التَّفْسِيرِ وَالنَّقْطِ، كَيْلَا يَخْتَلِطَ بِالْقُرْآنِ غَيْرُهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: " سَرَقَ الشَّيْطَانُ مِنَ النَّاسِ آيَةً " إِلَى أَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. فَدَلَّ قَوْلُهُ، مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ، عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَيْنِ [الدَّلِيلَيْنِ] بِأَنَّهُمَا لَا يُفِيدَانِ ; لِأَنَّهُمَا ظَنِّيَّانِ، وَمَا يُقَابِلُهُمَا - وَهُوَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَتَوَاتَرَتْ - قَطْعِيٌّ. وَالظَّنِّيُّ لَا يُفِيدُ إِذَا كَانَ مُقَابِلُهُ قَطْعِيًّا. فَقَوْلُهُ: " قَوْلُهُمْ " مُبْتَدَأٌ. وَقَوْلُهُ: " لَا يُفِيدُ " خَبَرُهُ. ش - هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ إِيرَادٍ عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنِ الدَّلِيلَيْنِ. تَقْرِيرُ الْإِيرَادِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ دَالٌّ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ. قَوْلُهُ: " لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ". قُلْنَا: التَّسْمِيَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَإِنْ [لَمْ] يَتَوَاتَرْ كَوْنُهَا مِنَ الْقُرْآنِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْآنًا ; لِأَنَّ ثُبُوتَ التَّسْمِيَةِ فِي الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ قَطْعًا، لَا نِزَاعَ فِيهِ. وَالتَّوَاتُرُ فِي الْمَحَلِّ وَالْوَضْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَعْدَ ثُبُوتِ مِثْلِ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ الْمَتْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّوَاتُرَ يُشْتَرَطُ فِي [ثُبُوتِ] مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ الْمَتْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مَحَلِّهِ وَوَضْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ، بَلْ يَكْفِي فِيهَا نَقْلُ الْآحَادِ. فَالتَّسْمِيَةُ وَإِنْ لَمْ تَتَوَاتَرْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ قُرْآنًا، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا تَكُونَ قُرْآنًا قَطْعًا. فَلَا يَدُلُّ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ نَقُولَ: الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّوَاتُرَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحَلِّ وَالْوَضْعِ ضَعِيفٌ. وَمَعَ ضَعْفِهِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ سُقُوطِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُكَرَّرِ وَجَوَازَ إِثْبَاتِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ مِنَ الْمُكَرَّرِ. مِثْلَ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. أَمَّا بَيَانُ ضَعْفِهِ فَهُوَ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِتَوَاتُرِ الْمَتْنِ وَالْمَحَلِّ وَالْوَضْعِ وَالتَّرْتِيبِ فِيمَا هُوَ مِثْلُ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ. أَمَّا بَيَانُ لُزُومِ جَوَازِ سُقُوطِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُكَرَّرِ ; فَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ التَّوَاتُرُ فِي الْمَحَلِّ جَازَ أَنْ لَا يَتَوَاتَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُكَرَّرَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ جَازَ أَنْ لَا يَصِلَ إِلَيْنَا، وَمَا جَازَ أَنْ لَا يَصِلَ إِلَيْنَا جَازَ سُقُوطُهُ. أَمَّا بَيَانُ لُزُومِ جَوَازِ إِثْبَاتِ كَثِيرٍ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ مِنَ الْمُكَرَّرَاتِ فَلِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِذَا تَوَاتَرَ بَعْضٌ مِنَ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ الْمَتْنِ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ إِثْبَاتُ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِي الْمَوَاضِعِ بِنَقْل الْآحَادِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمُكَرَّرِ قُرْآنًا، ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَبَعْضُهَا غَيْرُ قُرْآنٍ، ثَبَتَ بِنَقْلِ الْآحَادِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَوَازَيْنِ مُنْتَفٍ قَطْعًا فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ بِحَسَبِ الْمَحَلِّ. فَقَوْلُهُ: " مُبْتَدَأٌ " وَقَوْلُهُ: " ضَعِيفٌ " خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ: " يَسْتَلْزِمُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ "، وَقَوْلُهُ: " وَجَوَازُ إِثْبَاتِ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " جَوَازُ سُقُوطِ ". ش - هَذَا إِيرَادٌ عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْإِيرَادِ الْأَوَّلِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِسْقَاطُ وَالْإِثْبَاتُ، بَلْ يَجُوزُ إِنْ لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ يَمْنَعُهُمَا، لَكِنْ قَدِ اتَّفَقَ تَوَاتُرُ التَّكْرَارِ فِيمَا هُوَ مُكَرَّرٌ، وَالتَّوَاتُرُ مَنَعَ جَوَازَ الْإِسْقَاطِ وَالْإِثْبَاتِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَوَازُ الْإِسْقَاطِ مُتَحَقِّقًا، فَلَوْ قَطَعْنَا النَّظَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ اتِّفَاقُ تَوَاتُرِ الْمُكَرَّرِ، لَمْ يُقْطَعْ بِانْتِفَاءِ سُقُوطِ الْمُكَرَّرِ ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ سُقُوطِ الْمُكَرَّرِ هُوَ اتِّفَاقُ تَوَاتُرِ الْمُكَرَّرِ الْمَانِعِ عَنْ جَوَازِ السُّقُوطِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِانْتِفَاءِ سُقُوطِ الْمُكَرَّرِ مِنَ الْقُرْآنِ، سَوَاءٌ قُطِعَ النَّظَرُ عَنِ اتِّفَاقِ تَوَاتُرِ الْمُكَرَّرِ، أَوْ لَمْ نَقْطَعْ. وَالدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى انْتِفَاءِ جَوَازِ السُّقُوطِ، وَهُوَ مَا سَبَقَ مِنْ وُجُوبِ اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ فِيمَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمْ يَلْزَمُ جَوَازُ ذَلِكَ، أَيْ جَوَازُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السُّقُوطِ وَالْإِثْبَاتِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَوَازَ وَإِنِ انْتَفَى فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ بِسَبَبِ اتِّفَاقِ التَّوَاتُرِ، لَكِنْ جَازَ أَنْ يَنْتَفِيَ التَّوَاتُرُ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَلْزَمُ جَوَازُ السُّقُوطِ وَالْإِثْبَاتِ فِيهِ. [تواتر الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ: الْقِرَاءَاتُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهُمْ: نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -، بِشَرْطِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [صِحَّةِ] إِسْنَادِهَا إِلَيْهِمْ، وَاسْتِقَامَةِ وَجْهِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَمُوَافَقَةِ لَفْظِهَا خَطَّ الْمُصْحَفِ الْمَنْسُوبِ إِلَى صَاحِبِهَا. كَـ " مَلِكِ " بِغَيْرِ الْأَلْفِ الَّذِي نُسِبَ إِلَى نَافِعٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَابْنِ عَامِرٍ، وَحَمْزَةَ، وَأَبِي عَمْرٍو، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، مَكْتُوبًا فِي مُصْحَفِهِمْ بِغَيْرِ الْأَلْفِ، مُسْتَقِيمًا وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَكَـ " مَالِكِ " بِالْأَلْفِ الَّذِي نُسِبَ إِلَى الْكِسَائِيِّ وَعَاصِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَيْضًا، مَكْتُوبًا فِي مُصْحَفِهِمَا بِالْأَلْفِ، مُسْتَقِيمًا وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَاتِرَةً لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْقُرْآنِ غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ كَـ " مَلِكِ " وَ " مَالِكِ " قَرَأَ بِأَحَدِهِمَا بَعْضُ الْقُرَّاءِ، وَقَرَأَ بِالْآخَرِ بَعْضُهُمْ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُرْآنًا، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْقُرْآنِ غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ ; إِذِ التَّقْدِيرُ أَنَّ بَعْضَهَا غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ يَكُونَ بَعْضُهُمَا قُرْآنًا دُونَ بَعْضٍ، وَهُوَ تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَاوٍ فِي كَوْنِهِ قُرْآنًا وَعَدَمِهِ. أَوْ لَا تَكُونُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قُرْآنًا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُ الْقُرْآنِ قُرْآنًا وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. [الْعَمَلُ بِالشَّاذِّ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّاذِّ - وَهُوَ مَا نُقِلَ آحَادًا - غَيْرُ جَائِزٍ. مِثْلَ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيْامِ [مُتَتَابِعَاتٍ] . فَإِنَّ زِيَادَةَ " مُتَتَابِعَاتٍ " بَعْدَ قَوْلِهِ " أَيْامٍ " نُقِلَتْ آحَادًا. فَلَا يَجُوزُ، أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ جَوَّزَ الْعَمَلَ بِالشَّاذِّ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] 3) . لَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ ; إِذْ لَمْ يَتَوَاتَرْ. وَلَا خَبَرَ يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ: مَا رَوَاهُ الرَّاوِي صَرِيحًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا: إِمَّا الْقُرْآنُ وَإِمَّا خَبَرُ الْآحَادِ. لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ قُرْآنًا فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قُرْآنًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قُرْآنًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ الْوَاحِدِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يُذْكَرْ عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لِلرَّاوِي، وَذَكَرَهُ بَيَانًا لِمُعْتَقَدِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وَإِنْ سُلِّمَ - فَالْخَبَرُ الْمَقْطُوعُ بِخَطَئِهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ. وَنَقْلُهُ قُرْآنًا، خَطَأٌ. ص - الْمُحْكَمُ: الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى. وَالْمُتَشَابِهُ: مُقَابِلُهُ، إِمَّا لِاشْتِرَاكٍ أَوْ إِجْمَالٍ أَوْ ظُهُورِ تَشْبِيهٍ. وَالظَّاهِرُ، الْوَقْفُ عَلَى الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ بِمَا لَا يُفْهَمُ بَعِيدٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قُرْآنًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْعَمَلِ بِهِ; لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِخَطَئِهِ ; لِأَنَّهُ نَقَلَهُ قُرْآنًا، وَهُوَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ قَطْعًا. وَالْخَبَرُ الْمَقْطُوعُ بِخَطَئِهِ لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ. [الْمُحْكَمُ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، خَتَمَ بَحْثَ الْكِتَابِ بِذِكْرِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَشْمَلُهُمَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ. وَالْمُحْكَمُ: الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى بِحَيْثُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِشْكَالٌ، وَلَا الْتِبَاسٌ. وَالْمُتَشَابِهُ: مُقَابِلُهُ، وَهُوَ مَا الْتَبَسَ مَعْنَاهُ عَلَى السَّامِعِ، إِمَّا لِاشْتِرَاكٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، أَوْ لِإِجْمَالٍ فِي مَفْهُومِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُتَوَاطِئِ، مِثْلَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] أَوْ ظُهُورِ تَشْبِيهٍ، مِثْلَ: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وَمَثَلَ: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. وَلَمَّا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] اشْتِبَاهٌ فِي أَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ أَوْ لِلِاسْتِئْنَافِ تَعَرَّضَ لَهُ، فَقَالَ: وَالظَّاهِرُ الْوَقْفُ عَلَى " {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] ". أَيِ الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ لَا لِلِاسْتِئْنَافِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى " {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] " لَا عَلَى " اللَّهُ ". لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِاسْتِئْنَافِ، لَزِمَ الْوَقْفُ عَلَى " اللَّهُ " فَيَجِبُ أَنْ لَا يَعْلَمَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ تَأْوِيلَهُ، فَيَكُونُ الْخِطَابُ بِهِ خِطَابًا بِمَا لَا يُفْهَمُ، وَهُوَ بَعِيدٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ، لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: " {يَقُولُونَ آمَنَّا} [آل عمران: 7] " حَالًا لِـ " الرَّاسِخُونَ " فَقَطْ ; لِامْتِنَاعِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " آمَنَّا ". فَيَلْزَمُ اخْتِصَاصُ الْمَعْطُوفِ بِالْحَالِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ الْمَعْطُوفِ بِالْحَالِ يَجُوزُ حَيْثُ لَا لَبْسَ. [السُّنَّةُ] [عصمة الأنبياء] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابِ، شَرَعَ فِي السُّنَّةِ، وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 2 - السُّنَّةُ. ص - السُّنَّةُ. (مَسْأَلَةٌ) : الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مَعْصِيَةٌ. وَخَالَفَ الرَّوَافِضُ. وَخَالَفَ الْمُعْتَزِلَةَ إِلَّا فِي الصَّغَائِرِ. وَمُعْتَمَدُهُمُ التَّقْبِيحُ الْعَقْلِيُّ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ بَعْدَ الرِّسَالَةِ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ ; لِدَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ. وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي غَلَطًا، وَقَالَ: دَلَّتْ عَلَى الصِّدْقِ اعْتِقَادًا. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْمَعَاصِي، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ غَيْرِهِمَا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَضَحَ فِيهِ أَمْرُ الْجِبِلَّةِ، كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، أَوْ تَخْصِيصُهُ، كَالضُّحَى، وَالْوِتْرِ، وَالتَّهَجُّدِ، وَالْمُشَاوَرَةِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالْوِصَالِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، فَوَاضِحٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي بَيَانِ [أَنَّ] الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - هَلْ هُمْ مَعْصُومُونَ أَمْ لَا؟ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالْمُقَدِّمَةِ لِلْمَسَائِلِ الْأُخَرِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمَّا كَانَتْ مُنْقَسِمَةً إِلَى الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالتَّقَارِيرِ، وَجَبَ أَنْ يَبْحَثَ أَوَّلًا عَنِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَكُونُ [حَقَّةً] يَجِبُ عَلَيْنَا التَّأَسِّي بِهَا أَمْ لَا؟ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ بَيَانِ عِصْمَتِهِمْ. فَنَقُولُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا أَنْ يَصْدُرَ، قَبْلَ الْبَعْثَةِ، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً. وَخَالَفَهُمُ الرَّوَافِضُ مُطْلَقًا، أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ، قَبْلَ الْبَعْثَةِ، مَعْصِيَةٌ، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً. وَخَالَفَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ إِلَّا فِي الصَّغَائِرِ، أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمُ الْكَبَائِرُ، وَيَجُوزَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ، قَبْلَ الْبَعْثَةِ، الصَّغَائِرُ. وَمُعْتَمَدُ الْفَرِيقَيْنِ: التَّقْبِيحُ الْعَقْلِيُّ ; لِأَنَّ إِرْسَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا مِنَ الْكَبَائِرِ - كَمَا هُوَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ - وَمِنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ - كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هُوَ عِنْدَ الرَّوَافِضِ - يُوجِبُ التَّنْفِيرَ عَنْهُ، وَهُوَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، فَيَكُونُ قَبِيحًا عَقْلًا. وَأَمَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَالرِّسَالَةِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ; لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيهَا. فَلَوْ جَازَ كَذِبُهُمْ فِيهَا لَبَطَلَ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ صُدُورِ الْكَذِبِ مِنْهُمْ غَلَطًا، فَجَوَّزَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُمْ قَصْدًا وَاعْتِقَادًا. وَمَا صَدَرَ عَنْهُمْ غَلَطًا فَالْمُعْجِزَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيهِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْكَذِبِ مِنَ الْمَعَاصِي، فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ مُطْلَقًا، وَالصَّغَائِرُ الدَّالَّةُ عَلَى خِسَّةِ فَاعِلِهِ وَنَقْصِ مُرُوءَتِهِ، كَسَرِقَةِ كِسْرَةٍ. وَأَمَّا غَيْرُ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ صُدُورِهَا مِنْهُمْ. [فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ فِعْلَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ يَدُلُّ عَلَى شَرْعٍ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا أَمْ لَا؟ الْفِعْلُ الصَّادِرُ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّضِحَ فِيهِ أَمْرُ الْجِبِلَّةِ، أَيْ يَكُونُهُ مُقْتَضَى طَبْعِ الْإِنْسَانِ وَجِبِلَّتِهِ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَالثَّانِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّضِحَ فِيهِ تَخْصِيصُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِحُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، أَوْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وَمَا سِوَاهُمَا، إِنْ وَضَحَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلٍ أَوْ قَرِينَةٍ، مِثْلَ " صَلُّوا " وَ " خُذُوا ". وَكَالْقَطْعِ مِنَ الْكُوعِ، وَالْغَسْلِ إِلَى الْمَرَافِقِ - اعْتُبِرَ اتِّفَاقًا. وَمَا سِوَاهُ، إِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ، فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ. وَقِيلَ: فِي الْعِبَادَاتِ. وَقِيلَ: كَمَا لَوْ تَعْلَمُ. وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ - فَالْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ، وَالْإِبَاحَةُ، وَالْوَقْفُ. وَالْمُخْتَارُ: إِنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ - فَنَدْبٌ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ. ص - لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَعْلُومِ صِفَتُهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا قَضَى الْآيَةَ. وَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ، وَظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ - ثَبَتَ الرُّجْحَانُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوفُ [عِنْدَهُ] . وَالْوُجُوبُ زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ. وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ، فَالْجَوَازُ، وَالْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ. وَأَيْضًا لَمَّا نَفَى الْحَرَجَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " زَوَّجْنَاكَهَا "، فُهِمَتِ الْإِبَاحَةُ مَعَ احْتِمَالِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَوَّلُ كَالضُّحَى، وَالْوِتْرِ، وَالتَّهَجُّدِ، وَالْمُشَاوَرَةِ، وَتَخْيِيرِ نِسَائِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِينَةِ الدُّنْيَا. فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُصِّصَ بِوُجُوبِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَالْوِصَالِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَخْصُوصٌ بِإِبَاحَتِهِمَا لَهُ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. وَالْأَوَّلَانِ وَاضِحٌ أَمْرُهُمَا، لَا نِزَاعَ لِأَحَدٍ فِيهِمَا ; فَإِنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا حُكْمُهُ وَحُكْمُ أُمَّتِهِ فِيهِ، الْإِبَاحَةُ. وَالثَّانِي مُخْتَصٌّ بِهِ، لَسْنَا مُتَعَبَّدِينَ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَّضِحْ فِيهِ أَمْرُ الْجِبِلَّةِ وَلَا تَخْصِيصُهُ - لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّضِحَ فِيهِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلٍ مُجْمَلٍ، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ اعْتُبِرَ اتِّفَاقًا فِي مُقْتَضَى الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ] ، سَوَاءٌ وَضَحَ كَوْنُهُ بَيَانًا لِقَوْلٍ، كَالْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ. فَإِنَّهُ وَضَحَ كَوْنُهَا بَيَانًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " وَ " «خُذُوا عَنَى مَنَاسِكَكُمْ» " أَوْ وَضَحَ كَوْنُهُ بَيَانًا بِقَرِينَةٍ، كَمَا إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ حَتَّى وَقَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِهِ، فَفَعَلَ فِعْلًا صَالِحًا لِلْبَيَانِ فَإِنَّهُ وَضَحَ كَوْنُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَيَانًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنَ الْكُوعِ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِآيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] السَّرِقَةِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. وَكَغَسْلِ الْيَدِ مَعَ الْمِرْفَقِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] . وَالثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَّضِحْ كَوْنُهُ بَيَانًا لِقَوْلٍ مُجْمَلٍ - لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تُعْلَمَ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنَ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ، أَوْ لَا. فَإِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ، فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، سَوَاءٌ كَانَ عِبَادَةً أَوْ غَيْرَهَا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْفِعْلُ عِبَادَةً، فَأَمَتُّهُ مِثْلُهُ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْخَلَّادِ. وَقِيلَ: كَمَا لَمْ تَعْلَمْ، أَيْ حُكْمُ مَا عَلِمْتَ صِفَتَهُ كَحُكْمِ مَا لَا تَعْلَمْ صِفَتَهُ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ خَيْرَانَ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: النَّدْبُ. وَهُوَ مَذْهَبُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. الثَّالِثُ: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. الرَّابِعُ: التَّوَقُّفُ. وَهُوَ مَذْهَبُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. الْخَامِسُ: التَّفْصِيلُ بِأَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، فَنَدْبٌ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَفْعَالَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. ثَلَاثَةٌ [مِنْهَا] لَمْ يَقَعْ فِيهَا نِزَاعٌ. وَاثْنَانِ مِنْهَا - وَهُمَا [الْأَخِيرَانِ] ، أَعْنِي مَا عُلِمَتْ صِفَتُهُ وَمَا لَمْ تُعْلَمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا. ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ، شَرَعَ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهَا فَبَدَأَ بِإِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَتَمَسَّكَ بِوَجْهَيْنِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ مَا عُلِمَ صِفَتُهُ فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ. أَحَدُهُمَا: الْإِجْمَاعُ. وَبَيَانُهُ أَنَا نَقْطَعُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى فِعْلِهِ الْمَعْلُومِ صِفَتُهُ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عِنْدَ كُلِّ حَادِثَةٍ، وَيَقْتَدُونَ بِالرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ أَحَدٍ مِنْهُمْ. كَرُجُوعِهِمْ إِلَى تَقْبِيلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. وَإِلَى تَقْبِيلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِنِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. وَذَلِكَ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأُمَّةِ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْفِعْلِ الَّذِي عُلِمَ صِفَتُهُ، وَإِلَّا لَمْ تُفِدِ الْمُرَاجَعَةُ لَهُمْ. الثَّانِي: الْآيَةُ. وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] . وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَّلَ نَفْيَ الْحَرَجِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي نِكَاحِ أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ بِتَزْوِيجِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَوْجَةَ دَعِيِّهِ زَيْدٍ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأُمَّةِ حُكْمَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْفِعْلِ الْمَعْلُومِ صِفَتُهُ، لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيلِ فِي الْآيَةِ مَعْنًى ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْهُ، نَفْيُ الْحَرَجِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 ص - الْمُوجِبُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} [الحشر: 7] . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: مَا أَمَرَكُمْ لِمُقَابَلَةِ وَمَا نَهَاكُمْ. قَالُوا: " فَاتَّبِعُوهُ ". أُجِيبَ: فِي الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ، أَوْ فِي الْقَوْلِ، أَوْ فِيهِمَا. قَالُوا: " لَقَدْ كَانَ " إِلَى آخِرِهَا. أَيْ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ فَلَهُ فِيهِ أُسْوَةٌ. قُلْنَا: مَعْنَى التَّأَسِّي: إِيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ. ص - قَالُوا: خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَخَلَعُوا، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ، وَبَيَّنَ الْعِلَّةَ. قُلْنَا: لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " صَلُّوا " أَوْ لِفَهْمِ الْقُرْبَةِ. قَالُوا: لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّمَتُّعِ، تَمَسَّكُوا بِفِعْلِهِ. قُلْنَا: لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " خُذُوا " أَوْ لِفَهْمِ الْقُرْبَةِ. ص - قَالُوا: لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْغُسْلِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ، «سَأَلَ عُمَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَتْ: فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَسَلْنَا» .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ إِثْبَاتِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، شَرَعَ فِي الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا تُعْلَمُ صِفَتُهُ، إِنْ كَانَ عِبَادَةً فَنَدْبٌ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ. لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ [إِمَّا] أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ حَالَ إِتْيَانِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، الْقُرْبَةَ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَنَدْبٌ ; لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ الْقُرْبَةَ بِهِ، دَلَّ عَلَى رُجْحَانِ فِعْلِهِ عَلَى التَّرْكِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ رَاجِحًا، لَمْ تُقْصَدْ بِهِ قُرْبَةٌ، فَلَزِمَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الرُّجْحَانِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ. وَخُصُوصِيَّةُ الْوُجُوبِ - وَهُوَ الذَّمُّ عَلَى التَّرْكِ - زِيَادَةٌ لَمْ تَثْبُتْ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الذَّمِّ بِتَرْكِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ ثَابِتَةٌ. وَإِذَا كَانَ رَاجِحًا، وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَنْدُوبًا ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَكُونُ فِعْلُهُ رَاجِحًا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ - فَمُبَاحٌ، لِأَنَّ الْجَوَازَ ثَابِتٌ ; إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ [الذَّنْبِ] فِي فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّ وُقُوعَ [الذَّنْبِ] فِي فِعْلِهِ نَادِرٌ، مَغْلُوبٌ، وَالنَّادِرُ الْمَغْلُوبُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَخُصُوصِيَّةُ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لَمْ تَثْبُتْ ; إِذْ لَا وُجُوبَ وَلَا نَدْبَ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ. وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوَازُ وَانْتَفَى الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ، تَعَيَّنَ الْإِبَاحَةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنِ الْإِبَاحَةُ رَاجِحَةً فِي صُوَرِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ، مَعَ عَدَمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ، لَمَا فُهِمَتِ الْإِبَاحَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] لِامْتِنَاعِ [تُرَجُّحِ] الْمَرْجُوحِ أَوِ الْمُسَاوِي. لَكِنْ فُهِمَتِ الْإِبَاحَةُ فَتَكُونُ الْإِبَاحَةُ رَاجِحَةً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ فِيمَا لَا تُعْلَمُ صِفَتُهُ، شَرَعَ فِي تَقْرِيرِ دَلَائِلِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ فِيمَا لَا تُعْلَمُ صِفَتُهُ. وَلَمَّا كَانَ دَلَائِلُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ، اعْتُبِرَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا، فَذَكَرَ أَوَّلًا الدَّلَائِلَ الْمَأْخُوذَةَ مِنَ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ ثُمَّ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْقِيَاسِ. أَمَّا الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الْكِتَابِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] . وَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِأَخْذِ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ، أَيْ بِإِمْسَاكِ مَا أَتَى بِهِ. لِأَنَّ الْأَخْذَ هَهُنَا هُوَ الِامْتِثَالُ مَجَازًا. وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَيَكُونُ امْتِثَالُ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ وَاجِبًا. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أَتَى بِهِ فِعْلُهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ، فَيَكُونُ امْتِثَالُهُ وَاجِبًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} [الحشر: 7] بِمَعْنَى مَا أَمَرَكُمْ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَمَا نَهَاكُمْ وَالْأَمْرُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفِعْلَ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَاجِبًا. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتَّبِعُوهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ. وَالْمُتَابَعَةُ هِيَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، فَيَكُونُ مِثْلُ فِعْلِهِ وَاجِبًا. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَابَعَةِ هِيَ الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ، أَيْ إِنْ كَانَ الرَّسُولُ فَعَلَهُ عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ، كَانَتِ الْمُتَابَعَةُ هِيَ الْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ، فَالْمُتَابَعَةُ هِيَ الْإِتْيَانُ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ. أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْمُتَابَعَةِ هِيَ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقَوْلِ، وَهِيَ الِامْتِثَالُ لِقَوْلِهِ. أَوِ الْمُرَادُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ مَعًا. وَعَلَى التَّقَادِيرِ لَمْ يَلْزَمْ وُجُوبُ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ. أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَلِأَنَّ الِاتْبَاعَ فِي الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ، إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا عُلِمَ صِفَةُ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي الْقَوْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21] يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ أَنَّ التَّأَسِّيَ بِالرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ لَوَازِمِ رَجَاءِ اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، [وَرَجَاءُ اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] هُوَ الْإِيمَانُ بِهِمَا. فَيَكُونُ مَضْمُونُ الْآيَةِ رَاجِعًا إِلَى جُمْلَةٍ شَرْطِيَّةٍ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ [الْآخِرِ] فَلَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي رَسُولِ اللَّهِ. فَوَجَبَ التَّأَسِّي بِفِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ التَّأَسِّي وَاجِبًا، لَجَازَ تَرْكُهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ ; لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَجُوزُ تَرْكُهُ. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي ; فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ تَرْكُ التَّأَسِّي بِهِ، لَجَازَ تَرْكُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ جَوَازُ الْكُفْرِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّأَسِّيَ بِهِ لَازِمٌ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَجَوَازُ تَرْكِ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ تَرْكِ الْمَلْزُومِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى مِنَ التَّأَسِّي ; إِيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ. فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ التَّأَسِّي فِي الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ دَلَائِلِهِمُ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْكِتَابِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا، شَرَعَ فِي دَلَائِلِهِمُ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ السُّنَّةِ، وَذَكَرَ مِنْهَا دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَمَّا خَلَعَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَعْلَيْهِ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ فَهِمُوا وُجُوبَ الْخَلْعِ عَلَيْهِمْ، فَخَلَعُوا نِعَالَهُمْ. «فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟» فَقَالُوا فِي جَوَابِهِ: لِأَنَّكَ خَلَعْتَ. فَأَقَرَّهُمُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ، وَبَيَّنَ عِلَّةَ اخْتِصَاصِهِ بِالْخَلْعِ، حَتَّى حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: «أَخِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذًى» . فَلَوْلَا أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَاجِبٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَمَا خَلَعُوا، وَلَمَا أَقَرَّهُمُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ، وَلَمَا احْتَاجَ إِلَى بَيَانِ عِلَّةِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ فَهْمَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ قَوْلِهِ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " فَإِنَّهُ لَمَّا سَبَقَ هَذَا الْكَلَامُ فَهِمُوا وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ. أَوْ لِأَنَّهُمْ خَلَعُوا لِفَهْمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ بِخَلْعِ [النَّبِيِّ]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ. الثَّانِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالتَّمَتُّعِ - وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ، أَيْ مَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي تِلْكَ السَّنَّةِ - وَلَمْ يَتَمَتَّعْ. فَقَالُوا: مَا لَكَ تَأْمُرُنَا بِالتَّمَتُّعِ وَلَمْ تَتَمَتَّعْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ فِعْلِهِ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ، وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ، بَلْ بَيَّنَ عُذْرًا يَخْتَصُّ بِهِ. فَلَوْلَا أَنَّ فِعْلَهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ لَأَنْكَرَهُ الرَّسُولُ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا فَهِمُوا وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» " أَوْ أَنَّهُمْ مَا فَهِمُوا وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ فِي فِعْلِهِ، بَلْ فَهِمُوا أَنَّ مُتَابَعَتَهُ مَنْدُوبَةٌ بِسَبَبِ فَهْمِ الْقُرْبَةِ مِنْ فِعْلِهِ. ش - هَذَا دَلِيلٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِجْمَاعِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنِ [الْتِقَاءِ] الْخِتَانَيْنِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ، رَجَعَ عُمَرُ إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاغْتَسَلْنَا. فَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ. فَلَوْ لَمْ يَتَقَرَّرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 قُلْنَا: إِنَّمَا اسْتُفِيدَ مِنْ " «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» " أَوْ لِأَنَّهُ بَيَانٌ وَإِنْ كُنْتُمْ [جُنُبًا] . أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ. أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ. ص - قَالُوا: أَحْوَطُ، كَصَلَاةٍ، وَمُطَلَّقَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنَا. وَالْحَقُّ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيمَا ثَبَتَ وَجُوبُهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عِنْدَهُمْ أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاجِبٌ، لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ [اسْتَفَادُوهُ] مِنْ حِكَايَةِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَلْ [اسْتَفَادُوهُ] مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ» " وَإِنَّمَا رَجَعَ عُمَرُ إِلَى عَائِشَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُوَافِقًا لِفِعْلِهِ أَمْ لَا. أَوْ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ لِأَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَعَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] . وَلَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ اعْتِبَارِ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ. أَوْ لِأَنَّ الْغُسْلَ شَرْطُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُسَاوَاتَهُ لِأُمَّتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ". فَفَهِمُوا وُجُوبَ الْغُسْلِ لِذَلِكَ ; لَا لِأَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَاجِبٌ. أَوْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِمَّا حَكَتْهُ عَائِشَةُ، الْوُجُوبَ، فَيَكُونُ مِنَ الْقِسْمِ الَّذِي عُلِمَتْ صِفَتُهُ. ش - هَذَا دَلِيلٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِيَاسِ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ، دَارَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ وَلِغَيْرِهِ. فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ، قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَنَسِيَهَا ; فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ تَتَعَيَّنِ الْوَاحِدَةُ الَّتِي تَرَكَهَا، حُكِمَ بِوُجُوبِ قَضَاءِ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. وَعَلَى وُجُوبِ الْكَفِّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ تَتَعَيَّنْ، فَإِنَّهُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ وَاشْتَبَهَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِغَيْرِهَا، بِأَنْ نَسِيَهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُنَّ جَمِيعًا ; لِأَنَّهُ أَحْوَطُ أَيْضًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِتَحَقُّقِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا ثَبَتَ وَجُوبُهُ، كَالصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمُطَلَّقَةِ. أَوْ كَانَ الْوُجُوبُ هُوَ الْأَصْلَ، كَيَوْمِ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ. فَإِنَّهُ إِذَا غُمَّ يَوْمُ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَيُحْكَمُ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 أَوْ كَانَ الْأَصْلُ، كَالثَّلَاثِينَ. وَأَمَّا مَا احْتَمَلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ - فَلَا. ص - النَّدْبُ: الْوُجُوبُ يَسْتَلْزِمُ التَّبْلِيغَ، وَالْإِبَاحَةُ مُنْتَفِيَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ص - الْإِبَاحَةُ هُوَ الْمُتَحَقِّقُ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ. أُجِيبُ: إِذَا لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا عَلِمَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَادِرًا. فَإِنْ كَانَ كَمُضِيِّ كَافِرٍ إِلَى كَنِيسَةٍ - فَلَا أَثَرَ لِلسُّكُوتِ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ. وَإِنْ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ - فَنَسْخٌ، وَإِلَّا لَزِمَ ارْتِكَابُ مُحَرَّمٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنِ اسْتَبْشَرَ بِهِ - فَأَوْضَحَ. وَتَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقِيَافَةِ بِالِاسْتِبْشَارِ وَتَرْكِ الْإِنْكَارِ لِقَوْلِ الْمُدْلِجِيِّ، وَقَدْ بَدَتْ لَهُ أَقْدَامُ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. وَأَوْرَدَ: إِنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ لِمُوَافَقَةِ الْحَقِّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْوُجُوبُ لَمَّا ثَبَتَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ عَمِلْنَا فِيهِ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَقِيسِ، وَلَمْ يَكُنِ الْوُجُوبُ فِيهِ أَصْلًا، فَلَمْ نَعْمَلْ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ، شَرَعَ فِي إِبْطَالِ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ، وَذَكَرَ دَلِيلًا لَهُمْ. تَقْرِيرُهُ: أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ وَلَا مَكْرُوهٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا. وَالْوُجُوبُ مُنْتَفٍ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ لَاسْتَلْزَمَ التَّبْلِيغَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَعُلِمَ صِفَتُهُ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. وَالْإِبَاحَةُ أَيْضًا مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا حَسَنَةٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَسَنٌ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فَتَعَيَّنَ النَّدْبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: الْوُجُوبُ يَسْتَلْزِمُ التَّبْلِيغَ وَلَمْ يُبَلِّغْ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ اسْتِلْزَامَ الْوُجُوبِ لِلتَّبْلِيغِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: " بَلِّغْ " لَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْوُجُوبِ بِالتَّبْلِيغِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَ التَّبْلِيغِ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُبَلِّغْ، بَلْ بَلَّغَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: " فَاتَّبِعُوهُ ". وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ دَلِيلَكُمْ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْوُجُوبِ، لَكِنْ يُفِيدُ انْتِفَاءَ النَّدْبِ أَيْضًا. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلنَّدْبِ لَاسْتَلْزَمَ التَّبْلِيغَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] " وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَعُلِمَ صِفَتُهُ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. وَأَيْضًا لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْإِبَاحَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ التَّأَسِّي بِهِ، بَلْ حُسْنُ التَّأَسِّي لِأَنَّ الْحَسَنَةَ صِفَةٌ لِلْأُسْوَةِ. فَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِبَاحَةِ، وَيَكُونُ التَّأَسِّي بِهَا حَسَنًا، بِأَنْ يُؤْتَى بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْقَائِلُونَ بِإِبَاحَةِ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ، قَالُوا: إِنَّ الْإِبَاحَةَ هُوَ الْمُتَحَقِّقُ ; لِأَنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ثَابِتٌ، وَزِيَادَةُ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْإِبَاحَةِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا لَمْ يَظْهَرُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ. أَمَّا إِذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، يَثْبُتُ النَّدْبُ ; لِأَنَّ ظُهُورَ قَصْدِ الْقُرْبَةِ دَلِيلُ رُجْحَانِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يُقْصَدُ بِهِ قُرْبَةٌ. [إِذَا عَلِمَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يُنْكِرْهُ قَادِرًا] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ تَقْرِيرَ الرَّسُولِ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ مَا فُعِلَ فِي حَضْرَتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ - هَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، إِذَا عَلِمَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفِعْلٍ صَدَرَ عَنِ الْمُكَلَّفِ وَلَمْ يُنْكِرِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ الْفِعْلَ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إِنْكَارِهِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا بَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَحْرِيمَهُ، وَلَمْ يُتَصَوَّرْ نُسَخُهُ، كَمُضِيِّ كَافِرٍ إِلَى كَنِيسَةٍ، فَلَا أَثَرَ لِسُكُوتِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اتِّفَاقًا. أَيْ عَدَمُ إِنْكَارِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمُضِيِّ كَافِرٍ إِلَى كَنِيسَةٍ، نُظِرَ. فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ تَحْرِيمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، دَلَّ عَدَمُ إِنْكَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. وَإِنْ سَبَقَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، يَكُونُ عَدَمُ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَالِاسْتِبْشَارَ بِمَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ عَلَى أَصْلِهِ ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحَقِّ لَا تَمْنَعُ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُنْكَرًا. وَإِلْزَامُ الْخَصْمِ حَصَلَ بِالْقِيَافَةِ فَلَا يَصْلُحُ مَانِعًا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْفِعْلَانِ لَا يَتَعَارَضَانِ، كَصَوْمٍ وَأَكْلٍ ; لِجَوَازِ الْأَمْرِ فِي وَقْتٍ، وَالْإِبَاحَةِ فِي آخَرَ. إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى [تَكْرِيرِ] وُجُوبِ الْأَوَّلِ لَهُ [أَوْ] لِأُمَّتِهِ، فَيَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا. ص - فَإِنْ كَانَ مَعَهُ قَوْلٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَكَرُّرٍ وَلَا تَأَسٍّ بِهِ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ وَتَأَخَّرَ - فَلَا تَعَارُضَ. فَإِنْ تَقَدَّمَ - الْفِعْلَ نَاسِخٌ قَبْلَ التَّمَكُّنِ عِنْدَنَا. فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِنَا - فَلَا تَعَارُضَ، تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ. وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَنَا وَلَهُ - فَتَقَدَّمَ الْفِعْلُ أَوِ الْقَوْلُ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ ظَاهِرًا فِيهِ، فَالْفِعْلُ تَخْصِيصٌ كَمَا سَيَأْتِي. ص - فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَكَرُّرٍ وَتَأَسٍّ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ، فَلَا مُعَارَضَةَ فِي الْأُمَّةِ. وَفِي حَقِّهِ، الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ. فَإِنَّ جُهِلَ - فَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ: الْوَقْفُ ; لِلتَّحَكُّمِ. فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِنَا - فَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِ. وَفِي الْأُمَّةِ، الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ. فَإِنْ جُهِلَ - فَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ: يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ ; لِأَنَّهُ أَقْوَى ; لِوَضْعِهِ لِذَلِكَ، وَلِخُصُوصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْسُوسِ، وَلِلْخِلَافِ فِيهِ، وَلِإِبْطَالِ الْقَوْلِ بِهِ جُمْلَةً. وَالْجَمْعُ، وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى. قَالُوا: الْفِعْلُ أَقْوَى ; لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْقَوْلُ، مِثْلَ " صَلُّوا " وَ " خُذُوا عَنِّي " وَكَخُطُوطِ الْهَنْدَسَةِ وَغَيْرِهَا. قُلْنَا: الْقَوْلُ أَكْثَرُ. وَإِنْ سُلِّمَ التَّسَاوِي - فَيَرْجِعُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْوَقْفُ ضَعِيفٌ لِلتَّعَبُّدِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَدَمُ إِنْكَارِهِ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَسْبِقْ تَحْرِيمُهُ، وَعَلَى النَّسْخِ فِيمَا سَبَقَ تَحْرِيمُهُ، لَزِمَ أَنْ يَرْتَكِبَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِعْلًا مُحَرَّمًا ; لِأَنَّ تَرْكَ إِنْكَارِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْكَارِ، يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الرَّسُولِ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَرَامِ لَا يَجُوزُ صُدُورُهُ عَنِ النَّبِيِّ. فَإِنِ اسْتَبْشَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ، كَانَ اسْتِبْشَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْضَحَ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. وَلِهَذَا تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جَوَازِ إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ بِاسْتِبْشَارِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، - وَتَرْكِ إِنْكَارِهِ لِقَوْلِ الْمُدْلِجِيِّ حَيْثُ نَظَرَ الْمُدْلِجِيُّ إِلَى زَيْدٍ وَأُسَامَةَ، وَهُمَا تَحْتَ قَطِيفَةٍ، وَقَدْ ظَهَرَتْ لِلْمُدْلِجِيِّ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. فَذَكَرَ قِصَّتَهُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَاسْتَبْشَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. فَلَوْلَا أَنَّ الْقِيَافَةَ حَقَّةٌ، يَجُوزُ إِثْبَاتُ النِّسَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِهَا، لَمَا اسْتَبْشَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ، وَلَأَنْكَرَهُ. وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ تَرْكَ إِنْكَارِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِقَوْلِ الْمُدْلِجِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُدْلِجِيِّ مُوَافِقٌ لِلْحَقِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّرْعِ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ النَّسَبِ، لَا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْقِيَافَةِ. وَاسْتِبْشَارُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ إِلْزَامِ الْخَصْمِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَعَرَّضُوا لِنَسَبِ أُسَامَةَ، فَطَعَنُوا فِيهِ، وَلَمْ يَعْتَقِدُوا ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِظَاهِرِ الشَّرْعِ، وَكَانُوا [يَعْتَقِدُونَ] بِالْقِيَافَةِ فِي إِثْبَاتِ النِّسَبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْقِيَافَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ طَرِيقًا صَالِحًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ، لَمْ يَجُزْ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرْكُ إِنْكَارِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِلْحَقِّ، لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحَقِّ لَا تَمْنَعُ الْإِنْكَارَ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُنْكَرًا ; لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ يُوهِمُ حَقِّيَّةَ الطَّرِيقِ. وَإِلْزَامُ الْخَصْمِ إِنَّمَا حَصَلَ بِالْقِيَافَةِ الْمُتَقَرِّرَةِ عِنْدَهُ. وَإِنْكَارُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْقِيَافَةَ لَا يَرْفَعُ إِلْزَامَ الْخَصْمِ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إِلْزَامُ الْخَصْمِ بِالْأَصْلِ الَّذِي تَقَرَّرَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْزِمُ مُنْكِرًا لِذَلِكَ الْأَصْلِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ الْإِلْزَامُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ الْإِنْكَارِ. فَلَوْ كَانَ مُنْكَرًا لَأَنْكَرَهُ وَلَمْ يَسْتَبْشِرْهُ بِهِ ; لِأَنَّ الِاسْتِبْشَارَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِلْزَامِ وَيُوهِمُ حَقِّيَّةَ الْقِيَافَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [الْفِعْلَانِ لَا يَتَعَارَضَانِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي تَعَارُضِ أَفْعَالِ الرَّسُولِ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، وَتَعَارُضُهُمَا مَعَ أَقْوَالِهِ. وَالتَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ: تُقَابُلُهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُقْتَضَى صَاحِبِهِ. وَالْفِعْلَانِ إِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَا. وَالثَّانِي لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ. وَالْأَوَّلُ لَا يُمْكِنُ صُدُورُهُمَا مَعًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، كَصَوْمٍ وَأَكْلٍ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي زَمَانٍ وَالْآخِرُ فِي زَمَانٍ آخَرَ. وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكْرِيرِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَوْ لَا. وَالثَّانِي لَا تَعَارُضَ لَهُمَا أَصْلًا، سَوَاءٌ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكْرِيرِ الثَّانِي مِنْهُمَا أَوْ لَا يَدُلُّ ; لِجَوَازِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِأَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ وَالْإِبَاحَةِ بِهِ وَقْتًا آخَرَ، فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِلْآخَرِ. وَالْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكْرِيرِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا - فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ التَّكْرِيرِ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ لِأُمَّتِهِ، أَوْ لَهُمَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، كَانَ الثَّانِي نَاسِخًا لِوُجُوبِ التَّكْرِيرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ إِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ فِي الْأَوَّلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ دَلَّ [وَ] وُقُوعُ الْفِعْلِ الثَّانِي بَعْدَ تَأَسِّي الْأُمَّةِ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا مُعَارَضَةٌ فِي حَقِّهِمْ. وَقَبْلَ التَّأَسِّي يَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ أَيْضًا إِنْ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ فِي الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا مُعَارَضَةَ أَيْضًا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ. وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ التَّكْرِيرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمَّتِهِ فَقَطْ، فَلَا مُعَارَضَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمَّتِهِ، إِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ فِي الثَّانِي، وَإِلَّا كَانَ الثَّانِي نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ. وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ دَالًّا عَلَى وُجُوبِ التَّكْرِيرِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، فَتَكَرَّرَ الْأَوَّلُ أَوِ الثَّانِي لَهُ وَلِأُمَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ تَعَارُضِ أَفْعَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، شَرَعَ فِي بَيَانِ تَعَارُضِ فِعْلِهِ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَ مَعَ فِعْلِ الرَّسُولِ قَوْلٌ - فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ لَا يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ، وَعَلَى وُجُوبِ تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ، أَوْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ. وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّكْرَارِ أَوْ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى التَّفْصِيلِ. فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَلَا عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ. فَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ، أَوْ خَاصًّا بِنَا، أَوْ عَامًّا لَنَا وَلَهُ. فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ الْقَوْلُ عَنِ الْفِعْلِ أَوْ يَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ، أَوْ يُجْهَلَ التَّارِيخُ. فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ وَتَأَخَّرَ عَنِ الْفِعْلِ، كَأَنْ فَعَلَ فِعْلًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ، إِمَّا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي: لَا يَجُوزُ [لِي] مِثْلُ هَذَا الْفِعْلِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ أَصْلًا، لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ أُمَّتِهِ ; أَمَّا فِي حَقِّهِ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يَتَنَاوَلِ الزَّمَانَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْفِعْلُ، وَالْفِعْلُ أَيْضًا لَمْ يَتَنَاوَلِ الزَّمَانَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْقَوْلُ، فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِحُكْمِ الْآخَرِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمَّةِ فَظَاهِرٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَعَلُّقٌ بِالْأُمَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ وَتَقَدَّمَ عَلَى الْفِعْلِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يَجِبُ عَلَيَّ فِعْلُ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِضِدِّ مُقْتَضَى الْقَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمُقْتَضَاهُ، فَفِيهِ خِلَافٌ. فَعِنْدَنَا الْفِعْلُ نَاسِخٌ لِلْقَوْلِ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ بَعْدَ الْقَوْلِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَعْصِيَةِ ; لِأَنَّ النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُمْ. وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ، لَا يَكُونُ الْفِعْلُ نَاسِخًا لِلْقَوْلِ، إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْفِعْلُ نَاسِخًا لِتَكْرَارِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ وَجُهِلَ التَّارِيخُ، فَحُكْمُهُ مِثْلُ الْقِسْمِ الَّذِي دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّكَرُّرِ وَالتَّأَسِّي بِهِ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ وَجُهِلَ التَّارِيخُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ [لَهُ لِذَلِكَ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِنَا فَلَا تَعَارُضَ أَصْلًا، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ أَوْ تَأَخَّرَ ; لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ خَاصٌّ بِهِ ; إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِنَا. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ عَامًّا لَنَا وَلَهُ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ شَامِلًا لَهُ بِطْرِيقِ التَّنْصِيصِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَجَبَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي فِعْلُ كَذَا، فَحُكْمُ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَيْ إِنْ كَانَ الْقَوْلُ مُتَأَخِّرًا، كَأَنْ فَعَلَ فِعْلًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: لَا يَجُوزُ لِي وَلِأُمَّتِي مِثْلُ هَذَا الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَا تَعَارُضَ أَصْلًا، لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّنَا ; لِعَدَمِ وُجُوبِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ، وَلِعَدَمِ وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ. وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَأَخِّرًا فَلَا تَعَارُضَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا ; بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّأَسِّي. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ التَّلَبُّسُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَعَلَى الْخِلَافِ. فَعِنْدَنَا نَسْخٌ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَعْصِيَةِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ، فَلَا تَعَارُضَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَيْضًا إِلَّا أَنْ يَقْتَضِيَ الْقَوْلُ التَّكْرَارَ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ شَامِلًا لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَرِيقٍ ظَاهِرٍ، أَيْ لَا بِصَرِيحِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَذَا. فَبِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ يَكُونُ الْفِعْلُ مُخَصِّصًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ التَّخْصِيصِ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَصِّصٌ لِلْعُمُومِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ وَعَلَى وُجُوبِ تَأَسِّي الْأُمَّةِ [بِهِ] . وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرٍ وَتَأَسٍّ. وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ أَوْ خَاصًّا بِنَا، أَوْ عَامًّا لَهُ وَلَنَا. فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِهِ، فَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوِ الْفِعْلُ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ. وَفِي حَقِّ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ، سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا، إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ لَمْ يَقْتَضِ التَّكْرَارَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ وَجُهِلَ التَّارِيخُ فَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُمْ. وَفِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ كَانَ عَامًّا - فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ. فَإِنْ جُهِلَ - فَالثَّلَاثَةُ. ص - فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرٍ فِي حَقِّهِ لَا تَأَسٍّ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ، أَوْ عَامٌّ - فَلَا مُعَارَضَةَ فِي الْأُمَّةِ، وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ فِي حَقِّهِ. فَإِنْ جُهِلَ - فَالثَّلَاثَةُ. وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ - فَلَا مُعَارَضَةَ. ص - فَإِنْ دَلَّ [الدَّلِيلُ] عَلَى تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ، دُونَ تَكَرُّرِهِ فِي حَقِّهِ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ، وَتَأَخَّرَ - فَلَا مُعَارَضَةَ. فَإِنْ تَقَدَّمَ - فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ فِي حَقِّهِ. فَإِنْ جُهِلَ - فَالثَّلَاثَةُ. فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ فَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّهِ، وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ فِي الْأُمَّةِ. فَإِنْ جُهِلَ - فَالثَّلَاثَةُ. فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ عَامًا - فَكَمَا تَقَدَّمَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْتَاجُ عَلَى الْقَوْلِ فِي بَيَانِ وَجْهِ وُقُوعِهِ. الثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ. وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: الْوَقْفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ التَّارِيخُ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَقَدُّمُ الْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ، وَبِالْعَكْسِ، وَلَا تَرْجِيحَ لِتَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَالْجَزْمُ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ تَحَكُّمٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَالْمُصَنِّفُ أَشَارَ إِلَى الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: " فَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ، الْوَقْفُ ". وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِنَا فَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ ; لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُ. وَفِي حَقِّ الْأُمَّةِ، إِنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ، فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْلُ مُتَقَدِّمًا وَالْفِعْلُ مُتَأَخِّرًا أَوْ بِالْعَكْسِ، إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ لَمْ يَقْتَضِ التَّكْرَارَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّنَا أَيْضًا. وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ، فَفِيهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ. إِلَّا أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ هَهُنَا الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ، وَبَيَّنَهُ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنَ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ وُضِعَ لِذَلِكَ. بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ مَخْصُوصٌ بِالْمَحْسُوسِ، لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنِ الْمَعْقُولِ، وَالْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى الْمَحْسُوسِ وَالْمَعْقُولِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ أَعَمَّ فَائِدَةً، فَهُوَ أَوْلَى. الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي كَوْنِهِ دَالًّا، وَالْفِعْلُ اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى. الرَّابِعُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالْفِعْلِ يُبْطِلُ الْقَوْلَ بِالْكُلِّيَّةِ، أَمَّا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَلِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْفِعْلِ حِينَئِذٍ وَالْعَمَلُ بِالْقَوْلِ لَا يُبْطِلُ الْفِعْلَ بِالْكُلِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ يُبْقِي الْعَمَلَ بِالْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَوْ عَمِلْنَا بِالْقَوْلِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ عَمِلْنَا بِالْفِعْلِ لَمْ يُمْكِنْ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَلَوْ بِوَجْهٍ، أَوْلَى. وَالْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْفِعْلِ قَالُوا: الْفِعْلُ أَقْوَى دَلَالَةً مِنَ الْقَوْلِ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْقَوْلُ ; لِأَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي» " وَ " «خُذُوا عَنَى مَنَاسِكَكُمْ» " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ فِي الصَّلَاةِ وَمَنَاسِكِ الْحَجِّ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِهِ: " صَلُّوا " وَ " خُذُوا ". وَكَذَا خُطُوطُ الْهَنْدَسَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُبَيِّنٌ لِلْقَوْلِ ; فَإِنَّ بَيَانَ دَعَاوَى الْهَنْدَسَةِ إِنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْخُطُوطِ وَالسُّطُوحِ وَالدَّوَائِرِ. فَيَكُونُ الْفِعْلُ أَوْلَى. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبَيَانَ بِالْفِعْلِ وَإِنْ وَقَعَ، لَكِنَّ الْبَيَانَ بِالْقَوْلِ أَكْثَرُ، فَهُوَ أَوْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ سُلِّمَ تَسَاوِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فِي الْبَيَانِ، رُجِّحَ جَانِبُ الْقَوْلِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْوَقْفِ هَهُنَا فَضَعِيفٌ ; لِأَنَّا مُتَعَبَّدُونَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا، إِمَّا الْفِعْلُ أَوِ الْقَوْلُ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا، بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، وَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ رُجْحَانُ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ، فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَى الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ. بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي حَكَمْنَا فِيهَا بِالْوَقْفِ. فَإِنَّا لَسْنَا مُتَعَبَّدِينَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ; أَنَّهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَالْحُكْمُ بِالْوَقْفِ فِيهَا أَوْلَى. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ عَامًّا لَهُ وَلَنَا، فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ وَتَأَخَّرَ الْقَوْلُ، فَهُوَ نَاسِخٌ ; لِوُجُوبِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ، وَلِوُجُوبِ التَّأَسِّي فِي حَقِّنَا. وَإِنْ تَأَخَّرَ الْفِعْلُ وَاشْتُغِلَ بِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ نَسَخَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ عِنْدَنَا إِلَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ الْقَوْلُ لَهُ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْفِعْلُ حِينَئِذٍ مُخَصِّصًا لِلْقَوْلِ. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الْفِعْلُ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَعْصِيَةِ. وَإِنِ اشْتُغِلَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْإِتْيَانِ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ الْقَوْلُ التَّكْرَارَ، فَلَا مُعَارَضَةَ، لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّنَا. وَإِنِ اقْتَضَى الْقَوْلُ التَّكْرَارَ فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ لِلتَّكْرَارِ. وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُفَصِّلْ وَحَكَمَ بِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ مُطْلَقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ فَالْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ: الْوَقْفُ، وَالْعَمَلُ بِالْقَوْلِ، وَالْعَمَلُ بِالْفِعْلِ. وَالْمُخْتَارُ: الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ وَالْعَمَلُ بِالْقَوْلِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ. ش - هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّكْرَارِ فِي حَقٍّ دُونَ وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ أَوْ عَامًّا لَهُ وَلَنَا، فَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، تَقَدَّمَ الْفِعْلُ أَوْ تَأَخَّرَ ; لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْفِعْلِ لَهُمْ. وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ فِي حَقِّهِ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ. وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا كَانَ الْعَامُّ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ كَانَ عُمُومُ الْقَوْلِ لَهُ بِطَرِيقِ التَّنْصِيصِ. وَمَعَ هَذَا، فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِمَا قِيلَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي. وَإِنْ جُهِلَ فَالْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ. وَالْمُخْتَارُ: الْوَقْفُ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ، فَلَا مُعَارَضَةَ أَصْلًا، لَا فِي حَقِّهِ، وَلَا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ أَوِ الْقَوْلُ ; لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ الدَّلِيلُ دَالًّا عَلَى وُجُوبِ تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى تَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ. فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ، وَتَأَخَّرَ عَنِ الْفِعْلِ، فَلَا مُعَارَضَةَ. أَمَّا فِي حَقِّهِ ; فَلِعَدَمِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ ; فَلِعَدَمِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ ; فَلِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ، فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ لِلْقَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ. وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ، فَالْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ. وَالْمُخْتَارُ: الْوَقْفُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ، فَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّهِ ; تَقَدَّمَ الْقَوْلُ، أَوْ تَأَخَّرَ ; لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ. وَفِي حَقِّ الْأُمَّةِ، الْمُتَأَخِّرُ - سَوَاءٌ كَانَ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا - نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ. فَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ فَالْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ. وَالْمُخْتَارُ: الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ. وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ عَامًّا لَهُ وَلَنَا، فَحُكْمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، أَيْ إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَقَدِّمًا، فَلَا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّهِ ; لِعَدَمِ وُجُوبِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ. وَفِي حَقِّ الْأُمَّةِ، الْقَوْلُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْفِعْلِ قَبْلَ وُقُوعِ التَّأَسِّي بِهِ، وَبَعْدَهُ نَاسِخٌ لِلتَّكْرَارِ فِي حَقِّهِمْ، إِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِمْ. وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ لِلْقَوْلِ فِي حَقِّهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ، إِلَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ الْعُمُومُ لَهُ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْفِعْلُ تَخْصِيصًا لِلْقَوْلِ. وَفِي حَقِّ الْأُمَّةِ، إِنْ كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ، نُسِخَ، وَإِلَّا فَتَخْصِيصٌ. وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ لَا مُعَارَضَةَ، لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، إِنْ لَمْ يَقْتَضِ الْقَوْلُ التَّكْرَارَ. وَإِنِ اقْتَضَى التَّكْرَارَ يَكُونُ الْفِعْلُ نَاسِخًا لِلتَّكْرَارِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَقْسَامِ تَفْصِيلًا، وَتَخْتَلِفُ بِهِ الْأَحْكَامُ. وَالْمُصَنِّفُ أَهْمَلَهُ وَنَحْنُ قَدْ تَعَرَّضْنَا لِبَعْضٍ مِنْهَا، وَأَعْرَضْنَا عَنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ، اعْتِمَادًا عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمُحَصِّلِ الْفَطِنِ أَحْكَامَهُ بِقُوَّةِ الْبَاقِي. [الْإِجْمَاعُ] [تعريف الإجماع] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ السُّنَّةِ شَرَعَ فِي الْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فِيهِ مُقَدِّمَةً وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً. أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي تَعْرِيفِهِ، وَإِثْبَاتِهِ، وَإِثْبَاتِ الْعِلْمِ بِهِ، وَفِي كَوْنِهِ حُجَّةً. وَالْإِجْمَاعُ فِي اللُّغَةِ: الْعَزْمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71] أَيِ اعْزِمُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 3 - الْإِجْمَاعُ. ص - الْإِجْمَاعُ: الْعَزْمُ وَالِاتِّفَاقُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: اتِّفَاقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ عَلَى أَمْرٍ. وَمِنْ يَرَى انْقِرَاضَ الْعَصْرِ - يَزِيدُ " إِلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ ". وَمَنْ يَرَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ، وَجَوَّزَ وُقُوعَهُ - يَزِيدُ " لَمْ يَسْبِقْهُ خِلَافُ مُجْتَهِدٍ مُسْتَقِرٍّ ". الْغَزَالِي، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اتِّفَاقُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ [يُوجَدُ] وَلَا يَطَّرِدُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا يَنْعَكِسُ بِتَقْدِيرِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ. ص - وَخَالَفَ النَّظَّامُ وَبَعْضُ الرَّوَافِضِ فِي ثُبُوتِهِ. قَالُوا: انْتِشَارُهُمْ يَمْنَعُ نَقْلَ الْحُكْمِ إِلَيْهِمْ عَادَةً. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ لِجَدِّهِمْ وَبَحْثِهِمْ. ص - قَالُوا: إِنْ كَانَ عَنْ قَاطِعٍ - فَالْعَادَةُ تُحِيلُ عَدَمَ نَقْلِهِ. وَالظَّنِّيُّ يَمْتَنِعُ الِاتِّفَاقُ فِيهِ عَادَةً ; لِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فِيهِمَا ; فَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ نَقْلِ الْقَاطِعِ بِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ. وَقَدْ يَكُونُ الظَّنِّيُّ جَلِيًّا. ص - قَالُوا: يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُهُ عَنْهُمْ عَادَةً ; لِخَفَاءِ بَعْضِهِمْ، أَوِ انْقِطَاعِهِ، أَوْ أَسْرِهِ، أَوْ خُمُولِهِ، أَوْ كَذِبِهِ، أَوْ رُجُوعِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْآخَرِ. وَلَوْ سُلِّمَ - فَنَقْلُهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً ; لِأَنَّ الْآحَادَ لَا تُفِيدُ، وَالتَّوَاتُرُ بَعِيدٌ. وَأُجِيبَ عَنْهُمَا بِالْوُقُوعِ. فَإِنَّا قَاطِعُونَ بِتَوَاتُرِ النَّقْلِ بِتَقْدِيمِ النَّصِّ الْقَاطِعِ عَلَى الْمَظْنُونِ. ص - وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ. وَلَا يُعْتَدُّ بِالنَّظَّامِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ. ص - الْأَدِلَّةُ: مِنْهَا: أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ. وَالْعَادَةُ تُحِيلُ إِجْمَاعَ هَذَا الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى قَطْعٍ فِي شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ قَاطِعٍ، فَوَجَبَ تَقْدِيرُ نَصٍّ فِيهِ. وَإِجْمَاعُ الْفَلَاسِفَةِ وَإِجْمَاعُ الْيَهُودِ وَ [إِجْمَاعُ] النَّصَارَى غَيْرُ وَارِدٍ. لَا يُقَالُ: أَثْبَتُّمُ الْإِجْمَاعَ بِالْإِجْمَاعِ ; إِذْ أَثْبَتُّمُ الْإِجْمَاعَ بِنَصٍّ يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُثْبَتَ كَوْنُهُ حُجَّةً ثُبُوتَ نَصٍّ عَنْ وُجُودِ صُورَةٍ مِنْهُ بِطَرِيقٍ عَادِيٍّ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهَا وَلَا دَلَالَتُهَا عَلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِ حُجَّةً. فَلَا دَوْرَ. ص - وَمِنْهَا: أَجْمَعُوا عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَاطِعٌ، وَإِلَّا تَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ ; [لِأَنَّ] الْقَاطِعَ مُقَدَّمٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَجُّ عَلَيْهِ عَدَدَ التَّوَاتُرِ ; لِتَضَمُّنِ الدَّلِيلَيْنِ ذَلِكَ. قُلْنَا: إِنْ سُلِّمَ - فَلَا يَضُرُّ. ص -[اسْتَدَلَّ] الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] . وَلَيْسَ بِقَاطِعٍ ; لِاحْتِمَالٍ فِي مُتَابَعَتِهِ أَوْ مُنَاصَرَتِهِ، أَوِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، أَوْ فِي الْإِيمَانِ، فَيَصِيرُ دَوْرًا ; لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالظَّاهِرِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ التَّمَسُّكِ فِي الْقِيَاسِ. ص - الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: " لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي " مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَوَاتُرُ الْمَعْنَى لِكَثْرَتِهَا، كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجُودِ حَاتِمٍ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَالثَّانِي: تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهَا بِالْقَبُولِ. وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنِ الْآحَادِ. ص - وَاسْتَدَلَّ: إِجْمَاعُهُمْ يَدُلُّ عَلَى قَاطِعٍ فِي الْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ امْتِنَاعُ إِجْمَاعِ مِثْلِهِمْ عَلَى مَظْنُونٍ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِهِ فِي الْجَلِيِّ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ. ص - الْمُخَالِفُ: تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] ، فَرُدُّوهُ وَنَحْوُهُ. وَغَايَتُهُ الظُّهُورُ. وَبِحَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ حُجَّةٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : وِفَاقُ مَنْ سَيُوجَدُ، لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُقَلِّدَ كَذَلِكَ. وَمِيلُ الْقَاضِي إِلَى اعْتِبَارِهِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْأُصُولِيُّ. وَقِيلَ: الْفُرُوعِيُّ. ص - لَنَا: لَوِ اعْتُبِرَ لَمْ يُتَصَوَّرْ. وَأَيْضًا: الْمُخَالَفَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ. فَغَايَتُهُ مُجْتَهِدٌ مُخَالِفٌ وَعُلِمَ عِصْيَانُهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالِاتِّفَاقُ. يُقَالُ أَجْمَعُوا عَلَى كَذَا، أَيِ اتَّفَقُوا. وَفِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. فَ " الِاتِّفَاقُ " كَالْجِنْسِ، وَنَعْنِي بِهِ الِاشْتِرَاكَ، إِمَّا فِي الِاعْتِقَادِ، أَوِ الْقَوْلِ، أَوِ الْفِعْلِ، أَوْ إِطْبَاقِ بَعْضِهِمْ عَلَى الِاعْتِقَادِ وَبَعْضِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ، أَوِ الْفِعْلِ الدَّالِّينَ عَلَى الِاعْتِقَادِ. وَبِقَوْلِنَا: " الْمُجْتَهِدِينَ " يَخْرُجُ عَنْهُ اتِّفَاقُ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ. وَبِقَوْلِنَا: " هَذِهِ الْأُمَّةُ " نَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يَخْرُجُ اتِّفَاقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. وَبِقَوْلِنَا: " فِي عَصْرٍ " يَدْخُلُ اتِّفَاقُ مُجْتَهَدِي كُلِّ عَصْرٍ، فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ ; إِذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِجْمَاعِ اتِّفَاقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ الْأَعْصَارِ. وَيَخْرُجُ اتِّفَاقُ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ. وَإِنَّمَا قَالَ: " فِي أَمْرٍ " لِيُدْخِلَ فِيهِ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ، وَالْقَوْلَ، وَالْفِعْلَ الشَّرْعِيَّ وَالْعَقْلِيَّ وَالْعُرْفِيَّ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِمَنْ لَا يَشْتَرِطُ فِي الْإِجْمَاعِ انْقِرَاضَ أَهْلِ الْعَصْرِ، وَقَالَ: إِنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ مَعَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ. أَمَّا مَنِ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ أَهْلِ الْعَصْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ فِي الْحَدِّ. " إِلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ " لِيُوَافِقَ مَذْهَبَهُ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ، أَيِ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ، لَا يَنْعَقِدُ إِجْمَاعًا، وَجَوَّزَ وُقُوعَ هَذَا الِاتِّفَاقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بُعْدُ اسْتِمْرَارِ الْخِلَافِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، يَزِيدُ " لَمْ يَسْبِقْهُ خِلَافُ مُجْتَهِدٍ مُسْتَقِرٍّ " لِيُخْرِجَ عَنِ الْحَدِّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي، لِيَكُونَ التَّعْرِيفُ مُطَابِقًا لِمَذْهَبِهِ. وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ وُقُوعَ هَذَا الِاتِّفَاقِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى زِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ ; لِأَنَّ الْقَيْدَ لَا يُزَادُ فِي التَّعْرِيفِ لِخُرُوجِ غَيْرِ الْمَحْدُودِ [مِنَ الْمُمْتَنِعَاتِ] . وَحَدَّ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِجْمَاعَ بِأَنَّ اتِّفَاقَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ [أَنْ] لَا يُوجَدَ إِجْمَاعٌ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ اتِّفَاقَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهِيَ تَتَنَاوُلُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، [وَ] لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ. وَعَلَى تَقْدِيرِ تَخْصِيصِ الْأُمَّةِ بِالْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ فِي عَصْرٍ، لَا يَطَّرِدُ الْحَدُّ، بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ. فَإِنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الْحَالِّ عَنِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ دَاخِلٌ فِي حَدِّهِ، وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ ; إِذْ لَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِ الْعَوَامِّ. وَأَيْضًا لَا يَنْعَكِسُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ بِتَقْدِيرِ اتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى أَمْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ ; لِأَنَّ حَدَّهُ لَا يَكُونُ صَادِقًا عَلَى مِثْلِ هَذَا الِاتِّفَاقِ ; ضَرُورَةَ اعْتِبَارِ قَيْدِ " الدِّينِيَّةِ " تَعْرِيفَهُ. وَهُوَ إِجْمَاعٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِالْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِ " أُمَّةِ مُحَمَّدٍ " الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ. فَإِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ. وَأَرَادَ بِ " الْأُمَّةِ " الْمُجْتَهِدِينَ ; لِأَنَّهُمْ فِي مَحَلِّ الِاعْتِبَارِ. وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ " الْأُمَّةِ " دُونَ " الْمُجْتَهِدِينَ " لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً. نَحْوَ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا. " «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحَدُّ الْغَزَالِيِّ لِلْإِجْمَاعِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَكُونُ اتِّفَاقُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَمْرٍ عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ إِجْمَاعًا عِنْدَهُ. فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ. [ثبوت الإجماع] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ثُبُوتِهِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ. وَخَالَفَ النَّظَّامُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الرَّوَافِضِ فِي جَوَازِ ثُبُوتِهِ، وَتَمَسَّكُوا فِي عَدَمِ جَوَازِهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَالُوا: يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حُكْمٍ إِنَّمَا يُمْكِنُ إِذَا نُقِلَ الْحُكْمُ إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَمَعْرِفَتُهُمْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِنَقْلِهِ إِلَيْهِمْ، وَنَقْلُ الْحُكْمِ إِلَيْهِمْ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مُنْتَشِرُونَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا. وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ انْتِشَارَهُمْ يَمْنَعُ نَقْلَ الْحُكْمِ إِلَيْهِمْ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ انْتِشَارَهُمْ يَمْنَعُ نَقْلَ الْحُكْمَ إِلَيْهِمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ كَانُوا مُجِدِّينَ فِي الْفَحْصِ عَنِ الْأَحْكَامِ، بَاحِثِينَ عَنْ أَدِلَّتِهَا. وَمَعَ الْجِدِّ وَالْبَحْثِ يُمْكِنُ نَقْلُ الْأَحْكَامِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مُنْتَشِرِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ. ش - هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ ; لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَمْرٍ، فَاتِّفَاقُهُمْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ سَنَدٍ، وَإِلَّا لَكَانَ خَطَأً فَحِينَئِذٍ إِنْ كَانَ الِاتِّفَاقُ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْقَاطِعُ فِي كُلِّ إِجْمَاعٍ مَنْقُولًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَيْنَا ; لِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ عَدَمَ نَقْلِ الْقَاطِعِ الَّذِي تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي إِلَى نَقْلِهِ. لَكِنْ لَمْ يُنْقَلِ الْقَاطِعُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ إِجْمَاعٍ. وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا، فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَتَوَافَقَ الْآرَاءُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الظَّنِّيِّ حَتَّى يُمْكِنَ اتِّفَاقُهُمْ. لَكِنَّ اتِّفَاقَ جَمِيعِهِمْ فِي الظَّنِّيِّ مُمْتَنِعٌ عَادَةً ; لِاخْتِلَافِ قَرَائِحِهِمْ فِي مُقْتَضَى الظَّنِّيِّ ; فَإِنَّ الظَّنِّيَّ قَدْ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي قَرِيحَةٍ، وَلَا يُوجِبُ فِي أُخْرَى. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْمَنْعِ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اتِّفَاقُهُمْ عَنْ قَاطِعٍ، يُوجِبُ أَنْ يُنْقَلَ الْقَاطِعُ إِلَيْنَا، وَالْعَادَةُ إِنَّمَا تُحِيلُ عَدَمَ نَقْلِ الْقَاطِعِ إِنْ لَمْ يُسْتَغْنَ عَنْ نَقْلِ الْقَاطِعِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّهُ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنِ الْقَاطِعِ لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنِّيَّ يَمْتَنِعُ الِاتِّفَاقُ فِيهِ عَادَةً. وَاخْتِلَافُ الْقَرَائِحِ إِنَّمَا يَكُونُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الظَّنِّيُّ جَلِيًّا. أَمَّا إِذَا كَانَ جَلِيًّا يَجُوزُ تَوَافُقُ الْقَرَائِحُ فِيهِ. فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْقَرَائِحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَ جَوَازِهِ، أَيْ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ لِخَفَاءِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ، أَوِ انْقِطَاعُهُ عَنِ النَّاسِ، بِحَيْثُ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ بَعْدَ أَنْ عُلِمَ وُجُودُهُ، أَوْ وُقُوعُهُ فِي الْأَسْرِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الِالْتِحَاقِ بِسَائِرِ الْعُلَمَاءِ، أَوْ خُمُولُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا وَإِنْ عُلِمَ وُجُودُهُ، أَوْ كَذِبُ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ بِمَعْنَى إِفْتَائِهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مُعْتَقَدِهِ تَقِيَّةً مِنْ مُخَالَفَةِ الْجُمْهُورِ، أَوْ رُجُوعِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ قَبْلَ إِفْتَاءِ الْآخَرِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ. وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: " قَبْلَ الْآخَرِ " ; لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بَعْدَ إِفْتَاءِ الْآخَرِينَ لَمْ يُعْتَبَرْ ; لِكَوْنِهِ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ. وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ كَيْفَ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ؟ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا جَوَازَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالنَّقْلِ، وَنَقْلُ الْإِجْمَاعِ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً. لِأَنَّهُ إِنْ نُقِلَ آحَادًا، لَا يُفِيدُ ; لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَنَقْلُهُ بِالتَّوَاتُرِ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ التَّوَاتُرَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا أَخْبَرَ جَمَاعَةٌ يُحِيلُ الْعَقْلُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْمِعِينَ قَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْحُكْمِ. وَأَيْضًا التَّوَاتُرُ فِيمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ جَوَازًا أَوْ وُقُوعًا بَعِيدٌ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ اسْتِحَالَةِ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ وَعَنِ اسْتِحَالَةِ النَّقْلِ بِالْوُقُوعِ، أَيْ أَجَابَ بِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنَّا قَاطِعُونَ بِسَبَبِ تَوَاتُرِ النَّقْلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى تَقْدِيمِ النَّصِّ الْقَاطِعِ عَلَى الْمَظْنُونِ، فَالْعِلْمُ بِالْإِجْمَاعِ وَاقِعٌ. وَوُقُوعُ الْعِلْمِ بِهِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الْعِلْمِ بِهِ وَجَوَازَ نَقْلِهِ ; لِأَنَّ الْوُقُوعَ فَرْعُ الْجَوَازِ. ش - لَمَّا فَرَغَ عَنْ ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ وَثُبُوتِ الْعِلْمِ بِهِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنَّهُ [حُجَّةٌ] . [وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا يُعْتَدُّ بِالنَّظَّامِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ ; لِشُذُوذِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: " وَقَوْلُ أَحْمَدَ " جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكُمْ قُلْتُمْ: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَأَحْمَدُ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، خَالَفَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَالَ: " مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَهُوَ كَاذِبٌ ". فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ مَعَ مُخَالَفَةِ أَحْمَدَ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ لَيْسَ إِنْكَارًا لِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، بَلِ اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ، فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً. [أداة حجية الإجماع] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَزْيِيفِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، شَرَعَ فِي إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَذَكَرَ دَلِيلَيْنِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ [دَالٌّ] عَلَى تَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْإِجْمَاعِ، وَكُلُّ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى [تَخْطِئَةِ] مُخَالِفِهِ، يَكُونُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً. أَمَّا الْكُبْرَى فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا الصُّغْرَى ; فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ دَالًّا عَلَى تَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ، لَمَا أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ [وَ] الْمُجْتَهِدُونَ عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ إِجْمَاعَ هَذَا الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الْقَطْعِ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَاطِعٍ دَالٍّ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَى قَطْعِهِ. فَوَجَبَ - بِحُكْمِ الْعَادَةِ - تَقْدِيرُ نَصٍّ قَاطِعٍ دَالٍّ عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ اجْتِمَاعَ الْعَدَدِ [الْكَثِيرِ] مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَاطِعٍ ; فَإِنَّ الْفَلَاسِفَةَ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. وَالْيَهُودُ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِكَوْنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُتَنَبِّئًا وَكَذَلِكَ النَّصَارَى أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِذَلِكَ. وَلَيْسَ إِجْمَاعُهُمْ عَنْ نَصٍّ قَاطِعٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أُجِيبَ بِأَنَّ إِجْمَاعَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ غَيْرُ وَارِدٍ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِجَمْعٍ كَثِيرٍ، وَلَا مُتَّفِقِينَ [فِي] أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا قَاطِعِينَ عَلَى ذَلِكَ. وَالْعَادَةُ لَا تُحِيلُ اجْتِمَاعَ غَيْرِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ، لَا عَلَى الْقَطْعِ فِي غَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ، بَلْ تُحِيلُ اجْتِمَاعَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ عَلَى الْقَطْعِ فِي أَمْرٍ شَرْعِيٍّ. لَا يُقَالُ: الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِاسْتِلْزَامِ ثُبُوتِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَبِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَفْسِهِ ; لِأَنَّكُمْ أَثْبَتُّمُ الْإِجْمَاعَ بِالْإِجْمَاعِ حَيْثُ قُلْتُمْ: إِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ، وَأَثْبَتُّمُ الْإِجْمَاعَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ ذَلِكَ النَّصِّ الْقَاطِعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ وُجُوبَ ثُبُوتِ النَّصِّ مُسْتَفَادٌ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الْمُثْبِتُ لِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، لَا لِلْإِجْمَاعِ. وَمَا أَثْبَتْنَا كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا بِنَصٍّ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، حَتَّى يَلْزَمَ ثُبُوتُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَبِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، هُوَ ثُبُوتُ نَصٍّ قَاطِعٍ،] ) . وَثُبُوتُ ذَلِكَ النَّصِّ الْقَاطِعِ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ عَنْ وُجُودِ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْإِجْمَاعِ، لَا عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً. وَاسْتِفَادَةُ ثُبُوتِ ذَلِكَ النَّصِّ مِنْ تِلْكَ الصُّورَةِ، إِنَّمَا هُوَ بِطْرِيقٍ عَادِيٍّ. وَتِلْكَ الصُّورَةُ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهَا عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَدَلَالَتُهَا عَلَى ثُبُوتِ النَّصِّ الْقَاطِعِ أَيْضًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً. فَلَا يَكُونُ دَوْرًا. لِأَنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً حِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ النَّصِّ الْقَاطِعِ، وَثُبُوتُ النَّصِّ الْقَاطِعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ وُجُودُ تِلْكَ الصُّورَةِ وَلَا دَلَالَتُهَا عَلَى ثُبُوتِ النَّصِّ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً ; لِأَنَّ وُجُودَ تِلْكَ الصُّورَةِ مُسْتَفَادٌ مِنَ التَّوَاتُرِ، وَدَلَالَتُهَا عَلَى ثُبُوتِ النَّصِّ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْعَادَةِ. ش - الدَّلِيلُ الثَّانِي عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً قَطْعِيَّةً. تَقْرِيرُهُ أَنَّا عَلِمْنَا بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الْمُحَقِّقِينَ أَجْمَعُوا عَلَى تَقْدِيمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى النَّصِّ الْقَاطِعِ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا قَطْعِيًّا، لَزِمَ تَعَارُضُ الْإِجْمَاعَيْنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّا عَلِمْنَا أَيْضًا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَاطِعَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِ الْقَاطِعِ. فَهَذَا الْإِجْمَاعُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْقَاطِعِ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ دَلِيلًا قَاطِعًا لَكَانَ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ الدَّالُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى النَّصِّ مُقْتَضِيًا لِتَقَدُّمِ غَيْرِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْقَاطِعِ. فَيَلْزَمُ تَعَارُضُ الْإِجْمَاعَيْنِ ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْقَاطِعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْآخَرَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَقَدُّمِهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِامْتِنَاعِ وُقُوعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ أَقْوَالِ مِثْلِ هَذَا الْعَدَدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ. فَإِنْ قِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً قَطْعِيَّةً، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ الْمُحْتَجُّ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً، مَا بَلَغَ الْمُجْمِعُونَ فِيهِ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، لِتَضَمُّنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ ذَلِكَ، أَيْ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ. أَمَّا الْأَوَّلُ; فَلِأَنَّ الْعَادَةَ إِنَّمَا تُحِيلُ اجْتِمَاعَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ عَلَى الْقَطْعِ فِي شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ قَاطِعٍ إِذَا كَانَ عَدَدُهُمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ. وَأَمَّا الثَّانِي; فَلِأَنَّ الْعَادَةَ إِنَّمَا تَقْضِي بِامْتِنَاعِ التَّعَارُضِ [بَيْنَ] أَقْوَالِ مِثْلِ هَذَا الْعَدَدِ، إِذَا بَلَغَ عَدَدُهُمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ اتِّفَاقُ مَنْ نُقِصَ عَدَدُهُمْ مِنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ حُجَّةً. وَلَا اخْتِصَاصَ لِكَوْنِهِ حُجَّةً بِاتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ، بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ بَلَغَ عَدَدُهُمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، اتِّفَاقُهُمْ إِجْمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْتَهِدِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ [عَنْهُ] بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِلْزَامَ الدَّلِيلَيْنِ لِذَلِكَ ; فَإِنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ اجْتِمَاعَ الْمُحَقِّقِينَ بِالْقَطْعِ فِي شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ قَاطِعٍ، سَوَاءٌ بَلَغَ عَدَدُهُمُ التَّوَاتُرَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ. وَكَذَا تَحْكُمُ الْعَادَةُ بِامْتِنَاعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ أَقْوَالِ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ، سَوَاءٌ بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ أَمْ لَا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا لُزُومَ ذَلِكَ الدَّلِيلَيْنِ [وَلَكِنْ] لَا يَضُرُّ; لِأَنَّ اللَّازِمَ حِينَئِذٍ كَوْنُ الْقَاطِعِينَ بِتَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ وَالْقَاطِعِينَ عَلَى تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى النَّصِّ الْقَاطِعِ عَدَدُهُمْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ لَا [كَوْنُ] أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَلَا يَنْتَهِضُ نَقْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنِ الدَّلِيلَيْنِ الْقَطْعِيَّيْنِ، شَرَعَ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَقَدِّمُونَ، وَزَيَّفَهَا. وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] . جَمَعَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَعِيدِ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَامًا، وَإِلَّا لَمَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ الْمُشَاقَّةُ فِي الْوَعِيدِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ مُبَاحٍ وَحَرَامٍ فِي الْوَعِيدِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ زَنَيْتَ وَشَرِبْتَ الْمَاءَ، عَاقَبْتُكَ. وَإِذَا كَانَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَامًا، كَانَ اتِّبَاعُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجِبًا. وَالْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ هُوَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السَّبِيلِ فِي الْآيَةِ: مَا اخْتَارَهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ فِي وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ اتِّبَاعَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ اتِّبَاعَهُمْ فِي مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاتِّبَاعَهُمْ فِي مُنَاصَرَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَدَفْعَ الْأَعْدَاءِ عَنْهُ. أَوِ اتِّبَاعَهُمْ فِي الِاقْتِدَاءِ بِالرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوِ اتِّبَاعَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ. وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ عَلَى التَّعْيِينِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ ; لِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْفَرْدِ مِنْهُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا، وَتَمَسَّكَ بِهِ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، لَزِمَ الدَّوْرُ. لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يَدُلُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ظَاهِرًا. وَالظَّاهِرُ إِنَّمَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ حُجَّةً بِالْإِجْمَاعِ. فَلَوْ أَثْبَتْنَا كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً بِهَا، لَزِمَ الدَّوْرُ. وَهَذَا بِخِلَافِ التَّمَسُّكِ بِمِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ فِي كَوْنِ الْقِيَاسِ حُجَّةً [كَالتَّمَسُّكِ] بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]] فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الدَّوْرَ ; لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالظَّاهِرِ مَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ الدَّوْرِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّوْرُ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ الْإِجْمَاعِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ حُجَّةٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَصٌّ قَاطِعٌ دَالًّا عَلَى كَوْنِ الظَّاهِرِ حَجَّةً، أَوِ اسْتِدْلَالٌ قَطْعِيٌّ. كَمَا يُقَالُ: الظَّاهِرُ مَظْنُونٌ، وَكُلُّ مَظْنُونٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْمَلْ بِوَاحِدٍ مِنَ النَّقِيضَيْنِ يَلْزَمُ رَفْعُهُمَا، وَإِنْ عُمِلَ بِهِمَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَإِنْ عُمِلَ بِالطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ، يَلْزَمُ خِلَافُ صَرِيحِ الْعَقْلِ. فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِالْمَظْنُونِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - تَمَسَّكَ الْغَزَالِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً بِقَوْلِهِ: " «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» ". مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى فِي عِصْمَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ، فَاشْتُهِرَتْ عَلَى لِسَانِ الثِّقَاتِ، كَعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَغَيْرِهِمْ، مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: " «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالِ» ". وَ " «سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ ; فَأَعْطَانِيهَا» ". وَقَوْلِهِ: " «يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا يُبَالَي بِشُذُوذِ مَنْ شَذَّ» " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى. وَلَمْ تَزَلِ الْأُمَّةُ تَحْتَجُّ بِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ. فَمَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ أَحَادِيثُهَا مِنْ حَيْثُ الْأَلْفَاظِ، لَكِنْ تَوَاتَرَ مَعْنَاهَا لِكَثْرَتِهَا. كَشَجَاعَةِ عَلَيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَخَاوَةِ حَاتِمٍ. فَإِنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آحَادُ الْأَخْبَارِ فِيهِمَا مُتَوَاتِرَةً، بَلْ يَجُوزُ الْكَذِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، لَوْ جَرَّدْنَا النَّظَرَ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَجْمُوعِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُتَوَاتِرًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً. وَاسْتَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَثْبَتَ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً بِالتَّوَاتُرِ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي أَنَّ الْأُمَّةَ، قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، تَلَقَّوْا لِعِبَارَاتِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يَظْهَرْ إِلَى الْآنِ خِلَافٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمُ احْتَجَّ بِهَا فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَبَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهَا، مِنْ غَيْرِ طَعْنٍ فِي صِحَّتِهَا. فَلَوْ لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عَلَى صِحَّتِهَا، لَمْ تَتَوَافَقِ الْأُمَمُ فِي أَعْصَارٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالتَّسْلِيمِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ تَوَافُقَ الْأُمَمِ فِي الْأَعْصَارِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِمَا لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ عَلَى صِحَّتِهِ، مَعَ اخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ وَتَفَاوُتِ الْقَرَائِحِ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ. وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ تَلَقِّي الْأُمَمِ لِعِبَارَاتِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالْقَبُولِ، لَا يُخْرِجُهَا عَنِ الْآحَادِ. وَإِذَا لَمْ يُخْرِجْهَا عَنِ الْآحَادِ، لَا تَكُونُ إِلَّا ظَنِّيَّةً، وَالظَّنِّيَّةُ لَا تُفِيدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الظَّنِّيَّ يُفِيدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ بَعْدَ بَيَانِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ. ش - هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ إِجْمَاعَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَى دَلِيلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَاطِعٍ يَسْتَنِدُ الْإِجْمَاعُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْكُمُ بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى الْمَظْنُونِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مِثْلِهِمْ عَلَى الْمَظْنُونِ عَادَةً. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ قِيَاسًا جَلِيًّا، أَوْ أَخْبَارَ آحَادٍ، بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ الْمَظْنُونُ، لَا يَمْتَنِعُ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ. ش - احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]] ذَكَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ مُبَيِّنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ فَيَكُونُ مُبَيِّنًا لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى الْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ مَرْجِعًا، بَلِ الْمَرْجِعُ هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ مَرْجِعًا. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ، أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ - وَهُوَ الْإِجْمَاعُ مَثَلًا - تِبْيَانًا لِبَعْضِهَا. وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ السُّنَّةُ حُجَّةً لِعَيْنِ مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، هُوَ الْمَرْجِعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ التَّنَازُعِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً عِنْدَ التَّوَافُقِ. وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الثَّالِثِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ غَايَةَ هَذَا الدَّلِيلِ الظُّهُورُ، أَيْ لَوْ سَلِمَ مِنَ الْمَنْعِ وَالنَّقْضِ لَكَانَ دَلِيلًا ظَاهِرًا، فَلَمْ يُعَارَضِ الْقَطْعِيُّ الدَّالُّ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدِ احْتَجُّوا مِنْهَا «بِحَدِيثِ مُعَاذٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَيْثُ سَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ تَقْضِي يَا مُعَاذُ؟ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالْكِتَابِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِجْمَاعَ، وَصَوَّبَهُ الرَّسُولُ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَلَوْ كَانَ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا حُجَّةً لَمْ يُصَوِّبْهُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حِينَئِذٍ، أَيْ فِي زَمَانِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُعَاذٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَصَوَّبَهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [وِفَاقُ مَنْ سَيُوجَدُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ، شَرَعَ فِي الْمَسَائِلِ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ مَنْ هُمْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمٍ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ مَنْ سَيُوجَدُ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ، أَوْ وُجِدَ وَلَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمُ الِاتِّفَاقُ. وَأَمَّا الَّذِي وُجِدَ بَعْدَ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَبَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِي عَهْدِهِمْ فَيُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ. فَقَوْلُهُ: " مَنْ سَيُوجَدُ " إِنْ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِينَ، صَحَّ قَوْلُهُ " اتِّفَاقًا " وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ، لَمْ يَصِحَّ، إِلَّا إِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِمُخَالَفَةِ مَنِ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ. وَأَمَّا أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُقَلِّدِ هَلْ تُعْتَبَرُ أَمْ لَا؟ فَفِيهِ خِلَافٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فَقِيهًا، كَمَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ. وَالْمُجْتَهِدُ يُقَابِلُ الْمُقَلِّدَ، فَيَتَنَاوَلُ الْمُقَلِّدَ الْعَامِّيَّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْفُرُوعَ وَلَا الْأُصُولَ، وَالَّذِي يَعْلَمُ الْأُصُولَ دُونَ الْفُرُوعِ، وَبِالْعَكْسِ. وَالْمُجْتَهِدُ [هُوَ] الَّذِي يَعْلَمُ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ. إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُقَلِّدِ فِي الْإِجْمَاعِ لَا تُعْتَبَرُ مُطْلَقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَيْلُ الْقَاضِي إِلَى اعْتِبَارِهِ مُطْلَقًا] ) . وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ الْمُقَلِّدِ الْأُصُولِيِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْفُرُوعَ. وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ الْمُقَلِّدِ الْفُرُوعِيِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْأُصُولَ. ش - ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ وِفَاقَ الْمُقَلِّدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ مُوَافَقَةُ الْمُقَلِّدِ فِي الْإِجْمَاعِ، لَمْ يُتَصَوَّرْ تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ الْمُقَلِّدِينَ لِكَثْرَتِهِمْ وَانْتِشَارِهِمْ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُمْ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَوَافُقُ كَلِمَتِهِمْ عَادَةً. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُقَلِّدَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُمْ، فَلَا يَكُونُ مُوَافَقَتُهُ مُعْتَبَرَةً، لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ لَا تَضُرُّ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ غَايَةَ الْمُقَلِّدِ أَنْ يَكُونَ كَمُجْتَهِدٍ خَالَفَ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ وَعُلِمَ عِصْيَانُهُ، وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ عِصْيَانُهُ إِذَا خَالَفَ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ انْعِقَادِ إِجْمَاعِهِمْ ; لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ حَرَامٌ، فَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. فَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ الْمُخَالِفُ. وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا حُرْمَةُ الْمُخَالَفَةِ، بَلِ الْمُقَلِّدُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُعْتَبَرَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ دَلِيلٍ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْإِجْمَاعِ. [عدم اعتبار قول المبتدع في الإجماع] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ الْمُبْتَدِعِ أَمْ لَا؟ وَالْمُبْتَدِعُ: الْمُخْطِئُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُبْتَدِعَ إِنْ كَانَ مُبْتَدِعًا بِمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ بِصَرِيحِهِ فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ كَافِرٌ، لَمْ تُعْتَبَرْ مُوَافَقَتُهُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. وَإِنْ كَانَ مُبْتَدِعًا بِمَا يَتَضَمَّنُ كُفْرًا، أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ، لَا بِصَرِيحِهِ - وَهُوَ الْمُخْطِئُ فِي الْأُصُولِ بِتَأْوِيلٍ - فَفِيهِ الْخِلَافُ. فَعِنْدَ بَعْضٍ هُوَ كَافِرٌ، وَعِنْدَ بَعْضٍ لَا. فَإِنْ كَفَّرْنَاهُ فَلَا تُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ كَالْكَافِرِ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ نُكَفِّرْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ الْمُبْتَدِعِ بِغَيْرِ مَا يَتَضَمَّنُ كُفْرًا. كَالْمُبْتَدَعِ بِالْفِسْقِ وَبِغَيْرِهِ، أَيْ وَإِنْ كَانَ مُبْتَدِعًا بِغَيْرِ مَا يَتَضَمَّنُ كُفْرًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُبْتَدِعُ بِمَا يَتَضَمَّنُ كُفْرًا، كَالْكَافِرِ عِنْدَ الْمُكَفِّرِ. وَإِلَّا فَكَغَيْرِهِ. وَبِغَيْرِهِ، ثَالِثُهَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ [فَقَطْ] . ص - لَنَا أَنَّ دَلَالَةً لَا تَنْتَهِضُ دُونَهُ. ص - قَالُوا: فَاسْقٌ، فَيُرَدُّ قَوْلُهُ كَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنَ الْأُمَّةِ، وَالصَّبِيَّ لِقُصُورِهِ. وَلَوْ سُلِّمَ - فَيُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يَخْتَصُّ الْإِجْمَاعُ بِالصَّحَابَةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَانِ. لَنَا: الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ. ص - قَالُوا: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَبْلَ مَجِيءِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. عَلَى أَنَّ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ سَائِغٌ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. فَلَوِ اعْتُبِرَ غَيْرُهُمْ خُولِفَ إِجْمَاعُهُمْ، وَتَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي الصَّحَابَةِ قَبْلَ تَحَقُّقِ إِجْمَاعِهِمْ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ. ص - قَالُوا: لَوِ اعْتُبِرَ - لَاعْتُبِرَ مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَأُجِيبَ بِفَقْدِ الْإِجْمَاعِ مَعَ تَقَدُّمِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ مُعْتَبِرِيهَا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَوْ نَدَرَ الْمُخَالِفُ مَعَ كَثْرَةِ الْمُجْمِعِينَ، كَإِجْمَاعِ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى الْعَوْلِ، وَغَيْرِ أَبِي مُوسَى عَلَى أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا تَتَنَاوَلُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِبُعْدِ أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ مُتَمَسَّكَ الْمُخَالِفِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهَا: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ مُطْلَقًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ، حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ. وَقَدْ مَالَ الْمُصَنِّفُ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا ; إِذْ هُوَ فَاسِقٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ الَّذِي انْعَقَدَ بِدُونِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ. ش - أَقَامَ الْمُصَنِّفُ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ مُوَافَقَتَهُ تُعْتَبَرُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْإِجْمَاعِ شَامِلَةٌ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ الْمُبْتَدِعِ بِغَيْرِ مَا يَتَضَمَّنُ كُفْرًا، فَلَا تَنْتَهِضُ دُونَهُ ; لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَفِسْقُهُ لَا يُخِلُّ بِأَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مُوَافَقَتَهُ لَا تُعْتَبَرُ مُطْلَقًا قَالُوا: إِنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُبْتَدِعَ بِغَيْرِ مَا يَتَضَمَّنُ كُفْرًا فَاسِقٌ، فَيُرَدُّ قَوْلُهُ كَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ ; فَإِنَّهُ يُرَدُّ قَوْلُهُمَا، وَالْجَامِعُ عَدَمُ التَّحَرُّزِ مِنَ الْكَذِبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِالْفَرْقِ: فَإِنَّ الْكَافِرَ إِنَّمَا يُرَدُّ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ ; فَإِنَّ الْفِسْقَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الْأُمَّةِ. وَالصَّبِيُّ إِنَّمَا يُرَدُّ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ لِقُصُورِهِ مِنِ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ. بِخِلَافِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا; لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ عَنْ مَدَارِكِهَا. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْفِسْقَ يَمْنَعُ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لِلتُّهْمَةِ، وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ عَلَى نَفْسِهِ، لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. فَإِنَّهُمْ إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ، فَعَدَمُ مُوَافَقَتِهِ لَا تُعْتَبَرُ. أَمَّا إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَا يَكُونُ لَهُ، فَعَدَمُ مُوَافَقَتِهِ تُعْتَبَرُ ; لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ التُّهْمَةِ. [اختصاص الْإِجْمَاعُ بِالصَّحَابَةِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَمْ لَا؟ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ، بَلْ يَنْعَقِدُ إِجْمَاعُ مُجْتَهَدِي كُلِّ عَصْرٍ. وَذَهَبَ الظَّاهِرِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الظَّاهِرِيُّونَ. لَنَا أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَامَّةٌ فِي مُجْتَهِدِي كُلِّ عَصْرٍ، فَلَا وَجْهَ لِاخْتِصَاصِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ بِالصَّحَابَةِ. ش - الظَّاهِرِيُّونَ قَالُوا: لَا يُعْتَبَرُ غَيْرُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَبْلَ مَجِيءِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْمُجْتَهِدِينَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، أَيْ كُلُّ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ قَاطِعٌ، يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا، وَالْأَخْذُ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ. فَلَوِ اعْتُبِرَ إِجْمَاعُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَتَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إِذَا أَجْمَعَ التَّابِعُونَ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ لَمَا جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الِاجْتِهَادُ فِيهَا بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ، فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ جَائِزٌ، وَيَلْزَمُ تَعَارُضُ الْإِجْمَاعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا. وَالْآخَرُ: إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِلْزَامَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ عَلَى إِجْمَاعِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ، لَازِمٌ فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَبْلَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ، قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ. وَبَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ إِجْمَاعِهِمْ، وَتَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالطَّرِيقُ فِيهِ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا قَاطِعَ فِيهِ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا يَلْزَمُ الْإِلْزَامُ الْمَذْكُورُ، بَلْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعُهُمْ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَهُ عَلَى الْحُكْمِ. فَمَتَى أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ زَالَ شَرْطُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ، فَيَزُولُ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ، فَلَا يَلْزَمُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ، وَلَا مُخَالِفَ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ لِلظَّاهِرِيِّينَ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَوِ اعْتُبِرَ إِجْمَاعُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ لَاعْتُبِرَ مَعَ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ إِجْمَاعُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ مَعَ عَدَمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ، جَازَ مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ سَبْقِ خِلَافٍ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ تَقَدُّمِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَمَ مُخَالَفَةِ مَنْ سَبَقَ. فَحِينَئِذٍ تَكَوْنُ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً وَيَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ مَعَ سَبْقِ خِلَافٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَدَمَ سَبْقِ الْخِلَافِ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ انْتِفَاءُ التَّالِي مَمْنُوعًا. [ندرة المخالف هل تعتبر إجماعا قطعيا] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي أَنَّ اتِّفَاقَ الْأَكْثَرِ عَلَى حُكْمٍ، مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ، هَلْ يَنْعَقِدُ إِجْمَاعًا أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ: لَوْ خَالَفَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا، مَعَ كَثْرَةِ الْمُجْمِعِينَ، كَإِجْمَاعِ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ، وَكَإِجْمَاعِ غَيْرِ أَبِي مُوسَى عَلَى أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا قَطْعًا، أَيْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 ص - (مَسْأَلَةٌ) : التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ مُعْتَبَرٌ مَعَ الصَّحَابَةِ. فَإِنْ نَشَأَ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ - فَعَلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ. لَنَا مَا تَقَدَّمَ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ، لَمْ يُسَوِّغُوا [اجْتِهَادَهُ] مَعَهُمْ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَمَسْرُوقٍ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ: تَذَاكَرْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ لِلْوَفَاةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ، وَقُلْتُ أَنَا: بِالْوَضْعِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَوَّغُوهُ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ. ص - مَسْأَلَةٌ: إِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ. وَقِيلَ: مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مُتَقَدِّمَةٌ. وَقِيلَ: عَلَى الْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ، كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. وَالصَّحِيحُ: التَّعْمِيمُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَخَالَفَهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْخَيَّاطُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مَذْهَبَ الْأَكْثَرِ. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ اتِّفَاقَ الْأَكْثَرِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ قَطْعًا ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ، لَمْ تَتَنَاوَلِ اتِّفَاقَ الْأَكْثَرِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ ;َ إِذْ لَفْظُ " الْأُمَّةِ " وَلَفْظُ " الْمُؤْمِنِينَ " يُفِيدُ الْعُمُومَ، فَتَخْصِيصُهُ بِالْبَعْضِ بِدُونِ ضَرُورَةٍ وَمُخَصِّصٍ تَحَكُّمٌ. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ قَطْعًا، اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ حُجَّةً أَمْ لَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَقَالَ قَوْمٌ: لَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَعَمْ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَخِيرَ، وَقَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ حَقًّا، وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْأَقَلِّ رَاجِحًا ; إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ مُتَمَسَّكَ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ يَكُونُ مَرْجُوحًا. وَلِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» " يَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ قَوْلِ الْأَكْثَرِ. وَإِذَا كَانَ رَاجِحًا، وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّرْكُ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَالْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. [اعتبار التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ مَعَ الصَّحَابَةِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي أَدْرَكَهُمْ. فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ التَّابِعِيَّ الْمُجْتَهِدَ تُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، بَلْ يَنْعَقِدُ إِجْمَاعُهُمْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ. هَذَا إِذَا كَانَ التَّابِعِيُّ مُجْتَهِدًا وَقْتَ إِجْمَاعِهِمْ. وَأَمَّا إِذَا بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَمَنْ يَشْتَرِطُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، يُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَمَنْ لَا يَشْتَرِطُ لَا يُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ أَدْرَكَهُمْ مِنَ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ وَقْتَ الْإِجْمَاعِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَا يَنْتَهِضُ دُونَهُ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ بِدُونِهِ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ اتِّفَاقُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ إِجْمَاعًا. ش - اسْتَدَلَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، لَمْ يُسَوِّغِ الصَّحَابَةُ اجْتِهَادَ التَّابِعِينَ فِي وَقَائِعَ حَدَّثَتْ فِي عَصْرِهِمْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ إِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَمَا سَاغَ لِلصَّحَابَةِ تَجْوِيزُهُ، وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي ; فَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ اعْتَبَرُوا اجْتِهَادَ التَّابِعِينَ الْمَوْجُودِينَ فِي عَهْدِهِمْ فِي وَقَائِعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَأَبِي وَائِلٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ جُبَيْرٍ. فَإِنَّ شُرَيْحًا خَالَفَ عَلِيًّا وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي اجْتِهَادٍ وَلَمْ يُنْكِرَا عَلَيْهِ. وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: سَلُوا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ. وَرُبَّمَا سُئِلَ أُنْسٌ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: سَلُوا مَوْلَانَا الْحَسَنَ، فَإِنَّهُ سَمِعَ وَسَمِعْنَا، وَحَفِظَ وَنَسِينَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّذْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ، فَأَشَارَ إِلَى مَسْرُوقٍ، ثُمَّ أَتَاهُ السَّائِلُ لِجَوَابِهِ، فَتَابَعَهُ. وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ فَرِيضَةٍ، فَقَالَ: سَلُوا سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: تَذَاكَرْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي عِدَّةِ الزَّوْجَةِ الْحَامِلِ لِلْوَفَاةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ وَانْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَقُلْتُ أَنَا بِالْوَضْعِ، أَيْ عِدَّةُ الْحَامِلِ لِلْوَفَاةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي. وَسَوَّغَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي سَلَمَةَ أَنْ يُخَالِفَهُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ كَانَ تَابِعِيًّا. وَأَمْثَالُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ اعْتَبَرُوا اجْتِهَادَهُمْ فِيمَا انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، بَلِ اعْتَبَرُوا اجْتِهَادَهُمْ فِيمَا هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ. وَالصُّوَرُ الَّتِي نَقَلْتُمُوهَا إِنَّمَا هِيَ صُوَرٌ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ فِي صُوَرِ الْخِلَافِ، اعْتِبَارُ قَوْلِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ. [إجماع أهل المدينة] ش - الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحْدَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً. وَلَمَّا كَانَ حَمْلُ هَذَا النَّقْلِ عَلَى ظَاهِرِهِ مُسْتَبْعَدًا، قِيلَ: إِنَّ هَذَا النَّقْلَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ، أَيِ الْمُتَكَرِّرِ وُقُوعُهَا، كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، حُجَّةٌ. حَتَّى إِنَّهُمْ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ فُرَادَى، كَانَ حُجَّةً. وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى مَا لَا يَتَكَرَّرُ وُجُودُهُ، لَا يَكُونُ حُجَّةً. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: التَّعْمِيمُ، أَيْ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ أَوْ غَيْرِهَا، حُجَّةٌ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحْدَهَا حُجَّةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 ص - لَنَا أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ الْمُنْحَصِرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَحَقِّينَ بِالِاجْتِهَادِ لَا يُجْمِعُونَ إِلَّا عَنْ رَاجِحٍ. ص - فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَمَسَّكُ غَيْرِهِمْ أَرْجَحَ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ. قُلْنَا: الْعَادَةُ تَقْضِي بِاطِّلَاعِ الْأَكْثَرِ، وَالْأَكْثَرُ كَافٍ [فِيمَا] تَقَدَّمَ. ص - وَاسْتُدِلَّ بِنَحْوِ: " «إِنَّ الْمَدِينَةَ طَيْبَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا» " وَهُوَ بَعِيدٌ. وَبِتَشْبِيهِ [عَمَلِهِمْ] بِرِوَايَتِهِمْ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ، لَا دَلِيلٌ. مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ تُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ وَحْدَهُمْ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَلَا بِالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، خِلَافًا لِأَحْمَدَ. وَلَا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. قَالُوا: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» " " «اقْتَدُوا بِالَّذِينِ مِنْ بَعْدِي» ". قُلْنَا: يَدُلُّ عَلَى أَهْلِيَّةِ اتِّبَاعِ الْمُقَلِّدِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى التَّعْمِيمِ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُنْحَصِرِينَ، أَيْ غَيْرِ مُتَفَرِّقِينَ فِي الْأَقْطَارِ الْأَحَقِّينَ بِالِاجْتِهَادِ بِسَبَبِ مُشَاهَدَتِهِمُ التَّنْزِيلَ وَسَمَاعِهِمُ التَّأْوِيلَ، وَعِرْفَانِهِمْ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ، لَا يُجْمِعُونَ عَلَى حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، إِلَّا عَنْ مُتَمَسَّكٍ رَاجِحٍ. وَإِذَا كَانَ مُتَمَسَّكُ إِجْمَاعِهِمْ رَاجِحًا، يَكُونُ حُجَّةً ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ. ش - هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ. تَوْجِيهُ الِاعْتِرَاضِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ مُتَمَسَّكَ هَذَا الْجَمْعِ رَاجِحٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَمَسَّكُ غَيْرِهِمْ أَرْجَحَ، وَلَمْ يَطَّلِعْ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَمَسَّكِ. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْعَادَةُ تَقْضِي بِاطِّلَاعِ الْأَكْثَرِ عَدَدًا وَصُحْبَةً عَلَى الْمُتَمَسَّكِ الرَّاجِحِ، وَالْأَكْثَرُ كَافٍ فِي كَوْنِ قَوْلِهِمْ حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فِي كَوْنِ قَوْلِهِمْ إِجْمَاعًا قَطْعًا. كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُخَالَفَةَ النَّادِرِ لِلْأَكْثَرِ لَا تَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقُ الْأَكْثَرِ حُجَّةً. وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْعَادَةَ كَمَا تَقْضِي بِأَنَّ مُتَمَسَّكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِسَبَبِ اتِّصَافِهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ رَاجِحٌ، كَذَلِكَ تَقْضِي بِأَنَّ مُتَمَسَّكَ غَيْرِهِمْ، إِذَا كَانُوا عَلَى الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ رَاجِحٌ. فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِكَوْنِهِ حُجَّةً. وَالْحَقُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَوْلِ الْجَمِيعِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْمَكَانِ فِي كَوْنِ إِجْمَاعِ أَهْلِهِ حُجَّةً. ش - اسْتُدِلَّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِنَّ الْمَدِينَةَ طَيْبَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَطَيْبَةُ، عَلَى وَزْنِ شَيْبَةَ، اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَدِينَةِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِنَّ الْإِسْلَامَ لِيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا» " أَيْ يَنْضَمُّ إِلَيْهَا وَيَجْتَمِعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِيهَا. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْأَوَّلِ أَنَّ الْخَطَأَ، خَبَثٌ، فَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَيَكُونُ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً. وَبِالثَّانِي أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَةَ مُسْتَقَرُّ الْإِسْلَامِ وَمَلْجَؤُهُ، فَيَكُونُ إِجْمَاعُ أَهْلِهَا حُجَّةً. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بَعِيدٌ ; فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَرَدَ لِطَائِفَةٍ كَرِهُوا الْإِقَامَةَ بِالْمَدِينَةِ، فَيَكُونُ نَفْيُ الْخَبَثِ إِشَارَةً إِلَى نَفْيِ تِلْكَ الطَّائِفَةِ، لَا إِلَى الْخَطَأِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ حُجَّةٌ. وَلِأَنَّ الْخَبَثَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْخَطَأِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِخَطَأِ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَإِذَا لَمْ يُفِدِ الْعُمُومَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ أَهْلِهَا بِدُونِ غَيْرِهِمْ حُجَّةٌ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ رِوَايَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَقَدِّمَةٌ، أَيْ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ، فَيَكُونُ عَمَلُهُمْ، أَيِ اجْتِهَادُهُمْ مُتَقَدِّمًا، أَيْ رَاجِحًا عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِمْ قِيَاسًا عَلَيْهَا، فَيَكُونُ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ قِيَاسَ اجْتِهَادِهِمْ عَلَى الرِّوَايَةِ تَمْثِيلٌ، لَا دَلِيلَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مُجَرَّدًا عَنِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ، فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا، مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالِاجْتِهَادِ قَائِمٌ ; فَإِنَّ الرِّوَايَةَ تُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْمُجْتَهِدِينَ. [إجماع أهل البيت] ش - الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ وَحْدَهُمْ، أَعْنِي عَلِيَّا، وَالْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ، وَفَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ. وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ: أَبِي بَكْرٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 وَمُعَارَضٌ بِمِثْلِ " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» " وَ " «خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنِ الْحُمَيْرَاءِ» ". ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يُشْتَرَطُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. لَنَا دَلِيلُ السَّمْعِ. فَلَوْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا وَاحِدٌ - فَقِيلَ: حُجَّةٌ ; لِمَضْمُونِ السَّمْعِيِّ. وَقِيلَ: لَا ; لِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا أَفْتَى وَاحِدٌ وَعَرَفُوا بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ - فَإِجْمَاعٌ أَوْ حُجَّةٌ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ إِجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً. وَعَنْهُ خِلَافُهُ. وَقَالَ الْجِبَائِيُّ: إِجْمَاعٌ بِشَرْطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ. ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنْ كَانَ فُتْيَا، لَا حُكْمًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافًا لِأَحْمَدَ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ. وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَحْدَهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. لَنَا فِي الْمَطَالِبِ الثَّلَاثَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ دَلَائِلَ الْإِجْمَاعِ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى [حُجِّيَّةِ] قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ. وَهَؤُلَاءِ بَعْضُهُمْ، فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِمْ. حُجَّةُ الشِّيعَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] . وَالْخَطَأُ رِجْسٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْبَيْتِ مُطَهَّرِينَ عَنْهُ. وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ مُطَهَّرِينَ عَنِ الْخَطَأِ يَكُونُ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي» ". وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي الْآيَةِ، أَزْوَاجُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا خِطَابٌ مَعَهُنَّ. وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الْخَبَرَ مِنْ بَابِ الْآحَادِ، وَعِنْدَ الشِّيعَةِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِ، لَكِنْ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالْعِتْرَةِ. . . . وَذَلِكَ مُسَلَّمٌ. وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ: إِنَّ قَوْلَ الْعِتْرَةِ وَحْدَهَا حُجَّةٌ وَالْقَائِلُونَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ، عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] السَّلَامُ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِمْ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ سُنَّتِهِ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَإِذَا كَانَ اتِّبَاعُ سُنَّتِهِمْ وَاجِبًا، كَانَ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِالشَّيْخَيْنِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «اقْتَدُوا بِالَّذِينِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ". وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ لَا يَدُلَّانِ إِلَّا عَلَى أَنَّ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلِلشَّيْخَيْنِ أَهْلِيَّةُ اتِّبَاعِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ، لَا عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ. وَأَيْضًا مُعَارَضٌ بِمِثْلِ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَ " «خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنِ الْحُمَيْرَاءِ» " مَعَ أَنَّ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَوْلَهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ. [اشتراط عدد التواتر] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَدَدَ التَّوَاتُرِ أَمْ لَا؟ فَمَنْ أَخَذَ الْإِجْمَاعَ مِنْ دَلِيلِ الْعَقْلِ وَاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَلْزَمُهُ الِاشْتِرَاطُ. وَالَّذِينَ اسْتَدَلُّوا بِالسَّمْعِيِّ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَعِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ لَا يُشْتَرَطُ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ دَلِيلَ السَّمْعِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» " عَامٌّ يَتَنَاوَلُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ وَدُونَهُ ; لِأَنَّ " الْأُمَّةَ " وَ " الْمُؤْمِنِينَ " أَعَمُّ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَظْهَرْ مُخَصِّصٌ، فَيُجْرَى عَلَى عُمُومِهِ. وَعِنْدَ بَعْضٍ مِنْهُمْ يُشْتَرَطُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ لَمْ يُعْلَمْ إِيمَانُهُمْ بِقَوْلِهِمْ عَنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى حُكْمٍ. وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ يُعْلَمُ إِيمَانُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» " وَ " «حَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ» " فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ سِوَاهُمْ، فَهُمْ عَلَى الْحَقِّ. هَذَا إِذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَبْقَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - غَيْرُ وَاحِدٍ، فَهَلْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ، فِيهِ خِلَافٌ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَقِيلَ ; لِأَنَّ مَضْمُونَ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ. وَالْأُمَّةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120] . وَقِيلَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَظْهَرُ ; لِأَنَّ " الْأُمَّةَ " لَا تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ إِلَّا مَجَازًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. [إِذَا أَفْتَى وَاحِدٌ وَعَرَفُوا بِهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: إِذَا ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ إِلَى حُكْمٍ فِي صُورَةٍ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذْهَبِ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الصُّورَةِ، وَالْمُجْتَهِدُونَ عَرَفُوا بِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ صَدَرَ عَنْ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ الْحُكْمَ أَحَدٌ فَهُوَ إِجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، إِنْ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ رِضًى، وَإِلَّا فَحُجَّةٌ. هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَيْسَ إِجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً. وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ حُجَّةٌ، لَا إِجْمَاعٌ. وَنُقِلَ عَنِ الْجِبَائِيِّ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ بِشَرْطِ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَدَمِ إِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ، إِنْ كَانَ فُتْيَا، لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، إِنْ كَانَ حُكْمًا مِنْ حَاكِمٍ. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ شَرَعَ فِي إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سُكُوتَ أَهْلِ عَصْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ ظَاهِرٌ فِي مُوَافَقَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ ; إِذِ احْتِمَالُ الْمُوَافَقَةِ رَاجِحٌ. لِأَنَّ سُكُوتَ جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُوَافِقَةٍ بَعِيدٌ عَادَةً، فَيَكُونُ سُكُوتُهُمُ الظَّاهِرُ كَقَوْلِهِمُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ السُّكُوتُ الدَّالُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ظَاهِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمُ الدَّالِّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ظَاهِرًا، فَيَنْتَهِضُ دَلِيلُ السَّمْعِ عَلَى كَوْنِهِ إِجْمَاعًا ظَاهِرًا. وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ عُلِمَتْ مُوَافَقَتُهُمْ بَاطِنًا أَوْ لَا، فَإِنْ عُلِمَتْ كَانَ إِجْمَاعًا قَطْعًا، وَإِلَّا كَانَ حُجَّةً ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ. ش - قَالَ الْمُخَالِفُ - وَهُوَ الْقَائِلُ بِمَا نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَوَّلًا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُ مَنْ سَكَتَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَهِدْ بَعْدُ. أَوْ وَقَفَ فِي حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى حُكْمٍ. أَوْ خَالَفَ [مَا] أَفْتَى بِهِ [الْمُفْتِي] فِي اجْتِهَادِهِ، إِلَّا أَنَّهُ تَرَوَّى أَيْ تَفَكَّرَ فِي طَلَبِ وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِظْهَارِ الْخِلَافِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 ص -[لَنَا: سُكُوتُهُمْ] ظَاهِرٌ فِي مُوَافَقَتِهِمْ، فَكَانَ كَقَوْلِهِمُ الظَّاهِرِ، [فَيَنْتَهِضُ] دَلِيلُ السَّمْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 ص - الْمُخَالِفُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَهِدْ، أَوْ وَقَفَ، أَوْ خَالَفَ فَتَرَوَّى، أَوْ وَقَّرَ، أَوْ هَابَ. فَلَا إِجْمَاعَ وَلَا حُجَّةَ. قُلْنَا: خِلَافُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ عَادَتَهُمْ تَرْكُ السُّكُوتِ. ص - الْآخَرُ: دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. ص - الْجِبَائِيُّ: انْقِرَاضُ الْعَصْرِ يُضَعِّفُ الِاحْتِمَالَ. ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْعَادَةُ فِي الْفُتْيَا لَا فِي الْحُكْمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ. وَأَمَّا إِذَا يَنْتَشِرُ - فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ وَقَرَ الْقَائِلُ ; لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَتَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ. أَوْ هَابَ الْقَائِلَ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَنْكَرَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ. كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي سُكُوتِهِ عَنِ الْقَوْلِ فِي حَيَاةِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،: كَانَ رَجُلًا مَهِيبًا فَهِبْتُهُ. وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا يَكُونُ احْتِمَالُ الْمُوَافَقَةِ رَاجِحًا. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَإِنْ كَانَتْ قَادِحَةً فِي احْتِمَالِ الْمُوَافَقَةِ لَكِنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ عَادَتَهُمْ تَرْكُ السُّكُوتِ عَمَّا أَفْتَى بِهِ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لَهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ ; أَنَّ عَادَتَهُمْ تَرْكُ السُّكُوتِ عِنْدَ مُخَالَفَتِهِمْ لِمَا أَفْتَى بِهِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَرْكِ السُّكُوتِ. وَمَعَ بَعْضِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ تَمَكُّنُهُمْ مِنْ تَرْكِ السُّكُوتِ. ش - قَالَ الْآخَرُ - وَهُوَ الْقَائِلُ بِمِثْلِ مَا نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ ثَانِيًا -: سُكُوتُ الْمُجْتَهِدِينَ عِنْدَ عِرْفَانِهِمْ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْمُفْتِي دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى مُوَافَقَتِهِمْ ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رُجْحَانِ احْتِمَالِ الْمُوَافَقَةِ، فَيَكُونُ حُجَّةً، لَا إِجْمَاعًا قَطْعًا. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَذْهَبُ مُوَافِقًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُجِبْ عَنْهُ. ش - قَالَ الْجِبَائِيُّ: هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ لَيْسَ إِجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً، وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً، لَكِنَّ شَرْطَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْمُجْتَهِدِينَ يُضَعِّفُهَا. فَيَكُونُ عِنْدَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ احْتِمَالُ الْمُوَافَقَةِ رَاجِحًا، فَيَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَي بَعْضُ الِاحْتِمَالَاتِ إِلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ فِي الْفُتْيَا لِلْمُوَافَقَةِ ظَاهِرٌ. بِخِلَافِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْضُرُ الْفُقَهَاءُ مَجَالِسَ الْحُكَّامِ وَيُشَاهِدُونَ خَطَأَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ وَيَتْرُكُونَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، لِمَهَابَتِهِمْ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَرْضَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذْهَبِ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ الْمَذْهَبُ يَجُوزُ إِنْكَارُ قَوْلِ الْحَاكِمِ، كَمَا يَجُوزُ إِنْكَارُ قَوْلِ الْمُفْتِي، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ فِيمَا إِذَا أَفْتَى وَاحِدٌ وَعَرَفَ الْبَاقُونَ بِهِ، أَيِ انْتَشَرَ قَوْلُهُ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَنْتَشِرْ قَوْلُهُ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْبَاقِينَ قَوْلٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ خُطُورِ هَذَا الْحُكْمِ بِبَالِهِمْ، أَوْ يَكُونَ لَهُمْ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ. أَوْ يَكُونَ لَهُمْ قَوْلٌ مُوَافِقٌ لَهُ. وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ سَوَاءٌ لَا تَرْجِيحَ لِاحْتِمَالِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الْآخَرِينَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. فَقَوْلُهُ: " وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَنْتَشِرْ " عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: " عَرَفُوا بِهِ " فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ. [اشتراط انْقِرَاضُ الْعَصْرِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: إِذَا اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ، انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَلَمْ يُشْتَرَطِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ فَوْرَكَ يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ فِي الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، وَهُوَ الَّذِي أَفْتَى وَاحِدٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالْحُكْمِ وَعَرَفَهُ الْبَاقُونَ وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَنْ قِيَاسٍ، يُشْتَرَطُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 ص - (مَسْأَلَةٌ) : انْقِرَاضُ الْعَصْرِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ فَوْرَكَ: يُشْتَرَطُ. وَقِيلَ فِي السُّكُوتِيِّ. وَقَالَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِنْ كَانَ عَنْ قِيَاسٍ. ص - لَنَا دَلِيلُ السَّمْعِ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْإِجْمَاعِ لِلتَّلَاحُقِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَصْرُ الْمُجْمِعِينَ [الْأَوَّلِينَ] إِذْ لَا مَدْخَلَ لِلَّاحِقِ. ص - قَالُوا: يَسْتَلْزِمُ إِلْغَاءَ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ بِتَقْدِيرِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. قُلْنَا: بَعِيدٌ. وَبِتَقْدِيرِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ مَعَ الْقَاطِعِ، كَمَا لَوِ انْقَرَضُوا. ص - قَالُوا: لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ - لَمُنِعَ الْمُجْتَهِدُ مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ اجْتِهَادِهِ. قُلْنَا: وَاجِبٌ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ. ص - قَالُوا: لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَتُهُ - لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ مَنْ مَاتَ; لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلُّ الْأُمَّةِ. قُلْنَا: قَدِ الْتَزَمَهُ بَعْضٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ مَنْ وُجِدَ مِنَ الْأُمَّةِ، فَلَا إِجْمَاعَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا إِجْمَاعَ إِلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْخَطَأَ. وَلِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ عَنْ دَلِيلٍ - لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ. قُلْنَا: فَائِدَتُهُ سُقُوطُ الْبَحْثِ وَحُرْمَةُ الْمُخَالَفَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] انْعِقَادِهِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَإِلَّا فَلَا. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ بِدَلِيلِ السَّمْعِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِانْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ وَمَوْتِهِمْ، فَيَجْرِي عَلَى الْعُمُومِ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْيِيدِ. ش - اسْتَدَلَّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّهُ لَوِ اشْتُرِطَ انْقِرَاضُ عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ، لَمَا تَحَقَّقَ إِجْمَاعٌ أَبَدًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ مَثَلًا، وَلَحِقَهُمُ التَّابِعِيُّ فِي عَصْرِهِمْ، يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَتُهُمْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ إِجْمَاعُهُمْ ; ضَرُورَةَ عَدَمِ انْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ. وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُوَافِقَهُمُ التَّابِعِيُّ أَوْ لَا. فَإِنْ خَالَفَهُمْ لَمْ يَبْقَ إِجْمَاعُهُمْ إِجْمَاعًا. وَإِنْ وَافَقَهُمْ وَلَحِقَ تَبَعُ التَّابِعِينَ قَبْلَ انْقِرَاضِ عَصْرِ التَّابِعِينَ يَجُوزُ لَهُمْ مُخَالَفَتُهُمْ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَعْدُ إِجْمَاعُهُمْ. فَإِنْ خَالَفُوا لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ إِجْمَاعًا، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى زَمَانِنَا. فَلَمْ يَتَحَقَّقْ إِجْمَاعٌ أَبَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ، انْقِرَاضُ عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ الْأَوَّلِينَ، وَهُمُ الْمُجْتَهِدُونَ الْمُتَّفِقُونَ عِنْدَ حُدُوثِ الْوَاقِعَةِ، لَا انْقِرَاضُ عَصْرِ مَنْ يَتَجَدَّدُ بَعْدَهُمْ. فَإِذَا انْقَرَضَ عَصْرُ الْمُجْمِعِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافٌ مِنْهُمْ، وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ الْمُدْرِكِينَ عَصْرَهُمْ، انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ حُدُوثُ تَبَعِ التَّابِعِينَ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ الْأَوَّلِينَ. هَذَا وَإِنْ قُلْنَا: فَائِدَةُ اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ اعْتِبَارُ مُوَافَقَةِ مَنْ أَدْرَكَ عَصْرَ الْمُجْمِعِينَ الْأَوَّلِينَ فِي إِجْمَاعِهِمْ، كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُشْتَرِطِينَ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ فَائِدَةَ الِاشْتِرَاطِ جَوَازُ رُجُوعِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ بِسَبَبِ ظُهُورِ فِكْرٍ أَوْ تَحْصِيلِ اجْتِهَادٍ - كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَحْمَدَ - لَا اعْتِبَارَ مُوَافَقَةِ مَنْ سَيُوجَدُ فِي إِجْمَاعِهِمْ، فَلَا مَدْخَلَ لِلَّاحِقِ حِينَئِذٍ. فَيَنْعَقِدُ إِجْمَاعُ الْمُجْمِعِينَ الْأَوَّلِينَ عِنْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ، إِذَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُؤَثِّرُ مُخَالَفَةُ مَنْ أَدْرَكَ عَصْرَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ. ش - الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، لَزِمَ إِلْغَاءُ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيرِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ مَعَ ظُهُورِ دَلِيلٍ صَحِيحٍ مُخَالِفٍ لَهُ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ إِلْغَاءَ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ] ) مُتَحَقِّقًا وَاطَّلَعُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ وَاتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ. فَلَوْ كَانَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ مَوْجُودًا اطَّلَعُوا عَلَيْهِ عِنْدَ الْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ. وَبِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَاطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ، لَا أَثَرَ لِذَلِكَ الْخَبَرِ ; لِأَنَّهُ ظَنِّيٌّ، وَالْإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ، وَالظَّنِّيُّ لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ الْقَاطِعِ، كَمَا لَوِ انْقَرَضَ عَصْرُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَاطَّلَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْخَبَرِ حِينَئِذٍ بِالِاتِّفَاقِ. ش - الْمُشْتَرِطُونَ قَالُوا أَيْضًا: لَوْ لَمْ يُشْتَرَطِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لَمُنِعَ الْمُجْتَهِدُ مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ اجْتِهَادِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; فَإِنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، أَنْ يَرْجِعَ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَنِ اجْتِهَادٍ فَلَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمُ الرُّجُوعَ عَنِ اجْتِهَادِهِ فِي الْإِجْمَاعِ لَمُنِعَ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي. فَإِنَّ مَنْعَ الْمُجْتَهِدِ عَنِ الرُّجُوعِ عَنِ اجْتِهَادِهِ وَاجِبٌ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إِنَّمَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ عَنِ اجْتِهَادِهِ إِذَا لَمْ يَنْعَقِدِ الْإِجْمَاعُ، فَأَمَّا إِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فَلَا. ش - الْمُشْتَرِطُونَ قَالُوا أَيْضًا: لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ الْمُجْتَهِدِ الْمَوْجُودِ فِي عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ مِنَ الْمُجْمِعِينَ، أَوْ مِنَ الْمُحْدَثِينَ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ مَنْ مَاتَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمَوْجُودَ فِي عَصْرِهِمْ إِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَتُهُ ; لِأَنَّ الْمُجْمِعِينَ كُلُّ الْأُمَّةِ، وَمُخَالَفَةُ كُلِّ الْأُمَّةِ غَيْرُ جَائِزَةٍ. وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ مُخَالَفَةِ مَنْ مَاتَ ; فَإِنَّ الْبَاقِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ كُلُّ الْأُمَّةِ. أَجَابَ أَوَّلًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي. فَإِنَّهُ قَدِ الْتَزَمَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ عَدَمَ اعْتِبَارِ مُخَالَفَةِ مَنْ مَاتَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَاقِينَ كُلُّ الْأُمَّةِ. وَثَانِيًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ. فَإِنَّ قَوْلَ الْمُجْمِعِينَ فِي الْمَقِيسِ قَوْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ; لِأَنَّ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ مَوْجُودًا، فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ إِجْمَاعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ قَوْلَ الْمُجْمِعِينَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، قَوْلُ بَعْضِ مَنْ وُجِدَ مِنَ الْأُمَّةِ ; فَإِنَّ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمْ يَكُونُ غَيْرُهُمْ مَوْجُودًا، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ إِجْمَاعًا. [لَا إِجْمَاعَ إِلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِجْمَاعُ إِلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ، سَوَاءٌ كَانَ دَلِيلًا أَوْ أَمَارَةً. وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ صُدُورُ الْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ. لَنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ لَاسْتَلْزَمَ الْإِجْمَاعُ الْخَطَأَ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَأَمَارَةٍ خَطَأٌ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الثَّانِي أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَادَةً اتِّفَاقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُجْتَهِدِينَ عَلَى حُكْمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ، قَالُوا: لَوْ كَانَ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَنْ دَلِيلٍ، لَمْ يَكُنْ لِلْإِجْمَاعِ فَائِدَةٌ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ حُجَّةً عَلَى الْحُكْمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ حِينَئِذٍ سُقُوطُ الْبَحْثِ وَالِاجْتِهَادِ عَنِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَحُرْمَةُ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. فَإِنَّ هَذِهِ الْفَوَائِدَ لَا تَحْصُلُ مِنَ الْمُسْتَنَدِ، بَلْ مِنَ الْإِجْمَاعِ. وَأَيْضًا مَا ذَكَرْتُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ أَبَدًا عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَإِلَّا يَلْزَمُ عَدَمُ الْفَائِدَةِ لِلْإِجْمَاعِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. [الإجماع عن قياس] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَا عَنْ مُسْتَنَدٍ، اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْإِجْمَاعِ عَنْ قِيَاسٍ. فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ عَنْ قِيَاسٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ عَنْ قِيَاسٍ. وَمَنَعَتِ الظَّاهِرِيَّةُ الْجَوَازَ. وَبَعْضُهُمُ الْوُقُوعَ. لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ، الْوُقُوعُ كَإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَإِرَاقَةِ نَحْوِ الشَّيْرَجِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَأُحْدِثَ [قَوْلٌ] ثَالِثٌ، مَنَعَهُ الْأَكْثَرُ. كَوَطْءِ الْبِكْرِ، قِيلَ: بِمَنْعِ الرَّدِّ، وَقِيلَ: مَعَ الْأَرْشِ. فَالرَّدُّ مَجَّانًا ثَالِثٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَنَعَتِ الظَّاهِرِيَّةُ، وَابْنُ جَرِيرٍ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ عَنْ قِيَاسٍ. وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُجَوِّزِينَ وُقُوعَ الْإِجْمَاعِ عَنْ قِيَاسٍ. لَنَا أَنَّ جَوَازَ الْإِجْمَاعِ عَنِ الْقِيَاسِ قَطْعِيٌّ، كَجَوَازِ الْإِجْمَاعِ عَنْ غَيْرِ الْقِيَاسِ مِنَ النُّصُوصِ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ، وَالظَّاهِرُ وُقُوعُهُ. كَإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَثْبَتُوا إِمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْدِيمِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِيَّاهُ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَيْهَا. وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالْقِيَاسِ عَلَى لَحْمِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى إِرَاقَةِ نَحْوِ الشَّيْرَجِ مِنَ الْمَائِعَاتِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّمْنِ. وَإِنَّمَا قَالَ: " وَالظَّاهِرُ الْوُقُوعُ " لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتُ صَدَرَتْ عَنِ النُّصُوصِ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا. [إِذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَأُحْدِثَ ثَالِثٌ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: إِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ، وَاسْتَقَرَّ رَأْيُ جَمِيعِهِمْ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ أَمْ لَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 وَكَالْجَدِّ مَعَ الْأَخِ، قِيلَ: الْمَالُ كُلُّهُ، وَقِيلَ: الْمُقَاسَمَةُ. فَالْحِرْمَانُ، ثَالِثٌ. وَكَالنِّيَّةِ فِي الطَّهَارَاتِ، قِيلَ: تُعْتَبَرُ، وَقِيلَ: فِي الْبَعْضِ. فَالتَّعْمِيمُ بِالنَّفْيِ، ثَالِثٌ. وَكَالْفَسْخِ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ، قِيلَ يُفْسَخُ بِهَا، وَقِيلَ: لَا. فَالْفَرْقُ، ثَالِثٌ. وَكَأُمٍّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبٍ، قِيلَ: الثُّلُثُ، وَقِيلَ: ثُلْثُ مَا بَقِيَ. فَالْفَرْقُ، ثَالِثٌ. وَالصَّحِيحُ: التَّفْصِيلُ. إِنْ كَانَ الثَّالِثُ يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَمَمْنُوعٌ، [كَالْبِكْرِ، وَالْجَدِّ، وَالطَّهَارَاتِ] ، وَإِلَّا فَجَائِزٌ، كَفَسْخِ النِّكَاحِ بِبَعْضٍ، وَكَالْأُمِّ ; فَإِنَّهُ يُوَافِقُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مَذْهَبًا. ص - لَنَا أَنَّ الْأَوَّلَ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ فَمُنِعَ. بِخِلَافِ الثَّانِي.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَنَعَهُ الْأَكْثَرُ مُطْلَقًا. وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشِّيعَةِ وَبَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ كَمَا إِذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْبِكْرَ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، قِيلَ: إِنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ يَمْنَعُ رَدَّهَا. وَقِيلَ: يَرُدُّ الْجَارِيَةَ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ. فَالْقَوْلُ بِرَدِّهَا مَجَّانًا، أَيْ بِلَا أَرْشٍ، قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَكَالْجَدِّ مَعَ الْأَخِ فِي الْمِيرَاثِ، قِيلَ: الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ، وَقِيلَ: الْمُقَاسَمَةُ، أَيْ تَقْسِيمُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً. فَالْقَوْلُ بِحِرْمَانِ الْجَدِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَكَالنِّيَّةِ فِي الطَّهَارَاتِ. قِيلَ تُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِهَا، أَعْنِي الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ، وَقِيلَ تُعْتَبَرُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا، وَهُوَ التَّيَمُّمُ، فَالْقَوْلُ بِتَعْمِيمِ النَّفْيِ - وَهُوَ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّهَارَاتِ - قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَكَفَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ الْبَرَصُ، وَالْجُذَامُ، وَالْجُنُونُ، وَالْجَبُّ، وَالْعُنَّةِ فِي الزَّوْجِ. وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مَعَ الْقَرْنِ وَالرَّتْقُ فِي الزَّوْجَةِ. قِيلَ: يُفْسَخُ بِهَا، أَيْ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ، وَقِيلَ: لَا يُفْسَخُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. فَالْقَوْلُ بِالْفَرْقِ - وَهُوَ الْفَسْخُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ - قَوْلٌ ثَالِثٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَالْأَبَوَيْنِ مَعَ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ فِي الْمِيرَاثِ، قِيلَ: ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ لِلْأُمِّ، وَقِيلَ: ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ لِلْأُمِّ، فَالْقَوْلُ بِالْفَرْقِ - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْمَالِ كُلِّهِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَثُلْثُ الْبَاقِي فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى - قَوْلٌ ثَالِثٌ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، التَّفْصِيلُ، أَيْ إِنْ كَانَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَوَطْءِ الْبِكْرِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ - وَهُوَ الرَّدُّ مَجَّانًا - يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى امْتِنَاعِ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ. وَكَالْجَدِّ مَعَ الْأَخِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ - وَهُوَ حِرْمَانُ الْجَدِّ - يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ حِرْمَانِ الْجَدِّ. وَكَالطَّهَارَاتِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ - وَهُوَ نَفْيُ التَّعْمِيمِ - يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا عَلَى اشْتِرَاطِهِمَا فِي الْبَعْضِ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ الثَّالِثُ رَافِعًا لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَهُوَ جَائِزٌ، كَفَسْخِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ - وَهُوَ الْفَسْخُ بِبَعْضِ الْعُيُوبِ دُونَ بَعْضٍ - لَمْ يَكُنْ رَافِعًا لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي صُورَةٍ. وَكَالْأُمِّ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ - وَهُوَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ، وَثُلُثَ الْبَاقِي فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى يُوَافِقُ فِي كُلٍّ مِنَ الصُّورَتَيْنِ مَذْهَبًا. ش - احْتَجَّ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ - وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الرَّافِعُ لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ - مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ مَمْنُوعًا ; لِأَنَّ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ. بِخِلَافِ الثَّانِي - وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يَرْفَعُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا عَنْهُ. فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْفَسْخِ فِي بَعْضِ الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ دُونَ الْبَعْضِ، لَا يَكُونُ رَافِعًا لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا. كَمَا لَوْ قِيلَ مَثَلًا: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ. فَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ - وَهُوَ أَنْ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، أَوْ عَكْسُهُ، أَيْ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ - لَمْ يُمْنَعْ بِالِاتِّفَاقِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، بَلْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِكُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ دُونَ أُخْرَى. ش - الْأَكْثَرُ - وَهُمُ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا - قَالُوا: الْقَوْلُ الثَّالِثُ، فَصَلٌ بَيْنَ الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ مَثَلًا، وَلَمْ يَفْصِلْ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ بِالْفَصْلِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْفَصْلِ، وَعَدَمُ الْقَوْلِ بِالْفَصْلِ لَيْسَ قَوْلًا بِنَفْيِ الْفَصْلِ. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَدَمُ الْقَوْلِ بِالْفَصْلِ قَوْلًا بِنَفْيِ الْفَصْلِ، امْتَنَعَ الْقَوْلُ بِحُكْمٍ فِي وَاقِعَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَوْلٌ لِمَنْ سَبَقَ، لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ [لَيْسَ قَوْلًا بِالْعَدَمِ] فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِالْفَصْلِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ. وَيَتَحَقَّقُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْفَصْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَصْلِ، بِمَسْأَلَتَيِ الذِّمِّيِّ وَالْغَائِبِ، حَيْثُ جُوِّزَ فِيهِمَا الْفَصْلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْفَصْلِ. فَلَوْ كَانَ عَدَمُ الْقَوْلِ بِالْفَصْلِ مُسْتَلْزِمًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَصْلِ، لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى جَوَازِ التَّفْصِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْقَوْلِ [الثَّالِثِ] مُطْلَقًا قَالُوا أَيْضًا: الْقَوْلُ بِالْفَصْلِ يَسْتَلْزِمُ تخطئةَ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 كَمَا لَوْ قِيلَ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ، وَيَصِحُّ، لَمْ يُمْنَعْ يُقْتَلْ وَلَا يَصِحُّ، وَعَكْسُهُ بِاتِّفَاقٍ. ص - قَالُوا: فَصَلَ وَلَمْ يَفَصِلْ أَحَدٌ، فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ. قُلْنَا: عَدَمُ الْقَوْلِ بِهِ لَيْسَ قَوْلًا بِنَفْيِهِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ الْقَوْلُ فِي وَاقِعَةٍ تَتَجَدَّدُ. وَيَتَحَقَّقُ بِمَسْأَلَتَيِ الذِّمِّيِّ وَالْغَائِبِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 ص - قَالُوا: يَسْتَلْزِمُ تَخْطِئَةَ كُلِّ فَرِيقٍ، وَهُمْ [كُلُّ] الْأُمَّةِ. قُلْنَا: الْمُمْتَنِعُ تَخْطِئَةُ كُلِّ الْأُمَّةِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. ص - الْآخَرُ: اخْتِلَافُهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا اجْتِهَادِيَّةٌ. قُلْنَا: مَا مَنَعْنَاهُ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ. وَلَوْ سُلِّمَ - فَهُوَ دَلِيلٌ قَبْلَ تَقَرُّرِ إِجْمَاعِ مَانِعٍ مِنْهُ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ - لَأُنْكِرَ لَمَّا وَقَعَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْأُمِّ مَعَ زَوْجٍ وَأَبٍ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَكَسَ آخَرُ. قُلْنَا: لِأَنَّهَا كَالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ، فَلَا مُخَالَفَةَ لِإِجْمَاعٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجُوزُ إِحْدَاثُ دَلِيلٍ آخَرَ أَوْ تَأْوِيلٍ آخَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. لَنَا: لَا مُخَالَفَةَ لَهُمْ فَجَازَ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَجُزْ - لَأُنْكِرَ. وَلَمْ يَزَلِ الْمُتَأَخِّرُونَ يَسْتَخْرِجُونَ الْأَدِلَّةَ وَالتَّأْوِيلَاتِ. ص - قَالُوا: اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ. قُلْنَا: مُئَوَّلٌ فِيمَا اتَّفَقُوا، وَإِلَّا لَزِمَ الْمَنْعُ فِي كُلِّ مُتَجَدِّدٍ. ص - قَالُوا: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ. قُلْنَا: مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. فَلَوْ كَانَ مُنْكَرًا - لَنُهُوا عَنْهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : اتِّفَاقُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ خِلَافُهُمْ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: مُمْتَنِعٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُجَوِّزِينَ: حُجَّةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ بَعِيدٌ إِلَّا فِي الْقَلِيلِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُخَالِفٌ لِكُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي بَعْضِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَتَخْطِئَةُ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ تَخْطِئَةُ كُلِّ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ كُلُّ الْأُمَّةِ. وَتَخْطِئَةُ كُلِّ الْأُمَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ لِلدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ. أَجَابَ بِأَنَّ تَخْطِئَةَ كُلِّ الْأُمَّةِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَخْطِئَةُ بَعْضِهِمْ فِي أَمْرٍ وَتَخْطِئَةُ الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ. بَلِ الْمُمْتَنِعُ تَخْطِئَةُ كُلِّ الْأُمَّةِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَالْقَوْلُ بِالْفَصْلِ لَمْ يَسْتَلْزِمْ تَخْطِئَتَهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ إِحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ مُطْلَقًا، قَالُوا: اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ. وَالْمَسْأَلَةُ الِاجْتِهَادِيَّةُ يَجُوزُ فِيهَا الْأَخْذُ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَادُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ نَشَأَ مِنَ الِاجْتِهَادِ، فَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ: مَا مَنَعْنَاهُ مِنْ إِحْدَاثِ الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِيهِ، كَالرَّدِّ مَجَّانًا، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، حَتَّى يَجُوزَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ، وَالْأَخْذُ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَادُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ [فِيهِ] وَلَكِنَّ الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا يَكُونُ دَلِيلَ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ مَانِعٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ. وَالْمُجْتَهِدُونَ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْقَوْلَيْنِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الرَّدِّ مَجَّانًا، فَلَمْ يَجُزِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بَعْدُ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ قَوْلٍ ثَالِثٍ مُطْلَقًا قَالُوا: لَوْ كَانَ إِحْدَاثُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ مُمْتَنِعًا، لَأَنْكَرَ إِذَا وَقَعَ ; لِأَنَّ عَادَةَ الْمُجْتَهِدِينَ إِنْكَارُ مَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِلْأُمِّ ثُلْثُ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالْبَاقُونَ: لِلْأُمِّ ثُلْثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ، أَوِ الزَّوْجَةِ. وَأَحْدَثَ التَّابِعُونَ قَوْلًا ثَالِثًا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَقَالَ ابْنُ سَيرِينَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ لِلْأُمِّ ثُلْثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَفِي صُورَةِ الزَّوْجَةِ لِلْأُمِّ ثُلْثُ الْبَاقِي. وَعَكَسَ تَابِعِيٌّ آخَرُ، فَقَالَ الْأُمُّ فِي صُورَةِ الزَّوْجَةِ ثُلْثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَفِي صُورَةِ الزَّوْجِ ثُلْثُ الْبَاقِي، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ فِيهَا لَا يَكُونُ رَافِعًا لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. [إِحْدَاثُ دَلِيلٍ آخَرَ] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: إِذَا اسْتَدَلَّ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِدَلِيلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ فِي حُكْمٍ، هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ دَلِيلٍ آخَرَ أَوْ تَأْوِيلٍ آخَرَ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ الْآخَرُ أَوِ التَّأْوِيلُ الْآخَرُ قَادِحًا فِي دَلِيلِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ أَوْ تَأْوِيلِهِمْ، لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِحًا، يَجُوزُ إِحْدَاثُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إِحْدَاثَ الدَّلِيلِ الثَّانِي أَوِ التَّأْوِيلِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، فَجَازَ إِحْدَاثُهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُ الدَّلِيلِ الْآخَرِ وَالتَّأْوِيلِ، لَأَنْكَرَ السَّلَفُ إِذَا وَقَعَ ; لِأَنَّ عَادَتَهُمْ إِنْكَارُ مَا لَا يَجُوزُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَخْرِجُونَ الْأَدِلَّةَ وَالتَّأْوِيلَاتِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ. ش - الْمَانِعُونَ قَالُوا: إِحْدَاثُ دَلِيلٍ آخَرَ أَوْ تَأْوِيلٍ آخَرَ سَكَتَ عَنْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ، اتِّبَاعٌ لِغَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَجُوزُ. أَجَابَ بِأَنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ مُئَوَّلٌ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، لَا إِحْدَاثَ مَا سَكَتُوا عَنْهُ. وَإِنَّمَا أُوِّلَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُئَوَّلْ بِذَلِكَ وَأُجْرِيَ عَلَى الْعُمُومِ، لَزِمَ الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مُتَجَدِّدٍ سَكَتَ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْمَانِعُونَ قَالُوا أَيْضًا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، خِطَابُ مُشَافَهَةٍ، فَلَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا أَهْلَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا آمِرِينَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ. وَكُلُّ مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، بَلْ مُنْكَرًا. فَالدَّلِيلُ الْآخَرُ أَوِ التَّأْوِيلُ الْآخَرُ لَمْ يَأْمُرُوا بِهِ فَيَكُونُ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرُ لَا يَجُوزُ إِحْدَاثُهُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ: وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَهْيَهُمْ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ; لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ. فَلَوْ كَانَ الدَّلِيلُ الْآخَرُ أَوِ التَّأْوِيلُ الْآخَرُ مُنْكَرًا لَنُهُوا عَنْهُ. [اتِّفَاقُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: إِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ وَاسْتَقَرَّ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ بِحَيْثُ صَارَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبًا لِبَعْضٍ وَالْآخَرُ مَذْهَبًا لِلْبَاقِينَ، هَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَّفِقَ أَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ لَا؟ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ: يَمْتَنِعُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَزِلَةُ: يَجُوزُ. ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ الْآخَرُونَ إِنَّهُ حُجَّةٌ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْحَقُّ أَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِعِيدٌ، إِلَّا فِي الْمُخَالِفِ الْقَلِيلِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ، أَوْ جَلِيٍّ. وَالْعَادَةُ تَمْنَعُ عَدَمَ اطِّلَاعِ الْأَكْثَرِ عَلَى الْقَاطِعِ أَوِ الْجَلِيِّ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ قَلِيلًا، فَلَا تَمْنَعُ الْعَادَةُ اطِّلَاعَ الْقَلِيلِ عَلَى الْقَاطِعِ أَوِ الْجَلِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 كَالِاخْتِلَافِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، ثُمَّ زَالَ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: ثُمَّ صَارَ إِجْمَاعًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ مَا إِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ قَلِيلًا: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَالْأَقَلُّونَ إِلَى الْجَوَازِ. ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ. وَكَذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إِلَى مُدَّةٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ بَانَتْ مِنْهُ. فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَالْأَقَلُّونَ إِلَى جَوَازِهِ. وَفِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَنِ الْمُتْعَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ، ثُمَّ صَارَ عَدَمُ جَوَازِهِ إِجْمَاعًا بِاتِّفَاقِ التَّابِعِينَ. ش - قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: الْعَادَةُ تَقْضِي بِامْتِنَاعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ; لِامْتِنَاعِ تَطَابُقِ الْآرَاءِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، مَعَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دَلِيلًا. أَجَابَ بِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِامْتِنَاعِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَنَدُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَلِيًّا، فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ. وَأَيْضًا مِثْلُ هَذَا الِاتِّفَاقِ وَاقِعٌ، لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا. ش - الْقَائِلُونَ بِالِامْتِنَاعِ قَالُوا: لَوْ وَقَعَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ حُجَّةً لِلدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ. وَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَتَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ: أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ ; لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ خِلَافِهِمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَالثَّانِي: إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَسْوِيغِ الْقَوْلِ الْآخَرِ. أَجَابَ عَنْهُ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ. فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ خَطَأً، وَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْخَطَأِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَا نُسَلِّمُ تَعَارُضَ الْإِجْمَاعَيْنِ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ مَشْرُوطٌ بِانْتِفَاءِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي. كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافُهُمْ ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَرْطِ انْتِفَاءِ الْقَاطِعِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ. وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ مَشْرُوطًا بِانْتِفَاءِ الْقَاطِعِ، زَالَ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي، لِزَوَالِ شَرْطِهِ، فَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا. ش - احْتَجَّ الْمُجَوِّزُ - وَهُوَ الْقَائِلُ بِكَوْنِ اتِّفَاقِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَائِزًا، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ - بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حُجَّةً، لَتَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ. وَتَقْرِيرُ الدَّلِيلِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ. ش - الثَّانِي لَوْ كَانَ حُجَّةً لَحَصَلَ اتِّفَاقُ كُلِّ الْأُمَّةِ; لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ حُجَّةً. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلِ اتِّفَاقُهُمْ ; لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ. وَقَوْلُ مَنْ مَاتَ لَا يَنْعَدِمُ بِمَوْتِ قَائِلِهِ، وَلِهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ اتِّفَاقُ [أَهْلِ] الْعَصْرِ الثَّانِي، إِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافُهُمْ حُجَّةً ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ يَطَّرِدُ فِيهِ بِعَيْنِهِ. ش - الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حُجَّةً - لَكَانَ مَوْتُ الصَّحَابِيِّ الْمُخَالِفِ لِلْبَاقِينَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْبَاقِينَ حُجَّةً ; لِأَنَّ قَوْلَ الْبَاقِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ قَوْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ الْأَحْيَاءِ، كَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. أَجَابَ بِالِالْتِزَامِ، أَيْ بِالْتِزَامِ قَوْلِ الْبَاقِي حُجَّةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَالِفِ، فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ لِبَعْضٍ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَذْهَبِ، فَلَا يَكُونُ الِالْتِزَامُ جَوَابًا مِنْ جِهَتِهِمْ، بَلِ الْجَوَابُ مِنْ جِهَتِهِمُ الْفَرْقُ. فَإِنَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ الَّذِي مَاتَ قَوْلُ مَنْ وُجِدَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي إِجْمَاعِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُ الْمُنْقَرِضِينَ لَيْسَ قَوْلَ مَنْ وُجِدَ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي. ش - قَالَ الْآخَرُ، أَيِ الْمُجَوِّزُ الْقَائِلُ بِكَوْنِهِ حُجَّةً: لَوْ لَمْ يَكُنِ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حُجَّةً، لَأَدَّى إِلَى أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 ص - الْأَشْعَرِيُّ: الْعَادَةُ تَقْضِي بِامْتِنَاعِهِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْعَادَةِ وَبِالْوُقُوعِ. ص - قَالُوا: لَوْ وَقَعَ - لَكَانَ حُجَّةً، فَيَتَعَارَضُ الْإِجْمَاعَانِ ; لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ اخْتِلَافِهِمْ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ سُلِّمَ - فَمَشْرُوطٌ بِانْتِفَاءِ الْقَاطِعِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافُهُمْ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 ص - الْمُجَوِّزُ: وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَلَوْ كَانَ حُجَّةً - يَتَعَارَضُ الْإِجْمَاعَانِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 وَقَدْ تَقَدَّمَ. ص - قَالُوا: لَمْ يَحْصُلْ الِاتِّفَاقُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ إِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافُهُمْ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ حُجَّةً - لَكَانَ مَوْتُ الصَّحَابِيِّ الْمُخَالِفِ يُوجِبُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلُّ الْأُمَّةِ الْأَحْيَاءِ. وَأُجِيبُ بِالِالْتِزَامِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ. ص - الْآخَرُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً - لَأَدَّى إِلَى أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ الْأَحْيَاءُ عَلَى الْخَطَأِ. وَالسَّمْعِيُّ يَأْبَاهُ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ. وَالْمَاضِي ظَاهِرُ الدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ قَوْلِهِ. بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَأْتِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : اتِّفَاقُ الْعَصْرِ عَقِيبَ الِاخْتِلَافِ، إِجْمَاعٌ وَحَجَّةٌ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. وَأَمَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ، فَقِيلَ: مُمْتَنِعٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُجَوِّزِينَ: حُجَّةٌ. وَكُلُّ مَنِ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، قَالَ: إِجْمَاعٌ. وَهِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا، إِلَّا أَنَّ كَوْنَهُ حُجَّةً أَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لِغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ عَدَمِ عِلْمِ الْأُمَّةِ بِخَبَرٍ أَوْ دَلِيلٍ رَاجِحٍ إِذَا عُمِلَ عَلَى وَفْقِهِ. الْمُجَوِّزُ: لَيْسَ إِجْمَاعًا، كَمَا لَوْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي وَاقِعَةٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ الْأَحْيَاءُ عَلَى الْخَطَأِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ دَالَّةٌ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يَجِبِ اتِّبَاعُهُمْ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ حَقًّا، وَإِلَّا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ. أَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي ; لِجَوَازِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْخَطَأِ. وَالدَّلَائِلُ السَّمْعِيَّةُ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى عِصْمَةِ كُلِّ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ. وَقَوْلُهُمْ لَا يَكُونُ قَوْلَ الْأُمَّةِ الْمَوْجُودِينَ ; لِأَنَّ الْمَاضِيَ، أَيْ مَنْ مَاتَ، دَاخِلٌ فِي الْأُمَّةِ ظَاهِرًا، لِتَحَقُّقِ قَوْلِهِ. بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي كُلِّ الْأُمَّةِ الْمَوْجُودِينَ ; لِعَدَمِ تَحَقُّقِ قَوْلِهِ. [اتِّفَاقُ الْعَصْرِ عَقِيبَ الِاخْتِلَافِ] ش - الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ، إِجْمَاعٌ وَحَجَّةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَلَيْسَ وُقُوعُ هَذَا الْإِجْمَاعِ بِبَعِيدٍ عَادَةً ; لِجَوَازِ وُقُوفِهِمْ عَلَى سَنَدٍ جَلِيٍّ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ. وَأَمَّا اتَّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ، فَالَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا انْقِرَاضَ الْعَصْرِ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ مُمْتَنِعٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ. ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حُجَّةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَمَنِ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ، قَالَ: إِجْمَاعٌ ; لِأَنَّ هَذَا الِاتِّفَاقَ لَمْ يَكُنْ رَافِعًا لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ وَإِنْ دَلَّ عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِي الْحُكْمِ، لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ; ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ شَرْطِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا اخْتِلَافًا وَاحْتِجَاجًا وَاعْتِرَاضًا وَجَوَابًا. إِلَّا أَنَّ كَوْنَ الِاتِّفَاقِ حُجَّةً هَهُنَا أَظْهَرُ مِنْ ثَمَّةَ ; لِأَنَّ هَهُنَا لَا قَوْلَ لِغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ اتِّفَاقُهُمُ اتِّفَاقَ كُلِّ الْأُمَّةِ. بِخِلَافِ ثَمَّةَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْضُ الْأُمَّةِ ; لِأَنَّ لِغَيْرِهِمْ قَوْلٌ عَلَى خِلَافِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. [عَدَم عِلْمِ الْأُمَّةِ بِخَبَرٍ] ش - الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: إِذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ دَلِيلٌ أَوْ خَبَرٌ يَقْتَضِي حُكْمًا عَلَى الْمُكَلِّفِينَ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ دَلِيلٌ آخَرُ، لَمْ يَجُزْ عَدَمُ عِلْمِ الْأُمَّةِ بِهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، كَانَ عَمَلًا بِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ بَلْ عَنْ تَشَهٍّ، وَالْعَمَلُ بِالْحُكْمِ عَنِ التَّشَهِّي لَا يَجُوزُ. وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ كَانَ تَرْكًا لِلْحُكْمِ الْمُتَوَجِّهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ دَلِيلٌ أَوْ خَبَرٌ رَاجِحٌ، أَيْ بِلَا مُعَارِضٍ، وَقَدْ عَمِلَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ بِدَلِيلٍ آخَرَ.، فَهَلْ يَجُوزُ عَدَمُ عِلْمِ الْأُمَّةِ بِهِ أَوْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ. وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُ بِأَنَّ اشْتِرَاكَ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ أَوِ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ لَمْ يُوجِبْ مَحْظُورًا ; إِذْ لَيْسَ اشْتِرَاكُ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ إِجْمَاعًا حَتَّى يَجِبَ مُتَابَعَتُهُمْ، بَلْ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ كَعَدَمِ حُكْمِهِمْ فِي وَاقِعَةٍ لَمْ يَحْكُمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ، فَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْعَى فِي طَلَبِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ لِيَعْلَمَ. وَاحْتَجَّ النَّافِي بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَدَمُ عِلْمِ جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوِ الْخَبَرِ لَحَرُمَ تَحْصِيلُ الْعِلْمَ بِهِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِهِ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ لَاتَّبَعُوا غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 النَّافِي: اتَّبَعُوا غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ كُلِّ الْأُمَّةِ سَمْعًا. لَنَا دَلِيلُ السَّمْعِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِارْتِدَادَ يُخْرِجُهُمْ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْخَطَأِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ [الثُّلْثُ] . لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ. قَالُوا: اشْتَمَلَ الْكَامِلُ، وَالنِّصْفُ عَلَيْهِ. قُلْنَا: فَأَيْنَ نَفْيُ الزِّيَادَةِ؟ فَإِنْ أُبْدِيَ مَانِعٌ أَوْ نَفْيُ شَرْطٍ أَوِ اسْتِصْحَابٌ - فَلَيْسَ مِنَ الْإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْإِجْمَاعِ [الْمَنْقُولِ] بِخَبَرِ الْآحَادِ. وَأَنْكَرَهُ الْغَزَالِيُّ. لَنَا: نَقْلُ الظَّنِّيِّ [مُوجَبٌ] فَالْقَطْعِيُّ أَوْلَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ لَا يَكُونُ سَبِيلًا لَهُمْ ; لِأَنَّ السَّبِيلَ مَا اخْتَارَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. وَعَدَمُ عِلْمِهِمْ مَا اخْتَارُوهُ، فَلَا يَكُونُ سَبِيلًا لَهُمْ. [ارْتِدَادُ كُلِّ الْأُمَّةِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ سَمْعًا، لَا عَقْلًا، ارْتِدَادُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَجْمَعِهِمْ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِالدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى امْتِنَاعِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ دَالَّةٌ عَلَى امْتِنَاعِ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى الْخَطَأِ. وَالِارْتِدَادُ يُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهُمْ إِذَا ارْتَدُّوا لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَمْ يَكُونُوا مِنْ أُمَّتِهِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمُ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَصْدُقُ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمْ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدِ ارْتَدَّتْ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْخَطَأِ، فَيَمْتَنِعُ لِلْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ عَلَيْهِ: إِنَّ إِطْلَاقَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمَجَازِ. وَالْأُمَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لَمْ تَتَنَاوَلْ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنَ الْأُمَّةِ حَقِيقَةً، فَانْدَفَعَ الْجَوَابُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ارْتِدَادَهُمُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْخَطَأِ، هُوَ الْمُوجِبُ لِسَلْبِ اسْمِ الْأَمَةِ عَنْهُمْ حَقِيقَةً، فَزَوَالُ اسْمِ الْأَمَةِ عَنْهُمْ بَعْدَ الِارْتِدَادِ بِالذَّاتِ ; لِأَنَّ الْمَعْلُولَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْعِلَّةِ بِالذَّاتِ. فَعِنْدَ حُصُولِ ارْتِدَادِهِمْ صَدَقَ عَلَيْهِمُ اسْمُ الْأَمَةِ حَقِيقَةً، فَتَتَنَاوَلُهُمُ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ. [قَوْل الشَّافِعِيِّ: إِنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ الثُّلْثُ] ش - الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: إِذَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي مَسْأَلَةٍ، لَا يَصِحُّ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِالْإِجْمَاعِ فِي إِثْبَاتِ مَذْهَبِ الْقَائِلِ بِالْأَقَلِّ. مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ ثُلْثُ دِيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُتَمَسَّكَ فِي إِثْبَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ. إِذْ قَوْلُهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ: الثُّلْثِ وَنَفْيِ الزِّيَادَةِ. وَإِثْبَاتُ الثُّلْثِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَنَفْيُ الزِّيَادَةِ لَا يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ مَذْهَبُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ قَالُوا: دِيَتُهُ إِمَّا مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ أَوْ نِصْفُهُ أَوْ ثُلْثُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْكَامِلُ وَالنِّصْفُ يَشْتَمِلُ عَلَى الثُّلْثِ، فَالْقَوْلُ بِالثُّلْثِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الثُّلْثَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ نَفْيَ الزِّيَادَةِ لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَالْمَجْمُوعُ لَا يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَالْقَائِلُ بِالثُّلْثِ مَطْلُوبُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ: الثُّلْثُ وَنَفْيُ الزِّيَادَةِ، فَلَا يَكُونُ مَذْهَبُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. فَإِنْ أَبْدَى نَفْيَ الزِّيَادَةِ بِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنَ الزِّيَادَةِ، أَوْ بِنَفْيِ شَرْطِ الزِّيَادَةِ، أَوْ أَبْدَى نَفْيَ الزِّيَادَةِ بِالِاسْتِصْحَابِ، لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ نَفْيُ الزِّيَادَةِ ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ. [الْعَمَلُ بِالْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ بِخَبَرِ الْآحَادِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْعِشْرُونَ: الْإِجْمَاعُ الْمَنْقُولُ إِلَيْنَا بِنَقْلِ الْآحَادِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَنَابِلَةِ. وَأَنْكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ بِأَنَّ الظَّنِّيَّ، كَالْخَبَرِ، إِذَا كَانَ مَنْقُولًا بِطَرِيقِ الْآحَادِ، يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، فَالْقَطْعِيُّ، أَيِ الْإِجْمَاعُ، إِذَا كَانَ مَنْقُولًا بِطَرِيقِ الْآحَادِ أَوْلَى بِأَنْ يَجِبَ الْعَمَلُ بِهِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَظْنُونٌ بِحَسَبِ النَّقْلِ وَالْجِنْسِ، وَالثَّانِي مَظْنُونٌ بِحَسَبِ النَّقْلِ، مَقْطُوعٌ بِحَسَبِ الْجِنْسِ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ " يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ بِطَرِيقِ الْآحَادِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 وَأَيْضًا: [نَحْنُ] نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ. ص - قَالُوا: إِثْبَاتُ أَصِلٍ بِالظَّاهِرِ. قُلْنَا: الْمُتَمَسَّكُ الْأَوَّلُ قَاطِعٌ، وَالثَّانِي يُبْتَنَى عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ. وَالْمُعْتَرِضُ مُسْتَظْهِرٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ. ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ أَنَّ نَحْوَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، يُكَفِّرُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ. فَوَجَبَ أَنْ تَحْكُمَ الْأُمَّةُ أَيْضًا بِالظَّاهِرِ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ تَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ. فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمَّةِ أَيْضًا. وَالظَّاهِرُ يَتَنَاوَلُ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ بِطَرِيقِ الْآحَادِ ; لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ. ش - الْمُنْكِرُونَ قَالُوا: الْإِجْمَاعُ الْمَنْقُولُ إِلَيْنَا بِطَرِيقِ الْآحَادِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ. فَلَوْ أَثْبَتْنَاهُ بِالدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، لَزِمَ إِثْبَاتُ الْأَصْلِ بِالظَّاهِرِ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَيْنِ لَيْسَا بِقَطْعِيَّيْنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ قَاعِدَةٌ عِلْمِيَّةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُتَمَسَّكَ الْأَوَّلَ - وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي اسْتُدِلَّ بِهِ أَوَّلًا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ - قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ قِيَاسٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَا يَكُونُ إِثْبَاتُهُ بِهِ إِثْبَاتًا لِلْأَصْلِ بِالظَّاهِرِ. وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُتَمَسَّكُ الثَّانِي - وَهُوَ الْحَدِيثُ - ظَاهِرٌ. وَإِثْبَاتُ الْأَصْلِ بِالظَّاهِرِ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي أَدِلَّةِ الْأُصُولِ. فَمَنْ شَرَطَ الْقَطْعَ فِيهَا، مَنَعَ إِثْبَاتَ الْأَصْلِ بِالظَّاهِرِ، فَمَنَعَ إِثْبَاتَ الْإِجْمَاعِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، لَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ إِثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ بِهِ. وَالْمُعْتَرِضُ مُسْتَظْهِرٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، أَيْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِ دَلِيلِ النَّافِي وَالْمُثْبِتِ. أَمَّا مَنْعُ دَلِيلِ الْمُثْبِتِ، فَبِأَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. وَأَمَّا مَنْعُ دَلِيلِ النَّافِي، فَبِأَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ إِثْبَاتِ الْأَصْلِ بِالظَّوَاهِرِ. قِيلَ: أَرَادَ بِالْمُتَمَسَّكِ الْأَوَّلِ: الْمُسْتَنَدُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ ; لِمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْإِجْمَاعِ. وَأَرَادَ بِالْمُتَمَسَّكِ الثَّانِي الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ ; فَإِنَّهُمَا ظَنِّيَّانِ، وَإِفَادَتُهُمَا الْمَطْلُوبَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ. فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ; لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ لَا يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ; لِكَوْنِهَا طُرُقًا إِلَى الْأَعْمَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: " الْمُعْتَرِضُ مُسْتَظْهِرٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ " أَنَّ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَ فِي الْأَوَّلِ وَيَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ قَاطِعٌ ; إِذْ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا. وَأَنْ يَمْنَعَ فِي الثَّانِي الدَّلِيلَ الْمُتَمَسَّكَ بِهِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ. [إِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: إِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ - وَهُوَ السُّكُوتِيُّ، وَالْمَنْقُولُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ - لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ. وَإِنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ هَلْ يُوجِبُ الْكُفْرَ أَمْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: يُوجِبُ الْكُفْرَ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ إِنْكَارَهُ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ سَنَدٍ قَاطِعٍ، وَإِنْكَارُ السَّنَدِ الْقَاطِعِ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ صِدْقِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُوجِبَ لِلْكُفْرِ. وَالثَّانِي: لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ أَدِلَّةَ أَصْلِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ مُفِيدَةً لِلْعِلْمِ. فَالْإِجْمَاعُ الْمُتَفَرِّعُ عَلَيْهَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعُ. فَلَا يَكُونُ إِنْكَارُهُ مُوجِبًا لِلْكُفْرِ. وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: إِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي أَمْرِ عِلْمٍ قَطْعًا كَوْنُهُ مِنَ الدِّينِ، كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، كَانَ إِنْكَارُ حُكْمِهِ يُوجِبُ الْكُفْرَ وَإِلَّا فَلَا. [التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، صَحِيحٌ. مِثْلَ رُؤْيَةِ الْبَارِي وَنَفْيِ الشَّرِيكِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِمَا ; لِأَنَّا قَبْلَ الْعِلْمِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ الشَّرِيكِ، يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْلَمَ صِحَّةَ الْإِجْمَاعِ. وَلِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، مِثْلَ الْآرَاءِ وَالْحُرُوبِ قَوْلَانِ فِي صِحَّةِ التَّمَسُّكِ بِهِ. لَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ دَلَّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْيِيدِ. [اشْتِرَاكُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ] [مقدمة] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَبْحَاثِ الْمَخْصُوصَةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ الثَّلَاثَةِ، شَرَعَ فِي الْأَبْحَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: " وَيَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ. فَالسَّنَدُ: إِخْبَارٌ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ ". أَعْنِي بَيَانَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، بِطَرِيقِ ثُبُوتِهِ، إِمَّا بِالتَّوَاتُرِ أَوِ الْآحَادِ. [الخبر و الإنشاء] [الخبر] ش - أَيِ الْخَبَرُ اسْمٌ لِقَوْلٍ لَهُ صِيغَةٌ وَمَعْنًى مَخْصُوصَانِ. وَاخْتَلَفَ فِي تَحْدِيدِهِ. فَقِيلَ: لَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ لِعُسْرِهِ، كَمَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ. ش - قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: الْخَبَرُ غَنِيٌّ عَنِ التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 ص - مَسْأَلَةٌ: التَّمَسُّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ، صَحِيحٌ. كَرُؤْيَةِ الْبَارِي، عَزَّ وَجَلَّ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ. وَلِعَبْدِ الْجَبَّارِ فِي الدُّنْيَوِيَّةِ قَوْلَانِ. لَنَا دَلِيلُ السَّمْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 [اشْتِرَاكُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ] ص - وَيَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ. فَالسَّنَدُ: الْإِخْبَارُ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ. ص - وَالْخَبَرُ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ لِلصِّيغَةِ وَالْمَعْنَى. فَقِيلَ: لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ. ص - وَقِيلَ: لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ ضَرُورَةً. فَالْمُطْلَقُ أَوْلَى. ص - وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ ضَرُورِيٌّ، لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا. بِخِلَافِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُصُولِهِ ضَرُورَةً. ص - وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ ضَرُورَةً وَلَا نَتَصَوَّرُهُ. أَوْ بِتَقَدُّمِ تَصَوُّرِهِ. وَالْمَعْلُومُ ضَرُورَةً ثُبُوتُهَا أَوْ نَفْيُهَا. وَثُبُوتُهَا غَيْرُ تَصَوُّرِهَا. ص - الثَّانِي: التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ضَرُورَةٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، أَيْ يَعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: " أَنَا مَوْجُودٌ " مِنْ حَيْثُ وُقُوعٌ بِالنِّسْبَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ. فَمُطْلَقُ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ هَذَا الْخَبَرِ الْخَاصِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا. ش - هَذَا جَوَابُ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ، يُنَافِي دَعْوَى ضَرُورَتِهِ; لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ هُوَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ وَنَظَرٍ. وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ، لَا عَلَى حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةً. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ، لَا يُنَافِي كَوْنَ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا ; لِأَنَّ تَوَقُّفَ ضَرُورَةِ الْعِلْمِ بِالْخَبَرِ عَلَى الدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ، لَا يَسْتَلْزِمُ تَوَقُّفَ ضَرُورَةِ الْخَبَرِ عَلَيْهِمَا. بِخِلَافِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةً ; فَإِنَّهُ يَكُونُ مُنَافِيًا لِكَوْنِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ ضَرُورِيًّا، وَضَرُورَتُهُ نَظَرِيَّةٌ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الثَّانِي لَا يُنَافِي دَعْوَى ضَرُورَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عِلْمَ حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةُ تُصَوِّرِهِ أَوْ تَقَدُّمِ تَصَوُّرِهِ ; لِأَنَّ حُصُولَ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ. وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ تَصَوُّرُ الْخَبَرِ لَا حُصُولُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِحُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا، يَكُونُ تُصَوُّرُ الْخَبَرَ أَيْضًا ضَرُورِيًّا ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ هُوَ تَصَوُّرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ هُوَ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ النِّسْبَةِ أَوْ نَفْيِهَا. وَثُبُوتُ النِّسْبَةِ غَيْرُ تَصَوُّرِهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَا قَالَ: إِنَّ حُصُولَ الْخَبَرِ هُوَ تُصَوُّرُهُ، بَلْ قَالَ: الْعِلْمُ بِحُصُولِ الْخَبَرِ، هُوَ تَصَوُّرُهُ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ غَيْرُ تَصَوُّرِهِ. ش - الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا نُدْرِكُ بِالضَّرُورَةِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَسْبُوقَةٌ بِتَصَوُّرِهِمَا، فَيَكُونُ تَصَوُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدِيهِيًّا، لِأَنَّ السَّابِقَ عَلَى الْبَدِيهِيِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَدِيهِيًّا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: " وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ ". وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ مِثْلُ هَذَا الدَّلِيلِ. وَقَدْ قِيلَ فِي جَوَابِهِ: إِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِتَصَوُّرِهِمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. ش - قَالَ الْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ: الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ. فَـ " الْكَلَامُ " جِنْسٌ يَشْمَلُ الْخَبَرَ وَغَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: " الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ " يُخْرِجُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالِاسْتِفْهَامَ وَسَائِرَ الْإِنْشَاءَاتِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي كُلِّ خَبَرٍ ; لِأَنَّ الْوَاوَ يَقْتَضِي الْجَمْعَ. لَكِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُحَالٌ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا لَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ أَصْلًا، مِثْلَ قَوْلِنَا: الِاثْنَانِ فَرْدٌ، وَالثَّلَاثَةُ زَوْجٌ. وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ أَصْلًا، كَالْبَدِيهِيَّاتِ، لَا سِيَّمَا فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِي خَبَرِ اللَّهِ أَشَدُّ اسْتِحَالَةً، لَا لِنَفْسِ كَوْنِهِ خَبَرًا، بَلْ لِخُصُوصِيَّةِ كَوْنِهِ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ. ص - قَالَ الْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةُ: الْخَبَرُ: الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَهُوَ مُحَالٌ. لَا سِيَّمَا فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى. أَجَابَ الْقَاضِي بِصِحَّةِ دُخُولِهِ لُغَةً. فَوَرَدَ أَنَّ الصِّدْقَ: الْمُوَافِقُ لِلْخَبَرِ، وَالْكَذِبَ نَقِيضُهُ. فَتَعْرِيفُهُ بِهِ دَوْرٌ. وَلَا جَوَابَ عَنْهُ. وَقِيلَ: التَّصْدِيقُ أَوِ التَّكْذِيبُ، فَيُرَدُّ الدَّوْرُ. وَأَنَّ الْحَدَّ يَأْبَى " أَوْ ". وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ، قَبُولُ أَحَدِهِمَا. ص - وَأَقْرَبُهَا قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ: كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً. قَالَ: " بِنَفْسِهِ " لِيُخْرِجَ نَحْوَ " قَائِمٍ " ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ [عِنْدَهُ] كَلَامٌ، وَهِيَ تُفِيدُ نِسْبَةً مَعَ الْمَوْضُوعِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ بَابُ " قُمْ " وَنَحْوُهُ ; فَإِنَّهُ كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً، إِمَّا لِأَنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوبٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ الطَّلَبَ مَنْسُوبٌ. ص - وَالْأَوْلَى: الْكَلَامُ الْمَحْكُومُ فِيهِ نِسْبَةٌ خَارِجِيَّةٌ. وَنَعْنِي الْخَارِجَ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ. فَنَحْوُ طَلَبْتُ الْقِيَامَ، حُكْمٌ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، بِخِلَافِ " قُمْ ".   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ قِيلَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَهُوَ مُحَالٌ ; لِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ مُتَقَابِلَانِ، وَالْمُتَقَابِلَانِ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمُتَقَابِلَيْنِ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، أَمَّا فِي زَمَانَيْنِ فَلَا. وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، بَلْ تَقْتَضِي اجْتِمَاعَهُمَا مُطْلَقًا. أَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْخَبَرَ الصَّادِقَ [صَحَّ] دُخُولُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ لُغَةً، أَيْ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومُهُ لُغَةً، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْمَادَّةِ. [وَكَذَا صَحَّ دُخُولُ الصِّدْقِ عَلَى الْخَبَرِ الْكَاذِبِ] . وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالضَّرُورِيَّاتُ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ مِنْ خَارِجِ مَفْهُومِ الْخَبَرِ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالضَّرُورِيَّاتِ، يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ كَاذِبَةً. وَلَمَّا اعْتَبَرَ الْقَاضِي فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ صِحَّةَ دُخُولِهِ لُغَةً، سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ. وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْخَبَرِ وَالْكَذِبَ نَقِيضُهُ، أَعْنِي الْخَبَرَ الْغَيْرَ الْمُوَافِقِ لِلْخَبَرِ، فَيَتَوَقَّفُ تَعْرِيفُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْخَبَرِ. فَتَعْرِيفُ الْخَبَرِ بِهِمَا دَوْرٌ. وَلَا جَوَابَ عَنْ لُزُومِ الدَّوْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الدَّوْرَ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ عَرَّفْنَا الْخَبَرَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمُصْطَلَحَيْنِ، وَهُمَا بِالْخَبَرِ الْمُصْطَلَحِ. أَمَّا لَوْ عَرَّفْنَاهُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ اللُّغَوِيِّينَ أَوْ بِالْمُصْطَلَحَيْنِ، ثُمَّ عَرَّفْنَاهُمَا بِالْخَبَرِ اللُّغَوِيِّ، لَمْ يَلْزَمِ الدَّوْرُ. وَهَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْدُقُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْخَبَرِ مَفْهُومَانِ، لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مَفْهُومَهُمَا اللُّغَوِيَّ بِعَيْنِهِ مَفْهُومُهُمَا الِاصْطِلَاحِيُّ، فَلَا يَسْقُطُ الدَّوْرُ. قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْ لُزُومِ الدَّوْرِ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّقَ بِهِ لَفْظُ الْخَبَرِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، مُتَمَيِّزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ حَيْثُ عُلِّقَ بِهِ لَفْظُ الْخَبَرِ، فَعَرَّفَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ مَدْلُولِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُسَلِّمْ بَدَاهَتَهُ. وَفِي تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ الصِّدْقَ بِالْمُوَافِقِ لِلْخَبَرِ تَسَاهُلٌ. وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ: إِنَّهُ الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ أَوِ التَّكْذِيبُ. وَالِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ - وَهُوَ اسْتِلْزَامُ اجْتِمَاعِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ - لَمْ يَرِدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هَهُنَا ; لِأَنَّ " أَوْ " لَا يَقْتَضِي الِاجْتِمَاعَ، وَلَكِنْ يَرِدُ الدَّوْرُ ; لِأَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ صَادِقًا فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الصَّادِقِ، وَالصَّادِقُ عَلَى الصِّدْقِ، وَالصِّدْقُ عَلَى الْخَبَرِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَفِي هَذَا الدَّوْرِ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِثَلَاثِ مَرَاتِبَ، وَفِي الْأَوَّلِ بِمَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَيْضًا يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى لَفْظِ " أَوْ " وَهُوَ لِلتَّشْكِيكِ وَالتَّرْدِيدِ، وَالْحَدُّ يَأْبَاهُ. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْخَبَرَ يَدْخُلُهُ أَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَلَيْسَ فِي دُخُولِ أَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ تَرَدُّدٌ، بَلِ التَّرَدُّدُ فِي دُخُولِ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَدِّ. ش - قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ لِلْخَبَرِ إِلَى الصَّوَابِ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ: الْخَبَرُ كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُرَادُ مِنَ النِّسْبَةِ: إِضَافَةُ أَمْرٍ إِلَى أَمْرٍ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ بِحَيْثُ يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: " يُفِيدُ ". وَإِنَّمَا قَالَ: " بِنَفْسِهِ " لِيُخْرِجَ عَنْهُ نَحْوَ " قَائِمٍ " مِنَ الْمُشْتَقَّاتِ وَالْأَفْعَالِ ; فَإِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَدِّ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ عِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ كَلَامٌ، لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً، بَلْ يُفِيدُ مَعَ الْمَوْضُوعِ، فَإِنَّ " قَائِمٌ " فِي قَوْلِنَا " زِيدٌ قَائِمٌ " يُفِيدُ نِسْبَةَ الْقِيَامِ إِلَى ضَمِيرِ " زَيْدٍ " لَكِنْ لَا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِوَاسِطَةِ " زَيْدٍ " الَّذِي هُوَ الْمَوْضُوعُ. وَيَرُدُّ عَلَى طَرْدِ هَذَا التَّعْرِيفِ بَابُ " قُمْ " أَيْ فِعْلُ الْأَمْرِ وَنَحْوُهُ، كَالنَّهْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَسَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ ; فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا هَذَا التَّعْرِيفُ ; لِأَنَّهَا كَلَامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً ; لِأَنَّ " قُمْ " يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةَ الْقِيَامِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، أَوْ نِسْبَةَ الطَّلَبِ إِلَى الْأَمْرِ. وَقِسْ عَلَيْهِ بَاقِي الْإِنْشَاءَاتِ. ش - اعْلَمْ أَنَّ أَوْلَى الْحُدُودِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لِلْخَبَرِ أَنَّهُ: الْكَلَامُ الْمَحْكُومُ فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيَعْنِي بِالْكَلَامِ: مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ. فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْكَلِمَةُ، وَالْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ، وَالْمُرَكَّبُ التَّقْيِيدِيُّ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا بِكَلَامٍ. وَالْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ: الْأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ كَلَامِ النَّفْسِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ كَلَامُ النَّفْسِ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللَّامُطَابَقَةِ. مِثْلُ قَوْلِنَا: زَيْدٌ قَائِمٌ ; فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ الْمَوْجُودِ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ إِسْنَادُ الْقِيَامِ إِلَى زَيْدٍ بِالْإِثْبَاتِ. وَيُسَمَّى هَذَا الْحُكْمُ كَلَامَ النَّفْسِ. وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَمْرٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ الْمُطَابَقَةُ وَاللَّامُطَابَقَةُ. وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْأَمْرُ النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ. فَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ مِثْلُ: طَلَبْتُ الْقِيَامَ، فَإِنَّهُ [قَدْ] حَكَمَ [فِيهِ] لَهَا خَارِجِيٌّ، وَهُوَ نِسْبَةُ طَلَبِ الْقِيَامِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي. وَهَذِهِ النِّسْبَةُ خَارِجَةٌ عَنِ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ [تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ النَّفْسِيُّ] . بِالْمُطَابَقَةِ أَوِ اللَّامُطَابَقَةِ. بِخِلَافِ " قُمْ " فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحُكْمِ النَّفْسِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ خَارِجِيٌّ. [الإنشاء] ش - وَيُسَمَّى الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْخَبَرِ: إِنْشَاءً وَتَنْبِيهًا. وَمِنَ التَّنْبِيهِ: الْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ، وَالِاسْتِفْهَامُ، وَالتَّمَنِّي، وَالتَّرَجِّي، وَالْقَسَمُ، وَالنِّدَاءُ. وَلَمْ يُفَرِّقِ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ التَّنْبِيهِ وَالْإِنْشَاءِ. وَقَالَ بَعْضٌ: الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ يَحْتَمِلِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، يُسَمَّى إِنْشَاءً. فَإِنْ دَلَّ بِالْوَضْعِ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ، يُسَمَّى أَمْرًا، وَإِنْ دَلَّ عَلَى طَلَبِ الْكَفِّ، يُسَمَّى نَهْيًا، وَإِنْ دَلَّ عَلَى طَلَبِ الْإِفْهَامِ، يُسَمَّى اسْتِفْهَامًا، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ بِالْوَضْعِ عَلَى طَلَبٍ يُسَمَّى تَنْبِيهًا. وَيَنْدَرِجُ فِيهِ التَّمَنِّي، وَالتَّرَجِّي، وَالْقَسَمُ، وَالنِّدَاءُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 ص - وَيُسَمَّى غَيْرُ الْخَبَرِ إِنْشَاءً وَتَنْبِيهًا. وَمِنْهُ الْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ، وَالِاسْتِفْهَامُ، وَالتَّمَنِّي، وَالتَّرَجِّي، وَالْقَسَمُ، وَالنِّدَاءُ. ص - وَالصَّحِيحُ أَنَّ [نَحْوَ] " بِعْتُ " وَ " اشْتَرَيْتُ " وَ " طَلَّقْتُ " الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْوُقُوعُ، إِنْشَاءً ; [لِأَنَّهَا] لَا خَارِجَ لَهَا. وَلِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا. وَلَوْ كَانَ خَبَرًا - لَكَانَ مَاضِيًا وَلَمْ يَقْبَلِ التَّعْلِيقَ. وَلِأَنَّا نَقْطَعُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلرَّجْعِيَّةِ: طَلَّقْتُكِ - سُئِلَ. ص - الْخَبَرُ صِدْقٌ أَوْ كَذِبٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إِمَّا مُطَابِقٌ لِلْخَارِجِيِّ أَوْ لَا. الْجَاحِظُ: إِمَّا مُطَابِقٌ مَعَ الِاعْتِقَادِ وَنَفْيِهِ، أَوْ لَا مُطَابِقَ مَعَ الِاعْتِقَادِ وَنَفْيِهِ. وَالثَّانِي فِيهِمَا لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جَنَّةٌ. وَالْمُرَادُ الْحَصْرُ، فَلَا يَكُونُ صِدْقًا ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أَفْتَرَى أَمْ لَمْ يَفْتَرْ، فَيَكُونُ مَجْنُونًا ; لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا افْتِرَاءَ لَهُ، [سَوَاءٌ] قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِلْجُنُونِ. ص - قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا كَذَبَ، وَلَكِنَّهُ وَهِمَ. وَأُجِيبَ بِتَأْوِيلِ مَا كَذَبَ عَمْدًا. ص - وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا فَصَدَقَ وَإِلَّا فَكَذَبَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ. وَأُجِيبَ: لَكَاذِبُونَ فِي شَهَادَاتِهِمْ. وَهِيَ لَفْظِيَّةٌ. ص - وَيَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ، وَإِلَى مَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَإِلَى مَا لَا يُعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَالْأَوَّلُ: ضَرُورِيٌّ. بِنَفْسِهِ كَالْمُتَوَاتِرِ. وَبِغَيْرِهِ، كَالْمُوَافِقِ لِلضَّرُورِيِّ. وَنَظَرِيٌّ، كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى - وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعِ، أَوِ الْمُوَافِقِ لِلنَّظَرِ. وَالثَّانِي: الْمُخَالِفُ لِمَا عُلِمَ صِدْقُهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الصِّيَغَ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْوُقُوعُ، أَيِ الصِّيَغُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الشَّرْعِ لِتُسْتَحْدَثَ بِهَا الْأَحْكَامُ، مِثْلَ " بِعْتُ " وَ " اشْتَرَيْتُ " وَ " طَلَّقْتُ " هَلْ هُوَ إِخْبَارٌ أَمْ إِنْشَاءٌ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ إِنْشَاءٌ، لِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ ; إِذْ لَا خَارِجَ لَهُ. وَالْكَلَامُ الَّذِي لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ، إِنْشَاءٌ. الثَّانِي: أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّيَغِ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ: فَلَا يَكُونُ خَبَرًا ; لِأَنَّ الْخَبَرَ قَابِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِأَنَّ قَبُولَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِأَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِلْخَبَرِ، إِلَّا أَنَّهُ يَكُونُ خَاصَّةً مُسَاوِيَةً لَهُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ مَاضِيًا ; لِأَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ الْمَاضِي وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَاضِيًا لَمْ يُقْبَلِ التَّعْلِيقُ ; لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُوَ تَوْقِيفُ دُخُولِ الشَّيْءِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ غَيْرِهِ فِي الْوُجُودِ. وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ غَيْرِهِ. الرَّابِعُ: لَوْ كَانَ خَبَرًا لَمْ يُقْطَعْ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي كَوْنِهِمَا خَبَرَيْنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّا نُفَرِّقُ قَطْعًا بَيْنَ " طَلَّقْتُ " إِذَا قُصِدَ بِهِ [وُقُوعُ] الطَّلَاقِ وَ " طَلَّقْتُ " إِذَا قُصِدَ بِهِ الْإِخْبَارُ. وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا الْفَرْقَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " طَلَّقْتُكِ " سُئِلَ عَنْهُ مَاذَا تُرِيدُ بِقَوْلِكَ، إِيقَاعَ الطَّلَاقِ أَوِ الْإِخْبَارَ عَنِ الطَّلَاقِ السَّابِقِ؟ وَلَوْلَا الْفَرْقُ، لَمْ يُسْأَلْ. [الْخَبَرُ صِدْقٌ أَوْ كَذِبٌ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ الْخَبَرِ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِهِ. وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى صِدْقٍ وَكَذِبٍ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْخَبَرِ إِمَّا مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا، فَهُوَ صِدْقٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَهُوَ كَذِبٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَهَبَ الْجَاحِظُ إِلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَرَ إِمَّا مُطَابِقٌ أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ. فَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لَا. فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ. وَالْأَوَّلُ مِنْهَا - وَهُوَ الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ - صِدْقٌ وَالرَّابِعُ - وَهُوَ الْخَبَرُ الْغَيْرُ الْمُطَابِقِ مَعَ اعْتِقَادِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ - كَذِبٌ. وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ. فَقَوْلُهُ: " وَالثَّانِي فِيهِمَا " إِشَارَةٌ إِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ; لِأَنَّ الْمُطَابِقَ مَعَ نَفْيِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ انْقَسَمَ إِلَى قِسْمَيْنِ. وَغَيْرُ الْمُطَابِقِ مَعَ نَفْيِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ انْقَسَمَ أَيْضًا إِلَى قِسْمَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ الصِّدْقِ قَوْلُنَا: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، إِذَا كَانَ فِيهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ فِيهَا. مِثَالُ الْكَذِبِ قَوْلُنَا: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا. وَاسْتَدَلَّ الْجَاحِظُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نُبُوَّةِ نَفْسِهِ حَصَرَ الْكُفَّارُ [إِخْبَارَهُ النُّبُوَّةَ] فِي الِافْتِرَاءِ، أَيِ الْكَذِبِ، وَإِخْبَارِ مَنْ بِهِ جَنَّةٌ، حَصْرًا عَلَى مَنْعِ الْخُلُوِّ. وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ كَذِبًا ; لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ [قَسِيمَ] الْكَذِبِ، وَقَسِيمُ الشَّيْءِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ. وَلَيْسَ بِصِدْقٍ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَهُ. فَيَثْبُتُ قِسْمٌ آخَرُ لَا يَكُونُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا. فَإِنْ قِيلَ: الْإِخْبَارُ فِي حَالِ الْجُنُونِ دَاخِلٌ فِي الْكَذِبِ ; لِأَنَّ الِافْتِرَاءَ هُوَ الْكَذِبُ عَنِ التَّعَمُّدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَسِيمًا لِلْكَذِبِ عَنْ تَعَمُّدٍ، أَنْ لَا يَكُونَ كَذِبًا. سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْكَذِبِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلْكَذِبِ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَاسِطَةَ عِنْدَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: الِافْتِرَاءُ هُوَ الْكَذِبُ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ تَعَمُّدٍ أَوْ لَا، وَالتَّقْيِيدُ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا، لَمَا قَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَالُوهُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: افْتَرَى فِي هَذَا الْإِخْبَارِ، أَوْ لَمْ يَفْتَرِ، بَلْ بِهِ جُنُونٌ. وَكَلَامُ الْمَجْنُونِ لَيْسَ افْتِرَاءً، سَوَاءٌ قُصِدَ بِهِ الْإِفْتِرَاءُ أَوْ لَمْ يُقْصَدْ لِلْجُنُونِ ; فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ خِبْرَتِهِ كَلَامُهُ ; لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ [يُعْتَدُّ بِهِ] وَلَا شُعُورَ فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ خَبَرًا. فَيَكُونُ مُرَادُهُمُ الْحَصْرَ فِي كَوْنِهِ خَبَرًا كَذِبًا أَوْ لَيْسَ بِخَبَرٍ. فَلَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ لَا يَكُونُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا. ش - الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ الْوَاسِطَةِ قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اعْتِذَارًا عَمَّنْ ظَهَرَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ خَبَرِهِ: مَا كَذَبَ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ. نَفَتِ الْكَذِبَ عَنْ خَبَرِهِ، وَالصِّدْقُ أَيْضًا مُنْتَفٍ [عَنْهُ] بِالِاتِّفَاقِ. فَثَبَتَ خَبَرٌ لَا يَكُونُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّهَا مَا نَفَتِ الْكَذِبَ، بَلْ نَفَتِ الْكَذِبَ الْمُتَعَمَّدَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْكَذِبِ الْمُتَعَمَّدِ عَنْهُ انْتِفَاءُ الْكَذِبِ مُطْلَقًا. ش - قِيلَ: إِنَّ الْخَبَرَ مُنْحَصِرٌ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْجُمْهُورُ. بَيَانُهُ أَنَّ الْخَبَرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ وَمُعْتَقِدًا مُطَابَقَتَهُ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ صِدْقٌ، وَالثَّانِي كَذِبٌ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصِّدْقِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَالصِّدْقِ بِتَفْسِيرِ الْجَاحِظِ. وَأَمَّا الْكَذِبُ فَهُوَ أَعَمُّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مِنَ الْكَذِبِ عِنْدَ الْجَاحِظِ ; فَإِنَّ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ عِنْدَ الْجَاحِظِ، تَكُونُ كَذِبًا بِهَذَا التَّفْسِيرِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُطَابَقَةِ فِي الصِّدْقِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَذَّبَ الْمُنَافِقِينَ فِي إِخْبَارِهِمْ عَنْ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَلَوْ كَانَ الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ بِدُونِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ صِدْقًا، لَمَا كَذَّبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ; لِأَنَّ إِخْبَارَهُمْ عَنْ رِسَالَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَذَّبَهُمْ فِي إِخْبَارِهِمْ عَنِ الرِّسَالَةِ، بَلْ كَذَّبَهُمْ فِي شَهَادَتِهِمْ. وَالشَّهَادَةُ الصَّادِقَةُ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ بِالْمُطَابِقِ مَعَ كَوْنِهِ مُعْتَقِدًا. [وَ] اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ شَرْطُ صِدْقِ الشَّهَادَةِ، وَالْمُنَافِقُونَ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا مُعْتَقِدِينَ رِسَالَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَانُوا كَاذِبِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ. وَهَذِهِ الْمُنَازَعَةُ لَفْظِيَّةٌ ; لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الِاصْطِلَاحِ. [المتواتر والآحاد] [مقدمة] ش - هَذَا تَقْسِيمٌ آخَرُ لِلْخَبَرِ. وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى خَبَرٍ يُعْلَمُ صِدْقُهُ، وَإِلَى خَبَرٍ يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَإِلَى خَبَرٍ لَا يُعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْ صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ. وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ مَا عُلِمَ صِدْقُهُ - إِمَّا ضَرُورِيٌّ أَوْ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ. وَالضَّرُورِيُّ إِمَّا ضَرُورِيٌّ بِنَفْسِ الْخَبَرِ بِتَكَرُّرِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، كَالْمُتَوَاتِرِ. أَوْ ضَرُورِيٌّ بِغَيْرِ نَفْسِ الْخَبَرِ، بَلْ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِلضَّرُورِيِّ. وَنَعْنِي بِالْمُوَافِقِ لِلضَّرُورِيِّ مَا يَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ وَتَكَرُّزٍ. وَغَيْرُ الضَّرُورِيِّ إِمَّا نَظَرِيٌّ كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرِ الرَّسُولِ وَالْإِجْمَاعِ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُلِمَ صِدْقُهُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ. وَإِمَّا مُوَافِقٌ لِلنَّظَرِ - وَهُوَ الْخَبَرُ الَّذِي عُلِمَ مُتَعَلَّقُهُ بِالنَّظَرِ - كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ حَادِثٌ. وَالثَّانِي - وَهُوَ مَا عُلِمَ كَذِبُهُ - هُوَ الْخَبَرُ الْمُخَالِفُ لِمَا عُلِمَ صِدْقُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 وَالثَّالِثُ: قَدْ يُظَنُّ صِدْقُهُ، كَخَبَرِ الْعَدْلِ. وَقَدْ يُظَنُّ كَذِبُهُ، كَخَبَرِ الْكَذَّابِ. وَقَدْ يُشَكُّ، كَالْمَجْهُولِ. ص - وَمَنْ قَالَ: كُلُّ خَبَرٍ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ فَكَذِبٌ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صِدْقًا لَنُصِبَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، كَخَبَرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ، فَاسِدٌ بِمِثْلِهِ فِي النَّقِيضِ. وَلُزُومُ كَذِبِ كُلِّ شَاهِدٍ، [وَكُفْرِ] كُلِّ مُسْلِمٍ. وَإِنَّمَا كَذَبَ الْمُدَّعِي لِلْعَادَةِ. ص - وَيَنْقَسِمُ إِلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ. فَالْمُتَوَاتِرُ خَبَرُ جَمَاعَةٍ مُفِيدٌ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ. وَقِيلَ " بِنَفْسِهِ "، لِيُخْرِجَ مَا عُلِمَ صِدْقُهُمْ فِيهِ بِالْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ عَادَةً وَغَيْرُهَا. ص - وَخَالَفَتِ السَّمْنِيَّةُ فِي إِفَادَةِ الْمُتَوَاتِرِ. وَهُوَ بُهْتٌ ; فَإِنَّا نَجِدُ الْعِلْمَ ضَرُورَةً بِالْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخُلَفَاءِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْبَارِ. وَمَا يُورِدُونَهُ مِنْ أَنَّهُ كَأَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْجُمْلَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْوَاحِدِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِأَحَدِ الِاعْتِبَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ، كَقَوْلِنَا: الْكُلُّ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنَ الْجُزْءِ. وَالثَّالِثُ - وَهُوَ مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ - قَدْ يُظَنُّ صِدْقُهُ، كَخَبَرِ الْعَدْلِ ; لِرُجْحَانِ صِدْقِهِ عَلَى كَذِبِهِ. وَقَدْ يُظَنُّ كَذِبُهُ كَخَبَرِ الْكَذَّابِ ; لِرُجْحَانِ كَذِبِهِ عَلَى صِدْقِهِ. وَقَدْ لَا يُظَنُّ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ، بَلْ يُشَكُّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ، كَخَبَرِ مَجْهُولِ الْحَالِ. ش - قَالَ قَوْمٌ: كُلُّ خَبَرٍ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ، لَا بِالضَّرُورَةِ وَلَا بِالنَّظَرِ وَالدَّلِيلِ، فَهُوَ كَذِبٌ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صِدْقًا لَمَا أَخْلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَصْبِ دَلِيلٍ كَاشِفٍ عَنْ صِدْقِهِ، كَخَبَرِ مَنِ ادَّعَى الرِّسَالَةَ ; فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ صِدْقًا نَصَبَ عَلَيْهِ الْمُعْجِزَةَ، وَإِذَا كَانَ كَذِبًا لَمْ تُنْصَبْ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ تَعَارَضَ بِمِثْلِهِ فِي نَقِيضِهِ، كَمَا يَقُولُ: لَوْ كَانَ [كَذِبًا] ، لَمَا أَخْلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَصْبِ دَلِيلٍ كَاشِفٍ عَنْ كَذِبِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا يَلْزَمُ كَذِبُ كُلِّ شَاهِدٍ، إِذَا لَمْ يُعْلَمُ صِدْقُهُ [وَكُفْرُ] كُلِّ مُسْلِمٍ. وَأَيْضًا الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَيَانِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهَا ; لِأَنَّ كَذِبَ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ لَيْسَ لِأَجْلِ عَدَمِ نَصْبِ دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ، بَلْ لِأَجْلِ الْعَادَةِ ; فَإِنَّ الرِّسَالَةَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِكَذِبِ الْخَبَرِ الْمُخَالِفِ لِلْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ لَا تَقْضِي بِكَذِبِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. [الخبر المتواتر] ش - هَذَا تَقْسِيمٌ آخَرُ لِلْخَبَرِ. وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ. وَالْمُتَوَاتِرُ لُغَةً مَجِيءُ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ بِفَتْرَةٍ بَيْنَهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا. أَيْ رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ بِفَتْرَةٍ بَيْنَهُمَا. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمُتَوَاتِرُ خَبَرُ جَمَاعَةٍ مُفِيدٌ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ. فَالْخَبَرُ كَالْجِنْسِ يَشْمَلُ الْمُتَوَاتِرَ وَغَيْرَهُ. وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى الْجَمَاعَةِ، يَخْرُجُ عَنْهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ. وَقَوْلُهُ: مُفِيدٌ الْعِلْمَ، يُخْرِجُ خَبَرَ جَمَاعَةٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، بَلِ الظَّنَّ. وَإِنَّمَا قَالَ: " بِنَفْسِهِ " لِيُخْرِجَ الْخَبَرَ الَّذِي عُلِمَ صِدْقُ الْمُخْبِرِينَ فِيهِ بِسَبَبِ الْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْمُتَوَاتِرِ عَادَةً، وَغَيْرَهَا. وَمَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْمُتَوَاتِرِ، الشَّرَائِطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُتَوَاتِرِ، كَمَا سَيُذْكَرُ. وَالْقَرَائِنُ الزَّائِدَةُ الْمُفِيدَةُ لِلْعَلَمِ قَدْ تَكُونُ عَادِيَّةً، كَالْقَرَائِنِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَنْ يُخْبِرُ عَنْ مَوْتِ وَالِدِهِ، مِنْ شَقِّ الْجُيُوبِ وَالتَّفَجُّعِ. وَقَدْ تَكُونُ عَقْلِيَّةً، كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ تَقْتَضِي الْبَدِيهَةُ أَوِ الِاسْتِدْلَالُ صِدْقَهُ. وَقَدْ تَكُونُ حِسِّيَّةً، كَالْقَرَائِنِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَنْ يُخْبِرُ عَنْ عَطَشِهِ. [إفادة المتواتر العلم] ش - أَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ. وَخَالَفَتِ السَّمْنِيَّةُ - وَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْهِنْدِ - فِي إِفَادَةِ الْمُتَوَاتِرِ الْعِلْمَ. وَهُوَ بُهْتٌ، أَيْ بَاطِلٌ. فَإِنَّ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ، سَوَاءٌ كَانَ إِخْبَارًا عَنْ أُمُورٍ مَوْجُودَةٍ فِي زَمَانِنَا، أَوْ أُمُورٍ مَاضِيَةٍ ; لِأَنَّا نَجِدُ بِالضَّرُورَةِ الْعِلْمَ بِالْبِلَادِ النَّائِيَةِ، كَمَكَّةَ وَبَغْدَادَ وَمِصْرَ، وَالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخُلَفَاءِ. وَمَا ذَلِكَ الْعِلْمُ إِلَّا مِنَ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 وَيُؤَدِّي إِلَى تَنَاقُضِ الْمَعْلُومِينَ، وَتَصْدِيقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي " لَا نَبِيَّ بَعْدِي "، وَبِأَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّرُورِيِّ وَبَيْنَهُ ضَرُورَةً، وَبِأَنَّ الضَّرُورِيَّ يَسْتَلْزِمُ الْوِفَاقَ، مَرْدُودٌ. ص - وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ. وَالْكَعْبِيُّ وَالْبَصْرِيُّ: نَظَرِيٌّ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ. لَنَا: لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا - لَافْتَقَرَ إِلَى تَوَسُّطِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَلَسَاغَ الْخِلَافُ فِيهِ عَقْلًا. ص - أَبُو الْحُسَيْنِ: لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا لَمَا افْتَقَرَ. وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ عِلْمِ أَنَّهُ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ. وَأَنَّهُمْ عَدَدٌ لَا حَامِلَ لَهُمْ. وَأَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِكَذِبٍ، فَيَلْزَمُ النَّقِيضُ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ. بَلْ إِذَا حَصَلَ، عُلِمَ أَنَّهُمْ لَا حَامِلَ لَهُمْ، لَا أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى سَبْقِ عِلْمِ ذَلِكَ. فَالْعِلْمُ بِالصِّدْقِ ضَرُورِيٌّ وَصُورَةُ التَّرْتِيبِ مُمْكِنَةٌ فِي كُلِّ ضَرُورِيٍّ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا - لَعُلِمَ أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ ضَرُورَةً. قُلْنَا: مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الشُّعُورِ بِالْعِلْمِ ضَرُورَةُ الشُّعُورِ بِصِفَتِهِ. ص - وَشَرْطُ الْمُتَوَاتِرِ تَعَدُّدُ الْمُخْبِرِينَ تَعَدُّدًا يَمْنَعُ الِاتِّفَاقَ وَالتَّوَاطُؤَ، مُسْتَنِدِينَ إِلَى الْحِسِّ، مُسْتَوِينَ فِي الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ. وَعَالِمِينَ، غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ الْجَمِيعُ فَبَاطِلٌ، وَإِنْ أُرِيدَ الْبَعْضُ فَلَازِمٌ مِمَّا قِيلَ. وَضَابِطُ الْعِلْمِ بِحُصُولِهَا، حُصُولُ الْعِلْمِ، لَا أَنَّ ضَابِطَ حُصُولِ الْعِلْمِ سَبَقَ الْعِلْمُ بِهَا. ص - وَقَطَعَ الْقَاضِي بِنَقْصِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَرَدَّدَ فِي الْخَمْسَةِ. وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: سَبْعُونَ. وَالصَّحِيحُ: يَخْتَلِفُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالسَّمْنِيَّةُ أَوْرَدُوا وُجُوهًا فِي بَيَانِ الْمُتَوَاتِرِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ. مِنْهَا: أَنَّ إِفَادَةَ الْخَبَرِ الْعِلْمَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى اتِّفَاقِ جَمْعٍ عَظِيمٍ عَلَى الْإِخْبَارِ بِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ، كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ خَبَرَ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَخَبَرُ الْجُمْلَةِ أَيْضًا لَا يُفِيدُ ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْوَاحِدِ، وَحُكْمُ الْجُمْلَةِ، حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَوَاتِرُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، لَأَدَّى إِلَى تَنَاقُضِ الْمَعْلُومِينَ لِأَنَّهُ إِذَا تَوَاتَرَ خَبَرٌ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ فِي وَقْتٍ، وَتَوَاتَرَ خَبَرٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يَلْزَمُ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ وَعَدَمِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ أَفَادَ الْمُتَوَاتِرُ الْعِلْمَ، لَزِمَ صِدْقُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي أَخْبَارِهِمْ عَنْ نَبِيِّهِمْ بِأَنَّهُ قَالَ: " لَا نَبِيَّ بَعْدِي ". وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى كَذِبِ هَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْهَا: أَنَّا نُفَرِّقُ بِالضَّرُورَةِ بَيْنَ الضَّرُورِيِّ وَبَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ ; لِأَنَّا إِذَا عَرَضْنَا عَلَى عُقُولِنَا أَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَعَرَضْنَا عَلَى عُقُولِنَا وُجُودَ جَالِينُوسَ وَجَدْنَا الْجَزْمَ بِالْأَوَّلِ أَقْوَى وَأَكْمَلَ مِنَ الْجَزْمِ بِالثَّانِي. فَلَوْ كَانَ الْمُتَوَاتِرُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ لَمْ يُوجَدِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْجَزْمَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا، لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ ; لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ يَسْتَلْزِمُ الْوِفَاقَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ مَرْدُودَةٌ. فَقَوْلُهُ: " وَمَا يُورِدُونَهُ " مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ " مَرْدُودٌ " خَبَرُهُ. أَمَّا رَدُّهُ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ فَإِنَّهَا تَشْكِيكٌ فِي الضَّرُورِيَّاتِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ فِي الْأَوَّلِ امْتِنَاعَ اجْتِمَاعِ جَمْعٍ عَظِيمٍ عَلَى الْأَخْبَارِ. وَلَا نُسَلِّمُ فِي الثَّانِي أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ، لَمْ يَكُنِ الْمَجْمُوعُ مُفِيدًا لَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ الْجُمْلَةِ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ ; فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْعَشَرَةِ أَنَّهُ جُزْءُ الْعَشْرَةِ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْعَشْرَةِ أَنَّهُ جُزْءُ الْعَشْرَةِ. وَلَا نُسَلِّمُ فِي الثَّالِثِ تَنَاقُضَ الْمَعْلُومَيْنِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ تَوَاتُرِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ يَمْتَنِعُ تَوَاتُرُ نَقِيضِهِ. وَلَا نُسَلِّمُ فِي الرَّابِعِ لُزُومَ صِدْقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ تَوَاتَرَ خَبَرُهُمْ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ الْقَاطِعَ دَلَّ عَلَى كَذِبِ خَبَرِهِمْ. وَخَبَرُ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ إِنَّمَا يَكُونُ مُتَوَاتِرًا إِذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ قَاطِعٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا نُسَلِّمُ فِي الْخَامِسِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا لَمْ يُوجَدِ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّرُورِيَّاتِ ; لِأَنَّ الضَّرُورِيَّاتِ قَدْ تَتَفَاوَتُ فِي الْجَزْمِ بِهَا. وَلَئِنْ سُلِّمَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ ; إِذْ حُصُولُ التَّفَاوُتِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ ضَرُورِيًّا، وَلَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ الَّذِي هُوَ الْمُتَنَازَعُ هَهُنَا. وَلَا نُسَلِّمُ فِي السَّادِسِ أَنَّ الضَّرُورِيَّ يَسْتَلْزِمُ الْوِفَاقَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّوفِسْطَائِيَّةَ يُنْكِرُونَ الضَّرُورِيَّاتِ. [إفادة المتواتر العلم ضروري أم لا] ش - الْقَائِلُونَ بِكَوْنِ الْمُتَوَاتِرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْحَاصِلِ عَقِيبَ التَّوَاتُرِ ضَرُورِيٌّ أَمْ لَا. فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ. وَالْكَعْبِيُّ وَالْبَصْرِيُّ عَلَى أَنَّهُ نَظَرِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ بِالْوَقْفِ. لَنَا أَنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الْمُتَوَاتِرِ لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا، لَافْتَقَرَ إِلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالْعِلْمِ ; لِأَنَّ النَّظَرِيَّ يَفْتَقِرُ إِلَى النَّظَرِ، وَهُوَ تَرْتِيبُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْبَدِيهِيَّةِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا، لَجَازَ الْخِلَافُ فِيهِ عَقْلًا ; لِأَنَّ النَّظَرِيَّ قَدْ يَكُونُ صَوَابًا وَقَدْ يَكُونُ خَطَأً. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ. قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ ; لِأَنَّ تَسْوِيغَ الْخِلَافِ عَقْلًا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ الَّتِي مُقَدِّمَاتُهَا نَظَرِيَّةٌ. وَأَمَّا الْعُلُومُ النَّظَرِيَّةُ الَّتِي مُقَدَّمَاتُهَا ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْخَطَأُ فِيهَا. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ ; لِأَنَّ [مِنْ] مُقَدَّمَاتِهِ عَدَمَ جَوَازِ الْكَذِبِ عَلَى الْجَمْعِ الْعَظِيمِ. وَمَبْنَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ [ثَمَّةَ] مَصْلَحَةً مُشْتَرَكَةً بِنَفْعِ الْجَمِيعِ، وَأَنْ لَا يَجُوزَ الْكَذِبُ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا جَازَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ نَظَرِيَّةٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ كَلَامٌ عَلَى الْمُسْتَنَدِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ الْمَطْلُوبِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْعِلْمَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ فَيَكُونُ نَظَرِيًّا. ش - قَالَ: قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ ضَرُورِيًّا لَمْ يَفْتَقِرْ حُصُولُ الْعِلْمِ بِصِدْقِهِ إِلَى تَوَسُّطِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ; لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ مَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى النَّظَرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ، وَأَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمُخْبِرِينَ جَمْعٌ عَظِيمٌ لَا دَاعِيَ لَهُمْ إِلَى تَوَافُقِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ. وَأَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ، أَيْ أَنَّ كُلَّ خَبَرٍ عَنْ مَحْسُوسٍ أَخْبَرَهُ جَمَاعَةٌ لَا دَاعِيَ لَهُمْ إِلَى تَوَافُقِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، لَا يَكُونُ كَذِبًا. وَأَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْخَبَرُ كَذِبًا، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَيَلْزَمُ [النَّقِيضُ] . أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، بَلْ إِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَا دَاعِيَ لَهُمْ عَلَى تَوَافُقِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ. لَا أَنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ يَفْتَقِرُ إِلَى سَبْقِ عِلْمِ تِلْكَ الْأُمُورِ، فَيَكُونُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْمُتَوَاتِرِ ضَرُورِيًّا لَمْ يُمْكِنْ صُورَةُ التَّرْتِيبِ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ التَّرْتِيبِ مُمْكِنَةٌ فِي كُلِّ ضَرُورِيٍّ، حَتَّى فِي أَجْلَى الْبَدِيهِيَّاتِ كَقَوْلِنَا: الشَّيْءُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ، بِأَنْ يُقَالَ: الْكَوْنُ [وَاللَّاكَوْنُ] مُتَقَابِلَانِ، وَالْمُتَقَابِلَانِ يَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِهِمَا. ش - الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ نَظَرِيًّا قَالُوا: لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْمُتَوَاتِرِ ضَرُورِيًّا لَعُلِمَ أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ ضَرُورَةً; إِذْ يَسْتَحِيلُ حُصُولُ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِالشَّيْءِ مَعَ عَدَمِ الشُّعُورِ بِضَرُورَتِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَجَابَ أَوَّلًا: بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا لَعُلِمَ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] نَظَرِيٌّ ضَرُورَةً ; لَاسْتَحَالَ كَوْنُ الشَّيْءِ نَظَرِيًّا مَعَ عَدَمِ الشُّعُورِ بِكَوْنِهِ نَظَرِيًّا. وَثَانِيًا: بِأَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ الشُّعُورَ بِالْعِلْمِ ضَرُورَةً، فَضْلًا عَنِ الشُّعُورِ بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ يَسْتَلْزِمُ الشُّعُورَ بِهِ ضَرُورَةً، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشُّعُورَ بِالْعِلْمِ ضَرُورَةً يَسْتَلْزِمُ الشُّعُورَ بِصِفَتِهِ ضَرُورَةً ; فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ وَصْفَتُهُ لَا يَكُونُ مَشْعُورًا بِهَا. [شروط المتواتر] ش - شَرْطُ الْمُتَوَاتِرِ بِحَسَبِ الْمُخْبِرِينَ أَنْ يَتَعَدَّدَ الْمُخْبِرُونَ تَعَدُّدًا يَمْنَعُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ. وَأَنْ يَكُونُوا مُسْتَنِدِينَ فِي أَخْبَارِهِمْ إِلَى الْحِسِّ لَا إِلَى دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ. وَأَنْ يَكُونُوا مُسْتَوِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي طَرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، أَيْ يَكُونُ طَرَفَاهُ وَالْوَسَطُ مُسْتَوِينَ فِي التَّعَدُّدِ وَالِاسْتِنَادِ إِلَى الْحِسِّ. وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُهُمْ: كَوْنَهُمْ عَالِمِينَ بِمَا أَخْبَرُوهُ وَهَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ. لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ عِلْمُ جَمِيعِهِمْ فَبَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ جَمِيعُهُمْ عَالِمِينَ، بَلْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ ظَانِّينَ، وَمَعَ هَذَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ. وَإِنْ أُرِيدَ عِلْمُ الْبَعْضِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَعَرُّضِهِ ; لِأَنَّ عِلْمَ الْبَعْضِ لَازِمٌ مِمَّا قِيلَ مِنَ الشُّرُوطِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي ; لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إِلَى الْحِسِّ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُحِسُّونَ عَالِمِينَ بِهِ. وَضَابِطُ الْعِلْمِ بِحُصُولِ هَذِهِ الْأُمُورِ حُصُولُ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ. فَإِنَّهُ إِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الشَّرَائِطَ حَصَلَتْ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْمُتَوَاتِرِ. لَا أَنَّ ضَابِطَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْمُتَوَاتِرِ سَبَقَ الْعِلْمَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْمُتَوَاتِرِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ. لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ. ش - اخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّ عَدَدٍ يَحْصُلُ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْخَبَرِ. فَمِنْهُمْ مَنْ عَيَّنَ عَدَدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعَيِّنْ. وَالْمُعَيِّنُونَ اخْتَلَفُوا فَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ نَاقِصٌ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِمْ. وَلِهَذَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إِلَى عَرْضِ الشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَا عَلَى الْمُزَكِّينَ. وَتَرَدَّدَ فِي الْخَمْسَةِ فِي أَنَّ أَخْبَارَهُمْ هَلْ يَكُونُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ أَوْ لَا؟ فَالسِّتَّةُ عِنْدَهُ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ جَزْمًا. وَقِيلَ: أَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ [عَدَدُ] نُقَبَاءِ مُوسَى. وَقِيلَ عِشْرُونَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65] أَوْجَبَ الْجِهَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ. وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالْجِهَادِ لِأَنَّهُمْ إِذَا أَخْبَرُوا حَصَلَ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] . نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَرْبَعِينَ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 وَضَابِطُهُ مَا حَصَلَ الْعِلْمُ عِنْدَهُ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِالْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، لَا مُتَقَدِّمًا وَلَا مُتَأَخِّرًا. وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَرَائِنِ التَّعْرِيفِ وَأَحْوَالِ الْمُخْبِرِينَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا وَإِدْرَاكِ الْمُسْتَمِعِينَ وَالْوَقَائِعِ. ص - وَشَرَطَ قَوْمٌ: الْإِسْلَامَ وَالْعَدَالَةَ ; لِأَخْبَارِ النَّصَارَى بِقَتْلِ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَجَوَابُهُ اخْتِلَالٌ فِي الْأَصْلِ وَالْوَسَطِ. وَشَرَطَ قَوْمٌ أَنْ لَا يَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ. وَقَوْمٌ اخْتِلَافَ النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْوَطَنِ. وَالشِّيعَةُ، الْمَعْصُومَ، دَفَعًا لِلْكَذِبِ. وَالْيَهُودُ أَهَّلَ الذِّلَّةِ، [فِيهِمْ] دَفَعًا لِلتَّوَاطُؤِ لِخَوْفِهِمْ. وَهُوَ فَاسِدٌ. ص - وَقَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْحُسَيْنِ: كُلُّ عَدَدٍ أَفَادَ خَبَرُهُمْ عِلْمًا بِوَاقِعَةٍ لِشَخْصٍ [فَمِثْلُهُ يُفِيدُ بِغَيْرِهَا لِشَخْصٍ،] صَحِيحٌ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُ الْأَرْبَعِينَ مُفِيدَ الْعَلَمِ، لَمْ يُخْتَصَرْ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: سَبْعُونَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمُتَمَسَّكَاتِ تَقْيِيدَاتٌ، لَا تَعَلُّقَ لِلْمُتَوَاتِرِ بِهَا، فَلَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمُخْبِرِينَ وَالْوَقَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَضَابِطُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ حُصُولُ الْعِلْمِ بِصِدْقِ خَبَرِهِمْ ; فَإِنَّ كُلَّ عَدَدٍ حَصَلَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْخَبَرِ، كَانَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ أَنَّا نَقْطَعُ بِحُصُولِ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ. مِثْلَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمِصْرَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخُلَفَاءِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ قَبْلَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَا بَعْدَهُ. فَلَوْ كَانَ عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بِصِدْقِ الْخَبَرِ، لَمْ يَحْصُلِ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْخَبَرِ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ. وَيَخْتَلِفُ الْعَدَدُ الَّذِي يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْخَبَرِ عِنْدَهُ بِاخْتِلَافِ قَرَائِنِ التَّعْرِيفِ، مِثْلَ الْهَيْئَاتِ [الْمُقَارِنَةِ] لِلْخَبَرِ الْمُوجِبَة لِتَعْرِيفِ مُتَعَلِّقِهِ. وَلِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُخْبِرِينَ فِي اطِّلَاعِهِمْ عَلَى قَرَائِنِ التَّعْرِيفِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِاخْتِلَافِ إِدْرَاكِ الْمُسْتَمِعِينَ لِتَفَاوُتِ الْأَذْهَانِ وَالْقَرَائِحِ. وَلِاخْتِلَافِ الْوَقَائِعِ فِي عِظَمِهَا وَحَقَارَتِهَا. ش - هَذِهِ هِيَ الشَّرَائِطُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ. شَرَطَ قَوْمٌ الْإِسْلَامَ وَالْعَدَالَةَ فِي الْمُخْبِرِينَ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ وَالْفِسْقَ عُرْضَةٌ لِلْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ، وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ يَمْنَعَانِهِ. وَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلِ الْعِلْمُ بِأَخْبَارِ النَّصَارَى بِقَتْلِ الْمَسِيحِ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ; لِأَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ إِذَا أَخْبَرُوا بِوَاقِعَةٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ خَبَرِهِمْ. إِنَّمَا لَمْ يَحْصُلِ الْعِلْمُ بِأَخْبَارِ النَّصَارَى لِاخْتِلَالٍ فِي الْأَصْلِ، أَيِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الطَّبَقَةِ الْأَوْلَى، لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ مِنْ بُعْدٍ، أَوْ بَعْدَ صَلْبٍ فَشُبِّهَ لَهُمْ، وَلِاخْتِلَالٍ فِي الْوَسَطِ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ. وَشَرَطَ قَوْمٌ أَنْ لَا يَحْصُرَهُمْ عَدَدٌ وَأَنْ لَا يَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ أَهْلَ الْجَامِعِ لَوْ أَخْبَرُوا عَنْ سُقُوطِ الْمُؤَذِّنِ عَنِ الْمَنَارَةِ فِيمَا بَيْنَ الْخَلْقِ لَكَانَ إِخْبَارُهُمْ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ، فَضْلًا عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ. وَشَرَطَ قَوْمٌ اخْتِلَافَ دِينِهِمْ وَنَسَبِهِمْ وَوَطَنِهِمْ لِتَنْدَفِعَ التُّهْمَةُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ التُّهْمَةَ لَوْ حَصَلَتْ لَمْ يَحْصُلِ الْعِلْمُ، سَوَاءٌ كَانُوا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَمِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ وَفِي وَطَنٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، وَإِنِ ارْتَفَعَتْ حَصَلَ الْعِلْمُ كَيْفَ كَانُوا. وَشَرَطَ الشِّيعَةُ وُجُودَ الْمَعْصُومِ فِي الْمُخْبِرِينَ لِئَلَّا يَتَّفِقُوا عَلَى الْكَذِبِ. وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمُفِيدَ حِينَئِذٍ قَوْلُ الْمَعْصُومِ، لَا خَبَرُ أَهْلِ التَّوَاتُرِ. وَشَرَطَ الْيَهُودُ وُجُودَ أَهْلِ الذِّلَّةِ فِي الْمُخْبِرِينَ دَفْعًا لَتَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ ; لِأَنَّ أَهْلَ الْعِزَّةِ لَا خَوْفَ لَهُمْ، فَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَرُّوا عَلَى الْكَذِبِ، وَأَهْلُ الذِّلَّةِ أَهَّلُ الْخَوْفِ لَا يَجْتَرُّونَ عَلَى الْكَذِبِ. وَهُوَ فَاسِدٌ ; لِأَنَّ أَهْلَ الذِّلَّةِ لِخِسَّتِهِمْ لَا يَنْتَهُونَ عَنِ الْكَذِبِ، وَأَهْلَ الْعِزَّةِ لِشَرَفِهِمْ لَا يُقْدِمُونَ عَلَى الْكَذِبِ. ش - قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْحُسَيْنِ: كُلُّ عَدَدٍ أَفَادَ خَبَرُهُمْ فِي وَاقِعَةٍ عِلْمًا لِشَخْصٍ، فَمِثْلُ ذَلِكَ الْعَدَدِ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عِلْمًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ لِشَخْصٍ آخَرَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْحُسَيْنِ صَحِيحٌ إِنْ تَسَاوَيَا، أَيِ الْعَدَدَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنَ الْقَرَائِنِ الْعَائِدَةِ إِلَى الْخَبَرِ وَالْمُخْبِرِينَ وَالسَّامِعِينَ. وَاسْتِوَاءِ الْعَدَدَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مُسْتَبْعَدٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. [إِذَا اخْتَلَفَ التَّوَاتُرُ فِي الْوَقَائِعِ] ش - هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي خَبَرِ [التَّوَاتُرِ] مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. إِذَا وَقَعَ أَخْبَارٌ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ جَمْعٍ بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ فِي وَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فِي أَمْرٍ دَاخِلٍ أَوْ لَازِمٍ، يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ تَضَمُّنًا أَوِ الْتِزَامًا، مَعْلُومًا. وَذَلِكَ كَالْوَقَائِعِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 [بِشَرْطِ] أَنْ يَتَسَاوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَذَلِكَ بَعِيدٌ عَادَةً. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا اخْتَلَفَ التَّوَاتُرُ فِي الْوَقَائِعِ - فَالْمَعْلُومُ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِتَضَمُّنٍ أَوِ الْتِزَامٍ، كَوَقَائِعِ حَاتِمٍ وَعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ص - خَبَرُ الْوَاحِدِ: مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى التَّوَاتُرِ. وَقِيلَ: مَا أَفَادَ الظَّنُّ. وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِخَبَرٍ لَا يُفِيدُ الظَّنَّ. وَالْمُسْتَفِيضُ: مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِالْقَرَائِنِ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ. وَقِيلَ: وَبِغَيْرِ قَرِينَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: وَيَطَّرِدُ. وَالْأَكْثَرُ: لَا بِقَرِينَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا. ص - لَنَا: لَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ - لَكَانَ عَادِيًّا، فَيَطَّرِدُ. وَلَأَدَّى إِلَى تَنَاقُضِ الْمَعْلُومِينَ. وَلَوَجَبَ تَخْطِئَةُ الْمُخَالِفِ. وَأَمَّا حُصُولُهُ بِقَرِينَةٍ فَلَوْ أَخْبَرَ مَلِكٌ بِمَوْتِ [وَلَدٍ] مُشْرِفٍ مَعَ صُرَاخٍ وَجِنَازَةٍ وَانْتِهَاكِ حَرِيمٍ وَنَحْوِهِ - لَقَطَعْنَا بِصِحَّتِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْقَرَائِنِ. وُرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَرُ - لَجَوَّزْنَا مَوْتَ آخَرَ. ص - قَالُوا: [أَدِلَّتُكُمْ تَأْبَاهُ] . قُلْنَا: انْتَفَى الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ مُطَّرِدٌ فِي مِثْلِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَنْ حَاتِمٍ ; فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا، إِلَّا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ - وَهُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْجُودُ - صَارَ مُتَوَاتِرًا. وَإِسْنَادُ الِاخْتِلَافِ إِلَى التَّوَاتُرِ مَجَازٌ ; لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْحَقِيقَةِ [مُسْنَدٌ] إِلَى الْوَقَائِعِ الْمُتَضَمِّنَةِ أَوِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ. [خبر الواحد] [تعريف خبر الواحد] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمُتَوَاتِرِ شَرَعَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَهُوَ خَبَرٌ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ، إِمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُخْبِرُ جَمَاعَةً، أَوْ يَكُونَ وَلَكِنْ لَمْ يُفِدْ أَخْبَارُهُمُ الْعِلْمُ، أَوْ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَلَكِنْ لَا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْمُتَوَاتِرِ. وَقِيلَ: خَبَرُ الْوَاحِدِ: خَبَرٌ أَفَادَ الظَّنَّ. وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا يُفِيدُ الظَّنَّ عَنْهُ، وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِالِاتِّفَاقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْخَبَرُ الْمُسْتَفِيضُ، أَيِ الْمَشْهُورُ: مَا زَادَ نَقْلَتُهُ، أَيْ رُوَاتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. [حصول الْعِلْم بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ] ش - ذَكَرَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ سِتَّ مَسَائِلَ: الْأُولَى: خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَرِينَةٌ أَوْ لَا. فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْقَرِينَةُ لِلتَّعْرِيفِ، كَمُوَافَقَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، أَوْ خَبَرِ الصَّادِقِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أَوْ تَكُونَ الْقَرِينَةُ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ، كَالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ الْخَبَرِ، مِثْلَ الْبُكَاءِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَالتَّفَجُّعِ. فَالْخَبَرُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ قَرِينَةٌ لِلتَّعْرِيفِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إِفَادَةِ الْعِلْمِ بِصِدْقِهِ ; فَإِنَّ الْمُفِيدَ لِلْعِلْمِ بِصِدْقِهِ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ الَّذِيَ يَقْتَضِي الْعِلْمَ بِمُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ قَرِينَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ، فَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَقِيلَ: كَمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرٍ مَعَ الْقَرِينَةِ، يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ أَيْضًا. وَقَالَ أَحْمَدُ: وَيَطَّرِدُ، أَيْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ قَرِينَةٌ أَوْ لَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَكْثَرُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ لَا بِقَرِينَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ. وَثَانِيًا عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ بِالْقَرِينَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ، لَكَانَ الْعِلْمُ عَادِيًّا ; إِذِ الْعَقْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِ مَا لِأَجْلِهِ أَفَادَ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْعِلْمَ. وَلَوْ كَانَ عَادِيًّا لَكَانَ مُطَّرِدًا، أَيْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ بِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْعَادَةِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ الْعَدْلِ، مُتَحَقِّقٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي خَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ، فَيَلْزَمُ مِنَ الشَّرْطِيَّتَيْنِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَوْ كَانَ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ لَحَصَلَ الْعِلْمُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. الثَّانِي: أَنَّ خَبَرَهُ لَوْ كَانَ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ لَزِمَ تَنَاقُضَ الْمَعْلُومِينَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ وَاحِدٌ عَنْ شَيْءٍ وَآخَرُ عَنْ نَقِيضِهِ، يَلْزَمُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقِيضَيْنِ. الثَّالِثُ: لَوْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ لَوَجَبَ تَخْطِئَةُ مُخَالِفِهِ ; بِوُجُوبِ تَخْطِئَةِ مُخَالِفِ الْيَقِينِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي - وَهُوَ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ بِالْقَرِينَةِ - ; فَلِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ مَلِكٌ بِمَوْتِ وَلَدِهِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَوْتِ مَعَ صُرَاخٍ، أَيْ صَوْتٍ، وَجِنَازَةٍ، وَانْتِهَاكِ حَرِيمٍ وَنَحْوِهِ، كَخُرُوجِ نِسَائِهِ عَلَى أَحْوَالٍ مُسْتَقْبَحَةٍ مُعْتَادَةٍ فِي مَوْتِ مِثْلِهِ، لَقَطَعْنَا بِصِحَّةِ خَبَرِهِ. وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ بِالْقَرَائِنِ لَا بِخَبَرِ الْمَلِكِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَرُ بِمَوْتِهِ، لَجَوَّزْنَا مَوْتَ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرِ وَلَدِهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْقَرَائِنِ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُفِيدَ لِلْعِلْمِ هُوَ الْخَبَرُ مَعَ الْقَرَائِنِ. ش - هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، قَائِمَةٍ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ مَعَ الْقَرِينَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الثَّلَاثَةَ هَهُنَا مُنْتَفِيَةٌ. أَمَّا انْتِفَاءُ الْأَوَّلِ ; فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَعَ الْقَرِينَةِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ خَبَرَ كُلِّ عَدْلٍ مَعَ الْقَرِينَةِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الثَّانِي، فَلِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ خَبَرُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ مَعَ الْقَرِينَةِ يَسْتَحِيلُ حُصُولُ مِثْلِ ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي نَقِيضِهِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ ; فَلِأَنَّ انْتِفَاءَ التَّالِي مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّا نَحْكُمُ بِوُجُوبِ تَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ قَرِينَةٌ أَوْ لَا، مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ، قَالُوا: لَوْ لَمْ يُفِدْ خَبَرُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ الْعِلْمَ، لَمَّا جَازَ اتِّبَاعُهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدِ الْعِلْمَ، فَلَا يَخْلُوا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ أَمْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُفِدِ الظَّنَّ لَمْ يَجُزِ اتِّبَاعُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ أَفَادَ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا اتِّبَاعُهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: 116] فَنَهَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَنِ اتِّبَاعِ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ. وَذَمَّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى مُتَابَعَةِ الظَّنِّ. أَجَابَ أَوَّلًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي. فَإِنَّا لَا نَتَّبِعُ خَبَرَ الْوَاحِدِ، بَلِ الْمُتَّبَعُ الْإِجْمَاعُ الدَّالُّ عَلَى كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً، وَهُوَ قَطْعِيٌّ. قِيلَ عَلَيْهِ: إِنَّ اتِّبَاعَ الْإِجْمَاعِ فِي كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ مُفِيدًا بِدُونِ الْإِجْمَاعِ فَالْجَوَابُ لَمْ يَدْفَعْ مَا تَمَسَّكَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ لَمْ يَجُزِ اتِّبَاعُهُ، فَثَبَتَ الْمُلَازَمَةُ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَمْنَعِ الْمُلَازَمَةَ، بَلْ مَنَعَ انْتِفَاءَ التَّالِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 وَانْتَفَى الثَّانِي ; لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ حُصُولُ مِثْلِهِ فِي النَّقِيضِ. وَانْتَفَى الثَّالِثُ ; لِأَنَّا نُخَطِّئُ الْمُخَالِفَ لَوْ وَقَعَ. ص - قَالُوا: [قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -:] وَلَا تَقْفُ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ. فَنَهَى وَذَمَّ، فَدَلَّ [عَلَى] أَنَّهُ مَمْنُوعٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ الْإِجْمَاعُ. وَبِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ فِيمَا الْمَطْلُوبُ فِيهِ الْعِلْمُ مِنَ الدِّينِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ - لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا. لَنَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا سَمِعَهُ، أَوْ مَا فَهِمَهُ، أَوْ كَانَ [قَدْ] بَيَّنَهُ، أَوْ رَأَى تَأْخِيرَهُ، أَوْ مَا عَلِمَهُ، أَوْ [صَغَّرَهُ] . ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ [كَذِبًا]- لَعَلِمُوهُ، وَلَا حَامِلَ عَلَى السُّكُوتِ، فَهُوَ صَادِقٌ قَطْعًا لِلْعَادَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَقَدْ شَارَكَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ وَاحِدٌ بِقَتْلِ خَطِيبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَدِينَةٍ - فَهُوَ كَاذِبٌ قَطْعًا. خِلَافًا لِلشِّيعَةِ. لَنَا: الْعِلْمُ عَادَةً. وَلِذَلِكَ نَقْطَعُ بِكَذِبِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْقُرْآنَ عُورِضَ. ص - قَالُوا: الْحَوَامِلُ الْمُقَدَّرَةُ كَثِيرَةٌ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْقُلِ النَّصَارَى كَلَامَ الْمَسِيحِ فِي الْمَهْدِ. وَنُقِلَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، وَتَسْبِيحُ الْحَصَى، وَحَنِينُ الْجِذْعِ، وَتَسْلِيمُ الْغَزَالَةِ، وَإِفْرَادُ الْإِقَامَةِ، وَإِفْرَادُ الْحَجِّ، وَتَرْكُ الْبَسْمَلَةِ، آحَادًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ خَلْقٍ - فَقَدْ نُقِلَ قَطْعًا، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، وَاسْتُغْنِيَ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ أَشْهَرُهَا. وَأَمَّا الْفُرُوعُ - فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّبَعُ خَبَرَ الْوَاحِدِ، بَلْ يَكُونُ الْمُتَّبَعُ مَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ. وَثَانِيًا: الِاتِّبَاعُ فِي الْآيَتَيْنِ مُئَوَّلٌ فِيمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فِيهِ الْعِلْمُ مِنَ الدِّينِ، أَيْ: فِي الْمَطَالِبِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَمَلِ، كَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَوَحْدَتِهِ. فَإِنَّ الْمَسَائِلَ الْعِلْمِيَّةَ لَا يَجُوزُ فِيهَا اتِّبَاعُ الظَّنِّ. وَالْمُخَصِّصُ الْإِجْمَاعُ الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِيمَا هُوَ مِنَ الْفُرُوعِ. [إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَة الرسول وَلَمْ يُنْكِرْهُ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَدُلَّ عَدَمُ إِنْكَارِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى صِدْقِ ذَلِكَ الْخَبَرِ قَطْعًا. لَنَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ مِنْهُ، أَوْ سَمِعَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ، أَوْ فَهِمَهُ وَبَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ فَلَمْ يَحْتَجْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَى الْإِنْكَارِ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهُ وَرَأَى مَصْلَحَةً فِي تَأْخِيرِ تَكْذِيبِهِ، أَوْ مَا عَلِمَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذِبَ خَبَرُهُ لِكَوْنِهِ دُنْيَوِيًّا، أَوِ اسْتَصْغَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذِبَهُ. [إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ] ش - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ فِي حَضْرَةِ جَمْعٍ عَظِيمٍ، وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ، وَبَلَغَ كَثْرَتُهُمْ إِلَى حَدِّ عِلْمِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَبَرُ كَذِبًا لَعَلِمُوهُ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَامِلَ لَهُمْ عَلَى السُّكُوتِ، فَهُوَ صَادِقٌ قَطْعًا ; لِلْعَادَةِ. [إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ بِخَبَرٍ عَنْ شَيْءٍ يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَقَدْ شَارَكَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الشَّيْءِ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ شَخْصٌ وَاحِدٌ بِالْخَبَرِ عَنْ قَتْلِ خَطِيبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَدِينَةٍ، فَهُوَ كَاذِبٌ قَطْعًا عِنْدَنَا. خِلَافًا لِلشِّيعَةِ. لَنَا: الْعِلْمُ بِكَذِبِ مِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ; لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى نَقْلِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاقِعًا وَقَدْ شَارَكَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِيهِ، لَنَقَلُوا. فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ غَيْرُهُ عُلِمَ كَذِبُهُ قَطْعًا. وَلِذَلِكَ نَقْطَعُ بِكَذِبِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْقُرْآنَ عُورِضَ، لِأَنَّهَا مِمَّا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. فَلَوْ كَانَتِ الْمُعَارَضَةُ وَاقِعَةً لَنُقِلَتْ إِلَيْنَا. ش - قَالَتِ الشِّيعَةُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ خَبَرَ الْمُنْفَرِدِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَوْ كَانَ صِدْقًا، لَنُقِلَ لِكَثْرَةِ الْمُشَاهِدِينَ ; لِجَوَازِ أَنْ لَا يَنْقُلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ لِأَغْرَاضٍ حَامِلَةٍ عَلَى كِتْمَانِ مَا جَرَى بِحُضُورِهِمْ ; لِأَنَّ الْحَوَامِلَ الْمُقَدَّرَةِ كَثِيرَةٌ، كَغَرَضٍ يَعُودُ إِلَى الْكُلِّ فِي أَمْرِ الْبَلَدِ وَإِصْلَاحِ الْمَعَاشِ، أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ غَالِبٍ، أَوْ مَلِكٍ قَاهِرٍ، أَوْ أَغْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ عَائِدٌ كُلٌّ مِنْهَا إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْمُشَاهِدِينَ، فَحَمَلَتْهُمْ عَلَى الْكِتْمَانِ وَالْإِخْفَاءِ. وَالَّذِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى لَمْ يَنْقُلُوا كَلَامَ الْمَسِيحِ فِي الْمَهْدِ، مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. وَأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةَ عَلَى يَدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّتِي هِيَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 وَإِنْ سُلِّمَ - فَاسْتُغْنِيَ لِكَوْنِهِ مُسْتَمِرًّا، أَوْ كَانَ الْأَمْرَانِ شَائِعَيْنِ. ص - مَسْأَلَةٌ: التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ جَائِزٌ عَقْلًا. خِلَافًا لِلْجِبَائِيِّ. لَنَا: الْقَطْعُ بِذَلِكَ. ص - قَالُوا: يُؤَدِّي إِلَى تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَعَكْسِهِ. قُلْنَا: إِنْ كَانَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا، فَالْمُخَالِفُ سَاقِطٌ، كَالتَّعَبُّدِ بِالْمُفْتَى وَالشَّهَادَةِ. وَإِلَّا فَلَا يُرَدُّ. وَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْوَقْفُ أَوِ التَّخْيِيرُ يَدْفَعُهُ. ص - قَالُوا: لَوْ جَازَ - لَجَازَ التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ. قُلْنَا: لِلْعِلْمِ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ كَاذِبٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ [الْعَدْلِ] . خِلَافًا لِلْقَاسَانِيِّ، وَابْنِ دَاوُدَ، وَالرَّافِضَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتَسْبِيحُ الْحَصَى فِي يَدِهِ، وَحَنِينُ الْجِذْعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَيْهِ، وَتَسْلِيمُ الْغَزَالَةِ عَلَيْهِ، وَإِفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَإِفْرَادُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْحَجِّ، وَتَرْكُ الْبَسْمَلَةِ، نُقِلَتْ جَمِيعُهَا آحَادًا، مَعَ أَنَّهَا مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. أَجَابَ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِامْتِنَاعِ اشْتِرَاكِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ فِي الْحَامِلِ عَلَى الْكِتْمَانِ، كَمَا تَقْضِي بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ عَلَى أَكْلٍ وَاحِدٍ. وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِشْهَادِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْتُمْ; لِأَنَّ كَلَامَ عِيسَى فِي الْمَهْدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِحُضُورِ جَمْعٍ عَظِيمٍ فَلَمْ يَرُدَّ نَقْضًا. وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ عَظِيمٍ نُقِلَ نَقْلًا قَطْعِيًّا أَوَّلًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلِيلِ، ثُمَّ لَمْ يُنْقَلْ بَعْدَ ذَلِكَ لِاشْتِمَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، فَاسْتُغْنِيَ عَنِ اسْتِمْرَارِ نَقْلِهِ بِالْقُرْآنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَذَلِكَ الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْبَعَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى يَدِ الرَّسُولِ، لَمْ تُنْقَلْ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَفَّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا ; فَإِنَّ عِنْدَ وُجُودِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ، ضَعُفَ دَوَاعِي نَقْلِ الْمُعْجِزَاتِ الْأُخَرِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ صِدْقُ رِسَالَتِهِ، قَدْ حَصَلَ بِالْقُرْآنِ، فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِالْقُرْآنِ عَنِ اسْتِمْرَارِ نَقْلِ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ مُتَوَاتِرًا. وَأَمَّا الْفُرُوعُ الَّتِي هِيَ إِفْرَادُ الْإِقَامَةِ، وَإِفْرَادُ الْحَجِّ، وَتَرْكُ الْبَسْمَلَةِ فَلَيْسَتْ مِمَّا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تُوَفُّرَ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، فَإِنَّمَا لَمْ تُنْقَلْ هَذِهِ الْأُمُورُ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا لِكَوْنِهِ مُسْتَمِرًّا فِي الْأَنَامِ أَوْ فِي الْأَعْوَامِ، فَاسْتُغْنِيَ بِاسْتِمْرَارِهَا عَنْ نَقْلِهَا مُتَوَاتِرًا. أَوْ كَانَ الْأَمْرَانِ، أَيْ إِفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتُهَا، وَإِفْرَادُ الْحَجِّ وَقِرَانُهُ، وَالْبَسْمَلَةُ وَتَرْكُهَا، شَائِعِينَ، فَنَقَلَ كُلٌّ بَعْضَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَتَوَاتَرْ لِذَلِكَ. [التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ] ش - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّعَبُّدَ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ عَقْلًا، أَيْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَقْلًا أَنْ يَقُولَ الرَّسُولُ: إِذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِحَدِيثٍ [عَنِّي] وَظَنَنْتُمْ صِدْقَهُ فَاعْمَلُوا بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَخَالَفَهُمُ الْجِبَائِيُّ. لَنَا: أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا وُرُودَ الشَّرْعِ بِالتَّعَبُّدِ بِهِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا، فَيَكُونُ جَائِزًا عَقْلًا ; إِذْ لَا يُعْنَى بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ إِلَّا ذَلِكَ. ش - الْجِبَائِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ قَالُوا: لَوْ جَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَقْلًا، لَأَدَّى إِلَى تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَعَكْسِهِ، أَيْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ إِذَا جَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَقْلًا، جَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ عَقْلًا; إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. وَإِذَا جَازَ عَقْلًا التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ كُلِّ عَدْلٍ وَاحِدٍ، أَدَّى إِلَى تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَعَكْسِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحُرْمَةِ فِعْلٍ وَآخَرُ بِحَلِّهِ، وَجَازَ التَّعَبُّدُ بِهِ عَقَلَا، فَيُؤَدِّي إِلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِهِمَا، فَيَلْزَمُ تَحْلِيلُ مَا حُرِّمَ، وَبِالْعَكْسِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُصِيبَ فِي الِاجْتِهَادِ إِنْ كَانَ وَاحِدًا، فَلَا نُسَلِّمُ تَحْلِيلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَا حُرِّمَ وَعَكْسُهُ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْمُصِيبِ حِينَئِذٍ هُوَ الثَّابِتُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِحُكْمِ الْمُصِيبِ لَيْسَ هُوَ بِحُكْمٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ مَأْمُورًا بِالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ، كَمَا فِي التَّعَبُّدِ بِالْإِفْتَاءِ وَشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ ; فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ خَطَأً. وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ تَحْرِيمُ مَا حَلَّ وَعَكْسُهُ ; لِأَنَّ حُكْمَهُمَا لَيْسَ هُوَ بِحَكَمٍ ثَابِتٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ; أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ إِمَّا الْحِلُّ أَوِ الْحُرْمَةُ. وَأَنْ كَانَ [كُلُّ] مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا فَلَا يَرِدُ أَيْضًا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَعَكْسِهِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ ثَابِتٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. قَوْلُهُ: " وَإِنْ تَسَاوَيَا " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ رَاجِحًا وَالْآخَرُ مَرْجُوحًا، لِيَلْزَمَ سُقُوطُ الْمَرْجُوحِ الْمُخَالِفِ لِلصَّوَابِ الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْخَبَرَانِ تَسَاوَيَا، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ الْمَذْكُورُ. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ اجْتِمَاعَ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ تَسَاوِي الْخَبَرَيْنِ ; فَإِنَّ عِنْدَ تَسَاوِي الْخَبَرَيْنِ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرُّجْحَانُ، كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضٍ. أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضٍ. وَالتَّخْيِيرُ أَوِ الْوَقْفُ يَمْنَعُ لُزُومَ اجْتِمَاعِ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْجِبَائِيَّةُ قَالُوا أَيْضًا: لَوْ جَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَجَازَ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنِ الْبَارِي تَعَالَى بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِخَبَرٍ عَنِ اللَّهِ بِإِرْسَالِهِ بِدُونِ مُعْجِزَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِجَوَازِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ هُوَ الظَّنُّ بِالصِّدْقِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ. أَجَابَ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّهُ عُلِمَ عَادَةً أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرِّسَالَةِ كَاذِبٌ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَةٌ مُصَدِّقَةٌ لَهُ فَلَمْ يَجُزِ التَّعَبُّدُ بِهِ لِذَلِكَ. بِخِلَافِ خَبَرِ الْعَدْلِ عَنِ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ بِالْعَادَةِ كَذِبُهُ بِدُونِ مُصَدِّقٍ لَهُ، فَجَازَ التَّعَبُّدُ بِهِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. [وجوب الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ] ش - الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ التَّعَبُّدِ بِهِ. فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى وُجُوبِهِ. وَذَهَبَ الْقَاسَانِيُّ، وَابْنُ دَاوُدَ، وَالرَّافِضَةُ إِلَى حُرْمَةِ التَّعَبُّدِ بِهِ. وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ التَّعَبُّدِ بِهِ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّعَبُّدِ ثَبَتَ سَمْعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 وَالْجُمْهُورُ بِالسَّمْعِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَالْقَفَّالُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَالْبَصْرِيُّ: بِالْعَقْلِ. لَنَا: تَكَرَّرَ الْعَمَلُ بِهِ كَثِيرًا فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ شَائِعًا ذَائِعًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَذَلِكَ يَقْضِي بِالِاتِّفَاقِ عَادَةً، كَالْقَوْلِ قَطْعًا. ص - قَوْلُهُمْ: لَعَلَّ الْعَمَلَ بِغَيْرِهَا. قُلْنَا: عُلِمَ قَطْعًا مِنْ سِيَاقِهَا أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ أَحْمَدُ، وَالْقَفَّالُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: ثَبَتَ بِالْعَقْلِ أَيْضًا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ سَمْعًا بِأَنَّهُ تَكَرَّرَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَثِيرًا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ شَائِعًا ذَائِعًا، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ. وَذَلِكَ، أَيْ تَكَرَّرَ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لِأَحَدٍ يَقْضِي عَادَةً بِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ يَدُلُّ قَطْعًا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ تَكَرُّرُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ سَمْعًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ الْجَوَازِ سَمْعًا وَالْوُجُوبِ سَمْعًا. فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْعَمَلِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ. ش - قَالَتِ الْخُصُومُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، بَلْ لَعَلَّهُمْ عَمِلُوا بِغَيْرِهَا حِينَ سَمِعُوهَا، فَلَا يَنْهَضُ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ عُلِمَ قَطْعًا مِنْ سِيَاقِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ، وَبِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُمْ عَمِلُوا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْأَخْبَارِ. وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنِ اطَّلَعَ عَلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. ش - قَالَتِ الْخُصُومَ أَيْضًا: سَلَّمْنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَكِنَّ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ إِذَا لَمْ يُنْكَرِ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَنْكَرُوا الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 ص - قَوْلُهُمْ: فَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَبَرَ الْمُغِيرَةِ [فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ] حَتَّى رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. وَأَنْكَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَبَرَ أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ [الْخُدْرِيُّ] . وَأَنْكَرَ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ. وَأُجِيبَ: [إِنَّمَا] أَنْكَرُوا عِنْدَ الِارْتِيَابِ. ص - قَالُوا: لَعَلَّهَا أَخْبَارٌ مَخْصُوصَةٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنْهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْكَرَ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدْسَ، حَتَّى قَرَنَ بِهِ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَمِنْهَا: أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ خَبَرَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: " «إِذَا أَسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ عَلَى صَاحِبِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ثَلَاثًا [فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ] فَلْيَنْصَرِفْ» ". حَتَّى رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ. وَأَيْضًا: أَنْكَرَ عُمَرُ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي السُّكْنَى، وَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصْدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ. وَمِنْهَا: أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِنْكَارَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ [لِمَنْ] عَمِلُوا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْفِيقِ فَيَكُونُ إِنْكَارُهُمُ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الِارْتِيَابِ فِي عَدَالَةِ الرَّاوِي، أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ. وَعَمَلُهُمْ بِخَبَرٍ جَامِعٍ لِشَرَائِطِ الْعَمَلِ بِهِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا. ش - قَالُوا أَيْضًا: لَعَلَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي عَمِلُوا بِهَا أَخْبَارٌ مَخْصُوصَةٌ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا. أَجَابَ بِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا لِأَجْلِ ظُهُورِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ صَادِقَةً ; لَا بِخُصُوصِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ ; فَحَيْثُ تَحَقَّقَ ظُهُورُ الصِّدْقِ وَجَبَ الْعَمَلُ. ش - هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. تَوْجِيهُهُ أَنَّهُ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ كَانَ يُنْفِذُ آحَادَ الصَّحَابَةِ إِلَى النَّوَاحِي وَالْقَبَائِلِ لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَالْأَحْكَامِ. فَلَوْ لَمْ يَجِبِ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَمَا كَانَ لِبَعْثَتِهِمْ فَائِدَةٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْمَبْعُوثِينَ مُفْتُونَ، وَالْمَبْعُوثُ إِلَيْهِمْ، الْعَوَامُّ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَوَامِّ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُفْتِي، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. ش - اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ. أَمَّا التَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ الْأُولَى، فَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْحَذَرَ بِإِنْذَارِ طَائِفَةٍ مِنْ فِرْقَةٍ ; لِأَنَّ لَعَلَّ لِلتَّرَجِّي، وَهُوَ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّلَبِ. وَإِنْذَارُ الطَّائِفَةِ إِخْبَارُهُمُ الْمُخَوِّفَ فَيَلْزَمُ وُجُوبُ الْحَذَرِ بِإِخْبَارِ الطَّائِفَةِ. وَالطَّائِفَةُ قَوْمٌ لَا يَحْصُلُ مِنْ خَبَرِهِمْ إِلَّا الظَّنُّ ; لِأَنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ ثَلَاثَةٌ. فَالطَّائِفَةُ مِنْهُمْ إِمَّا وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَوِ الِاثْنَيْنِ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ. فَقَدْ وَجَبَ الْحَذَرُ بِإِخْبَارِ مَنْ لَا يُفِيدُ قَوْلُهُمْ إِلَّا الظَّنَّ. فَيَجِبُ الْحَذَرُ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ ; لِأَنَّ خَبَرَهُ يُفِيدُ الظَّنَّ وَيَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ، فَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى تَوَاعَدَ عَلَى كِتْمَانِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْبَيِّنَاتِ. فَيَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ إِخْبَارُ مَا سَمِعَ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 قُلْنَا: نَقْطَعُ بِأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِظُهُورِهَا، لَا لِخُصُوصِهَا. ص - وَأَيْضًا: التَّوَاتُرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُنْفِذُ الْآحَادَ إِلَى النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِظَوَاهِرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 مِثْلَ: فَلَوْلَا نَفَرَ لِقَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ، إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ. وَفِيهِ بُعْدٌ. ص - قَالُوا: وَلَا تَقْفُ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يَمْنَعُوهُ إِلَّا بِقَاطِعٍ. ص - قَالُوا: تَوَقَّفَ رَسُولُ اللَّهِ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ حَتَّى أَخْبَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قُلْنَا: غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَإِنْ سُلِّمَ - فَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِلرِّيبَةِ بِالِانْفِرَادِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ، وَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ. ص - أَبُو الْحُسَيْنِ: الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ الْمَعْلُومِ الْأَصْلِ وَاجِبٌ عَقْلًا، كَالْعَدْلِ فِي مَضَرَّةِ شَيْءٍ، وَضَعْفِ حَائِطٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّسُولِ، - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِإِخْبَارِهِ فَائِدَةٌ. وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ وُجُوبَ التَّبْيِينِ بِكَوْنِ الْمُخْبِرِ فَاسِقًا. وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الصِّفَةِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ. فَيَجِبُ أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ خَبَرُ غَيْرِ الْفَاسِقِ ; لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّبْيِينِ. فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بُعْدٌ. وَوَجْهُ الْبُعْدِ إِجْمَالًا أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِمَا لَيْسَ بِقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ، وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ; إِذِ النِّزَاعُ فِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُفِيدُ الظَّنَّ هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ أَمْ لَا؟ ش - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ تَمَسَّكُوا بِالْآيَتَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ التَّمَسُّكِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَتِهِ. وَيَلْزَمُهُمْ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَتَيْنِ أَنْ لَا يَمْنَعُوا الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ; لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ دَلَّتَا عَلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِمَا لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ غَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] جَائِزٍ. فَلَا يَجُوزُ مَنْعُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْآيَتَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا لَا يَدُلَّانِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ. ش - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالُوا: تَوَقَّفَ رَسُولُ اللَّهِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ حِينَ سَلَّمَ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ ذِي الْيَدَيْنِ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ حَتَّى أَخْبَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَصَدَّقَاهُ، فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَصْدِيقِهِمَا لَهُ، ثُمَّ سَجَدَ السَّهْوَ. فَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَاجِبًا، لَمَا تَوَقَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ ; لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ عَلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، عَدَمُ وُجُوبِهِ عَلَيْنَا. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا تَوَقَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبُعْدِ انْفِرَادِهِ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ دُونَ الْبَاقِينَ. فَإِنَّ انْفِرَادَهُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ دُونَ الْبَاقِينَ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ. فَيَجِبُ تَوَقُّفُهُ فِي مِثْلِهِ. ش - احْتَجَّ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَقْلًا بِأَنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَصْلٌ كُلِّيٌّ، كَرَفْعِ الْمَضَارِّ وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ، وَجَبَ عَقْلًا الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ. كَمَا إِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ عَدْلٌ عَنْ مَضَرَّةِ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ وَعَنْ ضَعْفِ جِدَارٍ وَجَبَ عَقْلًا الِاحْتِرَازُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُضِرِّ وَعَنْ ذَلِكَ الْجِدَارِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَهُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ. وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الظَّنَّ فِي تَفَاصِيلِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَالْمَصَالِحِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ عَقْلًا. أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَةِ التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 وَخَبَرُ الْوَاحِدِ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ بُعِثَ لِلْمَصَالِحِ، فَخَبَرُ الْوَاحِدِ تَفْصِيلٌ لَهَا. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ. سَلَّمْنَا، [لَكِنَّهُ] لَمْ يَجُبْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، بَلْ أَوْلَى. سَلَّمْنَا [فَلَا نُسَلِّمُهُ] فِي الشَّرْعِيَّاتِ. سَلَّمْنَا وَغَايَتُهُ قِيَاسُ ظَنِّيٍّ فِي الْأُصُولِ. ص - قَالُوا: صِدْقُهُ مُمْكِنٌ فَيَجِبُ احْتِيَاطًا. قُلْنَا: إِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْمُتَوَاتِرُ فَضَعِيفٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي فَالْمُفْتِي خَاصٌّ وَهَذَا عَامٌّ. سَلَّمْنَا لَكِنَّهُ قِيَاسٌ شَرْعِيٌّ. ص - قَالُوا: لَوْ لَمْ يَجِبْ، لَخَلَتْ وَقَائِعُ. وَرُدَّ بِمَنْعِ الثَّانِيَةِ. سَلَّمْنَا، لَكِنَّ الْحُكْمَ: النَّفْيُ، وَهُوَ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ بَعْدَ الشَّرْعِ. ص - أَمَّا الشَّرَائِطُ: فَمِنْهَا: الْبُلُوغُ ; لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ، لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فِي الْمَاءِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ، مُسْتَثْنًى ; لِكَثْرَةِ الْجِنَايَةِ بَيْنَهُمْ مُنْفَرِدِينَ. وَالرِّوَايَةُ بَعْدَهُ وَالسَّمَاعُ قَبْلَهُ مَقْبُولَةٌ، كَالشَّهَادَةِ. وَلِقَبُولِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ فِي مِثْلِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] سَلَّمْنَا صِحَّةَ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ، لَكِنَّ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ، لَمْ يَجِبْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، بَلِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِيهَا أَوْلَى. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خُصُوصِيَّةُ الصُّوَرِ الْعَقْلِيَّةِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ. أَوْ خُصُوصِيَّةُ الصُّوَرِ الشَّرْعِيَّةِ مَانِعَةً لِلْوُجُوبِ فِيهَا. سَلَّمْنَا وُجُوبَ الْعَمَلِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعَقْلِيَّاتِ، لَكِنَّ غَايَةَ هَذَا الدَّلِيلِ قِيَاسٌ يُفِيدُ الظَّنَّ. وَالْقِيَاسُ الْمُفِيدُ لِلظَّنِّ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ لَا يُفِيدُ. ش - هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى لِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ عَقْلًا. تَوْجِيهُهَا أَنْ يُقَالَ: لَا شَكَّ فِي أَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ صِدْقُهُ. فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا، قِيَاسًا عَلَى الْمُتَوَاتِرِ، وَالْمُفْتِي، أَيْ قَوْلُ الْمُفْتِي. لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا أَمْكَنَ صِدْقُهُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُتَوَاتِرِ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْجَامِعِ ; إِذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وُجُوبُ الْعَمَلِ فِي الْمُتَوَاتِرِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ إِفَادَتِهِ الْعِلْمَ، لَا لِأَجْلِ إِمْكَانِ الصِّدْقِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُفْتِي، وَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ مُتَحَقِّقًا، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ الثَّابِتِ ; فَإِنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ فِي الْمُفْتِي شَرْعٌ خَاصٌّ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَشْخَاصِ. وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ شَرْعٌ عَامٌّ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَشْخَاصِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا، لَكِنَّ غَايَتَهُ قِيَاسٌ شَرْعِيٌّ; لِأَنَّ الْأَصْلَيْنِ وَجَبَ الْعَمَلُ فِيهِمَا بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، فَلَمْ يُفِدِ الْمَطْلُوبَ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ عَقْلًا. ش - هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى لِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ عَقْلًا. تَوْجِيهُهَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبِ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَخَلَتْ أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنِ الْحُكْمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَقَائِعِ الْحَادِثَةِ دَلِيلٌ إِلَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، لَزِمَ خُلُوُّ تِلْكَ الْوَقَائِعِ عَنِ الْحُكْمِ. أَجَابَ بِمَنْعِ الثَّانِيَةِ، أَيِ انْتِفَاءِ التَّالِي فَإِنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ خُلُوِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوَقَائِعِ الَّتِي لَهَا دَلِيلٌ، لَا خُلُوَّ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. فَإِنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنِ الْحُكْمِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ نَفْيِ التَّالِي، لَكِنْ نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ، لَزِمَ خُلُوُّ تِلْكَ الْوَقَائِعِ عَنِ الْحُكْمِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. قَوْلُهُ: " وَهُوَ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ الْحُكْمِ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا ; لِأَنَّهُ [يَسْتَنِدُ] إِلَى عَدَمِ الدَّلِيلِ. وَعَدَمُ الدَّلِيلِ عَقْلِيٌّ. وَالْمُسْتَنِدُ إِلَى الْعَقْلِ عَقْلِيٌّ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَقَبْلَ الشَّرْعِ، لَكِنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّرْعِ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ. [شرائط وجوب العمل بخبر الواحد] [الشرط الأول: البلوغ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ إِثْبَاتِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ. وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: الْبُلُوغُ ; لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْغَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الضَّبْطِ فِيمَا يَتَحَمَّلُهُ، وَالْمُمَيِّزُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلِّفٍ لَا يَنْزَجِرُ عَنِ الْكَذِبِ، ضَرُورَةَ عَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِ بِهِ. وَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ رِوَايَةُ الصَّبِيِّ، فَرِوَايَةُ الْمَجْنُونِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُقْبَلَ. قَوْلُهُ: " وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِنَايَاتِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ. فَإِذَا كَانَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ مَقْبُولَةً، فَقَبُولُ رِوَايَتِهِمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْجِنَايَةِ بَيْنَهُمْ مُنْفَرِدِينَ عَنِ الْكَامِلِينَ. وَمَسِيسُ الْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ. وَشَهَادَتُهُمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مَا أَخْبَرُوا بِهِ. وَإِنَّمَا اشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهَا تُهْمَةٌ بِتَلْقِينِ غَيْرِهِمْ إِيَّاهُمْ. هَذَا إِذَا كَانَ السَّمَاعُ وَالْأَدَاءُ كِلَاهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ. أَمَّا إِذَا كَانَ السَّمَاعُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالرِّوَايَةُ بَعْدَهُ، فَهِيَ مَقْبُولَةٌ لِوَجْهَيْنِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 وَلِإِسْمَاعِ [الصِّبْيَانِ] . ص - وَمِنْهَا: الْإِسْلَامُ ; لِلْإِجْمَاعِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَبِلَ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لَمْ يَقْبَلْ رِوَايَتَهُمْ. وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] . وَهُوَ فَاسِقٌ بِالْعُرْفِ الْمُتَقَدِّمِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهُمَا: الْقِيَاسُ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَأَدَّاهَا بَعْدُ. تُقْبَلُ اتِّفَاقًا. فَكَذَا الرِّوَايَةُ، بَلِ الرِّوَايَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ; لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ. وَلِهَذَا اخْتُلِفَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ. الثَّانِي: الْإِجْمَاعُ ; فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فِي مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ مَا تَحَمَّلُوهُ حَالَ الصِّبَا وَأَدَّوْهُ بَعْدَهُ. وَأَيْضًا أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى إِحْضَارِ صِبْيَانِهِمْ فِي مَجَالِسِ الْأَحَادِيثِ وَإِسْمَاعِهِمُ الْأَحَادِيثَ وَقَبُولِ رِوَايَةِ مَا سَمِعُوهُ حَالَ الصِّبَا. [الشَّرْطُ الثَّانِي: الْإِسْلَامُ] ش - الشَّرْطُ الثَّانِي: الْإِسْلَامُ. فَإِنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: الْإِجْمَاعُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ [يَصِحُّ] دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ رِوَايَتِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالتَّأْكِيدُ فِي أَمْرِ الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَإِنْ قَبِلَ شَهَادَةَ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضٍ، لَمْ يَقْبَلْ رِوَايَتَهُمْ أَصْلًا، فَلَا يَنْخَرِقُ الْإِجْمَاعُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] فَإِنَّ الْكَافِرَ فَاسِقٌ فِي الْعُرْفِ الْمُتَقَدِّمِ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْفِسْقِ. وَتَخْصِيصُ الْفَاسِقِ بِمُسْلِمٍ صَدَرَتْ عَنْهُ كَبِيرَةٌ أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ، عُرْفٌ مُتَجَدِّدٌ، لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْكُفْرَ غَيْرَ الْفِسْقِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ قِيَاسًا عَلَى الْفَاسِقِ. وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ. وَضُعِّفَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِالْفَرْقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ كَالْفَاسِقِ. وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ قَدْ يُوثَقُ بِبَعْضِهِمْ لِتَدَيُّنِهِ فِي ذَلِكَ. ص - وَالْمُبْتَدِعُ بِمَا يَتَضَمَّنُ [التَّكْفِيرَ] كَالْكَافِرِ عِنْدَ الْمُكَفِّرِ. وَأَمَّا [عِنْدَ] غَيْرِ الْمُكَفِّرِ - فَكَالْبِدَعِ الْوَاضِحَةِ. وَمَا لَا يَتَضَمَّنُ [التَّكْفِيرَ] إِنْ كَانَ وَاضِحًا، كَفِسْقِ الْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِ، فَرَدَّهُ قَوْمٌ وَقَبِلَهُ قَوْمٌ. الرَّادُّ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ [بِنَبَأٍ] وَهُوَ فَاسِقٌ. الْقَابِلُ: نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ. وَالْآيَةُ أَوْلَى لِتَوَاتُرِهَا وَخُصُوصِهَا بِالْفَاسِقِ وَعَدَمِ تَخْصِيصِهَا. وَهَذَا مُخَصَّصٌ بِالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ) الْمَظْنُونِ صِدْقُهُمَا بِاتِّفَاقٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ لِتَدَيُّنِهِ فِي دِينِهِ قَدْ يُوثَقُ بِهِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ، فَإِنَّهُ لِعَدَمِ تَدَيُّنِهِ لَا يُوثَقُ. ش - الْمُبْتَدِعُ بِمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ صَرِيحًا [فَهُوَ] كَالْكَافِرِ اتِّفَاقًا. وَالْمُبْتَدِعُ بِمَا يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ - وَهُوَ الْمُخْطِئُ فِي الْأَصْلِ بِتَأْوِيلٍ، فِيهِ خِلَافٌ. فَعِنْدَ مَنْ كَفَّرَهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْكَافِرِ. وَعِنْدَ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا خَفَاءَ فِي بِدْعَتِهِ. وَالْمُبْتَدِعُ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ كُفْرًا، إِنْ كَانَ ابْتِدَاعُهُ وَاضِحًا، كَفِسْقِ الْخَوَارِجِ، فَإِنَّهُمُ اسْتَحَلُّوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَبَاحُوا دِمَاءَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِمَارَةٌ، فِيهِ خِلَافٌ. فَعِنْدَ بَعْضٍ، تُرَدُّ رِوَايَتُهُ، وَعِنْدَ بَعْضٍ تُقْبَلُ. حُجَّةُ الرَّادِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] . وَهُوَ فَاسِقٌ لِوُضُوحِ فِسْقِهِ، فَلَا يُقْبَلُ. حُجَّةُ الْقَابِلِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ» " خُصَّ عَنْهُ الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ اللَّذَانِ [ظُنَّ] صِدْقُهُمَا. فَبَقِيَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي ; لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَعْلَمُ فِسْق نَفْسِهِ، وَيُعَظِّمُ أَمْرَ الدِّينِ، وَيَحْتَرِزُ عَنِ الْكَذِبِ، فَنَحْكُمُ بِصِدْقِهِ ظَاهِرًا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالْآيَةُ أَوْلَى ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 ص - قَالُوا. أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرُدَّ بِالْمَنْعِ. أَوْ بِأَنَّهُ مَذْهَبُ بَعْضٍ. ص - وَأَمَّا نَحْوُ خِلَافِ الْبَسْمَلَةِ وَبَعْضِ الْأُصُولِ، وَإِنِ ادَّعَى الْقَطْعَ، فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ ; لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. ص - وَأَمَّا مَنْ يَشْرَبُ النَّبِيذَ وَيَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَنَحْوُهُ مِنْ مُجْتَهِدٍ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَوْلَوِيَّتُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ مُتَوَاتِرَةٌ بِحَسَبِ الْمَتْنِ، وَالْحَدِيثُ مِنْ بَابِ الْآحَادِ. وَالْعَمَلُ بِالْمُتَوَاتِرِ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِالْآحَادِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْفَاسِقِ، وَالْحَدِيثُ غَيْرُ مَخْصُوصٍ، وَالْعَمَلُ بِالْمَخْصُوصِ أَوْلَى ; لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فِي غَيْرِ الْمَخْصُوصِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ مُخَصِّصَةٍ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا فَاسِقٌ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ مُخَصَّصٌ بِالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ الْمَظْنُونِ صِدْقُهُمَا ; لِأَنَّ رِوَايَتَهُمَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِالِاتِّفَاقِ. ش - الْقَائِلُونَ رِوَايَةَ مِثْلِ الْخَوَارِجِ قَالُوا: أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِمْ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ. وَرُدَّ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مُتَوَافِقُونَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ. أَوْ بِأَنَّ مَذْهَبَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ غَيْرُ فَاسِقِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَعَدَيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَجَمَاعَةٍ أُخْرَى ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَا جَرَى عَلَى عُثْمَانَ، لَيْسَ ظُلْمًا، بَلْ حَقًّا. ش - وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْبَسْمَلَةِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِ، كَإِثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ الْقَطْعَ بِبُطْلَانِ مَذْهَبِ الْآخَرِ، فَلَيْسَ مِمَّا يُوجِبُ رَدَّ الرِّوَايَةِ ; لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. ش - وَأَمَّا مَنْ يَشْرَبُ النَّبِيذَ وَيَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُخْتَلَفُ فِي حُرْمَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاسِقٍ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْمُصِيبَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَاحِدٌ ; لِأَنَّا لَوْ فَسَّقْنَاهُ لَأَدَّى إِلَى تَفْسِيقِ الْمُكَلَّفِ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ وَاجِبًا عِنْدَ مُجْتَهِدٍ، حَرَامًا عِنْدَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: " وَإِيجَابُ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ شَارِبُ النَّبِيذِ فَاسِقًا قَطْعًا، لَمَا أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ إِيجَابَ الْحَدِّ إِنَّمَا يَكُونُ بِارْتِكَابِ الْفِسْقِ قَطْعًا. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ: إِنَّمَا أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ ; لِأَنَّ دَلِيلَ التَّحْرِيمِ عِنْدَهُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، لَا لِفِسْقِهِ قَطْعًا. [الشَّرْطُ الثَّالِثُ: رُجْحَانُ ضَبْطِ الرَّاوِي لِمَا سَمِعَهُ عَلَى سَهْوِهِ] ش - الشَّرْطُ الثَّالِثُ: رُجْحَانُ ضَبْطِ الرَّاوِي لِمَا سَمِعَهُ عَلَى سَهْوِهِ. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَهْوُهُ رَاجِحًا عَلَى ضَبْطِهِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، لَمْ يَحْصُلْ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ. [الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْعَدَالَةُ] ش - الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْعَدَالَةُ. وَدَلِيلُ اشْتِرَاطِهَا، الْإِجْمَاعُ. وَالْحَدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعَدَالَةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ. وَهُوَ أَنَّ الْعَدَالَةَ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ مِنَ الدِّينِ تَحْمِلُ صَاحِبَهَا عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ جَمِيعًا حَتَّى يَحْصُلَ ثِقَةُ النَّفْسِ بِصِدْقِهِ. إِلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَبْدَلَ " هَيْئَةَ النَّفْسِ الْحَاصِلَةَ مِنَ الدِّينِ " بِالْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 وَمُقَلِّدٍ - فَالْقَطْعُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاسِقٍ، وَإِنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَفْسِيقٍ بِوَاجِبٍ. وَإِيجَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ لِظُهُورِ أَمْرِ التَّحْرِيمِ عِنْدَهُ. ص - وَمِنْهَا: رُجْحَانُ ضَبْطِهِ عَلَى سَهْوِهِ لِعَدَمِ حُصُولِ الظَّنِّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 ص - وَمِنْهَا: الْعَدَالَةُ. وَهِيَ مُحَافَظَةٌ دِينِيَّةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ. وَتَتَحَقَّقُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَبَعْضِ الصَّغَائِرِ وَبَعْضِ الْمُبَاحِ. ص - وَقَدِ اضْطُرِبَ فِي الْكَبَائِرِ. فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وَقَتْلَ النَّفْسِ، وَقَذْفَ الْمُحْصَنَةِ، وَالزِّنَا، وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرَ، وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَالْإِلْحَادَ فِي الْحَرَمِ. وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَكْلَ الرِّبَا. وَزَادَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السَّرِقَةَ، وَشُرْبَ الْخَمْرِ. وَقِيلَ: مَا تَوَعَّدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ. وَأَمَّا بَعْضُ الصَّغَائِرِ فَمَا يَدُلُّ عَلَى الْخِسَّةِ، كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ. وَبَعْضُ الْمُبَاحِ كَاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ، وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْأَرَاذِلِ، وَالْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ، مِمَّا لَا تَلِيقُ بِهِ وَلَا ضَرُورَةَ. وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَعَدَمُ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَاوَةِ، فَمُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هِيَ لَازِمُ تِلْكَ الْهَيْئَةِ. وَزَادَ قَيْدَ: " لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ ". وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ هَذَا الْقَيْدَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ رِوَايَةَ الْمُبْتَدِعِ أَصْلًا. وَيَتَحَقَّقُ الْعَدَالَةُ بِالِاجْتِنَابِ عَنِ الْكَبَائِرِ وَتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَتَرْكِ بَعْضِ الصَّغَائِرِ وَتَرْكِ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ. [الكبائر] ش - أَرَادَ أَنْ يُشِيرَ إِلَى الْكَبَائِرِ وَبَعْضِ الصَّغَائِرِ الْمُعْتَبَرِ تَرْكُهُ، وَكَذَا بَعْضُ الْمُبَاحِ. أَمَّا الْكَبَائِرُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا. فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْكَبَائِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تِسْعٌ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالزِّنَا، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَالْإِلْحَادُ فِي الْحَرَمِ، أَيِ الظُّلْمُ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ، مِنْ أَلْحَدَ الرَّجُلُ، إِذَا ظَلَمَ» . وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ: «أَكْلُ الرِّبَا» . وَزَادَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: السَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ بَعْضٌ: الْكَبِيرَةُ مَا تَوَعَّدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا بَعْضُ الصَّغَائِرِ الَّتِي يَجِبُ تَرْكُهُ فَمَا يَدُلُّ فِعْلُهُ عَلَى الْخِسَّةِ وَرَكَاكَةِ دِينِهِ إِلَى حَدٍّ يَسْتَجْرِئُ عَلَى الْكَذِبِ بِالْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَتَطْفِيفِ حَبَّةٍ. وَالتَّطْفِيفُ: نَقْصُ الْمِكْيَالِ. وَأَمَّا بَعْضُ الْمُبَاحِ الَّذِي يَجِبُ تَرْكُهُ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِ الْمُرُوءَةِ، كَاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْأَرَاذِلِ وَالْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، كَالدِّبَاغَةِ وَالْحِجَامَةِ وَالْحِيَاكَةِ. وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ الْأَرْبَعَةُ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الرِّوَايَةِ، تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ. وَالشَّهَادَةُ تَخْتَصُّ بِالْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ وَعَدَمِ الْقَرَابَةِ وَعَدَمِ الْعَدَاوَةِ. [رواية مَجْهُولُ الْحَالِ] ش - الرَّاوِي إِذَا كَانَ مَعْلُومًا إِسْلَامُهُ مَجْهُولًا حَالُهُ مِنَ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ، لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبُولُ رِوَايَتِهِ. لَنَا: الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: 116] وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] ، مَانِعَةٌ مِنَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ، فَخُولِفَ فِي الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ قَوْلِ الْعَدْلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِزِيَادَةِ ظُهُورِ الثِّقَةِ، وَبُعْدِهِ عَنِ التُّهْمَةِ، فَبَقِيَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي غَيْرِ الْعَدْلِ لِسَلَامَتِهِ عَنِ الْمُعَارِضِ. وَأَيْضًا: الْفِسْقُ مَانِعٌ عَنْ قَبُولِ رِوَايَةِ صَاحِبِهِ، فَوَجَبَ تَحْقِيقُ ظَنِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 ص - (مَسْأَلَةٌ) : مَجْهُولُ الْحَالِ لَا يُقْبَلُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبُولُهُ. لَنَا: الْأَدِلَّةُ تَمْنَعُ مِنَ الظَّنِّ، فَخُولِفَ فِي الْعَدْلِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ. وَأَيْضًا: الْفِسْقُ مَانِعٌ، فَوَجَبَ تَحَقُّقُ ظَنِّ عَدَمِهِ، كَالصِّبَا وَالْكُفْرِ. ص - قَالُوا: الْفِسْقُ سَبَبُ التَّثَبُّتِ فَإِذَا انْتَفَى. انْتَفَى. قُلْنَا: لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِالْخِبْرَةِ أَوِ التَّزْكِيَةِ. ص - قَالُوا: نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ. وَرُدَّ بِمَنْعِ الظَّاهِرِ، وَبِنَحْوِ (وَلَا تَقْفُ) . ص - قَالُوا: ظَاهِرُ الصِّدْقِ كَإِخْبَارِهِ بِالذَّكَاةِ، وَطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ، وَرِقِّ جَارِيَتِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ مَعَ الْفِسْقِ، وَالرِّوَايَةُ أَعْلَى رُتْبَةً [مِنْ ذَلِكَ] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَدَمِهِ قِيَاسًا عَلَى الْكُفْرِ وَالصِّبَا. فَإِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مَانِعَيْنِ عَنْ قَبُولِ صَاحِبِهِمَا وَجَبَ تَحَقُّقُ ظَنِّ عَدَمِهِمَا. وَالْجَامِعُ دَفْعُ احْتِمَالِ الْمَفْسَدَةِ. ش - الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: الْفِسْقُ سَبَبُ التَّثَبُّتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] . [السَّبَبُ] مُنْتَفٍ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِسْقِ، فَيَنْتَفِي الْمُسَبَّبُ، وَهُوَ التَّثَبُّتُ، فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِسْقَ مُنْتَفٍ، بَلْ إِنَّمَا يَنْتَفِي إِذَا عُلِمَ عَدَمُ فِسْقِهِ بِالْخِبْرَةِ أَوِ التَّزْكِيَةِ. ش - الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا أَيْضًا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ» " يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِكُلِّ ظَاهِرٍ ; لِأَنَّ اللَّامَ تُفِيدُ الْعُمُومَ، فَيَنْدَرِجُ مَجْهُولُ الْحَالِ تَحْتَهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ، الْعَدَالَةُ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ، الْعَدَالَةُ. كَيْفَ وَكَوْنُهُ مَجْهُولَ الْحَالِ [يَسْتَوِي] الْعَدَالَةُ وَالْفِسْقُ فِي الظُّهُورِ وَعَدَمِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ ; ضَرُورَةَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ. ش - الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا أَيْضًا: مَجْهُولُ الْحَالِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الصِّدْقِ، فِيمَا رَوَاهُ. كَمَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الصِّدْقِ فِي إِخْبَارِهِ بِكَوْنِ اللَّحْمِ مُذَكًّى، وَطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ، وَرِقِّ جَارِيَتِهِ. أَجَابَ بِالْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إِخْبَارَهُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الصُّوَرِ يُقْبَلُ مَعَ الْفِسْقِ فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ مَعَ كَوْنِهِ مَجْهُولَ الْحَالِ. بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَعَ الْفِسْقِ، فَكَذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مَعَ [الْجَهَالَةِ] لِحَالِهِ. الثَّانِي: أَنَّ الرِّوَايَةَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنَ الْإِخْبَارِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الصُّوَرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِ أَخْبَارِ مَجْهُولِ الْحَالِ فِيمَا هُوَ أَدْنَى رُتْبَةً قَبُولُهُ فِيمَا هُوَ أَعْلَى رُتْبَةً. [ثبوت الجرح والتعديل بخبر الواحد] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ هَلْ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَمْ لَا؟ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتَانِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا فِي الرِّوَايَةِ وَلَا فِي الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: نَعَمْ فِيهِمَا، أَيْ يَثْبُتَانِ بِهِ فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ. حُجَّةُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ أَنَّ الرِّوَايَةَ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَكُلٌّ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ شَرْطُ الرِّوَايَةِ، وَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُ عَلَى مَشْرُوطِهِ فِي طَرِيقِ إِثْبَاتِهِ، كَمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَشْرُوطِهِ فِي طَرِيقِ إِثْبَاتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَكْثَرُ أَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ يَثْبُتُ [بِقَوْلِ] الْوَاحِدِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا. وَقِيلَ: نَعَمْ فِيهِمَا. الْأَوَّلُ: شَرْطٌ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَشْرُوطِهِ كَغَيْرِهِ. قَالُوا: شَهَادَةٌ فَيَتَعَدَّدُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ. قَالُوا: أَحْوَطُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآخَرَ أَحْوَطُ. وَالثَّالِثُ ظَاهِرٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي التَّعْدِيلِ. وَقِيلَ: الْعَكْسُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إِنْ كَانَ عَالِمًا - كَفَى فِيهِمَا، وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِعَدَم ثُبُوتِهِمَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ جَمِيعًا أَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ شَهَادَةٌ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَارِحُ وَالْمُعَدِّلُ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ. أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَاتِ، بَلْ مِنَ الْإِخْبَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَدُّدُ فِي الْإِخْبَارِ. حُجَّةٌ أُخْرَى لَهُمْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِي الْمُعَدِّلِ وَالْجَارِحِ أَحْوَطُ، وَالْعَمَلُ بِالْأَحْوَطِ أَوْلَى. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ أَحْوَطُ، بَلِ الْآخَرُ، أَيِ اعْتِبَارُ عَدَمِ التَّعَدُّدِ أَحْوَطُ لِاحْتِمَالِ تَضْيِيعِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عِنْدَ عَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْوَاحِدِ. وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَالْجَوَابُ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ. [هل يكفي في التعديل والجرح إطلاق العدالة والفسق أم لا] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ إِطْلَاقُ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ بِدُونِ ذِكْرِ سَبَبِهِمَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَكْفِي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ دُونَ الْجُرْحِ. وَقِيلَ: يَكْفِي فِي الْجُرْحِ دُونَ التَّعْدِيلِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنْ كَانَ الْمُعَدِّلُ وَالْجَارِحُ عَالِمَيْنِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ، كَفَى الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِهِ فَلَا يَكْفِي. ش - حُجَّةُ الْقَاضِي أَنَّ الْمُعَدِّلَ أَوِ الْجَارِحَ إِذَا أَطْلَقَ الْعَدَالَةَ أَوِ الْفِسْقَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ عَدَالَتَهُ أَوْ فِسْقَهُ بِمَا هُوَ مُثْبِتٌ لَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُ إِنْ شَهِدَ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ عَدْلًا، وَكَلَامُنَا فِي الْعَدْلِ. وَإِنْ شَهِدَ بِالْعَدَالَةِ [أَوِ الْفِسْقِ] بِمَا يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ سَبَبًا، فَهُوَ مُدَلِّسٌ، أَيْ مَلَبِّسٌ، وَالْمُلَبِّسُ مُتَّهَمٌ، فَلَا يَكُونُ عَدْلًا، وَالْكَلَامُ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 ص - الْقَاضِي: إِنْ شَهِدَ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا. وَفِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، مُدَلِّسٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَبْنِي عَلَى اعْتِقَادِهِ. أَوْ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ. ص - الثَّانِي: لَوِ اكْتَفَى لَأَثْبَتَ مَعَ الشَّكِّ لِلِالْتِبَاسِ فِيهِمَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ مَعَ إِخْبَارِ الْعَدْلِ. ص - الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ اكْتُفِيَ فِي الْجَرْحِ، لَأَدَّى إِلَى التَّقْلِيدِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ الْمُعَدِّلُ أَوِ الْجَارِحُ عَدَالَتَهُ أَوْ فِسْقَهُ بِأَمْرٍ ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَيَبْنِي شَهَادَتَهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ. أَوْ [يَشْهَدُ] عَنْ سَبَبٍ مُخْتَلَفٍ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا، وَلَا يُعْرَفُ الْخِلَافُ، فَلَا يَكُونُ مُدَلِّسًا. ش - حُجَّةُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ. تَقْرِيرُهَا أَنَّهُ لَوِ اكْتَفَى بِالْإِطْلَاقِ فِيهِمَا، وَقَعَ الِالْتِبَاسُ الْمُوجِبُ لِلشَّكِّ ; لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَمْرٍ هُوَ سَبَبٌ، وَأَنْ يَكُونَ عَمَّا لَيْسَ بِسَبَبٍ وَظَنَّهُ سَبَبًا. وَالْحَمْلُ عَلَى السَّبَبِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. فَيَلْزَمُ الِالْتِبَاسُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ عِنْدَ إِخْبَارِ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُ مُرَجِّحٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ الْأَمْرِ سَبَبًا، وَبِهِ يَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِعَدَالَتِهِ. ش - حُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوِ اكْتُفِيَ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْجُرْحِ، لَأَدَّى إِلَى تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِمَا سَنُبَيِّنُ فِي مَوْضِعِهِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ وَاقِعٌ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ، فَالْمُجْتَهِدُ إِذَا اكْتَفَى بِقَوْلِ الْجَارِحِ: إِنَّهُ مَجْرُوحٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَا هُوَ سَبَبُ الْجَرْحِ عِنْدَ الْجَارِحِ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ عِنْدَ الْجَارِحِ سَبَبًا لَيْسَ بِسَبَبٍ عِنْدِ الْمُجْتَهِدِ، لَزِمَ تَقْلِيدُ الْجَارِحِ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا بِخِلَافِ أَسْبَابِ التَّعْدِيلِ، فَإِنَّهَا لِكَثْرَتِهَا لَا تَنْضَبِطُ، فَلَا يُمْكِنُ ذِكْرُهَا. فَلِهَذَا اكْتُفِيَ فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ. ش - هَذِهِ حُجَّةٌ عَكْسُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْإِطْلَاقِ فِي الْجَرْحِ دُونَ التَّعْدِيلِ. تَقْرِيرُهَا أَنَّ الْعَدَالَةَ مُلْتَبِسَةٌ يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ التَّصَنُّعِ. فَرُبَّ رَجُلٍ أَظْهَرَ صَلَاحِيَتَهُ بِالتَّصَنُّعِ. بِخِلَافِ الْجَرْحِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّصَنُّعُ فِيهِ. فَلَا بُدَّ فِي الْعَدَالَةِ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِهَا لِرَفْعِ الِالْتِبَاسِ، وَلَا يَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الْجَرْحِ لِعَدَمِ الِالْتِبَاسِ. وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْمُعَدِّلَ أَوِ الْجَارِحَ إِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ وَلَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ فِيهِمَا، يَكُونُ قَوْلُهُ مُوجِبًا لِلشَّكِّ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 ص - الْعَكْسُ: الْعَدَالَةُ مُلْتَبِسَةٌ لِكَثْرَةِ التَّصَنُّعِ. بِخِلَافِ الْجَرْحِ. الْإِمَامُ: غَيْرُ الْعَالِمِ [يُوجِبُ] الشَّكَّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْجَرْحُ مُقَدَّمٌ. وَقِيلَ: التَّرْجِيحُ. لَنَا: أَنَّهُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا. فَوَجَبَ. أَمَّا عِنْدُ إِثْبَاتِ مُعَيَّنٍ وَنَفْيِهِ بِالْيَقِينِ فَالتَّرْجِيحُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] احْتُمِلَ أَنْ يَجْعَلَ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْجَرْحِ مُوجِبًا لِلْعَدَالَةِ وَبِالْعَكْسِ. فَلَمْ يَحْصُلِ الْجَزْمُ بِتَعْدِيلِهِ وَلَا بِجَرْحِهِ. [تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ إِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ] ش - اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ إِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا. فَقَالَ قَوْمٌ: الْجَرْحُ مُقَدَّمٌ مُطْلَقًا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ فِي كُلِّ صُورَةٍ، فَأَيُّهُمَا تَرَجَّحَ قُدِّمَ عَلَى الْآخَرِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: التَّفْصِيلَ بِأَنَّهُ إِذَا عَيَّنَ الْجَارِحُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ بِطَرِيقٍ يَقِينِيٍّ، قُدِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّرْجِيحِ. كَأَنْ قَالَ الْجَارِحُ: رَأَيْتُهُ وَقَدْ قَتَلَ فُلَانًا. وَقَالَ الْمُعَدِّلُ: رَأَيْتُ فُلَانًا الْمُدَّعَى قَتْلُهُ حَيًّا. وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنِ الْجَارِحُ سَبَبَ الْجَرْحِ، أَوْ عَيَّنَهُ وَلَمْ يَنْفِهِ الْمُعَدِّلُ، أَوْ نَفَاهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِ يَقِينِيٍّ، فَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ جَمْعٌ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّرْجِيحِ وَتَقْدِيمِ الْجَرْحِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْجَرْحِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ جَمْعٌ بَيْنَ التَّرْجِيحِ] ) وَتَقْدِيمِهِ ; لِأَنَّ الْجَرْحَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ رَاجِحٌ. أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ الْجَارِحَ اطَّلَعَ عَلَى مَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُ وَلَمْ يَنْفِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُعَدِّلَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ الْجَارِحُ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِهِ بِطَرِيقٍ يَقِينِيٍّ. أَمَّا فِي غَيْرِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ -[وَهِيَ] الصُّورَةُ الَّتِي عَيَّنَ فِيهَا الْجَارِحُ سَبَبَ الْجَرْحِ، وَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ بِطَرِيقٍ يَقِينِيٍّ - فَيُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّرْجِيحِ. وَالتَّرْجِيحُ يَتَحَقَّقُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَشِدَّةِ الْوَرَعِ وَالتَّحَفُّظِ. وَمِنَ الشَّارِحِينَ مَنْ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالْجَرْحِ لَا يَنْفِي مُقْتَضَى التَّعْدِيلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ التَّعْيِينِ، فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ أَوْلَى. أَمَّا إِذَا عَيَّنَ سَبَبَ الْجَرْحِ وَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ بِطَرِيقٍ يَقِينِيٍّ، فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ. وَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَا يَجُوزُ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ. [حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُشْتَرِطِ الْعَدَالَةِ بِالشَّهَادَةِ] ش - الْحَاكِمُ الَّذِي يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ فِي الشَّهَادَةِ إِذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ، كَانَ حُكْمُهُ بِالشَّهَادَةِ تَعْدِيلًا لِذَلِكَ الشَّاهِدِ [بِالِاتِّفَاقِ] . وَكَذَا الْعَالِمُ الَّذِي يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ فِي الرِّوَايَةِ، إِذَا عَمِلَ بِرِوَايَةِ رَاوٍ كَانَ عَمَلُهُ بِرِوَايَتِهِ تَعْدِيلًا لَهُ. وَالْعَدْلُ إِذَا رَوَى عَنْ شَخْصٍ فَرِوَايَتُهُ هَلْ يَكُونُ تَعْدِيلًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَمْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثُ مَذَاهِبَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 ص - (مَسْأَلَةٌ) : حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُشْتَرِطِ الْعَدَالَةِ بِالشَّهَادَةِ تَعْدِيلٌ بِاتِّفَاقٍ. وَعَمَلُ الْعَالِمِ مِثْلُهُ. وَرِوَايَةُ الْعَدْلِ، ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ: تَعْدِيلٌ، إِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ لَا يُرْوَى إِلَّا عَنْ عَدْلٍ. وَلَيْسَ مِنَ الْجَرْحِ تَرْكُ الْعَمَلِ فِي شَهَادَةٍ وَلَا رِوَايَةٍ ; لِجَوَازِ مُعَارِضٍ. وَلَا الْحَدُّ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا ; لِعَدَمِ النِّصَابِ. وَلَا بِمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ. وَلَا بِالتَّدْلِيسِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَقَوْلِ مَنْ لَحِقَ الزُّهْرِيَّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ، مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ. وَمِثْلَ: وَرَاءَ النَّهْرِ، يَعْنِي غَيْرَ جَيْحَانَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ. وَقِيلَ: كَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إِلَى حِينِ الْفِتَنِ، فَلَا يُقْبَلُ الدَّاخِلُونَ ; لِأَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: عُدُولٌ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ [عَلِيًّا] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. لَنَا: وَالَّذِينَ مَعَهُ، " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» "، وَمَا تَحَقَّقَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْهُمْ مِنَ الْجِدِّ فِي الِامْتِثَالِ. وَأَمَّا الْفِتَنُ فَتُحْمَلُ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهَا: التَّعْدِيلُ مُطْلَقًا. وَثَانِيهَا: عَدَمُهُ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ: التَّفْصِيلُ، أَيْ إِنْ كَانَ عَادَةُ ذَلِكَ الْعَدْلِ أَنْ لَا يَرْوِيَ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ، فَتَعْدِيلٌ، وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَدْلًا، يَلْزَمُ خِلَافُ مَا عُهِدَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَادَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ الْعَدْلُ عَنْ فَاسِقٍ. وَإِذَا تَرَكَ الْحَاكِمُ الْعَمَلَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ، لَمْ يَلْزَمْ جَرْحُ ذَلِكَ الشَّاهِدِ. وَكَذَا إِذَا تَرَكَ الْعَالِمُ بِرِوَايَةِ رَاوٍ. لِأَنَّ أَسْبَابَ تَرْكِ الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَرِوَايَةِ الرَّاوِي مُتَعَدِّدَةٌ. فَلَا يَدُلُّ التَّرْكُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بِخُصُوصِهِ. فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ لِوُجُودِ مُعَارِضٍ لَا لِجَرْحِ الشَّاهِدِ وَالرَّاوِي. وَإِذَا حَدَّ الْحَاكِمُ شَاهِدَ الزِّنَا، لَا يَكُونُ أَيْضًا جَرْحًا لَهُ، لِجَوَازِ ثُبُوتِ عَدَالَةِ ذَلِكَ الشَّاهِدِ مَعَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُنَافِي وُجُوبَ الْحَدِّ ; لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ انْتِفَاءِ كَمَالِ النِّصَابِ، لَا لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ. وَإِذَا تَرَكَ الشَّخْصُ الرَّاوِي الْعَمَلَ بِالْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَنَحْوِهَا، كَالْحَنَفِيِّ إِذَا شَرِبَ النَّبِيذَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْقِيَاسِ الْمُحَرِّمِ، أَوْ صَلَّى بَعْدَ اللَّمْسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، لَا يَكُونُ جَرْحًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ الرَّاوِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَذَا التَّدْلِيسُ، أَيِ التَّلْبِيسُ، لَا يَكُونُ جَرْحًا لِلْمُدَلِّسِ. كَقَوْلِ مَنْ لَحِقَ الزُّهْرِيَّ وَلَمْ يُصَاحِبْهُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ كَذَا، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ. وَكَقَوْلِ مَنْ قَالَ: سَمِعْتُ فُلَانًا وَرَاءَ النَّهْرِ، مُوهِمًا أَنَّهُ نَهَرُ جَيْحَانَ، وَأَرَادَ غَيْرَ نَهْرِ جَيْحَانَ. وَهُوَ نَهْرٌ بِالشَّامِ. [عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ] ش - ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ، لَا حَاجَةَ إِلَى تَعْدِيلِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الصَّحَابَةَ كَغَيْرِهِمْ، فَيَجِبُ تَعْدِيلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ إِلَى حِينِ ظُهُورِ الْفِتَنِ، وَهُوَ آخِرُ عَهْدِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَمَا رَوَى الصَّحَابَةُ قَبْلَ زَمَانِ الْفِتَنِ، فَهُوَ مَقْبُولٌ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلِهِمْ. وَلَا يُقْبَلُ مَا رَوَاهُ الدَّاخِلُونَ فِي الْفِتَنِ إِلَّا بَعْدَ تَعْدِيلِهِمْ; لِأَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، وَهُمْ غَيْرُ مُتَعَيِّنِينَ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَالْمُخْتَارُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29] ، فَإِنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا لَمَا مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 وَلَا إِشْكَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَوِّبَةِ وَغَيْرِهِمْ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الصَّحَابِيُّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنْ لَمْ يَرْوِ وَلَمْ تَطُلْ. وَقِيلَ: إِنْ طَالَتْ. وَقِيلَ: إِنِ اجْتَمَعَا. وَهِيَ لَفْظِيَّةٌ، وَإِنِ ابْتَنَى عَلَيْهَا مَا تَقَدَّمَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ". فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا، لَمَا حَصَلَ الِاهْتِدَاءُ بِاقْتِدَائِهِمْ. وَأَيْضًا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ جِدُّهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَامْتِثَالِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، فَيَكُونُونَ عُدُولًا. وَأَمَّا الْفِتَنُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَهُمْ فَتُحْمَلُ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَظَنِّ كُلِّ فَرِيقٍ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ، لِوُجُوبِ الْكَفِّ عَنِ الطَّعْنِ فِيهِمْ. وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَالَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ قَوْلِ الْمُصَوِّبَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا عَلَى قَبُولِ الْمُصَوِّبَةِ، فَلِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مُصِيبُونَ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلَيْ غَيْرِ الْمُصَوِّبَةِ فَلِأَنَّ الْمُخْطِئَ لَا يُؤَاخَذُ بِخَطَأِهِ، بَلْ يُثَابُ.، [تعريف الصحابي] ش - لَمَّا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ، أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ هُوَ؟ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الصَّحَابِيِّ. فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَحْظَةً، وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ تَطُلْ مُدَّةُ صُحْبَتِهِ مَعَهُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ طَالَتْ مُدَّةُ صُحْبَتِهِ مَعَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ طَالَتْ مُدَّةُ صُحْبَتِهِ مَعَ الرَّسُولِ وَرَوَى عَنْهُ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إِنِ اجْتَمَعَا. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَفْظِيَّةٌ، وَإِنِ ابْتَنَى عَلَيْهَا الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الَّتِي هِيَ فِي بَيَانِ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُبْتَنَى الْمَسَائِلُ الْمَعْنَوِيَّةُ عَلَى اللَّفْظِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 لَنَا: تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَكَانَ لِلْمُشْتَرَكِ، كَالزِّيَارَةِ وَالْحَدِيثِ. [فَلَوْ] حَلَفَ أَنْ لَا يَصْحَبَهُ، حَنِثَ بِلَحْظَةٍ. ص - قَالُوا: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، لِلْمُلَازِمِ. قُلْنَا: عُرِفَ فِي ذَلِكَ. قَالُوا: يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنِ الْوَافِدِ وَالرَّائِي. قُلْنَا: نَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَوْ قَالَ الْمُعَاصِرُ الْعَدْلُ: أَنَا صَحَابِيٌّ، احْتُمِلَ الْخِلَافُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْعَدَدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّحَابِيَّ مُشْتَقٌّ مِنَ الصُّحْبَةِ، وَهِيَ تَقْبَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: صُحْبَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ. فَيَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ. كَالزِّيَارَةِ وَالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ; إِذْ يُقَالُ: زَارَنِي وَحَدَّثَنِي فُلَانٌ، وَإِنْ لَمْ يَزُرْهُ وَلَمْ يُحَدِّثْهُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. الثَّانِي: لَوْ حَلَفَ زَيْدٌ مَثَلًا أَنْ لَا يَصْحَبَ غَيْرَهُ، حَنَثَ بِلَحْظَةٍ بِالِاتِّفَاقِ. فَلَوْ لَمْ يُطْلَقِ الصُّحْبَةُ عَلَى الْقَلِيلِ، لَمَا حَنَثَ بِلَحْظَةٍ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ [الصَّحَابِيَّ] مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ مَعَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، تَمَسَّكُوا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقَالُ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ لِلْمُلَازِمِينَ لِلْجَنَّةِ وَلِلْحَدِيثِ، وَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِمْ. وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الصُّحْبَةِ، الْمُلَازَمَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ كَذَلِكَ، دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّهُ تَخْتَصُّ الصُّحْبَةُ بِالْمُلَازَمَةِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ، لَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِجْرَاءِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ، إِجْرَاؤُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ [عَلَيْهِ] . الثَّانِي: لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيمَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَحْظَةً، لَمَا صَحَّ نَفْيُ الصَّحَابِيِّ عَنِ الْوَافِدِ، أَيِ الْوَارِدِ، وَالرَّائِي لَحْظَةً ; [لِأَنَّهُمَا صَحِبَاهُ لَحْظَةً] . وَعَدَمُ صِحَّةِ النَّفْيِ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; إِذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْوَافِدُ وَالرَّائِي لَحْظَةً: لَمْ يَصْحَبَا الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ الصُّحْبَةِ الطَّوِيلَةِ عَنْهُمَا. وَالصُّحْبَةُ الطَّوِيلَةُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الصُّحْبَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْخَاصِّ نَفْيُ الْعَامِّ. [لَوْ قَالَ الْمُعَاصِرُ الْعَدْلُ: أَنَا صَحَابِيٌّ] ش - قَوْلُ الْمُعَاصِرِ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، الْعَدْلِ: أَنَا صَحَابِيٌّ، يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ، أَيْ يُحْتَمَلُ قَبُولُهُ لِكَوْنِهِ عَدْلًا، وَالْعَدْلُ لَا يَكْذِبُ عَنْ تَعَمُّدٍ. وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ قَبُولِهِ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا بِدَعْوَى رُتْبَةٍ تَثْبُتُ لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ قَالَ: أَنَا عَدْلٌ. [اشتراط العدد في الرواية] ش - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الرِّوَايَةِ بَلْ يُقْبَلُ رِوَايَةُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ. خِلَافًا لِلْجِبَائِيِّ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ فِي قَبُولِ الرِّوَايَةِ إِمَّا الْعَدَدَ، أَوِ انْضِيَافَ خَبَرٍ آخَرَ إِلَى خَبَرِهِ، أَوْ مُوَافَقَةَ مَا رَوَاهُ الرَّاوِي لِظَاهِرِ آيَةٍ، أَوِ انْتِشَارَهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ عَمَلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِمَا رَوَاهُ . وَشَرَطَ الْجِبَائِيُّ أَيْضًا فِي الْخَبَرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الزِّنَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُخْبِرُونَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِ الْخَصْمِ مَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى إِعَادَتِهِ هَهُنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 خِلَافًا لِلْجِبَائِيِّ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ خَبَرًا آخَرَ، أَوْ ظَاهِرًا، أَوِ انْتِشَارَهُ فِي الصَّحَابَةِ، أَوْ عَمَلَ بَعْضِهِمْ. وَفِي خَبَرِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ. وَالدَّلِيلُ وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَلَا الذُّكُورَةُ، وَلَا الْبَصَرُ، وَلَا عَدَمُ [الْقُرْبَةِ،] وَلَا عَدَمُ الْعَدَاوَةِ، وَلَا الْإِكْثَارُ، وَلَا مَعْرِفَةُ نَسَبِهِ، وَلَا الْعِلْمُ بِفِقْهٍ [أَوْ عَرَبِيَّةٍ] أَوْ مَعْنَى الْحَدِيثِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً» ". وَلَا مُوَافَقَةَ الْقِيَاسِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الرِّوَايَةِ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ خَبَرِ النِّسَاءِ. وَلَا الْبَصَرُ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ يَرْوُونَ عَنْ عَائِشَةَ مَا يَسْمَعُونَهُ مِنْهَا، وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَهَا. فَلَوْ كَانَ الْبَصَرُ شَرْطًا لَمَا جَازَ رِوَايَتُهُمْ مِنْهَا لِأَنَّهُمْ كَالْأَعْمَى فِي حَقِّهَا. وَلَا عَدَمُ الْقَرَابَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ رِوَايَةُ الْوَالِدِ عَنِ الْوَلَدِ وَبِالْعَكْسِ ; لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا عَدَمُ الْعَدَاوَةِ ; لِأَنَّ حُكْمَ الرِّوَايَةِ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يُؤَثِّرُ الْعَدَاوَةُ فِيهَا. وَلَا الْإِكْثَارُ مِنْ سَمَاعِ الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَبِلُوا رِوَايَةَ مَنْ لَمْ [يَرْوِ] إِلَّا خَبَرًا وَاحِدًا. وَلَا مَعْرِفَةُ نَسَبِ الرَّاوِي ; فَإِنَّ الصَّحَابَةَ يَقْبَلُونَ خَبَرَ مَنْ لَمْ يَعْرِفُوا نَسَبَهُ. وَلَا الْعِلْمُ بِفِقْهِ الرَّاوِي، أَوْ مَعْنَى الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " نَضَّرَ «اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» ". دَعَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ وَأَقَرَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِقْهُ الرَّاوِي إِذَا كَانَ خَبَرُهُ مُخَالِفًا لِقِيَاسٍ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ جَعَلَ فِقْهَ الرَّاوِي شَرْطًا إِذَا كَانَ خَبَرُهُ مُخَالِفًا لِقِيَاسٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ قَبُولُ الصَّحَابَةِ رِوَايَةَ آحَادٍ لَمْ يَكُونُوا فُقَهَاءَ، سَوَاءٌ كَانَ رِوَايَتُهُمْ مُخَالِفَةً لِلْقِيَاسِ أَوْ لَا،. [مُسْتَنَدِ الصَّحَابِيِّ] [إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: قَالَ رسول الله] ش - ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَرَاتِبَ مُسْتَنَدِ الصَّحَابِيِّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى فِي خَمْسِ مَسَائِلَ، وَهِيَ سِتٌّ. [الْأُولَى] إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حُمِلَ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الصَّحَابِيِّ سَمَاعُهُ عَنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُولِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ; لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ «أَصْبَحَ جُنُبًا، فَلَا صَوْمَ لَهُ» " فَلَمَّا اسْتَكْشَفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ. فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يُبْنَى قَبُولُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، يَكُونُ هَذَا مَقْبُولًا، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الصَّحَابَةَ كَغَيْرِهِمْ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مُرْسَلِ التَّابِعِيِّ. [إِذَا قَالَ الصحابي: سَمِعْت رسول الله أَمَرَ أَوْ نَهَى] ش - الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِكَذَا، أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا. فَالْأَكْثَرُ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ ; لِظُهُورِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي تَحَقُّقِ مَا يَسْمَعُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ عَدْلٌ عَارِفٌ بِأَوْضَاعِ لُغَةِ الْعَرَبِ ; لَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا بِمَا لَيْسَ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ اعْتَقَدَ أَنَّ مَا سَمِعَهُ أَمْرٌ، وَلَا يَكُونُ أَمْرًا عِنْدَ غَيْرِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ عَدَالَةَ الصَّحَابِيِّ وَمَعْرِفَتَهُ بِأَوْضَاعِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَوَاضِعِ الْخِلَافِ يَقْتَضِي عَدَمَ إِطْلَاقِهِ الْأَمْرَ أَوِ النَّهْيَ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَعْلَى مِنَ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا رَوَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ. [إِذَا قَالَ الصحابي: أُمِرْنَا أَوْ نُهِينَا أَوْ أَوْجَبَ أَوْ حَرَّمَ] ش - هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: أُمِرْنَا بِكَذَا، أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا، أَوْ أَوْجَبَ عَلَيْنَا كَذَا، أَوْ حَرَّمَ عَلَيْنَا كَذَا، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ لِظُهُورِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ الشَّخْصَ إِذَا كَانَ مُطِيعًا لِمَلِكٍ مُشْتَغِلًا بِخِدْمَتِهِ، فَلَوْ خَرَجَ مِنْ حَضْرَتِهِ وَقَالَ: أَمَرَنَا بِكَذَا، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمَلِكُ الْمُطَاعُ لَا غَيْرَ. قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرَ الرَّسُولِ أَوْ أَمْرَ الْكِتَابِ أَوْ أَمْرَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَوْ أَمْرًا عَنِ اسْتِنْبَاطِ الصَّحَابِيِّ. وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ [الْمُتَسَاوِيَةِ] لَوْ حُمِلَ عَلَى أَمْرِ الرَّسُولِ، يَلْزَمُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْأُمُورِ [الْمُتَسَاوِيَةِ] مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. أَجَابَ بِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ أَمْرَ غَيْرِ الرَّسُولِ بِعِيدٌ. أَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ أَمْرَ الْكِتَابِ فَلِاسْتِوَاءِ النَّاسِ فِي أَمْرِ الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانَ أَمْرَ الْكِتَابِ لَعَلِمَهُ غَيْرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 وَقَالَ الْقَاضِي: مُتَرَدِّدٌ. فَيُبْتَنَى عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا قَالَ: سَمِعْتُهُ أَمَرَ أَوْ نَهَى. فَالْأَكْثَرُ: حُجَّةٌ ; لِظُهُورِهِ فِي تَحَقُّقِهِ لِذَلِكَ. قَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اعْتَقَدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِ. قُلْنَا: بَعِيدٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا قَالَ: أُمِرْنَا أَوْ نُهِينَا أَوْ أَوْجَبَ أَوْ حَرَّمَ، فَالْأَكْثَرُ حُجَّةٌ، لِظُهُورِهِ فِي أَنَّهُ أَمْرٌ. قَالُوا: يُحْتَمَلُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَمْرُ الْكِتَابِ أَوْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَوْ عَنِ اسْتِنْبَاطٍ. قُلْنَا: بَعِيدٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا. فَالْأَكْثَرُ: حُجَّةٌ لِظُهُورِهِ فِي تَحَقُّقِهَا عَنْهُ. خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا قَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ، أَوْ كَانُوا. فَالْأَكْثَرُ: حُجَّةٌ ; لِظُهُورِهِ فِي عَمَلِ الْجَمَاعَةِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ - لَمَا سَاغَتِ الْمُخَالَفَةُ. قُلْنَا: لِأَنَّ الطَّرِيقَ ظَنِّيٌّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ النَّصَّ. ص - وَمُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ قِرَاءَةُ الشَّيْخِ أَوْ قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ أَوْ قِرَاءَةُ غَيْرِهِ [عَلَيْهِ] أَوْ إِجَازَتُهُ أَوْ مُنَاوَلَتُهُ أَوْ كِتَابَتُهُ بِمَا يَرْوِيهِ. ص - فَالْأَوَّلُ أَعْلَاهَا عَلَى الْأَصَحِّ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِسْمَاعَهُ قَالَ: قَالَ، وَحَدَّثَ، وَأَخْبَرَ، وَسَمِعْتُهُ. وَقِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلَا مَا يُوجِبُ سُكُوتًا مِنْ إِكْرَاهٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مَعْمُولٌ بِهِ. خِلَافًا لِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ. لِأَنَّ الْعُرْفَ تَقْرِيرُهُ. وَلِأَنَّ فِيهِ إِيهَامُ الصِّحَّةِ. فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا مُقَيَّدًا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَنَقَلَهُ الْحَاكِمُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَقِرَاءَةُ غَيْرِهِ كَقِرَاءَتِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ أَمْرَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى غَيْرِ مَنِ الْتَزَمَ تَقْلِيدَ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مُتَابَعَةَ أَمْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: أَمَرَنَا، مُطْلَقًا. وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُسْتَنْبِطِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مُتَابَعَةُ أَمْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا قَوْلُهُ: أَمَرَنَا. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَعْلَى مِنَ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ يَحْتَمِلُ مَا احْتَمَلَتْهُ الثَّانِيَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَ الرَّسُولِ. وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الرُّتْبَةِ. فَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ. [إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا] ش - الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ لِظُهُورِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي تَحَقُّقِ السُّنَّةِ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَسُنَّةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُجَّةٌ. وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ; لِأَنَّ السُّنَّةَ كَمَا يُقَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِلرَّسُولِ، يُقَالُ لِغَيْرِهِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» ". أُجِيبَ بِأَنَّ سُنَّةَ الرَّسُولِ هِيَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِ السُّنَّةِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ أَعْلَى مِنَ الْخَامِسَةِ ; لِأَنَّ الْخَامِسَةَ تَحْتَمِلُ مَا احْتَمَلَتْهُ الرَّابِعَةُ وَتَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةَ غَيْرِ الرَّسُولِ احْتِمَالًا غَيْرَ بَعِيدٍ. [إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: كُنَّا نَفْعَلُ، أَوْ قَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ] ش - الْمَرْتَبَةُ السَّادِسَةُ: إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: كُنَّا نَفْعَلُ، أَوْ قَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ. فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ ; لِظُهُورِ قَوْلِهِ فِي عَمَلِ الْجَمَاعَةِ، وَعَمَلُ الْجَمَاعَةِ حُجَّةٌ. لِكَوْنِهِ إِجْمَاعًا. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ عَمَلَ الْجَمَاعَةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَمَلًا لِلْجَمَاعَةِ، لَمَا سَاغَتْ مُخَالَفَتُهُ ; لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ غَيْرُ جَائِزَةٍ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاغَتْ مُخَالَفَتُهُ لِأَنَّ طَرِيقَهُ ظَنِّيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْقَطْعِيُّ الَّذِي طَرِيقُهُ ظَنِّيٌّ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَكُونُ مَتْنُهُ نَصًّا قَطْعِيًّا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَرَاتِبِ كَيْفِيَّةِ الرِّوَايَةِ عَنِ الرَّسُولِ لَا فِي الْخَبَرِ عَنِ الْإِجْمَاعِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي بَيَانِهِ، لِظُهُورِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: كُنَّا نَفْعَلُ، أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَ، فِي أَنَّهُ أَرَادَ مَعَ عِلْمِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ الْفِعْلِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَيَكُونُ حُجَّةً. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ أَعْلَى مِنَ السَّادِسَةِ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ مَا تَحْتَمِلُ الْخَامِسَةُ، وَتَكُونُ دَلَالَتُهَا عَلَى أَنَّهَا مِنَ السُّنَّةِ، ضِمْنِيَّةً. [مُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُسْتَنَدِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ، شَرَعَ فِي مُسْتَنَدٍ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ. وَهُوَ أَيْضًا سِتَّةٌ. الْأَوَّلُ: قِرَاءَةُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ فِي حُضُورِ الرَّاوِي، سَوَاءٌ قَصَدَ إِسْمَاعَ الرَّاوِي أَوْ قَصَدَ إِسْمَاعَ غَيْرِهِ. الثَّانِي: قِرَاءَةُ الرَّاوِي الْحَدِيثَ عَلَى الشَّيْخِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ: قِرَاءَةُ غَيْرِ الرَّاوِي عَلَى الشَّيْخِ. الرَّابِعُ: الْإِجَازَةُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا. الْخَامِسُ: مُنَاوَلَةُ الشَّيْخِ بِأَنْ يَقُولَ الشَّيْخُ لِلرَّاوِي بَعْدَ مَا نَاوَلَهُ الْكَتَابَ أَيْ أَعْطَاهُ: إِرْوِ عَنِّي مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ. السَّادِسُ: كِتَابَةُ الشَّيْخِ بِمَا يَرْوِيهِ بِأَنْ يَكْتُبَ الشَّيْخُ إِجَازَةَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. ش - لَمَّا ذَكَرَ مُسْتَنَدَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ [مَرَاتِبِهِ] وَبَيَانِ كَوْنِهَا مَقْبُولَةً أَوْ غَيْرِ مَقْبُولَةٍ. وَالْأَوَّلُ، أَيْ قِرَاءَةُ الشَّيْخِ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ ; لِأَنَّ قِرَاءَةَ الشَّيْخِ لَا يَحْتَاجُ فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ إِلَى إِذْنٍ صَرِيحٍ. بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَى الشَّيْخِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ صَرِيحٍ أَوْ سُكُوتٍ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ. وَقِرَاءَةُ الشَّيْخِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْصِدَ الشَّيْخُ بِقِرَاءَتِهِ إِسْمَاعَ الرَّاوِي. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِقِرَاءَتِهِ إِسْمَاعَ الرَّاوِي. فَإِذَا لَمْ يَقْصِدِ الشَّيْخُ بِقِرَاءَتِهِ إِسْمَاعَ الرَّاوِي، لَا يَقُولُ الرَّاوِي: حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي، وَإِلَّا لَكَانَ كَاذِبًا. بَلْ يَقُولُ: قَالَ الشَّيْخُ، وَحَدَّثَ، وَأَخْبَرَ، وَسَمِعْتُهُ. وَالْمُسْتَنَدُ الثَّانِي - وَهُوَ قِرَاءَةُ الرَّاوِي عَلَى الشَّيْخِ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا إِنْكَارُ الشَّيْخِ، وَلَا مَا يُوجِبُ سُكُوتَ الشَّيْخِ مِنْ إِكْرَاهٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ. خِلَافًا لِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَعْمُولًا بِهِ وَجْهَانِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 ص - وَأَمَّا الْإِجَازَةُ لِلْمَوْجُودِ الْمُعَيَّنِ. فَالْأَكْثَرُ عَلَى تَجْوِيزِهَا. وَالْأَكْثَرُ عَلَى مَنْعٍ: " حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي " مُطْلَقًا. وَبَعْضُهُمْ، وَمُقَيَّدًا. وَأَنْبَأَنِي، اتِّفَاقٌ لِلْعُرْفِ. وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي بِأَنَّ الرَّاوِيَ إِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ وَقَصَدَ بِالْقِرَاءَةِ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ، وَسَكَتَ الشَّيْخُ مِنْ غَيْرِ حَامِلٍ آخَرَ عَلَى السُّكُوتِ، كَانَ سُكُوتُهُ تَقْرِيرًا لِمَا قَرَأَ الرَّاوِي عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا قَرَأَ الرَّاوِي عَلَيْهِ صَحِيحًا، لَكَانَ سُكُوتُ الشَّيْخِ إِيهَامًا لِلصِّحَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَكَيْفِيَّةُ رِوَايَةِ الرَّاوِي فِيمَا قَرَأَهُ عَلَى الشَّيْخِ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا مُقَيَّدًا (بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ ". وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا، مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَيِّدَ " بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ " فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ. وَقَدْ نَقَلَ الْحَاكِمُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ جَوَازَهُ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ غَيْرِ الرَّاوِي عَلَى الشَّيْخِ فَكَقِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَيْهِ. ش - وَأَمَّا الْمُسْتَنَدُ الرَّابِعُ: الْإِجَازَةُ. وَهِيَ إِمَّا لِمَوْجُودٍ مُعَيَّنٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الشَّيْخُ لِلرَّاوِي الْمُعَيَّنِ: أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ. فَالْأَكْثَرُ عَلَى تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِهَا. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْإِجَازَةِ بِالرِّوَايَةِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى مَنْعِ " حَدَّثَنِي " وَ " أَخْبَرَنِي " مُطْلَقًا، لِإِخْبَارِهِ بِصَرِيحِ نُطْقِ الشَّيْخِ، فَيَكُونُ كَذِبًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَنْعِهِ مُقَيَّدًا أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 وَلِجَمِيعِ الْأُمَّةِ الْمَوْجُودِينَ، الظَّاهِرُ قَبُولُهَا، لِأَنَّهَا مِثْلُهَا. وَفِي نَسْلِ فُلَانٍ، أَوْ مَنْ يُوجَدُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَنَحْوِهُ، خِلَافٌ وَاضِحٌ. لَنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدْلَ لَا يَرْوِي إِلَّا بَعْدَ عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ، وَقَدْ أُذِنَ لَهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ مَعَ الْآحَادِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا فِيهَا. قَالُوا: كَذَبَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ. قُلْنَا: حَدَّثَهُ ضِمْنًا، كَمَا لَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ. قَالُوا: ظَنٌّ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ كَالشَّهَادَةِ. قُلْنَا: الشَّهَادَةُ آكَدُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ. وَقِيلَ: بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مَنْعُهُ. وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْبَاءِ وَالتَّاءِ. وَحُمِلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأُولَى. لَنَا: الْقَطْعُ [بِأَنَّهُمْ] نَقَلُوا عَنْهُ أَحَادِيثَ فِي وَقَائِعَ مُتَّحِدَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ شَائِعَةٍ ذَائِعَةٍ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا " أَنْبَأَنِي " فَيَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُجَوِّزِينَ ; لِأَنَّ الْإِنْبَاءَ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الرِّوَايَةَ بِالْإِجَازَةِ. وَأَمَّا الْإِجَازَةُ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ الْمَوْجُودِينَ أَنْ يَرْوُوا عَنِّي كَذَا. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُ الْإِجَازَةِ لِمَوْجُودٍ مُعَيَّنٍ. وَأَمَّا إِذَا قَالَ الشَّيْخُ: أَجَزْتُ نَسْلَ فُلَانٍ، أَوْ أَجَزْتُ لِمَنْ يُوجَدُ مِنْ [بَنِي] فُلَانٍ، فَفِيهِ خِلَافٌ وَاضِحٌ. لِأَنَّ إِجَازَةَ الْمَوْجُودِ الْمُعَيَّنِ إِذَا كَانَتْ مُخْتَلَفًا فِيهَا، كَانَ إِجَازَةُ الْغَيْرِ الْمَوْجُودِ أَوْلَى بِأَنْ يُخْتَلَفَ فِيهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَازَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّاوِيَ أَيِ الْمُخْبِرَ الْعَدْلَ لَا يَرْوِي إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ بِصِحَّةِ مَا أَجَازَ بِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ، فَيَحْصُلُ ظَنُّ صِحَّةِ مَا أَجَازَهُ، فَيَجُوزُ الرِّوَايَةُ. وَأَيْضًا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَ كُتُبَهُ مَعَ آحَادِ الصَّحَابَةِ إِلَى أَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ قَبُولَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمَبْعُوثُونَ مَا فِي كُتُبِهِ. فَلَوْ لَمْ يَجُزِ الرِّوَايَةُ بِالْإِجَازَةِ، لَمَا جَازَ قَبُولُ كُتُبِهِ ; لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ فِي الْإِجَازَةِ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ فِي الْكِتَابِ. قَالَ الْخَصْمُ: لَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِجَازَةِ ; لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَكُونُ إِخْبَارًا بِالْحَدِيثِ. فَلَوْ قَالَ الرَّاوِي: أَخْبَرَنِي وَحَدَّثَنِي، كَانَ كَذِبًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَ الْإِخْبَارِ بِالْحَدِيثِ، إِلَّا أَنَّهُ إِخْبَارٌ بِهِ ضِمْنًا، كَقِرَاءَةِ الرَّاوِي عَلَى الشَّيْخِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِخْبَارًا بِالْحَدِيثِ صَرِيحًا، لَكِنَّهُ إِخْبَارٌ بِهِ ضِمْنًا. وَقَالَ الْخَصْمُ أَيْضًا: الرِّوَايَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِجَازَةِ ظَنٌّ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ، كَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، إِذَا كَانَتْ ظَنًّا. وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ. أَجَابَ بِالْفَرْقِ، [فَإِنَّ] الشَّهَادَةَ آكَدُ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَلِهَذَا اشْتُرِطَ الْحُرِّيَّةُ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ. [نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ الْخَبَرِ، شَرَعَ فِي الْأُمُورِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْقَبُولِ. وَالنَّقْلُ بِالْمَعْنَى مَانِعٌ عَنِ الْقَبُولِ عِنْدَ بَعْضٍ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْأُصُولِ إِلَى جَوَازِ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِلْعَارِفِ بِمَعْنَاهُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى إِذَا كَانَ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ لِلَفْظِ الْحَدِيثِ دُونَ غَيْرِهِ، كَإِبْدَالِ لِفْظِ " الْحَظْرِ " بِـ " التَّحْرِيمِ ". وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مَنْعُ جَوَازِ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مُطْلَقًا. وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْبَاءِ وَالتَّاءِ، أَيْ يُبَالِغُ فِي مَنْعِ إِبْدَالِ الْبَاءِ بِالتَّاءِ، مِثْلُ " بِاللَّهِ " وَ " تَاللَّهِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، أَوْ نَحْوَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. وَأَيْضًا أَجْمَعَ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ، فَالْعَرَبِيَّةُ أَوْلَى. وَأَيْضًا [فَإِنَّ الْمَقْصُودَ] الْمَعْنَى قَطْعًا، وَهُوَ حَاصِلٌ. ص - قَالُوا: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً» ". قُلْنَا: دَعَا لَهُ، لِأَنَّهُ الْأَوْلَى، وَلَمْ يَمْنَعْهُ. قَالُوا: يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَالِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَعَانِي وَتَفَاوُتِهِمْ، فَإِذَا قُدِّرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - اخْتَلَّ بِالْكُلِّيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ نَقَلَ بِالْمَعْنَى، سَوَاءٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا كَذَّبَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ، سَقَطَ ; لِكَذِبِ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمَا. فَإِنْ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَالْأَكْثَرُ: يُعْمَلُ بِهِ. خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ. وَلِأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَتَانِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا النَّقْلُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، لَا فِي الْوُجُوبِ، لِجَوَازِ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى عِنْدَ مَالِكٍ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وُجُوهًا أَرْبَعَةً. الْأَوَّلُ: أَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الصَّحَابَةَ نَقَلُوا عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحَادِيثَ فِي وَقَائِعَ مُتَّحِدَةٍ، أَيْ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَدِيثًا مُعَيَّنًا جَرَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ شَائِعَةٍ ذَائِعَةٍ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَلَوْ لَمْ يَجُزِ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى لَأَنْكَرُوا عَلَى ذَلِكَ. فَلَمَّا لَمْ يُنْكِرُوا عُلِمَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى. الثَّانِي: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ كَذَا أَوْ نَحْوَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ إِذَا رَدَّدَ الرَّاوِيَةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَبِلُوا رِوَايَتَهُ. فَلَوْ لَمْ يَجُزْ نَقْلُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لَمَّا قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ، لِأَنَّهُ تَشَكَّكَ فِي لَفْظِ الرَّسُولِ، فَلَمْ يَنْقِلِ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الرَّسُولِ، لَا جَزْمًا وَلَا ظَنًّا. الثَّالِثُ: أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ بِالْعَجَمِيَّةِ، فَجَوَازُ تَفْسِيرِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَقْرَبُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ. الرَّابِعُ: أَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْأَلْفَاظَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، بَلِ الْمَقْصُودُ الْمَعْنَى، وَهُوَ حَاصِلٌ عِنْدَ نَقْلِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ، فَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ. ش - ذَكَرَ لِلْخَصْمِ دَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» ". فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ الرَّسُولِ ; لِأَنَّ أَدَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَقَالَتِهِ كَمَا سَمِعَهَا، إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا نُقِلَ بِلَفْظِهِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِهِ، بَلْ دَعَا لِمَنْ نَقَلَهُ بِلَفْظِهِ وَأَدَّى كَمَا سَمِعَهُ. وَالدُّعَاءُ لِلنَّاقِلِ بِلَفْظِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ. بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ. الثَّانِي: جَوَازُ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي دَرْكِ الْمَعَانِي [الْمَقْصُودَةِ] وَتَفَاوُتِهِمْ فِي فَهْمِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَغْفُلَ النَّاقِلُ عَنْ دَرْكِ بَعْضِ دَقَائِقِهَا وَيَنْقُلَهُ بِلَفْظٍ آخَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تِلْكَ الدَّقَائِقِ. فَلَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا اخْتَلَّ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةُ بِالْكُلِّيَّةِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا كَانَ فِي النَّاقِلِ لِلْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى سَوَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ، فَلَا يَلْزَمُ [الِاخْتِلَالُ] . [إِذَا كَذَّبَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ] ش - إِذَا كَذَّبَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ جَزْمًا، سَقَطَ مَا يَرْوِيهِ الْفَرْعُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ وَالْقَبُولِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ كَذِبُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ ; لِأَنَّهُ إِنْ صَدَقَ الْأَصْلُ فِي التَّكْذِيبِ، يَلْزَمُ كَذِبُ مَا رَوَاهُ الْفَرْعُ عَنْهُ. وَإِنْ كَذَبَ الْأَصْلُ يَلْزَمُ جَرْحُهُ بِتَكْذِيبِهِ. وَأَيًّا مَا كَانَ يَلْزَمُ عَدَمُ قَبُولِ مَا رَوَاهُ الْفَرْعُ عَنْهُ. وَلَا يَقْدَحُ كَذِبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ فِي عَدَالَةِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ; لِأَنَّ عَدَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ مُتَيَقَّنٌ فِيهَا، وَكَذِبُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَالْمَشْكُوكُ لَا يَقْدَحُ فِي الْمُتَيَقَّنِ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبِ الْأَصْلُ الْفَرْعَ جَزْمًا، بَلْ قَالَ: لَا أَدْرِي صِحَّةَ مَا قَالَهُ الْفَرْعُ، فَفِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ خِلَافٌ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ. خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ. وَلِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعَمَلِ بِهِ مَوْجُودٌ، وَالْمَانِعَ مَفْقُودٌ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنِ الْمَانِعِ. أَمَّا وُجُودُ الْمُوجِبِ فَلِأَنَّ الرَّاوِيَ عَدْلٌ، وَالْعَدَالَةُ تُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ فَلِعَدَمِ تَكْذِيبِ الْأَصْلِ إِيَّاهُ. وَقَوْلُ الْأَصْلِ: لَا أَدْرِي، لَيْسَ بِتَكْذِيبٍ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ قَدْ نُسِيَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 لَنَا: عَدْلٌ مُكَذَّبٌ، كَالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» . ثُمَّ قَالَ لِرَبِيعَةَ: لَا أَدْرِي. فَكَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي. قُلْنَا: صَحِيحٌ. فَأَيْنَ وُجُوبُ الْعَمَلِ؟ ص - قَالُوا: لَوْ جَازَ، لَجَازَ فِي الشَّهَادَةِ. قُلْنَا: الشَّهَادَاتُ أَضْيَقُ. قَالُوا: لَوْ عُمِلَ بِهِ لَعَمِلَ الْحَاكِمُ بِحُكْمِهِ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ، وَنَسِيَ. قُلْنَا: يَجِبُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا انْفَرَدَ الْعَدْلُ بِزِيَادَةٍ وَالْمَجْلِسُ وَاحِدٌ. فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً - لَمْ تُقْبَلْ. وَإِلَّا فَالْجُمْهُورُ: تُقْبَلُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَكَمَا أَنَّ مَوْتَ الْأَصْلِ وَجُنُونَهُ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِلْعَمَلِ بِقَوْلِ الْفَرْعِ، لِعَدَمِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى تَكْذِيبِ الْأَصْلِ إِيَّاهُ، فَكَذَا قَوْلُ الْأَصْلِ: لَا أَدْرِي، لَمْ يَكُنْ مَانِعًا، لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى التَّكْذِيبِ. ش - اسْتَدَلَّ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ بِأَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ رَبِيعَةُ عَنْ سُهَيْلٍ. ثُمَّ قَالَ سُهَيْلٌ لِرَبِيعَةَ: لَا أَدْرِي صِحَّةَ مَا قُلْتَهُ. فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ سُهَيْلٌ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى قَبُولِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رِوَايَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ صَحِيحَةٌ لَا نِزَاعَ فِيهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ. ش - احْتَجَّ الْمَانِعُونَ لِلْعَمَلِ بِهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ الْفَرْعِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ، لَجَازَ الْعَمَلُ بِشَهَادَةِ الْفَرْعِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ وَآكُدُ مِنَ الرِّوَايَةِ، لِمَا مَرَّ. الثَّانِي: لَوْ عُمِلَ بِرِوَايَةِ الْفَرْعِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ، لَعَمِلَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ إِذَا شَهِدَ عَلَى حُكْمِهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرِ الْحَاكِمُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى حُكْمِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةَ، فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَمْنَعُوا الْمُلَازَمَةَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ. [إِذَا انْفَرَدَ الْعَدْلُ بِزِيَادَةٍ وَالْمَجْلِسُ وَاحِدٌ] ش - إِذَا رَوَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَدْلِ حَدِيثًا وَانْفَرَدَ عَدْلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِرِوَايَةِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مُنَافِيَةً لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ، أَوْ نَفْيِ غَيْرِهِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ جَزْمًا أَوْ لَا. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْهَا لَا يُقْبَلَانِ بِاتِّفَاقٍ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: " «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ". فَيَقُولُ رَاوِي الزِّيَادَةِ " فِي أَرْبَعِينَ شَاةً نِصْفُ شَاةٍ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ. لَنَا: عَدْلٌ جَازِمٌ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ. قَالُوا: ظَاهِرُ الْوَهْمِ، فَوَجَبَ رَدُّهُ. قُلْنَا: سَهْوُ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ سَمِعَ وَلَمْ يَسْمَعْ، بَعِيدٌ، بِخِلَافِ سَهْوِهِ عَمَّا سَمِعَ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ. فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ [قُبِلَ] بِاتِّفَاقٍ. فَإِنْ جُهِلَ - فَأَوْلَى بِالْقَبُولِ. وَلَوْ رَوَاهَا مَرَّةً، وَتَرَكَهَا مَرَّةً - فَكَرِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا أَسْنَدَ وَأَرْسَلُوهُ، أَوْ رَفَعَهُ وَوَقَفُوهُ، أَوْ وَصَلَهُ وَقَطَعُوهُ، فَكَالزِّيَادَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، إِلَّا فِي الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ. مِثْلَ: " حَتَّى تُزْهِيَ ". " إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ " [فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ] . ص - (مَسْأَلَةٌ) : خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. كَابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَسِّ الذَّكَرِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ. مَقْبُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ. لَنَا: قَبُولُ الْأُمَّةِ لَهُ فِي تَفَاصِيلِ الصَّلَاةِ. وَفِي نَحْوِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ. وَقَبُولُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ أَضْعَفُ. قَالُوا: الْعَادَةُ تَقْضِي بِنَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا. [وَ] " بِالْمَنْعِ. وَتَوَاتُرُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ اتِّفَاقٌ. أَوْ كَانَ [مُكَلَّفًا] بِإِشَاعَتِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ الثَّانِي هُوَ أَنْ يَقُولَ الْغَيْرُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ " وَسَكَتَ الرَّسُولُ وَقْتَ بُلُوغِ كَلَامِهِ إِلَى هَذَا اللَّفْظِ وَلَمْ يَزِدْ وَكُنْتُ أَتَرَصَّدُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكَمَا إِذَا رَوَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ، وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ: " وَصَلَّى ". فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُ التَّحَمُّلِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا أَوْ مَجْهُولًا وِحْدَتُهُ وَتَعَدُّدُهُ. فَإِنْ كَانَ الْمَجْلِسُ وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ ذَلِكَ الْمُنْفَرِدِ مِنَ الرُّوَاةِ جَمْعًا لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَادَةً أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، لَمْ يُقْبَلِ الزِّيَادَةُ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا الرَّاوِي بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُقْبَلُ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلْقَبُولِ مُتَحَقِّقٌ، وَالْمَانِعَ مَفْقُودٌ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ عَمَلًا بِالْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ. أَمَّا وُجُودُ الْمُقْتَضِي فَهُوَ إِخْبَارُ الْعَدْلِ الْجَازِمِ لِمَا أَخْبَرَهُ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ فَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ الْآخَرُونَ لَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ. احْتَجَّ الْخَصْمُ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُنْفَرِدِ ظَاهِرُ الْوَهْمِ فِيمَا رَوَاهُ مِنَ الزِّيَادَةِ، أَوْ يَجُوزُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ وَوَهِمَ سَمَاعُهُ، أَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَوَهَّمَ سَمَاعَهُ مِنْهُ. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ لَمَا غَفَلَ عَنْهُ الْحَاضِرُونَ. أَجَابَ بِأَنَّ سَهْوَ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ سَمِعَ وَلَمْ يَسْمَعْ نَادِرٌ بَعِيدٌ عَنِ الْوُقُوعِ، بِخِلَافِ سَهْوِهِ عَمَّا سَمِعَ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ شَائِعٌ فَاحْتِمَالُ الْوَهْمِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرْوِ الزِّيَادَةَ أَكْثَرُ. وَإِنْ تَعَدَّدَ مَجْلِسُ التَّحَمُّلِ تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ ; لِاحْتِمَالِ ذِكْرِ الرَّسُولِ الزِّيَادَةَ فِي أَحَدِ الْمَجْلِسَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. وَإِنْ جُهِلَ تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ وَوَحْدَتُهُ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِمَّا إِذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ. وَأَمَّا إِذَا رَوَى الرَّاوِي الزِّيَادَةَ مَرَّةً وَتَرَكَهَا أُخْرَى فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّوَايَتَيْنِ، فَحَيْثُ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَفِيهِ الْخِلَافُ. وَالْمُرَادُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، الِاتِّحَادُ بِالزَّمَانِ. وَحَيْثُ تَعَدَّدَ، فَحُكْمُهُ الْقَبُولُ بِالِاتِّفَاقِ. وَحَيْثُ جُهِلَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِمَّا إِذَا اتَّحَدَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِذَا أَسْنَدَ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِأَنْ يَذْكُرَ الْحَدِيثَ مَعَ الرُّوَاةِ مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَأَرْسَلَ الْبَاقُونَ بِأَنْ يَذْكُرُوا الْحَدِيثَ وَلَا يَذْكُرُونَ الرُّوَاةَ. مِثْلَ أَنْ يَقُولُوا: قَالَ النَّبِيُّ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ. أَوْ رُفِعَ بِأَنْ لَا يُقْطَعَ عَلَى الصَّحَابِيِّ وَرَفَعَهُ إِلَى الرَّسُولِ، وَوَقَفَ الْبَاقُونَ، بِأَنْ يَقْطَعُوهُ عَلَى الصَّحَابِيِّ. أَوْ وَصَلَ بِأَنْ لَا يُخِلَّ بِذِكْرِ أَحَدِ الرُّوَاةِ فِي الْبَيْنِ، وَقَطَعَ الْبَاقُونَ بِأَنْ يُخِلُّوا بِهِ. فَحُكْمُ هَذِهِ الصُّوَرِ حُكْمُ الزِّيَادَةِ. لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ أَنَّ الْمُسْنِدَ وَالرَّافِعَ وَالْوَاصِلَ، رَاوِي الزِّيَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُرْسِلِ وَالْوَاقِفِ وَالْقَاطِعِ. [حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ] ش - إِذَا حُذِفَ بَعْضُ الْخَبَرِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَذْفُ مُخِلًّا بِالْحُكْمِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ الْبَاقِي أَوْ لَا. الثَّانِي، يَجُوزُ الْحَذْفُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُهُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «الْبَحْرُ طَهُورٌ مَاؤُهُ، حِلٌّ مَيْتَتُهُ» ". فَإِنْ حُذِفَ " حِلٌّ مَيْتَتُهُ " لَمْ يُخِلَّ بِحُكْمِ الْبَاقِي. وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَذْفُ مُخِلًّا بِحُكْمِ الْبَاقِي - لَا يَجُوزُ حَذْفُ الْبَعْضِ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ. كَحَذْفِ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا تَبِيعُوا الثِّمَارَ حَتَّى تُزْهِيَ» ". فَإِنَّهُ لَوْ حَذَفَ الْغَايَةَ - وَهِيَ قَوْلُهُ: " حَتَّى تُزْهِيَ " لَاخْتَلَّ حُكْمُ الْبَاقِي ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ مُطْلَقًا، وَهُوَ بَاطِلٌ. أَوْ حَذْفُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] سَوَاءً بِسَوَاءٍ» " فَإِنَّهُ لَوْ حَذَفَ مِنْهُ الِاسْتِثْنَاءَ لَاخْتَلَّ حُكْمُ الْبَاقِي ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ بَيْعِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُطْلَقًا، وَهُوَ بَاطِلٌ. [خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى] ش - إِذَا وَقَعَ الْخَبَرُ الْوَاحِدُ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، أَيْ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ عُمُومُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، كَخَبَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ابْنِ مَسْعُودٍ فِي انْتِفَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ. وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ مَا نَامَ. وَخَبَرُهُ أَيْضًا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ. حُجَّةُ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي تَفَاصِيلِ الصَّلَاةِ، أَيْ أَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً عَلَى الْجُمْلَةِ إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تَتَوَاتَرْ بِخُصُوصِيَّاتِهَا وَتَفَاصِيلِهَا. وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَهِيَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. وَأَيْضًا أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُمَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى. وَأَيْضًا جَازَ قَبُولُ الْقِيَاسِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَالْقِيَاسُ أَضْعَفُ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلِذَلِكَ يُقَدَّمُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ بَعْضٍ. وَإِذَا كَانَ الضَّعِيفُ مَقْبُولًا فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، فَالْقَوِيُّ أَوْلَى بِأَنْ يُقْبَلَ. احْتَجَّ الْخَصْمُ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِتَوَاتُرِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَلِذَلِكَ تَوَاتَرَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ، فَإِذَا لَمْ يَتَوَاتَرْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ صِدْقِهِ. أَجَابَ بِأَنَّا نَمْنَعُ التَّوَاتُرَ، أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِتَوَاتُرِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى فِي ثُبُوتِهِ بِمَا يُفِيدُ الظَّنَّ. وَتَوَاتُرُ مِثْلِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إِنَّمَا وَقَعَ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ. أَوْ لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلِّفَ بِإِشَاعَتِهَا، لَا لِأَنَّ عُمُومَ الْبَلْوَى اقْتَضَى تَوَاتُرَهَا. [خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ] ش - خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي حَدٍّ مِنَ الْحُدُودِ، كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ، مَقْبُولٌ، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ. لَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِهِ بِبَعْضِ الصُّوَرِ دُونَ بَعْضٍ. احْتَجَّ الْخَصْمُ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَالظَّنُّ يَبْقَى مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ، وَاحْتِمَالُ النَّقِيضِ شُبْهَةٌ، وَيَنْدَفِعُ الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ". وَإِذَا كَانَ مُنْدَفِعًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَا يَكُونُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُوجِبًا لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 ص - (مَسْأَلَةٌ) : خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ لَنَا: مَا تَقَدَّمَ. قَالُوا: " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ " وَالِاحْتِمَالُ شُبْهَةٌ. قُلْنَا: لَا شُبْهَةَ، كَالشَّهَادَةِ، وَظَاهِرِ الْكِتَابِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا حَمَلَ الصَّحَابِيُّ مَا رَوَاهُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ - فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ. فَإِنْ [حَمَلَهُ] عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى الظُّهُورِ. وَفِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ لِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْتُهُ لَحَجَجْتُهُ ". فَلَوْ كَانَ نَصًّا فَيَتَعَيَّنُ نَسْخُهُ عِنْدَهُ. وَفِي الْعَمَلِ نَظَرٌ. وَإِنْ عَمِلَ بِخِلَافِ [خَبَرِهِ] أَكْثَرُ الْأُمَّةِ فَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ، إِلَّا إِجْمَاعَ الْمَدِينَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الْمُخَالِفَ لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُقَدَّمٌ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. أَبُو الْحُسَيْنِ: إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ بِقَطْعِيٍّ، فَالْقِيَاسُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ مَقْطُوعًا بِهِ فَالِاجْتِهَادُ. وَالْمُخْتَارُ: إِنْ كَانَتِ الْعِلْمَ بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ قَطْعِيٌّ - فَالْقِيَاسُ. وَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا ظَنِّيًّا - فَالْوَقْفُ. وَإِلَّا فَالْخَبَرُ. ص - لَنَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ الْقِيَاسَ فِي الْجَنِينِ لِلْخَبَرِ، وَقَالَ: " لَوْلَا هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِرَأْيِنَا ". وَفِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ بِاعْتِبَارِ مَنَافِعِهَا بِقَوْلِهِ: " فِي كُلِّ إِصْبَعٍ عَشْرٌ ". وَفِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنَ الدِّيَةِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَشَاعَ وَذَاعَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ احْتِمَالَ النَّقِيضِ شُبْهَةٌ تَنْدَفِعُ بِهَا الْحُدُودُ، وَإِلَّا لَكَانَ الْحَدُّ يَنْدَفِعُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ، وَبِظَاهِرِ الْكِتَابِ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلنَّقِيضِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ. [إِذَا حَمَلَ الصَّحَابِيُّ مَا رَوَاهُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ] ش - الْخَبَرُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا، أَوْ ظَاهِرًا، أَوْ نَصًّا. فَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا، وَحَمَلَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي رَوَاهُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاوِيَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ لِقَرِينَةٍ مُخَصِّصَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ: " فَالظَّاهِرُ " ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَلَيْهِ بِاجْتِهَادِهِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يُخَالِفَ بِالِاجْتِهَادِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ ظَاهِرًا وَحَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الظُّهُورِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَيْهِ مِنَ التَّأْوِيلِ. وَفِي مِثْلِ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ لِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْتُهُ لَحَجَجْتُهُ ". وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَيْهِ، احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدِ الرَّاوِيَ دَلِيلًا رَاجِحًا لَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ قَادِحًا فِي عَدَالَتِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ رَاجِحًا بِاجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَاجِحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ نَصًّا وَعَمِلَ الرَّاوِي بِخِلَافِهِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مَنْسُوخًا عِنْدَ الرَّاوِي، وَإِلَّا لَمَا عَمِلَ الرَّاوِي بِخِلَافِهِ. وَفِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا النَّصِّ نَظَرٌ ; لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنَ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ لَا يَكُونُ مَتْرُوكًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ إِذَا تَرَكَ الرَّاوِي الْعَمَلَ بِهِ، فَالنَّصُّ أَوْلَى أَنْ لَا يُتْرَكَ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّصَّ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُتْرَكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَّ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنَاهُ، فَلَا يَكُونُ تَرْكُ الرَّاوِي إِيَّاهُ لِلِاجْتِهَادِ، بَلْ لِنَصٍّ رَاجِحٍ. بِخِلَافِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ غَيْرَ مَعْنَاهُ، جَازَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ لِأَجْلِ اجْتِهَادِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالنَّصِّ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلْعَمَلِ بِهِ مُتَحَقِّقٌ، بِخِلَافِ عَمَلِ الرَّاوِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخَالَفَتُهُ لِنَصٍّ آخَرَ، ظَنَّهُ الرَّاوِي نَاسِخًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِذَا عَمِلَ أَكْثَرُ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَالْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَا بِعَمَلِ أَكْثَرِ الْأُمَّةِ، لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ الْأَكْثَرِ لَا يَكُونُ حُجَّةً، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، إِلَّا إِذَا كَانَ عَمَلُ الْأَكْثَرِ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ [إِجْمَاعٌ] وَالْإِجْمَاعُ يُقَدَّمُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ. [الْخَبَر الْمُخَالِفَ لِلْقِيَاسِ] ش - خَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الْمُخَالِفَ لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُقَدَّمٌ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، أَيْ يُقَدَّمُ الْقِيَاسُ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ. وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ، فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ مَقْطُوعًا بِهِ أَيْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَيُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالِاجْتِهَادِ وَالتَّرْجِيحِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّفْصِيلَ بِأَنْ قَالَ: إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ ثَابِتَةً بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النَّصُّ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا، وَوُجُودُهَا، أَيْ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ قَطْعِيًّا، فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ. وَإِنْ كَانَ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ ظَنِّيًّا، فَالتَّوَقُّفُ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ ثَابِتَةً بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ فَالْخَبَرُ مُقَدَّمٌ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ ثَابِتَةً بِنَصٍّ رَاجِحٍ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا الْإِجْمَاعُ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَأَخَذَ الْخَبَرَ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 وَأَمَّا مُخَالَفَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ " فَاسْتِبْعَادٌ لِظُهُورِهِ. وَكَذَلِكَ هُوَ وَعَائِشَةُ فِي: " إِذَا اسْتَيْقَظَ ". وَلِذَلِكَ قَالَا: فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ. وَأَيْضًا [أَخَّرَ مُعَاذٌ] الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا لَوْ قُدِّمَ - لَقُدِّمَ الْأَضْعَفُ. وَالثَّانِيَةُ إِجْمَاعٌ; لِأَنَّ الْخَبَرَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فِي الْعَدَالَةِ وَالدَّلَالَةِ، وَالْقِيَاسُ فِي سِتَّةٍ: حُكْمُ الْأَصْلِ، وَتَعْلِيلُهُ، وَوَصْفُ التَّعْلِيلِ، وَوُجُودُهُ فِي الْفَرْعِ، وَنَفْيُ الْمُعَارَضِ فِيهِمَا. وَإِلَى الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا إِنْ كَانَ الْأَصْلُ خَبَرًا. ص - قَالُوا: الْخَبَرُ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ وَالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالْخَطَأِ وَالتَّجَوُّزِ وَالنَّسْخِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ. وَأَيْضًا فَمُتَطَرِّقٌ إِذَا كَانَ الْأَصْلُ خَبَرًا. ص - وَأَمَّا تَقْدِيمُ مَا تَقَدَّمَ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى تَعَارُضِ خَبَرَيْنِ عُمِلَ بِالرَّاجِحِ [مِنْهُمَا] . ص - وَالْوَقْفُ لِتَعَارُضِ التَّرْجِيحَيْنِ. ص - فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ، خُصَّ بِالْآخَرِ، وَسَيَأْتِي. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُرْسَلُ: قَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَعْمَلَ بِالْقِيَاسِ. فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ: " كُنْتُ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ لِي فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُرَّةِ ". فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا هَذَا لَقَضَيْنَا بِرَأْيِنَا. وَأَيْضًا تَرَكَ عُمَرُ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَأَخَذَ بِالْخَبَرِ فِي دِيَةِ الْإِصْبَعِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ إِيجَابَ دِيَةِ الْأَصَابِعِ عَلَى قَدْرِ مَنَافِعِهَا، حَتَّى رَوَى وَاحِدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ " فِي كُلِّ إِصْبَعٍ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا اجْتَهَدَ عُمَرُ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْمَقْتُولِ لَا تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، فَلَمَّا نُقِلَ عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ تَوْرِيثُ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، تَرَكَ الِاجْتِهَادَ وَأَخَذَ بِالْخَبَرِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْوَقَائِعِ. وَقَدْ شَاعَ ذَلِكَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ: " وَأَمَّا مُخَالَفَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ " جَوَابُ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدَّمَ الْقِيَاسَ عَلَى الْخَبَرِ، فَإِنَّهُ خَالَفَ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» فَقَالَ: " أَلَسْنَا نَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ الْحَمِيمِ، فَكَيْفَ نَتَوَضَّأُ بِمَا نَتَوَضَّأُ عَنْهُ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِنْكَارَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِتَرْجِيحِ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ، بَلْ إِنْكَارُهُ لِاسْتِبْعَادِهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ لِظُهُورِ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِهِ. وَكَذَلِكَ إِنْكَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ خَبَرَهُ. وَلِذَلِكَ قَالَا: " كَيْفَ نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ "، وَهُوَ الْحَجَرُ الْعَظِيمُ الَّذِي يُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ. [الْوَجْهُ] الثَّانِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ سَأَلَهُ، فَقَالَ: بِمَ تَقْضِي يَا مُعَاذُ؟ فَقَالَ: بِالْكِتَابِ. قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِيهِ؟ " قَالَ: بِالسُّنَّةِ. قَالَ: " فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِيهَا؟ " قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ". فَجَعَلَ مُعَاذٌ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ مَشْرُوطًا بِفَقْدِ الْحُكْمِ فِي السُّنَّةِ، أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا أَوْ آحَادًا، فَأَقَرَّهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْخَبَرُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ لَمَا أَقَرَّهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُحْمَدْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. الثَّالِثُ: لَوْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى الْخَبَرِ لَزِمَ تَقْدِيمُ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَالثَّانِيَةُ إِجْمَاعٌ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْخَبَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَقَلَّ. وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَقَلَّ، كَانَ الْخَطَأُ فِيهِ أَقَلَّ، فَيَكُونُ أَقْوَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْخَبَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَقَلَّ لِأَنَّ الْخَبَرَ يُجْتَهَدُ فِيهِ فِي الْأَمْرَيْنِ: عَدَالَةُ الرَّاوِي، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ. وَالْقِيَاسُ يُجْتَهَدُ فِيهِ فِي سِتَّةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: ثُبُوتُ حُكْمِ الْأَصْلِ. وَالثَّانِي: تَعْلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ. الثَّالِثُ: الْوَصْفُ الصَّالِحُ لِلتَّعْلِيلِ. الرَّابِعُ: وُجُودُ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ ; الْخَامِسُ: عَدَمُ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ. السَّادِسُ: عَدَمُهُ فِي الْفَرْعِ. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَصْلُ ثَابِتًا بِالْخَبَرِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْأَصْلُ ثَابِتًا بِالْخَبَرِ، احْتَاجَ الْقِيَاسُ أَيْضًا إِلَى الْأَمْرَيْنِ: الْعَدَالَةُ وَالدَّلَالَةُ. ش - احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَقْوَى مِنَ الْخَبَرِ فَيَكُونُ أَقْدَمَ. أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، لِأَنَّ الرَّاوِيَ لَيْسَ مَعْصُومًا عَنِ الْكَذِبِ. وَيُحْتَمَلُ كُفْرُ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَفِسْقُهُ. وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ الْخَطَأُ، لِجَوَازِ ذُهُولِ أَحَدِ الرُّوَاةِ. وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا التَّجَوُّزُ وَالنَّسْخُ. بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا مِنْهَا. فَيَكُونُ الْقِيَاسُ أَقْوَى. أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ بَعِيدَةٌ مَعَ ظُهُورِ عَدَالَةِ الرَّاوِي. وَأَيْضًا هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ كَمَا تَتَطَرَّقُ إِلَى الْخَبَرِ، تَتَطَرَّقُ إِلَى الْقِيَاسِ إِذَا كَانَ أَصْلُهُ خَبَرًا. ش - هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرْتُمُ اقْتَضَتْ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا فَكَيْفَ صَحَّ تَقْدِيمُ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ قَطْعِيًّا. تَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ حَاصِلَ التَّعَارُضِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، يَرْجِعُ إِلَى تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ الدَّالِّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْعِلَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْحُكْمِ ; إِذِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْفَرْعِ قَطْعًا. فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْخَبَرِ الرَّاجِحِ، وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْعِلَّةِ ; إِذِ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ رَاجِحٌ عَلَى الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى الْحُكْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْوَقْفِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي تَكُونُ الْعِلَّةُ فِي الْقِيَاسِ مَنْصُوصَةً بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ، وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ ظَنِّيٌّ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ رَاجِحٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَرْجُوحٌ مِنْ وَجْهٍ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَصَّ الْعِلَّةِ رَاجِحٌ عَلَى الْخَبَرِ اقْتَضَى الرُّجْحَانَ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ يَقْتَضِي الْمَرْجُوحِيَّةَ; لِأَنَّهُ يَتَطَرَّقُ إِلَى الْقِيَاسِ مَفْسَدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ تَتَطَرَّقْ إِلَى الْخَبَرِ. وَالْخَبَرُ رَاجِحٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُقَدِّمَاتِهِ أَقَلُّ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ وَمَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ. وَإِذَا تَرَجَّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، تَسَاوَيَا، فَوَجَبَ الْوَقْفُ. ش - هَذَا هُوَ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مِنَ التَّرْدِيدِ، وَهُوَ أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ بِوَجْهٍ مَا. وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ وَالْآخَرُ أَخَصَّ. وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا تَخْصِيصُ الْعَامِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ قِيَاسًا أَوْ خَبَرًا. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي التَّخْصِيصِ. [الْمُرْسَلُ] ش - الْخَبَرُ الْمُرْسَلُ: هُوَ قَوْلُ الْعَدْلِ، غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَاسِطَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ. أَحَدُهَا: قَبُولُهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 ثَالِثُهَا: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنْ أَسْنَدَ غَيْرُهُ، أَوْ أَرْسَلَهُ وَشُيُوخُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، أَوْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ، قُبِلَ. وَرَابِعُهَا: إِنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ - قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. ص - لَنَا أَنَّ إِرْسَالَ الْأَئِمَّةِ مِنَ التَّابِعِينَ كَانَ مَشْهُورًا مَقْبُولًا، [وَلَمْ يُنْكِرْهُ] أَحَدٌ، كَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ [وَالْحَسَنِ] وَغَيْرِهِمْ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَثَانِيهَا: عَدَمُ قَبُولِهِ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يُقْبَلُ إِنْ أَسْنَدَ ذَلِكَ الْمُرْسَلَ غَيْرُ الرَّاوِي، أَوْ أَرْسَلَ ذَلِكَ الْمُرْسَلَ غَيْرُهُ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ شُيُوخُ الْمُرْسِلِ الْأَوَّلِ غَيْرَ شُيُوخِ الْمُرْسِلِ الثَّانِي. أَوْ عَضَّدَ ذَلِكَ الْمُرْسَلَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ، أَوْ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، أَوْ عُرِفَ أَنَّ الْمُرْسِلَ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ. وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يُقْبَلْ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمُرْسِلَ إِنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قُبِلَ ذَلِكَ الْمُرْسَلُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ مَذْهَبُ عِيسَى بْنِ أَبَانٍ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إِرْسَالَ أَئِمَّةِ النَّقْلِ مِنَ التَّابِعِينَ كَانَ مَشْهُورًا مَقْبُولًا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، كَإِرْسَالِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ، فَكَانَ إِجْمَاعًا عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ إِجْمَاعًا لَكَانَ الْمُخَالِفُ الَّذِي لَمْ يَقْبَلِ الْمُرْسَلَ مَقْدُوحًا لِكَوْنِهِ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَدَحِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ. أَمَّا الْإِجْمَاعُ الِاسْتِدْلَالِيُّ وَالظَّنِّيُّ فَلَا يُقْدَحُ فِي خَارِقِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِفُ خَارِقًا. قُلْنَا: خَرْقُ الْإِجْمَاعِ الِاسْتِدْلَالِيِّ أَوِ الظَّنِّيِّ لَا يَقْدَحُ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا عِنْدَهُ - لَكَانَ مُدَلِّسًا فِي الْحَدِيثِ. ص - قَالُوا: لَوْ قُبِلَ - لَقُبِلَ مَعَ الشَّكِّ ; لِأَنَّهُ لَوْ سُئِلَ [لَجَازَ] لِأَنْ لَا يُعَدَّلَ. قُلْنَا: فِي غَيْرِ الْأَئِمَّةِ. قَالُوا: لَوْ قُبِلَ - لَقُبِلَ فِي عَصْرِنَا. قُلْنَا: لِغَلَبَةِ الْخِلَافِ فِيهِ. أَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ، وَلَا رِيبَةَ تَمْنَعُ - قُبِلَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلِ الْمُرْسَلُ لَكَانَ لِكَوْنِ الْأَصْلِ غَيْرَ عَدْلٍ عِنْدَ الْمُرْسِلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ غَيْرَ عَدْلٍ عِنْدَ الْمُرْسِلِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ، لَكَانَ مُدَلِّسًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمُسْتَمِعِينَ، وَهُوَ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي عَدَالَةِ الرَّاوِي. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ الْإِنْكَارِ عَلَى قَبُولِ مَرَاسِيلِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ لَا يَرْوُونَ إِلَّا عَنِ الْعُدُولِ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي قَبُولَ الْمُرْسَلِ مِنْ كُلِّ عَدْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ. ش - احْتَجَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِ قَبُولِ الْمُرْسَلِ مُطْلَقًا بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ. الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ الْمُرْسَلُ مَقْبُولًا لَقُبِلَ الْخَبَرُ مَعَ الشَّكِّ فِي عَدَالَةِ الرَّاوِي. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمُرْسَلَ لَمْ يَذْكُرِ الْأَصْلَ ; فَلَوْ سُئِلَ عَنْهُ جَازَ أَنْ لَا يُعَدِّلَهُ [فَبَقِيَ] مَشْكُوكَ الْعَدَالَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرْسِلَ إِذَا كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ لَا يَرْوِي إِلَّا عَنْ عَدْلٍ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ لَا يَعْدِلَ الْأَصْلَ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ الْمُرْسَلُ مَقْبُولًا، لَقُبِلَ فِي عَصْرِنَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ عِلَّةَ قَبُولِ الْمُرْسَلِ ظُهُورُ عَدَالَةِ الْمُرْسِلِ، وَظُهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إِلَّا عَنْ عَدْلٍ. وَهَذَا مَعْنًى لَا يَخْتَصُّ بِالْمُرْسِلِينَ فِي غَيْرِ عَصْرِنَا ; لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي الْمُرْسِلِينَ فِي عَصْرِنَا. فَوَجَبَ قَبُولُ الْمُرْسَلِ فِي عَصْرِنَا. أَجَابَ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ غَلَبَةَ الْخِلَافِ وَكَثْرَةَ الْمَذَاهِبِ فِي عَصْرِنَا يَمْنَعُ قَبُولَ الْمُرْسَلِ فِي عَصْرِنَا. وَلَئِنْ سُلِّمَ عَدَمُ الْفَرْقِ فَلَا نُسَلِّمُ نَفْيَ التَّالِي ; فَإِنَّ مَرَاسِيلَ أَئِمَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 قَالُوا: لَا يَكُونُ لِلْإِسْنَادِ مَعْنًى. قُلْنَا: فَائِدَتُهُ فِي أَئِمَّةِ النَّقْلِ تَفَاوُتُهُمْ وَرَفْعُ الْخِلَافِ. ص - الْقَابِلُ مُطْلَقًا: تَمَسَّكُوا بِمَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ. وَلَا يُفِيدُهُمْ تَعْمِيمًا. قَالُوا: إِرْسَالُ الْعَدْلِ يَدُلُّ عَلَى تَعْدِيلِهِ. قُلْنَا: نَقْطَعُ بِأَنَّ الْجَاهِلَ يُرْسِلُ وَلَا يَدْرِي مَنْ رَوَاهُ. ص - وَقَدْ أُخِذَ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَقِيلَ: إِنْ أُسْنِدَ فَالْعَمَلُ بِالْمُسْنَدِ. وَهُوَ وَارِدٌ. وَإِنْ لَمْ يُسْنَدْ، فَقَدِ انْضَمَّ غَيْرُ مَقْبُولٍ إِلَى مِثْلِهِ. وَلَا يَرِدُ ; فَإِنَّ الظَّنَّ قَدْ يَحْصُلُ أَوْ يَقْوَى بِالِانْضِمَامِ. ص - وَالْمُنْقَطِعُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَالْمَوْقُوفُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ صَحَابِيٍّ أَوْ مَنْ دُونَهُ. ما يشترك فيه الكتاب والسنة والإجماع   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] النَّقْلِ تُقْبَلُ فِي عَصْرِنَا أَيْضًا ; لِأَنَّ أَئِمَّةَ النَّقْلِ هُمْ عَارِفُونَ بِالشُّيُوخِ فَلَا يُورِدُونَ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ. الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الْمُرْسَلُ مَقْبُولًا لَمْ يَكُنْ لَذِكْرِ الْإِسْنَادِ مَعْنًى ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقْبَلُ بِدُونِ ذِكْرِ الْإِسْنَادِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ. أَجَابَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ; فَإِنَّ مَعْنَى الْإِسْنَادِ وَفَائِدَتَهُ فِي غَيْرِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ ظَاهِرٌ. وَفِي أَئِمَّةِ النَّقْلِ مَعْرِفَةُ تَفَاوُتِ دَرَجَاتِهِمْ وَرَفْعِ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْمُرْسَلِ. ش - الْقَائِلُونَ بِقَبُولِ الْمُرْسَلِ مُطْلَقًا تَمَسَّكُوا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَبُولُ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ. وَتَقْرِيرُهُ كَمَا مَرَّ. أَجَابَ بِأَنَّ قَبُولَ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ لَا يُفِيدُهُمْ قَبُولَ كُلِّ مُرْسَلٍ عَلَى التَّعْمِيمِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اخْتِصَاصُ التَّابِعِينَ بِمَعْنًى يُوجِبُ قَبُولَ مَرَاسِيلِهِمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي أَنَّ إِرْسَالَ الْعَدْلِ يَدُلُّ عَلَى تَعْدِيلِ الْأَصْلِ. وَإِذَا كَانَ دَالًّا عَلَى تَعْدِيلِ الْأَصْلِ يَكُونُ مَقْبُولًا. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِرْسَالَهُ يَدُلُّ عَلَى تَعْدِيلِ الْأَصْلِ ; فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْجَاهِلَ يُرْسِلُ وَلَا يَدْرِي مَنْ رَوَاهُ، فَضْلًا عَنْ عَدَالَتِهِ. ش - الْحَنَفِيَّةُ قَدْ أَخَذُوا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: الْمُرْسَلُ يُقْبَلُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ. وَتَوْجِيهُ الْمُؤَاخَذَةِ أَنْ يُقَالَ: لَا مَعْنَى لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّهُ يُقْبَلُ إِذَا كَانَ مُسْنَدًا، أَوْ يُقْبَلُ إِذَا تَحَقَّقَ شَرْطٌ آخَرُ مِنَ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْعَمَلُ بِالْمُسْنَدِ، لَا بِالْمُرْسَلِ. وَاعْتَرَفَ الْمُصَنِّفُ بِوُرُودِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ انْضِمَامُ غَيْرِ مَقْبُولٍ إِلَى مِثْلِهِ، فَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا. وَمَنَعَ الْمُصَنِّفُ وُرُودَهُ; فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ الظَّنُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَحْصُلُ بِانْضِمَامِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ. [أَوْ يَحْصُلُ الظَّنُّ الضَّعِيفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَقْوَى بِانْضِمَامِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْحُقُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَيْضًا غَيْرُ وَارِدٍ ; فَإِنَّ الْمُرْسَلَ قَدْ يُقَوَّ ى بِالْمُسْنَدِ، فَيَسْتَحِقُّ لِذَلِكَ الْقَبُولَ. وَالْمُسْنَدُ أَيْضًا قَدْ يُقَوَّى بِالْمُرْسَلِ فَيُرَجَّحُ عَلَى مَسْنَدٍ آخَرَ يُعَارِضُهُ. [الْمُنْقَطِعُ] ش - الْخَبَرُ الْمُنْقَطِعُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ رَجُلٌ لَمْ يُذْكَرْ وَلَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ. كَمَا يَرْوِي رَاوٍ عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخَهُ. وَفِي قَبُولِ الْمُنْقَطِعِ نَظَرٌ. فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَالرَّاوِي الْمُتَوَسِّطِ مَجْهُولِ الْحَالِ، فَلَا يَكُونُ رِوَايَتُهُ مَقْبُولَةً. وَالْخَبَرُ الْمَوْقُوفُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي قَدْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِ الرَّسُولِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِأَنْ يَنْتَهِيَ رِوَايَتُهُ إِلَى قَوْلِ صَحَابَةٍ أَوْ مَنْ دُونَهُ. [الْأَمْرُ] [حَدُّ الْأَمْرِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَحْثِ الْخَبَرِ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ، فَذَكَرَ أَوَّلًا مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْأَمْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْأَمْرُ ص - الْأَمْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ اتِّفَاقًا، وَفِي الْفِعْلِ مَجَازٌ. وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ. وَقِيلَ: مُتَوَاطِئٌ. لَنَا: سَبَقَهُ إِلَى الْفَهْمِ، وَلَوْ كَانَ مُتَوَاطِئًا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْأَخَصُّ، كَحَيَوَانٍ فِي إِنْسَانٍ. وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ، فَيُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ. (فَعُورِضَ بِأَنَّ الْمَجَازَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَيُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ. ص - وَالتَّوَاطُؤُ: مُشْتَرِكَانِ فِي عَامٍّ، فَيُجْعَلُ اللَّفْظُ لَهُ دَفْعًا لِلْمَحْذُورَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى رَفْعِهِمَا أَبَدًا ; فَإِنَّ مِثْلَهُ لَا يَتَعَذَّرُ وَإِلَى صِحَّةِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] (لَفْظُ الْأَمْرِ) حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْفِعْلِ مَجَازٌ. وَقِيلَ: الْأَمْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ. وَقِيلَ: مُتَوَاطِئٌ، أَيِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ; وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ، مَجَازًا فِي الْفِعْلِ. وَاحْتَجَّ عَلَى إِبْطَالِ الِاشْتِرَاكِ وَالتَّوَاطُؤِ بِأَنَّهُ: يَسْبِقُ الْقَوْلَ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْأَمْرِ. فَلَوْ كَانَ لَفْظُ الْأَمْرِ مُشْتَرَكًا أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُتَوَاطِئًا لَمْ يَسْبِقِ الْقَوْلُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مُشْتَرِكًا فَلِتَسَاوِي الْمَفْهُومَيْنِ حِينَئِذٍ فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْفَهْمِ دُونَ الْآخَرِ، تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهُ لِظُهُورِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مُتَوَاطِئًا فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ أَخَصَّ مِنْ مَدْلُولِهِ، وَلَمْ يُفْهَمِ الْأَخَصُّ مِنَ الْأَعَمِّ، كَإِطْلَاقِ حَيَوَانٍ فِي إِنْسَانٍ ; فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْإِنْسَانُ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ أَيْضًا. وَالِاشْتِرَاكُ خِلَافُ الْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ يُخِلُّ (بِالتَّفَاهُمِ) . وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ لَزِمَ الْمَجَازُ، وَالْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَارُضُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ وَأَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْهُ. ش - احْتَجَّ الْقَائِلُ بِالتَّوَاطُؤِ بِأَنَّ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ مُشْتَرِكَانِ فِي مَعْنًى عَامٍّ، فَيُجْعَلُ لَفْظُ الْأَمْرِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (الْعَامٍّ) الشَّامِلِ لَهُمَا دَفْعًا لِلْمَحْذُورَيْنِ: الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ اللَّازِمِ: أَحَدُهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا، وَالْآخَرُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا. أَجَابَ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يُؤَدِّي إِلَى رَفْعِ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ ; إِذْ مَا مِنْ مَعْنَيَيْنِ إِلَّا وَبَيْنَهُمَا أَمْرٌ عَامٌّ يُمْكِنُ جَعْلُ اللَّفْظِ لَهُ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُخَصَّصَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا دَلِيلٌ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ الِاشْتِرَاكِ أَوِ الْمَجَازِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا ; فَإِنَّ سَبْقَ الْقَوْلِ إِلَى الْفَهْمِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ، مَجَازًا فِي الْفِعْلِ. الثَّانِي - أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى صِحَّةِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَدْلُولِ لَفْظِ الْأَمْرِ، وَقَدْ صَحَّ دَلَالَةُ لَفْظِ الْأَمْرِ عَلَى الْقَوْلِ، لَكِنَّ الْعَامَّ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْخَاصِّ أَصْلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَوْلٌ حَادِثٌ هُنَا. ص - حَدُّ الْأَمْرِ: اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ: الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، فَيَجِيئُ الدَّوْرُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: خَبَرٌ عَنِ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ. وَقِيلَ: عَنِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَسْتَلْزِمُ الصِّدْقَ أَوِ الْكَذِبَ، وَالْأَمْرُ يَأْبَاهُمَا. ص - الْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا أَنْكَرُوا كَلَامَ النَّفْسِ - قَالُوا: قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دُونَهُ " افْعَلْ " وَنَحْوَهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ - أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّوَاطُؤِ قَوْلٌ حَادِثٌ، لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ. ش - لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ حَقِيقَةً، وَالْقَوْلُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ - أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ حَدَّ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَهُوَ اقْتِضَاءٌ؛ أَيْ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ. فَقَوْلُهُ: " اقْتِضَاءُ فِعْلٍ " يَشْمَلُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالِالْتِمَاسَ وَالدُّعَاءَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ: " غَيْرُ كَفٍّ " يُخْرِجُ عَنْهُ النَّهْيَ ; لِأَنَّ النَّهْيَ عِنْدَهُ فِعْلٌ هُوَ كَفٌّ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ " يُخْرِجُ الدُّعَاءَ وَالِالْتِمَاسَ. وَقَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي حَدِّ الْأَمْرِ: إِنَّهُ الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَرُدَّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَأْمُورَ وَالطَّاعَةَ، وَالْمَأْمُورُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْرِ فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ. وَالطَّاعَةُ: مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ أَيْضًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ، فَيَجِيئُ الدَّوْرُ فِيهِمَا؛ أَيْ فِي الْمَأْمُورِ وَالطَّاعَةِ. وَقِيلَ فِي حَدِّ الْأَمْرِ: إِنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ خَبَرٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ. وَرَدَّهُمَا بِأَنَّ الْخَبَرَ يَسْتَلْزِمُ الصِّدْقَ أَوِ الْكَذِبَ، وَالْأَمْرُ يَأْبَاهُمَا ضَرُورَةَ عَدَمِ احْتِمَالِهِ لَهُمَا، فَيَمْتَنِعُ جَعْلُ الْخَبَرِ جِنْسًا لَهُ. ش - الْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا أَنْكَرُوا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ لَمْ يُمْكِنْهُمْ تَعْرِيفُ الْأَمْرِ بِالِاقْتِضَاءِ، بَلْ عَرَّفُوهُ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِرَادَةِ. وَمِنَ التَّعْرِيفَاتِ مَا قَالَهُ الْبَلْخِيُّ وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُوَ: أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دُونَهُ " افْعَلْ " وَنَحْوَهُ - أَيْ نَحْوَ " افْعَلْ " فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَدْلُولِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَيَرِدُ التَّهْدِيدُ وَغَيْرُهُ، وَالْمُبَلِّغُ وَالْحَاكِي وَالْأَدْنَى. وَقَالَ قَوْمٌ: صِيغَةُ " افْعَلْ " بِتَجَرُّدِهَا عَنِ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْأَمْرِ. وَفِيهِ تَعْرِيفُ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ. وَإِنْ أَسْقَطَهُ بَقِيَتْ صِيغَةُ " افْعَلْ " مُجَرَّدَةً. وَقَالَ قَوْمٌ: صِيغَةُ " افْعَلْ " بِإِيرَادَاتٍ ثَلَاثٍ: وُجُودِ اللَّفْظِ، وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْأَمْرِ، وَالِامْتِثَالِ. فَالْأَوَّلُ: عَنِ النَّائِمِ، وَالثَّانِي: عَنِ التَّهْدِيدِ وَنَحْوِهِ: وَالثَّالِثُ، عَنِ الْمُبَلِّغِ. وَفِيهِ تَهَافُتٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ إِنْ كَانَ اللَّفْظَ - فَسَدَ ; لِقَوْلِهِ: وَإِرَادَةُ دَلَالَتِهَا عَلَى الْأَمْرِ. (وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فَسَدَ ; لِقَوْلِهِ: الْأَمْرُ: صِيغَةُ " افْعَلْ ") . وَقَالَ قَوْمٌ: الْأَمْرُ: إِرَادَةُ الْفِعْلِ. وَرُدَّ بِأَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ أَنْكَرَ مُتَوَعِّدًا بِالْإِهْلَاكِ ضَرْبَ سَيِّدٍ لِعَبْدِهِ، فَادَّعَى مُخَالَفَتَهُ فَطَلَبَ تَمْهِيدَ عُذْرِهِ بِمُشَاهَدَتِهِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ وَلَا يُرِيدُ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُرِيدُ هَلَاكَ نَفْسِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وَأَوْرَدَ مِثْلَهُ عَلَى الطَّلَبِ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَطْلُبُ هَلَاكَ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَازِمٌ. وَالْأَوْلَى: لَوْ كَانَ إِرَادَةً لَوَقَعَتِ الْمَأْمُورَاتُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرَادَةِ: تَخْصِيصُهُ بِحَالِ حُدُوثِهِ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتَخَصَّصْ. ص - وَالْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْأَمْرِ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ. وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فِي صِيغَةِ " افْعَلْ ". وَالْجُمْهُورُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ. (وَ) أَبُو هَاشِمٍ: فِي النَّدْبِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِقَوْلِهِمْ: " وَنَحْوَهُ " لِيَنْدَرِجَ تَحْتَ الْحَدِّ صِيغَةُ أَمْرِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ. وَيَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ: التَّهْدِيدُ؛ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] . وَالْإِبَاحَةُ؛ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] . وَالتَّكْوِينُ؛ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] . وَغَيْرُهَا مِمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ الطَّلَبُ ; فَإِنَّهَا قَوْلُ الْقَائِلِ " افْعَلْ " لِمَنْ دُونَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ. وَأَيْضًا: يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ قَوْلُ الْحَاكِي لِمَنْ دُونَهُ مِنْ أَمْرِ آمِرٍ. وَيَرِدُ عَلَى عَكْسِهِ قَوْلُ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى: افْعَلْ، وَنَحْوَهُ؛ إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ ; لِأَنَّ الْعُلُوَّ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْأَمْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {مَاذَا أَرَادَ} [البقرة: 26] . وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ: الْأَمْرُ: صِيغَةُ " افْعَلْ " بِتَجَرُّدِهَا عَنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْأَمْرِ إِلَى التَّهْدِيدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّكْوِينِ. وَهَذَا تَعْرِيفٌ فَاسِدٌ ; لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ. فَإِنْ أُسْقِطَ عَنْهُ قَيْدُ " الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْأَمْرِ " - بَقِيَتْ صِيغَةُ " افْعَلْ " مُجَرَّدَةً، وَحِينَئِذٍ يَرِدُ التَّهْدِيدُ وَقَوْلُ الْحَاكِي، كَمَا فِي الْأَوَّلِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْأَمْرُ: صِيغَةُ " افْعَلْ " بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَعَهَا إِيرَادَاتٌ ثَلَاثٌ (إِرَادَةُ وُجُودِ اللَّفْظِ، وَإِرَادَةُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَمْرِ، وَإِرَادَةُ الِامْتِثَالِ) . فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ - أَعَنِي إِرَادَةَ وُجُودِ اللَّفْظِ - احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ النَّائِمِ. وَالْقَيْدُ الثَّانِي - أَيْ إِرَادَةُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَمْرِ - احْتِرَازٌ عَنِ التَّهْدِيدِ وَغَيْرِهِ. وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ - أَيْ إِرَادَةُ الِامْتِثَالِ - احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْمُبَلِّغِ. وَفِي هَذَا التَّعْرِيفِ تَهَافُتٌ، أَيْ تَسَاقُطٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِّ إِنْ كَانَ اللَّفْظَ فَسَدَ التَّعْرِيفُ ; لِقَوْلِهِ: وَإِرَادَةُ دَلَالَتِهَا عَلَى الْأَمْرِ؛ إِذِ الصِّيغَةُ لَمْ تَرِدْ دَلَالَتُهَا عَلَى اللَّفْظِ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِّ: الْمَعْنَى - فَسَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّعْرِيفُ أَيْضًا؛ لِقَوْلِهِ: الْأَمْرُ: صِيغَةُ " افْعَلْ " ; فَإِنَّ الصِّيغَةَ لَفْظٌ، وَاللَّفْظُ لَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُهُ بِالْمَعْنَى. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ: اللَّفْظَ، وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالصِّيغَةِ، وَبِالْأَمْرِ الثَّانِي: الْمَعْنَى، وَهُوَ الطَّلَبُ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ الْحَدُّ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَاهُ: الْأَمْرُ: الصِّيغَةُ الْمُرَادُ بِهَا دَلَالَتُهَا عَلَى الطَّلَبِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرِكِ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ؛ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَمِنَ الشَّارِحِينَ مَنْ أَوْرَدَ هَذِهِ الشُّبْهَةَ عَلَى جَوَابِ الْمُصَنِّفِ، وَمَا أَجَابَ عَنْهَا. وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ شُبْهَةً أُخْرَى، وَهُوَ: أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي التَّعْرِيفِ إِرَادَةَ الِامْتِثَالِ؛ وَالِامْتِثَالُ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فَيَدُورُ. وَغَفَلَ عَنِ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا عَلَى جَوَابِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهَا بِعَيْنِهَا وَارِدَةٌ عَلَى شُبْهَتِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْأَمْرُ: هُوَ إِرَادَةُ الْفِعْلِ. وَرُدَّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَصْدُقُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ أَنْكَرَ ضَرْبَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَتَوَاعَدَ بِإِهْلَاكِ السَّيِّدِ، فَادَّعَى السَّيِّدُ مُخَالَفَةَ الْعَبْدِ لَهُ وَطَلَبَ السَّيِّدُ تَمْهِيدَ عُذْرِهِ بِمُشَاهَدَةِ السُّلْطَانِ - فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الْعَبْدَ، وَلَا يُرِيدُ مِنْهُ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّيِّدُ مُرِيدًا لِإِتْيَانِ الْعَبْدِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ - لَكَانَ مُرِيدًا هَلَاكَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ تَوَاعَدَ بِإِهْلَاكِ السَّيِّدِ عِنْدَ مُوَافَقَةِ الْعَبْدِ لِأَمْرِهِ، وَالْعَاقِلُ لَا يُرِيدُ هَلَاكَ نَفْسِهِ. وَأَوْرَدَ الْمُعْتَزِلَةُ مِثْلَهُ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَمْرِ بِالطَّلَبِ ; فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَطْلُبُ هَلَاكَ نَفْسِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَازِمٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَمْرِ بِالطَّلَبِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَدَّ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَتْ إِرَادَةُ الْفِعْلِ أَمْرًا - لَوَقَعَتِ الْمَأْمُورَاتُ كُلُّهَا، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: فَلِأَنَّ الْإِرَادَةَ هِيَ صِفَةٌ مُخَصِّصَةٌ لِحُدُوثِ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ. فَمَعْنَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِالشَّيْءِ تَخَصُّصُهُ بِحَالِ حُدُوثِهِ، أَيْ بِوَقْتِ حُدُوثِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الشَّيْءُ لَمْ يَتَخَصَّصْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِحَالِ حُدُوثِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَخَصَّصْ بِحَالِ حُدُوثِهِ لَمْ تَتَعَلَّقِ الْإِرَادَةُ بِهِ. فَيَلْزَمُ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدِ الشَّيْءُ لَمْ تَتَعَلَّقِ الْإِرَادَةُ بِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ إِذَا تَعَلَّقَتِ الْإِرَادَةُ بِالشَّيْءِ وُجِدَ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْإِرَادَةُ هِيَ الْأَمْرُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ، لِكَوْنِهِ مُرَادًا مَوْجُودًا. وَأَمَّا (بَيَانُ) انْتِفَاءِ التَّالِي: فَلِأَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَمُوتَ عَلَى كُفْرِهِ مَأْمُورٌ بِالْإِيمَانِ، وَلَمْ يَقَعِ الْإِيمَانُ مِنْهُ. [هل للأمر صيغة تخصه] ش - الْقَائِلُونَ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا ; فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: لَا. وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَعَمْ. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَيْسَ الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الصِّيغَةِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ ; لِأَنَّ فِي اللُّغَةِ أَلْفَاظًا مَخْصُوصَةً بِالْأَمْرِ، كَقَوْلِنَا: أَمَرْتُكَ بِكَذَا. أَوْ أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ كَذَا. إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " هَلْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَمْرِ أَوْ لَا؟ . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَقِيلَ: لِلطَّلَبِ الْمُشْتَرَكِ. وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ. الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي: بِالْوَقْفِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا وَفِي الْإِبَاحَةِ. وَقِيلَ: لِلْإِذْنِ الْمُشْتَرَكِ فِي الثَّلَاثَةِ. الشِّيعَةُ: مُشْتَرَكٌ فِي الثَّلَاثَةِ وَالتَّهْدِيدِ. ص - لَنَا ثُبُوتُ الِاسْتِدْلَالِ (بِمُطْلَقِهَا) عَلَى الْوُجُوبِ شَائِعًا مُتَكَرِّرًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، كَالْعَمَلِ بِالْأَخْبَارِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ ظَنٌّ. وَأُجِيبُ بِالْمَنْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاخْتَلَفُوا فِي صِيغَةِ " افْعَلْ " عَلَى ثَمَانِيَةِ مَذَاهِبَ: فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا: حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ، مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: إِنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي النَّدْبِ، مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا حَقِيقَةٌ لِلطَّلَبِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا. وَقَالَ: أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي بِالتَّوَقُّفِ فِيهِمَا، أَيْ فِي الِاشْتِرَاكِ وَالِانْفِرَادِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الصِّيغَةَ تَحْتَمِلُهُمَا، وَلَا جَزْمَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ - الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ - اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا. وَقِيلَ: إِنَّهَا لِلْإِذْنِ الْمُشْتَرَكِ فِي الثَّلَاثَةِ؛ أَعْنِي الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَالْإِبَاحَةَ. وَقَالَ الشِّيعَةُ: إِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ وَالتَّهْدِيدِ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْكِتَابِ وَالْعُرْفِ. أَمَّا الْإِجْمَاعُ؛ فَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَدَلُّوا بِمُطْلَقِ صِيغَةِ " افْعَلْ " بِدُونِ قَرِينَةٍ عَلَى الْوُجُوبِ، وَشَاعَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ وَذَاعَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ صِيغَةِ " افْعَلْ " لِلْوُجُوبِ، كَالْعَمَلِ بِالْأَخْبَارِ، فَإِنَّهُ لَمَّا اشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِهَا، كَانَ إِجْمَاعًا. وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا ظَنًّا، وَالظَّنُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وَلَوْ سُلِّمَ فَيَكْفِي الظُّهُورُ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ الظَّوَاهِرِ. وَأَيْضًا {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] وَالْمُرَادُ قَوْلُهُ: اسْجُدُوا. وَأَيْضًا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا} [المرسلات: 48] ذَمٌّ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ. وَأَيْضًا: تَارِكُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَاصٍ، بِدَلِيلِ {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93] . وَأَيْضًا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَالتَّهْدِيدُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ حُمِلَتْ عَلَى مُخَالَفَةٍ مِنْ إِيجَابٍ وَنَدْبٍ. وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُمْ: مُطْلَقٌ. قُلْنَا: بَلْ عَامٌّ. وَأَيْضًا: نَقْطَعُ بِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: خُطَّ هَذَا الثَّوْبَ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ عُدَّ عَاصِيًا. ص - وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَثَبَتَ ظُهُورُهُ فِي أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ. وَالتَّهْدِيدُ وَالْإِبَاحَةُ بَعِيدٌ. وَالْقَطْعُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ " نَدَبْتُكَ إِلَى أَنْ تَسْقِيَنِي "، وَبَيْنَ " اسْقِنِي " وَلَا فَرْقَ إِلَّا اللَّوْمُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ سَلَّمُوا الْفَرْقَ فَلِأَنَّ (نَدَبْتُكَ) نَصٌّ، وَ (اسْقِنِي) مُحْتَمَلٌ. ص - النَّدْبُ. إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، (فَرَدَّهُ إِلَى) مَشِيئَتِنَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا ظَنًّا، بَلْ يُفِيدُ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَطْعِيٌّ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا ظَنًّا، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنَّ لَا يَكْفِي فِي مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ بَلْ يَكْفِي فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ ظُهُورُ كَوْنِهِ مَدْلُولًا لَهُ، وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ (بِأَكْثَرِ الظَّوَاهِرِ) مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. وَأَمَّا الْكِتَابُ، فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] . وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] مَا خَاطَبَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اسْجُدُوا} [البقرة: 34] . وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ وَإِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، وَتَرَكَ إِبْلِيسُ الْمَأْمُورَ بِهِ، ذَمَّهُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ " مَا مَنَعَكَ " الِاسْتِفْهَامَ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَكُونَ لِلذَّمِّ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَمَا ذَمَّهُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ذَمٌّ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ الَّتِي هِيَ تَرْكُ الرُّكُوعِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى مُخَالَفَتِهِ. وَمِنْهُ أَنَّ تَارِكَ الْأَمْرِ عَاصٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93] . وَالْعَاصِي يَسْتَحِقُّ النَّارَ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى ; {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23] فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ تَارِكُهُ مُسْتَحِقًّا لِلنَّارِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63] . هَدَّدَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ. فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَمَا حَسُنَ التَّهْدِيدُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ لَا يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ، أَيْ يُحْمَلُ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لِلْوُجُوبِ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ، وَبِالْعَكْسِ. أَجَابَ بِأَنَّ حَمْلَ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ حَمْلَ الْمُخَالَفَةِ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ ظَاهِرٌ، فَيَكُونُ رَاجِحًا، وَحَمْلُ (اللَّفْظِ عَلَى) الْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ بَعِيدٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَوَامِرِ لِلْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] مُطْلَقٌ ; لِكَوْنِهِ مُفْرَدًا، وَالْمُطْلَقُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ. أَجَابَ بِأَنَّهُ عَامٌّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَأَيْضًا رَتَّبَ الْأَمْرَ بِالْحَذَرِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الَّتِي هِيَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ، فَحَيْثُ وُجِدَتْ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ وُجِدَ الْأَمْرُ بِالْحَذَرِ، فَيَكُونُ عَامًّا. - وَأَمَّا الْعُرْفُ فَلِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: خُطَّ هَذَا الثَّوْبَ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْخِيَاطَةِ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلِ الْعَبْدُ - عُدَّ عَاصِيًا. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَمَا عُدَّ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ بِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ. وَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَوِ اثْنَيْنِ مِنْهَا ; لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ. فَثَبَتَ ظُهُورُهُ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ. وَلَا يَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا لِلتَّهْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ، إِذْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ ذَاهِبٌ. وَلَا يَكُونُ لِلنَّدْبِ أَيْضًا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ " نَدَبْتُكَ إِلَى أَنْ تَسْقِيَنِي "، وَبَيْنَ قَوْلِهِ " اسْقِنِي ". لَكِنْ نَقْطَعُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا اللَّوْمُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ اللَّوْمَ، وَالثَّانِي يَسْتَحِقُّهُ. فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْخَصْمَ لَمْ يُسَلِّمِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْفَرْقِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِاللَّوْمِ؛ بَلِ الْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ (نَدَبْتُكَ) نَصٌّ فِي النَّدْبِ، وَقَوْلَهُ (اسْقِنِي) مُحْتَمَلٌ. وَأَيْضًا: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ (مِنْهَا) . ش - الْقَائِلُ بِالنَّدْبِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَإِنَّهُ رَدَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ إِلَى مَشِيئَتِنَا، فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ هُوَ الْمُفَوَّضُ إِلَى مَشِيئَتِنَا. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ رُدَّ إِلَى مَشِيئَتِنَا؛ بَلْ رُدَّ إِلَى اسْتِطَاعَتِنَا، وَهُوَ مُقْتَضَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوَاجِبِ مُفَوَّضٌ إِلَى اسْتِطَاعَتِنَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَرُدَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا رَدُّهُ إِلَى اسْتِطَاعَتِنَا، وَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ. ص - مُطْلَقُ الطَّلَبِ يُثْبِتُ الرُّجْحَانَ، وَلَا دَلِيلَ مُفِيدٌ. فَوَجَبَ جَعْلُهُ لِلْمُشْتَرَكِ دَفَعًا لِلِاشْتِرَاكِ. قُلْنَا: بَلْ يُثْبِتُ التَّقْيِيدَ. ثُمَّ فِيهِ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَوَازِمِ الْمَاهِيَّاتِ. وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. ص - الِاشْتِرَاكُ يُثْبِتُ الْإِطْلَاقَ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. ص - الْقَاضِي: لَوْ ثَبَتْ لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ إِلَى آخِرِهِ. قُلْنَا: بِالِاسْتِقْرَاءَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. ص - الْإِذْنُ الْمُشْتَرَكُ كَمُطْلَقِ الطَّلَبِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) صِيغَةُ الْأَمْرِ (بِمُجَرَّدِهَا) لَا تَدُلُّ عَلَى تَكْرَارٍ، وَلَا (عَلَى) مَرَّةٍ. وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْأُسْتَاذِ؛ لِلتَّكْرَارِ مُدَّةَ الْعُمْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ. وَقَالَ كَثِيرٌ: لِلْمَرَّةِ، وَلَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْقَائِلُ بِكَوْنِ الْأَمْرِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ احْتَجَّ بِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّلَبِ ظَاهِرٌ مِنَ الْأَمْرِ، وَمُطْلَقُ الطَّلَبِ يُثْبِتُ رُجْحَانَ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ. وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الطَّلَبِ بِالْجَزْمِ أَوْ عَدَمِهِ فَوَجَبَ جَعْلُهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الطَّلَبِ بِالْجَزْمِ، فَإِنَّ دَلَائِلَ الْوُجُوبِ تُوجِبُ تَقْيِيدَ الطَّلَبِ بِالْجَزْمِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّقْيِيدِ، لَكِنْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَوَازِمِ الْمَاهِيَّاتِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ - فَلِأَنَّ رُجْحَانَ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ لَازِمٌ مَاهِيَّةَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وُجِدَ رُجْحَانُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ. وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ رُجْحَانَ الْفِعْلِ لَمَّا كَانَ لَازِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، يَجِبُ كَوْنُ الْأَمْرِ لَهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ - فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ رَفْعَ الْمُشْتَرَكِ ; إِذْ مَا مِنْ مُشْتَرِكٍ إِلَّا تَشْتَرِكُ مَفْهُومَاتُهُ فِي لَازِمٍ. فَيُجْعَلُ اللَّفْظُ لَهُ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِلَوَازِمِ الْمَاهِيَّةِ طَرِيقٌ عَقْلِيٌّ، وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي إِثْبَاتِ اللُّغَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ (لُزُومَ) رَفْعِ الِاشْتِرَاكِ ; فَإِنَّ صِحَّةَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ النَّصِّ مِنَ الْوَاضِعِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِلَوَازِمِ الْمَاهِيَّةِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي إِثْبَاتِ اللُّغَةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُقَدِّمَةٌ نَقْلِيَّةٌ، وَلَا يَكُونُ عَقْلِيًّا صِرْفًا. ش - الْقَائِلُ بِالِاشْتِرَاكِ احْتَجَّ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لِجَوَابِهِ ; لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إِنَّمَا تَكُونُ أَصْلًا إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا مَحْذُورٌ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى التَّوَقُّفِ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُ الْأَمْرِ لِوَاحِدٍ مِنْ مَعَانِيهِ، لَكَانَ ثُبُوتُهُ إِمَّا عَنْ دَلِيلٍ أَوْ لَا عَنْ دَلِيلٍ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِلَا دَلِيلٍ غَيْرُ مُفِيدٍ. وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عَقْلِيًّا، وَهُوَ بَاطِلٌ ; إِذْ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِيَّاتِ. أَوْ نَقْلِيًّا مُتَوَاتِرًا، وَهُوَ يُوجِبُ عَدَمُ الْخِلَافِ. أَوْ آحَادًا، وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ. أَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ دَلِيلُ ثُبُوتِهِ. ش - الْقَائِلُ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ، دَلِيلُهُ كَدَلِيلِ الْقَائِلِ بِكَوْنِهِ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ، وَجَوَابُهُ كَجَوَابِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَة: دلالة صيغة الأمر على التكرار] ش - صِيغَةُ الْأَمْرِ إِذَا جُرِّدَتْ عَنِ الْقَرَائِنِ الْمُشْعِرَةِ بِالْمَرَّةِ أَوِ التَّكْرَارِ، لَا تَدُلُّ عَلَى تَكْرَارٍ وَلَا عَلَى مَرَّةٍ. وَهُوَ مُخْتَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَالْمُصَنِّفُ قَدِ اخْتَارَهُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيُّ: إِنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ مُدَّةَ الْعُمْرِ لَكِنْ مَعَ الْإِمْكَانِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّهُ لِلْمَرَّةِ وَلَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ، وَفُسِّرَ تَارَةً بِكَوْنِهِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ وَأُخْرَى بِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْوَاقِعِ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا هُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّ مَدْلُولَ الْأَمْرِ طَلَبُ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ. وَالْمَرَّةُ وَالتَّكْرَارُ خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَاخِلًا فِي مَدْلُولِهِ وَقُرِنَ الْأَمْرُ بِهِ، لَزِمَ التَّكْرَارُ. وَبِالْآخَرِ لَزِمَ النَّقْضُ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَأْمُورَ يَبْرَأُ، أَيْ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْمَرَّةِ. الثَّانِي: أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْمَرَّةَ وَالتَّكْرَارَ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا دَاخِلًا فِي حَقِيقَةِ الْفِعْلِ، بَلْ مِنْ صِفَاتِهِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهُ، كَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ أَصْلًا. فَلَا دَلَالَةَ لِلْفِعْلِ عَلَى الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَلِذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ الْمَصْدَرُ بِوَاحِدٍ (مِنْهُمَا) . وَالْأَمْرُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَحْصِيلِ الْفِعْلِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَرَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 ص - لَنَا: أَنَّ الْمَدْلُولَ طَلَبُ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ، وَالْمَرَّةُ وَالتَّكْرَارُ خَارِجِيٌّ، وَلِذَلِكَ يَبْرَأُ بِالْمَرَّةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّا قَاطِعُونَ بِأَنَّ الْمَرَّةَ وَالتَّكْرَارَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، كَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَلَا دَلَالَةَ لِلْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ. ص - الْأُسْتَاذُ: تَكَرُّرُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. وَرُدَّ بِأَنَّ التَّكْرَارَ مِنْ غَيْرِهِ. وَعُورِضَ بِالْحَجِّ. قَالُوا: ثَبَتَ فِي " لَا تَصُمْ " فَوَجَبَ فِي " صُمْ "؛ لِأَنَّهَا طَلَبٌ. رُدَّ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ. وَبِالْفَرْقِ بِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي النَّفْيَ. وَبِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْأَمْرِ مَانِعٌ مِنْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ النَّهْيِ. قَالُوا: الْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ يَعُمُّ فَيَلْزَمُ (التَّكْرَارُ) ، وَرُدَّ بِالْمَنْعِ. وَبِأَنَّ اقْتِضَاءَ النَّهْيِ لِلْأَضْدَادِ دَائِمًا فَرْعٌ عَلَى تَكْرَارِ الْأَمْرِ. ص - الْمَرَّةُ: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلَ مَرَّةً امْتَثَلَ. قُلْنَا: امْتَثَلَ لِفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ ; لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ، لَا لِأَنَّ الْأَمْرَ ظَاهِرٌ فِيهَا، وَلَا فِي التَّكْرَارِ. ص - الْمَوْقِفُ: لَوْ ثَبَتَ إِلَى آخِرِهِ. ص (مَسْأَلَةٌ) الْأَمْرُ إِذَا عُلِّقَ عَلَى عِلَّةٍ ثَابِتَةٍ وَجَبَ (تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِهَا) اتِّفَاقًا ; لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّبَاعِ الْعِلَّةِ لَا لِلْأَمْرِ. فَإِنْ عُلِّقَ عَلَى غَيْرِ عِلَّةٍ فَالْمُخْتَارُ: لَا يَقْتَضِي. لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: " إِنْ دَخَلْتَ السُّوقَ فَاشْتَرِ كَذَا " - عُدَّ مُمْتَثِلًا بِالْمَرَّةِ مُقْتَصِرًا. ص: قَالُوا: ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَوَامِرِ الشَّرْعِ: {إِذَا قُمْتُمْ - الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي - وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] . قُلْنَا: فِي غَيْرِ الْعِلَّةِ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ. قَالُوا: تَكَرُّرٌ لِلْعِلَّةِ فَالشَّرْطِ ; لِانْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ (بِانْتِفَائِهِ) . ص - (مَسْأَلَةٌ) الْقَائِلُونَ بِالتَّكْرَارِ قَائِلُونَ بِالْفَوْرِ. وَمَنْ قَالَ: الْمَرَّةُ تُبَرِّئُ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِلْفَوْرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِمَّا الْفَوْرُ أَوِ الْعَزْمُ. وَقَالَ الْإِمَامُ بِالْوَقْفِ لُغَةً، فَإِنْ بَادَرَ امْتَثَلَ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ، وَإِنْ بَادَرَ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا اخْتِيرَ فِي التَّكْرَارِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. لَنَا: مَا تَقَدَّمَ. ص - الْفَوْرُ: لَوْ قَالَ: " اسْقِنِي ". وَأَخَّرَ عُدَّ عَاصِيًا. قُلْنَا: لِلْقَرِينَةِ. قَالُوا: كُلُّ مُخْبِرٍ أَوْ مُنْشِئٍ فَقَصْدُهُ الْحَاضِرُ؛ مِثْلَ زَيْدٌ قَائِمٌ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّكْرَارِ. ش - الْأُسْتَاذُ وَمَنْ تَابَعَهُ احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَحُمِلَ عَلَى التَّكْرَارِ فِيهِمَا؛ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا لِلتَّكْرَارِ لَمَا حُمِلَ عَلَى التَّكْرَارِ فِيهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَيْسَ بِمُسْتَفَادٍ مِنَ الْأَمْرِ، بَلْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ فِي الْحَجِّ وَحُمِلَ عَلَى الْمَرَّةِ، فَلَوْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلتَّكْرَارِ لَمَا حُمِلَ عَلَى الْمَرَّةِ. الثَّانِي - أَنَّ النَّهْيَ مِثْلَ قَوْلِهِ " لَا تَصُمْ " يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَوَجَبَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْأَمْرُ مِثْلَ (صُمْ) التَّكْرَارَ. وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا: الطَّلَبُ. وَرُدَّ هَذَا الدَّلِيلُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ مُفِيدٍ. وَبِالْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي نَفْيَ الْفِعْلِ، وَنَفْيُ الْفِعْلِ دَائِمًا مُمْكِنٌ. وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْإِتْيَانَ بِالْفِعْلِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ دَائِمًا غَيْرُ مُمْكِنٍ. الثَّانِي - أَنَّ التَّكْرَارَ فِي النَّهْيِ يَمْنَعُ (عَنْ) نَهْيٍ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ التَّكْرَارِ فِي الْأَمْرِ ; فَإِنَّهُ يَمْنَعُ عَنِ الْأَمْرِ بِغَيْرِهِ. الثَّالِثُ - أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَقْتَضِيَ الْأَمْرُ التَّكْرَارَ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ، لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّهْيَ الضِّمْنِيَّ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ; لِأَنَّ اقْتِضَاءَ النَّهْيِ الضِّمْنِيِّ التَّكْرَارَ فَرْعٌ عَلَى اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ التَّكْرَارَ. فَلَا يُسْتَدَلُّ بِتَكْرَارِ النَّهْيِ الضِّمْنِيِّ عَلَى تَكْرَارِ الْأَمْرِ، وَإِلَّا كَانَ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْمَرَّةَ احْتَجَّ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ؛ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: " ادْخُلْ " فَدَخَلَ مَرَّةً، عُدَّ مُمْتَثِلًا. فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِلتَّكْرَارِ - لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَدُّ الْعَبْدُ مُمْتَثِلًا لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ. لِأَنَّ الْمَرَّةَ مِنْ ضَرُورَةِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ. لَا أَنَّ الْأَمْرَ ظَاهِرٌ فِي الْمَرَّةِ، وَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي التَّكْرَارِ. ش - احْتَجَّ الْقَائِلُ بِالْوَقْفِ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَرَّةُ وَالتَّكْرَارُ لَثَبَتَ إِمَّا بِلَا دَلِيلٍ أَوْ بِدَلِيلٍ إِلَى آخِرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتَقْرِيرُهُ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ قَدْ مَرَّ. [مَسْأَلَة: الْأَمْرُ إِذَا عُلِّقَ عَلَى عِلَّةٍ ثَابِتَةٍ] ش - هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعٌ عَلَى عَدَمِ اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ التَّكْرَارَ. إِذَا عُلِّقَ أَمْرٌ عَلَى صِفَةٍ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ عِلِّيَّةُ تِلْكَ الصِّفَةِ ثَابِتَةً أَمْ لَا. فَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً وَجَبَ تَكَرُّرُ الْفِعْلِ بِتَكَرُّرِ تِلْكَ الْعِلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْعِلَّةِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ تَكْرَارَ الْعِلَّةِ يُوجِبُ تَكْرَارَ الْمَعْلُولِ، لَا أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِلِّيَّةُ الصِّفَةِ ثَابِتَةً فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ بِتَكَرُّرِ الصِّفَةِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ تَكَرُّرَ الصِّفَةِ لَا يَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْفِعْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ دَخَلْتَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] السُّوقَ فَاشْتَرِ اللَّحْمَ - عُدَّ الْعَبْدُ مُمْتَثِلًا بِاقْتِصَارِهِ عَلَى شِرَاءِ اللَّحْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَإِنْ أَخَذَ الْعَبْدُ يَشْتَرِي اللَّحْمَ كُلَّمَا دَخَلَ السُّوقَ، عُدَّ مُسْتَحِقًّا لِلَّوْمِ. وَلَوْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلتَّكْرَارِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. ش - احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْأَمْرِ عَلَى الصِّفَةِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ ثَبَتَ فِي أَوَامِرِ الشَّرْعِ تَكَرُّرُ وُجُوبِ الْفِعْلِ بِتَكَرُّرِ الصِّفَاتِ الَّتِي عُلِّقَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَتِ الصِّفَاتُ شُرُوطًا أَوْ عِلَلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] . فَإِنَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ أَفَادَ التَّكْرَارَ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ عَلَى الصِّفَةِ مُطْلَقًا مُفِيدًا لِلتَّكْرَارِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ تَكْرَارَهُ فِي الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةٌ إِنَّمَا هُوَ لِتَكْرَارِ الْعِلَّةِ. وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَفِي الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْعِلَّةِ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ اقْتَضَى ذَلِكَ، لَا لِأَجْلِ التَّعْلِيقِ. الثَّانِي: - أَنَّ الْأَمْرَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْعِلَّةِ يُوجِبُ تَكَرُّرُ الْعِلَّةِ تَكَرُّرَهُ. فَالْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى أَنْ يُوجِبَ تَكَرُّرُ الشَّرْطِ تَكَرُّرَهُ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ أَقْوَى مِنَ الْعِلَّةِ ; لِانْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ. بِخِلَافِ الْمَعْلُولِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ، كَالْمَعْلُولِ النَّوْعِيِّ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ أَقْوَى مِنَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُقْتَضِيَةٌ لِمَعْلُولِهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَيْ كُلَّمَا وُجِدَتْ، وُجِدَ الْمَعْلُولُ. بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي مَشْرُوطَهُ؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ. وَكَوْنُ الْمَعْلُولِ النَّوْعِيِّ ثَابِتًا عِنْدَ عَدَمِ عِلَّتِهِ لَا يَقْدَحُ فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ، لِأَنَّ التَّكْرَارَ يُسْتَفَادُ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ. بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ - لَزِمَ الْقَدْحُ فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ. [مَسْأَلَةٌ: الْقَائِلُونَ بِالتَّكْرَارِ قَائِلُونَ بِالْفَوْرِ] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْفَوْرَ؛ لِأَنَّ اقْتِضَاءَ الْفَوْرِ يُلْزِمُ اقْتِضَاءَ التَّكْرَارِ ; لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ التَّكْرَارِ اسْتِغْرَاقَ جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِنْ وَقْتِ الْأَمْرِ إِلَى آخِرِ الْعُمْرِ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ تُبَرِّئُ الْمَأْمُورَ عَنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّهُ يَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا الْفَوْرَ أَوِ الْعَزْمَ عَلَى الْفِعْلِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالْوَقْفِ لُغَةً عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لُغَةً مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ أَوِ التَّرَاخِيَ. فَإِنْ بَادَرَ الْمَأْمُورُ وَأَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ مُمْتَثِلًا. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ، وَإِنْ بَادَرَ الْمَأْمُورُ وَأَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، لَمْ يُقْطَعْ بِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا، بَلْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ أَيْضًا، كَمَا يُتَوَقَّفُ فِي الْفَوْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا اخْتِيرَ فِي التَّكْرَارِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ، كَمَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّكْرَارِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مَدْلُولَ الْأَمْرِ: طَلَبُ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ، وَالْفَوْرُ وَالتَّرَاخِي خَارِجَانِ عَنْ مَفْهُومِهِ. فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مُقْتَضِيًا لِلْفَوْرِ وَلَا لِلتَّرَاخِي. وَأَيْضًا: الْفَوْرُ وَالتَّرَاخِي مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ احْتَجُّوا بِسَبْعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ السَّقْيِ عَلَى الْفَوْرِ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ، عُدَّ الْعَبْدُ عَاصِيًا وَاسْتَحَقَّ اللَّوْمَ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُقْتَضِيًا لِلْفَوْرِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْفَوْرَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْقَرِينَةِ لَا مِنْ مُطْلَقِ الْأَمْرِ. الثَّانِي - أَنَّ كُلَّ مُخْبِرٍ وَمُنْشِئٍ يَقْصِدُ بِإِخْبَارِهِ وَإِنْشَائِهِ الزَّمَانَ الْحَاضِرَ؛ مِثْلَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ. فَكَذَا الْأَمْرُ بِأَمْرِهِ ; لِأَنَّهُ قِسْمٌ مِنَ الْكَلَامِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ فَلَا يُفِيدُ. وَبِالْفَرْقِ بِأَنَّ فِي هَذَا - أَيِ الْأَمْرِ - اسْتِقْبَالًا قَطْعًا ; لِأَنَّ الْأَمْرَ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ، وَطَلَبُ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ مُقَدَّمٌ عَلَى حُصُولِهِ. فَيَكُونُ الْفِعْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُسْتَقْبَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَانِ صُدُورِ الْأَمْرِ عَنِ الْآمِرِ. بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِنْشَاءِ ; فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ وُقُوعُهُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ مِثْلَ قَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ; فَإِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنِ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَأَنْتِ طَالِقٌ. رُدَّ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ. وَبِالْفَرْقِ بِأَنَّ فِي هَذَا اسْتِقْبَالًا قَطْعًا. قَالُوا: طَلَبٌ كَالنَّهْيِ؛ وَالْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَا. قَالُوا: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] فَذَمَّ عَلَى تَرْكِ الْبِدَارِ. قُلْنَا: لِقَوْلِهِ: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} [الحجر: 29] . قَالُوا: لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ مَشْرُوعًا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ لَوْ صُرِّحَ بِالْجَوَازِ. وَبِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ مُتَعَيِّنًا. وَأَمَّا فِي الْجَوَازِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الِامْتِثَالِ. قَالُوا: قَالَ: (سَارِعُوا) (فَاسْتَبِقُوا) . قُلْنَا: مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ؛ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُسَارِعًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ص - الْقَاضِي: مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُوَسَّعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي الزَّمَانَ الْحَاضِرَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِقْبَالِ؛ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: سَيُضْرَبُ زَيْدٌ. الثَّالِثُ - أَنَّ الْأَمْرَ طَلَبٌ كَالنَّهْيِ. وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ، فَكَذَا الْأَمْرُ؛ قِيَاسًا عَلَيْهِ. الرَّابِعُ - أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الضِّدِّ يَسْتَلْزِمُ الْفَوْرَ، فَكَذَا الْأَمْرُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلنَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. الْخَامِسُ - أَنَّهُ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَلَائِكَةَ وَإِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، وَتَرَكَ إِبْلِيسُ السُّجُودَ، فَذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْفَوْرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلِاسْتِفْهَامِ، فَيَكُونُ لِلذَّمِّ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا حَسُنَ الذَّمُّ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ، إِذْ كَانَ لِإِبْلِيسَ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا تَرَكْتُ السُّجُودَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ. أَجَابَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اقْتَضَى الْفَوْرَ، لَا لِكَوْنِهِ أَمْرًا؛ بَلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عُقَيْبَ التَّسْوِيَةِ وَنَفْخِ الرُّوحِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ مُفِيدًا لِلْفَوْرِ. السَّادِسُ - لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ مَشْرُوعًا، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ التَّأْخِيرُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ، لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَ الْمُكَلَّفَ بِالْفِعْلِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ، مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي قَدْ كُلِّفَ بِالْمَنْعِ مِنَ التَّأْخِيرِ عَنْهُ. فَيَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُعْلَمُ، وَذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَيْسَ إِلَّا وَقْتًا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بَعْدَهُ ; لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّرَاخِي قَائِلُونَ بِهِ. وَلَكِنَّ غَلَبَةَ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ إِلَّا كِبَرَ السِّنِّ أَوْ مَرَضًا شَدِيدًا ; لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُكَلَّفِينَ قَدْ يَمُوتُونَ دُونَهُمَا. أَجَابَ أَوَّلًا - بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِمَا إِذَا صُرِّحَ لِلْمُكَلَّفِ بِجَوَازِ التَّرَاخِي؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: صَلِّ مَتَى شِئْتَ ; فَإِنَّهُ يَطْرُدُ هَذَا الدَّلِيلَ فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ لِلتَّرَاخِي بِالِاتِّفَاقِ. وَثَانِيًا - بِأَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِبِ التَّأْخِيرُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ مُتَعَيِّنًا، وَلَمْ يَجُزِ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا إِذَا جَازَ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا - لَا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ ; لِتَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنَ الِامْتِثَالِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ حِينَئِذٍ. السَّابِعُ - أَنْ يُقَالَ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَسَبَبٌ لِلْمَغْفِرَةِ. فَوَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالْمُسَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُسَابَقَةِ وَالْمُسَارَعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُسَارَعَةَ وَالْمُسَابَقَةَ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنَ التَّأْخِيرِ ; لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى وُجُوبِ الْمُسَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ، لَتَضَيَّقَ وَقْتُهُ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْكِهِ، فَلَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ مُسَارِعًا عِنْدَ إِتْيَانِهِ فِي وَقْتِهِ، لِأَنَّ الْمُسَارِعَ هُوَ مُبَاشِرُ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مَعَ جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ. ش - دَلِيلُ الْقَاضِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ مِنْ وُجُوبِ الْعَزْمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوِ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ. وَتَقْرِيرُهُ مَعَ الْجَوَابِ (يُعْلَمُ) مِنْ ثَمَّةَ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِعَادَتِهِ. ش - قَالَ الْإِمَامُ: طَلَبُ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ مُتَحَقِّقٌ مِنَ الْأَمْرِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالتَّأْخِيرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَوَجَبَ تَرْكُ الْمَشْكُوكِ فَتَعَيَّنَ الْبِدَارُ. أَجَابَ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّأْخِيرِ وَالْبِدَارِ، وَكَمَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ يَحْتَمِلُ الْبِدَارَ، وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالْبِدَارِ، يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالتَّأْخِيرِ، فَلَا يَكُونُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِالتَّأْخِيرِ مَشْكُوكًا. [مَسْأَلَة: الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ هل نَهْي عَنْ ضِدِّهِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَمْ لَا؟ اخْتِيَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ عَقْلًا، أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَالْمُرَادُ بِالضِّدِّ مَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ " مُعَيَّنٍ ". قِيلَ: فَائِدَتُهُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْأَمْرِ بِالضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، فَإِنَّهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ. وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: " افْعَلْ شَيْئًا " فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا ضِدَّ لَهُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ضِدٌّ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِمِثْلِهِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 ص - الْإِمَامُ: الطَّلَبُ مُتَحَقِّقٌ، وَالتَّأْخِيرُ مَشْكُوكٌ، فَوَجَبَ الْبِدَارُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْكُوكٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَّالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ عَقْلًا. وَقَالَ الْقَاضِي وَمُتَابِعُوهُ: نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. ثُمَّ قَالَ: يَتَضَمَّنُهُ. ثُمَّ اقْتَصَرَ قَوْمٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَالنَّهْيُ كَذَلِكَ فِيهِمَا. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْوُجُوبَ دُونَ النَّدْبِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 ص - لَنَا: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنِ الضِّدِّ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِ تَعَقُّلِ الضِّدِّ وَالْكَفِّ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ مَطْلُوبُ النَّهْيِ. وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِالطَّلَبِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُمَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِيهَا تَعَسُّفٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمُتَابِعُوهُ: أَوَّلًا: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ بِعَيْنِهِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: ثَانِيًا: إِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، أَيْ يَسْتَلْزِمُهُ. ثُمَّ اقْتَصَرَ قَوْمٌ مِنَ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِهِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ، وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَالنَّهْيُ كَذَلِكَ فِيهِمَا، أَيِ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أَوْ يَقْتَضِيهِ عَقْلًا. ثُمَّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ، مَنْ قَالَ: إِنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ، لَا أَمْرَ النَّدْبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَخُصُّ بِهِ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ عَقْلًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، أَوْ مُقْتَضِيًا لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، لَمْ يَحْصُلِ الْأَمْرُ بِدُونِ تَعَقُّلِ الضِّدِّ، وَتَعَقُّلِ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ حِينَئِذٍ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الضِّدِّ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ تَعَقُّلِ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ ; لِأَنَّ الْكَفَّ عَنِ الضِّدِّ مَطْلُوبُ النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ تَصَوُّرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، لِامْتِنَاعِ طَلَبِ غَيْرِ الْمُتَصَوَّرِ، وَتَعَقُّلُ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ لَا يُعْقَلُ بِدُونِ تَعَقُّلِ الضِّدِّ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي - فَلِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَطْلُبُ شَيْئًا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ ضِدِّهِ وَالْكَفِّ عَنْهُ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي ; فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الضِّدُّ الْعَامُّ. وَتَعَقُّلُهُ حَاصِلٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَطْلُبْهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ طَلَبَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالْكَفُّ وَاضِحٌ. ص - الْقَاضِي: لَوْ لَمْ يَكُنْ إِيَّاهُ لَكَانَ ضِدًّا أَوْ مِثْلًا، أَوْ خِلَافًا. لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي صِفَاتِ النَّفْسِ أَوْ لَا. الثَّانِي: إِمَّا أَنْ يَتَنَافَيَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ لَا. فَلَوْ كَانَا مِثْلَيْنِ أَوْ ضِدَّيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا. وَلَوْ كَانَا خِلَافَيْنِ لَجَازَ أَحَدُهُمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ وَخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْخِلَافَيْنِ. وَيَسْتَحِيلُ الْأَمْرُ مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِضِدِّهِ ; لِأَنَّهُمَا نَقِيضَانِ. أَوْ تَكْلِيفٌ بِغَيْرِ الْمُمْكِنِ. وَأُجِيبُ: إِنْ أَرَادَ بِطَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ طَلَبَ الْكَفِّ مُنِعَ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الطَّلَبِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ ضِدِّهِ وَالْكَفِّ عَنْهُ، لِأَنَّ الضِّدَّ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ فِعْلُهُ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاةِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَالْأَوَّلُ خَاصٌّ وَالثَّانِي عَامٌّ. وَالْمُرَادُ بِالضِّدِّ هَا هُنَا هُوَ الضِّدُّ الْعَامُّ. وَيَمْتَنِعُ تَحَقُّقُ الطَّلَبِ مَعَ الذُّهُولِ عَنِ الضِّدِّ الْعَامِّ ; لِأَنَّ تَعَقُّلَ الضِّدِّ الْعَامِّ حَاصِلٌ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ ; لِأَنَّ الْآمِرَ عِنْدَ الْأَمْرِ يَعْلَمُ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَمْ يَأْمُرْهُ، لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْآمِرَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلَى الْفِعْلِ لَمْ يَأْمُرْهُ. قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ يُطْلَبُ بِهِ تَحْصِيلُ الْفِعْلِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْأَمْرَ يُطْلَبُ بِهِ الْفِعْلُ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الضِّدَّ الْعَامَّ مَعْلُومٌ لِلْآمِرِ، وَلَكِنَّ الْكَفَّ وَاضِحٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ الْعَامِّ ; لِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ مَعَ الْمَنْعِ مِنْ تَرْكِهِ. ش - احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - لَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ عَيْنَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ لَكَانَ إِمَّا ضِدًّا لَهُ أَوْ مِثْلًا لَهُ أَوْ خِلَافًا لَهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَالِانْحِصَارِهِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 لَازِمُهُمَا عِنْدَهُ، فَقَدْ يَتَلَازَمُ الْخِلَافَانِ، فَيَسْتَحِيلُ ذَلِكَ. وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا ضِدَّ ضِدِّ الْآخَرِ؛ كَالظَّنِّ وَالشَّكِّ، فَإِنَّهُمَا مَعًا ضِدُّ الْعِلْمِ. وَإِنْ أَرَادَ بِتَرْكِ ضِدِّهِ عَيْنَ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ رَجَعَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا فِي تَسْمِيَتِهِ تَرْكًا، ثُمَّ فِي تَسْمِيَةِ طَلَبِهِ نَهْيًا. الْقَاضِي أَيْضًا: السُّكُونُ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ، فَطَلَبُ السُّكُونِ طَلَبُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ. وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ. ص - التَّضَمُّنُ: أَمْرُ الْإِيجَابِ طَلَبُ فِعْلٍ يُذَمُّ عَلَى تَرْكِهِ اتِّفَاقًا، وَلَا يُذَمُّ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ، وَهُوَ الْكَفُّ أَوِ الضِّدُّ. فَيَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ (مَعْقُولِهِ، لَا بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. وَإِنْ سُلِّمَ فَالذَّمُّ عَلَى أَنَّهُ) لَمْ يَفْعَلْ، لَا عَلَى فِعْلٍ. وَإِنْ سُلِّمَ فَالنَّهْيُ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، لَا عَنْ كَفٍّ، وَإِلَّا أَدَّى إِلَى وُجُوبِ تَصَوُّرِ الْكَفِّ عَنِ الْكَفِّ لِكُلِّ آمِرٍ. وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا. قَالُوا: لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِتَرْكِ ضِدِّهِ؛ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ نَفْيِهِ، فَيَكُونُ مَطْلُوبًا، وَهُوَ مَعْنَى النَّهْيِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] غَيْرَهُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا (لَهُ) فِي صِفَاتِ نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ، أَيْ فِي تَمَامِ ذَاتِيَّاتِهِ أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ هُمَا الْمِثْلَانِ، كَزَيْدٍ وَخَالِدٍ. وَالثَّانِي إِمَّا يَتَنَافَيَا لِذَاتَيْهِمَا أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ هُمَا الضِّدَّانِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ النَّقِيضَانِ، كَالْإِنْسَانِ وَاللَّا إِنْسَانِ ; وَالْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ كَالْعَمَى وَالْبَصَرِ، وَالضِّدَّانِ الْوُجُودِيَّانِ اللَّذَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ. وَالثَّانِي هُمَا الْخِلَافَانِ، كَالْحَرَكَةِ وَالسَّوَادِ. وَأَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي - فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ لَوْ كَانَا مِثْلَيْنِ أَوْ ضِدَّيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا، ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَالْمِثْلَيْنِ، لَكِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ يَجْتَمِعَانِ، فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ مِثْلَيْنِ وَلَا ضِدَّيْنِ. وَلَوْ كَانَا خَلِافَيْنِ لَجَازَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ، وَمَعَ خِلَافِ الْآخَرِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْخِلَافَيْنِ جَوَازُ اجْتِمَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ وَمَعَ خِلَافِ الْآخَرِ؛ كَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ، فَإِنَّهُمَا خِلَافَانِ، وَجَازَ وُجُودُ الْعِلْمِ مَعَ الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَجَازَ وُجُودُ الْإِرَادَةِ مَعَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعِلْمِ، وَمَعَ السَّخَاوَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْعِلْمِ. لَكِنْ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالضِّدِّ ضِدَّ النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ، وَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِضِدِّهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْأَمْرُ بِالنَّقِيضَيْنِ؛ إِنْ كَانَ الضِّدَّانِ نَقِيضَيْنِ، أَوِ الْأَمْرُ بِالْمُتَنَافِيَيْنِ؛ إِنْ لَمْ يَكُنِ الضِّدَّانِ نَقِيضَيْنِ. وَهَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ خَلِافَيْنِ. وَإِذَا بَطَلَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ بَطَلَ التَّالِي. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْقَاضِي بِطَلَبِ تَرْكِ الضِّدِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ - طَلَبَ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ (يَخْتَارُ) أَنَّهُمَا خِلَافَانِ. وَيُمْنَعُ عِنْدَ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مَا جَعَلَ الْقَاضِي لَازِمَ الْخِلَافَيْنِ؛ وَهُوَ جَوَازُ اجْتِمَاعِ الْخِلَافِ مَعَ ضِدِّ الْخِلَافِ وَمَعَ خِلَافِ الْخِلَافِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَلَازَمُ الْخِلَافَانِ، كَالْعِلَّةِ وَمَعْلُولِهَا الْمُسَاوِي لَهَا فَيَسْتَحِيلُ جَوَازُ اجْتِمَاعِ أَحَدِهِمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الضِّدَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْآخَرِ. فَكُلَّمَا يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا يَصْدُقُ الْآخَرُ. وَأَيْضًا: قَدْ يَكُونُ ضِدُّ أَحَدِ الْخِلَافَيْنِ ضِدَّ الْخِلَافِ الْآخَرِ، كَالظَّنِّ وَالشَّكِّ فَإِنَّهُمَا خِلَافَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضِدٌّ لِلْعِلْمِ، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا ضِدَّ الْآخَرِ. وَهَذَا الْمِثَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الظَّنَّ وَالشَّكَّ ضِدَّانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الضِّدَّيْنِ. وَالْمِثَالُ الصَّحِيحُ: هُوَ الضَّاحِكُ وَالْكَاتِبُ ; فَإِنَّهُمَا خَلِافَانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَسَّرَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضِدٌّ لِلصَّاهِلِ. وَإِنْ أَرَادَ بِطَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ طَلَبَ عَيْنِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ - كَانَ النَّهْيُ عَنِ الضِّدِّ عَيْنَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ، فَلَا يَبْقَى نِزَاعٌ فِي الْمَعْنَى، بَلْ رَجَعَ التَّنَازُعُ لَفْظِيًّا فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِتَرْكِ الضِّدِّ، ثُمَّ فِي تَسْمِيَةِ طَلَبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ نَهْيًا. قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ تَرْكِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ جُزْءُ الطَّلَبِ الْجَازِمِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مُدَّعَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الضِّدِّ هُوَ عَيْنُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ، لَا جُزْؤُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السُّكُونَ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ ; فَطَلَبُ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ بِالسُّكُونِ هُوَ بِعَيْنِهِ طَلَبُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ عَنْ ضِدِّ السُّكُونِ. أَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ حِينَئِذٍ لَفْظِيًّا. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ - أَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ هُوَ طَلَبُ فِعْلٍ يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ اتِّفَاقًا. وَلَا يُذَمُّ إِلَّا عَلَى فِعْلٍ، لِأَنَّ الْعَدَمَ الْمُسْتَمِرَّ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَغَيْرُ الْمَقْدُورِ لَا يُذَمُّ عَلَيْهِ. فَالْفِعْلُ الَّذِي يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ الْإِيجَابِ هُوَ الْكَفُّ أَوْ فِعْلُ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ ; فَيَكُونُ الْكَفُّ أَوْ فِعْلُ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ. فَيَكُونُ أَمْرُ الْإِيجَابِ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنِ الْكَفِّ أَوْ فِعْلِ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الذَّمَّ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ مَعْقُولِ الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ يَدُلُّ عَلَى الذَّمِّ عَقْلًا، لَا أَنَّهُ يَعْلَمُ الذَّمَّ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; إِذِ الْعِلْمُ بِالذَّمِّ عَلَى التَّرْكِ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. وَلِهَذَا جَوَّزَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ الْإِيجَابَ بِدُونِ الذَّمِّ. وَلَوْ كَانَ الذَّمُّ مِنْ مَعْقُولِ الْإِيجَابِ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ تَجْوِيزِهِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ مِنْ مَعْقُولِ الْأَمْرِ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذَّمَّ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الذَّمُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، لَا عَلَى فِعْلٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 ص - الطَّارِدُونَ: مُتَمَسَّكَا الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمَانِ. وَأَيْضًا - النَّهْيُ: طَلَبُ تَرْكِ الْفِعْلَ، وَالتَّرْكُ فِعْلُ الضِّدِّ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالضِّدِّ. قُلْنَا: فَيَكُونُ الزِّنَا وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكُ لِوَاطٍ، وَبِالْعَكْسِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُهُ: الْعَدَمُ غَيْرُ مَقْدُورٍ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ الذَّمَّ عَلَى الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ الْكَفُّ مَنْهِيًّا عَنْهُ ; لِأَنَّ النَّهْيَ هُوَ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، لَا طَلَبُ كَفٍّ عَنْ كَفٍّ، وَإِلَّا أَدَّى إِلَى وُجُوبِ تَصَوُّرِ الْكَفِّ عَنِ الْكَفِّ لِكُلِّ آمِرٍ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَ النَّهْيِ عَنِ الْكَفِّ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْكَفِّ عَنِ الْكَفِّ. وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْآمِرَ لَا يَتَصَوَّرُ الْكَفَّ عَنِ الْكَفِّ حِينَ يَأْمُرُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ النَّهْيُ طَلَبَ كَفٍّ عَنْ كَفٍّ لَمْ يَكُنِ الْكَفُّ الَّذِي ذُمَّ عَلَيْهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ النَّهْيَ عَنِ الْكَفِّ وَلَا عَنِ الضِّدِّ. الثَّانِي - أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَاجِبًا، وَالْوَاجِبُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَرْكِ الضِّدِّ. وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ: فَتَرْكُ الضِّدِّ وَاجِبٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتَرْكُ الضِّدِّ الْكَفُّ عَنْهُ أَوْ نَفْيُهُ. فَيَكُونُ الْكَفُّ عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ نَفْيِهِ مَطْلُوبًا فَيَكُونُ ضِدُّ الْمَأْمُورِ بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ ; لِأَنَّ مَعْنَى النَّهْيِ طَلَبُ الْكَفِّ عَنِ الضِّدِّ أَوْ طَلَبُ نَفْيِهِ. فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ ; وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، بَلْ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ إِذَا كَانَ شَرْطًا شَرْعِيًّا كَانَ وَاجِبًا. وَتَرْكُ الضِّدِّ لَا يَكُونُ شَرْطًا شَرْعِيًّا. فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الشَّيْءِ وُجُوبُهُ. ش - الطَّارِدُونَ: أَعْنِي الْقَائِلِينَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هُوَ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْهُمَا مُتَمَسَّكَا الْقَاضِي، أَعْنِي الدَّلِيلَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى عَدَمِ الْمُغَايَرَةِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ، لَكَانَ إِمَّا مِثْلَهُ أَوْ ضِدَّهُ أَوْ خِلَافَهُ إِلَى آخِرِهِ. وَالْآخَرُ الدَّلِيلُ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُوَ أَنَّ تَرْكَ الْحَرَكَةِ عَيْنُ السُّكُونِ. فَالنَّهْيُ عَنِ الْحَرَكَةِ هُوَ عَيْنُ الْأَمْرِ بِالسُّكُونِ. وَتَقْرِيرُ جَوَابِهِمَا قَدْ مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا. وَبِأَنْ لَا مُبَاحَ. وَبِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ الْكَفِّ لَا الضِّدِّ الْمُرَادِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: فَالْكَفُّ فِعْلٌ فَيَكُونُ أَمْرًا (بِضِدِّهِ) رَجَعَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ نَوْعًا مِنَ الْأَمْرِ. وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ: الْأَمْرُ طَلَبُ فِعْلٍ لَا كَفٍّ. ص - الطَّارِدُونَ فِي التَّضَمُّنِ: لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ بِالنَّهْيِ إِلَّا بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ، كَالْأَمْرِ. وَأُجِيبَ بِالْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ، وَبِأَنْ لَا مُبَاحَ. ص - وَالْفَارُّ مِنَ الطَّرْدِ إِمَّا لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيٍ، وَإِمَّا لِلْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ. وَإِمَّا لِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَسْتَلْزِمُ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ، وَهُوَ فِعْلٌ فَاسْتُلْزِمَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالنَّهْيُ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ فَلَمْ يَسْتَلْزِمِ الْأَمْرَ، لِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ، لَا كَفٍّ. وَإِمَّا لِإِبْطَالِ الْمُبَاحِ. ص - وَالْمُخَصَّصُ: الْوُجُوبُ لِلْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْإِجْزَاءُ: الِامْتِثَالُ. فَالْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ يُحَقِّقُهُ اتِّفَاقًا. وَقِيلَ: الْإِجْزَاءُ: إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ، فَيَسْتَلْزِمُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: لَا يَسْتَلْزِمُهُ. لَنَا: لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْهُ لَمْ يُعْلَمِ امْتِثَالٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَضَاءَ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فَاتَ مِنَ الْأَدَاءِ. فَيَكُونُ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ لَكَانَ الْمُصَلِّي بِظَنِّ الطَّهَارَةِ آثِمًا أَوْ سَاقِطًا عَنْهُ الْقَضَاءُ، إِذَا تَبَيَّنَ الْحَدَثَ. وَأُجِيبُ بِالسُّقُوطِ لِلْخِلَافِ. وَبِأَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلُهُ بِأَمْرٍ آخَرَ عِنْدَ التَّبَيُّنِ. وَإِتْمَامُ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَاضِحٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) صِيغَةُ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ لَنَا غَلَبَتُهَا شَرْعًا ; {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] . قَالُوا: لَوْ كَانَ مَانِعًا لَمَنَعَ مِنَ التَّصْرِيحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّصْرِيحَ قَدْ يَكُونُ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ - أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ تَرْكِ فِعْلٍ، وَتَرْكُ الْفِعْلِ هُوَ بِعَيْنِهِ فِعْلُ الضِّدِّ ; فَالنَّهْيُ طَلَبُ فِعْلِ الضِّدِّ، وَكُلُّ مَا هُوَ طَلَبُ فِعْلٍ فَهُوَ أَمْرٌ، فَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ. أَجَابَ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - لَوْ كَانَ تَرْكُ فِعْلٍ هُوَ بِعَيْنِهِ فِعْلٌ بِالضِّدِّ، لَكَانَ الزِّنَا وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكُ اللِّوَاطِ، وَلَكَانَ اللِّوَاطُ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكُ الزِّنَا، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ تَرْكَ الزِّنَا حِينَئِذٍ يَكُونُ فِعْلَ اللِّوَاطِ الَّذِي هُوَ ضِدُّهُ. وَتَرْكُ اللِّوَاطِ أَيْضًا فِعْلُ الزِّنَا. وَكُلٌّ مِنْ تَرْكِ اللِّوَاطِ وَتَرْكِ الزِّنَا وَاجِبٌ. فَيَكُونُ فِعْلُ كُلٍّ مِنَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ الَّذِي هُوَ بِعَيْنِهِ تَرْكُ الْآخَرِ وَاجِبًا. الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَرْكُ فِعْلٍ هُوَ بِعَيْنِهِ فِعْلُ ضِدِّهِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُبَاحُ مُتَحَقِّقًا فِي الشَّرْعِ ; لِأَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ ضِدُّ الْحَرَامِ، وَضِدُّ الْحَرَامِ بِعَيْنِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ. فَيَكُونُ كُلُّ مُبَاحٍ وَاجِبًا. فَلَا يَكُونُ الْمُبَاحُ مُتَحَقِّقًا. الثَّالِثُ - أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ الْكَفِّ عَنِ الْفِعْلِ. فَيَكُونُ الْكَفُّ عَنِ الْفِعْلِ مَطْلُوبًا، لَا فِعْلُ الضِّدِّ الْمُرَادِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ سُلِّمَ أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ كَفٍّ عَنِ الْفِعْلِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَالْكَفُّ فِعْلٌ، فَيَكُونُ طَلَبُهُ أَمْرًا، لِأَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ أَمْرٌ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ رَجَعَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، لِأَنَّا لَا نُسَمِّي طَلَبَ الْكَفِّ أَمْرًا، وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ أَمْرًا. وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ نَوْعًا مِنَ الْأَمْرِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ طَلَبُ الْفِعْلِ - سَوَاءٌ كَانَ كَفًّا أَوْ غَيْرَهُ - أَمْرًا. ثُمَّ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَفًّا سُمِّيَ نَهْيًا أَيْضًا. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّهْيَ نَوْعٌ مِنَ الْأَمْرِ بَاطِلٌ. (وَمِنْ ثَمَّ؛ أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّهْيَ نَوْعٌ مِنَ الْأَمْرِ، بَاطِلٌ) قِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْأَمْرِ: إِنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ. ش - الطَّارِدُونَ فِي التَّضَمُّنِ؛ أَيِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، احْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالنَّهْيِ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ - سَوَاءٌ كَانَ كَفًّا، أَوْ أَنْ لَا يَفْعَلَ - لَا يَتِمُّ وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِفِعْلِ أَحَدِ أَضْدَادِهِ كَالْأَمْرِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِ لَا يَحْصُلُ وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَرْكِ أَحَدِ أَضْدَادِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ. فَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ طَلَبَ فِعْلِ الضِّدِّ، وَطَلَبُ فِعْلِ الضِّدِّ أَمْرٌ، فَيَكُونُ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمًا لِلْأَمْرِ. أُجِيبُ عَنْهُ بِالْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ تَرْكِ الزِّنَا مُسْتَلْزِمًا لِطَلَبِ فِعْلِ اللِّوَاطِ، وَبِالْعَكْسِ. وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ لَا مُبَاحَ فِي الشَّرْعِ كَمَا ذَكَرَ. ش - الْفَارُّ مِنَ الطَّرْدِ، أَعْنِي الْقَائِلَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ النَّهْيُ عَنِ الضِّدِّ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمْرًا بِالشَّيْءِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، إِنَّمَا يَفِرُّ مِنَ الطَّرْدِ. إِمَّا لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيِ فِعْلٍ، أَيْ طَلَبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَهُوَ عَدَمٌ. وَالْأَمْرُ طَلَبُ وُجُودِ فِعْلٍ، وَطَلَبُ الْعَدَمِ لَا يَكُونُ طَلَبَ الْوُجُودِ وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ. وَهَذَا الدَّلِيلُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهُ ; لِأَنَّ طَلَبَ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ طَلَبَ الْعَدَمِ، وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ. وَأَمَّا الْإِلْزَامُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ لُزُومُ كَوْنِ الزِّنَا وَاجِبًا، وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَوْ كَانَ عَيْنَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ بِعَيْنِهِ نَهْيًا عَنِ الْحَجِّ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ ضِدُّ الْحَجِّ. وَإِمَّا لِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَسْتَلْزِمُ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ، وَالتَّرْكُ فِعْلٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الذَّمَّ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْفِعْلِ، فَاسْتَلْزَمَ الْأَمْرُ النَّهْيَ ; لِأَنَّ التَّرْكَ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ يُذَمُّ عَلَيْهِ، مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالضِّدِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، وَالْأَمْرَ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ. فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمًا لِلْأَمْرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ الْكَفِّ مُسْتَلْزِمًا لِطَلَبٍ غَيْرِ الْكَفِّ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا الدَّلِيلُ أَيْضًا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ ; لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِلْزَامُ طَلَبِ الْكَفِّ لِطَلَبِ غَيْرِ الْكَفِّ لَا يُمْكِنُ اسْتِلْزَامُ طَلَبِ غَيْرِ الْكَفِّ لِلْكَفِّ. وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمًا لِلْأَمْرِ، لَزِمَ نَفْيُ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ النَّهْيِ الْأَمْرُ بِالْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَانْتَفَى الْمُبَاحُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ وَاجِبٌ. وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَوْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ يَلْزَمُ أَيْضًا نَفْيُ الْمُبَاحِ. ش - أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ، إِنَّمَا خَصَّصَ أَمْرَ الْإِيجَابِ نَظَرًا إِلَى الْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. أَمَّا إِلَى الْأَوَّلِ مِنَ الْأَخِيرَيْنِ ; فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَلْزَمَ الْأَمْرُ النَّهْيَ بِسَبَبِ الذَّمِّ عَلَى التَّرْكِ، وَلَا ذَمَّ عَلَى التَّرْكِ فِي النَّدْبِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِ النَّدْبِ النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ. وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي، فَلِأَنَّ اسْتِلْزَامَ الْأَمْرِ لِلنَّهْيِ يُوجِبُ نَفْيَ الْمُبَاحِ، وَنَفْيُ الْمُبَاحِ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَخُصِّصَ أَمْرُ الْإِيجَابِ بِاسْتِلْزَامِهِ النَّهْيَ دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ ; لِأَنَّ خِلَافَ الْأَصْلِ كُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَشَدَّ مَحْذُورًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الذَّمِّ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّرْكِ عَدَمُ اسْتِلْزَامِ الْأَمْرِ لِلنَّهْيِ ; فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَعْلُولِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ أَمْرُ النَّدْبِ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُذَمَّ عَلَى تَرْكِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّدْبَ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ لَا مَعَ الْجَزْمِ، وَطَلَبُ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي رُجْحَانَهُ، فَيَكُونُ تَرْكُ الْفِعْلِ الْمَنْدُوبِ مَرْجُوحًا، وَهُوَ لَازِمٌ لِضِدِّ فِعْلِ الْمَنْدُوبِ. فَيَكُونُ ضِدُّ فِعْلِ الْمَنْدُوبِ مَرْجُوحًا، وَتَرْكُ الْمَرْجُوحِ مَطْلُوبٌ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضِدُّ الْفِعْلِ الْمَنْدُوبِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، فَيَكُونُ أَمْرُ النَّدْبِ أَيْضًا مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ. وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ اخْتِصَاصَ أَمْرِ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِلْزَامِ، دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ تَخْصِيصٌ بِلَا مُخَصِّصٍ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجْزَاءُ: الِامْتِثَالُ] ش - اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْإِجْزَاءِ. فَقَالَ قَوْمٌ: الْإِجْزَاءُ هُوَ الِامْتِثَالُ؛ فَعَلَى هَذَا، الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِهِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، يُحَقِّقُ الْإِجْزَاءَ بِالِاتِّفَاقِ. وَقِيلَ: الْإِجْزَاءُ: سُقُوطُ الْقَضَاءِ؛ فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ ذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ الْإِجْزَاءَ، أَعْنِي سُقُوطَ الْقَضَاءِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِجْزَاءَ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمِ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الْإِجْزَاءَ - لَمْ يُعْلَمِ الِامْتِثَالُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا، لَبَقِيَ احْتِمَالُ تَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ، وَمَعَ احْتِمَالِ تَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ بِهِ يُحْتَمَلُ عَدَمُ الِامْتِثَالِ؛ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَجُّهُ التَّكْلِيفِ مَعَ تَحَقُّقِ الِامْتِثَالِ، وَإِذَا احْتَمَلَ عَدَمَ الِامْتِثَالِ - لَمْ يُعْلَمِ الِامْتِثَالُ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يُنَافِي احْتِمَالَ النَّقِيضِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: احْتِمَالُ تَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] احْتِمَالَ عَدَمِ الِامْتِثَالِ، فَإِنَّ فَاقَدِ الطَّهُورَيْنِ إِذَا صَلَّى تَحَقَّقَ الِامْتِثَالُ. وَمَعَ هَذَا تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ بِهِ. الثَّانِي - أَنَّ الْقَضَاءَ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فَاتَ مِنَ الْأَدَاءِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ لَكَانَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْقَضَاءِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ كَانَ الْقَضَاءُ اسْتِدْرَاكًا لِلْأَدَاءِ الْحَاصِلِ، فَيَكُونُ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْأَدَاءُ الْمُسْتَدْرَكُ بِالْقَضَاءِ غَيْرُ الْأَدَاءِ الْحَاصِلِ، فَلَا يَكُونُ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ. ش - قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَمُتَابِعُوهُ: لَوْ كَانَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِجْزَاءِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ لَكَانَ الْمُصَلِّي بِظَنِّ الطَّهَارَةِ آثِمًا أَوْ سَاقِطًا عَنْهُ الْقَضَاءُ إِذَا تَبَيَّنَ حَدَثَهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالصَّلَاةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهَا مَعَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ ; أَوْ مَأْمُورًا بِهَا مَعَ ظَنِّهَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَدْ سَقَطَ الْقَضَاءُ، لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. أَجَابَ عَنْهُ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ سُقُوطِ الْقَضَاءِ بِالِاتِّفَاقِ ; فَإِنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا سُقُوطُهُ. وَأَيْضًا: مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْإِتْيَانُ بِهِ، لَيْسَ قَضَاءً لِمَا أَتَى بِهِ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ آخَرُ مِثْلُ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَدْ أَتَى بِهِ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ عِنْدَ تَبَيُّنِ الْحَدَثِ، لَا بِسَبَبِ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الْحَجِّ الْفَاسِدِ بَعْدَ إِتْمَامِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمَأْمُورَ مَأْمُورٌ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ، فَيَكُونُ آتِيًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَيَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِسُقُوطِ الْقَضَاءِ؛ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَاجِبٌ، وَإِتْمَامُ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُمَاثِلًا لِمَا أَتَى بِهِ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، فَلَا يَكُونُ قَضَاءً لِلْحَجِّ الْفَاسِدِ. [مَسْأَلَةٌ صِيغَةُ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ] ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ إِذَا وَرَدَ عُقَيْبَ الْحَظْرِ، هَلْ يَكُونُ لِلْوُجُوبِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ وُرُودَ صِيغَةِ الْأَمْرِ عُقَيْبَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُرُودَ صِيغَةِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ غَالِبٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى وُرُودِهَا بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْوُجُوبِ ; مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] . وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ وُرُودَهُ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْوُجُوبِ احْتَجُّوا بِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَوُرُودُهُ بَعْدَ الْحَظْرِ لَا يَكُونُ مَانِعًا لِلْوُجُوبِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَانِعًا لِلْوُجُوبِ لَمَنَعَ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالْوُجُوبِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ مَثَلًا بَعْدَ حَظْرِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمُ الْقِتَالَ. وَإِذَا تَحَقَّقَ الْمُوجِبُ لِلْوُجُوبِ وَانْتَفَى الْمَانِعُ لَزِمَ الْوُجُوبُ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمَانِعِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ وُرُودَ هَذِهِ الصِّيغَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ إِذَا كَانَ مَانِعًا لِلْوُجُوبِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ التَّصْرِيحِ بِالْوُجُوبِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا لِلْوُجُوبِ ظَاهِرًا، وَيَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ قَدْ يَكُونُ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ. [مَسْأَلَةٌ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ أو بالأول] ش - الْأَمْرُ إِذَا وَرَدَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ بِوَقْتٍ أَوْ لَا ; فَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ بِوَقْتٍ فَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ، فَهُوَ كَالْمُقَدَّرِ بِوَقْتٍ. وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْفَوْرِ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَمْ يُتَصَوَّرْ قَضَاؤُهُ، بَلْ يَكُونُ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ. وَأَمَّا إِذَا قُدِّرَ بِوَقْتٍ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ الْمُقْتَضِي لِلْأَدَاءِ، أَوْ لِأَمْرٍ آخَرَ مُجَدَّدٍ؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالْأَوَّلِ. لَنَا: لَوْ وَجَبَ بِهِ لَاقْتَضَاهُ. صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ لَا يَقْتَضِي صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَأَيْضًا: لَوِ اقْتَضَاهُ لَكَانَ أَدَاءً، وَلَكَانَا سَوَاءً. ص - قَالُوا: الزَّمَانُ ظَرْفٌ. فَاخْتِلَالُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُقَيَّدٍ لَوْ قُدِّمَ لَمْ يَصِحَّ. قَالُوا: كَأَجَلِ الدَّيْنِ. وَرُدَّ بِالْمَنْعِ، وَبِمَا تَقَدَّمَ. قَالُوا: فَيَكُونُ أَدَاءً. قُلْنَا: سُمِّيَ قَضَاءً ; لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِالشَّيْءِ. لَنَا: لَوْ كَانَ لَكَانَ: " مُرْ عَبْدَكَ بِكَذَا " تَعَدِّيًا. وَلَكَانَ يُنَاقِضُ قَوْلَكَ لِلْعَبْدِ: لَا تَفْعَلْ. ص - قَالُوا: فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَهُ (بِأَمْرِنَا) وَمِنْ قَوْلِ الْمَلِكِ لِوَزِيرِهِ: قُلْ لِفُلَانٍ: افْعَلْ. قُلْنَا: لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَضَاءَ لَوْ وَجَبَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَكَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مُقْتَضِيًا لِلْقَضَاءِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْأَمْرَ يَتَنَاوَلُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ، لَا يَتَنَاوَلُ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لَا بِطْرِيقِ الْمَنْطُوقِ، وَلَا بِطْرِيقِ الْمَفْهُومِ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ الْمُقَدَّرُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ اقْتَضَى وُجُوبَ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَكَانَ وُقُوعُ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ أَدَاءً ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وُقُوعُ الْفِعْلِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي كَوُقُوعِهِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَضَى الْأَمْرِ. وَوُقُوعُهُ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ أَدَاءٌ، فَكَذَا وُقُوعُهُ فِي الثَّانِي، وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ، بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَكَانَ وُقُوعُ الْفِعْلِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ مُسَاوِيًا لِوُقُوعِهِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى وَاحِدٌ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ قَصْدًا. ش - احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الزَّمَانَ الْمُقَدَّرَ ظَرْفٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَالظَّرْفُ لَا يَكُونُ مَطْلُوبًا بِالْأَمْرِ ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْأَمْرِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ، وَالظَّرْفُ لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَهُ، وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ مَطْلُوبًا بِالْأَمْرِ فَاخْتِلَالُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْرٍ مُقَيَّدٍ لَوْ قُدِّمَ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى وَقْتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُقَدَّرِ لَمْ يَصِحَّ، فَوُقُوعُهُ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مَطْلُوبٌ وَمَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ، فَيَكُونُ إِخْلَالُهُ فِي وَقْتِهِ الْأَوَّلِ مُؤَثِّرًا فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِهِ. الثَّانِي: الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لِلْمَأْمُورِ بِهِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، كَأَجَلِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ - فَلَا يَسْقُطُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِفَوَاتِ الْأَجَلِ. وَرُدَّ بِمَنْعِ أَنَّ الزَّمَانَ الْمُقَدَّرَ لِلْمَأْمُورِ بِهِ كَأَجَلِ الدَّيْنِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ مُخْرِجَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ وَقْتِهِ يَأْثَمُ، وَمُخْرِجَ الدَّيْنِ عَنِ الْأَجَلِ لَا يَأْثَمُ. وَأَيْضًا: يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ. الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، لَكَانَ أَدَاءً كَمَا فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ سُمِّيَ قَضَاءً لِأَنَّهُ وَجَبَ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَ. [مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الشَّارِعَ إِذَا أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِفِعْلٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ أَمْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سَبْعِ سِنِينَ - هَلْ يَكُونُ أَمْرًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَمْ لَا؟ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَمْرًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، لَكَانَ قَوْلُكَ لِلسَّيِّدِ: " مُرْ عَبْدَكَ بِكَذَا "، تَعَدِّيًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّكَ حِينَئِذٍ تَكُونُ آمِرًا لِعَبْدِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيْدِ) . وَالْأَمْرُ لِعَبْدِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَيَكُونُ تَعَدِّيًا. الثَّانِي: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، لَكَانَ قَوْلُكَ لِلسَّيِّدِ: مُرْ عَبْدَكَ بِكَذَا، مُنَاقِضًا لِقَوْلِكَ لِلْعَبْدِ: لَا تَفْعَلْ كَذَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُكَ لِلسَّيِّدِ: مُرْ عَبْدَكَ بِكَذَا، كَقَوْلِكَ لِلْعَبْدِ: افْعَلْ كَذَا، فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِكَ لِلْعَبْدِ: لَا تَفْعَلْ كَذَا. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، قَالُوا: إِذَا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالشَّيْءِ يُفْهَمُ كَوْنُنَا مَأْمُورِينَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ. وَكَذَا إِذَا أَمَرَ الرَّسُولُ وَاحِدًا أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ (بِكَذَا) فُهِمَ كَوْنُ النَّاسِ مَأْمُورِينَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ. وَكَذَا قَوْلُ الْمَلِكِ لِوَزِيرِهِ: قُلْ لِفُلَانٍ: افْعَلْ كَذَا؛ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ كَوْنُ ذَلِكَ الشَّخْصِ مَأْمُورًا بِذَلِكَ الْأَمْرِ. أَجَابَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إِنَّمَا فُهِمَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْأَمْرِ مُبَلِّغٌ لِلْأَمْرِ. [مَسْأَلَةٌ إِذَا أَمَرَ بِفِعْلٍ مُطْلَقٍ] ش - الْفِعْلُ إِذَا اعْتُبِرَ مَاهِيَّتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُشَخِّصَاتِ يُسَمَّى: الْمُجَرَّدَ، وَالْمَاهِيَّةُ بِشَرْطٍ لَا شَيْءَ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ. وَإِذَا اعْتُبِرَ مَاهِيَّتُهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ أَوْ لَا، يُسَمَّى: الْمُطْلَقَ، وَالْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطٍ شَيْءٌ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ ; لِأَنَّهُ جُزْءُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ، وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ. وَإِنِ اعْتُبِرَ مَاهِيَّتُهُ مِنْ حَيْثُ يَلْحَقُهَا الْمُشَخِّصَاتُ يُسَمَّى جُزْئِيًّا. وَلَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ. وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِفِعْلٍ مُطْلَقٍ، هَلْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ مَاهِيَّةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، أَوْ وَاحِدًا مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ؟ . وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ الْمُطْلَقِ وَاحِدٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا أَمَرَ بِفِعْلٍ مُطْلَقٍ فَالْمَطْلُوبُ الْفِعْلُ الْمُمْكِنُ الْمُطَابِقُ لِلْمَاهِيَّةِ، (لَا الْمَاهِيَّةُ) . لَنَا: أَنَّ الْمَاهِيَّةَ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا فِي الْأَعْيَانِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِهَا ; فَيَكُونُ كُلِّيًّا جُزْئِيًّا، وَهُوَ مُحَالٌ. ص - قَالُوا: الْمَطْلُوبُ مُطْلَقٌ وَالْجُزْئِيُّ مُقَيَّدٌ، فَالْمُشْتَرَكُ هُوَ الْمَطْلُوبُ. قُلْنَا: يَسْتَحِيلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ وَلَا مَانِعَ عَادَةً مِنَ التَّكْرَارِ مِنْ تَعْرِيفٍ أَوْ فِيهِ، وَالثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ؛ مِثْلَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ; قِيلَ: مَعْمُولٌ بِهِمَا. وَقِيلَ: تَأْكِيدٌ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ. الْأَوَّلُ: فَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَظْهَرُ، فَكَانَ أَوْلَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ ; لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ يَلْزَمُهَا التَّعَدُّدُ ; أَيْ يَلْزَمُهَا الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ كَثِيرِينَ - فَيَكُونُ كُلِّيًّا. وَالْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ يَلْزَمُهُ التَّشَخُّصُ، فَيَكُونُ جُزْئِيًّا. فَلَوْ كَانَتِ الْمَاهِيَّةُ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا جُزْئِيًّا مَعًا فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَكُلُّ مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، لَا يَكُونُ مَطْلُوبًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ يَلْزَمُهَا التَّعَدُّدُ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَلْزَمَ الْمَاهِيَّةَ - مِنْ حَيْثُ هِيَ التَّعَدُّدُ - امْتَنَعَ عُرُوضُ التَّشَخُّصِ لَهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا تَقْتَضِي التَّعَدُّدَ وَلَا الْوَحْدَةَ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْأَمْرِ بِفِعْلٍ مُطْلَقٍ، هُوَ مَاهِيَّةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، قَالُوا: الْمَطْلُوبُ فِعْلٌ مُطْلَقٌ وَلَاشَيْءِ مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْجُزْئِيِّ بِفِعْلٍ مُطْلَقٍ ; لِأَنَّ الْجُزْئِيَّ مُقَيَّدٌ بِالْمُشَخِّصَاتِ، فَلَا شَيْءَ مِنَ الْمَطْلُوبِ بِجُزْئِيٍّ. وَمُنْعَكِسٌ إِلَى قَوْلِنَا: لَا شَيْءَ مِنَ الْجُزْئِيِّ بِمَطْلُوبٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ الْمَطْلُوبُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَكُونُ مَطْلُوبًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْخَصْمُ لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْمَاهِيَّةَ تُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ هِيَ الْمَطْلُوبَةُ، بَلْ قَالَ: الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْرُوضَةٌ لِلِاشْتِرَاكِ هِيَ الْمَطْلُوبَةُ. وَلَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْمَاهِيَّةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْخَارِجِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ، لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ، فَيَكُونُ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَطْلُوبَةً بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْئِيَّةُ مَقْصُودَةً بِالْقَصْدِ الثَّانِي. [مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِمُتَمَاثِلَيْنِ] ش - إِذَا وَرَدَ أَمْرٌ عُقَيْبَ أَمْرٍ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ مُتَعَلِّقَاهُمَا، أَوْ يَتَمَاثَلَا ; فَإِنِ اخْتَلَفَا وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عُمِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ; مِثْلَ: صُمْ هَذَا الْيَوْمَ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَعِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ التَّكْلِيفَ بِالْمُحَالِ، يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُمَا. وَعِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ لَا يَسْتَحِيلُ. وَإِنْ تَمَاثَلَ مُتَعَلِّقَاهُمَا، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ مِنَ التَّكْرَارِ مِنْ جِهَةِ عَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَتَعْرِيفِ الثَّانِي بِلَامِ الْعَهْدِ، مِثْلَ: أَعْطِ دِرْهَمًا، أَعْطِ الدِّرْهَمَ. أَوْ غَيْرِ التَّعْرِيفِ، كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً اسْقِنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الثَّانِي: كَثُرَ فِي التَّأْكِيدِ، وَيَلْزَمُ مِنَ الْعَمَلِ مُخَالَفَةُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَفِي الْمَعْطُوفِ الْعَمَلُ أَرْجَحُ. فَإِنْ رَجَحَ التَّأْكِيدُ بِعَادِيٍّ قُدِّمَ الْأَرْجَحُ. وَإِلَّا فَالْوَقْفُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَاءً، أَوْ لَا يَمْنَعُ مَانِعٌ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يَكُونُ الثَّانِي تَأْكِيدًا لِلْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرَ مَعْطُوفٍ. فَإِنْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ مَعْطُوفٍ، كَقَوْلِ الشَّارِعِ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، صَلِّ رَكْعَتَيْنِ؛ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ; فَقِيلَ: مَعْمُولٌ بِهِمَا، وَقِيلَ: الثَّانِي تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ، وَقِيلَ: الْوَقْفُ. حُجَّةُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْأَمْرَ الثَّانِيَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ، وَهِيَ إِمَّا التَّأْسِيسُ، أَيْ جَعْلُهُ شَرْعًا غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا التَّأْكِيدُ. وَالتَّأْسِيسُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْسِيسِ أَكْثَرُ مِنْ فَائِدَةِ التَّأْكِيدِ ; وَحَمْلُ أَمْرِ الشَّرْعِ عَلَى مَا فَائِدَتُهُ أَكْثَرُ أَظْهَرُ. وَإِذَا كَانَ التَّأْسِيسُ أَظْهَرَ كَانَ أَوْلَى. حُجَّةُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي: أَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا يُوجِبُ مُخَالَفَةَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَاهِرٍ، وَالْأَمْرُ الثَّانِي الْوَارِدُ عُقَيْبَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فِي الْعَمَلِ بِهِ؛ لِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ، وَلَا بِظَاهِرٍ ; لِأَنَّ التَّأْكِيدَ لِكَوْنِهِ كَثِيرَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَكُونُ مَرْجُوحًا. هَذَا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ الثَّانِي غَيْرَ مَعْطُوفٍ عَلَى الْأَوَّلِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ، مِثْلَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ - فَالْعَمَلُ بِهِمَا أَرْجَحُ مِنَ التَّأْكِيدِ إِنْ لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ عَادِيٌّ مِنَ التَّغَايُرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَرْجَحَ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ. وَأَمَّا إِذَا مَنَعَ مَانِعٌ عَادِيٌّ مِنَ التَّغَايُرِ، مِثْلَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً وَاسْقِنِي مَاءً فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالْأَرْجَحِ مِنَ الْعَادَةِ الْمَانِعَةِ لِلتَّغَايُرِ وَالْعَطْفِ الْمُقْتَضِي لَهُ. وَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ الْعَمَلُ بِهِمَا أَرْجَحُ مِنَ التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَالْعَطْفَ تَعَارَضَا. فَتَبْقَى فَائِدَةُ التَّأْسِيسِ سَالِمَةً عَنِ الْمُعَارِضِ. وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنَ الْعَمَلِ وَالتَّأْكِيدِ رَاجِحًا عَلَى الْآخَرِ، مِثْلَ: اسْقِنِي مَاءً وَاسْقِنِي الْمَاءَ - فَالْوَقْفُ بَيْنَ حَمْلِ الثَّانِي عَلَى التَّأْكِيدِ أَوْ عَلَى التَّأْسِيسِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ وَالتَّعْرِيفَ فِي مُقَابَلَةِ التَّأْسِيسِ وَالْعَطْفِ، فَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. [النَّهْيُ] [حَدُّ النَّهْيِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَبَاحِثِ الْأَمْرِ شَرَعَ فِي النَّهْيِ، وَعَرَّفَ بِأَنَّهُ: اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ. فَقَوْلُهُ: " كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ " احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ " احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الدُّعَاءِ وَالِالْتِمَاسِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 النَّهْيُ. ص - النَّهْيُ - اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ. وَمَا قِيلَ فِي حَدِّ الْأَمْرِ مِنْ مُزَيَّفٍ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ قِيلَ مُقَابِلُهُ فِي حَدِّ النَّهْيِ. وَالْكَلَامُ فِي صِيغَتِهِ، وَالْخِلَافُ فِي ظُهُورِ الْحَظْرِ لَا الْكَرَاهَةِ، وَبِالْعَكْسِ، أَوْ مُشْتَرَكَةٌ أَوْ مَوْقُوفَةٌ - كَمَا تَقَدَّمَ، وَحُكْمُهُ التَّكْرَارُ وَالْفَوْرُ. وَفِي تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ قَرِينَةٌ، نَقَلَ الْأُسْتَاذُ الْإِجْمَاعَ. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ. وَلَهُ مَسَائِلُ مُخْتَصَّةٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكُلُّ مَا قِيلَ فِي حَدِّ الْأَمْرِ مِنْ مُزَيِّفٍ وَمُخْتَارٍ، فَقَدْ قِيلَ مُقَابِلُهُ فِي حَدِّ النَّهْيِ. وَالْكَلَامُ فِي أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَكُونُ لَهُ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ أَمْ لَا كَالْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ. وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ النَّهْيَ ظَاهِرٌ فِي الْحَظْرِ، لَا الْكَرَاهَةِ، أَوْ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَاهَةِ دُونَ الْحَظْرِ، أَوْ صِيغَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَوْقُوفَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَمْرِ. وَحُكْمُ النَّهْيِ التَّكْرَارُ وَالْفَوْرُ. وَتَقَدُّمُ الْوُجُوبِ عَلَى النَّهْيِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ النَّهْيِ لِلْحَظْرِ، بَلْ تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ عَلَى النَّهْيِ قَرِينَةٌ تُفِيدُ الْحَظْرَ، نَقَلَ الْأُسْتَاذُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْوُجُوبِ قَرِينَةٌ تُفِيدُ الْحَظْرَ. وَتَوَقَّفَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي إِفَادَةِ النَّهْيِ الْحَظْرَ، إِذَا تَقَدَّمَ الْوُجُوبُ. وَلِلنَّهْيِ مَسَائِلُ خَاصَّةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِعَيْنِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِعَيْنِهِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا، لَا لُغَةً. (وَقِيلَ: لُغَةً) . وَثَالِثُهَا فِي الْإِجْزَاءِ لَا السَّبَبِيَّةِ. لَنَا: أَنَّ فَسَادَهُ سَلْبُ أَحْكَامِهِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً قَطْعًا. وَأَمَّا كَوْنُهُ يَدُلُّ شَرْعًا فَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ تَزَلْ تَسْتَدِلُّ عَلَى الْفَسَادِ بِالنَّهْيِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَفْسَدْ لَزِمَ مِنْ نَفْيِهِ حِكْمَةٌ لِلنَّهْيِ، وَمِنْ ثُبُوتِهِ حِكْمَةٌ لِلصِّحَّةِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهَا فِي التَّسَاوِي. وَمَرْجُوحِيَّةُ النَّهْيِ يَمْتَنِعُ النَّهْيُ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْحِكْمَةِ، وَفِي رُجْحَانِ النَّهْيِ تَمْتَنِعُ الصِّحَّةُ لِذَلِكَ. ص - اللُّغَةُ، لَمْ تَزَلِ الْعُلَمَاءُ. وَأُجِيبُ لِفَهْمِهِمْ شَرْعًا بِمَا تَقَدَّمَ. قَالُوا: الْأَمْرُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَالنَّهْيُ نَقِيضُهُ فَيَقْتَضِي نَقِيضَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهَا لُغَةً.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِعَيْنِهِ] ش - النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لِعَيْنِهِ، أَوْ لِمَا يُقَارِنُهُ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ. فَإِنْ كَانَ لِمَا يُقَارِنُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ. وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِعَيْنِهِ - فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ مُطْلَقًا. وَقَدِ افْتَرَقَ الْقَائِلُونَ بِهِ فِرْقَتَيْنِ: فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا لَا لُغَةً، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِبَادَاتِ أَوْ فِي الْمُعَامَلَاتِ. وَأُخْرَى إِلَى (أَنَّهُ) لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ لُغَةً. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ مُطْلَقًا. وَقَدِ افْتَرَقَ الْقَائِلُونَ بِهِ فِرْقَتَيْنِ: فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ. وَأُخْرَى إِلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا فِي الْإِجْزَاءِ؛ أَيْ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعِبَادَاتِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فِي السَّبَبِيَّةِ؛ أَيْ فِي الْمُعَامَلَاتِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْأَوْلَى مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ. وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ السَّلْبِيِّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فِيهِمَا لُغَةً بِأَنَّ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ - سَوَاءٌ كَانَ عِبَادَةً أَوْ مُعَامَلَةً - عِبَارَةٌ عَنْ سَلْبِ أَحْكَامِهِ. فَلَوْ دَلَّ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى فَسَادِهِ لُغَةً لَكَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ لُغَةً عَلَى سَلْبِ أَحْكَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. لَكِنْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ لُغَةً عَلَى سَلْبِ أَحْكَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ; لِأَنَّ مَعْنَى النَّهْيِ فِي اللُّغَةِ اقْتِضَاءُ الِامْتِنَاعِ عَنِ الْفِعْلِ، وَسَلْبُ الْأَحْكَامِ لَا يَكُونُ عَيْنَهُ وَلَا جُزْءًا وَلَا لَازِمًا لَهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ ; لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاحِدٌ: لَا تَبِعْ غُلَامَكَ فَإِنَّكَ لَوْ بِعْتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي - لَمْ يَكُنْ مُخْطِئًا لُغَةً. (فَلَوْ كَانَ سَلْبُ الْحُكْمِ لَازِمًا لِمَعْنَى النَّهْيِ لُغَةً لَكَانَ مُخْطِئًا لُغَةً) وَاحْتَجَّ عَلَى الْخَبَرِ الثُّبُوتِيِّ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ فِيهِمَا شَرْعًا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى الْفَسَادِ بِالنَّهْيِ فِي الرِّبِوِيَّاتِ وَفِي الْأَنْكِحَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعِبَادَاتِ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمْ. فَيَكُونُ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ النَّهْيُ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِنَفْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ حِكْمَةٌ يَسْتَدْعِي النَّهْيَ، وَلِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا حِكْمَةٌ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ حِكْمَةَ الصِّحَّةِ وَحِكْمَةَ النَّهْيِ إِنْ تَسَاوَتَا امْتَنَعَ النَّهْيُ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْحِكْمَةِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ حِكْمَةُ الصِّحَّةِ امْتَنَعَ النَّهْيُ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَإِنْ تَرَجَّحَ حِكْمَةُ النَّهْيِ امْتَنَعَ الصِّحَّةُ لِخُلُوِّهِ مِنْ حِكْمَةِ الصِّحَّةِ. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ لُغَةً احْتَجَّ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِالنَّهْيِ عَلَى الْفَسَادِ لُغَةً. وَتَقْرِيرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ بِالنَّهْيِ عَلَى الْفَسَادِ إِنَّمَا كَانَ لِدَلَالَةِ النَّهْيِ عَلَى الْفَسَادِ لُغَةً، بَلْ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا، كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: الْأَمْرُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَالنَّهْيُ نَقِيضُ الْأَمْرِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَقْتَضِيَ نَقِيضَ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْفَسَادُ ; لِأَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُقَابِلًا لِحُكْمِ الْآخَرِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ لُغَةً. وَلَئِنْ سُلِّمَ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وَلَوْ سُلِّمَ، فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَافُ أَحْكَامِ الْمُتَقَابِلَاتِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلصِّحَّةِ، لَا أَنْ يَقْتَضِيَ الْفَسَادَ. ص - النَّافِي: لَوْ دَلَّ لَنَاقَضَ تَصْرِيحَ الصِّحَّةِ. وَنَهَيْتُكَ عَنِ الرِّبَا لِعَيْنِهِ، وَتَمَلُّكٌ بِهِ، يَصِحُّ. وَأُجِيبُ بِالْمَنْعِ بِمَا سَبَقَ. ص - الْقَائِلُ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ: لَوْ لَمْ يَدُلَّ لَكَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ الشَّرْعِيِّ، (وَالشَّرْعِيُّ) الصَّحِيحُ. كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْمُعْتَبَرَ، لِقَوْلِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) «دَعِي الصَّلَاةَ» ، وَلِلُزُومِ دُخُولِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ فِي مُسَمَّى الصَّلَاةِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَمْ يُمْنَعْ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِلنَّهْيِ. وَبِالنَّقْضِ بِمِثْلِ: {وَلَا تَنْكِحُوا} [البقرة: 221] وَ " «دَعِي الصَّلَاةَ» ". قَوْلُهُمْ: نَحْمِلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، يُوقِعُهُمْ فِي مُخَالَفَةِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يُمْنَعُ. ثُمَّ هُوَ مُتَعَذِّرٌ فِي الْحَائِضِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ كَذَلِكَ. خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُتَقَابِلَاتِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَخَالِفَةً. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ; فَإِنَّ الْمُتَقَابِلَاتِ يَجُوزُ اتِّحَادُهَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا لُزُومَ اخْتِلَافِ أَحْكَامِ الْمُتَقَابِلَاتِ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا لِلصِّحَّةِ، لَا أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ ; لِأَنَّ عَدَمَ اقْتِضَاءِ الصِّحَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ اقْتِضَاءَ عَدَمِ الصِّحَّةِ. ش - النَّافِي، لِدَلَالَةِ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى فَسَادِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ النَّهْيُ عَلَى الْفَسَادِ لُغَةً وَشَرْعًا، لَنَاقَضَ تَصْرِيحَ صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لُغَةً وَشَرْعًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَوْ قَالَ: نَهَيْتُكَ عَنِ الرِّبَا لِعَيْنِهِ، وَلَوْ فَعَلْتَ ثَبَتَ الْمِلْكُ صَحَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ بِحَسَبِ اللُّغَةِ أَوِ الشَّرْعِ. أَجَابَ بِالْمَنْعِ بِمَا سَبَقَ، وَهُوَ مَنْعُ لُزُومِ التَّنَاقُضِ ; فَإِنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّصْرِيحَ أَقْوَى مِنَ الظَّاهِرِ، فَيَبْقَى الْفَسَادُ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ. فَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، احْتَجَّ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ النَّهْيُ عَلَى صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا لَكَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ الشَّرْعِيِّ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعِيًّا، لَكَانَ صَحِيحًا ; إِذِ الشَّرْعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، فَمَا لَا يَكُونُ صَحِيحًا مُعْتَبَرًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، لَا يَكُونُ شَرْعِيًّا، كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ مُعْتَبَرَيْنِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، لَمْ يَكُونَا شَرْعِيَّيْنِ. أَجَابَ بِأَنَّ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ مَعْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ ; فَإِنَّ الشَّرْعِيَّ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ فَاسِدًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْحَائِضِ: " «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَقْرَائِكَ» "، فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْمَأْمُورَ بِتَرْكِهَا هِيَ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ ; لِأَنَّ اللُّغَوِيَّةَ لَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهَا، وَالصَّلَاةُ الْمَأْمُورُ بِتَرْكِهَا فَاسِدَةٌ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الشَّرْعِيُّ هُوَ الصَّحِيحَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَزِمَ دُخُولُ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ فِي مُسَمَّى الصَّلَاةِ (الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ إِنَّمَا) يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِهَا. الثَّانِي: لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الشَّرْعِيُّ صَحِيحًا لَكَانَ مُمْتَنِعًا. وَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا، لَمْ يُمْنَعْ عَنْهُ ; لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَغَيْرُ الْمَقْدُورِ لَا يُنْهَى عَنْهُ ; إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. فَيَلْزَمُ مِنَ الشَّرْطَيْنِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الشَّرْعِيُّ صَحِيحًا، لَمْ يُمْنَعْ عَنْهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِأَجْلِ النَّهْيِ، لَا لِذَاتِ الْمَنْهِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَنْهُ، فَإِنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِهِ، فَصَارَ مُمْتَنِعًا، وَالْمُمْتَنِعُ إِنَّمَا لَمْ يُمْنَعْ إِذَا لَمْ يَكُنِ امْتِنَاعُهُ بِسَبَبِ الْمَنْعِ مِنْهُ. وَأَيْضًا قَوْلُكُمُ: الْمُمْتَنِعُ لَا يُمْنَعُ، مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] . وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «دَعِي الصَّلَاةَ» ". فَإِنَّ نِكَاحَ الْمُشْرِكَاتِ وَصَلَاةَ الْحَائِضِ مُمْتَنِعَانِ، وَقَدْ مُنِعَا. فَإِنْ قِيلَ: النِّكَاحُ وَالصَّلَاةُ فِي الصُّورَتَيْنِ يُحْمَلَانِ عَلَى اللُّغَوِيِّ أُجِيبَ بِأَنَّ حَمْلَهُمَا عَلَى اللُّغَوِيِّ يُوقِعُهُمْ فِي مُخَالَفَةِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يُمْنَعُ. وَذَلِكَ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ اللُّغَوِيَّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ، مُمْتَنِعٌ فِي الشَّرْعِ. فَيَكُونُ الْمُمْتَنِعُ قَدْ مُنِعَ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَمْلُ النِّكَاحِ عَلَى اللُّغَوِيِّ يَتَعَذَّرُ حَمْلُ الصَّلَاةِ عَلَى اللُّغَوِيِّ فِي الْحَائِضِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَفْهُومَ الصَّلَاةِ اللُّغَوِيَّ الدُّعَاءُ، وَلَمْ يَمْنَعِ الْحَائِضَ عَنْهُ. [مَسْأَلَةٌ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ، لَا لِعَيْنِهِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ كَالنَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ لِعَيْنِهِ، أَيْ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، لَا لُغَةً. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ يُضَادُّ وُجُوبَ أَصْلِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُضَادُّ وُجُوبَ الْأَصْلِ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ لَوَرَدَ عَلَى الشَّافِعِيِّ نَهْيُ الْكَرَاهَةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُضَادُّ وُجُوبَ أَصْلِهِ، يَعْنِي ظَاهِرًا وَإِلَّا وَرَدَ نَهْيُ الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْوَصْفِ، لَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. لَنَا: اسْتِدْلَالُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ الْعِيدِ بِنَحْوِهِ. وَبِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَعْنَى. ص - قَالُوا: لَوْ دَلَّ لَنَاقَضَ تَصْرِيحَ الصِّحَّةِ. وَطَلَاقُ الْحَائِضِ وَذَبْحُ مِلْكِ الْغَيْرِ مُعْتَبَرٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِيهِ. وَمَا خُولِفَ فَبِدَلِيلِ صَرْفِ النَّهْيِ عَنْهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) النَّهْيُ يَقْتَضِي الدَّوَامَ (ظَاهِرٌ) . لَنَا: اسْتِدْلَالُ الْعُلَمَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ. قَالُوا: نُهِيَتِ الْحَائِضُ عَنِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. قُلْنَا: لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ مُضَادًّا لِوُجُوبِ الْأَصْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ الْأَصْلُ صَحِيحًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا إِذَا قُيِّدَ بِذَلِكَ - لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ مُضَادًّا لِوُجُوبِ الْأَصْلِ ; لِجَوَازِ تَرْكِ الظَّاهِرِ لِدَلِيلٍ رَاجِحٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْوَصْفِ، دُونَ الْأَصْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. فَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا يُوجِبُ فَسَادَ التَّفَاضُلِ، وَلَا يُوجِبُ فَسَادَ أَصْلِ الْبَيْعِ. وَالْمَنْهِيُّ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَهُ، كَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَالْمَنْهِيُّ بِوَصْفِهِ - دُونَ أَصْلِهِ - فَاسِدًا، كَالرِّبَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمَا لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَا بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ، يَكُونُ صَحِيحًا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ يَدُلُّ شَرْعًا عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِأَنَّ اسْتِدْلَالَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ بِنَحْوِهِ، أَيْ بِنَحْوِ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ النَّهْيُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِنَفْيِهِ حِكْمَةٌ وَلِثُبُوتِهِ حِكْمَةٌ. وَتَقْرِيرُهُ كَمَا مَرَّ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا، قَالُوا: لَوْ دَلَّ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا لَنَاقَضَ تَصْرِيحَ الصِّحَّةِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَوْ قَالَ: لَا تُصَلِّ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ صَلَّيْتَ فِيهِ، صَحَّتْ صَلَاتُكَ - لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّيْتَ فِيهِ صَحَّتْ صَلَاتُكَ، مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ: لَا تُصَلِّ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ لِوَصْفِهِ دَالًّا شَرْعًا عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَمَا صَحَّ طَلَاقُ الْحَائِضِ، وَذَبْحُ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذَنِ الْمَالِكِ ; لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُمَا لِلْوَصْفِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; فَإِنَّ طَلَاقَ الْحَائِضِ، وَذَبْحَ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا. أَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الْفَسَادِ شَرْعًا ظَاهِرٌ، لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ وَالتَّصْرِيحُ بِالصِّحَّةِ أَقْوَى مِنْهُ. وَالظَّاهِرُ قَدْ يُعْدَلُ عَنْهُ لِدَلِيلٍ أَقْوَى. وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِلظَّاهِرِ لِدَلِيلٍ رَاجِحٍ يَصْرِفُ النَّهْيَ عَمَّا هُوَ الظَّاهِرُ. [مَسْأَلَةٌ النَّهْيُ يَقْتَضِي الدَّوَامَ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَقْتَضِي دَوَامَ الِانْتِهَاءِ عَنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَمْ لَا؟ . وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَقْتَضِي الدَّوَامَ ظَاهِرًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ عُلَمَاءَ الْأَعْصَارِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِالنَّهْيِ عَلَى دَوَامِ الِانْتِهَاءِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي الدَّوَامَ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الدَّوَامَ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَائِضَ نُهِيَتْ عَنِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، مَعَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُمَا لَا يَقْتَضِي الدَّوَامَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَقْتَضِيَ النَّهْيُ الدَّوَامَ فِي صُورَةٍ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ أَوِ الْمَجَازُ، وَهُمَا خِلَافُ الْأَصْلِ. أَجَابَ بِأَنَّ نَهْيَ الْحَائِضِ عَنِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مُقَيَّدٌ بِالْحَيْضِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَامَ أَقْرَائِكِ» - فَلِهَذَا لَمْ يُفِدِ الدَّوَامَ. فَيَكُونُ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى عَدَمِ الدَّوَامِ مَجَازًا. وَالْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الدَّلِيلُ هَا هُنَا، وَهُوَ الْقَيْدُ. [الْعَامُّ وَالْخَاصُّ] [تعريف الْعَامُّ وَالْخَاصُّ] ش - عَرَّفَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعَامَّ بِأَنَّهُ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ. فَقَوْلُهُ: " اللَّفْظُ " كَالْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْعَامَّ وَغَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: " الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ " احْتِرَازٌ عَنِ النَّكِرَاتِ فِي الْإِثْبَاتِ. وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ ; إِذْ يَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ عَشَرَةٍ. وَهُوَ كُلُّ نَكِرَةٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ، لِأَنَّهُ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَلَيْسَ بِعَامٍّ. وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، هُوَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ أَوْ إِلَى مَفْعُولَيْنِ فَصَاعِدًا، إِذَا ذُكِرَ مَعَهُ جَمِيعُ مَا يَقْتَضِيهِ مِنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَلَيْسَ بِعَامٍّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَرَادَ أَبُو الْحُسَيْنِ بِقَوْلِهِ: " مَا يَصْلُحُ " أَفْرَادَ مُسَمَّى اللَّفْظِ، لَا أَجْزَائَهُ. وَحِينَئِذٍ لَمْ يَدْخُلْ نَحْوُ عَشَرَةٍ، فِي حَدِّ الْعَامِّ ; لِأَنَّ عَشَرَةً لَمْ يَسْتَغْرِقْ مَا صَلُحَتْ لَهُ، وَهُوَ أَفْرَادُ الْعَشَرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 الْعَامُّ وَالْخَاصُّ. ص - الْعَامُّ وَالْخَاصُّ. أَبُو الْحُسَيْنِ: الْعَامُّ: اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ. وَلَيْسَ بِمَانِعٍ: لِأَنَّ نَحْوَ عَشْرَةٍ، وَنَحْوَ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، يَدْخُلُ فِيهِ. الْغَزَّالِيُّ: اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الدَّالُّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا. وَلَيْسَ بِجَامِعٍ، لِخُرُوجِ الْمَعْدُومِ وَالْمُسْتَحِيلِ ; لِأَنَّ مَدْلُولَهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالْمَوْصُولَاتُ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. وَلَا مَانِعَ ; لِأَنَّ كُلَّ مُثَنًّى يَدْخُلُ فِيهِ. وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْهُودٍ وَنَكِرَةٍ يَدْخُلُ فِيهِ. وَقَدْ يَلْتَزِمُ هَذَيْنِ. وَالْأَوْلَى: مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً. فَقَوْلُهُ: " اشْتَرَكَتْ فِيهِ " لِيُخْرِجَ نَحْوَ عَشْرَةٍ. " وَمُطْلَقًا " لِيُخْرِجَ الْمَعْهُودَيْنِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وَ " ضَرْبَةً " لِيُخْرِجَ نَحْوَ رَجُلٍ. وَالْخَاصُّ بِخِلَافِهِ. ص - مَسْأَلَةٌ: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةٌ. وَأَمَّا فِي الْمَعَانِي فَثَالِثُهَا الصَّحِيحُ كَذَلِكَ. لَنَا: أَنَّ الْعُمُومَ حَقِيقَةٌ فِي شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ، وَهُوَ فِي الْمَعَانِي كَعُمُومِ الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ وَنَحْوِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فَسَّرَ قَوْلَهُ: مَا يَصْلُحُ لَهُ بِأَجْزَاءِ الْمُسَمَّى لَا بِجُزْئِيَّاتِهِ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْعَشَرَةُ مُسْتَغْرِقَةً لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا الَّتِي هِيَ الْوَحَدَاتُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا: إِنَّ ضَرْبَ زَيْدٍ عَمْرًا، لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا لِجَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ أَفْرَادِ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، أَوْ لَا ; فَإِنْ كَانَ صَالِحًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ " لَيْسَ بِعَامٍّ. وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَلَا نُسَلِّمُ دُخُولَهُ فِي التَّعْرِيفِ. وَعَرَّفَهُ الْغَزَّالِيُّ بِأَنَّهُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الدَّالُّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ " عَنْ مِثْلِ (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا) فَإِنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ، وَلَكِنْ لَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، بَلْ بِلَفْظَيْنِ، وَلَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ مِنْ جِهَتَيْنِ. وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا - أَعْنِي الْوَاحِدَ أَوِ الْجِهَةَ الْوَاحِدَةَ - يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا " احْتَرَزَ بِهِ عَنْ مِثْلِ " رِجْلٍ " وَ " يَدٍ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ الْمَعْدُومِ وَالْمُسْتَحِيلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهُمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ ; لِأَنَّ الْمَعْدُومَ وَالْمُسْتَحِيلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ الْغَزَّالِيِّ. وَلِخُرُوجِ الْمَوْصُولَاتِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِصِلَاتِهَا. وَلَا مَانِعَ ; لِأَنَّ كُلَّ مُثَنًّى نَحْوَ رَجُلَيْنِ، يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ. وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْهُودٍ، كَالرِّجَالِ الْمَعْهُودِينَ، وَكُلَّ نَكِرَةٍ، نَحْوَ رِجَالٍ، يَدْخُلُ فِيهِ، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَامٍّ. وَقَدْ يَلْتَزِمُ الْغَزَّالِيُّ دُخُولَ هَذَيْنِ - أَعْنِي كُلَّ مَعْهُودٍ وَكُلَّ نَكِرَةٍ - فِي التَّعْرِيفِ وَيَمْنَعُ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَامَّيْنِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي هَذَا التَّعْرِيفِ ; فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَرَّفَ الْعَامُّ بِأَنَّهُ مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً. وَإِنَّمَا قَالَ: " مُسَمَّيَاتٍ " لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَعْدُومُ وَالْمُسْتَحِيلُ ; لِأَنَّ مَدْلُولَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا لَكِنَّهُ يَكُونُ مُسَمًّى. وَإِنَّمَا اخْتَارَ صِيغَةَ الْجَمْعِ لِيُخْرِجَ عَنْهُ الْمُثَنَّى وَالْمُفْرَدَ الَّذِي يَدُلُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، نَحْوَ (زَيْدٍ) . وَإِنَّمَا قَالَ: " اشْتَرَكَتْ فِيهِ " لِيُخْرِجَ عَنْهُ كُلَّ نَكِرَةٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ، نَحْوَ عَشْرَةٍ، فَإِنَّهَا وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ، وَهِيَ أَجْزَاؤُهَا لَكِنْ لَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ الْأَجْزَاءُ ; فَإِنَّ الْمَعْنَى الْكُلِّيَّ لِلْعَشَرَةِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْآحَادِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاؤُهَا. وَإِنَّمَا قَالَ: " مُطْلَقًا " لِيُخْرِجَ عَنْهُ الْمَعْهُودِينَ، نَحْوَ " الرِّجَالِ " فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ لَا مُطْلَقًا بَلْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا مَعْهُودَةً. وَإِنَّمَا قَالَ: " ضَرْبَةً " أَيْ دَفْعَةً لِيُخْرِجَ عَنْهُ النَّكِرَةَ، نَحْوَ " رَجُلٍ " وَ " رِجَالٍ " فَإِنَّهُمَا وَإِنْ دَلَّا عَلَى مُسَمَّيَاتٍ لَكِنْ لَا دُفْعَةً بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ. وَالْخَاصُّ بِخِلَافِ الْعَامِّ؛ أَيِ الْخَاصُّ هُوَ مَا دَلَّ لَا عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً. [مَسْأَلَةٌ: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ] ش - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا عُرُوضُهُ لِلْمَعَانِي فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي مَجَازًا لَا حَقِيقَةً. وَثَالِثُهَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَثَالِثُهَا الصَّحِيحُ كَذَلِكَ "؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعُمُومَ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةً هُوَ شُمُولُ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِضُ لِلَّفْظِ يَعْرِضُ لِلْمَعَانِي. فَكَمَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي اللَّفْظِ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى، كَعُمُومِ الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ وَنَحْوِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ لِشُمُولِهِ الْجُزْئِيَّاتِ. وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ: الْعَامُّ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنَ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ أَمْرٌ وَاحِدٌ شَامِلٌ، وَعُمُومُ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْنَا: لَيْسَ الْعُمُومُ بِهَذَا الشَّرْطِ لُغَةً. وَأَيْضًا: فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي عُمُومِ الصَّوْتِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْمَعْنَى الْكُلِّيِّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الشَّافِعِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ: لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ وَالْخِلَافُ فِي عُمُومِهَا وَخُصُوصِهَا كَمَا فِي الْأَمْرِ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ (فِي) الْأَخْبَارِ لَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالْوَقْفُ إِمَّا عَلَى مَعْنَى لَا نَدْرِي، وَإِمَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ وُضِعَ وَلَا نَدْرِي، أَحَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ، وَهِي أَسْمَاءُ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْمَوْصُولَاتِ وَالْجُمُوعِ الْمُعَرَّفَةِ تَعْرِيفَ جِنْسٍ، وَالْمُضَافَةِ، وَاسْمِ الْجِنْسِ كَذَلِكَ، وَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ. لَنَا: الْقَطْعُ فِي: لَا تَضْرِبْ أَحَدًا. وَأَيْضًا: لَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ تَسْتَدِلُّ بِمِثْلِ (وَالسَّارِقُ) وَ (الزَّانِيَةُ) ، {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَذَلِكَ يَعْرِضُ الْعُمُومُ حَقِيقَةً لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ، لِشُمُولِهِ الْجُزْئِيَّاتِ. وَلِهَذَا - أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْعُمُومَ يَعْرِضُ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ - فُسِّرَ الْعَامُّ بِمَا فُسِّرَ الْكُلِّيُّ بِهِ، وَهُوَ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنَ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعُمُومُ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْمَعَانِي لَيْسَ هُوَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْعُمُومَ الَّذِي هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ شُمُولُ أَمْرٍ وَاحِدٍ لِأَفْرَادٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَشُمُولِ الرِّجَالِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لِمَرَاتِبِ الْعَدَدِ، وَعُمُومُ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا شَمِلَ الْأَطْرَافَ وَالْأَكْنَافَ، بَلْ حَصَلَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَطَرِ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ لَا يَكُونُ مُشْتَرِكًا بِأَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَاحِدًا شَامِلًا لِأَفْرَادٍ مُتَعَدِّدَةٍ، بَلِ الْعُمُومُ بِحَسْبِ اللُّغَةِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا يَشْمَلُ مُتَعَدِّدًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَعَدِّدُ أَفْرَادَهُ أَوْ لَا. وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ عُمُومَ الْمَطَرِ لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ وَاحِدٍ يَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ، فَعُمُومُ الصَّوْتِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ شَامِلٌ لِلْأَصْوَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْحَاصِلَةِ لِلسَّامِعِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَذَا ذِكْرُ عُمُومِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ; فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الطَّلَبُ الشَّامِلُ لِكُلِّ طَلَبٍ تَعَلَّقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَأْمُورَيْنِ. وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ، فَإِنَّ عُمُومَهُ بِاعْتِبَارِ (أَمْرٍ وَاحِدٍ) شَامِلٌ لِأَفْرَادِهِ. [مَسْأَلَةٌ: لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ] ش - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ أَمْ لَا عَلَى مَعْنَى عُمُومِهَا وَخُصُوصِهَا؛ أَيْ فِي أَنَّ الصِّيَغَ الْمُسْتَعْمَلَةِ لِلْعُمُومِ هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ بِالْعُمُومِ أَوْ عَامَّةٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَالْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ فِي أَنَّهُ هَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 «وَكَاحْتِجَاجِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَانِعِي الزَّكَاةِ ": أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. [فَإِذَا قَالُوهَا حَقَنُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ "] » . وَكَذَلِكَ: " «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ". " «وَنَحْنُ - مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ - لَا نُورَثُ» ". وَشَاعَ وَذَاعَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. قَوْلُهُمْ: فَهْمٌ بِالْقَرَائِنِ، يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلَّفْظِ مَدْلُولٌ ظَاهِرٌ أَبَدًا. وَالِاتِّفَاقُ فِي (مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ أَوْ طَالِقٌ، أَنَّهُ يَعُمُّ) . (وَأَيْضًا: كَثْرَةُ الْوَقَائِعِ) . ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ مُحْتَاجٌ إِلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ كَغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ (بِأَنَّهُ) قَدْ يُسْتَغْنَى بِالْمَجَازِ وَبِالْمُشْتَرَكِ. ص - الْخُصُوصُ مُتَيَقَّنٌ؛ فَجَعْلُهُ لَهُ حَقِيقَةً أَوْلَى. رُدَّ بِأَنَّهُ إِثْبَاتُ لُغَةٍ بِالتَّرْجِيحِ. وَبِأَنَّ الْعُمُومَ أَحْوَطُ، فَكَانَ أَوْلَى. قَالُوا: لَا عَامَّ إِلَّا مُخَصَّصٌ، فَيَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْأَغْلَبِ. رُدَّ بِأَنَّ احْتِيَاجَ تَخْصِيصِهَا إِلَى دَلِيلٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا لِلْعُمُومِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلٍ. ص - الِاشْتِرَاكُ: أُطْلِقَتْ لَهُمَا، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ (عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. (وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ) .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَكُونُ لَهُ صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِهِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّ لِلْعُمُومِ صِيغَةً مَخْصُوصَةً؛ أَيْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعُمُومِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الْأَخْبَارِ، لَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. ثُمَّ الْوَقْفُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا نَدْرِي وَضْعَ هَذِهِ الصِّيَغِ لِلْعُمُومِ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّا نَدْرِي وَضْعَهَا لِلْعُمُومِ وَلَكِنْ لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَوْ مَجَازٌ. وَالصِّيَغُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْعُمُومِ هِيَ أَسْمَاءُ الشَّرْطِ؛ مِثْلَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ أَوْ طَالِقٌ. وَالِاسْتِفْهَامُ؛ نَحْوَ مَنْ يَأْتِيكَ، وَالْمَوْصُولَاتُ؛ كَالَّذِي، وَالَّتِي، وَمَا، وَمَنْ. وَالْجُمُوعُ الْمُعَرَّفَةُ تَعْرِيفَ جِنْسِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ مُذَكَّرٍ أَوْ مُؤَنَّثٍ، سَالِمٍ أَوْ مُكَسَّرٍ، جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ. وَالْجُمُوعُ الْمُضَافَةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاسْمُ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفُ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ. وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عَامٌّ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: لَا تَضْرِبْ أَحَدًا عَامٌّ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. وَاحْتُجَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْجِنْسِ وَالْجَمْعَ الْمُضَافَ عَامٌّ حَقِيقَةً بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى الْعُمُومِ بِمِثْلِ (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) وَمِثْلِ (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) وَمِثْلِ (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) . وَشَاعَ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَا عَلَى الْعُمُومِ وَذَاعَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ إِجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْجِنْسِ، وَالْجَمْعَ الْمُضَافَ عَامٌّ حَقِيقَةً. وَاحْتَجَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْجِنْسِ عَامٌّ حَقِيقَةً، بِأَنَّ عُمَرَ احْتَجَّ فِي قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ مَانِعِي الزَّكَاةَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِتَالِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلْ عَدَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " إِلَّا بِحَقِّهِ " وَالزَّكَاةُ مِنْ حَقِّهَا. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِلَامِ الْجِنْسِ عَامًّا لَمَا جَازَ اسْتِدْلَالُ عُمَرَ بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِتَالِ، وَلَمْ يَعْدِلْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَبِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ احْتَجَّ، حِينَ طَلَبَ الْأَنْصَارُ الْإِمَامَةَ، بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ أَيْضًا حِينَ طَلَبَتْ فَاطِمَةُ مِيرَاثَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «نَحْنُ - مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ - لَا نُورَثُ؛ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَهٌ» " وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ هَذِهِ الِاحْتِجَاجَاتِ، وَشَاعَ وَذَاعَ. فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِلَامِ الْجِنْسِ وَالْجَمْعَ الْمُضَافَ عَامٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَهْمَ الْعُمُومِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ بَلْ فَهِمُوهُ بِالْقُرْآنِ. (أُجِيبَ بِأَنَّ تَجْوِيزَ الْفَهْمِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْقَرَائِنِ يُؤَدِّي) إِلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلَّفْظِ مَدْلُولٌ ظَاهِرٌ؛ إِذْ مَا مِنْ لَفْظٍ ظَاهِرٍ إِلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا فُهِمَ مَدْلُولُهُ بِسَبَبِ الْقَرِينَةِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ. وَاحْتُجَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الشَّرْطِ عَامَّةٌ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ " مَنْ " فِي قَوْلِ الْقَائِلِ (مَنْ دَخَلَ دَارِي مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ) ، (وَمَنْ دَخَلَ دَارِي مِنْ نِسَائِي فَهِيَ طَالِقٌ) عَامٌّ. ش - وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْعُمُومِ صِيَغًا تَخُصُّهُ، بِأَنَّ الْعُمُومَ مَعْنًى ظَاهِرٌ يُحْتَاجُ إِلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ كَسَائِرِ الْمَعَانِي الظَّاهِرَةِ، فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِوَضْعِ اللَّفْظِ مُتَحَقِّقًا، وَالْمَانِعُ غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ فَيَجِبُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لَهُ. أَجَابَ بِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إِلَى التَّعْبِيرِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ لَفْظٌ مُنْفَرِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْمَجَازِ وَبِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ حَقِيقَةٌ فِي الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ، احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ: أَنَّ تَنَاوُلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِمَرْتَبَةِ الْخُصُوصِ مُتَيَقَّنٌ وَتَنَاوُلَهَا لِمَرْتَبَةِ الْعُمُومِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلْعُمُومِ أَوْ لِلْخُصُوصِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْخُصُوصَ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لَمْ يَتَنَاوَلِ الْعُمُومَ. وَإِذَا كَانَ تَنَاوُلُهُ لِلْخُصُوصِ مُتَيَقَّنًا وَلِلْعُمُومِ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ كَانَ جَعْلُهُ حَقِيقَةً فِي الْخُصُوصِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الطُّرُقِ الْمُثْبَتَةِ لِلُّغَةِ. وَبِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ جَعْلَهُ حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ أَحْوَطُ ; لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يُهْمَلِ الْخُصُوصُ ضَرُورَةَ تَنَاوُلِ الْعُمُومِ لَهُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْخُصُوصِ، لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَالْحَمْلُ عَلَى مَا هُوَ أَحْوَطُ أَوْلَى. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا عَامَّ إِلَّا هُوَ مُخَصَّصٌ. فَيَكُونُ الْخُصُوصُ أَغْلَبَ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً ; لِأَنَّهُ إِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْأَغْلَبِ وَغَيْرِهِ، كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَغْلَبِ أَظْهَرَ. أَجَابَ بِأَنَّ تَخْصِيصَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ. وَاحْتِيَاجُ تَخْصِيصِهَا إِلَى دَلِيلٍ مُشْعِرٌ بِأَنَّهَا لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً ; لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّخْصِيصَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الدَّلِيلِ لِيَكُونَ الدَّلِيلُ مُعَارِضًا لِمُقْتَضَى الْعُمُومِ، وَلَا مُقْتَضًى لِلْعُمُومِ إِلَّا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً لَهُ. وَأَيْضًا: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِنَّمَا تَكُونُ حَقِيقَةً لِلْخُصُوصِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُحْتَاجَةً إِلَى قَرِينَةٍ وَدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلتَّخْصِيصِ ; لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ وَدَلِيلٍ؛ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَكُونُ لِلْخُصُوصِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ، فَلَا تَكُونُ حَقِيقَةً لَهُ. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، احْتَجَّ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أُطْلِقَتْ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ. وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا. أَجَابَ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيُجْعَلُ حَقِيقَةً لِأَحَدِهِمَا مَجَازًا لِلْآخَرِ. وَالْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ، إِلَّا أَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِرَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ. ش - احْتَجَّ الْفَارِقُ، وَهُوَ الْقَائِلُ بِالْوَقْفِ فِي الْإِخْبَارِ، دُونَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَكْلِيفِ الْمُكَلَّفِينَ لِأَجْلِ الْعَامِّ، وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّكْلِيفُ إِلَّا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. (فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ) مُفِيدًا لِلْعُمُومِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. أَجَابَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ قَدْ حَصَلَ لِأَجْلِ الْعَامِّ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَرْقٌ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ. [مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ لَيْسَ بِعَامٍّ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ - مِثْلَ رِجَالٍ - هَلْ يَكُونُ عَامًّا أَوْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنْ نَقْطَعَ بِأَنَّ رِجَالًا فِي الْجُمُوعِ كَرَجُلٍ فِي الْوُحْدَانِ. فَكَمَا أَنَّ رَجُلًا فِي الْوُحْدَانِ لَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ آحَادِهِ، فَكَذَلِكَ رِجَالٌ فِي الْجُمُوعِ لَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، وَرَجُلٌ فِي الْوُحْدَانِ لَيْسَ بِعَامٍّ، فَكَذَا رِجَالٌ فِي الْجُمُوعِ. وَأَيْضًا: نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي عَبِيدٌ صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ أَوِ الِاثْنَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ. فَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا - لَمَا صَحَّ تَفْسِيرُ عَبِيدٍ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ ; إِذْ لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْعَامِّ بِوَاحِدٍ مِنْ مُسَمَّيَاتِهِ. فَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَكَلْتُ كُلَّ الرُّمَّانِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ وَاحِدَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 ص - الْفَارِقُ: الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّكْلِيفِ لِلْعَامِّ. وَذَلِكَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْإِخْبَارِ لِلْعَامِّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ لَيْسَ بِعَامٍّ. لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّ رِجَالًا فِي الْجُمُوعِ كَرَجُلٍ فِي الْوُحْدَانٍ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي عَبِيدٌ صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ. قَالُوا: صَحَّ إِطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ جَمْعٍ. فَحَمْلُهُ عَلَى الْجَمِيعِ، حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وَرُدَّ بِنَحْوِ رَجُلٍ. وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْبَدَلِ. قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعُمُومِ لَكَانَ مُخْتَصًّا بِالْبَعْضِ. رُدَّ بِرَجُلٍ. وَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) أَبْنِيَةُ الْجَمْعِ: لِاثْنَيْنِ يَصِحُّ. وَثَالِثُهَا مَجَازًا. الْإِمَامُ: وَلِوَاحِدٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَمْ يَصِحَّ. وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ عَامٌّ قَالُوا: صَحَّ إِطْلَاقُ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى جَمِيعِ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ، وَالْحَمْلُ عَلَى جَمِيعِ الْحَقَائِقِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْبَعْضِ، فَيَكُونُ عَامًّا. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ أَوْلَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ نَحْوَ رَجُلٍ صَحَّ إِطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ الَّتِي هِيَ حَقَائِقُهُ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ إِطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ. فَكَذَلِكَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ إِنَّمَا يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ عَامًّا. وَبَعْضُ الشَّارِحِينَ قَرَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ: أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْجَمْعُ الْمُسْتَغْرِقُ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى كُلِّ حَقَائِقِهِ، وَهُوَ أَوْلَى. أَجَابَ بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِرَجُلٍ ; لِصِحَّةِ إِطْلَاقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعُمُومِ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُصَنِّفُ جَوَّزَ إِطْلَاقَهُ عَلَى مَرَاتِبِ الْجَمْعِ بِطَرِيقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْبَدَلِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مِنْ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ الْمَرْتَبَةَ الْمُسْتَغْرِقَةَ، وَصِدْقُهُ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ حَصَلَ مُدَّعَى الْمُسْتَدِلِّ. هَذَا مَا قَالَهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا لَمْ يَسْتَقِمِ الرَّدُّ نَحْوَ رَجُلٍ ; لِأَنَّ نَحْوَ رَجُلٍ لَا يُوجَدُ فِي مُسَمَّيَاتِهِ مَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ، فَلِهَذَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ، بِخِلَافِ رِجَالٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي مَرَاتِبِ الْجَمْعِ مَرْتَبَةٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ ; إِذْ لَا مَرْتَبَةَ إِلَّا وَتَكُونُ فَوْقَهَا مَرْتَبَةٌ أُخْرَى. وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَرْتَبَةٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ الْجَمْعِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُ أَنْ يُفْرَضَ مَرْتَبَةٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَيُحْمَلُ الْجَمْعُ عَلَى تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ الْمَفْرُوضَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ، وَحَمْلُ اللَّفْظِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحْقِيقِ مُسَمَّاهُ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْفَرْضُ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ مَرْتَبَةٍ تُفْرَضُ. فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُفْرَضَ فَوْقَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَرْتَبَةٌ أُخْرَى، وَأَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْمَرَاتِبُ مُتَنَاهِيَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَرْتَبَةٍ تُفْرَضُ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُفْرَضَ فَوْقَهَا مَرْتَبَةٌ أُخْرَى لَمْ يُتَصَوَّرْ فَرْضُ مَرْتَبَةٍ تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْمَرَاتِبِ. فَإِنْ قِيلَ: عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يُتَصَوَّرْ جَمْعٌ عَامٌّ، لِأَنَّ الْجَمْعَ الْعَامَّ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، (وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ مَا يَكُونُ مُسْتَغْرِقًا لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ) . أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْعَامَّ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ الَّتِي هِيَ أَفْرَادُ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، لَا بِاعْتِبَارِ مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْتَغْرِقَةٍ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ الْأُخَرِ. وَالْمُمْتَنِعُ الثَّانِي، لَا الْأَوَّلُ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَرَاتِبِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَرَاتِبِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ، أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَرَاتِبُ مُتَنَاهِيَةً. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ مُسْتَغْرِقَةً لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُتَنَاهِي مُتَنَاهِيًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَنَاوُلَ مَفْهُومِ الْجَمْعِ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، تَنَاوُلُ الْكُلِّيِّ لِجُزْئِيَّاتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُزْئِيَّاتُ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كُلِّيٍّ. وَتَنَاوُلُ مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ تَنَاوُلُ الْكُلِّ لِأَجْزَائِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُشْتَمِلًا عَلَى الْأَجْزَاءِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ، فَلِهَذَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ الْعَامُّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ. وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرُ عَامٌّ قَالُوا أَيْضًا: لَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ لِلْعُمُومِ لَكَانَ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ الْجُمُوعِ دُونَ بَعْضٍ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. أُجِيبَ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي أَوَّلًا، فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِنَحْوِ رَجُلٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ رَجُلًا لَا يَكُونُ لِلْعُمُومِ، وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ اخْتِصَاصُهُ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَبِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ثَانِيًا؛ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعُمُومِ يَلْزَمُ اخْتِصَاصُهُ بِبَعْضِ الْجُمُوعِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجُمُوعِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْجُمُوعِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَدْلُولَهُ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ، فَلَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ. [مَسْأَلَةٌ أَبْنِيَةُ الْجَمْعِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَبْنِيَةُ الْجَمْعِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا - اثْنَانِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. وَثَانِيهَا - الثَّلَاثَةُ بِطْرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِالْمَجَازِ. وَثَالِثُهَا - الثَّلَاثَةُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَيَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى الِاثْنَيْنِ مَجَازًا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَرَابِعُهَا - الثَّلَاثَةُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَيَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ وَمَا فَوْقَهَا، مَجَازٌ فِي الِاثْنَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 لَنَا: أَنَّهُ يَسْبِقُ الزَّائِدَ، وَهُوَ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ. وَالصِّحَّةُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ. وَاسْتِدْلَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَا، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَعَدَلَ إِلَى التَّأْوِيلِ. ص - قَالُوا: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] (وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ) وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. (وَرُدَّ بِقَضِيَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالُوا: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15] . وَرُدَّ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ مُرَادٌ. قَالُوا: " الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ " وَأُجِيبَ فِي الْفَضِيلَةِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَعْرِفُ الشَّرْعَ لَا اللُّغَةَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ عِنْدَ إِطْلَاقِ الْجَمْعِ يَسْبِقُ الزَّائِدَ عَلَى الِاثْنَيْنِ إِلَى الذِّهْنِ. وَالسَّبْقُ إِلَى الذِّهْنِ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ لِمَا عَرَفْتَ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ. فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الزَّائِدِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ وَمَا فَوْقَهَا. وَأَمَّا الثَّانِي: " هُوَ صِحَّةُ إِطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ مَجَازًا؛ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] ". فَإِنَّ الْإِخْوَةَ هَا هُنَا يَتَنَاوَلُ الِاثْنَيْنِ وَإِلَّا لَكَانَ رَدُّ الْأُمِّ إِلَى السُّدُسِ بِالْأَخَوَيْنِ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ. وَاحْتُجَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ حَقِيقَةً الثَّلَاثَةُ بِاسْتِدْلَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ حِينَ رَدَّ الْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ بِأَخَوَيْنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَلَيْسَ الْأَخَوَانِ إِخْوَةً فِي لِسَانِ قَوْمِكَ. فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي. فَلَوْ كَانَ الْأَخَوَانِ إِخْوَةً بِالْحَقِيقَةِ لَمَا صَحَّ اسْتِدْلَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَأَنْكَرَ عُثْمَانُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْدِلْ إِلَى التَّأْوِيلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَ بِإِخْوَةٍ بِالْحَقِيقَةِ. فَيَكُونُ أَقَلُّ الْجَمْعِ حَقِيقَةً: الثَّلَاثَةَ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أُطْلِقَتِ الْإِخْوَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى، وَأُرِيدَ بِهَا الْأَخَوَانِ. وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ. فَيَكُونُ أَقَلُّ الْجَمْعِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ اثْنَيْنِ. . أَجَابَ بِأَنَّ قَضِيَّةَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَرِينَةٌ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَمْلِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمَجَازِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15] . أَطْلَقَ ضَمِيرَ الْجَمْعِ لِلْمُخَاطَبِينَ عَلَى الِاثْنَيْنِ ; إِذِ الْمُرَادُ مُوسَى وَهَارُونُ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ. أَجَابَ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ مُرَادٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، وَيَجُوزُ تَغْلِيبُ الْخِطَابِ عَلَى الْغَيْبَةِ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» ". فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَمَاعَةَ عَلَى الِاثْنَيْنِ. وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِالِاثْنَيْنِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ بُعِثَ لِتَعْرِيفِ الشَّرْعِ لَا لِتَعْرِيفِ اللُّغَةِ. ش - النَّافُونَ: وَهُمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَا بِالْحَقِيقَةِ وَلَا بِالْمَجَازِ - احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ الْأَخَوَانِ إِخْوَةً فِي لِسَانِ قَوْمِكَ. وَعُورِضَ هَذَا الدَّلِيلُ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " الْأَخَوَانِ إِخْوَةٌ ". وَالتَّحْقِيقُ يَقْتَضِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - عَلَى السَّلْبِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَالْآخَرُ - وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - عَلَى الْإِثْبَاتِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. الثَّانِي - لَوْ صَحَّ إِطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَصَحَّ نَعْتُ التَّثْنِيَةِ بِالْجَمْعِ وَبِالْعَكْسِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ عَاقِلُونَ، وَلَا رِجَالٌ عَاقِلَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 ص - النَّافُونَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ الْأَخَوَانِ إِخْوَةً " وَعُورِضَ بِقَوْلِ زَيْدٍ: " الْأَخَوَانِ إِخْوَةٌ ". وَالتَّحْقِيقُ: أَرَادَ أَحَدَهُمَا حَقِيقَةً وَالْآخَرَ مَجَازًا. قَالُوا: لَا يُقَالُ: جَاءَنِي رَجُلَانِ عَاقِلُونَ، وَلَا رِجَالٌ عَاقِلَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ يُرَاعُونَ صُورَةَ اللَّفْظِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا خُصَّ الْعَامُّ كَانَ مَجَازًا فِي الْبَاقِي. الْحَنَابِلَةُ: حَقِيقَةٌ. الرَّازِيُّ: إِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْحَصِرٍ. أَبُو الْحُسَيْنِ: إِنْ خُصَّ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوِ اسْتِثْنَاءٍ. الْقَاضِي: إِنْ خُصَّ بِشَرْطٍ أَوِ اسْتِثْنَاءٍ. عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ خُصَّ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ. وَقِيلَ: إِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ لَفْظِيٍّ. الْإِمَامُ: حَقِيقَةٌ فِي تَنَاوُلِهِ، مُجَازٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ: ص - لَنَا: لَوْ كَانَ حَقِيقَةً كَانَ مُشْتَرَكًا ; لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ. وَأَيْضًا: الْخُصُوصُ بِقَرِينَةٍ كَسَائِرِ الْمَجَازِ. ص - الْحَنَابِلَةُ: التَّنَاوُلُ بَاقٍ، فَكَانَ حَقِيقَةً. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ. قَالُوا: يَسْبِقُ، وَهُوَ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ. قُلْنَا: بِقَرِينَةٍ، وَهُوَ دَلِيلُ الْمَجَازِ. ص - الرَّازِيُّ: إِذَا بَقِيَ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فَهُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ لِلْجَمِيعِ. ص - أَبُو الْحُسَيْنِ: لَوْ كَانَ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ، يُوجِبُ تَجَوُّزًا فِي نَحْوِ " الرِّجَالُ الْمُسْلِمُونَ "، وَ " أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِنْ دَخَلُوا " - لَكَانَ نَحْوَ مُسْلِمُونَ، لِلْجَمَاعَةِ مَجَازًا. وَلَكَانَ نَحْوَ الْمُسْلِمِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ مَجَازًا. وَنَحْوَ (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) مَجَازًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ (الْوَاوَ) فِي مُسْلِمُونَ، كَأَلِفِ (ضَارِبٍ) وَ (وَاوِ) مَضْرُوبٍ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (الْمُسْلِمِ) وَإِنْ كَانَ كَلِمَةً حَرْفًا أَوِ اسْمًا   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ، فَإِنَّهُمْ يُرَاعُونَ صُورَةَ اللَّفْظِ، فَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزُوا نَعْتَ الْمُثَنَّى بِالْمَجْمُوعِ وَبِالْعَكْسِ. [مَسْأَلَةٌ إِذَا خُصَّ الْعَامُّ كَانَ مَجَازًا فِي الْبَاقِي] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعَامَّ إِذَا خُصَّ كَانَ صِدْقُهُ عَلَى الْبَاقِي بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَمْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عَلَى ثَمَانِيَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْبَاقِي مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ. الثَّالِثُ - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي إِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْحَصِرٍ، وَمَجَازٌ إِنْ كَانَ مُنْحَصِرًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الرَّازِيِّ. الرَّابِعُ - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي إِنْ خُصَّ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ، سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا، نَحْوَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِنْ دَخَلُوا. أَوْ صِفَةً، نَحْوَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي عَالِمًا أُكْرِمْهُ. أَوِ اسْتِثْنَاءً، نَحْوَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي، إِلَّا زَيْدًا، أُكْرِمْهُ. وَمَجَازٌ إِنْ خُصَّ بِمَا يَسْتَقِلُّ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْحُسَيْنِ. الْخَامِسُ - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي إِنْ خُصَّ بِشَرْطٍ أَوِ اسْتِثْنَاءٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَجَازٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي. السَّادِسُ - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي إِنْ خُصَّ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ، وَإِلَّا فَمَجَازٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الْجَبَّارِ. السَّابِعُ - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي إِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ لَفْظِيٍّ، وَإِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَمَجَازٌ. الثَّامِنُ - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ تَنَاوَلَ الْبَاقِي، مَجَازٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاقِي، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ. ش - احْتَجَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَامُّ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ، يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَعَلَى الْبَاقِي بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً صَادِقَةً عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْعُمُومِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي لَمَا احْتَاجَ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ إِلَى قَرِينَةٍ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَرِينَةِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ. ش - احْتَجَّ الْحَنَابِلَةُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ اللَّفْظَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ قَدْ تَنَاوَلَ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِطُرُقِ الْحَقِيقَةِ، وَالتَّنَاوُلُ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بَاقٍ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي. أَجَابَ بِأَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لِلْبَاقِي قَبْلَ التَّخْصِيصِ إِنَّمَا كَانَ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَاقِي، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لِلْبَاقِي مَعَ غَيْرِهِ حَقِيقَةً كَوْنُ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لِلْبَاقِي وَحْدَهُ حَقِيقَةً. الثَّانِي - أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ. وَالسَّبْقُ إِلَى الْفَهْمِ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ الْبَاقِيَ إِنَّمَا يَسْبِقُ عِنْدَ قَرِينَةِ الْخُصُوصِ، وَالسَّبْقُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ عَلَامَةُ الْمَجَازِ. ش - احْتَجَّ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ غَيْرَ مُنْحَصِرٍ، يَكُونُ مَعْنَى الْعُمُومِ بَاقِيًا. فَيَكُونُ الْعَامُّ بَاقِيًا عَلَى الْحَقِيقَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعَامِّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ هُوَ جَمِيعُ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، وَبَعْدَ التَّخْصِيصِ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ، فَلَا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْحَقِيقَةِ. ش - احْتَجَّ أَبُو الْحُسَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ (التَّخْصِيصُ) بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ مِنَ (الْقَرَائِنِ الْمُخَصِّصَةِ، كَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يُوجِبُ التَّجَوُّزَ فِي الْعَامِّ الَّذِي اخْتَصَّ بِتِلْكَ الْقَرَائِنِ) نَحْوَ (الرِّجِالُ) (الْمُسْلِمُونَ) وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِنْ دَخَلُوا - لَكَانَ نَحْوَ (مُسْلِمُونَ) لِلْجَمَاعَةِ مَجَازًا، وَلَكَانَ نَحْوَ الْمُسْلِمِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ مَجَازًا، وَلَكَانَ نَحْوَ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا مَجَازًا، وَالتَّوَالِي بَاطِلَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ دُخُولَ مَا لَا يَسْتَقِلُّ مِنَ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِمَعْنًى زَائِدٍ لَوْ كَانَ مُخْرِجًا لِلَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ، لَكَانَ دُخُولُ الْوَاوِ وَالنُّونِ فِي نَحْوِ مُسْلِمُونَ وَالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي نَحْوِ الْمُسْلِمِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي نَحْوِ (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) مُخْرِجًا لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ عَنْ حَقَائِقِهَا، لِكَوْنِهَا قَرَائِنَ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ مُفِيدَةٍ لِمَعْنًى زَائِدٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 فَالْمَجْمُوعُ الدَّالُّ. وَالِاسْتِثْنَاءُ سَيَأْتِي. ص - وَالْقَاضِي: مِثْلُهُ؛ إِلَّا أَنَّ الصِّفَةَ عِنْدَهُ كَأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ. وَعَبْدُ الْجَبَّارِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ. ص - الْمُخَصَّصُ بِاللَّفْظِيَّةِ: لَوْ كَانَتِ الْقَرَائِنُ اللَّفْظِيَّةُ تُوجِبُ تَجَوُّزًا إِلَى آخِرِهِ. وَهُوَ أَضْعَفُ. ص - الْإِمَامُ: الْعَامُّ كَتَكْرَارِ الْآحَادِ وَإِنَّمَا اخْتُصِرَ. فَإِذَا خَرَجَ بَعْضُهَا بَقِيَ الْبَاقِي حَقِيقَةً. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ ; فَإِنَّ الْعَامَّ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ، فَإِذَا خُصَّ خَرَجَ قَطْعًا. وَالْمُتَكَرِّرُ نَصٌّ. ص - مَسْأَلَةٌ: الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِمُبَيِّنٍ حُجَّةٌ. وَقَالَ الْبَلْخِيُّ: إِنَّ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ. قَالَ الْبَصْرِيُّ: إِنْ كَانَ الْعُمُومُ مُنْبِئًا عَنْهُ. كَـ {اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 66]   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ الْوَاوَ وَالنُّونَ فِي " مُسْلِمُونَ " كَالْأَلِفِ فِي ضَارِبٍ، وَالْوَاوِ فِي (مَضْرُوبٍ) ؛ فَكَمَا أَنَّ الْأَلِفَ فِي (ضَارِبٍ) وَالْوَاوَ فِي مَضْرُوبٍ، لَا يَكُونَانِ كَلِمَتَيْنِ ; إِذْ لَمْ يُوضَعَا لِيَدُلَّا عَلَى مَعْنًى بَلْ وُضِعَ مَجْمُوعُ الضَّارِبِ وَمَجْمُوعُ الْمَضْرُوبِ لِمَعْنًى. كَذَلِكَ الْوَاوُ وَالنُّونُ فِي (مُسْلِمُونَ) . بِخِلَافِ نَحْوِ (الرَّجِالُ) إِذَا قُيِّدَ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوِ اسْتِثْنَاءٍ، فَإِنَّ الرِّجَالَ وَحْدَهُ وُضِعَ لِلْعُمُومِ. فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى حَقِيقَةً. فَإِذَا زِيدَ عَلَيْهِ شَرْطٌ أَوْ صِفَةٌ أَوِ اسْتِثْنَاءٌ، لَمْ يَبْقَ عَلَى مَعْنَى الْعُمُومِ، فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ كَلِمَةً اسْمًا أَوْ حَرْفًا عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ، إِلَّا أَنَّهُ بَعْدَ التَّرْكِيبِ قَدْ بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْجُزْءَيْنِ - أَعْنِي الْأَلِفَ وَاللَّامَ وَمُسْلِمًا - دَالًّا عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ، (فَيَبْقَى حَقِيقَةً كَمَا كَانَتْ. نَحْوَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْجُزْءَيْنِ لَمَّا بَقِيَ بَعْدَ التَّرْكِيبِ دَالًّا عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ) قَبْلَ التَّرْكِيبِ، فَكَانَتْ حَقِيقَةً بَعْدَ التَّرْكِيبِ. بِخِلَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا قُيِّدَ الْعَامُّ بِهِمَا لَمْ يَبْقَ الْعَامُّ دَالًّا عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ قَبْلَ التَّقْيِيدِ. فَلَا يَكُونُ الْعَامُّ حَقِيقَةً بَعْدَ تَقَيُّدِهِ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. ش - احْتَجَّ الْقَاضِي بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ أَبُو الْحُسَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الصِّفَةَ عِنْدَهُ كَأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ، لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا بِدُونِ الْمَوْصُوفِ. بِخِلَافِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ; فَإِنَّهُمَا لَا يُسْتَعْمَلَانِ بِدُونِ الْمَشْرُوطِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَاحْتَجَّ عَبْدُ الْجَبَّارِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ ; لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ لَا يُنَافِي الْمُخَصَّصَ فِي الْحُكْمِ. بِخِلَافِ الْمُسْتَثْنَى فَإِنَّهُ يُنَافِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ. وَمَا قِيلَ فِي جَوَابِ أَبِي الْحُسَيْنِ، جَوَابُهُمَا. ش - احْتَجَّ الْمُخَصَّصُ بِاللَّفْظِيَّةِ - وَهُوَ الْقَائِلُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ - بِأَنَّ الْقَرَائِنَ اللَّفْظِيَّةَ لَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِ الْعَامِّ الْمُخَصَّصِ مَجَازًا فِي الْبَاقِي، لَكَانَ نَحْوُ مُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمُ وَنَحْوُ أَلْفَ سَنَةٍ، مَجَازًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ وَنَفْيُ اللَّازِمِ كَمَا تَقَدَّمَ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ أَضْعَفُ مِنْ دَلِيلِ أَبِي الْحُسَيْنِ ; لِأَنَّ الْجَامِعَ فِي دَلِيلِ أَبِي الْحُسَيْنِ هُوَ كَوْنُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ، وَهَا هُنَا هُوَ كَوْنُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَقِلَّةً أَوْ غَيْرَهَا، وَالْجَامِعُ ثَمَّ أَخَصُّ مِنَ الْجَامِعِ هَا هُنَا. وَكُلَّمَا كَانَ الْجَامِعُ أَعَمَّ، كَانَ الْقِيَاسُ أَضْعَفَ. ش - احْتَجَّ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ تَنَاوُلَ الْعَامِّ لِأَفْرَادِهِ، بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ الْآحَادِ؛ فَإِنَّ قَوْلَنَا: جَاءَ الرِّجَالُ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا: جَاءَ زَيْدٌ وَعُمَرُ وَبَكْرٌ وَخَالِدٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُصِرَ عِنْدَ إِطْلَاقِ الْعَامِّ. فَكَمَا أَنَّ إِخْرَاجَ بَعْضِ الْآحَادِ الْمُكَرَّرَةِ لَا يُوجِبُ التَّجَوُّزَ فِي الْبَاقِي، كَذَلِكَ إِخْرَاجُ بَعْضِ الْآحَادِ عَنِ الْعَامِّ لَا يُوجِبُ تَجَوُّزَ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَاقِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ تَنَاوُلَ لَفْظِ الْعَامِّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ، فَيُمْكِنُ إِخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْهُ، فَإِذَا خُصَّ، خَرَجَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ قَطْعًا، فَيَكُونُ الْعَامُّ مَجَازًا فِي الْبَاقِي، بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَلَمْ يُمْكِنْ إِخْرَاجُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، فَبَقِيَ حَقِيقَةً. [مَسْأَلَةٌ: الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِمُبَيِّنٍ حُجَّةٌ] ش - الْعَامُّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُخَصَّصَ بِمُبَيِّنٍ أَوْ مُجْمَلٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا بَعْضَهُمْ، - لَا يَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ أَيَّ بَعْضٍ فَرْضٌ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسْتَثْنَى. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا الذِّمِّيَّ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. كَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] فَإِنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنِ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ. عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ كَانَ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ إِلَى بَيَانٍ كَالْمُشْرِكِينَ، بِخِلَافِ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ قَبْلَ إِخْرَاجِ الْحَائِضِ. وَقِيلَ: حُجَّةٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. ص - لَنَا مَا سَبَقَ مِنَ اسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ مَعَ التَّخْصِيصِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي (مُطْلَقًا) . وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. الثَّانِي: (أَنَّهُ) إِنَّ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ، مِثْلَ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ يَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي. وَإِنَّ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ لَا يَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَلْخِيِّ. الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الْعُمُومُ مُنْبِئًا عَنِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ؛ أَيْ إِنْ كَانَ الْعَامُّ قَدْ دَلَّ عَلَى الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي. مِثْلَ اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، إِذَا خَصَّ الذِّمِّيِّينَ. وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْعَامُّ عَلَى الْبَاقِي لَا يَبْقَى حُجَّةً؛ مِثْلَ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ، فَإِنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ نِصَابًا مُخْرِجًا مِنَ الْحِرْزِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالسَّارِقِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُنْبِئُ عَنِ الْبَاقِي، سَوَاءٌ وُجِدَ التَّخْصِيصُ أَوْ لَا. بِخِلَافِ السَّارِقِ فَإِنَّهُ إِذَا خُصَّ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاقِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى السَّارِقِ الْمُخْرِجِ نِصَابًا مِنَ الْحِرْزِ إِلَّا بَعْدَ بَيَانِ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ. الرَّابِعُ: إِنْ كَانَ الْعَامُّ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى بَيَانِ الشَّارِعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ لِكَوْنِ مَعْنَاهُ مَعْلُومًا لِلْمُكَلَّفِ، كَالْمُشْرِكِينَ - فَإِنَّهُ يَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي. وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ مُحْتَاجًا إِلَى بَيَانِ الشَّارِعِ مَعْنَاهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْبَاقِي. مِثْلَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ؛ فَإِنَّهُ قَبْلَ إِخْرَاجِ الْحَائِضِ كَانَتِ الصَّلَاةُ مُجْمَلَةً مُحْتَاجَةً إِلَى بَيَانِ الشَّارِعِ مَعْنَاهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الْجَبَّارِ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ مَعْلُومُ الْبَقَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ إِلَى الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ. السَّادِسُ: أَنَّ الْعَامُّ الْمُخَصَّصَ لَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ التَّخْصِيصِ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَدَلُّوا بِالْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ الْمُخَصَّصِ مُتَّصِلًا أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ، وَشَاعَ وَذَاعَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي. الثَّانِي - أَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ، وَلَا تُكْرِمْ فُلَانًا مِنْهُمْ، عُدَّ عَاصِيًا بِتَرْكِ إِكْرَامِ غَيْرِهِ. الثَّالِثُ - أَنَّ الْعَامَّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ كَانَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي ; لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَضَى الْحُكْمَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَالْبَاقِي مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ حُجَّةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ. ش - اسْتَدَلَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةً فِي الْبَاقِي لَكَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَاقِي مَوْقُوفًا عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَتَوَقَّفْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَاقِي عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى الْبَعْضِ الْمُخْرَجِ لَكَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَاقِي مُتَحَقِّقَةً بَعْدَ إِخْرَاجِ الْبَعْضِ. فَيَكُونُ حُجَّةً فِي الْبَاقِي، لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِكَوْنِهِ حُجَّةً فِي الْبَاقِي إِلَّا دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَاقِي مَوْقُوفَةً عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ مَوْقُوفَةً عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى الْبَاقِي أَمْ لَا. فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ مُتَسَاوِيَةٌ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يَلْزَمُ الدَّوْرُ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لَوْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى الْبَاقِي يَلْزَمُ الدَّوْرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَأَيْضًا: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَلَا تُكْرِمْ فُلَانًا (مِنْهُمْ) فَتَرَكَ عُدَّ عَاصِيًا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً - لَكَانَتْ دَلَالَتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى الْآخَرِ. وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ إِنْ عَكَسَ فَدَوْرٌ، وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وَأُجِيبُ بِأَنَّ الدَّوْرَ (إِنَّمَا يَلْزَمُ بِتَوَقُّفِ التَقَدُّمِ، وَأَمَّا بِتَوَقُّفِ الْمَعِيَّةِ فَلَا) . ص - قَالُوا: صَارَ مُجْمَلًا لِتَعَدُّدِ مَجَازِهِ فِيمَا بَقِيَ وَفِي كُلٍّ مِنْهُ. قُلْنَا: لِمَا بَقِيَ بِمَا تَقَدَّمَ. ص - أَقَلُّ الْجَمْعِ هُوَ الْمُتَحَقِّقُ، وَمَا بَقِيَ مَشْكُوكٌ. قُلْنَا: لَا شَكٌّ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) جَوَابُ السَّائِلِ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ دُونَهُ تَابِعٌ لِلسُّؤَالِ فِي عُمُومِهِ اتِّفَاقًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَوَقُّفَ التَقَدُّمِ. أَمَّا إِذَا كَانَ تَوَقُّفَ الْمَعِيَّةِ فَلَا، فَإِنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا - تَوَقَّفُ التَقَدُّمِ كَتَوَقُّفِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَهُوَ يُوجِبُ الدَّوْرَ. وَالثَّانِي - تَوَقُّفُ الْمَعِيَّةِ، كَتَوَقُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْلُولَيْ عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْآخَرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الدَّوْرَ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ الْمُخَصَّصَ لَا يَبْقَى حُجَّةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ، قَالُوا: صَارَ مُجْمَلًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَجَازًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَاقِي وَفِي كُلِّ بَعْضٍ مِنَ الْبَاقِي، لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ الْبَاقِيَ يَحْتَمِلُ كُلَّ بَعْضٍ مِنْهُ، وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِ الْمَجَازَاتِ، فَيَكُونُ مُجْمَلًا فِي الْبَاقِي، وَالْمُجْمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً بِالِاتِّفَاقِ - أَجَابَ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَعَيِّنًا لِلْبَاقِي لِكَوْنِ الْبَاقِي مُرَادًا قَبْلَ التَّخْصِيصِ. وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا لِلْبَاقِي لَا يَكُونُ مُجْمَلًا. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ حُجَّةٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ، احْتَجَّ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ مُتَحَقِّقٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ بَقَاءَهُ مَعْلُومٌ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مَشْكُوكٌ بَقَاؤُهُ، فَيُطْرَحُ الْمَشْكُوكُ وَيُؤْخَذُ الْمَقْطُوعُ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مَشْكُوكٌ بَقَاؤُهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِ الْبَاقِي مَجَازًا مَشْهُورًا. [مَسْأَلَةٌ جَوَابُ السَّائِلِ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ دُونَهُ تَابِعٌ لِلسُّؤَالِ فِي عُمُومِهِ] ش - الْخِطَابُ الْوَارِدُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ، لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا دُونَ السُّؤَالِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ النَّظَرَ عَنِ السُّؤَالِ لَكَانَ كَافِيًا فِي فَهْمِ الْمَقْصُودِ. كَمَا إِذَا «سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ، فَقِيلَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» . وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْجَوَابُ تَابِعًا لِلسُّؤَالِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ بَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْتَقِلِّ. أَوْ لَا يَكُونُ الْجَوَابُ مُسْتَقِلًّا دُونَ السُّؤَالِ. مِثْلَ " لَا " فِي جَوَابِ سُؤَالِ إِفْطَارِ الصَّائِمِ بِالْمَضْمَضَةِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْجَوَابُ تَابِعًا لِلسُّؤَالِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ أَمَّا فِي الْعُمُومِ فَبِالِاتِّفَاقِ. مِثْلَ مَا «إِذَا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ "؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 وَالْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ بِسُؤَالٍ، مِثْلَ «قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ: " خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» ". أَوْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ بِشَاةِ مَيْمُونَةَ فَقَالَ: " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» . مُعْتَبَرٌ عُمُومُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ. وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ. ص - لَنَا: اسْتِدْلَالُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِمِثْلِهِ كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَهِيَ فِي سَرِقَةِ الْمِجَنِّ أَوْ رِدَاءِ صَفْوَانَ. وَآيَةِ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ. وَآيَةِ اللِّعَانِ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، أَوْ غَيْرِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَالتَّمَسُّكُ بِهِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ عَامًّا لَجَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِالْمَنْعِ لِلْقَطْعِ بِدُخُولِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " فَلَا إِذًا» ". فَإِنَّ السُّؤَالَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِوَاحِدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ لَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ أَيْضًا مُخْتَصًّا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَأَمَّا فِي الْخُصُوصِ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ. مِثْلَ مَا إِذَا سَأَلَ سَائِلٌ: تَوَضَّأْتُ بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: إِنَّهُ يُجْزِيكَ. وَالْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، سَوَاءٌ كَانَ مُقْتَرِنًا بِسَبَبٍ خَاصٍّ، مِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «خُلِقَ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ» ". فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ بِئْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بُضَاعَةَ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ وَارِدٌ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ مُقْتَرِنًا بِسُؤَالٍ، أَوْ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِسُؤَالٍ مِثْلَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمَّا مَرَّ بِشَاةِ مَيْمُونَةَ، قَالَ: " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» ". فَإِنَّهُ عَامٌّ وَارِدٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ غَيْرُ مُقْتَرِنٍ بِسُؤَالٍ. فَفِيهِ خِلَافٌ. فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ عُمُومَهُ مُعْتَبَرٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى خُصُوصِ السَّبَبِ. وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ، أَيْ لَا يُعْتَبَرُ عُمُومُهُ. فَقَوْلُهُ: " الْعَامُّ " مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ " مُعْتَبَرٌ " خَبَرُهُ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ مُعْتَبَرٌ عُمُومُهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَدَلُّوا بِمِثْلِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] خَاصٍّ سَوَاءٌ كَانَ مُقْتَرِنًا بِسَبَبٍ أَوْ لَا عَلَى عُمُومِ أَحْكَامِهِ. كَآيَةِ السَّرِقَةِ؛ فَإِنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا بِهَا، وَهِيَ وَارِدَةٌ فِي سَرِقَةِ الْمِجَنِّ أَوْ سَرِقَةِ رِدَاءِ صَفْوَانَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَآيَةِ الظِّهَارِ، فَإِنَّهَا وَارِدَةٌ فِي سَلَمَةَ بْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] صَخْرٍ. وَكَآيَةِ اللِّعَانِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أُمَيَّةَ. أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ. وَهَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتُ شَاعَتْ وَذَاعَتْ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ. فَيَكُونُ ذَلِكَ إِجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ مُعْتَبَرٌ عُمُومُهُ. الثَّانِي - أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْعُمُومِ، وَخُصُوصُ السَّبَبِ لَا يُعَارِضُهُ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَوْ قَالَ صَرِيحًا: تَمَسَّكُوا بِهَذَا اللَّفْظِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَنَاقُضٌ. فَلَوْ كَانَ خُصُوصُ السَّبَبِ مُعَارِضًا لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَلَزِمَ التَّنَاقُضُ. فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ لَا يَكُونُ عَامًّا، احْتَجُّوا بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْرَجَ الْأَمَةَ الْمُسْتَفْرَشَةَ مِنْ عُمُومِ " «الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ» " فَلَمْ يَلْحَقْ وَلَدُهَا مَعَ وُرُودِهِ فِي وَلَدِ زَمْعَةَ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي؛ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. قَالُوا: لَوْ عَمَّ - لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِ السَّبَبِ فَائِدَةٌ. قُلْنَا: فَائِدَتُهُ: مَنْعُ تَخْصِيصِهِ وَمَعْرِفَةُ الْأَسْبَابِ. قَالُوا: لَوْ قَالَ: تَغَدَّ عِنْدِي: وَاللَّهِ لَا تَغَدَّيْتَ - لَمْ يَعُمَّ، قُلْنَا: لِعُرْفٍ خَاصٍّ. قَالُوا: لَوْ عَمَّ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا. قُلْنَا: طَابَقَ وَزَادَ قَالُوا: لَوْ عَمَّ لَكَانَ حُكْمًا بِأَحَدِ الْمَجَازَاتِ بِالتَّحَكُّمِ؛ لِفَوَاتِ الظُّهُورِ بِالنُّصُوصِيَّةِ. قُلْنَا: النَّصُّ خَارِجِيٌّ بِقَرْنِيَّةٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُشْتَرَكُ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ - لَوْ كَانَ الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ عَامًّا، لَجَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ، أَيْ إِخْرَاجُهُ عَنِ الْعَامِّ بِالِاجْتِهَادِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَرَدَ الْعَامُّ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ، وَكَمَا صَحَّ إِخْرَاجُ غَيْرِ السَّبَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِالِاجْتِهَادِ، كَذَلِكَ جَازَ إِخْرَاجُ السَّبَبِ. أَجَابَ أَوَّلًا بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ; لِأَنَّ دُخُولَ السَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ لِأَجْلِهِ الْعَامُّ تَحْتَ الْعَامِّ قَطْعِيٌّ. بِخِلَافِ دُخُولِ الْأَفْرَادِ الْأُخَرِ، فَإِنَّ دُخُولَهَا تَحْتَهُ بِحَسَبِ الظُّهُورِ. فَيَكُونُ السَّبَبُ مُخْتَصًّا بِعَدَمِ جَوَازِ إِخْرَاجِهِ بِالِاجْتِهَادِ. وَثَانِيًا - بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي؛ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِخْرَاجِ السَّبَبِ. وَذَلِكَ ; لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخْرَجَ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُسْتَفْرَشَةِ عَنْ عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ". وَلَمْ يُلْحِقْ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَمَةِ بِمَوْلَاهَا الْمُسْتَفْرِشِ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِسَبَبِ وَلَدِ الْأَمَةِ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي وَلَدِ زَمْعَةَ لَمَّا رُوِيَ «أَنَّ زَمْعَةَ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ، وَقَدْ أَصَابَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَقَدْ قُتِلَ عُتْبَةُ كَافِرًا، وَعَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، أَيْ أَمَتِهِ مِنِّي فَخُذْهُ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: إِنَّ أَخِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ لِسَعْدٍ: هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي؛ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَرَافَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ» . الثَّانِي - لَوْ كَانَ الْعَامُّ الْوَارِدُ بِسَبَبٍ خَاصٍّ عَامًّا، لَمَا كَانَ لِنَقْلِ السَّبَبِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ مَعَ الْعَامِّ لِأَجْلِ أَنْ تَخْصِيصَ الْعَامِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ لَمْ يُنْقَلْ ; لِأَنَّ ذِكْرَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لَغْوًا. أَجَابَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ مَنْعُ تَخْصِيصِ السَّبَبِ عَنْهُ بِالِاجْتِهَادِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ السَّبَبُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْصُوصِ، وَالْمَنْصُوصُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالِاجْتِهَادِ. وَبِأَنَّ فَائِدَتَهُ مَعْرِفَةُ الْأَسْبَابِ مَعَ الشَّيْءِ. الثَّالِثُ - لَوْ قَالَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا تَغَدَّيْتُ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ: تَغَدَّ عِنْدِي، لَمْ يَكُنْ عَامًّا، لِأَنَّهُ إِنْ تَغَدَّى عِنْدَ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ. أَجَابَ بِأَنَّ خُصُوصَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَجْلِ عُرْفٍ خَاصٍّ ; إِذْ قَوْلُهُ: مَا تَغَدَّيْتُ، يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ مَا تَغَدَّى عِنْدَهُ، فَلَا يُوجِبُ الْخُصُوصَ فِي غَيْرِهَا. الرَّابِعُ - لَوْ عَمَّ الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، لَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ ; لِأَنَّ السُّؤَالَ هُوَ الْخَاصُّ، وَالْجَوَابَ هُوَ الْعَامُّ. وَالْمُطَابَقَةُ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ شَرْطٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْمُطَابَقَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْجَوَابُ شَامِلًا لِغَيْرِ السُّؤَالِ، فَلَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِهَذَا الْمَعْنَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ أَرَادَ بِالْمُطَابَقَةِ بَيَانَ مَعْنَى السُّؤَالِ وَحُكْمَهُ، فَقَدْ حَصَّلَ الْمُطَابَقَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَالزِّيَادَةُ لَا تَنْفِي الْبَيَانَ. الْخَامِسُ - لَوْ عَمَّ الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، لَكَانَ الْعُمُومُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحُكْمِ بِأَحَدِ الْمَجَازَاتِ بِالتَّحَكُّمِ. وَالتَّالِي بِالْبَاطِلِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّا نَجْزِمُ حِينَئِذٍ أَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ مُرَادَةٌ مِنَ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَيْهَا. وَصُورَةُ السَّبَبِ أَحَدُ مَجَازَاتِ الْعَامِّ ; لِأَنَّ كُلَّ بَعْضٍ مِنْهُ مَجَازٌ، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِأَحَدِ الْمَجَازَاتِ بِالتَّحَكُّمِ ; لِأَنَّ نِسْبَةَ الْعُمُومِ إِلَى جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَهُ مُتَسَاوِيَةٌ. فَالْجَزْمُ بِأَحَدِهَا دُونَ غَيْرِهِ تَحَكُّمٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَدْتُمْ إِرَادَةَ صُورَةِ السَّبَبِ عَدَمَهَا بِالنَّظَرِ إِلَى الْعَامِّ دُونَ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ فَمُسَلَّمٌ. لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ كَوْنَ الْعَامِّ نَصًّا فِي الْبَعْضِ خَارِجِيٌّ بِقَرِينَةٍ، وَهِيَ وُرُودُ الْخِطَابِ بَيَانًا لِذَلِكَ الْبَعْضِ. وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِعَدَمِهَا الْعَدَمَ مُطْلَقًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ. [مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً] ش - اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، كَإِطْلَاقِ الْقُرْءِ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ مَعًا. وَكَذَلِكَ يَصِحُّ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى مَدْلُولِهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا، كَإِطْلَاقِ لَفْظِ النِّكَاحِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ. وَنُقِلَ عَنِ الْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ حَقِيقَةً إِنْ صَحَّ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْهِ، كَالْعَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَارِيَةِ وَالْبَاصِرَةِ. وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، كَالْقُرْءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وَكَذَلِكَ مَدْلُولَا الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَعَنِ الْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةِ: يَصِحُّ حَقِيقَةً إِنْ صَحَّ الْجَمْعُ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَاهِرٌ فِيهِمَا عِنْدَ تَجَرُّدِ الْقَرَائِنِ، كَالْعَامِّ. أَبُو الْحَسَنِ وَالْغَزَّالِيُّ: يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ، لَا أَنَّهُ لُغَةٌ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ. وَقِيلَ ; يَجُوزُ فِي النَّفْيِ، لَا الْإِثْبَاتُ. وَالْأَكْثَرُ أَنَّ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ. ص - لَنَا فِي الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ يَسْبِقُ أَحَدَهُمَا. فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا كَانَ مَجَازًا. ص - النَّافِي لِلصِّحَّةِ: لَوْ كَانَ لِلْمَجْمُوعِ حَقِيقَةً لَكَانَ مُرِيدًا أَحَدَهُمَا خَاصَّةً، غَيْرَ مُرِيدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَدْلُولَانِ مَعًا، لَا بَقَاؤُهُ لِكُلِّ مُفْرَدٍ. ص - وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَاسْتِعْمَالُهُ لَهُمَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا، وَهُوَ مَعْنَى الْمَجَازِ. ص النَّافِي لِلصِّحَّةِ: لَوْ صَحَّ لَهُمَا لَكَانَ مُرِيدًا مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا، غَيْرَ مُرِيدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَيَيْهِ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ عَنِ الْقَرَائِنِ الْمُخَصِّصَةِ بِوَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَالْغَزَّالِيُّ: إِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مَفْهُومَاهُ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ، لَا أَنَّهُ يَصِحُّ لُغَةً إِطْلَاقُهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مَفْهُومَاهُ لَا لُغَةً، وَلَا وَضْعًا جَدِيدًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ صِحَّةَ إِطْلَاقِ الْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ، كَالْأَقْرَاءِ، مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ إِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَجَازًا بِأَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا إِلَى الذِّهْنِ. فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى مَعْنَيَيْهِ كَانَ مَجَازًا. وَيَكُونُ الْعَلَاقَةُ الْكُلِّيَّةَ وَالْجُزْئِيَّةَ. ش - النَّافِي لِصِحَّةِ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مُطْلَقًا، احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ لَكَانَ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً لِلْمَجْمُوعِ ; لِأَنَّهُ وُضِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ. وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ حَقِيقَةً. وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ حَقِيقَةً فِي الْمَجْمُوعِ لَكَانَ الْمُسْتَعْمِلُ لِلَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مُرِيدًا لَنَفْيِ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ خَاصَّةً (لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ غَيْرَ مُرِيدٍ) لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْآخَرِ. وَهُوَ مُحَالٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَجْمُوعِ مَعْنَيَيْهِ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْمَجْمُوعِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمَدْلُولَانِ مَعًا، بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ بَقَاؤُهُ لِكُلِّ مُفْرَدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ، حَتَّى يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا خَاصَّةً مُرَادًا غَيْرَ مُرَادٍ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ عَلَى مَدْلُولَيْهِ: الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ لِمَدْلُولَيْهِ: الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا ; لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُوضَعْ لِلْمَعْنَيَيْنِ أَوَّلًا. وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ مَجَازٌ. وَالْعَلَاقَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْإِطْلَاقِ هِيَ الْجُزْئِيَّةُ وَالْكُلِّيَّةُ. ش - احْتَجَّ النَّافِي لِصِحَّةِ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَدْلُولَيْهِ: الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ اسْتِعْمَالَيِ اللَّفْظِ لِمَدْلُولَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ لَكَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُرِيدًا لِمَا وُضِعَتْ لَهُ الْكَلِمَةُ أَوَّلًا، لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ، غَيْرَ مُرِيدٍ لَهُ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الْمُسْتَعْمِلُ مَا وُضِعَتْ لَهُ الْكَلِمَةُ أَوَّلًا، يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُرِيدًا لِمَا وُضِعَتْ لَهُ ثَانِيًا، بَلْ يَكُونُ مُرِيدًا لِمَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا بِوَضْعٍ مَجَازِيٍّ. ش - احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ حَقِيقَةً فِي مَعْنَيَيْهِ جَمِيعًا بِوُقُوعِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18] . وَفِي قَوْلِهِ تَعَالِي: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] . أَمَّا فِي الْآيَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ السُّجُودَ وَأَرَادَ مَعْنَيَيْهِ: وَضْعَ الْجَبْهَةِ وَالْخُضُوعَ ; لِأَنَّهُ نَسَبَ السُّجُودَ إِلَى النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ وَسُجُودُ النَّاسِ: وَضْعُ الْجَبْهَةِ، وَسُجُودُ غَيْرِهِمُ: الْخُضُوعُ. وَأَمَّا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْتُعْمِلَتْ فِي مَدْلُولَيْهَا: الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الصَّلَاةَ إِلَى اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ. وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ: الْحَقِيقَةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مُرِيدٌ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا بِوَضْعٍ مَجَازِيٍّ. ص - الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18] . (إِنَّ {اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] وَهِي مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ السُّجُودَ: الْخُضُوعُ، وَالصَّلَاةَ: الِاعْتِنَاءُ بِإِظْهَارِ الشَّرَفِ. أَوْ بِتَقْدِيرِ خَبِرٍ أَوْ فِعْلٍ حُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا يُقَارِنُهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 أَوْ بِأَنَّهُ مَجَازٌ بِمَا تَقَدَّمَ. ص - مَسْأَلَةٌ: نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ؛ مِثْلَ " {لَا يَسْتَوِي} [الحشر: 20] " يَقْتَضِي الْعُمُومَ كَغَيْرِهَا. أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْتَضِيهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَيَيْهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. أَجَابَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ السُّجُودَ هُوَ الْخُضُوعُ، وَهُوَ يَشْمَلُ النَّاسَ وَغَيْرَهُمْ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الِاعْتِنَاءُ بِإِظْهَارِ شَرَفِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحُرْمَتِهِ. وَهَذَا مَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ. فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ فِي الْأُولَى حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَسَجَدَ لَهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَيَسْجُدُ لَهُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَيَسْجُدُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. وَيَكُونُ السُّجُودُ فِيمَا هُوَ مُسْنَدٌ إِلَى النَّاسِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَفِي الْبَاقِي بِالْخُضُوعِ، فَلَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَدْلُولَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ خَبَرٌ فِي الثَّانِيَةِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ. وَيَكُونُ حَذْفُ الْفِعْلِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَالْخَبَرِ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِقَرِينَةٍ، وَهِيَ دَلَالَةُ مَا يُقَارِبُهُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِمْ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا الثَّالِثُ - أَنَّ اسْتِعْمَالَ السُّجُودِ فِي الْأُولَى وَالصَّلَاةِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، لَا بِطْرِيقِ الْحَقِيقَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا: لَوْ (كَانَ) السُّجُودُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَالصَّلَاةُ فِي الثَّانِيَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَعْنَيَيْنِ بِالْحَقِيقَةِ - يَلْزَمُ إِسْنَادُ مَعْنَى السُّجُودِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّجَرِ (وَالْجِبَالِ) وَالدَّوَابِّ، (وَإِسْنَادُ) الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ عَدَمُ اسْتِقَامَةِ الْجَوَابِ الْأَخِيرِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسَادُ الْمَذْكُورُ. [مَسْأَلَةٌ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ كَغَيْرِهَا] ش - نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] يَقْتَضِي الْعُمُومَ، أَعْنِي نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا أَنَّ نَفْيَ غَيْرِ الْمُسَاوَاةِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ. لَنَا: أَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ، يَقْتَضِي نَفْيَ جِنْسِ الْمَصْدَرِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ، فَيَكُونُ نَفْيًا وَارِدًا عَلَى نَكِرَةٍ، فَيَكُونُ مُقْتَضِيًا لِلْعُمُومِ كَالنَّفْيِ الدَّاخِلِ عَلَى غَيْرِ الْفِعْلِ مِنَ النَّكِرَاتِ. ش - احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ بِوَجْهٍ خَاصٍّ، وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ; لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ كَمَا تَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، قَدْ تَكُونُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَالْأَعَمُّ لَا يُشْعِرُ بِالْأَخَصِّ ; إِذْ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ أَصْلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 لَنَا: نَفْيٌ عَلَى نَكِرَةٍ كَغَيْرِهِ. ص - قَالُوا: الْمُسَاوَاةُ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ بِوَجْهٍ خَاصٍّ، وَالْأَعَمُّ لَا يُشْعِرُ بِالْأَخَصِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْإِثْبَاتِ، وَإِلَّا لَمْ يَعُمَّ نَفْيٌ، قَالُوا: لَوْ عَمَّ لَمْ يَصْدُقْ ; إِذْ لَا بُدَّ مِنْ مُسَاوَاةٍ، وَلَوْ فِي   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 نَفْيِ مَا سِوَاهُمَا عَنْهُمَا. قُلْنَا: إِنَّمَا يَنْفِي مُسَاوَاةً يَصِحُّ انْتِفَاؤُهَا. قَالُوا: الْمُسَاوَاةُ فِي الْإِثْبَاتِ لِلْعُمُومِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِمْ إِخْبَارٌ بِمُسَاوَاةٍ، لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ. وَنَقِيضُ الْكُلِّيِّ الْمُوجَبِ جُزْئِيٌّ سَالِبٌ. قُلْنَا: الْمُسَاوَاةُ فِي الْإِثْبَاتِ لِلْخُصُوصِ، وَإِلَّا لَمْ يَصْدُقْ أَبَدًا ; إِذْ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَبَيْنَهُمَا نَفْيُ مُسَاوَاةٍ، وَلَوْ فِي تَعَيُّنِهِمَا. وَنَقِيضُ الْجُزْئِيِّ الْمُوجَبِ كُلِّيٌّ سَالِبٌ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعُمُومَ مِنَ النَّفْيِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُقْتَضِي - وَهُوَ مَا احْتَمَلَ أَحَدَ تَقْدِيرَاتٍ لِاسْتِقَامَةِ الْكَلَامِ - لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْجَمِيعِ. أَمَّا إِذَا تَعَيَّنَ أَحَدُهَا بِدَلِيلٍ - كَانَ كَظُهُورِهِ - وَيُمَثِّلُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ". لَنَا: لَوْ أَضْمَرَ الْجَمِيعَ لَأَضْمَرَ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ. ص - قَالُوا: أَقْرَبُ مَجَازٍ إِلَيْهِمَا، بِاعْتِبَارِ رَفْعِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِمَا، عُمُومُ أَحْكَامِهِمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ بَابَ غَيْرِ الْإِضْمَارِ فِي الْمَجَازِ أَكْثَرُ، فَكَانَ أَوْلَى، فَيَتَعَارَضَانِ، فَيَسْلَمُ الدَّلِيلُ. قَالُوا: الْعُرْفُ فِي مِثْلِ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ سُلْطَانٌ، نَفْيُ الصِّفَاتِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ الْعَامَّ إِنَّمَا لَا يُشْعِرُ بِالْخَاصِّ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ. وَأَمَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ يُشْعِرُ بِهِ، فَإِنَّ نَفْيَ الْعَامِّ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْخَاصِّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْعَامِّ مُسْتَلْزِمًا لِنَفْيِ الْخَاصِّ لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْعُمُومِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ لَا يَنْتَفِيَ الْخُصُوصُ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ الْعَامِّ، فَلَا يَتَحَقَّقُ نَفْيُ الْعُمُومِ. الثَّانِي - لَوْ عَمَّ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ فِي مِثْلِ " {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ} [الحشر: 20] " لَمْ يَصْدُقْ مِثْلُ " {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ} [الحشر: 20] ". وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ صِدْقَهُ حِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. وَنَفْيُ الْمُسَاوَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُسَاوَاةٌ أَصْلًا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ ; إِذْ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُسَاوَاةٌ بِوَجْهٍ مَا، وَأَقَلُّهَا الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي نَفْيِ مَا سِوَاهُمَا عَنْهُمَا. أَجَابَ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ؛ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ نَفَى مُسَاوَاةً يَصِحُّ انْتِفَاؤُهَا، لَا الْمُسَاوَاةَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. وَاللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْعُمُومِ لَكِنَّهُ قَدْ خُصَّ. الثَّالِثُ - أَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ لِلْعُمُومِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَقَوْلِنَا: زَيْدٌ وَعَمْرٌو مُتَسَاوِيَانِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَسَاوِيَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتَضِ تَسَاوِيَهُمَا فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ لَمْ يَسْتَقِمِ الْإِخْبَارُ بِمُسَاوَاتِهِمَا، إِذْ لَا وَجْهَ لِاخْتِصَاصِهِمَا حِينَئِذٍ بِوَصْفِ الْمُسَاوَاةِ ; إِذْ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُسَاوَاةٌ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ. لَكِنَّهُ يَسْتَقِيمُ الْإِخْبَارُ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ لِلْعُمُومِ. فَيَكُونُ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يَعُمُّ ; لِأَنَّ نَفْيَ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ سَلْبُ جُزْئِيٍّ. أَجَابَ عَنِ الثَّالِثِ بِالْمُعَارَضَةِ. فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ لِلْخُصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْخُصُوصِ لَمْ يَصْدُقْ مُسَاوَاةٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَصْلًا، إِذَا مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَيَصْدُقُ بَيْنَهُمَا نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ. وَأَقَلُّهُ أَنْ يَصْدُقَ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي تَعَيُّنِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ فِي تَعَيُّنِهِ، فَلَا يَصْدُقُ ثُبُوتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. وَإِذَا كَانَتِ الْمُسَاوَاةُ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ لِلْخُصُوصِ تَكُونُ الْمُسَاوَاةُ فِي جَانِبِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الْجُزْئِيِّ الْمُوجَبِ السَّالِبُ الْكُلِّيُّ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ - بَعْدَ دَفْعِ مَذْهَبِ الْخَصْمِ بِالْمُعَارَضَةِ -: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعُمُومَ مُسْتَفَادٌ مِنَ النَّفْيِ، لَا مِنْ كَوْنِهِ نَقِيضَ قَضِيَّةٍ جُزْئِيَّةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ الْمُقْتَضِي] ش - الْمُقْتَضِي، بِكَسْرِ الضَّادِ - وَهُوَ مَا احْتُمِلَ، أَعْنِي مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَاجُ فِي اسْتِقَامَتِهِ إِلَى إِضْمَارِ جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ - لَا عُمُومَ لَهُ، أَيْ لَا يَقْتَضِي إِضْمَارَ جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ. أَمَّا إِذَا تَعَيَّنَ إِضْمَارُ وَاحِدٍ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ دَالٍّ عَلَى إِضْمَارِ ذَلِكَ - كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ الْمُضْمَرِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ كَحُكْمِ الْمُظْهَرِ. وَقَدْ يُمَثَّلُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ". فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ الْأُمَّةَ يَصْدُرُ عَنْهُمُ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُضْمَرَ فِيهِ تَقْدِيرَاتٌ مِثْلُ الذَّمِّ، وَالْعِقَابِ، وَالضَّمَانِ وَغَيْرِهَا. فَلَا تُضْمَرُ جَمِيعُ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ. وَقِيلَ: يُوجِبُ إِضْمَارَ جَمِيعِهَا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِضْمَارَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. وَهَا هُنَا لَمَّا امْتَنَعَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ، احْتَاجَ إِلَى إِضْمَارٍ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِإِضْمَارِ وَاحِدٍ مِنْهَا. فَلَوْ أُضْمِرَ جَمِيعُ التَّقْدِيرَاتِ - لَأُضْمِرَ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْإِضْمَارِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُقْتَضِي لَهُ عُمُومٌ احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» " يَدُلُّ بِالْحَقِيقَةِ عَلَى رَفْعِ مَفْهُومِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عَنِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُضْمَرَ تَقْدِيرٌ حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ، وَأَقْرَبُ مَجَازٍ إِلَى رَفْعِ مَفْهُومِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عَنِ الْأُمَّةِ عُمُومُ رَفْعِ أَحْكَامِهِمَا ; لِأَنَّ عَدَمَ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مِنْ عَدَمِ بَعْضِ أَحْكَامِهِمَا ". فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ الْأَقْرَبِ. أَجَابَ بِأَنَّ بَابَ غَيْرِ الْإِضْمَارِ فِي الْمَجَازِ أَكْثَرُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ. فَبَابُ الْإِضْمَارِ، لِكَوْنِهِ أَقَلَّ، عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. فَكُلَّمَا كَانَ الْإِضْمَارُ أَقَلَّ كَانَ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ أَقَلَّ، فَكَانَ إِضْمَارُ الْبَعْضِ أَوْلَى. فَيَتَعَارَضَانِ، أَيْ كَوْنُ إِضْمَارِ الْجَمِيعِ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِيقَةِ، وَكَوْنُ إِضْمَارِ الْبَعْضِ أَوْلَى. فَيَسْلَمُ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 قُلْنَا: قِيَاسٌ فِي الْعُرْفِ. قَالُوا: يَتَعَيَّنُ الْجَمِيعُ لِبُطْلَانِ التَّحَكُّمِ إِنْ عُيِّنَ، وَلُزُومِ الْإِجْمَالِ إِنْ أُبْهِمَ. قُلْنَا: وَيَلْزَمُ مِنَ التَّعْمِيمِ زِيَادَةُ الْإِضْمَارِ وَتَكْثِيرُ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ، فَكَانَ الْإِجْمَالُ أَقْرَبَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) مِثْلَ لَا آكُلُ وَإِنْ أَكَلْتُ، عَامٌّ فِي   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي - أَنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَى فِي قَوْلِنَا: لَيْسَ لِلْبَلَدِ سُلْطَانٌ، عُمُومَ نَفْيِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْعُمُومِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الصُّوَرِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالْجَامِعُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي صَرْفِهِمَا عَنِ الظَّاهِرِ إِلَى مَا يَسْتَقِيمُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْعُرْفِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْعُرْفِ غَيْرُ جَائِزٍ، كَالْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ. الثَّالِثُ - أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْجَمِيعِ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى بَعْضٍ مُعَيَّنٍ، فَيَلْزَمُ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَاوٍ لِآخَرَ، وَالتَّحَكُّمُ بَاطِلٌ. وَإِنْ حُمِلَ عَلَى بَعْضٍ مُبْهَمٍ - أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ - يَلْزَمُ الْإِجْمَالُ. وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى بَعْضٍ مُبْهَمٍ وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِجْمَالِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، لَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْجَمِيعِ يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْإِضْمَارِ، وَتَكْثِيرَ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ، فَكَانَ الْإِجْمَالُ أَقْرَبَ وَأَوْلَى. [مَسْأَلَةٌ لَا آكُلُ وَإِنْ أَكَلْتُ عَامٌّ] ش - إِذَا وَقَعَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَصْدَرٌ، سَوَاءٌ كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، مِثْلَ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ، أَوْ وَقَعَ شَرْطًا، مِثْلَ إِنْ أَكَلْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ - يَعُمُّ فِي مَفْعُولَاتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَيُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ ; لِأَنَّ الْعَامَّ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَعُمُّ فِي مَفْعُولَاتِهِ، فَلَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ ; لِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا لَا عُمُومَ لَهُ. ش - احْتُجَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّ قَوْلَنَا: لَا آكُلُ، يَدُلُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 مَفْعُولَاتِهِ فَيُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْبَلُ تَخْصِيصًا. ص - لَنَا: أَنَّ لَا آكُلُ: لِنَفْيِ حَقِيقَةِ الْأَكْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مَأْكُولٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ. فَيَجِبُ قَبُولُهُ لِلتَّخْصِيصِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ عَامًّا لَعَمَّ التَّخْصِيصُ. وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِهِ، وَبِالْفَرْقِ بِأَنَّ أَكَلْتُ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِمَأْكُولٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى نَفْيِ حَقِيقَةِ الْأَكْلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ، فَيَكُونُ نَفْيُ الْأَكْلِ مُتَحَقِّقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مَأْكُولٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْمَأْكُولِ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةُ الْأَكْلِ مُنْتَفِيَةً. وَإِذَا كَانَ نَفْيُ الْأَكْلِ مُتَحَقِّقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مَأْكُولٍ كَانَ عَامًّا ; إِذْ لَا مَعْنَى لِلْعُمُومِ إِلَّا ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ عَامًّا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ. ش - احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: وُقُوعُ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي مُجَرَّدًا عَنِ الْمَصْدَرِ، لَوْ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَفْعُولَاتِهِ لَكَانَ عَامًّا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ; لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ كَمَا يَسْتَلْزِمُ الْمَفْعُولَ، يَسْتَلْزِمُ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَكَانَ قَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. أَجَابَ أَوَّلًا بِالْتِزَامِ كَوْنِ الْفِعْلِ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ. وَثَانِيًا بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ تَعَلُّقَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِالْمَفْعُولِ أَقْوَى مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ; لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ لَا يُعْقَلُ مَفْهُومُهُ بِدُونِ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ. بِخِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يُعْقَلُ بِدُونِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَإِنَّ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ مِنْ لَوَازِمِ وُجُودِ الْفِعْلِ لَا مِنْ لَوَازِمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ. قَالُوا: إِنَّ " أَكَلْتُ وَلَا آكُلُ " مُطْلَقٌ، فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ. بِمُخَصَّصٍ ; لِأَنَّهُ غَيْرُهُ. قُلْنَا: الْمُرَادُ الْمُقَيَّدُ الْمُطَابِقُ لِلْمُطْلَقِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْكُلِّيِّ فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ بِالْمُقَيَّدِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْفِعْلُ الْمُثْبَتُ لَا يَكُونُ عَامًّا فِي أَقْسَامِهِ، مِثْلَ: " «صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ» ". فَلَا يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَفْهُومِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ لَازِمٌ لِمَفْهُومِ الْفِعْلِ، (اللَّهُمُّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الزَّمَانُ الْخَاصُّ وَالْمَكَانُ الْخَاصُّ اللَّذَانِ يَكُونَانِ مَفْهُومَيْ طَرَفَيِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ) . الثَّانِي - إِنَّ أَكَلْتُ، وَلَا آكُلُ، يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِقَيْدٍ، فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِمُخَصَّصٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ; لِأَنَّ الْمُخَصَّصَ يُخَالِفُ الْمُطْلَقَ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ. بِخِلَافِ الْمُخَصَّصِ. وَالْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ بِهِ شَرْطٌ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ، وَإِنْ أَكَلْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ، هُوَ الْأَكْلُ الْمُقَيَّدُ الْمُطَابِقُ لِلْمُطْلَقِ، لَا الْأَكْلُ الْكُلِّيُّ؛ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْكُلِّيِّ فِي الْخَارِجِ. وَالْأَكْلُ الْمُقَيَّدُ الْمُطَابِقُ يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِمُخَصَّصٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا آكُلُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْمُقَيَّدِ. [مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمُثْبَتُ لَا يَكُونُ عَامًّا فِي أَقْسَامِهِ] ش - الْفِعْلُ الْوَاقِعُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَقْسَامٌ وَجِهَاتٌ لَا يَقْتَضِي عُمُومَهُ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ وَالْجِهَاتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَمِثْلَ: " «صَلَّى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ» " فَلَا يَعُمُّ الشَّفَقَيْنِ، إِلَّا عَلَى رَأْيٍ. وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ: لَا يَعُمُّ وَقْتَيْهِمَا. وَأَمَّا تَكَرُّرُ الْفِعْلِ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي: " «كَانَ يَجْمَعُ» " كَقَوْلِهِمْ: كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضَّيْفَ. وَأَمَّا دُخُولُ أُمَّتِهِ فَبِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، مِنْ قَوْلٍ مِثْلَ " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» " وَ " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ". أَوْ قَرِينَةٍ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ إِجْمَالٍ أَوْ إِطْلَاقٍ أَوْ عُمُومٍ. أَوْ بِقَوْلِهِ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} [الأحزاب: 21] . أَوْ بِالْقِيَاسِ. قَالُوا: قَدْ عَمَّمَ، نَحْوَ: " «سَهَا فَسَجَدَ» " " «وَأَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ الْمَاءَ» " وَغَيْرِهِ. قُلْنَا: بِمَا ذَكَرْنَاهُ لَا بِالصِّيغَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) نَحْوَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: " «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» " وَ " «قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ» " يَعُمُّ الْغَرَرَ وَالْجَارَ. لَنَا: عَدْلٌ عَارِفٌ. فَالظَّاهِرُ الصِّدْقُ. فَمُوجَبٌ الِاتِّبَاعُ. ص - قَالُوا: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ خَاصًّا، أَوْ سَمِعَ صِيغَةً خَاصَّةً فَتَوَهَّمَ. وَالِاحْتِجَاجُ لِلْمَحَلِّي. قُلْنَا: خِلَافُ الظَّاهِرِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا عَلَّقَ حُكْمًا عَلَى عِلَّةٍ عَمَّ بِالْقِيَاسِ شَرْعًا، لَا بِالصِّيغَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَعُمُّ. وَقِيلَ: بِالصِّيغَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: «حَرَّمْتُ الْمُسْكِرَ لِكَوْنِهِ حُلْوًا» . لَنَا: ظَاهِرٌ فِي اسْتِقْلَالِ الْعِلَّةِ. فَوَجَبَ الِاتِّبَاعُ. وَلَوْ كَانَ بِالصِّيغَةِ لَكَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِسَوَادِهِ يَقْتَضِي عِتْقَ سُودَانِ عَبِيدِهِ - وَلَا قَائِلَ بِهِ. ص - الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ الْجُزْئِيَّةَ. قُلْنَا: لَا يُتْرَكُ الظَّاهِرُ لِلِاحْتِمَالِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مْثِلَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «صَلَّى إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ» ". وَالصَّلَاةُ قَدْ تَكُونُ فَرْضًا وَقَدْ تَكُونُ نَفْلًا، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي صُدُورَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ مِنْهُ. وَكَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «صَلَّى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ» ". فَإِنَّ صَلَاتَهُ احْتَمَلَ أَنْ تَقَعَ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ أَوِ الْأَصْفَرِ ; لِأَنَّ الشَّفَقَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ. فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] صَلَّى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ إِلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ حَمَلَ وُقُوعَ صَلَاتِهِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ. وَكَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» " فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُولَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، فَلَا يَعُمُّ وَقْتَيْهِمَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي الْوَقْتَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ عُمُومُهُ بِحَسَبِ الْأَقْسَامِ، وَالْأَخِيرَيْنِ عُمُومُهُمَا بِحَسَبِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: " وَأَمَّا تَكَرُّرُ الْفِعْلِ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ مُقَدَّرٍ، تَوْجِيهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ يُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَإِفَادَتُهُ التَّكْرَارَ دَلِيلُ الْعُمُومِ. أَجَابَ بِأَنَّ تَكَرُّرَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ لِمَحَلٍّ هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي، فَإِنَّ قَوْلَ الرَّاوِي: " «كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَجْمَعُ» " يُفِيدُ التَّكْرَارَ عُرْفًا، كَقَوْلِ أَهْلِ الْعُرْفِ: كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضَّيْفَ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَكْرَارَ إِكْرَامِ الضَّيْفِ. قَوْلُهُ: وَأَمَّا دُخُولُ أُمَّتِهِ: إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ دَخَلٍ آخَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَوْجِيهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ يَقْتَضِي دُخُولَ الْأُمَّةِ فَكَمَا صَحَّ اقْتِضَاءُ دُخُولِ الْأُمَّةِ فِيهِ صَحَّ اقْتِضَاءُ الْعُمُومِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْفِعْلَ نَفْسَهُ لَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْأُمَّةِ فِيهِ، بَلِ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِ الْأُمَّةِ فِيهِ هُوَ دَلِيلٌ خَارِجِيٌّ ; مِنْ قَوْلٍ مِثْلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ". وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ". أَوْ قَرِينَةٍ مِثْلُ وُقُوعِ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ جَرَيَانِ حُكْمٍ فِيهِ إِجْمَالٌ أَوْ إِطْلَاقٌ أَوْ عُمُومٌ، وَعُرِفَ أَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ وَالْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ. أَوْ بِقَوْلِهِ تَعَالِي: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ بِقَوْلِهِ: " {لَقَدْ كَانَ} [الأحزاب: 21] "، عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعُمُومُ بِالْإِجْمَاعِ فِي مِثْلِ: " «سَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ» ". فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ. وَأَيْضًا: سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الِاغْتِسَالِ، وَأَحَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْرِفَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ فَقَالَ: " «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِي» ". وَكَذَلِكَ «سُئِلَ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ. فَقَالَ: " أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ مُقْتَضِيًا لِلْعُمُومِ - لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعُمُومَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي؛ فَإِنَّ الرَّاوِيَ لَمَّا أَدْخَلَ الْفَاءَ عَلَى " سَجَدَ " دَلَّ عَلَى التَّكْرَارِ ; فَإِنَّ الْفَاءَ يَقْتَضِي السَّبَبِيَّةَ. أَوْ غَيْرِهِ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ قَوْلٍ أَوْ قِيَاسٍ، كَمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ نَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ] ش - إِذَا وَقَعَ فِي لَفْظِ الصَّحَابِيِّ عَامٌّ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ عَنْ حُكْمٍ صَدَرَ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجِبُ الْأَخْذُ بِالْعُمُومِ عِنْدَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَعِنْدَ بَعْضٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْأَخْذُ بِالْعُمُومِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَقَوْلِهِ: " «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ» ". فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْغَرَرَ وَالْجَارَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ بِالْعُمُومِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ عَدْلٌ عَارِفٌ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ وَغَيْرِهَا. وَالظَّاهِرُ يَقْتَضِي صِدْقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. وَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَخْبَرَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ الَّتِي هِيَ الْغَرَرُ وَالْجَارُ، لِكَوْنِهِمَا مُعَرَّفَيْنِ بِاللَّامِ. فَيَجِبُ قَبُولُهُ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مِثْلَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» " لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ، قَالُوا: دُخُولُ اللَّامِ فِي مِثْلِ الْغَرَرِ وَالْجَارِ كَمَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِغْرَاقَ يَحْتَمِلُ الْعَهْدَ. وَالْأَوَّلُ لِلْعُمُومِ وَالثَّانِي لِلْخُصُوصِ، وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يُحْتَمَلُ الْخُصُوصُ. وَأَيْضًا ; يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ قَدْ سَمِعَ مِنَ الرَّسُولِ صِيغَةً فَتَوَهَّمَ عُمُومَهَا، فَذَكَرَ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ. فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْعُمُومِ ; لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمَحْكِيِّ لَا بِالْحِكَايَةِ. وَالْحِكَايَةُ إِنَّمَا يُحْتَجُّ بِهَا إِذَا كَانَتْ مُطَابِقَةً لِلْمَحْكِيِّ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ غَالِبًا. فَيَكُونُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَهْدِ خِلَافَ الظَّاهِرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالصَّحَابِيُّ عَدْلٌ عَارِفٌ بِأَحْكَامِ اللُّغَةِ، فَاحْتِمَالُ تَوَهُّمِ الْعُمُومِ فِيمَا لَيْسَ بِعَامٍّ خِلَافُ الظَّاهِرِ. [مَسْأَلَةٌ إِذَا عَلَّقَ حُكْمًا عَلَى عِلَّةٍ عَمَّ بِالْقِيَاسِ شَرْعًا لَا بِالصِّيغَةِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حُكْمًا بِعِلَّةٍ هَلْ يَعُمُّ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْعِلَّةِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَعُمُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَعُمُّ. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ اخْتَلَفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يَعُمُّ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالْقِيَاسِ شَرْعًا، لَا بِالصِّيغَةِ، أَيْ مُوجَبُ الْعُمُومِ الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ، لَا الصِّيغَةُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: يَعُمُّ بِالصِّيغَةِ أَيْ مُوجَبُ الْعُمُومِ الصِّيغَةُ. مِثَالُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ: «حَرَّمْتُ الْمُسْكِرَ لِكَوْنِهِ حُلْوًا» . فَإِنَّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ لَا يَعُمُّ الْحُرْمَةَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْحَلَاوَةِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ يَعُمُّ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْحَلَاوَةِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ يَعُمُّ بِالصِّيغَةِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ يَعُمُّ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، وَلَا يَعُمُّ بِالصِّيغَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ - فَلْأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ ظَاهِرٌ فِي اسْتِقْلَالِ الْعِلَّةِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُكْمِ، فَكُلَّمَا وُجِدَتِ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ. فَيَثْبُتُ عُمُومُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ. وَأَمَّا الثَّانِي - فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عُمُومُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعِلَّةِ بِالصِّيغَةِ لَكَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِسَوَادِهِ، يَقْتَضِي عِتْقَ سُودَانِ عَبِيدِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; إِذْ لَا قَائِلَ بِهِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الصِّيغَةَ لَوْ كَانَتْ مُقْتَضِيَةً لِلْعُمُومِ، كَانَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى الْعُمُومِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِسَوَادِهِ كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُ سُودَانِ عَبِيدِي، فَيَقْتَضِي عِتْقَ سُودَانِ عَبِيدِهِ. ش - احْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «حَرَّمْتُ الْمُسْكِرَ لِكَوْنِهِ حُلْوًا» ، يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الْحُلْوُ الْخَاصُّ. فَيَكُونُ الْحُلْوُ جُزْءًا لِعِلَّةٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحُلْوَ الْمُطْلَقَ. وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ الْخُصُوصَ، وَالثَّانِي، الْعُمُومَ. فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعُمُومُ، بَلْ يُحْتَمَلُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْخُصُوصَ إِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، لَكِنَّ الْعُمُومَ ظَاهِرٌ. وَالظَّاهِرُ لَا يُتْرَكُ لِلِاحْتِمَالِ. ش - الْآخَرُ - أَيِ الْقَائِلُ بِعُمُومِهِ بِحَسَبِ الصِّيغَةِ - احْتَجَّ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «حَرَّمْتُ الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا» ، مِثْلَ قَوْلِهِ: حَرَّمْتُ الْمُسْكِرَ فِي الْمَفْهُومِ. وَالثَّانِي يَقْتَضِي عُمُومَ حُرْمَةِ الْمُسْكِرِ بِحَسَبِ الصِّيغَةِ. فَكَذَا الْأَوَّلُ. أَجَابَ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ: حَرَّمْتُ الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: حَرَّمْتُ الْمُسْكِرَ فِي إِفَادَتِهِ الْعُمُومَ بِحَسَبِ الصِّيغَةِ. [عموم المفهوم] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمَفْهُومَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ حُجَّةً لَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِي أَنَّ لَهُ عُمُومًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي مَا يَكُونُ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مُوَافِقًا لِلْمَنْطُوقِ، كَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ مِنْ تَحْرِيمِ تَأْفِيفِهِمَا، وَمَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، كَعَدَمِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَعْلُوفَةِ مِنْ وُجُوبِ زَكَاةِ السَّائِمَةِ - لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ مِنَ الْقَائِلِينَ بِهِ فِي عُمُومِهَا فِيمَا عَدَا الْمَنْطُوقَ. وَالْغَزَّالِيُّ إِنَّمَا نَفَى عُمُومَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَنْطُوقَ بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْمَفْهُومِ بِغَيْرِ تَوَسُّطِ الْمَفْهُومِ، لَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَعُمُّ فِي الْمَفْهُومِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا. [مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ " يقضي العموم] ش - قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا عَطَفَ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى، وَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَاهَا إِلَّا بِتَقْدِيرٍ، وَكَانَ فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا لَفْظٌ لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَقَامَ مَعْنَاهَا، وَجَبَ تَقْدِيرُهُ فِيهَا. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُكْمُ ذَلِكَ اللَّفْظِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَاحِدٌ، وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ. إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْخُصُوصُ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ. مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ". فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ " بِكَافِرٍ " فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ". وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي عُمُومَهُ فِيهِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 ص - الْآخَرُ: حَرَّمْتُ الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا، مِثْلَ: «حَرَّمْتُ الْمُسْكِرَ لِإِسْكَارِهِ» . وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَفْهُومَ لَهُ عُمُومٌ لَا يَتَحَقَّقُ ; لِأَنَّ مَفْهُومَيِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ عَامٌّ فِيمَا سِوَى الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ -   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 بِالْمَنْطُوقِ بِهِ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَيْضًا. ص - (مَسْأَلَةٌ) قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ". مَعْنَاهُ: بِكَافِرٍ. فَيَقْتَضِي الْعُمُومَ إِلَّا بِدَلِيلٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 لَنَا: لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ شَيْءٌ لَامْتَنَعَ قَتْلُهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ بَاطِلٌ. فَيَجِبُ الْأَوَّلُ لِلْقَرِينَةِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ - لَكَانَ " بِكَافِرٍ " الْأَوَّلُ لِلْحَرْبِيِّ فَقَطْ فَيَفْسَدَ الْمَعْنَى. وَلَكَانَ {وَبُعُولَتُهُنَّ} [البقرة: 228] لِلرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ ; لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الْمُطَلَّقَاتِ. قُلْنَا: خُصَّ الثَّانِي بِالدَّلِيلِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ لَكَانَ نَحْوَ ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَمْرًا، أَيْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَأُجِيبَ بِإِلْزَامِهِ. وَبِالْفَرْقِ بِأَنَّ ضَرْبَ عَمْرٍو فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يَمْتَنِعُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) مِثْلُ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} [الزمر: 65] لَيْسَ بِعَامٍّ لِلْأُمَّةِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - عَامٌّ إِلَّا بِدَلِيلٍ. لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّ خِطَابَ الْمُفْرَدِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ لُغَةً. وَأَيْضًا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ غَيْرِهِ تَخْصِيصًا. ص - قَالُوا: إِذَا قِيلَ لِمَنْ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ: ارْكَبْ لِمُنَاجَزَةِ الْعَدُوِّ، وَنَحْوُهُ - فُهِمَ لُغَةً أَنَّهُ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ مَعَهُ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ: فَتَحَ وَكَسَرَ. وَالْمُرَادُ مَعَ أَتْبَاعِهِ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ. أَوْ فُهِمَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْمُشَارَكَةِ. بِخِلَافِ هَذَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ شَيْءٌ فِي الثَّانِيَةِ، لَزِمَ حُرْمَةُ قَتْلِ ذِي الْعَهْدِ مُطْلَقًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذًا لَا بُدَّ أَنْ يُقَدَّرَ شَيْءٌ. وَالْمُقَدَّرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ " بِكَافِرٍ " أَوْ غَيْرِهِ. وَالثَّانِي مَدْفُوعٌ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ. فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِتَحَقُّقِ الْقَرِينَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ شَيْءٌ لَزِمَ حُرْمَةُ قَتْلِهِ مُطْلَقًا. (وَذَلِكَ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْقَتْلِ مُعَلَّقَةٌ بِوَصْفِ الْعَهْدِ. فَإِذَا انْتَفَى وَصْفُ الْعَهْدِ انْتَفَى الْحُرْمَةُ. أَوْ تَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ شَيْءٌ لَزِمَ حُرْمَةُ قَتْلِهِ مُطْلَقًا) وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمُخَصَّصُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالِي: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] . وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ شَيْءٌ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ " بِكَافِرٍ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَيْرَهُ مَدْفُوعٌ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» " قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِقَوْلِنَا: مَادَامَ فِي عَهْدِهِ، فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ. فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ مَادَامَ عَلَى عَهْدِهِ. (وَإِذَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يُقَدَّرَ " بِكَافِرٍ " لَمْ يَتَحَقَّقْ مُوَافَقَةُ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ) . ش - احْتَجَّتِ الشَّافِعِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْخُصُوصُ وَاحِدًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ " بِكَافِرٍ " فِي الْأَوَّلِ مُقَيَّدًا بِالْحَرْبِ، ضَرُورَةَ كَوْنِ الثَّانِي مُقَيَّدًا بِهِ. وَلَكَانَ الضَّمِيرُ فِي " بُعُولَتُهُنَّ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] إِلَى قَوْلِهِ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] لِلرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ ; لِأَنَّ ضَمِيرَ " بُعُولَتِهِنَّ " يَرْجِعُ إِلَى الْمُطَلَّقَاتِ، وَهِيَ تَعُمُّ الرَّجْعِيَّةَ وَالْبَائِنَ. وَالتَّالِيَانِ بَاطِلَانِ. أَمَّا الْأَوَّلُ - فَلِأَنَّ الْكَافِرَ فِي الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْحَرْبِيِّ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَقَيُّدِ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِكَوْنِ الْكَافِرِ حَرْبِيًّا. فَمَتَى انْتَفَى كَوْنُ الْكَافِرِ حَرْبِيًّا، انْتَفَى عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ. فَيَلْزَمُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ. وَلَا قَائِلَ بِكَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ. وَأَمَّا الثَّانِي - فَلِاخْتِصَاصِ الضَّمِيرِ فِي " بُعُولَتُهُنَّ " بِالرَّجْعِيَّةِ بِالِاتِّفَاقِ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعُمُومِ فِي الْمَذْكُورِ وَالْمُقَدَّرِ مُتَحَقِّقٌ، وَالْمُخَصِّصُ فِي الثَّانِي مَوْجُودٌ دُونَ الْأَوَّلِ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِخُصُوصِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّقْدِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَاجِبًا، لَكَانَ نَحْوُ ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَمْرًا تَقْدِيرُهُ ضَرَبْتُ عَمْرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّ الصُّورَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَانِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ. أَجَابَ أَوَّلًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ بَعْدَ عَمْرٍو (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) . وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَأُجِيبُ بِالْتِزَامِهِ ". وَثَانِيًا - بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ ; فَإِنَّ عَدَمَ تَقْدِيرِ " بِكَافِرٍ " فِي الْأَوَّلِ يُؤَدِّي إِلَى حُرْمَةِ الْقَتْلِ مُطْلَقًا، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. بِخِلَافِ عَدَمِ تَقْدِيرِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) بَعْدَ عَمْرٍو، فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِيهِ ; إِذْ ضَرْبُ عَمْرٍو كَمَا جَازَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ جَازَ فِي غَيْرِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ تَقْدِيرِ " بِكَافِرٍ " فِي الْأَوَّلِ يُؤَدِّي إِلَى حُرْمَةِ الْقَتْلِ مُطْلَقًا. وَسَنَدُهُ مَا ذُكِرَ. اعْلَمْ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَدْ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْمَعْطُوفَ إِذَا كَانَ خَاصًّا، يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يُوجِبُهُ. وَالْمُصَنِّفُ عَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَطْبِيقُهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ. [مَسْأَلَةٌ مِثْلُ " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ " لَيْسَ بِعَامٍّ لِلْأُمَّةِ] ش - إِذَا وَرَدَ خِطَابٌ خَاصٌّ بِالرَّسُولِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 1] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]- هَلْ يَكُونُ عَامًّا أَوْ لَا؟ . وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامًّا لِلْأُمَّةِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَإِنْ عَمَّهُمْ فَبِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَأَحْمَدُ) إِنَّهُ عَامٌّ لِلْأُمَّةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ الْخِطَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّا اسْتَقْرَيْنَا كَلَامَ الْعَرَبِ فَحَصَلَ الْقَطْعُ بِأَنَّ خِطَابَ الْمُفْرَدِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ. فَالْقَوْلُ بِتَنَاوُلِهِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يُخَالِفُ الْقَطْعَ. الثَّانِي - أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ لَوْ كَانَ مُتَنَاوِلًا غَيْرَهُ، لَكَانَ خُرُوجُ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ عَنْهُ تَخْصِيصًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ التَّخْصِيصَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ الْوَارِدَ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ احْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ؛ فَإِنَّ السُّلْطَانَ إِذَا قَالَ لِمَنْ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ: ارْكَبْ لِمُنَاجَزَةِ الْعَدُوِّ، أَيْ لِمُقَاتَلَتِهِ، وَنَحْوَهُ مِنْ فَتْحِ الْبِلَادِ، فُهِمَ لُغَةً أَنَّهُ مَأْمُورٌ مَعَ أَتْبَاعِهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا أَخْبَرَ عَمَّنْ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ بِأَنَّهُ فَتَحَ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ وَكَسَرَ الْعَدُوَّ، فُهِمَ لُغَةً أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْهُ وَعَنْ أَتْبَاعِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 قَالُوا: {إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: 1] يَدُلُّ عَلَيْهِ. قُلْنَا: ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا لِلتَّشْرِيفِ. ثُمَّ خُوطِبَ الْجَمِيعُ. قَالُوا: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب: 37] وَلَوْ كَانَ خَاصًّا لَمْ يَتَعَدَّ. قُلْنَا: نَقْطَعُ بِأَنَّ الْإِلْحَاقَ لِلْقِيَاسِ. قَالُوا: فَمِثْلُ: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] وَ {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] لَا يُفِيدُ. قُلْنَا: يُفِيدُ قَطْعَ الْإِلْحَاقِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) خِطَابُهُ لِوَاحِدٍ لَا يَعُمُّ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ ; فَإِنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُقْتَدَى الْأُمَّةِ. فَإِذَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ فُهِمَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ مَعَ أُمَّتِهِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فُهِمَ كَوْنُهُ مَأْمُورًا مَعَ أَتْبَاعِهِ، بَلْ فُهِمَ لُغَةً أَنَّهُ مَأْمُورٌ وَحْدَهُ، وَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ أَمَرَ الْمُقَدَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ أَتْبَاعَهُ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ فُهِمَ كَوْنُهُ مَأْمُورًا مَعَ أَتْبَاعِهِ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَهْمَ حَصَلَ لِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، بَلْ حَصَلَ لِأَجْلِ الْقَرِينَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْمُشَارَكَةِ. بِخِلَافِ أَمْرِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِشَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَقَّفِ الْمَقْصُودُ بِهِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْأُمَّةَ. الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] فَإِنَّهُ خَاطَبَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} [الطلاق: 1] ثُمَّ عَمَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] " وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِطَابَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْخِطَابَ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا خُصَّ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا وَإِكْرَامًا لَهُ. الثَّالِثُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] دَلَّ عَلَى أَنَّ خِطَابَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الدَّعِيِّ، يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِمَّا أَبَاحَ لِلرَّسُولِ لِيَكُونَ مُبَاحًا لِلْمُؤْمِنِينَ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْخِطَابُ الْخَاصُّ بِالرَّسُولِ عَامًّا لَهُ وَلِأُمَّتِهِ - لَمْ يَتَعَدَّ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأُمَّةِ. أَجَابَ بِأَنَّ إِلْحَاقَ الْأُمَّةِ بِهِ فِي إِبَاحَةِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْأَدْعِيَاءِ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّ خِطَابَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الدَّعِيِّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، بَلْ لِأَجْلِ الْقِيَاسِ. الرَّابِعُ - أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] وَقَوْلَهُ: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِطَابَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامٌّ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قَيْدُ {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] وَقَيْدُ {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] مُفِيدًا ; إِذِ الْخِطَابُ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَهُ حِينَئِذٍ. أَجَابَ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْقَيْدِ قَطْعُ إِلْحَاقِ غَيْرِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. [مَسْأَلَةٌ خِطَابُهُ لِوَاحِدٍ لَا يَعُمُّ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ خِطَابَ الشَّارِعِ لِوَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ هَلْ يَكُونُ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّةِ أَمْ لَا؟ . فَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: نَعَمْ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ. وَمِنْ لُزُومِ التَّخْصِيصِ إِذَا أُخْرِجَ غَيْرُهُ عَنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ عَامًّا. الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ خِطَابُ الْوَاحِدِ عَامًّا لَهُ وَلِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ. لَنَا: مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقَطْعِ وَلُزُومِ التَّخْصِيصِ وَمِنْ عَدَمِ فَائِدَةِ " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ» ". ص - قَالُوا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] " «بُعِثْتُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ» " يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى تَعْرِيفُ كُلِّ مَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُ الْجَمِيعِ. قَالُوا: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» " يَأْبَى ذَلِكَ. قُلْنَا: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِهَذَا الدَّلِيلِ، لَا أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ لِلْجَمِيعِ. قَالُوا: نَقْطَعُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمَتْ عَلَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ، كَحُكْمِهِمْ بِحُكْمِ مَاعِزٍ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَائِدَةٌ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ مُسْتَفَادَةً مِنَ الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاكَ الْوَاحِدِ. ش - احْتَجَّتِ الْحَنَابِلَةُ بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «بُعِثْتُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ» ". يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، بَلْ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 قُلْنَا: إِنْ كَانُوا حَكَمُوا لِلتَّسَاوِي فِي الْمَعْنَى، فَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِلَّا فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ خَاصًّا لَكَانَ " تُجْزِئُكَ، وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ ". وَتَخْصِيصُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُزَيْمَةَ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، زِيَادَةٌ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ. قُلْنَا: فَائِدَتُهُ قَطْعُ الْإِلْحَاقِ، كَمَا تَقَدَّمَ. ص - مَسْأَلَةٌ: جَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمُ كَـ " الْمُسْلِمِينَ " وَنَحْوَ " فَعَلُوا " مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ، لَا يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِيهِ ظَاهِرًا. خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ. لَنَا: " {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] ". وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا لَمَا حَسُنَ. فَإِنْ قُدِّرَ مَجِيئُهُ لِلنُّصُوصِيَّةِ فَفَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى. وَأَيْضًا: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ: مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَ إِلَّا الرِّجَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] . » وَلَوْ كُنَّ دَاخِلَاتٍ لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ النَّفْيَ. وَأَيْضًا: فَإِجْمَاعُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ. ص - قَالُوا: الْمَعْرُوفُ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ. قُلْنَا: صَحِيحٌ إِذَا قَصَدَ الْجَمِيعَ، وَيَكُونُ مَجَازًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَبْعُوثٌ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، أَوِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، لِيُعَرِّفَ كُلَّ مَا يَخْتَصُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنِ الْأَحْكَامِ، وَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُ الْجَمِيعِ فِي الْحُكْمِ. الثَّانِي - أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» يَأْبَى تَخْصِيصَ وَاحِدٍ بِحُكْمٍ دُونَ غَيْرِهِ. فَالْحُكْمُ عَلَى الْوَاحِدِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ، بِقِيَاسِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، أَوْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، لَا لِأَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ. وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. الثَّالِثُ - أَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمُوا عَلَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ، أَيْ بِحُكْمِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى وَاحِدٍ كَحُكْمِهِمْ بِوُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى كُلِّ زَانٍ مُحْصَنٍ، وَقَطْعِ كُلِّ سَارِقٍ بِحُكْمِ مَاعِزٍ فِي الزِّنَا، وَحُكْمِ سَارِقِ الْمِجَنِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَوْلَا أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ عَامٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ لَمْ يَحْكُمُوا بِذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ إِنْ كَانُوا حَكَمُوا عَلَى الْأُمَّةِ مِثْلَ حُكْمِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّمَا حَكَمُوا لِتَسَاوِي الصُّورَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُكْمُهُمْ عَلَى الْأُمَّةِ لِأَجْلِ الْقِيَاسِ، لَا لِأَجْلِ مُجَرَّدِ الْخِطَابِ. وَإِنْ لَمْ تَتَسَاوَ الصُّورَتَانِ فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ عَلَى الْأُمَّةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ خِطَابُ الْوَاحِدِ خَاصًّا بِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَهُ لَكَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي بُرْدَةَ ابْنِ نِيَارٍ لَمَّا ضَحَّى بِعَنَاقٍ: " «تُجْزِئُكَ وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَكَانَ تَخْصِيصُهُ خُزَيْمَةَ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ زِيَادَةً لَا فَائِدَةَ فِيهَا ; (لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَامًّا، لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى نَفْيِهِ ". أَجَابَ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْإِلْحَاقِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمُ هل يدخل فيه النساء] ش - الْجَمْعُ الَّذِي لَمْ يَغْلِبْ فِيهِ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، مِثْلَ النَّاسِ، لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ (أَيْضًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْجَمْعُ الَّذِي خُصَّ بِالْمُذَكَّرِ، لَا نِزَاعَ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ) كَـ (الرِّجَالِ) . وَأَمَّا الْجَمْعُ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ، سَوَاءٌ كَانَ مُظْهَرًا كَـ (الْمُسْلِمِينَ) أَوْ مُضْمَرًا كَالْوَاوِ فِي (فَعَلُوا) فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ; فَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ يَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ، وَقَالَ الْبَاقُونَ بِخِلَافِهِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] . فَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُتَنَاوِلًا لِلنِّسَاءِ، لَمَا حَسُنَ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَالْمُسْلِمَاتِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَجِيءُ الْعَطْفِ لِلنُّصُوصِيَّةِ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِنَاثِ لَا عَلَى سَبِيلِ النَّصِّ، فَعَطَفَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ النِّسَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَذْكُورَاتٍ بِلَفْظٍ يَخُصُّهُنَّ عَلَى سَبِيلِ النَّصِّ. أُجِيبُ بِأَنَّا لَوْ ذَهَبْنَا إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ - كَانَتْ فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِنَّ: التَّأْسِيسَ. وَلَوْ ذَهَبْنَا إِلَى دُخُولِهِنَّ فِيهِ - كَانَتْ فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِنَّ: التَّأْكِيدَ. وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ. الثَّانِي - مَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ: مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَ إِلَّا الرِّجَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] » ". وَلَوْ كَانَتِ النِّسَاءُ دَاخِلَاتٍ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ لَمَا صَحَّ سُؤَالُهَا. وَلَمْ يُقَرِّرِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفْيَ ذِكْرِ النِّسَاءِ. الثَّالِثُ - أَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْمُسْلِمِينَ وَمِثْلَ الْوَاوِ فِي ضَرَبُوا، جَمْعُ الْمُذَكَّرِ. فَلَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لِلنِّسَاءِ ; لِأَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ حُجَّةٌ فِي بَحْثِ الْأَلْفَاظِ. ش - احْتَجَّ - الْحَنَابِلَةُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ إِذَا اجْتَمَعَا. وَلِهَذَا يُقَالُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: ادْخُلُوا، وَقَالَ تَعَالَى لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ: " اهْبِطُوا " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْمُذَكَّرِ تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. قُلْنَا: يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ. قَالُوا: لَوْ لَمْ يَدْخُلْنَ لَمَا شَارَكْنَ الْمُذَكَّرِينَ فِي الْأَحْكَامِ. قُلْنَا: بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِمَا. قَالُوا: لَوْ أَوْصَى لِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: وَأَوْصَيْتُ لَهُمْ بِكَذَا - دَخَلَ النِّسَاءُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ. قُلْنَا: بَلْ بِقَرِينَةِ الْإِيصَاءِ الْأَوَّلِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) " مَنِ " الشَّرْطِيَّةُ تَشْمَلُ الْمُؤَنَّثَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. لَنَا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ، عُتِقْنَ بِالدُّخُولِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْخِطَابُ بِـ (النَّاسِ) وَالْمُؤْمِنِينَ وَنَحْوِهِمَا، يَشْمَلُ الْعَبِيدَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ تَغْلِيبَ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ صَحِيحٌ إِذَا قُصِدَ الْجَمِيعُ، أَيْ إِذَا قُصِدَ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ جَمِيعًا، وَأُرِيدَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُمَا بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعِبَارَتَيْنِ، كَانَ التَّعْبِيرُ بِالْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ مُتَعَيِّنًا. وَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَجَازًا. وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُدَّعَى ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَصَدَ الْجَمِيعَ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَنَاوُلُهُ الْإِنَاثَ. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا سَلَّمْتُمْ تَنَاوُلَ جَمْعِ الذُّكُورِ لِلْإِنَاثِ - كَانَ تَنَاوُلُهُ إِيَّاهُنَّ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ. وَإِذَا كَانَ حَقِيقَةً جَازَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهِمَا مُطْلَقًا. أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ ; لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي خُصُوصِ الْمُذَكَّرِ. وَإِذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ فَالْمَجَازُ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ. قِيلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الِاشْتِرَاكِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَهُوَ مَعْنَى الْجَمْعِ. أُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ لَا يَدْفَعُ الِاشْتِرَاكَ ; لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ وُضِعَ لِلْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ بِخُصُوصٍ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً لَهُ. فَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ. الثَّانِي: لَوْ لَمْ يَكُنْ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ مُتَنَاوِلًا لِلْإِنَاثِ لَمَا شَارَكَتِ النِّسَاءُ الْمُذَكَّرِينَ فِي الْأَحْكَامِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ بِخِطَابِ الْمُذَكَّرِينَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. أَجَابَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشَارَكَةُ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ فِي الْأَحْكَامِ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَكَةَ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ. مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَاهِدُوا وَقَوْلِهِ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] . الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَحَدٌ لِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَوْصَيْتُ لَهُمْ بِكَذَا، دَخَلَتِ النِّسَاءُ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ مُوجِبَةٍ لَهُمْ لِلدُّخُولِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ مُتَنَاوِلًا لِلنِّسَاءِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَمَا دَخَلَتِ النِّسَاءُ فِي قَوْلِهِ " لَهُمْ " بِغَيْرِ قَرِينَةٍ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دُخُولَ النِّسَاءِ فِي قَوْلِهِ (لَهُمْ) بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، بَلْ دُخُولُهُنَّ فِيهِ بِالْقَرِينَةِ ; فَإِنَّ الْإِيصَاءَ الْأَوَّلَ وَجَرَيَانَ ذِكْرِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَرِينَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالدُّخُولِ. [مَسْأَلَةٌ " مَنِ " الشَّرْطِيَّةُ تَشْمَلُ الْمُؤَنَّثَ] ش - ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْعَامَّةَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فِيهَا الْمُذَكَّرُ عَنِ الْمُؤَنَّثِ بِعَلَامَةٍ مِثْلَ مَنِ الشَّرْطِيَّةِ، يَشْمَلُ الْمُؤَنَّثَ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ إِمَاءٌ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ، عُتِقْنَ بِالدُّخُولِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُؤَنَّثُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ " مَنْ " لَمَا عُتِقْنَ. [مَسْأَلَةٌ الْخِطَابُ بِالنَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَنَحْوِهِمَا يَشْمَلُ الْعَبِيدَ] ش - إِذَا وَرَدَ خِطَابٌ بِلَفْظٍ عَامٍّ مُطْلَقٍ مِثْلَ: النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ، يَشْمَلُ الْعَبِيدَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَذَهَبَ الْأَقَلُّونَ إِلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ الرَّازِيُّ: إِنْ كَانَ الْخِطَابُ بِالْعُمُومَاتِ الْمُثْبِتَةِ لِحَقِّ اللَّهِ - يَشْمَلُ الْعَبِيدَ. وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَا. وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَذْهَبَ الْأَكْثَرِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَبِيدَ مِنَ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا. وَلَا مَانِعَ يُخْرِجُهُمْ مِنْهُمَا فَيَجِبُ دُخُولُهُمْ فِيهِمَا. ش - احْتَجَّ الْأَقَلُّونَ بِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ صَرْفُ مَنَافِعِ الْعَبْدِ إِلَى مُهِمَّاتِ سَيِّدِهِ، فَلَوْ خُوطِبَ الْعَبْدُ بِصَرْفِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ إِلَى غَيْرِ السَّيِّدِ لَزِمَ التَّنَاقُضَ. أَجَابَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ صَرْفُ مَنَافِعَ الْعَبْدِ إِلَى مُهِمَّاتِ السَّيِّدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا، فَلَا يَتَنَاقَضُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَنَافِعُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ مَصْرُوفَةً إِلَى سَيِّدِهِ، وَفِي وَقْتِ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ مَصْرُوفَةً إِلَى غَيْرِهِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِطَابُ الْعَامُّ مُتَنَاوِلًا لِلْعَبِيدِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَالْجُمُعَةُ، لِوُجُودِ الْمُوجَبِ، وَهُوَ الْخِطَابُ الْعَامُّ الْمُتَنَاوِلُ لَهُمْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. أَجَابَ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَيْهِمْ لَا يُوجِبُ عَدَمَ تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الْعَامِّ إِيَّاهُمْ. وَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ عَنِ الْخِطَابِ الْعَامِّ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، كَخُرُوجِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. [مَسْأَلَةٌ: مِثْلُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ " " يَا عِبَادِي " يَشْمَلُ الرَّسُولَ] ش - الْخِطَابُ الْعَامُّ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ النِّدَاءِ، مِثْلَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، يَا عِبَادِي، يَشْمَلُ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَذَهَبَ الْأَقَلُّونَ إِلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: الْخِطَابُ الْعَامُّ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ النِّدَاءِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ (قُلْ) ، يَشْمَلُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَإِذَا كَانَ مَعَهُ (قُلْ) مِثْلَ {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الأعراف: 158] لَمْ يَشْمَلِ الرَّسُولَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وَقَالَ الرَّازِيُّ: إِنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ. لَنَا: أَنَّ الْعَبْدَ مِنَ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا. فَوَجَبَ دُخُولُهُ. ص - قَالُوا: ثَبَتَ صَرْفُ مَنَافِعِهِ إِلَى سَيِّدِهِ. فَلَوْ خُوطِبَ بِصَرْفِهَا إِلَى غَيْرِهِ لَتَنَاقَضَ. رُدَّ بِأَنَّهُ فِي غَيْرِ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ، فَلَا تَنَاقُضَ. قَالُوا: ثَبَتَ خُرُوجُهُ مِنْ خِطَابِ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 قُلْنَا: بِدَلِيلٍ، كَخُرُوجِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 ص - (مَسْأَلَةٌ) مِثْلُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، يَا عِبَادِي، يَشْمَلُ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ (قُلْ) . لَنَا: مَا تَقَدَّمَ. وَأَيْضًا فَهِمُوهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَمْ يَفْعَلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوهُ، فَيَذْكُرُ مُوجَبَ التَّخْصِيصِ. ص - قَالُوا: لَا يَكُونُ آمِرًا مَأْمُورًا، وَمُبَلِّغًا مُبَلَّغًا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ. وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْأَعْلَى مِمَّنْ دُونَهُ. قُلْنَا: الْآمِرُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَالْمَبَلِّغُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالُوا: خُصَّ بِأَحْكَامٍ، كَوُجُوبِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالضُّحَى   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ الرَّسُولَ مِنَ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا، فَيَجِبُ دُخُولُهُ فِي مِثْلِ الْعُمُومَاتِ الْمَذْكُورَةِ. وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا دُخُولَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الْعُمُومَاتُ بَعْدَ وُرُودِهَا. سَأَلُوهُ وَقَالُوا لِمَ لَا تَفْعَلُهُ، فَذَكَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُوجِبَ التَّخْصِيصِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَهْدُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَاخِلًا (فِيهَا) لَمَا فَهِمُوهُ، وَلَمَا عَدَلَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى مُوجِبِ التَّخْصِيصِ بَلْ أَنْكَرَ مَا فَهِمُوهُ. ش - احْتَجَّ الْأَقَلُّونَ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آمِرُ الْأُمَّةِ وَمُبَلِّغُ الْأَوَامِرِ إِلَيْهِمْ. فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ - يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ آمِرًا مَأْمُورًا، وَمُبَلِّغًا مُبَلَّغًا (بِخِطَابٍ وَاحِدٍ) (وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ آمِرًا مَأْمُورًا وَمُبَلِّغًا مُبَلَّغًا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ) . الثَّانِي: أَنَّ الْأَمْرَ طَلَبُ الْأَعْلَى الْفِعْلَ مِمَّنْ دُونَهُ. فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ - لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَعْلَى مِنْ نَفْسِهِ. أَجَابَ عَنْهُمَا بِأَنَّ الْآمِرَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمُبَلِّغَ جِبْرِيلُ. فَلَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وَالْأَضْحَى، وَتَحْرِيمِ الزَّكَاةِ، وَإِبَاحَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ، وَلَا مَهْرٍ (وَغَيْرِهَا) . قُلْنَا: كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَخْرُجُوا بِذَلِكَ مِنَ الْعُمُومَاتِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) مِثْلُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ (لَيْسَ) خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ إِجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ. خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ. لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِينَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ. وَأَيْضًا: إِذَا امْتَنَعَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَالْمَعْدُومُ أَجْدَرُ. ص - قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطِبًا لَهُ - لَمْ يَكُنْ مُرْسَلًا إِلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ اتِّفَاقٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْخِطَابُ الشِّفَاهِيُّ، بَلْ لِبَعْضٍ شَفَاهًا، وَلِبَعْضٍ بِنَصْبِ الْأَدِلَّةِ بِأَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ مَنْ شَافَهَهُمْ. قَالُوا: الِاحْتِجَاجُ بِهِ دَلِيلُ التَّعْمِيمِ. قُلْنَا: لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ حُكْمَهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلٍ آخَرَ جَمْعًا بَيْنَ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَاخِلًا تَحْتَ الْعُمُومَاتِ - لَزِمَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأُمَّةِ فِي مُقْتَضَى تِلْكَ الْعُمُومَاتِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ خَاصَّةٍ. مِثْلَ وُجُوبِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَوُجُوبِ الْأَضْحَى، وَتَحْرِيمِ الزَّكَاةِ، وَإِبَاحَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرٍ وَلِيٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا شُهُودٍ وَلَا مَهْرٍ. أَجَابَ بِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ. فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ دُخُولِهِ فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، فَإِنَّهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] دَاخِلَانِ تَحْتَ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَخُرُوجُهُمَا (عَنْهَا) بِدَلِيلٍ خَاصٍّ. [مَسْأَلَةٌ: مِثْلُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ " لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ] ش - الْخِطَابُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ، مِثْلَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي زَمَانِ الْخِطَابِ. وَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْخِطَابِ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْخِطَابِ إِنَّمَا يَثْبَتُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ إِجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى خِلَافِهِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ - أَنَّ الْخِطَابَ بِمِثْلِ وَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، يَسْتَدْعِي كَوْنَ الْمُخَاطَبِينَ مَوْجُودِينَ، لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِينَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ. الثَّانِي - أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مُخَاطَبَيْنِ بِمِثْلِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ فَالْمَعْدُومُ أَجْدَرُ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَكُونَ مُخَاطَبًا بِمِثْلِهِ. ش - احْتَجَّتِ الْحَنَابِلَةُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخَاطِبًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي زَمَانِ الْخِطَابِ - لَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطِبًا لَهُ بِأَوْضَاعِ الشَّرْعِ وَأَحْكَامِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُخَاطِبًا لَهُ، لَمْ يَكُنْ مُرْسَلًا إِلَيْهِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْإِرْسَالَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخَاطِبًا لَهُ بِالْخِطَابِ الشِّفَاهِيِّ - (فَإِنَّ الْخِطَابَ الشِّفَاهِيَّ) لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِرْسَالِ، بَلِ الْخِطَابُ الْمُطْلَقُ يَتَعَيَّنُ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخَاطِبًا لِبَعْضٍ شِفَاهًا، وَمُخَاطِبًا لِبَعْضٍ آخَرَ بِنَصْبِ الْأَدِلَّةِ بِأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ مَنْ شَافَهَهُمْ. الثَّانِي - أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ احْتَجُّوا بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ عَلَى ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَاهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْخِطَابِ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ دَلِيلُ تَعْمِيمِ (ذَلِكَ) الْخِطَابِ، أَيْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْخِطَابِ مُخَاطَبٌ بِذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الْأَدِلَّةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخَاطَبُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلَّقِ خِطَابِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا. مِثْلَ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] . مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ فَأَكْرِمْهُ، أَوْ فَلَا تُهِنْهُ. ص - قَالُوا: يَلْزَمُ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] . قُلْنَا: خُصَّ بِالْعَقْلِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] لَا يَقْتَضِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمَالِ، خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ. لَنَا: أَنَّهُ بِصَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا صَدَقَةً، فَيَلْزَمُ الِامْتِثَالُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ دِينَارٍ مَالٌ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ. ص - قَالُوا: الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ مَالٍ. فَيَجِبُ الْعُمُومُ. قُلْنَا: " كُلُّ " لِلتَّفْصِيلِ. وَلِذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ: لِلرِّجَالِ عِنْدِي دِرْهَمٌ، وَبَيْنَ: لِكُلِّ رَجُلٍ عِنْدِي دِرْهَمٌ، بِاتِّفَاقٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْعَامُّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ مِثْلَ: {إِنَّ الْأَبْرَارَ} [الإنسان: 5] وَ {وَإِنَّ الْفُجَّارَ} [الانفطار: 14] {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ} [التوبة: 34] ، عَامٌّ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ. لَنَا: عَامٌّ، وَلَا مُنَافِيَ، فَعَمَّ كَغَيْرِهِ. ص - قَالُوا: سِيقَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ أَوِ الزَّجْرِ، فَلَا يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ. قُلْنَا: التَّعْمِيمُ أَبْلَغُ. وَأَيْضًا: لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ عَلِمُوا أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ الْمُشَافَهَةِ ثَابِتٌ عَلَى مَنْ وُجِدَ بَعْدَهُ (بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ. فَاحْتِجَاجُهُمْ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ خِطَابِ الْمُشَافَهَةِ، بَلْ بِهِ) وَبِدَلِيلٍ آخَرَ. وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. [مَسْأَلَةٌ الْمُخَاطَبُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلَّقِ خِطَابِهِ] ش - الْخِطَابُ الَّذِي يَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ عَامًّا يَدْخُلُ الْمُخَاطَبُ فِيهِ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْخِطَابُ أَمْرًا، مِثْلَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ فَأَكْرِمْهُ، أَوْ نَهْيًا، مِثْلَ قَوْلِهِ: مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ فَلَا تُهِنْهُ، أَوْ خَبَرًا، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَحْسَنَ إِلَى الْعَبْدِ اسْتَحَقَّ الْإِكْرَامَ وَعَدَمَ الْإِهَانَةِ. وَقِسْ عَلَيْهِمَا الْخَبَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ مُتَنَاوِلٌ لَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ. فَوَجَبَ الدُّخُولُ بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ. ش - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي عُمُومِ مُتَعَلَّقِ خِطَابِهِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَوْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَعَالَى خَالِقًا لِنَفْسِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] . أَجَابَ بِأَنَّ الْخِطَابَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ، وَخُصَّ عَنْهُ الْبَارِئُ تَعَالَى بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا. [مَسْأَلَةٌ: " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً " لَا يَقْتَضِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمَالِ] ش - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: " {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَقْتَضِي وُجُوبَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمَالِ. وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْ نَوْعٍ مِنْ مَالِهِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَصْدُقُ بِأَخْذِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَدَقَةً وَاحِدَةً، أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً. فَيَلْزَمُ الِامْتِثَالُ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْآيَةِ وُجُوبُ أَخْذِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ; لِأَنَّ " صَدَقَةً " فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، فَيَقْتَضِي الْوَحْدَةَ. قِيلَ عَلَيْهِ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: " مِنْ أَمْوَالِهِمْ " إِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ " خُذْ " صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: " صَدَقَةً " - فَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ " صَدَقَةً " حِينَئِذٍ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لَوْ كَانَ الصَّدَقَةُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَفِي هَذَا الْفَرْقِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: " {مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] " مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: " خُذْ "، لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَخْذَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمْوَالِهِمْ لَوْ كَانَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوِ اقْتَضَى الْآيَةُ أَخَذَ صَدَقَةٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لَوَجَبَ أَخْذُ صَدَقَةٍ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ دِينَارٍ أَنَّهُ مَالٌ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. ش - احْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] مَعْنَاهُ: خُذْ مِنْ كُلِّ مَالٍ لَهُمْ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ. فَالِامْتِثَالُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِأَخْذِ صَدَقَةٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الْعُمُومِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ: " {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] " مَعْنَاهُ: خُذْ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ " كُلٍّ " يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ وَالتَّجْزِيَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِخِلَافِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ ; فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّفْصِيلَ. وَلِذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: لِلرِّجَالِ عِنْدِي دِرْهَمٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لِكُلِّ رَجُلٍ عِنْدِي دِرْهَمٌ، بِالِاتِّفَاقِ ; فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمِيعِ الرِّجَالِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ دِرْهَمٌ. [مَسْأَلَةٌ: الْعَامُّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ عَامٌّ] ش - وُرُودُ لَفْظِ الْعَامِّ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13] . وَمِثْلَ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34] ، يَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَالْمُنَافِي لِعُمُومِهِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، فَيَكُونُ عَامًّا، كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ. ش - الشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّيغَةِ لَيْسَ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سِيقَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ إِذَا كَانَ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ إِذَا كَانَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، فَلَا يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ. أَجَابَ بِأَنَّ التَّعْمِيمَ أَبْلَغُ فِي الْحَثِّ وَالزَّجْرِ مِنْ عَدَمِهِ، فَالْحَمْلُ عَلَى التَّعْمِيمِ أَوْلَى ; لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِلْمَقْصُودِ. وَأَيْضًا: التَّعْمِيمُ لَا يُنَافِي الْمُبَالَغَةَ فِي الْحَثِّ وَالزَّجْرِ، فَلَا تَكُونُ الْمُبَالَغَةُ مَانِعَةً مِنْهُ. [التَّخْصِيصُ] [حد التَّخْصِيصُ] ش - لَمَّا فَرَغَ عَنِ الْعَامِّ وَأَحْكَامِهِ - شَرَعَ فِي التَّخْصِيصِ وَعَرَّفَهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ. وَأَرَادَ بِبَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ: بَعْضَ أَجْزَائِهِ ; فَإِنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 التَّخْصِيصُ ص - التَّخْصِيصُ: قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ. أَبُو الْحُسَيْنِ: إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْخِطَابُ عَنْهُ. وَأَرَادَ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ، كَقَوْلِهِمْ خَصَّصَ الْعَامَّ. وَقِيلَ: تَعْرِيفُ أَنَّ الْعُمُومَ لِلْخُصُوصِ. وَأَوْرَدَ الدَّوْرَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِّ التَّخْصِيصُ اللُّغَوِيُّ. وَيُطْلَقُ التَّخْصِيصُ عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا، كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَامٌّ لِتَعَدُّدِهِ، كَـ (عَشَرَةٍ) ، وَ (الْمُسْلِمِينَ) الْمَعْهُودَيْنِ، وَضَمَائِرِ الْجَمْعِ. وَلَا يَسْتَقِيمُ (تَخْصِيصٌ) إِلَّا فِيمَا يَسْتَقِيمُ تَوْكِيدُهُ بِـ (كُلِّ) . ص - (مَسْأَلَةٌ) التَّخْصِيصُ جَائِزٌ، إِلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْأَكْثَرُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّخْصِيصِ مِنْ بَقَاءِ جَمْعٍ يُقَرِّبُ مِنْ مَدْلُولِهِ. وَقِيلَ: يَكْفِي ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ: اثْنَانِ، وَقِيلَ: وَاحِدٌ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْبَدَلِ يَجُوزُ إِلَى وَاحِدٍ. وَبِالْمُتَّصِلِ - كَالصِّفَةِ - يَجُوزُ إِلَى اثْنَيْنِ. وَبِالْمُنْفَصِلِ فِي الْمَحْصُورِ الْقَلِيلِ يَجُوزُ إِلَى اثْنَيْنِ، مِثْلَ قَتَلْتُ كُلَّ زِنْدِيقٍ، وَقَدْ قَتَلَ اثْنَيْنِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ. وَبِالْمُنْفَصِلِ فِي غَيْرِ الْمَحْصُورِ أَوِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ، الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] جَمِيعُ مَا يَصْلُحُ لَهُ اللَّفْظُ، لَا بَعْضُهُ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: التَّخْصِيصُ: إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْخِطَابُ، عَنْهُ؛ أَيْ عَنِ الْخِطَابِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ. فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمِ التَّعْرِيفُ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لِذَلِكَ الْبَعْضِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُخَصِّصِ. كَقَوْلِهِمْ خَصَّصَ الْعَامَّ، (فَإِنَّهُ يَكُونُ مَعْنَاهُ إِخْرَاجَ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَاوِلٌ لِذَلِكَ الْبَعْضِ، وَبِاعْتِبَارِ الْمُخَصِّصِ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لَهُ. فَالْعَامُّ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُخَصِّصِ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ فِي نَفْسِهِ، وَالْمُخَصِّصُ أَخْرَجَ بَعْضَهَا عَنْهُ. فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْقَيْدِ) . وَقِيلَ فِي حَدِّهِ: التَّخْصِيصُ هُوَ: تَعْرِيفُ أَنَّ الْعُمُومَ لِلْخُصُوصِ، أَيِ التَّخْصِيصُ هُوَ: بَيَانُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ أُرِيدَ مِنْهُ بَعْضُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ، الْخُصُوصِ. وَهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ مُعَبَّرٍ وَاحِدٍ. فَتَعْرِيفُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ دَوْرٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُوصِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدِّ: التَّخْصِيصُ اللُّغَوِيُّ، وَقَدْ أَخَذَ فِي حَدِّ التَّخْصِيصِ الِاصْطِلَاحِيِّ. فَلَا دَوْرَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ فُسِّرَ تَعْرِيفُ أَبِي الْحُسَيْنِ بِمَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ يُرَدُّ عَلَيْهِ هَذَا السُّؤَالُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ، لَكِنْ عَلِمْتَ أَنَّ تَعْرِيفَهُ صَحِيحٌ بِدُونِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَتِمَّةً لِتَعْرِيفِهِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَالتَّخْصِيصُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ مُسَمَّاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ عَامًّا بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ، كَمَا يُطْلَقُ الْعَامُّ الَّذِي يَكُونُ لِمُسَمَّاهُ أَجْزَاءٌ ; كَـ (عَشَرَةٍ) ، (الْمُسْلِمِينَ) الْمَعْهُودَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مِثَالِ الْعَامِّ غَيْرَ الْمُصْطَلَحِ ضَمَائِرَ الْجَمْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمَائِرَ لَيْسَتْ مَنْ صِيَغِ الْعُمُومِ ; إِذِ الْمُرَادُ بِصِيَغِ الْعُمُومِ مَا يَدُلُّ بِنَفْسِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِأَنَّ عُمُومَ ضَمِيرِ جَمْعِ الْغَائِبِ تَابِعٌ لِعُمُومِ مُظْهَرِهِ، وَاحْتِيَاجُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعْنَاهُ إِلَى تَقَدُّمِ الذِّكْرِ لَا يَنْفِي عُمُومَهُ. وَضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ، لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إِلَى قَرِينَةِ التَّكَلُّمِ وَالْخِطَابِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْمَعْهُودِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَنِ الْمَوْصُولَةَ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةِ الصِّلَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْهُودٍ، بَلْ يَكُونُ عَامًّا بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ. وَالتَّخْصِيصُ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا فِيمَا يَسْتَقِيمُ تَوْكِيدُهُ بِـ (كُلٍّ) . وَهُوَ مَا يَصِحُّ افْتِرَاقُهُ حِسًّا، كَقَوْلِهِمْ: جَاءَنِيَ الرِّجَالُ، أَوْ حُكْمًا، كَقَوْلِهِمُ: اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ. لِأَنَّ مَا لَا يُؤَكَّدُ بِـ (كُلٍّ) ، لَا شُمُولَ لَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّخْصِيصُ فِيمَا لَا شُمُولَ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ: التَّخْصِيصُ جَائِزٌ] ش - الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّخْصِيصِ ; فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازِهِ، وَالْأَقَلُّونَ إِلَى عَدَمِهِ. حُجَّةُ الْأَكْثَرِ: أَنَّ التَّخْصِيصَ وَاقِعٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ. حُجَّةُ الْأَقَلِّينَ: أَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْخَبَرِ يُوجِبُ الْكَذِبَ، وَفِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ يُوجِبُ الْبَدَاءَ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَعَ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَوُجُودِ الْمُخَصِّصِ لَا يُوجِبُ. [مَسْأَلَةٌ: الْأَكْثَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّخْصِيصِ مِنْ بَقَاءِ جَمْعٍ يُقَرِّبُ مِنْ مَدْلُولِهِ] ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ اخْتَلَفُوا فِي الْغَايَةِ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا التَّخْصِيصُ ; فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ قَرِيبًا مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ. وَأَرَادَ بِالْقَرِيبِ: مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا. وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إِلَى الْوَاحِدِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ التَّخْصِيصَ (إِنْ كَانَ بِالْمُتَّصِلِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ إِلَّا الْجُهَّالَ) أَوِ الْبَدَلُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 لَنَا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَتَلْتُ كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ، وَقَدْ قَتَلَ ثَلَاثَةً، عُدَّ لَاغِيًا (وَخُطِّئَ) . وَكَذَلِكَ: أَكَلْتُ كُلَّ رُمَّانَةٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ أَوْ أَكَلَ. وَفَسَّرَهُ بِثَلَاثَةٍ. ص - الْقَائِلُ بِاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، مَا قِيلَ فِي الْجَمْعِ. (وَرَدَّ بِأَنَّ الْجَمْعَ) لَيْسَ بِعَامٍّ. ص - الْقَائِلُونَ بِالْوَاحِدِ: أَكْرِمِ النَّاسَ إِلَّا الْجُهَّالَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِ. قَالُوا: " وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ". وَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ. قَالُوا: لَوِ امْتَنَعَ ذَلِكَ لَكَانَ لِتَخْصِيصِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الِجَمِيعَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ تَخْصِيصُ خَاصٍّ، بِمَا تَقَدَّمَ. قَالُوا: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] . وَأُرِيدَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَعُدْ مُسْتَهْجِنًا لِلْقَرِينَةِ. قُلْنَا: النَّاسُ لِلْمَعْهُودِ، فَلَا عُمُومَ. قَالُوا: صَحَّ أَكَلْتُ الْخُبْزَ، وَشَرِبْتُ الْمَاءَ لِأَقَلَّ. قُلْنَا: ذَلِكَ لِلْبَعْضِ الْمُطَابِقِ لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ مِثْلُهُ فِي الْمَعْهُودِ الْوُجُودِيِّ، فَلَيْسَ مِنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي شَيْءٍ. ص - الْمُخَصِّصُ مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ. فَالْمُتَّصِلُ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ، وَالشَّرْطُ، وَالصِّفَةُ، وَالْغَايَةُ وَبَدَلُ الْبَعْضِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمُنْقَطِعِ، قِيلَ: حَقِيقَةٌ، وَقِيلَ: مَجَازٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ الْعَالِمَ - يَجُوزُ إِلَى الْوَاحِدِ. وَإِنْ كَانَ بِالْمُتَّصِلِ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ - نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ الْعُلَمَاءَ، أَوِ الشَّرْطُ، نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ إِنْ كَانُوا عَالِمِينَ - يَجُوزُ إِلَى اثْنَيْنِ. وَإِنْ كَانَ التَّخْصِيصُ بِالْمُنْفَصِلِ يَجُوزُ إِلَى اثْنَيْنِ إِنْ كَانَ فِي الْعَامِّ الْمَحْصُورِ الْقَلِيلِ، كَمَا تَقُولُ: قَتَلْتُ كُلَّ زِنْدِيقٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً، وَقَدْ قَتَلْتَ اثْنَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَامِّ الْمَحْصُورِ الْقَلِيلِ، بَلْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَحْصُورِ - مِثْلَ: قَتَلْتُ كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ، أَوْ فِي الْمَحْصُورِ الْكَثِيرِ، مِثْلَ: أَكَلْتُ كُلَّ رُمَّانَةٍ، وَقَدْ كَانَ أَلْفًا - يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْبَاقِي قَرِيبًا مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَاحْتَجَّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعَامِّ الْغَيْرِ الْمَحْصُورِ الْقَلِيلِ مِنْ بَقَاءِ عَدَدٍ يَقْرُبُ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ، نَحْوَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَكْرِمْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَكَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ، (نَحْوَ: قَتَلْتُ كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ) أَوْ مَحْصُورًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَثِيرًا، (نَحْوَ: أَكَلْتُ كُلَّ رُمَّانَةٍ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَلْفًا. وَتَقْرِيرُ الْحُجَّةِ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَتَلْتُ كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ، وَقَدْ قَتَلَ ثَلَاثَةً، عُدَّ لَاغِيًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَكَلْتُ كُلَّ رُمَّانَةٍ، وَقَدْ أَكَلَ ثَلَاثَةً. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي أَوْ أَكَلَ، فَأَكْرِمْهُ، وَفُسِّرَ بِثَلَاثَةٍ. فَلَوْ جَازَ التَّخْصِيصُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إِلَى ثَلَاثَةٍ لَمَا عُدَّ لَاغِيًا. ش - الْقَائِلُ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ إِلَى اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ احْتَجَّ بِمَا قِيلَ فِي الْجَمْعِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ: الِاثْنَانِ. وَبِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ أَقَلَّهُ: ثَلَاثَةٌ. أَجَابَ بِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْمَذْكُورَةَ، لَا تَقْتَضِي إِلَّا أَنَّ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً جَمْعٌ. وَلَيْسَ كُلُّ جَمْعٍ بِعَامٍّ، حَتَّى يَصِحَّ إِطْلَاقُ الْعَامِّ عَلَى مَا صَحَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَيْهِ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ إِلَى الْوَاحِدِ، احْتَجُّوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي اللُّغَةِ ; فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَكْرِمِ النَّاسَ إِلَّا الْجُهَّالَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إِلَّا عَالِمٌ وَاحِدٌ - صَحَّ، وَلَمْ يُسْتَقْبَحْ. فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّخْصِيصُ إِلَى الْوَاحِدِ لَكَانَ مُسْتَقْبَحًا. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مُخَصَّصٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوُهُ جَائِزٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّتُهُ فِي غَيْرِهِ. الثَّانِي - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: 12] . فَإِنَّهُ أَطْلَقَ " إِنَّا " وَأَرَادَ نَفْسَهُ، وَهُوَ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ. أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ ; فَإِنَّ ضَمِيرَ الْجَمْعِ لَيْسَ بِعَامٍّ. وَفِيهِ مَا قَدْ عَرَفْتَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ; فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى الْوَاحِدِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَازَعٍ فِيهِ، لِأَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي جَوَازِ إِخْرَاجِ الْبَعْضِ إِلَى الْوَاحِدِ، لَا فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ بِالْمَجَازِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ - أَنَّ التَّخْصِيصَ إِلَى الْوَاحِدِ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَكَانَ امْتِنَاعُهُ لِأَجْلِ التَّخْصِيصِ إِذْ لَا مَانِعَ غَيْرُهُ. وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ كُلُّ تَخْصِيصٍ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ تَخْصِيصُ (خَاصٍّ، لَا كُلُّ تَخْصِيصٍ ; إِذْ كُلُّ تَخْصِيصٍ لَا يَكُونُ مُسْتَقْبَحًا، بَلِ التَّخْصِيصُ) إِلَى الْوَاحِدِ (يَكُونُ) مُسْتَقْبَحًا. فَيَكُونُ هُوَ لَا غَيْرَ. الرَّابِعُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] . فَإِنَّهُ أَطْلَقَ " النَّاسَ " الَّذِي هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ، وَأَرَادَ وَاحِدًا وَهُوَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ. فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْعَامِّ عَلَى الْوَاحِدِ جَائِزًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّاسَ عَامٌّ. بَلِ الْمُرَادُ مِنَ النَّاسِ: الْمَعْهُودُ. وَالْمَعْهُودُ لَا عُمُومَ فِيهِ. الْخَامِسُ - أَنَّهُ صَحَّ إِطْلَاقُ أَكَلْتُ الْخُبْزَ وَشَرِبْتُ الْمَاءَ لِأَقَلِّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ، وَالْخُبْزُ وَالْمَاءُ عَامٌّ ; لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ ; إِذْ لَا مَعْهُودَ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ، فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ الْعَامِّ عَلَى الْوَاحِدِ. أَجَابَ بِأَنَّ اللَّامَ فِيهِمَا لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ، وَهُوَ مَاهِيَّةُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ تَحَقُّقُ الْمَاهِيَّةِ فِي الْخَارِجِ إِلَّا فِي فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ - حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْدِ، لِضَرُورَةِ الْوُجُودِ. فَالْمُرَادُ: الْبَعْضُ الْمُطَابِقُ لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ، مِثْلَ مَا يَكُونُ فِي الْمَعْهُودِ الْوُجُودِيِّ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَعْهُودَ الذِّهْنِيَّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ، بِخِلَافِ الْمَعْهُودِ الْوُجُودِيِّ. وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْهُودَ الذِّهْنِيَّ لَا يَكُونُ مِنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي شَيْءٍ -. [الْمُخَصِّصُ مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ] [المخصصات المتصلة] [التخصيص بالِاسْتِثْنَاءُ] [أقسام الاستثناء] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمُخَصِّصَ هُوَ الْمُخْرِجُ وَهُوَ: إِرَادَةُ اللَّافِظِ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْمُخَصِّصُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى إِرَادَةِ اللَّافِظِ بِالْمَجَازِ وَالْمُخَصِّصُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي إِمَّا مُتَّصِلٌ، أَوْ مُنْفَصِلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَعَلَى الْحَقِيقَةِ، قِيلَ: مُتَوَاطِئٌ، وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ. وَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ مُخَالَفَةٍ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ، أَوْ فِي أَنَّ الْمُسْتَثْنَى حُكْمٌ آخَرُ، لَهُ مُخَالَفَةٌ بِوَجْهٍ، مِثْلَ: مَا زَادَ إِلَّا مَا نَقَصَ. وَلِأَنَّ الْمُتَّصِلَ أَظْهَرُ، لَمْ يَحْمِلْهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمُنْقَطِعِ، إِلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِهِ. وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا فِي: لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا ثَوْبًا، وَشِبْهُهُ: إِلَّا قِيمَةَ ثَوْبٍ. ص - وَأَمَّا حَدُّهُ ; فَعَلَى التَّوَاطُؤِ: مَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ بِإِلَّا، غَيْرَ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَعَلَى الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي حَدٍّ. فَيُقَالُ فِي الْمُنْقَطِعِ: مَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ بِإِلَّا غَيْرَ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتِهَا مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ. وَأَمَّا الْمُتَّصِلُ - فَقَالَ الْغَزَّالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلٌ ذُو صِيَغٍ مَخْصُوصَةٍ مَحْصُورَةٍ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بِهِ لَمْ يُرَدَّ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَأَوْرَدَ عَلَى طَرْدِهِ التَّخْصِيصَ بِالشَّرْطِ وَالْوَصْفِ بِـ " الَّذِي "، وَالْغَايَةِ، وَمِثْلَ قَامَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ. وَلَا يُرَدُّ الْأَوَّلَانِ. وَعَلَى عَكْسِهِ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا ; فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذِي صِيَغٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُتَّصِلُ أَرْبَعَةٌ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ، وَالشَّرْطُ، وَالصِّفَةُ، وَالْغَايَةُ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَدْ زَادَ الْمُصَنِّفُ قِسْمًا آخَرَ، وَهُوَ بَدَلُ الْبَعْضِ عَنِ الْكُلِّ ; لِأَنَّهُ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْمُبْدَلَ فِي حُكْمِ الطَّرْحِ، وَالْبَدَلُ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَهُ، فَلَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لَهُ. وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ الْبَعْضِ بِكَوْنِهِ مُخَصِّصًا دُونَ الْأَبْدَالِ الْبَاقِيَةِ ; لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُتَنَاوَلَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِعْمَالِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمُنْقَطِعِ، مِثْلَ: جَاءَنِيَ الْقَوْمُ إِلَّا حِمَارًا. فَقِيلَ: إِنَّهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْحَقِيقَةِ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ مُتَوَاطِئٌ، أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حُجَّةُ الْقَائِلِ بِالْمَجَازِ: أَنَّ الْمُتَّصِلَ يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْمُتَّصِلِ، مَجَازًا فِي الْمُنْقَطِعِ، وَإِلَّا لَمْ يَسْبِقِ الْمُتَّصِلُ إِلَى الْفَهْمِ. حُجَّةُ الْقَائِلِ بِالتَّوَاطُؤِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْقَسِمُ إِلَى الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ. وَمَوْرِدُ الْقِسْمَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ مُتَوَاطِئًا. حُجَّةُ الْقَائِلِ بِالِاشْتِرَاكِ: أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ، وَفِي الْمُتَّصِلِ الْإِخْرَاجُ، وَفِي الْمُنْقَطِعِ الْمُخَالَفَةُ، فَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيُجْعَلُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً لَهُ دُونَ الْآخَرِ. وَالْحَقُّ: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُتَّصِلَ يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ يُعْرَفُ ضَعْفُ الْمَذْهَبَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَلَا بُدَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ، أَوْ فِي أَنَّ الْمُسْتَثْنَى حُكْمٌ آخَرُ، لَهُ مُخَالَفَةٌ مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: مَا جَاءَنِيَ الْقَوْمُ إِلَّا حِمَارًا. مِثَالُ الثَّانِي: مَا زَادَ إِلَّا مَا نَقَصَ، وَمَا نَفَعَ إِلَّا مَا ضَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَالَ سِيبَوَيْهِ: " مَا " الْأُولَى نَافِيَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مَصْدَرِيَّةٌ، وَفَاعِلُ زَادَ وَنَفَعَ مُضْمَرٌ، وَمَفْعُولُهُمَا مَحْذُوفٌ؛ وَالتَّقْدِيرُ: مَا زَادَ فُلَانٌ شَيْئًا إِلَّا نُقْصَانًا، وَمَا نَفَعَ فُلَانٌ إِلَّا مَضَرَّةً. فَالْمُسْتَثْنَى - وَهُوَ النُّقْصَانُ وَالْمَضَرَّةُ - حُكْمٌ مُخَالِفٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنَّفْعُ. فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا ; لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ إِطْلَاقُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُتَّصِلِ أَظْهَرَ وَأَقْوَى، لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً - لَمْ يَحْمِلْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْمُنْقَطِعِ، مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُتَّصِلِ. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَهُ عِنْدِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا ثَوْبًا، وَشِبْهَهُ - يُقَدَّرُ قِيمَةَ ثَوْبٍ، لِيَكُونَ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ. [حد الاستثناء] ش - حَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ - بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِهِ مُتَوَاطِئًا -: مَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ بِإِلَّا غَيْرَ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتِهَا. نَحْوَ: لَيْسَ، وَلَا يَكُونُ، وَعَدَا، وَخَلَا، وَمَا خَلَا، وَمَا عَدَا، وَحَاشَا، وَسِوَى، وَغَيْرَ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا وَأَخَوَاتِهَا عَمَّا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ لَا بِهَا نَحْوَ: جَاءَنِيَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَجِئْ زَيْدٌ، وَقَامَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو. وَإِنَّمَا قَيَّدَ إِلَّا بِكَوْنِهَا غَيْرَ الصِّفَةِ احْتِرَازًا عَنْ إِلَّا الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الصِّفَةِ، وَهِيَ مَا كَانَتْ تَابِعَةً لِجَمْعٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْتَثْنَى، نَحْوَ قَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَقِيلَ: لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ، لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، دَالٌّ عَلَى (أَنَّ) مَدْلُولَهُ غَيْرَ مُرَادٍ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ، لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا غَايَةٍ. وَأَوْرَدَ عَلَى طَرْدِهِ: قَامَ الْقَوْمُ، لَا زَيْدٌ. وَعَلَى عَكْسِهِ مَا جَاءَ إِلَّا زَيْدٌ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ (بِجُمْلَةٍ وَأَنَّ مَدْلُولَ كُلِّ اسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ) مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ. وَالِاحْتِرَازُ مِنَ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَهْمٌ. وَالْأَوْلَى: إِخْرَاجٌ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا. ص - وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ الدَّلَالَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. فَالْأَكْثَرُ: الْمُرَادُ بِـ (عَشَرَةٍ) فِي قَوْلِكَ: " عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً " سَبْعَةٌ وَ " إِلَّا " قَرِينَةٌ لِذَلِكَ، كَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً بِإِزَاءِ سَبْعَةٍ، كَاسْمَيْنِ مُرَكَّبٍ وَمُفْرَدٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِـ (عَشَرَةٍ) : عَشَرَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ ثَلَاثَةٌ. وَالْإِسْنَادُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، فَلَمْ يُسْنَدْ إِلَّا إِلَى سَبْعَةٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. لَنَا: أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] . وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِالِاشْتِرَاكِ أَوِ الْمَجَازِ، فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْحَقِيقَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَدٍّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ اللَّفْظِ، بِأَنْ يُقَالَ: الْمَذْكُورُ بَعْدَ إِلَّا وَأَخَوَاتِهَا -. وَإِذَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى احْتَاجَ كُلٌّ إِلَى حَدٍّ. فَيُقَالُ فِي حَدِّ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ: مَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ بِإِلَّا غَيْرَ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ. وَالْقُيُودُ الْمُتَقَدِّمَةُ قَدْ مَرَّ فَائِدَتُهَا. وَقَوْلُهُ: " مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ " إِحْتِرَازٌ عَنِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ. وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ فَقَدْ قَالَ الْغَزَّالِيُّ فِي حَدِّهِ: إِنَّهُ قَوْلٌ ذُو صِيَغٍ مَخْصُوصَةٍ مَحْصُورَةٍ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بِهِ لَمْ يُرَدَّ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ. فَقَوْلُهُ: " قَوْلٌ " أَيْ كَلِمَاتٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلُهُ: " ذُو صِيَغٍ " فَإِنَّ الصِّيَغَ لَا تَكُونُ لِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنِ التَّخْصِيصِ بِالْفِعْلِ وَالْعَقْلِ وَقَرِينَةِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: " مَخْصُوصَةٌ " احْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَلِمَاتٍ لَا تَكُونُ لَهَا تِلْكَ الصِّيَغُ. وَالْمُرَادُ بِالصِّيَغِ الْمَخْصُوصَةِ: أَدَوَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " مَحْصُورَةٌ " مَعْدُودَةٌ، قَلِيلَةٌ. وَقَوْلُهُ: " دَالٌّ " إِلَخْ إِشَارَةٌ إِلَى غَايَةِ أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ هَكَذَا: أَدَوَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ، كَلِمَاتٌ ذَوَاتُ صِيَغٍ مَخْصُوصَةٍ مَعْدُودَةٍ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ بَعْدَهَا بِوَاسِطَتِهَا لَا يَكُونُ مُرَادًا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى طَرْدِ هَذَا التَّعْرِيفِ: التَّخْصِيصَ بِالشَّرْطِ. مِثْلَ قَوْلِهِمْ: أَكْرِمِ النَّاسَ إِنْ كَانُوا عَالِمِينَ. وَبِالْوَصْفِ بِـ الَّذِي، وَالَّتِي، وَاللَّذَيْنِ، وَاللَّتَيْنِ، وَالَّذِينَ، وَاللَّاتِي، وَالْغَايَةِ. وَمِثْلَ: قَامَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صِيَغٌ مَخْصُوصَةٌ مَحْصُورَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا غَيْرُ مُرَادٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ. وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْوَصْفَ بِـ " الَّذِي " ; لِأَنَّ الْوَصْفَ بِغَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَدِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهُ شَيْءٌ. بِخِلَافِ الْوَصْفِ بِـ " الَّذِي " فَإِنَّهُ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الصِّلَةُ. وَالْمُصَنِّفُ مَنَعَ وُرُودَ الْأَوَّلَيْنِ، أَعْنِي التَّخْصِيصَ بِالشَّرْطِ وَالْوَصْفَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بِهِمَا لَمْ يُرَدَّ بِالْقَوْلِ السَّابِقِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا كَلَامُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا يُرَدُّ الْأَخِيرُ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّيَغِ الْمَخْصُوصَةِ أَدَوَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ. وَالْغَايَةُ وَمِثْلُ: قَامَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ لَا يَكُونُ مَذْكُورًا بِأَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ. ، وَأَوْرَدَ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْحَدِّ مِثْلَ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذِي صِيَغٍ مَعَ كَوْنِهِ اسْتِثْنَاءً. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا يَنْدَفِعُ هَذَا أَيْضًا ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ تَعْرِيفَ أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ، لَا تَعْرِيفَ وَاحِدٍ مِنْهَا. فَلَا يَلْزَمُ صِدْقُ التَّعْرِيفِ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ: إِنَّهُ لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ، لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرَ مُرَادٍ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ، لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا صِفَةٍ وَلَا غَايَةٍ. فَقَوْلُهُ: " لَفْظٌ " احْتِرَازٌ عَنِ التَّخْصِيصِ بِالْفِعْلِ وَالْعَقْلِ وَقَرِينَةِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: " مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ " احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ. وَقَوْلُهُ: " لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ " احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ قَوْلِنَا: قَامَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ ; فَإِنَّ قَوْلَنَا: لَمْ يَقُمْ، لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ، وَلَكِنْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: " دَالٌّ " احْتِرَازٌ عَنِ الْمُهْمَلَاتِ. وَقَوْلُهُ: " عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ " أَيْ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ بِمَا اتَّصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنِ التَّأْكِيدِ، نَحْوَ جَاءَنِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ. وَقَوْلُهُ: " لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا غَايَةٍ " احْتِرَازٌ عَنْهَا. وَأَوْرَدَ عَلَى طَرْدِ هَذَا التَّعْرِيفِ: جَاءَ الْقَوْمُ لَا زَيْدٌ ; فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَوْرَدَ عَلَى عَكْسِهِ مِثْلَ: مَا جَاءَ إِلَّا زَيْدٌ ; فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِجُمْلَةٍ. وَأَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى عَكْسِهِ أَنَّ مَدْلُولَ كُلِّ اسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ. وَأَيْضًا: الِاحْتِرَازُ عَنِ الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَهْمٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَا بِقَوْلِهِ: " غَيْرُ مُرَادٍ " فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِمَا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ: إِنَّهُ إِخْرَاجٌ بِإِلَّا أَوْ إِحْدَى أَخَوَاتِهَا. [اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ الدَّلَالَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ] ش - اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ الدَّلَالَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ. فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ لَهَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُسْتَثْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 الْجَارِيَةَ إِلَّا نِصْفَهَا، أَوْ نَحْوَهُ، لَمْ يُرِدِ اسْتِثْنَاءَ نِصْفِهَا (مِنْ نِصْفِهَا) . وَلِأَنَّهُ (كَانَ) يَتَسَلْسَلُ. وَلِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلْجَارِيَةِ بِكَمَالِهَا. وَلِإِجْمَاعِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إِخْرَاجُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. وَلِإِبْطَالِ النُّصُوصِ. وَلِلْعِلْمِ بِأَنَّا نُسْقِطُ الْخَارِجَ، فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَسْنَدَ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ. وَالثَّانِي كَذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَانُونِ اللُّغَةِ ; إِذْ لَا تَرْكِيبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَا يُعْرَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ. وَلِامْتِنَاعِ إِعَادَةِ الضَّمِيرِ عَلَى جُزْءِ الِاسْمِ فِي " إِلَّا نَصِفَهَا ". وَلِإِجْمَاعِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى آخِرِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنْهُ مَا بَقِيَ، فَالْمُرَادُ بِـ (عَشَرَةٍ) فِي قَوْلِكِ: عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً،: سَبْعَةٌ، وَ " إِلَّا " قَرِينَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِذَلِكَ، كَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ ; فَإِنَّ الْمُخَصِّصَ قَرِينَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْعَامِّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَآلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ جَمِيعًا مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ: مَا يُفْهَمُ آخِرًا. حَتَّى كَأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعُوا بِإِزَاءِ مَعْنَى السَّبْعَةِ اسْمَيْنِ: مُرَكَّبًا وَمُفْرَدًا. فَالْمُرَكَّبُ هُوَ: عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً، وَالْمُفْرَدُ هُوَ: سَبْعَةٌ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ: الْجَمِيعُ؛ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِالْإِسْنَادِ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهُ الْمُسْتَثْنَى، وَحُكِمَ بِالْإِسْنَادِ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. فَلَمْ يُسْنَدْ إِلَّا إِلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ. (مَثَلًا قَوْلُنَا: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً؛ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَشَرَةِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْرَادُ: مَجْمُوعُ آحَادِهَا، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثٌ، وَأُسْنِدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ) فَعُلِمَ أَنَّ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ سَبْعَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَاحْتَجَّ عَلَى عَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِسِتَّةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الِاسْتِثْنَاءِ - لَزِمَ أَنْ يُرَادَ اسْتِثْنَاءُ نِصْفِ الْجَارِيَةِ مِنْ نِصْفِهَا فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ إِلَّا نِصْفَهَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ مَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ إِلَّا نِصْفَهَا لَمْ يُرِدِ اسْتِثْنَاءَ نِصْفِهَا مِنْ نِصْفِهَا. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ لَكَانَ الْمُرَادُ بِالْجَارِيَةِ نِصْفَهَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَقَدِ اسْتَثْنَى عَنْهُ نِصْفَهَا، فَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ نِصْفِهَا مِنْ نِصْفِهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الِاشْتِرَاءُ وَقَعَ عَلَى الْجَارِيَةِ كُلِّهَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، فَاسْتَثْنَى مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاشْتِرَاءُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِيَةِ نِصْفُهَا، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ مِنَ النِّصْفِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ: مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِيَةِ مَثَلًا، إِذَا كَانَ نِصْفَهَا، وَقَدْ أَخْرَجَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ نِصْفَهُ، فَيَكُونُ نِصْفُ النِّصْفِ مُخْرَجًا بِالِاسْتِثْنَاءِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنِّصْفِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ - نِصْفُ النِّصْفِ، لِأَنَّهُ الْبَاقِي بِحَدِّ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ عَنْهُ، وَقَدْ أُخْرِجَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِي هُوَ نِصْفُ النِّصْفِ، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِي هُوَ الْكُلُّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ النِّصْفُ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَقْدِيرٍ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَثْنَى النِّصْفَ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ النِّصْفُ رَاجِعًا إِلَى النِّصْفِ ; لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ النِّصْفُ حِينَئِذٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْجَارِيَةِ بِكَمَالِهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إِلَى النِّصْفِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ هُوَ اللَّفْظُ. كَمَا إِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ (شَخْصٍ) فِي (جَاءَ شَخْصٌ) وَأُرِيدَ بِهِ امْرَأَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ الْمُطْلَقِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى اللَّفْظِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نِصْفَ اللَّفْظِ. الرَّابِعُ - لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَكُنِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِنَا: اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ إِلَّا نِصْفَهَا إِخْرَاجَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إِخْرَاجُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمُلَازَمَةَ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ النِّصْفَ، وَيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ إِخْرَاجَ النِّصْفِ مِنَ الْكُلِّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. الْخَامِسُ - لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ يَلْزَمُ بُطْلَانُ النُّصُوصِ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ " الْعَشَرَةَ " نَصٌّ فِي مَدْلُولِهَا، فَلَوْ أُرِيدَ بِهَا سَبْعَةٌ لَزِمَ بُطْلَانُ النَّصِّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: النَّصُّ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَمْ يَحْتَمِلْ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ، وَالْعَشَرَةُ إِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَعَهَا قَرِينَةُ الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ كَذَلِكَ. السَّادِسُ - إِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّا نُسْقِطُ الْخَارِجَ؛ أَيِ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَيُعْلَمُ بَعْدَ إِسْقَاطِهِ أَنَّ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ. فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ: هُوَ الْبَاقِي لَمْ يَكُنِ الْإِسْقَاطُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بِكَوْنِ الْبَاقِي مُسْنَدًا إِلَيْهِ ; لِأَنَّ إِسْقَاطَ الْخَارِجِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى حُصُولِ خَارِجٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَلَى تَقْدِيرِ مَنْ يَرَى أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْبَاقِيَ، لَمْ يَحْصُلْ خَارِجٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْبَاقِي، لَمْ يَحْصُلْ خَارِجٌ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إِسْقَاطُ الْخَارِجِ بِحَسَبِ ظَاهِرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، لَا بِحَسَبِ مَا هُوَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُ. وَاحْتَجَّ عَلَى عَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَذْهَبِ الثَّانِي بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ قَانُونِ اللُّغَةِ ; إِذْ لَمْ يَتَرَكَّبْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ (فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ يُفْضِي إِلَى تَرْكِيبِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَكْثَرَ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ وَضْعُ مُرَكَّبٍ مِنْ كَلِمَاتٍ) أَوَّلُهَا مُعْرَبٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ، وَهَذَا يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ. الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الضَّمِيرُ فِي " إِلَّا نِصْفَهَا " عَائِدًا إِلَى جُزْءِ الِاسْمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِامْتِنَاعِ عَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى جُزْءِ الِاسْمِ. الرَّابِعُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ إِخْرَاجًا. وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. ش - الْقَائِلُونَ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً لَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يُرَادَ بِعَشَرَةٍ: عَشَرَةٌ بِكَمَالِهَا ; لِأَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إِلَّا بِسَبْعَةٍ. فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَشَرَةٍ: سَبْعَةً. وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ، لَا بِاعْتِبَارِ الْعَشَرَةِ. فَحِينَئِذٍ قَدْ أُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ: الْعَشَرَةُ بِكَمَالِهَا، وَأُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ قَبْلَ الْإِسْنَادِ، ثُمَّ أُسْنِدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ الْحُكْمُ إِلَى الْبَاقِي، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبْعَةٍ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعَشَرَةِ مَثَلًا عَشَرَةً بِكَمَالِهَا امْتَنَعَ مِنَ الصَّادِقِ - وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 ص - قَالَ الْأَوَّلُونَ: لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُرَادَ عَشَرَةٌ بِكَمَالِهَا ; لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ إِلَّا بِسَبْعَةٍ. فَيَتَعَيَّنُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ عَشَرَةً امْتَنَعَ مِنَ الصَّادِقِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى - {إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] . وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ. ص - الْقَاضِي: إِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عَشَرَةً، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ سَبْعَةً - تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لِسَبْعَةٍ. وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ. فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ. وَعَلَى الْأَكْثَرِ تَخْصِيصٌ. وَعَلَى الْمُخْتَارِ مُحْتَمَلٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ. الِاتِّصَالُ لَفْظًا، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ، كَقَطْعِهِ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ سُعَالٍ، وَنَحْوِهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَصِحُّ، وَإِنْ طَالَ شَهْرًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ بِالنِّيَّةِ كَغَيْرِهِ. وَحُمِلَ عَلَيْهِ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِقُرْبِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً. لَنَا: لَوْ صَحَّ لَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» " مُعَيَّنًا: لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَسْهَلُ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْإِقْرَارَاتِ، وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاللَّازِمُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَلْفِ تَمَامَ آحَادِهِ. فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهُ خَمْسُونَ لَزِمَ كَذِبُ أَحَدِهِمَا. أَجَابَ بِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِسْنَادِ، وَالْإِسْنَادُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَلَمْ يَلْزَمْ كَذِبٌ. ش - قَالَ الْقَاضِي: إِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَشَرَةٍ: عَشَرَةً بِكَمَالِهَا بِدَلِيلِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَشَرَةٍ: سَبْعَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لِسَبْعَةٍ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إِبْطَالَ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ ; إِذْ لَا إِخْرَاجَ وَلَا قَصْرَ. وَعَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ تَخْصِيصٌ ; لِأَنَّهُ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، وَقَصْرُ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ قُصِرَ لَفْظُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ تَخْصِيصًا نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ تَمَامُ مُسَمَّاهُ. [مَسْأَلَةٌ: شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ] ش - ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ اتِّصَالُهُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَفْظًا، أَوْ مَا فِي حُكْمِ الِاتِّصَالِ لَفْظًا كَقَطْعِهِ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الِاتِّصَالِ اللَّفْظِيِّ. وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَصِحُّ انْفِصَالُ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا شَهْرًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ انْفِصَالُ الِاسْتِثْنَاءِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِالنِّيَّةِ، أَيْ مَعَ إِضْمَارِ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ التَّخْصِيصُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يُعْلَمَ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ. ص - قَالُوا: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا " ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ بَعْدَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . قُلْنَا: يُحْمَلُ عَلَى (السُّكُوتِ الْعَارِضِ لِمَا تَقَدَّمَ. قَالُوا: «سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنْ لُبْثِ أَهْلِ الْكَهْفِ. فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَدًا أُجِيبُكُمْ. فَتَأَخَّرَ الْوَحْيُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. ثُمَّ نَزَلَ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] . فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . قُلْنَا: يُحْمَلُ عَلَى) أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُتَأَوَّلٌ بِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ. وَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ وَالْقَاضِي بِمَنْعِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَالْقَاضِي (أَيْضًا) بِمَنْعِهِ فِي الْأَكْثَرِ خَاصَّةً.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحُمِلَ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى هَذَا؛ لِقُرْبِهِ مِنَ الصَّوَابِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ انْفِصَالُ الِاسْتِثْنَاءِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ فَقَطْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَهُوَ أَزَلِيٌّ. وَالِانْفِصَالُ حَالَ الْخِطَابِ لَا يُخِلُّ بِالْكَلَامِ الْأَزَلِيِّ. وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ ; إِذِ الْكَلَامُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ الْأَزَلِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، بَلْ فِي الْعِبَارَاتِ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مَذْهَبَ الْمُحَقِّقِينَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَرَأَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَيَّنَ الْكَفَّارَةَ فِي تَخَلُّصِ الْحَالِفِ إِذَا رَأَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ. فَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ جَائِزًا - لَمَا عَيَّنَ الْكَفَّارَةَ لِأَجْلِ التَّخَلُّصِ، بَلْ أَرْشَدَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّ إِرْشَادَ طَرِيقِ الْأَسْهَلِ أَوْلَى. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ لَهَا ثَبَتَ الْإِقْرَارَاتُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ ; لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِثُبُوتِ شَيْءٍ مِنْهَا ; لِجَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُنْفَصِلِ. الثَّالِثُ - لَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُ خَبَرٍ وَلَا كَذِبُهُ أَصْلًا ; لِإِمْكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ حِينٍ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ - أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا " ثُمَّ سَكَتَ، وَقَالَ بَعْدَ زَمَانٍ: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . أَجَابَ بِأَنَّ السُّكُوتَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعَارِضٍ لَا يُخِلُّ بِالِاتِّصَالِ، كَمَا ذُكِرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. الثَّانِي - «أَنَّ الَيْهُودَ سَأَلُوهُ عَنْ لُبْثِ أَهْلِ الْكَهْفِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " غَدًا أُجِيبُكُمْ " وَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَانْقَطَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23] فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; " إِنْ شَاءَ اللَّهُ» إِلْحَاقًا بِخَبَرِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " غَدًا أُجِيبُ ". أَجَابَ (بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِلْحَاقًا بِخَبَرِهِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ، أَيْ أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ لَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِصِحَّتِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ، وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ. أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِمَّا مُتَأَوَّلٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ جَوَازُ الِانْفِصَالِ بِالنِّيَّةِ، أَوْ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْفِصَالُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ] ش - الِاسْتِثْنَاءُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا (لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ) أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْبَاقِي أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، أَوْ أَقَلَّ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا عَشَرَةً. وَالرَّابِعُ (جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ (عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْعَدَدُ صَرِيحًا. لَنَا: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] . وَالْغَاوُونَ أَكْثَرُ، بِدَلِيلِ: " وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ ". فَالْمُسَاوِي أَوْلَى. وَأَيْضًا: " «كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» ". وَأَيْضًا: فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: (عَلَيَّ) عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً - لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا دِرْهَمٌ. وَلَوْلَا ظُهُورُهُ لَمَا اتَّفَقُوا (عَلَيْهِ) عَادَةً. ص - الْأَقَلُّ: مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعُهُ إِلَى آخِرِهِ. وَأُجِيبُ بِالْمَنْعِ ; لِأَنَّ الْإِسْنَادَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالدَّلِيلُ مُتَّبَعٌ. قَالُوا: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً وَنِصْفَ وَثُلُثَ دِرْهَمٍ، مُسْتَقْبَحٌ دَكِيكٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ اسْتِقْبَاحَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، كَعَشَرَةٍ إِلَّا دَانِقًا، وَدَانِقًا إِلَى عِشْرِينَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ جُمَلٍ بِالْوَاوِ، قَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: لِلْجَمِيعِ. وَالْحَنَفِيَّةُ: لِلْأَخِيرَةِ. وَالْقَاضِي وَالْغَزَّالِيُّ: بِالْوَقْفِ. وَالشَّرِيفُ: بِالِاشْتِرَاكِ. أَبُو الْحُسَيْنِ: إِنْ تَبَيَّنَ الْإِضْرَابُ عَنِ الْأُولَى فَلِلْأَخِيرَةِ؛ مِثْلَ أَنْ يَخْتَلِفَا نَوْعًا أَوِ اسْمًا، وَلَيْسَ الثَّانِي ضَمِيرَهُ. أَوْ حُكْمًا غَيْرَ مُشْتَرِكَيْنِ فِي غَرَضٍ. وَإِلَّا فَلِلْجَمِيعِ. وَالْمُخْتَارُ: إِنْ ظَهَرَ الِانْقِطَاعُ فَلِلْأَخِيرَةِ، وَالِاتِّصَالُ لِلْجَمِيعِ وَإِلَّا فَالْوَقْفُ. ص - الشَّافِعِيَّةُ: الْعَطْفُ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ كَالْمُفْرَدِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُفْرَدَاتِ. قَالُوا: لَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ وَلَا شَرِبْتُ وَلَا ضَرَبْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَادَ إِلَى الْجَمِيعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى جَوَازِهِمَا، مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا سِتَّةً أَوْ خَمْسَةً. وَذَهَبَتِ الْحَنَابِلَةُ وَالْقَاضِي أَوَّلًا إِلَى مَنْعِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْقَاضِي آخِرًا بِمَنْعِ الْجَوَازِ فِي الْأَكْثَرِ خَاصَّةً دُونَ الْمُسَاوِي. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْعَدَدُ صَرِيحًا لَمْ يَجُزِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ خَاصَّةً؛ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَدَدُ صَرِيحًا جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ أَيْضًا، مِثْلَ خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ إِلَّا مَا فِي الْكِيسِ (الْفُلَانِيِّ) وَكَانَ مَا فِي الْكِيسِ أَكْثَرُ مِنَ الْبَاقِي. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ لَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ قَدِ اسْتُثْنِيَ الْغَاوُونَ مِنَ الْعِبَادِ، وَالْغَاوُونَ أَكْثَرُ مِنَ الْبَاقِي ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] . وَإِذَا جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ فَالْمُسَاوِي أَوْلَى ; لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُسَاوِي وَالزِّيَادَةَ. (وَهَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْعِ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ فِي الْعَدَدِ الصَّرِيحِ. قِيلَ) لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً أَنْ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْجِنْسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْغَاوِينَ لَيْسُوا دَاخِلِينَ تَحْتَ الْعِبَادِ ; لِأَنَّ الْعِبَادَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُخْلِصُونَ. أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغَاوِينَ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ الْعِبَادِ ; لِأَنَّ الْعِبَادَ غَيْرُ مُخْتَصِّينَ بِالْمُخْلِصِينَ بِدَلِيلِ اتِّصَافِ الْعِبَادِ بِالْمُخْلِصِينَ. فَإِنْ قِيلَ: انْضَافَ الْعِبَادُ بِالْمُخْلِصِينَ لِلْمَدْحِ لَا لِلتَّخْصِيصِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أُجِيبُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَصْفِ، التَّخْصِيصُ، فَلَوْ حُمِلَ الْوَصْفُ عَلَى الْمَدْحِ يَلْزَمُ خِلَافُ الْأَصْلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ، وَالثَّانِي الْوَصْفُ لِلْمَدْحِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ لَمَا وَقَعَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " «كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» " مَعَ كَوْنِ مَنْ أَطْعَمَهُ أَكْثَرَ، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ فِي الْعَدَدِ الصَّرِيحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّالِثُ - اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. وَلَوْلَا ظُهُورُ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ لَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ عَادَتَهُمْ أَنْ لَا يَتَّفِقُوا عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ دُونَ الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعُ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ إِنْكَارٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِمَا أَقَرَّ بِهِ. خَالَفْنَا الدَّلِيلَ فِي الْأَقَلِّ لِسَبَبٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَكْثَرِ وَالْمُسَاوِي، وَهُوَ كَوْنُ الْأَقَلِّ فِي مَعْرِضِ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ، فَيَبْقَى الدَّلِيلُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ) إِنَّمَا يَتَقَرَّرُ بَعْدَ الْإِسْنَادِ وَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ الْإِسْنَادِ. (وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ إِنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّبَعَ الدَّلِيلُ فِي الْكُلِّ - حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاسْتِثْنَاءُ أَصْلًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ، أَوْ مُسَاوِيًا، أَوْ أَكْثَرَ) . الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ - لَمْ يُسْتَقْبَحْ " عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً وَنِصْفًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ ". وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَجَابَ بِأَنَّ اسْتِقْبَاحَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ. كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا دَانِقًا، وَدَانِقًا وَدَانِقًا إِلَى عِشْرِينَ دَانِقًا ; فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي غَايَةِ الِاسْتِقْبَاحِ، مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ جُمَلٍ بِالْوَاوِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْوَاقِعَ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالْوَاوِ، هَلْ يَعُودُ إِلَى الْجَمِيعِ أَوْ إِلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهَا. فَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: يَعُودُ إِلَى الْجَمِيعِ. (وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: يَعُودُ إِلَى الْأَخِيرَةِ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ وَالْقَاضِي بِالْوَقْفِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ مِنَ الشِّيعَةِ بِالِاشْتِرَاكِ؛ أَيْ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كَوْنِهِ عَائِدًا إِلَى الْجَمِيعِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ عَائِدًا إِلَى الْأَخِيرَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: إِنْ تَبَيَّنَ الْإِضْرَابُ عَنِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَلِلْأَخِيرَةِ، وَإِلَّا فَلِلْجَمِيعِ. وَالْإِضْرَابُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِاخْتِلَافِ الْجُمْلَتَيْنِ: بِالنَّوْعِ، بِأَنْ يَكُونَ إِحْدَاهُمَا طَلَبًا وَالْأُخْرَى خَبَرًا؛ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: جَاءَ الْقَوْمُ وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَّا الطِّوَالَ. أَوْ بِاخْتِلَافِهِمَا اسْمًا، وَلَا يَكُونُ الِاسْمُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ضَمِيرًا لِلِاسْمِ فِي الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ، وَأَهِنْ بَنِي خَالِدٍ إِلَّا الطِّوَالَ. مِثَالُ مَا يَكُونُ الِاسْمُ الثَّانِي ضَمِيرَ الْأَوَّلِ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَاسْتَأْجِرْهُمْ إِلَّا الضُّعَفَاءَ. أَوْ بِاخْتِلَافِهِمَا حُكْمًا، وَلَا يَكُونُ الْجُمْلَتَانِ مُشْتَرِكَتَيْنِ فِي غَرَضٍ. نَحْوَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَاسْتَأْجِرْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَّا الضُّعَفَاءَ. مِثَالُ مَا يَكُونُ الْجُمْلَتَانِ مُشْتَرِكَتَيْنِ فِي غَرَضٍ: أَكْرِمِ الضَّيْفَ وَتَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ إِلَّا الْفَاسِقَ، فَإِنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي غَرَضٍ وَهُوَ الْحَمْدُ. وَالْمُخْتَارُ عَنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا فَلِلْأَخِيرَةِ. وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا فَلِلْجَمِيعِ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَالْوَقْفُ. ش - احْتَجَّتِ الشَّافِعِيَّةُ بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ الْعَطْفَ يُصَيِّرُ الْأُمُورَ الْمُتَعَدِّدَةَ كَالْأَمْرِ الْوَاحِدِ. وَعَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ يُوجِبُ عَدَمَ الِاتِّحَادِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمَعْطُوفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ، فَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ فَقِيَاسٌ. وَإِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّرٌ تَقْدِيمُهُ. وَإِنْ سُلِّمَ فَلِقَرِينَةِ الِاتِّصَالِ، وَهِيَ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمِيعِ، قَالُوا: لَوْ كُرِّرَ لَكَانَ مُسْتَهْجَنًا. قُلْنَا عِنْدَ قَرِينَةِ الِاتِّصَالِ. وَإِنْ سُلِّمَ فَلِلطُّولِ مَعَ إِمْكَانِ إِلَّا كَذَا فِي الْجَمِيعِ. قَالُوا: صَالِحٌ. فَالْبَعْضُ تَحَكَّمَ، كَالْعَامِّ. قُلْنَا: صَلَاحِيَتُهُ لَا تُوجِبُ ظُهُورَهُ فِيهِ، كَالْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ. قَالُوا: لَوْ قَالَ: عَلَيَّ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ إِلَّا سِتَّةً - كَانَ لِلْجَمِيعِ. قُلْنَا مُفْرَدَاتٌ. وَأَيْضًا لِلِاسْتِقَامَةِ. ص - الْمُخَصِّصُ: آيَةُ الْقَذْفِ لَمْ تَرْجِعْ إِلَى الْجَلْدِ اتِّفَاقًا. قُلْنَا: لِدَلِيلٍ، وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَلِذَلِكَ عَادَ إِلَى غَيْرِهِ. قَالُوا: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا اثْنَيْنِ، (لِلْأَخِيرِ. قُلْنَا: أَيْنَ الْعَطْفُ؟ وَأَيْضًا: مُفْرَدَاتٌ. وَأَيْضًا لِلتَّعَذُّرِ، فَكَانَ الْأَقْرَبُ أَوْلَى. وَلَوْ تَعَذَّرَ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ: مِثْلَ: (عَلَيَّ) عَشَرَةٌ إِلَّا اثْنَيْنِ إِلَّا اثْنَيْنِ) . قَالُوا: الثَّانِيَةُ حَائِلَةٌ، كَالسُّكُوتِ. قُلْنَا: لَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَمِيعُ بِمَثَابَةِ الْجُمْلَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْمُفْرَدَاتِ يُوجِبُ الِاتِّحَادَ، وَأَمَّا الْعَطْفُ فِي الْجُمَلِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ. الثَّانِي - لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ وَلَا شَرِبْتُ وَلَا ضَرَبْتُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْجَمِيعِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ - يَعُودُ إِلَى الْجَمِيعِ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الصُّوَرِ. أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطٌ لَا اسْتِثْنَاءٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَوْدِ الشَّرْطِ إِلَى الْجَمِيعِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَيْهِ. وَإِنْ أُلْحِقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالشَّرْطِ لِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا كَانَ قِيَاسًا فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَإِنْ سُلِّمَ جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ ; فَإِنَّ الشَّرْطَ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا لَفْظًا، فَهُوَ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرًا، بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ عَوْدُ الشَّرْطِ إِلَى الْجَمِيعِ لِتَقَدُّمِهِ وَلَا يَجُوزَ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجَمِيعِ لِتَأَخُّرِهِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَنْتَهِضُ نَقْضًا ; لِأَنَّهُ هَا هُنَا إِنَّمَا عَادَ إِلَى الْجَمِيعِ بِقَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى اتِّصَالِ الْأَخِيرَةِ بِمَا قَبْلَهَا، وَتِلْكَ الْقَرِينَةُ هِيَ الْيَمْيِنُ. الثَّالِثُ - أَنَّ الْجُمَلَ الْمُتَعَاطِفَةَ بِالْوَاوِ، قَدْ يَحْتَاجُ كُلُّ وَاحِدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنْهَا إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدًا إِلَى الْجَمِيعِ لَمَا كَانَ تَكَرُّرُ الِاسْتِثْنَاءِ مُسْتَهْجَنًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُرِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ مُسْتَهْجَنًا ; لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: إِنْ سَرَقَ زَيْدٌ فَاضْرِبْهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ ; أَوْ شَرِبَ فَاضْرِبْهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ، أَوْ زَنَى فَاضْرِبْهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ - لَكَانَ مُسْتَهْجَنًا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ تَكَرُّرَ الِاسْتِثْنَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ مُسْتَهْجَنًا عِنْدَ وُجُودِ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى اتِّصَالِ الْجُمَلِ بَعْضِهَا بِالْبَعْضِ. أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ اتِّصَالِهَا - فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّكَرُّرَ مُسْتَهْجَنٌ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ تَكَرُّرَ الِاسْتِثْنَاءِ مُسْتَهْجَنٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ وُجِدَ قَرِينَةُ الِاتِّصَالِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، لَكِنَّ الِاسْتِهْجَانَ إِنَّمَا يَكُونُ لِطُولِ الْكَلَامِ مَعَ إِمْكَانِ رِعَايَةِ الِاخْتِصَارِ، بِأَنْ نَقُولَ بَعْدَ الْجُمَلِ: إِلَّا كَذَا فِي الْجَمِيعِ. الرَّابِعُ - الِاسْتِثْنَاءُ الْوَاقِعُ عُقَيْبَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ بِالْوَاوِ يَصْلُحُ عَوْدُهُ إِلَى الْكُلِّ، كَمَا يَصْلُحُ عَوْدُهُ إِلَى الْبَعْضِ، وَالْعَوْدُ إِلَى الْبَعْضِ تَحَكُّمٌ ; لِأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْبَعْضِ دُونَ بَعْضٍ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَالْعَامِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ صَلَاحِيَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْعَوْدِ إِلَى الْجَمِيعِ لَا تُوجِبُ ظُهُورَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ إِلَى الْكُلِّ، كَالْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِيهِ. قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الِاسْتِدْلَالُ بِمُجَرَّدِ الصُّلُوحِ لِلْكُلِّ، بَلْ بِهِ وَبِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْبَعْضِ. فَإِنَّهُ لَمَّا صَلَحَ لِلْكُلِّ وَالْبَعْضِ، وَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْبَعْضِ، تَعيَّنَ الْكُلُّ صِيَانَةً لِلدَّلِيلِ عَنِ الْإِلْغَاءِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ظَاهِرٌ ; فَإِنَّهُ لَا تَعَذُّرَ ثَمَّةَ. بَلِ الْجَوَابُ: مَنْعُ التَّحَكُّمِ عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى الْبَعْضِ؛ إِذِ الْعَوْدُ إِلَى الْأَخِيرَةِ رَاجِحٌ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ. وَالْمُتَقَدِّمُ وَإِنْ كَانَ رَاجِحًا بِالسَّبْقِ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَرْجَحُ. الْخَامِسُ - لَوْ قَالَ قَائِلٌ: عَلَيَّ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ إِلَّا سِتَّةً، يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى الْكُلِّ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ. أَجَابَ أَوَّلًا بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَاقِعِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ. وَهَا هُنَا قَدْ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ الْمُفْرَدَاتِ. وَثَانِيًا - بِأَنَّهُ يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِلَى الْكُلِّ لِلتَّعَذُّرِ ; الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَخِيرَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْرَاقَ، بِخِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرِ الْعَوْدُ إِلَى الْأَخِيرَةِ. ش - احْتَجَّ مُخَصِّصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ آيَةَ الْقَذْفِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: 4 - 5] . فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا يَعُودُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى الْكُلُّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْجَلْدِ اتِّفَاقًا. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكُلِّ كَذَلِكَ وَإِلَّا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ أَوِ الْمَجَازُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 قَالُوا: حُكْمُ الْأُولَى يَقِينٌ، وَالرَّفْعُ مَشْكُوكٌ. قُلْنَا: لَا يَقِينَ مَعَ الْجَوَازِ لِلْجَمِيعِ. وَأَيْضًا فَالْأَخِيرَةُ كَذَلِكَ لِلْجَوَازِ بِدَلِيلٍ. قَالُوا: إِنَّمَا يَرْجِعُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ. فَيَتَقَيَّدُ بِالْأَقَلِّ، وَمَا يَلِيهِ هُوَ الْمُتَحَقِّقُ. قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَضْعُهُ لِلْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ قَامَ دَلِيلٌ. ص - الْقَائِلُ بِالِاشْتِرَاكِ: حُسْنُ الِاسْتِفْهَامِ. قُلْنَا: لِلْجَهْلِ بِحَقِيقَتِهِ أَوْ لِرَفْعِ الِاحْتِمَالِ. قَالُوا: صَحَّ الْإِطْلَاقُ، وَالْأَصْلُ: الْحَقِيقَةُ. قُلْنَا: وَالْأَصْلُ: عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَبِالْعَكْسِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ عَدَمَ الْعَوْدِ إِلَى الْجَلْدِ لِدَلِيلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْجَلْدَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَالتَّوْبَةُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي إِسْقَاطِ حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْعَوْدِ إِلَى الْجَلْدِ لِدَلِيلٍ، لَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُخْتَصٌّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ - أَنَّهُ عَادَ إِلَى غَيْرِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى الْمُتَضَمِّنَةِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] . الثَّانِي - لَوْ قَالَ قَائِلٌ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا اثْنَيْنِ، يَعُودُ إِلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، فَيَجِبُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُلِّ إِلَى الْأَخِيرَةِ؛ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ أَوِ الْمَجَازِ. أَجَابَ بِأَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ، وَلَا عَطْفَ هَا هُنَا، وَلَا جُمْلَةَ لِأَنَّهَا مُفْرَدَاتٌ. وَأَيْضًا: إِنَّمَا اخْتُصَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْأَخِيرَةِ لِتَعَذُّرِ عَوْدِهِ إِلَى الْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ إِلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا يَلْزَمُ وُجُودُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي وَعَدَمُهُ عَلَى السَّوَاءِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْقُضُ الْحُكْمَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يُخْرِجَ الِاثْنَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ وَالِاثْنَيْنِ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى ". فَالْمُخْرَجُ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ الْأَرْبَعَةَ، فَوُجُودُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي حِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَلَمَّا تَعَذَّرَ الْعَوْدُ إِلَى الْجَمِيعِ وَكَانَ الْأَخِيرُ أَقْرَبَ حُمِلَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْأَقْرَبِ أَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] (وَلَوْ تَعَذَّرَ الْعَوْدُ إِلَى الْأَخِيرِ تَعَيَّنَ الْعَوْدُ إِلَى الْأَوَّلِ، مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ، عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا اثْنَيْنِ إِلَّا اثْنَيْنِ؛ فَإِنَّهُ تَعَذَّرَ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي إِلَى الْأَخِيرِ، أَعَنِي الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْأَوَّلِ؛ أَعْنِي الْعَشَرَةَ) . الثَّالِثُ - أَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ حَائِلَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَالِاسْتِثْنَاءِ. فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مَانِعَةً لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، كَالسُّكُوتِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَمِيعُ بِمَنْزِلَةِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ. الرَّابِعُ - حُكْمُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى مُتَيَقَّنٌ، وَمَا أَوْجَبَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الرَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى مَشْكُوكٌ، وَالشَّكُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى مُتَيَقَّنٌ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ رَفْعَ حُكْمِ الْجَمِيعِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا يَقِينَ مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ. وَأَيْضًا: إِنْ كَانَ هَذَا مَانِعًا مِنْ عَوْدِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْأَخِيرَةِ، لِجَوَازِ عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى دُونَ الْأَخِيرَةِ بِدَلِيلٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ رَفْعُ حُكْمِ الْأَخِيرَةِ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكًا، وَثُبُوتُ حُكْمِهَا مُتَيَقَّنًا، وَالْمُتَيَقَّنُ لَا يُرْفَعُ بِالْمَشْكُوكِ. قِيلَ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ: مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى الَّتِي هِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِحُكْمِهَا ثَابِتَةٌ بِيَقِينِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَرْفَعُهُ بِيَقِينٍ. فَثَبَتَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْحُكْمُ لِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. وَعَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ الْمَانِعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَخِيرَةِ مُحَقَّقٌ ; إِذِ الِاسْتِثْنَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ جُمْلَةٍ يَعُودُ إِلَيْهَا، وَالْأَخِيرَةُ مُتَعَيِّنَةٌ لِقُرْبِهَا إِلَيْهِ. الْخَامِسُ - أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى أَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ بَاطِلٌ ; إِذْ لَا ضَرُورَةَ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِعَوْدِهِ إِلَى إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ الْعَوْدُ إِلَى أَحَدِهِمَا، وَمَا يَلِيهِ، أَيِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ، هُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْعَوْدِ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَالْأَقْرَبُ أَرْجَحُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ الْوَاضِعُ فِي صُورَةِ تَعَدُّدِ الْجُمَلِ الِاسْتِثْنَاءَ الْوَاقِعَ بَعْدَهَا لِلْعَوْدِ إِلَى الْجَمِيعِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ الْعَوْدُ إِلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، كَمَا إِذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَوْدِهِ إِلَى الْجَمِيعِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَعُودُ إِلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ بِالِاتِّفَاقِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَضْعُ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْجَمِيعِ مُحْتَمَلٌ، وَثُبُوتُ حُكْمِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى ظَاهِرٌ، وَالِاحْتِمَالُ لَا يَرْفَعُ الظَّاهِرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْقَائِلُ بِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ بِالْوَاوِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ عَوْدِهِ إِلَى الْأَخِيرَةِ وَإِلَى الْجَمِيعِ، احْتَجَّ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَنْ إِرَادَةِ الْعَوْدِ إِلَى الْأَخِيرَةِ أَوْ إِلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ دَلِيلُ الِاشْتِرَاكِ. أَجَابَ بِأَنَّ حُسْنَ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ لِلْجَهْلِ بِحَقِيقَتِهِ، أَيْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَيَسْتَفْهِمُ لِيَعْلَمَ. وَأَيْضًا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ لِرَفْعِ الِاحْتِمَالِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا، لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مُرَادًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. الثَّانِي - أَنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ إِرَادَةِ الْعَوْدِ إِلَى الْجَمِيعِ وَإِلَى الْأَخِيرَةِ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا. أَجَابَ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا، مَجَازًا فِي الْآخَرِ. وَالْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ، لَكِنَّهُ خَيْرٌ مِنَ الِاشْتِرَاكِ. [مَسْأَلَةٌ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ] ش - اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ. وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ إِثْبَاتٌ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 لَنَا: النَّقْلُ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَكُنْ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " تَوْحِيدًا. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ لَلَزِمَ مِنْ " «لَا عِلْمَ إِلَّا بِحَيَاةٍ» "، " «وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ» "، ثُبُوتُ الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِهِمَا. قُلْنَا: لَيْسَ مُخْرِجًا مِنَ الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ ; فَإِنِ اخْتَارَ تَقْدِيرَ (لَا صَلَاةَ) إِلَّا صَلَاةً بِطَهُورٍ، اطَّرَدَ. وَإِنِ اخْتَارَ لَا صَلَاةَ تَثْبُتُ بِوَجْهٍ إِلَّا بِذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الشَّرْطِ الْمَشْرُوطُ. وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي الْمَنْفِيِّ الْأَعَمِّ فِي مِثْلِهِ، وَفِي مِثْلِ مَا زَيْدٌ إِلَّا قَائِمٌ ; إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَأُجِيبُ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّ الْفَرْضَ الْمُبَالَغَةُ بِذَلِكَ. الثَّانِي - أَنَّهُ أَكَّدَهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ - النَّقْلُ. فَإِنَّ أَئِمَّةَ النَّقْلِ وَاللُّغَةِ نَقَلُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتًا لَمْ يَكُنْ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " تَوْحِيدًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ النَّفْيَ الدَّاخِلَ عَلَى الْإِلَهِ نَفْيُ جَمِيعِ الْآلِهَةِ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يُثْبِتِ الِاسْتِثْنَاءُ وَاحِدًا مِنْهَا، فَلَمْ يُشْعِرْ هَذَا اللَّفْظُ حِينَئِذٍ بِثُبُوتِ إِلَهِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. ش - احْتَجَّتِ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتًا لَزِمَ مِنْ قَوْلِنَا: «لَا عِلْمَ إِلَّا بِحَيَاةٍ» ، «وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ» ، ثُبُوتُ الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِهِمَا؛ أَيْ بِمُجَرَّدِ الْحَيَاةِ وَالطَّهُورِ ; لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ النَّفْيِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَحَقَّقُ بِالْحَيَاةِ ; لِأَنَّ الْحَيَاةَ حَاصِلَةٌ لِلْحَيَوَانَاتِ بِدُونِ الْعِلْمِ. وَكَذَا الصَّلَاةُ لَا تَتَحَقَّقُ بِالطَّهُورِ وَحْدَهُ، لِجَوَازِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ آخَرَ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ إِنْ أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُخْرَجٌ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجِنْسِ، وَالْحَيَاةُ وَالطَّهُورُ لَيْسَا بِمُخْرَجَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَحَلَّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجِنْسِ. وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ قُدِّرَ أَمْرٌ آخَرُ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ عَلَى أَنَّهُ لَا عِلْمَ إِلَّا عِلْمٌ بِحَيَاةٍ ; وَلَا صَلَاةَ إِلَّا صَلَاةٌ بِطَهُورٍ، أَوْ يُقَدَّرَ عَلَى أَنَّهُ لَا عِلْمَ يَثْبُتُ بِوَجْهٍ إِلَّا بِحَيَاةٍ، وَلَا صَلَاةَ تَصِحُّ إِلَّا بِطَهُورٍ. فَإِنِ اخْتَارَ التَّقْدِيرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَوَجَّهِ النَّقْضُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطَّرِدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَعِيدٌ ; لِأَنَّهُ مُفَرَّغٌ، وَكُلُّ مُفَرَّغٍ مُتَّصِلٌ ; لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِهِ. ص - التَّخْصِيصُ بِالشَّرْطِ. الْغَزَّالِيُّ: الشَّرْطُ: مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ. وَإِنِ اخْتَارَ التَّقْدِيرَ الثَّانِيَ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ مَشْرُوطٌ بِالْحَيَاةِ، وَالصَّلَاةَ مَشْرُوطَةٌ بِالطَّهَارَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ الِاطِّرَادُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الصَّلَاةِ عِنْدَ وُجُودِ الطَّهَارَةِ، وَعَدَمِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْحَيَاةِ ; لِجَوَازِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ آخَرَ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَكُونُ الْجَوَابُ مُقَرِّرًا لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ ; فَإِنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ لَمْ يَقْتَضِ إِلَّا عَدَمَ ثُبُوتِ الْمُسْتَثْنَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الْجَوَابِ عَنْ إِشْكَالِ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي الْمَنْفِيِّ الْأَعَمِّ فِي مِثْلِ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ، وَفِي مِثْلِ مَا زَيْدٌ إِلَّا قَائِمٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَنْفِيَّ الْأَعَمَّ، أَعْنِي الَّذِي يَنْفِي جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ - يَكُونُ التَّقْدِيرُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ: لَا صِفَةَ لِلصَّلَاةِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي وُجُودِهَا مِنَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا، إِلَّا صِفَةُ الطَّهَارَةِ. وَفِي الثَّانِي: لَا صِفَةَ لِزَيْدٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي كَوْنِهِ زَيْدًا إِلَّا الْقِيَامُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَى الْأَوَّلِ نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ لِلصَّلَاةِ وَإِثْبَاتُ الطَّهُورِيَّةِ مِنْ بَيْنِهَا. وَمَعْنَى الثَّانِي نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي زَيْدِيَّةٍ زَيْدٍ، وَإِثْبَاتُ الْقِيَامِ مِنْ بَيْنِهَا، وَلَا يَسْتَقِيمُ نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ. أَجَابَ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الْمُرَادَ بِتَعْمِيمِ النَّفْيِ هَا هُنَا: الْمُبَالَغَةُ فِي تَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: لَا يُعْتَبَرُ صِفَةُ الطَّهُورِيَّةِ لِلصَّلَاةِ فَقِيلَ: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ، أَيِ الصِّفَةُ الْمُعْتَبَرَةُ لِلصَّلَاةِ هِيَ الطَّهُورِيَّةُ فَيَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ نَفْيِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمُبَالَغَةَ فِي إِثْبَاتِ تِلْكَ الصِّفَةِ، لَا نَفْيَ الْكُلِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَالثَّانِي - أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ آكَدُ الْأَوْصَافِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ إِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا. أُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُفَرَّغٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ مُتَّصِلٌ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُفَرَّغَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَاشَيْءَ مِنَ الْمُنْقَطِعِ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ ; إِذْ لَا تَعَلُّقَ لِلْمُنْقَطِعِ بِالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ. [التَّخْصِيصُ بِالشَّرْطِ] [تَعْرِيفُ الشَّرْطِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّخْصِيصِ بِالِاسْتِثْنَاءِ شَرَعَ فِي التَّخْصِيصِ بِالشَّرْطِ. قَالَ الْغَزَّالِيُّ: الشَّرْطُ: مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْمَشْرُوطُ عِنْدَهُ، أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ دَوْرٌ، إِذْ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ الْمَشْرُوطِ عَلَى مَعْرِفَةِ الشَّرْطِ، وَقَدْ أَخَذَ الْمَشْرُوطُ فِي تَعْرِيفِ الشَّرْطِ. فَيَكُونُ دَوْرًا. وَأَيْضًا: هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ; لِأَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ لَا يُوجَدُ الْمُسَبِّبُ دُونَهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْمُسَبِّبُ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الشَّرْطِ هُوَ: مَا يَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وَأَوْرَدَ أَنَّهُ دَوْرٌ. وَعَلَى طَرْدِهِ: جُزْءُ السَّبَبِ. وَقِيلَ: مَا يَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ عَلَيْهِ. وَأَوْرَدَ عَلَى عَكْسِهِ الْحَيَاةَ فِي الْعِلْمِ الْقَدِيمِ. وَالْأَوْلَى: مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ نَفْيَ أَمْرٍ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ، فَإِنَّ الْحَيَاةَ الْقَدِيمَةَ شَرْطٌ لِلْعِلْمِ الْقَدِيمِ، وَالْعِلْمُ لَيْسَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُؤَثِّرَةِ. قِيلَ: هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحَدِّ ; فَإِنَّ الْحَيَاةَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُؤَثِّرَةِ، وَتَأْثِيرُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَيَاةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْحَيَاةَ شَرْطٌ لِلْعِلْمِ وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْحَدِّ بِهَذَا الْوَجْهِ. وَأَيْضًا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُدْرَةَ تَوَقَّفَ تَأْثِيرُهَا عَلَى الْحَيَاةِ ; فَإِنَّ ذَاتَ الصَّانِعِ تَعَالَى كَافِيَةٌ فِي تَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْحَيَاةِ. وَإِبْطَالُ الطَّرْدِ بِالْمُؤَثِّرِ وَمُؤَثِّرِ الْمُؤَثِّرِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ ذِكْرَ تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرِ يُشْعِرُ بِخُرُوجِ الْمُؤَثِّرِ وَمُؤَثِّرِ الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَتَوَقَّفُ فِي تَأْثِيرِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى مُؤَثِّرِهِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى مُؤَثِّرِهِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي حَدِّ الشَّرْطِ: مَا اسْتَلْزَمَ نَفْيُهُ نَفْيَ أَمْرٍ آخَرَ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبِيبَةِ، أَيْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِهِ، وَلَا دَاخِلًا فِيهِ. فَقَوْلُهُ: مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ نَفْيَ أَمْرٍ كَالْجِنْسِ ; لِكَوْنِهِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَجُزْءِ السَّبَبِ. وَالْبَاقِي كَالْفَصْلِ ; وَبِهِ يَخْرُجُ عَنْهُ السَّبَبُ وَجُزْؤُهُ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْحَدِّ شَرْطُ الْحُكْمِ وَشَرْطُ السَّبَبِ. [الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إِلَى عَقْلِيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَلُغَوِيٍّ] ش - الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إِلَى عَقْلِيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَلُغَوِيٍّ ; لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَحْكُمَ الْعَقْلُ بِشَرْطِيَّتِهِ، أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ: هُوَ الشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ، كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ ; فَإِنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَيَاةِ، وَلَا يَحْكُمُ بِوُجُودِ الْعِلْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْحَيَاةِ. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْعُ قَدْ حَكَمَ بِشَرْطِيَّتِهِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ: هُوَ الشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ، كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: اللُّغَوِيُّ؛ مِثْلَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ; فَإِنَّ دُخُولَ الدَّارِ لَيْسَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ شَرْعًا، وَلَا عَقْلًا، بَلْ مِنَ الشُّرَطِ الَّتِي وَضَعَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ. وَصِيغَةُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ: (إِنِ) الْمُخَفَّفَةُ، وَ (إِذَا) وَ (مَنْ) وَ (مَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 ص - وَهُوَ عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ، وَشَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ، وَلُغَوِيٌّ، مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ (الدَّارَ) وَهُوَ فِي السَّبَبِيَّةِ أَغْلَبُ وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ سِوَاهُ. فَلِذَلِكَ يَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ لُغَةً. مِثْلَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِنْ دَخَلُوا، فَيَقْصُرُهُ الشَّرْطُ عَلَى الدَّاخِلِينَ. ص - وَقَدْ يَتَّحِدُ الشَّرْطُ وَيَتَعَدَّدُ عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى الْبَدَلِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ، كُلٌّ مِنْهَا مَعَ الْجَزَاءِ كَذَلِكَ، فَتَكُونُ تِسْعَةً، وَالشَّرْطُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الِاتِّصَالِ وَفِي تَعَقُّبِهِ الْجُمَلَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِلْجَمِيعِ. فَفَرَّقَ. وَقَوْلُهُمْ فِي مِثْلِ: أُكْرِمْكَ إِنْ دَخَلْتَ (الدَّارَ) مَا تَقَدَّمَ خَبَرٌ، وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ - مُرَاعَاةٌ لِتَقَدُّمِهِ كَالِاسْتِفْهَامِ وَالْقَسَمِ. فَإِنْ عَنَوْا لَيْسَ بِجَزَاءٍ فِي اللَّفْظِ - فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ عَنَوْا وَلَا فِي الْمَعْنَى - فَعِنَادٌ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ جُمْلَةُ رُوعِيَتِ الشَّائِبَتَانِ. ص - التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ، مِثْلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الطِّوَالَ. وَهِيَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ عَلَى مُتَعَدِّدٍ. ص - التَّخْصِيصُ بِالْغَايَةِ مِثْلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا. فَتَقْصُرُهُ عَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِينَ كَالصِّفَةِ. وَقَدْ تَكُونُ هِيَ وَالْمُقَيَّدُ بِهَا مُتَّحِدَيْنِ وَمُتَعَدِّدَيْنِ كَالشَّرْطِ. وَهِيَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ. ص - التَّخْصِيصُ بِالْمُنْفَصِلِ. يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ. لَنَا: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] . وَأَيْضًا: " {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] " فِي خُرُوجِ الْأَطْفَالِ بِالْعَقْلِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ تَخْصِيصًا لَصَحَّتِ الْإِرَادَةُ لُغَةً. قُلْنَا: التَّخْصِيصُ لِلْمُفْرَدِ، وَمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مَانِعٌ (هُنَا) وَهُوَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ مُخَصِّصًا لَكَانَ مُتَأَخِّرًا ; لِأَنَّهُ بَيَانٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَ (مَهْمَا) وَ (حَيْثُمَا) وَ (إِذْ مَا) وَ (أَيْنَمَا) . وَالشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ أَغْلَبُ اسْتِعْمَالِهِ فِي السَّبَبِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، نَحْوَ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَالْعَالَمُ مُضِيءٌ. وَالشَّرْعِيَّةِ نَحْوَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] . فَإِنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ سَبَبٌ لِضَوْءِ الْعَالَمِ عَقْلًا، وَالْجَنَابَةَ سَبَبٌ لِوُجُودِ التَّطْهِيرِ شَرْعًا. وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ شَرْطٌ آخَرُ سِوَاهُ، أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ الْأَخِيرِ نَحْوَ: إِنْ تَأْتِنِي أُكْرِمْكَ. فَإِنَّ الْإِتْيَانَ شَرْطٌ لَمْ يَبْقَ لِلْإِكْرَامِ سِوَاهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا أُدْخِلَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ عَلَيْهِ عُلِمَ أَنَّ أَسْبَابَ الْإِكْرَامِ حَاصِلَةٌ، وَلَكِنْ تَوَقَّفَ عَلَى حُصُولِ الْإِتْيَانِ. قَوْلُهُ: " وَلِذَلِكَ " أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الشَّرْطَ مُخَصِّصٌ يَخْرُجُ بِهِ، أَيْ بِالشَّرْطِ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ، أَيِ الشَّرْطُ - لَدَخَلَ فِيهِ لُغَةً، وَذَلِكَ نَحْوَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِنْ دَخَلُوا الدَّارَ؛ فَإِنَّ الشَّرْطَ يَقْصُرُ الْإِكْرَامَ عَلَى الدَّاخِلِينَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ غَيْرُ الدَّاخِلِينَ، وَلَوْلَا الشَّرْطُ لَعَمَّ الْإِكْرَامُ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: " لُغَةً " لِيَدْخُلَ فِيهِ قَوْلُنَا: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ أَبَدًا إِنْ قَدَرْتَ ; لِأَنَّ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ مَعْلُومَةُ الْخُرُوجِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ الشَّرْطِ، لَكِنَّ خُرُوجَهَا عَنْهُ عَقْلًا، لَا يُنَافِي دُخُولَهَا فِيهِ لُغَةً، فَيَصْدُقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ: لَوْلَا الشَّرْطُ لَدَخَلَ فِيهِ لُغَةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: قَوْلُهُ: " لِذَلِكَ " أَيْ فَلِأَجْلِ أَنَّ الشَّرْطَ: مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ نَفْيَ أَمْرٍ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ، يَخْرُجُ بِهِ لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيهِ لُغَةً. وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ عَنِ الصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَوْلَا شَرْطُ الدُّخُولِ لَعَمَّ الْإِكْرَامُ. لَكِنْ لَمَّا تَحَقَّقَ شَرْطُ الدُّخُولِ خَرَجَ غَيْرُ الدَّاخِلِينَ مِنَ الْمَأْمُورِينَ بِإِكْرَامِهِمْ. وَمِنَ الشَّارِحِينَ مَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ: " وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْوَاقِعِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُلَ السَّبَبُ عِنْدَ حُصُولِهِ لِوُجُودِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سِوَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، نَحْوَ: إِنْ تَأْتِينِي أُكْرِمْكَ. فَإِنَّ الْإِتْيَانَ لَيْسَ سَبَبَ الْإِكْرَامِ لَا شَرْعًا وَلَا عَقْلًا، وَلَكِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلْإِكْرَامِ حَاصِلَةٌ، لَكِنْ تَوَقَّفَ عَلَى حُصُولِ الْإِتْيَانِ. ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ يَخْرُجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ " أَيْ لِأَنَّ الْمَدْخُولَ عَلَيْهِ أَدَاةُ الشَّرْطِ مِمَّا لَيْسَ بِسَبَبٍ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ سِوَاهُ، خَرَجَ مَا لَوْلَاهُ - لَدَخَلَ لِوُجُودِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ - لَكَانَ غَيْرُ الدَّاخِلِ أَيْضًا مَأْمُورًا بِإِكْرَامِهِ. قَوْلُهُ: " لَدَخَلَ لُغَةً " أَيِ الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ اقْتَضَى الدُّخُولَ. وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُمَانِعٌ كَانَ مِنْ خَارِجِ اللُّغَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هَذَا مَا قَالَهُ. وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِبَعِيدٍ. [قَدْ يَتَّحِدُ الشَّرْطُ وَيَتَعَدَّدُ عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى الْبَدَلِ] ش - الشَّرْطُ قَدْ يَتَّحِدُ، مِثْلَ: إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ، وَقَدْ يَتَعَدَّدُ، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، مِثْلَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ وَالسُّوقَ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ; مِثْلَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ أَوِ السُّوقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَكُونُ ثَلَاثَةً. وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهُ مُتَّحِدًا مِثْلَ: فَأَكْرِمْهُ، أَوْ مُتَعَدِّدًا، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ مِثْلَ أَكْرِمْهُ وَأَعْطِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ نَحْوَ: أَكْرِمْهُ أَوْ أَعْطِهِ، فَتَكُونُ الْأَقْسَامُ تِسْعَةً، وَالشَّرْطُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الِاتِّصَالِ لَفْظًا أَوْ فِي حُكْمِهِ. وَأَيْضًا: الشَّرْطُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي تَعَقُّبِهِ الْجُمَلَ، أَيْ إِذَا وَقَعَ الشَّرْطُ عُقَيْبَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ - يَعُودُ إِلَى الْكُلِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْوَاقِعَ عُقَيْبَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ بِالْوَاوِ يَعُودُ إِلَى الْجَمِيعِ. فَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِعَوْدِ الشَّرْطِ إِلَى الْجَمِيعِ وَعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْأَخِيرَةِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَأَخِّرٌ، وَالشَّرْطُ وَإِنْ تَأَخَّرَ لَفْظًا فَهُوَ مُقَدَّمُ مَعْنًى. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ النُّحَاةِ: أُكْرِمْكَ، فِي مِثْلِ: أُكْرِمْكَ إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ خَبَرٌ، وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ - مُرَاعَاةً لِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَتَقَدُّمِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْقَسَمِ. فَقَوْلُهُ: " قَوْلُهُمْ " مُبْتَدَأٌ. وَقَوْلُهُ: مُرَاعَاةٌ خَبَرُهُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إِنْ عَنَوْا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَيْسَ بِجَزَاءٍ لِلشَّرْطِ فِي اللَّفْظِ فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ عَنَوْا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَزَاءٍ لِلشَّرْطِ، لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، فَهُوَ عِنَادٌ ; لِأَنَّ الْإِكْرَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَيَكُونُ جَزَاءً لَهُ مَعْنًى. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ - أَيْ أُكْرِمْكَ - جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ دُونَ الْمَعْنَى رُوعِيَتِ الشَّائِبَتَانِ فِيهِ؛ أَيْ شَائِبَةُ الِاسْتِقْلَالِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَحُكِمَ بِكَوْنِهِ خَبَرًا، وَشَائِبَةُ عَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَحُكِمَ بِأَنَّ الْجَزَاءَ مَحْذُوفٌ لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. [التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ] ش - مِنْ أَقْسَامِ التَّخْصِيصِ بِالْمُتَّصِلِ: التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ، مِثْلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الطِّوَالَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ إِذْ وَقَعَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوٍ فِي عَوْدِهِ إِلَى الْجَمِيعِ أَوْ إِلَى الْأَخِيرَةِ. [التَّخْصِيصُ بِالْغَايَةِ] ش - مِنْ أَقْسَامِ التَّخْصِيصِ بِالْمُتَّصِلِ: التَّخْصِيصُ بِالْغَايَةِ. وَصِيغَتُهَا: إِلَى وَحَتَّى. وَحُكْمُ مَا بَعْدَهَا يُخَالِفُ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا، مِثْلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا، فَيَقْتَصِرُ الْإِكْرَامُ عَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِينَ، كَالصِّفَةِ. وَقَدْ تَكُونُ الْغَايَةُ وَالْمُغَيَّا، أَيِ الْمُقَيَّدُ بِهَا مُتَّحِدَيْنِ، مِثْلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا، وَقَدْ يَكُونَانِ مُتَعَدِّدَيْنِ، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، مِثْلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَعْطِهِمْ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا وَيَقُومُوا. أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، مِثْلَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ أَعْطِهِمْ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا أَوْ يَقُومُوا. وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُتَّحِدًا وَالْآخَرُ مُتَعَدِّدًا. فَتَكُونُ الْأَقْسَامُ تِسْعَةً كَالشَّرْطِ. وَتُعْرَفُ أَمْثِلَةُ بَاقِي الْأَقْسَامِ مِمَّا مَرَّ. وَالْغَايَةُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ إِلَى الْجَمِيعِ أَوْ إِلَى الْأَخِيرَةِ إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ. وَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فِيهِ. [التَّخْصِيصُ بِالْمُنْفَصِلِ] [التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّخْصِيصِ بِالْمُتَّصِلِ، شَرَعَ فِي أَقْسَامِ الْمُنْفَصِلِ. وَهُوَ: الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ، وَالْحِسِّيُّ، وَالنَّقْلِيُّ الْقَطْعِيُّ، وَالنَّقْلِيُّ الظَّنِّيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَابْتَدَأَ بِالتَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ. ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ مُخَصِّصٌ، وَخَالَفَهُمْ شُذُوذٌ مِنَ النَّاسِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] يُفِيدُ الْعُمُومَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ ; لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ. وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ وَالْمُمْتَنِعُ مَخْلُوقَيْنِ. فَيَكُونُ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ. الثَّانِي - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] فَإِنَّ قَوْلَهُ: " عَلَى النَّاسِ " يُفِيدُ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى كُلِّ مَنْ هُوَ إِنْسَانٌ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَالْعَقْلُ مَنَعَ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْوُجُوبِ، فَيَكُونُ الْعَقْلُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ. ش - احْتَجَّ الشُّذُوذُ بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - لَوْ كَانَ مَنْعُ الْعَقْلِ مَخْلُوقِيَّةَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَتَعَلَّقَ وُجُوبُ الْحَجِّ بِالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ تَخْصِيصًا لِلْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَصَحَّتْ إِرَادَةُ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] وَإِرَادَةُ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى النَّاسِ، لُغَةً. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يُرِيدُ بِلَفْظِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ التَّخْصِيصَ إِخْرَاجُ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، وَمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ يَصِحُّ إِرَادَتُهُ مِنْهُ. أَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ لِلْمُفْرَدِ، وَصِحَّةُ الْإِرَادَةِ مُتَحَقِّقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُفْرَدِ وَهُوَ " كُلِّ شَيْءٍ " فِي الْآيَةِ الْأُولَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 قُلْنَا: لَكَانَ مُتَأَخِّرًا بَيَانُهُ، لَا ذَاتُهُ. قَالُوا: لَوْ جَازَ (بِهِ لَجَازَ) النَّسْخُ. قُلْنَا: النَّسْخُ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ مَحْجُوبٌ عَنْ نَظَرِ الْعَقْلِ، قَالُوا: تَعَارَضَا. قُلْنَا: فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِالْمُحْتَمَلِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ. أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إِنْ كَانَ الْخَاصُّ مُتَأَخِّرًا، وَإِلَّا فَالْعَامُّ نَاسِخٌ، فَإِنْ جُهِلَ تَسَاقَطَا. لَنَا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] . وَكَذَلِكَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ} [المائدة: 5] مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] . وَأَيْضًا: لَا يَبْطُلُ الْقَاطِعُ بِالْمُحْتَمَلِ. ص - قَالُوا: إِذَا قَالَ: اقْتُلْ زَيْدًا ثُمَّ قَالَ: لَا تَقْتُلِ الْمُشْرِكِينَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَقْتُلُ زَيْدًا؛ فَالثَّانِي نَاسِخٌ. قُلْنَا: التَّخْصِيصُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَغْلَبُ، وَلَا رَفْعَ فِيهِ لَوْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ. قَالُوا: عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ: (لِتُبَيِّنَ) قُلْنَا: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . وَالْحَقُّ أَنَّهُ الْمُبَيَّنُ بِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ. قَالُوا: الْبَيَانُ يَسْتَدْعِي التَّأَخُّرَ. قُلْنَا: اسْتِبْعَادٌ. قَالُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كُنَّا نَأْخُذُ بِالْأَحْدَثِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَ " النَّاسِ " فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا نُسِبَ إِلَيْهِ الْمُفْرَدُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مَانِعٌ مِنْ إِرَادَةِ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ مِنْهُ، وَمَا نُسِبَ إِلَيْهِ الْمُفْرَدُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مَانِعٌ مِنْ إِرَادَةِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ مِنْهُ، فَحُكْمُ الْعَقْلِ بِالتَّخْصِيصِ. الثَّانِي - أَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ لَوْ كَانَ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ لَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْعَامِّ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخِطَابِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيَانًا ; لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ، وَالْبَيَانُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْمُبَيَّنِ. أَجَابَ بِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَيَانٌ، وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الذَّاتِ. الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ لَجَازَ النَّسْخُ بِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ لِعَدَمِ نُفُوذِ الْحُكْمِ كَالنَّسْخِ. أَجَابَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّسْخَ مَحْجُوبٌ عَنْ نَظَرِ الْعَقْلِ، سَوَاءٌ فُسِّرَ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْ بِرَفْعِهِ، كَمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ؛ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَقْطَعُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. الرَّابِعُ - الْعَامُّ مُقْتَضٍ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ، وَالْعَقْلُ رَافِعٌ لَهُ، فَيَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِالْآخَرِ. قُلْنَا: لَمَّا كَانَ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِمُقْتَضَى الْآخَرِ وَجَبَ تَأْوِيلُ الْعَامِّ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ غَيْرُ مُرَادٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا إِلَى رَفْعِهِمَا، وَالْعَقْلُ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَالْعَامُّ يَقْبَلُهُ، فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ] ش - يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ الْعَامِّ بِالْكِتَابِ الْخَاصِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْخَاصُّ مُتَأَخِّرًا أَوْ مُتَقَدِّمًا، هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَمَنَعَ طَائِفَةٌ تَخْصِيصَ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ الْعَامِّ بِالْكِتَابِ الْخَاصِّ إِذَا كَانَ الْخَاصُّ مُتَأَخِّرًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ نَاسِخٌ لِلْخَاصِّ. فَإِنْ جُهِلَ تَسَاقَطَا. احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - وُقُوعُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمَ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] " مَعَ تَأَخُّرِ الْعَامِّ فِيهِمَا عَنِ الْخَاصِّ. الثَّانِي - دَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَاصُّ لَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ نَصٍّ فِيهِ. بِخِلَافِ دَلَالَةِ الْخَاصِّ، فَإِنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ لِكَوْنِهِ نَصًّا، وَالْقَاطِعُ لَا يَبْطُلُ بِالْمُحْتَمَلِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يُخَصَّصُ بِالْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ، احْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَفْرَادِ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: اقْتُلْ زَيْدًا الْمُشْرِكَ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَقْتُلِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا: لَا تَقْتُلُ زَيْدًا الْمُشْرِكَ وَلَا خَالِدًا الْمُشْرِكَ وَلَا عَمْرًا الْمُشْرِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ: اقْتُلْ زَيْدًا؛ فَكَذَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَقْتُلِ الْمُشْرِكِينَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ، وَإِذَا احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ وَاحْتَمَلَ النَّسْخَ فَالْحَمْلُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَوْلَى ; لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنَ النَّسْخِ. وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا رَفْعَ فِيهِ لِلْحُكْمِ، كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّ فِيهِ رَفْعًا لِلْحُكْمِ. وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يُبْطِلُ الْعَامَّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالنَّسْخَ يُبْطِلُ الْعَامَّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ - وَلَوْ بِوَجْهٍ - أَوْلَى. الثَّانِي - وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَنْ يَنْفِي تَخْصِيصَ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ مُطْلَقًا - أَنَّ الْقَوْلَ بِتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 (فَالْأَحْدَثِ) . قُلْنَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْمُخَصِّصِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44] لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الْمُبَيِّنُ لِكُلِّ الْقُرْآنِ، فَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ مُخَصِّصًا لِلْكِتَابِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَيِّنُ غَيْرَهُ. وَإِذَا كَانَ غَيْرُ الرَّسُولِ مُبَيِّنًا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الرَّسُولُ مُبَيِّنًا، لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَيَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ، وَهُوَ بَاطِلٌ. أَجَابَ بِالْمُعَارَضَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] يَدُلُّ أَنَّ الْقُرْآنَ مُبَيِّنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ. فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مُبَيَّنًا بِغَيْرِهِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُبَيِّنًا بِالْقُرْآنِ. وَإِلَّا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُبَيِّنًا بِالْقُرْآنِ يَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ. وَلَمَّا كَانَ الْجَوَابُ بِالْمُعَارَضَةِ جَدَلِيًّا لَمْ يَقْتَصِرِ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ مَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الْمُبَيِّنُ، لَكِنَّ بَيَانَهُ قَدْ يَكُونُ بِالْكِتَابِ وَقَدْ يَكُونُ بِالسُّنَّةِ. وَكَوْنُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُبَيِّنًا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْكِتَابِ مُبَيِّنًا، لِأَنَّ الْبَيَانَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الرَّسُولِ، يَجُوزُ أَنْ يَنْسُبَ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي يُبَيِّنُ الرَّسُولُ بِهِ. الثَّالِثُ - لَوْ كَانَ الْخَاصُّ الْمُتَقَدِّمُ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْعَامِّ ; لِأَنَّ الْبَيَانَ يَسْتَدْعِي تَأْخِيرَهُ عَنِ الْمُبَيَّنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَيَانَ يَسْتَدْعِي تَأَخُّرَهُ عَنِ الْمُبَيَّنِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَأَخُّرِهِ، وَالِاسْتِبْعَادُ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْجَوَازِ. الرَّابِعُ - أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ أَحْدَثُ مِنَ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْأَخْذُ بِالْأَحْدَثِ وَاجِبٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُنَّا نَأْخُذُ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ. أَجَابَ بِأَنَّا نَحْمِلُ الْعَامَّ الْأَحْدَثَ الَّذِي يَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُخَصِّصِ؛ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ يَسْتَدْعِي تَقْدِيمَ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ يَسْتَدْعِي تَقْدِيمَ الْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْمُخَصِّصِ. [مَسْأَلَةٌ: تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ] ش - يَجُوزُ تَخْصِيصُ السُّنَّةُ بِالسُّنَّةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ، الْوُقُوعُ. فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» مُخَصِّصُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» ". وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْخِلَافِ، وَفِي إِقَامَةِ الدَّلَائِلِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَرَدِّ دَلَائِلِهِمْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَوَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 لَنَا: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ: " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ ". وَهِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا فِي الْخِلَافِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ. لَنَا {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . وَأَيْضًا: لَا يَبْطُلُ الْقَاطِعُ بِالْمُحْتَمَلِ. ص - قَالُوا: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44] وَقَدْ تَقَدَّمَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ. وَبِالْمُتَوَاتِرِ اتِّفَاقًا. ابْنُ أَبَانَ: إِنْ كَانَ خُصَّ بِقَطْعِيٍّ. الْكَرْخِيُّ: إِنْ كَانَ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ. الْقَاضِي بِالْوَقْفِ. لَنَا: أَنَّهُمْ خَصُّوا {وَأُحِلَّ لَكُمْ} [النساء: 24] بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» ". وَ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ وَلَا الْكَافِرُ مِنَ الْمُسْلِمِ وَلَا الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ» " وَ " «نَحْنُ - مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ - لَا نُورَثُ» ". وَأَوْرَدَ: إِنْ كَانُوا أَجْمَعُوا فَالْمُخَصِّصُ: الْإِجْمَاعُ، وَإِلَّا فَلَا دَلِيلَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ] ش - يَجُوزُ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، خِلَافًا لِبَعْضٍ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّخْصِيصِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . وَسُنَّةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مُخَصِّصًا لِلسُّنَّةِ. الثَّانِي أَنَّ الْقُرْآنَ الْخَاصَّ قَاطِعٌ مِنْ حَيْثُ الْمَتْنُ وَمِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ، وَالْعَامُّ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ مُحْتَمَلٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ، فَيَكُونُ الْقُرْآنُ مُخَصِّصًا لَهَا ; لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَبْطُلُ بِالْمُحْتَمَلِ. ش - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ قَالُوا: السُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لِغَيْرِهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44] . فَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ مُبَيِّنًا لَهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُبَيِّنًا لِمُبَيِّنِهِ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنَّ الْمُبَيِّنَ هُوَ الرَّسُولُ ; إِمَّا بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِ الرَّسُولِ مُبَيِّنًا وَبَيْنَ كَوْنِ الْقُرْآنِ مُبَيِّنًا. [مَسْأَلَةٌ: تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ] ش - يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ - أَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَمَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ - إِلَى جَوَازِهِ. وَمَنَعَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: إِنْ خُصَّ الْكِتَابُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ جَازَ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ جَازَ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْوَقْفَ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَمْ يَقَعْ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 قُلْنَا: أَجْمَعُوا عَلَى التَّخْصِيصِ بِهَا. ص - قَالُوا: رَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً لَمَّا كَانَ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] . وَلِذَلِكَ " قَالَ: كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ. قُلْنَا: لِتَرَدُّدِهِ فِي صِدْقِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا نَدْرِي أَصْدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ. قَالُوا: الْعَامُّ قَطْعِيٌّ، وَالْخَبَرُ ظَنِّيٌّ. وَزَادَ ابْنُ أَبَانَ وَالْكَرْخِيُّ: لَمْ يَضْعُفْ بِالتَّجَوُّزِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» " مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: " {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ". وَأَيْضًا: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ وَلَا الْكَافِرُ مِنَ الْمُسْلِمِ وَلَا الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ» " وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «نَحْنُ - مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ - لَا نُورَثُ؛ فَمَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ". مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ إِنْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْصِيصِ الْآيَتَيْنِ فَالْمُخَصِّصُ: الْإِجْمَاعُ، لَا خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَخْصِيصِهَا - فَلَا دَلِيلَ عَلَى تَخْصِيصِهَا ; إِذِ الدَّلِيلُ هُوَ الْإِجْمَاعُ، وَقَدِ انْتَفَى. أَجَابَ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْصِيصِ الْآيَتَيْنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَا عَلَى تَخْصِيصِ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ الْمُخَصِّصُ خَبَرَ الْوَاحِدِ، لَا الْإِجْمَاعَ إِلَّا أَنَّ كَوْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُخَصِّصًا إِنَّمَا هُوَ بِالْإِجْمَاعِ. ش - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالُوا: إِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدَّ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُعْتَدَّةِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» ؛ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 قُلْنَا: التَّخْصِيصُ فِي الدَّلَالَةِ وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ (فَالْجَمْعُ أَوْلَى) . ص - الْقَاضِي: كِلَاهُمَا قَطْعِيٌّ مِنْ وَجْهٍ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ، قُلْنَا: الْجَمْعُ أَوْلَى. ص - مَسْأَلَةٌ: الْإِجْمَاعُ يُخَصِّصُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ كَتَنْصِيفِ آيَةِ الْقَذْفِ عَلَى الْعَبْدِ. وَلَوْ عَمِلُوا بِخِلَافِ نَصٍّ تَضَمَّنَ نَاسِخًا. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْعَامُّ يُخَصُّ بِالْمَفْهُومِ إِنْ قِيلَ بِهِ، وَمِثْلَ فِي الْأَنْعَامِ زَكَاةٌ، فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَامُّ أَقْوَى فَلَا مُعَارَضَةَ. قُلْنَا: الْجَمْعُ أَوْلَى كَغَيْرِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُخَصِّصُ الْعُمُومَ كَمَا لَوْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْوِصَالُ أَوِ الِاسْتِقْبَالُ لِلْحَاجَةِ أَوْ كَشْفُ الْفَخِذِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. ثُمَّ فَعَلَ؛ فَإِنْ ثَبَتَ الِاتِّبَاعُ بِخَاصٍ - فَنَسْخٌ، وَإِنْ ثَبَتَ بِعَامٍّ - فَالْمُخْتَارُ تَخْصِيصُهُ بِالْأَوَّلِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] ". وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ. وَلَوْ كَانَ الْخَبَرُ الْوَاحِدُ مُخَصِّصًا لِلْكِتَابِ لَمَا رَدَّهُ وَلَمْ يَقُلْ: كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ. أَجَابَ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رَدَّ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لِكَوْنِهِ مُخَصِّصًا لِلْكِتَابِ، بَلْ لِتَرَدُّدِهِ فِي صِدْقِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا نَدْرِي أَصْدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ يُظَنَّ صِدْقُهُ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمَظْنُونِ صِدْقُهُ. وَقَالُوا أَيْضًا: الْعَامُّ لِكَوْنِهِ كِتَابًا قَطْعِيٌّ، وَالْخَاصُّ لِكَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ، وَالظَّنِّيُّ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْقَطْعِيِّ. وَزَادَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ - مُثْبِتًا لِمَذْهَبِهِ - أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ قَطْعِيٌّ، وَلَمْ يُضَعَّفْ قَطْعُهُ بِالتَّجَوُّزِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُخَصَّصْ بِقَطْعِيٍّ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ، فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْقَطْعِيِّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا: الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ بِمُنْفَصِلٍ قَطْعِيٌّ، وَلَمْ يُضَعَّفْ قَطْعُهُ بِالتَّجَوُّزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَصَّصْ بِمُنْفَصِلٍ، فَلَا يُقَدَّمُ الظَّنِّيُّ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ عَنِ الْجَمِيعِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي دَلَالَةِ الْعَامِّ، لَا فِي مَتْنِهِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى إِفْرَادِهِ ظَنِّيَّةٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالْخَبَرِ الْمَظْنُونِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ - وَلَوْ بِوَجْهٍ - أَوْلَى. ش - قَالَ الْقَاضِي: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ قَطْعِيٌّ مِنْ وَجْهٍ ظَنِّيٌّ مِنْ وَجْهٍ. أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْ حَيْثُ الْمَتْنُ قَطْعِيٌّ، وَمِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ ظَنِّيٌّ لِكَوْنِهِ عَامًّا. وَأَمَّا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَمِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ قَطْعِيٌّ لِكَوْنِهِ خَاصًّا وَمِنْ حَيْثُ الْمَتْنُ ظَنِّيٌّ، فَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، بَلْ يُتَوَقَّفُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْوَقْفِ يَلْزَمُ التَّرْكُ بِهِمَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: الْإِجْمَاعُ يُخَصِّصُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ] ش - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُخَصِّصُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ خَصَّصَ آيَةَ الْقَذْفِ بِالْأَحْرَارِ، فَإِنَّ حَدَّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ نِصْفُ حَدِّ الْأَحْرَارِ. وَلَوْ عَمِلَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ نَصٍّ لَا يَكُونُ إِجْمَاعُهُمْ نَاسِخًا لِذَلِكَ النَّصِّ؛ بَلِ النَّاسِخُ هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. وَتَخْصِيصُ الْإِجْمَاعِ كَذَلِكَ فَإِنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْإِجْمَاعُ هُوَ الْمُخَصِّصُ وَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ: الْعَامُّ يُخَصُّ بِالْمَفْهُومِ] ش - الْعَامُّ يُخَصُّ بِالْمَفْهُومِ إِنْ قِيلَ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: اضْرِبْ كُلَّ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ فَلَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ضَرْبِ زَيْدٍ وَإِخْرَاجِهِ عَنِ الْعُمُومِ نَظَرًا إِلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ كَانَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَمَثَّلَ لِذَلِكَ: " «فِي الْأَنْعَامِ زَكَاةٌ» "، " «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» "؛ فَإِنَّهُ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ بِإِخْرَاجِ الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ نَظَرًا إِلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ. وَإِنَّمَا خَصَّصَ الْعَامَّ بِالْمَفْهُومِ إِنْ قِيلَ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَامُّ أَقْوَى لِكَوْنِ دَلَالَتِهِ بِحَسَبِ الْمَنْطُوقِ فَيَكُونُ رَاجِحًا. وَالْمَرْجُوحُ لَا يُعَارِضُ الرَّاجِحَ فَلَا يُخَصِّصُهُ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْعَامَّ وَإِنْ كَانَ رَاجِحًا مِنْ حَيْثُ الْمَنْطُوقُ إِلَّا أَنَّهُ مَرْجُوحٌ لِعُمُومِ دَلَالَتِهِ وَخُصُوصِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ - وَلَوْ بِوَجْهٍ - أَوْلَى. [مَسْأَلَةٌ: فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم يُخَصِّصُ الْعُمُومَ] ش - إِذْ فَعَلَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِعْلًا مُخَالِفًا لِعَامٍّ - كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُخَصِّصًا لِذَلِكَ الْعَامِّ فِي حَقِّ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا إِذَا قَالَ: الْوِصَالُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَوِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَوْ كَشْفُ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ثُمَّ وَصَلَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَوْمَ يَوْمٍ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَكَشَفَ الْعَوْرَةَ. فَإِنْ ثَبَتَ وُجُوبُ اتِّبَاعِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اتَّبِعُونِي فِي الْوِصَالِ أَوْ فِي الِاسْتِقْبَالِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ، يَكُونُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْخَاصُّ نَاسِخًا لِلْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ لِتَأَخُّرِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ السَّابِقِ، لَا نَاسِخًا لَهُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَقِيلَ: الْعَمَلُ بِمُوَافِقِ الْفِعْلِ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ. لَنَا: التَّخْصِيصُ أَوْلَى لِلْجَمْعِ. قَالُوا: الْفِعْلُ أَوْلَى بِخُصُوصِهِ. قُلْنَا: الْكَلَامُ فِي الْعُمُومَيْنِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ: إِذَا عَلِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفِعْلٍ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَقْبَلَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْبُنْيَانِ، وَقَوْلُهُ: " «لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ» يَعُمُّ الْبُنْيَانَ وَغَيْرَهُ. فَخُصَّ النَّهْيُ بِالصَّحْرَاءِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا تَكْشِفُوا الْعَوْرَةَ، وَكَشَفَهَا فِي خَلْوَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى اتِّبَاعِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ عَامًّا، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: " {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] "، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ - تَخْصِيصُ دَلِيلِ الِاتِّبَاعِ بِالْعَامِّ السَّابِقِ، أَيْ تَبْقَى الْحُرْمَةُ عَلَى الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَتُخَصَّصُ آيَةُ الِاتِّبَاعِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. الثَّانِي - الْعَمَلُ بِمُوَافِقِ الْفِعْلِ، أَيِ الْعَمَلُ بِآيَةِ الِاتِّبَاعِ. الثَّالِثُ - الْوَقْفُ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَخْصِيصَ دَلِيلِ الِاتِّبَاعِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ; لِأَنَّ دَلِيلَ الِاتِّبَاعِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَغَيْرَهُ، فَإِذَا خُصَّ عَنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ يَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي الْبَاقِي. قِيلَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْفِعْلِ أَوْلَى ; لِأَنَّ الْفِعْلَ خَاصٌّ بِالرَّسُولِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْعَامُّ الْمُتَقَدِّمُ شَامِلٌ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، وَالْخَاصُّ أَقْوَى، وَالْعَمَلُ بِالْأَقْوَى أَوْلَى. أُجِيبُ بِأَنَّ التَّعَارُضَ بَيْنَ الْعَامِّ السَّابِقِ وَالْعَامِّ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الِاتِّبَاعِ، لَا التَّعَارُضُ بَيْنَ الْفِعْلِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ السَّابِقِ. [مَسْأَلَةٌ: إِذَا عَلِمَ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلٍ مُخَالِفٍ فَلَمْ يُنْكِرْهُ كَانَ مُخَصِّصًا لِلْفَاعِلِ] ش - إِذَا فَعَلَ وَاحِدٌ فِعْلًا مُخَالِفًا لِعَامٍّ، وَعَلِمَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي قَرَّرَهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَاعِلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ سُكُوتَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ; دَلِيلُ جَوَازِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. فَإِنْ تَبَيَّنَ مَعْنًى يُوجِبُ جَوَازَ ذَلِكَ الْفِعْلِ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ الْفَاعِلِ مُوَافِقُهُ؛ أَيْ مَنْ وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، إِمَّا بِالْقِيَاسِ، أَوْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْعَامِّ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْعَامِّ، إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْقِيَاسِ. وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مَعْنًى يُوجِبُ جَوَازَ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى جَوَازَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنَ الْفَاعِلِ إِلَى غَيْرِهِ، لِتَعَذُّرِ دَلِيلِ التَّعَدِّي. أَمَّا الْقِيَاسُ فَلِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْجَوَازِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَامِّ بِالْكُلِّيَّةِ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِأَنْ يُخَصَّ الْعَامُّ فَيُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 مُخَالِفٍ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ - كَانَ مُخَصِّصًا لِلْفَاعِلِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ مَعْنًى حُمِلَ عَلَيْهِ مُوَافِقُهُ بِالْقِيَاسِ، أَوْ بِـ " حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ ". لَنَا: أَنَّ سُكُوتَهُ دَلِيلُ الْجَوَازِ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ، فَالْمُخْتَارُ لَا يَتَعَدَّى لِتَعَذُّرِ دَلِيلِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِمُخَصِّصٍ، وَلَوْ كَانَ الرَّاوِي. خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. لَنَا: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. ص - قَالُوا: يَسْتَلْزِمُ دَلِيلًا، وَإِلَّا كَانَ فَاسِقًا، فَيَجِبُ الْجَمْعُ. قُلْنَا: يَسْتَلْزِمُ دَلِيلًا فِي ظَنِّهِ، فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ. قَالُوا: لَوْ كَانَ ظَنِّيًّا لَبَيَّنَهُ. قُلْنَا: وَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَبَيَّنَهُ. وَأَيْضًا: لَمْ يَخْفَ عَلَى غَيْرِهِ. وَأَيْضًا: لَمْ يَجُزْ لِصَحَابِيٍّ آخَرَ مُخَالَفَتُهُ وَهُوَ اتِّفَاقٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ أَنَّ الْعَادَةَ فِي تَنَاوُلِ بَعْضِ خَاصٍّ، لَيْسَ بِمُخَصِّصٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْفَاعِلِ، وَيُحْمَلَ التَّقْرِيرُ عَلَى الْفَاعِلِ فَقَطْ، وَالْحَدِيثُ يُحْمَلُ عَلَى الصُّوَرِ الَّتِي تَبَيَّنَ فِيهَا الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْجَوَازِ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِمُخَصِّصٍ] ش - إِذَا كَانَ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ مُخَالِفًا لِعَامٍّ لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ، وَإِنْ كَانَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي مَذْهَبُهُ مُخَالِفٌ لِلْعَامِّ رَاوِيًا لِلْعَامِّ. كَمَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ، فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الْعَامَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» "، لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ يُغْسَلَ ثَلَاثًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ يُخَصِّصُ الْعَامَّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَامَّ حُجَّةٌ، وَمَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِمَا سَنَذْكُرُهُ، فَلَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لَهُ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ يُخَصِّصُ الْعَامَّ، احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ - أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ يَسْتَلْزِمُ دَلِيلًا، وَإِلَّا لَكَانَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فَيَكُونُ فَاسِقًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ. أَجَابَ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ يَسْتَلْزِمُ دَلِيلًا فِي ظَنِّهِ ; لِأَنَّ بِمُخَالَفَةِ الْعَامِّ إِنَّمَا يَكُونُ فَاسِقًا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالَفَتُهُ لِدَلِيلٍ فِي ظَنِّهِ، لَا لِدَلِيلٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ مُتَابَعَةُ ظَنِّهِ. الثَّانِي - أَنَّ مُخَالَفَةَ الصَّحَابِيِّ لِلْعَامِّ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَنِّيًّا لَبَيَّنَهُ، لِيَنْظُرَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَالْقَطْعِيُّ يُخَصِّصُ الْعَامَّ. أَجَابَ عَنْهُ بِالْمُعَارَضَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - لَوْ كَانَ الدَّلِيلُ قَطْعِيًّا لَبَيَّنَهُ لِيَصِيرَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَهُ لَاشْتُهِرَ كَمَذْهَبِهِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمْ يَخْفَ عَلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ مُنْحَصِرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَخْفَى شَيْءٌ مِنْهَا. الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لِصَحَابِيٍّ آخَرَ مُخَالَفَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ أَنَّ الْعَادَةَ فِي تَنَاوُلِ بَعْضِ خَاصٍّ لَيْسَ بِمُخَصِّصٍ] ش - الْجُمْهُورُ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ عَادَةَ الْمُكَلَّفِينَ فِي تَنَاوُلِ بَعْضٍ خَاصٍّ مِنَ الْأَطْعِمَةِ لَيْسَ بِمُخَصِّصٍ لِلْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُتَنَاوَلِ. مِثْلَ مَا إِذَا قَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمْتُ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ، وَعَادَتُهُ تَنَاوُلُ الْبُرِّ، فَإِنَّهُ لَا يُخَصِّصُ الطَّعَامَ بِالْبُرِّ، وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَادَةَ تُخَصِّصُ الْعُمُومَ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ - وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَفْظَ الطَّعَامِ عَامٌّ لُغَةً وَعُرْفًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَأَهْلَ الْعُرْفِ يُطْلِقُونَ الطَّعَامَ عَلَى الْبُرِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الطَّعُومِ، وَلَا مُخَصِّصَ، فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى عُمُومِهِ، عَمَلًا بِالْمُوجَبِ السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمَانِعِ. ش - احْتَجَّتِ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - تَخْصِيصُ الطَّعَامِ بِالْبُرِّ بِسَبَبِ عَادَةِ التَّنَاوُلِ، كَمَا يَتَخَصَّصُ الدَّابَّةُ بِذَوَاتِ الْحَافِرِ، وَالنَّقْدُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِي الْبَنْدِ بِسَبَبِ عُرْفِ النَّقْلِ. أَجَابَ بِأَنَّ لَفْظَ الطَّعَامِ إِنْ غَلَبَ فِي الْبُرِّ اسْتِعْمَالُهُ يَخْتَصُّ بِهِ كَالدَّابَّةِ وَالنَّقْدِ لَمَّا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي ذَوَاتِ الْحَافِرِ، وَالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِي الْبَلَدِ، اخْتُصَّا بِهِمَا. بِخِلَافِ غَلَبَةِ تَنَاوُلِ الْبُرِّ، فَإِنَّهَا لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الدَّلَالَةِ حَتَّى يَخْتَصَّ بِهِ. وَالْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ فِي غَلَبَةِ التَّنَاوُلِ، لَا فِي غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ قَالَ (السَّيْدُ لِعَبْدِهِ) اشْتَرِ لِي لَحْمًا، وَالْعَادَةُ تَنَاوُلُ لَحْمِ الضَّأْنِ - لَمْ يُفْهَمْ عُرْفًا سِوَى لَحْمِ الضَّأْنِ، فَتَكُونُ عَادَةُ التَّنَاوُلِ مُخَصِّصَةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. مِثْلَ: حَرَّمْتُ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ، وَعَادَتُهُمْ تَنَاوُلُ الْبُرِّ. لَنَا: أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ لُغَةً وَعُرْفًا، وَلَا مُخَصِّصَ. ص - قَالُوا: يَتَخَصَّصُ بِهِ كَتَخْصِيصِ الدَّابَّةِ بِالْعُرْفِ، وَالنَّقَدِ بِالْغَالِبِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 قُلْنَا: إِنْ غَلَبَ الِاسْمُ عَلَيْهِ، كَالدَّابَّةِ اخْتُصَّ بِهِ. بِخِلَافِ غَلَبَةِ تَنَاوُلِهِ، وَالْفَرْضُ فِيهِ. قَالُوا: لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي لَحْمًا، وَالْعَادَةُ تَنَاوُلُ الضَّأْنِ لَمْ يُفْهَمْ سِوَاهُ. قُلْنَا: تِلْكَ قَرِينَةٌ فِي الْمُطْلَقِ. وَالْكَلَامُ فِي الْعُمُومِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ: إِذَا وَافَقَ الْخَاصُّ حُكْمَ الْعَامِّ فَلَا تَخْصِيصَ. خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ. مِثْلَ: " «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» ". وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: " «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» ". لَنَا: لَا تَعَارُضَ، فَيُعْمَلُ بِهِمَا. قَالُوا: الْمَفْهُومُ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ. قُلْنَا: مَفْهُومُ اللَّقَبِ مَرْدُودٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) رُجُوعُ الضَّمِيرِ إِلَى الْبَعْضِ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ. الْإِمَامُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ: تَخْصِيصٌ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ. مِثْلُ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] مَعَ {وَبُعُولَتُهُنَّ} [البقرة: 228] . لَنَا: لَفْظَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَجَازِ أَحَدِهِمَا مَجَازُ الْآخَرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مُطْلَقٌ، وَالْعَادَةُ قَرِينَةٌ مُوجِبَةٌ لِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَكَلَامُنَا فِي الْعُمُومِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَرْفِ لَفْظِ الْمُطْلَقِ عَنْ سَائِرِ الْمُقَيِّدَاتِ إِلَى مُقَيَّدٍ بِسَبَبِ قَرِينَةٍ، صَرْفُ الْعَامِّ عَنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدَاتِ دَلَالَةُ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، وَدَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ دَلَالَةُ الْكُلِّ عَلَى الْأَجْزَاءِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنَ الْأُولَى. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ إِذَا وَافَقَ الْخَاصُّ حُكْمَ الْعَامِّ فَلَا تَخْصِيصَ] ش - إِذَا وَافَقَ الْخَاصُّ حُكْمَ الْعَامِّ فَلَا تَخْصِيصَ لِلْعُمُومِ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» "، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: " «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» " فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» " خَاصٌّ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ قَوْلِهِ: " «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» " وَهُوَ عَامٌّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا لَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْخَاصُّ مُعَارِضًا لِلْعَامِّ لِتَوَافُقِ حُكْمِهِمَا، فَيُعْمَلُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ هُوَ الْأَصْلُ. وَاحْتَجَّ أَبُو ثَوْرٍ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ، وَتَخْصِيصُ جِلْدِ شَاةِ مَيْمُونَةَ بِالْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ سَائِرِ الْجُلُودِ بِسَبَبِ الْمَفْهُومِ، فَيَكُونُ مَفْهُومُ الْخَاصِّ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ، أَجَابَ: حُكْمُ التَّطْهِيرِ بِالدِّبَاغِ الْمُضَافِ إِلَى ضَمِيرِ شَاةِ مَيْمُونَةَ يَكُونُ مِنْ بَابِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ، وَمَفْهُومُ الِاسْمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: رُجُوعُ الضَّمِيرِ إِلَى الْبَعْضِ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ] ش - إِذَا وَرَدَ عُقَيْبَ الْعَامِّ ضَمِيرٌ يَرْجِعُ إِلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِذَلِكَ الْعَامِّ. وَذَهَبَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ مُخَصِّصٌ لِذَلِكَ الْعَامِّ. وَقِيلَ بِالْوَقْفِ. مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] مَعَ قَوْلِهِ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] . فَإِنَّ " الْمُطَلَّقَاتُ " عَامٌّ تَنَاوَلَ الْبَوَائِنَ وَالرَّجْعِيَّاتِ. وَالضَّمِيرُ فِي " بُعُولَتُهُنَّ " يَرْجِعُ إِلَى بَعْضِ أَفْرَادِهَا، وَهُوَ الرَّجْعِيَّاتُ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ " الْمُطَلَّقَاتُ " وَالضَّمِيرُ فِي " بُعُولَتُهُنَّ " لَفْظَانِ. مُقْتَضَى الْأَوَّلِ: إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْعُمُومِ، وَمُقْتَضَى الثَّانِي: رُجُوعُهُ إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ عَرَضَ مَانِعٌ عَنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى كُلِّ الْأَفْرَادِ، فَوَجَبَ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ بِعَوْدِهِ إِلَى الْبَعْضِ بِالْمَجَازِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَجَازِ أَحَدِهِمَا مَجَازٌ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَجِبْ تَخْصِيصُ الْعَامِّ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عَنْ إِجْرَائِهِ عَلَى الْعُمُومِ. ش - الْقَائِلُونَ بِالتَّخْصِيصِ قَالُوا: يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ الضَّمِيرِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الضَّمِيرِ لِلظَّاهِرِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَائِدًا إِلَى الْبَعْضِ لَا إِلَى كُلِّهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْمُضْمَرِ لِلظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ كِنَايَةٌ عَنِ الظَّاهِرِ، فَيَكُونُ ذِكْرُ الضَّمِيرِ كَإِعَادَةِ الظَّاهِرِ، وَإِعَادَةُ الظَّاهِرِ لِتَعَلُّقِ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حُكْمٍ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ. وَكَمَا جَازَ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ لِنَفْسِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حُكْمَيْنِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الضَّمِيرِ لِلظَّاهِرِ. ش - الْقَائِلُونَ بِالْوَقْفِ قَالُوا: لَوْ لَمْ يُخَصِّصِ الْعَامَّ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ ظَاهِرًا يَعُودُ إِلَى كُلِّ أَفْرَادِ الْمَذْكُورِ. وَلَوْ خَصَّصَ الْعَامَّ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْعَامِّ، وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. فَيَلْزَمُ الْوَقْفُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 ص - قَالُوا: يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الضَّمِيرِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ كَإِعَادَةِ الظَّاهِرِ. ص - الْوَقْفُ لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ. وَأُجِيبُ بِظُهُورِ الْعُمُومِ فِيهِمَا. فَلَوْ خَصَّصْنَا الْأَوَّلَ خَصَّصْنَاهُمَا. وَلَوْ سُلِّمَ فَالظَّاهِرُ أَقْوَى. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ. ابْنُ سُرَيْجٍ: إِنْ كَانَ جَلِيًّا. ابْنُ أَبَانَ: إِنْ كَانَ الْعَامُّ مُخَصِّصًا. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْأَصْلُ مُخْرِجًا. وَالْجُبَّائِيُّ: يُقَدَّمُ الْعَامُّ مُطْلَقًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ التَّرْجِيحِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُمُومَ ظَاهِرٌ فِي الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ، فَلَوْ خَصَّصْنَا الْعَامَّ الظَّاهِرَ يَلْزَمُ تَخْصِيصُهُمَا؛ أَيْ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَتَخْصِيصُ الضَّمِيرِ. فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فِيهِمَا. وَلَوْ لَمْ يُخَصَّ الْعَامُّ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فِي الضَّمِيرِ لِعَوْدِهِ إِلَى بَعْضِ الْمَذْكُورِ، فَيَكُونُ عَدَمُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ أَرْجَحَ ; لِقِلَّةِ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ الظَّاهِرِ إِلَّا مُخَالَفَةُ ظَاهِرٍ فَقَطْ، لَكِنَّ مُخَالَفَةَ الظَّاهِرِ فِي الْمُظْهَرِ أَقْوَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ فِي الْمُضْمَرِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنَ الْمُضْمَرِ لِكَوْنِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُضْمَرِ. وَمُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فِيمَا هُوَ أَقْوَى دَلَالَةٍ أَشَدُّ مِنْ مُخَالَفَتِهِ فِيمَا هُوَ أَضْعَفُ. [مَسْأَلَةٌ: جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ: فَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ أَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَمَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ بِالْوَقْفِ. وَالْمُخْتَارُ: إِنْ ثَبَتَتِ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ كَانَ الْأَصْلُ مُخَصِّصًا - خُصَّ بِهِ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ الْقَرَائِنُ فِي الْوَقَائِعِ، فَإِنْ ظَهَرَ تَرْجِيحٌ خَاصٌّ فَالْقِيَاسُ، وَإِلَّا فَعُمُومُ الْخَبَرِ. لَنَا: أَنَّهَا كَذَلِكَ كَالنَّصِّ الْخَاصِّ فَيُخَصَّصُ بِهَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمُسْتَنْبَطَةَ إِمَّا رَاجِحَةٌ أَوْ مَرْجُوحَةٌ أَوْ مُسَاوِيَةٌ وَالْمَرْجُوحُ وَالْمُسَاوِي لَا يُخَصَّصُ. وَوُقُوعُ احْتِمَالٍ مِنَ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ. وَأُجِيبُ بِجَرْيِهِ فِي كُلِّ تَخْصِيصٍ وَقَدْ رَجَحَ بِالْجَمْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَحْمَدَ، وَالشَّيْخَ الْأَشْعَرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ مُطْلَقًا. وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ إِلَى جَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِالْقِيَاسِ إِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَلِيًّا كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ. وَذَهَبَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ إِنْ كَانَ الْعَامُّ مُخَصَّصًا بِشَيْءٍ آخَرَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ إِذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُخْرَجًا مِنَ الْعَامِّ. وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ: لَا يُخَصَّصُ الْعَامُّ بِالْقِيَاسِ بَلْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالْوَقْفِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ إِذَا ثَبَتَتِ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ كَانَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مُخَصِّصًا، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَاحِدٌ مِنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ - تُعْتَبَرُ الْقَرَائِنُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّفَاوُتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّسَاوِي فِي آحَادِ الْوَقَائِعِ، فَإِنْ ظَهَرَ تَرْجِيحٌ خَاصٌّ لِلْقِيَاسِ يُعْمَلُ بِالْقِيَاسِ، أَيْ يَكُونُ الْقِيَاسُ مُخَصِّصًا، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَرْجِيحٌ خَاصٌّ لِلْقِيَاسِ - يُعْمَلُ بِعُمُومِ الْخَبَرِ، أَيْ لَا يُخَصَّصُ بِالْقِيَاسِ. وَاحْتَجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ إِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ كَانَ الْأَصْلُ مُخَصَّصًا مِنَ الْعَامِّ - كَانَ الْقِيَاسُ كَالنَّصِّ الْخَاصِّ، فَيُخَصَّصُ الْعُمُومُ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الشَّرَائِطِ مُتَحَقِّقًا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ - لِكَوْنِهِ خَاصًّا - رَاجِحًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعَامِّ، إِلَّا أَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ أَوِ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا عِلَّةً، فَجَازَ أَنْ يُرَجَّحَ الْعَامُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. ش - وَاسْتَدَلَّ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي مِنَ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي تَكُونُ عِلَّتُهُ مُسْتَنْبَطَةً لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى الْعَامِّ فِي مَحَلِّ التَّخْصِيصِ أَوْ مَرْجُوحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَتْ مَرْجُوحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً لَا تُخَصِّصُ الْعَامَّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ أَوْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. وَإِنْ كَانَتْ رَاجِحَةً يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ مُخَصِّصًا وَعَلَى تَقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا. وَوُقُوعُ احْتِمَالٍ مِنَ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ. أَجَابَ بِالنَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ التَّخْصِيصِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِغَيْرِهِ بِأَنْ يُقَالَ: الْخَاصُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى الْعَامِّ فِي مَحَلِّ التَّخْصِيصِ أَوْ مُتَسَاوِيًا لَهُ أَوْ مَرْجُوحًا إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ رُجِّحَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ فِي غَيْرِ صُوَرِ الْقِيَاسِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، فَكَذَا هَا هُنَا. قِيلَ: قَوْلُهُ: " وَاسْتَدَلَّ " نَقْضٌ لِلدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، لَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي مِنَ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ. وَوَجْهُ وُرُودِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ وُجُوبَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَخْصُوصِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِالْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَإِلَّا كَانَ هُوَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ بِعَيْنِهِ، لَكِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْمُسْتَنْبَطَةِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذُكِرَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا مَرَّ. ش - احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْعَامِّ عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَوْ خُصَّ الْعَامُّ بِالْقِيَاسِ لَزِمَ تَرْجِيحُ الْأَضْعَفِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَضْعَفُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ الْعَامَّ يُجْتَهَدُ فِيهِ فِي أَمْرَيْنِ، وَالْقِيَاسَ يُجْتَهَدُ فِيهِ فِي سِتَّةِ أُمُورٍ، وَفِي الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا إِنْ ثَبَتَ أَصْلُ الْقِيَاسِ بِالْخَبَرِ. وَجَوَابُهُ هَا هُنَا هُوَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ ثَمَّةَ. وَأَجَابَ أَيْضًا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ تَقَدُّمِ الْأَضْعَفِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى بُطْلَانِ الْأَضْعَفِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ إِبْطَالِ الْأَقْوَى بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَا هُنَا لَمَّا لَمْ يَبْطُلِ الْأَقْوَى بِالْكُلِّيَّةِ قُدِّمَ الْقِيَاسُ؛ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. وَأَجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ عَدَمَ جَوَازِ تَخْصِيصِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 ص - الْجُبَّائِيُّ: لَوْ خُصَّ بِهِ لَزِمَ تَقْدِيمُ الْأَضْعَفِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فِي أَمْرَيْنِ إِلَى آخِرِهِ، وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَبِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ إِبْطَالِ أَحَدِهِمَا. وَهَذَا إِعْمَالٌ لَهُمَا. وَبِإِلْزَامِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَالْمَفْهُومِ لَهُمَا. ص - وَاسْتَدَلَّ بِتَأْخِيرِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَتَصْوِيبِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَخَّرَ السُّنَّةَ عَنِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَمْنَعِ الْجَمْعَ. وَاسْتَدَلَّ أَنَّ دَلِيلَ الْقِيَاسِ هُوَ الْإِجْمَاعُ وَلَا إِجْمَاعَ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْعُمُومِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَةَ وَمَحَلَّ التَّخْصِيصِ يَرْجِعَانِ إِلَى النَّصِّ ; لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ» ، وَمَا سِوَاهُمَا، إِنْ تَرَجَّحَ الْخَاصُّ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ. وَهَذِهِ وَنَحْوُهَا قَطْعِيَّةٌ عِنْدَ الْقَاضِي لِمَا ثَبَتَ مِنَ الْقَطْعِ بِالْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ مِنَ الْأَمَارَاتِ. ظَنِّيَّةٌ عِنْدَ قَوْمٍ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْخَاصَّ بِهَا ظَنِّيٌّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لِكَوْنِ السُّنَّةِ أَضْعَفَ، وَعَدَمَ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْمَفْهُومِ لِكَوْنِ الْمَفْهُومِ أَضْعَفَ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ الْإِلْزَامُ مُشْتَرَكًا. ش - اسْتَدَلَّ الْجُبَّائِيُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ مُطْلَقًا بِقِصَّةِ مُعَاذٍ، فَإِنَّهُ أَخَّرَ الْقِيَاسَ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَصَوَّبَهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَلْزَمُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِمَا. أَجَابَ بِأَنَّ مُعَاذًا أَخَّرَ السُّنَّةَ عَنِ الْكِتَابِ وَصَوَّبَهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَكُونُ الْكِتَابُ مُتَقَدِّمًا عَلَى السُّنَّةِ، وَلَمْ يُمْنَعْ تَقْدِيمُ الْكِتَابِ عَلَى السُّنَّةِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ عُمُومِ الْكِتَابِ وَتَخْصِيصِهِ بِالسُّنَّةِ إِذَا كَانَتْ خَاصَّةً، فَكَذَا تَقْدِيمُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْقِيَاسِ لَا يُمْنَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ عُمُومِهِمَا وَتَخْصِيصِهِ بِالْقِيَاسِ إِذَا كَانَ خَاصًّا. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّ دَلِيلَ الْقِيَاسِ هُوَ الْإِجْمَاعُ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ إِذَا كَانَ الْقِيَاسُ مُخَالِفًا لِلْعُمُومِ ; لِأَنَّ الْوَاقِفِيَّةَ لَا يُجَوِّزُونَ الْقِيَاسَ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْعُمُومِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يَكُنْ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ ; لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِهِ حِينَئِذٍ يُوجِبُ تَرْكَ مُقْتَضَى الْعَامِّ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلِيلَ كُلِّ قِيَاسٍ هُوَ الْإِجْمَاعُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ نَصًّا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَةَ؛ أَيِ الْوَصْفَ الْمَوْجُودَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي نَصَّ عَلَى عِلِّيَّتِهِ فِي الْأَصْلِ، وَمَحَلَّ التَّخْصِيصِ؛ أَيِ الْأَصْلَ الَّذِي خُصَّ عَنِ الْعَامِّ بِنَصٍّ - يَرْجِعَانِ فِي النَّصِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ تَأْثِيرَ الْوَصْفِ (فِي الْفَرْعِ أَيْضًا بِالنَّصِّ، وَثُبُوتَ حُكْمٍ مَحَلَّ التَّخْصِيصِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْفَرْعِ أَيْضًا بِالنَّصِّ ; لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ) فِي الْأَصْلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ خُصُوصِيَّةَ الْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ مُلْغَاةٌ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ النَّصِّ وَبِقَوْلِهِ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» تَأْثِيرُ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ. وَكَذَا إِذَا خُصَّ مَحَلُّ التَّخْصِيصِ بِنَصٍّ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَحَلِّ التَّخْصِيصِ مَعْنًى وُجِدَ فِي غَيْرِهِ - كَانَ ذَلِكَ النَّصُّ الْمُخَصِّصُ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ» " يُوجِبُ تَخْصِيصَ الصُّورَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِمَحَلِّ التَّخْصِيصِ، وَمَا سِوَاهُمَا؛ أَيْ وَمَا سِوَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ وَمَحَلِّ التَّخْصِيصِ، إِنْ تَرَجَّحَ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ - وَجَبَ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ الظَّنِّ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ. وَهَذِهِ، أَيْ مَسْأَلَةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ وَنَحْوُهَا كَتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَطْعِيَّةٌ عِنْدَ الْقَاضِي لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ مِنَ الْأَمَارَاتِ قَطْعِيٌّ. ظَنِّيَّةٌ عِنْدَ قَوْمٍ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْخَاصَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَنِّيٌّ؛ أَيْ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَنِّيٌّ. [الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ] [تعريف الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ عَقَّبَهُمَا الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ ; لِأَنَّ الْمُطْلَقَ كَالْعَامِّ، وَالْمُقَيَّدَ كَالْخَاصِّ. وَعَرَّفَ الْمُطْلَقَ بِأَنَّهُ: " مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ ". فَقَوْلُهُ: " مَا " بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: اللَّفْظُ. وَقَوْلُهُ: " دَالٌّ " احْتِرَازٌ عَنِ الْمُهْمَلَاتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ. ص - الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ. الْمُطْلَقُ: مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ. فَيَخْرُجُ الْمَعَارِفُ، وَنَحْوُ: كُلُّ رَجُلٍ وَنَحْوُهُ ; لِاسْتِغْرَاقِهَا. وَالْمُقَيَّدُ بِخِلَافِهِ. (وَيُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ عَلَى مَا أُخْرِجَ مِنْ شَائِعٍ بِوَجْهٍ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. وَمَا ذُكِرَ فِي التَّخْصِيصِ مِنْ مُتَّفِقٍ وَمُخْتَلِفٍ وَمُخْتَارٍ وَمُزَيَّفٍ جَارٍ فِيهِ، وَيَزِيدُ) . ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، فَإِنِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا، مِثْلَ: اكْسُ وَأَطْعِمْ، فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِوَجْهٍ اتِّفَاقًا، وَمِثْلُ: إِنْ ظَاهَرْتَ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً، مَعَ لَا تَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً وَاضِحٌ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُمَا، فَإِنِ اتَّحَدَ مُوجِبُهُمَا مُثْبَتَيْنِ حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا الْعَكْسُ؛ بَيَانًا لَا نَسْخًا. وَقِيلَ: نَسْخٌ إِنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ. ص - لَنَا: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ; فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالْمُقَيَّدِ عَمَلٌ بِالْمُطْلَقِ. وَأَيْضًا: يَخْرُجُ بِيَقِينٍ. وَلَيْسَ بِنَسْخٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ نَسْخًا - لَكَانَ التَّخْصِيصُ (نَسْخًا) .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ: " شَائِعٌ " أَيْ لَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ صِدْقُهُ عَلَى كَثِيرِينَ - احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْمَعَارِفِ لِكَوْنِهَا مُتَعَيِّنَةً. وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَاهِيَّةُ. وَقَوْلُهُ: " فِي جِنْسِهِ " أَيْ لَهُ أَفْرَادٌ مُمَاثِلَةٌ، كُلُّ وَاحِدٍ بَعْدَ حَذْفِ مَا بِهِ صَارَ فَرْدًا - احْتَرَزَ بِهِ عَنِ النَّكِرَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، نَحْوَ: كُلُّ رَجُلٍ، وَنَحْوَهُ، وَهُوَ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِاسْتِغْرَاقِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَغْرِقَ لَا يَكُونُ لَهُ أَفْرَادٌ مُمَاثِلَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْدَ حَذْفِ مَا بِهِ صَارَ فَرْدًا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدَّ يَتَنَاوَلُ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَالنَّكِرَةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ; لِأَنَّهَا أَيْضًا لَفْظٌ دَالٌّ شَائِعٌ فِي جِنْسِهِ. وَالْمُقَيَّدُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَا دَلَّ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَمَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ لَكِنْ لَا فِي جِنْسِهِ. فَيَكُونُ الْعَامُّ مُقَيَّدًا بِهَذَا التَّعْرِيفِ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ عَلَى مَا أُخْرِجَ مِنْ شَائِعٍ، كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَيْ مَا دَلَّ عَلَى مَفْهُومِ الْمُطْلَقِ بِوَصْفٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: " رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ " غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ، وَمُقَيَّدٌ بِالتَّفْسِيرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي، لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مِنْ شَائِعٍ بِوَجْهٍ. وَكُلُّ مَا ذَكَرَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُخْتَارِ وَالْمُزَيِّفِ - جَارٍ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيَزِيدُ هَا هُنَا مَسْأَلَةً. وَهِيَ مَسْأَلَةُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. [مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ] ش - إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَلَفْظٌ مُقَيَّدٌ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُهُمَا، أَوْ لَا ; فَإِنِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَصْلًا بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ: اكْسُ ثَوْبًا مِنَ الثِّيَابِ الْمِصْرِيَّةِ وَأَطْعِمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقَيِّدُ الطَّعَامَ بِقَيْدِ الْمِصْرِيِّ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا، إِلَّا فِي صُورَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ إِنْ ظَاهَرْتَ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً، مَعَ قَوْلِهِ، لَا تَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالْكَافِرِ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَأْمُورِ بِهِ بِنَفْيِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْكَفْرِ ; لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْتَضِي الْمِلْكِيَّةَ، فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدِ الْمَأْمُورَ بِهِ بِنَفْيِ الْكُفْرِ لَامْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْمِهْنِيِّ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: " وَاضِحٌ "؛ أَيْ تَقْيِيدُ الرَّقَبَةِ الْمُطْلَقَةِ بِنَفْيِ الْكُفْرِ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُمَا؛ أَيْ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُمَا مُتَّحِدًا وَكَانَا مُثْبَتَيْنِ، مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الظِّهَارِ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً - فَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيَكُونُ الْمُقَيَّدُ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ لَا نَسْخًا لَهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْمُطْلَقُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَكُونُ الْمُقَيَّدُ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ إِنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ يَحْمِلُ الْمُقَيَّدَ عَلَى الْمُطْلَقِ. ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، لَا الْعَكْسُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُقَيَّدِ عَمَلٌ بِالْمُطْلَقِ وَزِيَادَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى. الثَّانِي - أَنَّ مَنْ عَمِلَ بِالْمُقَيَّدِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْمُقَيَّدِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْمُطْلَقِ فَقَدْ أَتَى بِالْمُطْلَقِ وَزِيَادَةٍ، فَيَلْزَمُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ. وَمَنْ عَمِلَ بِالْمُطْلَقِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ بِالْمُقَيَّدِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِتْيَانَ بِهِ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِيَقِينٍ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ، لَا يَكُونُ نَسْخًا لَهُ بَلْ بَيَانًا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا لَهُ، لَكَانَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ نَسْخًا لَهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّقْيِيدَ يَرْفَعُ الْإِطْلَاقَ، وَالتَّخْصِيصَ يَرْفَعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَأَيْضًا: لَكَانَ تَأَخُّرُ الْمُطْلَقِ نَسْخًا) . ص - (قَالُوا: لَوْ كَانَ تَقْيِيدًا لَوَجَبَ دَلَالَةُ رَقَبَةٍ عَلَى مُؤْمِنَةٍ مَجَازًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُمْ إِذَا تَقَدَّمَ الْمُقَيَّدُ، وَفِي التَّقْيِيدِ بِالسَّلَامَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَعْنَى رَقَبَةٌ مِنَ الرِّقَابِ فَيَرْجِعُ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّخْصِيصِ يُسَمَّى تَقْيِيدًا) . ص - فَإِنْ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ عُمِلَ بِهِمَا، مِثْلَ: لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا، لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا. ص - فَإِنِ اخْتَلَفَ مُوجِبُهُمَا، كَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، فَعَنِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. فَقِيلَ: بِجَامِعٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. فَيَصِيرُ كَالتَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَحَلِّ التَّخْصِيصِ. وَشَذَّ عَنْهُ بِغَيْرِ جَامِعٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْمِلُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعُمُومَ. فَإِذَا كَانَ الْمُقَيَّدُ نَاسِخًا لِلْمُطْلَقِ كَانَ الْخَاصُّ نَاسِخًا لِلْعَامِّ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَأَخُّرُ الْمُقَيَّدِ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ لَكَانَ تَأَخُّرُ الْمُطْلَقِ نَسْخًا لِلْمُقَيَّدِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ كَمَا أَنَّ تَأَخُّرَ الْمُقَيَّدِ يَرْفَعُ الْإِطْلَاقَ كَذَلِكَ تَأَخُّرُ الْمُطْلَقِ يَرْفَعُ التَّقْيِيدَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَأَخُّرَ الْمُقَيَّدِ عَنِ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ لَهُ لَا بَيَانٌ، احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الْمُطْلَقُ عَنِ الْمُقَيَّدِ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ لَا نَسْخًا لَهُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ رَقَبَةٍ عَلَى مُؤْمِنَةٍ مَجَازًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ لِخِلَافِ الْأَصْلِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمُقَيَّدَ لَوْ كَانَ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ لَكَانَ الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ هُوَ الْمُقَيَّدَ وَإِذَا أُطْلِقَ الْمُطْلَقُ وَأُرِيدَ الْمُقَيَّدُ كَانَ مَجَازًا. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا أَيْضًا لَازِمٌ عَلَيْكُمْ إِذَا تَقَدَّمَ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ، لِأَنَّكُمْ سَلَّمْتُمْ أَنَّ الْمُقَيَّدَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ، لَا نَسْخًا لَهُ. وَأَيْضًا: هَذَا لَازِمٌ عَلَيْكُمْ فِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ مُطْلَقَةٌ، فَدَلَالَتُهَا عَلَى الرَّقَبَةِ السَّلِيمَةِ مَجَازٌ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ جَدَلِيًّا أَشَارَ إِلَى مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ. قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَعْنَى رَقَبَةٌ مِنَ الرِّقَابِ، أَيْ رَقَبَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ " مُؤْمِنَةٍ " مَجَازًا ; لِأَنَّ دَلَالَةَ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ عَلَى أَيِّ مُعَيَّنٍ يُفْرَضُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ تَكُونُ حَقِيقَةً ; لِأَنَّ مُعَيَّنًا مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُعَيَّنَاتِ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً. قِيلَ فِي بَيَانِ التَّحْقِيقِ: إِنَّ قَوْلَ الشَّارِعِ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ مِنَ الرَّقَبَاتِ، إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى: أَعْتِقْ رَقَبَةً مِنَ الرَّقَبَاتِ، فَلَمَّا قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً بَيَّنَ بِهَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدَّرِ الْعَامِّ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْخَاصُّ، فَيَكُونُ الْمُقَدَّرُ هُوَ الرَّقَبَاتُ الْمُؤْمِنَةُ - فَيَرْجِعُ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّخْصِيصِ، فَيُسَمَّى تَقْيِيدًا. وَهَذَا أَوْفَقُ لِمَا فِي الْمَتْنِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِهِ: الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ، فَيُصَارُ إِلَيْهِ احْتِرَازًا عَمَّا هُوَ أَشَدُّ مَحْظُورًا مِنْهُ. ش - وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُوجِبُهُمَا مُتَّحِدًا وَكَانَا مَنْفِيَّيْنِ عُمِلَ بِهِمَا ; إِذْ لَا تَعَذُّرَ فِيهِ، مِثْلَ: لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا، لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا، فَيُعْمَلُ بِهِمَا بِأَنْ لَا تَعْتِقَ مُكَاتَبًا أَصْلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفِ الْحُكْمَانِ وَكَانَ مُوجِبُهُمَا مُخْتَلِفًا، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] . وَقَوْلِهِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . فَقَدِ اخْتَلَفُوا. فَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جَامِعٌ مُوجِبٌ لِلْإِلْحَاقِ حَتَّى يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِدَلِيلٍ، فَيَكُونُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَحَلِّ التَّخْصِيصِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ سَوَاءٌ وُجِدَ جَامِعٌ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، لَا تَعَدُّدَ فِيهِ. وَهَذَا الْأَخِيرُ مَرْدُودٌ، شَذَّ نَقْلُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيِّدِ أَصْلًا، لِأَنَّ الْحَمْلَ يُوجِبُ رَفْعَ الْإِطْلَاقِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ نَسْخٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يُنْسَخُ. أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّهُ نَسْخٌ، بَلْ هُوَ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ بِبَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ فَيَكُونُ بَيَانًا لَهُ، لَا نَسْخًا. [الْمُجْمَلُ] [حد المجمل] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ، وَالْكَلَامِ فِي حَدِّهِ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهِ. الْمُجْمَلُ لُغَةً هُوَ: الْمَجْمُوعُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَجْمَلَ الْحِسَابَ، إِذَا جَمَعَهُ وَرَفَعَ تَفَاصِيلَهُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ. وَإِنَّمَا قَالَ: " مَا " وَلَمْ يَقُلْ لَفْظٌ، لِيَتَنَاوَلَ الْفِعْلَ وَالْقَوْلَ ; لِأَنَّ الْإِجْمَالَ كَمَا يَكُونُ فِي اللَّفْظِ كَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْفِعْلِ. وَالدَّلَالَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَفْظِيَّةً أَوْ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ. وَدَلَالَةُ الْفِعْلِ عَقْلِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ: " وَلَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ ". احْتِرَازٌ عَنِ الْمُهْمَلِ؛ فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ أَصْلًا. وَعَنِ الْمُبَيَّنِ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مُتَّضِحَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 الْمُجْمَلُ ص - الْمُجْمَلُ: الْمَجْمُوعُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ. وَقِيلَ ; اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ. وَلَا يَطَّرِدُ لِلْمُهْمَلِ وَالْمُسْتَحِيلِ. وَلَا يَنْعَكِسُ ; لِجَوَازِ فَهْمِ أَحَدِ الْمَحَامِلِ، وَالْفِعْلِ الْمُجْمَلِ، كَالْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، لِاحْتِمَالِ الْجَوَازِ وَالسَّهْوِ. أَبُو الْحُسَيْنِ: مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْهُ. وَيَرِدُ الْمُشْتَرَكُ الْمُبَيَّنُ وَالْمَجَازُ الْمُرَادُ، بُيِّنَ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 وَقَدْ يَكُونُ فِي مُفْرَدٍ بِالْأَصَالَةِ أَوْ بِالْإِعْلَالِ، كَالْمُخْتَارِ. وَفِي مُرَكَّبٍ، مِثْلَ: أَوْ يَعْفُوَ، وَفِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ، وَفِي مَرْجِعِ الصِّفَةِ، كَطَبِيبٍ مَاهِرٍ، وَفِي تَعَدُّدِ الْمَجَازِ بَعْدَ مَنْعِ الْحَقِيقَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) وَ (أُمَّهَاتُكُمْ) . خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ. لَنَا: الْقَطْعُ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الْعُرْفَ: الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ. قَالُوا: مَا وَجَبَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يُضْمَرُ الْجَمِيعُ، وَالْبَعْضُ غَيْرُ مُتَّضِحٍ. وَأُجِيبُ مُتَّضِحٌ بِمَا تَقَدَّمَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) . لَنَا: إِنْ لَمْ يَثْبُتْ (فِي مِثْلِهِ) عُرْفٌ فِي بَعْضٍ كَمَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّيٍّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ: الْمُئَوَّلُ أَيْضًا ; فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لَيْسَتْ مُتَّضِحَةً. أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُئَوَّلَ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ مُتَّضِحَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ. وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ غَيْرٌ دَاخِلٍ تَحْتَ الْحَدِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَدَاخِلٌ تَحْتَهُ مِنَ الْوَجْهِ الْآخَرِ الَّذِي بِهِ كَانَ مُئَوَّلًا. وَهَذَا الرَّدُّ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْمُجْمَلَ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ أَصْلًا وَالْمُئَوَّلُ يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مُتَّضِحَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْحَدِّ. وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْمُجْمَلِ أَيْضًا إِنَّهُ: اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ. وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُهْمَلِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ. وَكَذَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ ; إِذْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ مَدْلُولَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ. وَهَذَا الْحَدُّ أَيْضًا غَيْرُ مُنْعَكِسٍ ; فَإِنَّ الْمُجْمَلَ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِجَوَازِ فَهْمِ أَحَدِ مَحَامِلِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَحَدُ الْمَحَامِلِ شَيْءٌ - فَيَصْدُقُ الْمَحْدُودُ دُونَ الْحَدِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا الْفِعْلُ الْمُجْمَلُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَدِّ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ، مَعَ أَنَّهُ مُجْمَلٌ، كَقِيَامِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ لِلتَّشَهُّدِ؛ فَإِنَّهُ فِعْلٌ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ عَنْ تَعَمُّدٍ فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْجَلْسَةِ لِلتَّشَهُّدِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ عَنْ سَهْوٍ، وَحِينَئِذٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْجَلْسَةِ لِلتَّشَهُّدِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَعْرِيفِهِ: إِنَّ الْمُجْمَلَ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْهُ، أَيْ مِنْ نَفْسِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْمُجْمَلِ الْمُبَيَّنِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ بِالْبَيَانِ، لَا مِنْ نَفْسِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَى طَرْدِ هَذَا التَّعْرِيفِ الْمُشْتَرَكَ الْمُبَيَّنَ، كَعَيْنٍ جَارِيَةٍ ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ. وَهَذَا غَيْرُ وَارِدٍ ; إِذِ الْمُشْتَرَكُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْبَيَانِ، لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُجْمَلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَمَعَ الْتِفَاتِ النَّظَرِ إِلَى الْبَيَانِ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا بِاعْتِبَارٍ، غَيْرَ مُجْمَلٍ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ. وَأَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى طَرْدِهِ الْمَجَازَ الْمُرَادَ، بُيِّنَ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ. وَقَيَّدَ الْمُشْتَرَكَ بِالْمُبَيَّنِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُبَيَّنْ يَكُونُ مُجْمَلًا، بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُجْمَلًا سَوَاءٌ بُيِّنَ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ. قِيلَ: هَذَا أَيْضًا غَيْرُ وَارِدٍ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَكُنْ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُجْمَلٌ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ مَجَازٌ. وَالْإِجْمَالُ قَدْ يَكُونُ فِي مُفْرَدٍ، إِمَّا بِالْأَصَالَةِ، كَالْقُرْءِ، أَوْ بِإِعْلَالٍ، كَالْمُخْتَارِ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا، وَهَذَا الْإِجْمَالُ إِنَّمَا عَرَضَ فِيهِ بِوَاسِطَةِ قَلْبِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَوِ الْمَفْتُوحَةِ أَلْفًا. وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي مُرَكَّبٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] ". لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ هُوَ الزَّوْجُ أَوِ الْوَلِيُّ، وَالْمَوْصُولُ مَعَ الصِّلَةِ مُرَكَّبٌ. وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ، وَذَلِكَ إِذَا تَعَدَّدَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجُوعًا إِلَيْهِ، وَلَمْ يُرَجَّحِ الْعَوْدُ إِلَى وَاحِدٍ؛ نَحْوَ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَأَكْرَمَنِي؛ فَإِنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي هُوَ فَاعِلُ أَكْرَمَنِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُرْجَعَ إِلَى زَيْدٍ وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى عَمْرٍو. وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي مَرْجِعِ الصِّفَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: زَيْدٌ طَبِيبٌ مَاهِرٌ؛ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَاهِرٌ صِفَةً لِلطَّبِيبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِصِفَةٍ أُخْرَى. وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي تَعَدُّدِ الْمَجَازِ بَعْدَ مَنْعِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ إِذَا كَانَتِ الْمَجَازَاتُ مُتَكَافِئَةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ "] ش - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِي إِضَافَةِ التَّحْرِيمِ إِلَى الْأَعْيَانِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] . خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَطْعَ حَاصِلٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إِلَى الْأَعْيَانِ الْمُرَادُ مِنْهُ عُرْفًا: تَحْرِيمُ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ؛ مَثَلًا: الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَيْتَةِ: الْأَكْلُ. فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إِلَى الْمَيْتَةِ هُوَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ. وَالْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنَ النِّسَاءِ هُوَ النِّكَاحُ، فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إِلَى الْأُمَّهَاتِ هُوَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ. الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَالِ قَالُوا: إِنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إِلَى الْأَعْيَانِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ إِضْمَارٌ ; لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ الْمَقْدُورَةِ. وَالْأَعْيَانُ لَيْسَتْ بِمَقْدُورَةٍ، فَإِذَا وَجَبَ أَنْ يُضْمَرَ شَيْءٌ بِالضَّرُورَةِ، لِئَلَّا يَلْزَمَ إِهْمَالُ الْخِطَابِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُقَدَّرُ الْمُضْمَرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ، فَلَا يُضْمَرُ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِإِضْمَارِ الْبَعْضِ، فَتَعَّيَنَ إِضْمَارُ الْبَعْضِ، وَالْبَعْضُ غَيْرُ مُتَّضِحٍ ; لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ إِضْمَارِ الْبَعْضِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَتَحَقَّقُ الْإِجْمَالُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْبَعْضَ مُتَّضِحٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي فِي مِثْلِهِ تَحْرِيمَ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ. [مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ "] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] هَلْ هُوَ مُجْمَلٌ أَمْ لَا؟ . فَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ وُجُوبِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَبَعْضِهِ لِإِطْلَاقِ الرَّأْسِ عَلَى الْكُلِّ وَالْبَعْضِ، وَالْمُبَيِّنُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَلٍ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لِمُطْلَقِ مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْبَعْضِ أَوْ لِلْكُلِّ، وَيَحْصُلُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 (وَإِنْ ثَبَتَ كَالشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ، فَلَا إِجْمَالَ) . قَالُوا: الْعُرْفُ فِي نَحْوِ مَسَحْتُ بِالْمِنْدِيلِ: الْبَعْضُ. قُلْنَا: لِأَنَّهُ آلَةٌ. بِخِلَافِ مَسَحْتُ بِوَجْهِي. وَأَمَّا الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ، فَأَضْعَفُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ (قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:) " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ". خِلَافًا لَأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْبَصْرِيِّ. لَنَا: الْعُرْفُ فِي مِثْلِهِ قَبْلَ الشَّرْعِ: الْمُؤَاخَذَةُ وَالْعِقَابُ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ أَيَّ بَعْضٍ كَانَ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّيٍّ أَنَّهُ لِلْكُلِّ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُرْفٌ فِي ظُهُورِ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضٍ أَيَّ بَعْضٍ كَانَ (بَلْ بَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّيٍّ، كَانَ مُقْتَضَاهُ مَسْحَ الْكُلِّ - فَلَا إِجْمَالَ. وَإِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ فِي ظُهُورِ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضٍ أَيَّ بَعْضٍ كَانَ) . كَانَ مُقْتَضَاهُ التَّبْعِيضَ فَيَحْصُلُ بِمَسْحِ أَيِّ بَعْضٍ، فَلَا إِجْمَالَ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ بَيْنَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ (لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لِمُطْلَقِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَيَحْصُلُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَآلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا إِلَى وُجُوبِ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ لَمْ يُفَصِّلِ الْمُصَنِّفُ، وَذَكَرَ مُطْلَقًا أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وُجُوبُ مَسْحِ الْبَعْضِ. احْتَجَّ الْقَائِلُ بِالتَّبْعِيضِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِ: مَسَحْتُ بِالْمَنْدِيلِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَسْحَ بَعْضِ الْمَنْدِيلِ، لَا كُلِّهِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعُرْفَ إِنَّمَا يَقْتَضِي مَسْحَ الْبَعْضِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَسْحُ لِلْآلَةِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْآلَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِبَعْضِهَا. بِخِلَافِ مَسَحْتُ بِوَجْهِي، فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي فِيهِ مَسْحَ بَعْضِ الْوَجْهِ. الثَّانِي - أَنَّ الْبَاءَ إِذَا وَلِيَتْ فِعْلًا مُتَعَدِّيًا أَفَادَتِ التَّبْعِيضَ فِي الْمَجْرُورِ بِهَا لُغَةً. أَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِكَوْنِ الْبَاءِ لِلتَّبْعِيضِ أَضْعَفُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ. [مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ "] ش - لَمَّا كَانَ الرَّفْعُ الْمُضَافُ إِلَى الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» " لَا يُوجِبُ رَفْعَ ذَاتِهِمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارٍ، اخْتَلَفُوا فِي إِجْمَالِهِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ. وَذَهَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ عُرْفَ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ قَبْلَ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ جَرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: رَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ ; لِأَنَّ رَفْعَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ سَمَاعِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَحِينَئِذٍ لَا إِجْمَالَ فِيهِ. قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ أَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَارْتَفَعَ الضَّمَانُ أَيْضًا ; لِكَوْنِهِ مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وَلَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ إِمَّا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِقَابٍ، أَوْ تَخْصِيصًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ فَلَا إِجْمَالَ. قَالُوا، وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَيْتَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: " «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ» ". خِلَافًا لِلْقَاضِي. لَنَا: إِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ فِي الصَّحِيحِ فَلَا إِجْمَالَ، وَإِلَّا   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ. أَجَابَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِقَابًا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعِقَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ مِنَ الْمَضَارِّ، وَالضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ. الثَّانِي - أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ عِقَابٌ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَخْصِيصًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ كُلِّ عِقَابٍ، وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنَ الْإِجْمَالِ. الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ مُجْمَلًا احْتَجُّوا بِمَا سَبَقَ فِي مِثْلِ " {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ". وَتَقْرِيرُهَا هَا هُنَا أَنَّهُ إِذِ امْتَنَعَ رَفْعُ ذَاتِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عَنْهُمْ وَجَبَ أَنْ يُقَدَّرَ شَيْءٌ بِالضَّرُورَةِ، وَيَجُوزُ إِضْمَارُ جَمِيعِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَدَّرَ ; لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِإِضْمَارِ الْبَعْضِ، وَإِضْمَارُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ دُونَ بَعْضٍ، تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ. وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ أَوْلَوِيَّةِ إِضْمَارِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي إِضْمَارَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ، فَيَكُونُ إِضْمَارُهَا أَوْلَى. [مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ "] ش - لَمَّا كَانَ النَّفْيُ الْوَارِدُ عَلَى مَا لَهُ وُجُودٌ حِسًّا، مِثْلَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 فَالْعُرْفُ فِي مِثْلِهِ (نَفْيُ) الْفَائِدَةِ، مِثْلَ: لَا عِلْمَ إِلَّا مَا نَفَعَ، فَلَا إِجْمَالَ. وَلَوْ قُدِّرَ انْتِفَاؤُهُمَا فَالْأَوْلَى نَفْيُ الصِّحَّةِ ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ. فَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَذِّرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ. قُلْنَا: إِثْبَاتُ الْمَجَازِ بِالْعُرْفِ فِي مِثْلِهِ (وَهُوَ جَائِزٌ) . قَالُوا: الْعُرْفُ شَرْعًا مُخْتَلِفٌ فِي الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ. قُلْنَا: مُخْتَلِفٌ لِلِاخْتِلَافِ. وَإِنْ سُلِّمَ، فَلَا اسْتِوَاءَ لِتَرَجُّحِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . لَنَا: أَنَّ الْيَدَ إِلَى الْمَنْكِبِ حَقِيقَةً؛ لِصِحَّةِ بَعْضِ الْيَدِ لِمَا دُونَهُ، وَالْقَطْعُ: إِبَانَةُ الْمُتَّصِلِ؛ فَلَا إِجْمَالَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ» " لَا يَبْقَى ذَلِكَ حَقِيقَةً، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْدِيرِ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ النَّفْيُ بِهِ - اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُجْمَلًا: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ. وَذَهَبَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ لِتَعَدُّدِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَدَّرَ لِتَعَلُّقِ النَّفْيِ بِهِ، وَامْتِنَاعِ تَقْدِيرِ الْكُلِّ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْبَعْضِ، وَامْتِنَاعِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ بِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ فِي الصَّحِيحِ، فَلَا إِجْمَالَ، أَيْ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ مِنْ نَفْيِ الصَّلَاةِ إِلَى نَفْيِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ فَلَا إِجْمَالَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ - فَالْعُرْفُ اللُّغَوِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ يَقْتَضِي إِضْمَارَ الْفَائِدَةِ، أَيْ لَا فَائِدَةَ لِصَلَاةٍ إِلَّا بِطَهُورٍ، مِثْلَ: لَا عِلْمَ إِلَّا مَا نَفَعَ؛ أَيْ لَا فَائِدَةَ لِعِلْمٍ إِلَّا مَا نَفَعَ، فَلَا إِجْمَالَ أَيْضًا. فَلَوْ فُرِضَ انْتِفَاءُ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَنَفْيُ الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى صِحَّةُ الشَّيْءِ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ. بِخِلَافِ مَا إِذَا انْتَفَى الْفَضِيلَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ كَالْعَدَمِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْفَضِيلَةِ، فَكَانَ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَذِّرَةِ الَّتِي هِيَ نَفْيُ الْوُجُودِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الِاسْتِدْلَالُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ ; وَإِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. أُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ إِثْبَاتٌ لِأَوْلَوِيَّةِ أَحَدِ الْمَجَازَاتِ (بَعْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ بِالْعُرْفِ؛ وَإِثْبَاتُ أَحَدِ الْمَجَازَاتِ) بِالْعُرْفِ جَائِزٌ. قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ جَوَابُهُ بِإِثْبَاتِ الْمَجَازِ بِالْعُرْفِ، وَالتَّقْدِيرُ انْتِفَاءُ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ؟ . أُجِيبُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْعُرْفِ عُرْفَ الْأُصُولِيِّينَ؛ فَلَا مُنَافَاةَ. قِيلَ: إِنَّ التَّأَمُّلَ يَأْبَى هَذَا الْجَوَابَ، لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ لَا يَرِدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحٌ حَدَثَ بَعْدَ ظُهُورِ الشَّرْعِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِهِ: إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، وَانْتِفَاؤُهُمَا لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ عُرْفِ الْمَجَازِ. احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَالِ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ مُخْتَلِفٌ فِي الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ ; لِأَنَّهُ يَرِدُ هَذَا التَّرْكِيبُ فِي الشَّرْعِ تَارَةً لِنَفْيِ الصِّحَّةِ، وَأُخْرَى لِنَفْيِ الْكَمَالِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ عُرْفُ الشَّرْعِ فِيهِمَا كَانَ مُجْمَلًا. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُرُودَهُ فِي الشَّرْعِ مُخْتَلِفٌ، بَلِ الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا حَصَلَ مِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ ; فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ الصِّحَّةَ، وَبَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ الْكَمَالَ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ وُرُودَهُ فِي الشَّرْعِ مُخْتَلِفٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اخْتِلَافَ عُرْفِ الشَّرْعِ يُوجِبُ الْإِجْمَالَ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَ عُرْفِ الشَّرْعِ إِنَّمَا يُوجِبُ الْإِجْمَالَ أَنْ لَوْ تَسَاوَى عُرْفُ الشَّرْعِ فِيهِمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ رَاجِحٌ بِمَا ذَكَرْنَا؛ فَلَا إِجْمَالَ. [مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ "] ش - لَا إِجْمَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مِنْ جِهَةِ الْيَدِ وَالْقَطْعِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ أَنَّ الْيَدَ لِمَجْمُوعِ الْعُضْوِ مِنَ الْأَنَامِلِ إِلَى الْمَنْكِبِ حَقِيقَةً ; لِصِحَّةِ قَوْلِنَا بَعْضُ الْيَدِ عَلَى مَا دُونَ الْمَنْكِبِ، وَامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشَّيْءِ نَفْسَهُ. وَالْقَطْعُ حَقِيقَةً فِي إِبَانَةِ الْمُتَّصِلِ؛ فَلَا إِجْمَالَ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الْكُوعِ وَالْمِرْفَقِ وَالْمَنْكِبِ لَزِمَ الْإِجْمَالُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَ الْمَجَازُ. وَاسْتَدَلَّ: يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ وَالتَّوَاطُؤَ. وَحَقِيقَةُ أَحَدِهِمَا وَوُقُوعُ وَاحِدٍ مِنَ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ. وَأُجِيبُ: (بِأَنَّهُ) إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ. وَبِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُجْمَلًا أَبَدًا. قَالُوا: تُطْلَقُ الْيَدُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَالْقَطْعُ عَلَى الْإِبَانَةِ وَعَلَى الْجُرْحِ؛ فَثَبَتَ الْإِجْمَالُ. قُلْنَا: لَا إِجْمَالَ مَعَ الظُّهُورِ. ص - مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ مُجْمَلٌ. لَنَا: أَنَّهُ مَعْنَاهُ. قَالُوا: يَظْهَرُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ لِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ. قُلْنَا: إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ. وَلَوْ سُلِّمَ عُورِضَ بِأَنَّ الْحَقَائِقَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ أَكْثَرُ، فَكَانَ أَظْهَرَ. قَالُوا: يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَةَ كَالسَّارِقِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) مَا لَهُ مَحْمَلٌ لُغَوَيٌّ وَمَحْمَلٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، مِثْلَ: " «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» " - لَيْسَ بِمُجْمَلٍ. لَنَا: عَرَّفَ الشَّارِعُ تَعْرِيفَ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يُبْعَثْ لِتَعْرِيفِ اللُّغَةِ. قَالُوا: يَصْلُحُ لَهُمَا وَلَمْ يَتَّضِحْ. قُلْنَا: مُتَّضِحٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِيمَا لَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٌّ وَمُسَمًّى شَرْعِيٌّ. وَثَالِثُهَا، لِلْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِثْبَاتِ شَرْعِيٌّ وَفِي النَّهْيِ مُجْمَلٌ، وَرَابِعُهَا فِي النَّهْيِ لُغَوِيٌّ، وَالْإِثْبَاتُ شَرْعِيٌّ مِثْلَ:   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مُجْمَلَةً لَوْ كَانَ الْيَدُ مُشْتَرَكًا فِي الْكُوعِ وَالْمِرْفَقِ وَالْمَنْكِبِ، وَالِاشْتِرَاكُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا لَكَانَ مَجَازًا، وَالْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِرَاكِ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْيَدَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُجْمَلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاطِئًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا، مَجَازًا فِي الْبَاقِينَ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ ظَاهِرًا لَا إِجْمَالَ فِيهِ. وَلَا شَكَّ أَنْ وُقُوعَ وَاحِدٍ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ، فَكَوْنُهُ غَيْرَ مُجْمَلٍ أَقْرَبُ مِنْ كَوْنِهِ مُجْمَلًا. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَّرْتُمْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُجْمَلٌ أَبَدًا لِعَيْنِ مَا ذَكَرْتُمْ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يَتَمَشَّى فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ، بَلْ إِنَّمَا يَتَمَشَّى فِي اللَّفْظِ الَّذِي أُطْلِقَ عَلَى مَعَانٍ، وَاخْتُلِفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي الْبَعْضِ أَوْ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَالِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْيَدَ يُطْلَقُ عَلَى الثَّلَاثِ، أَيِ الْعُضْوِ إِلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبَانَةِ وَعَلَى الْجُرْحِ، وَلَا تَرْجِيحَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الْآخَرِ؛ فَيَحْصُلُ الْإِجْمَالُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْيَدَ وَالْقَطْعَ وَإِنْ كَانَا يُطْلَقَانِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ لَا إِجْمَالَ فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا ظَاهِرَيْنِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَعَانِي، لِأَنَّ الْيَدَ ظَاهِرَةٌ فِي الْكُلِّ، وَالْقَطْعَ فِي الْإِبَانَةِ، وَلَا إِجْمَالَ مَعَ الظُّهُورِ. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ مُجْمَلٌ] ش - إِذَا كَانَ اللَّفْظُ اسْتُعْمِلَ تَارَةً فِيمَا يُفِيدُ مَعْنًى وَأُخْرَى فِيمَا يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ظُهُورٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَدِهِمَا - فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُجْمَلٌ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ظُهُورٌ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخَرِ لَمْ يَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مُجْمَلًا ; إِذْ لَا مَعْنَى لِلْمُجْمَلِ إِلَّا ذَلِكَ؛ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُ (مِنْ حَمْلِهِ) عَلَى مَا يُفِيدُ مَعْنًى وَاحِدًا ; لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ مُوجِبٌ لِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً أَظْهَرُ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ ; لِأَنَّهُ أَثْبَتَ ظُهُورَهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ فَائِدَةً؛ وَإِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بَاطِلٌ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَيْسَ إِثْبَاتَ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَكْثَرُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعْنَيَيْنِ، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ أَظْهَرُ. الثَّانِي - أَنَّ اللَّفْظَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاطِئًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، كَآيَةِ السَّرِقَةِ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مُجْمَلًا. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا يَكُونُ مُجْمَلًا وَوُقُوعُ وَاحِدٍ مِنَ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، فَعَدَمُ الْإِجْمَالِ أَقْرَبُ مِنَ الْإِجْمَالِ. وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُجْمَلٌ أَبَدًا. [مَسْأَلَةٌ: مَا لَهُ مَحْمَلٌ لُغَوَيٌّ وَمَحْمَلٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ] ش - إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مِنَ الشَّارِعِ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنًى لُغَوِيٍّ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِثْلَ: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِافْتِقَارَ إِلَى الطَّهَارَةِ، إِذْ هِيَ كَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ حُكْمًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَلَاةٌ لُغَةً لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدُّعَاءِ. فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ طَائِفَةً إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَّالِيِّ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ تَعْرِيفُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبْعَثْ لِتَعْرِيفِ اللُّغَةِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ; لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا. الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ مُجْمَلًا قَالُوا: إِنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَلَمْ يَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مُجْمَلًا. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِيمَا لَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٌّ وَمُسَمًّى شَرْعِيٌّ] ش - إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ فِي الشَّرْعِ لَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٌّ وَمُسَمًّى شَرْعِيٌّ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ أَحَدِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ مُجْمَلٌ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهُمَا - وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَّالِيِّ - أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ - يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا. وَإِذَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 " إِنِّي إِذًا لَصَائِمٌ ". لَنَا: (أَنَّ) عُرْفَهُ يَقْضِي بِظُهُورِهِ فِيهِ. الْإِجْمَالُ: يَصْلُحُ لَهُمَا. الْغَزَّالِيُّ: فِي النَّهْيِ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ لِلُزُومِ صِحَّتِهِ. وَأُجِيبُ: لَيْسَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ: الصَّحِيحَ، وَإِلَّا لَزِمَ فِي " دَعِي الصَّلَاةَ " الْإِجْمَالُ. الرَّابِعُ: فِي النَّهْيِ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ لِلُزُومِ صِحَّتِهِ، كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْخَمْرِ. وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَبِأَنَّ " دَعِي الصَّلَاةَ " لِلُغَوِيٍّ: وَهُوَ بَاطِلٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَكُونُ مُجْمَلًا. وَرَابِعُهَا - أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ، وَإِذَا وَرَدَ فِي جَانِبِ النَّهْيِ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ يَحْمِلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ فِي النَّهْيِ، وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ يَحْمِلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ إِذَا كَانَ فِي جَانِبِ النَّفْيِ. مِثَالُ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ حِينَ سَأَلَهَا: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ ; فَقَالَتْ: لَا. فَقَالَ: إِنِّي إِذًا صَائِمٌ» . مِثَالُ ذَلِكَ فِي جَانِبِ النَّهْيِ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ النَّحْرِ» . وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ يَقْضِي بِظُهُورِ اللَّفْظِ فِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، كَمَا تَقَدَّمَ؛ فَلَا إِجْمَالَ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُ بِالْإِجْمَالِ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لَهُمَا، وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَمْ يَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مُجْمَلًا. وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَفْهُومِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الشَّرْعِيِّ. احْتَجَّ الْغَزَّالِيُّ بِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ فِي النَّهْيِ، مِثْلَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ النَّحْرِ» - تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّتُهُ ; لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ هُوَ الصَّحِيحُ. فَيَكُونُ مُجْمَلًا. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ: الصَّحِيحَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ هُوَ الصَّحِيحَ يَلْزَمُ الْإِجْمَالُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكَ» ". وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ حَمْلُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَإِذَا امْتَنَعَ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْعِيَّةِ يَكُونُ مُجْمَلًا، الْقَائِلُ بِالْمَذْهَبِ الرَّابِعِ احْتَجَّ بِأَنَّهُ فِي النَّهْيِ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ، لِلُزُومِ صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْخَمْرِ، أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الشَّرْعِيِّ، لَزِمَ صِحَّةُ بَيْعِهِمَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى اللُّغَوِيِّ أَوْلَى مِنَ الْإِجْمَالِ. أَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحَ. وَبِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَلْزَمُ أَنْ تُحْمَلَ الصَّلَاةُ فِي قَوْلِهِ: " دَعِي الصَّلَاةَ " عَلَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ الدُّعَاءُ فِي الْحَيْضِ. [الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ] [تعريف الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَبَاحِثِ الْمُجْمَلِ شَرَعَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ. الْبَيَانُ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ. أَحَدُهُمَا - فِعْلُ الْمُبَيِّنِ، أَعْنِي التَّبَيُّنَ، وَهُوَ رَفْعُ الْإِبْهَامِ. الثَّانِي - الدَّلِيلُ وَهُوَ مَا بِهِ يَحْصُلُ التَّبْيِينُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ ص - الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ. يُطْلَقُ الْبَيَانُ عَلَى فِعْلِ الْمُبَيِّنِ، وَعَلَى الدَّلِيلِ، وَعَلَى الْمَدْلُولِ، فَلِذَلِكَ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْوُضُوحِ. وَأَوْرَدَ الْبَيَانَ ابْتِدَاءً، وَالتَّجَوُّزَ بِالْحَيِّزِ، وَتَكْرِيرَ الْوُضُوحِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ: الدَّلِيلُ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّ: الْعِلْمُ عَنِ الدَّلِيلِ. وَالْمُبَيَّنُ: نَقِيضُ الْمُجْمَلِ. وَ (قَدْ) يَكُونُ فِي مُفْرَدٍ، وَفِي مُرَكَّبٍ وَفِي فِعْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ إِجْمَالٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ: الْفِعْلُ يَكُونُ بَيَانًا. لَنَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَّنَ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ بِالْفِعْلِ. وَقَوْلُهُ: " خُذُوا عَنِّي " وَ " صَلُّوا كَمَا " يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَدَلُّ؛ إِذْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّالِثُ - الْمَدْلُولُ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ وَالْحَاصِلُ الَّذِي يَتْبَعُ التَّبْيِينَ. وَلِأَجْلِ إِطْلَاقِ الْبَيَانِ عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِهِ. فَالصَّيْرَفِيُّ اخْتَارَ الْأَوَّلَ وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْوُضُوحِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُزَيَّفٌ. أَمَّا أَوَّلًا - فَلِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ ; إِذْ بِهِ يَخْرُجُ عَنْهُ الْبَيَانَاتُ ابْتِدَاءً. وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِجْمَالٍ وَإِشْكَالٍ، وَهُوَ بَيَانٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا ثَانِيًا - فَلِاشْتِمَالِ الْحَدِّ عَلَى الْمَجَازِ، لِقَوْلِهِ: " مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ الْوُضُوحِ ". وَالْحَيِّزُ لِلْجَوَاهِرِ حَقِيقَةً لَا لِلْأَعْرَاضِ. وَأَمَّا ثَالِثًا - فَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّجَلِّيَ وَالْوُضُوحَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ الْبَيَانَ هُوَ الدَّلِيلُ. وَاخْتَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، الثَّالِثَ، وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَنِ الدَّلِيلِ. ثُمَّ عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ الْمُبَيَّنَ بِأَنَّهُ نَقِيضُ الْمُجْمَلِ، وَهُوَ مَا يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْخِطَابُ الَّذِي وَرَدَ مُبَيَّنًا ابْتِدَاءً. ثُمَّ الْمُبَيَّنُ إِمَّا قَوْلٌ مُفْرَدٌ، أَوْ مُرَكَّبٌ، وَإِمَّا فِعْلٌ سَبَقَ إِجْمَالُهُ أَوْ لَمْ يَسْبِقْ. [مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ: الْفِعْلُ يَكُونُ بَيَانًا] ش - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ خِلَافًا لِشُذُوذٍ. لَنَا: أَنَّ الْبَيَانَ بِالْفِعْلِ وَاقِعٌ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْبَيَانَ بِالْفِعْلِ وَاقِعٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ مُجْمَلٌ، وَبَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْفِعْلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "، وَ " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ". أُجِيبُ بِأَنَّ قَوْلَهُ " خُذُوا " وَقَوْلَهُ " صَلُّوا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ بَيَانٌ، لَا أَنَّهُ بَيَانٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى تَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ. وَأَيْضًا مُشَاهَدَةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ أَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ تَفَاصِيلِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 قَالُوا: يَطُولُ فَيَتَأَخَّرُ الْبَيَانُ. قُلْنَا: وَقَدْ يَطُولُ بِالْقَوْلِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَمَا تَأَخَّرَ لِلشُّرُوعِ فِيهِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَلِسُلُوكِ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَمَا تَأَخَّرَ عَنْ (وَقْتِ) الْحَاجَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْمُجْمَلِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، فَإِنِ اتَّفَقَا وَعُرِفَ الْمُتَقَدِّمُ فَهُوَ الْبَيَانُ. وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ. وَإِنْ جُهِلَ فَأَحَدُهُمَا. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ غَيْرُ الْأَرْجَحِ لِلتَّقْدِيمِ، لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ لَا يَكُونُ تَأْكِيدًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُسْتَقِلَّ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا، كَمَا لَوْ طَافَ بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ طَوَافَيْنِ وَأَمَرَ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ - فَالْمُخْتَارُ: الْقَوْلُ. وَفِعْلُهُ نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ، مُتَقَدِّمَا أَوْ مُتَأَخِّرًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى. أَبُو الْحُسَيْنِ: الْمُتَقَدِّمُ بَيَانٌ. وَيَلْزَمُهُ نَسْخُ الْفِعْلِ مُتَقَدِّمًا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ أَنَّ الْبَيَانَ أَقْوَى. وَالْكَرْخِيُّ: يَلْزَمُ الْمُسَاوَاةُ. أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجُوزُ الْأَدْنَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنَ الْإِخْبَارِ ; إِذْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ. وَإِذْ جَازَ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ فَبَيَانُهُ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أَدَلُّ أَوْلَى، الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيَانِ بِالْفِعْلِ (قَالُوا) قَدْ يَطُولُ زَمَانُهُ، فَيَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. أَجَابَ بِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ الْبَيَانَ ; لِأَنَّ الْبَيَانَ بِالْقَوْلِ قَدْ يَطُولُ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيَانَ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْبَيَانَ بِالْقَوْلِ لَا يَطُولُ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ تَأَخُّرَ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ مَا تَأَخَّرَ الْبَيَانُ لِحُصُولِ الشُّرُوعِ فِيهِ عُقَيْبَ وُرُودِ الْإِجْمَالِ. وَلَوْ سُلِّمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ لَكِنَّ التَّأَخُّرَ لِسُلُوكِ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ (الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ، وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ) لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ مُطْلَقًا غَيْرُ جَائِزٍ، بَلْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْمُجْمَلِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ] ش - إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْمُجْمَلِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِذَلِكَ الْمُجْمَلِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْبَيَانِ أَوْ يَخْتَلِفَا، فَإِنِ اتَّفَقَا فَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْمُتَقَدِّمُ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ، وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ. وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ الْمُتَقَدِّمُ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْبَيَانُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَالْآخَرُ تَأْكِيدٌ لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: إِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَحَدُهُمَا بَيَانٌ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَالْآخَرُ تَأْكِيدٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَالرُّجُوحُ يَتَعَيَّنُ لِلتَّقْدِيمِ فَيَكُونُ بَيَانًا، وَالرَّاجِحُ تَأْكِيدًا لَهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمِ الْمَرْجُوحُ لَمْ يَكُنْ لِوُرُودِهِ فَائِدَةٌ ; لِأَنَّ وُرُودَهُ إِمَّا لِلْبَيَانِ أَوْ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْبَيَانَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ، فَلَا يَكُونُ الثَّانِي مُفِيدًا لَهُ ; لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ لَا يَكُونُ تَأْكِيدًا لِلرَّاجِحِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَرْجُوحَ مُطْلَقًا لَا يَكُونُ تَأْكِيدًا بَلِ الْمَرْجُوحُ الْمُسْتَقِلُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا. فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقِ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ فِي الْبَيَانِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ أَمَرَ فِي الْقِرَانِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ طَافَ قَارِنًا طَوَافَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَوْلَ هُوَ الْبَيَانُ، تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَيُحْمَلُ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ مُخْتَصٌّ بِهِ، لِأَنَّا إِنْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ بَيَانًا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى. وَلَوْ جَعَلْنَا الْفِعْلَ بَيَانًا لَزِمَ إِهْمَالُ الْقَوْلِ. وَذَهَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنَ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ بَيَانٌ. فَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْفِعْلَ كَانَ الطَّوَافُ الثَّانِي وَاجِبًا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْقَوْلُ لَمْ يَكُنِ الطَّوَافُ الثَّانِي وَاجِبًا. وَيُلْزِمُ مَذْهَبُ أَبِي الْحُسَيْنِ نَسْخَ الْفِعْلِ إِذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا، لِوُجُوبِ الطَّوَافَيْنِ وَرَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْقَوْلِ الْمُتَأَخِّرِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْبَيَانَ أَقْوَى] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْبَيَانَ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ مِنَ الْمُبَيَّنِ أَمْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنَ الْمُبَيَّنِ فِي الدَّلَالَةِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَلْزَمُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ فِي الدَّلَالَةِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ أَدَقَّ مِنَ الْمُبَيَّنِ فِي الدَّلَالَةِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيَانُ مَرْجُوحًا فِي الدَّلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُبَيَّنِ لَزِمَ إِلْغَاءُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ فِي الْعَامِّ إِذَا خُصِّصَ، وَفِي الْمُطْلَقِ إِذَا قُيِّدَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامٌّ أَوْ مُطْلَقٌ، ثُمَّ وَرَدَ عَلَيْهِ مُخَصَّصٌ أَوْ مُقَيَّدٌ، وَكَانَ الْعَامُّ أَقْوَى دَلَالَةً مِنَ الْخَاصِّ، وَالْمُطْلَقِ مِنَ الْمُقَيَّدِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 لَنَا: لَوْ كَانَ مَرْجُوحًا أُلْغِيَ الْأَقْوَى فِي الْعَامِّ إِذَا خُصِّصَ، وَفِي الْمُطْلَقِ إِذَا قُيِّدَ. وَفِي التَّسَاوِي التَّحَكُّمُ. ص - مَسْأَلَةٌ: تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ إِلَّا عِنْدَ مُجَوِّزِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ. وَإِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ يَجُوزُ. وَالصَّيْرَفِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ: مُمْتَنِعٌ. وَالْكَرْخِيُّ: مُمْتَنِعٌ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ. وَأَبُو الْحُسَيْنِ: مِثْلُهُ فِي الْإِجْمَالِيِّ لَا التَّفْصِيلِيِّ، مِثْلُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ، وَالْمُطْلَقُ مُقَيَّدٌ، وَالْحُكْمُ سَيُنْسَخُ. وَالْجُبَّائِيُّ: مُمْتَنِعٌ فِي غَيْرِ النَّسْخِ. ص - لَنَا: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] (وَلِذِي الْقُرْبَى) ثُمَّ بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، إِمَّا عُمُومًا وَإِمَّا بِرَأْيِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى: بَنُو هَاشِمٍ دُونَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي نَوْفَلٍ. وَلَمْ يُنْقَلِ اقْتِرَانٌ إِجْمَالِيٌّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَأَيْضًا: " أَقِيمُوا الصَّلَاةَ " ثُمَّ بَيَّنَ جِبْرِيلُ وَالرَّسُولُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ، ثُمَّ بُيِّنَ عَلَى تَدْرِيجٍ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: (اقْرَأْ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " مَا أَقْرَأُ " وَكَرَّرَ ثَلَاثًا - ثُمَّ قَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] . وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ الْفَوْرَ يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُهُ، وَالتَّرَاخِيَ يُفِيدُ جَوَازَهُ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي فَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرُهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَجَوَّزْنَا تَخْصِيصَ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ الْأَضْعَفِ وَالْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ الْأَضْعَفِ - لَزِمَ إِلْغَاءُ الْعَامِّ أَوِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى دَلَالَةً. وَلَوْ كَانَ الْبَيَانُ مُسَاوِيًا فِي الدَّلَالَةِ لِلْمُبَيَّنِ لَزِمَ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ تَقَدُّمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. [مَسْأَلَةٌ: تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ] ش - تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ، إِلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْبَيَانِ مِنْ وَقْتِ وُرُودِ الْخِطَابِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا. وَذَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى امْتِنَاعِهِ مُطْلَقًا. وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إِلَى امْتِنَاعِهِ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ: وَهُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُرَادٍ، كَالْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمَنْسُوخِ، وَإِلَى جَوَازِهِ فِي الْمُجْمَلِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فِي الْمُجْمَلِ. وَفِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ التَّفْصِيلِيِّ. فَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْبَيَانُ الْإِجْمَالِيُّ عَلَى الْفَوْرِ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَقْتَ الْخِطَابِ: هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ، وَهَذَا الْمُطْلَقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُقَيَّدٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ سَيُنْسَخُ. وَذَهَبَ الْجُبَّائِيُّ إِلَى امْتِنَاعِهِ فِي غَيْرِ النَّسْخِ، وَإِلَى جَوَازِهِ فِي النَّسْخِ. ش - وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ بِأُمُورٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] فَإِنَّهُ أَثْبَتَ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ مُطْلَقًا لِلْمَذْكُورِينَ، وَأَثْبَتَ لِذِي الْقُرْبَى عُمُومًا نَصِيبًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَذَوَى الْقُرْبَى مِمَّا لَهُ ظَاهِرٌ أُرِيدَ خِلَافُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ مَعَهُ. ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ إِمَّا بِالْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: " «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» " وَإِمَّا بِرَأْيِ الْإِمَامِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَيْضًا بَيَّنَ أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى بَنُوهَا ثُمَّ دُونَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي نَوْفَلٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْأَمْرَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ. وَذَلِكَ كَثِيرٌ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَكَانَتْ مُعَيَّنَةً بِدَلِيلِ تَعْيِينِهَا بِسُؤَالِهِمْ مُؤَخَّرًا. وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِمُتَجَدِّدٍ. وَبِدَلِيلِ الْمُطَابَقَةِ لِمَا ذُبِحَ. وَأُجِيبُ بِمَنْعِ التَّعْيِينِ، فَلَمْ يَتَأَخَّرْ بَيَانٌ بِدَلِيلِ بَقَرَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَبِدَلِيلِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَوْ ذَبَحُوا بَقَرَةً مَا لَأَجْزَأَتْهُمْ ".   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ الْإِجْمَالِيُّ مُقْتَرِنًا بِهِ، وَمَا تَأَخَّرَ هُوَ الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ؟ . أُجِيبُ: لَمْ يُنْقَلِ اقْتِرَانُ بَيَانٍ إِجْمَالِيٍّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. الثَّانِي - قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ فِي ابْتِدَاءِ نُزُولِهِ كَانَ الصَّلَاةُ ظَاهِرَةً فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا ذَاتُ الْأَرْكَانِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا بَيَانُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَاتَ الْأَرْكَانِ، لَا إِجْمَالًا وَلَا تَفْصِيلًا، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأُمَّةِ. وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهَا فِي ابْتِدَاءِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] " ظَاهِرَةٌ فِي النَّمَاءِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْمِقْدَارُ الْمُخْرَجُ مِنَ النِّصَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ بَيَانٌ إِجْمَالِيٌّ وَلَا تَفْصِيلِيٌّ، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْمِقْدَارُ الْمُخْرَجُ مِنَ النِّصَابِ. وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ظَاهِرٌ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُقَيَّدُ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمِقْدَارَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقَطْعُ. الثَّالِثُ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ - نَزَلَ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ: " اقْرَأْ " - فَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا أَقْرَأُ، وَكَرَّرَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: " {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] » . وَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ، وَإِلَّا لَمْ يُؤَخِّرْ جِبْرِيلُ الْبَيَانَ عَنِ الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَوَامِرَ الَّتِي ذَكَرْتُمْ مَتْرُوكَةُ الظَّوَاهِرِ، فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَا اتِّفَاقًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا مَتْرُوكَةُ الظَّوَاهِرِ ; لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا ; لِأَنَّ إِجْرَاءَهَا عَلَى الظَّوَاهِرِ يُوجِبُ جَوَازَ تَأْخِيرِ بَيَانِهَا، وَجَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِهَا مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ الْأَمْرَ إِمَّا لِلْفَوْرِ أَوْ لِلتَّرَاخِي، فَإِنْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِلْفَوْرِ امْتَنَعَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ ; لِأَنَّ وَقْتَ الْخِطَابِ وَقْتُ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَاخِي فَجَازَ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، فَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ، فَلَا يُفِيدُ قَبْلَ الْبَيَانِ الْفَوْرُ وَالتَّرَاخِي. وَالْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ، كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: افْعَلْ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ قَبْلَ الْبَيَانِ. ش - اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] . وَالْبَقَرَةُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِهَا بَقَرَةً مُعَيَّنَةً، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا بَيَانٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَقَرَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وَبِدَلِيلِ: (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) . وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الأنبياء: 98] فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى، فَقَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْمَسِيحُ، فَنَزَلَ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ) . وَأُجِيبُ بِأَنَّ " مَا " لِمَا لَا يَعْقِلُ، وَنُزُولُ " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ " زِيَادَةُ بَيَانٍ لِجَهْلِ الْمُعْتَرِضِ، مَعَ كَوْنِهِ خَبَرًا. وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَكَانَ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِضَرُورَةٍ أَوْ نَظَرٍ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ. وَعُورِضَ: لَوْ كَانَ جَائِزًا إِلَى آخِرِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ - أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَيَّنَهَا بَعْدَ سُؤَالِهِمْ عَنِ الْبَقَرَةِ (الْمَأْمُورِ بِذَبْحِهَا الْمُتَأَخِّرِ مِنَ الْخِطَابِ بِذَبْحِهَا، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْبَقَرَةُ مُعَيَّنَةً لَمْ يَكُنْ لِلسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَعْنًى. الثَّانِي - أَنَّ الْبَقَرَةَ) لَوْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً لَكَانَ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مُتَجَدِّدَةً. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِمُتَجَدِّدٍ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مُعَيَّنَةٌ وَفِي الْآيَةِ الْأُولَى غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُتَجَدِّدَةً. الثَّالِثُ - أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَمَا طَابَقَتِ الْمَأْمُورُ بِهَا لِمَا ذُبِحَ ; لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الْمَذْبُوحَةَ مُعَيَّنَةٌ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِدَلِيلِ مُطَابَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا لِمَا ذُبِحَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ التَّعْيِينِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَتَأَخَّرْ بَيَانٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ التَّعْيِينِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ الْبَقَرَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] . فَإِنَّهَا نَكِرَةٌ وَالنَّكِرَةُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَتَرْكُ الظَّاهِرِ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي - قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَوْ ذَبَحُوا بَقَرَةً مَا لَأَجْزَأَتْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي السُّؤَالِ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ ; لِأَنَّ طَلَبَ زِيَادَةِ الْبَيَانِ لَيْسَ بِتَشْدِيدٍ. الثَّالِثُ - أَنَّ الْبَقَرَةَ لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمَا عَنَّفَهُمُ اللَّهُ عَلَى طَلَبِ الْبَيَانِ ; لِأَنَّ طَلَبَ الْبَيَانِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْمَدْحِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] . الثَّانِي - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] فَإِنَّهُ عَامٌّ، مَعَ أَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَقَدْ أُخِّرَ بَيَانُهُ الَّذِي هُوَ الْمُخَصِّصُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: لَأُخَاصِمُنَّ مُحَمَّدًا، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الرَّسُولِ - قَالَ: أَلَيْسَ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْمَسِيحُ» ; فَتَوَقَّفَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْجَوَابِ، ثُمَّ نَزَلَ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَخُصِّصَتْ بِهِ الْآيَةُ الْأُولَى. أَجَابَ بِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى غَيْرُ مُتَنَاوِلَةٍ لِلْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ ; لِأَنَّ " مَا " لِمَا لَا يَعْقِلُ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} [الأنبياء: 101] تَخْصِيصًا وَبَيَانًا لِذَلِكَ الْعُمُومِ، بَلْ هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِجَهْلِ الْمُعْتَرِضِ (مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّخْصِيصِ) . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى مَا نُقِلَ عَنْهُ قَالَ لَهُ: مَا أَجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ، " مَا " لِمَا لَا يَعْقِلُ. هَذَا مَعَ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ الزِّبَعْرَى وَكَوْنَهُ سَبَبًا لِنُزُولِ الْآيَةِ، خَبَرٌ مِنْ بَابِ الْآحَادِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ. الثَّالِثُ - أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَكَانَ امْتِنَاعُهُ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِضَرُورَةٍ أَوْ بِنَظَرٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ. أَجَابَ عَنْهُ بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا فَجَوَازُهُ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِضَرُورَةٍ أَوْ نَظَرٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ. ش - احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ أُرِيدَ غَيْرُهُ - بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّ التَّأْخِيرَ لَوْ جَازَ لَكَانَ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ إِلَى الْأَبَدِ. وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ التَّحَكُّمَ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْخِطَابِ الْإِفْهَامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 ص - الْمَانِعُ: بَيَانُ الظَّاهِرِ لَوْ جَازَ لَكَانَ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ تَحَكُّمٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ. أَوْ إِلَى الْأَبَدِ، فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ. وَأُجِيبُ: إِلَى مُعَيَّنَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَقْتُ التَّكْلِيفِ. قَالُوا: لَوْ جَازَ لَكَانَ مُفْهِمًا ; لِأَنَّهُ مُخَاطِبٌ فَيَسْتَلْزِمُهُ، وَظَاهِرُهُ جَهَالَةٌ وَالْبَاطِنُ مُتَعَذِّرٌ. وَأُجِيبُ بِجَرْيِهِ فِي النَّسْخِ لِظُهُورِهِ فِي الدَّوَامِ. وَبِأَنَّهُ يُفْهَمُ الظَّاهِرُ مَعَ تَجْوِيزِهِ التَّخْصِيصَ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا جَهَالَةَ وَلَا إِحَالَةَ. ص - عَبْدُ الْجَبَّارِ: تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ يُخِلُّ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهَا، بِخِلَافِ النَّسْخِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ بَيَانِهَا. قَالُوا: لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لَجَازَ الْخِطَابُ بِالْمُهْمَلِ، ثُمَّ يُبَيَّنُ مُرَادُهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مُخَاطِبٌ بِأَحَدِ مَدْلُولَاتِهِ، فَيُطِيعُ وَيَعْصِي بِالْعَزْمِ. بِخِلَافِ الْآخَرِ. وَقَالَ: تَأْخِيرُ بَيَانِ التَّخْصِيصِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي كُلِّ شَخْصٍ، بِخِلَافِ النَّسْخِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ، وَفِي النَّسْخِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْجَمِيعِ، فَكَانَ أَجْدَرَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ جَوَازُ تَأْخِيرِ إِسْمَاعِ الْمُخَصِّصِ الْمَوْجُودِ. لَنَا: أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ تَأْخِيرِهِ مَعَ الْعَدَمِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَمِعَتْ (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) وَلَمْ تَسْمَعْ: نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ. وَسَمِعُوا (قَوْلَهُ تَعَالَى:) (اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) وَلَمْ يَسْمَعِ الْأَكْثَرُ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَنِسْبَتُهُ إِلَى جَمِيعِ الْأَزْمَانِ عَلَى السَّوَاءِ، فَلَوْ عُيِّنَ زَمَانًا لِلْبَيَانِ لَزِمَ التَّحَكُّمُ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ أَبَدًا، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُكَلَّفُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، فَيَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُحَالٌ. أَجَابَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ وَقْتُ التَّكْلِيفِ وَلَا يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْبَيَانِ وَالْإِفْهَامِ إِلَى وَقْتِ التَّكْلِيفِ أَوْلَى. الثَّانِي - لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ لَكَانَ الشَّارِعُ مُفْهِمًا بِخِطَابِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ مُخَاطِبٌ وَالْخِطَابُ يَسْتَلْزِمُ الْإِفْهَامَ وَإِلَّا لَكَانَ الْخِطَابُ عَبَثًا. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مُفْهِمًا لِلظَّاهِرِ - وَالظَّاهِرُ غَيْرُ مُرَادٍ - يَلْزَمُ إِيقَاعُ الْمُكَلَّفِ فِي الْجَهْلِ، لِأَنَّ إِفْهَامَ مَا هُوَ غَيْرُ مُرَادٍ يُوجِبُ الْإِيقَاعَ فِي الْجَهْلِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ مُفْهِمًا لِغَيْرِ الظَّاهِرِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى إِفْهَامِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيَّنْ بَعْدُ، وَإِفْهَامُ مَا لَا طَرِيقَ إِلَيْهِ مُتَعَذِّرٌ. أَجَابَ بِالنَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ. أَمَّا الْإِجْمَالِيُّ فَلِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَجْرِي فِي النَّسْخِ ; لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ ظَاهِرٌ فِي الدَّوَامِ، وَلَمْ يَكُنِ النَّسْخُ مَذْكُورًا مَعَهُ، وَجَوَازُ تَأْخِيرِ النَّسْخِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ ثَابِتٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا التَّفْصِيلِيُّ فَلِأَنَّهُ أُرِيدَ إِفْهَامُ الظَّاهِرِ، لَكِنْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، بَلْ مَعَ تَجْوِيزِ التَّخْصِيصِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْجَهَالَةُ لِعَدَمِ الْقَطْعِ، وَلَا الْإِحَالَةُ مِنْ جِهَةِ التَّعَذُّرِ ; لِأَنَّهُ أُرِيدَ إِفْهَامُ الظَّاهِرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - احْتَجَّ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَلَى امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ بِخِلَافِ النَّسْخِ بِأَنَّ تَأْخِيرَ بَيَانِ الْمُجْمَلِ يُخِلُّ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهَا لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهَا، لِأَنَّ صِفَتَهَا إِنَّمَا تُعْلَمُ بِالْبَيَانِ، بِخِلَافِ تَأْخِيرِ بَيَانِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا لِأَنَّ صِفَتَهَا مُبَيَّنَةٌ. أَجَابَ بِأَنَّ وَقْتَ الْعِبَادَةِ هُوَ وَقْتُ بَيَانِهَا، لَا وَقْتُ الْأَمْرِ بِهَا، وَصِفَةُ الْعِبَادَةِ مَعْلُومَةٌ وَقْتَ الْبَيَانِ، فَلَا يَلْزَمُ الْإِخْلَالُ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ عَبْدِ الْجَبَّارِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، لَكِنَّ مَذْهَبَهُ مَذْهَبُ الْجُبَّائِيِّ، فَذَكَرَهُ هَا هُنَا لِيُعْرَفَ تَوَافُقُ مَذْهَبِهِمَا. الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ قَالُوا: لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لَجَازَ الْخِطَابُ بِالْمُهْمَلِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ الْمُخَاطِبُ مُرَادَهُ مِنَ الْمُهْمَلِ. وَالتَّالِي: بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمُجْمَلَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ كَالْمُهْمَلِ، فَجَوَازُ الْخِطَابِ بِهِ يُوجِبُ جَوَازَ الْخِطَابِ بِالْمُهْمَلِ. أَجَابَ بِالْفَرْقِ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَلَ يُفِيدُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَحَدٍ مَدْلُولَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ مَا هُوَ الْمُرَادُ عَلَى التَّعْيِينِ، فَحِينَئِذٍ يُطِيعُ الْمُكَلَّفُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ وَيَعْصِي بِالْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ، بِخِلَافِ الْمُهْمَلِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا أَصْلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ أَيْضًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ وَجَوَازِ تَأْخِيرِ بَيَانِ النَّسْخِ: إِنَّ تَأْخِيرَ بَيَانِ التَّخْصِيصِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي كُلِّ شَخْصٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ الْعَامِّ أَنَّهُ هَلْ مُرَادٌ مِنَ الْعَامِّ أَمْ لَا؟ . بِخِلَافِ تَأْخِيرِ بَيَانِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الشَّكَّ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ قَبْلَ وُرُودِ الْبَيَانِ. أَجَابَ بِأَنَّ جَوَازَ تَأْخِيرِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الْجَمْعِ، لِأَنَّ التَّخْصِيصَ: إِخْرَاجُ الْبَعْضِ. وَجَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ فِي النَّسْخِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي جَمِيعِ الْأَشْخَاصِ. فَكَانَ جَوَازُ تَأْخِيرِ التَّخْصِيصِ أَجْدَرَ وَأَوْلَى. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ جَوَازُ تَأْخِيرِ إِسْمَاعِ الْمُخَصِّصِ الْمَوْجُودِ] ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُ إِسْمَاعِ الْمُخَصِّصِ الْمَوْجُودِ أَمْ لَا؟ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ تَأْخِيرِ إِسْمَاعِ الْمُخَصِّصِ الْمَوْجُودِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الْمُخَصِّصَ الْمَوْجُودَ وَقْتَ الْخِطَابِ أَقْرَبُ مِنَ الْمُخَصِّصِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْخِطَابِ ; لِإِمْكَانِ سَمَاعِهِ قَبْلَ سَمَاعِ الْعَامِّ بِأَنْ يُسْمِعَ الشَّارِعُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ إِسْمَاعِهِ فَيُعْرَفُ مِنْهُ، أَوْ بَعْدَ سَمَاعِ الْعَامِّ بِالِاسْتِكْشَافِ، بِخِلَافِ الْمُخَصِّصِ الَّذِي لَمْ يُوجَدُ. وَإِذَا كَانَ أَقْرَبَ جَازَ تَأْخِيرُهُ ; لِأَنَّ جَوَازَ الْأَبْعَدِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْأَقْرَبِ. الثَّانِي - أَنَّ تَأْخِيرَ إِسْمَاعِ الْمُخَصِّصِ وَاقِعٌ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ وَاقِعٌ ; لِأَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَمِعَتْ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] وَلَمْ تَسْمَعْ " نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ " وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ. وَأَيْضًا سَمِعَ الصَّحَابَةُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِلَّا بَعْدَ حِينٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ، جَوَازُ تَأْخِيرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَبْلِيغَ الْحُكْمِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ. وَلَعَلَّ فِيهِ مَصْلَحَةً. قَالُوا: (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) . وَأُجِيبُ: بَعْدَ كَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ وَالْفَوْرِ (أَنَّهُ) لِلْقُرْآنِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ عَلَى التَّجْوِيزِ جَوَازُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَسْمَعْ أَكْثَرُهُمُ الْحَدِيثَ الْمُخَصِّصَ لِلْمَجُوسِ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» " إِلَّا بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَبْلِيغَ الْحُكْمِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ] ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الرَّسُولِ تَبْلِيغَ الْحُكْمِ الَّذِي أُوحِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَيْهِ عَنْ وَقْتِ الْوَحْيِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ تَأْخِيرِ التَّبْلِيغِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ التَّأْخِيرَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ، وَالِاسْتِحَالَةُ بِالْغَيْرِ مُنْتَفِيَةٌ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ. وَأَيْضًا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّأْخِيرِ مَصْلَحَةٌ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى فَيُؤَخِّرُ الرَّسُولُ لِذَلِكَ. الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ التَّبْلِيغِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] ، وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّبْلِيغِ عَلَى الْفَوْرِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْفَوْرَ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْفَوْرَ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُنْزِلَ هُوَ الْأَحْكَامُ، بَلِ الْقُرْآنُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ عَلَى التَّجْوِيزِ جَوَازُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ] ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَعْضِ الْبَيَانَاتِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ دُونَ بَعْضٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 لَنَا: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بَيَّنَ فِيهِ الذِّمِّيَّ، ثُمَّ الْعَبْدَ، ثُمَّ الْمَرْأَةَ بِتَدْرِيجٍ. وَآيَةُ الْمِيرَاثِ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَاتِلَ وَالْكَافِرَ بِتَدْرِيجٍ. قَالُوا: يُوهِمُ الْوُجُوبَ فِي الْبَاقِي، وَهُوَ تَجْهِيلٌ. قُلْنَا: إِذَا جَازَ إِيهَامُ الْجَمِيعِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى. ص - (مَسْأَلَةٌ) يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ إِجْمَاعًا. وَالْأَكْثَرُ: يَكْفِي بِحَيْثُ يَغْلِبُ انْتِفَاؤُهُ. الْقَاضِي: لَا بُدَّ مِنَ الْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مَعَارِضِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ الْوُقُوعُ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] عَامٌّ، فَيُبَيِّنُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِخْرَاجَ الذِّمِّيِّ، ثُمَّ الْعَبْدِ، ثُمَّ الْمَرْأَةِ عَلَى التَّدْرِيجِ. وَأَيْضًا: آيَةُ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] عَامَّةٌ. فَبَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِخْرَاجَ نَفْسِهِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: " «نَحْنُ - مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ - لَا نُورَثُ؛ فَمَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ". ثُمَّ بَيَّنَ إِخْرَاجَ الْقَاتِلِ، ثُمَّ الْكَافِرِ بِتَدْرِيجٍ. الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَعْضِ دُونَ بَعْضٍ قَالُوا: بَيَانُ الْبَعْضِ يُوهِمُ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْبَاقِي، فَيَكُونُ تَجْهِيلًا لِلْمُكَلَّفِ. أَجَابَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعَامِّ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُخَصِّصِ يُوهِمُ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ جَائِزٌ، فَإِذَا جَازَ إِيهَامُ الْجَمِيعِ فَجَوَازُ إِيهَامِ الْبَعْضِ أَوْلَى. [مَسْأَلَةٌ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ إِجْمَاعًا] ش - أَجْمَعَ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، لَمْ يَحْصُلْ ظَنُّ الْعُمُومِ، لِأَنَّ اعْتِقَادَ إِمْكَانِ وُجُودِ الْمُخَصِّصِ مَانِعٌ عَنْ حُصُولِ الظَّنِّ. وَأَمَّا بَعْدَ الْبَحْثِ وَعَدَمِ الْوِجْدَانِ يَحْصُلُ الظَّنُّ. وَبَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ، اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الْبَحْثِ. فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ يَكْفِي الْبَحْثُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ الْمُخَصِّصِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُصُولُ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ الْمُخَصِّصِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ الْمُوجِبِ لِلْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ الْمُخَصِّصِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ، أَيْ يَكْفِي فِيهِ الْبَحْثُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ مُعَارِضِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 لَنَا: لَوِ اشْتُرِطَ (الْقَطْعُ) لَبَطَلَ الْعَمَلُ بِالْأَكْثَرِ. قَالُوا: مَا كَثُرَ الْبَحْثُ فِيهِ تُفِيدُ الْعَادَةُ الْقَطْعَ، وَإِلَّا فَبَحْثُ الْمُجْتَهِدِ (يُفِيدُهُ) لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ لَاطُّلِعَ عَلَيْهِ. وَمَنَعَ وَأَسْنَدَ بِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ مَا يَرْجِعُ بِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ بِأَنَّهُ لَوِ اشْتُرِطَ الْقَطْعُ لَبَطَلَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ الْعُمُومَاتِ الْمَعْمُولِ بِهَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْعُمُومَاتِ الْمَعْمُولِ بِهَا مِمَّا لَا يَقْطَعُ الْعَقْلُ بِانْتِفَاءِ مُخَصِّصِهِ، بَلْ غَايَتُهُ عَدَمُ الْوِجْدَانِ بَعْدَ الْبَحْثِ، وَعَدَمُ الْوِجْدَانِ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِانْتِفَائِهِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ الْمُخَصِّصِ مُمْكِنٌ، لِأَنَّ مَا كَثُرَ الْبَحْثُ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْمُخَصِّصِ تُفِيدُ الْعَادَةُ فِيهِ الْقَطْعَ بِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ. وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ فِيهِ الْبَحْثُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَبَحْثُ الْمُجْتَهِدِ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِانْتِفَاءِ الْمُخَصِّصِ، لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْعُمُومِ: الْخُصُوصُ لَاطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ عِنْدَ الْبَحْثِ ; لِاسْتِحَالَةِ أَنْ لَا يَنْصِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَأَنْ لَا يُبَلِّغَهُ إِلَى الْمُكَلَّفِ، وَإِلَّا لَكَانَ نَصْبُ الدَّلِيلِ عَبَثًا. وَمُنِعَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا كَثُرَ فِيهِ الْبَحْثُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْعَادَةِ. وَأَيْضًا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَحْثَ الْمُجْتَهِدِ فِيهِ يُفِيدُ الْقَطْعَ. وَإِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَمَنَعَ ". وَسَنَدُ الْمَنْعِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يَجِدُ مِنَ الْمُخَصِّصَاتِ مَا يَرْجِعُ بِهِ عَنِ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ حَاصِلًا لَمَا رَجَعَ. [الظَّاهِرُ وَالْمُئَوَّلُ] [تعريف الظاهر وَالْمُئَوَّل] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَبَاحِثِ الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ شَرَعَ فِي الظَّاهِرِ وَالْمُئَوَّلِ. وَالظَّاهِرُ لُغَةً: الْوَاضِحُ. وَاصْطِلَاحًا: مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً، إِمَّا بِالْوَضْعِ، كَالْأَسَدِ، أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الظَّاهِرُ وَالْمُئَوَّلُ ص - الظَّاهِرُ وَالْمُئَوَّلُ. الظَّاهِرُ: الْوَاضِحُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً إِمَّا بِالْوَضْعِ، كَالْأَسَدِ، أَوْ بِالْعُرْفِ، كَالْغَائِطِ. وَالتَّأْوِيلُ مِنْ آلَ يَئُولُ؛ إِذَا رَجَعَ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ. وَإِنْ أَرَدْتَ الصَّحِيحَ زِدْتَ: بِدَلِيلٍ يُصَيِّرُهُ رَاجِحًا. الْغَزَّالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - احْتِمَالٌ يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ يَصِيرُ بِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنَ الظَّاهِرِ. الرَّدُّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ لَيْسَ بِتَأْوِيلٍ بَلْ شَرْطٌ. وَعَلَى عَكْسِهِ التَّأْوِيلُ الْمَقْطُوعُ بِهِ. ص - وَقَدْ يَكُونُ قَرِيبًا، فَيَتَرَجَّحُ بِأَدْنَى مُرَجِّحٍ. وَقَدْ يَكُونُ بَعِيدًا، فَيُحْتَاجُ إِلَى الْأَقْوَى. وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَذِّرًا، فَيُرَدُّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالْعُرْفِ، كَالْغَائِطِ. فَقَوْلُهُ: " مَا دَلَّ " جِنْسٌ يَشْمَلُ النَّصَّ وَالظَّاهِرَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُئَوَّلَ. وَقَوْلُهُ: " ظَنِّيَّةً " يُخْرِجُ النَّصَّ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ. وَالْمُجْمَلَ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ (لَيْسَتْ بِرَاجِحَةٍ وَلَا مَرْجُوحَةٍ، وَالظَّنِّيَّةُ هِيَ الرَّاجِحَةُ. وَالْمُئَوَّلَ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ) مَوْهُومَةٌ مَرْجُوحَةٌ. وَقَوْلُهُ: " إِمَّا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْعُرْفِ " احْتِرَازٌ عَنِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ الْمَجَازِيِّ أَرْجَحَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ، لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ ظَاهِرًا ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ لَيْسَتْ بِوَضْعِيَّةٍ وَلَا عُرْفِيَّةٍ، وَالتَّأْوِيلُ فِي اللُّغَةِ مِنْ آلَ يَئُولُ؛ إِذَا رَجَعَ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ. فَبِقَوْلِهِ: " الظَّاهِرِ " احْتَرَزَ عَنْ حَمْلِ النَّصِّ عَلَى مَعْنَاهُ، وَحَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ ; فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا. وَبِقَوْلِهِ " الْمُحْتَمَلِ " احْتَرَزَ عَنْ حَمْلِ الظَّاهِرِ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُحْتَمَلٍ. وَبِقَوْلِهِ: " الْمَرْجُوحِ " احْتَرَزَ عَنْ حَمْلِ الظَّاهِرِ عَلَى مَعْنَاهُ الرَّاجِحِ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَشْمَلُ التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ. وَإِنْ أَرَدْتَ تَعْرِيفَ التَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ زِدْتَ عَلَى مَا ذَكَرَ، قَوْلَكَ: بِدَلِيلٍ يُصَيِّرُهُ رَاجِحًا. فَقَوْلُهُ: " بِدَلِيلٍ " - وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الدَّلِيلِ الشَّامِلِ لِلْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ - احْتِرَازٌ عَنِ التَّأْوِيلِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا صَحِيحًا. وَقَوْلُهُ: " يُصَيِّرُهُ رَاجِحًا " - أَيْ يُصَيِّرُ الطَّرَفَ الْمَرْجُوحَ رَاجِحًا عَلَى مَدْلُولِهِ الظَّاهِرِ - احْتِرَازٌ عَنِ التَّأْوِيلِ بِدَلِيلٍ لَا يُصَيِّرُ طَرَفَ الْمَرْجُوحِ رَاجِحًا؛ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا صَحِيحًا. وَعَرَّفَهُ الْغَزَّالِيُّ: بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ يَصِيرُ بِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنَ الظَّاهِرِ. وَيُرَدُّ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ الِاحْتِمَالَ شَرْطُ التَّأْوِيلِ، لَا نَفْسُهُ، لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الدَّلَالَةُ الْمَرْجُوحَةُ، وَهِيَ شَرْطُ التَّأْوِيلِ لَا نَفْسُهُ. وَيُرَدُّ أَيْضًا عَلَى عَكْسِ هَذَا التَّعْرِيفِ التَّأْوِيلُ الْمَقْطُوعُ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنِ التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِالدَّلِيلِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الظَّاهِرِ، بَلْ صَارَ قَطْعِيًّا. وَلَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا مِنَ الظُّهُورِ، وَالتَّأْوِيلُ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا مِنَ الْمُئَوَّلِ - تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِتَفْسِيرِ الظَّاهِرِ دُونَ الظُّهُورِ، وَفِي التَّأْوِيلِ فِعْلٌ بِالْعَكْسِ أَيْ تَعَرُّضٌ لِتَفْسِيرِ التَّأْوِيلِ دُونَ الْمُئَوَّلِ. [التأويل القريب والبعيد] ش - التَّأْوِيلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَرِيبٌ، فَيَتَرَجَّحُ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ بِأَدْنَى دَلِيلٍ لِقُرْبِهِ؛ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] أَيْ إِذَا عَزَمْتُمْ. وَبِعِيدٌ، فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ أَقْوَى لِيَتَرَجَّحَ، لِبُعْدِهِ. وَمُتَعَذَّرٌ، فَيُرَدُّ وَلَا يُقْبَلُ. وَلَمَّا تَعَذَّرَ الضَّابِطُ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ التَّأْوِيلُ الْقَرِيبُ عَنِ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، لِأَنَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ، إِذْ رُبَّ قَرِيبٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْءٍ، بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ - أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ أَمْثِلَةً لِلتَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ لِيَتَنَبَّهَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْهَا عَلَى مَعْنَى الْبَعِيدِ، وَمِنْهُ يَعْرِفُ الْقَرِيبَ وَالْمُتَعَذَّرَ. ش - اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، سَوَاءٌ أَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ لَا، وَهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ، وَسَوَاءٌ نُكِحْنَ مَعًا أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ - فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ نِكَاحِهِنَّ وَتَنْدَفِعُ الْبَاقِيَاتُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» "؛ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِمْسَاكِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ " أَرْبَعًا " غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ. فَلِهَذَا يَكُونُ الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 ص - فَمِنَ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ غَيْلَانَ، وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ: " أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» أَيِ ابْتَدِئِ النِّكَاحَ، أَوْ أَمْسِكِ الْأَوَائِلَ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطَبَ بِمِثْلِهِ مُتَجَدِّدٌ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ. وَمَعَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدٌ قَطُّ. ص - وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لِفَيْرُوزٍ الدَّيْلِمِيِّ - وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ - " أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ» ". فَأَبْعَدُ ; لِقَوْلِهِ: " أَيَّتَهُمَا ". ص - وَمِنْهَا: قَوْلُهُمْ فِي {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] أَيْ إِطْعَامُ (طَعَامِ) سِتِّينَ مِسْكِينًا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دَفْعِ الْحَاجَةِ حَاجَةُ سِتِّينَ كَحَاجَةِ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا، فَجَعَلَ الْمَعْدُومَ مَذْكُورًا وَالْمَذْكُورَ عَدَمًا، مَعَ إِمْكَانِ قَصْدِهِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ. ص - وَمِنْهَا: قَوْلُهُمْ " «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» " أَيْ قِيمَةُ شَاةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ أَبْعَدُ ; إِذْ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الشَّاةُ. وَكُلُّ مَعْنًى إِذَا اسْتُنْبِطَ مِنْ حُكْمٍ أَبْطَلَهُ - بَاطِلٌ. ص - وَمِنْهَا: حَمْلُ " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ (نَفْسَهَا) بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» " عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَبَاطِلٌ: أَيْ يَئُولُ إِلَيْهِ غَالِبًا لِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ ; لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا؛ فَكَانَ كَبَيْعِ سِلْعَةٍ. وَاعْتِرَاضُ الْأَوْلِيَاءِ لِدَفْعِ نَقِيصَةٍ إِنْ كَانَتْ: فَأُبْطِلَ ظُهُورُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ بِتَمْهِيدِ أَصْلٍ مَعَ ظُهُورِ " أَيُّ " مُؤَكَّدَةً بِـ " مَا "، وَتَكْرِيرِ لَفْظِ الْبُطْلَانِ. وَحَمْلُهُ عَلَى نَادِرٍ بَعِيدٍ كَاللُّغْزِ، مَعَ إِمْكَانِ قَصْدِهِ لِمَنْعِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] اخْتِيَارِ أَيِّ أَرْبَعٍ شَاءَ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَإِنْ وَقَعَ نِكَاحُهُنَّ مَعًا يَبْطُلُ نِكَاحُ جَمِيعِهِنَّ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى التَّرْتِيبِ يَبْطُلُ مَا بَعْدَ الْأَرْبَعِ؛ قِيَاسًا عَلَى الْمُسْلِمِ. وَأُوِّلَ هَذَا الْحَدِيثُ تَارَةً بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِمْسَاكِ: ابْتِدَاءَ نِكَاحِهِنَّ، فَقَوْلُهُ: " أَمْسِكْ أَرْبَعًا " أَيِ ابْتَدِئْ نِكَاحَهُنَّ. وَقَوْلُهُ: " فَارِقْ سَائِرَهُنَّ " أَيْ لَا تَنْكِحْهُنَّ. وَأُخْرَى بِأَنَّهُ أَمَرَ الزَّوْجَ بِاخْتِيَارِ أَوَائِلِ النِّسَاءِ؛ فَيَكُونُ مَعْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلِهِ: " أَمْسِكْ " أَرْبَعًا مِنْ أَوَائِلِ النِّسَاءِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِبُعْدِ هَذَا الدَّلِيلِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَبْعُدُ عَادَةً أَنْ يُخَاطَبَ مُتَجَدِّدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ شَرَائِطِ النِّكَاحِ، مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَى مَعْرِفَتِهَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَدَّدَ النِّكَاحَ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ تَجْدِيدَ النِّكَاحِ لَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمَأْمُورِ امْتِثَالَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - هَذَا أَيْضًا تَأَوَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِتَأْوِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ. وَإِنَّمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الْأَمْرُ الْخَارِجُ عَنِ اللَّفْظِ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْحَالِ، وَهَا هُنَا قَدِ انْضَمَّ إِلَى شَهَادَةِ الْحَالِ مَانِعٌ لَفْظًا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَيَّتَهُمَا شِئْتَ "، فَإِنَّ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِ نِكَاحِهِمَا عَلَى التَّرْتِيبِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِلِاخْتِيَارِ، وَلَفْظُ " أَيَّتَهُمَا شِئْتَ " يَأْبَاهُ. ش - ذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبَيْنَ إِطْعَامِ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفَعُ حَاجَةِ الْمِسْكِينِ، وَدَفْعُ حَاجَةِ سِتِّينَ مِسْكِينًا يَوْمًا كَدَفْعِ حَاجَةِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] بِإِطْعَامِ طَعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَيْضًا بَعِيدٌ ; لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَعْدُومَ الَّذِي هُوَ " طَعَامُ " مَذْكُورًا لِيَكُونَ مَفْعُولًا لِـ " إِطْعَامٍ " وَجَعَلُوا الْمَذْكُورَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: " {سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] " عَدَمًا ; لِأَنَّهُمْ لَنْ يَجْعَلُوهُ مَفْعُولًا مَعَ إِمْكَانِ قَصْدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْعَدَدَ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ. وَهَذَا لَا يَحْصُلُ لِلْوَاحِدِ. ش - قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ وُجُوبِ الشَّاةِ دَفْعُ حَاجَةِ (الْفَقِيرِ) وَالْحَاجَةُ كَمَا تَنْدَفِعُ بِالشَّاةِ، تَنْدَفِعُ بِقِيمَتِهَا، فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ". أَيْ قِيمَةُ شَاةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَبْعَدُ مِمَّا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ تَقْدِيرَ إِطْعَامِ طَعَامِ سِتِّينَ " مِسْكِينًا لَا يُبْطِلُ حُكْمَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الظَّاهِرُ ; إِذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إِيجَابِ إِطْعَامِ طَعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبَيْنَ إِيجَابِ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا. بِخِلَافِ تَقْدِيرِ قِيمَةِ شَاةٍ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ وَاجِبَةً كَانَتِ الشَّاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ. وَكُلُّ مَعْنًى إِذَا اسْتُنْبِطَ مِنْ حُكْمٍ - أَيْ كُلُّ فَرْعٍ إِذَا اسْتُنْبِطَ مِنْ أَصْلٍ، أَبْطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ؛ أَيِ الْأَصْلَ - يَكُونُ بَاطِلًا، لِأَنَّ بُطْلَانَ الْأَصْلِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْفَرْعِ. ش - اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَوَّلُوا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ (نَفْسَهَا) بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» " بِأَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ: إِمَّا حَمْلُ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ " عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ، مَعَ إِجْرَاءِ قَوْلِهِ (بَاطِلٌ " عَلَى ظَاهِرِهِ. وَإِمَّا حَمْلُ قَوْلِهِ " بَاطِلٌ " عَلَى أَنَّهُ يَئُولُ إِلَى الْبُطْلَانِ غَالِبًا لِاعْتِرَاضِ وَلِيِّهَا إِذَا زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفُوٍ، مَعَ إِجْرَاءِ قَوْلِهِ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ " عَلَى ظَاهِرِ عُمُومِهِ. وَإِنَّمَا أَوَّلُوا الْحَدِيثَ بِأَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَالِكَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 اسْتِقْلَالِهَا فِيمَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ. ص - وَمِنْهَا: حَمْلُهُمْ " «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» " عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ مِنْ صِحَّةِ الصِّيَامِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ. فَجَعَلُوهُ كَاللُّغْزِ. فَإِنْ صَحَّ الْمَانِعُ مِنَ الظُّهُورِ فَلْيُطْلَبْ أَقْرَبُ تَأْوِيلٍ. ص - وَمِنْهَا: حَمْلُهُمْ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ، وَلَا خَلَّةَ مَعَ الْغِنَى، فَعَطَّلُوا لَفْظَ الْعُمُومِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الْغِنَى. ص - وَعَدَّ بَعْضُهُمْ حَمْلَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] إِلَى آخِرِهَا، عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْهُ ; لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ قَبْلَهَا مِنَ الرَّدِّ عَلَى لَمْزِهِمْ فِي الْمُعْطِينَ وَرِضَاهُمْ فِي إِعْطَائِهِمْ وَسُخْطِهِمْ فِي مَنْعِهِمْ - يَدُلُّ عَلَيْهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِبُضْعِهَا حَتَّى يَكُونَ رِضَاهَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ، فَكَانَ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا كَبَيْعِ سِلْعَةٍ لَهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ مَالِكَةً لِبُضْعِهَا لَمَا كَانَ لِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ وَجْهٌ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْوَجْهَ فِي اعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ دَفْعُ النَّقِيصَةِ، إِنْ كَانَتْ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ قَدْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُوٍ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدًا؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ بِهِ أَبْطَلَ ظُهُورَ قَصْدِ التَّعْمِيمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَمْهِيدِ أَصْلٍ، وَهُوَ وَضْعُ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ مَعَ ظُهُورِ " أَيُّ " مُؤَكَّدَةً بِـ " مَا " لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْعُمُومِ ; لِأَنَّ زِيَادَةَ " مَا " فِي كَلِمَةِ " أَيُّ " لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ. وَأَيْضًا: تَكَرُّرُ لَفْظِ " الْبَاطِلِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْبَاطِلُ حَقِيقَةً، لَا مَا يَئُولُ إِلَى الْبُطْلَانِ. وَحَمْلُ الْقَائِلِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى نَادِرٍ بَعِيدٍ، كَاللُّغْزِ فِي خَفَائِهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الْفَهْمِ، وَلَا يَلِيقُ بِالشَّارِعِ أَنْ يُخَاطِبَ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ مَعَ إِمْكَانِ قَصْدِ النَّبِيِّ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْمَرْأَةِ بَالِغَةً حُرَّةً أَوْ غَيْرَهَا، فِيمَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ، وَهُوَ النِّكَاحُ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: " بِتَمْهِيدِ أَصْلٍ " يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " ظُهُورَ قَصْدِ التَّعْمِيمِ ". وَقَوْلَهُ: " مَعَ ظُهُورِ أَيٍّ " يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: " بِتَمْهِيدِ أَصْلٍ ". وَقَوْلَهُ: " وَحَمْلُهُ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَأُبْطِلَ ". ش - وَمِنَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: حَمْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» " عَلَى الْقَضَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالنَّذْرِ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ صِحَّةُ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً وَنَذْرًا. وَوَجْهُ بُعْدِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ " لَا صِيَامَ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي الْعُمُومِ، وَصَوْمُ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّوْمِ الْأَصْلِيِّ الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ، فَيَكُونُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ كَاللُّغْزِ لِخَفَائِهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الْفَهْمِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَانِعُ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الظَّاهِرِ مُتَحَقِّقٌ، فَيَكُونُ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا. أُجِيبُ بِأَنَّهُ إِنْ صَحَّ مَانِعٌ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الظَّاهِرِ فَلْيُطْلَبْ أَقْرَبُ تَأْوِيلٍ، لَا مَا هُوَ كَاللُّغْزِ. ش - وَمِنَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: حَمْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] " فِي قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دَفْعِ الْخُمُسِ إِلَيْهِمْ: سَدُّ الْخَلَّةِ، وَلَا خَلَّةَ مَعَ الْغِنَى. فَحَكَمُوا بِحِرْمَانِ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَوَجْهُ بُعْدِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُمْ عَطَّلُوا لَفْظَ الْعُمُومِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْغِنَى ; لِأَنَّ إِضَافَةَ الْخُمُسِ إِلَى ذَوِي الْقُرْبَى بِلَامِ التَّمْلِيكِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ: الْقَرَابَةُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا وَبَيَانًا لِشَرَفِهَا. ش - حَمَلَ مَالِكٌ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] إِلَى آخِرِهَا عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ، وَلَمْ يُوجِبْ تَفْرِقَةَ الزَّكَاةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، بَلْ جَوَّزَ إِعْطَاءَ كُلِّ الزَّكَاةِ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ. وَعَدَّ بَعْضُهُمْ هَذَا التَّأْوِيلَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ ; لِأَنَّ إِضَافَةَ الصَّدَقَاتِ إِلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ، وَعَطْفَ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ فَالْحَمْلُ عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ، صَرْفٌ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ؛ فَيَكُونُ بَعِيدًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَيْسَ هَذَا التَّأْوِيلُ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ ; لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ ; لِأَنَّ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 58] . وَذَلِكَ يَشْمَلُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى لَمْزِهِمُ الرَّسُولَ فِي الصَّدَقَاتِ وَعَنْ رِضَاهُمْ فِي إِعْطَائِهِمْ وَسُخْطِهِمْ فِي مَنْعِهِمْ. وَلَمَّا رَدَّ عَلَيْهِمْ - ذَكَرَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الرَّسُولُ حَقٌّ. [الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ] [أقسام الدلالة] [المفهوم والمنطوق] ش - الدَّلَالَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ. وَالْمَنْطُوقُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ؛ مِثْلُ: تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ. وَالْمَفْهُومُ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ: مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ لَا فِي مَحَلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 ص (الْمَنْطُوقُ) وَالْمَفْهُومُ الدَّلَالَةُ مَنْطُوقٌ، وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَالْمَفْهُومُ، بِخِلَافِهِ، أَيْ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ. وَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ، وَهُوَ: مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ. وَغَيْرُ الصَّرِيحِ، بِخِلَافِهِ، وَهُوَ: مَا يَلْزَمُ عَنْهُ. فَإِنْ قَصَدَ وَتَوَقَّفَ الصِّدْقُ أَوِ الصِّحَّةُ الْعَقْلِيَّةُ أَوِ الشَّرْعِيَّةُ عَلَيْهِ فَـ " دَلَالَةُ اقْتِضَاءٍ ". مِثْلَ: " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ ". {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَأَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ، لِاسْتِدْعَائِهِ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ، لِتَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَاقْتَرَنَ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِتَعْلِيلِهِ - كَانَ بَعِيدًا فَـ " تَنْبِيهٌ وَإِيمَاءٌ " كَمَا سَيَأْتِي. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَـ " دَلَالَةُ إِشَارَةٍ ". مِثْلَ -: " «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ. قِيلَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي» "؛ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ أَكْثَرِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ، وَلَكِنَّهُ لَزِمَ مِنْ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ (فِي نُقْصَانِ دِينِهِنَّ) تَقْتَضِي ذِكْرَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) : مَعَ (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) . (وَكَذَلِكَ) (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا. وَمِثْلُهُ: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) إِلَى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ) . ص - ثُمَّ الْمَفْهُومُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] النُّطْقِ. مِثْلُ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] يَدُلُّ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ. وَالْمَنْطُوقُ صَرِيحٌ وَغَيْرُ صَرِيحٍ. فَالصَّرِيحُ: مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ. وَغَيْرُ الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ: مَا يَلْزَمُ عَمَّا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ. وَغَيْرُ الصَّرِيحِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَقْصِدَهُ الْمُتَكَلِّمُ، أَوْ لَا، فَإِنْ قَصَدَهُ وَتَوَقَّفَ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ، أَوْ تَوقَّفَ الصِّحَّةُ الْعَقْلِيَّةُ عَلَيْهِ، أَوْ تَوقَّفَ الصِّحَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَيْهِ، يُسَمَّى دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ " دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ ". مِثَالُ مَا تَوَقَّفَ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» "؛ فَإِنَّ مَا هُوَ لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَفْظُ الْخَطَأِ، وَهُوَ حُكْمُ الْخَطَأِ مَقْصُودٌ مِنْهُ، وَتَوَقَّفَ صِدْقُهُ عَلَيْهِ. مِثَالُ مَا تَوقَّفَ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ الْعَقْلِيَّةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: " {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] ". فَإِنَّ مَا هُوَ لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَفْظُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَهْلُ، مَقْصُودٌ مِنْهُ، وَتَوقَّفَ الصِّحَّةُ الْعَقْلِيَّةُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ سُؤَالَ الْقَرْيَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ عَقْلًا. مِثَالُ مَا تَوقَّفَ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ الشَّرْعِيَّةُ: قَوْلُكَ لِلْغَيْرِ: (أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ ; فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي التَّمْلِيكَ؛ لِتَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ شَرْعًا. فَالتَّمْلِيكُ لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ لَفْظُ أَعْتِقْ عَنِّي "، وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ الشَّرْعِيَّةُ. وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا يَلْزَمْ عَمَّا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَاقْتَرَنَ الْمَلْفُوظُ بِهِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِتَعْلِيلِ الْمَلْفُوظِ بِهِ - كَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ بَعِيدًا مِنَ الشَّارِعِ فَـ " تَنْبِيهٌ وَإِيمَاءٌ " كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْقِيَاسِ. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمُ مَا يَلْزَمُ عَمَّا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ، لَكِنْ يَحْصُلُ بِالتَّبَعِيَّةِ - فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ " دَلَالَةُ إِشَارَةٍ ". مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ، قِيلَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ ; قَالَ: تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي» "، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ: بَيَانَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ، وَلَكِنَّهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَقَلَّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ لِأَنَّ ذِكْرَ شَطْرِ الدَّهْرِ مُبَالَغَةٌ فِي بَيَانِ نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، وَلَوْ كَانَ الْحَيْضُ يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَذَكَرَهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( «وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا» ) مَعَ قَوْلِهِ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَقْصُودًا مِنَ اللَّفْظِ ظَاهِرًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا ; لِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ آخِرَ اللَّيْلِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَأَخَّرَ غُسْلُهُ إِلَى النَّهَارِ فَحِينَئِذٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَلْزَمُ جَوَازُ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ امْتِدَادِ الْمُبَاشَرَةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مَا ذَكَرْنَاهُ. [تعريف المفهوم وأقسامه] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَنْطُوقِ شَرَعَ فِي الْمَفْهُومِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ وَإِلَى مَفْهُومِ مُخَالَفَةٍ. فَالْأَوَّلُ، أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ: أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ مُوَافِقًا لِلْمَنْطُوقِ فِي الْحُكْمِ، وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَ الْخِطَابِ، أَيْ مَعْنَاهُ. مِثَالُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ: تَحْرِيمُ الضَّرْبِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِنَّ حُكْمَ الْمَفْهُومِ مِنَ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْمَفْهُومِ مِنْهُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ السُّكُوتُ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ، وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَ الْخِطَابِ؛ كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 وَكَالْجَزَاءِ بِمَا فَوْقَ الْمِثْقَالِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ} [الأنبياء: 94]   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وَكَتَأْدِيَةِ مَا دُونُ الْقِنْطَارِ مِنْ: (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) وَعَدَمِ الْآخَرِ مِنْ (لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) . وَهُوَ تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى فَلِذَلِكَ كَانَ فِي غَيْرِهِ أَوْلَى. وَيُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً فِي الْمَسْكُوتِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ قَوْمٌ: هُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ. لَنَا: الْقَطْعُ بِذَلِكَ لُغَةً قَبْلَ شَرْعِ الْقِيَاسِ. وَأَيْضًا: فَأَصْلُ هَذَا قَدْ يَنْدَرِجُ فِي الْفَرْعِ؛ مِثْلُ: لَا تُعْطِهِ ذَرَّةً   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 [فَإِنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الذَّرَّتَيْنِ] . قَالُوا: لَوْلَا الْمَعْنَى لَمَا حَكَمَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لُغَةً، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بِهِ النَّافِي لِلْقِيَاسِ، وَيَكُونُ قَطْعِيًّا، كَالْأَمْثِلَةِ. وَظَنِّيًّا، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَفَّارَةِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ. ص - مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُخَالِفًا، وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ. وَهُوَ أَقْسَامٌ. مَفْهُومُ الصِّفَةِ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ، مِثْلُ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] ، وَالْغَايَةِ، مِثْلُ: {حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] . وَالْعَدَدِ الْخَاصِّ، مِثْلُ: {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . وَشَرْطُهُ أَنْ لَا تَظْهَرَ أَوْلَوِيَّةٌ، وَلَا مُسَاوَاةٌ فِي الْمَسْكُوتِ، فَيَكُونَ مُوَافَقَةً. وَلَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ؛ مِثْلَ {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] . {فَإِنْ خِفْتُمْ} [البقرة: 229] " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا» ". وَلَا لِسُؤَالٍ، وَلَا حَادِثَةٍ، وَلَا تَقْدِيرِ جَهَالَةٍ أَوْ خَوْفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ. ص - فَأَمَّا مَفْهُومُ الصِّفَةِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَشْعَرِيُّ وَالْإِمَامُ وَكَثِيرٌ. وَنَفَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي، وَالْغَزَالِيُّ، وَالْمُعْتَزِلَةُ. الْبَصْرِيُّ: إِنْ كَانَ لِلْبَيَانِ كَالسَّائِمَةِ. أَوْ لِلتَّعْلِيمِ، كَالتَّحَالُفِ. أَوْ كَانَ مَا عَدَا الصِّفَةَ دَاخِلًا تَحْتَهَا؛ كَالْحُكْمِ بِالشَّاهِدَيْنِ. وَإِلَّا فَلَا. ص - الْمُثْبِتُونَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ» ": يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لَا يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ. وَفِي " «مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» " مِثْلَهُ. وَقِيلَ لَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» ": الْمُرَادُ: الْهِجَاءُ، وَهِجَاءُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَذِكْرِ الِامْتِلَاءِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ كَذَلِكَ، فَأَلْزَمَ مِنْ تَقْدِيرِ الصِّفَةِ (الْمَفْهُومَ) . وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهُمَا عَالِمَانِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ. فَالظَّاهِرُ فَهْمُهُمَا ذَلِكَ لُغَةً. قَالُوا: بَنَيَا عَلَى اجْتِهَادِهِمَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا التَّجْوِيزُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَفَهْمِ الْجَزَاءِ بِمَا فَوْقَ الْمِثْقَالِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] . وَكَفَهْمِ تَأْدِيَةِ مَا دُونَ الْقِنْطَارِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] . وَكَفَهْمِ عَدَمِ تَأْدِيَةِ مَا زَادَ عَلَى الدِّينَارِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] . وَالْقِنْطَارُ: الْمِعْيَارُ، وَنُقِلَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَلْفٌ وَمِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ، وَيُقَالُ: هُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا، وَيُقَالُ: مَلْءُ مَسْكِ الثَّوْرِ ذَهَبًا، وَالْمَسْكُ، بِالْفَتْحِ: الْجِلْدُ. وَالْمِثَالُ الثَّالِثُ مِنْ قَبِيلِ التَّنْبِيهِ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، وَبَاقِي الْأَمْثِلَةِ مِنْ قَبِيلِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى. (فَذَلِكَ، أَيْ فَلِأَجْلِ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَلْفُوظِ عَلَى الْمَفْهُومِ هُوَ التَّنْبِيهُ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى) أَوْ بِالْعَكْسِ، كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَلْفُوظِ - أَيِ الْمَسْكُوتِ - أَوْلَى مِنَ الْحُكْمِ فِي الْمَلْفُوظِ. وَيُعْرَفُ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ بِمَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ. وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْ ثَمَّ - أَيْ وَمِنْ أَجْلِ تَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَعْنَى فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَكَوْنِهِ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ - قَالَ قَوْمٌ: هُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّا نَقْطَعُ بِفَهْمِ الْمَعْنَى فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ لُغَةً قَبْلَ شَرْعِ الْقِيَاسِ، فَلَا يَكُونُ قِيَاسًا. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيَاسًا لَمْ يَنْدَرِجْ أَصْلُ هَذَا تَحْتَ الْفَرْعِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَلِأَنَّ أَصْلَ هَذَا قَدْ يَنْدَرِجُ فِي الْفَرْعِ؛ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: لَا تُعْطِ ذَرَّةً، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ مَنْعُ إِعْطَاءِ مَا فَوْقَ ذَرَّةٍ، وَالذَّرَّةُ مُنْدَرِجَةٌ فِيمَا فَوْقَهَا. الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ قِيَاسًا، قَالُوا: لَوْلَا الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقِ لَمَا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ. وَلَا مَعْنَى لِلْقِيَاسِ إِلَّا ذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّ وُجُودَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ شَرْطٌ لِدَلَالَةِ الْمَلْفُوظِ عَلَى حُكْمِ الْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلَّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ، لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْ ثَمَّ - أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ - قَالَ بِهِ النَّافِي لِلْقِيَاسِ. وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَكُونُ قَطْعِيًّا، وَإِلَى مَا يَكُونُ ظَنِّيًّا. وَالْقَطْعِيُّ: مَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِنْكَارٌ؛ مِثْلُ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالظَّنِّيُّ بِخِلَافِهِ؛ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْعَمْدِ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ بِقَوْلِهِ: " وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ " فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ ; لِأَنَّهُ الْأَوْلَى بِالْمُؤَاخَذَةِ، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ مُعَلَّلٌ بِالْمُؤَاخَذَةِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْخَاطِئِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ أَنْ يُكَفِّرَ ذَنْبَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ ; لِأَنَّ الْعَمْدَ فَوْقَ الْخَطَأِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكَفَّارَةِ رَافِعَةً لِإِثْمٍ أَدَقَّ كَوْنُهَا رَافِعَةً لِلْإِثْمِ الْأَعْلَى. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ: وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمَاضِي كَاذِبًا، مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ؛ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ، مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَكْلِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِالْغَمُوسِ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ. وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا أَوْلَى بِالْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ الْغَمُوسِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [أقسام مفهوم المخالفة] ش - مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُخَالِفًا لِلْمَنْطُوقِ فِي الْحُكْمِ وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ. وَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَقْسَامٍ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا أَرْبَعَةً ; لِكَوْنِهَا أَقْوَاهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ عَامًّا مُقْتَرِنًا بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ ". وَالثَّانِي - مَفْهُومُ الشَّرْطِ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ مُقَيَّدًا بِالشَّرْطِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] . الثَّالِثُ - مَفْهُومُ الْغَايَةِ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . الرَّابِعُ - مَفْهُومُ الْعَدَدِ؛ وَهُوَ أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى عَدَدٍ خَاصٍّ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَشَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا تَظْهَرَ أَوْلَوِيَّةٌ وَلَا مُسَاوَاةٌ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ أَوْلَوِيَّةٌ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ أَوْ مُسَاوَاةٌ - يَكُونُ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ. وَأَيْضًا: شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الرَّبَائِبِ أَنْ يَكُنَّ فِي حُجُورِ أَزْوَاجِ الْأُمَّهَاتِ، فَذَكَرَ هَذَا الْوَصْفَ لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ، لَا لِيَدُلَّ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ عَمَّا عَدَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] فَإِنَّ تَقْيِيدَ جَوَازِ الْخُلْعِ بِالشِّقَاقِ لِكَوْنِ الْخُلْعِ عِنْدَ الشِّقَاقِ بِحَسَبِ الْأَغْلَبِ. وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» "؛ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ إِذْنِ الْوَلِيِّ لَهَا وَامْتِنَاعِهِ مِنْ تَزْوِيجِهَا، فَتَقْيِيدُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بِقَوْلِهِ: " «بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا» " لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ عَدَمِ الْبُطْلَانِ عَمَّا عَدَاهُ، فَإِنَّهُ إِذَا نُكِحَتْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا أَيْضًا بَاطِلٌ. وَشَرْطُهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ وَارِدًا (فِي جَوَابِ سُؤَالٍ؛ مِثْلُ مَا إِذَا سُئِلَ عَنْ سَائِمَةِ الْغَنَمِ، فَأُجِيبَ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ، وَشَرْطُهُ أَيْضًا: أَنْ لَا يَكُونَ وَارِدًا) لِحَادِثَةٍ حَدَثَتْ فِي مِثْلِ مَا إِذَا مَرَّ بِشَاةِ مَيْمُونَةَ فَقَالَ: " دِبَاغُهَا طَهُورُهَا ". وَأَيْضًا: أَنْ لَا يَكُونَ لِتَقْدِيرِ جَهَالَةِ الْمُخَاطَبِ بِأَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُخَاطَبُ وُجُوبَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ وَيَعْلَمَ وُجُوبَ زَكَاةِ الْمَعْلُوفَةِ، فَيَقُولَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ؛ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا: أَنْ لَا يَكُونَ لِرَفْعِ خَوْفٍ؛ مِثْلُ مَا إِذَا قِيلَ لِلْخَائِفِ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ: جَازَ تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الْبَاعِثُ عَلَى التَّخْصِيصِ لَا يَكُونُ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ حُجَّةً. ش - اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى إِحْدَى صِفَتَيِ الذَّاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهَا؛ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] السَّلَامُ -: " «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» " فَإِنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْغَنَمِ الْمُقَيَّدِ بِوَصْفِ السَّائِمَةِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَمَّا عَدَا السَّائِمَةَ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي وَحُجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُعْتَزِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ. وَفَرَّقَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ: إِنْ وَرَدَ الْخِطَابُ لِلْبَيَانِ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» "، أَوْ لِلتَّعْلِيمِ؛ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» ) "، أَوْ كَانَ مَا عَدَا الصِّفَةَ دَاخِلًا تَحْتَ الصِّفَةِ، كَالْحُكْمِ بِالشَّاهِدَيْنِ - فَإِنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ دَاخِلٌ تَحْتِ الشَّاهِدَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُرُودُ الْخِطَابِ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ - فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ. ش - الْمُثْبِتُونَ - أَيِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى إِحْدَى صِفَتَيِ الذَّاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهَا لُغَةً - احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى إِحْدَى صِفَتَيِ الذَّاتِ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لُغَةً - لَمَا فَهِمَ أَهْلُ اللُّغَةِ ذَلِكَ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَفْهَمُونَ مِنَ اللَّفْظِ مَا لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ لُغَةً. وَأَمَّا بَيَانُ انْتِفَاءِ التَّالِي فَلِأَنَّهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 وَعُورِضَ بِمَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَذَلِكَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَمَنْ ذَكَرْنَاهُ أَرْجَحُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُثْبِتُ أَوْلَى. ص - وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ مَحَلِّ النُّطْقِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ. وَتَخْصِيصُ آحَادِ الْبُلَغَاءِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ مُمْتَنِعٌ، فَالشَّارِعُ أَجْدَرُ. اعْتُرِضَ: لَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَائِدَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِالِاسْتِقْرَاءِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّفْظِ فَائِدَةٌ سِوَى وَاحِدَةٍ - تَعَيَّنَتْ. وَأَيْضًا: ثَبَتَتْ دَلَالَةُ التَّنْبِيهِ بِالِاسْتِبْعَادِ اتِّفَاقًا فَهَذَا أَوْلَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] السَّلَامُ -: " «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ» ". يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لَا يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ". مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ. فَفُهِمَ مِنْ تَعْلِيقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْحُكْمِ عَلَى إِحْدَى صِفَتَيِ الذَّاتِ نَفْيَهُ عَمَّا عَدَاهَا، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَاللَّيُّ: الْمَطْلُ، وَالْوَاجِدُ: الْغَنِيُّ، وَالْمُرَادُ بِإِحْلَالِ عُقُوبَتِهِ: حَبْسُهُ، وَبِإِحْلَالِ عِرْضِهِ: مُطَالَبَتُهُ بِهِ. وَقِيلَ لِأَبِي عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ( «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» ". الْمُرَادُ بِالشِّعْرِ الْهِجَاءُ. وَهِجَاءُ الرَّسُولِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الشِّعْرِ: الْهِجَاءَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الِامْتِلَاءِ مَعْنًى ; لِأَنَّ قَلِيلَ الْهِجَاءِ كَذَلِكَ. فَأَلْزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ تَقْدِيرِ الصِّفَةِ، نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهَا. وَإِنَّمَا قَالَ: مِنْ تَقْدِيرِ الصِّفَةِ ; لِأَنَّ هَا هُنَا لَمْ يُقَيَّدِ اسْمٌ عَامٌّ بِصِفَةٍ ظَاهِرًا، كَمَا فِي الْغَنَمِ، لَكِنْ لَمَّا قِيلَ لِأَبِي عُبَيْدٍ: الْمُرَادُ مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الشِّعْرِ: الْهِجَاءُ قَدَّرَ الِامْتِلَاءَ صِفَةً لِلْهِجَاءِ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ: الْهِجَاءُ الَّذِي يَمْتَلِئُ مِنْهُ الْجَوْفُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ. وَهُمَا - أَيِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ - عَالِمَانِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فَهِمَا الْمَفْهُومَ لُغَةً، لَا اجْتِهَادًا. النَّافُونَ لِلْمَفْهُومِ قَالُوا: بَنَى الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْمَفْهُومَ عَلَى اجْتِهَادِهِمَا ; لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، إِلَّا أَنَّهُمَا فِي دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ، فَنَقْلُهُمَا قَدْ يَكُونُ مُسْتَنِدًا إِلَى الْوَضْعِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَنِدًا إِلَى الِاجْتِهَادِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ قَبُولُ نَقْلِهِمَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي اللُّغَةِ الْمُثْبَتَةِ بِقَوْلِهِمْ، جَوَازُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادِهِمْ ; لِأَنَّ احْتِمَالَ الِاجْتِهَادِ مَرْجُوحٌ، وَاحْتِمَالَ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْوَضْعِ رَاجِحٌ، وَالْمَرْجُوحُ لَا يَقْدَحُ فِي الرَّاجِحِ. وَعُورِضَ بِمَذْهَبِ الْأَخْفَشِ؛ فَإِنَّهُ نَقَلَ أَنَّ مَذْهَبَ الْأَخْفَشِ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى إِحْدَى صِفَتَيِ الذَّاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهَا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الْأَخْفَشِ، كَمَا ثَبَتَ خِلَافُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَلَوْ سُلِّمَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَذْهَبِ عَنِ الْأَخْفَشِ كَثُبُوتِ مَذْهَبِهِمَا لَكِنْ مَنْ ذَكَرْنَاهُ - وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ - أَرْجَحُ؛ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ. وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ رُجْحَانِهِمَا فَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ رَاجِحٌ عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ ; لِأَنَّ دَلِيلَنَا مُثْبِتٌ، وَدَلِيلَكُمْ نَافٍ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنَ النَّافِي. ش - هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ حُجَّةٌ، وَتَوْجِيهُهَا أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يَدُلَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِإِحْدَى صِفَتَيِ الذَّاتِ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهَا - لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ مَحَلِّ النُّطْقِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ مَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِمَةِ مَعْدُومٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهِ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي فَلِأَنَّ تَخْصِيصَ آحَادِ الْبُلَغَاءِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، فَتَخْصِيصُ الشَّارِعِ أَجْدَرُ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَكُونَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وَاعْتُرِضَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ أُسْقِطَ لَاخْتَلَّ الْكَلَامُ، فَلَا مُقْتَضَى لِلْمَفْهُومِ، وَأَعْتَرِفُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَقْوِيَةُ الدَّلَالَةٍ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصٌ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ فَرْعُ الْعُمُومِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَإِنْ سُلِّمَ فِي بَعْضِهَا خَرَجَ ; فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ شَيْءٌ يَقْتَضِي تَخْصِيصُهُ سِوَى الْمُخَالَفَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ ثَوَابُ الِاجْتِهَادِ بِالْقِيَاسِ فِيهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْمُسَاوَاةِ يَخْرُجُ وَإِلَّا انْدَرَجَ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَصْرِ لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ؛ إِذْ لَا وَاسِطَةَ. وَلَيْسَ لِلِاشْتِرَاكِ بِالِاتِّفَاقِ. وَأُجِيبُ: إِنْ عَنَى السَّائِمَةَ فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ. وَإِنْ عَنَى إِيجَابَ الزَّكَاةِ فِيهَا فَلَا دَلَالَةَ [لَهُ] ، عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. ص - الْإِمَامُ: لَوْ لَمْ يُفِدِ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدِ الِاخْتِصَاصَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَالثَّانِيَةُ مَعْلُومَةٌ. وَهُوَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ إِنْ عَنَى لَفْظَ السَّائِمَةِ فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ. وَإِنْ عَنَى الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْحَصْرِ، وَيَجْرِيَانِ مَعًا فِي اللَّقَبِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَئِمَّةٌ فُضَلَاءُ، لَنَفَرَتِ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا نَفَرَتْ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ النَّفْرَةَ مِنْ تَرْكِهِمْ عَلَى الِاحْتِمَالِ، كَمَا يُنْفَرُ مِنَ التَّقْدِيمِ. أَوْ لِتَوَهُّمِ الْمُعْتَقِدِينَ ذَلِكَ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» ؛ فَفُهِمَ أَنَّ مَا زَادَ بِخِلَافِهِ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ. وَأُجِيبُ بِمَنْعِ فَهْمِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا مُبَالَغَةٌ؛ فَتَسَاوَيَا. أَوْ لَعَلَّهُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْجَوَازِ فَلَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ. الِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ - أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَرْجِعُ إِلَى إِثْبَاتِ الْوَضْعِ - أَيْ دَلَالَةِ الْمَنْطُوقِ عَلَى الْمَفْهُومِ لُغَةً - بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: لَا فَائِدَةَ لِلتَّخْصِيصِ سِوَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفَ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ لُغَةً، وَلَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِالْفَائِدَةِ. أَجَابَ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أُثْبِتَ الْوَضْعُ بِالْفَائِدَةِ، بَلْ أُثْبِتَ بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّفْظِ سِوَى فَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الْفَائِدَةُ لِكَوْنِهَا مُرَادَةً مِنَ اللَّفْظِ. الثَّانِي - أَنَّهُ ثَبَتَ دَلَالَةُ التَّنْبِيهِ بِالِاسْتِبْعَادِ اتِّفَاقًا ; فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي أَقْسَامِ الصَّرِيحِ أَنَّهُ إِذَا اقْتَرَنَ بِالْحُكْمِ مَعْنًى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِتَعْلِيلِهِ - اسْتُبْعِدَ ذِكْرُهُ مَعَهُ، يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِلَّةً. فَإِثْبَاتُ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ حَذَرًا عَنْ لُزُومِ الِامْتِنَاعِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَوْلَى. الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي - الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ مَنْقُوضٌ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ; فَإِنَّ الدَّلِيلَ بِعَيْنِهِ قَائِمٌ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ: تَخْصِيصُ الِاسْمِ بِالْحُكْمِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فَائِدَةٍ سِوَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْفَوَائِدَ الْمُتَقَدِّمَةَ مَنْفِيَّةٌ. وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ مَرْدُودٌ بِالِاتِّفَاقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَمَفْهُومِ الصِّفَةِ؛ فَإِنَّ فَائِدَةَ تَخْصِيصِ اللَّقَبِ بِالذِّكْرِ حُصُولُ الْكَلَامِ ; لِأَنَّهُ لَوْ أُسْقِطَ لَاخْتَلَّ الْكَلَامُ، فَلَا يَتَحَقَّقُ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ فِيهِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ تَعَيُّنُ الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنِ الْفَائِدَةُ الْمَذْكُورَةُ لِتَحَقُّقِ فَائِدَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ حُصُولُ الْكَلَامِ. بِخِلَافِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ؛ فَإِنَّ حُصُولَ الْكَلَامِ لَا يَكُونُ فَائِدَةً لِتَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ ; فَإِنَّهُ لَوْ أُسْقِطَتِ الصِّفَةُ لَمْ يَخْتَلَّ الْكَلَامُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ سِوَى الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَيَتَحَقَّقُ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ فِيهِ. الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ - أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ - عَمَّا عَدَاهُ - لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ ذِكْرِ الصِّفَةِ تَقْوِيَةَ دَلَالَةِ مَا جُعِلَ الْوَصْفُ وَصْفًا لَهُ عَلَى إِفْرَادِهِ الصِّفَةَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُ تِلْكَ الْأَفْرَادِ عَمَّا جُعِلَ الْوَصْفُ وَصْفًا لَهُ؟ أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَرْعُ الْعُمُومِ، أَيْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا كَانَ الِاسْمُ الْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ عَامًّا، وَلَا قَائِلَ بِعُمُومِ مِثْلِ هَذَا الِاسْمِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ الْعُمُومُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ غَيْرُ الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ سِوَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ فَيَكُونَ غَيْرُ الْمَفْرُوضِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ - أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنْ لَا فَائِدَةَ لِلتَّخْصِيصِ سِوَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ ثَوَابَ الِاجْتِهَادِ بِالْقِيَاسِ فِيهِ؛ فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهِ، فَيَجْتَهِدَ الْمُجْتَهِدُ وَيُثْبِتُ الْحُكْمَ فِي صُورَةٍ أُخْرَى، فَيَحْصُلَ ثَوَابُ الِاجْتِهَادِ؟ أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ يَخْرُجُ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ; إِذِ النِّزَاعُ إِنَّمَا وَقَعَ فِيمَا لَا يَكُونُ غَيْرُ الْمَنْطُوقِ مُسَاوِيًا لِلْمَنْطُوقِ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصْفِ انْدَرَجَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ لَهُ سِوَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ ; لِاسْتِحَالَةِ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ. ش - اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الصِّفَةِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهَا، بِأَنَّ ذِكْرَ الْوَصْفِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَصْرِ لَزِمَ اشْتِرَاكُ أَفْرَادِ الْمَنْطُوقِ، مِثْلَ أَفْرَادِ السَّائِمَةِ، وَأَفْرَادِ الْمَفْهُومِ مِثْلَ أَفْرَادِ الْمَعْلُوفَةِ فِي الْحُكْمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالِاشْتِرَاكِ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَوَّلُ ثَبَتَ الثَّانِي. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْحَصْرِ حَصْرَ السَّائِمَةِ - أَيِ اخْتِصَاصَهَا بِهَذَا الصِّنْفِ مِنَ الْغَنَمِ وَعَدَمَ تَنَاوُلِهِ لِلْمَعْلُوفَةِ - فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ؛ إِذْ لَا نِزَاعَ فِي اخْتِصَاصِ السَّائِمَةِ بِهِ. وَإِنْ أَرَادَ بِالْحَصْرِ حَصْرَ إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ وَنَفْيَهُ عَنِ الْمَعْلُوفَةِ فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ. قَوْلُهُ: إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالِاشْتِرَاكِ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ ; إِذِ النِّزَاعُ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْمَذْكُورِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى النَّفْيِ دَلَالَتُهُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْحَصْرِ وَالِاشْتِرَاكِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - اسْتَدَلَّ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ يُفِيدُ الْحَصْرَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدْ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدِ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالصِّنْفِ الْمَذْكُورِ دُونَ غَيْرِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ ; لِأَنَّ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ هُوَ الْحَصْرُ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي، فَلِأَنَّ فَائِدَةَ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالصِّنْفِ الْمَذْكُورِ دُونَ غَيْرِهِ مَعْلُومَةٌ. وَأَشَارَ إِلَى انْتِفَاءِ التَّالِي بِقَوْلِهِ: وَالثَّانِيَةُ مَعْلُومَةٌ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ ; فَإِنَّهُ إِنْ عَنَى بِالْحَصْرِ حَصْرَ لَفْظِ السَّائِمَةِ - أَيِ اخْتِصَاصَهَا بِهَذَا الصِّنْفِ وَعَدَمَ تَنَاوُلِهِ لِلْمَعْلُوفَةِ - فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ ; إِذْ لَا نِزَاعَ فِي اخْتِصَاصِ السَّائِمَةِ بِهِ. وَإِنْ عَنَى بِالْحَصْرِ، حَصْرَ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالسَّائِمَةِ - أَيِ اخْتِصَاصَهُ بِالسَّائِمَةِ، وَنَفْيَهُ عَمَّا عَدَاهَا - فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ هُوَ الْحَصْرُ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ؛ إِذْ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ: دَلَالَتُهُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَعَدَمُ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا عَدَاهُ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْحَصْرِ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا عَدَاهُ - انْحِصَارُ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ. وَنُقِضَ هَذَانِ الِاسْتِدْلَالَانِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ; فَإِنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَعًا فِيهِ، وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. ش - وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ - بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَئِمَّةٌ فُضَلَاءُ نَفَرَتِ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ - أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ دَالًّا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ - لَمَا نَفَرَتِ الشَّافِعِيَّةُ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْرَةَ الشَّافِعِيَّةِ لِأَجْلِ تَخْصِيصِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ؛ بَلِ النَّفْرَةُ مِنْ تَرْكِهِمْ عَلَى الِاحْتِمَالِ ; فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْحَنَفِيَّةِ بِالذِّكْرِ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِفَضْلِهِمْ، وَتَرْكَ الشَّافِعِيَّةِ يُوجِبُ الِاحْتِمَالَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ النَّفْرَةَ ; كَمَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ يُوجِبُ النَّفْرَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوِ النَّفْرَةُ لِتَوَهُّمِ الْمُعْتَقِدِينَ ذَلِكَ؛ أَيْ نَفْرَةُ الشَّافِعِيَّةِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمُعْتَقِدِينَ مَفْهُومَ الصِّفَةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَئِمَّةً فُضَلَاءَ. ش - وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِأَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ فِي حَقِّ أَقَارِبِ الرَّسُولِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] قَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " وَاللَّهِ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» ) ". فَفَهِمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ مَا زَادَ عَلَى سَبْعِينَ بِخِلَافِهِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ دَالًّا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ - لَمَا فَهِمَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ. وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُ هَذَا الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ صِحَّتِهِ كَمَا مَنَعَهُ بَعْضٌ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِمَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُبَالَغَةٌ فِي أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُفِيدُ الْغُفْرَانَ؛ فَتَسَاوَيَا؛ أَيْ سَبْعِينَ وَمَا فَوْقَهُ فِي عَدَمِ الْغُفْرَانِ بِهِمَا. وَإِنَّمَا قَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «وَاللَّهِ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» ". اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ، لَا لِفَهْمِهِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِهِ. أَوْ لَعَلَّ وُقُوعَ الْمَغْفِرَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى سَبْعِينَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ وُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى سَبْعِينَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ثَابِتٌ، فَلَمْ يَفْهَمِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَوَازَ وُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ عَلَى السَّبْعِينَ مِنْ تَخْصِيصِ السَّبْعِينَ بِالذِّكْرِ. ش - وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِقَوْلِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ لَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: 101] . فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَعَجَّبْتَ مِمَّا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 ص - وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ لِعُمَرَ: مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة: 282] فَقَالَ: تَعَجَّبْتَ مِمَّا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ، فَسَأَلْتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: " «إِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ". فَفَهِمَا نَفْيَ الْقَصْرِ حَالَ عَدَمِ الْخَوْفِ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عُمَرَ. وَأُجِيبُ: لِجَوَازِ أَنَّهُمَا اسْتَصْحَبَا وُجُوبَ الْإِتْمَامِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ أَكْثَرُ، فَكَانَ أَوْلَى تَكْثِيرُ الْفَائِدَةِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ يَدُلُّ عَلَى الْوَضْعِ. وَمَا قِيلَ مِنْ: أَنَّهُ دَوْرٌ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، وَبِالْعَكْسِ - يَلْزَمُهُمْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. وَجَوَابُهُ أَنَّ دَلَالَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِ تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ عِنْدَهَا، لَا عَلَى حُصُولِ الْفَائِدَةِ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَمْ يَكُنِ " السَّبْعُ " فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» " - مُطَهِّرَةً ; لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. وَكَذَلِكَ " «خَمْسُ رَضَعَاتٍ (يُحَرِّمْنَ) » . ص - النَّافِي: لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ. وَهُوَ عَقْلِيٌّ وَنَقْلِيٌّ إِلَى آخِرِهِ. وَأُجِيبُ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ وَالْقَطْعِ بِقَبُولِ الْآحَادِ، كَالْأَصْمَعِيِّ أَوِ الْخَلِيلِ أَوْ أَبِي عُبَيْدٍ أَوْ سِيبَوَيْهِ. قَالُوا: لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ فِي الْخَبَرِ. وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: " فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى خِلَافِهِ قَطْعًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَفَهِمَ عُمَرُ وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ تَخْصِيصِ الْقَصْرِ بِحَالِ الْخَوْفِ نَفْيَ الْقَصْرِ حَالَ عَدَمِ الْخَوْفِ، وَأَقَرَّهُمَا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ، وَلَوْ لَمْ يَدُلَّ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ - لَمَا فَهِمَا، وَلَمَا أَقَرَّهُمَا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعَجُّبُهُمَا مِنْ جَوَازِ الْقَصْرِ حَالَ الْأَمْنِ لِأَجْلِ اسْتِصْحَابِهِمَا وُجُوبَ الْإِتْمَامِ حَالَةَ الْأَمْنِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَهْمُ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ حَالَ الْأَمْنِ مِنْ تَخْصِيصِ الْقَصْرِ بِحَالِ الْخَوْفِ. ش - وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْقَوْلِ بِهِ أَكْثَرُ مِنَ الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ ; لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ [بِهِ] يَكُونُ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَى الْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ وَعَلَى عَدَمِهِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ. بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ اللَّفْظُ حِينَئِذٍ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ. وَمَا هُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً - كَانَ أَوْلَى تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا الدَّلِيلُ إِنَّمَا يَقُومُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَجْعَلُ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ دَالًّا عَلَى الْوَضْعِ، أَيْ طَرِيقًا مُثْبِتًا لِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى، وَلَا يَقُومُ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَجْعَلْ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ دَالًّا عَلَى الْوَضْعِ. قِيلَ: هَذَا الدَّلِيلُ لَا يَسْتَقِيمُ ; لِأَنَّ فِيهِ دَوْرًا ; لِأَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، لِأَنَّ دَلَالَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَضْعِ وَالْوَضْعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ لِكَوْنِ الْوَضْعِ مُعَلَّلًا بِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، وَبِالْعَكْسِ، أَيْ تَكْثِيرُ الْفَائِدَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ ; لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ؛ فَيَكُونُ دَوْرًا. أَجَابَ عَنْهُ بِنَقْضَيْنِ: إِجْمَالِيٍّ وَتَفْصِيلِيٍّ. أَمَّا الْإِجْمَالِيُّ فَبِأَنْ يُقَالَ: لَوْ صَحَّ هَذَا الدَّلِيلُ لَزِمَهُمُ الدَّوْرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، بِأَنْ يُقَالَ: دَلَالَةُ اللَّفْظِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَضْعِ، وَالْوَضْعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفَائِدَةِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ إِنَّمَا وُضِعَ لِلْفَائِدَةِ، فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْفَائِدَةِ، وَالْفَائِدَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلَالَةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] اللَّفْظُ دَالًّا لَمْ تَتَحَقَّقِ الْفَائِدَةُ. فَيَكُونُ دَوْرًا. وَأَمَّا التَّفْصِيلِيُّ فَبِأَنْ يُقَالَ: دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِ تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، لَا عَلَى حُصُولِ تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، وَتَعَقُّلُ تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلَالَةِ. بَلْ حُصُولُ تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلَالَةِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. ش - وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ لَمْ يَكُنِ " السَّبْعُ " فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» مُطَهِّرَةً. وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ " الْخَمْسُ " فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «خَمْسُ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ» - مُحَرِّمَةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَدُلَّ تَخْصِيصُ " السَّبْعِ " وَالْخَمْسِ بِالذِّكْرِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ فِيمَا دُونَهُمَا - يَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِمَا دُونَ السَّبْعِ، وَالتَّحْرِيمُ بِمَا دُونَ الْخَمْسِ، فَلَا يَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِالسَّبْعِ، وَلَا التَّحْرِيمُ بِالْخَمْسِ وَإِلَّا لَكَانَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ. وَلَمْ يَتَوَجَّهِ الْمُصَنِّفُ لِجَوَابِهِ. قِيلَ فِي جَوَابِهِ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ السَّبْعِ عَلَى نَفْيِ الطَّهَارَةِ فِيمَا دُونَهُا، وَعَدَمِ دَلَالَةِ الْخَمْسِ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ عَمَّا دُونَهُا - أَنْ يَكُونَ مَا دُونَ السَّبْعِ مُطَهِّرًا وَمَا دُونَ الْخَمْسِ مُحَرِّمًا ; لِجَوَازِ عَدَمِ ثُبُوتِ الطَّهَارَةِ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ، وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ بِمَا دُونَ الْخَمْسِ بِدَلِيلٍ آخَرَ. ش - النَّافُونَ، أَيِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الصِّفَةِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهَا، تَمَسَّكُوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ لَوَ ثَبَتَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالصِّفَةِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهَا لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ ; إِذِ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ بَاطِلٌ. وَالتَّالِي لَازِمُ الِانْتِفَاءِ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلِيًّا أَوْ نَقْلِيًّا. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ; إِذْ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي الدَّلَالَاتِ الْوَضْعِيَّةِ. وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ النَّقْلِيَّ إِفَادَتُهُ مَشْرُوطَةٌ بِالتَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ الْآحَادَ لَا تُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَالظَّنُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إِثْبَاتِ اللُّغَةِ، وَالتَّوَاتُرُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعِ الْخِلَافُ. أَجَابَ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ التَّوَاتُرِ، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِقَبُولِ الْآحَادِ فِي إِثْبَاتِ اللُّغَةِ، كَنَقْلِ الْأَصْمَعِيِّ أَوِ الْخَلِيلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وَأُجِيبُ بِالْتِزَامِهِ. وَبِأَنَّهُ قِيَاسٌ. وَلَا يَسْتَقِيمَانِ. وَالْحَقُّ: الْفَرْقُ بِأَنَّ الْخَبَرَ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ غَيْرُ مُخْبَرٍ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ حَاصِلًا. بِخِلَافِ الْحُكْمِ ; إِذْ لَا خَارِجِيَّ لَهُ، فَيَجْرِيَ فِيهِ ذَلِكَ. قَالُوا: لَوْ صَحَّ لَمَا صَحَّ: أَدِّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ. كَمَا لَا يَصِحُّ: لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَاضْرِبْهُ ; لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَلِلتَّنَاقُضِ. (وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ، وَلَا تَنَاقُضَ فِي الظَّاهِرِ) . قَالُوا: لَوْ كَانَ لَمَا ثَبَتَ خِلَافُهُ لِلتَّعَارُضِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي نَحْوِ {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] . وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَاطِعَ عَارَضَ الظَّاهِرَ فَلَمْ يَقْوَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 وَتَجِبُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ بِالدَّلِيلِ. ص - وَأَمَّا مَفْهُومُ الشَّرْطِ فَقَالَ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا يَقُولُ بِالصِّفَةِ، وَالْقَاضِي وَعَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْبَصْرِيُّ عَلَى الْمَنْعِ. الْقَائِلُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ. وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ. وَأُجِيبُ: قَدْ يَكُونُ سَبَبًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْ سِيبَوَيْهِ. الثَّانِي - لَوْ ثَبَتَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالصِّفَةِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهَا - لَثَبَتَ فِي الْخَبَرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَلَامًا مُقَيَّدًا بِالْوَصْفِ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ مَنْ قَالَ: " فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ " لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، أَيْ لَيْسَ فِي الشَّامِ الْغَنَمُ الْمَعْلُوفَةُ. أُجِيبُ بِالْتِزَامِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ فِي الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ انْتِفَاءُ التَّالِي مَمْنُوعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأُجِيبُ أَيْضًا بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ، فَإِنَّ حَاصِلَ مَا ذَكَرْتُمْ فِي بَيَانِ الْمُلَازَمَةِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إِثْبَاتِ اللُّغَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَسْتَقِيمُ الْجَوَابَانِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الْقَائِلِينَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ الِالْتِزَامُ الْمَذْكُورُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قِيَاسًا فِي اللُّغَةِ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَةِ هُوَ إِلْحَاقُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ فِي التَّسْمِيَةِ بِمُسَمًّى لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ هَا هُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالْخَبَرِ؛ فَإِنَّ الْخَبَرَ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ غَيْرُ مُخْبَرٍ بِهِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ حَاصِلًا لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ ; لِجَوَازِ حُصُولِهِ بِدُونِ الْخَبَرِ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ لَهُ أَمْرٌ خَارِجِيٌّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ الْخَارِجِيُّ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ. بِخِلَافِ الْحُكْمِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِهِ - لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ حَاصِلًا لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ ; إِذْ لَا خَارِجِيَّ لِلْحُكْمِ، فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الْخَبَرِ. الثَّالِثُ - لَوْ صَحَّ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ - لَمَا صَحَّ: أَدِّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ، كَمَا لَا يَصِحُّ " لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ " وَاضْرِبْهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ بِقَوْلِهِ: أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ. وَلِلُزُومِ التَّنَاقُضِ ; لِأَنَّ وُجُوبَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ إِذَا كَانَ دَالًّا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الْمَعْلُوفَةِ - كَانَ التَّعْقِيبُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ جَارِيًا مَجْرَى لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا؛ وَهُوَ تَنَاقُضٌ. أَجَابَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ عَدَمُ تَخْصِيصِ الْمَعْلُوفَةِ بِالِاجْتِهَادِ عَنِ الْعُمُومِ وَلَا تَنَاقُضَ فِي الظَّاهِرِ؛ فَإِنَّ دَلَالَةَ تَخْصِيصِ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، لَا بِحَسَبِ الْقَطْعِ. فَيَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ عَنِ الظَّاهِرِ إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ، فَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. الرَّابِعُ - لَوْ كَانَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ دَالًّا عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لَمَا ثَبَتَ خِلَافُهُ؛ أَيْ لَمَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيمَا عَدَاهُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ التَّعَارُضُ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَلِأَنَّهُ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيمَا عَدَا الْمَذْكُورَ فِي نَحْوِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الرِّبَا حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً. أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الرِّبَا إِذَا لَمْ يَكُنْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً بِحَسَبِ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ ; لَكِنَّ الْقَاطِعَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: " {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] " عَارَضَهُ. فَانْدَفَعَ الظَّاهِرُ (فَلَمْ يَقْوَ الْمَفْهُومُ) . وَالتَّعَارُضُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ يَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَصْلِ تَجِبُ بِالدَّلِيلِ. ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إِذَا عُلِّقَ حُكْمٌ عَلَى شَرْطٍ هَلْ يَنْتَفِي ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ أَمْ لَا؟ . فَكُلُّ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ قَالَ يَنْتَفِي ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُنْكِرِينَ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ أَيْضًا بِانْتِفَاءِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ. وَذَهَبَ الْقَاضِي وَعَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْبَصْرِيُّ إِلَى الْمَنْعِ؛ أَيْ لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. احْتَجَّ الْقَائِلُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - مَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنَّ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ فَهِمُوا ذَلِكَ، وَاللُّغَةُ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 قُلْنَا: أَجْدَرُ إِنْ قِيلَ بِالِاتِّحَادِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، إِنْ قِيلَ بِالتَّعَدُّدِ. وَأَوْرَدَ {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] . وَأُجِيبُ بِالْأَغْلَبِ. وَبِمُعَارَضَةِ الْإِجْمَاعِ. ص - مَفْهُومُ الْغَايَةِ. قَالَ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا يَقُولُ بِالشَّرْطِ) ، كَالْقَاضِي وَعَبْدِ الْجَبَّارِ. الْقَائِلُ بِهِ: مَا تَقَدَّمَ. وَبِأَنَّ مَعْنَى: صُومُوا إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، آخِرُهُ غَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ. فَلَوْ قُدِّرَ وُجُوبٌ بَعْدَهُ - لَمْ يَكُنْ آخِرًا. ص - وَأَمَّا مَفْهُومُ اللَّقَبِ، فَقَالَ بِهِ الدَّقَّاقُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَزَيْدٌ مَوْجُودٌ. وَأَشْبَاهِهِ ظُهُورُ الْكُفْرِ. وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْقِيَاسِ لِظُهُورِ الْأَصْلِ فِي الْمُخَالَفَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِيَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَلَا مَفْهُومَ، فَكَيْفَ بِهِ هَا هُنَا. ص - قَالُوا: لَوْ قَالَ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ وَلَا أُخْتِي - تَبَادَرَ نِسْبَةُ الزِّنَا إِلَى أُمِّ خَصْمِهِ وَأُخْتِهِ، وَوَجَبَ الْحَدُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ. قُلْنَا: مِنَ الْقَرَائِنِ، لَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. ص - وَأَمَّا الْحَصْرُ بِـ " إِنَّمَا ". فَقِيلَ: لَا يُفِيدُ. وَقِيلَ مَنْطُوقٌ. وَقِيلَ: مَفْهُومٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " مَا تَقَدَّمَ " التَّمَسُّكُ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي الْقَصْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ مُزَيَّفٌ فَلَا يُتَمَسَّكُ بِهِ. الثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ الشَّرْطُ شَرْطًا. أُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَا وَقَعَ شَرْطًا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ السَّبَبِ انْتِفَاءُ الْمُسَبَّبِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّهُ إِنْ قِيلَ بِاتِّحَادِ السَّبَبِ، فَهُوَ أَجْدَرُ بِأَنْ يَنْتَفِيَ الْمُسَبَّبُ بِانْتِفَائِهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُوجِبًا لِوُجُودِ الْمُسَبِّبِ، فَيَلْزَمُ مِنَ انْتِفَائِهِ الْمُسَبَّبِ قَطْعًا. وَإِنْ قِيلَ بِتَعَدُّدِ السَّبَبِ فَيُمْنَعُ التَّعَدُّدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. فَيَلْزَمُ مِنَ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْمُسَبَّبِ ظَاهِرًا. وَأَوْرَدَ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] ؛ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبِغَاءِ عُلِّقَتْ عَلَى إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ انْتِفَاءِ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ، انْتِفَاءُ حُرْمَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبِغَاءِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِكْرَاهِ ثَابِتَةٌ عِنْدَ عَدَمِ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ. أَجَابَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَحَدُهُمَا - أَنَّ وُقُوعَ الْإِكْرَاهِ بِحَسِبِ الْأَغْلَبِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ بَلْ لَا يَقَعُ الْإِكْرَاهُ إِلَّا عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ؛ لِأَنَّ الْفَتَيَاتِ إِذَا لَمْ يُرِدْنَ التَّحَصُّنَ امْتَنَعَ إِكْرَاهُهُنَّ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُوجِبُ لِلتَّخْصِيصِ كَوْنَهُ وَاقِعًا بِحَسَبِ الْأَغْلَبِ. الثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ عَلَى انْتِفَاءِ حُرْمَةِ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ عَدَمِ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ، وَالْإِجْمَاعُ الْقَاطِعُ عَارَضَ الظَّاهِرَ فَانْدَفَعَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَنْدَفِعُ بِالْقَاطِعِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَفْهُومُ الشَّرْطِ. ش - اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ إِذَا قُيِّدَ بِغَايَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] هَلْ يَكُونُ دَالًّا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ أَمْ لَا؟ . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَكُلُّ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ قَالَ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ. وَقَالَ بِهِ أَيْضًا بَعْضُ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، كَالْقَاضِي وَعَبْدِ الْجَبَّارِ. احْتَجَّ الْقَائِلُ بِهِ بِمَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنَّ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ فَهِمُوا ذَلِكَ إِلَى آخِرِهِ. وَبِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: وَصُومُوا إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ: صُومُوا صَوْمًا آخِرُهُ غَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ، فَلَوْ قُدِّرَ وُجُوبٌ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لَمْ تَكُنِ الْغَيْبُوبَةُ آخِرًا بَلْ وَسَطًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ عَلَى اسْمٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ - مِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ» " إِلَى آخِرِهِ. وَذَهَبَ الدَّقَّاقُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ. قَوْلُهُ: " قَدْ تَقَدَّمَ " إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَبَيْنَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ؛ وَهُوَ أَنَّ فَائِدَةَ تَخْصِيصِ الِاسْمِ حُصُولُ الْكَلَامِ؛ فَإِنَّهُ لَوِ أُسْقِطَ الِاسْمُ لَاخْتَلَّ الْكَلَامُ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُقْتَضَى لِلْمَفْهُومِ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْمُقْتَضَى لِلْمَفْهُومِ هُوَ انْتِفَاءُ فَائِدَةِ التَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أُسْقِطَ الصِّفَةُ لَمْ يَخْتَلَّ الْكَلَامُ فَيَتَحَقَّقُ الْمُقْتَضَى لِلْمَفْهُومِ، وَهُوَ انْتِفَاءُ فَائِدَةِ التَّخْصِيصِ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ دَالًّا عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لَلَزِمَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَ " زَيْدٌ مَوْجُودٌ " ظُهُورُ الْكُفْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " أَنَّ عِيسَى لَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ. وَمِنْ قَوْلِهِ: " زَيْدٌ مَوْجُودٌ " أَنَّ الْإِلَهَ لَهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ؛ وَهُوَ يُوجِبُ الْكُفْرَ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ. وَإِنَّمَا قَالَ: " ظُهُورُ الْكُفْرِ " ; لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ بِحَسَبِ الظُّهُورِ، لَا بِحَسَبِ الْقَطْعِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ دَالًّا عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لَزِمَ مِنْهُ إِبْطَالُ الْقِيَاسِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ دَالًّا عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لَكَانَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فِي مُخَالَفَةِ الْفَرْعِ لَهُ فِي الْحُكْمِ، لِأَنَّ النَّصَّ أَوِ الْإِجْمَاعَ الدَّالَّ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ يَكُونُ حِينَئِذٍ دَالًّا عَلَى نَفْيِ حُكْمٍ عَنِ الْفَرْعِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، فَلَوْ عُمِلَ بِالْقِيَاسِ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ النَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. أَجَابَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ، يَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِيَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُكَمِ، وَشَرْطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَدَمُ مُسَاوَاةِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ، فَلَا مَفْهُومَ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، بَلْ يُحْمَلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ عَلَى الْمَنْطُوقِ بِالْقِيَاسِ، فَكَيْفَ بِالْقِيَاسِ هَا هُنَا؛ أَيْ فِي مَفْهُومِ اللَّقَبِ الَّذِي هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، لَا يُحْمَلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ عَلَى الْمَنْطُوقِ إِذَا وُجِدَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ. ش - الْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ قَالُوا: لَوْ قَالَ قَائِلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ وَلَا أُخْتِي - تَبَادَرَ إِلَى الْفَهْمِ نِسْبَةُ الزِّنَا إِلَى أُمِّ خَصْمِهِ وَأُخْتِهِ، فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْقَائِلِ حَدُّ الْقَذْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ دَالًّا عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لَمَا تَبَادَرَ إِلَى الْفَهْمِ نِسْبَةُ الزِّنَا إِلَى أُمِّ خَصْمِهِ وَأُخْتِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ تَبَادُرَ نِسْبَةِ الزِّنَا إِلَى أُمِّ خَصْمِهِ وَأُخْتِهِ إِلَى الْفَهْمِ مِنَ الْقَرَائِنِ، لَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ. ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِـ " إِنَّمَا ". مِثْلَ إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ، هَلْ يُفِيدُ إِثْبَاتَ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَنَفْيَ سَائِرِ الصِّفَاتِ عَنْهُ أَمْ لَا ; فَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ. وَقِيلَ: يُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَنْطُوقِ. وَقِيلَ: يُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ. احْتَجَّ الْقَائِلُ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ " وَمَا " زَائِدٌ، وَالزَّائِدُ كَالْعَدَمِ، فَكَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ، لَا بِحَسَبِ الْمَنْطُوقِ، وَلَا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْحُجَّةَ عَيْنُ الدَّعْوَى. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُ بِالْمَذْهَبِ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] بِمَعْنَى: مَا إِلَهُكُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَكَمَا أَنَّ الثَّانِيَ يُفِيدُ الْحَصْرَ بِالْمَنْطُوقِ، فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 الْأَوَّلُ - إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ، بِمَعْنَى إِنَّ زَيْدًا، وَالزَّائِدُ كَالْعَدَمِ. الثَّانِي - {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] بِمَعْنَى مَا إِلَهُكُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ الْمُدَّعَى. وَأَمَّا مِثْلُ " «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» " وَ " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ» " - فَضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعُمُومَ فِيهِ لِغَيْرِهِ؛ فَلَا يَسْتَقِيمُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ وَلَا ظَاهِرًا. ص - وَأَمَّا مَفْهُومُ الْحَصْرِ فَمِثْلُ صَدِيقِي زَيْدٌ، وَالْعَالِمُ زَيْدٌ، وَلَا قَرِينَةَ عَهْدٍ ; فَقِيلَ: لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ: مَنْطُوقٌ، وَقِيلَ: مَفْهُومٌ. الْأَوَّلُ - لَوْ أَفَادَ لَأَفَادَهُ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِمَا لَا يَصْلُحُ لِلْجِنْسِ وَلَا لِمَعْهُودٍ مُعَيَّنٍ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ، وَهُوَ دَلِيلُهُمْ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ لَكَانَ التَّقْدِيمُ يُغَيِّرُ مَدْلُولَ الْكَلِمَةِ. ص - الْقَائِلُ بِهِ: لَوْ لَمْ يُفِدْهُ لَأَخْبَرَ عَنِ الْأَعَمِّ بِالْأَخَصِّ؛ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ وَالْعَهْدِ، فَوَجَبَ جَعْلُهُ لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ بِمَعْنَى الْكَامِلِ وَالْمُنْتَهِي. قُلْنَا: صَحِيحٌ، وَاللَّامُ لِلْمُبَالَغَةِ. فَأَيْنَ الْحَصْرُ؟ . (وَأُجِيبُ: بَلْ جَعْلُهُ لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ، مِثْلَ أَكَلْتُ الْخُبْزَ، وَمِثْلَ زَيْدٌ الْعَالِمُ هُوَ الْمَعْرُوفُ) . وَ (أَيْضًا) يَلْزَمُهُ زَيْدٌ الْعَالِمُ، بِعَيْنِ مَا ذَكَرَ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ فِي " زَيْدٌ الرَّجُلُ ". فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِالْأَعَمِّ - فَغَلَطٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ التَّنْكِيرُ. وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّامَ لِزَيْدٍ - فَغَلَطٌ ; لِوُجُوبِ اسْتِقْلَالِهِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: لَوْ كَانَ لَفْظُ " إِنَّمَا " مُفِيدًا لِلْحَصْرِ لَمَا صَحَّ عَمَلٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَمَا ثَبَتَ وَلَاءٌ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» " وَقَوْلِهِ: " «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ". وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِعُمُومِ صِحَّةِ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعُمُومِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ، وَغَيْرِهِ، (كَمَنْ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ عُمُومَ صِحَّةِ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا عُمُومُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ وَغَيْرِهِ) إِنَّمَا ثَبَتَ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، كَالْإِجْمَاعِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ الْوَلَاءُ لِغَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُعْتِقِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ عَنِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إِذَا جُعِلَ لَفْظٌ كُلِّيٌّ مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ أَوْ بِاللَّامِ مُخْبَرًا عَنْهُ، وَأَحَدُ جُزْئِيَّاتِهِ مُخْبَرًا بِهِ، مِثْلَ قَوْلِنَا: صَدِيقِي زَيْدٌ وَالْعَالِمُ زَيْدٌ، وَلَا قَرِينَةَ تُفِيدُ الْعَهْدَ - هَلْ يَدُلُّ عَلَى حَصْرِ ذَلِكَ الْكُلِيِّ فِي الْجُزْئِيِّ أَمْ لَا؟ . فَقِيلَ: لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ. وَقِيلَ: يُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَنْطُوقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: يُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ. احْتَجَّ الْقَائِلُ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنْ لَوْ أَفَادَ قَوْلُنَا: صَدِيقِي زَيْدٌ، وَقَوْلُنَا: الْعَالِمُ زَيْدٌ، الْحَصْرَ - لَأَفَادَ عَكْسُهُمَا أَيْضًا الْحَصْرَ، وَهُوَ قَوْلُنَا: زَيْدٌ صَدِيقِي، وَزَيْدٌ الْعَالِمُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ دَلِيلَهُمْ (عَلَى الْحَصْرِ فِي الْأَصْلِ بِعَيْنِهِ قَائِمٌ فِي الْعَكْسِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ دَلِيلَهُمْ) أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ فِي قَوْلِنَا: صَدِيقِي زَيْدٌ، وَالْعَالِمُ زَيْدٌ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ، لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ: كُلُّ صَدِيقِي زَيْدٌ، وَكُلُّ عَالِمٍ زَيْدٌ. وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِمَعْهُودٍ مُعَيَّنٍ؛ إِذِ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَا قَرِينَةَ عَلَى الْعَهْدِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِلْحَصْرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ مُقَيَّدٍ بِمَا يُصَيِّرُهُ مُطَابِقًا لِلْمُخْبَرِ بِهِ مُسَاوِيًا لَهُ. وَهَذَا الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ قَائِمٌ فِي الْعَكْسِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ أَفَادَ الْأَصْلُ الْحَصْرَ، وَلَمْ يُفِدِ الْعَكْسُ - لَكَانَ التَّقْدِيمُ يُغَيِّرُ مَدْلُولَ الْكَلِمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْعَكْسِ فَرْقٌ إِلَّا بِالتَّقْدِيمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ لَا يُغَيِّرُ مَدْلُولَ الْكَلِمَةِ. قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا امْتِنَاعَ فِي تَغْيِيرِ التَّقْدِيمِ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الشَّيْءِ إِلَى غَيْرِهِ بِالْمَوْضُوعِيَّةِ تُغَايِرُ نِسْبَتَهُ إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ بِالْمَحْمُولِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَدْ تَصْدُقُ الْقَضِيَّةُ وَلَا يَصْدُقُ عَكْسُهَا، وَيُخَالِفُهَا بِالْجِهَةِ إِنْ صَدَقَ فِي بَعْضٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ وَإِنْ غَيَّرَ نِسْبَةَ الْمَوْضُوعِيَّةِ وَالْمَحْمُولِيَّةِ، لَكِنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَفْسَ مَدْلُولِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ مِثْلَ: الْعَالِمُ زَيْدٌ، يُفِيدُ الْحَصْرَ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدِ الْحَصْرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْأَعَمِّ بِالْأَخَصِّ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّامُ لِلْجِنْسِ أَوِ الْعَهْدِ. أَمَّا الْأَوَّلُ - فَلِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ كُلُّ عَالِمٍ زَيْدٌ. وَأَمَّا الثَّانِي - فَلِعَدَمِ الْقَرِينَةِ. فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَاهِيَّةِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ، فَيَلْزَمُ الْإِخْبَارُ عَنِ الْأَعَمِّ بِالْأَخَصِّ، فَوَجَبَ جَعْلُ اللَّامِ لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ بِمَعْنَى الْكَامِلِ وَالْمُنْتَهِي فِي الْعِلْمِ، لِيَنْدَفِعَ الْمَحْذُورُ. أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَكُمْ: وَجَبَ جَعْلُهُ لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ بِمَعْنَى الْكَامِلِ وَالْمُنْتَهِي صَحِيحٌ، وَاللَّامُ حِينَئِذٍ تَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الْحَصْرُ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَلْزَمُ الْخَصْمَ أَنَّ قَوْلَنَا: زَيْدٌ الْعَالِمُ، يُفِيدُ الْحَصْرَ بِعَيْنِ مَا ذَكَرَ، وَكَوْنُ اللَّامِ لِلْمُبَالَغَةِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 بِالتَّعْرِيفِ مُنْقَطِعًا عَنْ زَيْدٍ، كَالْمَوْصُولِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] سِيبَوَيْهِ فِي " زَيْدٌ الرَّجُلُ "؛ فَإِنَّهُ قَالَ: اللَّامُ فِي " الرَّجُلِ " لِلْمُبَالَغَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ الْكَامِلُ فِي الرُّجُولِيَّةِ. فَإِنْ زَعَمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّامُ لِلْمَاهِيَّةِ فِي قَوْلِنَا: زَيْدٌ الْعَالِمُ؛ إِذْ قَدْ يُخْبَرُ بِالْأَعَمِّ عَنِ الْأَخَصِّ بِخِلَافِ قَوْلِنَا: الْعَالِمُ زَيْدٌ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُخْبَرَ عَنِ الْأَعَمِّ بِالْأَخَصِّ - فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَخَصِّ بِالْأَعَمِّ تَنْكِيرُ الْأَعَمِّ، فَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِنَا: زَيْدٌ الْعَالِمُ، لِلْمَاهِيَّةِ. فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِنَا: زَيْدٌ الْعَالِمُ، لِلْعَهْدِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ بِقَرِينَةِ التَقَدُّمِ، بِخِلَافِ قَوْلِنَا: الْعَالِمُ زَيْدٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّامُ فِيهِ لِزَيْدٍ؛ إِذْ لَا قَرِينَةَ، فَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا ; لِوُجُوبِ اسْتِقْلَالِ الْخَبَرِ بِالتَّعْرِيفِ مُنْقَطِعًا عَنْ زَيْدٍ، كَالْمَوْصُولِ ; فَإِنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالتَّعْرِيفِ. وَهَذَا الِاسْتِقْلَالُ يَمْنَعُ كَوْنَ اللَّامِ لِزَيْدٍ لِتَوَقُّفِ تَعْرِيفِهِ حِينَئِذٍ عَلَى تَقَدُّمِ قَرِينَةِ زَيْدٍ. [النَّسْخُ] [تعريف النسخ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمُبَاحَثَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الثَّلَاثَةِ شَرَعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ. وَهُوَ النَّسْخُ. وَالنَّسْخُ فِي اللُّغَةِ: الْإِزَالَةُ ; يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ؛ أَيْ أَزَالَتِ الظِّلَّ. وَالنَّقْلُ أَيْضًا؛ يُقَالُ: نَسَخْتُ الْكِتَابَ، أَيْ نَقَلْتُهُ، وَنَسَخْتُ النَّحْلَ، أَيْ نَقَلْتُهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى آخَرَ. وَمِنْهُ الْمُنَاسَخَاتُ ; لِانْتِقَالِهِ مِنْ وَارِثٍ إِلَى آخَرَ. وَلَمَّا وَقَعَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ النَّسْخِ فِي الْإِزَالَةِ وَالنَّقْلِ - قِيلَ: إِنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ: الْحَقِيقَةُ. وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ لِلْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي. وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ. وَالْأَخِيرَانِ أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ خَيْرٌ مِنَ الِاشْتِرَاكِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 النَّسْخُ ص - النَّسْخُ: الْإِزَالَةُ؛ نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ. وَالنَّقْلُ، نَسَخْتُ الْكِتَابَ، وَنَسَخْتُ النَّحْلَ. وَمِنْهُ الْمُنَاسَخَاتُ. فَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ. وَقِيلَ: لِلْأَوَّلِ. وَقِيلَ: لِلثَّانِي. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ. فَيَخْرُجُ الْمُبَاحُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ. وَالرَّفْعُ بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ. وَبِنَحْوِ: صَلِّ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ. وَنَعْنِي بِالْحُكْمِ: مَا يَحْصُلُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ الْوُجُوبَ الْمَشْرُوطَ بِالْعَقْلِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ انْتِفَائِهِ قَطْعًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 فَلَا يَرِدُ: الْحُكْمُ قَدِيمٌ فَلَا يَرْتَفِعُ؛ لِأَنَّا لَمْ نُعَيِّنْهُ. وَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ بَعْدَ وُجُوبِهِ انْتَفَى الْوُجُوبُ، وَهُوَ الْمَعْنَى الرَّفْعُ. ص - الْإِمَامُ: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ. فَيَرِدُ أَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلُ النَّسْخِ (لَا نَفْسُهُ) . وَلَا يَطَّرِدُ ; فَإِنَّ لَفْظَ الْعَدْلِ نَسَخَ حُكْمَ كَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ. وَلَا يَنْعَكِسُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ حَاصِلُهُ: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى النَّسْخِ ; لِأَنَّهُ فَسَّرَ الشَّرْطَ بِانْتِفَاءِ النَّسْخِ، وَانْتِفَاءُ انْتِفَائِهِ حُصُولُهُ. وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِي الِاصْطِلَاحِ: رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ؛ فَقَوْلُهُ: " رَفْعُ الْحُكْمِ " كَالْجِنْسِ يَشْمَلُ النَّسْخَ وَغَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: " الشَّرْعِيِّ " يُخْرِجُ رَفْعَ الْمُبَاحِ الَّذِي ثَبَتَ بِالْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَقَوْلُهُ: " بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ " يُخْرِجُ رَفْعَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ ; فَإِنَّ رَفْعَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَنِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ. (قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ الرَّفْعِ بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ) لَا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، بَلْ هُوَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» ) ". فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: " بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ " احْتِرَازٌ عَنِ الرَّفْعِ بِالْمَوْتِ. وَهَذَا لَيْسَ بِوَارِدٍ ; إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالنَّائِمِ وَالْغَافِلِ فِي رَفْعِ الْحُكْمِ عَنْهُمْ، لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالْعَقْلِ أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ: التَّعَقُّلُ، وَكَمَا أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَعْقِلُ التَّكْلِيفَ، فَكَذَلِكَ النَّائِمُ وَالْغَافِلُ لَا يَعْقِلَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التَّكْلِيفَ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّافِعَ هُوَ النَّوْمُ وَالنِّسْيَانُ، لَا أَنَّ الرَّافِعَ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ. وَقَوْلُهُ: " مُتَأَخِّرٍ " احْتِرَازٌ عَنْ رَفْعِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ غَيْرِ مُتَأَخِّرٍ، مِثْلَ الرَّفْعِ بِالْمُتَّصِلِ مُسْتَقِلًّا؛ مِثْلَ مَا إِذَا قَالَ - عُقَيْبَ قَوْلِهِ: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ: لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ؛ كَالرَّفْعِ بِالِاسْتِثْنَاءِ، كَمَا يَقُولُ: صُومُوا هَذَا الشَّهْرَ إِلَّا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ مِنْهُ، وَكَالرَّفْعِ بِالْغَايَةِ؛ مِثْلَ: صَلِّ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ. وَكَالرَّفْعِ بِالشَّرْطِ مِثْلَ: صَلِّ إِنْ كُنْتَ صَحِيحًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ تَعَلُّقًا عِلْمِيًّا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَدِيمًا، وَيُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ تَعَلُّقًا خَارِجِيًّا. وَالْحُكْمُ بِهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهَذَا الْمَعْنَى مَشْرُوطٌ بِالتَّعَقُّلِ ; لِأَنَّ التَّعَلُّقَ الْخَارِجِيَّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ التَّعَقُّلِ، فَيَكُونُ حَادِثًا ; لِأَنَّ الْوُجُوبَ الْمَشْرُوطَ بِالْعَقْلِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعَقْلِ قَطْعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحِينَئِذٍ لَا يَرِدُ قَوْلُهُمْ: الْحُكْمُ قَدِيمٌ، وَالْقَدِيمُ لَا يُرْفَعُ، فَلَا يَنْعَكِسُ التَّعْرِيفُ؛ لِصِدْقِ الْمَحْدُودِ بِدُونِ الْحَدِّ ; لِأَنَّا لَمْ نَعْنِ بِالْحُكْمِ الْحُكْمَ الْقَدِيمَ الَّذِي لَا يَرْتَفِعُ؛ بَلْ نَعْنِ بِهِ الْحُكْمَ الْحَادِثَ الَّذِي يُمْكِنُ رَفْعُهُ، لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ بَعْدَ وُجُوبِهِ انْتَفَى وُجُوبُهُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْتَفِي التَّعَلُّقُ الْخَارِجِيُّ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالرَّفْعِ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ ; لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ الْبَيَانُ بِالتَّخْصِيصِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ رُفِعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. ش - عَرَّفَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ النَّسْخَ بِأَنَّهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلُ النَّسْخِ، لَا نَفْسُهُ. وَبِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ الْحَدَّ، فَإِنَّ لَفْظَ الْعَدْلِ نَسَخَ حُكْمَ كَذَا، يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدُّ ; لِأَنَّهُ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى ظُهُورِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ لَفْظَ عَدْلٍ وَظُهُورِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ. وَلَفْظُ الْعَدْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَبِأَنَّهُ لَا يَنْعَكِسُ ; لِأَنَّ النَّسْخَ قَدْ يَكُونُ بِفِعْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيُوجَدُ الْحَدُّ بِدُونِ الْمَحْدُودِ. وَبِأَنَّ حَاصِلَ الْحَدِّ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ النَّسْخَ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى النَّسْخِ، فَيَكُونُ تَعْرِيفَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ حَاصِلَهُ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا، لِأَنَّ الْإِمَامَ فَسَّرَ شَرْطَ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِانْتِفَاءِ النَّسْخِ، فَانْتِفَاءُ شَرْطِ الدَّوَامِ انْتِفَاءُ انْتِفَاءِ النَّسْخِ، وَانْتِفَاءُ انْتِفَاءِ النَّسْخِ حُصُولُ النَّسْخِ، فَيَكُونُ مَعْنَى ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ: ظُهُورَ النَّسْخِ، وَيَلْزَمُ مَا ذَكَرْنَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ. وَأَوْرَدَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ. وَأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى وَجْهٍ إِلَى آخِرِهِ، زِيَادَةٌ. وَقَالَتِ الْفُقَهَاءُ: النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى انْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَعَ التَّأْخِيرِ عَنْ مَوْرِدِهِ. وَأَوْرَدَ الثَّلَاثَةَ. فَإِنْ فَرُّوا مِنَ الرَّفْعِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ قَدِيمًا، وَالتَّعَلُّقِ قَدِيمًا - فَانْتِهَاءُ أَمَدِ الْوُجُوبِ يُنَافِي بَقَاءَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى الرَّفْعِ. وَإِنْ فَرُّوا لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ تَعَلُّقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ لَزِمَ مَنْعُ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ، كَالْمُعْتَزِلَةِ. وَإِنْ كَانَ لِأَنَّهُ بَيَانُ أَمَدِ التَّعَلُّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمَظْنُونِ اسْتِمْرَارُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِ. الْمُعْتَزِلَةُ: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ (بِالنَّصِّ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 الْمُتَقَدِّمِ) زَائِلٌ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا. فَيُرَدُّ مَا عَلَى الْغَزَّالِيِّ. وَالْمُقَيَّدُ بِالْمَرَّةِ بِفِعْلٍ. ص - وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ. وَخَالَفَتِ الْيَهُودُ فِي الْجَوَازِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَرَامَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إِصْلَاحَ هَذَا التَّعْرِيفِ وَدَفْعَ الِاعْتِرَاضَاتِ وَقَالَ: الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ: التَّلَفُّظُ، وَاللَّامُ فِيهِ عِوَضُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ تَلَفُّظُ الشَّرْعِ. وَالْمُرَادُ بِانْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ: حُصُولُ حُكْمٍ لَا يُجَامِعُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ، فَحِينَئِذٍ لَا يَرِدُ أَنَّ اللَّفْظَ دَلِيلُ النَّسْخِ ; لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ دَلِيلُ النَّسْخِ، لَا اللَّفْظَ، وَاللَّفْظُ: بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ النَّسْخُ. وَيَطَّرِدُ ; لِأَنَّ قَوْلَ الْعَدْلِ لَيْسَ لَفْظَ الشَّرْعِ. وَيَكُونُ حَاصِلُ التَّعْرِيفِ أَنَّهُ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى ظُهُورِ حُكْمٍ لَا يُجَامِعُ الْأَوَّلَ، فَلَا دَوْرَ. وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ لَا أَنَّهُ نَسْخٌ، بِخِلَافِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ الْإِتْيَانُ بِالْمَلْفُوظِ الَّذِي هُوَ الدَّلِيلُ، فَيَكُونُ نَسْخًا. هَذَا مَا قَالَهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ اللَّفْظَ هُوَ الْمَلْفُوظُ لَا التَّلَفُّظُ ; لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ دَالًّا، وَالدَّالُّ هُوَ الْمَلْفُوظُ، لَا التَّلَفُّظُ، فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ الِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: الْمُرَادُ مِنَ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ: حُصُولُ حُكْمٍ لَا يُجَامِعُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ - فَبَاطِلٌ؛ إِذْ لَا دَلَالَةَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْحُكْمِ الْأَوَّلِ عَلَى حُصُولِ حُكْمٍ لَا يُجَامِعُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ بِالْمُطَابَقَةِ وَلَا بِالتَّضَمُّنِ وَلَا بِالِالْتِزَامِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ مَا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ. وَالْمُصَنِّفُ أَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ الرَّابِعَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْإِمَامِ الشَّرْطَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: اللَّامُ فِي اللَّفْظِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الشَّرْعُ، قُلْنَا: لَمْ يَتَحَقَّقْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ فِي تَعْرِيفِ النَّسْخِ: إِنَّهُ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ. فَقَوْلُهُ: الْخِطَابُ الدَّالُّ، كَالْجِنْسِ يَشْمَلُ النَّسْخَ وَغَيْرَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: الْخِطَابُ، وَلَمْ يَقُلِ النَّصُّ ; لِيَكُونَ شَامِلًا لِلَّفْظِ وَالْفَحْوَى وَالْمَفْهُومِ إِذْ يَجُوزُ النَّسْخُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ (يُخْرِجُ الْخِطَابَ الْمُقَرِّرَ لِلْحُكْمِ) . وَإِنَّمَا قَالَ: ارْتِفَاعُ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَقُلِ ارْتِفَاعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ; لِيَعُمَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحُكْمِ مِنَ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ، فَإِنَّ جَمِيعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ذَلِكَ قَدْ يُنْسَخُ. وَقَوْلُهُ: الثَّابِتُ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ، يُخْرِجُ الْخِطَابَ الدَّالَّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا. احْتِرَازٌ عَنِ الْخِطَابِ الدَّالِّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، مِثْلَ: لَا تَصُومُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، بَعْدَ مَا إِذَا قَالَ: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ; فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ، لَكِنْ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا. وَقَوْلُهُ: مَعَ تَرَاخِيهِ؛ احْتِرَازٌ عَنِ الْخِطَابِ الدَّالِّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ، إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ، كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَالْغَايَةِ وَالشَّرْطِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَسْخًا، بَلْ بَيَانًا وَإِتْمَامًا لِمَعْنَى الْكَلَامِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنَّ الْخِطَابَ دَلِيلُ النَّسْخِ، لَا نَفْسُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْعَدْلِ نَسَخَ حُكْمَ كَذَا - نَسْخًا. وَأَنَّ النَّسْخَ قَدْ يَكُونُ بِفِعْلِ الرَّسُولِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ. وَيَرِدُ أَيْضًا: أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ، زِيَادَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ. وَلَا يَرِدُ الثَّانِي ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ خِطَابُ الشَّارِعِ ; لِأَنَّهُ السَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِ الْخِطَابِ، بِخِلَافِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَا يَسْبِقُ مِنْ إِطْلَاقِهِ لَفْظَ الشَّارِعِ. وَالْفُقَهَاءُ لَمَّا لَمْ يَعْقِلُوا الرَّفْعَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَرَّفُوا النَّسْخَ بِأَنَّهُ: النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى انْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَعَ التَّأْخِيرِ عَنْ مَوْرِدِهِ، أَيْ عَنْ زَمَانِ وُرُودِهِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ: مَا يُقَابِلُ الْإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى الْوَارِدَةَ عَلَى الْحَدَّيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ يَعْنِي كَوْنَ النَّصِّ دَلِيلَ النَّسْخِ، لَا نَفْسَهُ، وَعَدَمَ الِاطِّرَادِ، وَعَدَمَ الِانْعِكَاسِ. وَالْحَقُّ أَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ غَيْرُ وَارِدٍ ; لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُطْلَقُ عَلَى لَفْظِ الْعَدْلِ. وَكَذَا عَدَمُ الِانْعِكَاسِ، غَيْرُ وَارِدٍ ; لِأَنَّ النَّصَّ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الرَّسُولِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُصَنِّفُ بَيَّنَ أَنَّ فِرَارَهُمْ عَنْ إِطْلَاقِ الرَّفْعِ عَلَى النَّسْخِ لَا وَجْهَ لَهُ ; لِأَنَّهُمْ إِنْ فَرُّوا مِنَ الرَّفْعِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ، وَالتَّعَلُّقَ الْمَعْنَوِيَّ أَيْضًا قَدِيمٌ، وَالْقَدِيمُ لَا يُرْفَعُ، فَانْتِهَاءُ أَمَدِ الْوُجُوبِ يُنَافِي بَقَاءَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُكَلَّفِ ; لِأَنَّهُ إِذَا انْتَهَى أَمَدُ الْوُجُوبِ لَمْ يَبْقَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ. وَلَا نَعْنِي بِالرَّفْعِ إِلَّا عَدَمَ بَقَاءِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُكَلَّفِ، فَيَلْزَمُ وُقُوعُهُمْ فِيمَا فَرُّوا عَنْهُ. وَإِنْ فَرُّوا عَنْ إِطْلَاقِ النَّسْخِ، لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا كَانَ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُرْفَعُ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يُوجَدْ، وَمَا لَمْ يُوجَدْ، لَا يَرْتَفِعُ - لَزِمَهُمْ مَنْعُ نَسْخِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَالْفُقَهَاءُ يُجَوِّزُونَ نَسْخَ الْحُكْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَإِنْ فَرُّوا عَنِ الرَّفْعِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْمُسْتَقْبَلِ يُظَنُّ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ، وَالنَّسْخُ بَيَانُ أَمَدِ التَّعَلُّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمَظْنُونِ اسْتِمْرَارُهُ - فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ التَّعَلُّقِ الْمَذْكُورِ ; لِأَنَّ بَعْدَ بَيَانِ الْأَمَدِ لَا يَبْقَى ظَنُّ الِاسْتِمْرَارِ، فَصَحَّ إِطْلَاقُ الرَّفْعِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ. قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: زَوَالُهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُقْتَضَى، فَصَحَّ مَا قَالَ الْفُقَهَاءُ، وَلَا يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ رَفْعًا بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُقْتَضَى لَا يَخْلُوا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَقِّقًا، أَوْ لَا. وَالثَّانِي بَاطِلٌ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقِ الْحُكْمُ. وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُوا إِمَّا أَنْ يَنْعَدِمَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ. وَالثَّانِي يَلْزِمُ مِنْهُ رَفْعُ الْحُكْمِ بِدَلِيلٍ مُتَأَخِّرٍ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: النَّسْخُ: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ زَائِلٌ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا. وَهَذَا التَّعْرِيفُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْغَزَّالِيُّ، فَلِهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَرُدُّ عَلَى تَعْرِيفِ الْغَزَّالِيِّ. وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ خَاصَّةً الْأَمْرُ الْمُقَيَّدُ بِمَرَّةٍ إِذَا وَرَدَ بَعْدَهُ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى زَوَالِ حُكْمِهِ؛ فَإِنَّهُ نَسْخٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى زَوَالِ مِثْلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ، بَلْ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ الْحُكْمِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ نَسْخَ الْحُكْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ الْأَمْرُ الْمُقَيَّدُ بِالْمَرَّةِ عِنْدَهُمْ. [الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ النسخ] ش - أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ وَعَلَى الْوُقُوعِ أَيْضًا. وَخَالَفَتِ الْيَهُودُ فِي الْجَوَازِ وَأَبُو مُسْلِمٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 وَأَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي الْوُقُوعِ. لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ. وَإِنِ اعْتُبِرَتِ الْمَصَالِحُ فَالْقَطْعُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ (قَدْ) تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ. وَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ أَمَرَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ. وَقَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ. وَاسْتَدَلَّ بِإِبَاحَةِ السَّبْتِ ثُمَّ تَحْرِيمِهِ، وَبِجَوَازِ الْخِتَانِ ثُمَّ إِيجَابِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ عِنْدَهُمْ. وَبِجَوَازِ الْأُخْتَيْنِ، ثُمَّ التَّحْرِيمِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ رَفْعَ مُبَاحِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ. ص - قَالُوا: لَوْ نُسِخَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبَطَلَ قَوْلُ مُوسَى الْمُتَوَاتِرِ: هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ. قُلْنَا: مُخْتَلَقٌ. قِيلَ: مِنَ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ. وَالْقَطْعُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ صَحِيحًا - لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِقَوْلِهِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَصْفَهَانِيُّ فِي الْوُقُوعِ. وَانْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْوُقُوعِ مَعَ مُخَالَفَةِ أَبِي مُسْلِمٍ، مَحْمُولٌ إِمَّا عَلَى إِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَإِمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ لَا يُخِلُّ بِالْإِجْمَاعِ. وَاحْتَجَّ عَلَى الْجَوَازِ بِالْقَطْعِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِفِعْلٍ فِي وَقْتٍ ثُمَّ يَرْفَعُهُ عَنْهُمْ. وَإِنِ اعْتُبِرَتِ الْمَصَالِحُ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ؛ وَهُوَ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةٌ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ - فَالْجَوَازُ أَيْضًا ثَابِتٌ؛ إِذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِلْزَامَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فِي وَقْتٍ لِمَصْلَحَةٍ وَاسْتِلْزَامَ رَفْعِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِمَصْلَحَةٍ ; لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِالْأَوْقَاتِ كَمَا تَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ. وَأَيْضًا: قَدْ وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ، وَقَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ، يَعْنِي تَزْوِيجَ الْبَنَاتِ مِنَ الْبَنِينَ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَكُونُ النَّسْخُ وَاقِعًا، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ. وَاسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بِأَنَّ إِبَاحَةَ الْعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ كَانَتْ ثَابِتَةً، ثُمَّ نُسِخَتِ الْإِبَاحَةُ وَحُرِّمَ الْعَمَلُ يَوْمَ السَّبْتِ. وَبِأَنَّ جَوَازَ الْخِتَانِ كَانَ حَاصِلًا، ثُمَّ صَارَ وَاجِبًا يَوْمَ الْوِلَادَةِ عِنْدَهُمْ. وَبِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ كَانَ ثَابِتًا، ثُمَّ نُسِخَ الْجَوَازُ وَثَبَتَ التَّحْرِيمُ، فَيَكُونُ النَّسْخُ وَاقِعًا. وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ كَانَتْ مُبَاحَةً بِدَلِيلِ الْأَصْلِ؛ وَرَفْعُ مُبَاحِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ. [الشبه التى تمسك بها اليهود في عدم جواز النسخ] ش - تَمَسَّكَ الْيَهُودُ فِي عَدَمِ جَوَازِ النَّسْخِ بِخَمْسِ شُبَهٍ. الشُّبْهَةُ الْأُولَى - تَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ: لَوْ نُسِخَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى لَبَطَلَ قَوْلُ مُوسَى: هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عَلَيْكُمْ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَسُولٌ صَادِقٌ بِاتِّفَاقٍ فَلَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ قَوْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَهُ مُؤَبَّدَةٌ، فَلَوْ نُسِخَتْ يَلْزَمُ بُطْلَانُ قَوْلِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَلَقٌ أَيْ مُفْتَرًى. قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْكَذِبَ إِنَّمَا وَقَعَ مِنَ ابْنِ الرَّوَانْدِيِّ لِيُعَارِضَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. ص - قَالُوا: إِنْ نَسَخَ لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ لَهُ، لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً لَهُ - فَهُوَ الْبَدَاءُ، وَإِلَّا فَعَبَثٌ. وَأُجِيبُ - بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ -: أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ، كَمَنْفَعَةِ شُرْبِ دَوَاءٍ فِي وَقْتٍ أَوْ حَالٍ وَضَرَرِهِ فِي آخَرَ، فَلَمْ يَتَجَدَّدْ ظُهُورُ مَا لَمْ يَكُنْ. ص - قَالُوا: إِنْ كَانَ مُقَيَّدًا فَلَيْسَ بِنَسْخٍ. وَإِنْ دَلَّ عَلَى التَّأْبِيدِ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ بِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ لَيْسَ بِمُؤَبَّدٍ. وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَعَذُّرِ الْإِخْبَارِ بِالتَّأْبِيدِ، وَإِلَى نَفْيِ الْوُثُوقِ بِتَأْبِيدِ حُكْمٍ مَا. وَإِلَى جَوَازِ نَسْخِ شَرِيعَتِكُمْ. أُجِيبُ بِأَنَّ تَقْيِيدَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ بِالتَّأْبِيدِ، لَا يَمْنَعُ النَّسْخَ، كَمَا   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِهِ دَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْقَطْعُ حَاصِلٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ لَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; إِذِ الْعَادَةُ تَقْضِي بِقَوْلِهِ لِلنَّبِيِّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرُوا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَهُمْ. ش - الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ - لَوْ جَازَ النَّسْخُ - لَجَازَ الْبَدَاءُ أَوِ الْعَبَثُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَةِ الْبَدَاءِ الَّذِي هُوَ الظُّهُورُ بَعْدَ الْخَفَاءِ عَلَى اللَّهِ الَّذِي {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: 3] وَلِاسْتِحَالَةِ الْعَبَثِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ النَّسْخَ إِنْ كَانَ لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً لَهُ قَبْلَ النَّسْخِ - يَلْزَمُ الْبَدَاءُ، لِأَنَّ الْبَدَاءَ: ظُهُورُ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا. وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحِكْمَةٍ ظَهَرَتْ لَهُ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً لَهُ قَبْلَ النَّسْخِ يَلْزَمُ الْعَبَثُ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةٌ لِلْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَهُوَ قَاعِدَةُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهَا. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةٌ لِلْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَالْمَصَالِحُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ، كَمَنْفَعَةِ شُرْبِ دَوَاءٍ فِي وَقْتٍ وَحَالٍ وَضَرَرِهِ فِي آخَرَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِلْزَامَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فِي وَقْتٍ لِمَصْلَحَةٍ، وَاسْتِلْزَامَ نَسْخِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى، فَلَمْ يَتَجَدَّدْ ظُهُورُ مَا لَمْ يَكُنْ. ش - الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ - الْخِطَابُ الْوَارِدُ عَلَيْهِ النَّسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا أَيْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَانْتِهَاءُ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَا يَقْبَلُ النَّسْخَ؛ لِأَرْبَعَةِ وُجَوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ النَّسْخَ لَلَزِمَ التَّنَاقُضُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مُؤَبَّدٌ. وَالنَّسْخُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ، لَيْسَ بِمُؤَبَّدٍ، وَهُوَ التَّنَاقُضُ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ قُبِلَ النَّسْخُ لَأَدَّى إِلَى تَعَذُّرِ الْإِخْبَارِ بِالتَّأْبِيدِ ; لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالتَّأْبِيدِ إِنَّمَا هُوَ لِتَعْرِيفِ الْمُخَاطَبِ التَّأْبِيدَ، وَلَا طَرِيقَ لِلْمُخَاطَبِ إِلَى مَعْرِفَةِ التَّأْبِيدِ، لِجَوَازِ طَرَيَانِ النَّسْخِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى التَّأْبِيدِ. الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ قُبِلَ النَّسْخُ لَأَدَّى إِلَى نَفْيِ الْوُثُوقِ بِتَأْبِيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا مِثْلَ: صُمْ رَمَضَانَ، ثُمَّ يُنْسَخُ قَبْلَهُ، فَهَذَا أَجْدَرُ. وَقَوْلُهُ: صُمْ رَمَضَانَ أَبَدًا بِالنَّصِّ يُوجِبُ أَنَّ الْجَمِيعَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوُجُوبِ. وَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِمْرَارُ، فَلَا تَنَاقُضَ. كَالْمَوْتِ. وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ بَاقٍ أَبَدًا، ثُمَّ يُنْسَخَ. ص - قَالُوا: لَوْ جَازَ لَكَانَ قَبْلَ وُجُودِهِ، أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ. وَارْتِفَاعُهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ بَاطِلٌ، وَمَعَهُ أَجْدَرُ؛ لِاسْتِحَالَةِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. قُلْنَا: الْمُرَادُ أَنَّ التَّكْلِيفَ الَّذِي كَانَ زَالَ، كَالْمَوْتِ ; لَا أَنَّ الْفِعْلَ يَرْتَفِعُ. ص - قَالُوا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَارِي - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلِمَ اسْتِمْرَارَهُ أَبَدًا فَلَا نَسْخَ، أَوْ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَ بِنَسْخٍ، قُلْنَا: إِلَى الْوَقْتِ (الْمُعَيَّنِ) الَّذِي عَلِمَ أَنَّهُ يَنْسَخُهُ فِيهِ. وَعِلْمُهُ بِارْتِفَاعِهِ بِالنَّسْخِ لَا يَمْنَعُ النَّسْخَ. ص - وَعَلَى الْأَصْفَهَانِيِّ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ لِمَا يُخَالِفُهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حُكْمٍ مَا لِجَوَازِ طَرَيَانِ النَّسْخِ عَلَيْهِ. الرَّابِعُ - أَنَّهُ لَوْ قُبِلَ النَّسْخُ لَأَدَّى إِلَى جَوَازِ نَسْخِ شَرِيعَتِكُمْ؛ لِأَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يَمْنَعُ النَّسْخَ. أَجَابَ بِأَنَّ تَقْيِيدَ انْفَعَلَ الْوَاجِبَ بِالتَّأْبِيدِ كَقَوْلِهِ: صُمْ رَمَضَانَ أَبَدًا، لَا يَمْنَعُ النَّسْخَ ; فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ مُعَيَّنًا، مِثْلَ: صُمْ رَمَضَانَ، ثُمَّ يُنْسَخُ قَبْلَهُ - لَمْ يَمْتَنِعِ النَّسْخُ. وَإِذَا كَانَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ لَا يَمْنَعُ النَّسْخَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَالتَّأْيِيدُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَمْنَعَ النَّسْخَ. وَقَوْلُهُمْ: صُمْ رَمَضَانَ أَبَدًا، يُوجِبُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَنَّ الرَّمَضَانَاتِ كُلَّهَا مُتَعَلِّقَةُ الْوُجُوبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُوبِ فِي الرَّمَضَانَاتِ كُلِّهَا. فَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. كَالْمَوْتِ، فَإِنَّ تَعَلُّقَ خِطَابَ الْوُجُوبِ بِالْمُكَلَّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ عُمْرِهِ - وَلَوْ كَانَ مِائَةَ سَنَةٍ - مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ، لَا أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ الْوُجُوبُ مِائَةَ سَنَةٍ. وَالْمُمْتَنِعُ أَنْ يُخْبَرَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ بَاقٍ أَبَدًا، ثُمَّ يُنْسَخُ، مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: وُجُوبُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ بَاقٍ أَبَدًا، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُنْسَخَ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى. قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ اسْتِغْرَاقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّمَضَانَاتِ كُلِّهَا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَعَدَمِ لُزُومِ الِاسْتِمْرَارِ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ النَّسْخِ وَعَدَمِ الِاسْتِمْرَارِ، يَبْطُلُ الِاسْتِغْرَاقُ. وَعَدَمُ التَّنَاقُضِ فِي تَأْبِيدِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَعَدَمُ تَأْبِيدِهِ بِالْمَوْتِ لِأَجْلِ أَنَّهُ عَرَفَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْبِيدِ مُدَّةُ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ. ش - الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ - أَنَّهُ لَوْ جَازَ نَسْخُ وُجُوبِ الْفِعْلِ لَكَانَ إِمَّا قَبْلَ وُجُودِ الْفِعْلِ، أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ. وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا فِي الْحَالَيْنِ، وَرَفْعُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ. وَأَمَّا ارْتِفَاعُهُ مَعَهُ فَهُوَ أَجْدَرُ بِالْبُطْلَانِ ; لِاسْتِحَالَةِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَسْخِ الْحُكْمِ أَنَّ التَّكْلِيفَ الَّذِي كَانَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُكَلَّفِ زَالَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. كَزَوَالِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ، لَا أَنَّ الْفِعْلَ يَرْتَفِعُ. ش - الشُّبْهَةُ الْخَامِسَةُ - أَنْ يُقَالَ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلِمَ اسْتِمْرَارَ الْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ أَبَدًا، فَحِينَئِذٍ لَا نَسْخَ لَهُ، وَإِلَّا يَلْزَمُ وُقُوعُ خِلَافِ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُحَالٌ. أَوْ عَلِمَ اسْتِمْرَارَهُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَحِينَئِذٍ لَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ. أَجَابَ بِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِمْرَارَهُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْسَخُ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِيهِ. وَعِلْمُ اللَّهِ بِارْتِفَاعِ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ لَا يَمْنَحُ النَّسْخَ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ انْتِهَاؤُهُ بِالنَّسْخِ لَا بِنَفْسِهِ. ش - هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَتَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ: النَّسْخُ وَاقِعٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ تُخَالِفُ شَرِيعَتَنَا. وَعَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَنْسُوخٌ بِوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَعَلَى أَنَّ وَصِيَّةَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ. كَنَسْخِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ عَلَى مُنَاجَاتِهِ. وَكَنَسْخِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ جَوَازُ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ. وَالْمُخْتَارُ: جَوَازُهُ، خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ يَقُولَ - قَبْلَ الْحَجِّ -: لَا تَحُجُّوا. وَاحْتَجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّهُ ثَبَتَ فِي مَبَادِئِ الْأَحْكَامِ أَنَّ التَّكْلِيفَ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ (وَقْتِ) مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ، فَوَجَبَ جَوَازُ رَفْعِ التَّكْلِيفِ الثَّابِتِ قَبْلَ الْفِعْلِ بِالنَّاسِخِ، كَمَا جَازَ رَفْعُهُ بِالْمَوْتِ. وَالثَّانِي - أَنَّ كُلَّ نَسْخٍ كَذَلِكَ، أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ النَّسْخَ رَفَعُ التَّكْلِيفَ، وَرَفْعُ التَّكْلِيفِ بَعْدَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَمَعَهُ مُمْتَنِعٌ ; أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إِنْ أَتَى الْمُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ انْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عَنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 وَنُسِخَ التَّوَجُّهُ ; وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِينَ بِالْمَوَارِيثِ. وَذَلِكَ كَثِيرٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ: جَوَازُ النَّسْخِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ:   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 مِثْلَ: حُجُّوا هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ يَقُولُ قَبْلَهُ: لَا تَحُجُّوا. وَمَنَعَ الْمُعْتَزِلَةُ وَالصَّيْرَفِيُّ. لَنَا: ثَبَتَ التَّكْلِيفُ، قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ، فَوَجَبَ جَوَازُ رَفْعِهِ كَالْمَوْتِ. وَأَيْضًا: فَكُلُّ نَسْخٍ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَمَعَهُ يَمْتَنِعُ نَسْخُهُ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمِرَ بِالذَّبْحِ بِدَلِيلِ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] وَبِالْإِقْدَامِ، وَبِتَرْوِيعِ الْوَلَدِ، وَنُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. وَاعْتَرَضَ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُوَسَّعًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ رَفْعَ تَعَلَّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَانِعُ عِنْدَهُمْ. وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَسَّعًا لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِتَأْخِيرِهِ، رَجَاءَ نَسْخِهِ أَوْ مَوْتِهِ لِعِظَمِهِ. وَأَمَّا دَفْعُهُمْ بِمِثْلِ: لَمْ يُؤْمَرْ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ، أَوْ أُمِرَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ - فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. أَوْ ذَبَحَ وَكَانَ يَلْتَحِمُ عُقَيْبَةً، أَوْ جَعَلَ صَفِيحَةَ نُحَاسٍ، أَوْ حَدِيدٍ - فَلَا يُسْمَعُ، وَيَكُونُ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ. ص - قَالُوا: إِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ تَوَارَدَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا نَسْخَ. وَأُجِيبُ: لَمْ يَكُنْ، بَلْ قَبْلَهُ، وَانْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِنَفْسِهِ. فَلَا نَسْخَ. وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَصَى بِتَرْكِهِ، فَلَا نَسْخَ أَيْضًا. وَأَمَّا الثَّانِي - فَلِامْتِنَاعِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. ش - وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمِرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَنُسِخَ عَنْهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ إِسْمَاعِيلَ - {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] وَهُوَ الذَّبْحُ، لِأَنَّهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] . وَبِدَلِيلِ إِقْدَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى الذَّبْحِ. وَبِدَلِيلِ تَرْوِيعِهِ إِسْمَاعِيلَ، أَيْ تَخْوِيفِهِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الذَّبْحُ مَأْمُورًا بِهِ لَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُخَوِّفْ وَلَدَهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ نُسِخَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَأَمَّا أَنَّهُ نُسِخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنَ الذَّبْحِ لَكَانَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الذَّبْحِ مُوَسَّعًا، وَنُسِخَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتٍ يَسَعُ الذَّبْحَ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ النَّسْخُ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ. أَجَابَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنَّ ذَلِكَ، أَيِ الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ لَا يَمْنَعُ رَفْعَ تَعَلُّقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوُجُوبِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ لَا يَمْنَعُ رَفْعَ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ وُجُوبَ الْفِعْلِ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْفِعْلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ، وَبَقَاءُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُكَلَّفِ هُوَ الْمَانِعُ عِنْدَ الْخُصُومِ عَنِ النَّسْخِ. فَيَمْتَنِعُ النَّسْخُ فِي بَاقِي الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ. وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ؛ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بِنَفْسِهِ. وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ فِيهِ. فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُجُوبُ الذَّبْحِ مُوَسَّعًا لَأَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِتَأْخِيرِ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ رَجَاءً لِنَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، لِعِظَمِ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ. وَقَدْ دَفَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالذَّبْحِ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ الْأَمْرَ بِهِ. أَوْ أُمِرَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ لَا بِنَفْسِهِ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ هَذَا الدَّفْعَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالذَّبْحِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى الْفِدَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَدَفَعُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ ذَبَحَ وَالْتَحَمَ عُقَيْبَةً، أَيْ صَارَ صَحِيحًا؛ يُقَالُ: الْتَحَمَ الْجُرْحُ لِلْبُرْءِ. وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حَلْقِهِ صَفِيحَةَ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ، فَيَمْتَنِعُ الذَّبْحُ، لَا أَنَّهُ نَسْخٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُسْمَعُ هَذَا الدَّفْعُ. أَمَّا الْأَوَّلُ - فَلِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ وَالْتَحَمَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْفِدَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي - فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالذَّبْحِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مُحَالٌ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَمَعَ هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الذَّبْحِ عِنْدَ وُجُودِ الصَّفِيحَةِ. وَالصَّفِيحَةُ: السَّيْفُ الْعَرِيضُ، وَوَجْهُ كُلِّ شَيْءٍ عَرِيضٍ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَالُوا: لَا يَجُوزُ النَّسْخُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ فِي وَقْتِهِ، فَلَوْ نُسِخَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَأْمُورًا بِالْفِعْلِ، غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ، فَيَلْزَمُ تَوَارُدُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَا نَسْخَ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ النَّاسِخِ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ قَبْلَهُ، وَانْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ بِالنَّاسِخِ، كَمَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ مِثْلَ: صُومُوا أَبَدًا] ش - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ نَسْخِ الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ مِثْلَ: صُومُوا أَبَدًا. خِلَافًا لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ. بِخِلَافِ الْخَبَرِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ، مِثْلَ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ؛ لِلُزُومِ التَّنَاقُضِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَوَّلِ جَوَازُ النَّسْخِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: صُومُوا أَبَدًا، لَا يَزِيدُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ: صُمْ غَدًا، ثُمَّ يُنْسَخُ قَبْلَ دُخُولِ الْغَدِ، لِمَا ذَكَرْنَا. فَكَمَا جَازَ نَسْخُ قَوْلِهِ: صُمْ غَدًا قَبْلَ دُخُولِ الْغَدِ، فَكَذَلِكَ جَازَ نَسْخُ: صُومُوا أَبَدًا. الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ (قَالُوا: نَسْخُ الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِالتَّأْبِيدِ يُوجِبُ التَّنَاقُضَ ; لِأَنَّ صِيغَةَ التَّأْبِيدِ) تَقْتَضِي الْإِيجَابَ أَبَدًا، وَنَسْخَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِيجَابِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إِيجَابِ صَوْمِ غَدٍ، وَبَيْنَ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ الْغَدِ بِالنَّاسِخِ، كَانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ الْغَدِ بِالْمَوْتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 كَالْمَوْتِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ: عَلَى جَوَازِ نَسْخِ مِثْلَ: صُومُوا أَبَدًا، بِخِلَافِ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا. لَنَا: لَا يَزِيدُ عَلَى: صُمْ غَدًا، ثُمَّ يُنْسَخُ قَبْلَهُ. قَالُوا: مُتَنَاقِضٌ. قُلْنَا: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إِيجَابِ صَوْمِ غَدٍ وَانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 قَبْلَهُ، كَالْمَوْتِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ: جَوَازُ النَّسْخِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ. لَنَا: أَنَّ مَصْلَحَةَ الْمُكَلَّفِ قَدْ تَكُونُ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ وَقَعَ كَنَسْخِ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْفِطْرِ، وَتَحْرِيمِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ. قَالُوا: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) . وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحُكْمِ لَا فِي اللَّفْظِ. سَلَّمْنَا، لَكِنْ خُصِّصَ. سَلَّمْنَا وَيَكُونُ نَسْخُهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ خَيْرٌ لِمَصْلَحَةٍ عُلِمَتْ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ، فَمِنْ أَيْنَ: لَمْ يَجُزْ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ: جَوَازُ النَّسْخِ بِأَثْقَلَ. لَنَا: مَا تَقَدَّمَ. وَبِأَنَّهُ نَسَخَ التَّخْيِيرَ فِي الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةَ. وَصَوْمَ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ. وَالْحَبْسَ فِي الْبُيُوتِ بِالْحَدِّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ على جَوَازُ النَّسْخِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ. فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِهِ. وَذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ وَجْهَيْنِ: - الْأَوَّلُ - أَنَّ الْحُكْمَ إِنْ تَبِعَ الْمَصْلَحَةَ، فَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِلَا بَدَلٍ ; لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْمُكَلَّفِ قَدْ يَكُونُ فِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ لَمْ يَتْبَعِ الْمَصْلَحَةَ، فَجَوَازُهُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ " يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ " وَ " يُحْكِمُ مَا يُرِيدُ ". الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ نَسْخُ الْحُكْمِ بِلَا بَدَلٍ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْجَوَازِ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ، كَنَسْخِ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْفِطْرِ بِلَا بَدَلٍ، وَنَسْخِ تَحْرِيمِ ادِّخَارِ لُحُومِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَضَاحِي (أَيْضًا) بِلَا بَدَلٍ. الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ قَالُوا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ. أَجَابَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ بِلَا بَدَلٍ، لَا فِي اللَّفْظِ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ فِي نَسْخِ اللَّفْظِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى الْآيَةِ، وَالْآيَةُ لَفْظٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] سَلَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ نَسْخَ الْحُكْمِ أَيْضًا، لَكِنْ خُصِّصَ الْحُكْمُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الصُّوَرِ. سَلَّمْنَا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى عُمُومِهَا لَكِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ بِدُونِ الْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ خَيْرٌ، وَالنَّسْخُ بِلَا بَدَلٍ خَيْرٌ مِنْ إِبْقَاءِ الْحُكْمِ لِمَصْلَحَةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَقَعُ بِدُونِ بَدَلٍ، فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ جَوَازُ النَّسْخِ بِأَثْقَلَ] ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ النَّسْخِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بِبَدَلٍ أَخَفَّ، مِثْلَ نَسْخِ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ فِي لَيْلَةِ رَمَضَانَ بِبَدَلِ حِلِّهِ، وَهُوَ الْأَخَفُّ. وَبِبَدَلٍ مُسَاوٍ مِثْلَ نَسْخِ وُجُوبِ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ النَّسْخِ بِبَدَلٍ أَثْقَلَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ - الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إِنْ تَبِعَ الْمَصْلَحَةَ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةٌ فِي نَسْخِ الْحُكْمِ بِبَدَلٍ أَثْقَلَ، وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْ فَجَوَازُهُ أَظْهَرُ. الثَّانِي - الْوُقُوعُ، فَمِنْ ذَلِكَ نَسْخُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ أَثْقَلُ مِنَ التَّخْيِيرِ. وَمِنْهُ وُجُوبُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ بِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَهُوَ أَشَقُّ وَأَثْقَلُ. وَمِنْهُ نَسْخُ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ الَّذِي كَانَ حَدًّا لِلزِّنَا بِالْحَدِّ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالسِّيَاطِ وَالتَّغْرِيبُ سَنَةً فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَالرَّجْمِ بِالْحِجَارَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حَقَّ الْمُحْصَنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَثْقَلُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 ص - قَالُوا: أَبْعَدُ فِي الْمَصْلَحَةِ. قُلْنَا: يَلْزَمُكُمْ فِي ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ يَكُونُ عَلِمَ الْأَصْلَحَ فِي الْأَثْقَلِ، كَمَا يُسْقِمُهُمْ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَيُضْعِفُهُمْ بَعْدَ الْقُوَّةِ. قَالُوا: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . قُلْنَا: إِنْ سُلِّمَ عُمُومٌ فَسِيَاقُهَا لِلْمَآلِ فِي تَخْفِيفِ الْحِسَابِ وَتَكْثِيرِ الثَّوَابِ، أَوْ تَسْمِيَةٍ لِلشَّيْءِ بِعَاقِبَتِهِ؛ مِثْلَ: (لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ) . وَإِنْ سُلِّمَ الْفَوْرُ فَمَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، كَمَا خُصَّتْ ثِقَالُ التَّكَالِيفِ وَالِابْتِلَاءِ بِاتِّفَاقٍ. قَالُوا: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] وَالْأَشَقُّ لَيْسَ بِخَيْرٍ لِلْمُكَلَّفِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ خَيْرٌ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ، وَبِالْعَكْسِ وَنَسْخِهِمَا مَعًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ النَّسْخِ بِأَثْقَلَ احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ النَّسْخَ بِبَدَلٍ أَثْقَلَ أَبْعَدُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِينَ ; لِأَنَّهُمْ إِنِ امْتَثَلُوا الْتَزَمُوا زِيَادَةَ الْمَشَقَّةِ، وَإِنْ تَرَكُوا يَلْزَمُهُمُ الْعُقُوبَةُ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُكُمْ فِي ابْتِدَاءِ التَّكْلِيفِ ; لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَعَةِ الْإِبَاحَةِ، فَنَقْلُهُمْ إِلَى التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ أَبْعَدُ عَنِ الْمَصْلَحَةِ. وَأَيْضًا: قَدْ يَكُونُ الْبَارِي - تَعَالَى - عَلِمَ أَنَّ الْأَصْلَحَ هُوَ الْأَثْقَلُ، كَمَا يُسْقِمُهُمْ بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَيُضْعِفُهُمْ بَعْدَ الْقُوَّةِ ; لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ السَّقَمَ وَالضَّعْفَ أَصْلَحُ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ جَازَ النَّسْخُ بِبَدَلٍ أَثْقَلَ لَزِمَ كَذِبُ قَوْلِهِ - تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] وَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْآيَتَيْنِ تَدُلَّانِ عَلَى إِرَادَةِ التَّخْفِيفِ وَالْيُسْرِ، وَالنَّسْخُ بِبَدَلٍ أَثْقَلُ يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ التَّثْقِيلِ وَالْعُسْرِ، فَيَلْزَمُ كَذِبُ الْآيَتَيْنِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عُمُومَ الْآيَةِ فِي إِرَادَةِ التَّخْفِيفِ وَالْيُسْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَئِنْ سُلِّمَ عُمُومُ الْآيَةِ فِي التَّخْفِيفِ وَالْيُسْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالْيُسْرِ لِلْمَآلِ فِي تَخْفِيفِ الْحِسَابِ وَتَكْثِيرِ الثَّوَابِ. أَوْ تَسْمِيَةِ التَّثْقِيلِ وَالْعُسْرِ بِالتَّخْفِيفِ وَالْيُسْرِ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِاسْمِ عَاقِبَتِهِ (فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ) يَرْجِعُ إِلَى التَّخْفِيفِ بِسَبَبِ نَيْلِ الثَّوَابِ وَدَفْعِ الْعِقَابِ مِثْلَ: لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ. فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَاقِبَةَ الْوِلَادَةِ: الْمَوْتُ، وَعَاقِبَةَ الْبِنَاءِ: الْخَرَابُ، جَعَلَهُمَا غَايَةَ الْوِلَادَةِ وَالْبِنَاءِ، تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِعَاقِبَتِهِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ إِرَادَةُ التَّخْفِيفِ وَالْيُسْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْفَوْرِ لَكِنْ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الصُّوَرِ، كَمَا خُصَّتْ ثِقَالُ التَّكَالِيفِ وَالِابْتِلَاءِ بِاتِّفَاقٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى -: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ يَكُونُ خَيْرًا مِنَ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ، وَالْأَثْقَلُ الْأَشَقُّ لَا يَكُونُ خَيْرًا لِلْمُكَلَّفِ وَلَا مِثْلًا. أَجَابَ بِأَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُكَلَّفِ بِاعْتِبَارِ عِظَمِ الثَّوَابِ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ وَبِالْعَكْسِ وَنَسْخِهِمَا مَعًا] ش - الْجُمْهُورُ ذَهَبُوا إِلَى جَوَازِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ، وَبِالْعَكْسِ، أَيْ جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ، وَجَوَازِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا. وَخَالَفَهُمْ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنَ الثَّلَاثَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ ; الْأَوَّلُ - الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ؛ فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لِمَصْلَحَةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ. وَأَيْضًا: الْوُقُوعُ. عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: - " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ: " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ ". وَنُسِخَ الِاعْتِدَادُ بِالْحَوْلِ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٌ ". وَالْأَشْبَهُ: جَوَازُ مَسِّ الْمُحْدِثِ لِلْمَنْسُوخِ لَفْظُهُ. ص - قَالُوا: التِّلَاوَةُ مَعَ حُكْمِهَا، كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ، وَالْمَنْطُوقِ مَعَ الْمَفْهُومِ؛ فَلَا يَنْفَكَّانِ. وَأُجِيبُ بِمَنْعِ الْعَالَمِيَّةِ وَالْمَفْهُومِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالتِّلَاوَةُ أَمَارَةُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا، فَإِذَا نُسِخَ لَمْ يَنْتَفِ الْمَدْلُولُ. وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ. قَالُوا: بَقَاءُ التِّلَاوَةِ يُوهِمُ بَقَاءَ الْحُكْمِ، فَيُوقِعُ فِي الْجَهْلِ، وَأَيْضًا: فَتَزُولُ فَائِدَةُ الْقُرْآنِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي - الْوُقُوعُ. أَمَّا وُقُوعُ التِّلَاوَةِ فَقَطْ فَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا " وَقَدْ نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَلَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ. وَأَمَّا وُقُوعُ نَسْخِ الْحُكْمِ فَقَطْ، فَلِأَنَّ حُكْمَ آيَةِ الِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] قَدْ نُسِخَ بِدُونِ تِلَاوَتِهِ، وَأَمَّا وُقُوعُ نَسْخِهِمَا مَعًا فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٌ، فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ ". وَقَدْ كَانَ مَنْسُوخَ التِّلَاوَةِ أَيْضًا. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مَنْسُوخَ اللَّفْظِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ أَمْ لَا؟ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مَسُّهُ لِلْمُحْدِثِ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ قَالُوا: التِّلَاوَةُ مَعَ حُكْمِهَا كَالْعَالَمِيَّةِ مَعَ الْعِلْمِ، وَالْمَنْطُوقِ مَعَ الْمَفْهُومِ؛ فَكَمَا لَا انْفِكَاكَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَالَمِيَّةِ وَبَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ، فَكَذَلِكَ لَا انْفِكَاكَ بَيْنَ التِّلَاوَةِ وَحُكْمِهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ. أَجَابَ بِمَنْعِ الْعَالَمِيَّةِ وَالْمَفْهُومِ؛ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَالَمِيَّةَ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلْمِ، بَلِ الْعِلْمُ هُوَ الْعَالَمِيَّةُ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَفْهُومَ ثَابِتٌ. وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ انْفِكَاكِهِ عَنِ الْمَفْهُومِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ الْعَالَمِيَّةَ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلْمِ وَالْمَنْطُوقَ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْمَفْهُومِ - فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْحُكْمِ ; فَإِنَّ التِّلَاوَةَ أَمَارَةُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً، لَا دَوَامًا، فَإِذَا نُسِخَتْ لَمْ يَنْتَفِ الْحُكْمُ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الْأَمَارَةِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ. وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ انْتِفَاءُ الْأَمَارَةِ. وَقَالُوا أَيْضًا ; لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْحُكْمِ بِدُونِ التِّلَاوَةِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 قُلْنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا جَهْلَ مَعَ الدَّلِيلِ ; لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَعْلَمُ، وَالْمُقَلِّدَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ. وَفَائِدَتُهُ كَوْنُهُ مُعْجِزًا وَقُرْآنًا يُتْلَى. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ التَّكْلِيفِ بِالْإِخْبَارِ بِالْإِخْبَارِ بِنَقِيضِهِ. خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] التِّلَاوَةِ يُوهِمُ بَقَاءَ الْحُكْمِ ; لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ أَمَارَةً لِلْحُكْمِ، فَيَلْزَمُ وُقُوعُ الْمُكَلَّفِ فِي الْجَهْلِ، وَتَزُولُ فَائِدَةُ الْقُرْآنِ؛ إِذِ الْفَائِدَةُ بَيَانُ الْأَحْكَامِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا الْأَلْفَاظُ، فَإِذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ زَالَ فَائِدَةُ اللَّفْظِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ، وَهُوَ مَرْدُودٌ. وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَلَا نُسَلِّمُ وُقُوعَ الْمُكَلَّفِ فِي الْجَهْلِ ; إِذْ لَا جَهْلَ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ النَّاسِخِ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا يَعْلَمُ الدَّلِيلَ النَّاسِخَ، فَلَا يَقَعُ فِي الْجَهْلِ. وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا يَرْجِعُ إِلَى الْمُجْتَهِدِ وَيَقْبَلُ مِنْهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّهُ يَزُولُ فَائِدَةُ الْقُرْآنِ ; فَإِنَّ فَائِدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْحُكْمِ، بَلْ يَكُونُ فَائِدَتُهُ كَوْنُهُ مُعْجِزًا وَكَوْنُهُ يُتْلَى، فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِتِلَاوَتِهِ. [مَسْأَلَة: الْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ التَّكْلِيفِ بِالْإِخْبَارِ بِالْإِخْبَارِ بِنَقِيضِهِ] ش - الْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ تَكْلِيفِنَا بِالْإِخْبَارِ عَنْ شَيْءٍ بِتَكْلِيفِنَا بِالْإِخْبَارِ (عَنْ نَقِيضِهِ. خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. مِثْلَ أَنَّ تَكْلِيفَنَا بِالْإِخْبَارِ) عَنْ وُجُودِ زَيْدٍ، ثُمَّ تَكْلِيفَنَا بِالْإِخْبَارِ عَنْ عَدَمِهِ. وَأَمَّا مَدْلُولُ الْخَبَرِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ، مِثْلَ: الْإِلَهُ مَوْجُودٌ، وَالْعَالَمُ حَادِثٌ - فَنَسْخُهُ بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَيَّرُ، كَإِيمَانِ زَيْدٍ وَكُفْرِهِ - مِثْلُهُ، أَيْ نَسْخُهُ بَاطِلٌ عَلَى الْمُخْتَارِ. خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَاسْتِدْلَالُ الْمُجَوَّزِينَ بِجَوَازِ نَسْخِ مَدْلُولِ الْخَبَرِ إِذَا كَانَ حُكْمًا، مِثْلَ: أَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِصَوْمِ كَذَا، ثُمَّ يُنْسَخُ، يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 وَأَمَّا نَسْخُ مَدْلُولِ خَبَرٍ لَا يَتَغَيَّرُ فَبَاطِلٌ. وَالْمُتَغَيِّرُ كَإِيمَانِ زَيْدٍ وَكُفْرِهِ - مِثْلُهُ. خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِمِثْلِ: أَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِصَوْمِ كَذَا، ثُمَّ يُنْسَخُ - يَرْفَعُ الْخِلَافَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، كَالْعِدَّتَيْنِ وَالْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِرِ، وَالْآحَادِ بِالْآحَادِ، وَالْآحَادِ بِالْمُتَوَاتِرِ. وَأَمَّا نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فَنَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ. بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ، كَمَا تَقَدَّمَ. لَنَا: قَاطِعٌ فَلَا يُقَابِلُهُ الْمَظْنُونُ. ص - قَالُوا: وَقَعَ، فَإِنَّ أَهْلَ قُبَاءَ سَمِعُوا مُنَادِيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ فَاسْتَدَارُوا وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمْ. أُجِيبُ: عَلِمُوا بِالْقَرَائِنِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُجَوِّزِينَ وَالْمَانِعِينَ ; لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ؛ نَحْوَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] فَيَجُوزُ نَسْخُهُ عِنْدَ الْمَانِعِينَ أَيْضًا، وَلَا يَكُونُ نَسْخًا لِمَدْلُولِ الْخَبَرِ، بَلْ لِمَدْلُولِ الْأَمْرِ فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ. [مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ] ش - يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، كَنَسْخِ الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ بِالْعِدَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. وَيَجُوزُ نَسْخُ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَنَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ، وَالْآحَادِ بِالْمُتَوَاتِرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فَنَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ. بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ الْمُتَوَاتِرِ بِالْخَاصِّ الْآحَادِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسْخَ يَرْفَعُ مَا ثَبَتَ بِالْمَنْسُوخِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ مَا ثَبَتَ بِالْعَامِّ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ مَقْطُوعٌ، وَالْآحَادَ مَظْنُونٌ؛ وَالْمَظْنُونُ لَا يُقَابِلُ الْمَقْطُوعَ، بَلْ يُطْرَحُ الْمَظْنُونُ وَيُعْمَلُ بِالْمَقْطُوعِ. قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَاتِرُ مَظْنُونًا بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ، وَالْآحَادُ مَقْطُوعًا بِحَسَبِ الْمَتْنِ، فَحِينَئِذٍ يُقَابَلُ الْمُتَوَاتِرُ بِالْآحَادِ وَيُنْسَخُ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْآحَادُ مُخَصِّصًا لِلْمُتَوَاتِرِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْآحَادَ إِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا إِذَا وَرَدَ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ الْمُتَوَاتِرِ أَمَّا إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْعَمَلِ بِهِ يَكُونُ نَاسِخًا لَهُ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ نَسْخِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - الْوُقُوعُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ قُبَاءَ سَمِعُوا مُنَادِيَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَاسْتَدَارُوا فِي الصَّلَاةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 قَالُوا: كَانَ يُرْسِلُ الْآحَادَ بِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ مُبْتَدَأَةً وَنَاسِخَةً. وَأُجِيبُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَيُعْلَمُ بِالْقَرَائِنِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. قَالُوا: {قُلْ لَا أَجِدُ} [الأنعام: 145] نُسِخَ بِنَهْيِهِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، فَالْخَبَرُ أَجْدَرُ. أُجِيبُ إِمَّا بِمَنْعِهِ، وَإِمَّا بِأَنَّ الْمَعْنَى: لَا أَجِدُ الْآنَ. وَتَحْرِيمُ حَلَالِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ. ص - وَيَتَعَيَّنُ النَّاسِخُ بِعِلْمِ تَأَخُّرِهِ. أَوْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هَذَا نَاسِخٌ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِثْلَ: " كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ ". أَوْ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَا يَثْبُتُ بِتَعْيِينِ الصَّحَابِيِّ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ عَنِ اجْتِهَادٍ. وَفِي تَعْيِينِ أَحَدِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ نَظَرٌ. وَلَا يَثْبُتُ بِقَبِيلِهِ فِي الصُّحُفِ، وَلَا بِحَدَاثَةِ الصَّحَابِيِّ، وَلَا بِتَأَخُّرِ إِسْلَامِهِ، وَلَا بِمُوَافَقَةِ الْأَصْلِ. وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ: الْوَقْفُ، لَا التَّخْيِيرُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ. وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَانِ. لَنَا: لَوِ امْتَنَعَ لَكَانَ غَيْرُهُ: وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَأَيْضًا: التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالسُّنَّةِ، وَنُسِخَ بِالْقُرْآنِ. وَالْمُبَاشَرَةُ بِاللَّيْلِ كَذَلِكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يُنْكِرِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِمْ، مَعَ أَنَّ وُجُوبَ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَخَبَرُ الْمُنَادِي الْآحَادُ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ لَمَا جَازَ لَهُمُ التَّحَوُّلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمُنَادِي، وَلَأَنْكَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِمْ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ تَحَوَّلُوا بِمُجَرَّدِ إِخْبَارِ الْمُنَادِي، بَلْ تَحَوَّلُوا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِالْقَرَائِنِ الْمُنْضَمَّةِ إِلَى خَبَرِ الْمُنَادِي كَإِعْلَانِ النَّاسِ بِذَلِكَ، أَوْ قُرْبِهِمْ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ. الثَّانِي - أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُرْسِلُ آحَادَ الصَّحَابَةِ إِلَى الْأَقْطَارِ بِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ مُبْتَدَأَةً وَنَاسِخَةً، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا. فَلَوْ لَمْ يُقْبَلِ الْآحَادُ فِي نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ لَمَا وَجَبَ الْقَبُولُ، وَلَمَا جَازَ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا يُفَرِّقَ. أَجَابَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْإِرْسَالِ وَوُجُوبِ الْقَبُولِ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مِمَّا ذَكَرَنَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْمُتَوَاتِرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالْقَرَائِنِ لِمَا ذَكَرْنَا. الثَّالِثُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} [الأنعام: 145] نُسِخَ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ بَابِ الْآحَادِ. وَإِذَا جَازَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْآحَادِ فَنَسْخُ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِهِ أَجْدَرُ. أَجَابَ: إِمَّا بِمَنْعِهِ بِأَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْجَمِيعِ، حَتَّى يَكُونَ تَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ نَاسِخًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِ الْمُحَرَّمِ، وَعَدَمُ وِجْدَانِ الْمُحَرَّمِ بِالْوَحْيِ، لَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْجَمِيعِ. وَإِمَّا بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: لَا أَجِدُ الْآنَ مُحَرَّمًا فَيَكُونُ مُؤَقَّتًا، وَإِذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَانَ مُؤَقَّتًا لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا. وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ رَافِعٌ لِلْحَلَالِ الثَّابِتِ بِالْأَصْلِ. وَرَفْعُ الْحَلَالِ الثَّابِتِ بِالْأَصْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ ; لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَحَلَالُ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا. [يَتَعَيَّنُ النَّاسِخُ بِعِلْمِ تَأَخُّرِهِ] ش - إِذَا وَقَعَ حُكْمَانِ مُتَنَافِيَانِ، فَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ النَّاسِخُ مِنْهُمَا بِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يُعْلَمَ تَأَخُّرُهُ عَنِ الْآخَرِ. أَوْ بِأَنْ يَقُولَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هَذَا نَاسِخٌ. أَوْ بِأَنْ يَقُولَ مَا فِي مَعْنَاهُ، مِثْلَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّ هَذَا دَالٌّ عَلَى نَسْخِ النَّهْيِ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ. وَأَيْضًا: بِتَعَيُّنِ النَّاسِخِ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ تُجْمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ. وَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِتَعْيِينِ الصَّحَابِيِّ النَّاسِخِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ تَعْيِينُهُ النَّاسِخَ عَنِ اجْتِهَادٍ. وَفِي تَعْيِينِ الصَّحَابِيِّ تَأَخُّرَ أَحَدِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ نَظَرٌ، لِتَعَارُضِ دَلِيلِ قَبُولِ قَوْلِهِ وَالْمَنْعِ. أَمَّا دَلِيلُ الْمَنْعِ فَهُوَ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَسْخَ الْمُتَوَاتِرِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأَمَّا دَلِيلُ الْقَبُولِ - فَهُوَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، بَلْ بِالْمُتَوَاتِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مُعَيِّنٌ لِلنَّاسِخِ، لَا نَاسِخٌ ; لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ وَالْآخَرَ مَنْسُوخٌ بِدُونِ خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَلَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْحُكْمِ مَنْسُوخًا بِقَبْلِيَّتِهِ فِي الْمُصْحَفِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُصْحَفِ مُتَأَخِّرًا فِي النُّزُولِ ; لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ لَيْسَ عَلَى تَرْتِيبِ النُّزُولِ. وَلَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْحُكْمِ نَاسِخًا بِحَدَاثَةِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي يَرْوِيهِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَنْ تَأَخَّرَ صُحْبَتُهُ يَكُونُ رِوَايَتُهُ مُتَقَدِّمَةً. وَلَا يَثْبُتُ أَيْضًا كَوْنُ الْحُكْمِ نَاسِخًا بِتَأَخُّرِ إِسْلَامِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي يَرْوِيهِ؛ فَإِنَّ تَأَخُّرَ الْإِسْلَامِ لَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ رِوَايَتِهِ. وَلَا يَثْبُتُ أَيْضًا كَوْنُ الْحُكْمِ نَاسِخًا بِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِلْأَصْلِ ; فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الْأَصْلِ لَا تَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ أَصْلًا. وَإِذَا لَمْ يُعْلَمِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فَالْوَجْهُ: الْوَقْفُ، لَا التَّخْيِيرُ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ] ش - اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ قَوْلَانِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ لَكَانَ امْتِنَاعُهُ لِغَيْرِهِ؛ إِذْ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ. وَأَيْضًا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ وَاقِعٌ ; فَإِنَّ وُجُوبَ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، وَنُسِخَ بِالْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] . وَتَحْرِيمُ مُبَاشَرَةِ الصَّائِمِ بِاللَّيْلِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ نُسِخَ بِالْقُرْآنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَأُجِيبُ بِجَوَازِ نَسْخِهِ بِالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْقُرْآنُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ تَعْيِينَ نَاسِخٍ أَبَدًا. ص - قَالُوا: " لِتُبَيِّنَ " وَالنَّسْخُ رَفْعٌ لَا بَيَانٌ. قُلْنَا: الْمَعْنَى: لِتُبَلِّغَ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالنَّسْخُ أَيْضًا بَيَانٌ. وَلَوْ سُلِّمَ فَأَيْنَ نَفْيُ النَّسْخِ؟ قَالُوا: مُنَفِّرٌ. قُلْنَا: إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ فَلَا نَفْرَةَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. لَنَا: مَا تَقَدَّمَ. وَاسْتَدَلَّ بِأَنْ " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " نَسْخٌ {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالرَّجْمُ لِلْمُحْصَنِ نَسَخَ الْجَلْدَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَسْخُ الْمَعْلُومِ بِالْمَظْنُونِ، وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ. ص - قَالُوا: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] وَالسُّنَّةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] . وَوُجُوبُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ نُسِخَ بِالْقُرْآنِ. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْقُرْآنُ، فَاسْتُغْنِيَ بِالْقُرْآنِ عَنْ نَقْلِ السُّنَّةِ النَّاسِخَةِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ يَمْنَعُ تَعْيِينَ النَّاسِخِ أَبَدًا، فَإِنَّ أَيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] نَاسِخٍ فَرْضٌ. كَانَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: النَّاسِخُ غَيْرُهُ، إِلَّا أَنَّهُ وَافَقَ ذَلِكَ الْغَيْرُ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ السُّنَّةِ بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ السُّنَّةِ بَيَانًا لِلْقُرْآنِ، وَالْمَنْسُوخُ لَا يَكُونُ بَيَانًا لِلنَّاسِخِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْمَنْسُوخِ بِالنَّاسِخِ، لَا بَيَانُ النَّاسِخِ بِالْمَنْسُوخِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: " لِتُبَيِّنَ ": لِتُبَلِّغَ، وَحَمْلُ الْبَيَانِ عَلَى هَذَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ. أَمَّا حَمْلُهُ عَلَى بَيَانِ الْمُرَادِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ بِبَعْضِ مَا أُنْزِلَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَا يُطَابِقُ الظَّاهِرَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا يُوجِبُ تَرْكَ الظَّاهِرِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَيَانُ، فَالنَّسْخُ أَيْضًا بَيَانٌ. قِيلَ: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ ; لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ نَفَى كَوْنَ الْمَنْسُوخِ بَيَانًا لِلنَّاسِخِ، وَالْمُعْتَرِضَ أَجَابَ بِكَوْنِ النَّاسِخِ بَيَانَ الْمَنْسُوخِ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: الْمُسْتَدِلُّ أَبْطَلَ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ مَنْسُوخَةً بِالْقُرْآنِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ بَيَانًا، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْمُبَيِّنِ. وَلَوْ كَانَ نَسْخُهَا بِالْقُرْآنِ لَكَانَا مُتَنَافِيَيْنِ. أَجَابَ الْمُعْتَرِضُ بِأَنَّ النَّسْخَ أَيْضًا بَيَانٌ، فَلَا مُنَافَاةَ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ كَلَامُ الْمُسْتَدِلِّ لَمْ يُورَدْ فِي الْمَتْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ جَوَابُ الْمُعْتَرِضِ، بَلْ أُورِدَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ جَوَابُ الْمُعْتَرِضِ غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ بِبَيَانٍ فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ نَفْيُ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ، فَغَايَتُهُ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَنْسَخُ بَعْضَ السُّنَّةِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بَيَانًا لِلْقُرْآنِ. الثَّانِي - أَنَّ نَسْخَ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ مُنَفِّرٌ لِلنَّاسِ عَنِ النَّبِيِّ وَعَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] طَاعَتِهِ ; لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِمَا سَنَّهُ الرَّسُولُ، فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْبَعْثَةِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُبَلِّغٌ لِلْأَحْكَامِ، لَا وَاضِعٌ لَهَا فَلَا نَفْرَةَ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ] ش - اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لَا بِالْآحَادِ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ. حُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ اللَّهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ نَسْخُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْوُقُوعِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» " نَسَخَ قَوْلَهُ: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] . وَرَجْمُ الْمُحْصَنِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَقَدْ نَسَخَ الْجَلْدَ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ نَسْخَ الصُّورَتَيْنِ بِالسُّنَّةِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ الْمَعْلُومِ بِالْمَظْنُونِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» " وَرَجْمَ الْمُحْصَنِ، مِنْ قَبِيلِ الْآحَادِ، وَنَسْخُ الْمَعْلُومِ بِالْمَظْنُونِ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ الْمَظْنُونُ لَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ الْمَقْطُوعُ. وَهَذَا الْفَرْضُ إِنَّمَا لَزِمَ مِنَ الْمُدَّعِي بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ ; لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْخَبَرِ بِالْمُتَوَاتِرِ فِي الْمُدَّعِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ قَالُوا: النَّاسِخُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنَ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] وَالسُّنَّةُ لَيْسَتْ بِخَيْرٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا بِمِثْلٍ لَهُ. فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَأَيْضًا: قَالَ تَعَالَى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] . وَالضَّمِيرُ فِي " نَأْتِ " لِلَّهِ فَيَكُونُ الْآتِي بِالنَّسْخِ هُوَ اللَّهُ، وَجَوَازُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْآتِيَ بِالسُّنَّةِ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ، بَلِ الرَّسُولُ. أَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّسْخِ فِي الْآيَةِ هُوَ نَسْخُ الْحُكْمِ، لَا اللَّفْظِ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا تَفَاضُلَ فِيهِ بِحَسَبِ اللَّفْظِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ السُّنَّةِ خَيْرًا مِنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ أَوْ مِثْلًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ السُّنَّةِ أَصْلَحَ لِلْمُكَلَّفِ مِنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 وَلِأَنَّهُ قَالَ: " نَأْتِ " وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا تَفَاضُلَ فِيهِ، أَصْلَحَ لِلْمُكَلَّفِ أَوْ مُسَاوِيًا. وَصَحَّ " نَأْتِ " لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالُوا: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} [يونس: 15] . قُلْنَا: ظَاهِرٌ فِي الْوَحْيِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالسُّنَّةُ بِالْوَحْيِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُ " نَأْتِ " عَلَى مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ; لِقَوْلِهِ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3] . الثَّانِي - أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: 15] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَدِّلَ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَكَوْنُ السُّنَّةِ نَاسِخَةً لِلْقُرْآنِ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ أَرَادَ تَبْدِيلَ الْوَحْيِ؛ أَيْ لَيْسَ لِي أَنْ أُبَدِّلَ مَا يُوحَى إِلَيَّ بَعْضَهُ بِالْبَعْضِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْعُ التَّبْدِيلِ مُطْلَقًا فَالسُّنَّةُ بِالْوَحْيِ أَيْضًا، فَالنَّسْخُ بِهَا لَا يَكُونُ تَبْدِيلًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، بَلْ بِالْوَحْيِ. [مَسْأَلَةٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ] ش - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْقَطْعِيَّ لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا. وَخَالَفَهُمْ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ. حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْقَطْعِيَّ لَوْ كَانَ مَنْسُوخًا لَكَانَ نَسْخُهُ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ قَاطِعٍ أَوْ بِغَيْرِهِمَا. فَإِنْ كَانَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَوْ إِجْمَاعٍ قَاطِعٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ، أَيِ الْمَنْسُوخُ خَطَأً ; لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ يُعَارِضُهُ. قِيلَ: وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَطْعِيٌّ فَتَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بِالْخَطَأِ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا فُرِضَ كَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَمْ يَلْزَمْ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ عِنْدَ تَعْيِينِهِ بِالْخَطَأِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 لَنَا: لَوْ نُسِخَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ قَاطِعٍ كَانَ الْأَوَّلُ خَطَأً وَهُوَ بَاطِلٌ. وَلَوْ نُسِخَ بِغَيْرِهِمَا فَأَبْعَدُ؛ لِلْعِلْمِ بِتَقْدِيمِ الْقَاطِعِ. ص - قَالُوا: لَوْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهَا اجْتِهَادِيَّةٌ. فَلَوِ اتُّفِقَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَانَ نَسْخًا. قُلْنَا: لَا نَسْخَ بَعْدَ تَسْلِيمِ جَوَازِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَنْ نَصٍّ فَالنَّصُّ نَاسِخٌ. وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ نَصٍّ، وَالْأَوَّلُ قَطْعِيٌّ فَالْإِجْمَاعُ خَطَأٌ. أَوْ ظَنِّيٌّ فَقَدْ زَالَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ رُجْحَانُهُ. ص - قَالُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَيْفَ تَحْجُبُ الْأُمَّ بِالْأَخَوَيْنِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] " وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا إِخْوَةً، فَقَالَ حَجَبَهَا قَوْمُكَ يَا غُلَامُ. قُلْنَا: إِنَّمَا يَكُونُ نَسْخًا بِثُبُوتِ الْمَفْهُومِ قَطْعًا، وَأَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إِخْوَةً قَطْعًا، فَيَجِبُ تَقْدِيرُ النَّصِّ، وَإِلَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ خَطَأً. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَظْنُونَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا وَلَا مَنْسُوخًا. أَمَّا الْأَوَّلُ - فَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ إِنْ كَانَ قَطْعِيًّا، لَمْ يُنْسَخْ بِالْمَظْنُونِ. وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا تَبَيَّنَ زَوَالُ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ رُجْحَانُهُ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ مُقَيَّدًا، كَانَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا أَوْ لَا. وَأَمَّا الثَّانِي - فَلِأَنَّ مَا بَعْدَهُ - قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا - تَبَيَّنَ زَوَالُ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ. وَأَمَّا الْمَقْطُوعُ - فَيُنْسَخُ بِالْمَقْطُوعِ فِي حَيَاتِهِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ - فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَنْسُوخًا. قَالُوا: صَحَّ التَّخْصِيصُ فَيَصِحُّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ بِغَيْرِهِمَا؛ أَيْ بِغَيْرِ النَّصِّ الْقَاطِعِ وَالْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ - فَأَبْعَدُ مِنْ نَسْخِهِ بِهِمَا ; لِأَنَّ غَيْرَ النَّصِّ الْقَاطِعِ وَالْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ ظَنِّيٌّ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَاطِعَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَظْنُونِ. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْإِجْمَاعَ بِالْقَطْعِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " لِلْعِلْمِ بِتَقْدِيمِ الْقَاطِعِ " يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِجْمَاعِ: الْقَطْعِيَّ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ نَسْخِ الْإِجْمَاعِ، قَالُوا: لَوِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ فَهُوَ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ يَجُوزُ الْأَخْذُ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ. فَلَوِ اتَّفَقُوا - بَعْدَ ذَلِكَ - عَلَى أَحَدِهِمَا كَانَ نَسْخًا لِلْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزِ الْأَخْذُ إِلَّا بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي رَافِعًا لِحُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ وُقُوعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ. وَلَوْ سُلِّمَ وُقُوعُ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي فَلَا نَسْخَ لِلْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي، وَإِذَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي انْتَفَى شَرْطُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ، فَانْتِفَاءُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، لَا لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا. [مَسْأَلَة: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِهِ] ش - اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا. وَخَالَفَهُمْ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ. حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إِنْ كَانَ عَنْ نَصٍّ يَكُونُ النَّاسِخُ هُوَ النَّصَّ، لَا الْإِجْمَاعَ، وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ عَنْ غَيْرِ نَصٍّ يَكُونُ عَنْ قِيَاسٍ بِالضَّرُورَةِ. فَالْأَوَّلُ؛ أَيِ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ بِالْإِجْمَاعِ إِنْ كَانَ قَطْعِيًّا - يَكُونُ الْإِجْمَاعُ خَطَأً ; لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِ الْقَطْعِيِّ. وَإِذَا كَانَ خَطَأً لَا يَكُونُ نَاسِخًا. وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ بِالْإِجْمَاعِ ظَنِّيًّا فَقَدْ زَالَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِهِ ; لِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالظَّنِّيِّ رُجْحَانُهُ عَلَى مُعَارِضِهِ، وَلَا يَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] رَاجِحًا عَلَى مُعَارِضِهِ الَّذِي هُوَ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ خَطَأً. وَإِذَا زَالَ شَرْطُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا ; لِأَنَّ النَّسْخَ بَعْدَ الثُّبُوتِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ قَالُوا: لَمَّا حَجَبَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ عِنْدِ وُجُودِ الْأَخَوَيْنِ، وَرَدَّهَا إِلَى السُّدُسِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَيْفَ تَحْجُبُ الْأُمَّ بِالْأَخَوَيْنِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: " {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] " وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: - حَجَبَهَا قَوْمُكَ يَا غُلَامُ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ حَجْبَ الْأُمِّ عَنِ الثُّلُثِ إِنَّمَا يَكُونُ نَسْخًا لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ، حَتَّى يَلْزَمَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِخْوَةٌ فَلَا يَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِأُمِّهِ السُّدُسُ، بَلِ الثُّلُثُ، وَثَبَتَ أَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ قَطْعًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَلَوْ سُلِّمَ بِثُبُوتِهِمَا فَيَجِبُ حِينَئِذٍ تَقْدِيرُ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى حَجْبِ الْأُمِّ عَنِ الثُّلُثِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْإِجْمَاعُ خَطَأً ; لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقَطْعِيِّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّاسِخُ هُوَ ذَلِكَ النَّصُّ لَا الْإِجْمَاعُ. [مَسْأَلَة: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَظْنُونَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا وَلَا مَنْسُوخًا] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَقْطُوعَ هُوَ مَا يَكُونُ حُكْمُ أَصْلِهِ وَالْعِلَّةُ وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ قَطْعِيًّا. وَالْمَظْنُونُ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ بَعْضُهَا قَطْعِيًّا، وَالْبَاقِي ظَنِّيًّا، أَوْ لَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهَا قَطْعِيًّا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَظْنُونَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا وَلَا مَنْسُوخًا. أَمَّا الْأَوَّلُ - وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَظْنُونَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا - فَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ؛ أَيْ مَا قَبْلَ الْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ، وَهُوَ الَّذِي يُنْسَخُ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ، إِنْ كَانَ قَطْعِيًّا - لَا يَكُونُ الْقِيَاسُ الْمَظْنُونُ نَاسِخًا لَهُ ; لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ لَا يُنْسَخُ بِالْمَظْنُونِ. وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَ الْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ ظَنِّيًّا تَبَيَّنَ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ زَوَالُ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ رُجْحَانُهُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَظْنُونِ الَّذِي هُوَ قَبْلَ الْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ مُقَيَّدٌ بِرُجْحَانِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا أَوْ لَا. وَإِذَا زَالَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بَعْدَ الثُّبُوتِ. وَأَمَّا الثَّانِي - وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَظْنُونَ لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا - فَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا تَبَيَّنَ زَوَالُ شَرْطِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ، وَهُوَ رُجْحَانُهُ، كَمَا بَيَّنَّا فِي الْأَوَّلِ، وَإِذَا زَالَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِهِ لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا لِمَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 قُلْنَا: مَنْقُوضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَقْلِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ: يَجُوزُ نَسْخُ أَصْلِ الْفَحْوَى دُونَهُ وَامْتِنَاعُ نَسْخِ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُمَا. لَنَا: أَنَّ جَوَازَ التَّأْفِيفِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الضَّرْبِ. وَبَقَاءَ تَحْرِيمِهِ يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمَ الضَّرْبِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا مِنْهُ. ص - الْمُجَوِّزُ: دَلَالَتَانِ، فَجَازَ رَفْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا. قُلْنَا إِذَا لَمْ يَكُنِ اسْتِلْزَامٌ. ص - الْمَانِعُ: الْفَحْوَى تَابِعٌ، فَيَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِ مَتْبُوعِهِ. قُلْنَا: تَابِعٌ لِلدَّلَالَةِ، لَا لِلْحُكْمِ، وَالدَّلَالَةُ بَاقِيَةٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ: إِذَا نُسِخَ حُكْمُ أَصْلِ الْقِيَاسِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمَقْطُوعُ فَيُنْسَخُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ; لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْقِيَاسِ كَحُكْمِ النَّصِّ الْقَاطِعِ، فَكَمَا جَازَ نَسْخُ الْقَاطِعِ بِالْقَاطِعِ فَكَذَلِكَ جَازَ نَسْخُ الْقِيَاسِ الْقَطْعِيِّ بِالْقَاطِعِ. وَأَمَّا بَعْدَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَوْ عَمِلَ الْمُجْتَهِدُ بِالْقِيَاسِ الْقَطْعِيِّ، لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَاسِخِهِ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى النَّاسِخِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَنْسُوخًا فِي عَهْدِ الرَّسُولِ. الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَظْنُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا، قَالُوا: صَحَّ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ، فَيَصِحُّ النَّسْخُ بِهِ ; لِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانٌ كَالتَّخْصِيصِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَقْلِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِكُلٍّ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ يَجُوزُ نَسْخُ أَصْلِ الْفَحْوَى دُونَهُ وَامْتِنَاعُ نَسْخِ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ] ش - اخْتُلِفَ فِي نَسْخِ الْأَصْلِ، مِثْلَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، وَالْفَحْوَى، مِثْلَ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ، عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ - الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ أَصْلِ الْفَحْوَى بِدُونِ نَسْخِ الْفَحْوَى. وَيَمْتَنِعُ نَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ أَصْلِهِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ يَمْتَنِعُ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ. حُجَّةُ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ أَنَّ جَوَازَ التَّأْفِيفِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الضَّرْبِ، فَيَجُوزُ نَسْخُ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ مَعَ بَقَاءِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ الْفَحْوَى، وَبَقَاءُ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمَ الضَّرْبِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِتَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ مَعْلُومًا مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْلُومًا مِنْهُ. وَإِذَا كَانَ بَقَاءُ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مُسْتَلْزِمًا لِتَحْرِيمِ الضَّرْبِ امْتَنَعَ نَسْخُ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ، الَّذِي هُوَ الْفَحْوَى بِدُونِ نَسْخِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ. ش - الْمُجَوِّزُ - أَيِ الْقَائِلُ بِجَوَازِ نَسْخِ كُلٍّ مِنَ الْأَصْلِ وَالْفَحْوَى بِدُونِ الْآخَرِ - قَالَ: دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالْمَنْطُوقِ، وَعَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ بِالْمَفْهُومِ، وَإِحْدَاهُمَا مُغَايِرَةٌ لِلْأُخْرَى، فَجَازَ رَفْعُ حُكْمِ كُلٍّ مِنَ الدَّلَالَتَيْنِ بِدُونِ الْآخَرِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ رَفْعُ حُكْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ إِذَا لَمْ يَكُنِ اسْتِلْزَامٌ. أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا اسْتِلْزَامٌ فَلَا يَجُوزُ رَفْعُ حُكْمٍ هُوَ لَازِمٌ بِدُونِ حُكْمٍ هُوَ مَلْزُومٌ ; لِامْتِنَاعِ بَقَاءِ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ. ش - الْمَانِعُ - أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ نَسْخُ كُلٍّ مِنَ الْأَصْلِ وَالْفَحْوَى بِدُونِ الْآخَرِ - قَالَ: الْفَحْوَى تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَتْبُوعُ ارْتَفَعَ تَابِعُهُ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْمَتْبُوعِ فَيَرْتَفِعُ الْفَحْوَى، الَّذِي هُوَ تَابِعٌ بِارْتِفَاعِ الْأَصْلِ، الَّذِي هُوَ مَتْبُوعُهُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْفَحْوَى تَابِعٌ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَصْلِ، لَا لِلْحُكْمِ، وَالدَّلَالَةُ بَاقِيَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ بِالْأَصْلِ، فَيَبْقَى الْفَحْوَى لِبَقَاءِ مَتْبُوعِهِ الَّذِي هُوَ الدَّلَالَةُ. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ إِذَا نُسِخَ حُكْمُ أَصْلِ الْقِيَاسِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ] ش - الْمُخْتَارُ أَنَّ نَسْخَ أَصْلِ الْقِيَاسِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ، أَيْ يُنْسَخُ حُكْمُ الْفَرْعِ أَيْضًا. خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. حُجَّةُ الْمُخْتَارِ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ هُوَ الْمُوجِبُ لِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ حُكْمُ الْأَصْلِ خَرَجَتِ الْعِلَّةُ عَنِ الِاعْتِبَارِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفَرْعُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا لَتَحَقَّقَ الْمَعْلُولُ بِدُونِ الْعِلَّةِ، قِيلَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَمَارَةٌ لِلْحُكْمِ، لَا مُوجِبَةٌ؛ وَالْأَمَارَةُ تَحْتَاجُ إِلَيْهَا ابْتِدَاءً. أَمَّا دَوَامًا فَلَا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ بَاعِثَةٌ، لَا أَمَارَةٌ مُجَرَّدَةٌ، كَمَا سَيَأْتِي. وَالْبَاعِثُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ دَائِمًا. ش - احْتَجَّتِ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 لَنَا: خَرَجَتِ الْعِلَّةُ عَنِ الِاعْتِبَارِ، فَلَا فَرْعَ. ص - قَالُوا: الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلَالَةِ، لَا لِلْحُكْمِ، كَالْفَحْوَى. قُلْنَا: يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ الْحُكْمِ زَوَالُ الْحِكْمَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، فَيَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ. قَالُوا: حَكَمْتُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ عِلَّةٍ. قُلْنَا: حَكَمْنَا بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ قَبْلَ تَبْلِيغِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ. لَنَا: لَوْ ثَبَتَ لَأَدَّى إِلَى وُجُوبٍ وَتَحْرِيمٍ؛ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْأَوَّلَ أَثِمَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَوْ عَمِلَ بِالثَّانِي عَصَى اتِّفَاقًا. وَأَيْضًا: يَلْزَمُ قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ اتِّفَاقٌ. ص - قَالُوا: حُكْمٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ. قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْعِبَادَاتُ الْمُسْتَقِلَّةُ لَيْسَتْ نَسْخًا. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: صَلَاةٌ سَادِسَةٌ نَسْخٌ. وَأَمَّا زِيَادَةُ جُزْءٍ مُشْتَرَطٍ أَوْ زِيَادَةُ شَرْطٍ، أَوْ زِيَادَةٌ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ. فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَيْسَ بِنَسْخٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ - أَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ تَابِعٌ لِدَلَالَةِ حُكْمِ الْأَصْلِ عَلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ، لَا لِحُكْمِ الْأَصْلِ، كَالْفَحْوَى فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِدَلَالَةِ الْمَنْطُوقِ لَا لِحُكْمِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ انْتِفَاءُ دَلَالَتِهِ عَلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ انْتِفَاءُ حُكْمِ الْفَرْعِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ حُكْمِ الْأَصْلِ زَوَالُ الْحِكْمَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، فَيَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ حِكْمَتِهِ. الثَّانِي - أَنَّكُمْ حَكَمْتُمْ بِانْتِفَاءِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى انْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ انْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَانْتِفَاءِ حُكْمِ الْفَرْعِ عِلَّةٌ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَالْقِيَاسُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ غَيْرُ مُعْتَبَرٌ. أَجَابَ بِأَنَّا مَا حَكَمْنَا بِانْتِفَاءِ حُكْمِ الْفَرْعِ قِيَاسًا عَلَى انْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ؛ بَلْ حَكَمْنَا بِانْتِفَاءِ حُكْمِ الْفَرْعِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ قَبْلَ تَبْلِيغِ النبي لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ] ش - إِذَا وَرَدَ نَاسِخٌ إِلَى الرَّسُولِ وَلَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَى الْأُمَّةِ (بَعْدُ) هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ قَبْلَ تَبْلِيغِهِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ. (مَثَلًا) وَرَدَ الْأَمْرُ أَوَّلًا بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَوَرَدَ النَّاسِخُ - وَهُوَ الْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ - فِي الْمَدِينَةِ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ هَذَا النَّاسِخِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْيَمَنِ مَا لَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَيْهِمْ، بَلْ هُمْ مَأْمُورُونَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى يُبَلِّغَ النَّاسِخَ (إِلَيْهِمْ. وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى خِلَافِهِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ النَّاسِخُ قَبْلَ) تَبْلِيغِهِ لَأَدَّى إِلَى وُجُوبِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَتَحْرِيمِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ الْأَوَّلَ قَبْلَ تَبْلِيغِ النَّاسِخِ لَأَثِمَ بِتَرْكِهِ. فَلَوْ كَانَ النَّاسِخُ الْمُحَرِّمُ - مَثَلًا - ثَابِتًا قَبْلَ تَبْلِيغِهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ قَبْلَ تَبْلِيغِ النَّاسِخِ وَاجِبًا وَحَرَامًا مَعًا. وَأَيْضًا لَوْ عَمِلَ الْمُكَلَّفُ قَبْلَ تَبْلِيغِ النَّاسِخِ إِلَيْهِ بِالثَّانِي، أَيْ بِحُكْمِ النَّاسِخِ عَصَى بِالِاتِّفَاقِ. فَلَوْ كَانَ حُكْمُ النَّاسِخِ ثَابِتًا قَبْلَ تَبْلِيغِهِ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِالْعَمَلِ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا: لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ النَّاسِخِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرَّسُولِ إِلَى الْمُكَلَّفِينَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّاسِخَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى الْمُكَلَّفِينَ قَالُوا: حُكْمُ النَّاسِخِ حُكْمٌ مُتَجَدِّدٌ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَجَدِّدَةِ، أَجَابَ بِأَنَّهُ أُرِيدَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ تَعَلُّقُهُ بِالْمُكَلَّفِ فِي الْخَارِجِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ ; إِذْ لَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ جَهْلِ الْمُكَلَّفِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ. [مَسْأَلَة: الْعِبَادَاتُ الْمُسْتَقِلَّةُ لَيْسَتْ نَسْخًا] ش - اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْعِبَادَاتِ الْمُسْتَقِلَّةَ لَيْسَتْ نَسْخًا. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ زِيَادَةَ صَلَاةٍ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (نَسْخٌ) ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] لِأَنَّهَا تَجْعَلُ مَا كَانَ أَوْسَطَ، غَيْرَ أَوْسَطَ. وَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ كَوْنَهَا وُسْطَى أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ، فَيَكُونُ رَفْعُهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ. وَأَمَّا زِيَادَةُ جُزْءٍ مُشْتَرَطٍ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الصَّلَاةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 وَالْحَنَفِيَّةُ: نَسْخٌ. وَقِيلَ: الثَّالِثُ نَسْخٌ. عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ غَيَّرَتْهُ حَتَّى صَارَ وَجُودُهُ كَالْعَدَمِ شَرْعًا، كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ، وَكَعِشْرِينَ فِي الْقَذْفِ، وَكَتَخْيِيرٍ فِي ثَالِثٍ بَعْدِ اثْنَيْنِ - فَنَسْخٌ. وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إِنِ اتَّحَدَتْ كَرَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ - فَنَسْخٌ بِخِلَافِ عِشْرِينَ فِي الْقَذْفِ. وَالْمُخْتَارُ ; إِنْ رَفَعَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ - فَنَسْخٌ ; لِأَنَّهُ حَقِيقِيَّتُهُ، وَمَا خَالَفَهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ. ص - فَلَوْ قَالَ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، ثُمَّ قَالَ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ فَلَا نَسْخَ. فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مُرَادٌ - فَنَسْخٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ زِيدَتْ رَكْعَةٌ فِي الصُّبْحِ - فَنَسْخٌ، لِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ وُجُوبِهَا. وَالتَّغْرِيبُ عَلَى الْحَدِّ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: مَنْفِيٌّ بِحُكْمِ الْأَصْلِ. قُلْنَا: هَذَا لَوْ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ. فَلَوْ خَيَّرَ فِي الْمَسْحِ بَعْدَ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَنَسْخٌ لِلتَّخْيِيرِ بَعْدَ الْوُجُوبِ. وَلَوْ قَالَ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) ثُمَّ ثَبَتَ الْحُكْمُ (بِالنَّصِّ) بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ - فَلَيْسَ بِنَسْخٍ ; إِذْ لَا رَفْعَ لِشَيْءٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ زِيَادَةُ شَرْطٍ كَزِيَادَةِ صِفَةِ الْإِيمَانِ فِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ، أَوْ زِيَادَةٌ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، كَمَا إِذَا قَالَ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، ثُمَّ قَالَ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ. فَذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ. وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا نَسْخٌ. وَقِيلَ: الثَّالِثُ نَسْخٌ؛ أَيِ الزِّيَادَةُ الَّتِي تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ نَسْخٌ، وَغَيْرُهَا لَيْسَتْ بِنَسْخٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ غَيَّرَتِ الزِّيَادَةُ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ تَغْيِيرًا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ لَوْ فُعِلَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى حَدِّ مَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَ الزِّيَادَةِ، كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ - فَإِنَّهُ يَكُونُ نَسْخًا؛ نَحْوَ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَكَزِيَادَةِ عِشْرِينَ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَزِيَادَةِ تَخْيِيرٍ فِي ثَالِثٍ بَعْدَ التَّخْيِيرِ فِي اثْنَيْنِ، كَمَا لَوْ خَيَّرَ أَوَّلًا بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ، ثُمَّ خَيَّرَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ يَكُونُ وَجُودُهُمَا كَالْعَدَمِ، وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ. وَأَمَّا الْمِثَالَانِ الْأَخِيرَانِ فَغَيْرُ صَحِيحَيْنِ ; لِأَنَّ بَعْدَ زِيَادَةِ عِشْرِينَ لَوْ أَتَى بِالثَّمَانِينَ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهَا كَالْعَدَمِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهَا عِشْرُونَ. وَأَيْضًا: لَوْ أَتَى بِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ بَعْدَ التَّخْيِيرِ فِي الثَّالِثِ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بَلْ يَكْفِي. وَإِنْ كَانَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ لَوْ فُعِلَ عَلَى مَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَ الزِّيَادَةِ، صَحَّ فِعْلُهُ وَاعْتُدَّ بِهِ، وَلَمْ يَلْزَمِ اسْتِئْنَافُ فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ غَيْرُهُ - لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ نَسْخًا؛ نَحْوَ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ، وَزِيَادَةِ الْعِشْرِينَ عَلَى حَدِّ الْقَاذِفِ. وَلِهَذَا؛ الْمِثَالُ إِنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا لِهَذَا الْقِسْمِ لَا لِلْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ هَذَا الْمِثَالَ لِهَذَا الْقِسْمِ. وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ: إِنِ اتَّحَدَتِ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ التَّعَدُّدُ بَيْنَهُمَا، كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ فِي الْفَجْرِ - فَنَسْخٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَحِدْ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا) ، كَزِيَادَةِ عِشْرِينَ فِي الْقَذْفِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إِنْ رَفَعَتْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ حُكْمًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] شَرْعِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ - فَنَسْخٌ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ حَقِيقَةٌ فِي رَفْعِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. وَمَا خَالَفَهُ - وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ الزِّيَادَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا - أَوْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَلَكِنْ يُرْفَعُ لَا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ - لَا يَكُونُ نَسْخًا. ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ فَرَّعَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ عِدَّةَ فُرُوعٍ. مِنْهَا - لَوْ قَالَ الشَّارِعُ فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، ثُمَّ قَالَ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ؟ فَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ مُرَادًا مِنْ لَفْظِ الشَّارِعِ كَانَ ذَلِكَ نَسْخًا ; لِأَنَّ رَفْعَ عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ بِقَوْلِهِ: فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ - رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَلَوْ ثَبَتَ مَفْهُومُهُ وَمَفْهُومُ (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ) إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَنْعُ الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ. وَلَوْ زِيدَ فِي الْوُضُوءِ اشْتِرَاطُ غَسْلِ عُضْوٍ - فَلَيْسَ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ وُجُوبُ مُبَاحِ الْأَصْلِ. قَالُوا: كَانَتْ مُجْزِئَةً ثُمَّ صَارَتْ غَيْرَ مُجْزِئَةٍ. قُلْنَا: مَعْنَى مُجْزِئَةٍ: امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِفِعْلِهَا، وَلَمْ يَرْتَفِعْ وَارْتَفَعَ عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى شَرْطٍ آخَرَ وَذَلِكَ مُسْتَنِدٌ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا. ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا نُقِصَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطُهَا فَنَسْخٌ لِلْجُزْءِ وَالشَّرْطِ، لَا لِلْعِبَادَةِ، وَقِيلَ: نَسْخٌ لِلْعِبَادَةِ. عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ كَانَ جُزْءًا، لَا شَرْطًا. لَنَا: لَوْ كَانَ نَسْخًا لِوُجُوبِهَا افْتَقَرَتْ إِلَى دَلِيلٍ ثَانٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. قَالُوا: ثَبَتَ تَحْرِيمُهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَبِغَيْرِ الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَوَازُهَا أَوْ وُجُوبُهَا بِغَيْرِهِمَا. قُلْنَا: الْفَرْضُ لَمْ يَتَجَدَّدْ وُجُوبٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ وُجُوبِ مَعْرِفَتِهِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ. خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَهِيَ فَرْعُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَّا؛ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَفْهُومُ مُرَادًا مِنْ لَفْظِ الشَّارِعِ - لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي الْمَعْلُوفَةِ زَكَاةٌ» ، لَمْ يَرْفَعْ حُكْمًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَعْلُوفَةِ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ، وَرَفْعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْأَصْلِ لَا يَكُونُ نَسْخًا. وَمِنْهَا - لَوْ زِيدَتْ رَكْعَةٌ فِي الصُّبْحِ يَكُونُ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ ; لِأَنَّهُ قَبْلَ زِيَادَةِ الرَّكْعَةِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ حَرَامًا، فَلَمَّا زِيدَتِ الرَّكْعَةُ وَجَبَتِ الزِّيَادَةُ، فَرَفَعَ وَجُوبُهَا التَّحْرِيمَ، وَمِنْهَا - زِيَادَةُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْحَدِّ؛ فَإِنَّهَا تَكُونُ نَسْخًا؛ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَانَ حَرَامًا، فَلَمَّا وَجَبَ رَفَعَ حُرْمَةَ التَّغْرِيبِ. فَإِنْ قِيلَ: رَفْعُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ لَيْسَ بِنَسْخٍ ; لِأَنَّ تَحْرِيمَ الزِّيَادَةِ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ، وَرَفْعُ الثَّابِتِ بِالْأَصْلِ لَا يَكُونُ نَسْخًا. أُجِيبُ بِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْأَصْلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ، أَمَّا تَحْرِيمُ الزِّيَادَةِ فَثَابِتٌ بِالشَّرْعِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُبْطِلًا لِلْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ كَانَ حَرَامًا. وَمِنْهَا - لَوْ خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ - فَنَسْخٌ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ رَفَعَ وُجُوبَ الْغَسْلِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَهُوَ أَيْضًا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْهَا - لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ - فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ ; إِذْ مُقْتَضَى الْآيَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ حُجَّةٌ، فَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا مِنْ مُقْتَضَاهَا، فَلَا يَكُونُ نَسْخًا. وَلَوْ ثَبَتَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ نَسْخًا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ وَمَفْهُومَ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ: انْحِصَارُ الِاسْتِشْهَادِ فِي الْمَذْكُورِ، لَا انْحِصَارُ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِينَ. فَمَفْهُومُ الْآيَتَيْنِ لَمْ يَمْنَعِ الْحُكْمَ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ وَبِغَيْرِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ نَسْخًا. وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَحِيحًا - يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ نَاسِخًا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا يَلْزَمُ نَسْخُ انْحِصَارِ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِينَ. وَمِنْهَا - لَوْ زِيدَ فِي الْوُضُوءِ اشْتِرَاطُ غَسْلِ عُضْوٍ - فَلَيْسَ بِنَسْخٍ ; الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ بِالزِّيَادَةِ وُجُوبُ فِعْلٍ كَانَ مُبَاحًا بِالْأَصْلِ، وَرَفْعُ مُبَاحِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ. قِيلَ: هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْآخَرِ ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إِذَا كَانَتْ فِي خِلَالِهِ يَرْتَفِعُ بِهَا التَّرْتِيبُ الثَّابِتُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ وُقُوعَ الزِّيَادَةِ فِي خِلَالِهِ، لَا يُخِلُّ بِالتَّرْتِيبِ الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ مَا كَانَ مُتَأَخِّرًا قَبْلَ الزِّيَادَةِ بَقِيَ عَلَى تَأَخُّرِهِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ. وَكَذَا مَا كَانَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الزِّيَادَةِ، بَقِيَ عَلَى تَقَدُّمِهِ بَعْدَهَا. الْقَائِلُونَ بِأَنَّ زِيَادَةَ اشْتِرَاطِ غَسْلِ عُضْوٍ يَكُونُ نَسْخًا، قَالُوا: قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَتِ الطَّهَارَةُ بِدُونِهَا مُجْزِئَةً وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ لَمْ تَكُنْ مُجْزِئَةً فَارْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ الْإِجْزَاءُ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَكُونُ نَسْخًا. أَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الطَّهَارَةِ مُجْزِئَةً امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِفِعْلِهَا، وَلَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ ; وَإِنَّمَا ارْتَفَعَ بِالزِّيَادَةِ عَدَمُ تَوَقُّفِ الطَّهَارَةِ عَلَى شَرْطٍ آخَرَ، وَعَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى شَرْطٍ آخَرَ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ; لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، فَرَفْعُهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا. وَكَذَلِكَ لَوْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فِي الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ نَسْخًا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ رَفْعُهُ رَفْعًا لِمَا ثَبَتَ بِالْأَصْلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، عَلَى مَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرِدَ فِيهِ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَكْرُوهٌ لَيْسَ نَسْخًا وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ وُجُوبَ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ رَافِعًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ فَيَكُونُ نَسْخًا. [مَسْأَلَةٌ: نُقِصَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطُهَا هل يعد نسخا لِلْعِبَادَةِ] ش - إِذَا نَقَصَ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، كَنَسْخِ سُنَّةٍ مِنَ السُّنَنِ؛ مِثْلَ الْوُقُوفِ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ - لَا يَكُونُ نَسْخًا لِلْعِبَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ يَكُونُ نَسْخًا لِمَا نَقَصَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا إِذَا نَقَصَ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ (عَلَيْهِ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ) أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، مِثْلَ مَا إِذَا نَقَصَتْ رَكْعَةٌ مِنَ الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ، أَوْ نَقَصَ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ - فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ نَسْخٌ لِلْجُزْءِ وَالشَّرْطِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ نَسْخٌ لِلْعِبَادَةِ أَمْ لَا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ نُقْصَانَ الْجُزْءِ وَالشَّرْطِ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِلْعِبَادَةِ. وَقِيلَ: نُقْصَانُهُمَا نَسْخٌ لِلْعِبَادَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: نُقْصَانُ الْجُزْءِ نَسْخٌ لِلْعِبَادَةِ، وَنُقْصَانُ الشَّرْطِ لَيْسَ بِنَسْخٍ لِلْعِبَادَةِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّ نُقْصَانَ جُزْءِ الْعِبَادَةِ أَوْ شَرْطِهَا لَوْ كَانَ نَسْخًا لِوُجُوبِ الْعِبَادَةِ لَافْتَقَرَتِ الْعِبَادَةُ فِي وُجُوبِهَا بَعْدَ نُقْصَانِ الْجُزْءِ أَوِ الشَّرْطِ إِلَى دَلِيلٍ ثَانٍ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ لَا يَفْتَقِرُ وُجُوبُهُ إِلَى دَلِيلٍ ثَانٍ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ وُجُوبَ الْعِبَادَةِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ نُقْصَانِ الْجُزْءِ أَوِ الشَّرْطِ قَدِ ارْتَفَعَ بِنُقْصَانِ الْجُزْءِ أَوِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] النُّقْصَانَ نَسْخٌ لِلْوُجُوبِ، فَوُجُوبُهَا بَعْدَ النُّقْصَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ. الْقَائِلُونَ بِأَنَّ نُقْصَانَ الْجُزْءِ أَوِ الشَّرْطِ نَسْخٌ لِلْعِبَادَةِ قَالُوا: قَبْلَ نُقْصَانِ الْجُزْءِ أَوِ الشَّرْطِ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ الشَّرْطِ وَبِغَيْرِ الْجُزْءِ، وَهَذَا التَّحْرِيمُ لَمْ يَكُنْ بِالْأَصْلِ بَلْ بِالشَّرْعِ، فَإِذَا نَقَصَ الْجُزْءُ أَوِ الشَّرْطُ ثَبَتَ جَوَازُ الْعِبَادَةِ أَوْ وُجُوبُهَا بِغَيْرِ الْجُزْءِ وَالشَّرْطِ، فَارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ الْمَذْكُورُ. فَيَكُونُ نُقْصَانُ الْجُزْءِ أَوِ الشَّرْطِ نَسْخًا؛ لِكَوْنِهِ رَافِعًا لِلتَّحْرِيمِ الْمَذْكُورِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي نَسْخِ التَّحْرِيمِ الْمَذْكُورِ، بَلِ النِّزَاعُ فِي نَسْخِ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ بَعْدَ نُقْصَانِ الْجُزْءِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ وُجُوبُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ نُقْصَانِ الْجُزْءِ أَوِ الشَّرْطِ، لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ احْتِيَاجِ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ إِلَى دَلِيلٍ ثَانٍ. وَإِذَا لَمْ يَتَجَدَّدْ وُجُوبٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَسْخُ الْوُجُوبِ الْأَوَّلِ. [مَسْأَلَة: الْمُخْتَارُ جَوَازُ نَسْخِ وُجُوبِ مَعْرِفة اللهِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ نَسْخُ وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْقَبَائِحِ الْعَقْلِيَّةِ أَمْ لَا؟ . فَقَالَ الْأَصْحَابُ: نَعَمْ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ. فَمَنْ قَالَ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ مَنَعَ جَوَازَ نَسْخِ هَذِهِ الْأُمُورِ ; لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ حِينَئِذٍ صِفَاتٌ وَأَحْكَامٌ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الشَّرَائِعِ، فَامْتَنَعَ النَّسْخُ لِاسْتِحَالَةِ الْأَمْرِ بِالْقَبِيحِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْحَسَنِ. وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ جَوَّزَ نَسْخَ هَذِهِ الْأُمُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] وَ {يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 خِلَافًا لِلْغَزَّالِيِّ. لَنَا: أَحْكَامٌ كَغَيْرِهَا. قَالُوا: لَا يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَعْلَمُهَا وَيَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِهِمَا وَبِغَيْرِهِمَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي جَوَازِ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ. فَقَالَ الْغَزَّالِيُّ: لَا يَجُوزُ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ التَّكَالِيفِ أَحْكَامٌ، فَكَمَا جَازَ نَسْخُ بَعْضِهَا جَازَ نَسْخُ جَمِيعِهَا. وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ بِأَنَّ الْمَنْسُوخَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ فَلَا يَكُونُ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ مَنْسُوخًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَعْلَمُ النَّسْخَ وَالنَّاسِخَ وَيَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ بِهِمَا وَبِغَيْرِهِمَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا. [الْقِيَاسُ] [تعريف القياس] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، شَرَعَ فِي الْقِيَاسِ، فَذَكَرَ أَوَّلًا تَعْرِيفَهُ. وَالْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ وَالْمُسَاوَاةُ. يُقَالُ: قَاسَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ، أَيْ حَاذَاهُ وَسَاوَاهُ. وَإِنَّمَا قِيلَ فِي الشَّرْعِ: قَاسَ عَلَيْهِ ; لِيَدُلَّ عَلَى الْبِنَاءِ، فَإِنَّ انْتِقَالَ الصِّلَةِ لِلتَّضْمِينِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 الْقِيَاسُ ص - الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ وَالْمُسَاوَاةُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مُسَاوَاةُ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ. وَيَلْزَمُ الْمُصَوِّبَةَ زِيَادَةٌ " فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ " ; لِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغَلَطُ وَالرُّجُوعُ، بِخِلَافِ الْمُخَطِّئَةِ. وَإِنْ أُرِيدَ الْفَاسِدُ مَعَهُ، قِيلَ: تَشْبِيهٌ. ص - وَأَوْرَدَ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُذْكَرُ فِيهِ عِلَّةٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ مُسَاوَاةُ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْفَرْعِ: صُورَةٌ أُرِيدَ إِلْحَاقُهَا بِالْأُخْرَى فِي الْحُكْمِ ; لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ فِيهَا. وَبِالْأَصْلِ: الصُّورَةُ الْمُلْحَقُ بِهَا، فَلَا يَلْزَمُ دَوْرٌ. وَالْفُقَهَاءُ يُسَمُّونَ الْأَصْلَ مَحَلَّ الْوِفَاقِ، وَالْفَرْعَ مَحَلَّ الْخِلَافِ. وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مَا هُوَ صَحِيحٌ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ، وَلَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ. فَيَلْزَمُ الْمُصَوِّبَةَ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَذْكُورِ زِيَادَةً " فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ " ; لِيَتَنَاوَلَ الْقِسْمَ الثَّانِيَ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْمُصَوِّبَةِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغَلَطُ وَهُوَ كَوْنُ مَا تُوِهِّمَ أَنَّهُ عِلَّةٌ غَيْرَ عِلَّةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالرُّجُوعُ عَنِ الْحُكْمِ. بِخِلَافِ الْمُخَطِّئَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ ; لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ تَعْرِيفٌ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَهُمْ. وَإِنْ أُرِيدَ تَعْرِيفُ الْقِيَاسِ عَلَى وَجْهٍ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا، قِيلَ: تَشْبِيهُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ. ش - وَأَوْرَدَ عَلَى عَكْسِ هَذَا التَّعْرِيفِ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ، وَهُوَ مُسَاوَاةُ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي وَصْفٍ جَامِعٍ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ، بَلْ يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهَا دَالًّا عَلَيْهَا، مِثْلَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ بِالرَّائِحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ ; لِأَنَّ الرَّائِحَةَ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ، بَلِ الْعِلَّةُ: الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ، وَالرَّائِحَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنِ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لِلْقِيَاسِ ; الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 وَأُجِيبَ إِمَّا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِمَّا بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا. وَأَوْرَدَ قِيَاسَ الْعَكْسِ مِثْلَ: لَمَّا وَجَبَ الصِّيَامُ فِي الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، وَجَبَ بِغَيْرِ نَذْرٍ. عَكْسُهُ: الصَّلَاةُ لَمَّا لَمْ تَجِبْ فِيهِ بِالنَّذْرِ، لَمْ تَجِبْ بِغَيْرِ نَذْرٍ. وَأُجِيبَ بِالْأَوَّلِ، أَوْ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ نَذْرٍ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ بِالنَّذْرِ بِمَعْنَى لَا فَارِقَ. أَوْ بِالسَّبْرِ وَذُكِرَتِ الصَّلَاةُ لِبَيَانِ الْإِلْغَاءِ. أَوْ قِيَاسُ الصَّوْمِ بِالنَّذْرِ عَلَى الصَّلَاةِ بِالنَّذْرِ. ص - وَقَوْلُهُمْ: بَذْلُ الْجُهْدِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ، وَقَوْلُهُمْ: الدَّلِيلُ الْمُوَصِّلُ إِلَى الْحَقِّ، وَقَوْلُهُمْ: الْعِلْمُ عَنْ نَظَرٍ مَرْدُودٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَبِأَنَّ الْبَذْلَ حَالُ الْقَائِسِ، وَالْعِلْمَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ. أَبُو هَاشِمٍ: حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ بِإِجْرَاءِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى جَامِعٍ. وَقَوْلُ الْقَاضِي: حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا، أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ " حَمْلَ " ثَمَرَتِهِ، وَإِثْبَاتَ الْحُكْمِ فِيهِمَا مَعًا لَيْسَ بِهِ، بَلْ هُوَ فِي الْأَصْلِ بِدَلِيلِ غَيْرِهِ، " وَبِجَامِعٍ " كَافٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عِلَّةُ الْحُكْمِ، مَعَ أَنَّهُ قِيَاسٌ، فَلَا يَنْعَكِسُ الْحَدُّ. أَجَابَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ مَا هُوَ قِيَاسٌ حَقِيقَةً، وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ لَا يَكُونُ قِيَاسًا حَقِيقَةً. الثَّانِي: أَنَّهُ قِيَاسٌ وَلَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْوَصْفِ الْجَامِعِ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ يَتَضَمَّنُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِلَّةِ. وَأَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى عَكْسِهِ قِيَاسَ الْعَكْسِ، وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِتَحَقُّقِ نَقِيضِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، مِثْلَ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ: لَمَّا وَجَبَ الصِّيَامُ فِي الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، وَجَبَ أَيْضًا بِغَيْرِ نَذْرٍ. وَالصَّلَاةُ لَمَّا تَجِبْ فِي الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، لَمْ تَجِبْ بِغَيْرِ نَذْرٍ، فَإِنَّ الْفَرْعَ هُوَ الصِّيَامُ، وَالْأَصْلَ هُوَ الصَّلَاةُ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الْوَاقِعِ، وَفِي الْفَرْعِ الْوُجُوبُ فِيهِ، وَالْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ، وَفِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ. فَإِنَّهُ قِيَاسٌ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ; إِذْ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ وَلَا فِي الْحُكْمِ. أَجَابَ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ: هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي جَوَابِ الْإِيرَادِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسِ حَقِيقَةٍ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِمَا هُوَ قِيَاسُ حَقِيقَةٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ هَاهُنَا مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ نَذْرِ الصَّوْمِ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرِ الصَّوْمِ، إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ نَذْرِ صَوْمٍ، وَبَيْنَ الِاعْتِكَافِ بِنَذْرِ صَوْمٍ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ. وَالِاخْتِلَافُ بِالنَّذْرِ وَعَدَمِهِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ وَعَدَمِهِ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ. وَإِمَّا بِالسَّبْرِ، بِأَنْ يُقَالَ: الْمُوجِبُ لِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ إِمَّا الِاعْتِكَافُ، أَوِ الِاعْتِكَافُ بِنَذْرِ الصَّوْمِ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ ; إِذْ لَا أَثَرَ لِلنَّذْرِ فِي الِاشْتِرَاطِ ; إِذْ لَوْ أَثَّرَ لَأَثَّرَ فِي اشْتِرَاطِ الصَّلَاةِ، وَلَا أَثَرَ لِلنَّذْرِ فِي اشْتِرَاطِ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ. فَثَبَتَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلِاشْتِرَاطِ هُوَ الِاعْتِكَافُ، لَا الِاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ، فَيَكُونُ ذِكْرُ الصَّلَاةِ لِبَيَانِ إِلْغَاءِ النَّذْرِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ بِنَذْرِ الصَّوْمِ أَصْلًا، وَالِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ نَذْرِ الصَّوْمِ فَرْعًا، وَالْحُكْمُ وُجُوبُ الِاشْتِرَاطِ فِيهِمَا، وَالْعِلَّةُ الِاعْتِكَافُ، فَيَصْدُقُ حَدُّ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَيَنْعَكِسُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ قِيَاسُ الصَّوْمِ بِالنَّذْرِ عَلَى الصَّلَاةِ بِالنَّذْرِ، بِأَنْ يُقَالَ: عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الصَّوْمُ فِي الِاعْتِكَافِ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَمْ يَصِرْ شَرْطًا فِيهِ بِالنَّذْرِ - كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ، لَمْ تَصِرْ شَرْطًا فِيهِ بِالنَّذْرِ. فَالصَّلَاةُ أَصْلٌ، وَالصَّوْمُ فَرْعٌ، وَالْحُكْمُ عَدَمُ الصَّيْرُورَةِ شَرْطًا بِالنَّذْرِ، وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا عِبَادَتَيْنِ. فَيَصْدُقُ حَدُّ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَيَنْعَكِسُ. ش - ذِكْرُ الْحُدُودِ الْمَرْدُودَةِ وَزَيْفُهَا. فَمِنْهَا الْحُدُودُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَقَدِّمُونَ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقِيَاسَ بَذْلُ الْجُهْدِ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ. الثَّانِي: أَنَّهُ الدَّلِيلُ الْمُوَصِّلُ إِلَى الْحَقِّ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْعِلْمُ عَنْ نَظَرٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ ; فَلِأَنَّ الْبَذْلَ حَالُ الْقَائِسِ، وَالْقِيَاسُ هُوَ: الْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ، فَلَا يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَيَصْدُقُ الْحَدُّ بِدُونِ الْمَحْدُودِ، فَلَا يَطَّرِدُ. وَأَمَّا الثَّانِي ; فَلِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الدَّلِيلُ الْمُوَصِّلُ إِلَى الْحَقِّ، فَيَلْزَمُ عَدَمُ الِاطِّرَادِ. أَمَّا الثَّالِثُ ; فَلِأَنَّ الْعِلْمَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ سَبَبُهُ، وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبِّبِ، فَيَصْدُقُ الْحَدُّ بِدُونِ الْمَحْدُودِ، فَيَلْزَمُ عَدَمُ الِاطِّرَادِ أَيْضًا. وَمِنْهَا مَا قَالَ أَبُو هَاشِمٍ، هُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ: حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 وَقَوْلُهُمْ: ثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ فَرْعُ الْقِيَاسِ، فَتَعْرِيفُهُ بِهِ دَوْرٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ الْقِيَاسُ الذِّهْنِيُّ، وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ لَيْسَ فَرْعًا لَهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] غَيْرِهِ بِإِجْرَاءِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ نَاقِصٌ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْجَامِعِ ; لِأَنَّ حَمْلَ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِهِ بِإِجْرَاءِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ جَامِعٍ لَا يَكُونُ قِيَاسًا. وَمِنْهَا مَا قَالَ الْقَاضِي، وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا، أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا، مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ " الْمَعْلُومِ " لِيَتَنَاوَلَ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَجْرِي فِيهِمَا. فَلَوْ قَالَ لَفْظَ " الشَّيْءِ " لَاخْتَصَّ بِالْمَوْجُودِ ; لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَنَا. وَالْمُرَادُ بِالْمَعْلُومِ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ وَالظَّنِّ ; لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْعِلْمِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِثْبَاتِ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ وَالظَّنِّ. وَذَكَرَ قَوْلَهُ: " فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ " لِبَيَانِ وَجْهِ الْحَمْلِ. وَذَكَرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: " أَوْ نَفْيِهِ " لِبَيَانِ تَفْصِيلِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ بِالْقِيَاسِ. وَذَكَرَ: " بِأَمْرٍ جَامِعٍ " لِيَتَمَيَّزَ حَقِيقَةُ الْقِيَاسِ عَنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَقْسَامِ الْجَامِعِ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ حَسَنٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَمْلَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحَمْلِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ، وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: " فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا " يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ. وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، فَلَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ بِالْقِيَاسِ، لَزِمَ الدَّوْرُ. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " بِجَامِعٍ " كَافٍ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى قَوْلِهِ: مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا ; لِأَنَّ هَذِهِ أَقْسَامُ الْجَامِعِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّعْرِيفِ نَفْسُ الْجَامِعِ لَا أَقْسَامُهُ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ أَخَذَ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْفَرْعِ، وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ فَرْعُ الْقِيَاسِ، فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ، فَتَعْرِيفُ الْقِيَاسِ بِهِ دَوْرٌ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفُ الْقِيَاسِ الذِّهْنِيِّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ الذِّهْنِيِّ ; لِأَنَّ ثُبُوتَ حُكْمِ الْفَرْعِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ لَا يَكُونُ فَرْعًا لِلْقِيَاسِ الذِّهْنِيِّ. [أركان القياس الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف الجامع] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ أَرْكَانِهِ، ثُمَّ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ أَرْكَانِهِ. أَمَّا أَرْكَانُهُ فَأَرْبَعَةٌ: الْأَصْلُ، وَالْفَرْعُ، وَحُكْمُ الْأَصْلِ، وَالْوَصْفُ الْجَامِعُ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ. أَمَّا الْأَصْلُ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ هُوَ: مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ. مَثَلًا: إِذَا قِيسَ النَّبِيذُ عَلَى الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ، فَالْخَمْرُ هُوَ الْأَصْلُ. وَقِيلَ: الْأَصْلُ دَلِيلُ الْحُكْمِ، فَالنَّصُّ أَوِ الْإِجْمَاعُ الدَّالُّ عَلَى حُرْمَةِ الْخَمْرِ هُوَ الْأَصْلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 ص - وَأَرْكَانُهُ: الْأَصْلُ، وَالْفَرْعُ، وَحُكْمُ الْأَصْلِ، وَالْوَصْفُ الْجَامِعُ. الْأَصْلُ (الْأَكْثَرُ) : مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَقِيلَ: دَلِيلُهُ، وَقِيلَ: حُكْمُهُ. وَالْفَرْعُ: الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ، وَقِيلَ: حُكْمُهُ. وَالْأَصْلُ: مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَلَا يُعَدَّ فِي الْجَمِيعِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَامِعُ فَرْعًا لِلْأَصْلِ، أَصْلًا لِلْفَرْعِ. ص - وَمِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ شَرْعِيًّا. ص - وَأَنْ لَا يَكُونَ مَنْسُوخًا، لِزَوَالِ اعْتِبَارِ الْجَامِعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: الْأَصْلُ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَحُرْمَةُ الْخَمْرِ هِيَ الْأَصْلُ. وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ. وَالْفَرْعُ: الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ، وَهُوَ النَّبِيذُ فِي مِثَالِنَا. وَقِيلَ: الْفَرْعُ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ. وَالْأَصْلُ: مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَلَا يُعَدُّ فِي الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا. وَلِأَجْلِ أَنَّ الْأَصْلَ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، كَانَ الْجَامِعُ فَرْعًا لِلْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ عُرِفَ بِهِ، وَيَكُونُ أَصْلًا لِلْفَرْعِ ; لِأَنَّ الْفَرْعَ يُبْتَنَى عَلَيْهِ. [شروط حكم الأصل] ش - ابْتَدَأَ بِشُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ هُوَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْفَرْعِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا، لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ الْمُتَعَدِّي إِلَى الْفَرْعِ شَرْعِيًّا، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ. ش - الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَنْسُوخًا ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَعَدَّى مِنَ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْجَامِعِ. فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَنْسُوخًا، زَالَ اعْتِبَارُ الْجَامِعِ، فَلَمْ يَتَعَدَّ الْحُكْمُ إِلَى الْفَرْعِ. ش - الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَرْعًا عَلَى حُكْمٍ آخَرَ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ إِنِ اتَّحَدَتِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْفَرْعِ الْأَخِيرِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - مَعَ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأَصِلِهِ، فَذِكْرُ الْوَسَطِ ضَائِعٌ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَاسُ الْفَرْعُ الْأَخِيرُ عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ. مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ: السَّفَرْجَلُ مَطْعُومٌ، فَيَكُونُ رِبَوِيًّا كَالتُّفَّاحِ، ثُمَّ يَقِيسُ التُّفَّاحَ عَلَى الْبُرِّ ; لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ. فَإِنَّ ذِكْرَ التُّفَّاحِ الَّذِي هُوَ الْوَسَطُ ضَائِعٌ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقِيسَ السَّفَرْجَلَ عَلَى الْبُرِّ ابْتِدَاءً. وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْفَرْعِ الْأَخِيرِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - مَعَ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأَصْلِهِ، فَسَدَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ الْأُولَى - أَيِ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْفَرْعِ الْأَخِيرِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - لَمْ يَثْبُتِ اعْتِبَارُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي أَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ - أَيِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأَصْلِهِ - لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ. مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: الْجُذَامُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 ص - وَأَنْ لَا يَكُونَ فَرْعًا، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَالْبَصْرِيِّ. لَنَا: إِنِ اتَّحَدَتْ فَذِكْرُ الْوَسَطِ ضَائِعٌ، كَالشَّافِعِيَّةِ فِي السَّفَرْجَلِ مَطْعُومٌ، فَيَكُونُ رِبَوِيًّا كَالتُّفَّاحِ، ثُمَّ يَقِيسُ التُّفَّاحَ عَلَى الْبُرِّ. وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ فَسَدَ ; لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يَثْبُتِ اعْتِبَارُهَا، وَالثَّانِيَةَ لَيْسَتْ فِي الْفَرْعِ، كَقَوْلِهِ فِي الْجُذَامِ: عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَيُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، كَالْقَرْنِ وَالرَّتْقِ، ثُمَّ يَقِيسُ الْقَرْنَ عَلَى الْجُبِّ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ كَانَ فَرْعًا يُخَالِفُهُ الْمُسْتَدِلُّ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ: أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَصِحُّ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ، فَفَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ اعْتِرَافَهُ بِالْخَطَأِ فِي الْأَصْلِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 ص - وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ، كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ، وَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ، وَالْكَفَّارَاتِ. ص - وَمِنْهَا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ، كَانَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، كَرُخَصِ الْمُسَافِرِ، أَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَالْقَسَامَةِ. ص - وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِمُوَافَقَةِ الْخَصْمِ فِي الْأَصْلِ مَعَ مَنْعِهِ عِلَّةَ الْأَصْلِ، أَوْ مَنْعِهِ وَجُودَهَا فِي الْأَصْلِ، فَالْأَوَّلُ مُرَكَّبُ الْأَصْلِ، مِثْلُ عَبْدٍ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ كَالْمَكَاتَبِ. فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ جَهَالَةُ الْمُسْتَحَقِّ مِنَ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ. فَإِنْ صَحَّتْ، بَطُلَ الْإِلْحَاقُ. وَإِنْ بَطَلَتْ، مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ. فَمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعِ الْأَصْلِ. الثَّانِي مُرَكَّبُ الْوَصْفِ، مِثْلُ: تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، فَلَا   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ كَالرَّتْقِ، وَهُوَ ارْتِيَاقُ مَحَلِّ الْجِمَاعِ بِاللَّحْمِ، وَالْقَرْنِ، وَهُوَ عَظْمٌ فِي الْفَرْجِ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَيُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، ثُمَّ يَقِيسُ الْقَرْنَ عَلَى الْجُبِّ بِجَامِعِ فَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ. وَالْعِلَّةُ الْأُولَى، أَيْ كَوْنُهُ عَيْبًا يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، لَمْ يَثْبُتِ اعْتِبَارُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْجُبِّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ. وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ فَوَاتُ الِاسْتِمْتَاعِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ الْجُذَامُ. هَذَا إِذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَرْعًا يُوَافِقُهُ الْمُسْتَدِلُّ، أَمَّا إِذَا كَانَ فَرْعًا يُخَالِفُهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَفَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَ الْمُسْتَدِلِّ بِخَطَئِهِ فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ. فَالْمُسْتَدِلُّ إِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْقِيَاسِ، وَإِنِ اعْتَرَفَ يَلْزَمُ الِاعْتِرَافُ بِالْخَطَأِ فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يُخَالِفُهُ. مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي وُقُوعِ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ عَنِ الْفَرْضِ: إِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى فَرِيضَةِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أَتَى بِالْحَجِّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ - مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ - يَقَعُ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَرِيضَةِ الْحَجِّ. فَإِنَّ الْحَنَفِيَّ لَا يَقُولُ بِوُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ فَرِيضَةِ الْحَجِّ إِذَا أَتَى بِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ. ش - الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ، أَيْ لَا يَكُونَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ فِي الشَّرْعِ، وَلَا يَكُونَ مِمَّا لَا يُعْقَلُ حِكْمَتُهُ، كَقَبُولِ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ، فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ فِي الشَّرْعِ، وَلَمْ يُعْقَلْ حِكْمَتُهُ، وَكَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ. فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ فِي الشَّرْعِ، لَكِنَّهَا لَا تُعْقَلُ حِكْمَتُهَا. ش - الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ عَدِيمَ النَّظِيرِ، أَيْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْعِلَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، كَالرُّخَصِ الَّتِي لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّ لَهَا مَعْنًى ظَاهِرٌ وَهُوَ دَفْعُ الْمَشَقَّةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، كَخَمْسِينَ حِلْفًا فِي الْقَسَامَةِ. ش - الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ. وَالْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ الْمُسْتَدِلُّ عَنْ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، بِدَلِيلِ مُوَافَقَةِ الْخَصْمِ إِيَّاهُ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ مَعَ مَنْعِ الْخَصْمِ عِلِّيَّةَ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، بَلِ الْعِلَّةُ عِنْدَ الْخَصْمِ غَيْرُ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً. أَوْ مَعَ مَنْعِ الْخَصْمِ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 يَصِحُّ قَبْلَ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ. فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ عِنْدِي مَفْقُودَةٌ، فَإِنْ صَحَّ فِي الْأَصْلِ، بَطُلَ الْإِلْحَاقُ، وَإِلَّا مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ. فَمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، أَوْ مُنِعَ الْأَصْلُ. فَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهَا الْعِلَّةُ وَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ، أَوْ أَثْبَتَ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ، انْتَهَضَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَثْبَتَ الْأَصْلَ بِنَصٍّ، ثُمَّ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ بِطَرِيقِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ، لَمْ يُقْبَلْ مُقَدِّمَةً تَقْبَلُ الْمَنْعَ. ص - وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ الْخَصْمُ عِلِّيَّةَ الْأَصْلِ - يُسَمَّى مُرَكَّبَ الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ، أَيْ مَا جُعِلَ جَامِعًا وَصْفَانِ يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إِذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا: الْمَقْتُولُ عَبْدٌ، فَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ، كَالْمَكَاتَبِ. وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا رَقِيقَيْنِ. فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَسْتَغْنِي عَنْ إِثْبَاتِ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْحُرِّ فِي صُورَةِ الْمَكَاتَبِ بِدَلِيلٍ ; لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُوَافِقُهُ فِيهِ، لَكِنْ يَمْنَعُ مَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ ; لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي صُورَةِ الْمَكَاتَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ مِنَ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْقِصَاصِ السَّيِّدُ أَوِ الْوَرَثَةُ، فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ عِنْدِي جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ مِنَ السَّيِّدِ أَوِ الْوَرَثَةِ فِي صُورَةِ الْمُكَاتِبِ، فَإِنْ صَحَّتْ عِلِّيَّةُ جَهَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ مِنَ السَّيِّدِ أَوِ الْوَرَثَةِ، بَطُلَ إِلْحَاقُ الْفَرْعِ بِهِ بِالْقِيَاسِ ; إِذِ الْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ. وَإِنْ بَطُلَتْ عِلِّيَّةُ الْجَهَالَةِ، مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، بَلْ ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى عِلِّيَّةِ الْجَهَالَةِ، فَإِذَا بَطَلَ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ، لَمْ يَثْبُتِ الْحُكْمُ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْقِيَاسُ. فَمَا يَنْفَكُّ الْقِيَاسُ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، أَوْ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ. الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ الْخَصْمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، فَيُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ، مِثْلَ: إِنْ تَزَوَّجْتُ زَيْنَبَ، فَهِيَ طَالِقٌ. هَذَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ النِّكَاحِ، أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ. فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، لَكِنْ بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُقُوعِ فِي الْأَصْلِ. فَنَقُولُ: الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُقُوعِ هُوَ التَّعْلِيقُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْأَصْلِ عِنْدِي، فَإِنْ صَحَّ فُقْدَانُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، بَطَلَ إِلْحَاقُ الْفَرْعِ بِهِ ; لِعَدَمِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فُقْدَانُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ - مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي الْأَصْلِ ; لِوُجُودِ عِلَّةِ الْوُقُوعِ فِيهِ. فَمَا يَنْفَكُّ هَذَا الْقِيَاسُ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، أَوْ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ. ثُمَّ الْخَصْمُ إِنْ كَانَ مُقَلِّدًا، وَسَلَّمَ عَلِيَّةَ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً فِي الْأَوَّلِ، أَيْ مُرَكَّبَ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي، أَيْ مُرَكَّبَ الْوَصْفِ، أَوْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَصْلِ، انْتَهَضَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى الْخَصْمِ، أَيْ يَتِمُّ دَلِيلُهُ ; لِاعْتِرَافِ الْخَصْمِ بِعِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْأَوَّلِ، وَبِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي أَصْلِ الثَّانِي، كَمَا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ مُجْتَهِدًا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمَ الْأَصْلِ بِنَصٍّ، ثُمَّ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ بِمَا هُوَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهَا، يَنْتَهِضُ دَلِيلُهُ عَلَى الْخَصْمِ إِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلِ الْخَصْمُ الدَّلِيلَ - بَعْدَ إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِنَصٍّ وَإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِطَرِيقِهَا - لَزِمَ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْخَصْمُ مُقَدِّمَةً تَقْبَلُ الْمَنْعَ. وَإِنْ أَثْبَتَهَا الْمُسْتَدِلُّ بِالدَّلِيلِ بَعْدَ مَنْعِ الْخَصْمِ إِيَّاهَا، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَقْبَلَ إِلَّا الْبَدِيهِيَّاتِ. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْخَصْمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقَلِّدِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ إِمَامَهُ يَدْفَعُ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ. ش - الشَّرْطُ السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ جَعَلَ أَحَدَهُمَا أَصْلًا وَالْآخِرَ فَرْعًا، لَيْسَ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ. كَمَا لَوْ قِيلَ: الْأُرْزُ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، ثُمَّ يَسْتَدِلُّ عَلَى إِثْبَاتِ جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» ". فَإِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ شَامِلٌ لِحُكْمِ الْأُرْزِ. [شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، شَرَعَ فِي شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ. الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، أَيْ تَكُونَ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ، كَالْإِسْكَارِ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى حِفْظِ الْعَقْلِ، إِذِ الْحُرْمَةُ تُؤَدِّي إِلَى حِفْظِ الْعَقْلِ. وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ. وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ ; لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ لَزِمَ الدَّوْرُ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ فَرْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ ; لِكَوْنِهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْهُ. وَإِذَا كَانَتْ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ، لَا فَائِدَةَ لَهَا سِوَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُتَفَرِّعًا عَلَيْهَا، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهَا تَعْرِيفَ حُكْمِ الْفَرْعِ، فَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ مُتَفَرِّعًا عَلَيْهَا، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي بَيَانِ لُزُومِ الدَّوْرِ: إِنَّ حُكْمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 ص - وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، أَيْ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ - وَهِيَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ - كَانَ دَوْرًا. ص - وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ وَصْفًا ضَابِطًا لِلْحِكْمَةِ، لَا حِكْمَةً مُجَرَّدَةً لِخَفَائِهَا أَوْ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَلَوْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. ص - وَمِنْهَا: أَنْ لَا تَكُونَ عَدَمًا فِي الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ. لَنَا: لَوْ كَانَ عَدَمًا، لَكَانَ مُنَاسِبًا أَوْ مَظِنَّةَ مُنَاسِبٍ، وَتَقْرِيرُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَدَمَ الْمُطْلَقَ بَاطِلٌ، وَالْمُخَصَّصَ بِأَمْرٍ إِنْ كَانَ وَجُودُهُ مَنْشَأَ مَصْلَحَةٍ فَبَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْشَأَ مَفْسَدَةٍ، فَمَانِعٌ، وَعَدَمُ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَصْلِ إِنَّمَا يَكُونُ مُعَرَّفًا لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، إِذَا كَانَ الْوَصْفُ مُفْضِيًا إِلَى الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ، فَمَا لَمْ يَشْتَمِلِ الْوَصْفُ عَلَى الْحِكْمَةِ، لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ مُعَرَّفًا لِعِلِّيَّتِهِ إِلَّا بِالْمُقَارَنَةِ الصِّرْفَةِ، فَحُصُولُهُ فِي الْفَرْعِ بِوَصْفِ الْمَعْرِفِيَّةِ يُوقَفُ عَلَى الْمُقَارَنَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْمَعْرِفِيَّةِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَهَذَا مَا ظَهَرَ لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْمَعْرِفِيَّةِ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ فِي بَيَانِ لُزُومِ الدَّوْرِ: إِنَّ الْوَصْفَ إِذَا كَانَ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَرِّفًا لَحُكْمِ الْفَرْعِ، وَلَمْ يَكُنْ مُعَرِّفًا لَحُكْمِ الْأَصْلِ - وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَاعِثٍ - لَمْ يَكُنْ لِلْأَصْلِ مَدْخَلٌ فِي الْفَرْعِ ; لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَكَذَا مَعْرِفَتُهُ لِحُكْمِ الْفَرْعِ ضَرُورَةُ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَرِّفٍ لِحُكْمِ الْأَصْلِ. فَثَبَتَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَصْفُ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَيَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مُتَفَرِّعًا عَلَيْهِ، وَالْوَصْفُ مُسْتَنْبَطٌ مَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، فَيَكُونُ فَرْعًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلِ وَصْفًا ضَابِطًا لِحِكْمَةٍ. وَالْحِكْمَةُ هِيَ: الْغَايَةُ وَالْغَرَضُ مِنَ الْحُكْمِ، كَدَفْعِ الْمَشَقَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُخَصِ الْمُسَافِرِ. فَإِنَّهُ هُوَ الْغَايَةُ مِنَ الرُّخَصِ. وَالْوَصْفُ الضَّابِطُ لِلْحِكْمَةِ، كَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ إِلَى مَقْصِدٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ ضَابِطٌ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَصْفًا ضَابِطًا لِحِكْمَةٍ، لَا أَنْ تَكُونَ حِكْمَةً مُجَرَّدَةً ; لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُجَرَّدَةَ خَفِيَّةٌ أَوْ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، وَلَوْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْحِكْمَةِ وَحْدَهَا لِانْضِبَاطِهَا وَعَدَمِ خَفَائِهَا، فَفِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا ; لِأَنَّ الْحِكْمَةَ هِيَ الْعِلَّةُ لِلْحَكَمِ ; لِكَوْنِهَا غَايَةً لَهُ، فَتَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِهَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِهِ بِالْوَصْفِ. ش - الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلِ عَدَمًا فِي الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ. وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلِ عَدَمًا - إِذَا كَانَ الْحُكْمُ ثُبُوتِيًّا - بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ فِي الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ عَدَمًا، لَكَانَ مُنَاسِبًا أَوْ مَظِنَّةَ مُنَاسِبٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 الْمَانِعِ لَيْسَ عِلَّةً. وَإِنْ كَانَ وُجُودُهُ يُنَافِي وُجُودَ الْمُنَاسِبِ، لَمْ يَصْلُحْ عَدَمُهُ مَظِنَّةً لِنَقِيضِهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ ظَاهِرًا تَعَيَّنَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا، فَنَقِيضُهُ خَفِيٌّ، وَلَا يَصْلُحُ الْخَفِيُّ مَظِنَّةً لِلْخَفِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَأَيْضًا لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ يَقُولُ: الْعِلَّةُ كَذَا أَوْ عَدَمُ كَذَا، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ (لَا عِلَّةَ) عَدَمٌ، فَنَقِيضُهُ وُجُودٌ. وَفِيهِ مُصَادَرَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ. ص - قَالُوا: صَحَّ تَعْلِيلُ الضَّرْبِ بِانْتِفَاءِ الِامْتِثَالِ. قُلْنَا: بِالْكَفِّ. ص - وَأَنْ لَا يَكُونَ الْعَدَمُ جُزْءًا مِنْهَا لِذَلِكَ. قَالُوا: انْتِفَاءُ مُعَارَضَةِ الْمُعْجِزَةِ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَرِّفِ لَهَا، وَكَذَلِكَ الدَّوَرَانُ وَجُزْؤُهُ عَدَمٌ. قُلْنَا: شَرْطٌ لَا جُزْءٌ. ص - وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُتَعَدِّيَةَ الْمَحَلِّ، وَلَا جُزْءًا مِنْهُ ; لِامْتِنَاعِ الْإِلْحَاقِ، بِخِلَافِ الْقَاصِرَةِ. ص - وَالْقَاصِرَةُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ صَحِيحَةٌ بِاتِّفَاقٍ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى صِحَّتِهَا بِغَيْرِهِمَا، كَتَعْلِيلِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِجَوْهَرِيَّتِهِمَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. لَنَا: أَنَّ الظَّنَّ حَاصِلٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِأَجْلِهَا، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالصِّحَّةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا. وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَتْ صِحَّتُهَا مَوْقُوفَةً عَلَى تَعْدِيَتِهَا، لَمْ تَنْعَكِسْ لِلدَّوْرِ. وَالثَّانِيَةُ اتِّفَاقٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَقْفُ مَعِيَّةٍ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً، لَكَانَتْ مُفِيدَةً. وَالْحُكْمُ وَالْأَصْلُ بِغَيْرِهَا، وَلَا فَرْعَ. وَرَدَ بِجَرَيَانِهِ فِي الْقَاصِرَةِ بِنَصٍّ، وَبِأَنَّ النَّصَّ دَلِيلُ الدَّلِيلِ، وَبِأَنَّ الْفَائِدَةَ مَعْرِفَةُ الْبَاعِثِ الْمُنَاسِبِ، فَيَكُونُ أَدْعَى إِلَى الْقَبُولِ. وَإِذَا قُدِّرَ وَصْفٌ آخَرُ مُتَعَدٍّ، لَمْ يُفِدْ إِلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ. ص - وَفِي النَّقْضِ وَهُوَ وُجُودُ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ. ثَالِثُهَا: يَجُوزُ فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ. وَرَابِعُهَا: عَكْسُهُ. وَخَامِسُهَا: يَجُوزُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَانِعٍ وَلَا عَدَمِ شَرْطٍ. وَالْمُخْتَارُ: إِنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً، لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ ; لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتْ عِلِّيَّتُهَا إِلَّا بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُقْتَضَى، وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً، فَبِظَاهِرٍ عَامٍّ، فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ كَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَيَجِبُ تَقْدِيرُ الْمَانِعِ. لَنَا: لَوْ بَطَلَتْ، لَبَطَلَ الْمُخَصَّصُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بَاعِثًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْبَاعِثُ يَنْحَصِرُ فِي الْمُنَاسِبِ وَالْمَظِنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْمُنَاسِبُ هُوَ: الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ. وَمَظِنَّةُ الْمُنَاسِبِ: هُوَ مَا يُلَازِمُ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ إِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَتَقْرِيرُ الثَّانِيَةِ " ; فَلِأَنَّ الْعَدَمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمًا مُطْلَقًا، أَوْ مُخَصَّصًا بِأَمْرٍ، أَيْ مُضَافًا إِلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْعَدَمَ الْمُطْلَقَ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ الثُّبُوتِيَّةِ دُونَ بَعْضٍ. وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْأَمْرِ الَّذِي اخْتَصَّ الْعَدَمُ بِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْشَأَ مَصْلَحَةٍ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْشَأَ مَفْسَدَةٍ لَهُ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِوُجُودِ الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ أَوْ لَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، وَالْجَمِيعُ بَاطِلٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْأَمْرِ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ الْعَدَمُ مَنْشَأً لِمَصْلَحَةِ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ ; فَلِأَنَّ عَدَمَهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ، وَلَا مَظِنَّةَ مُنَاسِبٍ لِاسْتِلْزَامِ عَدَمِهِ فَوَاتَ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي اخْتَصَّ الْعَدَمُ بِهِ مَنْشَأً لِمَفْسَدَةِ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ ; فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وُجُودُ ذَلِكَ الْأَمْرِ مَانِعًا مِنْ تَحَقُّقِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ، فَعَدَمُهُ عَدَمُ الْمَانِعِ، وَعَدَمُ الْمَانِعِ لَا يَكُونُ عِلَّةً بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ الْعَدَمُ مُنَافِيًا لِوُجُودِ الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ ; فَلِأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَظِنَّةً لِلْمُنَاسِبِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُنَافِي; لِأَنَّ نَقِيضَهُ أَعْنِي الْمُنَاسِبَ، إِنْ كَانَ ظَاهِرًا، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ عِلَّةً مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجِهِ إِلَى مَظِنَّةٍ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا، فَنَقِيضُهُ - وَهُوَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُنَافِي لَهُ - أَيْضًا خَفِيٌّ، فَعَدَمُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ أَيْضًا خَفِيٌّ. وَالْخَفِيُّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَظِنَّةً لِلْخَفِيِّ. وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي اخْتَصَّ الْعَدَمُ بِهِ، لَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْمُنَاسِبِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَإِذَا تَسَاوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، لَا يَكُونُ عَدَمُهُ مُنَاسِبًا وَلَا مَظِنَّةَ مُنَاسِبٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْمُنَافِيَ الْمُنَاسِبَ قَسِيمًا لِمَا هُوَ مَنْشَأُ مَفْسَدَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ; لِأَنَّ الْمُنَافِيَ لِلْمُنَاسِبِ دَاخِلٌ فِيمَا هُوَ مَنْشَأُ مَفْسَدَةٍ، فَلَا يَكُونُ قَسِيمًا لَهُ. قِيلَ: ظُهُورُ الْمُنَاسِبِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْمُنَافِي مَظِنَّةً لَهُ، فَيُعَلَّلُ بِعَدَمِ الْمُنَافِي كَمَا يُعَلَّلُ بِالْمَظِنَّةِ الْوُجُودِيَّةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُنَاسِبُ ظَاهِرًا، تَعَيَّنَ كَوْنُهُ عِلَّةً، وَإِلَّا لَاجْتَمَعَ عِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ يَقُولُ: الْعِلِّيَّةُ كَذَا، أَوْ عَدَمُ كَذَا، وَلَوْ كَانَ الْعَدَمُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ، لَسُمِعَ عَنِ الْمُجْتَهِدِينَ هَذَا الْقَوْلُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِذَلِكَ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ بِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ مَوْجُودَةٌ ; لِأَنَّ (لَا عِلِّيَّةَ) عَدَمٌ. فَنَقِيضُهُ - وَهُوَ الْعِلِّيَّةُ - مَوْجُودَةٌ. وَإِذَا كَانَتِ الْعِلِّيَّةُ مَوْجُودَةً، لَمْ يَكُنِ الْعَدَمُ عِلَّةً، وَإِلَّا لَاتَّصَفَ الْمَعْدُومُ بِالْأَمْرِ الْوُجُودِيِّ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَفِيهِ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ. فَإِنَّ عَدَمِيَّةً لَا عِلِّيَّةً مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى وُجُودِ الْعِلِّيَّةِ ; لِأَنَّ عَدَمِيَّةَ صُورَةِ السَّلْبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ السَّلْبُ. فَلَوْ تَوَقَّفَ وُجُودُ الْعِلِّيَّةِ عَلَى عَدَمِيَّةِ اللَّاعِلِّيَّةِ، لَزِمَ الدَّوْرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، حَيْثُ قِيلَ: الْحُسْنُ وُجُودِيٌّ ; لِكَوْنِهِ نَقِيضَ الْحَسَنِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَدَمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلثُّبُوتِي، قَالُوا: صَحَّ تَعْلِيلُ الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ وُجُودِيٌّ، بِانْتِفَاءِ الِامْتِثَالِ الَّذِي هُوَ عَدَمِيٌّ. فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِفِعْلٍ، وَلَمْ يَمْتَثِلْ وَضَرَبَهُ السَّيِّدُ، صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ. أَجَابَ بِأَنَّ الضَّرْبَ مُعَلَّلٌ بِكَفِّ النَّفْسِ عَنِ الِامْتِثَالِ، لَا بِانْتِفَاءِ الِامْتِثَالِ، وَالْكَفُّ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ. ش - الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْعَدَمُ جُزْءًا مِنْ عِلَّةِ الْأَصْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَدَمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ، قَالُوا: إِنَّ انْتِفَاءَ مُعَارَضَةِ الْمُعْجِزَةِ بِمِثْلِهَا جُزْءٌ مِنَ الْمُعَرِّفِ لِلْمُعْجِزَةِ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ يَتَوَقَّفُ فِي كَوْنِهِ مُعْجِزَةً عَلَى انْتِفَاءِ الْمُعَارَضَةِ، وَانْتِفَاءُ الْمُعَارَضَةِ عَدَمِيٌّ، وَكَوْنُ الْفِعْلِ مُعْجِزَةً ثُبُوتِيٌّ، فَقَدْ صَارَ الْعَدَمُ جُزْءَ عِلَّةِ الثُّبُوتِيِّ. وَأَيْضًا: الدَّوَرَانُ عِلَّةٌ ; لِعِلِّيَّةِ الْمَدَارِ لِلدَّائِرِ، وَعَلِيَّةُ الْمَدَارِ ثُبُوتِيَّةٌ، وَجُزْءُ الدَّوَرَانِ عَدَمٌ ; لِأَنَّ الدَّوَرَانَ مُرَكَّبٌ مِنَ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، وَالْعَكْسُ عَدَمٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُزْءُ عِلَّةِ الثُّبُوتِيِّ عَدَمًا. أَجَابَ بِأَنَّ الْعَدَمَ فِي الصُّورَتَيْنِ شَرْطٌ لَا جُزْءٌ. ش - الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا تَكُونَ عِلَّةُ الْحُكْمِ مَحَلَّ الْحُكْمِ، وَلَا جُزْءًا مِنْ مَحَلِّهِ خَاصًّا بِهِ إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ مُتَعَدِّيَةً ; لِامْتِنَاعِ إِلْحَاقِ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ حِينَئِذٍ، إِذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فِي الْفَرْعِ مَحَلُّ حُكْمِ الْأَصْلِ أَوْ جُزْؤُهُ الْخَاصُّ بِهِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِخِلَافِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ أَوْ جُزْؤُهُ الْخَاصُّ بِهِ عِلَّةً لِلْحَكَمِ، إِذْ لَا يَبْعُدَ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: حُرِّمَتِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ لِكَوْنِهِ بُرًّا، أَوْ لِجُزْئِهِ الْخَاصِّ بِهِ. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْجُزْءَ بِكَوْنِهِ خَاصًّا ; إِذْ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِالْجُزْءِ الْمُشْتَرَكِ لِإِمْكَانِ وَجُودِهِ فِي الْفَرْعِ. [التَّعْلِيلِ بالعلةِالْقَاصِرَةِ] ش - اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ، أَيِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَصْلِ، إِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ، إِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِغَيْرِ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، كَتَعْلِيلِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِجَوْهَرِيَّتِهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ إِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِغَيْرِ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي طَلَبِ الْعِلَّةِ، وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّ الْقَاصِرَةَ عِلَّةٌ، حَصَلَ الظَّنُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِأَجْلِهَا، وَلَا نَعْنِي بِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ إِلَّا حُصُولَ الظَّنِّ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِأَجْلِهَا بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ إِذَا حَصَلَ الظَّنُّ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِأَنَّ الْحُكْمَ لِأَجْلِهَا، صَحَّ التَّعْلِيلُ بِهَا. وَاسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ: بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ صِحَّةُ الْعِلَّةِ مَوْقُوفَةً عَلَى تَعْدِيَةِ الْعِلَّةِ، لَمْ يَنْعَكِسْ، أَيْ لَمْ يَتَوَقَّفِ التَّعْدِيَةُ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. فَإِنَّ التَّعْدِيَةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ. وَإِلَى بُطْلَانِ التَّالِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالثَّانِيَةُ اتِّفَاقٌ. بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ: أَنَّ التَّعْدِيَةَ لَوْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ - وَالْفَرْضُ أَنَّ صِحَّةَ الْعِلَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى التَّعْدِيَةِ - يَلْزَمُ الدَّوْرُ. أَجَابَ بِأَنَّ تَوَقُّفَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صِحَّةِ الْعِلَّةِ وَالتَّعْدِيَةِ عَلَى الْأُخْرَى تَوَقُّفُ مَعِيَّةٍ، فَإِنَّ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، وَيَتَحَقَّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ وَالتَّعْدِيَةِ مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأُخْرَى، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. ش - احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ: بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عِلِّيَّةُ الْقَاصِرَةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ صَحِيحَةً، لَكَانَتْ مُفِيدَةً، إِذْ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، إِذْ لَا فَائِدَةَ لِلْقَاصِرَةِ ; لِأَنَّ فَائِدَةَ الْعِلَّةِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْحُكْمُ بِهَا فِي غَيْرِ الْأَصْلِ لِكَوْنِهَا قَاصِرَةً، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ بِغَيْرِ الْقَاصِرَةِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ. أَجَابَ أَوَّلًا بِالنَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ، فَإِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ بِعَيْنِهِ جَارٍ فِي الْقَاصِرَةِ الثَّابِتَةِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ. وَثَانِيًا بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ فَائِدَتَهُ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَالنَّصُّ أَوِ الْإِجْمَاعُ دَلِيلُ الدَّلِيلِ، أَيْ دَلِيلُ هَذِهِ الْعِلَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عُرِفَ بِالنَّصِّ أَوَّلًا، ثُمَّ عُرِفَتِ الْعِلَّةُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُثْبِتَةً لِحُكْمِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَثَالِثًا بِعَدَمِ انْحِصَارِ فَائِدَةِ الْعِلَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ فَائِدَتَهُ مَعْرِفَةُ الْبَاعِثِ الْمُنَاسِبِ ; لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى الْقَبُولِ ; لِكَوْنِهِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى. وَأَيْضًا فَائِدَتُهَا أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ كَوْنُ الْقَاصِرَةِ عِلَّةً، فَلَوْ قُدِّرَ وَصْفٌ آخَرُ مُتَعَدٍّ، لَمْ يُفِدِ الْعِلِّيَّةَ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ بِالْعِلِّيَّةِ. [هل النقض قادح في العلة] ش - اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي النَّقْضِ، وَهُوَ وُجُودُ الْمُدَّعِي عِلَّةً مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهُ مُطْلَقًا، أَيْ لَا يَقْدَحُ التَّخَلُّفُ فِي الْعِلِّيَّةِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهُ مُطْلَقًا، أَيْ يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ فِي الْمَنْصُوصَةِ، وَلَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ. وَرَابِعُهَا: عَكْسُهُ، أَيْ يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَلَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ فِي الْمَنْصُوصَةِ. وَخَامِسُهَا: لَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ فِي الْمَنْصُوصَةِ، وَيَجُوزُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّخَلُّفُ بِمَانِعٍ، وَلَا عَدَمِ شَرْطٍ. وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّابِعَ جَوَازُ التَّخَلُّفِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إِذَا كَانَ بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ. وَسَادِسُهَا: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعِلَّةَ إِنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً، لَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ عَنْهَا إِلَّا بِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ لَا تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ إِلَّا بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا، أَعْنِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 وَأَيْضًا: جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَلَبَطَلَتِ الْقَاطِعَةُ، كَعِلَلِ الْقِصَاصِ وَالْجَلْدِ وَغَيْرِهِمَا. ص - أَبُو الْحُسَيْنِ: النَّقْضُ يَلْزَمُ فِيهِ مَانِعٌ أَوِ انْتِفَاءُ شَرْطٍ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ نَقِيضَهُ مِنَ الْأُولَى. قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْبَاعِثِ، وَيَرْجِعُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا. قَالُوا: لَوْ صَحَّتْ، لَلَزِمَ الْحُكْمُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّتَهَا كَوْنُهَا بَاعِثَةً، لَا لُزُومَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ. قَالُوا: تَعَارَضَ دَلِيلُ الِاعْتِبَارِ وَدَلِيلُ الْإِهْدَارِ. قُلْنَا: الِانْتِفَاءُ لِلْمُعَارِضِ لَا يُنَافِي الشَّهَادَةَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وُجُودَ الْمَانِعِ أَوْ عَدَمَ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، أَيْ وُجُودَ الْمَانِعِ أَوْ عَدَمَ الشَّرْطِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي، أَيِ الْعِلَّةِ، إِذْ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنِ الْعِلَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ. وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً، فَشَرْطُ جَوَازِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا، كَوْنُ التَّنْصِيصِ بِنَصٍّ ظَاهِرٍ عَامٍّ. فَيَجِبُ حِينَئِذٍ تَخْصِيصُ ذَلِكَ الْعَامِّ بِالنَّافِي لِلْحُكْمِ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ، وَالْعَمَلُ بِالْعِلَّةِ فِي غَيْرِ صُورَةِ التَّخَلُّفِ، كَعَامٍّ وَخَاصٍّ إِذَا اخْتَلَفَا، فَإِنَّهُ يُخَصِّصُ الْعَامَ بِالْخَاصِّ، وَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ فِي غَيْرِ صُورَةِ التَّخْصِيصِ، وَيَجِبُ تَقْدِيرُ الْمَانِعِ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ، إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَانِعٌ لِلضَّرُورَةِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ بِظَاهِرٍ عَامٌّ، لَا يُبْطِلُ عِلِّيَّتَهَا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ بِظَاهِرٍ عَامٍّ لَوْ بَطَلَتْ بِالنَّقْضِ، لَبَطَلَ الْعَامُّ الْمُخَصَّصُ بِظُهُورِ الْخَاصِّ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَامَّ الْمُخَصَّصَ يَكُونُ حُجَّةً. بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ: أَنَّ نِسْبَةَ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ بِظَاهِرٍ عَامٍّ إِلَى مَوَارِدِ الْحُكْمِ، كَنِسْبَةِ الْعَامِّ إِلَى أَفْرَادِهِ. فَكَمَا أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يُبْطِلُ الْعَامَّ بِالْكُلِّيَّةِ، كَذَلِكَ النَّقْضُ لَا يُبْطِلُ الْعِلِّيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِي: - أَنَّ الْعَامَّ الظَّاهِرَ دَلَّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَالنَّقْضَ دَلَّ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ، فَيُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ الْعَامِّ فِي غَيْرِ صُورَةِ النَّقْضِ، وَيُعْمَلُ بِالنَّقْضِ فِي صُورَتِهِ ; لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِهِمَا أَوْ إِهْمَالِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِلَّةَ بِنَصٍّ ظَاهِرٍ لَوْ بَطَلَتْ بِالنَّقْضِ، لَبَطَلَتِ الْعِلَّةُ الْقَاطِعَةُ، أَيِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، كَعِلَلِ الْقِصَاصِ وَالْجَلْدِ وَغَيْرِهِمَا بِالنَّقْضِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ بِنَصٍّ ظَاهِرٍ لَا تَتَقَاعَدُ عَنِ الْعِلَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْعِلَلَ الْقَاطِعَةَ قَدْ يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَلَمْ تَبْطُلْ عِلِّيَّتُهَا. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّقْضَ يَقْدَحُ فِي الْعِلَّةِ، احْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ: وَهُوَ أَنَّ النَّقْضَ يَلْزَمُ فِيهِ وُجُودُ مَانِعٍ أَوِ انْتِفَاءُ شَرْطٍ ; لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ بِدُونِ أَحَدِهِمَا يُشْعِرُ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، فَبَيَّنَ النَّقْضُ أَنَّ نَقِيضَ أَحَدِهِمَا، أَعْنِي نَقِيضَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَنَقِيضَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ الْأُولَى الَّتِي ادَّعَى أَنَّهَا عِلَّةٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ نَقِيضِ أَحَدِهِمَا، فَيَنْتَفِي الْعِلَّةُ عِنْدَ انْتِفَاءِ نَقِيضِ أَحَدِهِمَا ضَرُورَةُ انْتِفَاءِ الْكُلِّ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعِلَّةِ الْبَاعِثُ، وَنَقِيضُ أَحَدِهِمَا لَيْسَ جُزْءًا مِنَ الْبَاعِثِ. وَيَرْجِعُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا ; لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْعِلَّةِ الْبَاعِثُ، لَا يَكُونُ نَقِيضُ أَحَدِهِمَا جُزْءًا مِنْهَا، وَلَا يَقْدَحُ النَّقْضُ فِي الْعِلَّةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعِلَّةِ مَا يُثْبِتُ الْحُكْمَ، يَكُونُ نَقِيضُ أَحَدِهِمَا جُزْءًا مِنْهَا، وَيَقْدَحُ النَّقْضُ فِي الْعِلَّةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّتِ الْعِلَّةُ مَعَ النَّقْضِ، لَلَزِمَ الْحُكْمُ فِي صُورَةِ النَّقْضِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَعْلُولِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 قَالُوا: تَفْسُدُ كَالْعَقْلِيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْلِيَّةَ بِالذَّاتِ، وَهَذِهِ بِالْوَضْعِ. ص - الْمُجَوِّزُ فِي الْمَنْصُوصَةِ: لَوْ صَحَّتْ مَعَ النَّقْضِ، لَكَانَ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بَعْدَ صِحَّتِهَا، فَكَانَ دَوْرًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ. وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الظَّنِّ بِصِحَّتِهَا عِنْدَ التَّخَلُّفِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَانِعِ، وَتَحَقُّقُ الْمَانِعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ الصِّحَّةِ، فَلَا دَوْرَ، كَإِعْطَاءِ الْفَقِيرِ يُظَنُّ أَنَّهُ لِفَقْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ آخَرَ، تَوَقَّفَ الظَّنُّ، فَإِنْ تَبَيَّنَ مَانِعٌ، عَادَ وإِالَّا زَالَ. قَالُوا: دَلِيلُهَا اقْتِرَانٌ، وَقَدْ تَسَاقَطَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ. ص - الْمُجَوِّزُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: الْمَنْصُوصَةُ دَلِيلُهَا نَصٌّ عَامٌّ، فَلَا يُقْبَلُ. وَأُجِيبَ: إِنْ كَانَ قَطْعِيًّا، فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا، وَجَبَ قَبُولُهُ. ص - الْخَامِسُ: الْمُسْتَنْبَطَةُ عِلَّةٌ بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ، وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ مُشَكِّكٌ، فَلَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ. وَأُجِيبَ: تَخَلُّفُ الْحُكْمِ ظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، وَالْمُنَاسَبَةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مُشَكِّكٌ. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ. قَالُوا: لَوْ تَوَقَّفَ كَوْنُهَا أَمَارَةً عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ; لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَخَلَّفَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ. أَجَابَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْعِلَّةِ كَوْنُهَا بَاعِثَةً عَلَى شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ، لَا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لَازِمًا لَهَا. وَالْعِلَّةُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ لَا تَكُونُ مَلْزُومَةً لِلْحَكَمِ ; فَإِنَّ لُزُومَ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعِلَّةُ مَعَ النَّقْضِ ; لِأَنَّ دَلِيلَ الِاعْتِبَارِ - وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ - عَارَضَ دَلِيلَ إِهْدَارِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، أَيْ إِبْطَالِهَا، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ، فَتَسَاقَطَا. أَجَابَ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ - وَهُوَ تَحَقُّقُ الْمَانِعِ أَوِ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ - لَا يُنَافِي الشَّهَادَةَ، أَيِ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى اعْتِبَارِ عِلِّيَةِ الْوَصْفِ ; لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّهَادَةِ، جَازَ أَنْ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ لِمُعَارِضٍ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِمُعَارِضٍ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ مُنَافَاةٌ، لَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا. الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَفْسُدُ الْعِلَّةُ بِالنَّقْضِ قِيَاسًا عَلَى الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ. أَجَابَ عَنْهُ بِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ تَقْتَضِي الْمَعْلُولَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالذَّاتِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْمَعْلُولُ عَنْهَا. وَهَذِهِ - أَيِ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةِ - تَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْوَضْعِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا. ش - الْمُجَوِّزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ، دُونَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ احْتَجَّ عَلَى أَنَّ التَّخَلُّفَ يَقْدَحُ فِي الْعِلَّةِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ صَحَّتِ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مَعَ النَّقْضِ، لَكَانَتْ صِحَّتُهَا لَتَحَقُّقِ الْمَانِعِ، وَإِلَّا لَمْ يَتَخَلَّفِ الْحُكْمُ عَنْهَا، فَيَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِلَّةِ عَلَى تَحَقُّقِ الْمَانِعِ، وَالْمَانِعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ ; لِأَنَّ الْمَانِعَ إِنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا إِذَا تَحَقَّقَ الْمُقْتَضَى، فَيَتَوَقَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَانِعِ وَالصِّحَّةِ عَلَى الْآخَرِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. أَجَابَ بِأَنَّ تَوَقُّفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَوَقَّفُ الْمَعِيَّةِ ; لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الصِّحَّةَ وَالْمَانِعَ لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالدَّوْرُ بِسَبَبِ تَوَقُّفِ الْمَعِيَّةِ لَا يَكُونُ مُحَالًا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الصِّحَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَانِعِ، بَلِ اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ بِصِحَّةِ الْعِلَّةِ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَانِعِ ; لِأَنَّ صِحَّةَ الْعِلَّةِ جَازَ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِدُونِ الْمَانِعِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَتَخَلَّفِ الْحُكْمُ عَنِ الْعِلَّةِ. وَتَحَقُّقُ الْمَانِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِمْرَارِ الظَّنِّ بِصِحَّةِ الْعِلَّةِ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ الصِّحَّةِ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ، كَإِعْطَاءِ الْفَقِيرِ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْإِعْطَاءَ لِلْفَقْرِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ فَقِيرًا آخَرَ، تَوَقَّفَ الظَّنُّ فِي كَوْنِ الْعِلَّةِ فَقْرًا، فَإِنْ تَبَيَّنَ مَانِعٌ عَنْ إِعْطَاءِ الْفَقِيرِ الْآخَرِ، عَادَ ظَنُّ عِلِّيَّةِ الْفَقْرِ، أَيِ اسْتَمَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مَانِعٌ، زَالَ ظَنُّ عِلِّيَّةِ الْفَقْرِ، فَظَهَرَ أَنَّ اسْتِمْرَارَ ظَنِّ صِحَّةِ الْعِلَّةِ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَانِعِ. الثَّانِي: أَنَّ دَلِيلَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَكَمَا أَنَّ اقْتِرَانَ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، فَكَذَلِكَ عَدَمُ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ، فَتَعَارَضَا وَتَسَاقَطَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ ذَلِكَ فِي دَلِيلِ الِاعْتِبَارِ وَدَلِيلِ الْإِهْدَارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - الْمُجَوِّزُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ - وَهُوَ الْقَائِلُ بِالْمَذْهَبِ الرَّابِعِ - احْتَجَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْصُوصَةَ لَا يَجُوزُ النَّقْضُ فِيهَا بِأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ دَلِيلُهَا نَصٌّ عَامٌّ، وَالنَّصُّ الْعَامُّ يَقْتَضِي ثُبُوتَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ، فَلَا يُقْبَلُ النَّقْضُ. أَجَابَ بِأَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إِنْ كَانَ قَطْعِيًّا، أَيْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ، فَمُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا، أَيْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ، وَجَبَ قَبُولُهُ لِلنَّقْضِ، كَالْعَامِّ لِلتَّخْصِيصِ. ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ النَّقْضِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّقْضُ بِمَانِعٍ وَلَا عَدَمِ شَرْطٍ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ - احْتَجُّوا عَلَى جَوَازِ النَّقْضِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ مُطْلَقًا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُسْتَنْبَطَةَ عِلَّةٌ بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ ; لِأَنَّ دَلِيلَهَا الْمُنَاسَبَةُ، وَالْمُنَاسَبَةُ تَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ بِحَسَبِ الظُّهُورِ، لَا بِحَسَبِ الْقَطْعِ. وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْوَصْفِ مُشَكِّكٌ فِي عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، أَيْ دَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ ; لِأَنَّ احْتِمَالَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ يُسَاوِي احْتِمَالَ تَخَلُّفِهِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ، وَغَيْرُ الظَّاهِرِ لَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ. فَلَمْ يَقْدَحِ النَّقْضُ فِي الْعِلِّيَّةِ. أَجَابَ بِأَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ بِلَا وُجُودِ مَانِعٍ وَانْتِفَاءِ شَرْطٍ يَدُلُّ بِحَسَبِ الظُّهُورِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، وَدَلَالَةُ الْمُنَاسَبَةِ وَاسْتِنْبَاطُ الْعِلَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ مُشَكِّكٌ، فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا، وَغَيْرُ الظَّاهِرِ لَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 لَانْعَكَسَ، فَكَانَ دَوْرًا تَحَكُّمًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الظَّنِّ بِكَوْنِهَا أَمَارَةً يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَانِعِ أَوْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَهُمَا عَلَى ظُهُورِ كَوْنِهَا أَمَارَةً. ص - وَفِي الْكَسْرِ، وَهُوَ وُجُودُ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ. الْمُخْتَارُ: لَا يَبْطُلُ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ: مُسَافِرٌ، فَيَتَرَخَّصُ كَغَيْرِ الْعَاصِي، ثُمَّ يُبَيِّنُ الْمُنَاسَبَةَ بِالْمَشَقَّةِ، فَيَعْتَرِضُ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ فِي الْحَضَرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْآخَرِ. فَإِذَا كَانَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْوَصْفِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ، وَجَبَ أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِي الْعِلِّيَّةِ، فَلَا يَبْقَى ظُهُورُ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، فَيَقَعُ التَّعَارُضُ. الثَّانِي: لَوْ قَدَحَ النَّقْضُ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، لَتَوَقَّفَ كَوْنُ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ أَمَارَةً لِلْحَكَمِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَهُوَ مَحَلُّ النَّقْضِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ كَوْنُهَا أَمَارَةً لِلْحَكَمِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، لَانْعَكَسَ، أَيْ تَوَقَّفَ الْحُكْمُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ أَمَارَةً لِلْحُكْمِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. قَوْلُهُ: " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْعَكِسْ يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ، فَلَا يَكُونُ بَاطِلًا. وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الظَّنِّ بِكَوْنِ الْوَصْفِ أَمَارَةً لِلْحُكْمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ أَوْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ وَوُجُودِ الْمَانِعِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ كَوْنِ الْوَصْفِ أَمَارَةً، لَا عَلَى اسْتِمْرَارِ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ أَمَارَةً، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ. [هل الكسر قادح في العلة] ش - اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْكَسْرِ، وَهُوَ وُجُودُ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعِلَّةَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّقْضِ أَنَّ النَّقْضَ هُوَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْوَصْفِ الضَّابِطِ لِلْحِكْمَةِ، وَالْكَسْرُ تَخَلُّفُهُ عَنْ حِكْمَةِ الْحِكَمِ. مِثَالُهُ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي الْعَاصِي بِالسَّفَرِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً كَالْآبِقِ: مُسَافِرٌ، فَيَتَرَخَّصُ بِرُخَصِ السَّفَرِ كَغَيْرِ الْعَاصِي، ثُمَّ يُبَيِّنُ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالرُّخَصِ بِاشْتِمَالِ السَّفَرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ، فَيَعْتَرِضُ الشَّافِعِيُّ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ فِي الْحَضَرِ، مِثْلِ صَنْعَةِ الْحَدَّادِينَ، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ ثَمَّةَ مَعَ تَخَلُّفِ رُخَصِ الْمُسَافِرِ عَنْهَا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ الضَّابِطُ لِلْحِكْمَةِ، لَا الْحِكْمَةُ لِعُسْرِ انْضِبَاطِهَا، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ، وَالشَّارِعُ لَمْ يَجْعَلْ مَا يَعْسُرُ انْضِبَاطُهُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ عَلَى مَا هُوَ عِلَّةٌ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْكَسْرَ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ، قَالُوا: الْحِكْمَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعِلِّيَّةِ قَطْعًا، لَا الْوَصْفُ الضَّابِطُ لِلْحِكْمَةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ هُوَ الْحِكْمَةُ، وَالْوَصْفُ عُنْوَانُ الْحِكْمَةِ وَضَابِطُهَا. فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ النَّقْضُ لِوُجُودِ الْحِكْمَةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا. أَجَابَ بِأَنَّ نَقْضَ الْحِكْمَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِحِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَتَحَقُّقُ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِحِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ مَظْنُونٌ، إِذْ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمَوْجُودُ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ أَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَصْلِ، وَبِتَقْدِيرِ وُجُودِ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخَلُّفُ لِمُعَارِضٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَلَعَلَّهُ لِمُعَارِضٍ "، فَيَكُونُ وُجُودُ قَدْرِ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِحِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ بِدُونِ مُعَارِضٍ مَظْنُونًا، وَالْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ مَوْجُودَةٌ قَطْعًا، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 لَنَا: أَنَّ الْعِلَّةَ السَّفَرُ ; لِعُسْرِ انْضِبَاطِ الْمَشَقَّةِ، وَلَمْ يُرِدِ النَّقْضَ عَلَيْهِ. ص - قَالُوا: الْحِكْمَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ قَطْعًا، فَالنَّقْضُ وَارِدٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 قُلْنَا: قَدْرُ الْحِكْمَةِ الْمُسَاوِيَةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ مَظْنُونٌ، وَلَعَلَّهُ لِمُعَارِضٍ. وَالْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ مَوْجُودَةٌ قَطْعًا، فَلَا يُعَارِضُ الظَّنُّ الْقَطْعَ، حَتَّى لَوْ قَدَّرْنَا وُجُودَ قَدْرِ الْحِكْمَةِ أَوْ أَكْثَرَ قَطْعًا، وَإِنْ بَعُدَ أَبْطَلَ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ حُكْمٌ آخَرُ أَلْيَقُ بِهَا. كَمَا لَوْ عُلِّلَ الْقَطْعُ بِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، فَيُعْتَرَضُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ أَزْيَدُ لَوْ قَطَعَ. فَنَقُولُ: ثَبَتَ حُكْمٌ آخَرُ أَلْيَقُ بِهَا تُحَصَّلُ بِهِ وَزِيَادَةٌ، وَهُوَ الْقَتْلُ. ص - وَفِي النَّقْضِ الْمَكْسُورِ - وَهُوَ نَقْضُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ - الْمُخْتَارُ: لَا يَبْطُلُ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: مَبِيعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ، فَلَا يَصِحُّ مِثْلَ: بِعْتُكَ عَبْدًا. فَيَعْتَرِضُ بِمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَرَهَا. لَنَا: إِنَّ الْعِلَّةَ الْمَجْمُوعُ، فَلَا نَقْضَ، فَإِنَّ بَيْنَ عَدَمِ تَأْثِيرِ كَوْنِهِ مَبِيعًا، كَانَ كَالْعَدَمِ، فَيَصِحُّ النَّقْضُ وَلَا يُفِيدُ مُجَرَّدُ ذِكْرِهِ دَفْعَ النَّقْضِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقَطْعَ. نَعَمْ، لَوْ قَدَّرْنَا وُجُودَ قَدْرِ الْحِكْمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي مَحَلِّ النَّقْضِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، وَإِنْ بَعُدَ هَذَا التَّقْدِيرُ؛ لِعُسْرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى قَدْرِ الْحِكْمَةِ، أَبْطَلَ الْكَسْرُ الْعِلَّةَ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ حُكْمٌ آخَرُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ أَلْيَقُ بِالْحِكْمَةِ مِنَ الْحُكْمِ الْمُخْتَلِفِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُبْطِلُ الْكَسْرُ الْعِلَّةَ. مَثَلًا: لَوْ عَلَّلَ وُجُوبَ قَطْعِ الْيَدِ قِصَاصًا بِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، فَيَعْتَرِضُ الْخَصْمُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانَ، فَإِنَّ حِكْمَتَهُ أَزْيَدُ ثَمَّةَ لَوْ قُطِعَ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ. فَيَقُولُ الْمُعَلِّلُ: ثَبَتَ فِيهِ حُكْمٌ أَلْيَقُ بِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، تَحْصُلُ حِكْمَةُ الزَّجْرِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَزِيَادَةٍ، وَهُوَ الْقَتْلُ. [النقض المكسور هل يبطل العلة] ش - اخْتَلَفُوا فِي النَّقْضِ الْمَكْسُورِ، وَهُوَ نَقْضُ بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ، أَيْ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعِلَّةَ، مِثَالُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: مَبِيعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا قَالَ: بِعْتُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعِلَّةُ كَوْنُ الْمَبِيعِ مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ. فَيَعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ بِمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَرَهَا، فَإِنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ مُتَحَقِّقٌ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ. وَاحْتَجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الْأَوْصَافِ لَا بَعْضُهَا، يَعْنِي مَجْمُوعَ كَوْنِهِ مَبِيعًا مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، لَا مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ فَقَطْ، فَلَا نَقْضَ لِلْعِلَّةِ، أَيْ لَمْ يَلْزَمْ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ. فَإِنْ بَيَّنَ الْحَنَفِيُّ عَدَمَ تَأْثِيرِ كَوْنِهِ مَبِيعًا، كَانَ وَصْفُ كَوْنِهِ مَبِيعًا كَالْعَدَمِ ; لِانْتِفَاءِ تَأْثِيرِهِ، فَيَكُونُ الْعِلَّةُ حِينَئِذٍ كَوْنَهُ مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، فَيَصِحُّ النَّقْضُ ; لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ. وَمُجَرَّدُ ذِكْرِ كَوْنِهِ مَبِيعًا لَا يُفِيدُ دَفْعَ النَّقْضِ، مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ تَأْثِيرُهُ فِي الْعِلِّيَّةِ. [العكس] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعِلَّةَ، هَلْ هِيَ مَشْرُوطَةٌ بِالْعَكْسِ أَمْ لَا؟ وَالْعَكْسُ: انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَاشْتِرَاطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ. فَمَنْ مَنَعَ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ، اشْتَرَطَ الْعَكْسَ فِي الْعِلَّةِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِلْحُكْمِ إِلَّا دَلِيلٌ وَاحِدٌ، فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ. وَنَعْنِي بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّانِعِ انْتِفَاءُ الصَّانِعِ، بَلِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِهِ. وَمَنْ جَوَّزَ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، لَمْ يَشْتَرِطِ الْعَكْسَ فِي الْعِلَّةِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ دَلِيلٍ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ بِالْمَدْلُولِ لِجَوَازِ تَحَقُّقِ دَلِيلٍ آخَرَ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ. [تعليل الحكم بعلتين أَوْ عِلَلٍ كُلٌّ مُسْتَقِلٌّ] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ بِعِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِالْعِلِّيَّةِ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَثَانِيهَا: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا: يَجُوزُ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ، لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي. وَرَابِعُهَا: عَكْسُهُ، أَيْ يَجُوزُ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، لَا الْمَنْصُوصَةِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ مُخْتَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ، كُلٌّ مِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 ص - وَأَمَّا الْعَكْسُ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، فَاشْتِرَاطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ ; لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ. وَنَعْنِي انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّانِعِ انْتِفَاؤُهُ. ص - وَفِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ عِلَلٍ، كُلٌّ مُسْتَقِلٌّ، ثَالِثُهَا لِلْقَاضِي: يَجُوزُ فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ. وَمُخْتَارُ الْإِمَامِ: يَجُوزُ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 لَنَا: لَوْ لَمْ يَجُزْ، لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ وَقَعَ، فَإِنَّ اللَّمْسَ وَالْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَالْمَذْيَ يَثْبُتُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْحَدَثُ، وَالْقِصَاصَ وَالرِّدَّةَ يَثْبُتُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَتْلُ. قَوْلُهُمْ: الْأَحْكَامُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلِذَلِكَ يَنْتَفِي قَتْلُ الْقِصَاصِ وَيَبْقَى الْآخَرُ، وَبِالْعَكْسِ. قُلْنَا: إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى أَحَدِ دَلِيلَيْهِ لَا تُوجِبُ تَعَدُّدًا، وَإِلَّا لَزِمَ مُغَايِرَةَ حَدَثِ الْبَوْلِ لِحَدَثِ الْغَائِطِ. وَأَيْضًا: لَوِ امْتَنَعَ، لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ ; لِأَنَّهَا أَدِلَّةٌ. ص - الْمَانِعُ: لَوْ جَازَ لَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ ; لِأَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِهَا ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهَا، فَإِذَا انْفَرَدَتْ، ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهَا، فَإِذَا تَعَدَّدَتْ، تَنَاقَضَتْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِهَا أَنَّهَا إِذَا انْفَرَدَتِ اسْتَقَلَّتْ، فَلَا تَنَاقُضَ فِي التَّعَدُّدِ. قَالُوا: لَوْ جَازَ، لَاجْتَمَعَ الْمِثْلَانِ، فَيَسْتَلْزِمُ النَّقِيضَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا غَيْرَ مُسْتَغْنٍ، وَفِي التَّرْتِيبِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. قُلْنَا: فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَأَمَّا مَدْلُولُ الدَّلِيلَيْنِ فَلَا. قَالُوا: لَوْ جَازَ، لَمَا تَعَلَّقَ الْأَئِمَّةُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا بِالتَّرْجِيحِ ; لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَتِهِ صِحَّةَ الِاسْتِقْلَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلْإِبْطَالِ، لَا لِلتَّرْجِيحِ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّحَادِ الْعِلَّةِ هَاهُنَا، وَإِلَّا لَزِمَ جَعْلُهَا أَجْزَاءً. ص - الْقَاضِي: لَا بُعْدَ فِي الْمَنْصُوصَةِ. وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطَةُ، فَتَسْتَلْزِمُ الْجُزْئِيَّةَ لِدَفْعِ التَّحَكُّمِ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُسْتَقِلَّةٌ، لَمْ يَقَعْ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ ; لِأَنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ اللَّمْسَ وَالْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَالْمَذْيَ كُلٌّ مِنْهَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلْحَدَثِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَالرِّدَّةِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلْقَتْلِ. فَإِنْ قِيلَ: النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الْأَحْكَامُ مُتَعَدِّدَةٌ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ الْقَتْلِ بِالْقِصَاصِ، فَلِذَلِكَ يَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ، وَيَبْقَى الْآخَرُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ ارْتَدَّ بَعْدَ الْقَتْلِ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِالرِّدَّةِ انْتَفَى وَيَبْقَى الْقَتْلُ بِالْقِصَاصِ، وَبِالْعَكْسِ، أَيْ يَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالْقِصَاصِ وَيَبْقَى الْآخَرُ فِيمَا إِذَا عَفَا الْوَلِيُّ عَنِ الْقِصَاصِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَالتَّعَدُّدَ فِي إِضَافَتِهِ إِلَى الْعِلَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى أَحَدِ دَلَائِلِهِ وَعَدَمُ إِضَافَتِهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ التَّعَدُّدَ فِي الشَّيْءِ. وَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى عِلَلِهِ يُوجِبُ تَعَدُّدَهُ، لَلَزِمَ مُغَايِرَةُ حَدَثِ الْبَوْلِ لِحَدَثِ الْغَائِطِ ; لِتَعَدُّدِ إِضَافَتِهِ إِلَى عِلَلِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْعِلَّةِ، لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ ; لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعِلَلَ أَيْضًا أَدِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مَعْرِفَةً لِلْأَحْكَامِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ أَدِلَّةٌ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: لَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ، لَكَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٍ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ، وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ: أَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِ الْعِلَّةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهَا بِانْفِرَادِهَا، فَإِذَا تَعَدَّدَتِ الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ، ثَبَتَ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ; لِأَنَّهَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِكُلٍّ مِنْهَا; لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْجَمِيعِ، فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. أَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِهَا أَنَّهَا إِذَا انْفَرَدَتْ، اسْتَقَلَّتْ فِي الْعِلِّيَّةِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ مُسْتَقِلَّةً، وَحَالَةَ الِاجْتِمَاعِ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ، فَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ فِي حَالَةِ التَّعَدُّدِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ، وَالتَّنَاقُضُ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ اسْتِقْلَالِهَا حَالَةَ التَّعَدُّدِ. وَالثَّانِي: لَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ أَوْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَالٌ، أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ الْعِلَّتَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِنْ كَانَتَا مَعًا، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ مَلْزُومَةٌ لِمَعْلُولِهَا، فَيَلْزَمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِثْلُ مَا لَزِمَ مِنَ الْأُخْرَى، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ. وَإِنْ كَانَتَا عَلَى التَّرْتِيبِ، يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. أَمَّا بَيَانُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَيَانُ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ ; فَلِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ التَّنَاقُضَ ; لِأَنَّ مَحَلَّ التَّعْلِيلِ، يَعْنِي الْحُكْمَ، يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، غَيْرَ مُسْتَغْنٍ ; لِأَنَّ حُصُولَ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الْأُخْرَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَعِيَّةِ، وَلَا تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ بِالتَّرْتِيبِ، إِذْ لَوْ حَصَلَتِ الْعِلَّتَانِ مَعًا أَوْ تَرَتَّبَا، فَإِنْ كَانَ تَأْثِيرُ الْكُلِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، كَانَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ اخْتِصَاصَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ بِالتَّرْتِيبِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْعِلَّتَيْنِ إِذَا حَصَلَتَا مَعًا، كَانَ فِعْلُهُمَا أَيْضًا مَعًا، فَلَا يُتَصَوَّرُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي فِعْلِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا حَصَلَ شَيْءٌ بَعْدَ حُصُولِهِ مَرَّةً أُخْرَى. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَعِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَلْزِمًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنَ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي التَّرْتِيبِ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، بَلْ بَيَّنَ اسْتِلْزَامَهُ لِمَا هُوَ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: وَأَيْضًا لَمْ يَحْتَجْ فِي لُزُومِ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمِهِ إِلَى تَوَسُّطِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ، وَهُوَ حَقٌّ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْمِثْلَيْنِ أَوْ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ إِنَّمَا يَلْزَمُ مِنَ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ، وَأَمَّا فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ دَلَائِلُ الْأَحْكَامِ فَلَا; لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ دَلِيلَانِ، أَوْ دَلَائِلُ. الثَّالِثُ: لَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ عِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ، لَمَا تَعَلَّقَتِ الْأَئِمَّةُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا بِالتَّرْجِيحِ، يَعْنِي تَرْجِيحَ عِلَلِهَا مِنَ الطَّعْمِ وَالْقُوتِ وَالْكَيْلِ، بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِالتَّرْجِيحِ. بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ: أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ عِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ، صِحَّةَ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا بِالْعِلِّيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ يُنَافِي صِحَّةَ الِاسْتِقْلَالِ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ عِلَّةً، فَلَا وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ. أَجَابَ بِأَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلطَّعْمِ وَالْقُوتِ وَالْكَيْلِ ; لِإِبْطَالِ كَوْنِ الْغَيْرِ عِلَّةً بِالتَّرْجِيحِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ ; لِامْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، بَلْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّحَادِ الْعِلَّةِ هَاهُنَا، أَيْ فِي الرِّبَا، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ - لَزِمَ جَعْلُهَا - أَيْ جَعْلُ عِلَلِ الرِّبَا - أَجْزَاءً لِلْعِلَّةِ ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى اتِّحَادِ الْعِلَّةِ هَاهُنَا، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. فَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرَّاجِحُ لِلْعَلِيَّةِ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا جُزْءَ عِلَّةٍ ; لِأَنَّ جَعْلَ أَحَدِهِمَا عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ مُحَالٌ، وَلَا قَائِلَ بِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا جُزْءَ عِلَّةٍ. ش - قَالَ الْقَاضِي: لَا بُعْدَ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَعَدِّدَةً ; لِأَنَّهُ إِذَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، جُعِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَامَةً لِلْحُكْمِ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ فَإِنَّهَا إِذَا تَعَدَّدَتْ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جُزْءًا لِلْعِلَّةِ; لِأَنَّ الْمُسْتَنْبِطَ إِذَا اسْتَنْبَطَ فِي الْأَصْلِ وَصْفَيْنِ، يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْعِلَّةِ، فَإِنْ عُيِّنَ بِالنَّصِّ عِلِّيَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا، رَجَعَتِ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً، وَالتَّقْدِيرُ بِخِلَافِهِ. وَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ بِالنَّصِّ عِلِّيَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ أُسْنِدَ الْحُكْمُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَزِمَ التَّحَكُّمُ، وَإِنْ أُسْنِدَ إِلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، غَيْرَ مُسْتَغْنٍ، فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يُسْنَدَ الْحُكْمُ إِلَيْهِمَا مَعًا، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءًا لِلْعِلَّةِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مَحَالِّ أَفْرَادِهَا، أَيْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مَحَالِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ، فَيُسْتَنْبَطُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَلَا يَلْزَمُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ كُلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 فَإِنْ عُيِّنَتْ بِالنَّصِّ، رَجَعَتْ مَنْصُوصَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَحَالِّ أَفْرَادِهَا، فَتُسْتَنْبَطُ. ص - الْعَاكِسُ: الْمَنْصُوصَةُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُسْتَنْبَطَةُ وَهْمِيَّةٌ، فَقَدْ يَتَسَاوَى الْإِمْكَانُ، وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ. ص - وَقَالَ الْإِمَامُ: إِنَّهُ النِّهَايَةُ الْقُصْوَى وَفَلَقُ الصُّبْحِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا شَرْعًا، لَوَقَعَ عَادَةً، وَلَوْ نَادِرًا ; لِأَنَّ إِمْكَانَهُ وَاضِحٌ، وَلَوْ وَقَعَ، لَعُلِمَ، ثُمَّ ادَّعَى تَعَدُّدَ الْأَحْكَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ. ص - الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فَالْمُخْتَارُ: كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ. وَقِيلَ: جُزْءٌ، وَقِيلَ: الْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا. لَنَا: لَوْ لَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً، لَكَانَتْ جُزْءًا، أَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ، وَالثَّانِي لِلتَّحَكُّمِ. وَأَيْضًا: لَامْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحِدٍ مِنْهَا وَعَدَمُ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَلَا يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: " الْمُسْتَنْبَطَةِ إِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً، يَلْزَمُ الْجُزْئِيَّةَ " أَنَّهُ يَلْزَمُ الْجُزْئِيَّةَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، أَوْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ، لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَيْضًا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَدِلَّةٌ، وَيَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ. ش - الْعَاكِسُ - أَيِ الْقَائِلُ بِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ - احْتَجَّ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ قَطْعِيَّةٌ، فَلَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ، أَوْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ. وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطَةُ فِعِلِّيَّتُهَا وَهْمِيَّةٌ، أَيْ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ، فَقَدْ يَتَسَاوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْإِمْكَانُ، أَيْ إِمْكَانُ التَّعْلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يُمْكِنُ أَلَّا يُجْعَلَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا عِلَّةً، لِبَقَاءِ الْحُكْمِ بِلَا عِلَّةٍ، وَلَا أَنْ يُجْعَلَ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِلتَّسَاوِي، وَلَا أَنْ يُجْعَلَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً ; لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ فِي مَحَالِّ أَفْرَادِهَا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَنْصُوصَةَ قَطْعِيَّةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مُحَالٌ ; لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ دَلَائِلُ، وَيَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ. ش - قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِمْكَانُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَقْلًا وَامْتِنَاعُهُ شَرْعًا هُوَ النِّهَايَةُ الْقُصْوَى وَفَلَقُ الصُّبْحِ فِي الْوُضُوحِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ شَرْعًا، لَوَقَعَ عَادَةً، وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ ; لِأَنَّ إِمْكَانَهُ عَقْلًا وَاضِحٌ، وَلَوْ وَقَعَ، لَعُلِمَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَلَمْ يَقَعْ، فَيَكُونُ مُمْتَنِعًا ضَرْعًا. ثُمَّ ادَّعَى الْإِمَامُ تَعَدُّدَ الْأَحْكَامِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُقُوعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ، لَا الشَّرْعِيُّ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ، وَالتَّعَدُّدُ فِي الْإِضَافَةِ، لَا فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ مَعْلُومًا، لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهُ. ش - الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ، اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَتِ الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ، كَاجْتِمَاعِ اللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَالْمَذْيِ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ جُزْءُ عِلَّةٍ، وَقِيلَ: الْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ لَوْ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً، لَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ جُزْءَ عِلَّةٍ، أَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ التَّالِيَيْنِ بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ ; إِذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي الْأَوَّلَ ; فَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ جُزْءًا، لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِلَّةً، وَقَدْ ثَبَتَ الِاسْتِقْلَالُ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي الثَّانِيَ فَلِلُزُومِ التَّحَكُّمِ ; إِذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةً. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ثُبُوتُ الِاسْتِقْلَالِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ، لَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ، فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ التَّالِي الْأَوَّلَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 ص - الْقَائِلُ بِالْجُزْءِ: لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُسْتَقِلَّةً، لَاجْتَمَعَ الْمِثْلَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَيْضًا: لَزِمَ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ بِالْجَمِيعِ، فَهُوَ الْمُدَّعَى، وَإِلَّا لَزِمَ التَّحَكُّمُ. وَأُجِيبَ: ثَبَتَ بِالْجَمِيعِ، كَالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ. ص - الْقَائِلُ لَا بِعَيْنِهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، لَزِمَ التَّحَكُّمُ أَوِ الْجُزْئِيَّةُ، فَتَتَعَيَّنُ. ص - وَالْمُخْتَارُ: جَوَازُ تَعْلِيلِ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، امْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَدِلَّةٌ لِلْحُكْمِ. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جُزْءُ الْعِلَّةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ احْتَجَّ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ وَانْتِفَاءِ التَّالِي. وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي لِلْمَانِعِينَ مِنْ جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَلَا يَحْصُلُ مُدَّعَى الْقَائِلِ بِالْجُزْءِ إِلَّا بَعْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] انْضِمَامِ أَمْرٍ آخَرَ إِلَى هَذَا الدَّلِيلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عِلَّةً، لَزِمَ التَّحَكُّمُ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، لَزِمَ التَّحَكُّمُ، وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْحُكْمَ إِنْ ثَبَتَ بِالْجَمِيعِ، فَيَكُونُ الْعِلَّةُ الْجَمِيعَ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جُزْؤُهُ، وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالْجَمِيعِ، لَزِمَ التَّحَكُّمُ لِثُبُوتِهِ بِوَاحِدَةٍ حِينَئِذٍ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْجَمِيعِ بِمَعْنَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، كَالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَدْلُولَ يَثْبُتُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَلَا يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهَا، احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا، لَزِمَ التَّحَكُّمُ أَوِ الْجُزْئِيَّةُ. وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ مِمَّا سَبَقَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِجَوَابِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ. [تعليل حكمين بعلة] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْلِيلِ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ. وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمَيْنِ بِأَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذْ لَا امْتِنَاعَ فِي نَصْبِ أَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ لِحُكْمَيْنِ، كَغُرُوبِ الشَّمْسِ لِجَوَازِ الْإِفْطَارِ، وَوُجُوبِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَاعِثِ وَالْأَمَارَةِ أَنَّ الْبَاعِثَ وَصْفٌ ضَابِطٌ لِحِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، وَالْأَمَارَةُ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ تَكُونُ مُعَرِّفَةً لِلْحُكْمِ. وَاحْتُجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي مُنَاسَبَةِ وَصْفِ وَاحِدٍ لِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَالْإِسْكَارِ الْمُنَاسِبِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ. ش - الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، قَالُوا: لَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْحُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وَأَمَّا الْأَمَارَةُ فَاتِّفَاقٌ. لَنَا: لَا بُعْدَ فِي مُنَاسَبَةِ وَصْفِ وَاحِدٍ لِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. ص - قَالُوا: يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَصَّلَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِمَّا يَحْصُلُ أُخْرَى، أَوْ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِهِمَا. ص - وَمِنْهَا أَنْ لَا تَتَأَخَّرَ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ. لَنَا: لَوْ تَأَخَّرَتْ، لَثَبَتَ الْحُكْمُ بِغَيْرِ بَاعِثٍ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ. بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ أَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ حَصَلَ الْحِكْمَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْعِلَّةُ، فَالْحُكْمُ الثَّانِي إِنْ لَمْ يُحَصِّلْهَا، لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ عِلَّةً لَهُ، وَإِنْ حَصَّلَهَا، يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّانِيَ إِمَّا يَحْصُلُ حِكْمَةٌ أُخْرَى، أَوْ لَا تَحْصُلُ الْحِكْمَةُ إِلَّا بِالْحُكْمَيْنِ، وَالَّتِي تَحْصُلُ مِنَ الْوَاحِدِ هِيَ جُزْءُ الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الْغَرَضَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنْ غَرَضَيْنِ، فَيَحْصُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَمْرٍ، وَالْمَجْمُوعُ يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُكُمُ الْحُكْمُ الثَّانِي يَحْصُلُ حِكْمَةٌ أُخْرَى يُنَافِي أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ ; فَإِنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّ الْبَاعِثَ وَاحِدٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَحْدَةِ الْبَاعِثِ وَحْدَةُ الْحِكْمَةِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ مُتَعَدِّدَةً، وَلَا يَكُونُ الْوَصْفُ إِلَّا ضَابِطًا لِإِحْدَاهُمَا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْبَاعِثُ وَاحِدًا مَعَ تَعَدُّدِ الْحِكْمَةِ. ش - وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَلَّا يَتَأَخَّرَ وُجُودُهَا عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ وَجُودُهَا عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِغَيْرِ بَاعِثٍ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْحُكْمِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْحُكْمِ بِدُونِ الْبَاعِثِ مُحَالٌ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الْأَمَارَةَ لَا الْبَاعِثَةَ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ تَأَخُّرُهَا عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ كَوْنُ الْعِلَّةِ أَمَارَةً، يَلْزَمُ تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ بِتَقْدِيرِ تَأَخُّرِهِ ; لِأَنَّ الْأَمَارَةَ لَا فَائِدَةَ لَهَا إِلَّا تَعْرِيفَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ عُرِّفَ بِالنَّصِّ، فَيَكُونُ تَعْرِيفُهُ بِالْأَمَارَةِ تَعْرِيفَ الْمُعَرَّفِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ الْأَمَارَةِ تَعْرِيفَ حُكْمِ الْفَرْعِ، فَلَا يَكُونُ تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَمَارَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لِمَا سَبَقَ. مِثَالٌ: تَأَخُّرُ الْعِلَّةِ عَنِ الْحُكْمِ تَعْلِيلُ وِلَايَةِ الْأَبِّ عَلَى الصَّغِيرِ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ بِالْجُنُونِ ; لِأَنَّهُ قَبْلَ عُرُوضِ الْجُنُونِ ثَبَتَ الْوِلَايَةُ، فَتَأَخَّرَ الْجُنُونُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ عَنِ الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وَإِنْ قُدِّرَتْ أَمَارَةٌ، فَتَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ. ص - وَمِنْهَا: وَأَنْ لَا تَرْجِعَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ بِالْإِبْطَالِ. ص - وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُسْتَنْبَطَةُ بِمُعَارِضٍ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ: وَلَا فِي الْفَرْعِ، وَقِيلَ: مَعَ تَرْجِيحِ الْمُعَارِضِ، وَأَنْ لَا تُخَالِفَ نَصًّا وَلَا إِجْمَاعًا، وَأَنْ لَا تَتَضَمَّنَ الْمُسْتَنْبَطَةُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْحُكْمُ. ش - وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ لَا تَكُونَ مُبْطِلَةً لِحُكْمِ الْأَصْلِ ; لِأَنَّهَا إِذَا أَبْطَلَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ، يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ ; لِأَنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ. مِثَالُهُ: تَعْلِيلُ وُجُوبِ الشَّاةِ عَلَى التَّعْيِينِ فِي الزَّكَاةِ بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ يَقْتَضِي بُطْلَانَ حُكْمِ الْأَصْلِ ; لِأَنَّ دَفْعَ حَاجَةِ الْفَقِيرِ كَمَا يُمْكِنُ بِوُجُوبِ الشَّاةِ، كَذَلِكَ يُمْكِنُ بِوُجُوبِ قِيمَتِهَا، فَلَوْ عُلِّلَ الْوُجُوبُ بِدَفْعِ الْحَاجَةِ، يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ وُجُوبِ الشَّاةِ عَلَى التَّعْيِينِ. ش - وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُسْتَنْبَطَةُ مُعَارَضَةً بِوَصْفٍ آخَرَ، صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ، يُوجَدُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمُعَارِضُ هُوَ الْعِلَّةُ، أَوِ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُهَا، وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ. فَإِنْ قُلْتَ: مَذْهَبُهُ جَوَازُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ. فَحِينَئِذٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمُعَارِضِ فِي الْفَرْعِ، عَدَمُ الْحُكْمِ فِيهِ ; لِوُجُودِ عِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي الْفَرْعِ. أُجِيبَ: جَوَازُ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَلَا الظَّنُّ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعِلَّةُ هُوَ الْمَجْمُوعُ أَوِ الْمُعَارِضُ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ فَقَطْ. وَقِيلَ: مِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَصْفٌ مُعَارِضٌ، لَا فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْفَرْعِ، أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَلِمَا ذَكَرَهُ، وَأَمَّا فِي الْفَرْعِ ; فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عِلَّةِ الْأَصْلِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، وَمَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ فِي الْفَرْعِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وَقِيلَ: إِنْ نَافَتْ مُقْتَضَاهُ، وَأَنْ يَكُونَ دَلِيلُهَا شَرْعِيًّا. ص - وَأَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُهَا مُتَنَاوِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ بِعُمُومِهِ أَوْ بِخُصُوصِهِ، مِثْلَ: «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» ، أَوْ " مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ ".   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْحَقُّ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ فِي الْفَرْعِ، إِنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا لِعِلَّةِ الْأَصْلِ، أَنْ لَوْ كَانَ الْمُعَارِضُ مُوجِبًا لِإِلْحَاقِ الْفَرْعِ بِأَصْلٍ آخَرَ، وَلَا تَرْجِيحَ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ. وَقِيلَ: انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ إِنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا إِذَا كَانَ الْمُعَارِضُ رَاجِحًا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، إِذِ الْمُعَارِضُ الْمُسَاوِي يَمْنَعُ الْعِلَّةَ أَيْضًا. وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ لَا تُخَالِفَ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا ; لِأَنَّ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ أَوْلَى مِنَ الْقِيَاسِ. وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ لَا تَتَضَمَّنَ الْمُسْتَنْبَطَةُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، أَيْ إِذَا دَلَّ النَّصُّ عَلَى عِلِّيَّةِ وَصْفٍ، وَالِاسْتِنْبَاطُ زَادَ قَيْدًا عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ، لَمْ يَجُزِ التَّعْلِيلُ بِهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَتَضَمَّنَ الْمُسْتَنْبَطَةُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، إِنْ نَافَتِ الزِّيَادَةُ مُقْتَضَى النَّصِّ ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إِذَا كَانَتْ وَصْفًا مُسَاوِيًا لِلْمَنْصُوصَةِ، لَا تَكُونُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مُخَالِفَةً لِلْمَنْصُوصَةِ، فَلَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ. وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُهَا شَرْعِيًّا ; لِأَنَّ دَلِيلَهَا لَوْ كَانَ غَيْرَ شَرْعِيٍّ، يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقِيَاسُ شَرْعِيًّا. ش - وَمِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ عِلِّيَّتِهَا مُتَنَاوِلًا حُكْمَ الْفَرْعِ، إِمَّا بِطْرِيقِ الْعُمُومِ بِأَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ، أَوْ لِغَيْرِهِ. كَمَا إِذَا قِيلَ: الْفَوَاكِهُ مَطْعُومَةٌ فَيَجْرِي فِيهِ الرِّبَا قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، ثُمَّ يَثْبُتُ عِلِّيَّةُ الطَّعْمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» ، فَإِنَّهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الطَّعْمِ بِالْإِيمَاءِ، يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ الْفَوَاكِهِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ ; لِتَنَاوُلِهِ حُكْمَ غَيْرِ الْفَوَاكِهِ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ بِأَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِصُورَةِ الْفَرْعِ فَقَطْ. كَمَا إِذَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ: خَارِجُ نَجَسٍ، فَيَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ قِيَاسًا عَلَى الْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ عِلِّيَّةَ الْخَارِجِ مِنَ النَّجَسِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ، فَلْيَتَوَضَّأْ» . فَإِنَّهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْخَارِجِ النَّجِسِ، يَدُلُّ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 لَنَا: تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَرُجُوعٌ. قَالُوا: مُنَاقَشَةٌ جَدَلِيَّةٌ. ص - وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ كَوْنِهَا حُكْمًا شَرْعِيًّا إِنْ كَانَ بَاعِثًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ، لَا لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ كَالنَّجَاسَةِ فِي عِلَّةِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ. ص - وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْوَصْفِ وَوُقُوعِهِ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. لَنَا: أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْوَاحِدُ يَثْبُتُ بِهِ الْمُتَعَدِّدُ مِنْ نَصٍّ، أَوْ مُنَاسَبَةٍ، أَوْ شَبَهٍ، أَوْ سَبْرٍ، أَوِ اسْتِنْبَاطٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حُكْمِ الْفَرْعِ بِخُصُوصِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ. وَاحْتُجَّ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ مُتَنَاوِلًا حُكْمَ الْفَرْعِ، لَكَانَ الْقِيَاسُ تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ; لِأَنَّ إِثْبَاتَ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالدَّلِيلِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ، وَالدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطٍ، وَالْقِيَاسُ يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ بِتَوَسُّطٍ، فَالْإِثْبَاتُ بِالْقِيَاسِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَمَعَ هَذَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ عَنِ الْقِيَاسِ; لِأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ، لَا بِالْعِلَّةِ، فَيَكُونُ رُجُوعًا عَنِ الْقِيَاسِ. الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ قَالُوا: مَنْعُ الْقِيَاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مُنَاقَشَةٌ جَدَلِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْقِيَاسِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مُغَايِرٌ دَلَالَةَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهَا دَلَالَةُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ، فَمَنْعُ الْقِيَاسِ لِتَوَقُّفِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ مُنَاقَشَةٌ جَدَلِيَّةٌ. [تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ كَوْنِ الْعِلَّةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ قَدْ يَدُورُ مَعَ حُكْمٍ آخَرَ وَجُودًا وَعَدَمًا، وَالدَّوَرَانُ آيَةُ كَوْنِ الْمُدَارِ عِلَّةً لِلدَّائِرِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الْمُعَلَّلَ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً لَهُ، أَوْ مُتَأَخِّرًا، أَوْ مَعَهُ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ; لِاسْتِحَالَةِ تَقَدُّمِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَكَذَا الثَّانِي ; لِاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْمَعْلُولِ عَنِ الْعِلَّةِ. وَكَذَا الثَّالِثُ، إِذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِتَعْلِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. أُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ، وَعَنِ الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِجَعْلِ أَحَدِهِمَا عِلَّةً ; لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، فَحِيئَنِذٍ يَكُونُ الْمُنَاسِبُ أَوْلَى بِالْعِلِّيَّةِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الْمَجْعُولَ عِلَّةً، إِنْ كَانَ بَاعِثًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ، جَازَ التَّعْلِيلُ بِهِ، إِذْ لَا اسْتِبْعَادَ فِي أَنْ يَكُونَ تَرَتُّبُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مُسْتَلْزِمًا حُصُولَ مَصْلَحَةٍ، لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا أَحَدُهُمَا، وَذَلِكَ كَالنَّجَاسَةِ فِي عِلَّةِ بُطْلَانِ بِيعِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ حُرْمَةُ الْبَيْعِ عَلَى النَّجَاسَةِ الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَيَحْصُلُ التَّنَزُّهُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاعِثًا - أَوْ كَانَ، لَكِنْ لَا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ، بَلْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ لَازِمَةٍ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ - لَمْ يَجُزْ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَاعِثًا، فَلِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالتَّعْلِيلِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَاعِثًا لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ ; فَلِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ لَوْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَفْسَدَةِ، لَمَا شَرَعَهُ الشَّارِعُ. [تعداد الوصف ووقوعه] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ أَوْصَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى مَذْهَبَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْوَصْفِ وَوُقُوعِهِ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلْقِصَاصِ. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ كَوْنُ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ عِلَّةً، ثَبَتَ بِهِ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُرَكَّبِ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُتَعَدِّدَةِ عِلَّةً، فَكَمَا صَحَّ فِي الْوَاحِدِ، صَحَّ فِي الْمُرَكَّبِ. قَوْلُهُ: " مِنْ نَصٍّ أَوْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ شَبَهٍ أَوْ سَبْرٍ أَوِ اسْتِنْبَاطٍ " بَيَانٌ لِلْوُجُوهِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْعِلَّةُ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُرَكَّبَةً احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ صَحَّ تَرَكُّبُ الْعِلَّةِ مَعَ أَوْصَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ، لَكَانَتِ الْعِلِّيَّةُ صِفَةً زَائِدَةً عَلَى مَجْمُوعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ; فَلِأَنَّا نَعْقِلُ مَجْمُوعَ تِلْكَ الْأَوْصَافِ، وَنَجْهَلُ كَوْنَهَا عِلَّةً، وَالْمَجْهُولُ غَيْرُ الْمَعْلُومِ، وَغَيْرُ جُزْئِهِ، فَتَكُونُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 ص - قَالُوا: لَوْ صَحَّ تَرَكُّبُهَا، لَكَانَتِ الْعِلِّيَّةُ صِفَةً زَائِدَةً ; لِأَنَّا نَعْقِلُ الْمَجْمُوعَ وَنَجْهَلُ كَوْنَهَا عِلَّةً، وَالْمَجْهُولُ غَيْرُ الْمَعْلُومِ، وَتَقْرِيرُ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا إِنْ قَامَتْ بِكُلِّ جُزْءٍ، فَكُلُّ جُزْءٍ عِلَّةٌ، وَإِنْ قَامَتْ بِجُزْءٍ، فَهُوَ الْعِلَّةُ. وَأُجِيبَ بِجَرَيَانِهِ فِي الْمُتَعَدِّدِ بِأَنَّهُ خَبَرٌ أَوِ اسْتِخْبَارٌ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَعْنَى الْعِلَّةِ: مَا قَضَى الشَّارِعُ بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ لِلْحِكْمَةِ، لَا أَنَّهَا صِفَةٌ زَائِدَةٌ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وَلَوْ سُلِّمَ، فَلَيْسَتْ وُجُودِيَّةً ; لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْمَعْنَى بِالْمَعْنِيِّ. قَالُوا: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ كُلِّ جُزْءٍ عِلَّةً لِعَدَمِ صِفَةِ الْعِلِّيَّةِ; لِانْتِفَائِهَا بِعَدَمِهِ، وَيَلْزَمُ نَقْضُهَا بِعَدَمٍ ثَانٍ بَعْدَ أَوَّلَ ; لِاسْتِحَالَةِ تَجَدُّدِ عَدَمِ الْعَدَمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجُزْءِ عَدَمُ شَرْطِ الْعِلِّيَّةِ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَهُوَ كَالْبَوْلِ بَعْدَ اللَّمْسِ وَعَكْسِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهَا عَلَامَاتٌ، فَلَا بُعْدَ فِي اجْتِمَاعِهَا ضَرْبَةً وَمُتَرَتِّبَةً، فَيَجِبُ ذَلِكَ. ص - وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِالْأَصْلِ، وَلَا انْتِفَاءُ مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ صَحَابِيٍّ، وَلَا الْقَطْعُ بِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي الثَّلَاثَةِ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعِلَّةُ زَائِدَةً. وَأَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَتَقْرِيرُ الثَّانِيَةِ ; فَلِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ إِنْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ، يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ عِلَّةً، وَإِنْ قَامَتْ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ الْعِلَّةُ، وَقَدْ فُرِضَ بِخِلَافِهَا. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلِّيَّةُ قَائِمَةً بِالْمَجْمُوعِ، مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمْ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا إِنْ قَامَتْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، فَلَا بُدَّ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ وَحْدَةٍ بِهَا يَكُونُ الْمَجْمُوعُ مَجْمُوعًا، وَيُنْقَلُ الْكَلَامُ مِنَ الْعِلِّيَّةِ إِلَى تِلْكَ الْوَحْدَةِ، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْوَحْدَةَ مِنَ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، وَالتَّسَلْسُلُ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ لَا يَكُونُ مُحَالًا. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ، فَإِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ بِعَيْنِهِ يَجْرِي فِي كَوْنِ الْكَلَامِ خَبَرًا وَاسْتِخْبَارًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَكَوْنُهُ خَبَرًا وَاسْتِخْبَارًا صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَامَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ خَبَرًا، وَإِنْ قَامَ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَبَرَ. ثُمَّ بَيَّنَ التَّحْقِيقَ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْعِلِّيَّةِ: قَضَاءُ الشَّارِعِ بِالْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ لِلْحِكْمَةِ، لَا أَنَّ الْعِلِّيَّةَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ، إِذْ قَضَاءُ الشَّارِعِ بِالْحُكْمِ عِنْدَ الْوَصْفِ لَيْسَ صِفَةً لِلْوَصْفِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةً زَائِدَةً. وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الْعِلِّيَّةُ صِفَةً زَائِدَةً، لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْعِلَّةَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ، فَلَيْسَتْ وُجُودِيَّةً، وَإِلَّا يَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى، أَيْ قِيَامُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ ; لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ عَرْضٌ، وَمَجْمُوعُ الْأَوْصَافِ أَيْضًا عَرْضٌ، فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، وَهُوَ مُحَالٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَكَّبُ مِنَ الْأَوْصَافِ عِلَّةً، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ كُلٍّ مِنْهُ عِلَّةً ; لِعَدَمِ صِفَةِ الْعِلِّيَّةِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِانْتِفَاءِ صِفَةِ الْعِلِّيَّةِ بِانْتِفَاءِ كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الْمُرَكَّبِ ; لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْمُرَكَّبِ ; لِأَنَّ الصِّفَةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الذَّاتِ، وَالْمُرَكَّبَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي ; فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَقْضُ عِلِّيَّةِ عَدَمِ كُلِّ جُزْءٍ لِعَدَمِ صِفَةِ الْعِلِّيَّةِ، أَيْ يَلْزَمُ تَحَقُّقُ عَدَمِ الْجُزْءِ بِدُونِ عَدَمِ صِفَةِ الْعِلِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ عُدِمَ جُزْءٌ ثَانٍ بَعْدِ انْعِدَامِ جُزْءٍ أَوَّلٍ، يَلْزَمُ عَدَمُ الْعِلِّيَّةِ بِانْعِدَامِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَنْعَدِمُ الْعِلَّةُ بِعَدَمِ الْجُزْءِ الثَّانِي ; لِاسْتِحَالَةِ تَجَدُّدِ عَدَمِ الْمَعْدُومِ ; لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُعْدَمُ. أَجَابَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجُزْءِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ ; لِأَنَّ وُجُودَ كُلِّ جُزْءٍ شَرْطٌ لِلْعَلِيَّةِ، وَعَدَمُ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْمَشْرُوطِ، فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الْجُزْءِ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ، فَلَا يَلْزَمُ النَّقْضُ، وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ عَدَمَ كُلِّ جُزْءٍ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ، فَهُوَ كَوُقُوعِ الْبَوْلِ بَعْدَ اللَّمْسِ، وَبِالْعَكْسِ، أَيْ وُقُوعُ اللَّمْسِ بَعْدَ الْبَوْلِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةً لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ. وَوَجْهُهُ أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَامَاتٌ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا بُعْدَ فِي اجْتِمَاعِ الْعَلَامَاتِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ، فَلَا يَلْزَمُ النَّقْضُ. قَوْلُهُ: فَيَجِبُ ذَلِكَ، أَيْ حَتَّى يَجِبَ النَّقْضُ. ش - لَا يُشْتَرَطُ فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ كَوْنُ حُكْمِ الْأَصْلِ مَقْطُوعًا ; لِجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلٍ ثَبَتَ حُكْمُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ ; لِأَنَّهُ يُفِيدُ ظَنَّ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ مُخَالَفَةُ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ مُسْتَنِدًا إِلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، فَلَا يَدْفَعُ ظَنُّ الْعِلِّيَّةِ فِيمَا جُعِلَ عِلَّةَ الْأَصْلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ الْقَطْعُ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ ; لِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ. وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ نَفْيُ مُعَارِضِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَلَا نَفْيُ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. وَإِذَا كَانَتْ وُجُودَ مَانِعٍ أَوِ انْتِفَاءَ شَرْطٍ، لَمْ يَلْزَمْ وُجُودُ الْمُقْتَضِي. لَنَا: إِنَّهُ إِذَا انْتَفَى الْحُكْمُ مَعَ الْمُقْتَضَى، كَانَ مَعَ عَدَمِهِ أَجْدَرَ. قَالُوا: إِنْ لَمْ يَكُنْ، فَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهِ. قُلْنَا: أَدِلَّةٌ مُتَعَدِّدَةٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الشَّافِعِيَّةُ: حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا الْبَاعِثَةُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ. وَالْحَنَفِيَّةُ: بِالنَّصِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّصَّ عُرْفُ الْمَعْنَى، فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قِيلَ: هَذَا عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ نَفْيَ الْمُعَارِضِ شَرْطٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ ثَمَّةَ شَرْطٌ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ نَفْيُ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ. وَهَاهُنَا لَمْ يُشْتَرَطْ نَفْيُ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعًا فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ مُطْلَقًا، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ وُجُودِ مَانِعٍ، كَعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَبِّ لِوُجُودِ الْمَانِعِ، أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ، كَعَدَمِ وُجُوبِ الرَّجْمِ ; لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وُجُودُ الْمُقْتَضِي، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا انْتَفَى مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لِوُجُودِ مَانِعٍ أَوِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ، كَانَ انْتِفَاؤُهُ مَعَ عَدَمِ الْمُقْتَضِي لِأَحَدِهِمَا أَجْدَرَ. الْقَائِلُونَ بِلُزُومِ وُجُودِ الْمُقْتَضِي قَالُوا: إِنْ لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْمُقْتَضِي، فَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي، لَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ أَوِ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ. أَجَابَ بِأَنَّ عَدَمَ الْمُقْتَضِي، وَوُجُودَ الْمَانِعِ، وَانْتِفَاءَ الشَّرْطِ أَدِلَّةٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ أَدِلَّةٌ مُتَعَدِّدَةٌ. [هل الحكم ثابت بالعلة أو بالنص] ش - ذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ. وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ النَّصَّ مُعَرِّفٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمَا فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ كَوْنَ الْعِلَّةِ بَاعِثَةً عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لَا يُنَافِي كَوْنَ النَّصِّ مُعَرِّفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ. [من أركان القياس الفرع] [شُرُوطُ الْفَرْعِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 ص - شُرُوطُ الْفَرْعِ: مِنْهَا: أَنْ يُسَاوِيَ فِي الْعِلَّةِ عِلَّةَ الْأَصْلِ فِيمَا يَقْصِدُ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ جِنْسٍ كَالشِّدَّةِ فِي النَّبِيذِ، وَكَالْجِنَايَةِ فِي قِصَاصِ الْأَطْرَافِ عَلَى النَّفْسِ. ص - وَأَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِنْسٍ، كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْمُحَدَّدِ، وَكَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ فِي الصَّغِيرَةِ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهَا فِي الْمَالِ. ص - وَأَنْ لَا يَكُونَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا مُتَقَدِّمًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي النِّيَّةِ ; لِمَا يَلْزَمُ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ ; لِتَأَخُّرِ الْأَصْلِ. نَعَمْ، يَكُونُ إِلْزَامًا. وَقِيلَ: وَأَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ فِي الْجُمْلَةِ، لَا التَّفْصِيلُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ قَاسُوا (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ) عَلَى الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ وَالظِّهَارِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنْهَا: أَنْ يُسَاوِيَ الْفَرْعُ فِي الْعِلَّةِ عِلَّةَ الْأَصْلِ، أَيْ يَكُونُ عِلَّةُ حُكْمِ الْفَرْعِ مُتَسَاوِيَةً لِعِلَّةِ الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ فِي الْعِلَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الْمَقْصُودُ عَيْنَ الْعِلَّةِ، كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ الَّتِي هِيَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ مُتَسَاوِيَةٌ لِعِلَّةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الَّتِي هِيَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ، وَعَيْنُ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ مَقْصُودَةٌ. أَوْ جِنْسَهَا، كَالْجِنَايَةِ فِي قِيَاسِ قِصَاصِ الْأَطْرَافِ عَلَى قِصَاصِ النَّفْسِ، فَإِنَّ عِلَّةَ قِصَاصِ الْأَطْرَافِ مُسَاوِيَةٌ لِعِلَّةِ قِصَاصِ النَّفْسِ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ، وَالْجِنَايَةُ جِنْسُ عِلَّةِ قِصَاصِ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ عِلَّةَ الْفَرْعِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُسَاوِيَةً لِعِلَّةِ الْأَصْلِ فِي الْمَقْصُودِ، لَمْ يَتَحَقَّقْ مَا هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ، فَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ مِنَ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ. ش - وَمِنْ شَرَائِطِ الْفَرْعِ أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ وَسِيلَةً لِلْحِكْمَةِ مِنْ عَيْنِ الْحُكْمِ، أَوْ مِنْ جِنْسِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَوَّلُ: كَقِيَاسِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْمُحَدَّدِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْمُثْقَلِ بِعَيْنِهِ يُسَاوِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْمُحَدَّدِ. وَالثَّانِي: كَقِيَاسِ الْوِلَايَةِ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْوِلَايَةِ فِي مَالِهَا، فَإِنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ مُسَاوِيَةٌ لِوِلَايَةِ الْمَالِ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ. ش - وَمِنْ شَرَائِطِ الْفَرْعِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَكَانَ ثَابِتًا بِالنَّصِّ، لَا بِالْقِيَاسِ. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ مُقَدَّمًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي النِّيَّةِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ مُتَقَدَّمٌ عَلَى التَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّمْ حُكْمُ الْفَرْعِ عَلَى حُكْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَصْلِ، يَلْزَمُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ ; لِأَنَّ عِلَّتَهُ لِكَوْنِهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَحُكْمُ الْأَصْلِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ، فَيَلْزَمُ تَأَخُّرُ عِلَّةِ الْفَرْعِ عَنْ حُكْمِهِ بِمَرْتَبَتَيْنِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. نَعَمْ، يَصِحُّ أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ إِلْزَامًا لِلْخَصْمِ. قِيلَ: وَمِنَ الشَّرَائِطِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، لَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ; لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ قَاسُوا (أَنْتِ حَرَامٌ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ وَالظِّهَارِ) ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْفَرْعُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا. [مَسَالِكُ الْعِلَّةِ] [المسلك الأول والثاني الإجماع والنص] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ وَشَرَائِطِهَا، شَرَعَ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ، وَهِيَ الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ. الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: الْإِجْمَاعُ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 مَسَالِكُ الْعِلَّةِ ص - مَسَالِكُ الْعِلَّةِ، الْإِجْمَاعُ، النَّصُّ. الْأَوَّلُ: الْإِجْمَاعُ. الثَّانِي: النَّصُّ، وَهُوَ مَرَاتِبُ: صَرِيحٌ، مِثْلُ: لِعِلَّةِ كَذَا، أَوْ لِسَبَبِ، أَوْ لِأَجَلِ، أَوْ مِنْ أَجْلِ، أَوْ كَيْ، أَوْ إِذًا. وَمِثْلُ: لِكَذَا، أَوْ إِنْ كَانَ كَذَا، أَوْ بِكَذَا. أَوْ مِثْلُ: فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ، فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا. وَمِثْلُ قَوْلِ الرَّاوِي: سَهَا فَسَجَدَ، وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ، سَوَاءٌ الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ لَمْ يَقُلْهُ. ص - وَتَنْبِيهٌ وَإِيمَاءٌ، وَهُوَ الِاقْتِرَانُ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، أَوْ نَظِيرُهُ لِلتَّعْلِيلِ، كَانَ بَعِيدًا، مِثْلُ: وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً. كَأَنَّهُ قِيلَ: إِذَا وَاقَعْتَ فَكَفِّرْ. فَإِنْ حَذَفَ بَعْضَ الْأَوْصَافِ، فَتَنْقِيحٌ. ص - وَمِثْلُ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا إِذًا.» وَمِثَالُ النَّظِيرِ: لَمَّا سَأَلَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ: «إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ، وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَيَنْفَعُهُ إِنْ حَجَجْتُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ.» فَنَظِيرُهُ فِي الْمَسْئُولِ كَذَلِكَ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْعِلَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ، ثُمَّ مَجَجْتَهُ، أَكَانَ ذَلِكَ مُفْسِدًا؟ فَقَالَ: لَا» . مِنْ ذَلِكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ - سَوَاءٌ كَانَ الْإِجْمَاعُ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا - يُثْبِتُ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ، كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى كَوْنِ الصِّغَرِ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فِي قِيَاسِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ عَلَى وِلَايَةِ الْمَالِ. الْمَسْلَكُ الثَّانِي: النَّصُّ، وَهُوَ أَنْ يُذْكَرَ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، وَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ: الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: الصَّرِيحُ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ بِالْوَضْعِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ لَا يَحْتَمِلَ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ، أَوْ يَحْتَمِلَ غَيْرَهَا احْتِمَالًا مَرْجُوحًا. وَالْأُولَى: وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ، أَنْ يَذْكُرَ الْعِلَّةَ بِلَفْظٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ غَيْرُ الْعِلِّيَّةِ، مِثْلُ: " لِعِلَّةِ كَذَا "، " أَوْ لِسَبَبِ كَذَا "، " أَوْ لِأَجْلِ كَذَا "، مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ " مِنْ أَجْلِ كَذَا "، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] . أَوْ " كَيْ "، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ} [الحشر: 7] . وَالدُّولَةُ فِي الْمَالِ، يُقَالُ: صَارَ الْفَيْءُ دُولَةً بَيْنَهُمْ يَتَدَاوَلُونَهُ مَرَّةً لِهَذَا، وَمَرَّةً لِهَذَا. أَوْ " إِذًا "، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا - إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 74 - 75] ، أَيْ ضِعْفَ الْعَذَابِ حَيًّا وَمَيِّتًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا، إِمَّا أَنْ يَذْكُرَ الْعِلَّةَ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ، قَدْ يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ، مِثْلَ: " لِكَذَا "، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . أَوْ " أَنْ "، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ - أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 13 - 14] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْعُتُلُّ: الْغَلِيظُ الْجَافِي. الزَّنِيمُ: الْمُسْتَلْحَقُ بِقَوْمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ اللَّئِيمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِلُؤْمِهِ. أَوْ " بِكَذَا "، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْعِلِّيَّةِ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهَا غَيْرُ الْعِلِّيَّةِ. أَمَّا اللَّامُ، فَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} [الأعراف: 179] ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَاتُ جَهَنَّمَ غَرَضًا بِالِاتِّفَاقِ. وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ: لُدُّوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ. فَإِنَّ اللَّامَ هَاهُنَا لَيْسَتْ لِلْغَرَضِ. وَأَمَّا " أَنْ " فَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ زَيْدًا لِلتَّأْدِيبِ، فَإِنَّ " أَنْ " هَاهُنَا لَا يَكُونُ لِلْغَرَضِ. وَأَمَّا الْبَاءُ ; فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّعْدِيَةِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِمَّا أَنْ تُذْكَرَ الْعِلِّيَّةُ بِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْفَاءِ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُدْخِلَ الْفَاءَ عَلَى الْعِلَّةِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ مُتَقَدِّمًا، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ: «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخُبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» . وَالْكُلُومُ: جَمْعُ الْكَلْمِ، وَهُوَ الْجِرَاحَةُ. وَالْوَدَجُ: عِرْقٌ فِي الْعُنُقِ، وَالْجَمْعُ أَوْدَاجٌ. وَقَوْلُهُ: " تَشْخُبُ "، أَيْ تَتَفَجَّرُ. الثَّانِي: أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ فِي الْحُكْمِ، وَتَكُونُ الْعِلَّةُ مُتَقَدِّمَةً، وَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ عَلَى كَلَامِ الشَّارِعِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي: أَنْ تَدْخُلَ عَلَى رِوَايَةِ الرَّاوِي، كَقَوْلِ الرَّاوِي: «سَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَجَدَ» . وَ «زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ» . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الرَّاوِي الْعَدْلُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْهَمْ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً، لَمْ يَقُلْهُ. ش - الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ النَّصِّ: أَنْ يَدُلَّ النَّصُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ لَا بِالْوَضْعِ، بَلْ بِالتَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ، وَهُوَ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَصْفُ، أَوْ نَظِيرُهُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، كَانَ ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ بَعِيدًا مِنَ الشَّارِعِ. وَالْإِيمَاءُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الرَّسُولِ وَاقِعَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَصْفٍ ; لِيُبَيِّنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُكْمَهَا، فَيَذْكُرُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُكْمَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عُقَيْبَ الرَّفْعِ. مِثْلُ وَاقِعَةِ الْأَعْرَابِيِّ، فَإِنَّ الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا رَفَعَ الْوَاقِعَةَ إِلَى الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ: وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَعْتِقْ رَقَبَةً. فَإِنَّ اقْتِرَانَ إِيجَابِ الْإِعْتَاقِ بِوَصْفِ الْوَدَاعِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيلِ، لَكَانَ بَعِيدًا مِنَ الرَّسُولِ ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يَسْبِقُ فَهْمُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِأَجْلِ الْوِقَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِذَا وَاقَعْتَ، فَكَفِّرْ. فَإِنْ حُذِفَ مِنَ الْوَصْفِ الْمُقْتَرِنِ بِالْحُكْمِ بَعْضُ الْأَوْصَافِ الَّذِي لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ، كَوُرُودِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ، وَكَكَوْنِ ذَلِكَ الشَّخْصِ يُسَمِّي الْإِيمَاءَ: تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ، أَيْ تَنْقِيحَ مَا نَاطَ بِهِ حُكْمُ الشَّارِعِ عَنِ الزَّوَائِدِ. ش - الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ الْإِيمَاءِ: أَنْ يُقَدِّرَ الشَّارِعُ وَصْفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُهُ لِلتَّعْلِيلِ، لَكَانَ تَقْدِيرُهُ مِنَ الشَّارِعِ بَعِيدًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّقْدِيرُ فِي مَحَلِّ السُّؤَالِ، أَوْ فِي نَظِيرِهِ. مِثَالُ التَّقْدِيرِ فِي مَحَلِّ السُّؤَالِ: مَا رُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: فَلَا إِذًا» . فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُ نُقْصَانِ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ لِأَجْلِ التَّعْلِيلِ، لَكَانَ تَقْدِيرُهُ بَعِيدًا ; إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّ الْجَوَابَ يَتِمُّ بِدُونِهِ. مِثَالُ التَّقْدِيرِ فِي نَظِيرِ مَحَلِّ السُّؤَالِ: مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْخَثْعَمِيَّةُ، وَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ، وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَيَنْفَعُهُ إِنْ حَجَجْتُ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ فَقَالَتْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ نَقْضٌ لِمَا تَوَهَّمَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ إِفْسَادِ مُقَدِّمَةِ الْإِفْسَادِ، لَا تَعْلِيلٌ لِمَنْعِ الْإِفْسَادِ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَتَخَيَّلُ مَانِعًا، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ لَا يَفْسُدَ. ص - وَمِثْلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ بِصِفَةٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا، مِثْلُ: «لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ» .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] نَعَمْ. » فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُ قَضَاءِ الدِّينِ عَنِ الْمَيِّتِ لِأَجْلِ تَعْلِيلِ النَّفْعِ بِهِ، لَكَانَ تَقْدِيرُهُ بَعِيدًا. وَلَمَّا كَانَ الْوَصْفُ الْمُقَدَّرُ فِي غَيْرِ الْمَسْئُولِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَظِيرُ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمَسْئُولِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، فَإِنَّ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَنْبِيهًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرٌ لِدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَعَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ. وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ، أَكَانَ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُفْسِدًا؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَا. » فَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ مِنْ مِثَالِ النَّظِيرِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَّرَ الْوَصْفَ فِي نَظِيرِ الْمَسْئُولِ، وَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَنَبَّهَ عَلَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْعِلَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هُوَ نَقْضٌ لِمَا تَوَهَّمَهُ عُمَرُ مِنْ إِفْسَادِ مُقَدِّمَةِ الْإِفْسَادِ، أَيْ تَوَهَّمَ عُمَرُ أَنَّ الْقُبْلَةَ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةُ الْوِقَاعِ الْمُفْسِدِ مُفْسِدٌ، فَنَقَضَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ بِالْمَضْمَضَةِ ; فَإِنَّهَا مُقَدِّمَةُ الشُّرْبِ الْمُفْسِدِ، مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مُفْسِدَةٍ، لَا تَعْلِيلٌ لِمَنْعِ الْإِفْسَادِ، أَيْ لَمْ يُقَدِّرِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَمَضْمُضَ الْمَاءِ لِتَعْلِيلِ مَنْعِ الْإِفْسَادِ ; إِذْ لَيْسَ فِي تَمَضْمُضِ الْمَاءِ مَا يُتَخَيَّلُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ الْإِفْسَادِ، فَإِنَّ مُقَدِّمَةَ الْمُفْسِدِ لَا يُتَخَيَّلُ مِنْهَا مَنْعُ الْإِفْسَادِ، بَلْ غَايَةُ التَّمَضْمُضِ أَنْ لَا يُفْسِدَ ; لِأَنَّ غَايَةَ الْمُقَدِّمَةِ أَنْ لَا تُقَامَ مَقَامَ مَا تَكُونُ مُقَدِّمَةً لَهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَانِعَةً مِمَّا يَقْتَضِيهِ. ش - الثَّالِثُ مِنْ وُجُوهِ الْإِيمَاءِ: أَنْ يُفَرِّقَ الشَّارِعُ بَيْنَ حُكْمَيْنِ، إِمَّا بِصِفَةٍ، وَذَلِكَ عَلَى نَوْعَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِصِفَةٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 أَوْ مَعَ ذِكْرِ أَحَدِهِمَا، مِثْلُ: " الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ "، أَوْ بِغَايَةٍ أَوِ اسْتِثْنَاءٍ، مِثْلُ: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) وَ (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) . ص - وَمِثْلُ ذِكْرِ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ مَعَ الْحُكْمِ، مِثْلُ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» . ص - فَإِنْ ذَكَرَ الْوَصْفَ صَرِيحًا وَالْحُكْمَ مُسْتَنْبَطًا، مِثْلُ: " {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] "، أَوْ بِالْعَكْسِ. فَثَالِثُهَا: الْأَوَّلُ إِيمَاءٌ لَا الثَّانِي. فَالْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِالْحُكْمِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَحَدُهُمَا. وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا، وَالثَّالِثُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُسْتَلْزِمِ لَهُ كَذِكْرِهِ، وَالْحِلُّ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي صِحَّةِ عِلَلِ الْإِيمَاءِ، ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ: إِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ فُهِمَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ اشْتَرَطَتْ. ص - الثَّالِثُ: السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وَهُوَ حَصْرُ الْأَوْصَافِ فِي الْأَصْلِ، وَإِبْطَالُ بَعْضِهَا بِدَلِيلِهِ، فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي. وَيَكْفِي: بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ مَعَ ذِكْرِ أَحَدِهِمَا، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ ". وَإِمَّا بِغَايَةٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ، وَإِمَّا بِاسْتِثْنَاءٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] . فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا دَلَّ الْإِيمَاءُ عَلَى عِلِّيَّةِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ. ش - الرَّابِعُ مِنْ وُجُوهِ الْإِيمَاءِ: أَنْ يُقَيِّدَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ، مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ ". » الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّ تَقْيِيدَ النَّهْيِ عَنِ الْقَضَاءِ بِالْغَضَبِ الْمُشَوِّشِ لِلْفِكْرِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيلِ، لَكَانَ تَقْيِيدُهُ بِهِ بَعِيدًا. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْإِيمَاءِ، شَرَعَ فِي صُورَةٍ مُحْتَمَلَةٍ لِلْإِيمَاءِ وَلِغَيْرِهِ. فَإِنْ ذَكَرَ الشَّارِعُ الْوَصْفَ صَرِيحًا، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ، بَلْ كَانَ مُسْتَنْبَطًا، مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعَالَى: " {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] "، فَإِنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ حِلُّ الْبَيْعِ مَذْكُورٌ صَرِيحًا، وَالْحُكْمُ - وَهُوَ صِحَّةُ الْبَيْعِ - مُسْتَنْبَطٌ مِنَ الْحِلِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوْ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ يَذْكُرَ الْحُكْمَ صَرِيحًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَصْفَ، بَلْ كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِثْلَ: لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ. فَإِنَّ الْحُكْمَ، وَهُوَ النَّهْيُ عَنِ الرِّبَا صَرِيحٌ، وَالْعِلَّةُ غَيْرُ صَرِيحَةٍ، بَلْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي إِيمَاءٌ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِإِيمَاءٍ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْأَوَّلَ إِيمَاءٌ لَا الثَّانِي. فَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ، وَالِاقْتِرَانُ حَاصِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ وَالْوَصْفُ مَذْكُورَيْنِ صَرِيحًا، أَوْ أَحَدُهُمَا مَذْكُورًا صَرِيحًا، وَالْآخَرُ مُقَدَّرًا. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ صَرِيحًا. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُسْتَلْزَمِ لِلشَّيْءِ كَذِكْرِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَوَّلُ إِيمَاءً لَا الثَّانِي ; لِأَنَّ الْحِلَّ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ. فَذِكْرُ الْحِلِّ كَذِكْرِ الصِّحَّةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ وَالْوَصْفُ مَذْكُورَيْنِ، فَيَكُونُ إِيمَاءً، بِخِلَافِ الثَّانِي، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِتَعْلِيلِهِ بِالْوَصْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُسْتَنْبَطِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا لَا يَكُونُ مُسْتَلْزِمَةً لِتَعْلِيلِهَا بِالْوَزْنِ أَوِ الطَّعَامِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا: لَا يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا. وَثَانِيهَا: يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا: الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمُنَاسَبَةُ إِنْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، كَمَا فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ وُجُوهِ الْإِيمَاءِ. وَإِنْ لَمْ يُفْهَمِ التَّعْلِيلُ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لَا يُشْتَرَطُ ; لِأَنَّهُ لَوْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، امْتَنَعَ فَهْمُ التَّعْلِيلِ بِدُونِ الْمُنَاسَبَةِ فَيَكُونُ الْمُنَاسَبَةُ شَرْطًا، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَفْهَمِ التَّعْلِيلَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا فِي إِفَادَةِ التَّعْلِيلِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ. [المسلك الثالث السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ] ش - الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وَهُوَ حَصْرُ الْأَوْصَافِ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَإِبْطَالُ بَعْضِهَا، فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعَلِيَّةِ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُ حَصْرِ الْأَوْصَافِ بِالتَّرْدِيدِ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَلَا بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ: بَحَثْتُ عَنِ الْأَوْصَافِ فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَ مَا ذُكِرَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا. فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ، لَزِمَ الْمُسْتَدِلَّ إِبْطَالُ ذَلِكَ الْوَصْفِ حَتَّى يَتِمَّ اسْتِدْلَالُهُ، وَلَا يَلْزَمُ انْقِطَاعُ الْمُسْتَدِلِّ لِأَنَّهُ أَبْطَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوَّلًا. هَذَا إِذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا عَلَى غَيْرِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُجْتَهِدًا، فَيَرْجِعُ إِلَى ظَنِّهِ، فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حَصْرُ الْأَوْصَافِ وَبُطْلَانُ الْبَعْضِ كَفَاهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ، لَزِمَ إِبْطَالُهُ لَا انْقِطَاعُهُ، وَالْمُجْتَهِدُ يَرْجِعُ إِلَى ظَنِّهِ، وَمَتَى كَانَ الْحَصْرُ وَالْإِبْطَالُ قَطْعِيًّا، فَقَطْعِيٌّ، وَإِلَّا فَظَنِّيٌّ. ص - وَطُرُقُ الْحَذْفِ مِنْهَا: الْإِلْغَاءُ، وَهُوَ بَيَانُ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْمُسْتَبْقَى فَقَطْ، وَيُشْبِهُ نَفْيَ الْعَكْسِ الَّذِي لَا يُفِيدُ وَلَيْسَ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ لَوْ كَانَ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً، لَا تَبْقَى عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ: لَوْ كَانَ الْمُسْتَبْقَى جُزْءَ عِلَّةٍ، لَمَا اسْتَقَلَّ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَا بُدَّ مِنْ أَصْلٍ لِذَلِكَ، فَيُسْتَغْنَى عَنِ الْأَوَّلِ. ص - وَمِنْهَا: طَرْدُهُ مُطْلَقًا، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، كَالذُّكُورَةِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ. ص - وَمِنْهَا: أَنْ لَا تَظْهَرَ مُنَاسَبَتُهُ، وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ: بَحَثْتُ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُسْتَبْقَى كَذَلِكَ، يُرَجَّحُ سَبْرُ الْمُسْتَدِلِّ بِمُوَافَقَتِهِ لِلتَّعْدِيَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكُلَّمَا كَانَ الْحَصْرُ وَالْإِبْطَالُ قَطْعِيَّيْنِ، كَانَ التَّعْلِيلُ قَطْعِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا قَطْعِيَّيْنِ، أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا، كَانَ التَّعْلِيلُ ظَنِّيًّا. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْحَصْرِ، شَرَعَ فِي طُرُقِ الْحَذْفِ، أَيْ طُرُقِ إِبْطَالِ بَعْضِ الْأَوْصَافِ. مِنْهَا: الْإِلْغَاءُ، وَهُوَ بَيَانُ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى دُونَ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ فِي صُورَةٍ. كَمَا يُقَالُ: حُرْمَةُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ، إِمَّا الطَّعْمُ أَوِ الْقُوتُ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ ; لِتُحَقِّقِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ بِدُونِ الْقُوتِ، فَلَوْ كَانَ الْقُوتُ مُعْتَبَرًا فِي الْعِلِّيَّةِ، لَمَا تَحَقَّقَ الْحُكْمُ بِدُونِهِ، فَيَتَحَقَّقُ أَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالطَّعْمِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَحَقُّقُ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ بِدُونِ الْوَصْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمَحْذُوفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الْعِلِّيَّةِ ; لِجَوَازِ كَوْنِ الْعِلَّةِ أَخَصَّ مِنَ الْمَعْلُولِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ انْتِفَاءُ الْمَعْلُولِ. وَالْإِلْغَاءُ يُشْبِهُ نَفْيَ الْعَكْسِ الَّذِي لَا يُفِيدُ، وَلَيْسَ الْإِلْغَاءُ نَفْيَ الْعَكْسِ. أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ يُشْبِهُ نَفْيَ الْعَكْسِ ; فَلِأَنَّ الْعَكْسَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ، فَنَفْيُ الْعَكْسِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ، وَفِي الْإِلْغَاءِ أَيْضًا تَحَقَّقُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ. وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْإِلْغَاءَ لَيْسَ نَفْيَ الْعَكْسِ ; فَلِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ قَصَدَ فِي نَفْيِ الْعَكْسِ أَنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِلَّةً، لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ. وَفِي الْإِلْغَاءِ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِلَّةً، لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، بَلْ قَصَدَ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءَ عِلَّةٍ، لَمَا اسْتَقَلَّ بِدُونِ الْمَحْذُوفِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَكِنْ بِمُجَرَّدِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى بِدُونِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ فِي صُورَةٍ، لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً ; إِذْ غَايَةُ الْإِلْغَاءِ أَنْ يُفِيدَ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ تُحَقِّقُ الْحُكْمِ بِدُونِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ كَوْنَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ، أَيْ لِبَيَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ أَصْلٍ آخَرَ، يُفِيدُ اسْتِقْلَالَ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى فِي الْعِلِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَنِ الْإِلْغَاءِ. قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، وَحُصِرَ الْأَوْصَافُ وَأُلْغِيَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهَا بِوُجُودِ الْحُكْمِ دُونَهُ، وَبِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً، وَلَا حَاجَةَ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَحْذُوفُ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ، وَأَعَمَّ مِنَ الْمَعْلُولِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحُكْمِ دُونَهُ، وَعَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. ش - وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ: طَرْدُ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي عُلِمَ مِنَ الشَّارِعِ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا، إِمَّا مُطْلَقًا، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا، كَالذُّكُورَةِ فِي سَرَايَةِ الْعِتْقِ، مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدِ قَوْمٍ، عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ» ،. فَإِنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الذُّكُورَةِ وَسَرَايَةِ الْعِتْقِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا عُهِدَ مِنَ الشَّارِعِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الذُّكُورَةِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ، أُلْغِيَ صِفَةُ الذُّكُورَةِ فِي سَرَايَةِ الْعِتْقِ. ش - وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ أَنْ لَا تَظْهَرَ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ، فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ، وَيَكْفِي لِلْمُنَاظِرَ الْمُسْتَدِلَّ: بَحَثْتُ عَنِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ، فَمَا وَجَدْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مُنَاسَبَةً، فَإِنِ ادَّعَى الْمُعْتَرِضُ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُسْتَبْقَى كَذَلِكَ، أَيْ بَحَثْتُ عَنْهُ وَلَمْ أَجِدْهُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ، احْتَاجَ الْمُسْتَدِلُّ إِلَى إِثْبَاتِ مُرَجِّحٍ يُرَجِّحُ بِهِ سَبْرَهُ عَلَى سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ، بِأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ سَبْرَهُ مُوَافِقٌ لِلتَّعْدِيَةِ، وَسَبْرَ الْمُعْتَرِضُ قَاصِرٌ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمُسْتَبْقَى وَالْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ انْتِقَالٌ مِنَ السَّبْرِ إِلَى الْمُنَاسَبَةِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ طَرِيقٍ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرُ جَائِزٍ. ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، ذَكَرَ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ مِنَ السَّبْرِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَالشَّبَهِ. وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - مُقْتَرِنَةٌ بِالْعِلَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ اقْتِرَانَهَا بِالْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ أَوْ بِطَرِيقِ اللُّطْفِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَخْلُو مِنْ عِلَّةٍ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّعْمِيمِ، أَيْ كَوْنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 ص - وَدَلِيلُ الْعَمَلِ بِالسَّبْرِ، وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلَّةٍ لِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، وَالظَّاهِرُ التَّعْمِيمُ. وَلَوْ سَلَّمْنَا فَهُوَ الْغَالِبُ ; لِأَنَّ التَّعَقُّلَ أَقْرَبُ إِلَى الِانْقِيَادِ، فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُهَا وَفِي الْمُنَاسَبَةِ. وَلَوْ سَلَّمَ، فَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُهَا بِالْمُنَاسَبَةِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا فِي الْجَمِيعِ ; لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي عِلَلِ الْأَحْكَامِ. ص - الرَّابِعُ: الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ، وَتُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ، وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِهِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا غَيْرِهِ، كَالْإِسْكَارِ فِي التَّحْرِيمِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقِصَاصِ. وَالْمُنَاسِبُ: وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ رَحْمَةً لِلنَّاسِ. فَلَوْ كَانَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ، أَوْ بَعْضُهَا خَالِيًا عَنِ الْعِلَّةِ، لَمَا كَانَتِ الْأَحْكَامُ رَحْمَةً ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا حِكْمَةٌ وَفَائِدَةٌ لِلْمُكَلَّفِ، يَكُونُ مَشَقَّةً وَعَذَابًا. وَلَوْ سَلَّمْنَا عَدَمَ الْإِجْمَاعِ عَلَى اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ، وَعَدَمِ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَيْهِ، فَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ هُوَ الْغَالِبُ فِي الشَّرْعِ عَلَى ثُبُوتِهِ بِدُونِهَا. وَإِنَّمَا غَلَبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ فِي الشَّرْعِ ; لِأَنَّ تَعَقُّلَ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ أَقْرَبُ إِلَى الِانْقِيَادِ وَالْقَبُولِ مِنَ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ، وَيُحْمَلُ الْحُكْمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ إِلْحَاقًا لِلْفَرْدِ بِالْأَغْلَبِ. فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ، وَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُ الْعِلَّةِ فِي الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَفِي الْمُنَاسَبَةِ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ. وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُ الْعِلَّةِ بِالْمُنَاسَبَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى الْمُقَدِّمَةِ الْمَذْكُورَةِ ; لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ تُفِيدُ ظَنَّ كَوْنِهِ عِلَّةً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِذَا ثَبَتَ ظُهُورُ الْعِلَّةِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، وَفِي الْمُنَاسَبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ أَيْضًا، وَجَبَ اعْتِبَارُ الْعِلَّةِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ ظَنُّ عِلِّيَّتِهَا، وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ فِي عِلَلِ الْأَحْكَامِ بِالْإِجْمَاعِ. وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُنَاسَبَةَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ظُهُورَ الْعِلَّةِ فِي الْمُنَاسَبَةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ عَدَمِ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظُهُورَ الْعِلَّةِ فِي الْمُنَاسَبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهَا ثَابِتٌ. بِخِلَافِ بَاقِي الطُّرُقِ، فَإِنَّ ظُهُورَ الْعِلِّيَّةِ فِيهِ ثَابِتٌ، عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا. [الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ] ش - الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ: الْمُنَاسَبَةُ، وَيُرَادِفُهَا: الْإِخَالَةُ، وَتَخْرِيجُ الْمَنَاطِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْيِينِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ الْوَصْفِ، لَا تَعْيِينِ الْعِلَّةِ بِنَصٍّ وَغَيْرِهِ، كَإِجْمَاعٍ، وَذَلِكَ كَتَعْيِينِ الْإِسْكَارِ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ الْإِسْكَارِ، وَكَتَعْيِينِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. وَالْأَوَّلُ مِثَالٌ لِلْعِلَّةِ الْبَسِيطَةِ، وَالثَّانِي لِلْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ. وَالْمُنَاسَبَةُ لُغَوِيَّةٌ، فَلَا يَلْزَمُ دَوْرٌ. وَالْمُنَاسِبُ: وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ - أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ - مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 فَإِنْ كَانَ خَفِيًّا أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، اعْتُبِرَ مَلَازِمُهُ، وَهُوَ الْمَظِنَّةُ ; لِأَنَّ الْغَيْبَ لَا يُعَرِّفُ الْغَيْبَ، كَالسَّفَرِ لِلْمَشَقَّةِ، وَالْفِعْلِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عُرْفًا بِالْعَمْدِ فِي الْعَمْدِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْمُنَاسِبُ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ. ص - وَقَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، كَالْبَيْعِ وَالْقِصَاصِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحُصُولُ وَنَفْيُهُ مُتَسَاوِيَيْنِ، كَحَدِّ الْخَمْرِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْيُهُ أَرْجَحَ، كَنِكَاحِ الْآيِسَةِ لِمَصْلَحَةِ التَّوَالُدِ، وَقَدْ يُنْكَرُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ. لَنَا: أَنَّ الْبَيْعَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى التَّعَاوُضِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ، وَإِنِ انْتَفَى الظَّنُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ، أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ. وَقَوْلُهُ: " ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ " احْتِرَازٌ عَنِ الْوَصْفِ الْخَفِيِّ وَالْغَيْرِ الْمُنْضَبِطِ. وَقَوْلُهُ: " مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا " احْتِرَازٌ عَنِ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى فِي السَّبْرِ، وَعَنِ الْوَصْفِ الْمُدَارِ فِي الدَّوَرَانِ وَعَنْ غَيْرِهِمَا. وَقَوْلُهُ: " مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ " بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: مَا يَصْلُحُ. فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ خَفِيًّا، أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، اعْتُبِرَ مَلَازِمُهُ، وَهُوَ الْمَظِنَّةُ. وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرِ الْخَفِيُّ وَغَيْرُ الْمُنْضَبِطِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْبٌ عَنِ الْعَقْلِ لِلْخَفَاءِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ، وَالْغَيْبُ عَنِ الْعَقْلِ لَا يُعَرِّفُ الْغَيْبَ عَنْهُ، أَعْنِي الْحُكْمَ. مِثَالُ الْمَظِنَّةِ: السَّفَرُ لِلْمَشَقَّةِ، فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ مَا لَمْ تَكُنْ مُنْضَبِطَةً، اعْتُبِرَ السَّفَرُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّتُهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرْهَا. وَالْفِعْلُ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ بِالْعَمْدِيَّةِ فِي الْجِنَايَةِ الْعَمْدِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَمْدَ لَمَّا كَانَ خَفِيًّا، اعْتُبِرَ مَظِنَّتُهُ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ، وَالْأَوَّلُ مِثَالٌ لِغَيْرِ الْمُنْضَبِطِ، وَالثَّانِي لِلْخَفِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنَ الشَّارِحِينَ مَنْ جَعَلَ الْمَظِنَّةَ قِسْمًا مِنَ الْمُنَاسِبِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّهَا قَسِيمٌ لِلْمُنَاسِبِ، وَقَدْ جَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ قَسِيمًا لِلْمُنَاسِبِ صَرِيحًا حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ الْعَدَمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُّوسِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمُنَاسِبُ، مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ، تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ، أَيْ لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْفِ، تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ. [قَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَحْصُلُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا، وَقَدْ يَحْصُلُ ظَنًّا، وَقَدْ يَكُونُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَنَفْيُهُ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْيُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ رَاجِحًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: الْبَيْعُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ صَحِيحًا، حَصَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ يَقِينًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَالسَّفَرُ مَظِنَّةَ الْمَشَقَّةِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ، وَإِنِ انْتَفَى الظَّنُّ فِي الْمِلْكِ الْمُتَرَفِّهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ فَائِتًا قَطْعًا، كَلُحُوقِ نَسَبِ الْمَشْرِقِيِّ بِتَزَوُّجِ مَغْرِبِيَّةٍ، وَكَاسْتِبْرَاءِ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا بَائِعُهَا فِي الْمَجْلِسِ، فَلَا يُعْتَبَرُ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. ص - وَالْمَقَاصِدُ ضَرْبَانِ: ضَرُورِيٌّ فِي أَصْلِهِ، وَهِيَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، كَالْخَمْسَةِ الَّتِي رُوعِيَتْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ: حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ، وَالْعَقْلِ، وَالنَّسْلِ، وَالْمَالِ. كَقَتْلِ الْكُفَّارِ، وَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْمُسْكِرِ، وَحَدِّ الزِّنَا، وَحَدِّ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ. وَمُكَمِّلٌ لِلضَّرُورِيِّ، كَحَدِّ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ. وَغَيْرُ ضَرُورِيٍّ، حَاجِيٌّ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ الثَّانِي: الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ إِذَا رُتِّبَ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ، يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ صِيَانَةُ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ عَنِ الْفَوَاتِ ظَنًّا ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ، اقْتُصَّ مِنْهُ، يَنْزَجِرُ عَنِ الْقَتْلِ، وَلَا يَجْتَرِي عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ يَقِينًا ; لِأَنَّ بَعْضَ الْمُكَلَّفِينَ قَدْ يُقْدِمُ عَلَى الْقَتْلِ مَعَ شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ. مِثَالُ الثَّالِثِ: حَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ حِفْظُ الْعَقْلِ، وَنَفْيُهُ مِنْ حَدِّ الشُّرْبِ مُتَسَاوِيَانِ، فَإِنَّ اسْتِيلَاءَ مَيْلِ الطِّبَاعِ إِلَى شُرْبِ الْخَمْرِ يُقَاوِمُ خَوْفَ عِقَابِ الْحَدِّ، فَلِهَذَا يُقَاوَمُ كَثْرَةُ الْمُمْتَنِعِينَ عَنْهُ كَثْرَةَ الْمُقْدِمِينَ. مِثَالُ الرَّابِعِ: نِكَاحُ الْآيِسَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ التَّوَالُدُ، قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ نِكَاحِ الْآيِسَةِ، لَكِنَّ عَدَمَ التَّوَالُدِ أَرْجَحُ. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ قِسْمًا وَاحِدًا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَجَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِجَمِيعِ الْأَقْسَامِ. وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضٌ جَوَازَ التَّعْلِيلِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ، أَيِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَنَفْيِهِ، كَمَا فِي الثَّانِي، وَعَلَى مَرْجُوحِيَّةِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، كَمَا فِي الثَّالِثِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِمَا بِأَنَّ احْتِمَالَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَكْفِي فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى التَّعَاوُضِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ شَرْعُهُ، وَإِنِ انْتَفَى ظَنُّ الْحَاجَةِ إِلَى التَّعَاوُضِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ شَرْعُ الرُّخَصِ فِي السَّفَرِ، وَإِنِ انْتَفَى ظَنُّ حُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَمَا فِي حَقِّ الْمَلِكِ الْمُتَرَفِّهِ. وَالصُّورَةُ الْأُولَى مِثَالٌ لِلْمُنَاسِبِ، وَالثَّانِيَةُ لِمَظِنَّةِ الْمُنَاسِبِ. قِيلَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: جَوَازُهُ حَيْثُ كَانَ لِأَجْلِ تَرَتُّبِ الْمَقْصُودِ فِي الْغَالِبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، بِخِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ التَّرَتُّبُ، يُحْتَمَلُ عَدَمُ التَّرَتُّبِ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ عَدَمُ التَّرَتُّبِ رَاجِحٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَارِدٌ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُحْتَمَلْ حُصُولُ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، بَلْ كَانَ حُصُولُهُ فَائِتًا بِالْكُلِّيَّةِ، لَا يُعْتَبَرُ التَّعْلِيلُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهِ أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ عَادَةِ الشَّرْعِ رِعَايَةُ الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ. فَحَيْثُ يَكُونُ الْمَقْصُودُ فَائِتًا بِالْكُلِّيَّةِ، لَمْ يَجُزْ إِضَافَةُ الْحُكْمِ إِلَيْهِ، كَيْلَا يَلْزَمَ خِلَافُ عَادَةِ الشَّارِعِ، مِثَالُ ذَلِكَ: لُحُوقُ نَسَبِ الْمَشْرِقِيِّ بِتَزْوِيجِ مَغْرِبِيَّةٍ، وَالِاسْتِبْرَاءِ فِي شِرَى جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ لُحُوقُ النَّسَبِ، لَا يَحْصُلُ مِنْ تَزْوِيجِ الْمَشْرِقِيِّ الْمَغْرِبِيَّةَ. وَكَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ فَرَاغَ الرَّحِمِ، الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ، لَا يَحْصُلُ ; لِأَنَّ فَرَاغَ الرَّحِمِ قَدْ حَصَلَ بِاسْتِبْرَاءِ الْبَائِعِ. [الْمَقَاصِدُ ضَرْبَانِ] ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمَقَاصِدَ مِنْ شَرْعِ الْأَحْكَامِ ضَرْبَانِ: ضَرُورِيٌّ، وَغَيْرُ ضَرُورِيٍّ. وَالضَّرُورِيُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا فِي أَصْلِهِ، أَوْ مُكَمِّلًا لِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ فِي أَصْلِهِ. وَالْمَقَاصِدُ الضَّرُورِيَّةُ فِي أَصْلِهَا هِيَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، كَالْخَمْسَةِ الَّتِي رُوعِيَتْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ حِفْظُ الدِّينِ، وَالْعَقْلِ، وَالنَّفْسِ، وَالنَّسْلِ، وَالْمَالِ. أَمَّا الدِّينُ فَهُوَ مَحْفُوظٌ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَالْمُسَاقَاةِ، وَبَعْضُهَا آكَدُ مِنْ بَعْضٍ. وَقَدْ يَكُونُ ضَرُورِيًّا، كَالْإِجَارَةِ عَلَى تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ وَشِرَاءِ الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. وَمُكَمِّلٌ لَهُ، كَرِعَايَةِ الْكَفَاءَةِ، وَمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الصَّغِيرَةِ، فَإِنَّهُ أَفْضَى إِلَى دَوَامِ النِّكَاحِ. وَغَيْرُ حَاجِيٍّ، وَلَكِنَّهُ تَحْسِينِيٌّ، كَسَلْبِ الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ لِنَقْصِهِ عَنِ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ جَرْيًا عَلَى مَا أُلِفَ مِنْ مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ بِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ، رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ. لَنَا: إِنَّ الْعَقْلَ قَاضٍ بِأَنْ لَا مَصْلَحَةَ مَعَ مَفْسَدَةٍ مِثْلِهَا. قَالُوا: الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ تُلْزِمُ مَصْلَحَةً وَمَفْسَدَةً تُسَاوِيهَا أَوْ تَزِيدُ، وَقَدْ صَحَّتْ. قُلْنَا: مَفْسَدَةُ الْغَصْبِ لَيْسَتْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَبِالْعَكْسِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] . وَأَمَّا النَّفْسُ فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ بِشَرْعِ الْقِصَاصِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] . وَأَمَّا الْعَقْلُ، فَهُوَ مَحْفُوظٌ بِشَرْعِ حَدٍّ الشُّرْبِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ} [المائدة: 91] . وَأَمَّا النَّسْلُ، فَهُوَ مَحْفُوظٌ بِشَرْعِ حَدِّ الزِّنَا ; لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى الْأَبْضَاعِ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ التَّعَهُّدِ مِنَ الْأَوْلَادِ. وَأَمَّا حِفْظُ الْمَالِ، فَهُوَ حَاصِلٌ بِشَرْعِ حَدِّ السَّارِقِ وَعُقُوبَةِ الْمُحَارِبِ وَالْغَاصِبِ. وَأَمَّا الضَّرُورِيُّ الَّذِي هُوَ مُكَمِّلٌ لِلضَّرُورِيِّ فِي أَصْلِهِ، كَالْمُبَالَغَةِ فِي حِفْظِ الْعَقْلِ، وَيَحْصُلُ بِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ. وَأَمَّا غَيْرُ الضَّرُورِيِّ، إِمَّا حَاجِيًّا أَوْ غَيْرَ حَاجِيٍّ، وَالْحَاجِيُّ إِمَّا فِي أَصْلِهِ أَوْ مُكَمِّلٌ لَهُ. أَمَّا الْحَاجِيُّ فِي أَصْلِهِ، فَكَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُعَامَلَاتِ، وَبَعْضُهَا آكَدُ مِنْ بَعْضٍ. وَقَدْ يَكُونُ فِي رُتْبَةِ الضَّرُورِيِّ، كَالْإِجَارَةِ عَلَى تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ، وَشِرَى الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ لِلطِّفْلِ وَلِغَيْرِهِ، فَإِنَّهَا فِي رُتْبَةِ الضَّرُورِيِّ، لِأَنَّ الْهَلَاكَ قَدْ يَحْصُلُ بِانْتِفَائِهَا. وَأَمَّا مَا هُوَ مُكَمِّلٌ لِلْحَاجِيِّ، كَرِعَايَةِ الْكَفَاءَةِ، وَمَهْرِ الْمِثْلِ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَى إِلَى دَوَامِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْحَاجِيِّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ التَّحْسِينِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا، وَيُسَمَّى تَحْسِينِيًّا، كَسَلْبِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ عَنِ الْعَبْدِ لِنَقْصِهِ عَنِ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ، جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الْمَأْلُوفُ وَالْمَعْهُودُ مِنْ مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ. [مَسْأَلَةٌ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ بِمَفْسَدَةٍ] ش - لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوَصْفَ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ خَالِصَةٍ، أَوْ رَاجِحَةٍ عَلَى الْمَفْسَدَةِ، يَكُونُ مُنَاسِبًا، وَإِذَا اشْتَمَلَ الْوَصْفُ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لَهَا، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَنْخَرِمُ مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ. وَالدَّلِيلُ أَنَّ الْعَقْلَ يَقْضِي بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ إِذَا كَانَتْ مَعَ مَفْسَدَةٍ مِثْلِهَا، لَا تَكُونُ مَصْلَحَةً مَطْلُوبَةً، وَلِهَذَا إِذَا أَخَذَ وَاحِدٌ يَسْعَى لِتَحْصِيلِ مِثْلِ هَذَا الْمَصْلَحَةِ، يَنْسُبُهُ أَهْلُ الْعَقْلِ إِلَى السَّفَهِ. وَلَمَّا ثَبَتَ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ، فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمَفْسَدَةُ مُسَاوِيَةً لِلْمَصْلَحَةِ، يَثْبُتُ انْخِرَامُهَا فِيمَا إِذَا كَانَتْ رَاجِحَةً، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهُ. الْمَانِعُونَ مِنِ انْخِرَامِ الْمُنَاسَبَةِ قَالُوا: الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 وَلَوْ نَشَأَتَا مَعًا عَنِ الصَّلَاةِ، لَمْ تَصِحَّ، وَالتَّرْجِيحُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ، وَيُرَجَّحُ بِطَرِيقٍ إِجْمَالِيٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُ الْمَصْلَحَةِ، لَزِمَ التَّعَبُّدُ بِالْحُكْمِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] صَحِيحَةٌ، مَعَ أَنَّهَا تَلْزَمُ مَصْلَحَةٌ وَمَفْسَدَةٌ تُسَاوِيهَا، أَوْ تَزِيدَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَرَامَ إِنْ غَلَبَ عَلَى الْحَلَالِ مُطْلَقًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضٍ، تَزِيدُ الْمَفْسَدَةُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ. أَجَابَ بِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْغَصْبِ لَيْسَتْ نَاشِئَةً عَنِ الصَّلَاةِ وَبِالْعَكْسِ، أَيْ: مَصْلَحَةُ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ نَاشِئَةً عَنِ الْغَصْبِ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ خَالِصَةٍ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ نَشَأَتَا مِنَ الصَّلَاةِ، لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ، بَلْ تَكُونُ فَاسِدَةً. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مِنْ تَرْجِيحٍ، فَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُرَجِّحَ الْوَصْفَ. وَالتَّرْجِيحُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّ التَّرْجِيحَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ قَدْ يَكُونُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَقَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى أَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ. وَلِلْمُسْتَدِلِّ تَرْجِيحٌ إِجْمَالِيٌّ يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْمَصْلَحَةُ رَاجِحَةً عَلَى مَا عَارَضَهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ التَّعَبُّدِ ; لِأَنَّا بَحَثْنَا وَلَمْ نَجِدْ مَصْلَحَةً أُخْرَى تَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْغَيْرِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ التَّعَبُّدِ خِلَافُ الْأَصْلِ. [المناسب مؤثر وملائم وغريب ومرسل] ش - اعْلَمْ أَنَّ قَبْلَ الْخَوْضِ فِي تَقْدِيرِ مَا فِي الْمَتْنِ، نَذْكُرُ مُقَدِّمَةً نَافِعَةً، فَنَقُولُ: إِنَّ لِلْجِنْسِيَّةِ فِي الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ مَرَاتِبُ بِحَسَبِ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ. أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَأَعَمُّ أَجْنَاسِهِ كَوْنُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، ثُمَّ الْوُجُوبُ، ثُمَّ وُجُوبُ الْعِبَادَاتِ، ثُمَّ وُجُوبُ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا فِي الْوَصْفِ فَأَعَمُّ أَجْنَاسِهِ كَوْنُهُ وَصْفًا يُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ وَغَيْرُ الْمُنَاسِبِ، ثُمَّ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ، ثُمَّ الْمُنَاسِبُ الضَّرُورِيُّ، ثُمَّ الضَّرُورِيُّ فِي حِفْظِ الدِّينِ. وَالْأَوْصَافُ إِنَّمَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا إِذَا ظُنَّ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إِيَّاهَا. وَكُلَّمَا كَانَ الْتِفَاتُ الشَّارِعِ إِلَيْهِ أَكْثَرَ، كَانَ ظَنُّ كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا أَقْوَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 ص - وَالْمُنَاسِبُ مُؤَثِّرٌ، وَمُلَائِمٌ، وَغَرِيبٌ، وَمُرْسَلٌ ; لِأَنَّهُ إِمَّا مُعْتَبَرٌ أَوْ لَا، وَالْمُعْتَبَرُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ هُوَ الْمُؤَثِّرُ. وَالْمُعْتَبَرُ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وِفْقِهِ فَقَطْ، إِنْ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، فَهُوَ الْمُلَائِمُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْغَرِيبُ. وَغَيْرُ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْمُرْسَلُ، فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا أَوْ ثَبَتَ إِلْغَاؤُهُ، فَمَرْدُودٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مُلَائِمًا، فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - بِقَبُولِهِ. وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَالْمُخْتَارُ رَدُّهُ. وَشَرْطُ الْغَزَالِيِّ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً، فَالْأَوَّلُ كَالتَّعْلِيلِ بِالصِّغَرِ فِي حَمْلِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَالِ فِي الْوِلَايَةِ، فَإِنَّ عَيْنَ الصِّغَرِ مُعْتَبَرٌ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ. وَالثَّانِي كَالتَّعْلِيلِ بِعُذْرِ الْحَرَجِ فِي حَمْلِ الْحَضَرِ بِالْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي الْجَمِيعِ، فَإِنَّ جِنْسَ الْحَرَجِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ. وَالثَّالِثُ كَالتَّعْلِيلِ بِجِنَايَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي حَمْلِ الْمُثْقَلِ عَلَى الْمُحَدَّدِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنَّ جِنْسَ الْجِنَايَةِ مُعْتَبَرٌ فِي الْقِصَاصِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 كَالْأَطْرَافِ وَغَيْرِهَا. وَالْغَرِيبُ كَالتَّعْلِيلِ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي حَمْلِ الْبَاتِّ فِي الْمَرَضِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ، حَتَّى صَارَ تَوْرِيثُ الْمَبْتُوتَةِ كَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ. وَكَالتَّعْلِيلِ بِالْإِسْكَارِ فِي حَمْلِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ بِهِ. وَالْمُرْسَلُ الَّذِي ثَبَتَ إِلْغَاؤُهُ كَإِيجَابِ شَهْرَيْنِ ابْتِدَاءً فِي الظِّهَارِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكُلَّمَا كَانَ الْوَصْفُ وَالْحُكْمُ أَخَصَّ، كَانَ كَوْنُ الْوَصْفِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ آكَدَ، فَيَكُونُ لَا مَحَالَةَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ. إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مُؤَثِّرٌ، وَمُلَائِمٌ، وَغَرِيبٌ، وَمُرْسَلٌ. وَوَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي نَظَرِ الشَّارِعِ، أَيِ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ عَيْنَهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، أَوْ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ. وَالْمُعْتَبَرُ إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَيُسَمَّى مُؤَثِّرًا ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ أَوِ النَّصِّ، كَتَعْلِيلِ الْحَدَثِ بِمَسِّ الْمُحْدِثِ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ عَيْنَ مَسِّ الْمُحْدِثِ ذَكَرَهُ فِي عَيْنِ الْحَدَثِ بِالنَّصِّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ". وَكَتَعْلِيلِ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ بِالصِّغَرِ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ عَيْنَ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ. وَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعِ، بَلْ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ إِنْ ثَبْتَ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَيِ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، أَوِ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، يُسَمَّى مُلَائِمًا ; لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، بَلِ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ عَيْنَ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَطْ، يُسَمَّى غَرِيبًا، وَغَيْرُ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْمُرْسَلُ. ثُمَّ الْمُرْسَلُ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ إِلَى مُرْسَلٍ مُلَائِمٍ، وَإِلَى مُرْسَلٍ غَرِيبٍ ; لِأَنَّهُ إِنِ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ جِنْسَهُ الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، فَهُوَ الْمُرْسَلُ الْمُلَائِمُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُرْسَلُ الْغَرِيبُ. مِثَالُ الْمُرْسَلِ الْمُلَائِمِ: تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ قَلِيلِ الْخَمْرِ بِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى كَثِيرِهَا، وَهَذَا مُنَاسِبٌ لَمْ يَعْتَبِرِ الشَّارِعُ عَيْنَ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَتَّبِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ، لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمُ. فَإِنَّ الْخَلْوَةَ لَمَّا كَانَتْ دَاعِيَةً إِلَى الزِّنَا، حَرَّمَهَا الشَّارِعُ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا. وَهَذَا مُلَائِمٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لِتَصَرُّفِ الشَّارِعِ، وَبِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى مَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ مِنَ الشَّرْعِ، وَإِلَى غَيْرِ مَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُرْسَلُ الْغَرِيبُ، وَالَّذِي عُلِمَ إِلْغَاؤُهُ مَرْدُودٌ اتِّفَاقًا، أَيْ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ الْمُلَائِمُ، فَقَدْ صَرَّحَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِقَبُولِهِ. وَنُقِلَ قَبُولُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ رَدُّهُ مُطْلَقًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَبِرْ نَوْعَهُ فِي نَوْعِهِ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَلَا جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَلَا جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ، فَلَا يَحْصُلُ الظَّنُّ بِعِلِّيَّتِهِ. وَشَرَطَ الْغَزَالِيُّ فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ الْمُلَائِمِ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً، وَالْمُرَادُ بِالضَّرُورِيَّةِ: كَوْنُهَا أَحَدُ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ، وَالْعَقْلِ، وَالنَّسَبِ، وَالْمَالِ، وَبِالْقَطْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْجَزْمُ بِوُجُودِ الْمَصْلَحَةِ حَاصِلًا، وَبِالْكُلِّيَّةِ أَنْ لَا تَكُونَ مَخْصُوصَةً بِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ بَعْضٍ. وَذَلِكَ كَتَتَرُّسِ الْكُفَّارِ الصَّائِلِينَ بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّا لَوْ كَفَفْنَا عَنِ التُّرْسِ، اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُسْلِمِينَ بِأَجْمَعِهِمْ، حَتَّى التُّرْسُ، فَإِنَّ قَتْلَ التُّرْسِ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَصْلَحَةً ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً. وَإِنَّمَا وَجَبَ قَبُولُهُ عِنْدَ اعْتِبَارِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ، يَلْزَمُ عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ ضَرُورِيٌّ مِنَ الشَّرْعِ، وَهُوَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ، فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِهِ يُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ الدِّينِ وَهَلَاكِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَسَارَى وَغَيْرِهِمْ. وَإِنَّمَا اشْتُرِطَ الْقَطْعِيُّ; لِيَحْصُلَ الْجَزْمُ بِالْإِخْلَالِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا اشْتُرِطَ الْكُلِّيُّ، لِئَلَّا يَلْزَمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. فَإِنَّ مُحَافَظَةَ نَفْسِ غَيْرِ الْأُسَارَى، لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ مُحَافَظَةِ نُفُوسِ الْأُسَارَى فِي الدِّينِ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ أَمْثِلَةَ الْمُلَائِمِ، وَالْغَرِيبِ الْمُرْسَلِ، وَالْغَرِيبِ الْغَيْرِ الْمُرْسَلِ، وَالْمُرْسَلِ الَّذِي ثَبَتَ إِلْغَاؤُهُ. أَمَّا الْمُلَائِمُ، فَقَدْ ذَكَرَ أَمْثِلَةَ أَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ، فَمِثَالُ الْأَوَّلِ مِنْهَا: التَّعْلِيلُ بِالصِّغَرِ فِي قِيَاسِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَالِ فِي الْوِلَايَةِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ عَيْنَ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ وِلَايَةِ الْمَالِ بِتَرْتِيبِهَا عَلَى الصِّغَرِ، وَثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِ الصِّغَرِ فِي جِنْسِ حُكْمِ الْوِلَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ الثَّانِي مِنْهَا: التَّعْلِيلُ بِعُذْرِ الْحَرَجِ فِي قِيَاسِ الْحَضَرِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي رُخْصَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ عُذْرَ حَرَجِ السَّفَرَ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ بِتَرْتِيبِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ عَلَيْهِ، وَثَبَتَ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْحَرَجِ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ. مِثَالُ الثَّالِثِ مِنْهَا: التَّعْلِيلُ بِجِنَايَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي قِيَاسِ الْمُثْقَلِ عَلَى الْمُحَدَّدِ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ. فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ عَيْنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي عَيْنِ قِصَاصِ النَّفْسِ، وَثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارُ الْجِنَايَةِ الَّتِي هِيَ جِنْسُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ جِنْسُ قِصَاصِ النَّفْسِ ; لِاشْتِمَالِهِ عَلَى قِصَاصِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا، كَالْأَطْرَافِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَاللِّسَانِ. مِثَالُ الْغَرِيبِ الْمُرْسَلِ: التَّعْلِيلُ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي قِيَاسِ الْبَاتِّ فِي الْمَرَضِ، أَيِ الْمُطْلَقِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ فِي الْمَرَضِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، حَتَّى صَارَ تَوْرِيثُ الْمَبْتُوتَةِ كَحِرْمَانِ الْقَاتِلِ. فَإِنَّ إِرْسَالَ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ. وَمَقْصُودُهُ حِرْمَانُ الزَّوْجَةِ عَنِ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ غَرَضٌ فَاسِدٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُعَارَضَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ بِأَنْ لَا تُحْرَمَ الْمَبْتُوتَةُ، كَمَا أَنَّ قَاتِلَ مُورِثِهِ لِأَجْلِ مَالِهِ عُورِضَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ بِحِرْمَانِهِ عَنِ الْإِرْثِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْجَامِعُ كَوْنُ فِعْلِهِمَا مُحَرَّمًا ; لِأَجْلِ غَرَضٍ فَاسِدٍ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا غَرِيبًا مُرْسَلًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرِ الشَّارِعُ عَيْنَ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي عَيْنِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ، وَلَا جِنْسِهِ فِي عَيْنِهَا، وَلَا جِنْسِهِ فِي جِنْسِهَا، لَا قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا. مِثَالُ الْغَرِيبِ الْغَيْرِ الْمُرْسَلِ: التَّعْلِيلُ بِالْإِسْكَارِ فِي حَمْلِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْإِسْكَارِ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ عَيْنَ الْإِسْكَارِ فِي عَيْنِ التَّحْرِيمِ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْإِسْكَارِ فَقَطْ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ عَدَمُ النَّصِّ عَلَى عِلِّيَّتِهِ. وَلَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِ الْإِسْكَارِ فِي جِنْسِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ. وَمِثَالُ الْمُرْسَلِ الْغَرِيبِ الَّذِي ثَبَتَ إِلْغَاؤُهُ: إِيجَابُ صَوْمِ شَهْرَيْنِ ابْتِدَاءً فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عَلَى مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ إِلْغَاؤُهُ شَرْعًا ; لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْإِعْتَاقَ أَوَّلًا، وَلَمْ يَعْتَبَرْ إِيجَابَ الصَّوْمِ أَوَّلًا عَلَى مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ. [تَثْبُتُ عِلِّيَّةُ الشَّبَهِ بِجَمِيعِ الْمَسَالِكِ] ش - وَمِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ: الشَّبَهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 ص - وَتَثْبُتُ عِلِّيَّةُ الشَّبَهِ بِجَمِيعِ الْمَسَالِكِ، وَفِي إِثْبَاتِهِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ نَظَرٌ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا تَثْبُتُ مُنَاسَبَتُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا يُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ، وَيَتَمَيَّزُ عَنِ الطَّرْدِيِّ بِأَنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ. وَعَنِ الْمُنَاسِبِ الذَّاتِيِّ بِأَنَّ مُنَاسَبَتَهُ عَقْلِيَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ، كَالْإِسْكَارِ فِي التَّحْرِيمِ. مِثَالُهُ: طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. فَالْمُنَاسَبَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، وَاعْتِبَارُهَا فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةِ يُوهِمُ، وَقَوْلُ الرَّادِّ لَهُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ بِهِ. وَالثَّانِي طَرْدٌ، فَيُلْغَى. أُجِيبَ: مُنَاسِبٌ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الْمُنَاسِبُ لِذَاتِهِ أَوْ لَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. ص - الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ بِذَاتِهِ. وَتَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِجَمِيعِ الْمَسَالِكِ مِنَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَفِي إِثْبَاتِهِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ أَيِ الْمُنَاسَبَةِ نَظَرٌ. وَمِنْ ثَمَّ، أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ إِثْبَاتَهُ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ مَحَلُّ نَظَرٍ، قِيلَ فِي تَعْرِيفِ الشَّبَهِ: إِنَّهُ الْوَصْفُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مُنَاسَبَتُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ عِلِّيَّةُ الشَّبَهِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ، يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ لِذَاتِهِ، وَإِلَّا لَثَبَتَ عِلِّيَّتُهُ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إِثْبَاتُ عِلِّيَّةِ الشَّبَهِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْرِيفِ الشَّبَهِ. فَمَنْ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الَّذِي يُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ، فَلَا يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ، فَإِنَّ تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ يُوجِبُ الْمُنَاسَبَةَ، وَمَا يُوهِمُ الْمُنَاسَبَةُ، لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمُنَاسَبَةِ، فَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ. وَمَنْ عَرَّفَهُ بِالْمُنَاسِبِ الَّذِي لَيْسَ مُنَاسَبَتُهُ لِذَاتِهِ، جَوَّزَ إِثْبَاتَهُ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ. فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الشَّبَهِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ ; إِذْ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الشَّبَهِيُّ مُنَاسِبًا يَتْبَعُ الْمُنَاسِبَ بِالذَّاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ، أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّبَهَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى مَسْلَكٍ آخَرَ، عَرَّفَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُعَرَّفَ بِمَا لَا يَكُونُ مُنَاسَبَتُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ عِلِّيَّتِهِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ ; لِأَنَّ تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِثُبُوتِ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِذَاتِهِ، فَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَصْفَ الشَّبَهِيَّ، أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّبَهِيُّ مُنَاسِبًا لِذَاتِهِ، وَقَدْ فَرَضَ بِخِلَافِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، لَا يَكُونُ الْوَصْفُ الشَّبَهِيُّ مُنَاسِبًا بِالذَّاتِ، بَلْ بِالتَّبَعِ، وَمَعَ وُجُودِ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ، لَا يُعَلَّلُ بِالْمُنَاسِبِ بِالتَّبَعِ. وَأَيْضًا: تَوْجِيهُ قَوْلِهِ: " وَمِنْ ثَمَّ " عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرَهُ هَذَا الشَّارِحُ، لَا يَخْلُو عَنْ تَعَسُّفٍ. وَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ عَرَّفَ الشَّبَهَ بِأَنَّهُ: مَا يُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ، وَيَتَمَيَّزُ الشَّبَهُ عَنِ الطَّرْدِيِّ بِأَنَّ وُجُودَ الطَّرْدِ كَالْعَدَمِ ; إِذْ لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ أَصْلًا، بِخِلَافِ الشَّبَهِ فَإِنَّ لَهُ مُنَاسَبَةً، وَإِنْ كَانَتْ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ. وَيَتَمَيَّزُ الشَّبَهُ عَنِ الْمُنَاسِبِ الذَّاتِيِّ بِأَنَّ الْمُنَاسِبَ الذَّاتِيِّ مُنَاسَبَتُهُ عَقْلِيَّةٌ تُعْلَمُ بِالنَّظَرِ فِي ذَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ، كَالْإِسْكَارِ فِي التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ مُنَاسَبَةَ الْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ تُعْلَمُ بِالنَّظَرِ فِي ذَاتِ الْإِسْكَارِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ. بِخِلَافِ الشَّبَهِ، فَإِنَّ مُنَاسَبَتَهُ لَا تُعْلَمُ بِالنَّظَرِ فِي ذَاتِهِ، بَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَإِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ، وَاعْتِبَارُ الشَّبَهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. مِثَالُ الشَّبَهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي إِزَالَةِ الْخَبَثِ بِالْمَاءِ: طَهَارَةُ الْخَبَثِ طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ. فَتَعَيَّنَ فِيهَا الْمَاءُ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. فَإِنَّ مُنَاسَبَةَ الطَّهَارَةِ لِتَعْيِينِ الْمَاءِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، وَلَكِنْ لَمَّا اعْتَبَرَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةِ تَوَهَّمَ مُنَاسَبَةَ الطَّهَارَةِ لِتَعْيِينِ الْمَاءِ. وَاحْتَجَّ الرَّادُّ، أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّ الشَّبَهَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعِلِّيَّةِ، بِأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي يُعَلَّلُ بِهِ فِي الشَّبَهِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا، فَلَا يَكُونُ شَبَهًا ; لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَهُوَ طَرْدٌ، وَالطَّرْدُ يُلْغَى بِالِاتِّفَاقِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ مُنَاسِبٌ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ، هُوَ الْمُنَاسِبُ لِذَاتِهِ، وَالشَّبَهُ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لِذَاتِهِ. أَوْ بِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ مِنَ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ، وَمِنَ الْمُنَاسِبِ بِالْغَيْرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. [الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ] ش - وَمِنَ الْمَسَالِكِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ: الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ، وَهُوَ الدَّوَرَانُ. وَنَعْنِي بِالدَّوَرَانِ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ وُجُودًا وَعَدَمًا، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْوَصْفِ وُجُودُ الْحُكْمِ، وَهُوَ الطَّرْدُ، وَمِنْ عَدَمِ الْوَصْفِ عَدَمُ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْعَكْسُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 ثَالِثُهَا: لَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ قَطْعًا وَلَا ظَنًّا. لَنَا: أَنَّ الْوَصْفَ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ إِذَا خَلَا عَنِ السَّبْرِ، أَوْ عَنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِلْعِلَّةِ، كَرَائِحَةِ الْمُسْكِرِ، فَلَا قَطْعَ وَلَا ظَنَّ. وَاسْتَدَلَّ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الِاطِّرَادَ: سَلَامَتُهُ مِنَ النَّقْضِ، وَسَلَامَتُهُ مِنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ لَا تُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ. وَلَوْ سُلِّمَ، فَلَا صِحَّةَ إِلَّا بِمُصَحِّحٍ، وَالْعَكْسُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ. وَأُجِيبَ: قَدْ يَكُونُ لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرٌ، كَأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ، وَلَا عِلَّةَ. وَأُجِيبَ: انْتَفَتْ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ مَانِعٍ. ص - قَالُوا: إِذَا حَصَلَ الدَّوَرَانُ، وَلَا مَانِعَ مِنَ الْعِلِّيَّةِ، حَصَلَ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ عَادَةً. كَمَا لَوْ دُعِيَ إِنْسَانٌ بَاسِمٍ فَغَضِبَ، ثُمَّ تُرِكَ فَلَمْ يَغْضَبْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّهُ سَبَبُ الْغَضَبِ حَتَّى إِنَّ الْأَطْفَالَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. قُلْنَا: لَوْلَا انْتِفَاءُ غَيْرِ ذَلِكَ بِبَحْثٍ، أَوْ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ، لَمْ يُظَنَّ وَهُوَ طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ، وَيَقْوَى بِذَلِكَ. ص - وَالْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ. فَالْجَلِيُّ: مَا قُطِعَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ فِيهِ، كَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ، وَيَنْقَسِمُ إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ، وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ. فَالْأَوَّلُ: مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ. وَالثَّانِي: مَا يُجْمَعُ فِيهِ بِمَا يُلَازِمُهَا، كَمَا لَوْ جَمَعَ بِأَحَدِ مُوجِبَيِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ، كَقِيَاسِ قَطْعِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، عَلَى قَتْلِهَا بِالْوَاحِدِ، بِوَاسِطَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ. وَالثَّالِثُ: الْجَمْعُ يَنْفِي الْفَارِقَ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَالنَّظَّامِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ عَقْلًا. لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ، لَمْ يَقَعْ، وَسَيَأْتِي. ص - قَالُوا: الْعَقْلُ يَمْنَعُ مَا لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ، وَرَدَّ بِأَنَّ مَنْعَهُ هُنَا لَيْسَ إِحَالَةً، وَلَوْ سُلِّمَ، فَإِذَا ظَنَّ الصَّوَابَ، لَا يَمْنَعُ. قَالُوا: قَدْ عُلِمَ الْأَمْرُ بِمُخَالَفَةِ الظَّنِّ، كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَالْعَبِيدِ وَرَضِيعَةٍ فِي عَشْرِ أَجْنَبِيَّاتٍ. قُلْنَا: بَلْ قَدْ عُلِمَ خِلَافُهُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَظَاهِرِ الْكِتَابِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُهُ: تَرَتُّبُ وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزِّنَا بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ، وَمِنْ عَدَمِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلِّيَّتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ قَطْعًا. وَثَانِيهَا: يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ. وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِ الدَّوَرَانِ قَطْعَ الْعِلِّيَّةِ وَلَا ظَنَّهَا، مَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ أَحَدُ الْمَسَالِكِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، كَالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُتَّصِفَ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ إِذَا خَلَا عَنِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ أَوْ عَنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ، جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عِلَّةً، بَلْ مُلَازِمًا لِلْعِلَّةِ، كَرَائِحَةِ الْمُسْكِرِ فَإِنَّهَا وَصْفٌ مُتَّصِفٌ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ الْحُرْمَةِ، وَمِنْ عَدِمَهَا الْحُرْمَةُ، وَمَعَ هَذَا لَا تَكُونُ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ، بَلْ تَكُونُ مُلَازِمَةً لِلسُّكْرِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِه قَطْعُ الْعِلِّيَّةِ وَلَا ظَنُّهَا. وَاسْتَدَلَّ الْغَزَالِيُّ عَلَى أَنَّ الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ بِمُجَرَّدِهِمَا لَا يُفِيدَانِ الْعِلِّيَّةَ، بِأَنَّ الِاطِّرَادَ: سَلَامَةُ الْوَصْفِ مِنَ النَّقْضِ ; لِأَنَّ الِاطِّرَادَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْوَصْفِ، فَيَقْضِي أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا يُوجَدَ الْوَصْفُ بِدُونِ الْحُكْمِ، فَيَتَحَقَّقُ سَلَامَتُهُ عَنِ النَّقْضِ; لِأَنَّ النَّقْضَ تَحَقُّقُ الْوَصْفِ بِدُونِ الْحُكْمِ. وَالنَّقْضُ مُفْسِدٌ مِنْ مُفْسِدَاتِ الْعِلِّيَّةِ، وَسَلَامَةُ الْوَصْفِ عَنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ، فَلَا يُفِيدُ الِاطِّرَادُ الْعِلِّيَّةَ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ السَّلَامَةَ عَنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ، يُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ، فَلَا يَصِحُّ عِلِّيَّتُهُ إِلَّا بِمُصَحِّحٍ ; لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّيْءِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ مُصَحِّحِهِ. وَالْعَكْسُ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْعِلَّةِ، فَلَا يُؤَثِّرُ الْوَصْفُ الْمُتَّصِفُ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ ; لِأَنَّ الِاطِّرَادَ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ، وَالْعَكْسُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِفَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ الْعِلِّيَّةَ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ، أَنْ لَا يَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا مُفِيدًا لِلْعَلِيَّةِ، فَإِنَّ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ تَأْثِيرًا فِي الْعِلِّيَّةِ، فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَثِّرًا فِي الْعِلِّيَّةِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ، وَيَكُونُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مُؤَثِّرًا. وَذَلِكَ كَأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يَكُونُ مُؤَثِّرًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّ الدَّوَرَانَ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ ; لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ، كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا، تَحَقَّقَ الْآخَرُ، وَكُلَّمَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا، انْتَفَى الْآخَرُ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ. أَجَابَ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعٌ يَنْفِي الْعِلِّيَّةَ. وَفِي الْمُتَضَايِفَيْنِ انْتَفَتِ الْعِلِّيَّةُ لِسَبَبٍ مَانِعٍ، وَهُوَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْعِلِّيَّةِ أَوِ الظَّنَّ، قَالُوا: إِذَا حَصَلَ الدَّوَرَانُ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، كَمَا فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ، حَصَلَ الْعِلْمُ بِالْعِلِّيَّةِ، أَوِ الظَّنُّ بِهَا بِطَرِيقِ الْعَادَةِ. كَمَا لَوْ دُعِيَ إِنْسَانٌ بَاسِمٍ مُغْضِبٍ، فَغَضِبَ، ثُمَّ تُرِكَ دُعَاؤُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِالِاسْمِ الْمُغْضِبِ، فَلَمْ يَغْضَبْ، وَتَكَرَّرْ ذَلِكَ مِرَارًا، عُلِمَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالِاسْمِ الْمُغْضِبِ هُوَ سَبَبُ الْغَضَبِ. حَتَّى إِنَّ الْأَطْفَالَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالِاسْمِ الْمُغْضِبِ هُوَ سَبَبُ الْغَضَبِ، فَلِهَذَا يَتَّبِعُونَهُ دَاعِينَ لَهُ بِالِاسْمِ الْمُغْضِبِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَوْلَا ظُهُورُ انْتِفَاءِ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُتَّصِفِ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ بِبَحْثٍ، أَوْ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ، لَمْ يَحْصُلِ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ. وَإِذَا وُجِدَ الْبَحْثُ أَوِ السَّبْرُ، كَفَى فِي إِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ، وَالدَّوْرَانُ مُقَوٍّ لَهُ. [الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِيَاسِ، وَأَرْكَانِهِ، وَشَرَائِطِهَا، وَالطُّرُقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الدَّالَّةِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ، شَرَعَ فِي أَقْسَامِ الْقِيَاسِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ، فَالْجَلِيُّ: مَا يُقْطَعُ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلِّيَّةِ، كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي سَرَايَةِ الْعِتْقِ. فَإِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ - وَهُوَ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ - لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ. وَالْخَفِيُّ: مَا لَا يُقْطَعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا، كَقِيَاسِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ، فَإِنَّا لَا نَقْطَعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا. وَأَيْضًا: يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ، وَإِلَى قِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَإِلَى قِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ. فَالْأَوَّلُ، أَيْ قِيَاسُ الْعِلَّةِ: هُوَ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ، كَقِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ إِذَا صَرَّحَ بِالْإِسْكَارِ. وَالثَّانِي، أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ: مَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِجَامِعِ مُلَازِمِ الْعِلَّةِ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِأَحَدِ مُوجِبَيِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ، أَيْ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ مُوجِبُهَا الْآخَرُ، كَقِيَاسِ قَطْعِ أَيْدِي جَمَاعَةٍ بِيَدِ وَاحِدٍ، عَلَى قَتْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] جَمَاعَةٍ بِقَتْلِ وَاحِدٍ بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِتَقْدِيرِ إِيجَابِهَا. فَإِنَّ الْجَامِعَ، الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ يُلَازِمُ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ، وَهِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ أَحَدُ مُوجِبَيِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، وَمُوجِبُهُ الْآخَرُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَحَدِ مُوجِبَيِ الْعِلَّةِ، الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ ; لِيَسْتَدِلَّ بِهِ مَعَ مُوجِبِهَا الْآخَرِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ. وَالثَّالِثُ، أَيِ الْقِيَاسِ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ: هُوَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، كَقِيَاسِ سَرَايَةِ عِتْقِ الْأَمَةِ عَلَى سَرَايَةِ عِتْقِ الْعَبْدِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا. [جواز التعبد بالقياس] ش - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: إِذَا ثَبَتَ حُكْمٌ فِي صُورَةٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَوُجِدَ صُورَةٌ أُخْرَى مُشَارِكَةٌ لِلصُّورَةِ الْأُولَى فِي وَصْفٍ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّكُمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مُعَلَّلٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، فَقِيسُوا الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَالنَّظَّامِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّا نَقْطَعُ بِجَوَازِ التَّعَبُّدِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِلْإِسْكَارِ، فَقِيسُوا كُلَّ مُشَارِكٍ لَهَا فِي الْإِسْكَارِ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَجُزْ، لَمْ يَقَعْ ; لِأَنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِمَا سَيَأْتِي. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ التَّعَبُّدِ عَقْلًا احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُؤْمَنُ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَظْنُونًا، وَكُلُّ مَا لَا يُؤَمَنُ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِيهِ، يَمْنَعُهُ الْعَقْلُ لِكَوْنِ الْخَطَأِ مَحْظُورًا، فَلَا يُجَوِّزُ الْعَقْلُ التَّعَبُّدَ بِمَا يَكُونُ مَحْذُورًا. أَجَابَ بِأَنَّ مَنْعَ الْعَقْلِ فِي مِثْلِ مَا لَا يُؤْمَنُ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِيهِ، لَيْسَ مَنْعَ إِحَالَةٍ، بَلْ مَنْعُ احْتِيَاطٍ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَنْعَ الْعَقْلِ مَا لَا يُؤْمَنُ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِيهِ مَنْعَ إِحَالَةٍ، لَكِنْ إِذَا ظُنَّ الصَّوَابُ، لَا يَمْنَعُ الْعَقْلَ ; لِأَنَّ ظَنَّ الصَّوَابِ يُؤْمَنُ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِيهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ظَنَّ الصَّوَابِ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَيَمْنَعُهُ الْعَقْلُ ; لِأَنَّهُ عِنْدَ الْعَقْلِ مِمَّا لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ. الثَّانِي: أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَمَرَ بِمُخَالَفَةِ الظَّنِّ ; لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنَ الْحُكْمِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَبِشَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ أَفَادَتِ الظَّنَّ، وَمَنَعَ مِنْ نِكَاحِ الْأَجْنَبِيَّاتِ إِذَا اشْتَبَهْنَ بِرَضِيعَةٍ، وَإِنْ ظُنَّ بِوَاحِدَةٍ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا مَنَعَ لِمَانِعٍ خَاصٍّ. ص - النَّظَّامُ: إِذَا ثَبَتَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ، كَإِيجَابِ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ بِالْمَنِيِّ دُونَ الْبَوْلِ، وَغَسْلِ بَوْلِ الصِّبْيَةِ، وَنَضْحِ بَوْلُ الصَّبِيِّ، وَقَطْعِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ غَاصِبِ الْكَثِيرِ، وَالْجَلْدِ بِنِسْبَةِ الزِّنَا دُونَ نِسْبَةِ الْكُفْرِ، وَالْقَتْلِ بِشَاهِدَيْنِ دُونَ الزِّنَا، وَكَعِدَّتَيِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ، كَقَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا، وَالْقَاتِلِ وَالْوَاطِئِ فِي الصَّوْمِ، وَالْمُظَاهِرِ فِي الْكَفَّارَةِ، اسْتَحَالَ تَعَبُّدُهُ بِالْقِيَاسِ. وَرَدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، لِجَوَازِ انْتِفَاءِ صَلَاحِيَةِ مَا تُوُهِّمَ جَامِعًا، أَوْ وُجُودِ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ أَوِ الْفَرْعِ، وَلِاشْتِرَاكِ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي مَعْنًى جَامِعٍ، وَلِاخْتِصَاصِ كُلٍّ بِعِلَّةٍ لِحُكْمِ خِلَافِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ هُوَ الْأَمْرُ بِمُتَابَعَةِ الظَّنِّ. وَالْعَقْلُ لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَأْمُرَ الشَّارِعُ بِمُوَافَقَةِ الظَّنِّ مَعَ أَمْرِهِ بِمُخَالَفَتِهِ. أَجَابَ بِأَنْ لَا نُسَلِّمَ أَنَّهُ أَمْرٌ بِمُخَالَفَةِ الظَّنِّ، بَلْ عُلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ بِمُتَابَعَةِ الظَّنِّ، كَالْأَمْرِ بِمُتَابِعَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَظْنُونَاتِ. وَإِنَّمَا مَنَعَ الشَّارِعُ فِي الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْتُمُ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ لِمَانِعٍ خَاصٍّ، لَا لِعَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ، جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. [مسلك النظام ورده] ش - احْتَجَّ النَّظَّامُ عَلَى امْتِنَاعِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ، اسْتَحَالَ تَعَبُّدُ الشَّرْعِ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا، وَالْمُقَدَّمُ حَقٌّ، وَالتَّالِي مِثْلُهُ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ إِنَّمَا يُمْكِنُ بِاعْتِبَارِ الْجَامِعِ، وَالشَّرْعُ إِذَا لَمْ يَعْتَبِرِ الْمِثْلِيَّةَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ، وَاعْتَبَرَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ، لَزِمَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْجَامِعِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَامِعُ مُعْتَبَرًا، لَزِمَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِيَّةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ لِلْجَامِعِ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْجَامِعُ مُعْتَبَرًا، امْتَنَعَ الْقِيَاسُ ; وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِيَاسُ، امْتَنَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ عَقْلًا. أَمَّا بَيَانُ وُقُوعِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ، فَكَإِيجَابِ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ - كَإِبْطَالِ الصَّوْمِ - بِالْمَنِيِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ، وَكَإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَالنَّضْحِ - أَيِ الرَّشِّ - مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ، وَكَإِيجَابِ قَطْعِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ غَاصِبِ الْكَثِيرِ، وَكَإِيجَابِ الْجَلْدِ بِنِسْبَةِ الزِّنَا دُونَ نَسَبِهِ الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ، وَكَإِيجَابِ الْقَتْلِ بِالشَّاهِدَيْنِ دُونَ إِيجَابِ حَدِّ الزِّنَا، وَكَعِدَّتَيِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ. وَأَمَّا وُقُوعُ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 ص - قَالُوا: يُفْضِي إِلَى الِاخْتِلَافِ، فَيُرَدُّ ; لِقَوْلِهِ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ} [النساء: 82] . وَرُدَّ بِالْعَمَلِ بِالظَّوَاهِرِ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ: التَّنَاقُضُ، أَوْ مَا يُخِلُّ بِالْبَلَاغَةِ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَمَقْطُوعٌ بِالِاخْتِلَافِ فِيهَا. قَالُوا: إِنْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، فَيَكُونُ الشَّيْءُ وَنَقِيضُهُ حَقًّا وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا، فَتَصْوِيبُ أَحَدِ الظَّنَّيْنِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ مُحَالٌ، وَرُدَّ بِالظَّوَاهِرِ، وَبِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ شَرْطُهُمَا الِاتِّحَادُ،   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] كَقَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَكَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا فِي إِيجَابِ الْقَتْلِ، وَكَالْقَاتِلِ وَالْوَاطِئِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَالْمُظَاهِرِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ ; لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِفَاءِ صَلَاحِيَةِ مَا تُوُهِّمَ جَامِعًا لِلْعَلِيَّةِ، أَوْ لِوُجُودِ مُعَارِضٍ فِي الْأَصْلِ لَهُ أَثَرٌ فِي الْحُكْمِ، أَوْ لِوُجُودِ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ لَهُ أَثَرٌ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ، وَلِجَوَازِ اشْتِرَاكِ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي مَعْنًى جَامِعٍ يُوجِبُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَلِجَوَازِ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنَ الْمُخْتَلِفَاتِ بِعِلَّةٍ لِحُكْمٍ مِثْلِ حُكْمِ خِلَافِهِ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، احْتَجُّوا بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقِيَاسَ يُفْضِي إِلَى الِاخْتِلَافِ ; لِأَنَّ الْأَمَارَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وَبِأَنَّ تَصْوِيبَ أَحَدِ الظَّنَّيْنِ لَا بِعَيْنِهِ جَائِزٌ. قَالُوا: إِنْ كَانَ الْقِيَاسُ كَالنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، فَمُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا، فَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ. وَرُدَّ بِالظَّوَاهِرِ، وَبِجَوَازِ مُخَالِفَةِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ بِالظَّنِّ. قَالُوا: حُكْمُ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ خَبَرَهُ عَنْهُ، وَيَسْتَحِيلُ بِغَيْرِ التَّوْقِيفِ. قُلْنَا: الْقِيَاسُ نَوْعٌ مِنَ التَّوْقِيفِ. قَالُوا: يَتَنَاقَضُ عِنْدَ تَعَارُضِ عِلَّتَيْنِ. وَرُدَّ بِالظَّوَاهِرِ، وَبِأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدًا، رُجِّحَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُقِفَ عَلَى قَوْلٍ. وَتَخَيَّرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَإِنْ تَعَدَّدَ، فَوَاضِحٌ. ص - الْمُوجِبُ: النَّصُّ لَا يَفِي بِالْأَحْكَامِ، فَقَضَى الْعَقْلُ بِالْوُجُوبِ. وَرَدَّ بِأَنَّ الْعُمُومَاتِ يَجُوزُ أَنْ تَفِيَ، مِثْلُ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ، قَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ، إِلَّا دَاوُدَ وَابْنَهُ وَالْقَاشَانِيَّ وَالنَّهْرَوَانِيَّ، وَالْأَكْثَرُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُتَعَدِّدَةٌ. فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ كُلٌّ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ أَمَارَةً، يُوجِبُ إِلْحَاقَ الْفَرْعِ بِأَصْلٍ يُخَالِفُ أَصْلَ الْآخَرِ. وَمَا يُفْضِي إِلَى الِاخْتِلَافِ يَكُونُ مَرْدُودًا ; لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ فِيهِ اخْتِلَافٌ، فَلَا يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَا يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ ; فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَرْدُودًا. وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِلَافِ التَّنَاقُضُ، أَوِ الِاخْتِلَافُ الَّذِي يُخِلُّ بِالْبَلَاغَةِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، لَوَجَدُوا فِيهِ تَنَاقُضًا كَثِيرًا، أَوْ وَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا يُخِلُّ بِالْبَلَاغَةِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا ; لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَحْكَامِ حَاصِلٌ قَطْعًا. الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ أَقْيِسَةُ الْمُجْتَهِدِينَ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَنَقِيضُهُ حَقًّا، وَهُوَ مُحَالٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، فَتَصْوِيبُ أَحَدِ الظَّنَّيْنِ، دُونَ الْآخَرِ مَعَ اسْتِوَاءِ الظَّنَّيْنِ، مُحَالٌ; لِامْتِنَاعِ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ. أَجَابَ بِالنَّقْضِ، فَإِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ بِعَيْنِهِ جَارٍ فِي الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ، مَعَ جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِهِ. وَبِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ كَوْنِ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ حَقًّا عِنْدَ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مِنَ الْحُكْمِ، لَا يَكُونُ نَقِيضًا لِمَا أَفْضَى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ الْآخَرِ ; لِأَنَّ شَرْطَ التَّنَاقُضِ الِاتِّحَادُ فِيمَا عَدَا السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ حُكْمُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي حَقِّ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ: الْحُرْمَةُ، وَفِي حَقِّ الْآخَرِ الْإِبَاحَةُ، أَوِ الْحُرْمَةُ فِي زَمَانٍ، وَالْإِبَاحَةُ فِي آخَرَ. وَإِذَا كَانَ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفًا، فَيَكُونُ الْحُرْمَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصٍ، أَوْ فِي زَمَانٍ، وَعَدَمُ الْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصٍ آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّحَادُ، فَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ، وَبِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ التَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ عِنْدَ تَصْوِيبِ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَحْكُمُ بِتَصْوِيبِ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا بِعَيْنِهِ، وَتَصْوِيبُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّرْجِيحَ بِدُونِ مُرَجِّحٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، أَيِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، أَوْ مُخَالِفًا لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، يَكُونُ الْقِيَاسُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ; لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثَابِتٌ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، يَكُونُ الْقِيَاسُ بَاطِلًا ; لِأَنَّ النَّفْيَ الْأَصْلِيَّ مُتَيَقَّنٌ، وَالْقِيَاسُ مَظْنُونٌ، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ. أَجَابَ بِالنَّقْضِ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ، وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ. الرَّابِعُ: أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُخْبِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ مُفَسَّرٌ بِخِطَابِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَيَسْتَحِيلُ خَبَرُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ التَّوْقِيفِ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ لَا يَكُونُ بِالتَّوْقِيفِ، فَلَا يَكُونُ حُكْمَ اللَّهِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ نَوْعٌ مِنَ التَّوْقِيفِ ; لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ أَوِ الْإِجْمَاعِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ، لَزِمَ التَّنَاقُضُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْعِلَّتَيْنِ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ الْعِلَّتَانِ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فَإِمَّا أَنْ يَعْمَلَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَيَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَإِنْ عَمِلَ بِهِمَا، يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. أَجَابَ بِالنَّقْضِ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ، وَبِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ وَاحِدًا عِنْدَ تَعَارُضِ الْعِلَّتَيْنِ، تُرَجَّحُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَيَعْمَلُ بِالرَّاجِحِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجْحَانُ، تَوَقَّفَ عَلَى قَوْلٍ، وَيُخَيَّرُ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُجْتَهِدُونَ فَكُلٌّ يَعْمَلُ بِمَا هُوَ عِلَّةٌ عِنْدَهُ، وَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ، لِمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي. ش - الْمُوجِبُ، أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا، قَالَ: النَّصُّ لَا تَفِي بِالْأَحْكَامِ ; لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالنُّصُوصُ مُتَنَاهِيَةٌ. فَيَقْضِي الْعَقْلُ بِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ خُلُوُّ أَكْثَرِ الْوَقَائِعِ عَنِ الْحُكْمِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ مِنْ بِعْثَةِ الرُّسُلِ. أَجَابَ بِأَنَّ النُّصُوصَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاهِيَةً، يَجُوزُ أَنْ تَفِيَ الْعُمُومَاتُ بِالْأَحْكَامِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ، بِأَنْ يَشْمَلَ عَامٌّ وَاحِدٌ جُزْئِيَّاتٍ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، مِثْلَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مَطْعُومٍ رِبَوِيٌّ. [مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ] ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا، قَائِلُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 وَالْأَكْثَرُ قَطْعِيٌّ، خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ. لَنَا: ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتِ التَّفَاصِيلُ آحَادًا، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَاطِعٍ. وَأَيْضًا: تَكَرَّرَ وَشَاعَ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مِثْلِهِ وِفَاقٌ. فَمِنْ ذَلِكَ رُجُوعُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى الزَّكَاةِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْأَنْصَارِ فِي أُمِّ الْأَبِّ: تُرِكَتِ الَّتِي لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَّةُ، وَرِثَ الْجَمِيعُ، فَشَرَّكَ بَيْنَهُمَا. وَتَوْرِيثُ عَمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَبْتُوتَةَ بِالرَّأْيِ. وَقَوْلُ عَلِيٍّ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا شَكَّ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ: أَرَأَيْتَ لَوِ اشْتَرَكَ نَفَرٌ فِي سَرِقَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ إِلْحَاقُ بَعْضِهِمُ الْجَدَّ بِالْأَخِ، وَبَعْضِهِمْ بِالْأَبِّ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ. ص - فَإِنْ قِيلَ: أَخْبَارُ آحَادٍ فِي قَطْعِيٍّ. سَلَّمْنَا، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ بِغَيْرِهَا. سَلَّمْنَا، لَكِنَّهُمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ. سَلَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ دَلِيلٍ، وَلَا نُسَلِّمُ نَفْيَ الْإِنْكَارِ. سَلَّمْنَا، لَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ. سَلَّمْنَا، لَكِنَّهَا أَقْيِسَةٌ مَخْصُوصَةٌ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ فِي الْمَعْنَى، كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِوُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ، إِلَّا دَاوُدَ الْأَصْفَهَانِيَّ وَابْنَهُ، وَالْقَاشَانِيَّ وَالنَّهْرَوَانِيَّ. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ وُقُوعَ التَّعَبُّدِ بِهِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ أَوِ الْعَقْلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ إِلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ اخْتَلَفُوا ; فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ إِلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ الَّذِي هُوَ قَطْعِيٌّ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ بِدَلِيلٍ سَمْعِيٍّ قَطْعِيٍّ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَفَاصِيلُ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ آحَادًا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ تَوَاتُرُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّفَاصِيلِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ. وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ اجْتِمَاعَ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا هُوَ أَصْلٌ، لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَاطِعٍ دَالٍّ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَكَرَّرَ عَمَلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَشَاعَ وَذَاعَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ سُكُوتَ الْبَاقِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُوَافَقَةِ، فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ حَاصِلًا عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ يُعْتَدُّ بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَقَائِعَ قَدْ عَمِلَ فِيهَا الصَّحَابَةُ بِالْقِيَاسِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَمِنْ ذَلِكَ: رُجُوعُ الصَّحَابَةِ إِلَى اجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَقِتَالُهُمْ عَلَى الزَّكَاةِ لِقِيَاسِهِمْ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ بِوَاسِطَةِ أَخْذِهَا لِلْفُقَرَاءِ. وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ بَعْضِ الْأَنْصَارِ لِأَبِي بَكْرٍ، لَمَّا وَرَّثَ أُمَّ الْأُمِّ، وَلَمْ يُوَرِّثْ أُمَّ الْأَبِ: لَقَدْ وَرَّثْتَ امْرَأَةً مِنْ مَيِّتٍ، لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَّةُ، لَمْ يَرِثْهَا، وَتَرَكْتَ امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَّةُ، وَرِثَ جَمِيعُ مَا تَرَكَتْ. فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَشَرَّكَ السُّدُسَ بَيْنَ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِّ. وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عُمَرَ وَرَّثَ الْمَبْتُوتَةَ بِالرَّأْيِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ عَلِيٍّ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا شَكَّ عُمَرُ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ: أَرَأَيْتَ لَوِ اشْتَرَكَ نَفَرٌ فِي سَرِقَةٍ، أَكُنْتَ تَقْطَعُهُمْ؟ قَالَ عُمَرُ: نَعَمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَمِنْ ذَلِكَ: إِلْحَاقُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الْجَدَّ بِالْأَخِ، وَبَعْضِهِمْ بِالْأَبِّ فِي إِسْقَاطِ الْأُخْوَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا تُحْصَى. ش - لَمَّا ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، ذَكَرَ أَسْئِلَةً مَعَ الْجَوَابِ، وَتَقْرِيرُ الْأَسْئِلَةِ أَنْ يُقَالَ: التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ. وَالْوَقَائِعُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ أَخْبَارُ آحَادٍ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ. سَلَّمْنَا: أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ بِالْأَقْيِسَةِ، بَلْ عَمِلُوا بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ. سَلَّمْنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ بِالْقِيَاسِ، لَكِنَّهُمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، فَلَا يَكُونُ عَمَلُهُمْ حُجَّةً. سَلَّمْنَا أَنَّ عَمَلَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ الْبَاقِينَ دَلِيلٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ نَفْيَ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ تَارَةً إِنْكَارُ الرَّأْيِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 وَعَنِ الثَّانِي: الْقَطْعُ مِنْ سِيَاقِهَا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِهَا. وَعَنِ الثَّالِثِ: شِيَاعُهُ وَتَكْرِيرُهُ قَاطِعٌ عَادَةً بِالْمُوَافَقَةِ. وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِنَقْلِ مِثْلِهِ. وَعَنِ الْخَامِسِ: مَا سَبَقَ فِي الثَّالِثِ. وَعَنِ السَّادِسِ: الْقَطْعُ بِأَنَّ الْعَمَلَ لِظُهُورِهَا لَا لِخُصُوصِهَا، كَالظَّوَاهِرِ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِمَا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ الْعِلَلِ لِيَبْتَنِي عَلَيْهَا، مِثْلَ: " «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» "، " «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ» "، وَلَيْسَ بِالْبَيْنِ. وَاسْتَدَلَّ بِإِلْحَاقِ كُلِّ زَانٍ بِمَاعِزٍ. وَرَدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ» "، أَوْ لِلْإِجْمَاعِ. وَاسْتَدَلَّ بِمِثْلِ: (فَاعْتَبِرُوا) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الِاتِّعَاظِ، أَوْ فِي الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ، مَعَ أَنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " مُحْتَمِلَةٌ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَغَايَتُهُ الظَّنُّ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ لَا يَكْفِي فِي التَّعَدِّي دُونَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأُخْرَى إِنْكَارُ الْقِيَاسِ، وَأُخْرَى إِنْكَارُ مَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ لَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيٍ. وَعَنْ عُمَرَ: إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَإِيَّاكُمْ وَالْمُكَايَلَةَ. قِيلَ: وَمَا الْمُكَايَلَةُ؟ قَالَ: الْمُقَايَسَةُ. وَعَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَيَّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٌ مِنْ قِبَلِهِ قَاضٍ: اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَاقْضِ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِيهَا، فَاقْضِ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَقْضِيَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَنْ عَلِيٍّ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالْقِيَاسِ، لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: يَذْهَبُ قُرَّاؤُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ، وَيَتَّخِذُ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُمْ فِي دِينِكُمْ بِالْقِيَاسِ، أَحْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَحَرَّمْتُمْ كَثِيرًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ لِنَبِيِّهِ: {احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ، وَلَمْ يَقُلْ: بِمَا رَأَيْتَ. وَقَالَ: لَوْ جَعَلَ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْكُمَ بِرَأْيِهِ، لَجَعَلَ ذَلِكَ لِنَبِيِّهِ، وَلَكِنْ قِيلَ لَهُ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْمَقَايِيسَ، فَإِنَّمَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِالْمَقَايِيسِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ; السُّنَّةُ مَا سَنَّهُ الرَّسُولُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا تَجْعَلُوا الرَّأْيَ سُنَّةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ، أَخَافَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يَذُمُّ الْقِيَاسَ وَيَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ إِبْلِيسُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنْ أَخَذْتُمْ بِالْقِيَاسِ أَحْلَلْتُمُ الْحَرَامَ، وَحَرَّمْتُمُ الْحَلَالَ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَصْرِيحُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِإِنْكَارِ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ. سَلَّمْنَا أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِالْقِيَاسِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ، لَكِنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِمْ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ إِنْكَارِهِمْ لِلْخَوْفِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ. سَلَّمْنَا أَنَّ سُكُوتَهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، لَكِنَّهَا أَقْيِسَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِكُلِّ قِيَاسٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَإِنْ كَانَتْ آحَادًا فِي التَّفَاصِيلِ، إِلَّا أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا - وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ - مُتَوَاتِرٌ، كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وَسَخَاوَةِ حَاتِمٍ. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ سِيَاقَ تِلْكَ الْأَخْبَارِ وَقَرَائِنَ الْأَحْوَالِ، دَلَّ قَطْعًا بِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِالْقِيَاسِ فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ لَا بِالنَّصِّ ; لِأَنَّ عَمَلَهُمْ لَوْ كَانَ بِالنَّصِّ لَأَظْهَرُوهُ. وَلَوْ أَظْهَرُوهُ لَاشْتُهِرَ، وَلَوِ اشْتُهِرَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مَا عَمِلُوا فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ بِالنَّصِّ. وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ شَيَاعَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَتَكْرِيرَهُ قَاطِعٌ عَادَةً بِأَنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِمْ بِسَبَبِ الْمُوَافَقَةِ. وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ مِنْ بَعْضِهِمْ، لَنُقِلَ، وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا. أَوِ الْإِنْكَارُ فِي الصُّوَرِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ إِنَّمَا كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ مَرْتَبَةُ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَفِي قِيَاسٍ أَخَلَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ، جَمْعًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمُ الْمَنْعَ مِنَ الْقِيَاسِ هُمُ الَّذِينَ دَلَّلْنَا عَلَى تَجْوِيزِهِمُ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْفِيقِ. وَعَنِ الْخَامِسِ: مَا سَبَقَ فِي الثَّالِثِ. وَعَنِ السَّادِسِ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالْأَقْيِسَةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْسَ لِأَجْلِ خُصُوصِهَا، كَالظَّوَاهِرِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهَا لَيْسَ لِأَجْلِ خُصُوصِهَا، بَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لِأَجْلِ أَنَّهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ. ش - ذَكَرَ أَرْبَعَةَ اسْتِدْلَالَاتٍ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ثَبَتَ بِمَا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ الْعِلَلَ ; لِيَبْنِيَ عَلَى تِلْكَ الْعِلَلِ الْأَحْكَامَ ; لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَأَجَابَ عَنْ كُلِّ صُورَةٍ مِنْهَا بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْعِلَّةِ إِرْشَادًا لِأُمَّتِهِ إِلَى الْقِيَاسِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلُ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْخَثْعَمِيَّةِ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» . وَمِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ» ". وَأَمْثَالُهُ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ مُتَعَبَّدٌ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لَيْسَ بِالْبَيْنِ ; لِأَنَّ غَايَتَهُ التَّصْرِيحُ بِالْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ. وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْعِلَّةِ لِتَعْرِيفِ الْبَاعِثِ عَلَى الْحُكْمِ ; لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الِانْقِيَادِ، لَا لِأَجْلِ إِلْحَاقِ الْغَيْرِ بِهِ. وَلَئِنْ سَلَّمَ أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ وَقَرِينَةَ الْحَالِ يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ الْعِلَّةِ هُوَ إِلْحَاقُ الْغَيْرِ بِهِ، لَكِنْ لَا يَكُونُ دَلِيلًا قَطْعِيًّا عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، بَلْ ظَنِّيًّا، وَكَلَامُنَا فِي الْقَطْعِيِّ. الِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي: أَنَّ رَجْمَ كُلِّ زَانٍ مُحْصَنٍ لَيْسَ إِلَّا لِأَجْلِ الْإِلْحَاقِ بِمَاعِزٍ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. فَإِنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ ثَبَتَ بِفِعْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَلَا نَصَّ عَلَى رَجْمِ كُلِّ زَانٍ لِعَدَمِ النَّقْلِ، فَيَكُونُ لِأَجْلِ الْقِيَاسِ. أَجَابَ بِأَنَّ رَجْمَ كُلِّ زَانٍ مُحْصَنٍ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» "، أَوْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُ الْإِجْمَاعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصًّا عَامًّا لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يُنْقَلُ إِلَيْنَا ; لِأَنَّهُ قَدِ اسْتُغْنِيَ بِالْإِجْمَاعِ عَنْهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ الْمُجَاوَزَةُ وَالِاعْتِبَارُ مِنَ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ، وَالِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ، فَوَجَبَ الْقِيَاسُ. أَجَابَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ ظَاهِرٌ فِي الِاتِّعَاظِ، أَوْ فِي الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ، لَا فِي الْأَقْيِسَةِ الشَّرْعِيَّةِ. عَلَى أَنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ قَطْعِيَّةً. الرَّابِعُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: بِمَ تَقْضِي يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِيهَا؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي» . وَصَوَّبَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ مُعْتَدٌّ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْآحَادِ، وَغَايَتُهُ إِفَادَةُ الظَّنِّ. [مَسْأَلَةٌ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ لَا يَكْفِي فِي التَّعَدِّي دُونَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إِذَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ، هَلْ يَكْفِي فِي تَعَدِّي الْحُكْمِ مِنَ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ، دُونَ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ أَمْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ عَنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَالْقَاشَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ وَالْكَرْخِيُّ: إِنَّهُ يَكْفِي ذَلِكَ بِدُونِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّ: إِنَّهُ يَكْفِي ذَلِكَ فِي عِلَّةِ التَّحْرِيمِ، لَا غَيْرِهَا مِنْ عِلَّةِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ مَنْ قَالَ: أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِحُسْنِ خُلُقِهِ، لَا يَقْتَضِي عِتْقَ غَيْرِ غَانِمٍ مِنْ عَبِيدِهِ ; لِكَوْنِهِمْ حَسَنِي الْخُلُقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وَقَالَ أَحْمَدُ وَالْقَاشَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ وَالْكَرْخِيُّ: يَكْفِي. وَقَالَ الْبَصْرِيُّ: يَكْفِي فِي عِلَّةِ التَّحْرِيمِ لَا غَيْرِهَا. لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّ مَنْ قَالَ: أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِحُسْنِ خُلُقِهِ، لَا يَقْتَضِي عِتْقَ غَيْرِهِ مِنْ حَسَنِي الْخُلُقِ. ص - قَالُوا: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا، مِثْلُ: حُرِّمَتْ كُلُّ مُسْكِرٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَهُ عُتِقَ مَنْ تَقَدَّمَ. قَالُوا: لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ، وَالْحَقُّ لِآدَمِيٍّ. قُلْنَا: يُعْتَقُ بِالصَّرِيحِ وَبِالظَّاهِرِ. قَالُوا: لَوْ قَالَ الْأَبُّ لَا تَأْكُلْ هَذَا لِأَنَّهُ مَسْمُومٌ، فُهِمَ عُرْفًا الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَسْمُومٍ. قُلْنَا: بِقَرِينَةِ شَفَقَةِ الْأَبِّ، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخُصُّ لِأَمْرٍ لَا يُدْرَكُ. قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْمِيمِ، لَعُرِّيَ عَنِ الْفَائِدَةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَوْ كَانَ التَّنْصِيصُ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ كَافِيًا فِي تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ مِنَ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَى عِلَّتِهِ إِلَى غَيْرِهِ، بِدُونِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، لَاقْتَضَى ذَلِكَ عِتْقَ غَيْرِ غَانِمٍ مِنْ حَسَنِي الْخُلُقِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَعْتَقْتُ كُلَّ عَبْدٍ لِي حَسَنٍ خُلُقُهُ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَى عِلَّتِهِ يَكْفِي فِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، بِدُونِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ كُلُّ مُسْكِرٍ، فَكَمَا أَنَّ الثَّانِيَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ كُلِّ مُسْكِرٍ، فَكَذَا الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِثْلُ الثَّانِي ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَهُ، أُعْتِقَ غَيْرُ غَانِمٍ مِمَّنْ حَسُنَ خُلُقُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِحُسْنِ خُلُقِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِ: أَعْتَقْتُ كُلَّ عَبْدٍ لِي حَسَنٍ خُلُقُهُ. وَالثَّانِي يَقْتَضِي عِتْقَ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ حَسَنٍ خُلُقُهُ، فَكَذَا الْأُولَى ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 وَأُجِيبَ بِتَعَقُّلِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَلَا يَكُونُ التَّعْمِيمُ إِلَّا بِدَلِيلٍ. قَالُوا: لَوْ قَالَ: عِلَّةُ التَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ، لَعَمَّ، فَكَذَلِكَ هَذَا. قُلْنَا: حُكِمَ بِالْعِلَّةِ عَلَى كُلِّ إِسْكَارٍ، فَالْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ سَوَاءٌ. ص - الْبَصْرِيُّ: مَنْ تَرَكَ أَكْلَ شَيْءٍ لِأَذَاهُ، دَلَّ عَلَى تَرْكِهِ كُلَّ مُؤْذٍ، بِخِلَافِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ. قُلْنَا: إِنْ سُلَّمَ، فَلِقَرِينَةِ التَّأَذِّي، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْقِيَاسُ يَجْرِي فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. لَنَا: إِنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ، وَقَدْ حُدَّ فِي الْخَمْرِ بِالْقِيَاسِ. وَأَيْضًا: الْحُكْمُ لِلظَّنِّ، وَهُوَ حَاصِلٌ كَغَيْرِهِ. ص - قَالُوا: فِيهِ تَقْدِيرٌ لَا يُعْقَلُ، كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ. قُلْنَا: إِذَا فُهِمَتِ الْعِلَّةُ وَجَبَ، كَالْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، وَقَطْعِ النَّبَّاشِ. قَالُوا: قَالَ: " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبَهَاتِ» ". وَرَدَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالشَّهَادَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ. لَنَا: أَنَّهُ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ تَغَايُرُ الْوَصْفَيْنِ، فَلَا أَصْلَ لِوَصْفِ الْفَرْعِ. وَأَيْضًا: عِلَّةُ الْأَصْلِ مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الْفَرْعِ، فَلَا جَمْعَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَمُنِعَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يَعْتِقْ كُلُّ عَبْدٍ لَهُ حَسُنَ خُلُقُهُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَرِّحٍ بِعِتْقِ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ حَسَنٍ خُلُقُهُ، وَالْحَقُّ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَالشَّارِعُ اعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ صَرِيحَ الْقَوْلِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْعِتْقَ كَمَا يَحْصُلُ بِالصَّرِيحِ، يَحْصُلُ بِالظَّاهِرِ، وَإِذَا كَانَ التَّنْصِيصُ بِالْعِلَّةِ مِثْلَ إِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى الْعِلَّةِ، يَكُونُ قَوْلُهُ: أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِحُسْنِ خُلُقِهِ ظَاهِرًا فِي عِتْقِ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ حَسَنٍ خُلُقُهُ. وَالثَّانِي: لَوْ قَالَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ: لَا تَأْكُلْ هَذَا الطَّعَامَ ; لِأَنَّهُ مَسْمُومٌ، فُهِمَ عُرْفًا الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَسْمُومٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: لَا تَأْكُلْ هَذَا ; لِأَنَّهُ مَسْمُومٌ، مِثْلَ قَوْلِهِ: لَا تَأْكُلْ كُلَّ مَسْمُومٍ، لَمَا فُهِمَ عُرْفًا ذَلِكَ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ فَهْمَ ذَلِكَ عُرْفًا مِنَ اللَّفْظِ، بَلْ فُهِمْ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ، وَهِيَ شَفَقَةُ الْأَبِ ; فَإِنَّ شَفَقَةَ الْأَبِ يَقْتَضِي مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ كُلِّ سُمٍّ، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُخَصُّ لِأَمْرٍ لَا يُدْرَكُ. الثَّالِثُ: لَوْ لَمْ يَكُنِ التَّنْصِيصُ عَلَى الْعِلَّةِ لِتَعْمِيمِ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْعِلَّةِ، لَعُرِّيَ التَّنْصِيصُ عَنِ الْفَائِدَةِ لِحُصُولِ الْحُكْمِ فِي الْمَنْصُوصِ بِمُجَرَّدِ النَّصِّ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَى عِلَّتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ فَائِدَةَ التَّنْصِيصِ عَلَى الْعِلَّةِ تَعَقُّلُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ الْحُكْمُ فِيهِ، أَيْ فِي الْمَحَلِّ ; لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى الِانْقِيَادِ، وَتَعْمِيمُ الْحُكْمِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ. الرَّابِعُ: لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: الْإِسْكَارُ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ، لَعَمَّ التَّحْرِيمُ كُلَّ مُسْكِرٍ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا، يَعُمُّ التَّحْرِيمُ فِيهِ كُلَّ مُسْكِرٍ ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ. أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: الْإِسْكَارُ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ حَكَمَ بِالْعِلَّةِ عَلَى كُلِّ إِسْكَارٍ، فَالْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ تَسَاوَيَا فِيهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا ; فَإِنَّهُ حُكِمَ بِالْعِلَّةِ عَلَى إِسْكَارِ الْخَمْرِ. فَلَا يَكُونُ الْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ فِيهِ سَوَاءً. ش - احْتَجَّ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ أَكْلَ شَيْءٍ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُؤْذٍ، دَلَّ عَلَى تَرْكِهِ كُلَّ مُؤْذٍ، بِخِلَافِ مَنِ ارْتَكَبَ أَمْرَ الْمَصْلَحَةِ، كَالتَّصَدُّقِ عَلَى فَقِيرٍ، فَإِنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا يَدُلُّ عَلَى تَصَدُّقِهِ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِهِ كُلَّ مُؤْذٍ، وَلَوْ سَلَّمَ دَلَالَتَهُ عَلَى تَرْكِهِ كُلَّ مُؤْذٍ، فَلِأَجْلِ قَرِينَةِ التَّأَذِّي، لَا بِمُجَرَّدِ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الْخَفِيَّةِ، إِذْ لَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مُطْلَقُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِخُصُوصِيَّةِ الْمَحَلِّ مَدْخَلٌ فِي الْعِلَّةِ. [مسألة جريان القياس في الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ] ش - الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ، أَيْ تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى إِجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِيهَا بِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى كَوْنِ الْقِيَاسِ حُجَّةً، غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِبَعْضِ الصُّوَرِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَشْمَلُ الْحُدُودَ وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرَهَا. وَأَيْضًا: قَدْ وَقَعَ الْقِيَاسُ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] إِذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَحُدُّوهُ حَدَّ الْقَذْفِ. فَقَاسَ شَارِبَ الْخَمْرِ عَلَى الْقَاذِفِ بِجَامِعِ الِافْتِرَاءِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ بِالْقِيَاسِ. وَأَيْضًا: الْحُكْمُ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الظَّنِّ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْحَدِّ، كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي غَيْرِ الْحَدِّ، فَيَكُونُ الظَّنُّ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ فِي الْحَدِّ أَيْضًا. وَالْقِيَاسُ مُفِيدٌ لِلظَّنِّ، فَيَكُونُ الْقِيَاسُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ فِي الْحَدِّ. ش - احْتَجَّتِ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ تَقْدِيرًا لَا يُعْقَلُ، أَيِ الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُقَدَّرَةِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ الْمَعْنَى الْمُوجَبُ لِلْحُكْمِ فِيهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِذَا فُهِمَتِ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُكْمِ، وَجَبَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ فُهِمَتِ الْعِلَّةُ، كَمَا فِي قِيَاسِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ، وَكَقِيَاسِ قَطْعِ النَّبَّاشِ عَلَى قَطْعِ السَّارِقِ. الثَّانِي: أَنَّ الْقِيَاسَ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَالشُّبْهَةَ لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا، فَلَا يَثْبُتُ الْحُدُودُ بِهِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبَهَاتِ» ". أَجَابَ بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَالشُّبْهَةَ ; لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا مَعَ ثُبُوتِ الْحَدِّ بِهِ. [مسألة جريان القياس في الْأَسْبَابِ] ش - اخْتُلِفَ فِي إِجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِلَى خِلَافِهِ، وَصُورَتُهُ أَنَّ اللِّوَاطَ سَبَبٌ لِلْحَدِّ قِيَاسًا عَلَى الزِّنَا، وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ، لَصَحَّ الْقِيَاسُ بِالْوَصْفِ الْمُرْسَلِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ وَصْفَ الْفَرْعِ كَاللِّوَاطِ مَثَلًا مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ تَغَايُرُ الْوَصْفَيْنِ، أَعْنِي وَصْفَ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ اللِّوَاطُ، وَوَصْفَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الزِّنَا، وَقَدْ شَهِدَ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ الزِّنَا، وَلَمْ يَشْهَدْ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ اللِّوَاطِ، فَيَكُونُ مُرْسَلًا. وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ تَغَايُرَ الْوَصْفَيْنِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ شَهَادَةِ أَصِلٍ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ اللِّوَاطِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللِّوَاطَ قِيسَ عَلَى الزِّنَا فِي السَّبَبِيَّةِ لِمَعْنًى أَوْجَبَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 وَأَيْضًا: إِنْ كَانَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ حِكْمَةً عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا أَوْ ضَابِطًا لَهَا، اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَامِعٌ، فَفَاسِدٌ. ص - قَالُوا: ثَبَتَ الْمُثْقَلُ عَلَى الْمُحَدَّدِ، وَاللِّوَاطُ عَلَى الزِّنَا. قُلْنَا: لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ ثَبَتَ لَهُمَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ، وَإِيلَاجُ فَرَجٍ فِي فَرْجٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يُجْرَى الْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. لَنَا: ثَبَتَ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، كَالدِّيَةِ، وَالْقِيَاسُ فَرْعُ الْمَعْنَى. وَأَيْضًا: قَدْ تَبَيَّنَ امْتِنَاعُهُ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ. ص - قَالُوا: مُتَمَاثِلَةٌ، فَيَجِبُ تَسَاوِيهَا فِي الْجَائِزِ. قُلْنَا: قَدْ يَمْتَنِعُ، أَوْ يَجُوزُ فِي بَعْضِ النَّوْعِ أَمْرٌ لِأَمْرٍ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الزِّنَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي اللِّوَاطِ. وَذَلِكَ الْمَعْنَى شَهِدَ لَهُ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِهِ حَيْثُ جَعَلَ الزِّنَا سَبَبًا. الثَّانِي: أَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ وَهُوَ حِفْظُ النَّسَبِ بِسَبَبِيَّةِ الزِّنَا مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الْفَرْعِ، وَإِذَا انْتَفَى عِلَّةُ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، امْتَنَعَ الْقِيَاسُ، إِذِ الْقِيَاسُ بِدُونِ جَامِعِ مُمْتَنِعٌ. الثَّالِثُ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ جَامِعٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا جَامِعٌ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْجَامِعُ حِكْمَةً عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْجَامِعِ حِكْمَةً أَوْ ضَابِطًا لِلْحِكْمَةِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ فِي كَوْنِهِمَا مَعْلُولَيِ الْحِكْمَةِ ; لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي بِهَا يَكُونُ الْوَصْفُ سَبَبًا هِيَ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا يَكُونُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْوَصْفِ ثَابِتًا، فَيَكُونُ الْحِكْمَةُ أَوِ الضَّابِطُ لَهَا مُسْتَقِلًّا بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ سَبَبًا لِلْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ جَامِعٌ يَكُونُ الْقِيَاسُ فَاسِدًا. ش - الْقَائِلُونَ بِجَرْيِ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ قَالُوا: قَدْ وَقَعَ الْقِيَاسُ فِي الْأَسْبَابِ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الصِّحَّةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ وَقَعَ لِأَنَّهُ قِيسَ سَبَبِيَّةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى سَبَبِيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ، وَقِيسَ سَبَبِيَّةُ اللِّوَاطِ عَلَى سَبَبِيَّةِ الزِّنَا. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ، وَإِيلَاجُ فَرَجٍ فِي فَرَجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا، ثَبَتَ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ حِفْظُ النَّفْسِ وَالنَّسَبِ، وَالنِّزَاعُ وَقَعَ فِي السَّبَبَيْنِ أَثْبَتَ سَبَبِيَّةَ أَحَدِهِمَا بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ، وَسَبَبِيَّةَ الْآخَرِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. [مسألة جريان القياس في جميع الأحكام] ش - لَا يَثْبُتُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِلْأَقَلِّينَ، وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ إِجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ثَبَتَ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، أَيْ مَا لَا يُعْقَلُ حِكْمَةُ الْحُكْمِ، كَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْقِيَاسُ فَرْعُ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى، فَمَا لَا يُتَعَقَّلُ مَعْنَاهُ، لَا يُجْرَى فِيهِ الْقِيَاسُ. الثَّانِي: أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ امْتِنَاعَ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْأَسْبَابُ وَالشُّرُوطُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ لِمَا بَيَّنَّا فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، فَلَا يُجْرَى الْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. ش - الْأَقَلُّونَ قَالُوا: الْأَحْكَامُ مُتَمَاثِلَةٌ لِانْدِرَاجِهَا تَحْتَ حَدٍّ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ، وَالْأُمُورُ الْمُتَمَاثِلَةُ يَجِبُ تَسَاوِيهَا فِيمَا جَازَ عَلَى بَعْضِهَا، وَقَدْ صَحَّ جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الْبَعْضِ، فَيَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ، أَوْ يَجُوزُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ النَّوْعِ أَمْرٌ لِأَجْلِ أَمْرٍ اخْتَصَّ بِذَلِكَ الْبَعْضِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ، أَيْ يَكُونُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَفْرَادِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِي امْتِنَاعِ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَجَوَازِهِ. [الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ] [الاستفسار] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِيَاسِ وَأَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهَا وَأَقْسَامِهِ وَبَيَانِ كَوْنِهِ حُجَّةً، شَرَعَ فِي الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَنْعِ أَوِ الْمُعَارَضَةِ. وَالْمَنْعُ إِمَّا لِمُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ، أَوْ لِجَمِيعِهَا. وَالْمُعَارَضَةُ إِمَّا فِي الْمُقَدِّمَةِ أَوْ فِي نَفْسِ الْقِيَاسِ. وَالِاعْتِرَاضَاتُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: الْأَوَّلُ: الِاسْتِفْسَارُ، وَهُوَ طَلَبُ مَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ إِجْمَالٌ بِسَبَبِ تَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَحْمَلَيْنِ، أَوْ غَرَابَةٌ بِسَبَبِ نُدْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَا يَعْرِفُهُ الْمُخَاطَبُ. وَبَيَانُ الْإِجْمَالِ وَالْغَرَابَةِ عَلَى الْمُعْتَرِضِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا. وَبَيَانُ الْإِجْمَالِ بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ صِحَّةَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مُتَعَدِّدٍ، وَلَا يُكَلَّفُ الْمُعْتَرِضُ بَيَانَ تَسَاوِي الْمَحْمَلَيْنِ فِي إِطْلَاقِ ذَلِكَ اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا ; لِعُسْرِهِ، إِذْ مَا مِنْ وَجْهٍ يُبَيَّنُ بِهِ التَّسَاوِي إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ. ص - الِاعْتِرَاضَاتُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَنْعٍ أَوْ مُعَارَضَةٍ، وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: الْأَوَّلُ: الِاسْتِفْسَارُ، وَهُوَ طَلَبُ مَعْنَى اللَّفْظِ لِإِجْمَالٍ أَوْ غَرَابَةٍ، وَبَيَانُهُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ بِصِحَّتِهِ عَلَى مُتَعَدِّدٍ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيَانُ التَّسَاوِي لِعُسْرِهِ. وَلَوْ قَالَ: التَّفَاوُتُ يَسْتَدْعِي تَرْجِيحًا بِأَمْرٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، لَكَانَ جَيِّدًا. وَجَوَابُهُ بِظُهُورِهِ فِي مَقْصُودِهِ بِالنَّقْلِ أَوْ بِالْعُرْفِ أَوْ بِقَرَائِنَ مَعَهُ، أَوْ بِتَفْسِيرِهِ. وَإِذَا قَالَ: يَلْزَمُ ظُهُورُهُ فِي أَحَدِهِمَا دَفْعًا لِلْإِجْمَالِ، أَوْ قَالَ: يَلْزَمُ ظُهُورُهُ فِيمَا قَصَدْتُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْآخَرِ اتِّفَاقًا، فَقَدْ صَوَّبَهُ بَعْضٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ لُغَةٌ، فَمِنْ جِنْسِ اللَّعِبِ. ص - الثَّانِي: فَسَادُ الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَقُولَ: لِمَ قُلْتَ؟ لَا تَفَاوُتَ بَيْنِهِمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَلَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ فِي بَيَانِ تُسَاوِي الْمَحْمَلَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ: التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمَحْمَلَيْنِ يَسْتَدْعِي تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَمْرٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُرَجَّحِ، لَكَانَ جَيِّدًا. قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ الْمُعْتَرِضُ الِاسْتِعْمَالَ - وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ - فَقَدْ سَلَّمَ حُصُولَ الْمُرَجَّحِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِنَا: الْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ، حُصُولُ الْمُرَجِّحِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِجْمَالِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الِاشْتِرَاكِ، وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ بَعْدَ بَيَانِ الْمُعْتَرِضِ الْإِجْمَالُ. أَمَّا بِطَرِيقِ التَّفْصِيلِ: فَبِأَنْ يُبَيِّنَ ظُهُورَ اللَّفْظِ فِي مَقْصُودِهِ، أَيْ مَقْصُودِ الْمُسْتَدِلِّ بِالنَّقْلِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ الشَّرْعِ، أَوِ الِاصْطِلَاحِ، أَوْ بِقَرَائِنَ مَوْجُودَةٍ مَعَ اللَّفْظِ، أَوْ بِأَنْ يُفَسِّرَ اللَّفْظَ بِمَا هُوَ مَقْصُودُهُ، إِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ: فَبِأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ: اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ ظُهُورُ اللَّفْظِ فِي أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْإِجْمَالُ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ ; لِإِخْلَالِهِ بِالتَّفَاهُمِ الْمَقْصُودِ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ. وَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي غَيْرِ الْمَقْصُودِ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا عِنْدَ الْمُعْتَرِضِ ; فَلِأَنَّهُ قَائِلٌ بِالْإِجْمَالِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ فَلِدَعْوَى ظُهُورِهِ فِي الْمَقْصُودِ. فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي الْمَقْصُودِ، أَوْ يَقُولُ: اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيمَا قَصَدْتُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْآخَرِ، أَيْ فِي غَيْرِ الْمَقْصُودِ اتِّفَاقًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِجْمَالِ. وَقَدْ صَوَّبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا الطَّرِيقَ فِي بَيَانِ دَفْعِ الْإِجْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ بَيَانُ الظُّهُورِ، وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ. وَأَمَّا إِذَا فَسَّرَ الْمُسْتَدِلُّ اللَّفْظَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ لُغَةً، بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعْهُودًا فِي اللُّغَةِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَمِنْ جِنْسِ الْخَبْطِ وَاللَّعِبِ، فَلَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ. وَأَمَّا جَوَابُ الْغَرَابَةِ، فَبِبَيَانِ شُهْرَةِ اللَّفْظِ بَيْنَ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ الْغَرَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَرِضِ، وَلَا جَوَابَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَدِلِّ. [فَسَادُ الِاعْتِبَارِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي: فَسَادُ الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا فِي مُقَدِّمَاتِهِ، لَكِنْ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ فِي مُقْتَضَاهُ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّ فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِبَارِ فَقَطْ ; لِكَوْنِهِ صَحِيحًا فِي مُقَدِّمَاتِهِ. وَتَوْجِيهُ سُؤَالِ الْمُعْتَرِضِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْقِيَاسُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ ; لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ. وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ بِالطَّعْنِ فِي النَّصِّ، إِنْ كَانَ قَابِلًا لِلطَّعْنِ، بِأَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْآحَادِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَجَوَابُهُ الطَّعْنُ، أَوْ مَنْعُ الظُّهُورُ، أَوِ التَّأْوِيلُ، أَوِ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ أَوِ الْمُعَارَضَةِ بِمِثْلِهِ، فَيُسَلَّمُ الْقِيَاسُ، أَوْ يُبَيَّنُ تَرْجِيحُهُ مَعَ النَّصِّ بِمَا تَقَدَّمَ، مِثْلُ: ذَبَحَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ كَذَبْحِ نَاسِي التَّسْمِيَةِ، فَيُورِدُ: (وَلَا تَأْكُلُوا) . فَيَقُولُ: مُئَوَّلٌ بِذَبْحِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ بِدَلِيلِ " «ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» "، أَوْ بِتَرْجِيحِهِ لِكَوْنِهِ مَقِيسًا عَلَى النَّاسِي الْمُخَصِّصِ بِاتِّفَاقٍ. فَإِنْ أُبْدِيَ فَارِقٌ فَهُوَ مِنَ الْمُعَارَضَةِ. ص - الثَّالِثُ: فَسَادُ الْوَضْعِ، وَهُوَ كَوْنُ الْجَامِعِ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ، مِثْلَ: مَسْحٌ فَيُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ كَالِاسْتِطَابَةِ. فَيَرُدُّ أَنَّ الْمَسْحَ مُعْتَبَرٌ فِي كَرَاهَةِ التَّكْرَارِ عَلَى الْخُفِّ، وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ الْمَانِعِ لِتَعَرُّضِهِ لِلتَّلَفِ، وَهُوَ نَقْصٌ إِلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّقِيضُ، فَإِنْ ذَكَرَهُ بِأَصْلِهِ، فَهُوَ الْقَلْبُ، فَإِنْ بَيَّنَ مُنَاسَبَتَهُ لِلنَّقِيضِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ مِنَ الْوَجْهِ الْمُدَّعَى، فَهُوَ الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ. وَمِنْ غَيْرِهِ لَا يُقْدَحُ ; إِذْ قَدْ يَكُونُ لِلْوَصْفِ جِهَتَانِ، كَكَوْنِ الْمَحَلِّ مُشْتَهًى يُنَاسِبُ الْإِبَاحَةَ لِإِرَاحَةِ الْخَاطِرِ، وَالتَّحْرِيمَ لِقَطْعِ أَطْمَاعِ النَّفْسِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّصُّ قَابِلًا لِلطَّعْنِ ; لِكَوْنِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ خَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، فَيُمْنَعُ ظُهُورُ النَّصِّ فِي نَقِيضِ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ إِنْ أَمْكَنَ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِظُهُورِهِ فِيهِ فَتَأْوِيلُ النَّصِّ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ إِنْ أَمْكَنَ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَجَوَابُهُ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ إِنْ أَمْكَنَ، وَهُوَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ، وَهُوَ عَلَى أَقْسَامٍ، كَمَا سَيَأْتِي. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، فَجَوَابُهُ الْمُعَارَضَةُ بِنَصٍّ آخَرَ مِثْلِ نَصِّ الْمُعْتَرِضِ، فَيَسْلَمُ الْقِيَاسُ مِنَ الْمُعَارِضِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُعَارَضَةُ بِنَصٍّ آخَرَ، فَجَوَابُهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ، مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي حِلِّ الْمَذْبُوحِ الَّذِي تُرِكَ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ قَصْدًا: ذُبِحَ صَدْرٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَيَحِلُّ قِيَاسًا عَلَى ذَبْحِ نَاسِي التَّسْمِيَةِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا الْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَيُورِدُ " وَلَا تَأْكُلُوا "، أَيْ فَيُورِدُ الْمُعْتَرِضُ فِي دَفْعِ الْقِيَاسِ قَوْلَهُ - تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: هَذَا النَّصُّ مُئَوَّلٌ بِذَبْحِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لَا ذَبْحِ الْمُؤْمِنِ، أَيْ لَا تَأْكُلُوا ذَبْحَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. وَإِنَّمَا أُوِّلَ هَذَا لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ ذَاكِرٌ لِاسْمِ اللَّهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» ". الثَّانِي: أَنَّ الْمَقِيسَ، أَيْ ذَبْحَ التَّارِكِ قَصْدًا رَاجِحٌ عَلَى مَحَلِّ الْوِفَاقِ أَيْ ذَبْحِ النَّاسِي ; لِأَنَّ التَّارِكَ قَصْدًا عَلَى صَدَدِ التَّسْمِيَةِ، بِخِلَافِ النَّاسِي، وَذَبْحُ النَّاسِي مُخَصَّصٌ عَنِ النَّصِّ بِالِاتِّفَاقِ، فَذَبْحُ التَّارِكِ قَصْدًا أَوْلَى بِأَنْ يُخَصَّصَ لِكَوْنِهِ رَاجِحًا، فَيُئَوَّلُ النَّصُّ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ فَارِقًا بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَالْمَقِيسِ، بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَقُولُ: النَّاسِي لَمْ يُقَصِّرْ، بِخِلَافِ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ بِالْقَصْدِ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ أَوِ الْفَرْعِ، لَا مِنْ قَبِيلِ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ، فَيَكُونُ سُؤَالًا آخَرَ. [فَسَادُ الْوَضْعِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثِ: فَسَادُ الْوَضْعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْجَامِعُ قَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ، مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي كَوْنِ التَّكْرَارِ سُنَّةً فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَسْحٌ، فَيُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِطَابَةِ وَهِيَ الِاسْتِنْجَاءُ، فَإِنَّهُ مَسْحٌ، وَقَدْ نُصَّ سَنُّ التَّكْرَارِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. فَيَرُدُّ الْمُعْتَرِضُ هَذَا الْقِيَاسَ بِأَنَّهُ فَاسِدُ الْوَضْعِ ; إِذِ الْمَسْحُ الَّذِي هُوَ الْجَامِعُ اعْتُبِرَ بِالْإِجْمَاعِ فِي كَرَاهِيَةِ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ، وَكَرَاهِيَةُ التَّكْرَارِ نَقِيضُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِحْبَابُ التَّكْرَارِ. وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ هَذَا الرَّدِّ بِبَيَانِ الْمَانِعِ مِنَ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ، فَإِنَّ الْخُفَّ لِتَعَرُّضِهِ لِلتَّلَفِ كُرِهَ فِيهِ تَكْرَارُ الْمَسْحِ الْمُفْضِي إِلَى تَلَفِهِ، فَكَوْنُ الْخُفِّ مُتَعَرِّضًا لِلتَّلَفِ مَانَعٌ مِنِ اسْتِحْبَابِ تَكْرَارِ الْمَسْحِ فِيهِ. وَسُؤَالُ فَسَادِ الْوَضْعِ نَقَضَ الْحَقِيقَةَ ; لِأَنَّهُ إِثْبَاتٌ لِلْوَصْفِ الْجَامِعِ الَّذِي هُوَ الْمَسْحُ بِدُونِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِحْبَابُ تَكْرَارِ الْمَسْحِ، إِلَّا أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ هَاهُنَا أَثْبَتَ نَقِيضَ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ نَقْضًا خَاصًّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 ص - الرَّابِعُ: مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَالصَّحِيحُ: لَيْسَ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ بِمُجَرَّدِهِ ; لِأَنَّهُ كَمَنْعِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ نَقِيضَ الْحُكْمِ مَعَ أَصْلِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: لَا يُسَنُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ قِيَاسًا عَلَى تَكْرَارِ مَسْحِ الْخُفِّ بِجَامِعِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْحًا، فَهُوَ الْقَلْبُ ; لِتَوَافُقِ قِيَاسِ الْمُسْتَدِلِّ وَقِيَاسِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْجَامِعِ وَالْفَرْعِ، وَتَخَالُفِهِمَا فِي الْحُكْمِ، إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَافَقَا فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي قِيَاسِ الْمُسْتَدِلِّ الِاسْتِطَابَةُ، وَفِي قِيَاسِ الْمُعْتَرِضِ الْخُفُّ. وَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ مُنَاسَبَةَ الْوَصْفِ الْجَامِعِ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْلَهُ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ مُنَاسَبَتَهُ لِلْحُكْمِ أَوْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. فَإِنْ بَيَّنَهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَهُوَ الْقَدْحُ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ لَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَنَقِيضَهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ بَيَّنَ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، لَا يَكُونُ قَدْحًا فِي مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِوَصْفٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ يُنَاسِبُ بِإِحْدَاهُمَا لِلْحُكْمِ بِالْآخَرِ لِنَقِيضِهِ، كَكَوْنِ الْمَحَلِّ الْمُشْتَهَى، فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ الْإِبَاحَةَ لِإِرَاحَةِ الْخَاطِرِ، وَيُنَاسِبُ التَّحْرِيمَ لِقَطْعِ أَطْمَاعِ النَّفْسِ. [مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ: مَنْعُ الْمُعْتَرِضِ حُكْمَ الْأَصْلِ، مِثَالُهُ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ إِزَالَةِ الْخَبَثِ بِالْخَلِّ: مَائِعٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلَا يُزِيلُ الْخَبَثَ، قِيَاسًا عَلَى الدُّهْنِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدُّهْنَ لَا يُزِيلُ الْخَبَثَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 مُقَدِّمَةٍ، كَمَنْعِ الْعِلِّيَّةِ فِي الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا، فَيُثْبِتُهَا بِاتِّفَاقٍ. وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ لِانْتِقَالِهِ. وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ اتِّبَاعَ عُرْفِ الْمَكَانِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا يُسْمَعُ، فَلَا يَلْزَمُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ ; إِذْ لَا تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى خَصْمِهِ مَعَ مَنْعِ أَصْلِهِ. وَالْمُخْتَارُ: لَا يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَعْتَرِضَ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صُورَةِ دَلِيلِ صِحَّتِهِ. قَالُوا: خَارِجٌ عَنِ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ. قُلْنَا: لَيْسَ بِخَارِجٍ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ هَلْ يَنْقَطِعُ بِهَذَا الْمَنْعِ، أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَا يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْمَنْعِ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ بِهَذَا الْمَنْعِ مَنَعَ مُقَدِّمَةً مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُقَدِّمَةٌ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَا يَنْقَطِعُ بِمَنْعِ غَيْرِهَا مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ، كَمَنْعِ الْعِلِّيَّةِ فِي الْعِلَّةِ، أَيْ كَمَنْعِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ، وَكَمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُثْبِتَهَا بَعْدَ الْمَنْعِ بِالدَّلِيلِ بِالِاتِّفَاقِ. فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمَ الْأَصْلِ بِالدَّلِيلِ بَعْدَ الْمَنْعِ. وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ بِهَذَا الْمَنْعِ ; لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ، لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفَرْعِ، فَيَلْزَمُ انْقِطَاعُهُ. وَإِنْ شَرَعَ فِي إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ، يَلْزَمُ انْتِقَالُ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ مَسْأَلَةٍ إِلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ; لِأَنَّ إِثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى غَيْرُ إِثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ، وَالْمُسْتَدِلُّ كَانَ فِي مَعْرِضِ إِثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ. وَاخْتَارَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ اتِّبَاعَ عُرْفِ الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَ عُرْفُ الْمَكَانِ انْقِطَاعَ الْمُسْتَدِلِّ بِهَذَا الْمَنْعِ، يُحْكَمُ بِانْقِطَاعِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: لَا يُسْمَعُ هَذَا الْمَنْعُ مِنَ الْمُعْتَرِضِ ; لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْمَطْلُوبِ، فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ الدَّلَالَةُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَهُوَ بَعِيدٌ ; إِذِ الْحُجَّةُ لَا تَقُومُ عَلَى خَصْمِهِ مَعَ مَنْعِ أَصْلِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ مُقَدِّمَةٌ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ مَمْنُوعَةً، لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ الْمُسْتَدِلُّ الدَّلِيلَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، هَلْ يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ أَمْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ صُورَةِ دَلِيلِ صِحَّتُهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُعْتَرِضَ يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ; لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّطْوِيلِ فِيمَا هُوَ خَارِجٌ عَنِ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ ; لِأَنَّ إِثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِالْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ ; لِأَنَّهُ كَلَامٌ فِي إِحْدَى مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ الَّذِي يَبْتَنِي عَلَيْهِ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ، وَالْكَلَامُ فِي مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ. [التَّقْسِيمُ] ش - الِاعْتِرَاضُ الْخَامِسُ: التَّقْسِيمُ، وَهُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْوَصْفِ الْجَامِعِ مُرَدَّدًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَمْنُوعٌ عِلِّيَّتُهُ، وَالْآخَرُ مُسَلَّمٌ عِلِّيَّتُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 ص - الْخَامِسُ: التَّقْسِيمُ، وَهُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا مَمْنُوعٌ، وَالْمُخْتَارُ وُرُودُهُ. مِثَالُهُ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ: وُجِدَ السَّبَبُ بِتَعَذُّرِ الْمَاءِ، فَسَاغَ التَّيَمُّمُ، فَيَقُولُ: السَّبَبُ تَعَذُّرُ الْمَاءِ، أَوْ تَعَذُّرُ الْمَاءِ فِي السِّفْرِ أَوِ الْمَرَضِ. الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَحَاصِلُهُ مَنْعٌ يَأْتِي، وَلَكِنَّهُ بَعْدَ تَقْسِيمٍ. وَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِمْ فِي الْمُلْتَجِئِ إِلَى الْحَرَمِ: وُجِدَ سَبَبُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ مَتَى، مَعَ مَانِعِ الِالْتِجَاءِ إِلَى الْحَرَمِ أَوْ عَدَمِهِ؟ فَحَاصِلُهُ طَلَبُ نَفْيِ الْمَانِعِ، وَلَا يَلْزَمُ. ص - السَّادِسُ: مَنْعُ وُجُودِ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ فِي الْأَصْلِ، مِثْلُ: حَيَوَانٌ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا، فَلَا يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ كَالْخِنْزِيرِ، فَيُمْنَعُ. وَجَوَابُهُ بِإِثْبَاتِهِ بِدَلِيلٍ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ شَرْعٍ. ص - السَّابِعُ: مَنْعُ كَوْنِهِ عِلَّةً، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْئِلَةِ لِعُمُومِهِ وَتَشَعُّبِ مَسَالِكِهِ، وَالْمُخْتَارُ: قَبُولُهُ، وَإِلَّا أَدَّى إِلَى اللَّعِبِ فِي التَّمَسُّكِ بِكُلِّ طَرْدٍ. قَالُوا: الْقِيَاسُ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِجَامِعٍ، وَقَدْ حَصَلَ. قُلْنَا: بِجَامِعٍ يُظَنُّ صِحَّتُهُ. قَالُوا: عَجْزُ الْمُعَارِضِ دَلِيلُ صِحَّتِهِ، فَلَا يُسْمَعُ الْمَنْعُ. قُلْنَا: يَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ كُلُّ صُورَةِ دَلِيلٍ يُعْجِزُ الْمُعْتَرِضَ، وَجَوَابُهُ بِإِثْبَاتِهِ بِأَحَدِ مَسَالِكِهِ، فَيُرَدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُخْتَارُ وُرُودُ اعْتِرَاضِ التَّقْسِيمِ، وَلَكِنْ بَعْدَ تَبْيِينِ الْمُعْتَرِضِ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَإِنَّ بَيَانَ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى الْمُعْتَرِضِ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الِاسْتِفْسَارِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلصَّحِيحِ الْحَاضِرِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ: وُجِدَ سَبَبُ التَّيَمُّمِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ الْمَاءِ، فَجَازِ التَّيَمُّمُ، قِيَاسًا عَلَى الْمُسَافِرِ أَوِ الْمَرِيضِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: سَبَبُ التَّيَمُّمِ هُوَ تَعَذُّرُ الْمَاءِ مُطْلَقًا، أَوْ تَعَذُّرُ الْمَاءِ فِي السِّفْرِ أَوِ الْمَرَضِ. الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعَذُّرَ الْمَاءِ مُطْلَقًا سَبَبُ التَّيَمُّمِ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ، إِذِ الْكَلَامُ فِي الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ. وَحَاصِلُ اعْتِرَاضِ التَّقْسِيمِ مَنْعٌ يَرِدُ بَعْدَ التَّقْسِيمِ. فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ قَسَّمَ أَوَّلًا مَدْلُولَ اللَّفْظِ إِلَى قِسْمَيْنِ، ثُمَّ مَنَعَ أَحَدَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَالْتَجَأَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: وُجِدَ فِي الْمُلْتَجِئِ سَبَبُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ، فَيَجِبُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: مَتَى يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ مَانِعِ الِالْتِجَاءِ إِلَى الْحَرَمِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ؟ فَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ. وَلَكِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ، فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْسِيمِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُرَدَّدْ هَاهُنَا بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا سَبَبًا، وَالْآخَرُ لَيْسَ بِسَبَبٍ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ سَبَبٌ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، سَوَاءٌ كَانَ الِالْتِجَاءُ مَانِعًا مِنَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، بِخِلَافِ التَّقْسِيمِ، فَإِنَّهُ رَدَّدَ فِيهِ اللَّفْظُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا سَبَبًا، وَالْآخَرُ لَيْسَ بِسَبَبٍ. وَحَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ - وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ صُورَةُ التَّقْسِيمِ - يَرْجِعُ إِلَى طَلَبِ نَفْيِ الْمَانِعِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُ نَفْيِ الْمَانِعِ، بَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ وُجُودِ الْمَانِعِ، فَهَذَا السُّؤَالُ غَيْرُ وَارِدٍ، بِخِلَافِ سُؤَالِ التَّقْسِيمِ. [مَنْعُ وُجُودِ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ فِي الْأَصْلِ] ش - الِاعْتِرَاضُ السَّادِسُ: مَنْعُ وُجُودِ مَا ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةٌ فِي الْأَصْلِ. مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي دِبَاغِ جِلْدِ الْكَلْبِ: هُوَ جِلْدُ حَيَوَانٍ يَجِبُ أَنْ يُغْسَلَ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا، فَلَا يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ قِيَاسًا عَلَى الْخِنْزِيرِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْخِنْزِيرِ سَبْعًا. وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِإِثْبَاتِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍ أَوْ شَرْعٍ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَصْفِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ. [مَنْعُ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً] ش - الِاعْتِرَاضُ السَّابِعُ: مَنْعُ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْئِلَةِ لِعُمُومِ وُرُودِهِ عَلَى وَصْفٍ جُعِلَ عِلَّةً، وَلِتَشَعُّبِ مَسَالِكِ إِثْبَاتِ كَوْنِهِ عِلَّةً. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ قَبُولُهُ. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ، لَأَدَّى إِلَى اللَّعِبِ فِي التَّمَسُّكِ بِكُلِّ وَصْفٍ طَرْدِيٍّ، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَأَمْثَالِهِمَا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِحُّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِكُلِّ وَصْفٍ طَرْدِيٍّ، فَيَرْجِعُ التَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ مِنْ قَبِيلِ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ. وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ قَبُولِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقِيَاسَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِجَامِعٍ، وَالْمُسْتَدِلُّ قَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 فَعَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ: الْإِجْمَالُ وَالتَّأْوِيلُ وَالْمُعَارَضَةُ وَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ. وَعَلَى السُّنَّةِ: ذَلِكَ، وَالطَّعْنُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ، وَفِي رِوَايَةٍ بِضَعْفِهِ، أَوْ قَوْلِ شَيْخِهِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنِّي، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ مَا يَأْتِي وَمَا تَقَدَّمَ. ص - الثَّامِنُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ، وَقُسِّمَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ، مِثَالُهُ: صَلَاةٌ لَا تُقْصَرُ، فَلَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا كَالْمَغْرِبِ ; لِأَنَّ عَدَمَ الْقَصْرِ فِي نَفْيِ التَّقْدِيمِ طَرْدِيٌّ، فَيُرْجَعُ إِلَى سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ. الثَّانِي: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ، مِثَالُهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: مَبِيعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، فَلَا يَصِحُّ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ. فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنِ التَّسْلِيمِ مُسْتَقِلٌّ، وَحَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ. الثَّالِثُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْحُكْمِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَتَى بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ هَذَا الِاعْتِرَاضُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِجَامِعٍ يُظَنُّ كَوْنُهُ عِلَّةً، لَا بِجَامِعٍ مُطْلَقًا، فَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُطَالِبَ بِكَوْنِ الْجَامِعِ كَذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّ عَجْزَ الْمُعَارِضِ عَنْ بَيَانِ فَسَادِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ دَلِيلُ صِحَّةِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، فَلَا يُسْمَعُ الْمَنْعُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرْتُمْ أَنْ يَصِحَّ كُلُّ صُورَةِ دَلِيلٍ يَعْجِزُ الْمُعَارِضُ عَنْ بَيَانِ فَسَادِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِإِثْبَاتِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً بِأَحَدِ مَسَالِكِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ. فَيُرَدُّ عَلَى كُلِّ مَسْلَكٍ مِنَ الْمَسَالِكِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّمَسُّكِ بِهِ. فَيُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ كَوْنُ اللَّفْظِ مُجْمَلًا، فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ وَالتَّأْوِيلُ أَيْ كَوْنُ اللَّفْظِ مُئَوَّلًا بِغَيْرِ مَا وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ. وَالْمُعَارَضَةُ بِظَاهِرِ آيَةٍ أُخْرَى مِنَ الْكِتَابِ دَالَّةٌ عَلَى مَا يُنَافِي ظَاهِرَ الْآيَةِ الْأُولَى. وَالْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ، أَيْ سَلَّمْنَا دَلَالَةَ الظَّاهِرِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ، لَكِنَّ النِّزَاعَ بَاقٍ، وَيَرِدُ عَلَى السُّنَّةِ مَا وَرَدَ عَلَى الْكِتَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيَرِدُ عَلَيْهَا الطَّعْنُ بِأَنَّ الْخَبَرَ مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ، وَالطَّعْنُ فِي رِوَايَةٍ بِضَعْفِهِ، وَالطَّعْنُ بِقَوْلِ شَيْخِهِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنِّي. وَيَرِدُ عَلَى تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ، وَمَا يَأْتِي فِي الِاعْتِرَاضِ التَّاسِعِ. [عَدَمُ التَّأْثِيرِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّامِنُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: عَدَمُ التَّأَثُّرِ فِي الْوَصْفِ بِأَنْ يَكُونَ طَرْدِيًّا لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ، وَلَا شَبَهَ. مِثَالُهُ: صَلَاةُ الصُّبْحِ صَلَاةٌ لَا تُقْصَرُ، فَلَا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ; لِأَنَّ عَدَمَ الْقَصْرِ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً لِنَفْيِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 مِثَالُهُ فِي الْمُرْتَدِّينَ: مُشْرِكُونَ أَتْلَفُوا مَالًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا ضَمَانَ كَالْحَرْبِيِّ. وَدَارُ الْحَرْبِ عِنْدَهُمْ طَرْدِيٌّ، فَيُرْجَعُ إِلَى الْأَوَّلِ. الرَّابِعُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ، مِثَالُهُ: زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ، وَحَاصِلُهُ كَالثَّانِي. وَكُلُّ فَرْضٍ جُعِلَ وَصْفًا فِي الْعِلَّةِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِطَرْدِهِ مَرْدُودٌ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ فِيهِمَا. ص - التَّاسِعُ: الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ، وَجَوَابُهُ بِالتَّرْجِيحِ تَفْصِيلًا أَوْ إِجْمَالًا، كَمَا سَبَقَ. ص - الْعَاشِرُ: الْقَدْحُ فِي إِفْضَاءِ الْحُكْمِ إِلَى الْمَقْصُودِ، كَمَا لَوْ عَلَّلَ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِالْحَاجَةِ إِلَى ارْتِفَاعِ الْحِجَابِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْفُجُورِ. فَإِذَا تَأَبَّدَ، انْسَدَّ بَابُ الطَّمَعِ الْمُفْضِي إِلَى مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ وَالنَّظَرِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى ذَلِكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَقْدِيمِ الْأَذَانِ طَرْدِيٌّ، لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ وَلَا شَبَهَ. فَيَرْجِعُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ إِلَى سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَجَوَابُهُ قَدْ مَرَّ. الثَّانِي: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً، قَدِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ فِي إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَصْفِ، مِثَالُهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: مَبِيعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنِ التَّسْلِيمِ مُسْتَقِلٌّ فِي عِلِّيَّةِ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ. فَيُسْتَغْنَى عَنْ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِي إِثْبَاتِ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِ، وَحَاصِلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ يَرْجِعُ إِلَى مُعَارَضَةٍ فِي الْأَصْلِ، وَسَيَأْتِي. الثَّالِثُ - عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْحُكْمِ، بِأَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةُ تَأْثِيرٍ فِي الْحُكْمِ. مِثَالُهُ فِي إِتْلَافِ الْمُرْتَدِّينَ: الْمُرْتَدُّونَ مُشْرِكُونَ أَتْلَفُوا مَالًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الضَّمَانُ ضَرُورَةَ الِاسْتِوَاءِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُمْ. وَحَاصِلُ هَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَيِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّابِعُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْفَرْعِ، وَمِثَالُهُ فِي تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا: زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُوٍ ; لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا مُطْلَقًا لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي عَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ، بَلْ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفُوٍ. وَحَاصِلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ مَا جُعِلَ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا مُطْلَقًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ، فَيَكُونُ مُعَارَضَةً فِي الْأَصْلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْضِ الْمُنْضَمِّ إِلَى الْعِلَّةِ، كَغَيْرِ الْكُفُوِ الَّذِي فُرِضَ مُنْضَمًّا إِلَى الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا. فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ يَكُونُ مَقْبُولًا مُطْلَقًا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: لَا يَكُونُ مَقْبُولًا مُطْلَقًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إِنَّ كُلَّ فَرْضٍ جَعَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِي الْعِلَّةِ وَصْفًا، فَإِنِ اعْتَرَفَ الْمُسْتَدِلُّ بِطَرْدِهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِطَرْدِهِ فَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى الْمُخْتَارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هَذَا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي حَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ، وَمَا جَزَمْتُ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ هَذَا. [الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ] ش - الِاعْتِرَاضُ التَّاسِعُ: الْقَدْحُ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ، بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ اشْتِمَالَ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ عَلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا، أَوْ عَلَى مَفْسَدَةٍ مُسَاوِيَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ، وَجَوَابُهُ تَرْجِيحُ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ، كَمَا سَبَقَ فِي الْمُنَاسَبَةِ. [الْقَدْحُ فِي إِفْضَاءِ الْحُكْمِ إِلَى الْمَقْصُودِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الْعَاشِرُ: الْقَدْحُ فِي إِفْضَاءِ الْحُكْمِ إِلَى مَا جُعِلَ مَقْصُودًا مِنْ شَرْعِ الْحُكْمُ. مِثَالُهُ: لَوْ عَلَّلَ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ بِالْحَاجَةِ إِلَى ارْتِفَاعِ الْحِجَابِ بَيْنَ الصِّهْرِ وَبَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْمُصَاهَرَةِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْفُجُورِ. فَإِذَا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، انْسَدَّ بَابُ طَمَعِ النِّكَاحِ الْمُفْضِي إِلَى مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ بِهَا، وَإِلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْفُجُورِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إِنَّ حَرَمةَ التَّأْبِيدِ لَا تُفْضِي إِلَى سَدِّ بَابِ الطَّمَعِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ وَضْعِ الْحُكْمِ، بَلْ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ بِتَأَبُّدِ التَّحْرِيمِ أَفْضَى إِلَى الْفُجُورِ ; لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ الْمَنْعُ مِنَ الشَّرْعِ بِسَبَبِ حَرَكَةِ النِّكَاحِ عَلَى التَّأْبِيدِ. فَصَارَتِ النَّفْسُ مَائِلَةً إِلَى مَا مُنِعَ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حَرِيصٌ عَلَى مَا مُنِعَ. وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ تَأْبِيدَ حُرْمَةِ النِّكَاحِ يَمْنَعُ النَّفْسَ عَادَةً عَنْ مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ بِهَا وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْفُجُورِ، بِسَبَبِ انْسِدَادِ بَابِ الطَّمَعِ. فَيَصِيرُ الْمَنْعُ الْعَادِيُّ كَالْمَنْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: بَلْ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ أَفْضَى إِلَى الْفُجُورِ، وَالنَّفْسُ مَائِلَةٌ إِلَى الْمَمْنُوعِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّأْبِيدَ يُمْنَعُ عَادَةً كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَيَصِيرُ كَالطَّبِيعِيِّ، كَالْأُمَّهَاتِ. ص - الْحَادِيَ عَشَرَ: كَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا، كَالرِّضَا وَالْقَصْدِ، وَالْخَفِيُّ لَا يُعَرِّفُ الْخَفِيَّ. وَجَوَابُهُ: ضَبْطُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الصِّيَغِ وَالْأَفْعَالِ. ص - الثَّانِيَ عَشَرَ: كَوْنُهُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، كَالتَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ وَالْمَقَاصِدِ، كَالْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَالزَّجْرِ، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ. وَجَوَابُهُ: إِمَّا أَنَّهُ مُنْضَبِطٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِضَابِطٍ، كَضَبْطِ الْحَرَجِ بِالسَّفَرِ وَنَحْوِهِ. ص - الثَّالِثَ عَشَرَ: النَّقْضُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ إِذَا مُنِعَ. ثَالِثُهَا: يُمْكِنُ مَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا شَرْعِيًّا ; لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ. وَرَابِعُهَا: مَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ أَوْلَى بِالْقَدْحِ. قَالُوا: لَوْ دَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ [فَنَقَضَ الْمُعْتَرِضُ] ، فَمَنَعَ وَجُودَهَا، فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُكُ. لَمْ يُسْمَعْ ; لِأَنَّهُ انْتَقَلَ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الطَّبِيعِيِّ، كَمَا فِي الْأُمَّهَاتِ. [كَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا] ش - الِاعْتِرَاضُ الْحَادِيَ عَشَرَ: كَوْنُ الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً خَفِيًّا ; لِكَوْنِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ، كَتَعْلِيلِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِالرِّضَا، وَكَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَصْدِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إِنَّ هَذَا الْوَصْفَ خَفِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ ; لِأَنَّ الْخَفِيَّ لَا يُعَرِّفُ الْخَفِيَّ. وَجَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ضَبْطُ الْوَصْفِ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الصِّيَغِ، كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ، وَالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقَصْدِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ. [كَوْنُ الوصف غَيْرَ مُنْضَبِطٍ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّانِيَ عَشَرَ: كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، كَالتَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ وَالْمَقَاصِدِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ تَعْلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ بِالْمَشَقَّةِ، وَقَطْعِ السَّارِقِ بِالزَّجْرِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّلَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، تَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ. وَمَا هَذَا شَأْنُهُ، فَعَادَةُ الشَّارِعِ فِيهِ رَدُّ النَّاسِ إِلَى الْأَوْصَافِ الْمُنْضَبِطَةِ احْتِرَازًا عَنِ الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ. وَجَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إِمَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُعَلَّلَ بِهِ مُنْضَبِطٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِضَابِطٍ لِلْحِكْمَةِ، كَضَبْطِ الْحَرَجِ بِالسَّفَرِ، وَنَحْوِهِ كَالْمَرَضِ. [النَّقْضُ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثَ عَشَرَ: النَّقْضُ، وَهُوَ وُجُودُ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ. مِثَالُهُ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ: الْحُلِيُّ مَالٌ غَيْرُ نَامٍ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قِيَاسًا عَلَى ثِيَابِ الْبِذْلَةِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْحُلِيِّ الْغَيْرِ الْمُبَاحِ، فَإِنَّهُ مَالٌ غَيْرُ نَامٍ مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَدَفْعُهُ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، وَإِمَّا بِمَنْعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِيهَا. فَإِذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُمْكِنُ الْمُعْتَرِضَ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِالدَّلَالَةِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا. وَثَالِثُهَا: يُمْكِنُ الْمُعْتَرِضَ فِي الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ ; لِأَنَّهُ يَقْدَحُ فِيهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 مِنْ نَقْضِ الْعِلَّةِ إِلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ. أَمَّا لَوْ قَالَ: يَلْزَمُكَ إِمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِكِ، أَوِ انْتِقَاضُ دَلِيلِهَا، كَانَ مُتَّجِهًا. وَلَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ، فَفِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الدَّلَالَةِ، (ثَالِثُهَا) : يُمْكِنُ مَا لَمْ يَكُنْ (طَرِيقٌ أَوْلَى) ، وَالْمُخْتَارُ: لَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنَ النَّقْضِ. وَثَالِثُهَا: إِلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ. لَنَا: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدَّلِيلِ. وَانْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ لَيْسَ مِنْهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ وَارِدٌ، وَإِنِ احْتَرَزَ اتِّفَاقًا. وَجَوَابُهُ: بِبَيَانِ مُعَارِضٍ اقْتَضَى نَقِيضَ الْحُكْمِ، أَوْ خِلَافَهُ لِمَصْلَحَةٍ، كَالْعَرَايَا وَضَرْبِ الدِّيَةِ، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ آكَدَ، كَحِلِّ الْمَيِّتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ بِظَاهِرٍ عَامٍّ، حُكِمَ بِتَخْصِيصِهِ وَتَقْدِيرِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 الْمَانِعِ كَمَا تَقَدَّمَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَحْصُلُ فَائِدَةٌ، وَلَا يُمَكَّنُ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ; لِأَنَّ التَّمْكِينَ فِيهِ انْتِقَالٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ، وَلَا تَجِدُ فِيهِ نَفْعًا ; لِأَنَّهُ بَعْدَ بَيَانِ الْمُعْتَرِضِ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ يَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ لِوُجُودِ مَانِعٍ أَوِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ، فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ: دَلِيلِ الِاسْتِنْبَاطِ وَدَلِيلِ التَّخَلُّفِ، فَلَا تَبْطُلُ الْعِلَّةُ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ ذَلِكَ. وَرَابِعُهَا: يُمْكِنُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَرِضِ طَرِيقٌ آخَرُ أَوْلَى بِالْقَدَحِ مِنَ النَّقْضِ تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى، فَلَا يَتَمَكَّنُ. وَقَالَ أَهْلُ الْمُنَاظَرَةِ: لَوِ اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، فَنَقَضَ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ، فَمَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُكُ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَالْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهِ عَلَى زَعْمِكَ، لَمْ يُسْمَعْ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ انْتَقَلَ مِنْ نَقْضِ الْعِلَّةِ إِلَى نَقْضِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ. مِثَالُهُ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي مَسْأَلَةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ: أَتَى بِمُسَمَّى الصَّوْمِ، فَيَصِحُّ، كَمَا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ فِيمَا إِذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِيمَا إِذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُكُ الَّذِي اسْتَدْلَلْتَ بِهِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ فِي مَعْرِضِ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ، فَتَارَةً يَقْدَحُ فِيهَا، وَتَارَةً يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهَا، وَالِانْتِقَالُ مِنَ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ إِلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهَا جَائِزٌ، وَالِانْتِقَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ جَائِزًا هُوَ الِانْتِقَالُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ. قِيلَ: كَانَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ السَّمَاعِ نَظَرَ إِلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ الْمُعْتَرِضُ بِهِ أَوَّلًا، فَإِنَّ نَقْضَ الْعِلَّةِ بِدُونِ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَنَقْضُ دَلِيلِ الْعِلَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ إِنَّمَا نَقَضَ دَلِيلَ الْعِلَّةِ بِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عَلَى زَعْمِ الْمُسْتَدِلِّ، فَلَا يَلْزَمُهُ خِلَافُ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا إِذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ ابْتِدَاءً: يَلْزَمُكَ إِمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِكَ، أَوِ انْتِقَاضُ دَلِيلِ عِلَّتِكَ ; لِأَنَّكَ إِنِ اعْتَقَدْتَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، انْتُقِضَ عِلَّتُكَ، وَإِنِ اعْتَقَدْتَ عَدَمَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، انْتُقِضَ دَلِيلُكَ، كَانَ مُتَّجِهًا مَسْمُوعًا، وَإِذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُطْلَقًا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا: يُمْكِنُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَرِضِ طَرِيقٌ أَوْلَى بِالْقَدْحِ مِنَ النَّقْضِ. وَدَلَائِلُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ مَا مَرَّ، مِثَالُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ: ثَيِّبٌ، فَلَا تُجْبَرُ كَالثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يُنْتَقَضُ بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ. فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ إِجْبَارِ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ احْتِرَازِ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَلِيلِهِ عَنِ النَّقْضِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا الْمُخْتَارُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنَ النَّقْضِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مُطْلَقًا ; لِقُرْبِهِ مِنَ الضَّبْطِ. وَثَالِثُهَا: يَجِبُ الِاحْتِرَازُ إِلَّا إِذَا كَانَ النَّقْضُ مِمَّا وَرَدَ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ حِينَئِذٍ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُسْأَلُ الْمُسْتَدِلُّ عَنِ الدَّلِيلِ الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ، وَانْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ لَيْسَ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ. الثَّانِي: أَنَّ النَّقْضَ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ تَمَّ الدَّلِيلُ بِدُونِ التَّعَرُّضِ ; لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ، وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ وَرَدَ النَّقْضُ، وَإِنِ احْتَرَزَ الْمُسْتَدِلُّ عَنْهُ لَفْظًا بِالِاتِّفَاقِ. قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ لَيْسَ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الدَّلِيلِ: مَا يَلْزَمُ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ بِالْمَدْلُولِ، وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ بِالْمَدْلُولِ إِلَّا بَعْدَ التَّعَرُّضِ لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّقْضَ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، يَتِمُّ الدَّلِيلُ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْمُسْتَدِلُّ انْتِفَاءَ النَّقْضِ، وَلَمْ يُقِمِ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ، لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الظَّنَّ بِالْمَدْلُولِ حَاصِلٌ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ، فَلَا يَكُونُ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ حَتَّى يَتِمَّ الدَّلِيلُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَفْعُ النَّقْضِ بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَبِمَنْعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا فِيهِ، فَجَوَابُ النَّقْضِ بِبَيَانِ وُجُودِ مُعَارِضٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ اقْتَضَى ذِكْرُ الْمُعَارِضِ نَقِيضَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، أَوْ خِلَافَ الْحُكْمِ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ أَوْلَى تُفَوِّتُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ لَوْلَا اسْتِثْنَاءٌ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا إِذَا نُقِضَ بِهَا عِلِّيَّةُ الطَّعْمِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمُعَارِضِ - وَهُوَ الدَّلِيلُ الْخَاصُّ - اقْتَضَى نَقِيضَ حُكْمِ الرِّبَوِيَّاتِ فِيهَا لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ خَاصَّةٍ. وَكَمَسْأَلَةِ ضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا نَقَضَ بِهَا عِلِّيَّةَ الْبَرَاءَةِ الْمُوجِبَةِ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ، فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ الْخَاصَّةَ بِضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَقْتَضِي خِلَافَ حُكْمِ الْجِنَايَاتِ فِيهَا، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ آكَدَ، كَحِلِّ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا نَقَضَ بِهَا عِلِّيَّةَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُحَرَّمَةٌ، فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الْهَلَاكِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ تَنَاوُلِ النَّجَاسَةِ، هَذَا إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً، أَمَّا إِذَا كَانَ التَّعْلِيلُ بِنَصٍّ ظَاهِرٍ عَامٍّ، حُكِمَ بِتَخْصِيصِهِ إِذَا انْتَقَضَتِ الْعِلَّةُ، وَتَعَذَّرَ مَانِعٌ فِي صُورَةِ النَّقْصِ إِنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمَانِعُ، كَمَا تَقَدَّمَ. [الْكَسْرُ] ش - الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْكَسْرُ، وَهُوَ نَقْضُ الْمَعْنَى يَعْنِي نَقْضَ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي النَّقْضِ. فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ. [الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الْخَامِسَ عَشَرَ: الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا عَلَّلَ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ، وَهُوَ إِمَّا مُسْتَقِلًا بِالتَّعْلِيلِ، مِثْلَ مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ الْحُكْمَ بِمَعْنًى، وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقٍ، وَأَبْدَى الْمُعَارِضُ مَعْنًى آخَرَ فِي الْأَصْلِ، وَأَثْبَتَ عِلِّيَّتَهُ بِطَرِيقِهِ، كَمُعَارَضَةِ مَنْ عَلَّلَ حُرْمَةَ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِالطَّعْمِ بِالْقُوتِ أَوْ بِالْكَيْلِ. وَإِمَّا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّعْلِيلِ، مِثْلَ: مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ الْحُكْمَ بِمَعْنًى وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقٍ، وَأَبْدَى الْمُعَارِضُ مَعْنًى آخَرَ فِي الْأَصْلِ، وَأَثْبَتَ كَوْنَهُ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، كَمُعَارَضَةِ مَنْ عَلَّلَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ بِالْجَارِحِ فِي الْأَصْلِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ وَصْفُ الْجَارِحِ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ. وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَبُولَهُ. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ لَمْ تَكُنِ الْمُعَارَضَةُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي مَقْبُولَةً، لَزِمَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ التَّحَكُّمُ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 ص - الرَّابِعَ عَشَرَ: الْكَسْرُ، وَهُوَ نَقْصُ الْمَعْنَى. وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالنَّقْضِ. ص - الْخَامِسَ عَشَرَ: الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى آخَرَ ; إِمَّا مُسْتَقِلًا، كَمُعَارَضَةِ الطَّعْمِ بِالْكَيْلِ، أَوِ الْقُوتِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، كَمُعَارَضَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ بِالْجَارِحِ. وَالْمُخْتَارُ: قَبُولُهَا. لَنَا: لَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً، لَمْ يَمْتَنِعِ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ عِلَّةً لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ مِنْ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ. فَإِنْ رَجَّحَ بِالتَّوْسِعَةِ، مَنْعَ الدَّلَالَةَ. وَلَوْ سُلِّمَ، عُورِضَ بِأَنَّ الْأَصْلَ انْتِفَاءُ الْأَحْكَامِ، وَبِاعْتِبَارِهِمَا مَعًا. وَأَيْضًا: فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ مَبَاحِثَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ جَمْعًا وَفِرَقًا، قَالُوا: اسْتِقْلَالُهُمَا بِالْمُنَاسَبَةِ يَسْتَلْزِمُ التَّعَدُّدَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 قُلْنَا: تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ أَعْطَى قَرِيبًا عَالِمًا. ص - وَفِي لُزُومِ بَيَانِ نَفْيِ الْوَصْفِ عَنِ الْفَرْعِ، ثَالِثُهَا إِنْ صَرَّحَ، لَزِمَ. لَنَا: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ، فَقَدْ أَتَى بِمَا لَيْسَ يَنْتَهِضُ مَعَهُ الدَّلِيلُ، فَإِنْ صَرَّحَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا صَرَّحَ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَصْلٍ ; لِأَنَّ حَاصِلَهُ نَفْيُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ، أَوْ صَدُّ الْمُسْتَدِلِّ عَنِ التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا: فَأَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً بِالِاسْتِقْلَالِ، وَدَلِيلُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى عِلِّيَّتِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ، فَلَوْ لَمْ تُقْبَلِ الْمُعَارَضَةُ، لَزِمَ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُدَّعَى عِلَّةً لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، جَازَ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ عِلَّةٍ، فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً تَحَكُّمٌ. فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " مِنْ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " لِأَنَّ الْمُدَّعَى عِلَّةً لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ " زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَقَرَّرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بَيَانَ الْمُلَازَمَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ دَالٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَصْفَيْنِ، أَعْنِي وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ وَوَصْفَ الْمُعَارَضَةِ، سَوَاءٌ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلًّا، كَالطَّعْمِ أَوِ الْقُوتِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ إِذَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً، وَزَادَ عَلَيْهِ الْحَنَفِيُّ بِالْجَارِحِ، حَتَّى يَكُونَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً. فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْبَلْ، وَجَعَلَ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ عِلَّةً، لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. ثُمَّ قَالَ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، أَعْنِي الدَّلِيلَ وَبَيَانَ الْمُلَازَمَةِ، وَافَقَ عِقْدَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعُمُومِ لَا التَّمَسُّكِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ " يَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً مُرَكَّبًا وَالْمُعْتَرِضُ أَخَذَ جُزْءًا مِنْهُ، وَادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ، وَمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عِلَّةً وَصْفًا وَضَمَّ إِلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ عَلَى مَا تَرَى إِذَا نَظَرْتَ فِيهِ. وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ: " مِنْ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ " زَائِدًا. وَفِيمَا ذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ نَظَرٌ ; لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: " لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ " لَوْ كَانَ شَامِلًا لِمَا إِذَا كَانَ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً مُرَكَّبًا، وَالْمُعْتَرِضُ أَخَذَ جُزْءًا مِنْهُ وَادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ، لَزِمَ أَنْ لَا تُقْبَلَ الْمُعَارَضَةُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إِثْبَاتُ عِلِّيَّةِ جُزْءِ الْمُدَّعَى عِلَّةً مُفِيدًا لِلْمُعْتَرِضِ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عِلِّيَّةُ جُزْءِ الْمُدَّعِي عِلَّةً، يَلْزَمُ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةُ وُجُودِ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمُسْتَقِلَّةُ عَلَى زَعْمِ الْمُعْتَرِضِ فِيهِ، فَلَا تَكُونُ الْمُعَارَضَةُ مُفِيدَةً. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، فَإِنْ رَجَّحَ الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَ وَصْفِهِ عَلَى جُزْئِيَّتِهِ بِالتَّوْسِعَةِ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا، وَوَجَدَ الْفَرْعَ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ، فَيَتَوَسَّعُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ فَائِدَةً، فَيَكُونُ أَرْجَحَ. بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ جُزْءَ عِلَّةٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُودِهِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْفَرْعِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، إِذَا كَانَ جُزْءَ عِلَّةٍ، وَالْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ بِالْجَارِحِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُودِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ، فَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَ دَلَالَةَ الِاسْتِقْلَالِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَلَوْ سُلِّمَ دَلَالَةُ الِاسْتِقْلَالِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، عُورِضَ بِرُجْحَانِ الْجُزْئِيَّةِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجُزْئِيَّةَ تُوجِبُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، وَانْتِفَاءُ الْأَحْكَامِ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ، وَمَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ أَرْجَحُ. الثَّانِي: أَنَّ الْجُزْئِيَّةَ تُوجِبُ اعْتِبَارَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ، وَاعْتِبَارَ وَصْفِ الْمُعَارِضِ، وَاعْتِبَارُ الْوَصْفَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِ أَحَدِهِمَا. الثَّانِي: أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ مَبَاحِثَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ جَمْعًا وَفِرَقًا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْمُعَارَضَةِ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عِلَّةً غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ بِالْعِلِّيَّةِ، بَلْ بِكَوْنِ جُزْءِ عِلَّةٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالنَّقْلِ عَنْهُمْ، وَأَمَّا الثَّانِي ; فَلِأَنَّ الْفَرْقَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً جُزْءَ عِلَّةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمَانِعُونَ مِنْ قَبُولِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ قَالُوا: لَوْ قِيلَ: هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ، يَلْزَمُ اسْتِقْلَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَصْفَيِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعَارِضِ بِالْعِلِّيَّةِ، وَاسْتِقْلَالُهُمَا بِالْعِلِّيَّةِ يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ، لَزِمَ إِسْنَادُ الْحُكْمِ إِلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ إِلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى عِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ أَعْطَى قَرِيبًا عَالِمًا. فَإِنَّ إِسْنَادَ الْإِعْطَاءِ إِلَى الْقُرْبِ أَوِ الْعِلْمِ تَحَكُّمٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُسْنَدَ الْحُكْمُ إِلَى مَجْمُوعِهِمَا. فَالْقَبُولُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِقْلَالَ لِجَوَازِ الْإِسْنَادِ إِلَى الْمَجْمُوعِ حِينَئِذٍ. ش - اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ بَيَانِ نَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنِ الْفَرْعِ عَلَى الْمُعْتَرِضِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقًا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا: الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنِ الْفَرْعِ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنِ الْفَرْعِ، فَقَدْ أَتَى بِمَا لَمْ يَنْتَهِضْ مَعَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصْرِيحُ بِنَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ. وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا صَرَّحَ، وَإِنِ انْدَفَعَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ دُونَ نَفْيِ الْوَصْفِ عَنِ الْفَرْعِ ; لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِذِكْرِهِ تَقْرِيرَهُ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي احْتِيَاجِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ إِلَى أَصْلٍ يُشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَصْلٍ يَشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّ حَاصِلَ سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ نَفْيُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ، كَنَفْيِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ بِالْجَارِحِ، أَوْ صَدُّ الْمُسْتَدِلِّ عَنِ التَّعْلِيلِ بِمَا جَعَلَهُ عِلَّةً. وَهَذَانَ لَا يَحْتَاجَانِ إِلَى أَصْلٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 ص - وَجَوَابُ الْمُعَارَضَةِ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ، أَوِ الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِهِ إِنْ كَانَ مُثْبِتًا بِالْمُنَاسَبَةِ أَوِ الشَّبَهِ، لَا بِالسَّبْرِ، أَوْ بِخَفَائِهِ، أَوْ عَدَمِ انْضِبَاطِهِ، أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ وَانْضِبَاطِهِ، أَوْ بَيَانِ أَنَّهُ عَدَمُ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ، مِثْلُ الْمُكْرَهِ - عَلَى الْمُخْتَارِ - بِجَامِعِ الْقَتْلِ، فَيَتَعَرَّضُ بِالطَّوَاعِيَةِ. فَيُجِيبُ بِأَنَّهُ عُدِمَ الْإِكْرَاهَ الْمُنَاسِبَ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ طَرْدٌ، أَوْ يُبَيِّنُ كَوْنَهُ مُلْغًى، أَوْ يُبَيِّنُ اسْتِقْلَالَ مَا عَدَاهُ فِي صُورَةٍ بِظَاهِرٍ أَوْ إِجْمَاعٍ. مِثْلَ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ فِي مُعَارَضَةِ الطَّعْمِ بِالْكَيْلِ، وَمِثْلَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، فِي مُعَارَضَةِ التَّبْدِيلِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلتَّعْمِيمِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا: فَأَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ هُوَ أَصْلُهُ ; لِأَنَّهُ كَمَا يَشْهَدُ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ، يَشْهَدُ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ. ش - وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنِ الْمُعَارَضَةِ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِمَّا بِمُطَالَبَةِ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعْتَرِضِ بِتَأْثِيرِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ، إِنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ أَثْبَتَ عِلِّيَّتَهُ بِالْمُنَاسَبَةِ أَوْ بِالشَّبَهِ. أَمَّا إِذَا أَثْبَتَ عِلِّيَّتَهُ بِالسَّبْرِ، لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُسْتَدِلُّ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِهِ، فَإِنَّ السَّبْرَ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ، وَإِمَّا بِخَفَاءِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ، وَإِمَّا بِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ، وَإِمَّا بِمَنْعِ ظُهُورِهِ، وَإِمَّا بِمَنْعِ انْضِبَاطِهِ، وَإِمَّا بِبَيَانِ أَنَّ وَصْفَ الْمُعَارَضَةِ عَدَمُ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ. وَعَدَمُ الْمُعَارِضِ فِي الْفَرْعِ لَا يَكُونُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَلَا جُزْءَ عِلَّةٍ. مِثَالُ ذَلِكَ: قِيَاسُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ، فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالطَّوَاعِيَةِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، بَلِ الْقَتْلُ مَعَ الطَّوَاعِيَةِ. فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الطَّوَاعِيَةَ لَيْسَتْ جُزْءَ عِلَّةٍ، بَلْ هُوَ عَدَمُ مُعَارِضٍ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ ; لِأَنَّ الطَّوَاعِيَةَ: عَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَالْإِكْرَاهُ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ مُعَارِضًا فِي الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْمُكْرِهُ لِكَوْنِهِ مُنَاسِبًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَدَمَ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ، فَلَا يَكُونُ جُزْءَ عِلَّةٍ، بَلْ يَكُونُ وَصْفًا طَرْدِيًّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 ص - وَلَا يَكْفِي إِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ دُونَهُ ; لِجَوَازِ عِلَّةٍ أُخْرَى، وَلِذَلِكَ لَوْ أَبْدَى أَمْرًا آخَرَ يَخْلُفَ مَا أُلْغِيَ، فَسَدَ الْإِلْغَاءُ، وَيُسَمَّى تَعَدُّدَ الْوَضْعِ ; لِتَعَدُّدِ أَصْلِهَا. مِثْلَ: أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ، فَيَصِحُّ كَالْحُرِّ ; لِأَنَّهُمَا مَظِنَّتَانِ لِإِظْهَارِ مَصَالِحِ الْإِيمَانِ. فَيَعْتَرِضُ بِالْحَرِيَّةِ، فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ الْفَرَاغِ لِلنَّظَرِ، فَيَكُونُ أَكْمَلَ، فَيُلْغِيهَا بِالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ، فَيَقُولُ: خَلَفَ الْإِذْنُ الْحَرِيَّةَ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ أَوْ لِعِلْمِ السَّيِّدِ بِصَلَاحِيَّتِهِ. وَجَوَابُهُ: الْإِلْغَاءُ إِلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا. وَلَا يُفِيدُ الْإِلْغَاءُ لِضَعْفِ الْمَعْنَى مَعَ تَسْلِيمِ الْمَظِنَّةِ، كَمَا لَوِ اعْتَرَضَ فِي الرِّدَّةِ بِالرُّجُولِيَّةِ، فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقِتَالِ، فَيُلْغِيهَا بِالْمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ. ص - وَلَا يَكْفِي رُجْحَانُ الْمُعَيَّنِ، وَلَا كَوْنُهُ مُتَعَدِّيًا ; لِاحْتِمَالِ الْجُزْئِيَّةِ، فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ ; لِقُوَّةِ الظَّنِّ بِهِ. وَفِي جَوَازِ اقْتِصَارِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ، وَعَلَى الْجَمِيعِ فِي جَوَازِ اقْتِصَارِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِمَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ مُلْغًى لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ، وَإِمَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ اسْتِقْلَالَ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً فِي صُورَةٍ بِظَاهِرِ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، مِثْلَ: مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ حُرْمَةَ الرِّبَا بِالطَّعْمِ، فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالْكَيْلِ، فَيُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَ الطَّعْمِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» ". وَمِثْلَ: مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ إِبَاحَةَ الْقَتْلِ بِتَبْدِيلِ الدِّينِ، فَيُعَارِضُ الْمُعْتَرِضُ بِتَبْدِيلِ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَيُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَ تَبْدِيلِ الدِّينِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ". وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ عِنْدَ بَيَانِ اسْتِقْلَالِ مَا عَدَا وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ التَّعَرُّضُ لِلتَّعْمِيمِ، أَيِ التَّعَرُّضُ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْوَصْفِ ; فَإِنْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ، وَلَوْ فِي صُورَةٍ يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّعَرُّضِ لِلتَّعْمِيمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَقَوْلُهُ: " غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ " حَالٌ عَنِ الْمُسْتَدِلِّ، وَالْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ: أَوْ يُبَيِّنُ. ش - وَلَا يَكْفِي فِي بَيَانِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي صُورَةٍ بِدُونِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِعِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ، فَلَا يَلْزَمُ اسْتِقْلَالُهُ. وَلِأَجْلِ جَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى، لَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ أَمْرًا آخَرَ يُخْلِفُ مَا أُلْغِيَ، أَيْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَصْفِ الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ دُونَهُ، فَسَدَ إِلْغَاؤُهُ، وَيُسَمَّى فَسَادُ الْإِلْغَاءِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ: تَعَدُّدَ الْوَضْعِ ; لِتَعَدُّدِ أَصْلِ الْعِلَّةِ. فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ أَثْبَتَ عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ أَوَّلًا، فَلَمَّا أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ، أَثْبَتَ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ آخَرَ. مِثَالُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ: أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ، فَيَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى أَمَانِ الْحُرِّ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ مَظِنَّتَانِ لِإِظْهَارِ مَصَالِحِ الْإِيمَانِ، فَيَصِحُّ تَعْلِيلُ صِحَّةِ الْأَمَانِ بِهِمَا. فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ مَظِنَّةُ الْفَرَاغِ لِلنَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ، فَيَكُونُ الْحُرُّ أَكْمَلَ حَالًا مِنَ الْعَبْدِ فِي النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ، فَيَكُونُ لِلْحُرِّيَّةِ مَدْخَلٌ فِي صِحَّةِ الْأَمَانِ. فَيَلْغِي الْمُسْتَدِلُّ الْحَرِيَّةَ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحُرِّيَّةِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: خَلَفَ الْإِذْنُ الْحُرِّيَّةَ، أَيْ أُقِيمَ الْإِذْنُ فِي الْقِتَالِ مَقَامَ الْحُرِّيَّةِ، إِمَّا لِأَنَّ الْإِذْنَ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ فِي النَّظَرِ، أَوْ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْإِذْنَ مِظَنَّةٌ لِعِلْمِ السَّيِّدِ صَلَاحِيَةَ الْعَبْدِ لِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ. وَجَوَابُ إِفْسَادِ الْإِلْغَاءِ إِلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا، أَعْنِي الْمُسْتَدِلُّ أَوِ الْمُعْتَرِضُ، بِأَنْ يُثْبِتَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إِلْغَائِهِ، أَوْ يُلْغِي الْمُسْتَدِلُّ وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ فِي صُورَةٍ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَلَوْ سَلَّمَ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ مَظِنَّةً لِلْحُكْمِ الْمُخْتَلِفِ، فَلَا يُفِيدُ بَيَانُ الْإِلْغَاءِ بِضَعْفِ الْمَظِنَّةِ فِي صُورَةٍ ; لِأَنَّ ضَعْفَ الْمَظِنَّةِ فِي صُورَةٍ لَا يُخِلُّ بِالْعِلِّيَّةِ. مِثْلَ: مَا إِذَا قِيسَتِ الْمُرْتَدَّةُ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي إِبَاحَةِ الْقَتْلِ بِجَامِعِ الرِّدَّةِ. فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالرُّجُولِيَّةِ، فَإِنَّهَا مَظِنَّةٌ لِلْإِقْدَامِ عَلَى الْقِتَالِ، فَيُلْغِي الْمُسْتَدِلُّ الرُّجُولِيَّةَ بِالْمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ، فَإِنَّ الرُّجُولِيَّةَ فِيهِ ضَعِيفَةٌ، مَعَ إِبَاحَةِ قَتْلِهِ. ش - وَلَوْ بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ رُجْحَانَ الْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ عَلَى وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْمُرَجَّحَةِ، أَوْ بَيَّنَ كَوْنَهُ مُتَعَدِّيًا، لَا يَكْفِي فِي بَيَانِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ ; لِأَنَّ رُجْحَانَ الْوَصْفِ لَا يُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ، إِذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَجِّحَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ أَقْوَى مِنَ الْأَخِيرَيْنِ. وَكَذَا تَعْدِيَةُ الْوَصْفِ لَا يُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ، إِذِ الْمُتَعَدِّي لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى الْقَاصِرِ ; لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ إِنْ كَانَ رَاجِحًا مِنْ جِهَةِ اتِّسَاعِ الْحُكْمِ، فَالْقَاصِرُ رَاجِحٌ مِنْ جِهَةِ مُوَافِقَةِ الْأَصْلِ. وَلَوْ سُلِّمَ رُجْحَانُ الْمُتَعَدِّي، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاصِرُ جُزْءًا. وَإِذَا احْتُمِلَ ذَلِكَ، كَانَ الْحُكْمُ بِكَوْنِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً تَحَكُّمًا بَاطِلًا. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّدَ ; لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْأُصُولِ يُقَوِّي الظَّنَّ بِكَوْنِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عِلَّةً. ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ اقْتِصَارِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْمُعَارَضَةِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 ص - السَّادِسَ عَشَرَ: التَّرْكِيبُ، تَقَدَّمَ. ص - السَّابِعَ عَشَرَ - التَّعْدِيَةُ، وَتَمْثِيلُهَا فِي إِجْبَارِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ: بِكْرٌ، فَجَازَ إِجْبَارُهَا   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَصْلِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ أُصُولُ الْمُسْتَدِلِّ مُتَعَدِّدَةً، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الِاقْتِصَارَ ; لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ قَصَدَ إِلْحَاقَ الْفَرْعِ بِجَمِيعِ الْأُصُولِ، فَإِذَا فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنَ الْأُصُولِ، فَقَدْ تَمَّ مَقْصُودُ الْمُعْتَرِضِ مِنْ إِبْطَالِ غَرَضِ الْمُسْتَدِلِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَارَضَهُ الْمُعْتَرِضُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ بَقِيَ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ صَحِيحًا فِي الْأَصْلِ الَّذِي لَمْ يُعَارِضْهُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الْمُعَارَضَةِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ اقْتِصَارِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُسْتَدِلِّ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ; لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ الْتَزَمَ صِحَّةَ الْقِيَاسِ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ، فَإِذَا عُورِضَ فِي الْجَمِيعِ، يَجِبُ الْجَوَابُ عَنِ الْجَمِيعِ. [سُؤَالُ التَّرْكِيبِ] ش - الِاعْتِرَاضُ السَّادِسَ عَشَرَ، سُؤَالُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ الْوَارِدُ عَلَى الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ. [التَّعْدِيَةُ] ش - الِاعْتِرَاضُ السَّابِعَ عَشَرَ: التَّعْدِيَةُ، وَهِيَ أَنْ يُعَارِضَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ بِوَصْفٍ آخَرَ مُتَعَدٍّ إِلَى فَرْعٍ آخَرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ أَيْضًا. مِثَالُ التَّعْدِيَةِ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي إِجْبَارِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ: الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ بِكْرٌ، فَجَازَ إِجْبَارُهَا قِيَاسًا عَلَى الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ، فَيُعَارِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالصِّغَرِ وَيَقُولُ: الْبَكَارَةُ وَإِنْ تَعَدَّتْ إِلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ، فَالصِّغَرُ يَتَعَدَّى إِلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ. وَالْمُعْتَرِضُ يَرْجِعُ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ إِلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ، فَجَوَابُهَا جَوَابُ الْمُعَارَضَةِ، وَلَا أَثَرَ لِزِيَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي التَّعْدِيَةِ. [مَنْعُ وَجُود الوصفِ فِي الْفَرْعِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّامِنَ عَشَرَ: مَنْعُ وُجُودِ الْوَصْفِ الَّذِي جَعَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً فِي الْفَرْعِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ: أَمَانٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، فَيَصِحُّ، قِيَاسًا عَلَى أَمَانِ الْمَأْذُونِ. فَيَمْنَعُ الْمُعْتَرِضُ الْأَهْلِيَّةَ فِي الْفَرْعِ، أَعْنِي فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ. وَجَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِبَيَانِ وُجُودِ مَا عَنَاهُ الْمُسْتَدِلُّ بِالْأَهْلِيَّةِ فِي الْفَرْعِ، كَجَوَابِ مَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً فِي الْأَصْلِ. فَإِنَّهُ أَيْضًا بِبَيَانِ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَنْعِ السَّائِلِ، أَيِ الْمُعْتَرِضِ مِنْ تَقْدِيرِ نَفْيِ الْوَصْفِ عَنِ الْفَرْعِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ السَّائِلَ يُمْنَعُ مِنْ تَقْرِيرِهِ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَانِعٌ، وَتَقْرِيرُ النَّفْيِ يُوهِمُ الْإِثْبَاتَ، وَالْمَانِعُ يَمْنَعُ مِنَ الْإِثْبَاتِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَدِلِّ، فَإِنَّهُ مُدَّعٍ لِوُجُودِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ، فَعَلَيْهِ إِثْبَاتُهُ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْكَلَامُ. [الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ] ش - الِاعْتِرَاضُ التَّاسِعَ عَشَرَ: الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى عَلَى وَجْهٍ، يَكُونُ مُسْتَنِدًا إِلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ، وَالْمُخْتَارُ: قَبُولُهُ; لِأَنَّ فَائِدَةَ الْمُنَاظَرَةِ رَدُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُسْتَدِلُّ. فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ، لَاخْتَلَّ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ. فَيُعَارَضُ بِالصِّغَرِ وَتَعَدِّيهِ إِلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ، وَيُرْجَعُ بِهِ إِلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ. ص - الثَّامِنَ عَشَرَ: مَنْعُ وَجُودِهِ فِي الْفَرْعِ، مِثْلَ: أَمَانٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَأْذُونِ، فَيَمْنَعُ الْأَهْلِيَّةَ. وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ وُجُودِ مَا عَنَاهُ بِالْأَهْلِيَّةِ، كَجَوَابِ مَنْعِهِ فِي الْأَصْلِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَالصَّحِيحُ مَنْعُ السَّائِلِ مِنْ تَقْرِيرِهِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ مُدَّعٍ، فَعَلَيْهِ إِثْبَاتُهُ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ص - التَّاسِعَ عَشَرَ: الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ عَلَى نَحْوِ طُرُقِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ. وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ لِئَلَّا تَخْتَلَّ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ. قَالُوا: فِيهِ قَلْبُ التَّنَاظُرِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَصْدَ: الْهَدْمُ. وَجَوَابُهُ بِمَا يَعْتَرِضُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ، وَالْمُخْتَارُ: قَبُولُ التَّرْجِيحِ أَيْضًا، فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ. وَالْمُخْتَارُ: لَا يَجِبُ الْإِيمَاءُ إِلَى التَّرْجِيحِ فِي الدَّلِيلِ; لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ، وَتَوَقَّفَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ مِنْ تَوَابِعِ وُرُودِ الْمُعَارَضَةِ لِدَفْعِهَا، لَا أَنَّهُ مِنْهُ. ص - الْعِشْرُونَ: الْفَرْقُ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى إِحْدَى الْمُعَارِضَتَيْنِ، وَإِلَيْهِمَا مَعًا عَلَى قَوْلٍ. ص - الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: اخْتِلَافُ الضَّابِطِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، مِثْلُ: تَسَبَّبُوا بِالشَّهَادَةِ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، كَالْمُكْرَهِ. فَيُقَالُ: الضَّابِطُ فِي الْفَرْعِ: الشَّهَادَةُ، وَفِي الْأَصْلِ: الْإِكْرَاهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمَانِعُونَ مِنَ الْقَبُولِ قَالُوا: لَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّ فِيهِ قَلْبُ التَّنَاظُرِ، بِصَيْرُورَةِ الْمُعْتَرِضِ مُسْتَدِلًّا. أَجَابَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمُعَارَضَةِ هَدْمُ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَهُوَ حَاصِلٌ، وَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُعْتَرِضِ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْهَدْمِ. وَجَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِمَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ ابْتِدَاءً ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مُسْتَدِلٌّ فِي الْحَالِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا يُرَدُّ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْجِيحِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ قَبُولُ تَرْجِيحِهِ، فَإِنَّ بِالتَّرْجِيحِ يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ الْإِيمَاءُ إِلَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ الِاسْتِدْلَالِ أَمْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ; لِأَنَّ التَّرْجِيحَ خَارِجٌ عَنِ الدَّلِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّرْجِيحُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنَ الدَّلِيلِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّرْجِيحِ. فَلَوْ كَانَ خَارِجًا، لَمْ يَتَوَقَّفِ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَوَقُّفَ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ عَلَى التَّرْجِيحِ مِنْ تَوَابِعِ وُرُودِ الْمُعَارَضَةِ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بِالتَّرْجِيحِ، فَيَبْقَى الدَّلِيلُ مَعْمُولًا بِهِ ; لِأَنَّ التَّرْجِيحَ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّلِيلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوَقُّفَ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ عَلَى التَّرْجِيحِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجَلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وُرُودِ الْمُعَارَضَةِ، لَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ جُزْءٌ مِنَ الدَّلِيلِ. [الْفَرْقُ] ش - الِاعْتِرَاضُ الْعِشْرُونَ: الْفَرْقُ، وَهُوَ جَعْلُ أَمْرٍ مَخْصُوصٍ بِالْأَصْلِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، أَوْ جَعْلُ أَمْرٍ مَخْصُوصٍ بِالْفَرْعِ مَانِعًا مِنَ الْحُكْمِ. وَالْأَوَّلُ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ، وَالثَّانِي مُعَارَضَةٌ فِي الْفَرْعِ. فَلِهَذَا قَالَ: " الْفَرْقُ رَاجِعٌ إِلَى إِحْدَى الْمُعَارَضَتَيْنِ "، أَعْنِي الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ، أَوِ الْمُعَارَضَةَ فِي الْفَرْعِ. وَجَوَابُ كُلٍّ مِنَ الْمُعَارَضَتَيْنِ قَدْ سَبَقَ. وَقِيلَ: الْفَرْقُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُعَارَضَتَيْنِ مَعًا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَإِلَيْهِمَا مَعًا عَلَى قَوْلٍ ". [اخْتِلَافُ الضَّابِطِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: اخْتِلَافُ الضَّابِطِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِأَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُتَّحِدَةً، وَالْوَصْفُ الضَّابِطُ لِلْحِكْمَةِ فِي الْأَصْلِ مُخَالِفًا لِلْوَصْفِ الضَّابِطِ لِلْحِكْمَةِ فِي الْفَرْعِ، مِثْلَ مَا إِذَا قِيسَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى وُجُوبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسَاوِي، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْجَامِعَ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنَ التَّسَبُّبِ الْمَضْبُوطِ عُرْفًا. أَوْ بِأَنَّ إِفْضَاءَهُ فِي الْفَرْعِ مِثْلُهُ أَوْ أَرْجَحُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ الْمُغْرِي لِلْحَيَوَانِ. فَإِنَّ انْبِعَاثَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْقَتْلِ طَلَبًا لِلتَّشَفِّي أَغْلَبُ مِنَ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ بِالْإِغْرَاءِ بِسَبَبِ نُفْرَتِهِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ، فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ أَصْلَيِّ التَّسَبُّبِ، فَإِنَّهُ اخْتِلَافُ فَرْعٍ وَأَصْلٍ. كَمَا يُقَاسُ الْإِرْثُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَنْعِ الْإِرْثِ، وَلَا يُفِيدُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِمَا مُلْغًى لِحِفْظِ النَّفْسِ، كَمَا أُلْغِيَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قَطْعِ الْأُنْمُلَةِ وَقَطْعِ الرَّقَبَةِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إِلْغَاءِ الْعَالَمِ إِلْغَاءُ الْحُرِّ. ص - الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: اخْتِلَافُ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ: أَوْلَجَ فَرْجًا فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا مُحَرَّمٍ شَرْعًا فَيُحَدُّ كَالزَّانِي. فَيُقَالُ: حِكْمَةُ الْفَرْعِ الصِّيَانَةُ عَنْ رَذِيلَةِ اللِّوَاطِ، وَفِي الْأَصْلِ دَفْعُ مَحْذُورِ اخْتِلَافِ الْأَنْسَابِ، فَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ. وَحَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ، وَجَوَابُهُ كَجَوَابِهِ بِحَذْفِ خُصُوصِ الْأَصْلِ. ص - الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ، كَالْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَكْسِهِ. وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَحَلِّ الَّذِي اخْتِلَافُهُ شَرْطٌ لَا فِي حُكْمٍ وَبَيَانٍ. ص - الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْقَلْبُ. قَلْبٌ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ، وَقَلْبٌ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا، وَقَلْبٌ بِالِالْتِزَامِ. الْأَوَّلُ: لُبْثٌ، فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً بِنَفْسِهِ، كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ، كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. الثَّانِي: عُضْوُ وَضَوْءٍ، فَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ، كَغَيْرِهِ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: فَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبُعِ. الثَّالِثُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ، كَالنِّكَاحِ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ; لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ قَالَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، فَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقِصَاصِ فِي الْمُكْرَهِ. فَإِنَّ الشَّاهِدَ تَسَبَّبَ إِلَى الْقَتْلِ بِالشَّهَادَةِ، كَمَا تَسَبَّبَ الْمُكْرَهُ إِلَى الْقَتْلِ بِالْإِكْرَاهِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْوَصْفُ الضَّابِطُ فِي الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ، وَفِي الْأَصْلِ الْإِكْرَاهُ، فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الضَّابِطِ. وَجَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُوَ التَّسَبُّبُ إِلَى الْقَتْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِكْرَاهِ، وَالتَّسَبُّبُ إِلَى الْقَتْلِ مَضْبُوطٌ عُرْفًا، أَوْ بِأَنَّ إِفْضَاءَ الضَّابِطِ إِلَى الْمَقْصُودِ فِي الْفَرْعِ مِثْلُ إِفْضَائِهِ فِي الْفَرْعِ أَوْ أَرْجَحُ. كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ الْقِيَاسِ الْمُغْرِي لِلْحَيَوَانِ بِأَنْ يَقِيسَ الشَّاهِدَ عَلَى الْمُغْرِي لِلْحَيَوَانِ بِجَامِعِ تَسَبُّبِهِمَا إِلَى الْقَتْلِ. فَإِنَّ إِفْضَاءَ الضَّابِطِ إِلَى الْمَقْصُودِ فِي الْفَرْعِ هَاهُنَا أَرْجَحُ مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ فِي الْأَصْلِ. فَإِنَّ انْبِعَاثَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْقَتْلِ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ طَلَبًا لِلتَّشَفِّي أَرْجَحُ مِنَ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ بِالْإِغْرَاءِ ; لِأَنَّ الْحَيَوَانَ فِيهِ نُفْرَةٌ مِنَ الْإِنْسَانِ مَانِعَةٌ مِنَ الِانْبِعَاثِ. وَأَيْضًا: عَدَمُ عِلْمِ الْحَيَوَانِ بِجَوَازِ الْقَتْلِ وَعَدَمُهُ يَمْنَعُهُ عَنِ الِانْبِعَاثِ، وَإِذَا كَانَ التَّسَبُّبُ فِي الْفَرْعِ مِثْلَ التَّسَبُّبِ فِي الْأَصْلِ، أَوْ رَاجِحًا، فَلَا يَضُرَّ اخْتِلَافُ أَصْلَيِّ التَّسَبُّبِ، أَعْنِي الشَّهَادَةَ وَالْإِكْرَاهَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَصْلَيِّ التَّسَبُّبِ اخْتِلَافُ أَصْلٍ وَفَرْعٍ. فَإِنَّهُ قِيسَ أَصْلُ التَّسَبُّبِ فِي الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى أَصْلِ التَّسَبُّبِ فِي الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْإِكْرَاهُ. وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا سَبَبًا لِلْقَتْلِ، وَاخْتِلَافُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَا يَكُونُ قَادِحًا فِي الْقِيَاسِ. وَذَلِكَ كَمَا يُقَاسُ إِرْثُ الْمَبْتُوتَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى حِرْمَانِ الْقَاتِلِ مِنَ الْإِرْثِ ; لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ارْتِكَابِ أَمْرِ مُحَرَّمٍ. فَكَمَا جُعِلَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ، جُعِلَ الطَّلَاقُ أَيْضًا مُوجِبًا لِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ. فَاخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ وَالْإِكْرَاهِ كَاخْتِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْقَتْلِ. وَلَا يُفِيدُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ: التَّفَاوُتُ فِي ضَابِطِ الْأَصْلِ وَضَابِطِ الْفَرْعِ مُلْغًى مُرَاعَاةً لِحِفْظِ النَّفْسِ الضَّرُورِيِّ، كَمَا أُلْغِيَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قَطْعِ الْأُنْمُلَةِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ، وَقَطْعِ الرَّقَبَةِ ; لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى قَاطِعِ الْأُنْمُلَةِ عِنْدَ إِفْضَاءِ الْقَطْعِ إِلَى الْهَلَاكِ، قِيَاسًا عَلَى قَاطِعِ الرَّقَبَةِ. وَإِنَّمَا لَا يُفِيدُ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ هَذَا ; لِأَنَّ إِلْغَاءَ التَّفَاوُتِ فِي صُورَةٍ لَا يُوجِبُ إِلْغَاءَهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. أَلَا تَرَى أَنَّ إِلْغَاءَ التَّفَاوُتِ فِي الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ فِي وُجُوبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْقِصَاصِ لَا يُوجِبُ إِلْغَاءَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ. [اخْتِلَافُ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: اخْتِلَافُ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ بِأَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي الْفَرْعِ غَيْرَ الْمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْأَصْلِ. كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى اللَّائِطِ: أَوْلَجَ اللَّائِطُ فَرْجًا فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا مُحَرَّمٍ شَرْعًا، فَيُحَدُّ كَالزَّانِي. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: حِكْمَةُ الْفَرْعِ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ رَذِيلَةِ اللِّوَاطِ. وَحِكْمَةُ الْأَصْلِ دَفْعُ مَحْذُورِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُفْضِي إِلَى عَدَمِ تَعَهُّدِ الْأَوْلَادِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّارِعُ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ. وَحَاصِلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ جَعَلَ عِلَّةَ الْحُكْمِ الْوَصْفَ الْمَوْجُودَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَالْمُعْتَرِضَ جَعَلَ الْعِلَّةَ الْوَصْفَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى حِكْمَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْأَصْلِ، وَجَوَابُهُ جَوَابُ الْمُعَارَضَةِ بِأَنْ يُحْذَفَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَصْلِ عَنِ الِاعْتِبَارِ. [مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ، مِثْلَ قِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الصِّحَّةِ وَعَكْسِهِ، أَيْ قِيَاسِ النِّكَاحِ عَلَى الْبَيْعِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: حُكْمُ الْفَرْعِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْقِيَاسُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْحُكْمَيْنِ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْدِيَةِ حُكْمِ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ بِجَامِعٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَجَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِبَيَانِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَحَلِّ الَّذِي اخْتِلَافُهُ شَرْطٌ فِي الْقِيَاسِ. فَإِنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ، وَلَا بُدَّ مِنَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَلَا فِي الْبَيَانِ الَّذِي هُوَ الْجَامِعُ. [الْقَلْبُ] ش - الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْقَلْبُ، وَهُوَ تَعْلِيقُ نَقِيضِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَازِمِ نَقِيضِهِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ إِلْحَاقًا بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. وَقَسَّمَ الْمُصَنِّفُ الْقَلْبَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَلْبٌ ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ، وَقَلْبٌ ذَكَرَهُ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا، وَقَلْبٌ ذَكَرَهُ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِهِ بِالِالْتِزَامِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ: الِاعْتِكَافُ لُبْثٌ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ قُرْبَةٌ بِنَفْسِهِ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَلَا بُدَّ مِنَ انْضِمَامِ عِبَادَةٍ أُخْرَى إِلَيْهِ لِيَحْصُلَ بِهِ قُرْبَةٌ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: الِاعْتِكَافُ لُبْثٌ مَخْصُوصٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. فَقَدْ صَحَّحَ الْمُعْتَرِضُ بِهَذَا الْقَلْبِ مَذْهَبَهُ، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ اشْتَرَكَ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْجَامِعُ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ. ص - الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ. وَحَقِيقَتُهُ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَسْتَنْتِجَهُ مَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ مُلَازِمُهُ. مِثْلَ: قَتَلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ، كَحَرْقِهِ. فَيُرَدُّ ; فَإِنَّ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَلَا يَقْتَضِيهِ. الثَّانِي: أَنْ يَسْتَنْتِجَهُ إِبْطَالُ مَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ الْخَصْمِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثَالُ الثَّانِي: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: الرَّأْسُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ، قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الرَّأْسِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَإِذَا بَطَلَ الْأَقَلُّ ثَبَتَ الرُّبُعُ ; لِأَنَّ مَا عَدَا الرُّبُعَ وَالْأَقَلَّ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: الرَّأْسُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبُعِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ بِهَذَا الْقَلْبِ أَبْطَلَ مَذْهَبَ الْمُسْتَدِلَّ صَرِيحًا. مِثَالُ الثَّالِثِ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ: بَيْعُ الْغَائِبِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ، قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: بَيْعُ الْغَائِبِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَازِمٌ لِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ، انْتَفَى الْمَلْزُومُ. فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ بِهَذَا الْقَلْبِ أَبْطَلَ مَذْهَبَ الْمُسْتَدِلِّ بِالِالْتِزَامِ لَا بِالصَّرِيحِ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ لَازِمَ مَذْهَبِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْ إِبْطَالِ لَازِمِ مَذْهَبِهِ إِبْطَالُ مَذْهَبِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَلْبَ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ نَقِيضَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى، لَا أَنَّهُ وَجَبَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ وَالْجَامِعُ وَالْفَرْعُ مَا جَعَلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُسْتَدِلُّ أَصْلًا وَفَرْعًا وَجَامِعًا، فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنَ الْمُعَارَضَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَالْفَرْعِ أَبْلَغُ فِي الْمُنَاقَصَةِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُسْتَدِلَّ مِنْ تَرْجِيحِ أَصْلِهِ وَجَامِعِهِ عَلَى أَصْلِ الْقَلْبِ وَجَامِعِهِ لِلِاتِّحَادِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعَارَضَةِ. وَلِلْقَلْبِ أَقْسَامٌ أُخَرُ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: مِنْهَا: قَلْبُ الدَّعْوَى مَعَ إِضْمَارِ الدَّلِيلِ. كَمَا يُقَالُ: كُلُّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ. فَيَقُولُ الْقَالِبُ الْمُعْتَرِضُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ، لَا يَكُونُ مَرْئِيًّا. وَالْوُجُودُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ دَلِيلُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ الْقَائِلِ الْأَوَّلِ، وَكَوْنُهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ فِي الثَّانِي دَلِيلُ امْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ الْقَائِلِ الثَّانِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ مُضْمَرٌ فِي الدَّعْوَى. وَمِنْهَا: قَلْبُ الدَّعْوَى مَعَ عَدَمِ إِضْمَارِ الدَّلِيلِ، مِثْلَ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ. فَيَقُولُ الْقَالِبُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِذَاتِهِ. وَمِنْهَا: قَلْبُ الِاسْتِبْعَادِ فِي الدَّعْوَى، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِلْحَاقِ: تَحْكِيمُ الْوَلَدِ فِيهِ تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ مِنَ الْقَالِبِ: تَحْكِيمُ الْقَائِلِ فِيهِ أَيْضًا تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَمِنْهَا قَلْبُ الدَّلِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا يَدُلُّ لَهُ، مِثْلَ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. فَيَقْلِبُ الْمُعْتَرِضُ وَيَقُولُ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَالَ لَا يَرِثُ بِطَرِيقٍ أَبْلَغَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لَا وَارِثَ " سَلْبٌ عَامٌّ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْخَالُ وَارِثًا. وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: الْجُوعُ زَادُ مَنْ لَا زَادَ لَهُ، وَالصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لِلْقَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَقْسَامَ، بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَقَطْ. [الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ] ش - الِاعْتِرَاضُ الْخَامِسَ وَالْعِشْرُونَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ، وَحَقِيقَتُهُ: تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَسْتَنْتِجَ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ دَلِيلِهِ مَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ: قَتَلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ، قِيَاسًا عَلَى الْقَتْلِ بِالْحَرْقِ. فَيُرَدُّ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ بِمُوجِبِ هَذَا الدَّلِيلِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثْقَلِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ لَكِنَّ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ مَحَلُّ النِّزَاعِ، أَيْ لَا يَكُونُ مُلَازِمًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ كَوْنُ أَحَدِهِمَا مُلَازِمًا لِلْآخَرِ. الثَّانِي: أَنْ يَسْتَنْتِجَ الْمُسْتَدِلُّ مِنَ الدَّلِيلِ إِبْطَالَ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ الْخَصْمِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ: التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 مِثْلَ: التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ كَالْمُتَوَسِّلِ إِلَيْهِ، فَيُرَدُّ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبْطَالِ مَانِعِ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ وَالْمُقْتَضَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي مَذْهَبِهِ، وَأَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ كَذَلِكَ ; لِخَفَاءِ الْمَأْخَذِ بِخِلَافِ مَحَالِّ الْخِلَافِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَسْكُتَ عَنِ الصُّغْرَى غَيْرَ مَشْهُورَةٍ، مِثْلَ: مَا ثَبَتَ قُرْبَةً، فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ، كَالصَّلَاةِ. وَيَسْكُتُ عَنْ (وَالْوُضُوءُ قُرْبَةٌ) فَيُرَدُّ، وَلَوْ ذَكَرَهَا لَمْ يَرِدْ إِلَّا الْمَنْعُ. وَقَوْلُهُمْ: فِيهِ انْقِطَاعُ أَحَدِهِمَا، بَعِيدٌ فِي الثَّالِثِ لِاخْتِلَافِ الْمُرَادَيْنِ. وَجَوَابُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ مُسْتَلْزَمٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، فَيُقَالُ بِالْمُوجَبِ لِأَنَّهُ يَجِبُ. فَيَقُولُ: الْمَعْنَى بِـ " لَا يَجُوزُ " تَحْرِيمُهُ، وَيَلْزَمُ نَفْيُ الْوُجُوبِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّهُ الْمَأْخَذُ، وَعَنِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْحَذْفَ سَائِغٌ. ص - وَالِاعْتِرَاضَاتُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَتَعَدَّدُ اتِّفَاقًا، وَمِنْ أَجْنَاسٍ، كَالْمَنْعِ وَالْمُطَالَبَةِ وَالنَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ. مَنَعَ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ التَّعَدُّدَ لِلْخَبْطِ. وَالْمُتَرَتِّبَةُ مَنْعُ الْأَكْثَرِ ; لِمَا فِيهِ مِنَ التَّسْلِيمِ لِلْمُتَقَدِّمِ، فَيَتَعَيَّنُ الْأَخِيرُ، وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ تَقْدِيرِيٌّ فَلْتَتَرَتَّبْ، وَإِلَّا كَانَ مَنْعًا بَعْدَ تَسْلِيمٍ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ، ثُمَّ الْعِلَّةِ ; لِاسْتِنْبَاطِهَا مِنْهُ، ثُمَّ الْفَرْعِ لِبِنَائِهِ عَلَيْهَا. وَقَدَّمَ النَّقْضَ عَلَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ يُورِدُ لِإِبْطَالِ الْعِلَّةِ، وَالْمُعَارَضَةُ لِإِبْطَالِ اسْتِقْلَالِهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ، كَالتَّفَاوُتِ فِي الْمُتَوَسَّلِ إِلَيْهِ، فَيَظُنُّ الْمُسْتَدِلُّ أَنَّ مَأْخَذَ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عِنْدَ الْخَصْمِ تَفَاوُتُ الْوَسِيلَةِ. فَيُرَدُّ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ بِمُوجِبِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْوَسِيلَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عِنْدِي أَيْضًا، وَلَكِنْ لَمْ يَلْزَمْ وُجُوبُ الْقِصَاصِ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبْطَالِ مَانِعٍ انْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ وَوُجُودُ الْمُقْتَضِي، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ يَتَوَقَّفُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ مُصَدَّقٌ فِي مَذْهَبِهِ بِأَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُسْتَدِلُّ لَيْسَ مَأْخَذَ الْمُعْتَرِضِ، فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ إِمَامِهِ. وَقِيلَ: لَا يُصَدَّقُ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ مَأْخَذُهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مَأْخَذَ الْمُعْتَرِضِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ لِلْعِنَادِ. وَأَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ كَذَلِكَ، أَيْ يَكُونُ مِنْ بَابِ غَلَطِ الْمَأْخَذِ لِخَفَاءِ الْمَأْخَذِ، فَإِنَّ مُدْرَكَ حُكْمِ الْمُجْتَهِدِ كَثِيرًا مَا يَخْفَى، بِخِلَافِ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى. وَلِهَذَا يَشْتَرِكُ الْعَوَّامُ مَعَ الْخَوَاصِّ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْمَدَارِكِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ الْمُسْتَدِلُّ كُبْرَى الْقِيَاسِ وَيَسْكُتَ عَنِ الصُّغْرَى، وَالْحَالُ أَنَّ الصُّغْرَى غَيْرُ مَشْهُورَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ: مَا ثَبَتَ قُرْبَةً فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ، قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ. وَيَسْكُتُ عَنِ الصُّغْرَى، وَهِيَ قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ قُرْبَةٌ. فَيَرُدُّ الْمُعْتَرِضُ بِأَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِ الْكُبْرَى، وَلَكِنْ لَا يَنْتِجُ الْكُبْرَى وَحْدَهَا. وَلَوْ ذَكَرَ الْمُسْتَدِلُّ الصُّغْرَى، لَمْ يُرِدْ إِلَّا مَنْعَ الصُّغْرَى بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ قُرْبَةٌ. وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ: يَلْزَمُ انْقِطَاعُ الْمُسْتَدِلِّ أَوِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ، بِعِيدٌ لِاخْتِلَافِ مُرَادِ الْمُسْتَدِلِّ وَمُرَادِ الْمُعْتَرِضِ، إِذْ مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الصُّغْرَى، وَإِنْ كَانَتْ مَحْذُوفَةً لَفْظًا، فَهِيَ مَذْكُورَةٌ تَقْدِيرًا، وَالْمَجْمُوعُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. وَمُرَادُ الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْكُبْرَى وَحْدَهَا، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. وَجَوَابُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ بِأَنْ مَا لَزِمَ مِنَ الدَّلِيلِ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ، وَبَيَانُهُ بِالنَّقْلِ الْمَشْهُورِ، كَمَا لَوْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ بِالْمُوجَبِ بِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ لَا يَجُوزُ عِنْدِي ; لِأَنَّهُ يَجِبُ. فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْمَعْنَى بِـ (لَا يَجُوزُ) : تَحْرِيمُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَتَحْرِيمُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْجَوَابُ عَنِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ أَنَّ مَا ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَأْخَذُ، وَبَيَانُهُ اسْتِشْهَارُهُ بَيْنَ النُّظَّارِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ بِأَنَّ حَذْفَ الصُّغْرَى جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ مَجْمُوعُ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، لَا الْكُبْرَى وَحْدَهَا. [تعدد الاعتراضات] ش - الِاعْتِرَاضَاتُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالنُّقُوضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَوِ الْمُعَارَضَاتِ فِي أَحَدِ رُكْنَيِ الْقِيَاسِ إِمَّا الْأَصْلُ أَوِ الْفَرْعُ. أَوْ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، كَالْمَنْعِ وَالْمُطَالَبَةِ وَالنَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ. فَإِنْ كَانَتِ الِاعْتِرَاضَاتُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمُنَاظَرَةِ عَلَى جَوَازِ تَعَدُّدِهَا، أَيْ عَلَى جَوَازِ إِيرَادِهَا مَعًا، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا تَنَاقُضٌ وَلَا انْتِقَالٌ مِنْ سُؤَالٍ إِلَى آخَرَ. وَإِنْ كَانَتِ الِاعْتِرَاضَاتُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيَمْنَعُ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ جَوَازَ التَّعَدُّدِ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُرَتَّبَةً أَوْ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ ; لِأَنَّ التَّعَدُّدَ يُؤَدِّي إِلَى الْخَبْطِ ; لِأَنَّهُ خَلْطٌ مُنِعَ بِمَنْعٍ، وَيَزُولُ مِنْ سُؤَالٍ إِلَى آخَرَ، وَأَوْجَبُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى سُؤَالٍ وَاحِدٍ لِقُرْبِهِ إِلَى الضَّبْطِ. وَالْمُرَتَّبَةُ مَنَعَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمُنَاظَرَةِ التَّعَدُّدَ فِيهَا دُونَ غَيْرِ الْمُرَتَّبَةِ ; لِأَنَّ فِي تَعَدُّدِ الْمُرَتَّبَةِ تَسْلِيمًا لِلْمُقَدَّمِ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِذَا طَالَبَ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ مَنَعَ وُجُودَ الْوَصْفِ، فَقَدْ نَزَلَ عَنِ الْمَنْعِ وَسَلَّمَ وُجُودَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مُقَدَّمٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَصَرَّ عَلَى مَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ، لَمَا طَالَبَهُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ ; لِأَنَّ تَأْثِيرَ مَا لَا وُجُودَ لَهُ مُحَالٌ. فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُعْتَرِضُ غَيْرَ جَوَابِ الْأَخِيرِ، فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ الْمَوْرُودُ فَقَطْ. فَالتَّعَرُّضُ لِلْمُقَدَّمِ يَكُونُ ضَائِعًا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ التَّعَدُّدِ فِي الْمَرْتَبَةِ ; لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُتَقَدِّمِ تَسْلِيمٌ تَقْدِيرِيٌّ، إِذْ مَعْنَاهُ: لَوْ سُلِّمَ وُجُودُ الْوَصْفِ، فَلَا نُسَلِّمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] تَأْثِيرَهُ. وَالتَّسْلِيمُ التَّقْدِيرِيُّ لَا يُنَافِي الْمَنْعَ، بِخِلَافِ التَّسْلِيمِ تَحْقِيقًا، فَإِنَّهُ يُنَافِي الْمَنْعَ. فَلَوْ مَنَعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَحْقِيقًا، لَمْ يُسْمَعْ. وَإِذَا جَازَ التَّعَدُّدُ فِي الْمَرْتَبَةِ، فَلْيُرَتِّبِ الِاعْتِرَاضَاتِ، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبِ الِاعْتِرَاضَاتِ - كَانَ مَنْعًا بَعْدَ التَّسْلِيمِ، كَمَا لَوْ طَالَبَ التَّأْثِيرَ، ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَهُ. وَالِاعْتِرَاضَاتُ بَعْضُهَا مُقَدَّمٌ طَبْعًا عَلَى بَعْضٍ، فَلْيُقَدَّمْ وَضْعًا. فَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ مِنَ الِاعْتِرَاضَاتِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ ; لِأَنَّ الْفَرْعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلَّةِ. وَيُقَدَّمُ النَّقْضُ عَلَى الْمُعَارَضَةِ ; لِأَنَّ النَّقْضَ يُورَدُ لِإِبْطَالِ الْعِلَّةِ. وَالْمُعَارَضَةَ يُورَدُ لِاسْتِقْلَالِهَا، وَالْعِلَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى اسْتِقْلَالِهَا. وَالِاسْتِفْسَارُ يُقَدَّمُ عَلَى الْكُلِّ ; لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ، لَا يَعْرِفُ مَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي فَسَادِ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ثُمَّ فَسَادُ الْوَضْعِ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ. وَالنَّظَرُ فِي الْأَعَمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الْأَخَصِّ. ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذُكِرَ. [الِاسْتِدْلَالُ] [تعريف الاستدلال وأنواعه] [القسم الأول مِنَ الِاسْتِدْلَالِ التَلَازُمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عِلَّةٍ] ش - لَمَّا كَانَ " الِاسْتِدْلَالُ " مِنْ جُمْلَةِ الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ لِلْأَحْكَامِ، ذَكَرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَالِاسْتِدْلَالُ فِي اللُّغَةِ: طَلَبُ الدَّلِيلِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى عَامٍّ، وَهُوَ: ذِكْرُ الدَّلِيلِ نَصًّا كَانَ أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا أَوْ غَيْرَهُ. وَيُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا. فَقِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ: هُوَ دَلِيلٌ لَا يَكُونُ نَصًّا وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا. وَقِيلَ: هُوَ دَلِيلٌ لَا يَكُونُ نَصًّا وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا قِيَاسَ عِلَّةٍ. فَيَدْخُلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي نَفْيُ الْفَارِقِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ. وَالتَّلَازُمُ، أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ ; لِأَنَّ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ الِاسْتِدْلَالُ مِنْ وُجُودِ أَحَدِ الْمُتَلَازِمِينَ عَلَى وُجُودِ الْآخَرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي نَحْوِ: وُجِدَ السَّبَبُ فَيُوجَدُ الْمُسَبَّبُ، أَوْ وُجِدَ الْمَانِعُ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ، أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ. فَقِيلَ: لَيْسَ بِدَلِيلٍ، بَلْ هُوَ دَعْوَى دَلِيلٍ ; لِأَنَّ قَوْلَنَا: وُجِدَ السَّبَبُ، مَعْنَاهُ وُجِدَ الدَّلِيلُ، وَهُوَ دَعْوَى وُجُودِ الدَّلِيلِ. وَقِيلَ: دَلِيلٌ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْحُكْمُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا، وَهَذَا كَذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 الِاسْتِدْلَالُ. ص - الِاسْتِدْلَالُ يُطْلَقُ عَلَى ذِكْرِ الدَّلِيلِ، وَيُطْلَقُ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ. فَقِيلَ: مَا لَيْسَ بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ. وَقِيلَ: لَا قِيَاسَ عِلَّةٍ، فَيَدْخُلُ نَفْيُ الْفَارِقِ وَالتَّلَازُمُ، وَأَمَّا نَحْوُ: وَجْدُ السَّبَبِ أَوِ الْمَانِعِ أَوْ فَقْدُ الشَّرْطِ، فَقِيلَ: دَعْوَى دَلِيلٍ. وَقِيلَ: دَلِيلٌ. وَعَلَى أَنَّهُ دَلِيلٌ، قِيلَ: اسْتِدْلَالٌ وَقِيلَ: إِنْ أَثْبَتَ بِغَيْرِ الثَّلَاثَةِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ: تَلَازُمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عِلَّةٍ وَاسْتِصْحَابٍ. وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 ص - الْأَوَّلُ: تَلَازُمٌ بَيْنَ ثُبُوتَيْنِ، أَوْ نَفْيَيْنِ، أَوْ ثُبُوتٍ وَنَفْيٍ، أَوْ نَفْيٍ وَثُبُوتٍ. وَالْمُتَلَازِمَانِ إِنْ كَانَا طَرْدًا وَعَكْسًا، كَالْجِسْمِ وَالتَّأْلِيفِ، جَرَى فِيهِمَا الْأَوَّلَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا. وَإِنْ كَانَا طَرْدًا لَا عَكْسًا كَالْجِسْمِ وَالْحُدُوثِ، جَرَى فِيهِمَا الْأَوَّلُ طَرْدًا، وَالثَّانِي عَكْسًا. وَالْمُتَنَافِيَانِ إِنْ كَانَا طَرْدًا وَعَكْسًا، كَالْحُدُوثِ وَوُجُوبِ الْبَقَاءِ، جَرَى فِيهِمَا الْأَخِيرَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا. فَإِنْ تَنَافَيَا إِثْبَاتًا، كَالتَّأْلِيفِ وَالْقِدَمِ، جَرَى فِيهِمَا الثَّالِثُ طَرْدًا وَعَكْسًا، فَإِنْ تَنَافَيَا نَفْيًا، كَالْأَسَاسِ وَالْخَلَلِ، جَرَى فِيهِمَا الرَّابِعُ طَرْدًا وَعَكْسًا. الْأَوَّلُ فِي الْأَحْكَامِ - مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ - صَحَّ ظِهَارُهُ وَيَثْبُتُ بِالطَّرْدِ، وَيَقْوَى بِالْعَكْسِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ دَلِيلًا، اخْتَلَفُوا: فَقِيلَ: إِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِدُخُولِهِ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِدْلَالِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ. وَقِيلَ: إِنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ أَوِ الْمَانِعَ أَوْ فَقَدَ الشَّرْطَ بِغَيْرِ الثَّلَاثَةِ، أَعْنِي النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ، فَاسْتِدْلَالٌ. وَإِنْ أُثْبِتَ بِأَحَدِهَا، لَا يَكُونُ اسْتِدْلَالًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُثْبِتَ بِأَحَدِهَا، كَانَ الْحُكْمُ اللَّازِمُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ أَوِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ النَّصَّ أَوِ الْإِجْمَاعَ أَوِ الْقِيَاسَ دَلِيلُ إِحْدَى مُقَدِّمَتَيِ الِاسْتِدْلَالِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: الِاسْتِدْلَالُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الْقَوْلُ الْمُؤَلَّفُ الْمُوجِبُ لِقَوْلٍ آخَرَ، اقْتِرَانِيًّا كَانَ أَوِ اسْتِثْنَائِيًّا، وَنَفْيُ الْحُكْمِ لِنَفْيِ الْمَدَارِكِ. وَقَوْلُهُمْ: وُجِدَ السَّبَبُ أَوِ الْمَانِعُ أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ. وَالِاسْتِصْحَابُ. وَلَمْ يُعْتَدَّ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: تَلَازُمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عِلَّةٍ جَامِعَةٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاسْتِصْحَابٌ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا. ش - الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ; لِأَنَّ الْمُتَلَازِمَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَا ثُبُوتَيْنِ أَوْ نَفْيَيْنِ، أَوِ الْأَوَّلُ ثُبُوتٌ وَالْآخَرُ نَفْيٌ، أَوِ الْأَوَّلُ نَفْيٌ وَالْآخَرُ ثُبُوتٌ. وَالْمُتَلَازِمَانِ إِنْ كَانَا طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ إِنْ كَانَ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، كَالْجِسْمِ وَالتَّأْلِيفِ، فَإِنَّ وُجُودَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْآخَرِ، جَرَى فِيهِمَا - أَيْ فِي الْمُتَلَازِمَيْنِ - الْأَوَّلَانِ، أَيِ التَّلَازُمُ بَيْنَ ثُبُوتَيْنِ - وَالتَّلَازُمُ بَيْنَ نَفْيَيْنِ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَيُقَرَّرُ بِثُبُوتِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ، فَيَلْزَمُ الْآخَرُ، لِلُزُومِ الْمُؤَثِّرِ، وَبِثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ. وَلَا يُعَيَّنُ الْمُؤَثِّرُ فَيَكُونُ انْتِقَالًا إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ. الثَّانِي: لَوْ صَحَّ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، لَصَحَّ التَّيَمُّمُ، وَيَثْبُتُ بِالطَّرْدِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُقَرَّرُ بِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ، فَيَنْتَفِي الْآخَرُ لِلُزُومِ انْتِفَاءِ الْمُؤَثِّرِ بِانْتِفَاءِ الْأَثَرِ. الثَّالِثُ: مَا كَانَ مُبَاحًا، لَا يَكُونُ حَرَامًا. الرَّابِعُ: مَا لَا يَكُونُ جَائِزًا يَكُونُ حَرَامًا. وَيُقَرَّرَانِ بِثُبُوتِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ لَوَازِمِهِمَا. ص وَيُرَدُّ عَلَى الْجَمِيعِ مَنْعُهُمَا، أَوْ مَنْعُ أَحَدِهِمَا. وَيُرَدُّ مِنَ الْأَسْئِلَةِ مَا عَدَا أَسْئِلَةِ نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ. وَيَخْتَصُّ بِسُؤَالٍ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ فِي قِصَاصِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ: أَحَدُ مُوجِبَيِ الْأَصْلِ، وَهُوَ النَّفْسُ، فَيَجِبُ بِدَلِيلِ الْمُوجَبِ الثَّانِي، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَقَرَّرَ بِأَنَّ الدِّيَةَ أَحَدُ الْمُوجِبَيْنِ فَيَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ إِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً، فَوَاضِحٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنَ الْجِسْمِ التَّأْلِيفُ، وُجُودُ الْآخَرِ، وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْيُ الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَ الْمُتَلَازِمَانِ طَرْدًا فَقَطْ، أَيْ لَزِمَ مِنْ وُجُودِ الْأَوَّلِ وُجُودُ الثَّانِي، مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، كَالْجِسْمِ وَالْحُدُوثِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْجِسْمِ يَسْتَلْزِمُ الْحُدُوثَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، جَرَى فِيهِمَا التَّلَازُمُ بَيْنَ ثُبُوتَيْنِ طَرْدًا فَقَطْ ; أَيْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْجِسْمِ وُجُودُ الْحُدُوثِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَالتَّلَازُمُ بَيْنَ نَفْيَيْنِ عَكْسًا فَقَطْ، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحُدُوثِ نَفْيُ الْجِسْمِ، مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. وَأَمَّا الْمُتَنَافِيَانِ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَهِيَ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَقِيقِيَّةِ، كَالْحُدُوثِ وَوُجُوبِ الْبَقَاءِ، فَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَيَجْرِي فِيهِمَا الْأَخِيرَانِ، أَيِ التَّلَازُمُ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَنَفْيٍ، وَالتَّلَازُمُ بَيْنَ نَفْيٍ وَثُبُوتٍ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفْيُ الْآخَرِ، وَمِنْ نَفْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُبُوتُ الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَ الْمُتَنَافِيَانِ تَنَافَيَا إِثْبَاتًا فَقَطْ، أَيْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَنْعُ الْجَمْعِ، كَالتَّأْلِيفِ وَالْقِدَمِ، فَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وُجُودًا، لَا عَدَمًا، جَرَى فِيهِمَا الثَّالِثُ، أَيِ التَّلَازُمُ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَنَفِيٍ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ ثُبُوتُ كُلٍّ مِنَ التَّأْلِيفِ وَالْقِدَمِ يَلْزَمُهُ نَفْيُ الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَ الْمُتَنَافِيَانِ تَنَافَيَا نَفْيًا فَقَطْ، أَيْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَنْعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْخُلُوِّ، كَالْأَسَاسِ وَالْخَلَلِ، فَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ عَدَمًا لَا وُجُودًا، جَرَى فِيهِمَا الرَّابِعُ، أَيِ التَّلَازُمُ بَيْنَ نَفْيٍ وَثُبُوتٍ طَرْدًا وَعَكْسًا، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُبُوتُ الْآخَرِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَمْثِلَةَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ التَّلَازُمِ فِي الْأَحْكَامِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: أَيِ التَّلَازُمُ بَيْنَ ثُبُوتَيْنِ: مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ، صَحَّ ظِهَارُهُ. وَتَثْبُتُ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَهُمَا بِالطَّرْدِ، أَيْ بِأَنْ يَسْتَلْزِمَ صِحَّةُ الطَّلَاقِ صِحَّةَ الظِّهَارِ، وَيَقْوَى التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ الْعَكْسَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، لَكِنْ يَكُونُ مُقَوِّيًا لِلدَّلِيلِ، وَيُقَرَّرُ التَّلَازُمُ بِأَنَّ الصِّحَّتَيْنِ أَثَرَانِ لِمُؤَثِّرٍ وَاحِدٍ، فَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ ثُبُوتُ الْآخَرِ ; لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُؤَثِّرِ لَازِمٌ لِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا، وَثُبُوتَ الْآخَرِ لَازِمٌ مِنْ ثُبُوتِ مُؤَثِّرِهِ. وَيُقَرَّرُ أَيْضًا بِثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الطَّلَاقِ ثَابِتٌ، فَيُثْبِتُ صِحَّةَ الظِّهَارِ ; لِأَنَّهُمَا أَثَرَاهُ. وَلَا يُعَيَّنُ الْمُؤَثِّرُ، وَإِلَّا يَكُونُ انْتِقَالًا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ إِلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِثَالُ الثَّانِي، أَيِ التَّلَازِمِ بَيْنَ نَفْيَيْنِ: لَوْ صَحَّ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، لَصَحَّ التَّيَمُّمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيَثْبُتُ هَذَا التَّلَازُمُ بِالطَّرْدِ، وَيَتَقَوَّى بِالْعَكْسِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُقَرَّرُ أَيْضًا بِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ فَيَنْتَفِي الْآخَرُ لِلُزُومِ انْتِفَاءِ الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ انْتِفَاءُ الْمُؤَثِّرِ، وَيَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الْمُؤَثِّرِ انْتِفَاءُ الْأَثَرِ الْآخَرِ. مِثَالُ الثَّالِثِ، أَيِ التَّلَازِمِ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَنَفْيٍ: مَا يَكُونُ مُبَاحًا لَا يَكُونُ حَرَامًا. مِثَالُ الرَّابِعِ، أَيِ التَّلَازِمِ بَيْنَ نَفْيٍ وَثُبُوتٍ: مَا لَا يَكُونُ جَائِزًا يَكُونُ حَرَامًا. وَيُقَرَّرُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ بِثُبُوتِ التَّنَافِي بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْمُبَاحِ، أَوْ بِثُبُوتِ التَّنَافِي بَيْنَ لَوَازِمِهِمَا، فَإِنَّ التَّنَافِيَ بَيْنَ اللَّوَازِمِ يَسْتَلْزِمُ التَّنَافِيَ بَيْنَ الْمَلْزُومَاتِ. ش - وَيَرِدُ عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ التَّلَازُمِ مَنْعُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الشَّرْطِيَّةِ وَالِاسْتِثْنَائِيَّةِ، أَوْ مَنْعُ إِحْدَى الْمُقَدَّمَتَيْنِ، إِمَّا الشَّرْطِيَّةِ أَوِ الِاسْتِثْنَائِيَّةِ، وَيَرِدُ أَيْضًا عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ التَّلَازُمِ الْأَسْئِلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْقِيَاسِ، إِلَّا الْأَسْئِلَةَ الْوَارِدَةَ عَلَى نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ، فَإِنَّهَا لَا تَرِدُ فِي التَّلَازُمِ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ لَا يُعَيَّنُ فِي التَّلَازُمِ، وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَيَخْتَصُّ التَّلَازُمُ بِسُؤَالٍ آخَرَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَحَدَ مُوجِبَيِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ فِي قِصَاصِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ: إِنَّ قِصَاصَ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ أَحَدُ مُوجِبَيِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، وَهِيَ تَفْوِيتُ النَّفْسِ، فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ بِدَلِيلِ وُجُودِ الْمُوجَبِ الثَّانِي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً، فَتَلَازُمُ الْحُكْمَيْنِ دَلِيلُ تَلَازُمِ الْعِلَّتَيْنِ. فَيُعْتَرَضُ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي الْفَرْعِ بِأُخْرَى لَا تَقْتَضِي الْآخَرَ، وَيُرَجِّحُهُ بِاتِّسَاعِ الْمَدَارِكِ، فَلَا يَلْزَمُ الْآخَرُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ أُخْرَى وَيُرَجِّحُهُ بِأَوَّلِيَّةِ الِاتِّحَادِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَكْسِ. فَإِنْ قَالَ: فَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، قَالَ: فَالْمُتَعَدِّيَةُ أَوْلَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ. وَتَقْرِيرُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ بِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْجَمِيعِ أَحَدُ مُوجِبَيِ الْعِلَّةِ، فَيَسْتَلْزِمُ الْمُوجِبَ الْآخَرَ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ عِلَّةَ الْمُوجِبَيْنِ فِي الْأَصْلِ إِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً، فَوَاضِحٌ وُجُودُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ ; إِذْ يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِ مُوجِبَيِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى الْجَمِيعِ - وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ. وَمِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وُجُودُ الْمُوجِبِ الْآخَرِ فِيهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ. وَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ مُتَعَدِّدَةً، فَتَلَازُمُ الْحُكْمَيْنِ، أَعْنِي وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصْلِ دَلِيلُ تُلَازِمِ عِلَّتَيْهِمَا. وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ وُجُودُ عِلَّتِهِ فِيهِ، وَمِنْ وُجُودِ عِلَّتِهِ فِي الْفَرْعِ وُجُودُ عِلَّةِ الْآخَرِ فِيهِ ; لِتُلَازِمِ الْعِلَّتَيْنِ، وَمِنْ وُجُودِ عِلَّةِ الْآخَرِ فِيهِ وُجُودُ الْآخَرِ، أَعْنِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ. فَيُعْرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَتِلْكَ الْعِلَّةُ لَا تَقْتَضِي الْآخَرَ، أَعْنِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَكُونُ عِلَّةُ الْأَصْلِ تَقْتَضِي تَلَازُمَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَوُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ، وَعِلَّةُ الْفَرْعِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ عِلَّةِ الْأَصْلِ لَا تَقْتَضِي تَلَازُمَهَا. وَيُرَجِّحُ الْمُعْتَرِضُ هَذَا السُّؤَالَ بِاتِّسَاعِ الْمَدَارِكِ ; فَإِنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى يُوجِبُ التَّعَدُّدَ فِي مُدْرَكِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ وُجُودُ الْآخَرِ، أَعْنِي وُجُودَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ. وَجَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ هُوَ عِلَّةُ وُجُوبِهَا فِي الْأَصْلِ، لَا عِلَّةٍ أُخْرَى ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلَّةٍ أُخْرَى. وَيُرَجِّحُ الْمُسْتَدِلُّ هَذَا الْجَوَابَ بِأَنَّ اتِّحَادَ الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ تَعَدُّدِهَا، لِمَا فِي اتِّحَادِ الْعِلَّةِ مِنَ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعَكْسَ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْمُطَّرِدَةِ الْمُنْعَكِسَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُنْعَكِسَةِ، فَكَانَ اتِّحَادُ الْعِلَّةِ أَوْلَى. فَإِنْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: فَكَمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلَّةٍ أُخْرَى فِي الْفَرْعِ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] قَالَ الْمُسْتَدِلُّ: الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوْلَى ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي ذَكَرْنَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلِ مُتَعَدِّيَةً، وَالْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلِ قَاصِرَةً. وَالْعِلَّةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَوْلَى مِنَ الْقَاصِرِ ; لِأَنَّ الْقَاصِرَةَ اخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا. [الْقِسْمُ الثَّاني مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: الِاسْتِصْحَابُ] ش - الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: الِاسْتِصْحَابُ وَهُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الشَّيْءِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ، كَالْمُزَنِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْغَزَالِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 الِاسْتِصْحَابُ. ص - الِاسْتِصْحَابُ. الْأَكْثَرُ كَالْمُزَنِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى بُطْلَانِهِ، كَانَ بَقَاءً أَصْلِيًّا أَوْ حُكْمًا شَرْعِيًّا. مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخَارِجِ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَهُ مُتَطَهِّرٌ، وَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ حَتَّى يَثْبُتَ مُعَارِضٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. لَنَا: أَنَّ مَا تَحَقَّقَ، وَلَمْ يُظَنَّ مُعَارِضٌ، يَسْتَلْزِمُ ظَنَّ الْبَقَاءِ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَكُنِ الظَّنُّ حَاصِلًا، لَكَانَ الشَّكُّ فِي الزَّوْجِيَّةِ ابْتِدَاءً كَالشَّكِّ فِي بَقَائِهَا فِي التَّحْرِيمِ أَوِ الْجَوَازِ ; وَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَدِ اسْتُصْحِبَ الْأَصْلُ فِيهِمَا. ص - قَالُوا: الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ أَوْ قِيَاسٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ: الْبَقَاءُ، وَيَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ. وَلَوْ سَلَّمَ، فَالدَّلِيلُ: الِاسْتِصْحَابُ. قَالُوا: لَوْ كَانَ الْأَصْلُ الْبَقَاءَ، لَكَانَتْ بِيِّنَةُ النَّفْيِ أَوْلَى، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُثْبَتَ يَبْعُدُ غَلَطُهُ، فَيَحْصُلُ الظَّنُّ. قَالُوا: لَا ظَنَّ مَعَ جَوَازِ الْأَقْيِسَةِ. قُلْنَا: الْفَرْضُ بَعْدَ بَحْثِ الْعَالِمِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَلَى صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَاتَّفَقَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى بُطْلَانِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِصْحَابُ بَقَاءً أَصْلِيًّا، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ بَقَاءِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، أَوْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْخَارِجِ مُتَطَهِّرٌ. وَالْأَصْلُ: الْبَقَاءُ عَلَى الطِّهَارَةِ حَتَّى يَثْبُتَ مُعَارِضٌ لَهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُعَارِضِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى كَوْنِ الِاسْتِصْحَابِ حُجَّةً بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا تَحَقَّقَ وَلَمْ يُظَنَّ مُعَارِضٌ لَهُ يَسْتَلْزِمُ ظَنَّ بَقَائِهِ، فَيَكُونُ الِاسْتِصْحَابُ مُفِيدًا لِظَنِّ بَقَاءِ الشَّيْءِ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الظَّنُّ حَاصِلًا بِبَقَاءِ مَا تَحَقَّقَ، وَلَمْ يُظَنَّ لَهُ مُعَارِضٌ، لَكَانَ الشَّكُّ فِي الزَّوْجِيَّةِ ابْتِدَاءً كَالشَّكِّ فِي بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْجَوَازِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ فِيهِمَا. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ وَالْجَوَازِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنَّ مَدَّ الْيَدِ إِلَيْهَا حَرَامٌ فِي الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَإِنَّمَا حَكَمُوا بِالتَّحْرِيمِ فِي الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الشَّكِّ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَبِالْجَوَازِ فِي الثَّانِي ; لِأَنَّ الْجَوَازَ ثَابِتٌ قَبْلَ الشَّكِّ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَقَدِ اسْتُصْحِبَ الْأَصْلُ فِيهِمَا، أَيْ فِي الزَّوْجِيَّةِ ابْتِدَاءً وَفِي بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ. فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّوْجِيَّةِ ابْتِدَاءً: التَّحْرِيمُ، وَفِي بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ: بَقَاءُ الْجَوَازِ. ش - احْتَجَّتِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَدَلِيلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ أَوْ قِيَاسٌ. فَمَا لَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهَا، لَا يَكُونُ دَلِيلًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. وَالِاسْتِصْحَابُ لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. أَجَابَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالِاسْتِصْحَابِ الْبَقَاءُ، وَالْبَقَاءُ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْبَقَاءَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَالِاسْتِصْحَابُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، لِمَا بَيَّنَّا مِنْ إِفَادَتِهِ الظَّنَّ، وَمَا يُفِيدُ الظَّنَّ يَكُونُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ، لَكَانَتْ بَيِّنَةُ النَّفْيِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْإِثْبَاتِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ بَيِّنَةَ النَّفْيِ مُؤَيَّدَةٌ بِهَذَا الْأَصْلِ. أَجَابَ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِثْبَاتِ إِنَّمَا كَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ النَّفْيِ ; لِأَنَّ الْمُثْبِتَ يَبْعُدُ غَلَطُهُ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبِ الثُّبُوتِ، فَيَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ، بِخِلَافِ النَّفْيِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ الْغَلَطُ لِإِمْكَانِ حُدُوثِ أَمْرٍ رَافِعٍ لِلنَّفْيِ فِي غَيْبَةِ النَّافِي. وَالثَّالِثُ: لَا ظَنَّ فِي بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ مَعَ جَوَازِ الْأَقْيِسَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ قِيَاسٌ بِنَفْيِ حُكْمِ مَا كَانَ. أَجَابَ بِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ إِنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ بَعْدَ بَحْثِ الْعَالِمِ عَنِ الْأَقْيِسَةِ، وَعَدَمِ وُجْدَانِ مَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ. [الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: شَرْعُ مِنْ قَبْلَنَا] ش - الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: شَرْعُ مِنْ قَبْلَنَا. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ، هَلْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ أَمْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ. وَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ مَنَعَ تَعَبُّدَهُ بِشَرْعٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ص - شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا. الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ، قِيلَ: نُوحٌ، وَقِيلَ: إِبْرَاهِيمُ، وَقِيلَ: مُوسَى، وَقِيلَ: عِيسَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَقِيلَ: مَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ. وَوَقَفَ الْغَزَالِيُّ. لَنَا: الْأَحَادِيثُ مُتَضَافِرَةٌ: كَانَ يَتَعَبَّدُ، كَانَ يَتَحَنَّثُ، كَانَ يُصَلِّي، كَانَ يَطُوفُ. ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ مَنْ قَبْلَهُ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ، لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِالْمُخَالَطَةِ أَوْ لَزِمَتْهُ. قُلْنَا: التَّوَاتُرُ لَا يَحْتَاجُ، وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ. وَقَدْ تَمْتَنِعُ الْمُخَالَطَةُ لِمَوَانِعَ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَوَقَفَ الْغَزَالِيُّ فِي وُقُوعِ تَعَبُّدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِشَرْعٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الشَّرْعُ شَرْعُ نُوحٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْعُ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْعُ مُوسَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْعُ عِيسَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُتَضَافِرَةٌ، أَيْ مُتَعَاوِنَةٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَعَبَّدُ وَكَانَ يَأْتِي غَارَ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، أَيْ يَتَعَبَّدُ. وَكَانَ يُصَلِّي، وَكَانَ يَطُوفُ بِبَيْتِ اللَّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذِهِ أُمُورٌ لَا يُرْشِدُ إِلَيْهَا الْعَقْلُ، فَلَا مَصِيرَ إِلَيْهَا إِلَّا مِنَ الشَّرْعِ. ش - وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ، بِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَانَ شَرْعًا لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاحِدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، فَيَكُونُ مُتَعَبِّدًا بِذَلِكَ الشَّرْعِ. أَجَابَ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَهُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ دَعْوَةَ مَنْ قَبْلَهُ تَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَهُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَجُوزُ انْدِرَاسُ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِوُجُودِ النَّبِيِّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ش - الْمَانِعُونَ قَالُوا: لَوْ كَانَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعٍ، لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِمُخَالَطَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ أَهْلِ ذَلِكَ الشَّرْعِ، أَوْ لَزِمَتْهُ الْمُخَالَطَةُ ; لِيَبْحَثَ عَنْ أَوْضَاعِ ذَلِكَ الشَّرْعِ. أَجَابَ بِأَنَّ مَا تَوَاتَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْعِ اسْتَغْنَى عَنِ الْمُخَالَطَةِ، وَغَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ لَا يُفِيدُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. وَأَيْضًا قَدْ يَمْتَنِعُ الْمُخَالَطَةُ لِمَوَانِعَ، فَيُحْمَلُ عَدَمُ الْمُخَالَطَةِ عَلَى الْمَوَانِعِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، أَعْنِي الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَعَبُّدِهِ بِشَرْعٍ، وَالْعَادَةَ الْقَاضِيَةَ بِالْمُخَالَطَةِ. ش - اخْتَلَفُوا أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ الْبِعْثَةِ، هَلْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ أَمْ لَا؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ الْبَعْثِ مُتَعَبِّدٌ بِمَا لَمْ يُنْسَخْ. لَنَا: مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ. وَأَيْضًا: الِاتِّفَاقُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: (النَّفْسُ بِالنَّفْسِ) . وَأَيْضًا: ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» "، وَتَلَا: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] . وَهِيَ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ. ص - قَالُوا: لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَوَّبَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَرَكَهُ، إِمَّا لِأَنَّ الْكِتَابَ يَشْمَلُهُ، أَوْ لِقِلَّتِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ، لَوَجَبَ تَعَلُّمُهَا، وَالْبَحْثُ عَنْهَا. قُلْنَا: الْمُعْتَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ، فَلَا يَحْتَاجُ. قَالُوا: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَاسِخَةٌ. قُلْنَا: لِمَا خَالَفَهَا، وَإِلَّا لَوَجَبَ نَسْخُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ وَتَحْرِيمُ الْكُفْرِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ الْبِعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ فِيمَا لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْأَحْكَامِ الْبَاقِيَةِ فِي شَرِيعَتِهِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ تَعَبُّدِهِ عَلَى مَا كَانَ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مُعَارِضٌ لَهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ، وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ. وَلَوْلَا التَّعَبُّدُ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، لَمَا صَحَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» "، وَتَلَا قَوْلَهُ - تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَسِيَاقُ كَلَامِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تِلَاوَةِ مَا أُوجِبَ عَلَى مُوسَى، بَعْدَ إِيجَابِهِ مِثْلَهُ عَلَى الْأُمَّةِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ. وَلَوْلَا التَّعَبُّدُ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، لَمَا قَرَأَهَا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَعَبُّدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مُعَاذًا لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ وَسُنَنِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ مَدَارِكَ الْأَحْكَامِ، وَصَوَّبَهُ الرَّسُولُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَلَوْ كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا مُدْرِكًا لِلْأَحْكَامِ، لَوَجَبَ عَلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِظْهَارُهُ لِمُعَاذٍ حِينَ تَرَكَهُ. أَجَابَ بِأَنَّ مُعَاذًا إِنَّمَا تَرَكَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَشْمَلُهُ ; لِأَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقُرْآنِ، يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ لِأَنَّ مُدْرِكَ الْأَحْكَامِ مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَلِيلٌ. وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، أَيْ بَيْنَ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَأَدِلَّةِ التَّعَبُّدِ. الثَّانِي: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ كَانَ بَعْدَ الْبِعْثَةِ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ، لَوَجَبَ عَلَيْنَا تَعَلُّمُهَا وَالْبَحْثُ عَنْهَا، كَمَا وَجَبَ تَعَلُّمُ الْقُرْآنَ وَالْأَخْبَارِ وَالْبَحْثُ عَنْهَا، وَلَمْ يَجِبْ تَعَلُّمُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْهَا الْمُتَوَاتِرُ، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعَلُّمٍ وَبَحْثٍ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِلصَّحَابَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ نَبِيِّنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 ص - (مَسْأَلَةٌ) : مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى صَحَابِيٍّ اتِّفَاقًا، وَالْمُخْتَارُ: وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ. وَلِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - قَوْلَانِ فِي أَنَّهُ حُجَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ. وَقِيلَ: الْحُجَّةُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. لَنَا: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، لَكَانَ قَوْلُ الْأَعْلَمِ الْأَفْضَلِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، إِذْ لَا يُقَدَّرُ فِيهِمْ أَكْثَرُ. ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَ حُجَّةً، لَتَنَاقَضَتِ الْحُجَجُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ أَوِ الْوَقْفَ أَوِ التَّخْيِيرَ يَدْفَعُهُ كَغَيْرِهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] نَاسِخَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الشَّرَائِعِ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَبَّدًا بِهَا ; لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ لَا يُتَعَبَّدُ بِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ شَرِيعَتَهُ نَاسِخَةٌ لِمَا خَالَفَهَا، لَا لِجَمِيعِهَا ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَاسِخَةً لِجَمِيعِهَا، لَوَجَبَ نَسْخُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ وَتَحْرِيمُ الْكُفْرِ ; لِكَوْنِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ. [الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا] [مذهب الصحابي] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الِاسْتِصْحَابِ، شَرَعَ فِي الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الَّتِي لَا تَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. فَمِنْهَا: مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ آخَرَ اتِّفَاقًا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِ الصَّحَابَةِ أَيْضًا، وَلِلشَّافِعِيِّ وَلِأَحْمَدَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ يَكُونُ حُجَّةً، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: الْحُجَّةُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى كَوْنِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً، فَوَجَبَ تَرْكُهُ ; لِأَنَّ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ يُتْرَكُ فِي الدِّينِ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَوْ كَانَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِ الصَّحَابَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَكَانَ قَوْلُ الْأَعْلَمِ الْأَفْضَلِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازِمَةُ ; فَلِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَوْ كَانَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، لَكَانَ لِكَوْنِ الصَّحَابِيِّ أَعْلَمَ وَأَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ لِمُشَاهَدَتِهِ التَّنْزِيلَ، وَسَمَاعِهِ التَّأْوِيلَ، وَوُقُوفِهِ عَلَى أَحْوَالِ الرَّسُولِ، لَا لِكَوْنِ الصَّحَابَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِذْ لَا يُقَدَّرُ فِيهِمْ أَكْثَرُ. وَإِذَا كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً لِكَوْنِهِ أَعْلَمَ وَأَفْضَلَ، يَكُونُ قَوْلُ الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَبِالِاتِّفَاقِ. ش - وَأَسْتَدِلَّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِمْ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ حُجَّةً، لَتَنَاقَضَتِ الْحُجَجُ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا. بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ: أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ تُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ، حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا حُجَّةً، وَالْآخِرُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ. أَجَابَ بِمَنْعِ الْمُلَازِمَةِ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إِذَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ التَّرْجِيحُ فَالْوَقْفُ أَوِ التَّخْيِيرُ، كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا: لَوْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، لَوَجَبَ التَّقْلِيدُ مَعَ إِمْكَانِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، وَجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْعَمَلُ بِهِ، فَيَلْزَمُ التَّقْلِيدُ مَعَ إِمْكَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَ حُجَّةً، لَوَجَبَ التَّقْلِيدُ مَعَ إِمْكَانِ الِاجْتِهَادِ. وَأُجِيبَ: إِذَا كَانَ حُجَّةً فَلَا تَقْلِيدَ. ص - قَالُوا: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» "، «اقْتَدُوا بِالَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي» ". وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الْمُقَلِّدُونَ ; لِأَنَّ خِطَابَهُ لِلصَّحَابَةِ. قَالُوا: وَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِشَرْطِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّيْخَيْنِ، فَلَمْ يَقْبَلْ. وَوَلَّى عُثْمَانُ، فَقَبِلَ وَلَمْ يُنْكِرْ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ. قُلْنَا: الْمُرَادُ مُتَابَعَتُهُمْ فِي السِّيرَةِ وَالسِّيَاسَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الصَّحَابِيِّ التَّقْلِيدُ. قَالُوا: إِذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ نَقْلِيَّةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّحَابِيُّ، وَيَجْرِي فِي التَّابِعَيْنِ مَعَ غَيْرِهِمْ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الِاجْتِهَادِ. أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ حُجَّةً، لَا يَكُونُ عَمَلُ الْمُجْتَهِدِ بِهِ تَقْلِيدًا ; لِأَنَّ التَّقْلِيدَ هُوَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ غَيْرٍ بِلَا دَلِيلٍ، وَإِذَا كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً، لَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ بِلَا دَلِيلٍ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمِ اقْتَدَيْتُمِ اهْتَدَيْتُمْ» ". وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَنْهُمَا - حُجَّةٌ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اقْتَدَوْا بِالَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ حُجَّةً، لَمْ يَكُنِ الِاقْتِدَاءُ بِهِمِ اقْتِدَاءً. أَجَابَ عَنْهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَأْمُورِينَ الْمُقَلِّدُونَ ; لِأَنَّ خِطَابَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلصَّحَابَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِلصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ مُتَابَعَةُ غَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ. حُجَّةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حُجَّةٌ: أَنَّهُ وَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِشَرْطِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يَقْبَلْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَوَلَّى عُثْمَانَ فَقَبِلَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِمَذْهَبِهِمَا. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِاقْتِدَاءِ مُتَابَعَتُهُمَا فِي السِّيرَةِ وَالسِّيَاسَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا مُتَابَعَتُهُمَا فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الصَّحَابِيِّ مُتَابَعَةُ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتَقْلِيدُ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. الْقَائِلُونَ بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ يَكُونُ حُجَّةً، قَالُوا: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إِذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ نَقْلِيَّةٍ، وَإِلَّا لَكَانَ الصَّحَابِيُّ قَائِلًا بِالْقَوْلِ بِلَا دَلِيلٍ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَالصَّحَابِيُّ مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ عَنْ دَلِيلٍ نَقْلِيٍّ، يَكُونُ حُجَّةً. أَجَابَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً عَلَى الصَّحَابِيِّ أَيْضًا. وَيُجْرَى أَيْضًا هَذَا الدَّلِيلُ فِي التَّابِعِيِّ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ أَيْضًا حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ. [الاستحسان] ش - الِاسْتِحْسَانُ مِمَّا ظُنَّ أَنَّهُ دَلِيلٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الِاسْتِحْسَانُ حُجَّةٌ. وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُمْ، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَنِ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ ". أَيْ فَقَدْ وَضَعَ شَرْعًا جَدِيدًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 الِاسْتِحْسَانُ. ص - الِاسْتِحْسَانُ. قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُمْ، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: " مَنِ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ ". وَلَا يَتَحَقَّقُ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَقِيلَ: دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَعَسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ. قُلْنَا: إِنْ شَكَّ فِيهِ فَمَرْدُودٌ، وَإِنْ تَحَقَّقَ فَمَعْمُولٌ اتِّفَاقًا. وَقِيلَ: هُوَ الْعُدُولُ عَنْ قِيَاسٍ إِلَى قِيَاسٍ أَقْوَى، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَقِيلَ: تَخْصِيصُ قِيَاسٍ بِأَقْوَى مِنْهُ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَقِيلَ: الْعُدُولُ إِلَى خِلَافِ النَّظِيرِ لِدَلِيلٍ أَقْوَى، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وَقِيلَ: الْعُدُولُ عَنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ إِلَى الْعَادَةِ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ، كَدُخُولِ الْحَمَّامِ، وَشُرْبِ الْمَاءِ مِنَ السِّقَاءِ. قُلْنَا: مُسْتَنَدُهُ جَرَيَانُهُ فِي زَمَانِهِ أَوْ زَمَانِهِمْ مَعَ عِلْمِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ. فَإِنْ تَحَقَّقَ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قُلْنَا: لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ. قَالُوا: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ) . قُلْنَا: أَيِ الْأَظْهَرَ وَالْأَوْلَى. " «وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ» " يَعْنِي الْإِجْمَاعَ، وَإِلَّا لَزِمَ الْعَوَامَّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا يَتَحَقَّقُ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلِفٌ فِيهِ ; لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ الْوَاقِعَ فِي الْكَلَامِ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْوَاجِبِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ ; لِقَوْلِهِ: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145] . وَعَلَى الْمَنْدُوبِ فِي بَعْضِهَا، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: " أَسْتَحْسِنُ تَرْكَ شَيْءٍ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ ". وَأَمَّا الِاسْتِحْسَانُ الْغَيْرُ الْوَاقِعِ فِي الْكَلَامِ، فَقِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ: إِنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَعْسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ. قُلْنَا: إِنْ شَكَّ الْمُجْتَهِدُ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا، فَمَرْدُودٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنَهُ دَلِيلًا، فَلَا بُدَّ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ اتِّفَاقًا، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ خِلَافٌ. وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ: الِاسْتِحْسَانُ هُوَ الْعُدُولُ عَنْ قِيَاسٍ إِلَى قِيَاسٍ أَقْوَى، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ مَنْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَهُ حُجَّةً. وَقِيلَ: هُوَ تَخْصِيصُ قِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَا نِزَاعَ فِيهِ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْعُدُولُ إِلَى خِلَافِ النَّظِيرِ لِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ، أَيْ هُوَ الْعُدُولُ فِي مَسْأَلَةٍ عَنْ مِثْلِ مَا حُكِمَ بِهِ فِي نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ هُوَ أَقْوَى، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ أَيْضًا. وَقِيلَ: هُوَ الْعُدُولُ عَنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ إِلَى الْعَادَةِ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ، كَدُخُولِ الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ لِلْحَمَّامِ، وَمِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةِ السُّكُونِ، وَكَشُرْبِ الْمَاءِ مِنَ السِّقَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أَجْرٍ لَهُ. قُلْنَا: مُسْتَنَدُ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْعُدُولَ عَنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ إِلَى الْعَادَةِ لِمَصْلَحَةٍ، بَلْ مُسْتَنَدُهُ جَرَيَانُهُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ مَعَ عِلْمِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ. وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ فِي زَمَانِهِ أَوْ زَمَانِهِمْ، أَوْ جَرَى وَلَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِهِ، أَوْ كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ تَحَقَّقَ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ، قُلْنَا: لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً، فَوَجَبَ تَرْكُهُ، وَالْقَائِلُونَ بِكَوْنِ الِاسْتِحْسَانِ حُجَّةً، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: 55] . فَإِنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِاتِّبَاعِ الْأَحْسَنِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْسَنِ: الْأَظْهَرُ وَالْأَوْلَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ» ". الْمُرَادُ مِنْهُ: مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا رَآهُ الْعَوَامُّ حَسَنًا، فَهُوَ حُجَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ. [المصالح المرسلة] ش - الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ مِمَّا ظُنَّ أَنَّهُ دَلِيلٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ هِيَ: حُكْمٌ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الشَّرْعِ اعْتِبَارًا وَإِلْغَاءً. وَاحْتُجَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ حُجَّةً بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ. الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا حُجَّةٌ قَالُوا: لَوْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ، لَأَدَّى إِلَى خُلُوِّ وَقَائِعَ عَنِ الْأَحْكَامِ. أَجَابَ أَوَّلًا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ جَوَازِ خُلُوِّ الْوَقَائِعِ عَنِ الْأَحْكَامِ. وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْعُمُومَاتُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْأَقْيِسَةُ تَفِي بِأَحْكَامِ تِلْكَ الْوَقَائِعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَخْلُو الْعُمُومَاتُ وَالْأَقْيِسَةُ تَأْخُذُهَا. [الاجتهاد] [تعربف الاجتهاد] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، شَرَعَ فِي الِاجْتِهَادِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: بَذْلُ الْوُسْعِ فِيمَا فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ حَجَرِ الرَّحَى، وَلَا يُقَالُ: اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الْخَرْدَلَةِ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَالْفَقِيهُ، قَدْ عُرِّفَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ، كَمَا يُعَرَّفُ الْمُجْتَهِدُ وَالْمُجْتَهَدُ فِيهِ هَاهُنَا مِنْ تَعْرِيفِ الِاجْتِهَادِ. وَالِاسْتِفْرَاغُ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْفَقِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ. فَقَيْدُ الْفَقِيهِ يُخْرِجُ اسْتِفْرَاغَ غَيْرِ الْفَقِيهِ. وَاسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالْوُسْعِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْوُسْعِ مِنْ أَحْوَالِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا، فَقَيْدُ الْوُسْعِ يُخْرِجُ اسْتِفْرَاغَ الْفَقِيهِ غَيْرَ الْوُسْعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ. ص - الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ، تَقَدَّمَتْ. لَنَا: لَا دَلِيلَ، فَوَجَبَ الرَّدُّ. قَالُوا: لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ، لَأَدَّى إِلَى خُلُوِّ وَقَائِعَ. قُلْنَا: بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَا تَخْلُو الْعُمُومَاتُ وَالْأَقْيِسَةُ تَأْخُذُهَا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 الِاجْتِهَادُ. ص - الِاجْتِهَادُ فِي الِاصْطِلَاحِ: اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَالْفَقِيهُ، تَقَدَّمَ. وَقَدْ عُلِمَ الْمُجْتَهِدُ وَالْمُجْتَهَدُ فِيهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : اخْتَلَفُوا فِي تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ. الْمُثْبِتُ: لَوْ لَمْ يَتَجَزَّأْ، لَعُلِمَ الْجَمِيعُ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي. وَأُجِيبَ بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، وَبِالْعَجْزِ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَالِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ قَدْ يَكُونُ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ، وَقَدْ يَكُونُ لِتَحْصِيلِ عِلْمٍ وَغَيْرِهِ. فَقَوْلُهُ: لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ، يُخْرِجُ اسْتِفْرَاغَ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ عِلْمٍ، كَمَا فِي الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، احْتِرَازٌ عَنِ اسْتِفْرَاغِ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ. قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ اسْتِفْرَاغُ الْمُتَكَلِّمِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِتَوْحِيدِهِ، إِذَا كَانَ فَقِيهًا. وَكَذَلِكَ اسْتِفْرَاغُ الْأُصُولِيِّ فِي كَوْنِ الْكِتَابِ مَثَلًا، حُجَّةً، إِذَا كَانَ فَقِيهًا. وَاسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ. قُلْنَا: الِاجْتِهَادُ لَا يَتَجَزَّأُ. وَيَرُدُّ أَيْضًا عَلَى عَكْسِهِ اجْتِهَادُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ فَقِيهٍ، لِمَا عَرَفْتَ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ. وَخُرُوجُ اجْتِهَادِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي الْجَمِيعِ إِنْ قُلْنَا بِتَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَقِيهًا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنِ الطَّرْدِ بِأَنَّ اسْتِفْرَاغَ الْمُتَكَلِّمِ فِي تَوْحِيدِهِ، وَالْأُصُولِيِّ فِي كَوْنِ الْكِتَابِ حُجَّةً، لَيْسَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] شَرْعِيٍّ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ: خِطَابُ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ، وَالتَّوْحِيدُ وَكَوْنُ الْكِتَابِ حُجَّةً لَيْسَا كَذَلِكَ. وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ اجْتِهَادًا ; لِأَنَّ عَدَمَ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ وَشَرْطَ صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ لَا دَاخِلَ فِي مَاهِيَّتِهِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِمَاهِيَّةِ الِاجْتِهَادِ. وَعَنِ الْعَكْسِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ خُرُوجَ اجْتِهَادِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي الْجَمِيعِ إِنْ قُلْنَا بِتَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَقِيهًا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ; فَإِنَّ الْعَارِفَ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ فَقِيهٌ. وَأَمَّا عَدَمُ الِانْعِكَاسِ بِخُرُوجِ اجْتِهَادِ الرَّسُولِ فَوَارِدٌ. [مَسْأَلَةٌ الاختلاف فِي تَجَزُّؤ الِاجْتِهَادِ] ش - اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَجَزَّأُ الِاجْتِهَادُ أَمْ لَا؟ وَالْمُرَادُ بِتَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ التَّمَكُّنُ مِنَ اسْتِخْرَاجِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ، كَالْفَرْضِيِّ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرَائِضِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَجَزَّأُ الِاجْتِهَادُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ. وَمُثْبِتُ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ احْتَجَّ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ لَمْ يَتَجَزَّأِ الِاجْتِهَادُ، لَعَلِمَ الْمُجْتَهِدُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ ; لِوُجُوبِ تَمَكُّنِهِ حِينَئِذٍ مِنَ اسْتِخْرَاجِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَإِنَّ مَالِكًا - مَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِ - لَمْ يَعْلَمِ الْجَمِيعَ ; لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي. أَجَابَ بِأَنَّ مَالِكًا إِنَّمَا لَمْ يُجِبْ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ لِتُعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ، لَا لِعَدَمِ تَمَهُّرِهِ فِي الْجَمِيعِ. وَبِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُجِبْ عَنْهَا بِسَبَبِ عَجْزِهِ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ مَانِعٍ، وَلَكِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ اسْتِخْرَاجِ مَا سُئِلَ عَنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 قَالُوا: إِذَا اطَّلَعَ عَلَى أَمَارَاتِ مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ مُتَعَلِّقًا. ص - النَّافِي: كُلُّ مَا يُقَدَّرُ جَهْلُهُ يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِالْحُكْمِ الْمَفْرُوضِ. وَأُجِيبَ: الْفَرْضُ حُصُولُ الْجَمِيعِ فِي ظَنِّهِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، أَوْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْأَئِمَّةِ لِلْأَمَارَاتِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ. لَنَا: مِثْلَ {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] وَ " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ» ". وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ بِالْوَحْيِ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] . وَقَرَّرَهُ الْفَارِسِيُّ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا لِلْمَشَقَّةِ فِيهِ، فَكَانَ أَوْلَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَهُ لِدَرَجَةٍ أَعْلَى. ص - قَالُوا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3] .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ يَسْتَلْزِمُ تَهَيُّؤَ الْعِلْمِ بِالْجَمِيعِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ: لَا أَدْرِي، لَا يُوجِبُ عَدَمَ تَهَيُّؤِ الْعِلْمِ بِالْجَمِيعِ. الثَّانِي: إِذَا اطَّلَعَ الْمُسْتَفْرِغُ عَلَى أَمَارَاتِ مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ وَغَيْرُهُ - أَيِ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ - سَوَاءٌ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. فَكَمَا تَمَكَّنَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ مِنَ اسْتِخْرَاجِ حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَمَكَّنَ الْمُسْتَفْرِغُ أَيْضًا. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَالْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ سَوَاءٌ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ مُتَعَلِّقًا بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنَ اسْتِخْرَاجِ حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِتَعَلُّقِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ لِعِلْمِهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِذَا كَانَ لِمَا لَمْ يُعْلَمْ تَعَلُّقٌ بِالْمَسْأَلَةِ، لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِجَمِيعِ أَمَارَاتِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ. ش - النَّافِي لِتَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ احْتَجَّ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُقَدَّرُ جَهْلُهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْحُكْمِ الْمَفْرُوضِ. فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْحُكْمِ الْمَفْرُوضِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْغَرَضَ حُصُولُ جَمِيعِ أَمَارَاتِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي ظَنِّ الْفَقِيهِ عَنْ مُجْتَهِدٍ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَبِأَنَّهُ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْأَئِمَّةِ الْأَمَارَاتِ وَتَخْصِيصِ كُلِّ بَعْضٍ مِنَ الْأَمَارَاتِ بِبَعْضِ الْمَسَائِلِ، عَرَفَ الْفَقِيهُ أَنَّ مَا عَدَاهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تُعَلُّقٌ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِالِاجْتِهَادِ أَمْ لَا؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: 43] ، وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ» ". أَمَّا وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ فَإِنَّهُ عَاتَبَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْآيَةِ عَلَى الْإِذْنِ. فَلَوْ كَانَ الْإِذْنُ بِالْوَحْيِ، لَمَا عَاتَبَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْوَحْيِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَنِ اجْتِهَادٍ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَحْكُمُ عَنْ تَشَهِّي النَّفْسِ ; لِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ، لَمْ يَجُزِ ارْتِكَابُهُ. وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ ; فَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ الصَّادِرَ مِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْوَحْيِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُبَدِّلَ الْوَحْيَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْوَحْيِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِالِاجْتِهَادِ. كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْآيَةِ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا - كَمَا قَرَّرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ - أَنَّ الْإِرَاءَةَ إِمَّا مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي هُوَ الِاجْتِهَادُ، أَوْ مِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ، أَوْ بِمَعْنَى الْعِلْمِ. لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِـ " مَا " فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: " {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] " هُوَ الْأَحْكَامُ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مُبْصَرَةً. وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ ذِكْرُ الْمَفْعُولِ الثَّالِثِ ; لِوُجُودِ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَهُوَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَى الْمَوْصُولِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الرَّأْيِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ، وَقَدْ حُذِفَ الْمَفْعُولَانِ وَهُوَ جَائِزٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ " مَا " مَوْصُولَةً، جَازَ حَذْفُ الْمَفْعُولِ الثَّالِثِ عِنْدَ حَذْفِ الثَّانِي. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ أَكْثَرُ ثَوَابًا ; لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ بِالنَّصِّ، وَمَا هُوَ أَشَقُّ أَكْثَرُ ثَوَابًا ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحَمَزُهَا» " أَيْ أَشَقُّهَا، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ ثَوَابًا كَانَ أَوْلَى. أَجَابَ بِأَنَّ دَرَجَةَ الْوَحْيِ أَعْلَى مِنَ الِاجْتِهَادِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ الْخَطَأُ، فَيَسْقُطُ الِاجْتِهَادُ ; لِأَنَّ مَا هُوَ أَعْلَى دَرَجَةً أَوْلَى. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ تَعَبُّدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالِاجْتِهَادِ احْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3] ، فَإِنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الصَّادِرُ عَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوَحْيِ، وَالِاجْتِهَادُ لَيْسَ بِوَحْيٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ عَنِ الرَّسُولِ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ. أَجَابَ بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ رَدُّ قَوْلِ الْكُفَّارِ: {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 94] ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ قُرْآنًا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ رَدُّ قَوْلِهِمُ (افْتَرَى) وَلَوْ سُلِّمَ، فَإِذَا تَعَبَّدَ بِالِاجْتِهَادِ بِالْوَحْيِ، لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ. قَالُوا: لَوْ كَانَ لَجَازَ مُخَالَفَتُهُ ; لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ، وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ، كَالْإِجْمَاعِ عَنِ اجْتِهَادٍ. قَالُوا: لَوْ كَانَ، لَمَا تَأَخَّرَ فِي الْجَوَابِ. قُلْنَا: لِجَوَازِ الْوَحْيِ، أَوْ لِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ. قَالُوا: الْقَادِرُ عَلَى الْيَقِينِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الظَّنُّ. قُلْنَا: لَا يُعْلَمُ إِلَّا بَعْدَ الْوَحْيِ، فَكَانَ كَالْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ عَاصَرَهُ ظَنًّا. وَثَالِثُهَا: الْوَقْفُ. وَرَابِعُهَا: الْوَقْفُ فِيمَنْ حَضَرَهُ. لَنَا: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ عَنْهُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «صَدَقَ» ". وَحَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَحَكَمَ بِقَتْلِهِمْ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَهُوَ مِنَ الْوَحْيِ، لَا أَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنَ الْوَحْيِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ بِالْوَحْيِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ إِذَا ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ، لَا يَكُونُ بِالْوَحْيِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَعَبَّدَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالِاجْتِهَادِ بِالْوَحْيِ، لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ. الثَّانِي: أَنَّ الرَّسُولَ لَوْ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ، لَجَازَ مُخَالَفَتُهُ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالِاجْتِهَادِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ خَوَاصِّهِ جَوَازُ الْمُخَالَفَةِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالِاجْتِهَادِ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي يَكُونُ سَنَدُهُ اجْتِهَادًا اجْتِهَادِيٌّ، وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ، لَمَا تَأَخَّرَ فِي الْجَوَابِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَوَقَّفَ فِي أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ كَثِيرًا وَانْتَظَرَ الْوَحْيَ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَوَقَّفَ لِجَوَازِ الْوَحْيِ وَانْتِظَارِ النَّصِّ. فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَصٌّ يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ، أَوْ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَوَقَّفَ لِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي الِاجْتِهَادِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّابِعُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِ الْيَقِينِ بِالْأَحْكَامِ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ، وَالْقَادِرُ عَلَى الْيَقِينِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الظَّنُّ، كَمَا أَنَّ مَنْ عَايَنَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا. أَجَابَ بِأَنَّهُ حِينَ عَمِلَ بِالظَّنِّ، لَمْ يَحْصُلِ الْيَقِينُ لَهُ، فَجَازَ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ، وَالْيَقِينُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ الْوَحْيِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ اجْتِهَادُهُ كَالْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ، فَكَمَا جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِلظَّنِّ - وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ الْيَقِينُ بِسَبَبِ الْوَحْيِ - فَكَذَلِكَ جَازَ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ الْحُكْمِ الْيَقِينُ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ. [مَسْأَلَةٌ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ عَاصَرَهُ ظَنًّا] ش - اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا: الْمُخْتَارُ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ عَاصَرَهُ مُطْلَقًا، لَكِنْ ظَنًّا، لَا قَطْعًا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا: الْوَقْفُ مُطْلَقًا. وَرَابِعُهَا: الْوَقْفُ فِيمَنْ حَضَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُونَ مَنْ غَابَ عَنْهُ. وَاحْتَجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي حَقِّ أَبِي قَتَادَةَ حَيْثُ قَتَلَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَخَذَ غَيْرُهُ سَلَبَهُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ الرَّسُولُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ. فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» ". ص - قَالُوا: الْقُدْرَةُ عَلَى الْعِلْمِ تَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ. قُلْنَا: ثَبَتَ الْخِيَرَةُ بِالدَّلِيلِ. قَالُوا: كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ. قُلْنَا: صَحِيحٌ، فَأَيْنَ مَنْعُهُمْ؟ ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ. وَأَنَّ النَّافِيَ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ مُخْطِئٌ، آثِمٌ، كَافِرٌ، اجْتَهَدَ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ. وَقَالَ الْجَاحِظُ: لَا إِثْمَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، بِخِلَافِ الْمُعَانِدِ. وَزَادَ الْعَنْبَرِيُّ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مُصِيبٌ. لَنَا: إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ، لَمَا سَاغَ ذَلِكَ. وَاسْتَدَلَّ بِالظَّوَاهِرِ. وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ. ص - قَالُوا: تَكْلِيفُهُمْ بِنَقِيضِ اجْتِهَادِهِمْ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَسَمْعًا ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُطَاقُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَلَّفَهُمُ الْإِسْلَامَ وَهُوَ مِنَ الْمُتَأَتِّي الْمُعْتَادِ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ فِي شَيْءٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْقَطْعُ لَا إِثْمَ عَلَى مُجْتَهِدٍ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ اجْتِهَادِيٍّ، وَذَهَبَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَالْأَصَمُّ إِلَى تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ. لَنَا: الْعِلْمُ بِالتَّوَاتُرِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ الْمُتَكَرِّرِ الشَّائِعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا تَأْثِيمٍ لِمُعَيَّنٍ وَلَا مُبْهَمٍ. وَالْقَطْعُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِثْمٌ، لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِذِكْرِهِ. وَاعْتُرِضَ كَالْقِيَاسِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] " «صَدَقَ» ". فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ذَلِكَ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَّرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يُقَالُ: لَاهَا اللَّهِ مَا فَعَلْتُ، أَيْ لَا وَاللَّهِ، أُبْدِلَتِ الْهَاءُ مِنَ الْوَاوِ. وَأَيْضًا: حَكَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. فَحَكَمَ سَعْدٌ بِقَتْلِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» "، وَهُوَ جَمْعُ الرَّقِيعِ، وَهُوَ السَّمَاءُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ حَكَمَ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ عَاصَرَهُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مُعَاصِرَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْدِرُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ بِأَنْ يَرْجِعَ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْوَاقِعَةِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْعِلْمِ تَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ. أَجَابَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْخِيَرَةُ بَيْنَ الْمُرَاجَعَةِ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ بِالدَّلِيلِ، فَلَا تَمْنَعُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعِلْمِ الِاجْتِهَادَ. الثَّانِي: أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْوَقَائِعِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ رُجُوعَهُمْ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْوَقَائِعِ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنَ الِاجْتِهَادِ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ] ش - الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَاحِدٌ، إِذِ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا. وَأَيْضًا: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ النَّافِيَ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ مُخْطِئٌ، آثِمٌ، كَافِرٌ، اجْتَهَدَ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ، إِذْ حَقِّيَّةُ دِينِ الْإِسْلَامِ أَظْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ وَأَبْيَنُ مِنَ النَّهَارِ، فَلَا مَجَالَ لِنَفْيِهِ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَالَ الْجَاحِظُ: الْمُجْتَهِدُ - سَوَاءٌ كَانَ اجْتِهَادُهُ فِي نَفْيِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي غَيْرِهِ - مُخْطِئٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ، وَلَكِنْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُعَانِدِ. وَزَادَ الْعَنْبَرِيُّ عَلَى مَا قَالَ الْجَاحِظُ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مُصِيبٌ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ نَافِيَ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ مُخْطِئٌ، آثِمٌ، كَافِرٌ، اجْتَهَدَ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّافِيَ لِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، اجْتَهَدَ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ النَّافِي مِلَّةَ الْإِسْلَامِ آثِمًا كَافِرًا، لَمَا سَاغَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَافِيَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مُخْطِئٌ آثِمٌ، كَافِرٌ بِظَوَاهِرِ الْآيَاتِ. مِنْهَا - قَوْلُهُ - تَعَالَى: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الطور: 11] ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] (ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: 23] ، وَقَوْلُهُ: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة: 18] . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهُ - تَعَالَى - ذَمَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ وَتَوَاعَدَهُمْ بِالْعِقَابِ. وَلَوْ كَانُوا مَعْذُورِينَ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. أَجَابَ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْمُعَانِدُ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ فِي نَفْيِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: تَكْلِيفُ الْكُفَّارِ نَقِيضَ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَسَمْعًا ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُطَاقُ ; لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى نَقِيضِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَكْلِيفَهُمْ نَقِيضَ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مُمْتَنِعٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُحَالًا لَوْ كَانَ نَقِيضُ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ مُحَالًا لِذَاتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ نَقِيضَ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ مُنَافٍ لِمَا تَعَوَّدُوهُ. وَالتَّكْلِيفُ بِالْمُنَافِي الْمُعْتَادِ وَاقِعٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كُلِّفُوا بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ مِنَ الْمُنَافِي الْمُعْتَادِ وَهُوَ الْكُفْرُ. فَلَيْسَ تَكْلِيفُهُمْ بِنَقِيضِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ فِي شَيْءٍ. [مَسْأَلَةٌ الْقَطْعُ لَا إِثْمَ عَلَى مُجْتَهِدٍ] ش - الْقَطْعُ حَاصِلٌ بِأَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى مُجْتَهِدٍ مُخْطِئٍ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ اجْتِهَادِيٍّ، أَعْنِي الَّذِي لَا قَاطِعَ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَهَبَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ وَالْأَصَمُّ إِلَى تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ. لَنَا: حَصَلَ الْعِلْمُ بِالتَّوَاتُرِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافًا مُتَكَرِّرًا شَائِعًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا تَأْثِيمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، لَا بِطْرِيقِ التَّعْيِينِ وَلَا بِطْرِيقِ الْإِبْهَامِ. وَالْقَطْعُ حَاصِلٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِثْمٌ لِمُعَيَّنٍ أَوْ مُبْهَمٍ، لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِذِكْرِهِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمُهِمَّاتِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِمِثْلِ مَا اعْتُرِضَ عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّهُمْ أَثَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَنُقِلَ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ النَّقْلِ عَلَى عَدَمِ الْإِنْكَارِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ هَاهُنَا كَالْجَوَابِ ثَمَّةَ. [الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا] ش - اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا. فَقَالَ الْقَاضِي وَالْجِبَائِيُّ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مُصِيبٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا، قَالَ الْقَاضِي وَالْجِبَائِيُّ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِيهَا مُصِيبٌ، وَحُكْمُ اللَّهِ فِيهَا تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ. وَقِيلَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، كَدَفِينٍ يُصَابُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ: إِنَّ دَلِيلَهُ ظَنِّيٌّ، فَمَنْ ظَفِرَ بِهِ، فَهُوَ الْمُصِيبُ. وَقَالَ الْمَرِيسِيُّ وَالْأَصَمُّ: دَلِيلُهُ قَطْعِيٌّ، وَالْمُخْطِئُ آثِمٌ. وَنُقِلَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ التَّخْطِئَةُ وَالتَّصْوِيبُ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا قَاطِعٌ، فَقَصَّرَ، فَمُخْطِئٌ آثِمٌ ; وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ، فَالْمُخْتَارُ مُخْطِئٌ غَيْرُ آثِمٍ. لَنَا: لَا دَلِيلَ عَلَى التَّصْوِيبِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَصُوِّبَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لِلْإِجْمَاعِ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُصِيبًا لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ ; لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ قَطْعُهُ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ ظَنِّهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ غَيْرَهُ، لَوَجَبَ الرُّجُوعُ، فَيَكُونُ ظَانًّا عَالِمًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ. ص - لَا يُقَالُ: الظَّنُّ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ بِبَقَائِهِ ; وَلِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِيلُ ظَنُّ النَّقِيضِ مَعَ ذِكْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ. فَيَجِبُ الْفِعْلُ أَوْ يَحْرُمُ قَطْعًا، قُلْنَا: الظَّنُّ مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّهُ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ، وَالْعِلْمُ بِتَحْرِيمِ الْمُخَالِفَةِ، فَاخْتَلَفَ الْمُتَعَلِّقَانِ، فَإِذَا تَبَدَّلَ الظَّنُّ، زَالَ شَرْطُ تَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالظَّنُّ مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِهِ دَلِيلًا، وَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ مَدْلُولِهِ، فَإِذَا تَبَدَّلَ الظَّنُّ، زَالَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ. قُلْنَا: كَوْنُهُ دَلِيلًا حُكْمٌ أَيْضًا، فَإِذَا ظَنَّهُ عَلِمَهُ، وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَلَا يَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا. ص - وَأَيْضًا: أَطْلَقَ الصَّحَابَةُ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ كَثِيرًا، وَشَاعَ وَتَكَرَّرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ. عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ خَطَّئُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي تَرْكِ الْعَوْلِ، وَخَطَّأَهُمْ وَقَالَ: مَنْ بَاهَلَنِي بَاهَلْتُهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالِ وَاحِدٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا. ص - وَاسْتَدَلَّ: إِنْ كَانَا بِدَلِيلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا، تَعَيَّنَ، وَإِلَّا تَسَاقَطَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَارَاتِ تَتَرَجَّحُ بِالنَّسَبِ، فَكُلٌّ رَاجِحٌ، وَاسْتُدِلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى شَرْعِ الْمُنَاظَرَةِ، فَلَوْلَا تَبْيِينُ الصَّوَابِ، لَمْ تَكُنْ فَائِدَةٌ. وَأُجِيبَ: بِتَبْيِينِ التَّرْجِيحِ أَوِ التَّسَاوِي أَوِ التَّمْرِينِ. وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ طَالِبٌ، وَلَا مَطْلُوبٌ مُحَالٌ، فَمَنْ أَخْطَأَهُ، فَهُوَ مُخْطِئٌ قَطْعًا. وَأُجِيبَ: مَطْلُوبُهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، فَيَحْصُلُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ حُكْمٌ فِيهَا، وَحُكْمُ اللَّهِ فِيهَا تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، أَيْ يَكُونُ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. وَقِيلَ: الْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَيَّنًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ كَدَفِينٍ يُصَابُ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ، فَمَنْ ظَفِرَ بِهِ فَهُوَ الْمُصِيبُ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ فَهُوَ الْمُخْطِئُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَلَيْهِ دَلِيلٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ الْأُسْتَاذُ: إِنَّ دَلِيلَهُ ظَنِّيٌّ، فَمَنْ ظَفِرَ بِهِ فَهُوَ الْمُصِيبُ، وَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ، فَهُوَ مُخْطِئٌ، وَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ الْمَرِيسِيُّ وَالْأَصَمُّ: دَلِيلُهُ قَطْعِيٌّ، وَالْمُخْطِئُ آثِمٌ. وَنُقِلَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ التَّخْطِئَةُ وَالتَّصْوِيبُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ، فَقَصَّرَ الْمُجْتَهِدُ فِي طَلَبِهِ، وَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ، فَمُخْطِئٌ آثِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَالْمُخْتَارُ مُخْطِئٌ غَيْرُ آثِمٍ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: لَا دَلِيلَ عَلَى تَصْوِيبِ الْكُلِّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. وَصُوِّبَ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا مُصِيبٌ، ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ تَخْطِئَةِ الْكُلِّ. وَتَصْوِيبُ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ مُصِيبًا لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ مُصِيبًا، فَالْمُجْتَهِدُ إِذَا ظَنَّ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، جَزَمَ وَقَطَعَ بِأَنَّ الْحُكْمَ ذَلِكَ، ضَرُورَةَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَإِذَا قَطَعَ، اسْتَمَرَّ قَطْعُهُ ; إِذِ الْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ، وَاسْتِمْرَارُ قَطْعِهِ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ ظَنِّهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ غَيْرَهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَجَبَ الرُّجُوعُ، فَيَكُونُ ظَانًّا عَالِمًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ ضَرُورَةَ اقْتِضَاءِ الْقَطْعِ عَدَمَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ، وَالظَّنُّ احْتِمَالُ النَّقِيضِ. ش - هَذَا إِيرَادٌ عَلَى الْمُلَازَمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: الْمُلَازَمَةُ إِنَّمَا تَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ اسْتِمْرَارُ الْقَطْعِ مَشْرُوطًا بِبَقَاءِ الظَّنِّ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ الظَّنَّ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ ضَرُورَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] انْتِفَاءِ احْتِمَالِ النَّقِيضِ عِنْدَ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّقِيضِ. فَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الظَّنِّ مَعَ الْعِلْمِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الشَّيْءِ، لَا يَكُونُ شَرْطًا لَهُ. أَجَابَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّا نَقْطَعُ بِبَقَاءِ الظَّنِّ عِنْدَ بَقَاءِ الْإِصَابَةِ الْمُوجِبَةِ لِاسْتِمْرَارِ الْقَطْعِ، فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوِ انْتَفَى ظَنُّ الشَّيْءِ بِالْعِلْمِ، لَكَانَ يَسْتَحِيلُ ظَنُّ نَقِيضِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ، أَيْ مَعَ ذِكْرِ الْحُكْمِ لِأَجْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ عِنْدَ ظَنِّ نَقِيضِ الشَّيْءِ يَكُونُ الشَّيْءُ مَوْهُومًا، وَإِذَا كَانَ الظَّنُّ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَنْتَفِيَ الْوَهْمُ اللَّازِمُ لِظَنِّ نَقِيضِ الشَّيْءِ بِالْعِلْمِ. فَيَسْتَحِيلُ ظَنُّ النَّقِيضِ مَعَ ذِكْرِ الْحُكْمِ ; لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ ظَنُّ النَّقِيضِ مَعَ ذِكْرِ الْحُكْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ظَنُّ نَقِيضِ الْحُكْمِ عِنْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ لُزُومِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضِ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّهُ كَمَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ تَصْوِيبِ الْكُلِّ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى تَصْوِيبِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا ظَنَّ وُجُوبَ الْفِعْلِ أَوْ حُرْمَتَهُ، وَجَبَ اتِّبَاعُ ظَنِّهِ، فَيَلْزَمُ وُجُوبُ الْفِعْلِ أَوْ حُرْمَتُهُ قَطْعًا مَعَ كَوْنِهِ ظَانًّا بِالْوُجُوبِ أَوِ الْحُرْمَةِ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْوَاحِدُ مَعْلُومًا مَظْنُونًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَعْلُومًا مَظْنُونًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّنَّ يَتَعَلَّقُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ أَوِ الْحُرْمَةَ هُوَ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ، وَالْعِلْمُ يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِ مُخَالِفَةِ ذَلِكَ الظَّنِّ، فَاخْتَلَفَ الْمُتَعَلِّقَانِ. قَوْلُهُ: " فَإِذَا تَبَدَّلَ الظَّنُّ، زَالَ شَرْطُ الْمُخَالَفَةِ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابٍ دَخَلَ. تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا تَبَدَّلَ ظَنُّ الْحُكْمِ، زَالَ الْعِلْمُ بِتَحْرِيمِ مُخَالَفَتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَهُمَا وَاحِدٌ. أَجَابَ بِأَنَّ الظَّنَّ شَرْطُ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِ الْمُخَالِفَةِ، فَإِذَا تَبَدَّلَ الظَّنُّ، زَالَ شَرْطُ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِ الْمُخَالِفَةِ، فَيَزُولُ الْعِلْمُ بِتَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ لِزَوَالِ شَرْطِهِ، لَا لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُمَا وَاحِدٌ. فَإِنْ قِيلَ: عَلَى تَقْدِيرِ تَصْوِيبِ الْكُلِّ لَمْ يَلْزَمِ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ ; فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ مُخْتَلِفٌ ; لِأَنَّ الظَّنَّ مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِ الدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الْمُجْتَهِدُ عَلَى الْحُكْمِ دَلِيلًا، وَالْعِلْمُ مُتَعَلِّقٌ بِثُبُوتِ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ، فَاخْتَلَفَ الْمُتَعَلِّقَانِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَزَوَالُ الْعِلْمِ عِنْدَ تَبَدُّلِ الظَّنِّ لَا يُوجِبُ كَوْنَ الْمُتَعَلِّقَيْنِ وَاحِدًا ; لِأَنَّ الظَّنَّ شَرْطُ الْعِلْمِ، وَتَبَدُّلُ الشَّرْطِ يُوجِبُ زَوَالَ الْمَشْرُوطِ، كَمَا قَرَّرْتُمْ. أَجَابَ بِأَنَّ كَوْنَ الدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الْمُجْتَهِدُ عَلَى الْحُكْمِ دَلِيلًا، هُوَ أَيْضًا حُكْمٌ، فَإِذَا ظَنَّهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا، لَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَلَا يَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ دَلِيلًا مَعْلُومًا مَظْنُونًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ. ش - الثَّالِثُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ أَطْلَقُوا الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ كَثِيرًا. وَشَاعَ وَذَاعَ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ. مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَغَيْرِهِ كَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ خَطَّئُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي تَرْكِ الْعَوْلِ. وَخَطَّأَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: مَنْ بَاهَلَنِي، أَيْ مَنْ لَاعَنَنِي، لَاعَنْتُهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَاحِدٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا. وَمِنْهَا: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِّ أَبًّا. ش - هَذِهِ اسْتِدْلَالَاتٌ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ بِمُصِيبٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي حُكْمٍ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُمَا بِدَلِيلَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي، يَلْزَمُ تَخْطِئَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدَيْنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَلِيلٍ، وَتَخْطِئَةُ أَحَدِهِمَا إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِدَلِيلٍ، وَالْآخِرُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ رَاجِحًا عَلَى الْآخَرِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، تَعَيَّنَ كَوْنُ الْأَرْجَحِ دَلِيلًا، وَالْآخَرِ خَطَأً، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُصِيبًا وَالْآخَرُ مُخْطِئًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِلُّ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمُهُ لَوْ قَالَ مُجْتَهِدٌ شَافِعِيٌّ لِمُجْتَهِدَةٍ حَنَفِيَّةٍ: أَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ: رَاجَعْتُكِ. وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مُجْتَهِدٌ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ مُجْتَهِدٌ بِوَلِيٍّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ ; إِذْ لَا خِلَافَ فِي لُزُومِهِ اتِّبَاعَ ظَنِّهِ. وَجَوَابُهُ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَتَّبِعُ حُكْمَهُ. ص - الْمُصَوِّبَةُ قَالُوا: لَوْ كَانَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا، لَوَجَبَ النَّقِيضَانِ، إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ بَاقِيًا، أَوْ وَجَبَ الْخَطَأُ، إِنْ سَقَطَ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، تَسَاقَطَ الدَّلِيلَانِ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُخْطِئًا. أَجَابَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَارَةٌ، وَالْأَمَارَاتُ تَتَرَجَّحُ بِالنَّسَبِ إِلَى الْأَشْخَاصِ، فَكُلُّ أَمَارَةٍ تَتَرَجَّحُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَقُولُ بِهَا. الثَّانِي: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى شَرْعِ الْمُنَاظَرَةِ، فَلَوْلَا تَبَيْيِنُ الصَّوَابِ، لَمْ تَكُنْ لِلْمُنَاظَرَةِ فَائِدَةٌ، وَإِذَا كَانَتِ الْفَائِدَةُ تَبْيِينَ الصَّوَابِ، لَمْ يَكُنِ الْكُلُّ مُصِيبًا. أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَائِدَةَ الْمُنَاظَرَةِ تَبْيِينُ الصَّوَابِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهَا تَبْيِينَ تَرْجِيحِ إِحْدَى الْأَمَارَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، أَوْ تَبْيِينَ تَسَاوِيهِمَا، أَوْ فَائِدَتُهَا تَمْرِينُ النَّفْسِ، فَإِنَّ التَّمْرِينَ يُفِيدُ النَّفْسَ اسْتِعْدَادًا تَامًّا لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ طَالِبٌ لِلْحُكْمِ، وَطَالِبٌ وَلَا مَطْلُوبٌ مُحَالٌ ; لِاسْتِحَالَةِ طَلَبِ الْمَعْدُومِ. وَإِذَا كَانَ لَهُ مَطْلُوبٌ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى وُجُودِ الطَّلَبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمٍ قَبْلَ ثُبُوتِ الطَّلَبِ، فَمَنْ أَخْطَأَ ذَلِكَ الْحُكْمَ، مُخْطِئٌ قَطْعًا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا. أَجَابَ بِأَنَّ مَطْلُوبَهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَكُونَ مُتَعَيِّنًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ طَلَبِهِ، بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ مَوْجُودًا فِي الذِّهْنِ، فَيَحْصُلُ مَطْلُوبُ كُلٍّ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا، فَيَكُونُ الْكُلُّ مُصِيبًا لِتُحَقُّقِ مَطْلُوبِهِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُصِيبًا، يَلْزَمُ حِلُّ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمُهُ، وَهُوَ مُحَالٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الشَّافِعِيَّ إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْمُجْتَهِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ: رَاجَعْتُكِ، فَإِنَّهَا بِالنَّظَرِ إِلَى الزَّوْجِ تَحِلُّ الْمُرَاجِعَةُ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ، تَحْرُمُ الْمُرَاجَعَةُ. فَيَلْزَمُ حِلُّ الْمُرَاجِعَةِ وَحُرْمَتُهَا. وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مُجْتَهِدٌ حَنَفِيٌّ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ مُجْتَهِدٌ شَافِعِيٌّ بِوَلِيٍّ، يَلْزَمُ حِلُّ الْمَرْأَةِ وَحُرْمَتُهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا، يَلْزَمُ كُلًّا اتِّبَاعُ ظَنِّهِ ; إِذْ لَا خِلَافَ فِي لُزُومِ الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعَ ظَنِّهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَلَالًا حَرَامًا مَعًا. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي مِثْلِ مَا ذُكِرَ هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ، لَا اجْتِهَادُهُمَا، فَيُرْفَعُ مِثْلُ مَا ذُكِرَ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُتَّبَعُ حُكْمُهُ. ش - احْتَجَّتِ الْمُصَوِّبَةُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَ الْمُصِيبُ وَاحِدًا ; لَوَجَبَ النَّقِيضَانِ، أَوْ وَجَبَ الْخَطَأُ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى خِلَافِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ بَاقِيًا عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَوْ سَقَطَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَيْهِ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ، يَلْزَمُ وُجُوبُ الْخَطَأِ ; لِأَنَّ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَيْسَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. أَجَابَ بِالْتِزَامِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ جَازَ وُجُوبُ الْخَطَأِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ، وَسَعَى الْمُجْتَهِدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ. وَأُجِيبَ بِثُبُوتِ الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ، وَجَبَ مُخَالَفَتُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ، فَهَذَا أَجْدَرُ. قَالُوا: قَالَ: " بِأَيِّهِمِ اقْتَدَيْتُمِ اهْتَدَيْتُمْ ". وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُخْطِئًا، لَمْ يَكُنْ هُدًى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ هُدًى ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : تَقَابُلُ الدَّلِيلَيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِمَا النَّقِيضَيْنِ، وَأَمَّا تَقَابُلُ الْأَمَارَاتِ الظَّنِّيَّةِ وَتَعَادُلُهَا، فَالْجُمْهُورُ: جَائِزٌ، خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَالْكَرْخِيِّ. لَنَا: لَوِ امْتَنَعَ، لَكَانَ الدَّلِيلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. ص - قَالُوا: لَوْ تَعَادَلَا، فَإِمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَوْ مُخَيَّرًا، أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَالثَّانِي تَحَكُّمٌ، وَالثَّالِثُ حَرَامٌ لِزَيْدٍ، حَلَالٌ لِعَمْرٍو مِنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ، وَالرَّابِعُ كَذِبٌ ; لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ، وَهُوَ أَحَدُهُمَا. وَأُجِيبَ يُعْمَلُ بِهِمَا فِي أَنَّهُمَا وَقَفَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا مُخَيَّرًا، أَوْ لَا يُعْمَلُ بِهِمَا. وَلَا تَنَاقُضَ إِلَّا مِنَ اعْتِقَادِ نَفْيِ الْأَمْرَيْنِ، لَا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فِي طَلَبِهِ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي طَلَبِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِمُوجِبِ ظَنِّهِ، مَعَ أَنَّ مُوجِبَ ظَنِّهِ خَطَأٌ بِالِاتِّفَاقِ ; لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ. وَإِذَا وَجَبَ الْخَطَأُ فِي صُورَةٍ وُجِدَ النَّصُّ فِيهَا، فَوَجَبَ الْخَطَأُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ". يَقْتَضِي تَصْوِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدَيْنِ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ يَخْتَلِفُ اجْتِهَادُهُمْ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُخْطِئًا، لَمْ يَكُنِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ اهْتِدَاءً، بَلْ ضَلَالَةً. أَجَابَ بِأَنَّ كَوْنَ الِاجْتِهَادِ خَطَأً، لَا يُنَافِي كَوْنَهُ هُدًى ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَعَلَى مَنْ قَلَّدَهُ، وَالْهُدَى فِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا، فَيَكُونُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمِ اهْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ اجْتِهَادُهُمْ خَطَأً. [مَسْأَلَةٌ تَقَابُلُ الدَّلِيلَيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ مُحَالٌ] ش - تُقَابِلُ الدَّلِيلَيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ، أَيِ الْقَطْعِيَّيْنِ مُحَالٌ ; لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ يَسْتَلْزِمُ مَدْلُولَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَوْ تَعَادَلَ الدَّلِيلَانِ الْعَقْلِيَّانِ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَأَمَّا تَقَابُلُ الْأَمَارَاتِ الظَّنِّيَّةِ وَتَعَادُلُهَا، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ، خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَالْكَرْخِيِّ. دَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ تَعَادُلَ الْأَمَارَاتِ الظَّنِّيَّةِ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا، لَكَانَ امْتِنَاعُهُ لِدَلِيلٍ ; إِذْ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ، لَكِنْ بَحَثْنَا وَلَمْ نَجِدْ دَلِيلًا دَالًّا عَلَى امْتِنَاعِ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ الظَّنِّيَّةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَعَادُلِ الْأَمَارَتَيْنِ قَالُوا: لَوْ تَعَادَلَ الْأَمَارَتَانِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ يُعْمَلَ بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنَةً، أَوْ يُعْمَلَ بِأَحَدِهِمَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، أَوْ لَا يُعْمَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَالْأَقْسَامُ بِأَسْرِهَا بَاطِلَةٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ; فَلِأَنَّهُ لَوْ عُمِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الثَّانِي ; فَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْأُخْرَى، مَعَ تَعَادُلِهِمَا، يُوجِبُ التَّحَكُّمَ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الثَّالِثُ ; فَلِلُزُومِ الْحُكْمِ بِأَنَّ شَيْئًا وَاحِدًا حَلَالٌ لِزَيْدٍ، حَرَامٌ لِعَمْرٍو مِنْ مُجْتَهِدٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الرَّابِعُ; فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْكَذِبُ وَالتَّنَاقُضُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ يَكُونُ كَذِبًا ضَرُورَةَ أَحَدِهِمَا، أَعْنِي الْحَلَالَ أَوِ الْحَرَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِمَا، لَا فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ، بَلْ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقَفَتِ الْأُخْرَى، أَيْ مَنَعَتْهَا فِي تَرَتُّبِ مُقْتَضَاهَا عَلَيْهَا، فَيَقِفُ الْمُجْتَهِدُ عَنْهُمَا، أَوْ يَعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى التَّخْيِيرِ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ كَمَا جَازَ التَّخْيِيرُ بِالنَّصِّ، جَازَ بِالِاجْتِهَادِ، أَوْ لَا يَعْمَلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَالتَّنَاقُضُ ; لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إِنَّمَا يَلْزَمُ مِنَ اعْتِقَادِ نَفْيِ الْأَمْرَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا مِنْ تَرْكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يَسْتَقِيمُ لِمُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ وَقْتَيْنِ، أَوْ شَخْصَيْنِ عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ، فَإِنْ تَرَتَّبَا، فَالظَّاهِرُ رُجُوعٌ، وَكَذَلِكَ الْمُتَنَاظِرَتَانِ، وَلَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، فِيهَا قَوْلَانِ، إِمَّا لِلْعُلَمَاءِ، وَإِمَّا فِيهَا مَا يَقْتَضِي لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ لِتَعَادُلِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ، وَإِمَّا لِي قَوْلَانِ عَلَى التَّخْيِيرِ عِنْدَ التَّعَادُلِ، وَإِمَّا تَقَدَّمَ لِي فِيهَا قَوْلَانِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ بِاتِّفَاقٍ ; لِلتَّسَلْسُلِ. فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ، وَيَنْقَضُ إِذَا خَالَفَ قَاطِعًا، فَلَوْ حَكَمَ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِهِ، كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا، وَإِنْ قَلَّدَ غَيْرَهُ اتِّفَاقًا. فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، فَالْمُخْتَارُ التَّحْرِيمُ. وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حُكْمٌ، كَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ مُقَلِّدِهِ، فَلَوْ حَكَمَ مَقْلِدٌ بِخِلَافِ إِمَامِهِ، جَرَى عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُجْتَهِدُ قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّقْلِيدِ، وَقِيلَ: فِيمَا لَا يَخُصُّهُ، وَقِيلَ: فِيمَا لَا يَفُوتُ وَقْتُهُ، وَقِيلَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَحَابِيًّا. وَقِيلَ: أَرْجَحُ، فَإِنِ اسْتَوَوْا تَخَيَّرَ. وَقِيلَ: أَوْ تَابِعِيًّا. وَقِيلَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ. وَبَعْدَ الِاجْتِهَادِ اتِّفَاقٌ. لَنَا: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، بِخِلَافِ النَّفْيِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ انْتِفَاءُ دَلِيلِ الثُّبُوتِ. وَأَيْضًا: مُتَمَكِّنٌ مِنَ الْأَصْلِ، فَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ، كَغَيْرِهِ. وَاسْتَدَلَّ: لَوْ جَازَ قَبْلَهُ، لَجَازَ بَعْدَهُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعَمَلِ بِهِمَا ; فَإِنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَعْمَلُ بِهِمَا. [مَسْأَلَةٌ: لَا يَسْتَقِيمُ لِمُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ] ش - لَا امْتِنَاعَ فَمَا صُدُورُ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ مِنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فِي مَسْأَلَتَيْنِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ جَامِعٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ كَانَ وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. أَمَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَصْدُرَ قَوْلَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ وَقْتَيْنِ أَوْ شَخْصَيْنِ عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ قَوْلَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَكَذَلِكَ يَجُوزُ صُدُورُ قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ مِنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصَيْنِ، لَكِنْ عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ. وَإِنَّمَا بُنِيَ جَوَازُ صُدُورِ قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الشَّخْصِ عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ ; لِأَنَّ صُدُورَ قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ مِنْ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصَيْنِ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا كَانَ التَّخْيِيرُ ثَابِتًا فِي الْقَوْلَيْنِ بِسَبَبِ تَعَادُلِ الْأَمَارَتَيْنِ، فَإِنْ تَرَتَّبَا، أَيِ الْقَوْلَانِ، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي وَقْتٍ، وَالْآخَرُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ، وَالْقَوْلَ الْآخَرَ هُوَ قَوْلُهُ. وَكَذَلِكَ الْمُتَنَاظِرَتَانِ، أَيْ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَنَاظِرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ. وَلِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَانِ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً. وَحَمْلُ الْمُصَنِّفِ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلَيْنِ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا يَقْتَضِي لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ لِتَعَادُلِ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلَيْنِ لِي عَلَى التَّخْيِيرِ عِنْدَ التَّعَادُلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِمَّا عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلَيْنِ لِي عَلَى التَّرْتِيبِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَإِمَّا تَقَدَّمَ لِي فِيهَا قَوْلَانِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّات منهِ] ش - حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِهِ، لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ الْحُكْمَ، لَا ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ وَلَا غَيْرُهُ بِاتِّفَاقٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ، يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَنْقُضَ الْحُكْمَ الثَّانِيَ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الثَّالِثَ، وَهَلُمَّ جَرَّا. فَيَتَسَلْسَلُ، فَيَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ لِاضْطِرَابِ الْحُكْمِ، وَيُنْقَضُ بِالِاتِّفَاقِ حُكْمُ الْحَاكِمِ إِذَا خَالَفَ دَلِيلًا قَاطِعًا نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا. وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِهِ، كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِمُ قَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، أَوْ لَمْ يُقَلِّدْ. فَعَلَى هَذَا لَوْ أَدَّى اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ إِلَى صِحَّةِ التَّزَوُّجِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي أَوْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي، فَيَلْزَمُ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي إِذَا اتَّصَلَ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ حُكْمُ حَاكِمٍ، فَيَلْزَمُ حِلُّ الْمَرْأَةِ إِذَا اتَّصَلَ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لَا يَصِحُّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُقَلِّدِ، يَجِبُ عَلَى الْمُقَلِّدِ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي وَتَرْكُ الْأَوَّلِ. وَلَوْ حَكَمَ مُقَلِّدٌ عَلَى خِلَافِ إِمَامِهِ، جَرَى ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ إِذَا قَلَّدَ وَاحِدًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ جَوَّزْنَا تَقْلِيدَ غَيْرِهِ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ، جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِخِلَافِ إِمَامِهِ، وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ، لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِخِلَافِ إِمَامِهِ. [مَسْأَلَةٌ الْمُجْتَهِدُ قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّقْلِيدِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُجْتَهِدَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ أَمْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّقْلِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُجْتَهِدَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّقْلِيدِ فِيمَا لَا يَخُصُّهُ، أَيْ فِيمَا يُفْتِي فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنَ التَّقْلِيدِ فِيمَا يَخُصُّهُ، أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يَخُصُّهُ إِذَا فَاتَ الْوَقْتُ إِنِ اشْتَغَلَ بِالِاجْتِهَادِ. وَقِيلَ: الْمُجْتَهِدُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّقْلِيدِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدُهُ أَعْلَمَ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ إِذَا كَانَ مُقَلِّدُهُ صَحَابِيًّا، وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ الصَّحَابِيُّ أَرْجَحَ فِي نَظَرِهِ مَنْ غَيْرِهِ، وَإِنِ اسْتَوَوْا فِي نَظَرِهِ، تَخَيَّرَ فِي تَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ التَّقْلِيدُ إِذَا كَانَ مُقَلِّدُهُ صَحَابِيًّا أَوْ تَابِعِيًّا. وَقِيلَ: الْمُجْتَهِدُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنِ التَّقْلِيدِ مُطْلَقًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بَعْدَهُ حَصَلَ الظَّنُّ الْأَقْوَى. ص - الْمُجَوِّزُ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] . قُلْنَا: لِلْمُقَلِّدِينَ، بِدَلِيلِ (إِنْ كُنْتُمْ) ، وَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ. ص: الصَّحَابَةُ، " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» ". وَقَدْ سَبَقَ. قَالُوا: الْمُعْتَبَرُ الظَّنُّ، وَهُوَ حَاصِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ ظَنَّ اجْتِهَادِهِ أَقْوَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] هَذَا إِذَا كَانَ التَّقْلِيدُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ، أَمَّا إِذَا كَانَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ، فَمَمْنُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ. احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ جَوَازَ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، إِذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِدُونِ دَلِيلٍ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ، لَكِنْ بَحَثْنَا عَنْهُ وَلَمْ نَجِدْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّلِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ أَيْضًا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ نَفْيٌ، وَالنَّفْيُ يَكْفِي فِيهِ انْتِفَاءُ دَلِيلِ الثُّبُوتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الِاجْتِهَادَ أَصْلٌ، وَالتَّقْلِيدَ بَدَلٌ، وَالْمُجْتَهِدُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، فَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ كَغَيْرِهِ، مِثْلَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّ الْبَدَلَ يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْأَصْلِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ لَجَازَ لَهُ التَّقْلِيدُ بَعْدَهُ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ التَّقْلِيدِ هُوَ تَمَكُّنُ الْمُجْتَهِدِ مِنْ مَعْرِفَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فِي الْحَالَيْنِ، فَإِنْ مَنَعَ ذَلِكَ عَنِ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ، مَنَعَ عَنِ التَّقْلِيدِ قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا عَنِ الِاجْتِهَادِ بَعْدَهُ، لَمْ يَكُنْ مَانِعًا عَنِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَهُ. أَجَابَ بِأَنَّ الْحَاصِلَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ هُوَ الظَّنُّ الْأَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنَ التَّقْلِيدِ، فَلَا جَرَمَ مُنِعَ مِنَ التَّقْلِيدِ، وَقَبْلَ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنِ الظَّنُّ حَاصِلًا فَضْلًا عَنِ الظَّنِّ الْأَقْوَى، فَلَا جَرَمَ لَا يَكُونُ التَّقْلِيدُ مَمْنُوعًا. ش - الْمُجَوِّزُ، أَيِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ لِلْمُجْتَهِدِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا، احْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ - تَعَالَى - أَمَرَ بِالسُّؤَالِ، وَأَدْنَى دَرَجَةِ الْأَمْرِ بِالسُّؤَالِ اتِّبَاعُ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَاعْتِقَادُ قَوْلِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا، لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُقَلِّدُونَ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّؤَالِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْعِلْمِ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَنْ هُوَ عَالِمٌ. وَالْمُجْتَهِدُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ عَالِمٌ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْفِعْلِ. وَالْمُجْتَهِدُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ عَالِمًا، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْخِطَابِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ فَيَكُونُ مَسْئُولًا، لَا سَائِلًا، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْمَأْمُورَيْنِ بِالسُّؤَالِ. ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ الصَّحَابَةَ، احْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمِ اهْتَدَيْتُمْ» ". وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ عَوَامِّ الصَّحَابَةِ. وَقَدِ احْتَجَّ الْمُجَوِّزُ مُطْلَقًا أَيْضًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ الظَّنُّ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِنَ التَّقْلِيدِ. أَجَابَ بِأَنَّ ظَنَّ اجْتِهَادِهِ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِالتَّقْلِيدِ، وَالتَّمَكُّنُ مِنَ الظَّنِّ الْأَقْوَى يَمْنَعُ التَّقْلِيدَ. [مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ جواز أن يقال للمجتهد احكم بما شئت] ش - يَجُوزُ أَنْ يُفَوَّضَ الْحُكْمُ إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ يَتَمَسَّكُ بِهِ، بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: احْكُمْ بِمَا شِئْتَ، فَهُوَ صَوَابٌ. وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جَوَازِ التَّفْوِيضِ وَعَدَمِهِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ تَفْوِيضَ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَطْ. وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ التَّفْوِيضَ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ وَعَدَمَ الْوُقُوعِ. وَاحْتَجَّ عَلَى الْجَوَازِ بِأَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ تَفْوِيضُ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجْتَهِدِ، لَكَانَ امْتِنَاعُهُ لِغَيْرِهِ ; إِذْ لَوِ امْتَنَعَ لِذَاتِهِ، لَلَزِمَ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ، فَيَثْبُتُ أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ، لَكَانَ لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْغَيْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُجْتَهِدِ: احْكُمْ بِمَا شِئْتَ، فَهُوَ صَوَابٌ. وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ. ثُمَّ الْمُخْتَارُ: لَمْ يَقَعْ. لَنَا: لَوِ امْتَنَعَ، لَكَانَ لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. ص - قَالُوا: يُؤَدِّي إِلَى انْتِفَاءِ الْمَصَالِحِ لِجَهْلِ الْعَبْدِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ، وَلَوْ سُلِّمَ، لَزِمَتِ الْمَصَالِحُ وَإِنْ جَهِلَهَا. ص - الْوُقُوعُ، قَالُوا: {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ. قَالُوا: قَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدْ شَجَرُهَا ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ؟ فَقَالَ: " «إِلَّا الْإِذْخِرَ» ". وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِذْخِرَ لَيْسَ مِنَ الْخَلَا، فَدَلِيلُهُ الِاسْتِصْحَابُ، أَوْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْهُ، وَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِتَقْدِيرِ تَكْرِيرِهِ لِفَهْمِ ذَلِكَ، أَوْ مِنْهُ وَأُرِيدَ وَنُسِخَ بِتَقْدِيرِ تَكْرِيرِهِ بِوَحْيٍ سَرِيعٍ. قَالُوا: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ» " وَ " «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَوْ لِلْأَبَدِ» " وَ " «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ، لَوَجَبَ» "، وَلَمَّا قُتِلَ النَّضِرُ بْنُ الْحَارِثِ، ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ ابْنَتُهُ: مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغِيظُ الْمُحْنَقُ . فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْ سَمِعْتُهُ مَا قَتَلْتُهُ» .   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ، وَهُوَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ نَفْيٌ، وَالنَّفْيُ يَكْفِي فِيهِ عَدَمُ دَلِيلِ الثُّبُوتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ وَالِامْتِنَاعَ ثُمَّ، لِلْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِالتَّقْلِيدِ وَعَدَمِ الْإِذْنِ، وَلَاشَكَّ أَنْ عَدَمَ الْإِذْنِ يَكْفِي فِيهِ عَدَمُ دَلِيلِ الْإِذْنِ. وَالْجَوَازُ وَالِامْتِنَاعُ هَاهُنَا الْإِمْكَانُ الْعَقْلِيُّ وَالِامْتِنَاعُ الْعَقْلِيُّ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِمْكَانُ، وَالِامْتِنَاعُ الْعَقْلِيُّ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ بِدُونِ الْإِمْكَانِ. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَفْوِيضِ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجْتَهِدِ قَالُوا: تَفْوِيضُ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجْتَهِدِ يُؤَدِّي إِلَى انْتِفَاءِ الْمَصَالِحِ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْعِبَادَ جَاهِلُونَ بِالْمَصَالِحِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ مَا لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ. أَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَتِهِ، لَا فِي وُقُوعِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْجَوَازِ انْتِفَاءُ الْمَصَالِحُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُقُوعِ، لَزِمَتِ الْمَصَالِحُ وَإِنْ جَهَلَهَا الْعَبْدُ ; لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْبَرَ عَنْ إِصَابَتِهِ فِيمَا يَخْتَارُهُ الْعَبْدُ يَكُونُ مَصْلَحَةً. ش - الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ تَفْوِيضِ الْحُكْمِ إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجْتَهِدِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] . فَإِنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ فُوِّضَ إِلَى مَشِيئَتِهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، فَإِنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُطْلَقِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. الثَّانِي: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: " إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِلَّا الْإِذْخِرَ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إِلَّا الْإِذْخِرَ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وَأُجِيبَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُيِّرَ فِيهِ مُعَيَّنًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِوَحْيٍ. ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي اجْتِهَادِهِ. وَقِيلَ: بِنَفْيِ الْخَطَأِ. لَنَا: لَوِ امْتَنَعَ، لَكَانَ لِمَانِعٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَأَيْضًا: (لِمَ أَذِنْتَ) ، (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ) حَتَّى قَالَ: " «لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ، مَا نَجَا مِنْهُ غَيْرُ عُمَرَ» " ; لِأَنَّهُ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ. وَأَيْضًا: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ» ". وَقَالَ: أَنَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَحْكَامِ، لَا فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُحْتَمَلِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَدَرَ مِنَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، لَا لِدَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ: لَا يُخْتَلَى، أَيْ لَا يُقْطَعُ. وَالْخَلَى مَقْصُورًا: الرَّطْبُ مِنَ الْحَشِيشِ، الْوَاحِدُ: خَلَاةٌ. وَالْإِذْخِرُ: نَبْتٌ، الْوَاحِدَةُ: إِذْخِرَةٌ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِذْخِرَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخَلَا، فَجَوَازُ اخْتِلَائِهِ لَيْسَ مُسْتَفَادًا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، بَلْ مُسْتَنِدًا إِلَى الِاسْتِصْحَابِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُؤَكِّدٌ لِلِاسْتِصْحَابِ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْإِذْخِرَ مِنْ جِنْسِ الْخَلَا، يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِذْخِرَ مُرَادًا، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْخَلَا فِي التَّحْرِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِذْخِرَ مُرَادًا لَمْ يُصْبِحِ الِاسْتِثْنَاءُ، فَإِنَّ عَدَمَ الْإِرَادَةِ يُنَافِي صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ اسْتِثْنَاءَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَكْرِيرٌ لِاسْتِثْنَاءِ الْعَبَّاسِ، حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا، صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَفَهِمَ الْعَبَّاسُ إِرَادَةَ الْإِذْخِرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَيَكُونُ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ لِفَهْمِ الْعَبَّاسِ الْإِرَادَةَ، لَا لِإِرَادَةِ الرَّسُولِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْإِذْخِرَ مِنْ جِنْسِ الْخَلَا، وَأُرِيدَ مِنْهُ، وَقَدَّرْنَا أَنَّ تَكْرِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَجْلِ الْإِرَادَةِ، لَمْ يَلْزَمِ الْمُدَّعِي ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ حُرْمَةُ الْإِذْخِرِ بِالْعَامِّ، وَنُسِخَ بِوَحْيٍ سَرِيعٍ. فَإِنْ قِيلَ: النَّاسِخُ يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنِ الْمَنْسُوخِ. وَالْوَحْيُ السَّرِيعُ - عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ - غَيْرُ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ نَاسِخًا. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّاسِخَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْحُكْمِ. وَالْوَحْيُ السَّرِيعُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَكِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ حَرَكَةَ اخْتِلَاءِ الْخَلَا ثَابِتَةٌ قَبْلَ تَكَلُّمِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِحُرْمَتِهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْلَا أَنَّ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ". فَإِنَّهُ أَسْنَدَ الْأَمْرَ إِلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَإِلَّا لَمَا أَسْنَدَ إِلَى نَفْسِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الرَّابِعُ: أَنَّهُ «لَمَّا قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ، لَوَجَبَ» . وَلَوْلَا أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إِلَى مَشِيئَتِهِ، لَمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ نَضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، جَاءَتِ ابْنَتُهُ قُتَيْلَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْشَدَتْهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغِيظُ الْمُحْنَقُ . فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَوْ سَمِعْتُهُ، مَا قَتَلْتُهُ» . وَلَوْلَا أَنَّ قَتْلَهُ مُفَوَّضٌ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَا قَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ. وَالْغَيْظُ: غَضَبٌ كَامِنٌ لِلْعَاجِزِ. يُقَالُ: غَاظَهُ، فَهُوَ مَغِيظٌ. وَالْحَنَقُ: الْغَيْظُ، وَأَحْنَقَهُ غَيْرُهُ، فَهُوَ مُحْنَقٌ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ بِالسِّوَاكِ أَوْ لَا يَأْمُرَ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ بِالْحَجِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَبَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَنْ لَا يَأْمُرَ. وَكَذَا فِي قَتْلِ نَضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُفَوَّضًا إِلَى مَشِيئَتِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوَحْيِ، لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ. [مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي اجْتِهَادِهِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ خَطَأِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي اجْتِهَادِهِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ خَطَئِهِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي اجْتِهَادِهِ. وَقِيلَ بِنَفْيِ الْخَطَأِ عَنِ اجْتِهَادِهِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِالْمَعْقُولِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا الْمَعْقُولُ ; فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ، لَكَانَ لِمَانِعٍ، ضَرُورَةَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ لِذَاتِهِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ، فَمَنْ قَالَ بِالْمَانِعِ، فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَأَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ - تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43] . فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ فِي الْإِذْنِ، وَهُوَ بِالِاجْتِهَادِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْوَحْيِ، لَمَا عَاتَبَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي أَسَارَى بَدْرٍ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ، مَا نَجَا مِنْهُ غَيْرُ عُمَرَ» " ; لِأَنَّهُ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ، وَنَهَى عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 ص - قَالُوا: لَوْ جَازَ، لَجَازَ أَمْرُنَا بِالْخَطَأِ. وَأُجِيبَ بِثُبُوتِهِ لِلْعَوَامِّ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَخْذِ الْفِدَاءِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ فِي أَخْذِ الْفِدَاءِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ، فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذَنَّهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ» ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَضَى بِمَا لَا يَكُونُ مُطَابِقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَيَكُونُ خَطَأً. وَقَوْلُهُ: " «أْلَحَنُ بِحُجَّتِهِ» "، أَيْ أَفْطَنُ لَهَا. وَأَيْضًا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّمَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» . يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ خَطَئِهِ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي جَوَازِ خَطَئِهِ فِي الْأَحْكَامِ، لَا فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ خَطَئِهِ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ. وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ جَوَازَ الْخَطَأِ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الْخَطَأِ فِي الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُنَازَعَ فِيهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مَثَلًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا عَلَى مَنْ أَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَلْزَمُ جَوَازُ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُحْتَمَلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ حَلَالًا عَلَيْهِ اجْتِهَادًا. ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ خَطَئِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الِاجْتِهَادِ احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ، لَجَازَ أَمْرُنَا بِالْخَطَأِ ; لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِهِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَا يَأْمُرُ بِالْخَطَأِ. أَجَابَ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ التَّالِي، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْخَطَأِ ثَابِتٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوَامَّ مَأْمُورُونَ بِمُتَابَعَةِ الْمُجْتَهِدِ وَتَقْلِيدِهِمْ مَعَ جَوَازِ خَطَأِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَقْلِيدِهِمْ فِي الِاجْتِهَادِ، بَلْ مَعَ وُقُوعِ خَطَئِهِمْ. الثَّانِي: أَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ مَعْصُومُونَ عَنِ الْخَطَأِ، فَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا عَنْهُ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 قَالُوا: الْإِجْمَاعُ مَعْصُومٌ، فَالرَّسُولُ أَوْلَى. قُلْنَا: اخْتِصَاصُهُ بِالرُّتْبَةِ، وَاتِّبَاعُ الْإِجْمَاعِ لَهُ يَدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةَ، فَيَتَّبِعُ الدَّلِيلَ. قَالُوا: الشَّكُّ فِي حُكْمِهِ مُخِلٌّ بِمَقْصُودِ الْبِعْثَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يُخِلَّ، بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّافِيَ مُطَالَبٌ بِدَلِيلٍ، وَقِيلَ: فِي الْعَقْلِيِّ، لَا الشَّرْعِيِّ. لَنَا: لَوْ لَمْ يَكُنْ، لَكَانَ ضَرُورِيًّا نَظَرِيًّا. وَهُوَ مُحَالٌ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّ اخْتِصَاصَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرُتْبَةٍ أَعْلَى مِنْ رُتْبَةِ الْعِصْمَةِ عَنِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَهِيَ رُتْبَةُ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ، يَدْفَعُ أَوْلَوِيَّةَ النَّبِيِّ بِالْعِصْمَةِ عَنِ الْخَطَأِ، فَإِنَّ الْخُلُوَّ مِنْ مَرْتَبَةٍ سُفْلَى مَعَ اتِّصَافِهِ بِالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا لَا يُوجِبُ نَقْصًا. وَأَيْضًا: وُجُوبُ اتِّبَاعِ أَهْلِ الْإِجْمَاعُ لَهُ يَدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةَ، وَإِذَا انْدَفَعَ الْأَوْلَوِيَّةُ، فَيَتَّبِعُ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى عِصْمَةِ الْإِجْمَاعِ عَنِ الْخَطَأِ وَجَوَازِ خَطَئِهِ فِي الِاجْتِهَادِ. الثَّالِثُ: الْخَطَأُ فِي اجْتِهَادِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخِلٌّ بِمَقْصُودِ الْبَعْثَةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَعْثَةِ اتِّبَاعُ النَّبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمَصَالِحِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ شَرْعِ الْأَحْكَامِ. فَلَوْ جَازَ خَطَؤُهُ فِي الْحُكْمِ، لَمْ تَحْصُلِ الْمَصَالِحُ الْمَقْصُودَةُ، فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْبَعْثَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَئِهِ، بِخِلَافِ احْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ، فَإِنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْبَعْثَةِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ. [مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّافِيَ مُطَالَبٌ بِدَلِيلٍ] ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّافِيَ هَلْ يُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ عَلَى مَا نَفَاهُ؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّافِيَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ، سَوَاءٌ كَانَ نَافِيًا لِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ، إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّفْيُ ضَرُورِيًّا. وَقِيلَ: لَا يُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ فِي الْعَقْلِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّافِيَ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِالدَّلِيلِ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ ضَرُورِيًّا نَظَرِيًّا. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، وَهُوَ مُحَالٌ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِالدَّلِيلِ، لَكَانَ لِكَوْنِ النَّفْيِ ضَرُورِيًّا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا نَظَرِيًّا. الثَّانِي: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى ذَلِكَ، أَيِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّلِيلِ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَدَعْوَى قِدَمِهِ، وَدَعْوَى الْوَحْدَانِيَّةِ دَعْوَى نَفْيِ الشَّرِيكِ، وَدَعْوَى الْقِدَمِ دَعْوَى نَفْيِ الْحُدُوثِ. فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا عَلَى مُطَالَبَةِ النَّافِي بِالدَّلِيلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 وَأَيْضًا: الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ فِي دَعْوَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقِدَمِ، وَهُوَ نَفْيُ الشَّرِيكِ وَنَفْيُ الْحُدُوثِ. ص - النَّافِي: لَوْ لَزِمَ، لَلَزِمَ مُنْكِرَ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ، وَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ، وَمُنْكِرَ الدَّعْوَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ يَكُونُ اسْتِصْحَابًا مَعَ عَدَمِ الرَّافِعِ، وَقَدْ يَكُونُ انْتِفَاءَ لَازِمٍ. وَيُسْتَدَلُّ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ بِالْمَانِعِ وَانْتِفَاءِ الشَّرْطِ عَلَى النَّفْيِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يُخَصِّصُ الْعِلَّةَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] ش - النَّافِي، أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّ النَّافِيَ لَا يُطَالَبُ بِدَلِيلٍ، احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ عَلَى النَّافِي الدَّلِيلُ، لَلَزِمَ عَلَى مُنْكِرِ مُدَّعِي النُّبُوَّةَ الدَّلِيلُ، وَلَلَزِمَ أَيْضًا عَلَى مُنْكَرِ مُدَّعِي صَلَاةٍ سَادِسَةٍ، وَلَلَزِمَ أَيْضًا عَلَى مُنْكَرِ الدَّعْوَى، وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَالتَّوَالِي بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُنْكِرِينَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ نَافٍ. أَجَابَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى النَّفْيِ قَدْ يَكُونُ اسْتِصْحَابًا مَعَ عَدَمِ الرَّافِعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقَدْ يَكُونُ الدَّلِيلُ عَلَى النَّفْيِ انْتِفَاءُ لَازِمٍ. وَفِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الدَّلِيلُ الِاسْتِصْحَابُ مَعَ عَدَمِ الرَّافِعِ. قِيلَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ جَوَابًا ; فَإِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى النَّفْيِ قَدْ يَكُونُ اسْتِصْحَابًا، وَقَدْ يَكُونُ انْتِفَاءَ لَازِمٍ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ مُطَالَبٌ. وَلَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ النَّافِيَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَانِعٌ يَدْفَعُ الدَّعْوَى عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمَانِعُ لَا يُطَالَبُ، بِخِلَافِ النَّافِي إِذَا كَانَ مُدَّعِيًا، فَإِنَّهُ مَطَالَبٌ. وَالنَّافِي يَسْتَدِلُّ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ عَلَى النَّفْيِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْجَامِعَ وُجُودَ الْمَانِعِ أَوِ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ. هَذَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ ; لِجَوَازِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ عِنْدَهُ. [التَّقْلِيدُ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ] [تعريف التَّقْلِيدُ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الِاجْتِهَادِ، شَرَعَ فِي التَّقْلِيدِ، وَالْمُفْتِي، وَالْمُسْتَفْتِي، وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ. وَعَرَّفَ التَّقْلِيدَ بِأَنَّهُ: الْعَمَلُ بِقَوْلِ غَيْرِكَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، فَالْعَمَلُ بِقَوْلِ الرَّسُولِ، وَالْعَمَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَمَلُ الْعَامِّيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 التَّقْلِيدُ. ص - التَّقْلِيدُ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ. فَالتَّقْلِيدُ: الْعَمَلُ بِقَوْلِ غَيْرِكَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ. وَلَيْسَ الرُّجُوعُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى الْإِجْمَاعِ، وَالْعَامِّيُّ إِلَى الْمُفْتِي، وَالْقَاضِي إِلَى الْعُدُولِ بِتَقْلِيدٍ ; لِقِيَامِ الْحُجَّةِ. وَلَا مُشَاحَةَ فِي التَّسْمِيَةِ. وَالْمُفْتِي: الْفَقِيهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْمُسْتَفْتِي: خِلَافُهُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّجَزُّؤِ، فَوَاضِحٌ. وَالْمُسْتَفْتَى فِيهِ: الْمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِيَّةُ، لَا الْعَقْلِيَّةُ، عَلَى الصَّحِيحِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بِقَوْلِ الْمُفْتِي، وَعَمَلُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعُدُولِ، لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ ; لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا. أَمَّا الْعَمَلُ بِقَوْلِ الرَّسُولِ، فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ. وَأَمَّا الْعَمَلُ بِالْبَاقِي، فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْلُ الرَّسُولِ. وَلَا مُشَاحَةَ فِي تَسْمِيَةِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ غَيْرِكَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ تَقْلِيدًا. وَالْمُفْتِي: الْفَقِيهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْفِقْهِ، فَيُعْرَفُ مِنْهُ الْفَقِيهُ. وَالْمُسْتَفْتِي خِلَافُ الْمُفْتِي، فَإِنْ قُلْنَا بِتَجَزِّي الِاجْتِهَادِ، فَوَاضِحٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُسْتَفْتِيًا. وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِتَجَزِّي الِاجْتِهَادِ، فَالْمُفْتِي مَنْ يَكُونُ عَالِمًا بِالْجَمِيعِ. وَالْمُسْتَفْتَى فِيهِ: هُوَ الْمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِيَّةُ. وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا. [مَسْأَلَةٌ لا تَقْلِيدٌ فِي الْعَقْلِيَّاتِ] ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاعْتِقَادِ، كَوُجُودِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا تَقْلِيدَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ. وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا. وَقِيلَ: الْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعَقْلِيَّاتِ التَّقْلِيدُ، وَالنَّظَرُ فِيهِ حَرَامٌ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ، وَمَا لَا يَجُوزُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 ص - (مَسْأَلَةٌ) : تَقْلِيدٌ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، كَوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى. وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ بِجَوَازِهِ. وَقِيلَ: النَّظَرُ فِيهِ حَرَامٌ. لَنَا: الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ. وَالتَّقْلِيدُ لَا يَحْصُلُ ; لِجَوَازِ الْكَذِبِ ; وَلِأَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ وَقِدَمِهِ ; وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ، لَكَانَ نَظَرِيًّا. وَلَا دَلِيلَ. ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ وَاجِبًا، لَكَانَتِ الصَّحَابَةُ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ، لَنُقِلَ كَالْفُرُوعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَى الْجَهْلِ بِاللَّهِ - تَعَالَى، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَلْ لِوُضُوحِهِ وَعَدَمِ الْمُحْوِجِ إِلَى الْإِكْثَارِ. قَالُوا: لَوْ كَانَ لَأَلْزَمَ الصَّحَابَةُ الْعَوَامَّ بِذَلِكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّقْلِيدُ لَا يُحَصِّلُ الْمَعْرِفَةَ لِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ كَذِبُ الْمُقَلِّدِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْوَاجِبِ. فَلَوْ جَازَ التَّقْلِيدُ فِي الْمَعْرِفَةِ، لَجَازَ تَرْكُ الْوَاجِبِ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ التَّقْلِيدُ يُحَصِّلُ الْمَعْرِفَةَ، لَكَانَ يُحَصِّلُ الْمَعْرِفَةَ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ إِذَا قَلَّدَ الْقَائِلَ بِهِ. وَيُحَصِّلُ الْمَعْرِفَةَ بِقَدَمِ الْعَالَمِ إِذَا قَلَّدَ الْقَائِلَ بِهِ، فَيَلْزَمُ حُدُوثُ الْعَالَمِ وَقِدَمُهُ، وَهُوَ مُحَالٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ التَّقْلِيدَ لَوْ حَصَّلَ الْمَعْرِفَةَ، لَكَانَ تَحْصِيلُ التَّقْلِيدِ الْمَعْرِفَةَ بِالنَّظَرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحَصِّلُ الْمَعْرِفَةَ بِالضَّرُورَةِ، لَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ النَّظَرَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عَلَى دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إِنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ إِنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالتَّقْلِيدِ، لِاحْتِمَالِ خَطَأِ النَّاظِرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ خَطَأَ النَّاظِرِ إِنَّمَا يُحْتَمَلُ إِذَا لَمْ يُرَاعِ الْقَانُونَ الْمُمَيِّزَ بَيْنَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَمَّا عِنْدَ مُرَاعَاتِهِ، فَلَا يُحْتَمَلُ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّ النَّظَرَ أَيْضًا قَدْ يُفْضِي مَرَّةً إِلَى الْقِدَمِ وَمَرَّةً إِلَى الْحُدُوثِ، فَلَوْ كَانَ الْمَعْرِفَةُ بِالنَّظَرِ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّالِثِ: أَنَّهُ كَمَا احْتَاجَ التَّقْلِيدُ فِي إِفَادَةِ الْمَعْرِفَةِ إِلَى النَّظَرِ، احْتَاجَ النَّظَرُ أَيْضًا فِي الْإِفَادَةِ إِلَى النَّظَرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ النَّظَرَ، وَإِنِ احْتَاجَ فِي كَوْنِهِ مُفِيدًا لِلْمَعْرِفَةِ إِلَى النَّظَرِ، لَكِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مُفِيدًا. بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مُفِيدًا لِلْمَعْرِفَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ حُصُولَ الْيَقِينِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ بِالنَّظَرِ صَعْبٌ جِدًّا، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْيَقِينُ بِالنَّظَرِ، وَلَا يَحْصُلُ الْيَقِينُ مِنَ التَّقْلِيدِ أَصْلًا، فَالنَّظَرُ أَوْلَى مِنَ التَّقْلِيدِ. ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، احْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّظَرَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا، لَكَانَتِ الصَّحَابَةُ أَوْلَى بِالنَّظَرِ، وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ، لَنُقِلَ مُبَاحَثَتُهُمْ وَمُنَاظَرَتُهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ، كَمَا نُقِلَ مُنَاظَرَتُهُمْ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ، دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ غَيْرُ وَاجِبٍ. أَجَابَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ، أَيْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ أَوْلَى بِالنَّظَرِ، وَإِلَّا لَزِمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَى الْجَهْلِ بِاللَّهِ - تَعَالَى، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا. وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَلْ مُنَاظَرَتُهُمْ وَمُبَاحَثَتُهُمْ، لَا لِعَدَمِ وُجُوبِ النَّظَرِ عَلَيْهِمْ، بَلْ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلِعَدَمِ الْمُحْوِجِ إِلَى الْإِكْثَارِ فِي الْكَلَامِ وَالْمُنَاظَرَةِ، لِنَقَاءِ سِيرَتِهِمْ وَصَفَاءِ سَرِيرَتِهِمْ وَمُشَاهَدَتِهِمُ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ، فَإِنَّهَا أُمُورٌ تُعِدُّ النُّفُوسَ وَتُدْرِكُ الْأُمُورَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَحْرِيرَ الْأَدِلَّةِ وَالْجَوَابَ عَنِ الشُّبَهِ. وَالدَّلِيلُ يَحْصُلُ بِأَيْسَرِ نَظَرٍ. قَالُوا: وُجُوبُ النَّظَرِ دَوْرِيٌّ عَقْلِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالُوا: مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالَةِ، بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ. قُلْنَا: فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُقَلِّدِ، أَوْ يَتَسَلْسَلُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا. وَقِيلَ: بِشَرْطِ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ بِدَلِيلِهِ. لَنَا ; (فَاسْأَلُوا) وَهُوَ عَامٌّ فِيمَنْ لَا يُعْلَمُ. وَأَيْضًا لَمْ يَزَلِ الْمُسْتَفْتُونَ يَتَّبِعُونَ مِنْ غَيْرِ إِبْدَاءِ الْمُسْتَنَدِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. قَالُوا: يُؤَدِّي إِلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْخَطَأِ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْدَى لَهُ مُسْتَنَدَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي نَفْسُهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : الِاتِّفَاقُ عَلَى اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا وَالنَّاسُ مُسْتَفْتُونَ مُعَظِّمُونَ لَهُ، وَعَلَى امْتِنَاعِهِ فِي ضِدِّهِ، وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُهُ فِي الْمَجْهُولِ. لَنَا: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ. وَأَيْضًا: الْأَكْثَرُ الْجُهَّالُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْغَالِبِ، كَالشَّاهِدِ وَالرَّاوِي. قَالُوا: لَوِ امْتَنَعَ لِذَلِكَ، لَامْتَنَعَ فِيمَنْ عُلِمَ عِلْمُهُ دُونَ عَدَالَتِهِ. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُجْتَهِدِينَ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِذَا تَكَرَّرَتِ الْوَاقِعَةُ، لَمْ يَلْزَمْ تَكْرِيرُ النَّظَرِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ. لَنَا: اجْتَهَدَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ أَمْرٍ آخَرَ. قَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ. قُلْنَا: فَيَجِبُ تَكْرِيرُهُ أَبَدًا. ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ. لَنَا: لَوِ امْتَنَعَ، لَكَانَ لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَقَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ، وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ". قَالُوا: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ أَوْ حَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ» ".   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْإِلَهِيَّةَ وَالصِّفَاتِ الْقُدْسِيَّةَ الْمُنَزَّهَةَ عَنِ الشَّوَائِبِ الْحِسِّيَّةِ وَاللَّوَاحِقِ الْمَادِّيَّةِ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ النَّظَرُ وَاجِبًا، لَأَلْزَمَ الصَّحَابَةُ الْعَوَامَّ بِالنَّظَرِ. وَالتَّالِي بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلْزَامُ الْعَوَامِّ بِذَاكَ. أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوا الْعَوَامَّ بِالنَّظَرِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّظَرِ تَحْرِيرَ الْأَدِلَّةِ وَتَلْخِيصَهَا، وَالْجَوَابُ عَنِ الشُّبَهِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأَدِلَّةِ، كَمَا فَعَلَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لِلْمَعْرِفَةِ يَحْصُلُ بِأَيْسَرِ نَظَرٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ النَّظَرَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا، لَزِمَ الدَّوْرُ; وَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّظَرِ نَظَرِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النَّظَرِ، وَالنَّظَرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَهُوَ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ. الرَّابِعُ: أَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالِ، وَالْوُقُوعُ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالَةِ حَرَامٌ، وَمَظِنَّةُ الْحَرَامِ حَرَامٌ، فَيَكُونُ النَّظَرُ حَرَامًا، بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَظِنَّةً لِلْوُقُوعِ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَجَابَ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ النَّظَرُ حَرَامًا، يَلْزَمُ حُرْمَةُ التَّقْلِيدِ أَيْضًا ; وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ إِمَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى النَّظَرِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، يَلْزَمُ حُرْمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى النَّظَرِ، بَلِ اسْتَنَدَ إِلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ، تَسَلْسَلَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّقْلِيدَ إِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى النَّظَرِ، احْتَاجَ إِلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِدَ التَّقْلِيدُ إِلَى الْكَشْفِ وَالْمُشَاهَدَةِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا] ش - غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِغَيْرِ مَا تُقَلِّدُ فِيهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ التَّقْلِيدُ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ مِنْ تَقَلُّدِهِ بِدَلِيلِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . فَإِنَّهُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْعَامِّيَّ وَالْعَالِمَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ مَا يُقَلِّدُ فِيهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْمُسْتَفْتُونَ يَتَّبِعُونَ الْمُفْتِينَ مِنْ غَيْرِ إِبْدَاءِ الْمُفْتِينَ مُسْتَنَدَ اجْتِهَادِهِمْ لِلْمُسْتَفْتِينَ. وَشَاعَ وَذَاعَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ لِلْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ دَلِيلَ صِحَّةِ اجْتِهَادِهِ. الشَّارِطُونَ قَالُوا: لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ صِحَّةَ اجْتِهَادِهِ بِدَلِيلِهِ، لَأَدَّى إِلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْخَطَأِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مُسْتَنَدَ الِاجْتِهَادِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ خَطَأً. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ ; فَإِنَّهُ لَوْ أَبْدَى الْمُجْتَهِدُ لِلْمُقَلِّدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] سَنَدَهُ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ خَطَأً. فَإِنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ لَا يَنْدَفِعُ بِذِكْرِ السَّنَدِ. وَأَيْضًا: الْمُفْتِي نَفْسُهُ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِاجْتِهَادِهِ مَعَ جَوَازِ خَطَئِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] [مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ] ش - اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِفْتَاءِ مِمَّنْ عَرَفَهُ الْمُسْتَفْتِي بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ، أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا لِلْإِفْتَاءِ، وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَ مِنْهُ وَيُعَظِّمُونَ لَهُ وَلِإِفْتَائِهِ. وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى امْتِنَاعِ الِاسْتِفْتَاءِ فِي ضِدِّهِ، أَيْ مِمَّنْ عُرِفَ بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ الْعَدَالَةِ، وَلَمْ يَرَهُ مُنْتَصِبًا لِلَّافْتَاءِ، وَالنَّاسُ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ، وَلَا إِلَى إِفْتَائِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِفْتَاءِ مِنَ الْمَجْهُولِ، أَيِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ بِعِلْمٍ وَلَا جَهْلٍ. وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ الِاسْتِفْتَاءِ مِنْهُ. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ. وَبِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ الْجُهَّالُ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَجْهُولَ مِنَ الْغَالِبِ، إِلْحَاقًا لِلْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، كَالشَّاهِدِ وَالرَّاوِي، فَإِنَّهُمَا إِذَا جُهِلَ حَالُهُمَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا. وَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الِاسْتِفْتَاءِ مِنَ الْمَجْهُولِ، قَالُوا: لَوِ امْتَنَعَ الِاسْتِفْتَاءُ مِنَ الْمَجْهُولِ لِذَلِكَ، أَيْ لِلْجَهْلِ بِحَالِهِ، لَامْتَنَعَ الِاسْتِفْتَاءُ مِمَّنْ عُلِمَ عِلْمُهُ دُونَ عَدَالَتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَسْتَفْتُونَ مِمَّنْ عُلِمَ عِلْمُهُ وَجُهِلَ عَدَالَتُهُ. أَجَابَ بِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِفْتَاءُ مِمَّنْ عُلِمَ عِلْمُهُ وَجُهِلَ عَدَالَتُهُ. وَلَوْ سُلِّمَ الِاسْتِفْتَاءُ مِمَّنْ عُلِمَ عِلْمُهُ وَجُهِلَ عَدَالَتُهُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ. فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُجْتَهِدِينَ الْعَدَالَةُ، فَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ يُلْحَقُ بِالْعُدُولِ مِنْهُمْ إِلْحَاقًا لِلْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالِاجْتِهَادِ لَا يُلْحَقُ بِالْمُجْتَهِدِينَ ; لِأَنَّ الْغَالِبَ الْجُهَّالُ. [مَسْأَلَةٌ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْوَاقِعَةُ لَمْ يَلْزَمْ تَكْرِيرُ النَّظَرِ] ش - إِذَا اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِي وَاقِعَةٍ وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ تَكَرَّرَتْ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَكْرِيرُ النَّظَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ، وَاحْتُجَّ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ اجْتَهَدَ وَحَصَلَ الظَّنُّ بِمُقْتَضَى اجْتِهَادِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ أَمْرٍ آخَرَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ ثَانِيًا، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَكْرِيرُ النَّظَرِ. الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ تَكْرِيرِ النَّظَرِ عِنْدَ تَكْرِيرِ الْوَاقِعَةِ قَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَوَّلًا. فَيَجِبُ تَكْرِيرُ النَّظَرِ. أَجَابَ بِأَنَّ احْتِمَالَ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ لَوْ كَانَ مُوجِبًا لِوُجُوبِ تَكْرِيرِ النَّظَرِ، لَوَجَبَ تَكْرِيرُ النَّظَرِ أَبَدًا لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ. وَلَكِنْ لَمْ يَجِبْ تَكْرِيرُ النَّظَرِ أَبَدًا بِالِاتِّفَاقِ. [مَسْأَلَةٌ: خُلُوُّ الزَّمَانِ منْ المُجْتَهِدٍ] ش - يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنِ الْمُجْتَهِدِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنِ الْمُجْتَهِدِ لَمْ يَسْتَلْزِمْ مُحَالًا لِذَاتِهِ، فَلَوِ امْتَنَعَ، كَانَ امْتِنَاعُهُ لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ» ". . . إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 قُلْنَا: فَأَيْنَ نَفْيُ الْجَوَازِ؟ وَلَوْ سُلِّمَ فَدَلِيلُنَا أَظْهَرُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَتَعَارَضَانِ وَيُسَلَّمُ الْأَوَّلُ. قَالُوا: فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ اتِّفَاقَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْبَاطِلِ. قُلْنَا: إِذَا فُرِضَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ، لَمْ يُمْكِنْ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : إِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ، إِنْ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى الْمَأْخَذِ أَهْلًا لِلنَّظَرِ جَائِزٌ. وَقِيلَ: عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. لَنَا: وُقُوعُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، وَأَنْكَرَ مَنْ غَيْرُهُ. الْمُجَوِّزُ: نَاقِلٌ كَالْأَحَادِيثِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ النَّقْلِ. الْمَانِعُ: لَوْ جَازَ، لَجَازَ لِلْعَامِّيِّ. وَأُجِيبَ بِالدَّلِيلِ، وَبِالْفَرْقِ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ الْمَفْضُولَ. وَعَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ شُرَيْحٍ: الْأَرْجَحُ مُتَعَيِّنٌ. لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُفْتُونَ مَعَ الِاشْتِهَارِ وَالتَّكَرُّرِ وَلَمْ يُنْكَرْ. وَأَيْضًا: قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُمْكِنُهُ التَّرْجِيحُ لِقُصُورِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِالتَّسَامُعِ وَبِرُجُوعِ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: أَقْوَالُهُمْ كَالْأَدِلَّةِ، فَيَجِبُ التَّرْجِيحُ. قُلْنَا: لَا يُقَاوِمُ مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ سُلِّمَ، فَلِعُسْرِ تَرْجِيحِ الْعَوَامِّ. قَالُوا: الظَّنُّ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ أَقْوَى.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْعُلَمَاءِ. احْتَجَّ الْحَنَابِلَةُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي» ". . . إِلَى آخِرِهِ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنِ الْمُجْتَهِدِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ طَائِفَةٍ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنِ الْمُجْتَهِدِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " فَأَيْنَ نَفْيُ الْجَوَازِ؟ ". وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْحَدِيثَ دَالٌّ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ، فَدَلِيلُنَا أَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنِ الْعُلَمَاءِ. وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ ; لِأَنَّ الْقَائِمَ بِالْحَقِّ أَعَمُّ مِنَ الْمُجْتَهِدِ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ دَلِيلَنَا لَا يَكُونُ أَظْهَرَ، فَيَتَعَارَضَانِ، أَيْ دَلِيلُنَا وَدَلِيلُكُمْ، وَيَسْلَمُ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ عَنِ الْمُعَارِضِ. الثَّانِي: أَنَّ الِاجْتِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ اتِّفَاقَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْبَاطِلِ ; لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الِاجْتِهَادُ فِي عَصْرٍ تَكُونُ الْأُمَّةُ فِي هَذَا الْعَصْرِ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إِذَا فُرِضَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ، لَمْ يُمْكِنِ الِاجْتِهَادُ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ، لَا يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ. فَاتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى تَرْكِ الِاجْتِهَادِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] عَصْرٍ لَا يَكُونُ بَاطِلًا. [مَسْأَلَةٌ إِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ] ش - اخْتَلَفُوا فِي إِفْتَاءِ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ، إِذَا أَفْتَى بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ، كَالْفَقِيهِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ إِذَا أَفْتَى بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ إِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ إِذَا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَأْخَذِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ، أَهْلًا لِلنَّظَرِ فِيهَا بِأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْمَأْخَذِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَا يَجُوزُ إِفْتَاؤُهُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إِفْتَاءُ الْمُطَّلِعُ عَلَى الْمَأْخَذِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ إِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى الْمَأْخَذِ أَوْ لَا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ وَقَعَ الْإِفْتَاءُ مِنَ الْمُطَّلِعِ عَلَى الْمَأْخَذِ فِي الْأَعْصَارِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَنْكَرَ السَّلَفُ عَلَى إِفتَاءِ مَنْ لَيْسَ بِمُطَّلِعٍ عَلَى الْمَأْخَذِ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ إِفْتَاءِ الْمُطَّلِعِ وَعَدَمِ جَوَازِ إِفْتَاءِ غَيْرِ الْمُطَّلِعِ. احْتَجَّ الْمُجَوِّزُ مُطْلَقًا بِأَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ نَاقِلٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ، فَيُعْتَبَرُ نَقْلُهُ كَالْأَحَادِيثِ. أَجَابَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْإِفْتَاءِ بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَهُوَ غَيْرُ النَّقْلِ. أَمَّا لَوْ نَقَلَ وَقَالَ مَثَلًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَا، وَظَنَّ الْمُسْتَفْتِي صِدْقَهُ، جَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِنَقْلِهِ. الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ إِفْتَاءِ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ، قَالُوا: لَوْ جَازَ إِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ، لَجَازَ إِفْتَاءُ الْعَامِّيِّ ; لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مُجْتَهِدٍ. أَجَابَ بِأَنَّ الْجَوَازَ وَالِامْتِنَاعَ يَتْبَعَانِ الدَّلِيلَ، وَالدَّلِيلُ دَلَّ عَلَى جَوَازِ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ إِذَا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى الْمَأْخَذِ، أَهْلًا لِلنَّظَرِ، وَلَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] يَدُلَّ عَلَى جَوَازِ إِفْتَاءِ الْعَامِّيِّ. وَبِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الْمُطَّلِعَ عَلَى الْمَأْخَذِ الَّذِي لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ، يَبْعُدُ عَنْهُ الْخَطَأُ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى سَنَدِ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ. ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُقَلِّدَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْمَفْضُولَ عِنْدَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ تَقْلِيدَ الْأَرْجَحِ مُتَعَيِّنٌ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْمَفْضُولِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُفْتُونَ مَعَ اشْتِهَارِهِمْ بِالْمَفْضُولِيَّةِ، وَمَعَ تَكَرُّرِ الْإِفْتَاءِ مِنْهُمْ. وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ، وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمِ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» ". فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ بِأَنَّ تُرَجُّحَ الْأَرْجَحِ لِلتَّقْلِيدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَرْجِيحِ الْعَامِّيِّ، وَالْعَامِّيُّ لَا يُمْكِنُهُ التَّرْجِيحُ لِقُصُورِهِ. أَجَابَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَظْهَرُ بِالتَّسَامُعِ، وَرُجُوعِ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ وَإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ، وَهَذَا يُمْكِنُ لِلْعَامِّيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 قُلْنَا. تَقْرِيرُ مَا قَدَّمْتُمُوهُ. ص - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَرْجِعُ عَنْهُ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ اتِّفَاقًا. وَفِي حُكْمٍ آخَرَ، الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ. لَنَا: الْقَطْعُ بِوُقُوعِهِ، وَلَمْ يُنْكَرْ. فَلَوِ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَثَالِثُهَا كَالْأَوَّلِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ أَقْوَالَ الْمُفْتِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقَلِّدِ كَالْأَدِلَّةِ، فَكَمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ، وَجَبَ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يُقَاوِمُ مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا إِجْمَاعٌ وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يُقَاوِمُ الْإِجْمَاعَ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقِيَاسَ يُقَاوِمُ الْإِجْمَاعَ، فَالْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ يَقْدِرُ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَدِلَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالْعَامِّيُّ لَا يَقْدِرُ ; لِعُسْر ِ التَّرْجِيحِ عَلَى الْعَوَامِّ. الثَّانِي: أَنَّ الظَّنَّ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ بِقَوْلِ الْمَفْضُولِ، فَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُ الظَّنِّ الْأَقْوَى. أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا تَقْرِيرٌ لِلدَّلِيلِ السَّابِقِ، لَا دَلِيلَ آخَرَ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ اتِّفَاقًا] ش - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ إِذَا قَلَّدَ مُجْتَهِدًا فِي حُكْمٍ مِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَحْكَامِ، لَا يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ إِلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فِي حُكْمٍ آخَرَ أَوْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ الرُّجُوعُ إِلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فِي حُكْمٍ آخَرَ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَطْعَ حَاصِلٌ بِوُقُوعِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّ الْعَوَامَّ لَا يَزَالُونَ يُقَلِّدُونَ مُجْتَهِدًا فِي حُكْمٍ، وَيُقَلِّدُونَ غَيْرَهُ فِي حُكْمٍ آخَرَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ. أَمَّا لَوِ الْتَزَمَ الْعَامِّيُّ مَذْهَبًا، كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ إِمَامَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَيُقَلِّدَ غَيْرَهُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا لَمْ يُقَلِّدْ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ بَعْدُ، وَلَا يَجُوزُ فِي حُكْمٍ قَلَّدَهُ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَثَالِثُهَا كَالْأَوَّلِ. [الترجيح] [تعريف الترجيح] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الِاجْتِهَادِ، شَرَعَ فِي التَّرْجِيحِ، وَذَكَرَ أَوَّلًا حَدَّهُ، ثُمَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ، ثُمَّ أَقْسَامَهُ. وَالتَّرْجِيحُ هُوَ: اقْتِرَانُ الْأَمَارَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا. وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَمَارَةِ عَلَى مُعَارِضِهَا إِذَا رَجَحَتْ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدَّمُوا بَعْضَ الْآثَارِ عَلَى بَعْضٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 التَّرْجِيحُ ص - التَّرْجِيحُ. وَهُوَ اقْتِرَانُ الْأَمَارَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا لِلْقَطْعِ عَنْهُمْ بِذَلِكَ. وَأَوْرَدَ شَهَادَةَ أَرْبَعَةٍ مَعَ اثْنَيْنِ. وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِهِ، وَبِالْفِرَقِ، وَلَا تَعَارُضَ فِي قَطْعِيَّيْنِ، وَلَا فِي قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ ; لِانْتِفَاءِ الظَّنِّ. وَالتَّرْجِيحُ فِي الظَّنَّيْنِ مَنْقُولَيْنِ أَوْ مَعْقُولَيْنِ، أَوْ مَنْقُولٍ وَمَعْقُولٍ. ص - الْأَوَّلُ: فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ وَالْمَدْلُولِ وَفِي خَارِجٍ. الْأَوَّلُ: بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ لِقُوَّةِ الظَّنِّ، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ، وَبِزِيَادَةِ الثِّقَةِ، وَبِالْفِطْنَةِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالضَّبْطِ وَالنَّحْوِ، وَبِأَنَّهُ اشْتُهِرَ بِأَحَدِهَا بِاعْتِمَادِهِ عَلَى حِفْظِهِ لَا نُسْخَتِهِ وَعَلَى ذِكْرٍ لَا خَطٍّ، وَبِمُوَافَقَتِهِ عَمَلَهُ، وَبِأَنَّهُ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ فِي الْمُرْسَلِينَ، وَبِأَنْ يَكُونَ الْمُبَاشِرَ كَرَاوِيَةِ أَبِي رَافِعٍ: " «نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ» "، وَكَانَ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رِضِيَ اللَّهِ عَنْهُمَا: " «نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَرَامٌ» "، وَبِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ كَرِوَايَةِ مَيْمُونَةَ: " «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ» "، وَبِأَنْ يَكُونَ مُشَافِهًا كَرِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ بِرَيْرَةَ عُتِقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، عَلَى مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ حُرًّا ; لِأَنَّهَا عَمَّةُ الْقَاسِمِ، وَأَنْ يَكُونُ أَقْرَبَ عِنْدَ سَمَاعِهِ كَرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: «أَفْرَدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ تَحْتَ نَاقَتِهِ حِينَ لَبَّى» ، وَبِكَوْنِهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لِقُرْبِهِ غَالِبًا، أَوْ مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ، أَوْ مَشْهُورَ النَّسَبِ، أَوْ غَيْرَ مُلْتَبِسٍ بِمُضَعِّفٍ، وَبِتَحَمُّلِهَا بَالِغًا، وَبِكَثْرَةِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِنْهَا: أَنَّهُمْ قَدَّمُوا خَبَرَ عَائِشَةَ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ عَلَى خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» ، وَقَدَّمُوا خَبَرَ مَنْ رَوَى مِنْ أَزْوَاجِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصْبِحُ جُنْبًا وَهُوَ صَائِمٌ» ، عَلَى خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَعُورِضَ بِأَنَّ شَهَادَةَ أَرْبَعَةٍ رَاجِحَةٌ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ. فَلَوْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ، وَجَبَ تَقْدِيمُ أَرْبَعَةٍ عَلَى اثْنَيْنِ. أَجَابَ بِالْتِزَامِهِ، فَإِنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ يَجِبُ تَقْدِيمُ شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ. وَبِالْفَرْقِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ شُرِعَتْ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ، فَلَوِ اعْتُبِرَ التَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ، لَأَفْضَى إِلَى تَطْوِيلِ الْخُصُومَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهَا، بِخِلَافِ الْأَمَارَةِ. وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَطْعِيَّيْنِ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ بِالْإِيجَابِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ. فَلَوْ قَطَعَ بِالنَّفْيِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَطْعِ بِالْإِيجَابِ، يَلْزَمُ كَوْنُ النَّفْيِ أَيْضًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَلَا تَعَارُضَ أَيْضًا بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ ; لِانْتِفَاءِ الظَّنِّ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عِنْدَ الْقَطْعِ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] بَلِ التَّعَارُضُ إِنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الظَّنِّيَيْنِ. وَهُوَ إِمَّا فِي مَنْقُولِينَ أَوْ فِي مَعْقُولَيْنِ أَوْ فِي مَنْقُولٍ وَمَعْقُولٍ. [الترجيح بأمور تتعلق بالسند] ش - الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: التَّعَارُضُ بَيْنَ الْمَنْقُولِينَ، وَهُوَ إِمَّا فِي السَّنَدِ أَوْ فِي الْمَتْنِ أَوْ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ أَوْ فِي أَمْرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 الْمُزَكِّينَ أَوْ أَعْدَلِيَّتِهِمْ أَوْ أَوْثَقِيَّتِهِمْ. وَبِالصَّرِيحِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْعَمَلِ. وَبِالْمُتَوَاتِرِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ عَلَى الْمُرْسَلِ، وَمُرْسَلِ التَّابِعِيِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَبِالْأَعْلَى إِسْنَادًا، وَالْمُسْنَدِ عَلَى كِتَابٍ مَعْرُوفٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْكِتَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِمِثْلِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْمُسْتَنَدِ بِاتِّفَاقٍ عَلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَبِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ وَبِكَوْنِهِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، وَبِالسَّمَاعِ عَلَى مُحْتَمَلٍ، وَبِسُكُوتِهِ مَعَ الْحُضُورِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَبِوُرُودِ صِيغَةٍ فِيهِ عَلَى مَا فُهِمَ، وَبِمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَلَى الْآخَرِ فِي الْآحَادِ، وَبِمَا لَمْ يَثْبُتْ إِنْكَارٌ لِرُوَاتِهِ عَلَى الْآخَرِ. ص - الْمَتْنُ. النَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالنَّهْيُ بِمِثْلِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَالْأَقَلُّ احْتِمَالًا عَلَى الْأَكْثَرِ، وَالْحَقِيقَةُ عَلَى الْمَجَازِ، وَالْمَجَازُ عَلَى الْمَجَازِ بِشُهْرَةِ مُصَحِّحِهِ أَوْ قُوَّتِهِ، أَوْ قُرْبِ جِهَتِهِ أَوْ رُجْحَانِ دَلِيلِهِ أَوْ شُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ، وَالْمَجَازُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَشْهُرُ مُطْلَقًا، وَاللُّغَوِيُّ الْمُسْتَعْمَلُ شَرْعًا عَلَى الشَّرْعِيِّ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ الشَّرْعِيِّ، وَبِتَأْكِيدِ الدَّلَالَةِ، وَيُرَجَّحُ فِي الِاقْتِضَاءِ بِضَرُورَةِ الصِّدْقِ عَلَى ضَرُورَةِ وُقُوعِهِ شَرْعًا، وَفِي الْإِيمَاءِ بِانْتِفَاءِ الْعَبَثِ أَوِ الْحَشْوِ عَلَى غَيْرِهِ، وَبِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالِاقْتِضَاءِ عَلَى الْإِشَارَةِ، وَعَلَى الْإِيمَاءِ وَعَلَى الْمَفْهُومِ، وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَاصِّ لِكَثْرَتِهِ، وَالْخَاصُّ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ، وَالْعَامُّ لَمْ يُخَصَّصْ عَلَى مَا خُصَّ. وَالتَّقْيِيدُ كَالتَّخْصِيصِ، وَالْعَامُّ الشَّرْطِيُّ عَلَى النَّكِرَةِ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] خَارِجٍ. الْأَوَّلُ: وَهُوَ التَّعَارُضُ فِي السَّنَدِ، وَالتَّرْجِيحُ فِيهِ إِمَّا بِأُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الرَّاوِي، أَوْ بِحَالِ الرِّوَايَةِ، أَوْ بِحَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ. الْأَوَّلُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِحَالِ الرَّاوِي، وَهُوَ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الرُّوَاةِ مُرَجِّحَةٌ لِقُوَّةِ الظَّنِّ بِهَا، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ. وَبِزِيَادَةِ الثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ، وَبِزِيَادَةِ الْفِطْنَةِ، وَبِزِيَادَةِ الْوَرَعِ، وَبِزِيَادَةِ الْعِلْمِ، وَبِزِيَادَةِ الضَّبْطِ، وَبِزِيَادَةِ عِلْمِ النَّحْوِ، وَبِأَنْ يَكُونَ أُشْهِرَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ السِّتَّةِ، وَبِاعْتِمَادِ الرَّاوِي عَلَى حِفْظِهِ لَا عَلَى نُسْخَةٍ سَمِعَ مِنْهَا. وَبِاعْتِمَادِهِ عَلَى ذِكْرٍ لَا عَلَى خَطٍّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الرَّاوِي حَالَ الرَّاوِيَةِ ذَاكِرًا لِلرِّوَايَةِ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ فِي ذَلِكَ عَلَى خَطِّهِ أَوْ خَطٍّ آخَرَ، وَبِمُوَافَقَةِ الْخَبَرِ عَمَلَ الرَّاوِي ; لِأَنَّ خَبَرَ مَنْ عَمِلَ بِمُوَافَقَتِهِ أَبْعَدُ مِنَ الْكَذِبِ مِنْ خَبَرِ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ عَمَلُهُ خَبَرَهُ، وَبِأَنَّهُ عُرِفَ مِنْ حَالِ الرَّاوِي أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ فِي الْمُرْسَلِينَ. وَبِأَنْ يَكُونَ الرَّاوِي مُبَاشِرًا لِمَا رَوَى، كَرَاوِيَةِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَلَالٌ» ، أَيْ غَيْرُ مُحْرِمٍ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ سَفِيرًا بَيْنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ مَيْمُونَةَ، فَإِنَّهُ رُجِّحَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَبِأَنْ يَكُونَ الرَّاوِي صَاحِبَ الْقِصَّةِ، كَرَاوِيَةِ مَيْمُونَةَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ» . فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ; لِكَوْنِ صَاحِبِ الْقِصَّةِ أَعْرَفَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَبِأَنْ يَكُونَ الرَّاوِي مُشَافِهًا فِيمَا سَمِعَ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ حِجَابٌ، كَرِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنْ بَرِيرَةَ عُتِقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ حُرًّا ; لِأَنَّ الْقَاسِمَ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مُشَافَهَةً ; لِأَنَّ عَائِشَةَ عَمَّتُهُ، بِخِلَافِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ. وَبِأَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَقْرَبَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ عِنْدَ سَمَاعِ مَا يَرْوِيهِ، كَرَاوِيَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَفْرَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ لَبَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] رَوَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَنَ. وَبِكَوْنِ الرَّاوِي مَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لِقُرْبِ الْأَكْبَرِ غَالِبًا مِنَ النَّبِيِّ دُونَ الْأَصْغَرِ. وَبِكَوْنِ الرَّاوِي مُتَقَدِّمَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ عَنْهُ أَبْعَدُ، أَوْ بِكَوْنِهِ مَشْهُورَ النَّسَبِ، أَوْ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُلْتَبِسٍ فِي الِاسْمِ بِضَعِيفٍ طَعَنَ فِيهِ، وَبِتَحَمُّلِ الرَّاوِي الرِّوَايَةَ حَالَةَ الْبُلُوغِ لِزِيَادَةِ ضَبْطِ الْبَالِغِ وَاحْتِيَاطِهِ، وَبِكَثْرَةِ مُزَكِّي الرَّاوِي، أَوْ بِأَعْدَلِيَّتِهِمْ أَوْ أَوْثَقِيَّتِهِمْ بِالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِ، وَبِتَصْرِيحِ الْمُزَكِّينَ بِالتَّعْدِيلِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْحُكْمِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ تَزْكِيَةُ أَحَدِهِمَا بِصَرِيحِ الْقَوْلِ وَتَزْكِيَةُ الْآخَرِ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ. وَالتَّزْكِيَةُ بِالْحُكْمِ يُقَدَّمُ عَلَى التَّزْكِيَةِ بِالْعَمَلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ تَزْكِيَةُ أَحَدِهِمَا بِالْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، وَتَزْكِيَةُ الْآخَرِ بِالْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الثَّانِي: مَا يَتَعَلَّقُ بِحَالِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ التَّرْجِيحُ بِالْمُتَوَاتِرِ، فَإِنَّ الْمُتَوَاتِرَ يُرَجَّحُ عَلَى الْمُسْنَدِ ; لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ مَقْطُوعُ الْمَتْنِ، وَالْمُسْنَدَ مَظْنُونُهُ. وَالْمُسْنَدُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرْسَلِ، إِنْ قُبِلَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ، وَمُرْسَلُ التَّابِعِيِّ يُرَجَّحُ عَلَى مُرْسَلِ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ مُرْسَلَ التَّابِعِيِّ قَدْ تَرَكَ فِيهِ ذِكْرَ الصَّحَابِيِّ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ رِوَايَةُ التَّابِعِيِّ عَنِ الصَّحَابِيِّ، وَالظَّاهِرُ فِي الصَّحَابِيِّ الْعَدَالَةُ ; لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ. وَبِالْأَعْلَى إِسْنَادًا، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِقِلَّةِ الْوَسَائِطِ، فَإِنَّهَا أَبْعَدُ عَنِ الْكَذِبِ. الْمُسْنَدُ عَنْعَنَةً إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُرَجَّحُ عَلَى الَّذِي أُحِيلَ إِلَى كِتَابٍ مَعْرُوفٍ، وَيُرَجَّحُ أَيْضًا عَلَى حَدِيثٍ مَشْهُورٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَيُرَجَّحُ مَا فِي كِتَابٍ مَعْرُوفٍ مُعْتَبَرٍ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ تَمْنَعُ التَّغْيِيرَ فِي الْكِتَابِ الْمَعْرُوفِ. وَيُرَجَّحُ مَا فِي صَحِيحِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَى غَيْرِهِ ; فَإِنَّ الْمُسْنَدَ إِلَى كِتَابٍ مَشْهُورٍ بِالصِّحَّةِ أَوْلَى مِنَ الْمُسْنَدِ إِلَى كِتَابٍ غَيْرِ مَشْهُورٍ بِالصِّحَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ الْمُسْنَدُ بِاتِّفَاقٍ عَلَى الَّذِي اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مُسْنَدًا، وَيُرَجَّحُ بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الشَّيْخِ عَلَى الْحَاضِرِينَ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَتِهِمْ عَلَى الشَّيْخِ ; لِإِمْكَانِ ذُهُولِ الشَّيْخِ فِي الثَّانِي، وَيُرَجَّحُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُخْتَلَفِ رِوَايَتِهِ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُضْطَرِبُ الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا يَكُونُ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. الثَّالِثُ: يَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْمَرْوِيِّ، وَيُرَجَّحُ بِالسَّمَاعِ، فَإِنَّ الْمَسْمُوعَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُقَدَّمُ عَلَى مَا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَسْمُوعًا. وَيُرَجَّحُ بِكَوْنِهِ مَعَ الْحُضُورِ، فَإِنَّ الْمَرْوِيَّ الَّذِي جَرَى فِي حَضْرَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَاجِحٌ عَلَى مَا جَرَى فِي غَيْبَتِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَيُرَجَّحُ بِوُرُودِ صِيغَةٍ فِيهِ، فَإِنَّ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ صِيغَةُ لَفْظِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُقَدَّمُ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ فِعْلِهِ، مِثْلَ: سَهَا فَسَجَدَ. وَيُرَجَّحُ بِمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْآحَادِ، فَإِنَّ مَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى رَاجِحٌ عَلَى مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، إِذَا كَانَا مِنَ الْآحَادِ ; لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ مِنَ الْكَذِبِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ; لِأَنَّ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ بِنَقْلِ مَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ يُوهِمُ الْكَذِبَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ إِنْكَارٌ لِرُوَاتِهِ، فَإِنَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ إِنْكَارٌ لِرُوَاتِهِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا ثَبَتَ إِنْكَارٌ لِرُوَاتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِنْكَارُ إِنْكَارَ جُحُودٍ أَوْ إِنْكَارَ نِسْيَانٍ. [الترجيح بأمور تعود على المتن] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّرْجِيحِ بِأُمُورٍ عَائِدَةٍ إِلَى السَّنَدِ، شَرَعَ فِي التَّرْجِيحِ بِأُمُورٍ تَعُودُ إِلَى الْمَتْنِ. فَالنَّهْيُ يُرَجَّحُ عَلَى الْأَمْرِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَمْرِ حُصُولُ الْمَصْلَحَةِ، وَمِنَ النَّهْيِ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، وَالِاهْتِمَامُ بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ أَشَدُّ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِحُصُولِ الْمَصَالِحِ ; وَلِأَنَّ مَحَامِلَ النَّهْيِ، وَهِيَ الْحُرْمَةُ أَوِ الْكَرَاهَةُ، أَقَلُّ مِنْ مَحَامِلِ الْأَمْرِ، وَهِيَ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ. وَكُلَّمَا كَانَ الْمَحَامِلُ أَقَلَّ، كَانَ أَبْعَدَ عَنِ الِاضْطِرَابِ. وَالْأَمْرُ يُرَجَّحُ عَلَى الْإِبَاحَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ لَوْ قُدِّمَ الْإِبَاحَةُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ ; لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّمَ الْأَمْرُ، لَمْ يُحْتَمَلِ الضَّرَرُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ. وَمَنْ رَجَّحَ الْإِبَاحَةَ عَلَى الْأَمْرِ، نَظَرَ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ احْتَمَلَ عِدَّةَ مَعَانٍ، بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ، فَكَانَتِ الْإِبَاحَةُ أَقَلَّ احْتِمَالًا، فَيُرَجَّحُ عَلَى الْأَمْرِ لِقِلَّةِ الِاحْتِمَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 الْمَنْفِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَالْمَجْمُوعُ بِاللَّامِ وَمَنْ وَمَا عَلَى الْجِنْسِ بِاللَّامِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى النَّصِّ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَا بَعْدِهِ فِي الظَّنِّيِّ. ص - الْمَدْلُولُ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ النَّهْيُ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِمِثْلِ مَا قِيلَ فِي تَرْجِيحِ الْأَمْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَيُرَجَّحُ الْأَقَلُّ احْتِمَالًا عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِمَالًا لِمَا مَرَّ. وَمَا كَانَ أَلْفَاظُهُ حَقِيقَةً رَاجِحَةً عَلَى مَا كَانَتْ أَلْفَاظُهُ مَجَازًا ; لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَقِلَّةً بِالْإِفَادَةِ، دُونَ الْمَجَازِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَرِينَةِ، وَالْمَجَازُ يُرَجَّحُ عَلَى الْمَجَازِ بِسَبَبِ شُهْرَةِ مُصَحِّحِ ذَلِكَ الْمَجَازِ. وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ أَشْهَرَ مِنَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْمَجَازِ الْآخَرِ وَالْحَقِيقَةِ، مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَابِ الْمُشَابَهَةِ، وَالْآخَرُ مِنْ بَابِ اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ. أَوْ بِقُوَّةِ مُصَحِّحِهِ، بِأَنْ يَكُونَ مُصَحِّحُ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ أَقْوَى مِنْ مُصَحِّحِ الْآخَرِ، كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَبِالْعَكْسِ، فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُصَحَّحَةَ فِي الْأَوَّلِ أَقْوَى مِنَ الْعَلَاقَةِ الْمُصَحَّحَةِ فِي الثَّانِي، أَوْ بِقُرْبِ جِهَةِ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ إِلَى الْحَقِيقَةِ، كَحَمْلِ نَفْيِ الذَّاتِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ، أَوْ يَكُونُ دَلِيلُ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ رَاجِحًا عَلَى دَلِيلِ الْمَجَازِ الْآخَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ فِي أَحَدِهِمَا قَطْعِيَّةً، وَفِي الْآخَرِ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ. أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ مَشْهُورَ الِاسْتِعْمَالِ وَالْآخِرُ غَيْرَ مَشْهُورٍ، وَيُرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْمَجَازِ، وَيُرَجَّحُ الْأَشْهُرُ مُطْلَقًا عَلَى غَيْرِ الْأَشْهُرِ. وَإِنَّمَا قَالَ: مُطْلَقًا ; لِيَتَنَاوَلَ التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْحَقِيقَتَيْنِ إِذَا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَشْهَرَ، وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إِذَا كَانَ الْمَجَازُ أَشْهَرَ مِنَ الْحَقِيقَةِ. وَفِي رُجْحَانِ الْمَجَازِ الْأَشْهَرِ عَلَى الْحَقِيقَةِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ أَشْهَرَ، لَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. وَالْحَقِيقَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ شُهْرَةً، لَكِنَّهَا تُرَجَّحُ بِأَنَّهَا الْأَصْلُ. وَيُرَجَّحُ اللَّفْظُ اللُّغَوِيُّ الْمُسْتَعْمَلُ شَرْعًا فِي مَفْهُومِهِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الْمَنْقُولِ الشَّرْعِيِّ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ اللُّغَةَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى، وَفِي الشَّرْعِ لِمَعْنًى آخَرَ، فَإِنَّ الْمَعْهُودَ مِنَ الشَّرْعِ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِتَأْكِيدِ الدَّلَالَةِ، مِثْلَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ خَاصًّا عُطِفَ عَلَى عَامٍّ تَنَاوَلَهُ، وَالْمُعَارِضُ الْآخَرُ خَاصًّا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْخَاصَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْعَامِّ آكَدُ دَلَالَةً بِدَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ، مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] . وَيُرَجَّحُ فِي الِاقْتِضَاءِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ الصِّدْقِ، مِثْلَ: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» " عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ وُقُوعِهِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا. مِثْلَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، أَوْ صَعِدْتُ السَّطْحَ ; لِأَنَّ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْلَى مِمَّا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُقُوعُهُ الشَّرْعِيُّ أَوِ الْعَقْلِيُّ، نَظَرًا إِلَى بُعْدِ الْكَذِبِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ. وَيُرَجَّحُ فِي الْإِيمَاءِ مَا لَوْلَاهُ، لَكَانَ فِي الْكَلَامِ عَبَثٌ وَحَشْوٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَقْسَامِ الْإِيمَاءِ. مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّارِعُ مَعَ الْحُكْمِ وَصْفًا لَوْ لَمْ يُعَلَّلِ الْحُكْمُ بِهِ، لَكَانَ ذِكْرُهُ عَبَثًا أَوْ حَشْوًا. فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْإِيمَاءِ بِمَا رُتِّبَ فِيهِ الْحُكْمُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ ; لِأَنَّ نَفْيَ الْعَبَثِ وَالْحَشْوِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ أَوْلَى. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ فِي الْمَفْهُومِ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ رَاجِحٌ عَلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى مَفْهُومِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْمُخَالَفَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ. وَيُرَجَّحُ الِاقْتِضَاءُ عَلَى الْإِشَارَةِ وَعَلَى الْإِيمَاءِ وَعَلَى الْمَفْهُومِ، أَمَّا تَرْجِيحُهُ عَلَى الْإِشَارَةِ، فَلِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ مَقْصُودٌ بِإِيرَادِ اللَّفْظِ صِدْقًا أَوْ حُصُولًا، وَيَتَوَقَّفُ الْأَصْلُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ بِإِيرَادِ اللَّفْظِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الْأَصْلُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ عَلَى الْإِيمَاءِ، فَلِأَنَّ الْإِيمَاءَ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِإِيرَادِ اللَّفْظِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَوَقَّفِ الْأَصْلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ، فَلِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ مَقْطُوعٌ بِثُبُوتِهِ، وَالْمَفْهُومَ مَظْنُونٌ ثُبُوتُهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِالِاقْتِضَاءِ. وَيُرَجَّحُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَاصِّ ; لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ كَثِيرٌ، وَتَأْوِيلُ الْخَاصِّ لَيْسَ بِكَثِيرٍ ; وَلِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْبَعْضِ، تَعَيَّنَ كَوْنُ الْبَاقِي مُرَادًا، وَإِذَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ الْخَاصَّ غَيْرُ مُرَادٍ، لَمْ يَتَعَيَّنْ هَذَا التَّأْوِيلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ، وَيُرَجَّحُ الْخَاصُّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الْخَاصَّ أَقْوَى دَلَالَةً مِنَ الْعَامِّ، فَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. وَيُرَجَّحُ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصُ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي خُصِّصَ ; لِأَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً، بِخِلَافِ الْعَامِّ الْبَاقِي عَلَى مَفْهُومِهِ. وَحُكْمُ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ حُكْمُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَيُرَجَّحُ الْعَامُّ الشَّرْطِيُّ، كَمَنْ وَمَا، عَلَى النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَعَلَى غَيْرِهَا، كَالْمُحَلَّى بِاللَّامِ ; لِأَنَّ إِلْغَاءَ الْعَامِّ الشَّرْطِيِّ يُوجِبُ إِلْغَاءَ السَّبَبِيَّةَ الْحَاصِلَةَ بِالشَّرْطِ أَيْضًا، وَإِلْغَاءَ الْعَامِّ الْغَيْرِ الشَّرْطِيِّ لَا يُوجِبُ - غَيْرَ إِلْغَائِهِ - مَفْسَدَةً أُخْرَى، فَكَانَ أَوْلَى. وَيُرَجَّحُ الْمَجْمُوعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ، وَمِنْ وَمَا، عَلَى الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ ; لِأَنَّ الْجِنْسَ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ اخْتَلَفَ الْمُحَقِّقُونَ فِي عُمُومِهِ، بِخِلَافِ الْمَجْمُوعِ بِاللَّامِ وَمَنْ وَمَا. وَيُرَجَّحُ الْإِجْمَاعُ عَلَى النَّصِّ ; لِعَدَمِ قَبُولِ الْإِجْمَاعِ النَّسْخَ. وَيُرَجَّحُ الْإِجْمَاعُ الظَّنِّيُّ عَلَى إِجْمَاعٍ آخَرَ ظَنِّيٍّ وَقَعَ بَعْدَهُ ; لِقُرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ عَهْدِ الرَّسُولِ، وَهُوَ يُوجِبُ قُوَّةَ الظَّنِّ. [الترجيح العائد إلى المدلول] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الْمَتْنِ، شَرَعَ فِي التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الْمَدْلُولِ. يُرَجَّحُ الْحَظْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ ; لِأَنَّ فِعْلَ الْحَظْرِ يَسْتَلْزِمُ مَفْسَدَةً، بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهَا وَتَرْكِهَا مَصْلَحَةٌ وَلَا مَفْسَدَةٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إِلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» ". وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، أَيْ يُرَجَّحُ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْحَظْرِ ; لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْحَرَجِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 الْحَظْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ. وَعَلَى النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ ; لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفَاسِدِ أَهَمُّ. وَعَلَى الْكَرَاهَةِ، وَالْوُجُوبِ عَلَى النَّدْبِ. وَالْمُثْبَتُ عَلَى النَّافِي، كَخَبَرِ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى» . وَقَالَ أُسَامَةُ: «دَخَلَ وَلَمْ يُصَلِّ» . وَقِيلَ: سَوَاءٌ. وَالدَّارِئُ عَلَى الْمُوجِبِ. وَالْمُوجِبُ لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِمُوَافَقَتِهِ النَّفْيَ، وَقَدْ يُعْكَسُ لِمُوَافَقَتِهِ التَّأْسِيسَ. وَالتَّكْلِيفِيُّ عَلَى الْوَضْعِيِّ بِالثَّوَابِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وَقَدْ يُعْكَسُ. وَالْأَخَفُّ عَلَى الْأَثْقَلِ، وَقَدْ يُعْكَسُ. ص - الْخَارِجُ. يُرَجَّحُ الْمُوَافِقُ لِدَلِيلٍ آخَرَ، أَوْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ لِلْخُلَفَاءِ أَوْ لِلْأَعْلَمِ، وَيُرَجِّحَانِ أَحَدَ دَلِيلَيِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَبِالتَّعَرُّضِ لِلْعِلَّةِ، وَالْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فِي السَّبَبِ، وَالْعَامُّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَالْخِطَابُ شِفَاهًا مَعَ الْعَامِّ كَذَلِكَ، وَالْعَامُّ لَمْ يُعْمَلْ فِي صُورَةٍ عَلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، وَالْعَامُّ بِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالْمَقْصُودِ، مِثْلَ:   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ الْحَظْرُ عَلَى النَّدْبِ ; لِأَنَّ النَّدْبَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَالْحَظْرَ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ، وَدَفْعُ الْمَفَاسِدِ أَهَمُّ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ. وَيُرَجَّحُ الْحَظْرُ عَلَى الْكَرَاهَةِ ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ» ". . . إِلَى آخِرِهِ. وَيُرَجَّحُ الْحَظْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ أَهَمُّ. وَيُرَجَّحُ الْوُجُوبُ عَلَى النَّدْبِ ; لِأَنَّ مَعَ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ يَحْتَرِزُ الْمُكَلَّفُ عَنِ التَّرْكِ الَّذِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّارِكُ مَذْمُومًا بِسَبَبِهِ، بِخِلَافِ اعْتِقَادِ النَّدْبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَرِزُ الْمُكَلَّفُ عَنِ التَّرْكِ. وَيُرَجَّحُ الْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي ; لِاشْتِمَالِ الْمُثْبِتِ عَلَى مَزِيدِ فَائِدَةٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنَ النَّافِي، كَخَبَرِ بِلَالٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى» . وَقَالَ أُسَامَةُ: «إِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ وَلَمْ يُصَلِّ» . وَقِيلَ: الْمُثْبِتُ وَالنَّافِي سَوَاءٌ، لَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ; لِأَنَّ النَّافِيَ يَقْوَى بِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ. وَيُرَجَّحُ الدَّارِئُ أَيِ الدَّافِعُ لِلْحَدِّ عَلَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ ; لِأَنَّ الدَّارِئَ يُوَافِقُ النَّفْيَ الْأَصْلِيَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبَهَاتِ» . وَيُرَجَّحُ الْمُوجِبُ لِلطَّلَاقِ وَالْمُوجِبُ لِلْعِتْقِ عَلَى النَّافِي لَهُمَا ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ يُوَافِقُ النَّفْيَ الْأَصْلِيَّ، أَعْنِي رَفْعَ الْقَيْدِ فَيَقْوَى بِهِ عَلَى النَّافِي لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَقَدْ يُعْكَسُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، أَيْ يُرَجَّحُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ عَلَى الدَّارِئِ، وَالنَّافِي لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عَلَى الْمُوجِبِ لَهُمَا ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ وَالنَّافِيَ لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ يُوَافِقُ التَّأْسِيسَ، وَمُوَافَقَةُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى مِنْ مُوَافَقَةِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ ; لِأَنَّ التَّأْسِيسَ يُفِيدُ فَائِدَةً زَائِدَةً. وَيُرَجَّحُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ عَلَى الْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ ; لِأَنَّ الثَّوَابَ يَحْصُلُ بِالتَّكْلِيفِيِّ دُونَ الْوَضْعِيِّ، وَقَدْ يُعْكَسُ، أَيْ يُرَجَّحُ الْحُكْمُ الْوَضْعِيُّ عَلَى التَّكْلِيفِ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ التَّكْلِيفِيَّ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُكَلِّفُ لِلْخِطَابِ وَتَمَكُّنُهُ مِنَ الْفِعْلِ. وَالْوَضْعِيُّ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَيُرَجَّحُ التَّكْلِيفِيُّ الْأَخَفُّ عَلَى الْأَثْقَلِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ; وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْإِسْلَامِ» ". وَقَدْ يُعْكَسُ، أَيْ يُرَجَّحُ الْأَثْقَلُ عَلَى الْأَخَفِّ ; لِأَنَّ الْأَثْقَلَ أَكْثَرُ ثَوَابًا ; لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «ثَوَابُكَ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكَ» ". [الترجيح العائد إلى أمر خارجي] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى الْمَدْلُولِ، شَرَعَ فِي التَّرْجِيحِ الْعَائِدِ إِلَى خَارِجٍ. وَهُوَ تَرْجِيحٌ بِأُمُورٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، لَا فِي وُجُودِهِ وَلَا فِي صِحَّتِهِ وَدَلَالَتِهِ. يُرَجَّحُ الدَّلِيلُ الْمُوَافِقُ لِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى دَلِيلٍ لَا يُوَافِقُهُ دَلِيلٌ آخَرُ ; لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنَ الدَّلِيلَيْنِ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ دَلِيلٍ وَاحِدٍ. وَيُرَجَّحُ الدَّلِيلُ الْمُوَافِقُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ لِعَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، أَوْ لِعَمَلِ الْأَعْلَمِ عَلَى غَيْرِهِ. فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَكْثَرُ صُحْبَةً، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْأَعْلَمُ أَحْفَظُ بِمَوَاقِعِ الْخَلَلِ وَأَعْرَفُ بِدَقَائِقِ الْأَدِلَّةِ. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ عَلَى دَلِيلِ التَّأْوِيلِ الْآخَرِ. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ بِالتَّعَرُّضِ لِعِلَّتِهِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يُتَعَرَّضْ لِعِلَّتِهِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تُعُرِّضَ لِعِلَّتِهِ أَفْضَى إِلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ ; لِأَنَّ النَّفْسَ لَهُ أَقْبَلُ بِسَبَبِ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] عَلَى (أَوْ مَا مَلَكَتْ) . وَبِتَفْسِيرِ الرَّاوِي بِفِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ، وَيَذْكُرُ السَّبَبَ، وَبِقَرَائِنِ تَأَخُّرِهِ كَتَأَخُّرِ الْإِسْلَامِ، أَوْ تَارِيخٍ مُضَيَّقٍ، أَوْ تَشْدِيدِهِ، لِتَأَخُّرِ التَّشْدِيدَاتِ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ الْعَامُّ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ عَلَى الْعَامِّ الْمُطْلَقِ فِي حُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ ; لِأَنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ عَلَى السَّبَبِ الْخَاصِّ كَالْخَاصِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ السَّبَبِ، وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ. وَيُرَجَّحُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ عَلَى الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فِي حُكْمِ غَيْرِ السَّبَبِ ; لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي عُمُومِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى السَّبَبِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي عُمُومِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ. وَالْخِطَابُ شِفَاهًا إِذَا عَارَضَ عَامًّا، لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ، فَيُرَجَّحُ الْخِطَابُ بِالْمُشَافَهَةِ فِيمَنْ خُوطِبَ شِفَاهًا، وَيُرَجَّحُ الْعَامُّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَنْ خُوطِبَ شِفَاهًا. وَيُرَجَّحُ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فِي صُورَةٍ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فِي صُورَةٍ إِهْمَالُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ، وَلَوْ عُمِلَ بِالْعَامِّ الَّذِي عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ، لَزِمَ إِهْمَالُ الْآخَرِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، أَيْ يُرَجَّحُ الْعَامُّ الَّذِي عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ فِي صُورَةٍ ; لِأَنَّ الْعَامَّ الْمَعْمُولَ بِهِ يَقْوَى بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ بِهِ. وَإِذَا تَعَارَضَ عَامَّانِ أَحَدُهُمَا أَمَسُّ بِالْمَقْصُودِ بِأَنْ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالْعَامُّ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ، فَالْعَامُّ الَّذِي هُوَ أَمَسُّ بِالْمَقْصُودِ يُرَجَّحُ عَلَى الْعَامِّ الْآخَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] مِثْلُ قَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ، فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] . فَإِنَّ الْأَوَّلَ قَدْ وَرَدَ فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِخِلَافِ الثَّانِي. وَيُرَجَّحُ الْحَدِيثُ الَّذِي فَسَّرَهُ الرَّاوِي بِفِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يُفَسِّرْهُ الرَّاوِي بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِاشْتِمَالِ الْأَوَّلِ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِذِكْرِ السَّبَبِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَ الرَّاوِي السَّبَبَ مَعَهُ رَاجِحٌ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ مَعَهُ ; لِأَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ اهْتِمَامِ الرَّاوِي بِالرِّوَايَةِ، وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِقَرَائِنِ تَأَخُّرِهِ، كَتَأَخُّرِ إِسْلَامِ الرَّاوِي ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُ رِوَايَةِ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ عَنْ إِسْلَامِهِ، بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْآخَرِ لِجَوَازِ تَقَدُّمِهَا عَلَى إِسْلَامِ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ، وَيُرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمُؤَرَّخُ بِتَارِيخٍ مُضَيَّقٍ عَلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ تَضْيِيقَ التَّارِيخِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ. وَكَذَا يُرَجَّحُ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِتَشْدِيدٍ ; لِأَنَّ التَّشْدِيدَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تَأَخُّرِهِ، فَإِنَّ التَّشْدِيدَ فِي آخِرِ عَهْدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالتَّخْفِيفَ فِي أَوَّلِ عَهْدِهِ. [الترجيح بين المعقولين] ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ التَّرْجِيحِ بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّرْجِيحِ بَيْنَ مَعْقُولَيْنِ. وَالْمَعْقُولَانِ إِمَّا قِيَاسَانِ أَوِ اسْتِدْلَالَانِ. وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَدْ يَكُونُ بِمَا يَعُودُ إِلَى أَصْلِهِ وَإِلَى فَرْعِهِ وَإِلَى مَدْلُولِهِ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ، وَإِلَى خَارِجٍ. وَالْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا يَعُودُ إِلَى أَصْلِهِ، عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَا يَعُودُ إِلَى حُكْمِهِ. وَالثَّانِي: مَا يَعُودُ إِلَى عِلَّتِهِ. وَمَا يَعُودُ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ: التَّرْجِيحُ بِالْقَطْعِ، فَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيهِ مَقْطُوعًا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَمْ يُقْطَعْ حُكْمُ أَصْلِهِ. الثَّانِي: التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، فَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي دَلِيلُ حُكْمِ أَصْلِهِ أَقْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا، عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ دَلِيلُ حُكْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 ص - الْمَعْقُولَانِ، قِيَاسَانِ أَوِ اسْتِدْلَالَانِ. فَالْأَوَّلُ أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ وَمَدْلُولُهُ وَخَارِجٌ. الْأَوَّلُ بِالْقَطْعِ، وَبِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَبِكَوْنِهِ لَمْ يُنْسَخْ بِاتِّفَاقٍ، وَبِأَنَّهُ عَلَى سَنَنِ الْقِيَاسِ وَبِدَلِيلٍ خَاصٍّ عَلَى تَعْلِيلِهِ. ص - وَبِالْقَطْعِ بِالْعِلَّةِ أَوْ بِالظَّنِّ الْأَغْلَبِ، وَبِأَنَّ مَسْلَكَهَا قَطْعِيٌّ، أَوْ أَغْلَبُ ظَنًّا، وَالسَّبْرُ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ لِتَضَمُّنِهِ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ، وَيُرَجَّحُ بِطَرِيقِ نَفْيِ الْفَارِقِ فِي الْقِيَاسَيْنِ، وَالْوَصْفُ الْحَقِيقِيُّ عَلَى غَيْرِهِ، وَالثُّبُوتُ عَلَى الْعَدَمِيِّ، وَالْبَاعِثَةُ عَلَى الْأَمَارَةِ، وَالْمُنْضَبِطَةُ وَالظَّاهِرَةُ وَالْمُتَّحِدَةُ عَلَى خِلَافِهَا، وَالْأَكْثَرُ تَعَدِّيًا وَالْمُطَّرِدَةُ عَلَى الْمَنْقُوضَةِ، وَالْمُنْعَكِسَةُ عَلَى خِلَافِهَا، وَالْمُطَّرِدَةُ فَقَطْ عَلَى الْمُنْعَكِسَةِ فَقَطْ، وَبِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْحِكْمَةِ مَانِعًا لَهَا عَلَى خِلَافِهِ، وَالْمُنَاسَبَةُ عَلَى الشَّبَهِيَّةِ، وَالضَّرُورِيَّةُ الْخَمْسَةُ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْحَاجِيَّةُ عَلَى التَّحْسِينِيَّةِ، وَالتَّكْمِيلِيَّةُ مِنَ الْخَمْسَةِ عَلَى الْحَاجِيَّةِ، وَالدِّينِيَّةُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ مَصْلَحَةُ النَّفْسِ، ثُمَّ النَّسَبُ، ثُمَّ الْعَقْلُ، ثُمَّ الْمَالُ، وَبِقُوَّةِ مُوجِبِ النَّقْضِ مِنْ مَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] الْأَصْلِ فِيهِ كَذَلِكَ. الثَّالِثُ: التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَمْ يُنْسَخْ بِاتِّفَاقٍ، فَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُ أَصْلِهِ بِاتِّفَاقٍ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي اخْتُلِفَ فِي نَسْخِ حُكْمِ أَصْلِهِ. الرَّابِعُ: التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ عَلَى سَنَنِ الْقِيَاسِ، فَالْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ حُكْمُ أَصْلِهِ جَارِيًا عَلَى سَنَنِ الْقِيَاسِ رَاجِحٌ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. الْخَامِسُ: التَّرْجِيحُ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ عَلَى تَعْلِيلِ حُكْمِ أَصْلِهِ، فَالْقِيَاسُ الَّذِي دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَعْلِيلِ حُكْمِ أَصْلِهِ، يُرَجَّحُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. [التَّرْجِيحِ بِأُمُورٍ تَعُودُ إِلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ] ش - بَعْدَ الْفَرَاغِ بِأُمُورٍ تَعُودُ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ شَرَعَ فِي التَّرْجِيحِ بِأُمُورٍ تَعُودُ إِلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ. يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْقَطْعِ بِالْعِلَّةِ، فَإِنَّ مَقْطُوعَ الْعِلَّةِ رَاجِحٌ عَلَى مَا هُوَ مَظْنُونٌ. وَكَذَلِكَ يُرَجَّحُ بِالظَّنِّ الْأَغْلَبِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْعِلَّتَيْنِ فِي الْقِيَاسَيْنِ مَظْنُونًا، لَكِنَّ وُجُودَهَا فِي أَحَدِهِمَا مَظْنُونٌ بِالظَّنِّ الْأَغْلَبِ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ مَسْلَكُ عِلَّتِهِ قَطْعِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَكَذَا يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ مَسْلَكُ عِلَّتِهِ مَظْنُونًا بِالظَّنِّ الْأَغْلَبِ عَلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي اسْتُنْبِطَ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالسَّبْرِ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي اسْتُنْبِطَ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالْمُنَاسَبَةِ لِتَضَمُّنِ السَّبْرِ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 عَلَى الضَّعْفِ وَالِاحْتِمَالِ، وَبِانْتِفَاءِ الْمُزَاحِمِ لَهَا فِي الْأَصْلِ، وَبِرُجْحَانِهَا عَلَى مُزَاحِمِهَا، وَالْمُقْتَضِيَةِ لِلنَّفْيِ عَلَى الثُّبُوتِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَبِقُوَّةِ الْمُنَاسَبَةِ وَالْعَامَّةِ فِي الْمُكَلَّفِينَ عَلَى الْخَاصَّةِ. ص - الْفَرْعُ يُرَجَّحُ بِالْمُشَارَكَةِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَعَيْنِ الْعِلَّةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَعَيْنِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْجِنْسَيْنِ، وَعَيْنِ الْعِلَّةِ خَاصَّةً عَلَى عَكْسِهِ، وَبِالْقَطْعِ بِهَا فِيهِ، وَيَكُونُ الْفَرْعُ بِالنَّصِّ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِطْرِيقِ نَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. فَالْقِيَاسُ الْمَقْطُوعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ رَاجِحٌ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا، وَكَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا بِالظَّنِّ الْأَغْلَبِ، رَاجِحٌ عَلَى الَّذِي يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا بِالظَّنِّ الْغَيْرِ الْأَغْلَبِ. وَيُرَجَّحُ الْوَصْفُ الْحَقِيقِيُّ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ. وَيُرَجَّحُ الْوَصْفُ الثُّبُوتِيُّ عَلَى الْعَدَمِيِّ. وَيُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْأَمَارَةِ. وَيُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْمُنْضَبِطَةُ وَالْعِلَّةُ الظَّاهِرَةُ وَالْعِلَّةُ الْمُتَّحِدَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُنْضَبِطَةِ وَالْخَفِيَّةِ وَالْمُتَعَدِّدَةِ. وَيُرَجَّحُ مَا هُوَ أَكْثَرُ تَعَدِّيًا عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ تَعَدِّيًا ; لِأَنَّ زِيَادَةَ التَّعَدِّي تُوجِبُ زِيَادَةَ الْفَائِدَةِ، فَهُوَ أَوْلَى. وَيُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْمُطَّرِدَةُ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَنْقُوضَةِ. وَيُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْمُنْعَكِسَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُنْعَكِسَةِ ; لِأَنَّ الِانْعِكَاسَ وَإِنْ لَمْ يُفِدِ الْعِلِّيَّةَ لَكِنْ يُقَوِّيهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ الْمُطَّرِدَةُ فَقَطْ عَلَى الْمُنْعَكِسَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّ الطَّرْدَ فِي الْعِلَلِ أَقْوَى مِنَ الْعَكْسِ، وَلِهَذَا اشْتَرَطَ فِي الْعِلِّيَّةِ الِاطِّرَادَ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الِانْعِكَاسَ. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِ وَصْفِهِ جَامِعًا لِلْحِكْمَةِ مَانِعًا لَهَا عَلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَيُرَجَّحُ قِيَاسُ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ ; لِزِيَادَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَلِيَّةِ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ، وَتُرَجَّحُ الضَّرُورِيَّةُ الْخَمْسَةُ، الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالنَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ، عَلَى غَيْرِهَا. وَيُرَجَّحُ مَا وَقَعَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي مَحَلِّ التَّحْسِينِ وَالتَّزْيِينِ. وَيُرَجَّحُ مَا وَقَعَ فِي مَحَلِّ التَّكْمِلَةِ مِنَ الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أُصُولِ الْحَاجَةَ. وَيُرَجَّحُ مِنْ أَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ الدِّينِيَّةُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ ; لِأَنَّ ثَمَرَةَ الدِّينِيَّةِ أَكْمَلُ الثَّمَرَاتِ، وَهِيَ السَّعَادَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، أَيْ تُرَجَّحُ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ عَلَى الدِّينِيَّةِ ; لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] حَقَّ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ النَّاسِ، وَلِهَذَا قُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ إِذَا اجْتَمَعَا. وَتُرَجَّحُ مَصْلَحَةُ النَّفْسِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ ; لِأَنَّ حِفْظَ الْبَاقِيَةِ لِأَجْلِ حِفْظِ النَّفْسِ، ثُمَّ النَّسَبُ يُرَجَّحُ عَلَى الْعَقْلِ ; لِأَنَّ حِفْظَ النَّسَبِ أَشَدُّ تَعَلُّقًا بِبَقَاءِ النَّفْسِ مِنْ حِفْظِ الْعَقْلِ، ثُمَّ الْعَقْلُ يُرَجَّحُ عَلَى الْمَالِ ; لِأَنَّ الْعَقْلَ مِلَاكُ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْمَالِ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ مِنْ وُجُودِ مَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ قَوِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي يَكُونُ مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ ضَعِيفًا ; لِأَنَّ قُوَّةَ مُوجِبِ النَّقْضِ دَلِيلٌ عَلَى قُوةِ الْعِلَّةِ الْمَنْقُوضَةِ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ مُحَقَّقًا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي يَكُونُ مُوجَبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ مُحْتَمَلًا. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي قَدِ انْتَفَى مُزَاحِمُ عِلَّتِهِ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا لَمْ يَنْتَفِ مُزَاحِمُ عِلَّتِهِ فِيهِ ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ مُزَاحِمِ الْعِلَّةِ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالْعِلَّةِ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ عِلَّتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مُزَاحِمِهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا لَا يَكُونُ عِلَّتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مُزَاحِمِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَتُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلنَّفْيِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلثُّبُوتِ ; لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَةَ لِلنَّفْيِ مُؤَيِّدَةٌ بِالْأَصْلِ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، أَيْ تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلثُّبُوتِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلنَّفْيِ ; لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَةَ لِلثُّبُوتِ تُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يُعْلَمْ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلنَّفْيِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَا عُلِمَ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمَا فَائِدَتُهُ شَرْعِيَّةٌ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِقُوَّةِ الْمُنَاسَبَةِ ; لِأَنَّ قُوَّةَ الْمُنَاسَبَةِ تُفِيدُ قُوَّةَ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يُكَوْنُ عِلَّتُهُ عَامَّةً فِي الْمُكَلَّفِينَ، أَيْ مُتَضَمِّنَةً لِمَصْلَحَةِ عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ، عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي يَكُونُ عِلَّتُهُ خَاصَّةً بِبَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ ; لِأَنَّ مَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ أَكْثَرَ أَوْلَى. [الترجيح الْعَائِدُ إِلَى الْفَرْعِ] ش - هَذَا هُوَ التَّرْجِيحُ الْعَائِدُ إِلَى الْفَرْعِ. يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ فَرْعُهُ مُشَارِكًا لِأَصْلِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَعَيْنِ الْعِلَّةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، أَيْ عَلَى مَا يَكُونُ فَرْعُهُ مُشَارِكًا لِأَصْلِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَجِنْسِ الْعِلَّةِ، وَفِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَعَيْنِ الْعِلَّةِ، وَبِالْعَكْسِ ; لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ كُلَّمَا كَانَتْ أَخَصَّ، كَانَ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] أَقْوَى. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ فَرْعُهُ مُشَارِكًا لِأَصْلِهِ فِي عَيْنِ أَحَدِهِمَا، أَيْ عَيْنِ الْعِلَّةِ أَوْ عَيْنِ الْحُكْمِ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي يَكُونُ فَرْعُهُ مُشَارِكًا لِأَصْلِهِ فِي الْجِنْسَيْنِ، أَيْ جِنْسِ الْعِلَّةِ وَجِنْسِ الْحُكْمِ لِمَا مَرَّ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ فَرْعُهُ مُشَارِكًا لِأَصْلِهِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ عَلَى عَكْسِهِ، أَيْ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي يَكُونُ فَرْعُهُ مُشَارِكًا لِأَصْلِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلُ الْحُكْمِ الْمُتَعَدِّي، فَاعْتِبَارُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي تَكُونُ الْعِلَّةُ فِي فَرْعِهِ مَقْطُوعًا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي يَكُونُ عِلَّتُهُ فِي الْفَرْعِ مَظْنُونَةً. وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ فِيهِ بِالنَّصِّ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفَرْعِ فِيهِ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ النَّصُّ بِقَوْلِهِ: " جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا " ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ، كَمَا مَرَّ فِي شَرْطِ حُكْمِ الْفَرْعِ. وَالتَّرْجِيحُ الْعَائِدُ إِلَى الْمَدْلُولِ، أَعَنَى حُكْمَ الْفَرْعِ، وَالْعَائِدُ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ، عَلَى قِيَاسِ مَا سَلَفَ، وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهُمَا. [تَرْجِيحِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ إِذَا تَعَارَضَا] ش - بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَرْجِيحِ الْمَعْقُولَيْنِ، شَرَعَ فِي تَرْجِيحِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ إِذَا تَعَارَضَا. إِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْمَنْقُولِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ خَاصًّا، وَدَلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمَنْطُوقِهِ يُرَجَّحُ عَلَى الْقِيَاسِ ; لِكَوْنِ الْمَنْقُولِ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقِيَاسِ ; وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ مُقَدِّمَاتُهُ أَقَلُّ، فَيَكُونُ أَقَلَّ خَلَلًا. وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ خَاصًّا وَدَلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَا بِمَنْطُوقِهِ، فَهُوَ يَقَعُ عَلَى دَرَجَاتٍ ; لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنَ الْمَنْقُولِ الَّذِي دَلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَا بِمَنْطُوقِهِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنَ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ، فَالتَّرْجِيحُ فِيهِ حَسَبُ مَا يَقَعُ لِلنَّاظِرِ، فَلَهُ أَنْ يَعْتَبِرَ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ وَمِنَ الْقِيَاسِ، وَيَأْخُذُ بِأَقْوَى الظَّنَّيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 ص - الْمَنْقُولُ وَالْمَعْقُولُ. يُرَجَّحُ الْخَاصُّ بِمَنْطُوقِهِ، وَالْخَاصُّ لَا بِمَنْطُوقِهِ دَرَجَاتٌ. وَالتَّرْجِيحُ فِيهِ حَسَبُ مَا يَقَعُ لِلنَّاظِرِ، وَالْعَامُّ مَعَ الْقِيَاسِ تَقَدَّمَ. ص - وَأَمَّا الْحُدُودُ السَّمْعِيَّةُ، فَتُرَجَّحُ بِالْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَيَكُونُ الْمُعَرَّفُ أَعْرَفُ، وَبِالذَّاتِيِّ عَلَى الْعَرَضِيِّ، وَبِعُمُومِهِ عَلَى الْآخَرِ لِفَائِدَتِهِ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، وَبِمُوَافَقَتِهِ النَّقْلَ الشَّرْعِيَّ أَوِ اللُّغَوِيَّ أَوْ قُرْبِهِ، وَبِرُجْحَانِ طَرِيقِ اكْتِسَابِهِ، وَبِعَمَلِ الْمَدِينَةِ، أَوِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوِ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْ وَاحِدًا، وَبِتَقْرِيرِ حُكْمِ الْحَظْرِ أَوْ حُكْمِ النَّفْيِ، وَبِدَرْءِ الْحَدِّ. وَيَتَرَكَّبُ مِنَ التَّرْجِيحَاتِ فِي الْمَرْكَبَاتِ وَالْحُدُودِ أُمُورٌ لَا تَنْحَصِرُ، وَفِيمَا ذُكِرَ إِرْشَادٌ لِذَلِكَ.   [الشرح] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ عَامًّا، فَحُكْمُهُ مَعَ الْقِيَاسِ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْخَبَرِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ. [تَرْجِيحِ الحدود السمعية بعضها على بعض] ش - الْأَمَارَاتُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى التَّصْدِيقَاتِ، كَمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ فِيهَا، وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، كَذَلِكَ الْحُدُودُ السَّمْعِيَّةُ يَقَعُ التَّعَارُضُ فِيهَا، وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. وَلَمَّا كَانَ التَّعَارُضُ وَالتَّرْجِيحُ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الْكَثِيرُ الْغَالِبُ فِي الشَّرْعِ، قَدَّمَهُ عَلَى التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ فِي الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْقَلِيلُ الْمَغْلُوبُ فِي الشَّرْعِ. وَالتَّرْجِيحُ فِي الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ إِمَّا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ. أَمَّا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، فَيَرْجِعُ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ بِالْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] لَا إِيهَامَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ، أَيْ عَلَى مَا يَكُونُ مَذْكُورًا بِأَلْفَاظٍ مَجَازِيَّةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ وَحْشِيَّةٍ. وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، فَيُرَجَّحُ التَّعْرِيفُ بِمُعَرَّفٍ أَعَرَفَ عَلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَيُرَجَّحُ التَّعْرِيفُ بِالذَّاتِيِّ عَلَى التَّعْرِيفِ بِالْعَرَضِيِّ. وَيُرَجَّحُ التَّعْرِيفُ بِعُمُومِ الْحَدِّ عَلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ مُتَنَاوِلًا لِمَحْدُودِ التَّعْرِيفِ الْآخَرِ وَزِيَادَةٍ. فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَحْدُودِ الْآخَرِ وَزِيَادَةٍ ; لِزِيَادَةِ فَائِدَتِهِ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ ; لِأَنَّ مَدْلُولَ الْأَخَصِّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَدْلُولَ الْأَعَمِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِيمَا زَادَ عَلَى مَدْلُولِ الْآخَرِ، وَالْمُتَّفَقُ عَلَى مَدْلُولِهِ أَوْلَى مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ، فَيُرَجَّحُ التَّعْرِيفُ الَّذِي يَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ أَوِ اللُّغَوِيِّ، أَوْ قَرِيبًا مِنَ النَّقْلِ الشَّرْعِيِّ أَوِ اللُّغَوِيِّ عَلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِرُجْحَانِ طَرِيقِ اكْتِسَابِهِ، بِأَنْ يَكُونَ طَرِيقُ اكْتِسَابِهِ قَطْعِيًّا، وَطَرِيقُ اكْتِسَابِ الْآخَرِ ظَنِّيًّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [الشرح] وَيُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، أَوْ عَمَلِ الْعُلَمَاءِ. وَيُرَجَّحُ أَيْضًا أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِعَمَلِ عَالِمٍ وَاحِدٍ. وَيُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ مُقَرِّرًا لِحُكْمِ الْحَظْرِ، أَوْ مُقَرِّرًا لِحُكْمِ النَّفْيِ. وَيُرَجَّحُ أَيْضًا أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِدَرْءِ الْحَدِّ، بِأَنْ يَلْزَمَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ دَرْءُ الْحَدِّ دُونَ الْعَمَلِ بِالْآخَرِ. وَيَتَرَكَّبُ مِنَ التَّرْجِيحَاتِ فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَالْحُدُودِ أُمُورٌ لَا تَنْحَصِرُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ أَوْ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ مُشْتَمِلًا عَلَى جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ أَوْ أَكْثَرَ، وَالْآخَرُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْأَقَلِّ، أَوْ مِثْلِهِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجِهَاتِ الْمُفْرَدَةِ إِرْشَادٌ لِمَا يَتَرَكَّبُ مِنْهَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْهَلَنَا لِلْإِتْمَامِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْكِرَامِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409