الكتاب: تحفة الفقهاء المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي (المتوفى: نحو 540هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1414 هـ - 1994 م.   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تحفة الفقهاء السمرقندي، علاء الدين الكتاب: تحفة الفقهاء المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي (المتوفى: نحو 540هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1414 هـ - 1994 م.   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] تحفة الْفُقَهَاء لعلاء الدّين السَّمرقَنْدِي 539 هـ وَهِي أصل «بَدَائِع الصَّنَائِع» للكاساني قَالَ اللكنوي: «ملك الْعلمَاء الكاساني، صَاحب الْبَدَائِع شرح تحفة الْفُقَهَاء: أَخذ الْعلم عَن عَلَاء الدّين مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي: صَاحب التُّحْفَة» . دَار الْكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الثَّانِيَة 1414 هـ - 1994 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَسلم الْحَمد لله حَمده، وَالصَّلَاة على رَسُوله " مُحَمَّد " أفضل عبيده، وعَلى آله وَأَصْحَابه من بعده. قَالَ الشَّيْخ الامام عَلَاء الدّين: مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي أَحْمد السَّمرقَنْدِي، رَحمَه الله تَعَالَى. اعْلَم أَن " الْمُخْتَصر " الْمَنْسُوب إِلَى الشَّيْخ أبي الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ (1) رَحمَه الله جَامع جملا من الْفِقْه مستعملة، بِحَيْثُ لَا ترَاهَا مدى الدَّهْر مُهْملَة: يهدي بهَا الرائض فِي أَكثر الْحَوَادِث والنوازل، ويرتقي بهَا المرتضا إِلَى أَعلَى المراقي والمنازل، وَلما عَمت رَغْبَة الْفُقَهَاء إِلَى هَذَا الْكتاب، طلب مني بَعضهم، من الاخوان والاصحاب، أَن أذكر فِيهِ بعض مَا ترك المُصَنّف من أَقسَام الْمسَائِل، وأوضح المشكلات مِنْهُ، بِقَوي من الدَّلَائِل، ليَكُون ذَرِيعَة إِلَى تَضْعِيف الْفَائِدَة، بالتقسيم وَالتَّفْصِيل، ووسيلة، بِذكر الدَّلِيل، إِلَى تَخْرِيج ذَوي التَّحْصِيل - فأسرعت فِي الاسعاف والاجابة، رَجَاء التَّوْفِيق، من الله تَعَالَى، فِي الاتمام والاصابة، وَطَمَعًا، من فَضله، فِي الْعَفو والغفران والانابة: فَهُوَ الْمُوفق للصَّوَاب والسداد، وَالْهَادِي إِلَى سبل الرشاد وسميته " تحفة الْفُقَهَاء "، إِذْ هِيَ هديتي لَهُم، لحق الصُّحْبَة والاخاء، عِنْد رجوعهم إِلَى مَوَاطِن الْآبَاء.   (1) هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حمدَان الْقَدُورِيّ، ولد سنة 362 هـ. وَتُوفِّي سنة 428 هـ. بِبَغْدَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 فليقبل هديتي هَذِه من شَاءَ كسب الْعِزّ والبهاء، وليذكرني بِصَالح الدُّعَاء، فِي الْحَيَاة وَالْمَمَات، فَهُوَ غرضي ونيتي، والاعمال بِالنِّيَّاتِ، وقابل الاعمال عَالم بالخفيات، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه: عَلَيْهِ توكلت، وَإِلَيْهِ أنيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 كتاب الطَّهَارَة اعْلَم أَن الطَّهَارَة شَرط جَوَاز الصَّلَاة وَهِي نَوْعَانِ حَقِيقِيَّة وحكمية أما الْحَقِيقِيَّة فَهِيَ الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة حَقِيقَة وَهِي أَنْوَاع ثَلَاثَة طَهَارَة الْبدن وطهارة الْمَكَان وطهارة الثِّيَاب وَأما الْحكمِيَّة فَهِيَ الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة حكما وَهِي نَوْعَانِ الْوضُوء وَالْغسْل عرفنَا فَرضِيَّة الطَّهَارَة بأنواعها بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} وَقَوله تَعَالَى {عَلَيْهِم مدرارا وَجَعَلنَا الْأَنْهَار} وَقَوله تَعَالَى {أَن طهرا بَيْتِي للطائفين} وَقَوله {وثيابك فطهر} وَأما السّنة فَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم وَقَالَ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 السَّلَام إِن تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة أَلا فبلوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْأمة فنبدأ بِالْوضُوءِ فَنَقُول إِنَّه يشْتَمل على الْغسْل وَالْمسح فالغسل هُوَ تسييل المَاء على الْعُضْو وَالْمسح هُوَ إِيصَال المَاء إِلَيْهِ والإمرار عَلَيْهِ لَا غير حَتَّى لَا يجوز الْوضُوء وَالْغسْل بِدُونِ التسييل فِي الْغسْل على جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَات إِلَّا رِوَايَة عَن أبي يُوسُف فَإِنَّهُ قَالَ لَو مسح عضوه ببلة دون التسييل جَازَ ثمَّ للْوُضُوء أَرْكَان وشروط وَسنَن وآداب أما الْأَركان فَأَرْبَعَة أَحدهَا غسل الْوَجْه مرّة وَاحِدَة قَوْله تَعَالَى {قرن مكناهم} وحد الْوَجْه قصاص الشّعْر إِلَى حِدة الذقن وَإِلَى شحمتي الْأذن وَهُوَ حد صَحِيح فَإِن الْوَجْه فِي اللُّغَة اسْم لما يواجه النَّاظر إِلَيْهِ فِي الْعَادة فَإِن كَانَ قبل نَبَات الشّعْر يجب غسل جَمِيعه وَإِذا نبت الشّعْر لَا يجب غسل مَا تَحْتَهُ عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم يجب غسل مَا تَحت الشعرة وإيصال المَاء إِلَى أصُول الشّعْر وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت اللِّحْيَة خَفِيفَة يجب غسل مَا تحتهَا وَإِن كَانَت كثيفة لَا يجب وعَلى هَذَا الِاخْتِلَاف إِيصَال المَاء إِلَى الشَّوَارِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 والحاجبين ثمَّ يجب غسل ظَاهر الشّعْر الَّذِي يوازي الذقن والخدين فِي أصح الرِّوَايَات لِأَنَّهُ قَائِم مقَام الْبشرَة وَالشعر المسترسل من الذقن لَا يجب غسله عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْه وَلَا قَائِم مقَامه والفرجة الَّتِي بَين العذار وَالْأُذن يجب غسلهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد خلافًا لأبي يُوسُف لِأَنَّهَا من جملَة حد الْوَجْه وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَعْرَة وَالثَّانِي غسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين مرّة وَاحِدَة عندنَا لقَوْله تَعَالَى {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} وَقَالَ زفر لَا يجب غسل الْمرْفقين وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْمرْفق عُضْو مركب من الساعد والعضد وَغسل الساعد وَاجِب وَغسل الْعَضُد غير وَاجِب وَلَا يُمكن التَّمْيِيز بَينهمَا فَيجب غسل الْكل احْتِيَاطًا وَالثَّالِث مسح الرَّأْس مرّة وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى {وامسحوا برؤوسكم} ) وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِقْدَار الْمَفْرُوض مِنْهُ فَعَن أَصْحَابنَا فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات فِي ظَاهر الرِّوَايَة مُقَدّر بِثَلَاثَة أَصَابِع الْيَد مُطلقًا والطَّحَاوِي مِقْدَار الناصية وَقَالَ مَالك مَا لم يمسح جَمِيع الرَّأْس أَو أَكْثَره لَا يجوز وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا مسح مِقْدَار مَا يُسمى مسحا جَازَ وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لقَوْله تَعَالَى {لم نمكن} وَالْمسح يكون بالآلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وَفِي اخْتِلَاف زفرو يَعْقُوب مُقَدّر بِربع الرَّأْس وَهُوَ قَول زفر وَذكر الْكَرْخِي وَآلَة الْمسْح هِيَ أَصَابِع الْيَد فِي الْعَادة فَيكون الْمسْح فِي الْغَالِب بأثرها وَهُوَ الثَّلَاث فَيصير تَقْدِير الْآيَة وامسحوا بِثَلَاث أَصَابِع أَيْدِيكُم برؤوسكم ثمَّ على قِيَاس ظَاهر الرِّوَايَة إِذا وضع ثَلَاث أَصَابِع وَلم يمدها جَازَ وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي النَّوَادِر وعَلى قِيَاس رِوَايَة الرّبع والناصية لَا يجوز لِأَنَّهُ أقل من ذَلِك وَلَو مسح بأصبع أَو بأصبعين صغيرتين ومدهما حَتَّى بلغ مِقْدَار الْفَرْض لم يجز عندنَا خلافًا لزفَر لِأَن المَاء يصير مُسْتَعْملا بِالْوَضْعِ وَالْمسح بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل لَا يجوز وَلَو مسح بأصبع وَاحِدَة ثَلَاث مَرَّات بِمَاء جَدِيد جَازَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة ثَلَاث أَصَابِع وَلَو مسح بإصبع وَاحِدَة بِبَطْنِهَا وظهرها وجانبيها جَازَ وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا لَا يجوز وَالصَّحِيح أَنه يجوز كَمَا لَو استنجى بِحجر لَهُ ثَلَاثَة أحرف وَهَكَذَا روى زفر عَن أبي حنيفَة وَالرَّابِع غسل الرجلَيْن مرّة وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وَهَذَا فرض عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بعض النَّاس الْفَرْض هُوَ الْمسْح لَا غير وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ يُخَيّر بَين الْغسْل وَالْمسح وَقَالَ بَعضهم إِنَّه يجمع بَينهمَا وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لِأَن الْعلمَاء أَجمعُوا على وجوب غسل الرجلَيْن بعد وجود الِاخْتِلَاف فِيهِ فِي السّلف وَالْإِجْمَاع الْمُتَأَخر يرفع الِاخْتِلَاف الْمُتَقَدّم ثمَّ يجب غسل الْكَعْبَيْنِ مَعَ الرجلَيْن عندنَا خلافًا لزفَر كَمَا فِي الْمرْفقين والكعبان هما العظمان الناتئان فِي أَسْفَل السَّاق عَلَيْهِ عرف النَّاس وَهَكَذَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي تَسْوِيَة الصُّفُوف ألصقوا الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب وَأما شَرَائِط الْوضُوء فنذكرها فِي موَاضعهَا إِن شَاءَ الله وَأما سنَن الْوضُوء فأحد وَعِشْرُونَ فعلا وَهِي أَنْوَاع ثَلَاثَة نوع يكون قبل الْوضُوء وَنَوع يكون عِنْد ابْتِدَائه وَنَوع يكون فِي خلاله أما الَّذِي يكون قبل الْوضُوء فواحد وَهُوَ الِاسْتِنْجَاء بالأحجار والأمدار وَمَا يقوم مقَامهَا فَأَما الَّذِي يكون عِنْد ابْتِدَاء الْوضُوء فَأَرْبَعَة أَحدهَا النِّيَّة وَعند الشَّافِعِي فرض وَفِي التَّيَمُّم فرض بِالْإِجْمَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وَالثَّانِي التَّسْمِيَة وَعند بَعضهم فرض وهم أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالثَّالِث غسل الْيَدَيْنِ إِلَى الرسغين لإدخالهما فِي الْإِنَاء احْتِرَازًا عَن توهم النَّجَاسَة وَالرَّابِع الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وَهُوَ كَانَ أدبا فِي عصر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَصَارَ سنة بعد عصره بِإِجْمَاع الصَّحَابَة كالتراويح فَأَما الَّذِي يكون فِي خلاله فستة عشر أَحدهمَا الْمَضْمَضَة وَالثَّانِي الِاسْتِنْشَاق وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَعند بَعضهم هما واجبان وَالثَّالِث التَّرْتِيب فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَهُوَ أَن يمضمض أَولا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق ثَلَاثًا يَأْخُذ لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَاء جَدِيدا فِي كل مرّة وَقَالَ الشَّافِعِي السّنة أَن يجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِمَاء وَاحِد ثَلَاث مَرَّات فَيَأْخُذ المَاء بكفه فيمضمض بِبَعْضِه ويستنشق بِبَعْضِه ثمَّ هَكَذَا فِي الْمرة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِع أَن يمضمض ويستنشق بِالْيَمِينِ وَقَالَ بَعضهم يمضمض بِيَمِينِهِ ويستنشق بيساره لِأَن الْيَسَار للأقذار وَالْخَامِس الْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا فِي حَالَة الصَّوْم لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ للقيط بن صبرَة بَالغ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا أَن تكون صَائِما فارفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَالسَّادِس أَن يستاك فِي حَال الْمَضْمَضَة تكميلا للإنقاء على مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام السِّوَاك مطهرة للفم ومرضاة للرب فَإِن لم يجد فيعالج فَمه بالإصبع والسواك أفضل وَالسَّابِع التَّرْتِيب فِي الْوضُوء وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّه فرض وَالثَّامِن الْمُوَالَاة فِي الْوضُوء وَهُوَ أَن لَا يشْتَغل بَين أَفعَال الْوضُوء بِعَمَل لَيْسَ مِنْهُ وَقَالَ مَالك إِنَّه فرض وَالتَّاسِع أَن يغسل أَعْضَاء الْوضُوء ثَلَاثًا ثَلَاثًا على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه تَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وضوء من يضعف الله لَهُ الْأجر مرَّتَيْنِ ثمَّ تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وضوئي ووضوء أمتِي ووضوء الْأَنْبِيَاء من قبلي ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم فَمن زَاد على ذَلِك أَو نقص فقد تعدى وظلم مَعْنَاهُ من زَاد على الثَّلَاث أَو نقص وَلم ير الثَّلَاث سنة والعاشر الْبدَاءَة بالميامن وَهِي سنة فِي الْوضُوء وَغَيره من الْأَعْمَال لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء حَتَّى التنعل والترجل وَالْحَادِي عشر الْبدَاءَة من رُؤُوس الْأَصَابِع فِي غسل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَالثَّانِي عشر تَخْلِيل الْأَصَابِع فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بعد إِيصَال المَاء إِلَى مَا بَين الْأَصَابِع والتخليل للْمُبَالَغَة سنة فَأَما إِيصَال المَاء إِلَى مَا بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الْأَصَابِع فَفرض وَالثَّالِث عشر الِاسْتِيعَاب فِي مسح الرَّأْس وَهُوَ سنة وَهُوَ أَن يمسح كُله وَعند مَالك فرض على مَا مر وَالرَّابِع عشر هُوَ الْبدَاءَة فِي الْمسْح من مقدم الرَّأْس كَيْفَمَا فعل وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ السّنة أَن يبْدَأ من الهامة فَيَضَع يَده عَلَيْهَا ويمدها إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ يُعِيدهَا إِلَى الْقَفَا وَالْخَامِس عشر أَن يمسح مرّة وَاحِدَة والتثليث مَكْرُوه وَقَالَ الشَّافِعِي السّنة هُوَ التَّثْلِيث وَالسَّادِس عشر أَن يمسح الْأُذُنَيْنِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء الرَّأْس لَا بِمَاء جَدِيد وَقَالَ الشَّافِعِي يمسح بِمَاء جَدِيد لَا بِمَاء الرَّأْس وَأما تَخْلِيل اللِّحْيَة فَهُوَ من الْآدَاب عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف سنة كَذَا ذكر مُحَمَّد فِي كتاب الْآثَار وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي مسح الرَّقَبَة قَالَ أَبُو بكر الْأَعْمَش إِنَّه سنة وَقَالَ أَبُو بكر الإسكاف إِنَّه أدب وَأما آدَاب الْوضُوء فكثيرة وَالْفرق بَين السّنة وَالْأَدب أَن السّنة مَا واظب عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَتْرُكهَا إِلَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ لِمَعْنى من الْمعَانِي وَالْأَدب مَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلم يواظب عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وَذَلِكَ نَحْو إِدْخَال الإصبع المبلولة فِي صماخ الْأُذُنَيْنِ وَكَيْفِيَّة مسح الرَّأْس وَكَيْفِيَّة إِدْخَال الْيَد فِي المَاء والإناء والدلك فِي غسل أَعْضَاء الْوضُوء وَالْغسْل أَن يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله عِنْد كل فعل من أَفعَال الْوضُوء والدعوات المأثورة عِنْد غسل كل عُضْو فِي الْغسْل وَالْوُضُوء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ورد فِي الْأَحَادِيث أَنه فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْوضُوء وَلم يواظب عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بَاب الْحَدث الْحَدث نَوْعَانِ حَقِيقِيّ وحكمي أما الْحَقِيقِيّ فَهُوَ خُرُوج النَّجس من الأدمِيّ الْحَيّ كَيْفَمَا كَانَ من السَّبِيلَيْنِ أَو من غَيرهمَا مُعْتَادا كَانَ أَو غير مُعْتَاد قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَهَذَا عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر هُوَ ظُهُور النَّجس من الأدمِيّ الْحَيّ وَقَالَ مَالك فِي قَول هُوَ خُرُوج النَّجس الْمُعْتَاد من السَّبِيل الْمُعْتَاد حَتَّى قَالَ إِن دم الِاسْتِحَاضَة لَيْسَ بِحَدَث لِأَنَّهُ عَارض غير مُعْتَاد وَقَالَ فِي قَول وَهُوَ قَول الشَّافِعِي هُوَ خُرُوج الشَّيْء من السَّبِيلَيْنِ لَا غير كَيْفَمَا كَانَ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن أبي إِمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغرفت لَهُ غرفَة فَأكل فجَاء الْمُؤَذّن فَقلت الْوضُوء يَا رَسُول الله فَقَالَ إِنَّمَا علينا الْوضُوء مِمَّا يخرج لَيْسَ مِمَّا يدْخل وَخُرُوج الطَّاهِر كالبزاق وَغَيره لَيْسَ بِحَدَث بِالْإِجْمَاع فَتعين خُرُوج النَّجس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 إِذا ثَبت هَذَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْخُرُوج من السَّبِيلَيْنِ أَو غير السَّبِيلَيْنِ فَإِن كَانَ من السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ حدث إِذا ظهر على رأسهما قل أَو كثر انْتقل وسال عَنهُ أم لَا لِأَنَّهُ وجد خُرُوج النَّجس من الْآدَمِيّ وَهُوَ انْتِقَال النَّجس من الْبَاطِن إِلَى الظَّاهِر وَذَلِكَ مثل الْبَوْل وَالْغَائِط وَالدَّم والمني والودي والمذي وَكَذَلِكَ كل مَا خرج من الْأَشْيَاء الطاهرة فِي أَنْفسهَا كَاللَّحْمِ والدودة وَالْولد والمحقنة وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء النَّجَاسَة وَأما الرّيح فَإِن خرجت من الدبر ينْقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وَإِن خرجت من قبل الْمَرْأَة أَو الرجل قَالَ بَعضهم إِن كَانَت مُنْتِنَة ينْقض الْوضُوء وَإِلَّا فَلَا وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه ينْقض وَلم يعْتَبر النتن وَكَذَا ذكر الْكَرْخِي فِي مُخْتَصره وروى الْقَدُورِيّ عَنهُ أَن خُرُوج الرّيح من قبل الرجل لَا يتَصَوَّر وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاج يَظُنّهُ ريحًا وَلكنهَا قد تخرج من قبل الْمَرْأَة فَإِن خرجت يسْتَحبّ لَهَا الْوضُوء وَلَا يجب وَقَالَ بَعضهم إِن كَانَت مفضاة يجب الْوضُوء وَإِن كَانَت غير مفضاة لَا يجب الْوضُوء وَأما إِذا كَانَ الْخُرُوج من غير السَّبِيلَيْنِ فَإِن كَانَ الْخَارِج طَاهِرا مثل الدمع والريق والمخاط والعرق وَاللَّبن وَنَحْوهَا لَا ينْقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ نجسا ينْقض الْوضُوء وَلَكِن إِنَّمَا يعرف الْخُرُوج هَهُنَا بالسيلان والانتقال عِنْد رَأس الْجرْح والقرح إِن سَالَ إِلَى مَوضِع يجب تَطْهِيره أَو يسن تَطْهِيره يكون حَدثا وَإِلَّا فَلَا لِأَن الْبدن مَحل الدَّم والرطوبات وَلَكِن لم يظْهر لقِيَام الْجلْدَة عَلَيْهِ فَإِذا انشقت الْجلْدَة ظهر فِي مَحَله فَمَا لم يسل عَن رَأس الْجرْح لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يصير خَارِجا وَذَلِكَ مثل دم الْجرْح والقيح والصديد من الْقرح وَالْمَاء الصافي الَّذِي خرج من البثرة وَهَذَا عندنَا وعَلى قَول زفر يكون حَدثا سَالَ أَو لم يسل لِأَن الْحَدث عِنْده ظُهُور النَّجَاسَة من الأدمِيّ وَقد ظَهرت وعَلى هَذَا الْقَيْء إِن كَانَ ملْء الْفَم ينْقض الْوضُوء وَإِن لم يكن ملْء الْفَم لَا ينْقض الْوضُوء وَلَا فرق بَين أَن يكون الْقَيْء طَعَاما أَو مَاء صافيا أَو مرّة صفراء أَو سَوْدَاء أَو غَيرهَا لِأَن الْفَم لَهُ حكم الظَّاهِر فَإِنَّهُ يجب غسله فِي الْغسْل وَلَا ينْتَقض الصَّوْم بالمضمضة فَإِذا وصل الْقَيْء إِلَيْهِ فقد وجد انْتِقَال النَّجس من الْجوف إِلَى الظَّاهِر فتحقق الْخُرُوج فَيكون حَدثا إِلَّا أَن الْقَلِيل لم يَجْعَل حَدثا بِاعْتِبَار الْجرْح إِذْ الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَن قَلِيل الْقَيْء بِسَبَب السعال وَغَيره وَلم يذكر تَفْسِير ملْء الْفَم فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن الْحسن بن زِيَاد أَنه قَالَ إِن عجز عَن إِمْسَاكه يكون ملْء الْفَم وَإِلَّا فَلَا وَعَن أبي عَليّ الدقاق أَنه قَالَ إِن مَنعه عَن الْكَلَام يكون ملْء الْفَم وَإِلَّا فَلَا وَأما إِذا قاء بلغما فَإِن نزل من الرَّأْس لَا يكون حَدثا لِأَنَّهُ لَا نَجَاسَة فِي جَوف الرَّأْس وَإِن خرج من الْبَطن فَإِن كَانَ صافيا لَيْسَ مَعَه شَيْء من الطَّعَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَغَيره فعلى قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يكون حَدثا وَإِن كَانَ ملْء الْفَم وعَلى قَول أبي يُوسُف يكون حَدثا إِن كَانَ ملْء الْفَم وَإِن كَانَ مخلوطا بِشَيْء من الطَّعَام وَغَيره فَالْأَصَحّ أَن يكون حَدثا بِالْإِجْمَاع وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَنَّهُ طَاهِر فِي نَفسه كالمخاط إِلَّا إِذا كَانَ مخلوطا بِشَيْء من الطَّعَام فَيظْهر أَنه خرج من الْجوف فينجس بمجاورة النَّجس وَإِمَّا إِذا قاء دَمًا فَلِمَنْ يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة صَرِيحًا وروى الْمُعَلَّى عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَنه ينْقض الْوضُوء قل أَو كثر جَامِدا كَانَ أَو مَائِعا وروى الْحسن عَنْهُمَا أَنه إِن كَانَ جَامِدا لَا ينْقض مَا لم يكن ملْء الْفَم وَإِن كَانَ مَائِعا ينْقض الْوضُوء وَإِن كَانَ يَسِيرا وَقَالَ مُحَمَّد إِن حكمه حكم الْقَيْء وَهُوَ الْأَصَح وَيجب أَن يكون هَذَا قَول جَمِيع أَصْحَابنَا إِنَّه ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير إِشَارَة إِلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِذا قلس أقل من ملْء فِيهِ لم ينْقض الْوضُوء وَلم يفصل بَين الدَّم وَغَيره هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حق الأصحاء فَأَما فِي حق صَاحب الْعذر كالمستحاضة وَصَاحب الْجرْح السَّائِل وَنَحْوهمَا فخروج النَّجس من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الأدمِيّ لَا يكون حَدثا مَا دَامَ وَقت الصَّلَاة قَائِما وَحَتَّى إِنَّه إِذا تَوَضَّأ فِي أول الْوَقْت لَهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل مَا لم يخرج الْوَقْت وَإِن دَامَ السيلان وَهَذَا عندنَا وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يتَوَضَّأ لكل صَلَاة فرضا كَانَ أَو نفلا وَقَالَ الشَّافِعِي يتَوَضَّأ لكل فرض وَله أَن يُصَلِّي من النَّوَافِل مَا شَاءَ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُسْتَحَاضَة تتوضأ لوقت كل صَلَاة ثمَّ طَهَارَتهَا تنْتَقض بِخُرُوج الْوَقْت لَا غير عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند زفر بِدُخُول الْوَقْت لَا غير وَعند أبي يُوسُف بِأَيِّهِمَا كَانَ وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي موضِعين أَحدهمَا أَن يُوجد خُرُوج الْوَقْت بِدُونِ الدُّخُول كَمَا إِذا تَوَضَّأت فِي وَقت الْفجْر ثمَّ طلعت الشَّمْس تنْتَقض طَهَارَتهَا عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر لَا تنْتَقض وَالثَّانِي أَن يُوجد الدُّخُول بِدُونِ الْخُرُوج كَمَا إِذا تَوَضَّأت قبل الزَّوَال ثمَّ زَالَت الشَّمْس لَا تنْتَقض طَهَارَتهَا على قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وعَلى قَول أبي يُوسُف وَزفر تنْتَقض ف زفر يعْتَبر دُخُول الْوَقْت وَقد دخل فينتقض وهما يعتبران الْخُرُوج وَلم يخرج فَلَا تنْتَقض طَهَارَتهَا فَأَما فِي غير هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فَكَمَا يخرج الْوَقْت يدْخل وَقت آخر فينتقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع على اخْتِلَاف الْأُصُول لَكِن هَذَا شَيْء ذكره مَشَايِخنَا للْحِفْظ ومدار الْخلاف على فقه ظَاهر يعرف فِي الْمَبْسُوط إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وَأما الْحَدث الْحكمِي نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا يكون دَالا على وجود الْحَدث الْحَقِيقِيّ غَالِبا فأقيم مقَامه شرعا احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ أَنْوَاع مِنْهَا الْمُبَاشرَة الْفَاحِشَة وَهُوَ أَن يُبَاشر الرجل امْرَأَته لشَهْوَة وَقد انْتَشَر لَهَا وَلَيْسَ بَينهمَا ثوب وَلم ير بللا فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يكون حَدثا وَلم يشْتَرط فِي ظَاهر الرِّوَايَة مماسة الفرجين عِنْدهمَا وَشرط ذَلِك فِي النَّوَادِر وَعند مُحَمَّد لَيْسَ بِحَدَث وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الْمُبَاشرَة على هَذَا الْوَجْه سَبَب لخُرُوج الْمَذْي غَالِبا فَأَما مُجَرّد مس الْمَرْأَة لشَهْوَة أَو غير شَهْوَة أَو مس ذكره أَو ذكر غَيره فَلَيْسَ بِحَدَث عِنْد عَامَّة الْعلمَاء مَا لم يخرج مِنْهُ شَيْء خلافًا لمَالِك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَب لِلْخُرُوجِ غَالِبا وَمن هَذَا النَّوْع الْإِغْمَاء وَالْجُنُون وَالسكر الَّذِي يستر الْعقل لِأَنَّهُ سَبَب يدل على الْحَدث غَالِبا وَمن هَذَا النَّوْع أَيْضا النّوم مُضْطَجعا أَو متوركا بِأَن نَام على إِحْدَى وركيه فَهُوَ حدث على كل حَال لِأَنَّهُ سَبَب لخُرُوج الرّيح غَالِبا فَأَما النّوم فِي غير هَاتين الْحَالَتَيْنِ فَينْظر إِن كَانَ فِي حَال الصَّلَاة لَا يكون حَدثا كَيْفَمَا كَانَ فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن أبي يُوسُف إِن نَام مُعْتَمدًا فَحدث وَإِن غلب عَلَيْهِ النّوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فَلَيْسَ بِحَدَث وَقَالَ الشَّافِعِي يكون حَدثا إِلَّا إِذا كَانَ قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض فَلهُ فِيهِ قَولَانِ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِذا نَام العَبْد فِي سُجُوده يباهي الله تَعَالَى بِهِ مَلَائكَته فَيَقُول يَا ملائكتي انْظُرُوا إِلَى عَبدِي روحه عِنْدِي وَجَسَده فِي طَاعَتي وَلم يفصل بَين حَال وَحَال وَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة فَإِن كَانَ قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض غير مُسْتَند إِلَى شَيْء لَا يكون حَدثا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَب لِلْخُرُوجِ غَالِبا وَإِن كَانَ قَائِما أَو على هَيْئَة الرُّكُوع وَالسُّجُود غير مُسْتَند إِلَى شَيْء فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالأَصَح أَنه لَيْسَ بِحَدَث كَمَا فِي حَال الصَّلَاة فَأَما إِذا نَام مُسْتَندا إِلَى جِدَار أَو مُتكئا على يَدَيْهِ فقد ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه إِن كَانَ بِحَال لَو زَالَ السَّنَد لسقط يكون حَدثا وَإِلَّا فَلَا وَبِه أَخذ كثير من مَشَايِخنَا وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِن لم يكن مُسْتَقرًّا على الأَرْض يكون حَدثا وَإِن كَانَ مُسْتَقرًّا على الأَرْض لَا يكون حَدثا وَبِه أَخذ عَامَّة مَشَايِخنَا وَهُوَ الْأَصَح وَمن نَام قَائِما أَو قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض فَسقط رُوِيَ عَن أَصْحَابنَا فِي رِوَايَات مُخْتَلفَة أَنه إِن انتبه قبل السُّقُوط على الأَرْض أَو فِي حَال السُّقُوط أَو سقط على الأَرْض وَهُوَ نَائِم فانتبه من سَاعَته لَا يكون حَدثا وَإِن اسْتَقر نَائِما على الأَرْض بعد الْوُقُوع وَإِن قل يكون حَدثا لِأَنَّهُ وجد النّوم مُضْطَجعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِذا زَالَ مَقْعَده عَن الأَرْض ينْتَقض وضوؤه وَالصَّحِيح هُوَ الأول فَأَما النَّوْع الثَّانِي من الْحَدث الْحكمِي فَهُوَ مَا يكون حَدثا بِنَفسِهِ شرعا من غير أَن يكون دَالا على الْحَدث الْحَقِيقِيّ وَهُوَ القهقهة فِي صَلَاة مُطلقَة لَهَا رُكُوع وَسُجُود حَتَّى تنْتَقض طَهَارَته وَإِذا قهقه فِي صَلَاة الْجِنَازَة أَو سَجْدَة التِّلَاوَة لَا تنْتَقض طَهَارَته وَإِذا قهقه خَارج الصَّلَاة لَا تنْتَقض وَلَو تَبَسم لَا تنْتَقض أصلا ثمَّ عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة لَا فرق بَين وجودهَا فِي حَال أَدَاء الرُّكْن كَمَا فِي وسط الصَّلَاة أَو فِي حَال قيام التَّحْرِيمَة دون حَال أَدَاء الرُّكْن كَمَا إِذا قهقه بعْدهَا قعد قدر التَّشَهُّد الْأَخير أَو فِي سَجْدَتي السَّهْو أَو بَعْدَمَا سبقه الْحَدث فِي الصَّلَاة فَذهب للْوُضُوء وَتَوَضَّأ ثمَّ قهقه قبل أَن يَبْنِي حَتَّى تنْتَقض طَهَارَته وعَلى قولزفر لَا تنْتَقض مَا لم يُوجد فِي حَال أَدَاء الرُّكْن وَأما فسد الصَّلَاة بهَا فَإِن وجدت قبل الْفَرَاغ من الْأَركان تفْسد وَإِن وجدت بعد الْفَرَاغ من الْأَركان لَا تفْسد وَيخرج من الصَّلَاة لِأَنَّهَا كَلَام بِمَنْزِلَة السَّلَام وَهَذَا كُله مَذْهَبنَا وَهُوَ جَوَاب الِاسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يكون حَدثا لِأَنَّهَا لَيست بِحَدَث حَقِيقَة وَلَا بِسَبَب دَال عَلَيْهِ وَبِه أَخذ الشَّافِعِي وَلَكنَّا جعلناها حَدثا شرعا لوُرُود الحَدِيث فِيهَا وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِد فَدخل أَعْرَابِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 بَصَره سوء فَوَقع فِي بِئْر عَلَيْهَا خصفة فَضَحِك بعض النَّاس فَلَمَّا فرغ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من صلَاته قَالَ أَلا من ضحك مِنْكُم قهقهة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة جميعاوالحديث ورد فِي حَال صَلَاة مستتمة الْأَركان فَبَقيَ حَال خَارِجا لصَلَاة وَمَا لَيْسَ بِصَلَاة مُطلقَة على أصل الْقيَاس ثمَّ تغميض الْمَيِّت وغسله وَحمل الْجِنَازَة وَالْكَلَام الْفَاحِش وَأكل مَا مسته النَّار لَا ينْقض الْوضُوء عِنْد عَامَّة الْعلمَاء لِأَنَّهُ لم يُوجد الْحَدث حَقِيقَة وَلَا حكما وَقَالَ بعض النَّاس بِأَن هَذِه الْأَشْيَاء أَحْدَاث شرعا ولورود الْأَحَادِيث فِيهَا فَصَارَت نَظِير القهقهة عنْدكُمْ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ توضؤوا مِمَّا مسته النَّار وَرُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام من غمض مَيتا أَو حمل جَنَازَة فليغتسل وَرُوِيَ من غسل مَيتا فليغتسل وَلَكنَّا نقُول هَذِه أَخْبَار آحَاد وَردت فِيمَا عَم بِهِ الْبلوى فَلَا تقبل بِخِلَاف خبر القهقهة فَإِنَّهُ ورد فِيمَا لَا يعم بِهِ الْبلوى فيقلب الْجَنَابَة وَالْغسْل الْكَلَام هَهُنَا فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي بَيَان مَا يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْغسْل وَفِي أَنْوَاع الْغسْل الْمَشْرُوع وَفِي تَفْسِير الْغسْل وَفِي مِقْدَار المَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ وَفِي أَحْكَام الْحَدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 أما الأول فَنَقُول وجوب الْغسْل يتَعَلَّق بِأحد معَان ثَلَاثَة الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس أما الْجَنَابَة فَإِنَّهَا تثبت بسببين أَحدهمَا خُرُوج الْمَنِيّ عَن شَهْوَة دفقا وَإِن كَانَ من غير إيلاج بِأَيّ طَرِيق وَسبب حُصُول الْخُرُوج نَحْو اللَّمْس وَالنَّظَر والاحتلام وَغَيرهَا فَعَلَيهِ الْغسْل بِالْإِجْمَاع إِذا كَانَ من أهل وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ فإمَّا إِذا لم يكن من أهل وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ كالحائض وَالْمَجْنُون وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ فَإِنَّهُ لَا غسل عَلَيْهِم لِأَن الْغسْل يجب لأجل الصَّلَاة وَلَا صَلَاة عَلَيْهِم أما إِذا خرج الْمَنِيّ لَا عَن شَهْوَة وَقد انْفَصل لَا عَن شَهْوَة مثل أَن يضْرب على ظهر رجل أَو حمل حملا ثقيلا أَو بِهِ سَلس الْبَوْل فَيخرج الْمَنِيّ من غير شَهْوَة فَلَا غسل فِيهِ عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجب فَأَما إِذا انْفَصل عَن شَهْوَة وَخرج لَا عَن شَهْوَة فعلى قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد يجب الْغسْل وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا يجب وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي ثَلَاث مسَائِل أَحدهَا إِذا احْتَلَمَ فانتبه وَقبض على عَوْرَته حَتَّى سكنت شَهْوَته ثمَّ خرج مِنْهُ الْمَنِيّ بعد ذَلِك بِلَا شَهْوَة وَالثَّانيَِة إِذا اغْتسل الرجل من الْجَنَابَة ثمَّ خرج مِنْهُ شَيْء من الْمَنِيّ أَو على صُورَة الْمَذْي قبل النّوم أَو الْبَوْل وَالثَّالِثَة إِذا وجد الرجل على فرَاشه بللا منيا أَو على صُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الْمَذْي وَلم يتَذَكَّر الِاحْتِلَام هَكَذَا ذكر ابْن رستم الْخلاف فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث فِي نوادره فَأَبُو يُوسُف أَخذ بِالْقِيَاسِ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد أخذا بالاستحسان احْتِيَاطًا فِي بَاب الْعِبَادَة ثمَّ الْمَنِيّ هُوَ المَاء الْأَبْيَض الغليظ الَّذِي ينكسر بِهِ الذّكر وتنقطع بِهِ الشَّهْوَة والمذي هُوَ المَاء الْأَبْيَض الرَّقِيق الَّذِي يخرج عِنْد الملاعبة والودي هُوَ المَاء الْأَبْيَض الَّذِي يخرج بعد الْبَوْل وَأما السَّبَب الثَّانِي فَهُوَ إيلاج الْفرج فِي أحد سبيلي الْإِنْسَان وَإِن لم يُوجد الْإِنْزَال حَتَّى يجب الْغسْل على الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ جَمِيعًا فَأَما الْإِيلَاج فِي الْبَهَائِم فَلَا يُوجب الْغسْل مَا لم ينزل وَكَذَا الِاحْتِلَام لَا يُوجب الْغسْل مَا لم ينزل وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم لَا يجب الْغسْل بِدُونِ الْإِنْزَال فِي جَمِيع الْأَحْوَال لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام المَاء من المَاء إِلَّا أَنا نقُول هَذَا غَرِيب وَمَا روينَاهُ مَشْهُور وَالْأَخْذ بِمَا روينَاهُ أولى وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا التقى الختانان وتوارت الْحَشَفَة وَجب الْغسْل أنزل أَو لم ينزل وَأما حكم الْحيض وَالنّفاس فنذكره فِي بابهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما أَنْوَاع الْغسْل الْمَشْرُوع فتسعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ثَلَاثَة مِنْهُمَا فَرِيضَة وَهِي الْغسْل من الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس وَوَاحِد مِنْهُمَا وَاجِب وَهُوَ غسل الْمَوْتَى وَأَرْبَعَة مِنْهَا سنة وَهِي غسل يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة وَالْعِيدَيْنِ وَعند الْإِحْرَام وَوَاحِد مِنْهَا يسْتَحبّ وَهُوَ الْغسْل عِنْد الْإِسْلَام وَغسل الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ عِنْد الْبلُوغ وَالْإِقَامَة لِأَن هَؤُلَاءِ غير مخاطبين بالشرائع وَإِن وجد فِي حَقهم الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس ثمَّ غسل يَوْم الْجُمُعَة لأجل صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد أبي يُوسُف وَعَن الْحسن بن زِيَاد لأجل الْيَوْم وَفَائِدَة الِاخْتِلَاف أَن من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أحدث وَتَوَضَّأ وَصلى الْجُمُعَة لَا يكون مدْركا لفضيلة الْغسْل عِنْد أبي يُوسُف وَعند الْحسن يصير مدْركا وَكَذَا إِذا صلى بِالْوضُوءِ ثمَّ اغْتسل فَهُوَ على هَذَا الْخلاف وَمن اغْتسل من الْجَنَابَة يَوْم الْجُمُعَة وَصلى بِهِ الْجُمُعَة قَالُوا ينَال فَضِيلَة غسل يَوْم الْجُمُعَة على اخْتِلَاف الْأَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ وجد الِاغْتِسَال فِي يَوْم الْجُمُعَة وَالصَّلَاة بِهِ وَأما تَفْسِير الْغسْل فَنَقُول للْغسْل ركن وَاحِد وشرائط وَسنَن وآداب أما الرُّكْن فَهُوَ تسييل المَاء على جَمِيع مَا يُمكن غسله من بدنه مرّة وَاحِدَة حَتَّى لَو ترك شَيْئا يَسِيرا لم يصبهُ المَاء لم يخرج من الْجَنَابَة وَكَذَا فِي الْوضُوء لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 أَي فطهروا أبدانكم وَالْبدن اسْم للظَّاهِر وَالْبَاطِن فَيجب عَلَيْهِ تَطْهِيره بِقدر الْمُمكن وَإِنَّمَا سقط غسل الْبَاطِن لأجل الْحَرج فَلَا يسْقط مَا لَا حرج فِيهِ وَلِهَذَا تجب الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْغسْل لِأَنَّهُ يُمكن إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل الْأنف والفم بِلَا حرج وَلَا يجبان فِي الْوضُوء لِأَن الْوَاجِب ثمَّ غسل الْوَجْه وداخل الْفَم وَالْأنف لَيْسَ بِوَجْه لِأَنَّهُ لَا يواجه النَّاظر إِلَيْهِ بِكُل حَال وَلِهَذَا يجب إِيصَال المَاء فِي الْغسْل إِلَى أصُول الشّعْر وَإِلَى أثْنَاء الشّعْر أَيْضا إِلَّا إِذا كَانَ ضفيرة فَلَا يجب الإيصال إِلَى أَثْنَائِهِ لِأَن فِي نقضه حرجا وَلِهَذَا يجب إِيصَال المَاء إِلَى أثْنَاء اللِّحْيَة كَمَا يجب إِيصَال المَاء إِلَى أُصُولهَا لِأَنَّهُ لَا حرج فِيهِ وَيجب إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل السُّرَّة وَيَنْبَغِي أَن يدْخل إصبعه فِيهَا للْمُبَالَغَة وَيجب على الْمَرْأَة غسل الْفرج الْخَارِج فِي الْغسْل لِأَنَّهُ يُمكن غسله وَأما شُرُوطه فنذكرها فِي موضعهَا وَأما السّنَن فَمَا ذكره محمدرحمه الله فِي كتاب الصَّلَاة وَهُوَ أَن يبْدَأ فَيغسل يَدَيْهِ إِلَى الرسغين ثَلَاثًا ثمَّ يفرغ المَاء بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَيغسل فرجه حَتَّى ينقيه ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثَلَاثًا ثَلَاثًا إِلَّا أَنه لَا يغسل رجلَيْهِ ثمَّ يفِيض المَاء على رَأسه وَسَائِر جسده ثَلَاثًا ثمَّ يتَنَحَّى عَن ذَلِك الْمَكَان فَيغسل قَدَمَيْهِ هَكَذَا رَوَت مَيْمُونَة زوج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه اغْتسل هَكَذَا ثمَّ إِنَّمَا يُؤَخر غسل الْقَدَمَيْنِ إِذا اغْتسل فِي مَوْضُوع تَجْتَمِع فِيهِ الغسالة تَحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الْقَدَمَيْنِ فَأَما إِذا لم تَجْتَمِع بِأَن اغْتسل على حجر وَنَحْوه فَلَا يُؤَخر لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي تَأْخِيره وَقَالُوا فِي غسل الْمَيِّت إِنَّه يغسل رجلَيْهِ عِنْد التوضئة وَلَا يُؤَخر لِأَن المَاء الْمُسْتَعْمل لَا يجْتَمع على التخت وَأما مِقْدَار المَاء الَّذِي يغْتَسل بهويتوضأ بِهِ ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ أدنى مَا يَكْفِي من المَاء فِي الْغسْل صَاع وَفِي الْوضُوء مد وَلم يُفَسر وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ فِي الِاغْتِسَال كَفاهُ صَاع وَفِي الْوضُوء إِن كَانَ الرجل متخففا وَلَا يستنجي كَفاهُ رَطْل لغسل الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ وَمسح الرَّأْس والخفين وَإِن كَانَ يستنجي وَهُوَ متخفف كَفاهُ رطلان رَطْل للاستنجاء ورطل للْبَاقِي وَإِن لم يكن متخففا ويستنجي كَفاهُ ثَلَاثَة أَرْطَال رَطْل للاستنجاء ورطل للقدمين ورطل للْبَاقِي وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا فِي الِاغْتِسَال صَاع وَاحِد إِذا ترك الْوضُوء فَأَما إِذا جمع بَين الْوضُوء وَالْغسْل فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى عشرَة أَرْطَال رطلان للْوُضُوء وَثَمَانِية أَرْطَال للْغسْل وَعَامة مَشَايِخنَا قَالُوا إِن الصَّاع كَاف للْوُضُوء وَالْغسْل جَمِيعًا وَهُوَ الْأَصَح وَلَكِن مَشَايِخنَا قَالُوا مَا ذكر مُحَمَّد رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي بَيَان مِقْدَار أدنى الْكِفَايَة لَيْسَ بِتَقْدِير لَازم لَا يجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَان عَنهُ بل إِن كفى رجلا أقل من ذَلِك ينقص عَنهُ وَإِن لم يكفه يزِيد عَلَيْهِ بِقدر مَا لَا إِسْرَاف فِيهِ وَلَا تقتير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَأما بَيَان أَحْكَام الْحَدث فَنَقُول هَهُنَا خَمْسَة أشخاص الْمُحدث وَالْجنب وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمستحاضة أما الْمُحدث فَحكمه وَحكم الطَّاهِر سَوَاء غير أَنه لَا يجوز لَهُ أَدَاء الصَّلَاة إِلَّا بِالْوضُوءِ وَلَا يُبَاح لَهُ مس الْمُصحف إِلَّا بغلافه وَكَذَا مس الدِّرْهَم الَّتِي كتب عَلَيْهَا الْقُرْآن وَمَسّ كتاب تَفْسِير الْقُرْآن أما مس كتاب الْفِقْه فَلَا بَأْس بِهِ لَكِن الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن لَا يفعل وَكَذَا لَا يطوف بِالْبَيْتِ وَإِن طَاف جَازَ النُّقْصَان لِأَنَّهُ شَبيه بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِصَلَاة على الْحَقِيقَة وَيُبَاح لَهُ دُخُول الْمَسْجِد وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَأَدَاء الصَّوْم وَيجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالصَّوْم حَتَّى يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء بِالتّرْكِ وَكَذَا سَائِر الْأَحْكَام وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي تَفْسِير الغلاف قَالَ بَعضهم هُوَ الْجلد الَّذِي عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم هُوَ الْكمّ وَقَالَ بَعضهم هُوَ الخريطة وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الْجلد تبع للمصحف والكم تبع للحامل فَأَما الخريطة فَلَيْسَتْ بتبع وَلِهَذَا لَو بيع الْمُصحف لَا تدخل الخريطة فِي البيع من غير شَرط وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا الْمُعْتَبر حَقِيقَة هُوَ الْمَكْتُوب حَتَّى إِن مَسّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 مَكْرُوه فَأَما مس الْجلد وَمَسّ مَوضِع الْبيَاض مِنْهُ لَا يكره لِأَنَّهُ لم يمس الْقُرْآن وَهَذَا أقرب إِلَى الْقيَاس وَالْأول أقرب إِلَى التَّعْظِيم وَأما الْجنب فَلَا يُبَاح لَهُ مس الْمُصحف بِدُونِ غلافه وَلَا يُبَاح لَهُ أَيْضا قِرَاءَة الْقُرْآن عِنْد عَامَّة الْعلمَاء خلافًا ل مَالك وَذكر الطَّحَاوِيّ أَن الْجنب لَا يقْرَأ الْآيَة التَّامَّة فَأَما مَا دون الْآيَة فَلَا بَأْس بِهِ وَعَامة مَشَايِخنَا قَالُوا إِن الْآيَة التَّامَّة وَمَا دونهَا سَوَاء فِي حق الْكَرَاهَة تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ وَلَكِن إِذا قَرَأَ الْقُرْآن على قصد الدُّعَاء لَا على قصد الْقُرْآن فَلَا بَأْس بِهِ بِأَن قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عِنْد افْتِتَاح الْأَعْمَال أَو قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين لقصد الشُّكْر لِأَنَّهُ غير مَمْنُوع عَن الدُّعَاء وَالذكر لله تَعَالَى وَيصِح مِنْهُ أَدَاء الصَّوْم دون الصَّلَاة وَيجب عَلَيْهِ كِلَاهُمَا حَتَّى يجب عَلَيْهِ قضاؤهما بِالتّرْكِ وَلَا يُبَاح لَهُ دُخُول الْمَسْجِد وَإِن احْتَاجَ يتَيَمَّم وَيدخل وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ أَيْضا لَكِن مَتى طَاف يَصح مَعَ النُّقْصَان كَمَا فِي الْمُحدث إِلَّا أَن النُّقْصَان مَعَ الْجَنَابَة أفحش وَأما الْحَائِض وَالنُّفَسَاء فحكمهما مثل حكم الْجنب إِلَّا إِنَّه لَا يجب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة حَتَّى لَا يجب الْقَضَاء عَلَيْهِمَا بعد الطَّهَارَة وَلَا يُبَاح لزوجهما قربانهما وَيُبَاح للزَّوْج قرْبَان الْمَرْأَة الَّتِي أجنبت وَأما الْمُسْتَحَاضَة فحكمهما حكم الطاهرات إِلَّا أَنَّهَا تتوضأ لوقت كل صَلَاة على مَا ذكرنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 بَاب الْحيض الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي تَفْسِير الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة فَنَقُول الْحيض فِي الشَّرْع هُوَ الدَّم الْخَارِج من الرَّحِم الممتد إِلَى وَقت مَعْلُوم وَاخْتلف فِي الْوَقْت قَالَ عُلَمَاؤُنَا أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام ولياليها وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أقل الْحيض يَوْمَانِ وَأكْثر الْيَوْم الثَّالِث وَقَالَ الشَّافِعِي أَقَله يَوْم وَلَيْلَة وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام ولياليها وَمَا زَاد فَهُوَ اسْتِحَاضَة وَأما النّفاس فَهُوَ الدَّم الَّذِي يخرج عقيب الْولادَة وَأقله غير مُقَدّر حَتَّى إِذا رَأَتْ سَاعَة دَمًا ثمَّ انْقَطع فَإِنَّهُ يَنْقَضِي النّفاس وتطهر وَأكْثر النّفاس أَرْبَعُونَ يَوْمًا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي سِتُّونَ يَوْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَقَالَ مَالك سَبْعُونَ يَوْمًا وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ وَقت النّفاس أَرْبَعُونَ يَوْمًا إِلَّا أَن تطهر قبل ذَلِك وَأما الِاسْتِحَاضَة فَهِيَ مَا انْتقصَ من أقل الْحيض وَمَا زَاد على أَكثر الْحيض وَالنّفاس لما روينَا من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ ثمَّ الْمُسْتَحَاضَة نَوْعَانِ مُبتَدأَة وصاحبة عَادَة أما المبتدأة فَهِيَ الَّتِي ابتدأت بِالدَّمِ وَرَأَتْ أول مَا رَأَتْ أَكثر من عشرَة أَيَّام فَإِن الْعشْرَة حيض وَمَا زَاد عَلَيْهَا فَهُوَ اسْتِحَاضَة وَكَذَلِكَ فِي كل شهر وَأما صَاحِبَة الْعَادة إِذا استحيضت فعادتها تكون حيضا إِذا كَانَت عشرَة وَمَا زَاد عَلَيْهَا يكون اسْتِحَاضَة وَأما إِذا زَاد الْحيض على عَادَتهَا وَهِي أقل من عشرَة فَمَا رَأَتْ يكون حيضا إِلَى الْعشْرَة لِأَن الزِّيَادَة على الْحيض فِي وقته حيض فَإِن جَاوز عَن الْعشْرَة فعادتها حيض وَمَا زَاد عَلَيْهَا اسْتِحَاضَة وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْمُسْتَحَاضَة تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها أَي أَيَّام حَيْضهَا فَأَما إِذا لم يكن لَهَا عَادَة مَعْرُوفَة بِأَن ترى مرّة سِتا وَمرَّة سبعا فاستحضيت فَإِن عَلَيْهَا إِذا رَأَتْ السِّت أَن تَغْتَسِل فِي الْيَوْم السَّابِع وتصوم وَتصلي وَلَا يَطَؤُهَا زَوجهَا وتنقطع الرّجْعَة فَإِذا مضى الْيَوْم السَّابِع فعلَيْهَا أَن تَغْتَسِل فِي الْيَوْم الثَّامِن ثَانِيًا وتقضي الصَّوْم الَّذِي صَامت فِي الْيَوْم السَّابِع دون الصَّلَاة وَيحل للزَّوْج أَن يَطَأهَا لِأَن الْحيض إِحْدَى العادتين فعلَيْهَا الْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بَاب التَّيَمُّم الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي خسمة مَوَاضِع فِي بَيَان كَيْفيَّة التَّيَمُّم شرعا وَفِي بَيَان شُرُوطه وَفِي بَيَان مَا يتمم بِهِ وَفِي بَيَان وقته وَفِي بَيَان مَا ينْقضه أما الأول فَنَقُول قَالَ عُلَمَاؤُنَا بِأَن التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَفِي قَوْله الْقَدِيم التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الرسغين وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ بَعضهم ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الإبطين وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما روى جَابر عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للذراعين إِلَى الْمرْفقين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ثمَّ اخْتلف مَشَايِخنَا فِي كيفيته قَالَ بَعضهم يضْرب بيدَيْهِ على الأَرْض ضَرْبَة وَاحِدَة ثمَّ يرفعهما وينفضهما حَتَّى يَتَنَاثَر التُّرَاب فيمسح بهما وَجهه ثمَّ يضْرب مرّة أُخْرَى فينفضهما وَيمْسَح بِأَرْبَع أَصَابِع يَده الْيُسْرَى ظَاهر يَده الْيُمْنَى من رُؤُوس الْأَصَابِع إِلَى الْمرْفق ثمَّ يمسح بكفه الْيُسْرَى بَاطِن يَده الْيُمْنَى إِلَى الرسغ ويمر بباطن إبهامه الْيُسْرَى على ظَاهر إبهامه الْيُمْنَى ثمَّ يفعل بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَذَلِك وَقَالَ بَعضهم يمسح بضربة وَجهه وبضربة أُخْرَى يمسح بطن كَفه الْيُسْرَى مَعَ الْأَصَابِع ظَاهر يَده الْيُمْنَى إِلَى الْمرْفق وَيمْسَح بِهِ بَاطِن ذراعه الْيُمْنَى إِلَى أصل الْإِبْهَام وَيفْعل بِيَدِهِ الْيُسْرَى كَذَلِك وَلَا يتَكَلَّف وَالْقَوْل الأول أحوط لِأَن فِيهِ احْتِرَازًا عَن اسْتِعْمَال التُّرَاب الْمُسْتَعْمل بِقدر الْمُمكن فَإِن التُّرَاب الَّذِي على الْيَد يصير مُسْتَعْملا بِالْمَسْحِ فَإِنَّهُ لَو ضرب بِيَدِهِ مرّة وَاحِدَة وَمسح بهَا الْوَجْه والذراعين فَإِنَّهُ لَا يجوز ثمَّ الِاسْتِيعَاب فِي التَّيَمُّم هَل هُوَ مَشْرُوط لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَذكر مَا يدل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِن ترك ظَاهر كَفه لم يجزه وَذكر هَهُنَا وَقَالَ إِذا ترك شَيْئا من مَوَاضِع التَّيَمُّم لَا يجوز قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وروى الْحسن بن زِيَاد فِي الْمُجَرّد عَن أبي حنيفَة أَنه لَو تيَمّم أَكثر الْوَجْه والذراعين وَالْكَفَّيْنِ جَازَ وَالْأول أصح وعَلى قِيَاس شَرط الِاسْتِيعَاب يَنْبَغِي أَن يخلل بَين أَصَابِعه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 التَّيَمُّم وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد وعَلى قِيَاس رِوَايَة الْحسن لَا يخلل ثمَّ عندنَا يمسح الْمرْفق مَعَ الذراعين خلافًا ل زفر كَمَا فِي الْوضُوء وَأما شُرُوط التَّيَمُّم فَمِنْهَا عدم المَاء لِأَنَّهُ خلف وَالْخلف لَا يشرع مَعَ وجود الأَصْل قَالَ الله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} ثمَّ الْعَدَم نَوْعَانِ أَحدهمَا من حَيْثُ الْحَقِيقَة وَالثَّانِي من حَيْثُ الحكم وَالْمعْنَى أما الأول فَهُوَ أَن يكون المَاء مَعْدُوما عِنْده على الْحَقِيقَة بِأَن كَانَ بَعيدا عَنهُ وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِي مِقْدَار الْبعد وَحَاصِل ذَلِك أَن بعض الْمَشَايِخ فصلوا بَين الْمُقِيم وَالْمُسَافر فَجعلُوا حد الْبعد فِي حق الْمُقِيم ميلًا وَفِي حق الْمُسَافِر ميلين إِذا كَانَ المَاء قدامه وعامتهم سووا بَينهمَا وَجعلُوا الْحَد ميلًا وَهُوَ ثلث فَرسَخ وَهَذَا هُوَ الْأَصَح هَذَا إِذا ثَبت بعد المَاء بطرِيق التيقن أَو بطرِيق الْغَالِب فَأَما إِذا كَانَ غَالب ظَنّه أَن المَاء قريب مِنْهُ أَو أخبرهُ رجل عدل بِقرب المَاء لَا يُبَاح لَهُ التَّيَمُّم لِأَنَّهُ لَيْسَ بعادم للْمَاء ظَاهرا وَلَكِن يجب عَلَيْهِ الطّلب وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ بِقرب من الْعمرَان يجب عَلَيْهِ الطّلب هَكَذَا رُوِيَ حَتَّى لَو تيَمّم قبل الطّلب وَصلى ثمَّ ظهر المَاء لَا تجوز صلَاته فَأَما إِذا لم يكن بِحَضْرَتِهِ أحد يُخبرهُ وَلَا غلب على ظَنّه قرب المَاء فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ الطّلب عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجب عَلَيْهِ الطّلب عَن يَمِين الطَّرِيق ويساره مِقْدَار الغلوة حَتَّى لَو تيَمّم وَصلى قبل الطّلب ثمَّ ظهر أَن المَاء قريب مِنْهُ جَازَت صلَاته عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْمَفَازَة مَكَان عدم المَاء غَالِبا فَثَبت الْعَدَم ظَاهرا وَأما الْعَدَم من حَيْثُ الحكم وَالْمعْنَى فَهُوَ أَن يعجز عَن اسْتِعْمَال المَاء لموانع مَعَ وجوده حَقِيقَة بِقرب مِنْهُ بِأَن كَانَ على رَأس الْبِئْر وَلم يجد آلَة الاستقاء أَو كَانَ بَينه وَبَين المَاء عَدو أَو سبع يمنعهُ أَو لصوص يخَاف مِنْهُم على نَفسه الْهَلَاك أَو الضَّرَر أَو كَانَ مَعَه مَاء وَهُوَ يخَاف على نَفسه الْعَطش أَو بِهِ جِرَاحَة أَو جدري أَو مرض يضرّهُ اسْتِعْمَال المَاء أَو مرض لَا يضرّهُ اسْتِعْمَال المَاء وَلَكِن لَيْسَ مَعَه خَادِم وَلَا مَال يسْتَأْجر بِهِ أَجِيرا وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ من يوضئه وَهُوَ فِي الْمَفَازَة فَإِن كَانَ فِي الْمصر لَا يُجزئهُ لِأَن الظَّاهِر أَنه يجد من يُعينهُ أَو كَانَ مَعَ رَفِيقه مَاء لَا يُعْطِيهِ إِيَّاه وَلَا يَبِيعهُ بِمثل قِيمَته أَو بِغَبن يسير أَو يخَاف على نَفسه الْهَلَاك أَو زِيَادَة الْمَرَض بِسَبَب الْبرد وَهُوَ لَا يقدر على تسخين المَاء وَلَا على أُجْرَة الْحمام فِي الْمَفَازَة والمصر عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي السّفر كَذَلِك وَفِي الْمصر لَا يُجزئهُ وَكَذَا إِذا خَافَ فَوت صَلَاة تفوت لَا إِلَى خلف إِن اشْتغل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 بِالْوضُوءِ كَصَلَاة الْجِنَازَة وَالْعِيدَيْنِ يُبَاح لَهُ التَّيَمُّم أما إِذا شرع فِي صَلَاة الْعِيد متوضئا ثمَّ أحدث فعلى قَول أبي حنيفَة يَبْنِي بِالتَّيَمُّمِ أَيْضا وَإِن كَانَ المَاء بِقرب مِنْهُ وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يَبْنِي وَلَكِن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيتم صلَاته فَأَما فِي الْجُمُعَة وَسجْدَة التِّلَاوَة وَسَائِر الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة لَا يتَيَمَّم وَإِن خَافَ الْفَوْت عَن وقته لِأَنَّهُ يفوت إِلَى خلف وَمن شُرُوطه النِّيَّة أَيْضا حَتَّى لَو تيَمّم وَلم ينْو أصلا لَا يجوز عِنْد عَامَّة الْعلمَاء خلافًا لزفَر فَإِن تيَمّم وَنوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو نوى مُطلق الطَّهَارَة أَجزَأَهُ وَيصِح بِهِ أَدَاء الصَّلَوَات كلهَا وَيُبَاح لَهُ كل فعل لَا صِحَة لَهُ بِدُونِ الطَّهَارَة من دُخُول الْمَسْجِد وَمَسّ الْمُصحف وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَسجْدَة التِّلَاوَة وَصَلَاة الْجِنَازَة لِأَن نِيَّة الْأَعْلَى تكون نِيَّة للأدنى وَنِيَّة الْكل تكون نِيَّة لجنس الْأَجْزَاء وَلَو تيَمّم لصَلَاة الْجِنَازَة أَو لسجدة التِّلَاوَة أَو لقِرَاءَة الْقُرْآن جَازَ لَهُ أَن يُؤَدِّي جَمِيع مَا لَا صِحَة لَهُ إِلَّا بِالطَّهَارَةِ لِأَن ذَلِك من جنس أَجزَاء الصَّلَاة فَأَما إِذا تيَمّم لمس الْمُصحف أَو لدُخُول الْمَسْجِد لَا يُبَاح لَهُ أَن يُصَلِّي بِهِ الصَّلَاة وَلَا مَا هُوَ من جنس أَجْزَائِهَا لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِعبَادة مَقْصُودَة بِنَفسِهَا وَلَا من جنس الصَّلَاة وَلَا من جنس أَجْزَائِهَا وَلَا من ضروراتها حَتَّى يكون ذَلِك نِيَّة لَهَا فَجعل التُّرَاب طهُورا فِي حَقّهَا لَا غير وَلَو تيَمّم الْكَافِر وَنوى الْإِسْلَام أَو الصَّلَاة أَو الطَّهَارَة ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أسلم لم يجز تيَمّمه عِنْد عَامَّة الْعلمَاء إِلَّا مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يجوز أما عِنْد الشَّافِعِي فَلِأَن التَّيَمُّم عبَادَة وَالْكَافِر لَيْسَ بِأَهْل لَهَا وَعِنْدنَا التَّيَمُّم لَيْسَ بِعبَادة كَالْوضُوءِ لكنه لَيْسَ بِطهُور حَقِيقَة وَإِنَّمَا جعل طهُورا بِاعْتِبَار الْحَاجة إِلَى مُبَاشرَة فعل لَا صِحَة لَهُ بِدُونِ الطَّهَارَة وَالْإِسْلَام يَصح بِدُونِ الطَّهَارَة فَلَا حَاجَة إِلَى أَن يَجْعَل طهُورا فِي حَقه بِخِلَاف الْوضُوء فَإِنَّهُ يَصح من الْكَافِر لِأَنَّهُ طهُور حَقِيقَة وَلَو تيَمّم الْمُسلم ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ أسلم فَهُوَ على تيَمّمه عِنْد عَامَّة الْعلمَاء أما عِنْد الشَّافِعِي فَلِأَن التَّيَمُّم وَإِن كَانَ عبَادَة وَلَكِن عِنْده لَا تبطل الْعِبَادَات بِالرّدَّةِ وَأما عندنَا فَلِأَن الرِّدَّة لَا تبطل وصف الطّهُورِيَّة كَمَا فِي الْوضُوء وَاحْتِمَال الْحَاجة بَاقٍ لِأَنَّهُ مجبور على الْإِسْلَام وَمن شُرُوطه أَيْضا أَن يكون التُّرَاب طَاهِرا حَتَّى لَو تيَمّم بِالتُّرَابِ النَّجس لَا يجوز وَلِهَذَا لَو تيَمّم بِأَرْض أصابتها النَّجَاسَة فجفت بالشمس وَذهب أَثَرهَا إِنَّه لَا يجوز فِي ظَاهر الرِّوَايَة لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء النَّجَاسَة وَفِي رِوَايَة ابْن الكاس جَازَ لاستحالته أَرضًا وَأما بَيَان مَا يتَيَمَّم بِهِ فَنَقُول اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رَضِي الله عَنْهُمَا يجوز بِكُل مَا هُوَ من جنس الأَرْض وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز إِلَّا بِالتُّرَابِ والرمل خَاصَّة وروى الْمُعَلَّى عَن أبي يوسفرحمه الله أَنه لَا يجوز إِلَّا التُّرَاب وَهُوَ قَوْله الْأَخير وَبِه أَخذ الشَّافِعِي وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لقَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} والصعيد عبارَة عَن وَجه الأَرْض وَذَلِكَ قد يكون تُرَابا ورملا وحجرا أَو غير ذَلِك والْحَدِيث الْمَشْهُور دَلِيل عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا أَيْنَمَا أدركتني الصَّلَاة تيممت وَصليت ثمَّ الْحَد الْفَاصِل بَين جنس الأَرْض وَغَيرهَا أَن كل مَا يَحْتَرِق بالنَّار فَيصير رَمَادا كالشجر والحشيش أَو مَا ينطبع ويلين كالحديد والصفر وَعين الذَّهَب وَالْفِضَّة والزجاج وَنَحْوهَا فَلَيْسَ من جنس الأَرْض ثمَّ اخْتلف أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِيمَا بَينهمَا فعلى قَول أبي حنيفَة يجوز التَّيَمُّم بِكُل مَا هُوَ من جنس الأَرْض سَوَاء التزق بِيَدِهِ شَيْء أَو لَا وَعند مُحَمَّد لَا يجوز إِلَّا أَن يلتزق بِيَدِهِ شَيْء من أَجْزَائِهِ إِذا ثَبت ذَا فعلى قَول أبي حنيفَة يجوز التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ والرمل والحصى والجص والزرنيخ والنورة والطين الْأَحْمَر والأخضر والأصفر وَالْأسود والكحل وَالْحجر الأملس والحائط المطين والمجصص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَالْملح الْجبلي دون المائي والسبخة المنعقدة من الأَرْض دون المائية والمردراسنج المعدني دون الْمُتَّخذ من شَيْء آخر وَأما الْآجر فقد ذكر هَهُنَا وَقَالَ يجوز لِأَنَّهُ طين مستحجر فَيكون كالحجر الْأَصْلِيّ وَفِي رِوَايَة لَا يجوز والخزف إِن كَانَ من طين خَالص يجوز كَمَا فِي الْآجر وَإِن كَانَ من طين مخلوط بِمَا لَيْسَ من جنس الأَرْض لَا يجوز كالزجاج الْمُتَّخذ من الرمل وَشَيْء آخر لَيْسَ من جنس الأَرْض وَعند مُحَمَّد فِي هَذِه الْفُصُول إِن التزق بِيَدِهِ شَيْء مِنْهَا بِأَن كَانَ مدقوقا جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَو تيَمّم بالرماد لَا يجوز لِأَنَّهُ من أَجزَاء الْخشب وَنَحْوه وَإِن تيَمّم باللآلىء لَا يجوز مدقوقة كَانَت أَو لَا لِأَنَّهَا لَيست من جنس الأَرْض وَلَو تيَمّم بالياقوت والفيروزج والمرجان والزمرد جَازَ لِأَنَّهَا أَحْجَار مضيئة وَلَو تيَمّم بِأَرْض ندية على قَول أبي حنيفَة يجوز التزق بِيَدِهِ شَيْء أم لَا وَعند مُحَمَّد إِن التزق بِيَدِهِ شَيْء جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَعند أبي يُوسُف لَا يجوز كَيْفَمَا كَانَ لِأَن التُّرَاب مخلوط بِمَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 يجوز بِهِ التَّيَمُّم وَهُوَ المَاء وَلَو تيَمّم بالطين الرطب فَهُوَ على هَذَا الِاخْتِلَاف يجوز على قَول أبي حنيفَة التزق بِيَدِهِ شَيْء أَو لَا وَعند مُحَمَّد إِن الْتَصق بِيَدِهِ شَيْء جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَعند أبي يُوسُف لَا يجوز لِأَنَّهُ مخلوط بِمَا لَا يجوز بِهِ التَّيَمُّم وَهُوَ المَاء وَإِن تيَمّم بالغبار بِأَن ضرب بِيَدِهِ على ثوب أَو على لبد فارتفع غباره أَو على الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو الْحُبُوب فارتفع غُبَار فيتمم بِهِ جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد خلافًا لأبي يُوسُف لِأَنَّهُ من أَجزَاء الأَرْض وَأما وَقت التيممفنقول اخْتلف الْعلمَاء فِي وقته إِن وقته أول وَقت الصَّلَاة أَو آخِره أَو وَسطه ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ أحب إِلَيّ أَن يُؤَخر الصَّلَاة إِلَى آخر الْوَقْت وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ على طمع من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت أَو لم يكن وروى الْمُعَلَّى عَن أبي حنيفَة وَأبي يوسفأنه إِن كَانَ على طمع من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت يُؤَخر إِلَى آخر الْوَقْت وَإِن لم يكن على طمع من وجود المَاء فِي آخِره فَإِنَّهُ يُؤَخر إِلَى آخر الْوَقْت الْمُسْتَحبّ وَيُصلي فِي آخِره وَتَكون هَذِه الرِّوَايَة تَفْسِيرا لظَاهِر الرِّوَايَة وَقَالَ حَمَّاد لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى آخر الْوَقْت مَا لم يتَيَقَّن وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ مَالك يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَيَمَّم فِي وسط الْوَقْت وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ مثل مَذْهَبنَا وَلم يرو عَن غَيره خِلَافه فَيكون كالإجماع وَإِن تيَمّم فِي أول الْوَقْت وَصلى فَإِن كَانَ عَالما أَن المَاء يقرب مِنْهُ بِأَن كَانَ أقل من ميل لَا تجوز صلَاته وَإِن كَانَ ميلًا فَصَاعِدا جَازَت صلَاته لِأَن حد الْبعد هُوَ الْميل وَإِن كَانَ يُمكنهُ أَن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيُصلي فِي الْوَقْت وَتعْتَبر الْجُمْلَة وَإِن لم يكن عَالما بذلك يجوز سَوَاء كَانَ يَرْجُو وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت أَو لَا بعد الطّلب أَو قبله عندنَا لِأَن الْعَدَم ثَابت من حَيْثُ الظَّاهِر وَاحْتِمَال الْوُجُود لَا يُعَارض الثَّابِت ظَاهرا فَأَما إِذا كَانَ على يَقِين من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت أَو من حَيْثُ الْغَالِب فَإِن كَانَ بَينه وَبَين المَاء مِقْدَار مَا يُمكنهُ أَن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيُصلي فِي الْوَقْت فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ أقل من ميل لَا تجوز صلَاته وَإِن كَانَ ميلًا فَصَاعِدا جَازَت صلَاته لِأَن حد الْبعد هُوَ الْميل وَإِن أخبر فِي آخر الْوَقْت أَن المَاء بِقرب مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 بِأَن كَانَ أقل من ميل وَلَكِن لَو ذهب إِلَيْهِ وَتَوَضَّأ تفوته الصَّلَاة عَن الْوَقْت فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيُصلي خَارج الْوَقْت وَلَا يجْزِيه التَّيَمُّم لِأَن الصَّلَاة تفوته إِلَى بدل وَهُوَ الْقَضَاء وَأما مَا يبطل التَّيَمُّم فَنَقُول كل مَا يبطل الْوضُوء من الْحَدث الْحَقِيقِيّ والحكمي فَإِنَّهُ يُبطلهُ وَأما مَا يُبطلهُ على الْخُصُوص فَهُوَ رُؤْيَة المَاء وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام التَّيَمُّم وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر حجج مَا لم يجد المَاء أَو يحدث ثمَّ إِن وجد المَاء قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة يبطل تيَمّمه وَيجب عَلَيْهِ الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وَإِن وجد بعد الشُّرُوع إِن كَانَ قبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد من الْقعدَة الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ تفْسد صلَاته عندنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تفْسد وَحجَّتنَا مَا روينَا من الحَدِيث الْمَشْهُور من غير فصل بَين حَالَة الصَّلَاة وَغَيرهَا وَإِن كَانَ بعد مَا قعد قدر التَّشَهُّد الْأَخير أَو بعد مَا سلم وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو وَعَاد إِلَى الصَّلَاة تبطل صلَاته عِنْد أبي حنيفَة وَيلْزمهُ الِاسْتِقْبَال وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يبطل تيَمّمه وَصلَاته تَامَّة وَهَذِه الْمَسْأَلَة من جملَة الْمسَائِل الاثْنَي عشرِيَّة على مَا يعرف فِي موضعهَا وَإِن وجد بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَإِن كَانَ بعد خُرُوج الْوَقْت لَا يلْزمه الْإِعَادَة بِالْإِجْمَاع وَإِن وجد فِي الْوَقْت فَكَذَلِك عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك يُعِيد وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ قدر على الأَصْل بعد حُصُول الْمَقْصُود بِالْبَدَلِ وَأَنه إِذا رأى سُؤْر حمَار فَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة يَنْبَغِي أَن يتَوَضَّأ بِهِ مَعَ التَّيَمُّم لِأَنَّهُ مَشْكُوك فِيهِ فَوَجَبَ الْجمع بَينهمَا حَتَّى يكون مُؤديا للصَّلَاة بِيَقِين إِن كَانَ فِي الصَّلَاة يَنْبَغِي أَن لَا يقطع لِأَن الشُّرُوع قد صَحَّ فَلَا يقطع بِالشَّكِّ وَلَكِن يمْضِي عَلَيْهَا فَإِذا فرغ مِنْهَا يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة بسؤر الْحمار حَتَّى يكون مُؤديا للصَّلَاة بِيَقِين وَأما إِذا وجد نَبِيذ التَّمْر فعلى قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ينْتَقض تيَمّمه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة المَاء عِنْد عدم المَاء الْمُطلق وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا ينْتَقض لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطهُور أصلا وَعند مُحَمَّد يمْضِي على صلَاته ثمَّ يُعِيد كَمَا فِي سُؤْر الْحمار ثمَّ الأَصْل عندنَا أَن التَّيَمُّم بدل مُطلق وَلَيْسَ بضروري يَعْنِي بِهِ أَن الْحَدث يرْتَفع عندنَا بِالتَّيَمُّمِ إِلَى وَقت وجود المَاء فِي حق الصَّلَاة المؤداة لَا أَن تُبَاح لَهُ الصَّلَاة مَعَ قيام الْحَدث للضَّرُورَة وَعند الشَّافِعِي هُوَ بدل ضَرُورِيّ وعنى بِهِ أَن يُبَاح لَهُ الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ مَعَ قيام الْحَدث حَقِيقَة وَجعل عدما شرعا لضَرُورَة صِحَة الصَّلَاة بِمَنْزِلَة طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما روينَا عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ التَّيَمُّم وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر حجج مَا لم يجد المَاء أَو يحدث وَيَنْبَنِي على هَذَا الأَصْل أَن عادم المَاء إِذا تيَمّم قبل دُخُول وَقت الصَّلَاة فَإِنَّهُ يجوز تيَمّمه لِأَنَّهُ خلف مُطلق حَال عدم المَاء وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز لِأَنَّهُ خلف ضَرُورِيّ وَلَا ضَرُورَة قبل الْوَقْت كَمَا فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة وعَلى هَذَا إِذا تيَمّم يجوز لَهُ أَن يُؤَدِّي بِهِ مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل مَا لم يجد المَاء أَو يحدث وَلَا ينْتَقض تيَمّمه بِخُرُوج الْوَقْت كطهارة الْمُسْتَحَاضَة وَعِنْده لَا يجوز لَهُ أَن يُؤَدِّي فرضا غير الَّذِي تيَمّم لأَجله وَلَكِن يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي بذلك التَّيَمُّم النَّوَافِل لِأَنَّهَا تبع للفرائض كَمَا قَالَ فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة وعَلى هَذَا الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قَالَ الزُّهْرِيّ إِنَّه لَا يجوز التَّيَمُّم فِي حق النَّوَافِل لِأَنَّهُ طَهَارَة ضَرُورِيَّة وَلَا ضَرُورَة فِي حق النَّوَافِل وَلَكِن عَامَّة الْعلمَاء قَالُوا إِن الْحَاجة إِلَى إِحْرَاز الثَّوَاب مُعْتَبرَة كَمَا فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة تطهر فِي حق النَّوَافِل بِالْإِجْمَاع لما قُلْنَا كَذَا كَذَا ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي كَيْفيَّة الْبَدَلِيَّة قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف التُّرَاب خلف عَن المَاء عِنْد عَدمه والبدلية بَين التُّرَاب وَالْمَاء وَقَالَ مُحَمَّد التَّيَمُّم خلف عَن الْوضُوء عِنْد عَدمه والبدلية بَين التَّيَمُّم وَالْوُضُوء وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف بِأَن الْمُتَيَمم إِذا أم المتوضئين فَإِنَّهُ تجوز إِمَامَته لَهُم وَتَكون صلَاتهم جَائِزَة اسْتِحْسَانًا إِذا لم يكن مَعَ المتوضئين مَاء فَأَما إِذا كَانَ مَعَهم مَاء فَلَا تجوز إِمَامَته لَهُم وَتَكون صلَاتهم فَاسِدَة وَقَالَ مُحَمَّد لَا تجوز إِمَامَته سَوَاء كَانَ مَعَ المتوضئين مَاء أَو لم يكن وَقَالَ زفر تجوز إِمَامَته لَهُم سَوَاء كَانَ مَعَهم مَاء أَو لم يكن لِأَن عِنْد مُحَمَّد لما كَانَت الْبَدَلِيَّة بَين التَّيَمُّم وَالْوُضُوء فالمقتدي إِذا كَانَ على وضوء لم يكن تيَمّم الإِمَام الَّذِي هُوَ بدل عَن الْوضُوء طَهَارَة فِي حَقه لقدرته على الأَصْل وَيكون وجوده وَعَدَمه سَوَاء فَيكون مقتديا بالمحدث فَلَا يجوز كَالصَّحِيحِ إِذا اقْتدى بِصَاحِب جرح سَائل لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يجز اقْتِدَاؤُهُ لِأَن طَهَارَته ضَرُورِيَّة فَلَا يعْتَبر فِي حق الصَّحِيح كَذَا هَذَا وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لما كَانَت الْبَدَلِيَّة بَين التُّرَاب وَالْمَاء فَإِذا لم يكن مَعَ المقتدين مَاء فَيكون التُّرَاب طَهَارَة مُطلقَة فِي حَال عدم المَاء وَإِذا كَانَ مَعَهم مَاء فقد فَاتَ الشَّرْط فِي حق المقتدين فَلَا يبْقى التُّرَاب طهُورا فِي حَقهم فَلم تبْق طَهَارَة الإِمَام طَهَارَة فِي حَقهم فَلَا يَصح اقتداؤهم بِهِ وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِن الْمُتَيَمم إِذا أم المتوضئين وَلم يكن مَعَهم مَاء ثمَّ رأى وَاحِدًا مِنْهُم المَاء بطلت صلَاته لِأَن طَهَارَة الإِمَام جعلت عدما فِي حَقه لقدرته على المَاء الَّذِي هُوَ أصل لِأَنَّهُ لَا يبْقى الْخلف عِنْد وجود الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 بَاب النَّجَاسَات الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي سِتَّة مَوَاضِع فِي بَيَان أَنْوَاع الأنجاس وَفِي بَيَان الْمِقْدَار الَّذِي يصير بِهِ الْمحل نجسا شرعا وَفِي بَيَان مَا يَقع بِهِ التَّطْهِير وَفِي طَرِيق التَّطْهِير وَفِي شَرَائِط التَّطْهِير وَفِي حكم الغسالة أما الأول وَهُوَ بَيَان أَنْوَاع النَّجَاسَات فَمن ذَلِك أَن كل مَا يخرج من بدن الْإِنْسَان مِمَّا يتَعَلَّق بِخُرُوجِهِ وجوب الْوضُوء أَو الْغسْل فَهُوَ نجس نَحْو الْغَائِط وَالْبَوْل وَالدَّم والصديد والقيء ملْء الْفَم وَدم الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة والودي والمذي والمني وَلَا خلاف فِي هَذِه الْجُمْلَة إِلَّا فِي الْمَنِيّ فَإِن عِنْد الشَّافِعِي هُوَ طَاهِر وَالْأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث عمار بن يَاسر أَنه كَانَ يغسل ثَوْبه من النخامة فَمر عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا تصنع يَا عمار فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ وَمَا نخامتك ودموع عَيْنَيْك وَالْمَاء الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 فِي ركوتك إِلَّا سَوَاء وَإِنَّمَا يغسل الثَّوْب من خمس بَوْل وغائط وَدم وقيء ومني وَأما الْقَيْء الَّذِي يكون أقل من ملْء الْفَم وَالدَّم الَّذِي لم يسل عَن رَأس الْجرْح هَل يكون نجسا فعلى قِيَاس مَا ذكرنَا هَهُنَا لَا يكون نجسا لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْوضُوء وَهَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَم مسفوح وَقَالَ مُحَمَّد هُوَ نجس لِأَنَّهُ جُزْء من الدَّم المسفوح وَأما الدَّم إِذا لم يكن مسفوحا فِي الأَصْل كَدم البق والبراغيث فَهُوَ لَيْسَ بِنَجس عندنَا وَعند الشَّافِعِي هُوَ نجس إِلَّا أَنه إِذا أصَاب الثَّوْب يَجْعَل عفوا لأجل الضَّرُورَة ثمَّ مَا ذكرنَا أَنه نجس من الْآدَمِيّ فَهُوَ نجس من سَائِر الْحَيَوَانَات من الأبوال والأرواث وَنَحْوهَا عِنْد عَامَّة الْعلمَاء إِلَّا أَنه قد سقط اعْتِبَار نَجَاسَة بَعْضهَا لأجل الضَّرُورَة وَقَالَ مُحَمَّد بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف نجس لَكِن يُبَاح شربه للتداوي عِنْد أبي يُوسُف وَعند أبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ لَا يُبَاح وَقَالَ ابْن أبي ليلى بِأَن السرقين طَاهِر وَقَالَ مَالك بِأَن البعر والروث وأخثاء الْبَقر كلهَا طَاهِرَة وَقَالَ زفر رَوْث مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لِأَن الْآدَمِيّ أطهر الْحَيَوَانَات ذاتا وغذاء فَإِذا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء نَجِسَة مِنْهُ فَمن غَيره أولى وَأما خرء الطُّيُور فالطيور ثَلَاثَة أَنْوَاع مَا لَا يذرق من الْهَوَاء نَحْو الدَّجَاج والبط والأوز وخرؤها نجس فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف عَنهُ أَن خرء الدَّجَاج والبط نجس دون خرء الأوز وَمَا يذرق من الْهَوَاء نَوْعَانِ الصغار مِنْهَا مثل الْحمام وَنَحْوه وخرؤها طَاهِر والكبار كالصقر والبازي وَنَحْوهمَا وخرؤها طَاهِر عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد نجس وَهَذَا كُله قَول عُلَمَاؤُنَا وَقَالَ الشَّافِعِي خرء الطُّيُور كلهَا نجس وَالْقِيَاس قَوْله لِأَنَّهُ نجس حَقِيقَة إِلَّا أَنا استحسنا وأسقطنا نَجَاسَة الْبَعْض لمَكَان الضَّرُورَة وَمن أَنْوَاع الأنجاس الميتات وَهِي نَوْعَانِ مِنْهَا مَا لَيْسَ لَهَا دم سَائل وَهِي لَيست بنجسة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ على مَا نذكرهُ وَالثَّانِي مَا لَهَا دم سَائل فَنَقُول لَا خلاف أَن الْأَجْزَاء الَّتِي فِيهَا دم سَائل مثل اللَّحْم والشحم وَالْجَلد وَنَحْوهَا فَهِيَ نَجِسَة لاختلاط الدَّم النَّجس بهَا وَأما الْأَجْزَاء الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دم فَفِي غير الْآدَمِيّ وَالْخِنْزِير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 الْحَيَوَانَات ينظر إِن كَانَت صلبة مثل الشّعْر وَالصُّوف والريش والقرن والعظم وَالسّن والحافر والخف والظلف والعصب والإنفحة الصلبة فَلَيْسَتْ بنجسة بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا وَأما الإنفحة المائعة وَاللَّبن فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدنَا نجس وَقَالَ الشَّافِعِي الْكل نجس وَكَذَا الْجَواب فِيمَا أبين من الْحَيّ من الْأَجْزَاء إِن كَانَ فِيهِ دم فَهُوَ نجس بِالْإِجْمَاع وَإِن لم يكن فعلى هَذَا الْخلاف فالشافعي أَخذ بِظَاهِر الْآيَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} وأصحابنا قَالُوا إِن نَجَاسَة الميتات بِاعْتِبَار مَا فِيهَا من الدَّم السَّائِل والرطوبات النَّجِسَة وَلم يُوجد فِي هَذِه الْأَجْزَاء وَأما فِي الْآدَمِيّ فَعَن أَصْحَابنَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة نجس حَتَّى لَا يجوز بيعهَا وَلَا الصَّلَاة مَعهَا إِذا كَانَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم وزنا أَو عرضا على حسب مَا يَلِيق بِهِ وَفِي رِوَايَة يكون طَاهِرا وَهِي الْأَصَح لِأَنَّهُ لَا دم فِيهَا إِلَّا أَنه لَا يجوز بيعهَا وَيحرم الِانْتِفَاع بهَا احتراما للآدمي وَأما الْخِنْزِير فيروى عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه نجس الْعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فَيحرم اسْتِعْمَال شعره وَسَائِر أَجْزَائِهِ إِلَّا أَنه رخص فِي شعره للخرازين لأجل الْحَاجة وَإِذا وَقع شعره فِي المَاء رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يُوجب التَّنْجِيس وَعَن مُحَمَّد أَنه لَا يُوجب مَا لم يغلب على المَاء كشعر غَيره وَرُوِيَ عَن أَصْحَابنَا فِي غير رِوَايَة الْأُصُول أَن هَذِه الْأَجْزَاء مِنْهُ طَاهِرَة لِأَنَّهُ لَا دم فِيهَا وَأما الْكَلْب فَمن قَالَ من مَشَايِخنَا إِنَّه نجس الْعين فَهُوَ وَالْخِنْزِير سَوَاء وَمن قَالَ إِنَّه لَيْسَ بِنَجس الْعين فَهُوَ وَسَائِر الْحَيَوَانَات سَوَاء وَهَذَا أصح وَأما حكم أسآر الْحَيَوَانَات وَعرفهَا وَأَلْبَانهَا فَنَقُول الأسآر على أَرْبَعَة أوجه سُؤْر مُتَّفق على طَهَارَته من غير كَرَاهَة وسؤر مُخْتَلف فِي طَهَارَته ونجاسته وسؤر مَكْرُوه وسؤر مَشْكُوك فِيهِ أما السؤر الطَّاهِر الْمُتَّفق على طَهَارَته فَهُوَ سُؤْر الْآدَمِيّ بِكُل حَال إِلَّا فِي حَال شرب الْخمر فَإِنَّهُ نجس لنجاسة فَمه وَكَذَا سُؤْر مَا يُؤْكَل لَحْمه من الْأَنْعَام والطيور إِلَّا الْإِبِل الْجَلالَة وَالْبَقر الْجَلالَة والدجاجة المخلاة فَإِن سؤرها مَكْرُوه لاحْتِمَال نَجَاسَة فمها حَتَّى إِذا كَانَت محبوسة لَا يكره وَأما سُؤْر الْفرس فعلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد طَاهِر لطهارة لَحْمه وَعند أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كَمَا فِي طَهَارَة لَحْمه على رِوَايَة الْحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 نجس كلحمه وعَلى جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة طَاهِر كلحمه وَأما السؤر الْمُخْتَلف فِي طَهَارَته ونجاسته فَهُوَ سُؤْر الْخِنْزِير وَالْكَلب وَسَائِر سِبَاع الوحوش وَهُوَ نجس عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك طَاهِر وَقَالَ الشَّافِعِي سُؤْر السبَاع كلهَا طَاهِر سوى الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَأما السؤر الْمَكْرُوه فَهُوَ سُؤْر سِبَاع الطير كالحدأة والبازي والصقر وَنَحْوهَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَنه نجس وَكَذَا سُؤْر سواكن الْبيُوت كالحية والفأرة وَالْعَقْرَب وَنَحْوهَا وَكَذَا سُؤْر الْهِرَّة فِي رِوَايَة الْجَامِع الصَّغِير وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة قَالَ أحب إِلَيّ أَن يتَوَضَّأ بِغَيْرِهِ وَلم يذكر الْكَرَاهَة وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يكره وَأما السؤر الْمَشْكُوك فِيهِ فَهُوَ سُؤْر الْحمار والبغل فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وروى الْكَرْخِي عَن أَصْحَابنَا أَن سؤرهما نجس وَقَالَ الشَّافِعِي طَاهِر ثمَّ السؤر الْمُتَّفق على طَهَارَته وَالْمَاء الْمُطلق سَوَاء والسؤر الْمَكْرُوه لَا يَنْبَغِي أَن يتَوَضَّأ بِهِ إِن وجد مَاء مُطلقًا وَإِن تَوَضَّأ بِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَإِن لم يجد مَاء مُطلقًا يجوز من غير كَرَاهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 والسؤر الْمَشْكُوك فِيهِ لَا يجوز التَّوَضُّؤ بِهِ إِن وجد مَاء مُطلقًا وَإِن تَوَضَّأ بِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَإِن لم يجد يتَوَضَّأ بِهِ وَيتَيَمَّم لِأَن أَحدهمَا مطهر بِيَقِين وَأيهمَا قدم أَو أخر جَازَ عندنَا وَعند زفر لَا يجوز مَا لم يقدم الْوضُوء على التَّيَمُّم حَتَّى يصير عادما للْمَاء وَمن الأنجاس الْخمر وَالسكر على مَا يعرف فِي كتاب الْأَشْرِبَة وَأما بَيَان الْمِقْدَار الَّذِي بِهِ يصير الْمحل نجسا شرعا فَنَقُول ينظر إِمَّا إِن وَقع فِي الْمَائِعَات من المَاء والخل وَنَحْوهمَا أَو أصَاب الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان أما إِذا وَقع فِي المَاء فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ جَارِيا أَو راكدا فَإِن كَانَ جَارِيا إِن كَانَت النَّجَاسَة غير مرئية فَإِنَّهُ لَا ينجس مَا لم يتَغَيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه وَيتَوَضَّأ مِنْهُ كَيفَ شاءمن الْموضع الَّذِي وَقع فِيهِ النَّجس أَو من الطّرف الآخر لِأَن المَاء طَاهِر فِي الأَصْل فَلَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ وَإِن كَانَت النَّجَاسَة مرئية مثل الجيفة وَنَحْوهَا فَإِن كَانَ النَّهر كَبِيرا فَإِنَّهُ لَا يتَوَضَّأ من أَسْفَل الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الجيفة وَلنْ يتَوَضَّأ من الْجَانِب الآخر لِأَنَّهُ مُتَيَقن بوصول النَّجَاسَة إِلَى الْموضع الَّذِي يتَوَضَّأ مِنْهُ وَإِن كَانَ النَّهر صَغِيرا بِحَيْثُ لَا يجْرِي بالجيفة بل يجْرِي المَاء عَلَيْهَا إِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا جَمِيع المَاء فَإِنَّهُ لَا يجوز التَّوَضُّؤ بِهِ من أَسْفَل الجيفة لِأَنَّهُ تنجس جَمِيع المَاء وَالنَّجس لَا يطهر بالجريان وَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا بعض المَاء فَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا أَكثر المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فَهُوَ نجس وَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا أقل المَاء فَهُوَ طَاهِر لِأَن الْعبْرَة للْغَالِب وَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا النّصْف يجوز التَّوَضُّؤ بِهِ فِي الحكم وَلَكِن الْأَحْوَط أَن لَا يتَوَضَّأ بِهِ وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي حد الجريان قَالَ بَعضهم إِن كَانَ يجْرِي بالتبن وَالْوَرق فَهُوَ جَار وَإِلَّا فَلَا وَقيل إِن وضع رجل يَده فِي المَاء عرضا لم يَنْقَطِع جَرَيَانه فَهُوَ جَار وَإِلَّا فَلَا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه قَالَ إِن كَانَ بِحَال لَو اغترف رجل المَاء بكفيه لم ينحسر وَجه الأَرْض وَلم يَنْقَطِع الجريان فَهُوَ جَار وَإِلَّا فَلَا وَأَصَح مَا قيل فِيهِ إِن المَاء الْجَارِي مَا يعده النَّاس جَارِيا وَأما إِذا كَانَ المَاء راكدا فقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ قَالَ أَصْحَاب الظَّوَاهِر بِأَن المَاء لَا ينجس بِوُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ كَيْفَمَا كَانَ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء إِن كَانَ المَاء قَلِيلا ينجس وَإِن كَانَ كثيرا لَا ينجس وَاخْتلفُوا فِي الْحَد الْفَاصِل بَينهمَا فَقَالَ مَالك إِن كَانَ بِحَال يتَغَيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه فَهُوَ قَلِيل وَإِن كَانَ لَا يتَغَيَّر فَهُوَ كثير وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بلغ المَاء الْقلَّتَيْنِ فَهُوَ كثير لَا يحْتَمل خبثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 لوُرُود الحَدِيث فِيهِ هَكَذَا والقلتان عِنْده خمس قرب كل قربَة خَمْسُونَ منا فَيكون جملَته مِائَتَيْنِ وَخمسين منا وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا إِن كَانَ المَاء بِحَال يخلص بعضه إِلَى بعض فَهُوَ قَلِيل وَإِن كَانَ لَا يخلص بعضه إِلَى بعض فَهُوَ كثير وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الخلوص اتّفقت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا الْمُتَقَدِّمين أَنه يعْتَبر بِالتَّحْرِيكِ فَإِن تحرّك طرف مِنْهُ بتحريك الْجَانِب الآخر فَهَذَا مِمَّا يخلص وَإِن كَانَ لَا يَتَحَرَّك فَهُوَ مِمَّا لَا يخلص وَلَكِن فِي رِوَايَة أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة يعْتَبر التحريك بالاغتسال وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد يعْتَبر التحريك بِالْوضُوءِ والمشايخ الْمُتَأَخّرُونَ اعْتبر بَعضهم الخلوص بالصبغ وَبَعْضهمْ بالتكدير وَبَعْضهمْ بالمساحة إِن كَانَ عشرا فِي عشر فَهُوَ مِمَّا لَا يخلص وَإِن كَانَ دونه فَهُوَ مِمَّا يخلص وَبِه أَخذ مَشَايِخ بَلخ وَذكر الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي فِي الْكتاب وَقَالَ لَا عِبْرَة للتقدير فِي الْبَاب وَلَكِن يتحَرَّى فِي ذَلِك إِن كَانَ أكبر رَأْيه أَن النَّجَاسَة وصلت إِلَى هَذَا الْموضع الَّذِي يتَوَضَّأ مِنْهُ لَا يجوز وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنَّهَا لم تصل يجوز التوضئة بِهِ لِأَن غَالب الرَّأْي دَلِيل عِنْد عدم الْيَقِين هَذَا إِذا كَانَ لَهُ طول وَعرض فَأَما إِذا كَانَ لَهُ طول بِلَا عرض كالأنهار الَّتِي فِيهَا مياه راكدة فَإِنَّهُ لَا ينجس بِوَقع النَّجَاسَة فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَعَن أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني أَنه لَا يتَوَضَّأ بِهِ وَلَو تَوَضَّأ بِهِ إِنْسَان أَو وَقعت فِيهِ النَّجَاسَة إِن كَانَ فِي أحد الطَّرفَيْنِ تنجس مِنْهُ مِقْدَار عشرَة أَذْرع وَإِن كَانَ فِي وَسطه تنجس من كل جَانب عشرَة أَذْرع وَأما العمق هَل يشْتَرط مَعَ الطول وَالْعرض عَن أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني أَن أَصْحَابنَا اعتبروا الْبسط دون العمق وَعَن أبي جَعْفَر الهنداوي إِن كَانَ بِحَال لَو رفع إِنْسَان المَاء بكفيه ينحسر أَسْفَله فَهَذَا لَيْسَ بعميق وَإِن كَانَ لَا ينحسر فَهُوَ عميق وَقيل مِقْدَار شبر وَقيل مِقْدَار ذِرَاع ثمَّ إِذا كَانَت النَّجَاسَة غير مرئية بِأَن بَال فِيهِ إِنْسَان أَو اغْتسل فِيهِ جنب اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ مَشَايِخ الْعرَاق بِأَن حكم المرئية وَغير المرئية سَوَاء فِي أَنه لَا يتَوَضَّأ من الْجَانِب الَّذِي وَقعت فِيهِ النَّجَاسَة وَإِنَّمَا يتَوَضَّأ من الْجَانِب الآخر بِخِلَاف المَاء الْجَارِي ومشايخنا فصلوا بَين الْأَمريْنِ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي المَاء الْجَارِي وَهُوَ الْأَصَح ثمَّ النَّجَاسَة إِذا وَقعت فِي المَاء الْقَلِيل فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ فِي الْأَوَانِي أَو فِي الْبِئْر أَو فِي الْحَوْض الصَّغِير أما فِي الْأَوَانِي فتوجب التَّنْجِيس كَيْفَمَا كَانَت مستجسدة أَو مائعة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَوَانِي ضَرُورَة غالبة إِلَّا فِي البعرة إِذا وَقعت فِي اللَّبن عِنْد الْحَلب إِذا رميت من ساعتها عِنْد مَشَايِخنَا الْمُتَقَدِّمين لأجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الضَّرُورَة وَهُوَ الصَّحِيح فَأَما إِذا كَانَ فِي الْبِئْر فالواقع لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون حَيَوَانا أَو غَيره من النَّجَاسَات فَإِن كَانَ حَيَوَانا فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن أخرج حَيا أَو مَيتا فَإِن أخرج حَيا إِن كَانَ نجس الْعين كالخنزير يجب نزح جَمِيع المَاء وَفِي الْكَلْب اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ هَل هُوَ نجس الْعين أم لَا وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِنَجس الْعين وَأما إِذا لم يكن نجس الْعين فَإِن كَانَ آدَمِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُوجب التَّنْجِيس إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَة بِيَقِين حَقِيقَة أَو حكمِيَّة أَو نوى الْغسْل أَو الْوضُوء فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ الصَّحِيح وَأما سَائِر الْحَيَوَانَات فَإِن كَانَ لَا يُؤْكَل لَحْمه كسباع الْوَحْش والطيور اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالصَّحِيح أَنه يُوجب التَّنْجِيس وَكَذَلِكَ الْحمار والبغل وَالصَّحِيح أَنه يصير المَاء مشكوكا فِيهِ وَإِن كَانَ حَيَوَانا يُؤْكَل لَحْمه لَا يُوجب التَّنْجِيس لِأَنَّهُ طَاهِر وَهَذَا كُله إِذا لم يتَيَقَّن أَن يكون على بدنه نَجَاسَة أَو على مخرجه أَو لم يصل إِلَى المَاء شَيْء من لعابه فَأَما إِذا تَيَقّن يصير المَاء نجسا فِي النَّجَاسَة وَفِي اللعاب يصير حكم المَاء حكم اللعاب فَأَما إِذا خرج مَيتا فَإِن كَانَ منتفخا أَو متفسخا ينْزح مَاء الْبِئْر كُله لِأَنَّهُ تَيَقّن بوصول شَيْء من النَّجَاسَة إِلَيْهِ وَإِن لم يكن منتفخا وَلَا متفسخا ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة على ثَلَاث مَرَاتِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فِي الْفَأْرَة وَنَحْوهَا ينْزح عشرُون دلوا أَو ثَلَاثُونَ وَفِي الدَّجَاجَة وَنَحْوهَا ينْزح أَرْبَعُونَ أَو خَمْسُونَ وَفِي الْآدَمِيّ وَنَحْوه ينْزح مَاء الْبِئْر كُله وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه جعله على خمس مَرَاتِب فِي الحلمة وَنَحْوهَا ينْزح عشر دلاء وَفِي الْفَأْرَة وَنَحْوهَا عشرُون وَفِي الْحمام وَنَحْوه ثَلَاثُونَ وَفِي الدَّجَاجَة وَنَحْوهَا أَرْبَعُونَ وَفِي الأدمِيّ وَنَحْوه ينْزح مَاء الْبِئْر كُله وَإِنَّمَا ثبتَتْ هَذِه الْمَرَاتِب بِإِجْمَاع الصَّحَابَة توقيفا لِأَنَّهَا لَا تعرف بِالِاجْتِهَادِ وَهَذَا إِذا كَانَ الْوَاقِع وَاحِدًا فَإِن كَانَ أَكثر رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ فِي الْفَأْرَة وَنَحْوهَا عشرُون إِلَى الْأَرْبَع فَإِذا بلغ خمْسا ينْزح أَرْبَعُونَ إِلَى التسع فَإِذا بلغ عشرا ينْزح مَاء الْبِئْر كُله وَعَن محمدأنه قَالَ فِي الفأرتين ينْزح عشرُون وَفِي الثَّلَاث أَرْبَعُونَ وَإِذا كَانَت الفأرتان كَهَيئَةِ الدَّجَاج ينْزح أَرْبَعُونَ وَأما إِذا كَانَ الْوَاقِع غير الْحَيَوَان من الأنجاس فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ مستجمدا أَو غير مستجمد فَإِن كَانَ غير مستجمد كالبول وَالدَّم ينْزح مَاء الْبِئْر كُله وَإِن كَانَ مستجمدا ينظر إِن كَانَ رخوا متخلخل الْأَجْزَاء كالعذرة وخرء الدَّجَاج وَنَحْوهمَا ينْزح مَاء الْبِئْر كُله رطبا كَانَ أَو يَابسا قل أَو كثر وَإِن كَانَ صلبا نَحْو بعر الْإِبِل وَالْغنم ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ الْقيَاس أَن ينجس قل أَو كثر وَفِي الِاسْتِحْسَان ينجس فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الْكثير دون الْقَلِيل وَلم يفصل بَين الرطب واليابس وَالصَّحِيح والمنكسر وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي الرطب ذكر فِي النَّوَادِر أَنه ينجس كَذَا ذكر الْحَاكِم الْجَلِيل الشَّهِيد فِي الإشارات وَعَن الشَّيْخ الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن الْفضل البُخَارِيّ أَن الرطب واليابس سَوَاء لوُجُود الضَّرُورَة فِي الْجُمْلَة وَكَذَا اخْتلفُوا فِي الْيَابِس المنكسر وَالصَّحِيح أَنه لَا ينجس لِأَن الضَّرُورَة فِي المنكسر أَشد وَأما فِي رَوْث الْحمار والبغل وَالْفرس وأخثاء الْبَقر فقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي الروث الْيَابِس إِذا وَقع فِي الْبِئْر ثمَّ أخرج من سَاعَته لَا يُوجب التَّنْجِيس وَاخْتلف الْمَشَايِخ قَالَ بَعضهم إِن كَانَ رطبا أَو يَابسا منكسرا يُوجب التَّنْجِيس وَإِلَّا فَلَا وَقيل إِن كَانَ فِي مَوضِع يتَحَقَّق الضَّرُورَة فِيهَا كَمَا فِي البعر فَالْجَوَاب سَوَاء وَإِلَّا فَلَا وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْبِئْر إِذا كَانَت فِي الْمصر وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين الْحَالين لِأَن الضَّرُورَة قد تقع فِي الْمصر فِي الْجُمْلَة أَيْضا ثمَّ لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة الْحَد الْفَاصِل بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ مَا استكثره النَّاس فَهُوَ كثير وَمَا استقلوه فَهُوَ قَلِيل وَعَن مُحَمَّد أَنه اعْتبر الرّبع بِأَن يَأْخُذ ربع وَجه المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَقيل إِن كَانَ لَا يَخْلُو كل دلو عَن بَعرَة أَو بعرتين فَهُوَ كثير وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعضهم إِن أَخذ أَكثر وَجه المَاء فَهُوَ كثير وَقيل مَا لم يَأْخُذ جَمِيع وَجه المَاء لَا يكون كثيرا وَقَالَ بَعضهم الثَّلَاث كثير وَهُوَ فَاسد فَإِنَّهُ ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ فِي البعرة والبعرتين من بعر الْإِبِل وَالْغنم إِذا وَقعت فِي الْبِئْر لَا يفْسد المَاء مَا لم يكن كثيرا فَاحِشا وَالثَّلَاث لَيْسَ بِكَثِير فَاحش ثمَّ الْحَيَوَان إِذا مَاتَ فِي الْمَائِع الْقَلِيل فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ لَهُ دم سَائل أَو لم يكن وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بريا أَو مائيا وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن مَاتَ فِي المَاء أَو فِي غير المَاء أما إِذا لم يكن لَهُ دم سَائل فَإِنَّهُ لَا ينجس بِالْمَوْتِ وَلَا ينجس مَا يَمُوت فِيهِ من الْمَائِع كَيْفَمَا كَانَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ إِلَّا فِيمَا فِيهِ ضَرُورَة على مَا ذكرنَا فَأَما إِذا كَانَ لَهُ دم سَائل فَإِن كَانَ بريا ينجس بِالْمَوْتِ وينجس الْمَائِع الَّذِي يَمُوت فِيهِ لِأَن الدَّم السَّائِل نجس فينجس مَا يخالطه وَأما إِذا كَانَ مائيا فَإِن مَاتَ فِي المَاء لَا يُوجب التَّنْجِيس كالضفدع المائي والسمك والسرطان وَنَحْو ذَلِك عندنَا وَعند الشَّافِعِي يُوجب التَّنْجِيس إِلَّا فِي السّمك خَاصَّة فِي حق الْأكل فَأَما إِذا سَالَ مِنْهُ الدَّم أصَاب الثَّوْب أَكثر من قدر الدِّرْهَم يُوجب التَّنْجِيس وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن المائي لَا دم لَهُ حَقِيقَة وَإِن كَانَ يشبه صُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الدَّم لِأَن الدموي لَا يعِيش فِي المَاء وَأما إِذا مَاتَ فِي غير المَاء ذكرالكرخيعن أَصْحَابنَا أَن كل مَا لَا يفْسد المَاء لَا يفْسد غير المَاء وَكَذَا روى هِشَام عَنْهُم وَاخْتلف الْمَشَايِخ الْمُتَأَخّرُونَ فَمن مَشَايِخ بَلخ أَنه يُوجب التَّنْجِيس لِأَنَّهُ مَاتَ فِي غير معدنه ومظانه بِخِلَاف المائي وَعَن أبي عبد الله الثَّلْجِي وَمُحَمّد بن مقَاتل الرَّازِيّ أَنه لَا يُوجب وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دم حَقِيقَة لَكِن يحرم أكله لفساد الْغذَاء وخبثه وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين المنفسخ وَغَيره إِلَّا أَنه يكره شرب الْمَائِع لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء مَا يحرم أكله ثمَّ الْحَد الْفَاصِل بَين المائي والبري أَن المائي هُوَ الَّذِي لَا يعِيش إِلَّا فِي المَاء والبري هُوَ الَّذِي لَا يعِيش إِلَّا فِي الْبر فَأَما الَّذِي يعِيش فيهمَا جَمِيعًا كالبط والأوز وَنَحْو ذَلِك فقد أَجمعُوا على أَنه إِذا مَاتَ فِي غير المَاء يُوجب التَّنْجِيس وَإِن مَاتَ فِي المَاء فقد روى الْحسن عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه يفْسد المَاء هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم وُقُوع النَّجس فِي الْمَائِع فَأَما إِذا أصَاب الْبدن أَو الثَّوْب أَو الْمَكَان فَحكم الْمَكَان نذكرهُ فِي مَوْضِعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَأما حكم الثَّوْب وَالْبدن فَلَا يَخْلُو أما إِن كَانَت النَّجَاسَة غَلِيظَة أَو خَفِيفَة قَليلَة أَو كَثِيرَة أما النَّجَاسَة القليلة فَلَا تمنع جَوَاز الصَّلَاة غَلِيظَة أَو خَفِيفَة اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن تمنع جَوَاز الصَّلَاة وَهُوَ قَول زفر وَالشَّافِعِيّ إِلَّا إِذا كَانَت لَا تأخذها الْعين أَو مَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ كَدم البق والبراغيث وَالْقِيَاس مَتْرُوك لِأَن الضَّرُورَة فِي الْقَلِيل عَامَّة وَأما النَّجَاسَة الْكَثِيرَة فتمنع جَوَاز الصَّلَاة لعدم الضَّرُورَة وَالْحَد الْفَاصِل بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِي النَّجَاسَة الغليظة هُوَ أَن يكون أَكثر من قدر الدِّرْهَم الْكَبِير فَيكون الدِّرْهَم وَمَا دونه قَلِيلا وَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة صَرِيحًا أَن المُرَاد من الدِّرْهَم الْكَبِير من حَيْثُ الْعرض والمساحة أَو من حَيْثُ الْوَزْن وَذكر فِي النَّوَادِر الدِّرْهَم الْكَبِير مَا يكون عرض الْكَفّ وَذكر الْكَرْخِي مِقْدَار مساحة الدِّرْهَم الْكَبِير وَفِي كتاب الصَّلَاة الدِّرْهَم الْكَبِير المثقال فَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الْعبْرَة للوزن وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الهنداوي لما اخْتلفت عِبَارَات مُحَمَّد رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي هَذَا فنوفق فَنَقُول أَرَادَ بِذكر الْعرض تَقْدِير الْمَائِع كالبول وَنَحْوه وبذكر الْوَزْن تَقْدِير المستجسد كالعذرة وَنَحْوهَا فَإِن كَانَت أَكثر من مِثَال ذهب وزنا تمنع جَوَاز الصَّلَاة وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد مَشَايِخنَا وَهُوَ الْأَصَح وَأما حد الْكثير فِي النَّجَاسَة الْخَفِيفَة فَهُوَ الْكثير الْفَاحِش وَلم يذكر حَده فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ عَن أبي حنيفَة رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ سَأَلت أَبَا حنيفَة رَضِي الله عَنهُ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الْكثير الْفَاحِش فكره أَن يجد فِيهِ حدا وَقَالَ الْكثير الْفَاحِش مَا يستفحشه النَّاس ويستكثرونه وروى الْحسن عَنهُ أَنه قَالَ شبر فِي شبر وَذكر الْحَاكِم فِي مُخْتَصره عَن أبي حنيفَة وَمُحَمّد الرّبع وَهُوَ الْأَصَح لِأَن للربع حكم الْكل فِي أَحْكَام الشَّرْع وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي تَفْسِير الرّبع قيل ربع جَمِيع الثَّوْب وَالْبدن وَقيل ربع كل عُضْو وطرف أَصَابَته النَّجَاسَة من الْيَد وَالرجل والكم وَهُوَ الْأَصَح ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي تَفْسِير النَّجَاسَة الغليظة والخفيفة قَالَ أَبُو حنيفَة الغليظة كل مَا ورد فِي النَّص على نَجَاسَته وَلم يرد نَص آخر على طَهَارَته مُعَارضا لَهُ وَإِن اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ والخفيفة مَا تعَارض النصان فِي طَهَارَته ونجاسته وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الغليظة مَا وَقع الْإِجْمَاع على نجاستها والخفيفة مَا اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا فعلى قَول أبي حنيفَة الأرواث كلهَا نَجِسَة نَجَاسَة غَلِيظَة لما رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام طلب مِنْهُ لَيْلَة الْجِنّ أَحْجَار الِاسْتِنْجَاء فَأتى بحجرين وروثة فَأخذ الحجرين وَرمى بالروثة وَقَالَ إِنَّهَا ركس أَي نجس وَلَيْسَ لَهُ نَص معَارض وعَلى قَوْلهمَا نجاستها خَفِيفَة لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهَا وَبَوْل مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس نَجَاسَة غَلِيظَة بِالْإِجْمَاع على اخْتِلَاف الْأَصْلَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَبَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه نجس نَجَاسَة خَفِيفَة بالِاتِّفَاقِ أما عِنْده فلتعارض النصين وَهُوَ حَدِيث العرنيين مَعَ حَدِيث عمار وَغَيره فِي الْبَوْل مُطلقًا وَعِنْدَهُمَا لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ وَأما العذرات وخرء الدَّجَاج والبط فغليظة بِالْإِجْمَاع لما ذكرنَا من الْأَصْلَيْنِ وَالله أعلم وَأما الَّذِي يَقع بِهِ التَّطْهِير فأنواع من ذَلِك المَاء الْمُطلق فَنَقُول لَا خلاف أَن المَاء الْمُطلق يحصل بِهِ الطَّهَارَة الْحَقِيقِيَّة والحكمية جَمِيعًا قَالَ الله تَعَالَى {كل زوج كريم} وَأما المَاء الْمُقَيد وَمَا سوى المَاء من الْمَائِعَات الطاهرة فَإِنَّهُ لَا يحصل بِهِ الطَّهَارَة الْحكمِيَّة بالِاتِّفَاقِ أما الطَّهَارَة الْحَقِيقِيَّة وَهِي إِزَالَة النَّجَاسَة فقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يحصل بهَا وقالمحمد وَزفر وَالشَّافِعِيّ لَا يحصل وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَهَذَا إِذا كَانَ مَائِعا ينعصر بالعصر فَأَما إِذا كَانَ لَا ينعصر بالعصر مثل الْعَسَل وَالسمن والدهن فَإِنَّهُ لَا يزِيل ثمَّ الْفرق بَين المَاء الْمُطلق والمقيد أَن المَاء الْمُطلق مَا تسارع أفهام النَّاس إِلَيْهِ عِنْد إِطْلَاق اسْم المَاء كَمَاء الْعُيُون والآبار والغدران وَمَاء الْبَحْر وَالْمَاء الَّذِي ينزل من السَّمَاء وَيَسْتَوِي فِيهِ العذب والأجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَأما الْمُقَيد فَهُوَ المَاء الَّذِي يسْتَخْرج من الْأَشْيَاء الطاهرة الرّطبَة بالعلاج كَمَاء الْأَشْجَار وَالثِّمَار وَنَحْوهمَا وَأما المَاء الْمُطلق إِذا اخْتَلَط بِهِ شَيْء من الْمَائِعَات الطاهرة على وَجه يَزُول بِهِ اسْم المَاء وَمَعْنَاهُ بالطبخ وَغَيره فَإِن صَار مَغْلُوبًا بِهِ فَهُوَ مُلْحق بِالْمَاءِ الْمُقَيد غير أَنه يعْتَبر الْغَلَبَة أَولا من حَيْثُ اللَّوْن أَو الطّعْم ثمَّ من حَيْثُ الْأجر الْأَجْزَاء فَينْظر إِن كَانَ شَيْئا يُخَالف لَونه لون المَاء مثل اللَّبن والخل والعصير وَمَاء الزَّعْفَرَان والعصفر والزردج وَمَاء النشا وَنَحْوهَا فَإِن الْعبْرَة فِيهِ للون فَإِن كَانَت الْغَلَبَة للون المَاء يجوز التوضي بِهِ وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا لَا يجوز وَإِن كَانَ يُوَافق لَونه لون المَاء نَحْو مَاء الْبِطِّيخ وَمَاء الْأَشْجَار فَإِن الْعبْرَة فِيهِ للطعم فَإِن كَانَ شَيْئا لَهُ طعم يظْهر فِي المَاء فَإِن كَانَ الْغَالِب طعم ذَلِك الشَّيْء لَا يجوز التوضي بِهِ وَذَلِكَ نَحْو نَقِيع الزَّبِيب وَسَائِر الأنبذة وَكَذَلِكَ مَاء الباقلي والمرقة وَمَاء الْورْد وَنَحْوهَا وَإِن كَانَ شَيْئا لَا يظْهر طعمه فِي المَاء فَإِن الْعبْرَة فِيهِ لِكَثْرَة الْأَجْزَاء إِن كَانَت أَجزَاء المَاء أَكثر يجوز التوضي بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا إِذا كَانَ شَيْئا لَا يقْصد بِهِ زِيَادَة التَّطْهِير فَأَما إِذا كَانَ شَيْئا يطْبخ المَاء بِهِ أَو يخلط لزِيَادَة التَّطْهِير فَإِنَّهُ لَا يمْنَع التوضي بِهِ وَإِن تغير لون المَاء وطعمه وَذَلِكَ نَحْو مَاء الصابون وَمَاء الأشنان إِلَّا إِذا صَار غليظا لَا يُمكن تسييله على الْعُضْو فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَنَّهُ زَالَ عَنهُ اسْم المَاء وَمَعْنَاهُ وَهَذَا كُله فِي غير حَالَة الضَّرُورَة فَأَما عِنْد الضَّرُورَة فَيجوز التوضي بِهِ وَإِن تغير بامتزاج غَيره من حَيْثُ الطّعْم واللون بِأَن وَقعت الأوراق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَالثِّمَار فِي الْحِيَاض حَتَّى تغير فَإِنَّهُ يجوز التوضي بِهِ لِأَنَّهُ يتَعَذَّر صِيَانة الْحِيَاض عَنْهَا وَكَذَلِكَ إِذا اخْتَلَط بِهِ الطين الطَّاهِر أَو التُّرَاب الطَّاهِر وَتغَير المَاء إِلَى الكدرة يجوز التوضي بِهِ لِأَن المَاء فِي الْأَغْلَب يجْرِي على التُّرَاب إِلَّا إِذا صَار غليظا وَكَذَلِكَ الجص والنورة والنفط والكبريت لِأَنَّهَا من أَجزَاء الأَرْض وَالْمَاء يَنْبع مِنْهَا فَأَما إِذا تغير بِمُضِيِّ الزَّمَان لَا بالاختلاط بِشَيْء آخر من حَيْثُ اللَّوْن والطعم فَإِنَّهُ يجوز التوضي بِهِ لِأَنَّهُ لم يزل معنى المَاء واسْمه وَكَذَلِكَ إِذا طبخ المَاء وَحده لِأَن اسْم المَاء بَاقٍ وازداد بِهِ معنى التَّطْهِير وعَلى هَذَا الأَصْل يخرج قَول أبي يُوسُف فِي نَبِيذ التَّمْر أَنه لَا يجوز التوضي بِهِ لتغير المَاء من حَيْثُ الطّعْم كَمَا فِي سَائِر الأنبذة وعَلى قَول مُحَمَّد يجمع بَينهمَا وَأَصله حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ فَقَالَ لي هَل مَعَك مَاء يَا ابْن مَسْعُود فَقلت لَا إِلَّا نَبِيذ تمر فِي إداواة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور فَأَخذه وَتَوَضَّأ بِهِ فصح هَذَا الحَدِيث عِنْد أبي حنيفَة وَلم يثبت نسخه فَأخذ بِهِ وَترك الْقيَاس وَلم يثبت الحَدِيث عِنْد أبي يُوسُف أَو ثَبت نسخه فَأخذ بِالْقِيَاسِ واشتبه الْأَمر عِنْد مُحَمَّد فَجمع بَينهمَا احْتِيَاطًا ثمَّ عِنْد مُحَمَّد أَيهمَا قدم أَو أخر جَازَ خلافًا لزفَر كَمَا فِي السؤر الْمَشْكُوك فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ثمَّ لم يذكر مُحَمَّد تَفْسِير نَبِيذ التَّمْر الَّذِي فِيهِ الْخلاف فِي ظَاهر الرِّوَايَات وَإِنَّمَا ذكر الْخلاف فِي النَّوَادِر فَقَالَ على قَول أبي حنيفَة إِنَّمَا يجوز التوضي بنبيذ التَّمْر إِذا كَانَ رَقِيقا يسيل مثل مَاء الزَّبِيب فَأَما إِذا كَانَ غليظا مثل الرب فَلَا يجوز ثمَّ النيء مِنْهُ إِذا كَانَ حلوا رَقِيقا لَا يشكل أَنه يجوز الْوضُوء بِهِ وَإِن كَانَ مرا لَا يشكل أَنه لَا يجوز لِأَنَّهُ مُسكر وَأما إِذا كَانَ مطبوخا أدنى طبخه وَكَانَ رَقِيقا ذكر فِي الْكتاب عنالكرخيأنه قَالَ يجوز التوضي بِهِ حلوا كَانَ أَو مُسكرا وَعَن أبي طَاهِر الدباس أَنه قَالَ لَا يجوز التوضي بالمطبوخ مِنْهُ حلوا كَانَ أَو مُسكرا وهذ القَوْل أصح وَأما سَائِر الأنبذة فَلَا يجوز التوضي بهَا عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره يجوز اسْتِدْلَالا بنبيذ التَّمْر وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لِأَن الْقيَاس أَن لَا يجوز التوضي بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاء مُطلق وَلِهَذَا لَا يجوز التوضي بِهِ إِذا قدر على المَاء الْمُطلق وَإِنَّمَا جوز أَبُو حنيفَة التوضي بِهِ بِالْحَدِيثِ وَأَنه ورد فِي نَبِيذ التَّمْر فَبَقيَ الْبَاقِي على أصل الْقيَاس وَمِنْهَا الفرك والحث بعد الْجَفَاف فِي بعض الأنجاس فِي بعض الْمحَال فَنَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 لَا خلاف أَن الْمَنِيّ إِذا أصَاب الثَّوْب وجف فَإِنَّهُ يطهر بالفرك اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقيَاس لَا يطهر فَأَما إِذا كَانَ رطبا فَلَا يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ وَأَصله حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذا رَأَيْت الْمَنِيّ فِي ثَوْبك إِن كَانَ رطبا فاغسليه وَإِن كَانَ يَابسا فافركيه وَأما إِذا كَانَ على الْبدن وجف هَل يطهر بالفرك روى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يطهر وَذكر الْكَرْخِي وَقَالَ بِأَنَّهُ يطهر لِأَن النَّص الْوَارِد فِي الثَّوْب يكون واردا فِي الْبدن بطرِيق الأولى لِأَنَّهُ أقل تشربا من الثَّوْب وَأما سَائِر النَّجَاسَات إِذا أَصَابَت الثَّوْب وَالْبدن وَنَحْوهمَا فَلَا تَزُول إِلَّا بِالْغسْلِ بِلَا خلاف كَيْفَمَا كَانَت يابسة أَو رطبَة لَهَا جرم أَو سَائِلَة فَأَما إِذا أَصَابَت الْخُف والنعل وَنَحْوهمَا فَإِن كَانَت رطبَة لَا تَزُول إِلَّا بِالْغسْلِ وَإِن كَانَت يابسة فَإِن كَانَت لَهَا جرم كثيف مثل السرقين والعذرة وَالدَّم الغليظ وَالْغَائِط والمني يطهر بالحت وَإِن لم يكن لَهَا جرم كثيف نَحْو الْبَوْل وَالْخمر وَالْمَاء النَّجس لم يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يطهر بالفرك وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي إِلَّا فِي الْمَنِيّ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن محمدأنه قَالَ فِي الْمَنِيّ إِذا يبس يطهر بالفرك هَهُنَا كَمَا فِي الثَّوْب بطرِيق الأولى وَأما إِذا أَصَابَت النَّجَاسَة شَيْئا صلبا صقيلا كالسيف والمرآة وَنَحْوهمَا فَمَا دَامَت رطبَة لَا يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ فَإِن جَفتْ أَو جففت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 بِالْمَسْحِ بِالتُّرَابِ يطهر بالحت لِأَنَّهُ لم يدْخل فِي أَجْزَائِهِ شَيْء من الرُّطُوبَة وَظَاهره يطهر بِالْمَسْحِ وَأما الأَرْض إِذا أصابتها النَّجَاسَة فجفت وَذهب أَثَرهَا جَازَت الصَّلَاة عَلَيْهَا عندنَا خلافًا لزفَر وَالشَّافِعِيّ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن مُعظم النَّجَاسَة قد زَالَ فَيجْعَل الْيَسِير عفوا فِي حق جَوَاز الصَّلَاة وَأما التَّيَمُّم على هَذَا التُّرَاب فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يجوز لِأَن النَّجَاسَة الْيَسِيرَة جعلت عفوا فِي حق جَوَاز الصَّلَاة لَا فِي حق الطَّهَارَة بِهِ كَمَا فِي المَاء وَفِي رِوَايَة يجوز التَّيَمُّم عَلَيْهَا وَمِنْهَا الدّباغ والذكاة أما الدّباغ فتطهير فِي الْجُلُود كلهَا إِلَّا فِي جلد الْإِنْسَان وَالْخِنْزِير عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك جلد الْميتَة لَا يطهر بالدباغ لكنه يجوز اسْتِعْمَاله فِي الجامد دون الْمَائِع بِأَن يَجْعَل جرابا للحبوب دون السّمن والدبس وَالْمَاء وَقَالَ عَامَّة أَصْحَاب الحَدِيث لَا يطهر إِلَّا جلد مَا يُؤْكَل لَحْمه وَقَالَ الشَّافِعِي مثل قَوْلنَا إِلَّا فِي جلد الْكَلْب لِأَنَّهُ نجس الْعين عِنْده كالخنزير وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر كَالْخمرِ تخَلّل فَتحل وَلما ذكر أَن نَجَاسَة الْميتَة لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 فِيهَا من الرطوبات وَالدَّم السَّائِل وَأَنَّهَا تَزُول بالدباغ فَيجب أَن تطهر كَالثَّوْبِ النَّجس إِذا غسل ثمَّ قَوْله إِلَّا جلد الْخِنْزِير وَالْإِنْسَان جَوَاب ظَاهر قَول أَصْحَابنَا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن الْجُلُود كلهَا تطهر بالدباغ ومشايخنا قَالُوا أما الْخِنْزِير فَهُوَ نجس الْعين لَا بِاعْتِبَار مَا فِيهِ من الرطوبات وَالدَّم فَكَانَ وجود الدّباغ فِي حَقه كَالْعدمِ وَأما جلد الْآدَمِيّ إِذا دبغ فاندبغ فَإِنَّهُ يجب أَن يطهر على الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجس الْعين وَلَكِن لَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ لِحُرْمَتِهِ أما الذَّكَاة فَنَقُول الْحَيَوَان إِذا ذبح إِن كَانَ مَأْكُول اللَّحْم يطهر بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إِلَّا الدَّم وَإِن كَانَ غير مَأْكُول اللَّحْم فَمَا يطهر من الْميتَة نَحْو الشّعْر وَأَمْثَاله يطهر مِنْهُ وَمَا لَا يطهر من الْميتَة نَحْو اللَّحْم والشحم وَالْجَلد وَهل يطهر بالذكاة أم لَا على قَول الشَّافِعِي لَا يطهر وَأما عندنَا فقد ذكر الكرخيوق ال كل حَيَوَان يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فَهَذَا يدل على أَن جَمِيع أَجْزَائِهِ تطهر وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا وَبَعض مَشَايِخ بَلخ إِن كل حَيَوَان يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فَأَما اللَّحْم والشحم وَنَحْوهمَا فَلَا يطهر بالذكاة وَالصَّحِيح هُوَ الأول لِأَن الذَّكَاة أُقِيمَت مقَام زَوَال الدَّم المسفوح كُله ونجاسة الْحَيَوَان لأجل الدَّم والرطوبات الَّتِي لَا تَخْلُو أجزاؤه عَنْهَا وَمِنْهَا تَطْهِير الْبِئْر وَذَلِكَ باستخراج الْوَاقِع فِيهِ ونزح مَا وَجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 من عدد الدلاء أَو نزح جَمِيع المَاء عرفنَا ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة ثمَّ إِذا وَجب نزح جَمِيع المَاء من الْبِئْر يَنْبَغِي أَن يسد منابع المَاء وينزح مَا فِيهَا من المَاء النَّجس وَإِن كَانَ لَا يُمكن سد منابعه لغَلَبَة المَاء فَإِنَّهُ ينْزح جَمِيع المَاء بطرِيق الحزر وَالِاجْتِهَاد وَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة كم ينْزح عِنْد غَلَبَة المَاء وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة فِي غير رِوَايَة الْأُصُول أَنه ينْزح مائَة دلو وَفِي رِوَايَة مِائَتَا دلو وَعَن مُحَمَّد أَنه ينْزح مِائَتَا دلو أَو ثَلَاثمِائَة دلو وَقد تكلم الْمَشَايِخ فِيهِ والأوفق مَا رُوِيَ عَن أبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَلام أَنه قَالَ يُؤْتى برجلَيْن لَهما بصارة بِالْمَاءِ ثمَّ ينْزح مِقْدَار مَا حكما بِهِ لِأَن مَا يعرف بِالِاجْتِهَادِ يجب أَن يرجع فِيهِ إِلَى أهل الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك الْبَاب وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي الدَّلْو الَّذِي ينْزح بِهِ المَاء النَّجس من الْبِئْر قَالَ بَعضهم يعْتَبر فِي كل بِئْر دلوها صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يعْتَبر دلو يسع قدر صَاع وَقيل الْمُعْتَبر هُوَ الدَّلْو الْمُتَوَسّط بَين الصَّغِير وَالْكَبِير وَأما حكم طَهَارَة الدَّلْو والرشاء فقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه سُئِلَ عَن الدَّلْو الَّذِي ينْزح بِهِ المَاء النَّجس من الْبِئْر أيغسل قَالَ لَا بل يطهره مَا يطهر الْبِئْر وَعَن الْحسن بن زِيَاد أَنه قَالَ إِذا طهرت الْبِئْر يطهر الدَّلْو والرشاء كَمَا يطهر طين الْبِئْر وَالله أعلم وَمِنْهَا تَطْهِير الْحَوْض الصَّغِير إِذا تنجس وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قَالَ أَبُو بكر الْأَعْمَش إِذا دخل المَاء فِيهِ وَخرج مِنْهُ مِقْدَار مَا كَانَ فِيهِ ثَلَاث مَرَّات فَإِنَّهُ يطهر وَيصير ذَلِك بِمَنْزِلَة الْغسْل لَهُ ثَلَاثًا وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الهنداوي رَحمَه الله إِذا دخل فِيهِ المَاء الطَّاهِر وَخرج بعضه يحكم بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ صَار مَاء جَارِيا فَلم يستيقن بِبَقَاء النَّجس فِيهِ وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث وَقيل إِذا خرج مِنْهُ مِقْدَار المَاء النَّجس يطهر كالبئر إِذا تنجست تطهر بنزح مَا فِيهَا من المَاء وعَلى هَذَا أَيْضا الْجَواب فِي حَوْض الْحمام أَو الْأَوَانِي إِذا تنجست وَأما بَيَان طَرِيق التَّطْهِير بِالْغسْلِ فَنَقُول لَا خلاف أَنه يطهر النَّجس بِالْغسْلِ فِي المَاء الْجَارِي وَكَذَلِكَ بِالْغسْلِ بصب المَاء عَلَيْهِ فَأَما الْغسْل فِي الْأَوَانِي هَل يطهره أم لَا على قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد يطهر وعَلى قَول أبي يُوسُف فِي الْبدن لَا يطهره رِوَايَة وَاحِدَة وَفِي الثَّوْب عَنهُ رِوَايَتَانِ وَالْمَسْأَلَة مَعَ الْفُرُوع مَذْكُورَة فِي الْجَامِع الْكَبِير وَأما شَرَائِط التَّطْهِير بِالْمَاءِ فَمِنْهَا الْعدَد فِي نَجَاسَة غير مرئية وَبَيَان ذَلِك أَنه لَا خلاف أَن النَّجَاسَة الْحكمِيَّة وَهِي الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر يَزُول بِالْغسْلِ مرّة وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد وَأما النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة فَينْظر إِن كَانَت غير مرئية مثل الْبَوْل وَنَحْوه ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنَّهَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 تَزُول إِلَّا بِالْغسْلِ ثَلَاثًا وَقَالَ الشَّافِعِي تطهر بِالْغسْلِ مرّة كَمَا فِي الْحَدث إِلَّا فِي ولوغ الْكَلْب فَإِنَّهُ لَا يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما روينَا عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه فَلَا يغمسن يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده أمره بِالْغسْلِ ثَلَاثًا عِنْد توهم النَّجَاسَة فَلِأَن يجب عِنْد التحقق أولى ثمَّ التَّقْدِير عندنَا بِالثلَاثِ لَيْسَ بِلَازِم بل هُوَ مفوض إِلَى اجْتِهَاده فَإِن كَانَ غَالب ظَنّه أَنَّهَا تَزُول بِمَا دون الثَّلَاث يحكم بِطَهَارَتِهِ وَإِن كَانَت النَّجَاسَة مرئية فطهارتها بِزَوَال عينهَا فَإِن بَقِي بعد زَوَال الْعين أثر لَا يَزُول بِالْغسْلِ فَلَا بَأْس بِهِ لما رُوِيَ فِي الحَدِيث عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لتِلْك الْمَرْأَة حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ وَلَا يَضرك أَثَره وَمن شَرَائِط التَّطْهِير أَيْضا الْعَصْر فِيمَا يحْتَمل أَو مَا يقوم مقَامه فِيمَا لَا يحْتَملهُ من الْمحل الَّذِي يتسرب فِيهِ النَّجس وَبَيَان ذَلِك أَن الْمحل الَّذِي تنجس إِمَّا إِن كَانَ شَيْئا لَا يتشرب فِيهِ أَجزَاء النَّجس مثل الْأَوَانِي المتخذة من الْحجر والخزف والنعل وَنَحْو ذَلِك أَو كَانَ شَيْئا يتشرب فِيهِ شَيْء كثير كالثياب واللبود والبسط فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يتشرب فَإِنَّهُ يطهر بِمَا ذكرنَا من زَوَال الْعين أَو الْعدَد وبإكفاء المَاء النَّجس من الْإِنَاء فِي كل مرّة وَإِن كَانَ شَيْئا يتشرب فِيهِ شَيْء قَلِيل فَكَذَلِك لِأَن المَاء يسْتَخْرج ذَلِك الْقَلِيل فَيحكم بِطَهَارَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَإِن كَانَ شَيْئا يتشرب فِيهِ شَيْء كثير ينظر إِن كَانَ مِمَّا يُمكن عصره كَالثَّوْبِ وَنَحْوه فَإِن طَهَارَته بِالْغسْلِ ثَلَاثًا وَالْعصر فِي كل مرّة لِأَن المتشرب فِيهِ كثير فَلَا يخرج إِلَّا بالعصر فَلَا يتم الْغسْل بِدُونِهِ وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُمكن عصره كالحصير الْمُتَّخذ من البردى وَنَحْوه فَإِن علم أَنه لم يتشرب فِيهِ بل أصَاب ظَاهره فَإِنَّهُ يطهر بِالْغسْلِ ثَلَاث مَرَّات من غير عصر فَأَما إِذا علم أَنه تشرب فِيهِ فقالأبو يُوسُف ينقع فِي المَاء ثَلَاث مَرَّات ويجفف فِي كل مرّة وَيقوم التجفيف ثَلَاثًا مقَام الْعَصْر ثَلَاثًا وَيحكم بِطَهَارَتِهِ وَقَالَ مُحَمَّد لَا يطهر أبدا وعَلى هَذَا الأَصْل مسَائِل على الْخلاف الَّذِي ذكرنَا مثل الخزف وَالْحَدِيد إِذا تشرب فِيهِ النَّجس الْكثير والسكين إِذا موه بِالْمَاءِ النَّجس وَالْجَلد إِذا دبغ بالدهن النَّجس وَاللَّحم إِذا طبخ بِالْمَاءِ النَّجس وَنَحْوهَا وَأما الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة رطبَة فَإِن كَانَت الأَرْض رخوة فَإِنَّهُ يصب عَلَيْهَا المَاء حَتَّى يتسفل فِيهَا فَإِذا تسفل وَلم يبْق على وَجههَا شَيْء من المَاء يحكم بطهارتها وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْعدَد وَإِنَّمَا هُوَ على مَا يَقع فِي غَالب ظَنّه أَنَّهَا طهرت والتسفل فِي الأَرْض بِمَنْزِلَة الْعَصْر فِيمَا يحْتَملهُ وعَلى قِيَاس ظَاهر الرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يصب المَاء عَلَيْهَا ثَلَاث مَرَّات ويتسفل فِي كل مرّة وَإِن كَانَت الأَرْض صلبة فَإِن كَانَت صعُودًا فَإِنَّهُ يحْفر فِي أَسْفَلهَا حفيرة وَيصب المَاء عَلَيْهَا ويزال عَنْهَا إِلَى الحفيرة ويكنس الحفيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَإِن كَانَت الأَرْض مستوية لم يزل المَاء عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تغسل لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي غسلهَا وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كوثرت بِالْمَاءِ طهرت وَهُوَ فَاسد لِأَن المَاء النَّجس بَاقٍ حَقِيقَة وَلَكِن يَنْبَغِي أَن تحفر فَيجْعَل أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا وأسفلها أَعْلَاهَا فَيصير التُّرَاب الطَّاهِر وَجه الأَرْض كَذَا رُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا بَال فِي الْمَسْجِد فَأمر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن يحْفر مَوضِع بَوْله وَأما حكم الغسالة فَنَقُول الغسالة نَوْعَانِ أَحدهمَا غسالة النَّجَاسَة الْحكمِيَّة وَهِي المَاء الْمُسْتَعْمل وَالثَّانِي غسالة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة أما الأول فَنَقُول الْكَلَام فِي المَاء الْمُسْتَعْمل يَقع من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا فِي صفته أَنه طَاهِر أم نجس وَالثَّانِي أَنه فِي أَي حَال يصير مُسْتَعْملا وَالثَّالِث بِأَيّ سَبَب يصير مُسْتَعْملا أما الأول فَنَقُول ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه لَا يجوز التوضي بِهِ وَلم يذكر أَنه طَاهِر أم نجس وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه طَاهِر غير طهُور وَبِه أَخذ مُحَمَّد وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وروى أَبُو يُوسُف وَالْحسن بن زِيَاد عَنهُ أَنه نجس إِلَّا أَن الْحسن روى أَنه نجس نَجَاسَة غَلِيظَة وَبِه أَخذ وروى أَبُو يُوسُف أَنه نجس نَجَاسَة خَفِيفَة وَبِه أَخذ وقالزفر إِن كَانَ الْمُسْتَعْمل غير مُحدث فالماء الْمُسْتَعْمل طَاهِر وطهور وَإِن كَانَ مُحدثا فالماء الْمُسْتَعْمل طَاهِر غير طهُور وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَقَالَ مَالك إِنَّه طَاهِر وطهور بِكُل حَال ثمَّ مَشَايِخ بَلخ حققوا هَذَا الِاخْتِلَاف على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا ومشايخ الْعرَاق قَالُوا إِنَّه طَاهِر غير طهُور بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا وَاخْتِيَار الْمُحَقِّقين من مَشَايِخنَا هُوَ هَذَا فَإِنَّهُ هُوَ الْأَشْهر عَن أبي حنيفَة وَهُوَ الأقيس فَإِنَّهُ مَاء طَاهِر لَاقَى عضوا طَاهِرا فحدوث النَّجَاسَة من أَيْن كَمَا فِي غسل الثَّوْب الطَّاهِر بِالْمَاءِ الطَّاهِر ثمَّ على هَذَا الْمَذْهَب الْمُخْتَار إِذا وَقع المَاء الْمُسْتَعْمل فِي المَاء الْقَلِيل قَالَ بَعضهم لَا يجوز التوضي بِهِ وَإِن قل وَقَالَ بَعضهم يجوز مَا لم يغلب على المَاء الْمُطلق وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَأما بَيَان حَال الِاسْتِعْمَال وَتَفْسِير المَاء الْمُسْتَعْمل فَنَقُول قَالَ بعض مَشَايِخنَا المَاء الْمُسْتَعْمل مَا زايل الْبدن وَاسْتقر فِي مَكَان وَذكر فِي الْفَتَاوَى أَن المَاء إِذا زَالَ عَن الْبدن فَلَا ينجس مَا لم يسْتَقرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 على الأَرْض أَو فِي الْإِنَاء وَلَكِن هَذَا لَيْسَ مَذْهَب أَصْحَابنَا إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب سُفْيَان الثَّوْريّ أما عندنَا فَمَا دَامَ المَاء على الْعُضْو الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ فِيهِ لَا يكون مُسْتَعْملا وَإِذا زايله يكون مُسْتَعْملا فَإِن لم يسْتَقرّ على الأَرْض أَو فِي الْإِنَاء فَإِنَّهُ ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة رجل نسي مسح الرَّأْس فَأخذ من لحيته مَاء وَمسح بِهِ رَأسه لَا يجوز وَإِن لم يُوجد الِاسْتِقْرَار على الأَرْض وعَلى قَول سُفْيَان الثَّوْريّ يجوز لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ على الأَرْض وَذكر فِي بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ أَن من مسح على خفيه فَبَقيَ فِي كَفه بَلل فَمسح بِهِ رَأسه لَا يجوز وَعلل وَقَالَ لِأَنَّهُ مسح بِهِ مرّة وَإِن لم يسْتَقرّ على الأَرْض وَقَالُوا فِيمَن بقيت على رجله لمْعَة فِي الْوضُوء فبلها بالبلل الَّذِي على الْوَجْه أَو على عُضْو آخر لَا يجوز لِأَنَّهُ صَار مُسْتَعْملا وَإِن لم يسْتَقرّ على الأَرْض أَو فِي الْإِنَاء فَدلَّ أَن الْمَذْهَب مَا قُلْنَا وَأما سَبَب صيرورة المَاء مُسْتَعْملا فَنَقُول عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يصير المَاء مُسْتَعْملا بِأحد أَمريْن بِزَوَال الْحَدث أَو بِإِقَامَة الْقرْبَة وَعند مُحَمَّد يصير مُسْتَعْملا بِإِقَامَة الْقرْبَة لَا غير وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ يصير مُسْتَعْملا بِإِزَالَة الْحَدث لَا غير إِذا ثَبت هَذَا الأَصْل فَنَقُول من تَوَضَّأ بنية إِقَامَة الْقرْبَة نَحْو الصَّلَوَات الْمَعْهُودَة وَصَلَاة الْجِنَازَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَدخُول الْمَسْجِد وَمَسّ الْمُصحف وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَنَحْوهَا فَإِن كَانَ مُحدثا يصير المَاء مُسْتَعْملا بِلَا خلاف لوُجُود زَوَال الْحَدث وَحُصُول الْقرْبَة جَمِيعًا وَإِن لم يكن مُحدثا فعلى قَول عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَة يصير مُسْتَعْملا لِأَنَّهُ وجد إِقَامَة الْقرْبَة وعَلى قَول زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يصير مُسْتَعْملا لِأَنَّهُ لم يُوجد إِزَالَة الْحَدث وعَلى هَذَا الأَصْل يخرج من دخل فِي الْبِئْر لطلب الدَّلْو أَو للْغسْل وَهُوَ جنب أَو طَاهِر على مَا عرف فِي كتاب الشرحين والمبسوط وَأما حكم غسلة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة فَنَقُول إِذا وَقعت فِي المَاء أَو أَصَابَت الثَّوْب أَو الْبدن فَفِي حق منع جَوَاز الصَّلَاة وَالْوُضُوء الْمِيَاه الثَّلَاث على السوَاء لِأَن الْكل نجس فَأَما فِي حق تَطْهِير الْمحل الَّذِي أَصَابَته النَّجَاسَة فالمياه يخْتَلف حكمهَا حَتَّى قَالَ بعض مَشَايِخنَا إِن المَاء الأول وَإِذا أصَاب شَيْئا يطهر بِالْغسْلِ مرَّتَيْنِ وَالثَّانِي بِالْغسْلِ مرّة وَالثَّالِث يطهر بالعصر لَا غير وَالصَّحِيح أَن الأول يطهر بِالْغسْلِ ثَلَاثًا وَالثَّانِي بِالْغسْلِ مرَّتَيْنِ وَالثَّالِث بِالْغسْلِ مرّة وَيكون حكم كل مَا فِي الثَّوْب الثَّانِي مثل حكمه فِي الثَّوْب الأول وَهل يجوز الِانْتِفَاع بالغسالة فِي غير الشّرْب والتطهير ينظر إِن تغير طعمها أَو لَوْنهَا أَو رِيحهَا فَإِنَّهُ يحرم الِانْتِفَاع بهَا أصلا وَيصير نَظِير الْبَوْل لكَون النَّجس غَالِبا وَإِن لم يتَغَيَّر وصف المَاء يجوز الِانْتِفَاع بِهِ فِي غير الشّرْب والتطهير نَحْو أَن يبل بِهِ الطين أَو يسقى الدَّوَابّ وَنَحْو ذَلِك وعَلى هَذَا الْفَأْرَة إِذا وَقعت فِي الْعصير والدهن والخل وَمَاتَتْ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فأخرجت فَإِنَّهُ ينجس جَمِيعه وَلَكِن يجوز الِانْتِفَاع بِهِ فِيمَا سوى الْأكل من دبغ الْجلد بالدهن النَّجس والاستصباح بِهِ وَيجوز بَيْعه وَإِن كَانَ جَامِدا فَإِنَّهُ يلقِي الْفَأْرَة وَمَا حولهَا وَحكمه حكم الذائب وَيكون الْبَاقِي طَاهِر بِخِلَاف ودك الْميتَة فَإِنَّهُ لَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ أصلا وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تَمُوت فِي السّمن فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِن كَانَ جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وخلوا الْبَقِيَّة وَإِن كَانَ مَائِعا فاستصبحوا بِهِ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ والجبائر الْمسْح أَنْوَاع ثَلَاثَة مسح الرَّأْس وَمسح الْخُف وَمسح الجبائر أما أَحْكَام مسح الرَّأْس فقد ذكرنَا وَأما مسح الْخُف فَالْكَلَام فِيهِ فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي بَيَان مشروعيته وَفِي بَيَان مُدَّة الْمسْح وَفِي بَيَان شُرُوط جَوَاز الْمسْح ووجوده وَفِي بَيَان نفس الْمسْح وَفِي بَيَان حكم سُقُوطه أما الأول فَنَقُول قَالَ عَامَّة الْعلمَاء بِأَن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ مَشْرُوع وَيقوم مقَام غسل الْقَدَمَيْنِ فِي حق الْمُقِيم وَالْمُسَافر جَمِيعًا وَقَالَ بعض الشِّيعَة بِأَن الْمسْح غير مَشْرُوع فِي حق الْمُقِيم وَالْمُسَافر جَمِيعًا وَقَالَ مَالك مَشْرُوع فِي حق الْمُسَافِر دون الْمُقِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لإِجْمَاع الصَّحَابَة على ذَلِك قولا وفعلا إِلَّا مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عَبَّاس ثمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن عطاءتلميذه أَنه قَالَ كَانَ عبد الله بن عَبَّاس خَالف النَّاس فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَلم يمت حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَول النَّاس وَإِجْمَاع الصَّحَابَة حجَّة قَاطِعَة وَالثَّانِي بَيَان الْمدَّة اخْتلف الْعلمَاء فِي أَن الْمسْح على الْخُف مُقَدّر أم لَا فَعِنْدَ عامتهم مُقَدّر فِي حق الْمُقِيم بِيَوْم وَلَيْلَة وَفِي حق الْمُسَافِر بِثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَقَالَ مَالك غير مُقَدّر وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لما رُوِيَ فِي الحَدِيث الْمَشْهُور عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ يمسح الْمُقِيم يَوْمًا وَلَيْلَة وَالْمُسَافر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي ابْتِدَاء مُدَّة الْمسْح من أَي وَقت يعْتَبر قَالَ عَامَّة الْعلمَاء يعْتَبر من وَقت الْحَدث بعد اللّبْس وَقَالَ بَعضهم يعْتَبر من وَقت اللّبْس وَقَالَ بَعضهم يعْتَبر من وَقت الْمسْح بَيَان ذَلِك أَن من تَوَضَّأ عِنْد طُلُوع الْفجْر وَلبس الْخُف وَصلى الْفجْر فَلَمَّا طلعت الشَّمْس أحدث ثمَّ لما زَالَت الشَّمْس تَوَضَّأ وَمسح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 على الْخُف فعلى قَول الْعَامَّة يعْتَبر ابْتِدَاء الْمدَّة من وَقت الْحَدث بعد اللّبْس وَهُوَ وَقت طُلُوع الشَّمْس فَمَتَى جَاءَ ذَلِك الْوَقْت من الْيَوْم الثَّانِي فِي حق الْمُقِيم وَفِي حق الْمُسَافِر من الْيَوْم الرَّابِع تمت الْمدَّة فَلَا يمسح بعد ذَلِك وَلَكِن ينْزع الْخُفَّيْنِ وَيغسل الْقَدَمَيْنِ ثمَّ يبتدىء الْمسْح بعده وعَلى قَول من اعْتبر وَقت اللّبْس لَا يمسح فِي الْيَوْم الثَّانِي من وَقت طُلُوع الْفجْر وعَلى قَول من اعْتبر وَقت الْمسْح لَا يمسح فِي الْيَوْم الثَّانِي من وَقت زَوَال الشَّمْس وَأما شَرَائِط جَوَاز الْمسْح ووجوده فأنواع من ذَلِك أَن يكون لابس الْخُفَّيْنِ أَو مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا على طَهَارَة كَامِلَة عِنْد الْحَدث بعد اللّبْس وَلَا يشْتَرط أَن يكون على طَهَارَة كَامِلَة عِنْد اللّبْس أَو على طَهَارَة أَيْضا وَبَيَانه أَن الرجل إِذا غسل الرجلَيْن وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ أكمل الْوضُوء بعد ذَلِك قبل الْحَدث ثمَّ أحدث جَازَ لَهُ أَن يمسح على الْخُفَّيْنِ وعَلى قَول الشَّافِعِي لَيْسَ لَهُ أَن يمسح مَا لم يكمل الْوضُوء ثمَّ يلبس الْخُفَّيْنِ بعد ذَلِك وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا لبس الْخُفَّيْنِ وَهُوَ مُحدث ثمَّ تَوَضَّأ وخاض المَاء حَتَّى دخل المَاء خفيه ثمَّ أحدث جَازَ لَهُ أَن يمسح عَلَيْهِ وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا لبس الْخُفَّيْنِ بعد غسل الرجلَيْن ثمَّ أحدث قبل أَن يكمل الْوضُوء ثمَّ تَوَضَّأ بعد ذَلِك وَمسح على الْخُفَّيْنِ لَا يجوز عندنَا لِانْعِدَامِ الطَّهَارَة الْكَامِلَة عِنْد الْحَدث بعد اللّبْس وَعِنْده لِانْعِدَامِ الطَّهَارَة الْكَامِلَة عِنْد اللّبْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَمن شَرَائِطه الْحَدث الْأَصْغَر فَأَما الْحَدث الْأَكْبَر فالمسح فِيهِ غير مَشْرُوع لِأَن الْجَوَاز بِاعْتِبَار الْحَرج وَلَا حرج فِي الْحَدث الْأَكْبَر لِأَن ذَلِك يشذ فِي السّفر وَمن الشَّرَائِط أَن يكون لابسا خفا يستر الْكَعْبَيْنِ فَصَاعِدا وَلَيْسَ بِهِ خرق كثير لِأَن الشُّرُوع ورد بِالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ وَمَا يستر الْكَعْبَيْنِ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخُف وَكَذَا مَا يستر الْكَعْبَيْنِ وَسوى الْخُف فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ نَحْو المكعب الْكَبِير والجرموق والمثيم وَهُوَ نوع من الْخُف وَأما الْمسْح على الجوربين فَهُوَ على أَقسَام ثَلَاثَة إِن كَانَا مجلدين أَو منعلين جَازَ الْمسْح بِإِجْمَاع بَين أَصْحَابنَا وَأما إِذا كَانَا غير منعلين فَإِن كَانَا رقيقين بِحَيْثُ يرى مَا تحتهما لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَا ثخينيين قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْلهمَا فِي آخر عمره وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الْمسْح على الجوارب وَإِن كَانَت منعلة إِلَّا إِذا كَانَت مجلدة إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَيجوز وَمَا قَالَاه أرْفق بِالنَّاسِ وَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ أحوط وأقيس وَلَو لبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ لبس فَوْقهمَا الجرموقين من الْجلد ينظر إِن لبسهما بَعْدَمَا أحدث وَوَجَب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يجوز الْمسْح على الجرموقين بِالْإِجْمَاع فَأَما إِذا لبسهما قبل الْحَدث ثمَّ أحدث فَإِنَّهُ يجوز الْمسْح على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الجرموقين عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز وعَلى هَذَا إِذا لبس خفا على خف ثمَّ الْخُف إِذا كَانَ بِهِ خرق إِن كَانَ يَسِيرا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَإِن كَانَ كثيرا لَا يجوز وَهَذَا جَوَاب الِاسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن يكون الْيُسْر مَانِعا كالكثير وَهُوَ قَول زفر وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ مَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ إِن الْخرق قَلِيله وَكَثِيره لَا يمْنَع بعد أَن كَانَ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخُف وَالْحَد الْفَاصِل بَينهمَا هُوَ قدر ثَلَاث أَصَابِع الرجل فَصَاعِدا حَتَّى إِذا كَانَ أقل مِنْهُ يجوز الْمسْح عَلَيْهِ ثمَّ صفة الْخرق الْمَانِع أَن يكون منفتحا بِحَيْثُ يظْهر مَا تَحْتَهُ من الْقدَم مِقْدَار ثَلَاثَة أَصَابِع أَو يكون مُنْضَمًّا لَكِن ينفرج عِنْد الْمَشْي وَيظْهر الْقدَم فَأَما إِذا كَانَ مُنْضَمًّا لَا ينفرج وَلَا يظْهر الْقدَم عِنْد الْمَشْي فَإِنَّهُ لَا يمْنَع وَإِن كَانَ أَكثر من ثَلَاث أَصَابِع كَذَا روى الْمُعَلَّى عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة وَلَو كَانَ ينْكَشف الطَّهَارَة وَفِي دَاخله بطانة من جلد وَلم يظْهر الْقدَم يجوز الْمسْح عَلَيْهِ هَذَا إِذا كَانَ الْخرق فِي مَوْضُوع وَاحِد فَإِن كَانَ فِي مَوَاضِع مُخْتَلفَة ينظر إِن كَانَ فِي خف وَاحِد فَإِنَّهُ يجمع فَإِن بلغ مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع الرجل يمْنَع وَإِلَّا فَلَا وَإِن كَانَ فِي خُفَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يجمع كَذَا ذكر مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَأما بَيَان نفس الْمسْح فَنَقُول الْمسْح الْمَشْرُوع هُوَ مسح ظَاهر الْخُف دون أَسْفَله وعقبه مرّة وَاحِدَة حَتَّى إِذا مسح على أَسْفَل الْخُف أَو على الْعقب وجانبيه لَا يجوز وَكَذَا إِذا مسح على السَّاق وَهُوَ قَول الشَّافِعِي الْمَذْكُور فِي كتبه وَقَالَ أَصْحَابه بِأَنَّهُ إِذا مسح على أَسْفَل الْخُف وَحده جَازَ وَلَكِن السّنة عِنْده الْجمع بَين الْمسْح على ظَاهر الْخُف وأسفله وَأما السّنة عندنَا فَأن يمسح على ظَاهر خفيه بكلتا يَدَيْهِ ويبتدىء بِهِ من قبل الْأَصَابِع إِلَى السَّاق وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام تَوَضَّأ وَوضع يَده الْيُمْنَى على خفه الْأَيْمن وَيَده الْيُسْرَى على خفه الْأَيْسَر ومدهما من الْأَصَابِع إِلَى أعلاهما مسحة وَاحِدَة وَكَأَنِّي أنظر إِلَى أَصَابِع رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام على ظَاهر خفيه ثمَّ مِقْدَار الْمَفْرُوض عندنَا مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع الْيَد على ظَاهر الْخُف سَوَاء كَانَ طولا أَو عرضا حَتَّى لَو مسح بأصبع أَو بأصبعين لَا يجوز وَعند الشَّافِعِي إِذا مسح مِقْدَار مَا يُسمى بِهِ ماسحا جَازَ كَمَا فِي مسح الرَّأْس وَأما بَيَان حكم سُقُوطه فَنَقُول إِذا أنقضت مُدَّة الْمسْح يسْقط وَيجب عَلَيْهِ غسل الْقَدَمَيْنِ دون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الْوضُوء بِكَمَالِهِ إِن كَانَ متوضئا وَإِن كَانَ مُحدثا يجب عَلَيْهِ الْوضُوء بِكَمَالِهِ وَكَذَلِكَ إِذا نزع الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا نزع أَحدهمَا ينْقض الْمسْح وَعَلِيهِ غسل الْقَدَمَيْنِ حَتَّى لَا يكون جَامعا بَين الْبَدَل والمبدل وَلَو أخرج بعض الْقدَم أَو خرج بِغَيْر صنعه رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِذا أخرج أَكثر الْعقب من الْخُف انْتقض مَسحه وَإِلَّا فَلَا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِذا أخرج أَكثر الْقدَم ينْتَقض مَسحه وَإِلَّا فَلَا وروى عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا بَقِي فِي الْخُف قدر مَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَأما الْمسْح على الجبائر فَالْكَلَام فِيهِ فِي مَوَاضِع أَحدهَا أَن الْغسْل فِي أَي وَقت يسْقط ويشرع الْمسْح على الجبائر وَالثَّانِي أَن الْمسْح على الجبائر هَل هُوَ وَاجِب فِي الْجُمْلَة أم لَا وَالثَّالِث فِيمَا يبطل الْمسْح ويسقطه وَالرَّابِع فِي بَيَان الْفُصُول الَّتِي خَالف الْمسْح على الجبائر فِيهَا الْمسْح على الْخُفَّيْنِ أما الأول فَنَقُول إِن كَانَ الْغسْل مِمَّا يضر بالعضو المنكسر وَالْجرْح والقرح فَإِنَّهُ يسْقط ويشرع الْمسْح على الجبائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَكَذَا إِذا كَانَ لَا يضرّهُ وَلَكِن فِي نزع الجبائر خوف زِيَادَة الْعلَّة أَو زِيَادَة الضَّرَر وأصل ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عليرضي الله عَنهُ أَنه قَالَ كسر زنداي يَوْم أحد فَسقط اللِّوَاء من يَدي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اجْعَلُوهَا فِي يسَاره فَإِنَّهُ صَاحب لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقلت يَا رَسُول الله مَا أصنع بالجبائر فَقَالَ امسح عَلَيْهَا هَذَا إِذا مسح على الجبائر والخرق الَّتِي فَوق الْجراحَة فَأَما إِذا كَانَت زَائِدَة على رَأس الْجرْح هَل يجوز الْمسْح على الْخِرْقَة الزَّائِدَة وَكَذَلِكَ إِذا اقتصد وربط عَلَيْهِ رِبَاطًا ينظر إِن كَانَ حل الْخِرْقَة وَغسل مَا تحتهَا مِمَّا يضر بِالْجرْحِ والقرح فَإِنَّهُ يجوز الْمسْح على الْخِرْقَة الزَّائِدَة كَمَا يجوز الْمسْح على الْخِرْقَة الَّتِي على مَوضِع الْجراح وَإِن كَانَ الْحل مِمَّا لَا يضر بِالْجرْحِ وَلَا يضرّهُ الْمسْح أَيْضا فَإِنَّهُ لَا يُجزئهُ الْمسْح على الجبائر بل عَلَيْهِ أَن ينْزع الجبائر وَيحل الْخرق وَيغسل مَا حول الْجراح وَيمْسَح عَلَيْهَا لَا على الْخِرْقَة وَإِن كَانَ يضرّهُ الْمسْح وَلَكِن لَا يضرّهُ الْحل فَإِنَّهُ يمسح على الْخِرْقَة الَّتِي على الْجراح وَيغسل حواليها وَمَا تَحت الْخرق الزَّائِدَة كَذَا ذكره الْحسن بن زِيَاد مُفَسرًا لِأَن جَوَاز الْمسْح بطرِيق الضَّرُورَة فيتقدر بِقَدرِهَا وَأما بَيَان أَن الْمسْح على الجبائر وَاجِب أم لَا فَنَقُول ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ إِذا ترك الْمسْح على الجبائر وَذَلِكَ يضرّهُ جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا إِذا كَانَ لَا يضرّهُ لَا يُجزئهُ فَأجَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي غير مَا أجَاب الْأُخَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا إِن قَول أبي حنيفَة مثل قَوْلهمَا فِي أَن الْمسْح على الجبائر وَاجِب عِنْد تعذر الْغسْل وَإِنَّمَا يبسط إِذا كَانَ الْمسْح يضرّهُ لما روينَا من الحَدِيث أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِالْمَسْحِ على الجبائر وَظَاهر الْأَمر لوُجُوب الْعَمَل إِلَّا أَنه إِذا كَانَ يخَاف الضَّرَر فِي الْمسْح يسْقط لِأَن الْغسْل يسْقط عِنْد خوف زِيَادَة الضَّرَر فالمسح أولى أَن يسْقط وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا بِأَن الْمَسْأَلَة على الْخلاف على قَول أبي حنيفَة الْمسْح على الجبائر مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب وَعِنْدَهُمَا وَاجِب وَكَذَا ذكر هَذَا فِي الْكتاب وَلَكِن القَوْل الأول أصح وَلَو ترك الْمسْح على بعض الجبائر وَمسح على الْبَعْض لم يذكر هَذَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن الْحسن بن زِيَاد أَنه قَالَ إِن مسح على الْأَكْثَر جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَأما بَيَان مَا يبطل الْمسْح فَنَقُول إِذا سَقَطت الجبائر بَعْدَمَا مسح عَلَيْهَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تسْقط عَن برْء أَو لَا عَن برْء وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن سَقَطت فِي حَالَة الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة أما إِذا سَقَطت لَا عَن برْء فَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة يمْضِي عَلَيْهَا وَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة فَإِنَّهُ يضع الجبائر عَلَيْهَا وَلَا يُعِيد الْمسْح عَلَيْهَا لِأَن سُقُوط الْغسْل بِسَبَب الْعذر وَهُوَ قَائِم وَإِنَّمَا الْوَاجِب هُوَ الْمسْح وَهُوَ قَائِم وَإِن زَالَ الْمَمْسُوح الضَّرَر وكما لَو مسح على رَأسه ثمَّ حلقه وَأما إِذا سَقَطت عَن برْء فَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة إِن لم يحدث بعد الْمسْح يغسل مَوضِع الجبائر لَا غير وَبَطل الْمسْح لِأَنَّهُ صَار قَادِرًا على الأَصْل فَيبْطل حكم الْبَدَل فَيجب عَلَيْهِ غسله أما غسل سَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الْأَعْضَاء فقائم وَلم يُوجد مَا يرفعهُ وَهُوَ الْحَدث وَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة يسْتَقْبل لِأَنَّهُ قدر على الأَصْل قبل حُصُول الْمَقْصُود بِالْبَدَلِ وَهل يجب عَلَيْهِ إِعَادَة مَا صلى بِالْمَسْحِ إِذا برأت الْجراحَة فعندنا لَا يجب وعَلى قَول الشَّافِعِي يجب الْإِعَادَة على من جبر على الْجرْح والقرح قولا وَاحِدًا وَله فِي صَاحب الجبائر على الْعُضْو المنكسر قَولَانِ وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما روينَا من حَدِيث عَليّ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لم يَأْمُرهُ بِإِعَادَة الصَّلَوَات بعد الْبُرْء مَعَ وُقُوع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان وَأما بَيَان الْفرق بَين الْمسْح على الجبائر وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ فَمن وُجُوه أَحدهَا إِذا وضع الجبائر وَهُوَ مُحدث ثمَّ تَوَضَّأ جَازَ لَهُ أَن يمسح عَلَيْهَا وَإِذا لبس الْخُفَّيْنِ وَهُوَ مُحدث ثمَّ تَوَضَّأ لَيْسَ لَهُ أَن يمسح وَالْفرق أَن الْمسْح على الجبائر كالغسل لما تحتهَا فَيكون قَائِما مقَامه وَقد وجد ثمَّ من شَرط جَوَاز الْمسْح أَن يكون ظَاهرا عِنْد الْحَدث بعد اللّبْس حَتَّى يكون الْخُف مَانِعا للْحَدَث لَا رَافعا وَالثَّانِي أَن الْمسْح على الجبائر غير مُؤَقّت بِالْأَيَّامِ وَلَكِن مُؤَقّت إِلَى وَقت وجود الْبُرْء حَتَّى ينْتَقض بِوُجُود الْبُرْء وَفِي حق الْعُضْو الَّذِي عَلَيْهِ الجبائر وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ مُؤَقّت بالمدة الْمَعْلُومَة وَالثَّالِث أَن سُقُوط الجبائر لَا عَن برْء وَلَا ينْقض الْمسْح حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 إِن عَلَيْهِ أَن يَضَعهَا مرّة أُخْرَى وَيُصلي وَفِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ إِذا سقط يجب عَلَيْهِ غسل الرجلَيْن وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 كتاب الصَّلَاة اعْلَم بِأَن الله تَعَالَى فرض خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عرفت فرضيتها بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} أَي فرضا مؤقتا وَقَالَ تَعَالَى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ} فَهَذَا بَيَان الصَّلَوَات الْخمس وَأما السّنة فَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ فِي خطْبَة حجَّة الْوَدَاع أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بَيت ربكُم وأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم طيبَة بهَا أَنفسكُم تدْخلُوا جنَّة ربكُم وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْأمة ثمَّ للصَّلَاة فَرَائض وواجبات وَسنَن وآداب أما الفراض فاثنتا عشر سِتَّة من الشَّرَائِط وَسِتَّة من نفس الصَّلَاة فَأَما السِّتَّة الَّتِي من الشَّرَائِط فالطهارة بأنواعها وَستر الْعَوْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 واستقبال الْقبْلَة وَالْوَقْت وَالنِّيَّة والتحريمة وَهِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَقَالَ الشَّافِعِي بِأَن التَّحْرِيمَة ركن وَلَيْسَت بِشَرْط وَفَائِدَة الْخلاف أَن من أحرم للْفَرض ثمَّ أَرَادَ أَن يُؤَدِّي بهَا التَّطَوُّع جَازَ عندنَا كَمَا لَو تطهر للْفَرض جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي بِهِ التَّطَوُّع وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز بِأَن يحرم للْفَرض ويفرغ مِنْهُ ثمَّ يشرع فِي التَّطَوُّع قبل السَّلَام من غير تحريمة جَدِيدَة يصير شَارِعا فِي التَّطَوُّع عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز وَعَلِيهِ مسَائِل وَأما السِّتَّة الَّتِي هِيَ من نفس الصَّلَاة فالقيام وَالْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والانتقال من ركن إِلَى ركن والقعدة الْأَخِيرَة إِلَّا أَن الْأَرْبَعَة الأولى من الْأَركان الْأَصْلِيَّة دون الِاثْنَيْنِ الباقيين حَتَّى إِن من حلف أَن لَا يُصَلِّي فقيد الرَّكْعَة بِالسَّجْدَةِ يَحْنَث وَإِن لم تُوجد الْقعدَة وَلَو أَتَى بِمَا دون الرَّكْعَة لَا يَحْنَث وَلَكِن الاثنتين الْبَاقِيَتَيْنِ من فروض الصَّلَاة أَيْضا حَتَّى لَا تجوز الصَّلَاة بدونهما وَيشْتَرط لَهما مَا يشْتَرط للأركان وَأما وَاجِبَات الصَّلَاة فثمانية قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالسورَة فِي الْأَوليين فَأَما مِقْدَار الْمَفْرُوض فآية وَاحِدَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا آيَة طَوِيلَة أَو ثَلَاث آيَات قَصِيرَة على مَا نذْكر مِنْهَا الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا يجْهر والمخافتة فِيمَا يُخَافت فِي الصَّلَاة الَّتِي تُقَام بِالْجَمَاعَة وَمِنْهَا تَعْدِيل الْأَركان عِنْد أبي حنيفَة على قَول بعض الْمَشَايِخ وَعند بَعضهم سِتَّة وَمِنْهَا مُرَاعَاة التَّرْتِيب فِيمَا شرع مكررا من الْأَركان وَهُوَ السَّجْدَة الثَّانِيَة إِذْ هِيَ وَاجِبَة وَلَيْسَت بِفَرْض حَتَّى إِن من ترك السَّجْدَة الثَّانِيَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الرَّكْعَة الأولى سَاهِيا وَقَامَ وَصلى تَمام الصَّلَاة ثمَّ تذكر فَإِن عَلَيْهِ أَن يسْجد السَّجْدَة المتروكة وَيسْجد للسَّهْو بترك التَّرْتِيب وَمِنْهَا الْقعدَة الأولى وَقِرَاءَة التَّشَهُّد فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة والقنوت فِي الْوتر وتكبيرات الْعِيدَيْنِ وَأما السّنَن والآداب فكثيرة نذكرها فِي موَاضعهَا وَالْحَد الْفَاصِل بَينهمَا أَن كل مَا فعله رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام على طَرِيق الْمُوَاظبَة وَلم يتْركهُ إِلَّا لعذر فَهُوَ سنة نَحْو الثَّنَاء وَالْقعُود وتكبيرات الرُّكُوع وَالسُّجُود وَنَحْوهَا وكل مَا فعله رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلم يواظب عَلَيْهِ فَهُوَ من الْآدَاب كزيادة التسبيحات فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود على الثَّلَاثَة وَنَحْوهَا على مَا يعرف فِي موَاضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب يَقع فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي بَيَان أصل أَوْقَات الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة وَفِي بَيَان الْأَوْقَات المستحبة مِنْهَا وَفِي بَيَان أَوْقَات الصَّلَوَات الْوَاجِبَة وَفِي بَيَان أَوْقَات السّنَن المؤقتة وَفِي بَيَان الْأَوْقَات الَّتِي يكره فِيهَا الصَّلَاة أما بَيَان أَوْقَات الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة فَنَقُول أول وَقت صَلَاة الْفجْر حِين يطلع الْفجْر الثَّانِي وَآخره حِين تطلع الشَّمْس وَإِنَّمَا قيد بِالْفَجْرِ الثَّانِي لِأَن الْفجْر فجران الأول وَهُوَ الَّذِي يَبْدُو فِي نَاحيَة من السَّمَاء كذنب السرحان طولا ثمَّ ينكتم سمي فجرا كَاذِبًا لِأَنَّهُ يَبْدُو نوره ثمَّ يخلف ويعقبه الظلام وَهَذَا الْفجْر مِمَّا لَا يحرم بِهِ الطَّعَام وَالشرَاب على الصائمين وَلَا يخرج بِهِ وَقت الْعشَاء وَلَا يدْخل وَقت صَلَاة الْفجْر وَأما الْفجْر الثَّانِي فَهُوَ الْمُعْتَرض فِي الْأُفق لَا يزَال نوره حَتَّى تطلع الشَّمْس سمي فجرا صَادِقا لِأَنَّهُ إِذا بدا نوره ينتشر فِي الْأُفق وَلم يخلف وَهَذَا الْفجْر مِمَّا يحرم بِهِ الطَّعَام وَالشرَاب على الصائمين وَيخرج بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَقت الْعشَاء وَيدخل وَقت صَلَاة الْفجْر وَهَكَذَا روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ الْفجْر فجران فجر مستطيل يحل بِهِ الطَّعَام وَتحرم فِيهِ الصَّلَاة وفجر مستطير يحرم بِهِ الطَّعَام وَتحل فِيهِ الصَّلَاة وَأما أول وَقت الظّهْر فحين زَالَت الشَّمْس بِلَا خلاف وَأما آخِره فَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ عَن أبي حنيفَة روى محمدعنه إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى فَيْء الزَّوَال يخرج وَقت الظّهْر وَيدخل وَقت الْعَصْر وَبِه أَخذ أَبُو حنيفَة وروى الْحسن بن زيادعنه أَنه قَالَ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله سوى فِي الزَّوَال يخرج وَقت الظّهْر وَيدخل وَقت الْعَصْر وَبِه أَخذ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وَالشَّافِعِيّ وروى أَسد بن عمروعنه أَنه قَالَ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله سوى فَيْء الزَّوَال يخرج وَقت الظّهْر وَلَا يدْخل وَقت الْعَصْر حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ فَيكون بَين وَقت الظّهْر وَالْعصر وَقت مهمل كَمَا بَين الظّهْر وَالْفَجْر وَأما أول وَقت الْعَصْر فعلى الِاخْتِلَاف الَّذِي ذكرنَا فِي آخر وَقت الظّهْر ثمَّ لَا بُد من معرفَة زَوَال الشَّمْس وَمَعْرِفَة فَيْء الزَّوَال حَتَّى يعرف وَقت الظّهْر وَالْعصر فَيَنْبَغِي أَن يغرز عودا مستويا فِي أَرض مستوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 قبل الزَّوَال فَمَا دَامَ طول الْعود على النُّقْصَان فالشمس فِي الِانْقِطَاع وَلم تزل بعد وَإِن امْتنع الظل عَن النُّقْصَان وَلم يَأْخُذ فِي الزِّيَادَة فالشمس فِي الاسْتوَاء وَهُوَ حَال قيام الظهيرة وَإِذا أَخذ الظل فِي الزِّيَادَة فالشمس قد زَالَت وَهِي حَال الزَّوَال فَأَما معرفَة فَيْء الزَّوَال فَيَنْبَغِي أَن يخط على رَأس مَوضِع الزِّيَادَة فَيكون من رَأس الْخط إِلَى الْعود فَيْء الزَّوَال فَإِذا صَار الْعود مثلَيْهِ من رَأس الْخط إِلَّا من الْعود خرج وَقت الظّهْر وَدخل وَقت الْعَصْر عِنْد أبي حنيفَة وَإِذا صَار ظلّ الْعود مثله من رَأس الْخط خرج وَقت الظّهْر وَدخل وَقت الْعَصْر عِنْدهمَا وَأما آخر وَقت الْعَصْر فحين تغرب الشَّمْس عندنَا وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ فِي قَول إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ يخرج وَقت الْعَصْر وَلَا يدْخل وَقت الْمغرب حَتَّى تغرب الشَّمْس فَيكون بَينهمَا وَقت مهمل عِنْده على هَذَا القَوْل وَفِي قَول إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ يخرج وَقت الْمُسْتَحبّ وَيبقى أصل الْوَقْت إِلَى غرُوب الشَّمْس وَأما أول وَقت الْمغرب فحين تغرب الشَّمْس بِلَا خلاف وَاخْتلفُوا فِي آخِره قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله حِين يغيب الشَّفق وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا مضى من الْوَقْت مِقْدَار مَا يتَطَهَّر الْإِنْسَان وَيُؤذن وَيُقِيم وَيُصلي الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات يخرج وَقت الْمغرب حَتَّى إِذا صلى الْمغرب بعد ذَلِك يكون قَضَاء لَا أَدَاء وَأما أول وَقت الْعشَاء فحين يغيب الشَّفق بِلَا خلاف وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الشَّفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 قَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ الْبيَاض وَقَالَ أَبُو يُوسُف ومحمدالشافعي هُوَ الْحمرَة فَمَتَى غَابَتْ الْحمرَة وارتفع الْبيَاض وانتشر الظلام فِي الْأُفق يدْخل وَقت الْعشَاء وَيخرج وَقت الْمغرب عِنْدهم وَإِذا غَابَ الْبيَاض وَبَدَأَ الظلام فِي الْأُفق يخرج وَقت الْمغرب وَيدخل وَقت الْعشَاء عِنْده وَأما آخر وَقت الْعشَاء فحين يطلع الْفجْر الصَّادِق عندنَا وَعند الشافعيقولان فِي قَول حِين يمْضِي ثلث اللَّيْل وَفِي قَول حِين يمْضِي النّصْف وَأما بَيَان الْأَوْقَات المستحبة فَنَقُول لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَت السَّمَاء مصحية أَو متغيمة فَإِن كَانَت مصحية فَفِي الْفجْر الْمُسْتَحبّ هُوَ آخر الْوَقْت وَيكون الْإِسْفَار بِصَلَاة الْفجْر أفضل من التغليس فِي السّفر والحضر والصيف والشتاء وَفِي حق جَمِيع النَّاس إِلَّا فِي حق الْحَاج بِمُزْدَلِفَة فَإِن التغليس بهَا أفضل فِي حَقهم وَكَانَ اخْتِيَار الطَّحَاوِيّ أَن يبْدَأ بالتغليس فَيبْطل الْقِرَاءَة ثمَّ يخْتم بالإسفار وَفِي الظّهْر الْمُسْتَحبّ هُوَ آخر الْوَقْت فِي الصَّيف وأوله فِي الشتَاء وَفِي الْعَصْر الْمُسْتَحبّ هُوَ التَّأْخِير مَا دَامَت الشَّمْس بَيْضَاء نقية فِي الشتَاء والصيف وَفِي الْمغرب الْمُسْتَحبّ أول الْوَقْت وَيكون تَعْجِيله أفضل وتأخيره إِلَى وَقت اشتباك النُّجُوم مَكْرُوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَفِي الْعشَاء المتسحب هُوَ التَّأْخِير إِلَى ثلث اللَّيْل فِي الشتَاء وَيكرهُ التَّأْخِير إِلَى نصف اللَّيْل وَذكر الْكَرْخِي تَأْخِير الْعشَاء مَا لم يتَجَاوَز ثلث اللَّيْل أفضل وَكَذَا ذكر الطَّحَاوِيّ وَفِي الصَّيف التَّعْجِيل أفضل وَهَذَا كُله مَذْهَب عُلَمَاؤُنَا وَقَالَ الشَّافِعِي الْمُسْتَحبّ هُوَ التَّعْجِيل فِي الصَّلَوَات كلهَا وَأما إِذا كَانَت السَّمَاء متغيمة فَإِن الْمُسْتَحبّ أَن يُؤَخر الْفجْر وَالظّهْر وَالْمغْرب ويعجل الْعَصْر وَالْعشَاء فَكل صَلَاة فِي أول اسْمهَا عين تعجل وَمَا لم يكن فِي أول اسْمهَا عين تُؤخر وَأما بَيَان أَوْقَات الصَّلَوَات الْوَاجِبَة وَمَا هُوَ شَبيه بهَا فَمِنْهَا وَقت الْوتر وَهُوَ على قَول أبي حنيفَة وَقت صَلَاة الْعشَاء إِلَّا أَنه شرع مُرَتبا عَلَيْهَا كوقت قَضَاء الْفَائِتَة هُوَ وَقت أَدَاء الوقتية لكنه شرع مُرَتبا عَلَيْهِ فَلَا يجوز أَدَاؤُهُ قبل صَلَاة الْعشَاء مَعَ أَنه وقته لفوت شَرطه وَهُوَ التَّرْتِيب وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وقته بعد أَدَاء صَلَاة الْعشَاء وَهَذَا بِنَاء على أَن الْوتر وَاجِب عِنْده وَعِنْدهم سنة ثمَّ الْوَقْت الْمُسْتَحبّ للوتر لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة ومشايخنا قَالُوا إِن طمع أَنه يَسْتَيْقِظ فِي آخر اللَّيْل غَالِبا فَالْأَفْضَل أَن يُؤَخر إِلَى وَقت السحر وَإِن خشِي أَن لَا يَسْتَيْقِظ فَالْأَفْضَل أَن يُوتر بعد الْعشَاء فِي الْوَقْت الْمُسْتَحبّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَإِذا ترك الْوتر عَن وقته حَتَّى طلع الْفجْر يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء عِنْد أَصْحَابنَا وعَلى قَول الشَّافِعِي لَا يجب لِأَنَّهُ سنة وَأما على قَول أبي حنيفَة فَلَا يشكل لِأَنَّهُ وَاجِب وَإِنَّمَا الْمُشكل على قَوْلهمَا فَإِنَّهُ سنة عِنْدهمَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يقْضِي وَلَكِن هَذَا هُوَ الْقيَاس عِنْدهمَا وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي غير رِوَايَة الْأُصُول وَجَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة هُوَ الِاسْتِحْسَان وتركا الْقيَاس بالأثر وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من نَام عَن وتر أَو نَسيَه فليصله إِذا ذكره وَلم يفصل بَين مَا إِذا تذكر فِي الْوَقْت أَو بعده من هَذَا النَّوْع وَقت صَلَاة الْجِنَازَة وَهُوَ وَقت حُضُور الْجِنَازَة حَتَّى إِذا حضرت الْجِنَازَة وَقت الْغُرُوب فأداها فِيهِ يجوز من غير كَرَاهَة لِأَنَّهَا وَجَبت فِي هَذَا الْوَقْت نَاقِصَة وبمنزلة أَدَاء الْعَصْر فِي الْوَقْت الْمَكْرُوه وَكَذَا وَقت وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة وَقت التِّلَاوَة حَتَّى لَو تَلا آيَة السَّجْدَة فِي وَقت غير مَكْرُوه وسجدها فِي وَقت مَكْرُوه لَا يجوز لِأَنَّهَا وَجَبت كَامِلَة فَلَا تُؤَدّى نَاقِصَة وَلَا تَلا فِي وَقت مَكْرُوه وسجدها فِيهِ جَازَ من غير كَرَاهَة وَمن هَذَا النَّوْع وَقت صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَهُوَ من وَقت ابيضاض الشَّمْس إِلَى وَقت الزَّوَال فَإِن صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَاجِبَة على مَا تذكر وَأما أَوْقَات السّنَن المؤقتة فوقت بعض السّنَن بعد أَدَاء الْفَرَائِض وَوقت بَعْضهَا قبل الْفَرِيضَة فِي وَقتهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فَمَتَى أدّى السّنَن على الْوَجْه الَّذِي شرع يكون سنة وَإِلَّا فَيكون تَطَوّعا مُطلقًا على مَا نذْكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما بَيَان الْأَوْقَات الَّتِي يكره فيهاالصلاة فَنَقُول الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة اثْنَا عشر وقتا فَثَلَاثَة مِنْهَا يكره الصَّلَاة فِيهَا لِمَعْنى فِي الْوَقْت وَالْبَاقِي لِمَعْنى غير الْوَقْت أما الثَّلَاثَة الَّتِي يكره الصَّلَاة فِيهَا لِمَعْنى يتَّصل بِالْوَقْتِ فِيمَا بعد طُلُوع الشَّمْس إِلَى أَن ترْتَفع وتبيض وَوقت اسْتِوَاء الشَّمْس حَتَّى تَزُول وَوقت احمرار الشَّمْس واصفرارها حَتَّى تغرب وَفِي هَذِه الْأَوْقَات الثَّلَاثَة يكره أَدَاء التَّطَوُّع الْمُبْتَدَأ الَّذِي لَا سَبَب لَهُ فِي جَمِيع الْأَزْمَان وَفِي جَمِيع الْأَمْكِنَة حَتَّى لَو شرع فِيهِ فَالْأَفْضَل أَن يقطع وَلَكِن أَو أدّى جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَكَذَا التَّطَوُّع الَّذِي لَهُ سَبَب مثل رَكْعَتي الطّواف وركعتي تَحِيَّة المسحد وَنَحْوهمَا وَكَذَا يكره أَدَاء الْفَرْض فِيهِ وَهُوَ صَلَاة الْعَصْر عِنْد تغير الشَّمْس وَلَا يتَصَوَّر أَدَاء الْفَرْض وَقت الاسْتوَاء قبل الزَّوَال وَوقت الطُّلُوع لِأَنَّهُ لَا فرض فيهمَا وَلَكِن مَعَ هَذَا أَدَاء الْعَصْر فِي الْوَقْت الْمَكْرُوه جَائِز مَعَ الْكَرَاهَة بِالْحَدِيثِ فالأداء فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَة أولى لِأَنَّهَا تفوت عَن الْوَقْت أصلا وَكَذَا يكره أَدَاء الْوَاجِبَات فِي هَذِه الْأَوْقَات لَكِن يجوز مَعَ الْكَرَاهَة وَذَلِكَ نَحْو من قَرَأَ آيَة السَّجْدَة فِيهَا أَو حضرت الْجِنَازَة فِيهَا أَو أوجب على نَفسه الصَّلَاة فِيهَا فَأدى السَّجْدَة وَالصَّلَاة يجوز مَعَ الْكَرَاهَة لَكِن الْأَفْضَل فِي صَلَاة الْجِنَازَة أَن يُؤَدِّيهَا وَلَا يؤخرها لقَوْله عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 السَّلَام ثَلَاث لَا يؤخرون الْجِنَازَة إِذا حضرت وَفِي سَجْدَة التِّلَاوَة وَالصَّلَاة الْمَنْذُورَة الْأَفْضَل أَن يقطع ويؤديها فِي وَقت آخر لِأَن الْوَقْت فِي حَقّهَا لَيْسَ بِسَبَب الْوُجُوب وَلَا بِشَرْط بل الْأَدَاء وَجب مُطلقًا فَلَا يفوت عَن الْوَقْت فَأَما قَضَاء الْفَرَائِض وَالصَّلَاة الْمَنْذُورَة الْفَائِتَة وَقَضَاء الْوَاجِبَات الْفَائِتَة عَن أَوْقَاتهَا كسجدة التِّلَاوَة الَّتِي وَجَبت بالتلاوة فِي وَقت غير مَكْرُوه أَو الْوتر الَّذِي فَاتَ عَن الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا يجوز فِي هَذِه الْأَوْقَات وَهَذَا كُله مَذْهَب عُلَمَاؤُنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز ذَلِك كُله من غير كَرَاهَة إِلَّا التَّطَوُّع الْمُبْتَدَأ الَّذِي لَا سَبَب لَهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوه فِيهَا إِلَّا بِمَكَّة فِي جَمِيع الْأَزْمَان أَو فِي يَوْم الْجُمُعَة فِي جَمِيع الْأَمْكِنَة فَإِنَّهُ غير مَكْرُوه وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَنه قَالَ ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينهانا أَن نصلي فِيهَا وَأَن نقبر فِيهَا مَوتَانا إِذا طلعت الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع وَنصف النَّهَار وَإِذا تضيفت الشَّمْس للغروب من غير فصل بَين التَّطَوُّع الْمُبْتَدَأ وَغَيره فَهُوَ على الْعُمُوم وَأما الْأَوْقَات الْأُخَر الَّتِي تكره الصَّلَاة فِيهَا لِمَعْنى فِي غير الْوَقْت فَمِنْهَا بعد طُلُوع الْفجْر إِلَى أَن يُصَلِّي الْفجْر وَبعد صَلَاة الْفجْر إِلَى أَن تطلع الشَّمْس وَبعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَن تَتَغَيَّر الشَّمْس للغروب فَلَا خلاف أَن أَدَاء التَّطَوُّع الْمُبْتَدَأ مَكْرُوه فِيهَا وَلَا خلاف أَن قَضَاء الْفَرَائِض والواجبات يجوز فِيهَا من غير كَرَاهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَأما التطوعات الَّتِي لَهَا أَسبَاب مثل رَكْعَتي الطّواف وركعتي التَّحِيَّة وركعتي الْفجْر بَعْدَمَا صلى الْفجْر وَلم يؤدهما لعذر أَو لغير عذر فَيكْرَه أَدَاؤُهَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يكره وَأَجْمعُوا أَنه لَا يكره أَدَاء رَكْعَتي الْفجْر قبل صَلَاة الْفجْر وَكَذَا أَدَاء الْوَاجِبَات فِي هَذِه الْأَوْقَات من سَجْدَة التِّلَاوَة وَصَلَاة الْجِنَازَة يجوز من غير كَرَاهَة وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ شهد عِنْدِي رجال مرضيون وأرضاهم عِنْدِي عمر أَن رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَا صَلَاة بعد صَلَاة الصُّبْح حَتَّى تشرق الشَّمْس وَلَا صَلَاة بعد صَلَاة الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس لَيْسَ فِي الحَدِيث فصل إِلَّا مَا خص بِالْإِجْمَاع وَأما أَدَاء الْوَاجِب الَّذِي وَجب بصنع العَبْد من النّذر وَقَضَاء التَّطَوُّع الَّذِي أفْسدهُ وَنَحْو ذَلِك فِيهَا فَإِنَّهُ يكره فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يكره لِأَنَّهُ وَاجِب بِسَبَب النّذر كسجدة التِّلَاوَة وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لِأَن الْمَنْذُور عينه لَيْسَ بِوَاجِب وَكَذَا عين الصَّلَاة لَا يجب بِالشُّرُوعِ وَمِنْهَا مَا بعد الْغُرُوب يكره النَّفْل فِيهِ وَغَيره لِأَن فِيهِ تَأْخِير الْمغرب عَن وقته وَمِنْهَا مَا بعد نصف اللَّيْل يكره فِيهِ أَدَاء الْعشَاء لَا غير كي لَا يُؤَخر الْعشَاء إِلَى النّصْف لما فِيهِ من تقليل الْجَمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وَمِنْهَا وَقت الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة يكره فِيهِ الصَّلَاة لِأَنَّهُ سَبَب لترك اسْتِمَاع الْخطْبَة وَمِنْهَا وَقت خُرُوج الإِمَام للخطبة قبل أَن يشْتَغل بهَا وَبعد الْفَرَاغ مِنْهَا إِلَى أَن يشرع فِي الصَّلَاة يكره التَّطَوُّع فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَمِنْهَا بعد شُرُوع الإِمَام فِي الْجَمَاعَة يكره للْقَوْم التَّطَوُّع قَضَاء لحق الْجَمَاعَة إِلَّا فِي صَلَاة الْفجْر فَإِنَّهُ إِذا لم يصل رَكْعَتي الْفجْر فَلهُ أَن يُصَلِّي إِذا لم يخف فَوت الْجَمَاعَة أصلا بِأَن كَانَ عِنْده أَنه يدْرك رَكْعَة من الْفجْر بِجَمَاعَة لإحراز ثَوَاب الْجَمَاعَة مَعَ فَضِيلَة رَكْعَتي الْفجْر على مَا نذْكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهَا وَقت يكره فِيهِ التَّنَفُّل لبَعض النَّاس دون بعض وَهُوَ قبل صَلَاة الْعِيدَيْنِ من حضر الْمصلى يَوْم العَبْد فَإِنَّهُ يكره لَهُ أَن يتَطَوَّع قبل صَلَاة الْعِيد لما رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ ينْهَى النَّاس عَن التَّنَفُّل قبل صَلَاة الْعِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بَاب الْأَذَان الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي سِتَّة مَوَاضِع وَفِي بَيَان الْأَذَان أَنه سنة أَو وَاجِب وَفِي بَيَان كَيْفيَّة الْأَذَان وَفِي بَيَان سنَن الْأَذَان وَفِي بَيَان الْمحل الَّذِي شرع فِيهِ الْأَذَان وَفِي بَيَان وَقت الْأَذَان وَفِي بَيَان مَا يجب على السامعين عِنْد الْأَذَان أما الأول فَنَقُول اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ بَعضهم قَالُوا إِنَّه وَاجِب لما رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَن أهل بَلْدَة من بِلَاد الْإِسْلَام إِذا تركُوا الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَإِنَّهُ يجب الْقِتَال مَعَهم وَإِنَّمَا يُقَاتل على ترك الْوَاجِب دون السّنة وَعَامة مَشَايِخنَا قَالُوا إنَّهُمَا سنتَانِ مؤكدتان لما روى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ فِي قوم صلوا الظّهْر أَو الْعَصْر فِي الْمصر بِجَمَاعَة من غير أَذَان وَإِقَامَة إِنَّهُم أخطؤوا السّنة وخالفوا وأثموا وَلَكِن كلا من الْقَوْلَيْنِ متقاربان لِأَن السّنة الْمُؤَكّدَة وَالْوَاجِب سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَأما بَيَان كَيْفيَّة الْأَذَان فَنَقُول الْأَذَان هُوَ الْأَذَان الْمَعْرُوف فِيمَا بَين النَّاس من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقد خَالف بعض النَّاس فِي الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَالنُّقْصَان عَنهُ قَالَ عَامَّة الْعلمَاء يكبر أَربع مَرَّات فِي ابْتِدَاء الْأَذَان وَقَالَ مَالك يكبر مرَّتَيْنِ وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء يخْتم الْأَذَان بقوله لَا إِلَه إِلَّا الله وَقَالَ مَالك يخْتم بقوله لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء لَا تَرْجِيع فِي الْأَذَان وَقَالَ الشَّافِعِي الترجيع فِيهِ سنة وَتَفْسِير الترجيع عِنْده أَن يبتدىء الْمُؤَذّن بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مرَّتَيْنِ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مرَّتَيْنِ ويخفض بهما صَوته ثمَّ يرجع إِلَيْهِمَا وَيرْفَع بهما صَوته وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء الْإِقَامَة مثنى مثنى وكالأذان وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ الْإِقَامَة فُرَادَى فُرَادَى وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء يُقَال فِي الْإِقَامَة قد قَامَت الصَّلَاة مرَّتَيْنِ وَقَالَ مَالك يُقَال مرّة وَاحِدَة وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء بالتثويب فِي أَذَان الْفجْر بِأَن يُقَال فِيهِ الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ بعد قَوْله حَيّ على الْفَلاح وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَوْله الْجَدِيد إِنَّه لَا تثويب فِيهِ وَأما بَيَان سنَن الْأَذَان فَنَقُول إِنَّهَا نَوْعَانِ مِنْهَا مَا يرجع إِلَى نفس الْأَذَان وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى الْمُؤَذّن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 أما الَّذِي يرجع إِلَى نفس الْأَذَان فَمِنْهَا أَن يَأْتِي بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة جَهرا وَيرْفَع بهما صَوته إِلَّا أَن الْإِقَامَة أَخفض وَمِنْهَا أَن يفصل بَين كلمتي الْأَذَان بسكتة وَلَا يفصل بَين كلمتي الْإِقَامَة بل يجعلهما كلَاما وَاحِدًا وَمِنْهَا أَيْن يترسل فِي الْأَذَان ويجدر فِي الْإِقَامَة وَمِنْهَا أَيْن يرتب بَين كَلِمَات الْأَذَان وَالْإِقَامَة كَمَا شرع حَتَّى إِذا قدم الْبَعْض وَأخر الْبَعْض فَالْأَفْضَل أَن يُعِيد مُرَاعَاة للتَّرْتِيب وَمِنْهَا أَن يوالي ويتابع بَين كَلِمَات الْأَذَان وَالْإِقَامَة كَمَا يوالي فِي الْوضُوء حَتَّى لَو ترك الْمُوَالَاة فَالسنة أَن يُعِيد الْأَذَان وَمِنْهَا أَن يَأْتِي بهما مُسْتَقْبل الْقبْلَة إِلَّا إِذا انْتهى إِلَى الصَّلَاة والفلاح يحول وَجهه يَمِينا وَشمَالًا وَلَا يحول قَدَمَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ فِي الصومعة فَلَا بَأْس بِأَن يستدير فِي الصومعة ليخرج رَأسه من نَوَاحِيهَا وَأما الَّذِي يرجع إِلَى الْمُؤَذّن فَيَنْبَغِي أَن يكون رجلا عَاقِلا بَالغا صَالحا تقيا عَالما بِالسنةِ وبأوقات الصَّلَوَات مواظبا على ذَلِك فَإِن أَذَان الصَّبِي الْعَاقِل صَحِيح من غير كَرَاهِيَة كَذَا ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَلَكِن أَذَان الْبَالِغ أفضل وَأما أَذَان الْمَرْأَة فَيكْرَه بِالْإِجْمَاع وَلَكِن يجوز مَعَ الْكَرَاهَة حَتَّى لَا يُعَاد كَذَا ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه يُعَاد وَأما أَذَان الصَّبِي الَّذِي لَا يعقل فَلَا يجوز ويعاد وَكَذَا أَذَان السَّكْرَان الَّذِي لَا يعقل وَالْمَجْنُون هَكَذَا روى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا يَقع بِهِ الْإِعْلَام لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الصلحاء لَا يعتمدون على أذانهم وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة قَالَ يكره أَذَان السَّكْرَان وَالْمَعْتُوه الَّذِي لَا يعقل وَأحب إِلَيّ أَن يُعَاد وَلم يذكر وجوب الْإِعَادَة وَمن السّنة أَن يَجْعَل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَإِن ترك لَا يضرّهُ كَذَا ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن الْأَحْسَن أَن يَجْعَل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَإِن جعل يَدَيْهِ على أُذُنَيْهِ فَحسن وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِن جعل إِحْدَى يَدَيْهِ على أُذُنه فَحسن وَمن السّنة أَن يكون الْمُؤَذّن على وضوء وَإِن ترك الْوضُوء فِي الْأَذَان لَا يكره فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة الْحسن يكره وَأما أَذَان الْجنب وإقامته فَيكْرَه بالِاتِّفَاقِ وَهل يُعَاد ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه يجوز وَلَا تجب الْإِعَادَة وَلَكِن يسْتَحبّ وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يُعَاد فَالْحَاصِل أَنه يسْتَحبّ إِعَادَة أَذَان أَرْبَعَة نفر فِي ظَاهر الرِّوَايَة ذكر أَذَان الْجنب وَالْمَرْأَة فِي الْجَامِع الصَّغِير وَذكر أَذَان السَّكْرَان وَالْمَعْتُوه الَّذِي لَا يعقل فِي كتاب الصَّلَاة وَفِي غير رِوَايَة الْأُصُول يُعَاد أَذَان هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة وَمن السّنة أَن يُؤذن وَيُقِيم إِذا أذن للْجَمَاعَة وَلَو ترك من غير عذر يكره وَأما إِذا أذن لنَفسِهِ فَلَا بَأْس بِأَن يُؤذن قَاعِدا وَأما الْمُسَافِر فَلَا بَأْس بِأَن يُؤذن رَاكِبًا وَلَا يكره لَهُ ترك الْقيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَيَنْبَغِي أَن يُؤذن محتسبا وَلَا يَأْخُذ على الْأَذَان أجرا وَإِن أَخذ يكره وَأَصله مَا رُوِيَ عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ أَنه قَالَ آخر مَا عهد إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أُصَلِّي بالقوم صَلَاة أضعفهم وَأَن أَتَّخِذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ على الْأَذَان أجرا أما بَيَان الْمحل الَّذِي شرع فِيهِ الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَنَقُول الْمحل الَّذِي شرعا فِيهِ هُوَ الصَّلَوَات المكتوبات الَّتِي تُؤَدّى بِجَمَاعَة مُسْتَحبَّة أَو مَا هُوَ شَبيه بهَا وَلِهَذَا لَا أَذَان فِي التطوعات وَلَا إِقَامَة لِأَنَّهُ لَا يسْتَحبّ فِيهَا الْجَمَاعَة وَكَذَا فِي الْوتر لِأَنَّهُ تطوع عِنْدهمَا وَعند أبي حنيفَة وَإِن كَانَ وَاجِبا وَلكنه تبع للعشاء فَيجْعَل تبعا فِي الْأَذَان وَكَذَا لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَلَا فِي صَلَاة الْكُسُوف والخسوف وَصَلَاة الاستقساء لِأَنَّهَا من السّنَن وَكَذَا فِي صَلَاة الْجِنَازَة لِأَنَّهَا لَيست بِصَلَاة حَقِيقِيَّة وَكَذَا الْأَذَان فِي حق النسوان وَالْعَبِيد وَكَذَا من لَا جمَاعَة عَلَيْهِم لِأَنَّهَا سنة الْجَمَاعَة المستحبة وَلَا يسْتَحبّ جمَاعَة النسوان وَالْعَبِيد فَأَما الْجُمُعَة فَفِيهَا أَذَان وَإِقَامَة لِأَنَّهَا فَرِيضَة لَكِن الْأَذَان الْمُعْتَبر مَا يُؤْتى بِهِ إِذا صعد الإِمَام الْمِنْبَر وَالْإِقَامَة الْمُعْتَبرَة مَا يُؤْتى بهَا إِذا فرع إِمَام من الْخطْبَة حَتَّى تجب الْإِجَابَة لهَذَا الْأَذَان وَالِاسْتِمَاع دون الْأَذَان الَّذِي يُؤْتى بِهِ فِي الصومعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَقَالَ بَعضهم الْأَذَان الْمُعْتَبر هُوَ الْأَذَان الَّذِي يُؤْتى بِهِ على المنارة وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لما رُوِيَ عَن السَّائِب بن يزِيد أَنه قَالَ كَانَ الْأَذَان يَوْم الْجُمُعَة على عهد رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام وعَلى عهد أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا عِنْد الْمِنْبَر أذانا وَاحِدًا فَلَمَّا كَانَ فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ كثر النَّاس وأحدثوا هَذَا الْأَذَان فِي الزَّوْرَاء فَأَما إِذا صلى الرجل وَحده فِي بَيته فقد ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة إِنَّه إِن صلى أَذَان وَإِقَامَة يُجزئهُ ويكفيه أَذَان النَّاس وإقامتهم وَلَو أَتَى بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة فَحسن وَأما فِي حق الْمُسَافِرين فَالْأَفْضَل أَن يؤذنوا ويقيموا ويصلوا بِالْجَمَاعَة فَإِن صلوا بِجَمَاعَة وَأَقَامُوا وَتركُوا الْأَذَان أجزأهم وَلَا يكره بِخِلَاف أهل الْمصر فَإِنَّهُم إِذا تركُوا الْأَذَان وَأَقَامُوا يكره لَهُم ذَلِك لوُجُود سَبَب الرُّخْصَة فِي حق الْمُسَافِرين دونهم وَأما الْمُسَافِر إِذا كَانَ وَحده لَو ترك الْأَذَان لَا بَأْس بِهِ وَلَو ترك الْإِقَامَة يكره بِخِلَاف الْمُقِيم إِذا كَانَ يُصَلِّي وَحده فِي بَيته لَو ترك الْأَذَان وَالْإِقَامَة لَا بَأْس بِهِ لِأَن أَذَان النَّاس وإقامتهم يقوم مقَام فعل الْمُقِيم وَلم يُوجد ذَلِك فِي حق الْمُسَافِر وَإِن صلى فِي مَسْجِد بِأَذَان وَإِقَامَة هَل يكره أَن يُؤذن ويقام فِيهِ ثَانِيًا ينظر إِن كَانَ مَسْجِدا لَهُ أهل مَعْلُوم فَإِن صلى فِيهِ غير أَهله بِأَذَان وَإِقَامَة لَا يكره لأَهله أَن يصلوا فِيهِ بِجَمَاعَة مَعَ الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَإِن صلى فِيهِ أَهله بِأَذَان وَإِقَامَة أَو بعض أَهله فَإِنَّهُ يكره لغير أَهله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وللباقين من أَهله أَن يُعِيدُوا الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكره تكْرَار الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَهَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْحَاصِل بِنَاء على مَسْأَلَة أُخْرَى أَن تكْرَار الْجَمَاعَة لصَلَاة وَاحِدَة فِي مَسْجِد وَاحِد هَل يكره فَفِي كل مَوضِع يكره تكْرَار الْجَمَاعَة يكره تكْرَار الْأَذَان وَفِي كل مَوضِع لَا يكره تكْرَار الْجَمَاعَة لَا يكره لِأَنَّهُمَا من سنة الصَّلَاة بِجَمَاعَة وَالْجَوَاب فِيهِ مَا ذكرنَا وعَلى قَول الشَّافِعِي لَا يكره تكْرَار الْجَمَاعَة مرّة بعد أُخْرَى فِي الْمَسْجِد كَيْفَمَا كَانَ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه إِنَّمَا يكره إِذا كَانَ على سَبِيل الِاجْتِمَاع والتداعي وَقَامَ فِي الْمِحْرَاب فإمَّا إِذا أَقَامَ الصَّلَاة بِوَاحِد أَو بِاثْنَيْنِ فِي نَاحيَة الْمَسْجِد فَلَا يكره وَإِن كَانَ لَهُ أهل معلومون فَإِن صلى فِيهِ غير أَهله بِأَذَان الطّرق فَإِنَّهُ لَا يكره فِيهِ تكْرَار الْجَمَاعَة بِالْإِجْمَاع وَأما الْفَوَائِت فتقام بِالْجَمَاعَة بِأَذَان وَإِقَامَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي فِي قَول يقْضِي بِالْإِقَامَةِ لَا غير وَفِي قَول بِغَيْر أَذَان وَإِقَامَة وَرُوِيَ فِي غير رِوَايَة الأَصْل عَن مُحَمَّد أَنه إِذا فَاتَت صلوَات يقْضِي الأولى بِأَذَان وَإِقَامَة وَالْبَاقِي بِالْإِقَامَةِ دون الْأَذَان وَحكي عَن أبي بكر الرَّازِيّ أَنه قَالَ يجوز أَن يكون مَا قَالَ مُحَمَّد قَوْلهم جَمِيعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَالْمَذْكُور فِي الْكتاب مَحْمُول على الصَّلَاة الْوَاحِدَة فيرتفع الْخلاف بَين أَصْحَابنَا وَأما بَيَان وَقت الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَنَقُول وقتهما هُوَ وَقت الصَّلَوَات المكتوبات حَتَّى إِذا أذن قبل أَوْقَاتهَا لَا يجوز وَهَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ فِي صَلَاة الْفجْر إِذا أذن فِي النّصْف الْأَخير من اللَّيْل يجوز وَبِه أَخذ الشَّافِعِي وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا يمنعكم أَذَان بِلَال من السّحُور فَإِنَّهُ يُؤذن بلَيْل ليوقظ نائمكم وَيرجع قائمكم ويتسحر صائمكم فَعَلَيْكُم بِأَذَان ابْن أم مَكْتُوم وَأما بَيَان مَا يجب على السامعين عِنْد الْأَذَان فَنَقُول يجب عَلَيْهِم الْإِجَابَة على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أَربع من الْجفَاء وَذكر من جُمْلَتهَا وَمن سمع الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَلم يجب والإجابة أَن يَقُول مثل مَا قَالَه الْمُؤَذّن إِلَّا فِي قَوْله حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح فَإِنَّهُ يَقُول مَكَان ذَلِك لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم لِأَن إِعَادَة ذَلِك تشبه المحاكاة والاستهزاء وَكَذَا إِذا قَالَ الْمُؤَذّن الصَّلَاة خير من النّوم فَلَا يَقُول السَّامع مثله لِأَنَّهُ يشبه المحاكاة وَلَكِن يَقُول صدقت وبالحق نطقت وبررت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَكَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يتَكَلَّم فِي حَال الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَلَا يقْرَأ الْقُرْآن وَلَا يشْتَغل بِشَيْء من الْأَعْمَال سوى الْإِجَابَة وَلَو أَن فِي قِرَاءَة الْقُرْآن حِين سمع الْأَذَان يَنْبَغِي أَن يقطع الْقِرَاءَة ويستمع الْأَذَان ويجيب هَكَذَا ذكر فِي الْفَتَاوَى وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ قَادِرًا على الِاسْتِقْبَال أَو كَانَ عَاجِزا فَإِن كَانَ قَادِرًا يجب عَلَيْهِ أَن يتَوَجَّه إِلَى الْقبْلَة فَإِن كَانَ فِي حَال مُشَاهدَة الْكَعْبَة فَإلَى عينهَا وَإِن كَانَ فِي حَالَة الْبعد يجب التَّوَجُّه إِلَى الْمِحْرَاب والمنصوب بالأمارات الدَّالَّة عَلَيْهَا هَكَذَا ذكر أَبُو الْحسن هَهُنَا وَقَالَ بَعضهم الْوَاجِب إِصَابَة عين الْكَعْبَة بِالِاجْتِهَادِ والتحري فِي حَالَة الْبعد وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَلِهَذَا إِن من دخل الْبَلدة وعاين المحاريب المنصوبة يجب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي إِلَيْهَا وَلَا يجوز لَهُ أَن يتحَرَّى لِأَن الْجِهَة صَارَت قبْلَة باجتهادهم الْمَبْنِيّ على الأمارات الدَّالَّة عَلَيْهَا من النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر فَيكون فَوق الِاجْتِهَاد بِالتَّحَرِّي وَكَذَا إِذا دخل مَسْجِدا لَا محراب لَهُ وبحضرته أهل الْمَسْجِد فتحرى وَصلى لَا يُجزئهُ وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي الْمَفَازَة وَالسَّمَاء مصحية وَله علم بالاستدلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 بالنجوم على الْقبْلَة لَا يجوز لَهُ التَّحَرِّي لِأَن هَذَا فَوق التَّحَرِّي وَأما إِذا كَانَ عَاجِزا فإمَّا إِن كَانَ عَاجِزا بِعُذْر من الْأَعْذَار مَعَ الْعلم بالقبلة أَو كَانَ عَاجِزا بِسَبَب الِاشْتِبَاه فَإِن كَانَ عَاجِزا بِعُذْر فَلهُ أَن يُصَلِّي إِلَى أَي جِهَة كَانَ يسْقط عَنهُ الِاسْتِقْبَال وَذَلِكَ نَحْو أَن يخَاف على نَفسه من الْعَدو فِي صَلَاة الْخَوْف أَو كَانَ بِحَال لَو اسْتقْبل الْقبْلَة يقف عَلَيْهِ الْعَدو أَو قطاع الطَّرِيق أَو السَّبع أَو كَانَ على خَشَبَة فِي السَّفِينَة فِي الْبَحْر لَو وَجههَا إِلَى الْقبْلَة يغرق غَالِبا وَنَحْو ذَلِك وَأما إِذا كَانَ بِسَبَب الِاشْتِبَاه وَهُوَ أَن يكون فِي الْمَفَازَة فِي لَيْلَة مظْلمَة أَو كَانَ لَا يعلم بالأمارات الدَّالَّة على الْقبْلَة وَلَيْسَ مَعَه من يسْأَله عَن الْقبْلَة فَعَلَيهِ أَن يُصَلِّي بِالتَّحَرِّي فِي هَذِه الْحَالة فَإِذا صلى إِلَى جِهَة من الْجِهَات فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن صلى إِلَى جِهَة بِالتَّحَرِّي أَو بِدُونِ التَّحَرِّي أما إِذا صلى بِدُونِ التَّحَرِّي فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه إِمَّا إِن كَانَ لَا يخْطر بِبَالِهِ شَيْء وَلم يشك فِي جِهَة الْقبْلَة أَو خطر بِبَالِهِ وَشك فِي وجهة الْكَعْبَة وَصلى من غير التَّحَرِّي أَو تحرى وَوَقع تحريه على جِهَة وَصلى إِلَى الْجِهَة الَّتِي لم يَقع عَلَيْهَا التَّحَرِّي أما إِذا لم يخْطر بِبَالِهِ شَيْء وَلم يشك فِي جِهَة الْقبْلَة فصلى إِلَى جِهَة من الْجِهَات فَالْأَصْل هُوَ الْجَوَاز فَإِذا مضى على هَذِه الْحَالة وَلم يخْطر بِبَالِهِ شَيْء صَارَت الْجِهَة الَّتِي صلى إِلَيْهَا قبْلَة لَهُ ظَاهرا فَأَما إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ظهر خَطؤُهُ بِيَقِين بِأَن انجلى الظلام وَتبين أَنه صلى إِلَى غير الْقبْلَة أَو تحرى وَوَقع تحريه على غير الْجِهَة الَّتِي صلى إِلَيْهَا فَإِنَّهُ يُعِيد الصَّلَاة إِن كَانَ بعد الْفَرَاغ وَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة يسْتَقْبل وَأما إِذا شكّ وَلم يتحر وَصلى إِلَى جِهَة فَالْأَصْل هُوَ الْفساد إِن ظهر بِيَقِين أَو بِالتَّحَرِّي أَن الْجِهَة الَّتِي صلى إِلَيْهَا لَيست بقبلة تقرر الْفساد وَإِن ظهر أَن الْجِهَة الَّتِي صلى إِلَيْهَا قبْلَة فَإِن كَانَ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة يحكم بجوازها وَلَا يُعِيد وَإِن ظهر فِي وسط الصَّلَاة فَعِنْدَ أبي يُوسُف يَبْنِي على صلَاته كَمَا قُلْنَا وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يسْتَقْبل الصَّلَاة وَأما إِذا تحرى وَوَقع تحريه إِلَى جِهَة ثمَّ صلى إِلَى جِهَة أُخْرَى وَأصَاب الْقبْلَة فَلَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف يجوز فَأَما إِذا صلى إِلَى الْجِهَة الَّتِي تحرى ثمَّ ظهر أَنه أَخطَأ فَإِن ظهر أَنه صلى إِلَى اليمنة أَو اليسرة جَازَ بِلَا خلاف وَإِن ظهر أَنه صلى مستدبر الْكَعْبَة يجوز عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْقبْلَة فِي حَالَة الِاشْتِبَاه هِيَ الْجِهَة الَّتِي تحرى إِلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 بَاب افْتِتَاح الصَّلَاة افْتِتَاح الصَّلَاة يتَعَلَّق بفروض وَسنَن فَلَا يَصح بِدُونِ استجماع فروضه وَلَا يتم بِدُونِ إتْيَان سنَنه أما فروضه فَمَا ذكرنَا من الشَّرَائِط السِّتَّة وَهِي الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة واستقبال الْقبْلَة وَالْوَقْت وَالنِّيَّة وَتَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَلَا خلاف فِي هَذِه الْجُمْلَة إِلَّا فِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح فَعِنْدَ أبي بكر الْأَصَم يَصح الشُّرُوع فِي الصَّلَاة بِمُجَرَّد النِّيَّة دون التَّكْبِير وَهُوَ فَاسد لقَوْل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لَا يقبل الله صَلَاة امرىء حَتَّى يضع الطّهُور موَاضعه وَيسْتَقْبل الْقبْلَة وَيَقُول الله أكبر ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد يَصح الشُّرُوع بِكُل ذكر هُوَ ثَنَاء خَالص لله تَعَالَى مُرَاد بِهِ تَعْظِيمه لَا غير نَحْو أَن يَقُول الله أكبر الله أعظم وَكَذَا كل اسْم ذكر مَعَ الصّفة نَحْو الرَّحْمَن أعظم الرَّحِيم أجل أَو يَقُول الْحَمد لله أَو سُبْحَانَ الله أَو لَا إِلَه إِلَّا الله سَوَاء كَانَ يحسن التَّكْبِير أَو لَا يحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يصير شَارِعا إِلَّا بِأَلْفَاظ مُشْتَقَّة من التَّكْبِير لَا غير وَهِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ الله أكبر الله الْأَكْبَر الله الْكَبِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 إِلَّا إِذا كَانَ لَا يحسن التَّكْبِير وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح إِلَّا بقوله الله أكبر الله الْأَكْبَر وَقَالَ مَالك لَا يصير شَارِعا إِلَّا بقوله الله أكبر فَأَما إِذا قَالَ الله أَو الرَّحْمَن أَو الرَّحِيم وَلم يقرن بِهِ الصّفة هَل يصير شَارِعا لم يذكر فِي الرِّوَايَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يصير شَارِعا وَفِي الْجَامِع الصَّغِير إِشَارَة إِلَيْهِ فَإِنَّهُ ذكر إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يصير شَارِعا والشروع يَصح بقوله الله لَا بِالنَّفْيِ وَأَجْمعُوا أَنه إِذا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لي لَا يصير شَارِعا لِأَنَّهُ لم يخلص تَعْظِيم الله تَعَالَى بِهِ لِأَن غَرَضه الدُّعَاء وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيمَا إِذا قَالَ اللَّهُمَّ وَلم يذكر شَيْئا آخر فَأَما إِذا قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ خداىء بزرك تَرَ أَو خداىء بزرك فعلى قَول أبي حنيفَة يصير شَارِعا كَيْفَمَا كَانَ وعَلى قَوْلهمَا إِن كَانَ لَا يحسن الْعَرَبيَّة فَكَذَلِك وَإِن كَانَ يحسن لَا يجوز ثمَّ إِنَّمَا يصير شَارِعا إِذا كبر فِي حَال الْقيام إِذا كَانَ قَادِرًا فَأَما إِذا كبر قَاعِدا ثمَّ قَامَ لَا يصير شَارِعا فَأَما إِذا لم يكن قَادِرًا على الْقيام فَيجوز ثمَّ النِّيَّة شَرط صِحَة الشُّرُوع لِأَن الْعِبَادَة لَا تصح بِدُونِ النِّيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وتفسيرها إِرَادَة الصَّلَاة لله تَعَالَى على الخلوص والإرادة عمل الْقلب ثمَّ ذكر مَا نوى بِقَلْبِه بِاللِّسَانِ هَل هُوَ سنة عِنْد بَعضهم لَيْسَ بِسنة وَقَالَ بَعضهم هُوَ سنة مُسْتَحبَّة فَإِن مُحَمَّدًا ذكر فِي كتاب الْمَنَاسِك إِذا أردْت أَن تحرم الْحَج إِن شَاءَ الله فَقل اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيد الْحَج فيسره لي وتقبله مني فههنا يجب أَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيد صَلَاة كَذَا فيسرها لي وتقبلها مني ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ مُنْفَردا أَو إِمَامًا أَو مقتديا فَإِن كَانَ مُنْفَردا أَو إِمَامًا فَإِن كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّع يَنْوِي أصل الصَّلَاة وَإِن كَانَ يُصَلِّي الْفَرْض يَنْبَغِي أَن يَنْوِي فرض الْوَقْت أَو ظهر الْوَقْت وَلَا يَكْفِيهِ نِيَّة مُطلق الصَّلَاة لِأَن الْفَرَائِض من الصَّلَوَات مَشْرُوعَة فِي الْوَقْت فَلَا بُد من التَّعْيِين وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يَنْوِي صَلَاة الْجُمُعَة وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ وَصَلَاة الْجِنَازَة لِأَن التَّعْيِين يحصل بِهَذَا وَإِن كَانَ مقتديا يحْتَاج إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُنْفَرد وَيحْتَاج إِلَيّ نِيَّة الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ بِأَن يَنْوِي فرض الْوَقْت والاقتداء بِالْإِمَامِ فِيهِ أَو يَنْوِي الشُّرُوع فِي صَلَاة الإِمَام أَو يَنْوِي الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ فِي صلَاته ثمَّ الْأَفْضَل فِي النِّيَّة أَن تكون مُقَارنَة لتكبير وَلَكِن الْقُرْآن لَيْسَ بِشَرْط عِنْد أَصْحَابنَا وَقَالَ الشَّافِعِي شَرط وَلَكِن إِذا نوى قبل الشُّرُوع وَلم يشْتَغل بِعَمَل آخر جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَإِذا نوى بعد التَّكْبِير لَا يجوز لِأَن الْحَرج ينْدَفع بِتَقْدِيم النِّيَّة إِلَّا مَا رُوِيَ عَن الْكَرْخِي أَنه يجوز إِذا نوى وَقت الثَّنَاء وَنِيَّة الْكَعْبَة شَرط عِنْد بعض الْمَشَايِخ وَعند بَعضهم لَيْسَ بِشَرْط وَهُوَ الْأَصَح وَأما سنَن الِافْتِتَاح فَأن يحذف التَّكْبِير وَلَا يطول وَأَن يرفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح مُقَارنًا لَهَا وَالسّنة فِي رفع الْيَدَيْنِ أَن ينشر بالأصابع وَيجْعَل كفيه مستقبلي الْقبْلَة وَأَرَادَ بالنشر أَن لَا يرفعهما مضمومتين بل مفتوحتين حَتَّى تكون الْأَصَابِع نَحْو الْقبْلَة لَا أَن يفرج بَين الْأَصَابِع تفريجا وَيرْفَع يَدَيْهِ حذاء أُذُنَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِي يرفع حَذْو مَنْكِبَيْه وَقَالَ مَالك يرفع حذاء رَأسه وَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة حكم الْمَرْأَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا ترفع يَديهَا حذاء أذنيها كَالرّجلِ لِأَن كفيها ليسَا بِعَوْرَة وروى مُحَمَّد بن مقَاتل عَن أَصْحَابنَا إِنَّهَا ترفع يَديهَا حذاء منكبيها فَإِذا فرغ الْمُصَلِّي من التَّكْبِير يضع يَمِينه على شِمَاله تَحت السُّرَّة وَقَالَ مَالك السّنة هِيَ إرْسَال الْيَدَيْنِ حَالَة الْقيام وروى عَن مُحَمَّد فِي النَّوَادِر أَنه يرسلهما حَالَة الثَّنَاء فَإِذا فرغ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الثَّنَاء يضع يَمِينه على شِمَاله وَقَالَ الشَّافِعِي يضعهما على الصَّدْر ثمَّ يَقُول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك سَوَاء كَانَ مَعَ الإِمَام أَو وَحده وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف يَنْبَغِي أَن يَقُول مَعَ التَّسْبِيح {إِنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين} {قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين} ثمَّ يتَعَوَّذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم إِذا كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا فَهُوَ سنة فِي حَقّهمَا دون المتقدي عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَلَا يَنْبَغِي أَن يَأْتِي بِهِ وعَلى قَول أبي يُوسُف سنة فِي حَقه أَيْضا وَحَاصِل الْخلاف أَن التَّعَوُّذ تبع للثناء أَو تبع للْقِرَاءَة فعلى قَوْلهمَا تبع للْقِرَاءَة وعَلى قَوْله تبع للثناء وَيخرج عَلَيْهِ ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهمَا أَن الْمُقْتَدِي لَا قِرَاءَة عَلَيْهِ فَلَا يَأْتِي بِمَا هُوَ تبع لَهَا عِنْدهمَا والمقتدي يَأْتِي بالثناء فَيَأْتِي بِمَا هُوَ تبع لَهُ عِنْده وَالثَّانيَِة المسبق إِذا شرع فِي صَلَاة الإِمَام وَسبح لَا يتَعَوَّذ وَإِذا قَامَ إِلَى قَضَاء مَا سبق بِهِ يتَعَوَّذ عِنْد ابْتِدَاء الْقِرَاءَة عِنْدهمَا وَعِنْده يتَعَوَّذ عِنْد التَّسْبِيح لما ذكرنَا وَالثَّالِثَة الإِمَام فِي صَلَاة الْعِيد يَأْتِي بالتعوذ بعد التَّكْبِيرَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 عِنْدهمَا لِأَنَّهُ وَقت الْقِرَاءَة وَعِنْده يَأْتِي بِهِ قبل التَّكْبِيرَات كالتسبيح ثمَّ يخفي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي يجْهر وَهَذَا بِنَاء على أَن التَّسْمِيَة عِنْده من الْفَاتِحَة قولا وَاحِدًا وَمن رَأس كل سُورَة قَوْلَيْنِ فيجهر بهما بِمَنْزِلَة الْفَاتِحَة وَالسورَة وَعِنْدنَا هِيَ آيَة من الْقُرْآن أنزلت للفصل بَين السُّور والافتتاح بهَا تبركا وَلَيْسَت من الْفَاتِحَة وَلَا من رَأس كل سُورَة فَلَا يجْهر بهَا وَلَكِن يَأْتِي بهَا الإِمَام لافتتاح الْقِرَاءَة بهَا تبركا كَمَا يَأْتِي بالتعوذ فِي الرِّوَايَات كلهَا فِي الرَّكْعَة الأولى وَهل يَأْتِي بهَا فِي أول الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَات الْأُخَر فَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة الْحسن لَا يَأْتِي بهَا وَفِي رِوَايَة الْمُعَلَّى يَأْتِي وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَهل يَأْتِي بهَا عِنْد رَأس كل سُورَة فِي الصَّلَاة على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يَأْتِي بهَا وَقَالَ مُحَمَّد يَأْتِي بهَا ثمَّ الْقِرَاءَة فرض فِي الصَّلَاة عِنْد عَامَّة الْعلمَاء خلافًا لأبي بكر الْأَصَم وسُفْيَان بن عُيَيْنَة لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة وَهَذَا فِي حق الإِمَام وَالْمُنْفَرد فَأَما الْمُقْتَدِي فَلَا قِرَاءَة عَلَيْهِ عندنَا وَعند الشَّافِعِي عَلَيْهِ الْقِرَاءَة وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ عندنَا الْقِرَاءَة فرض فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين حَتَّى لَو تَركهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الْأَوليين وَقرأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَيكون قَضَاء على الْأَوليين وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب أَصْحَابنَا وَقدر الْقِرَاءَة الْمَفْرُوض عِنْد أبي حنيفَة آيَة وَاحِدَة وَعِنْدَهُمَا آيَة طَوِيلَة أَو ثَلَاث آيَات قَصِيرَة وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالسورَة جَمِيعًا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين لَيست بِفَرْض عندنَا وَعند الشَّافِعِي فرض وَلَكِن قراءتهما جَمِيعًا فِي الْأَوليين عندنَا وَاجِبَة حَتَّى لَو تَركهمَا أَو ترك إِحْدَاهمَا عمدا يكون مسيئا وَإِن كَانَ سَاهِيا يلْزمه سُجُود السَّهْو وَأما فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَالسنة أَن يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب لَا غير وَلَو سبح فِي كل رَكْعَة ثَلَاث تسبيحات أَجزَأَهُ وَلَا يكون مسيئا وَإِن لم يقْرَأ وَلم يسبح وَسكت أَجْزَأته صلَاته وَيكون مسيئا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف هُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إِن شَاءَ قَرَأَ وَإِن شَاءَ سبح وَإِن شَاءَ سكت ويجهر بِالْقِرَاءَةِ فِي جَمِيع الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة إِلَّا فِي صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَكَذَا يجْهر فِي كل صَلَاة يشْتَرط فِيهَا الْجَمَاعَة سَوَاء كَانَت فرضا أَو وَاجِبَة كَصَلَاة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ ثمَّ إِن كَانَ إِمَامًا يجب عَلَيْهِ مُرَاعَاة الْجَهْر فِيمَا يجْهر والمخافتة فِيمَا يُخَافت سَوَاء كَانَ فِي الْفَرْض أَو الْوَاجِب أَو التَّطَوُّع كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الترويحات وَالْوتر وَالْعِيدَيْنِ حَتَّى لَو ترك ذَلِك سَاهِيا يجب عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو وَإِن كَانَ مُنْفَردا إِن كَانَت صَلَاة يُخَافت فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ خَافت وَلَو جهر فِيهَا عمدا يكون مسيئا وَإِن كَانَ سَاهِيا لَا يجب عَلَيْهِ السَّهْو بِخِلَاف الْأَمَام وَإِن كَانَت صَلَاة يجْهر فِيهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ جهر وَإِن شَاءَ خَافت كَذَا ذكر هَهُنَا وَفسّر فِي مَوضِع آخر أَنه مُخَيّر بَين خيارات ثَلَاث إِن شَاءَ جهر وأسمع غَيره وَإِن شَاءَ جهر وأسمع نَفسه وَإِن شَاءَ أسر الْقِرَاءَة فِي نَفسه وَلَو قَرَأَ الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاة فعلى قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ تجوز صلَاته سَوَاء كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة أَو لَا يحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة لَا يجوز وَإِن كَانَ لَا يحسن يجوز وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز فِي الْحَالين جَمِيعًا ثمَّ مِقْدَار الْقِرَاءَة الَّذِي يخرج بِهِ عَن حد الْكَرَاهَة هُوَ فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة قَصِيرَة قدر ثَلَاث آيَات أَو ثَلَاث آيَات من أَيَّة سُورَة كَانَت وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِي مِقْدَار الْمُسْتَحبّ عَن أبي حنيفَة ذكر فِي كتاب الصَّلَاة وَيقْرَأ فِي الْفجْر بِأَرْبَعِينَ آيَة مَعَ فَاتِحَة الْكتاب أَي سواهَا وَفِي الظّهْر نَحوا من ذَلِك أَو دونه وَفِي الْعَصْر عشْرين آيَة مَعَ فَاتِحَة الْكتاب أَي سواهَا وَفِي الْمغرب يقْرَأ فِي كل رَكْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 من الْأَوليين سُورَة قَصِيرَة خمس آيَات أَو سِتا مَعَ فَاتِحَة الْكتاب أَي سواهَا وَيقْرَأ فِي الْعشَاء مثل مَا يقْرَأ فِي الْعَصْر وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة فِي الْمُجَرّد أَنه يقْرَأ فِي الْفجْر مَا بَين سِتِّينَ إِلَى مائَة آيَة وَفِي الظّهْر يقْرَأ ب {عبس} أَو {إِذا الشَّمْس كورت} فِي الأولى وَفِي الثَّانِيَة ب {لَا أقسم} أَو {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} وَفِي الْعَصْر يقْرَأ فِي الأولى {وَالضُّحَى} أَو {وَالْعَادِيات} وَفِي الثَّانِيَة ب {أَلْهَاكُم} أَو {ويل لكل همزَة} وَفِي الْمغرب يقْرَأ فِي الْأَوليين مثل مَا يقْرَأ فِي الْعَصْر وَفِي الْأَوليين من الْعشَاء مثل مَا فِي الظّهْر وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير وَيقْرَأ فِي الْفجْر بِأَرْبَعِينَ أَو خمسين أَو سِتِّينَ سوى الْفَاتِحَة وَفِي الظّهْر يقْرَأ فِي الْأَوليين مثل رَكْعَتي الْفجْر وَالْعصر وَالْعشَاء سَوَاء وَالْمغْرب دون ذَلِك وروى الْكَرْخِي عَن الْمُعَلَّى عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِي مُخْتَصره وَقدر الْقِرَاءَة فِي الْفجْر للمقيم ثَلَاثُونَ آيَة إِلَى سِتِّينَ سوى الْفَاتِحَة فِي الأولى وَفِي الثَّانِيَة مَا بَين عشْرين إِلَى ثَلَاثِينَ وَفِي الظّهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا سوى الْفَاتِحَة مثل الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الأولى من الْفجْر وَفِي الْعَصْر وَالْعشَاء يقْرَأ فِي كل رَكْعَة قدر عشْرين آيَة سوى فَاتِحَة الْكتاب وَفِي الْمغرب بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة من قصار الْمفصل وَهَذِه الرِّوَايَة أحب الرِّوَايَات إِلَيّ وَقَالَ مَشَايِخنَا للْإِمَام أَن يعْمل بِأَكْثَرَ الرِّوَايَات قِرَاءَة فِي مَسْجِد لَهُ قوم زهاد وَعباد وبأوسطها فِي مَسْجِد لَهُ قوم أوساط وبأدناها فِي مَسْجِد يكون على شوارع الطّرق عملا بالروايات كلهَا هَذَا فِي حق الْمُقِيم فَأَما الْمُسَافِر فَيَنْبَغِي أَن يقْرَأ مِقْدَار مَا يخف عَلَيْهِ وَأما فِي الْوتر فَإِنَّهُ يقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة قَصِيرَة وَلَا تَوْقِيت فِيهِ وَيقْرَأ أَحْيَانًا {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وعَلى الْقَوْم بِأَن يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة قَصِيرَة أحد وَلَا يواظب وَهَذَا إِذا صلى الْوتر بِجَمَاعَة فَإِن صلى وَحده لَهُ أَن يقْرَأ كَيْفَمَا شَاءَ وَأما فِي صَلَاة التَّطَوُّع فَلهُ أَن يقْرَأ مَا شَاءَ قل أَو كثر بعد أَن خرج عَن حد الْكَرَاهَة لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى تنفير الْقَوْم وَالله أعلم وَإِذا فرغ من الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يَقُول آمين إِمَامًا كَانَ أَو مُنْفَردا أَو مقتديا وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم لَا يُؤْتى بالتأمين أصلا وَقَالَ مَالك يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي دون الإِمَام وَالْمُنْفَرد وَلَكِن عندنَا يُؤْتى بِهِ على وَجه المخافتة فَهُوَ السّنة وَقَالَ الشَّافِعِي يجْهر بِهِ فِي صَلَاة يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ من بَاب الدُّعَاء وَالْأَصْل فِي الدُّعَاء المخافتة دون الْجَهْر فَإِذا فرغ من الْقِرَاءَة ينحط للرُّكُوع وَيكبر مَعَ الانحطاط وَلَا يرفع يَدَيْهِ عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يرفع وَكَذَلِكَ عِنْد رفع الرَّأْس من الرُّكُوع وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن ابْن عباسرضي الله عَنهُ أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 قَالَ إِن الْعشْرَة الَّذين بشر لَهُم رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام بِالْجنَّةِ مَا كَانُوا يرفعون أَيْديهم إِلَّا لافتتاح الصَّلَاة وَخلاف هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة قَبِيح ثمَّ قدر الْمَفْرُوض فِي الرُّكُوع هُوَ أصل الانحناء وَكَذَلِكَ فِي السُّجُود هُوَ أصل الْوَضع فَأَما الطُّمَأْنِينَة والقرار فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَلَيْسَ بِفَرْض عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ إِن الْفَرْض هُوَ الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعَ الطُّمَأْنِينَة بِمِقْدَار تَسْبِيحَة وَاحِدَة حَتَّى لَو ترك تجوز صلَاته عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعِنْدَهُمَا لَا تجوز ولقب الْمَسْأَلَة أَن تَعْدِيل الْأَركان لَيْسَ بِفَرْض عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعِنْدَهُمَا فرض وعَلى هَذَا القومة الَّتِي بعد الرُّكُوع والقعدة الَّتِي بَين السَّجْدَتَيْنِ وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لقَوْل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا} وَالرُّكُوع هُوَ الانحناء وَالسُّجُود هُوَ الْوَضع يُقَال سجد الْبَعِير إِذْ وضع جرانه على الأَرْض والطمأنينة دوَام عَلَيْهِ وَالْأَمر بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الدَّوَام فَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهِ بِخَبَر الْوَاحِد وَأما سنَن الرُّكُوع فَهِيَ أَن يبسط ظَهره وَلَا يرفع رَأسه وَلَا ينكسه حَتَّى يكون رَأسه سويا لعَجزه أَن يضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ على سَبِيل الْأَخْذ ويفرج بَين أَصَابِعه حَتَّى تكون أمكن للأخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَيَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثَة وَذَلِكَ أدناه وَإِن زَاد أفضل وَقَالَ الشَّافِعِي يَكْفِيهِ تَسْبِيحَة وَاحِدَة هَذَا إِذا كَانَ مُنْفَردا فَأَما الْمُقْتَدِي فيسبح إِلَى أَن يرفع الإِمَام رَأسه وَإِن كَانَ إِمَامًا يَنْبَغِي أَن يسبح ثَلَاثًا وَلَا يطول حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى تنفير الْقَوْم عَن الْجَمَاعَة فَإِذا اطْمَأَن رَاكِعا رفع رَأسه وَقَالَ سمع الله لمن حَمده وَلَا يرفع يَدَيْهِ وَلَا يَأْتِي بالتحميد عِنْد أبي حنيفَة إِن كَانَ إِمَامًا وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يجمع بَينهمَا وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة مثل قَوْلهمَا وَإِن كَانَ مقتديا فَإِنَّهُ يَأْتِي بالتحميد دون التَّسْبِيح عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجمع بَينهمَا وَإِن كَانَ مُنْفَردا لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة قَول أبي حنيفَة وَإِنَّمَا ذكر قَوْلهمَا إِنَّه يجمع بَينهمَا وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة كَذَلِك وَفِي رِوَايَة النَّوَادِر أَنه يَأْتِي بالتحميد لَا غير فَإِذا اطْمَأَن قَائِما ينحط للسُّجُود وَيكبر مَعَ الانحطاط وَلَا يرفع يَدَيْهِ وَيَضَع رُكْبَتَيْهِ على الأَرْض ثمَّ يَدَيْهِ ثمَّ جَبهته ثمَّ أَنفه وَقيل أَنفه ثمَّ جَبهته ثمَّ السُّجُود فرض على بعض الْوَجْه لَا غير عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وقا لزفرالشافعي السُّجُود على الْأَعْضَاء السَّبْعَة وَهِي الْوَجْه وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ ثمَّ على قَول أبي حنيفَة مَحل السُّجُود فِي حق الْجَوَاز هِيَ الْجَبْهَة أَو الْأنف غير عين حَتَّى لَو وضع أَحدهمَا فِي حَال الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ يجوز غير أَنه لَو وضع الْجَبْهَة وَحدهَا جَازَ من غير كَرَاهَة وَلَو وضع الْأنف وَحده جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْفَرْض فِي حَال الِاخْتِيَار هُوَ وضع الْجَبْهَة حَتَّى لَو ترك لَا يجوز واجمعوا أَنه لَو وضع الْأنف فِي حَال الْعذر جَازَ وَلَا خلاف أَن الْمُسْتَحبّ هُوَ الْجمع بَينهمَا فِي حَال الِاخْتِيَار وَأما سنَن السُّجُود فَمِنْهَا أَن يسْجد على الْجَبْهَة من غير حَائِل من الْعِمَامَة والقلنسوة وَلَكِن لَو سجد على كور الْعِمَامَة وجد صلابة الأَرْض جَازَ كَذَا ذكر مُحَمَّد فِي الْآثَار وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز وَمِنْهَا أَن يضع يَدَيْهِ حذاء أُذُنَيْهِ فِي السُّجُود وَأَن يُوَجه أَصَابِع يَدَيْهِ نَحْو الْقبْلَة وَأَن يعْتَمد على راحتيه فِي السُّجُود ويبدي ضبعيه وَأَن يعتدل فِي سُجُوده وَلَا يفترض ذِرَاعَيْهِ وَهَذَا فِي حق الرجل فَأَما الْمَرْأَة فَيَنْبَغِي أَن تفترش ذراعيها وتنخفض وَلَا تنتصب كانتصاب الرجل وتلزق بَطنهَا بفخذيها لِأَن هَذَا أستر لَهَا وَأَن يَقُول فِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أدناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قَالَ ثمَّ يرفع رَأسه وَيكبر حَتَّى يطمئن قَاعِدا ثمَّ يكبر وينحط للسجدة الثَّانِيَة لِأَن السَّجْدَة الثَّانِيَة فرض فَلَا بُد من رفع الرَّأْس للانتقال إِلَيْهَا وَيَقُول وَيفْعل فِيهَا مثل مَا فِي الأولى قَالَ ثمَّ ينْهض على صُدُور قَدَمَيْهِ مُعْتَمدًا بيدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ لَا على الأَرْض فَلَا يقْعد قعدة خَفِيفَة وَيرْفَع يَدَيْهِ من الأَرْض قبل رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجلس جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ يقوم ويعتمد على الأَرْض دون رُكْبَتَيْهِ وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما روى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ينْهض فِي الصَّلَاة على صُدُور قَدَمَيْهِ ثمَّ يفعل فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة مثل مَا فعل فِي الأولى وَيقْعد على رَأس الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذِه الْقعدَة وَاجِبَة شرعت للفصل بَين الشفعين على مَا ذَكرْنَاهُ فَأَما الْقعدَة الْأَخِيرَة فَفرض عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك سنة ثمَّ مِقْدَار فرض الْقعدَة الْأَخِيرَة مِقْدَار التَّشَهُّد لما رُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِذا رفع الإِمَام رَأسه من السَّجْدَة الْأَخِيرَة وَقعد قدر التَّشَهُّد ثمَّ أحدث فقد تمت صلَاته وَالسّنة فِي القعدتين أَن يفترض رجله الْيُسْرَى وَيقْعد عَلَيْهَا وَينصب الْيَمين نصبا وَيُوجه أَصَابِع رجلَيْهِ نَحْو الْقبْلَة وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقعدَة الأولى كَذَلِك وَفِي الثَّانِيَة يتورك وَقَالَ مَالك يتورك فيهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَتَفْسِير التورك أَن يضع اليتيه على الأَرْض وَيخرج رجلَيْهِ إِلَى جَانِبه الْأَيْمن هَذَا فِي حق الرجل أما فِي حق الْمَرْأَة فَذكر محمدفي كتاب الْآثَار تجمع رِجْلَيْهَا من جَانب وَلَا تنتصب انتصاب الرجل وَذكر مُحَمَّد بن شُجَاع فِي نوادره أَنَّهَا تجْلِس متوركة ثمَّ التَّشَهُّد الْمُخْتَار عندنَا مَا هُوَ الْمَعْرُوف وَهُوَ تشهد عبد الله بن مَسْعُود وَالشَّافِعِيّ أَخذ بتشهد عبد الله بن عَبَّاس وَهُوَ أَن يَقُول التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سَلام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه علم النَّاس على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا التَّشَهُّد وَكَانَ ذَلِك بِمحضر من الصَّحَابَة من غير تكبر فَيكون إِجْمَاعًا ثمَّ التَّشَهُّد فِي الْقعدَة الأولى سنة عَن عَامَّة مَشَايِخنَا وَاجِب عِنْد بَعضهم أما فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة فَوَاجِب وَلَيْسَ بِفَرْض وعَلى قَول الشَّافِعِي فرض ثمَّ هَل يُزَاد على التَّشَهُّد من الصَّلَوَات والدعوات فَنَقُول فِي التَّشَهُّد الأول لَا يُزَاد عَلَيْهِ شَيْء عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُزَاد عَلَيْهِ الصَّلَوَات لَا غير وَأما فِي التَّشَهُّد الْأَخير فيزاد عَلَيْهِ الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الدَّعْوَات كَذَا ذكر الطَّحَاوِيّ فِي مُخْتَصره وَلم يذكر فِي الأَصْل ثمَّ الصَّلَوَات سنة مُسْتَحبَّة عندنَا فِي الصَّلَاة وَقَالَ الشَّافِعِي فرض حَتَّى تفْسد الصَّلَاة بِتَرْكِهَا وَأما فِي غير حَالَة الصَّلَاة فَكَانَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي يَقُول إِن الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فرض على كل مُسلم بَالغ عَاقل فِي الْعُمر مرّة وَاحِدَة وَقَالَ الطَّحَاوِيّ تجب عِنْد سَماع اسْمه فِي كل مرّة وَهُوَ الصَّحِيح والصلوات الَّتِي يُؤْتى بهَا فِي الصَّلَاة مَا تعارفه النَّاس عقيب التَّشَهُّد لِكَثْرَة الْأَحَادِيث فِيهِ وَإِذا جلس للتَّشَهُّد يَنْبَغِي أَن يضع يَده الْيُمْنَى على فَخذه الْأَيْمن وَيَده الْيُسْرَى على فَخذه الْأَيْسَر كَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي نوادره فَإِذا أَرَادَ أَن يسلم بعد الْفَرَاغ من الصَّلَوَات والدعوات يسلم عَن يَمِينه فَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله حَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن ثمَّ عَن يسَاره كَذَلِك والتسليمتان سنة عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه وَهُوَ قَول مَالك وَقيل إِنَّه قَول الشَّافِعِي أَيْضا وَقَالَ بَعضهم يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة عَن يَمِينه لَا غير وَلَكِن إِذا سلم إِحْدَاهمَا يخرج عَن صلَاته عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم لَا يخرج مَا لم يُوجد التسليمتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وإصابة لَفْظَة السَّلَام لَيست بِفَرْض عندنَا وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فرض وَاخْتلف مَشَايِخنَا فَقَالَ بَعضهم إِنَّهَا سنة وَقَالَ بَعضهم هِيَ وَاجِبَة ثمَّ يَنْوِي فِي التسليمة الأولى من كَانَ عَن يَمِينه من الْحفظَة وَالرِّجَال وَالنِّسَاء كَيفَ شَاءَ بِلَا تَرْتِيب وَهُوَ الصَّحِيح وَفِي التسليمة الثَّانِيَة من كَانَ عَن يسَاره من الْحفظَة وَالرِّجَال وَالنِّسَاء لَكِن قَالَ بَعضهم يَنْوِي من مَكَان مَعَه فِي الصَّلَاة من الرِّجَال وَالنِّسَاء لَا غير وَقَالَ بَعضهم يَنْوِي جَمِيع الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات كَذَا أَشَارَ الْحَاكِم الْجَلِيل فِي مُخْتَصره هَذَا فِي حق الإِمَام فَأَما الْمُنْفَرد فعلى قَول الْأَوَّلين يَنْوِي الْحفظَة لَا غير وعَلى قَول البَاقِينَ يَنْوِي الْحفظَة وَجَمِيع الْبشر من أهل الْإِيمَان وَأما الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يَنْوِي مَا يَنْوِي الإِمَام وَيَنْوِي أَيْضا إِن كَانَ يَمِين الإِمَام فِي يسَاره وَإِن كَانَ عَن يسَاره فَفِي يَمِينه وَإِن كَانَ بحذائه لم يذكر فِي الْكتاب وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يَنْوِي عَن يَمِينه وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه ينويه فِي الْجَانِبَيْنِ ثمَّ الْمُقْتَدِي يسلم تسليمتين إِحْدَاهمَا لِلْخُرُوجِ عَن الصَّلَاة وَالثَّانيَِة للتسوية بَين الْقَوْم فِي التَّحِيَّة بِمَنْزِلَة الإِمَام وَالْمُنْفَرد وَقَالَ مَالك يسلم تَسْلِيمَة ثَالِثَة أَيْضا وَيَنْوِي بهَا رد السَّلَام على الإِمَام وَهُوَ فَاسد لِأَن تسليمهم رد السَّلَام عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 بَاب مَا يسْتَحبّ فِي الصَّلَاة وَمَا يكره فِيهَا قَالَ يَنْبَغِي للرجل إِذا دخل فِي صلَاته أَن يخشع فِيهَا وَيكون مُنْتَهى بَصَره إِلَى مَوضِع سُجُوده فِي قِيَامه وَإِلَى أَطْرَاف أَصَابِع رجلَيْهِ فِي رُكُوعه وَإِلَى أرنبة أَنفه فِي سُجُوده وَإِلَى حجره فِي قعوده وَلَا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَلَا يطأطئه وَلَا يشْتَغل بِشَيْء غير صلَاته من عَبث بثيابه أَو جسده أَو لحيته قَالَ الله تَعَالَى {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} وَرُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام رأى رجلا يعبث بلحيته فِي الصَّلَاة فَقَالَ أما هَذَا لَو خشع قلبه لخشعت جوارحه وَلَا يفرقع أَصَابِعه وَلَا يشبكها وَلَا يَجْعَل يَدَيْهِ على خاصرته وَلَا يقلب الْحَصَى وَلَا بَأْس أَن يسويه مرّة وَاحِدَة إِذا لم يُمكنهُ إتْمَام السُّجُود وَتَركه أفضل وَلَا يلْتَفت يمنة ويسرة وَلَا يتمطى وَلَا يتثاءب فَإِن غَلبه شَيْء من ذَلِك كظم مَا اسْتَطَاعَ فَإِن لم يسْتَطع فليضع يَده على فِيهِ وَلَا يقعى وَلَا يتربع وَلَا يفترش ذِرَاعَيْهِ إِلَّا من عذر على مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 رُوِيَ عَن أبي ذررضي الله عَنهُ أَنه قَالَ نهاني خليلي عَلَيْهِ السَّلَام عَن ثَلَاث أَن أنقر نقر الديك وَأَن أقعى إقعاء الْكَلْب وَأَن أفترش افتراش الثَّعْلَب وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الإقعاء قَالَ الْكَرْخِي هُوَ أَن يقْعد على عَقِبَيْهِ ناصبا رجلَيْهِ وَاضِعا يَده على الأَرْض وَقَالَ الطَّحَاوِيّ الإقعاء أَن يضع اليتيه على الأَرْض وَاضِعا يَدَيْهِ عَلَيْهَا وَينصب فَخذيهِ وَيجمع ركبته إِلَى صَدره وَهَذَا أشبه بإقعاء الْكَلْب وَيَنْبَغِي للْمُصَلِّي أَن يدْرَأ الْمَار ويدفعه حَتَّى لَا يمر بَين يَدَيْهِ إِلَّا أَنه لَا يدْرَأ بِعَمَل كثير وَلَا يعالج معالجة شَدِيدَة حَتَّى لَا تفْسد صلَاته وَيكرهُ للمار أَيْضا أَن يمر بَين يَدي الْمُصَلِّي إِلَّا إِذا كَانَ بَينهمَا حَائِل من الأسطوانة وَنَحْوهَا فَلَا بَأْس بالمرور وَكَذَا إِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ مِقْدَار مؤخرة الرحل وَيَنْبَغِي أَن ينصب بَين يَدَيْهِ عودا أَو يضع شَيْئا مثل ذِرَاع أَو أَكثر حَتَّى لَا يحْتَاج إِلَى الدرء وَالدَّفْع فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه صلى فِي الْجَبانَة وَنصب بَين يَدَيْهِ عنزة وَيكرهُ أَن يغمض عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاة وَأَن يبزق على حيطان الْمَسْجِد وَلَا بَين يَدَيْهِ على الْحَصَى وَلَكِن يَأْخُذ بِثَوْبِهِ وَإِن فعل فَعَلَيهِ أَن يَدْفَعهُ وَلَو دَفنه فِي السجد تَحت الْحَصِير يرخص لَهُ ذَلِك وَلَكِن الْأَفْضَل أَن لَا يفعل وَكَذَا المخاط على هَذَا وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِن الْمَسْجِد لينزوي من النخامة كَمَا تنزوي الْجلْدَة فِي النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَكره أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ عد الْآي فِي الصَّلَاة وعد التَّسْبِيح وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بَأْس بذلك فِي الْفَرِيضَة والتطوع وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا فرق بَينهمَا أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة وَفِي رِوَايَة كره فِي الْفَرْض وَرخّص فِي التَّطَوُّع وَيكرهُ أَن يكون الإِمَام على الدّكان وَالْقَوْم أَسْفَل مِنْهُ أَو هم على الدّكان وَالْإِمَام أَسْفَل مِنْهُم إِلَّا من عذر فِي ظَاهر الرِّوَايَات لَا فصل بَين الإِمَام وَالْقَوْم فِي هَذَا وَلَا بَين دكان ودكان وروى الطَّحَاوِيّ عَن أَصْحَابنَا أَنه لَا يكره أَن يكون الْمَأْمُوم فِي مَكَان أرفع من مَكَان الإِمَام وَلَا يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يكون أرفع من الْمَأْمُوم بِمَا يُجَاوز الْقَامَة وَلَا بَأْس بِأَن يكون أرفع مِنْهُمَا بِمَا دونهَا هَذَا وَإِذا كَانَ الإِمَام وَحده فَأَما إِذا كَانَ مَعَه على الدّكان بعض الْقَوْم فاصطفوا خَلفه لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ كره بَعضهم وَلم يكره بَعضهم وَهَذَا فِي غير حَالَة الْعذر فَأَما عِنْد الْعذر فَلَا بَأْس بِهِ كَمَا إِذا ازْدحم الْقَوْم فِي يَوْم الْجُمُعَة والأعياد وَغير ذَلِك من الْأَعْذَار وَيكرهُ أَن يُغطي فَاه فِي الصَّلَاة إِلَّا إِذا كَانَت التغطية لدفع التثاؤب فَلَا بَأْس بِهِ لما مر وَيكرهُ أَن يكف ثَوْبه لما فِيهِ من ترك سنة وضع الْيَد وَسنة الْيَد أَن يضع يَمِينه على شِمَاله وَيكرهُ أَن يُصَلِّي عاقصا شعره والعقص أَن يشد الشّعْر ضفيرة حول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 رَأسه كَمَا يَفْعَله النِّسَاء أَو يجمع شعره فيعقده فِي مؤخرة رَأسه وَيكرهُ أَن يُصَلِّي معتجرا وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي تَفْسِيره قيل هُوَ أَن يلف حوالي رَأسه بالمنديل وَيتْرك وَسطه مكشوفا لِأَنَّهُ تشبه بِأَهْل الْكتاب وَقيل هُوَ العقص الَّذِي ذكرنَا وَقيل هُوَ أَن يَجْعَل منديله على رَأسه وَوَجهه كمعجر النِّسَاء إِمَّا لأجل الْحر وَالْبرد أَو للكبر وَيكرهُ للْمَأْمُوم أَن يسْبق الإِمَام بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود ثمَّ ينظر إِن شَاركهُ الإِمَام فِي ذَلِك الرُّكْن الَّذِي سبقه جَازَ عندنَا خلافًا لزفَر لِأَن الْمُشَاركَة فِي الرُّكْن قد وجدت وَإِن قلت وَإِن لم يُشَارِكهُ حَتَّى رفع رَأسه من الرُّكُوع وَالسُّجُود لَا يجوز حَتَّى لَو لم يعد ذَلِك الرُّكْن حَتَّى فرغ من الصَّلَاة وَسلم تفْسد صلَاته لِأَنَّهُ لم يُوجد فِيهِ الْمُشَاركَة وَلَا الْمُتَابَعَة والاقتداء عبارَة عَن هَذَا فَلَا يعْتَبر وَكَذَا يكره أَن يرفع رَأسه قبل الإِمَام فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَأَصله قَول عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا جعل الإِمَام إِمَامًا ليؤتم بِهِ فَلَا فَلَا تختلفوا عَلَيْهِ وَيكرهُ أَن يقْرَأ فِي غير حَالَة الْقيام لِأَن الرُّكُوع وَالسُّجُود مَحل الثَّنَاء وَالتَّسْبِيح دون الْقِرَاءَة وَيسْتَحب للرجل إِذا دخل الْمَسْجِد وَالْإِمَام رَاكِع أَن يَأْتِي إِلَى الصَّفّ وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار وَلَا يكبر وَلَا يرْكَع حَتَّى يصل إِلَى الصَّفّ لِأَنَّهُ إِن ركع يصير مُصَليا خلف الصُّفُوف وَحده وَهُوَ مَكْرُوه وَإِن مَشى حَتَّى اتَّصل بالصف يكره لِأَن الْمَشْي يُنَافِي الصَّلَاة حَتَّى قَالَ مَشَايِخنَا إِن مَشى خطْوَة خطْوَة لَا تفْسد صلَاته وَإِن مَشى خطوتين أَو أَكثر تفْسد صلَاته ثمَّ الصَّلَاة خلف الصُّفُوف مُنْفَردا إِنَّمَا يكره إِذا وجد فُرْجَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الصَّفّ فَأَما إِذا لم يجد لَا يكره لِأَن حَال الْعذر مُسْتَثْنَاة أَلا ترى أَن الْمَرْأَة يجب عَلَيْهَا أَن تصلي مُنْفَرِدَة خلف الصُّفُوف لِأَن محاذاتها للرِّجَال مفْسدَة لصلاتهم وَيكرهُ النفخ فِي الصَّلَاة إِذا لم يكن مسموعا لِأَن لَيْسَ من أَعمال الصَّلَاة وَلَكِن لَا تفْسد صلَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَام مَعْهُود وَلَا يفعل كثير فَأَما إِذا كَانَ مسموعا فقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد تفْسد صلَاته أَرَادَ بِهِ التأفيف أَو لم يرد وَكَانَ أَبُو يوسفيقول أَولا إِن أَرَادَ بِهِ التأفف يَعْنِي أَن يَقُول أُفٍّ أَو تف على وَجه الْكَرَاهَة للشَّيْء والتبعيد على وَجه الاستخفاف تفْسد صلَاته وَإِن لم يرد بِهِ التأفف لَا تفْسد ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا تفْسد صلَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَام فِي عرف النَّاس بل هُوَ بِمَنْزِلَة السعال والتنحنح وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الْكَلَام فِي الْعرف حُرُوف منظومة مسموعة وَأدنى مَا يَقع بِهِ انتظام الْحُرُوف حرفان وَقد وجد وَيكرهُ أَن يمسح الْمُصَلِّي جَبهته من التُّرَاب فِي وسط الصَّلَاة وَلَا بَأْس بِهِ بعد مَا قعد قدر التَّشَهُّد كَذَا ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا بَأْس بِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لِأَنَّهُ إِذا مسح مرّة يحْتَاج إِلَى أَن يمسح عِنْد كل سُجُود لِأَنَّهُ يتلطخ فيتكرر الْمسْح فَيُشبه فعلا كثيرا فَأَما بعد مَا قعد قدر التَّشَهُّد فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ مرّة وَاحِدَة وَإنَّهُ فعل قَلِيل فَيكون معفوا عَنهُ وَالتّرْك أفضل لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَلَا يكره الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد متوشح بِهِ أَو قَمِيص صفيق واللبس فِي الصَّلَاة ثَلَاثَة أَنْوَاع مُسْتَحبّ وَجَائِز ومكروه أما الْمُسْتَحبّ فَأن يُصَلِّي فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَمِيص وَإِزَار ورداء أَو عِمَامَة كَذَا ذكر الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر الهنداوي عَن أَصْحَابنَا وَعَن مُحَمَّد أَن الْمُسْتَحبّ أَن يُصَلِّي فِي ثَوْبَيْنِ إِزَار ورداء وَأما الجائزفأن يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد متوشح بِهِ أَو قَمِيص وَاحِد صفيق لِأَنَّهُ حصل بِهِ ستر الْعَوْرَة وأصل الزِّينَة إِلَّا أَنه لم يتم الزِّينَة وَأَصله حَدِيث رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام أَنه سُئِلَ عَن الصَّلَاة فِي ثوب وَاحِد فَقَالَ أَو كلكُمْ يجد ثَوْبَيْنِ وَأما الْمَكْرُوه فَأن يُصَلِّي فِي سَرَاوِيل وَاحِدَة أَو إِزَار وَاحِد لِأَنَّهُ وَإِن حصل ستر الْعَوْرَة وَلَكِن لم تحصل بِهِ الزِّينَة أصلا فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} هَذَا إِذا كَانَ صفيقا فَأَما إِذا كَانَ رَقِيقا يصف مَا تَحْتَهُ لَا تجوز صلَاته لِأَن عَوْرَته مكشوفة هَذَا فِي حق الرجل فَأَما فِي حق الْمَرْأَة فالمستحب ثَلَاثَة أَثوَاب فِي الرِّوَايَات كلهَا إِزَار وَدرع وخمار وَإِن صلت فِي ثوب وَاحِد متوشحة بِهِ أَو قَمِيص وَاحِد صفيق لَا يجزئها إِذا كَانَ رَأسهَا أَو بعض جَسدهَا مكشوفا إِلَّا إِذا سترت يالثوب الْوَاحِد رَأسهَا وَجَمِيع جَسدهَا سوى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَحِينَئِذٍ يجوز وَهَذَا فِي حق الْحرَّة فَأَما الْأمة فَإِذا صلت مشكوفة الرَّأْس جَازَ لِأَن رَأسهَا لَيْسَ بِعَوْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 بَاب صَلَاة الْمُسَافِر فِي الْبَاب فُصُول ثَلَاثَة أَحدهَا بَيَان الشُّرُوط الَّتِي تتَعَلَّق بهَا رخصَة السّفر وَالثَّانِي بَيَان الرُّخْصَة وَالثَّالِث بَيَان مَا يبطل بِهِ حكم السّفر وَيعود إِلَى حكم الْإِقَامَة أما الأول فَنَقُول هُوَ أَن يَنْوِي مُدَّة السّفر وَيخرج من عمرَان الْمصر فَمَا لم يُوجد هَذَانِ الشرطان لَا يثبت فِي حَقه أَحْكَام السّفر ورخصة الْمُسَافِرين فَإِنَّهُ إِذا خرج من عمرَان الْمصر وَلم يقْصد موضعا بَينه وَبَين مصره مُدَّة السّفر أَو خرج قَاصِدا موضعا لَيْسَ بَينه وَبَين ذَلِك الْموضع مُدَّة السّفر لَا يصير مُسَافِرًا وَإِن قطع مَسَافَة بعيدَة أَكثر من مُدَّة السّفر لِأَن الْإِنْسَان قد يخرج لحَاجَة إِلَى مَوضِع لإِصْلَاح الضّيَاع لَا للسَّفر ثمَّ تبدو لَهُ حَاجَة أُخْرَى فيجاوزه إِلَى مَوضِع آخر لَيْسَ بَينهمَا مُدَّة السّفر فَلَا بُد من قصد مُدَّة السّفر ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي مُدَّة السّفر الَّتِي تتَعَلَّق بهَا الرُّخْصَة قَالَ عُلَمَاؤُنَا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها يسير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام هَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة وَابْن سَمَّاعَة عَنْهُمَا أَنه مُقَدّر بيومين وَأكْثر الْيَوْم الثَّالِث وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول مُقَدّر بمسيرة يَوْمَيْنِ وَفِي قَول سِتَّة وَأَرْبَعُونَ ميلًا كل ميل ثلث فَرسَخ وَقَالَ بعض النَّاس إِنَّه مُقَدّر بمسيرة يَوْم وَلَيْلَة وأصل ذَلِك قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يمسح الْمُقِيم يَوْمًا وَلَيْلَة وَالْمُسَافر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها ثمَّ إِذا نوى مُدَّة السّفر لَا يثبت حكم السّفر مَا لم يخرج من الْعمرَان وَلَا يصير مُسَافِرًا بِمُجَرَّد النِّيَّة لِأَن مُجَرّد الْعَزْم مَعْفُو مَا لم يتَّصل بِالْفِعْلِ فَإِذا خرج من عمرَان الْمصر لقصد السّفر فقد وجد عزم مُقَارن للْفِعْل فَيكون مُعْتَبرا وَأما الْمُسَافِر إِذا نوى الْإِقَامَة فَإِنَّهُ يبطل حكم السّفر وَيصير مُقيما للْحَال لِأَن الْعَزْم وجد مُقَارنًا للْفِعْل وَهُوَ ترك السّفر وَالْإِقَامَة حَقِيقَة فَيكون مُعْتَبرا ثمَّ الْمُعْتَبر فِي حق النِّيَّة هُوَ نِيَّة الأَصْل دون التَّابِع حَتَّى إِن الْمولى إِذا نوى السّفر وَخرج من الْعمرَان مَعَ عَبده يصير عَبده مُسَافِرًا وَإِن لم ينْو السّفر لِأَنَّهُ تَابع وَكَذَلِكَ الزَّوْج مَعَ الزَّوْجَة وَكَذَلِكَ كل من لزمَه طَاعَة غير من الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان وأمير الْجند وَنَحْو ذَلِك وَأما بَيَان الرُّخْصَة فَنَقُول الرُّخص الَّتِي تعلّقت بِالسَّفرِ هِيَ إِبَاحَة الْفطر فِي رَمَضَان وَقصر الصَّلَاة الَّتِي هِيَ من ذَوَات الْأَرْبَع ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا الصَّوْم فِي رَمَضَان فِي حَقه عَزِيمَة والإفطار رخصَة أما قصر الصَّلَاة فَهُوَ عَزِيمَة والإكمال مَكْرُوه وَمُخَالفَة للسّنة وَلَكِن سمي رخصَة مجَازًا وَقَالَ الشَّافِعِي الْقصر رخصَة والإكمال عَزِيمَة وَثَمَرَة الْخلاف أَن الْمُسَافِر إِذا صلى أَرْبعا لَا يكون الْأَرْبَع فرضا بل الْمَفْرُوض رَكْعَتَانِ لَا غير والشطر الثَّانِي تطوع عندنَا حَتَّى إِنَّه إِذا قعد على رَأس الرَّكْعَتَيْنِ قدر التَّشَهُّد تجوز صلَاته وَإِذا لم يقْعد لَا تجوز لِأَنَّهَا الْقعدَة الْأَخِيرَة فِي حَقه وَهِي فرض فَإِذا تَركهَا فقد ترك فرضا بِخِلَاف الْمُقِيم تجوز لِأَن الْإِكْمَال عَزِيمَة عِنْده وَقد اخْتَار الْعَزِيمَة فَيكون فرضا وَكَذَا إِذا ترك الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين أَو فِي رَكْعَة مِنْهُمَا تفْسد صلَاته عندنَا خلافًا لَهُ وَأَصله مَا رُوِيَ عنعمررضي الله عَنهُ أَنه قَالَ صَلَاة الْمُسَافِر رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ الرُّخْصَة وَهِي قصر الصَّلَاة وَغَيره تثبت بِمُطلق السّفر سَوَاء كَانَ سفر طَاعَة كالجهاد وَالْحج أَو سفر مُبَاح كالخروج إِلَى التِّجَارَة أَو سفر مَعْصِيّة كالخروج لقطع الطَّرِيق وَنَحْوه وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تثبت بسفر هُوَ مَعْصِيّة لِأَن الْجَانِي لَا يسْتَحق التَّخْفِيف وَلَكنَّا نقُول إِن النُّصُوص الَّتِي وَردت فِي قصر الصَّلَاة وَإِبَاحَة الْفطر فِي حق الْمُسَافِر لَا تفصل بَين سفر وسفر ثمَّ إِذا خرج من عمرَان الْمصر قَاصِدا مُدَّة السّفر فَلهُ أَن يقصر الصَّلَاة سَوَاء كَانَ فِي أول الْوَقْت أَو فِي أوسطه أَو فِي آخِره حَتَّى إِنَّه إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 بَقِي من الْوَقْت مِقْدَار مَا يُمكنهُ أَدَاء رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يقصر بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا فَأَما إِذا بَقِي مِقْدَار مَا يتَمَكَّن من أَدَاء رَكْعَة وَاحِدَة أَو من التَّحْرِيمَة لَا غير فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عندنَا خلافًا لزفَر وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا إِنَّمَا يقصر إِذا خرج من الْعمرَان قبل زَوَال الشَّمْس فَأَما إِذا خرج بعده فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبعا لِلظهْرِ وَإِنَّمَا يقصر الْعَصْر وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي إِذا مضى من الْوَقْت مِقْدَار مَا يتَمَكَّن من أَدَاء الْأَرْبَع فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْإِتْمَام وَلَا يجوز الْقصر فَأَما إِذا مضى من الْوَقْت شَيْء قَلِيل بِحَيْثُ لَا يسع لأَرْبَع رَكْعَات فَإِنَّهُ يقصر وَهَذَا بِنَاء على أَن الصَّلَاة تجب فِي أول الْوَقْت أَو فِي آخِره فعندهم تجب فِي أول الْوَقْت وَعِنْدنَا تجب فِي جُزْء من الْوَقْت غير عين وَأما بَيَان مَا يبطل بِهِ حكم السّفر فَنَقُول يبطل بِمَا يضاده وينافيه وَهُوَ الْإِقَامَة لَكِن إِنَّمَا تثبت الْإِقَامَة بأَرْبعَة أَشْيَاء بِصَرِيح نِيَّة الْإِقَامَة وبوجود الْإِقَامَة بطرِيق التّبعِيَّة وبالدخول فِي مصره وبالعزم على الْعود إِلَى مصره أما الأول إِذا نوى الْمُسَافِر إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فِي مَكَان يصلح للإقامة فَإِنَّهُ يصير مُقيما فَلَا بُد من ثَلَاثَة أَشْيَاء نِيَّة الْإِقَامَة وَنِيَّة مُدَّة الْإِقَامَة وَالْمَكَان الصَّالح للإقامة فَإِنَّهُ إِذا أَقَامَ فِي مصر أَو قَرْيَة أَيَّامًا كَثِيرَة لانتظار الْقَافِلَة أَو لحَاجَة أُخْرَى وَلم ينْو الْإِقَامَة لَا يصير مُقيما عندنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ فِي قَول إِذا أَقَامَ أَرْبَعَة أَيَّام يصير مُقيما وَفِي قَول إِذا أَقَامَ أَكثر مِمَّا أَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتبوك يصير مُقيما وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أَقَامَ بتبوك تِسْعَة عشر يَوْمًا أَو عشْرين وَأما مِقْدَار مُدَّة الْإِقَامَة فخمسة عشر يَوْمًا عندنَا وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ أقل ذَلِك أَرْبَعَة أَيَّام وَهَذَا إِذا نوى إِقَامَة خسمة عشر يَوْمًا فِي مَوضِع وَاحِد فَأَما إِذا نوى إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فِي موضِعين فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا أصلا بِنَفسِهِ فَلَا يكون أَحدهمَا تبعا للْآخر فَإِن نوى أَن يُقيم بِمَكَّة وَمنى فَإِنَّهُ لَا يصير مُقيما فَأَما إِذا كَانَ أَحدهمَا تبعا للمصر حَتَّى تجب الْجُمُعَة على من سكن هُنَاكَ فَإِنَّهُ يصير مُقيما بنية إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُمَا فِي الحكم كموضع وَاحِد وَأما الْمَكَان الصَّالح للإقامة فَهُوَ مَوضِع لبث وقرار فِي الْعَادة نَحْو الْأَمْصَار والقرى فَأَما الْمَفَازَة والجزيرة والسفينة فَلَيْسَتْ بِموضع الْإِقَامَة فَأَما الْأَعْرَاب والأكراد والتركمان الَّذين يسكنون المفاوز فِي بيُوت الشّعْر وَالصُّوف فهم مقيمون لِأَن مَوضِع مقامهم المفاوز عَادَة فَأَما إِذا ارتحلوا عَن مَوضِع إقامتهم فِي الصَّيف وقصدوا موضعا آخر للإقامة فِي الشتَاء وَبَين الْمَوْضِعَيْنِ مُدَّة السّفر فَإِنَّهُم يصيرون مسافرين فِي الطَّرِيق وَأما الثَّانِي وَهُوَ أَن تُوجد نِيَّة الْإِقَامَة فِي الأَصْل فَيصير الأتباع مقيمين تبعا لَهُ من غير نِيَّة وَذَلِكَ نَحْو العَبْد وَالزَّوْجَة وكل من وَجب عَلَيْهِ طَاعَة غَيره من إِمَام أَو أَمِير جَيش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَأما الْغَرِيم مَعَ صَاحب الدّين فَإِن كَانَ الْمَدْيُون مليئا لَا يصير تبعا لَهُ لِأَنَّهُ يُمكنهُ قَضَاء الدّين فيقيم فِي أَي مَوضِع شَاءَ ويرتحل فَأَما إِذا كَانَ مُفلسًا فَإِنَّهُ يصير تبعا لِأَن لَهُ حق حَبسه وملازمته فَلَا يُمكنهُ أَن يُفَارق صَاحب الدّين فَيصير مُقيما تبعا لَهُ وَلَكِن فِي هَذِه الْفُصُول إِنَّمَا يصير التبع مُقيما بِإِقَامَة الأَصْل وتنقلب صلَاته أَرْبعا إِذا علم التبع نِيَّة إِقَامَة الأَصْل فَأَما إِذْ لم يعلم فَلَا حَتَّى إِن التبع إِذا صلى صَلَاة الْمُسَافِرين قبل الْعلم بنية إِقَامَة الأَصْل فَإِن صلَاته جَائِزَة وَلَا يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة لِأَن فِي لُزُوم الحكم قبل الْعلم بِهِ حرجا فَهُوَ مَدْفُوع وعَلى هَذَا الأَصْل إِذا اقْتدى الْمُسَافِر بالمقيم فِي الْوَقْت يجوز وتنقلب أَرْبعا لِأَن الْمُقْتَدِي تَابع للْإِمَام وَالْأَدَاء وَهُوَ الصَّلَاة فِي الْوَقْت يتَغَيَّر بنية الْإِقَامَة صَرِيحًا فَإِنَّهُ إِذا نوى الْإِقَامَة فِي الْقُوت يَنْقَلِب أَرْبعا فيتغير بِوُجُود الْإِقَامَة تبعا فَصَارَ صَلَاة الْمُقْتَدِي مثل صَلَاة الإِمَام فصح الِاقْتِدَاء فَإِذا اقْتدى بالمقيم خَارج الْوَقْت لَا يَصح لِأَن الْقَضَاء لَا يتَغَيَّر بِالنِّيَّةِ بعد خُرُوج الْوَقْت وَلَا يصير أَرْبعا فَكَذَا بِالْإِقَامَةِ تبعا فَتكون الْقعدَة الأولى فرضا فِي حق الْمُقْتَدِي نقلا فِي حق الإِمَام واقتداء المفترض بالمتنفل لَا يجوز فِي الْبَعْض كَمَا لَا يجوز فِي كل الصَّلَاة وَأما اقْتِدَاء الْمُقِيم بالمسافر فَيجوز فِي الْوَقْت وخارج الْوَقْت لِأَن صَلَاة الْمُسَافِر فِي الْحَالين وَاحِدَة والقعدة فرض فِي حَقه نفل فِي حق الْمُقْتَدِي واقتداء المتنفل بالمفترض جَائِز فَافْتَرقَا وَأما الثَّالِث فَهُوَ بِدُخُول مصره الَّذِي هُوَ وَطنه الْأَصْلِيّ يصير مُقيما وَإِن لم ينْو الْإِقَامَة وَلَا يخْتَلف الْجَواب بَين مَا إِذا دخل مصره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 مُخْتَارًا أَو لقَضَاء حَاجَة حدثت مَعَ نِيَّة الْخُرُوج أَو بدا لَهُ أَن يتْرك السّفر لِأَن مصره مُتَعَيّن للإقامة فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى النِّيَّة وَأما الرَّابِع فَهُوَ الْعَزْم على الْعود إِلَى مصره بِأَن خرج من مصره بنية السّفر ثمَّ عزم على الْعود إِلَى مصره وَلم يكن بَين هَذَا الْموضع الَّذِي بلغ وَبَين مصره مُدَّة سفر فَإِنَّهُ يصير مُقيما حِين عزم على الْعود إِلَى مصره وَإِن لم يدْخل مصره وَلَا نوى الْإِقَامَة صَرِيحًا وَيُصلي أَرْبعا مَا لم يعزم على السّفر ثَانِيًا وَإِذا كَانَ بَينه وَبَين مصره مُدَّة سفر لَا يصير مُقيما وَالله أعلم فصل ثمَّ الصَّلَاة على الرَّاحِلَة أَنْوَاع ثَلَاثَة فرض وواجب وتطوع أما الفرضفيجوز على الرَّاحِلَة بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون خَارج الْمصر سَوَاء كَانَ مُسَافِرًا أَو خرج إِلَى الضَّيْعَة وَالثَّانِي أَن يكون بِهِ عذر مَانع من النُّزُول عَن الرَّاحِلَة وَهُوَ خوف زِيَادَة الْعلَّة وَالْمَرَض أَو خوف الْعَدو والسبع أَو كَانَ فِي طين وردغة بِحَيْثُ لَا يُمكن الْقيام فِيهِ وَنَحْو ذَلِك وَلَكِن يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ من غير رُكُوع وَسُجُود ويجهل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع ثمَّ هَل يجوز الصَّلَاة على الدَّابَّة بِجَمَاعَة بِأَن يقوم الْبَعْض بِجنب الْبَعْض ويتقدمهم الإِمَام أَو يتوسطهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لَا يجوز كَيْفَمَا كَانَ وَرُوِيَ عَن محمدأنه قَالَ إِذا اصطف الْقَوْم صفا وَاحِدًا بِحَيْثُ لم يكن بَينهم فرج وَقَامَ الإِمَام فِي وَسطهمْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَأما الصَّلَاة الْوَاجِبَة فَكَذَلِك لِأَنَّهَا مُلْحقَة بالفرائض فِي الْأَحْكَام وَذَلِكَ نَحْو الْوتر لِأَن عِنْد أبي حنيفَة الْوتر وَاجِب وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز أَيْضا لِأَنَّهُ سنة مُؤَكدَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يجوز رَكعَتَا الْفجْر على الدَّابَّة من غير عذر وَكَذَا الصَّلَاة الْمَنْذُورَة وَكَذَا التَّطَوُّع الَّذِي وَجب قَضَاؤُهُ بِالشُّرُوعِ والإفساد وَكَذَا سَجْدَة التِّلَاوَة الَّتِي وَجَبت بالتلاوة على الأَرْض فَأَما إِذا تَلا آيَة السَّجْدَة على الدَّابَّة فسجدها عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ جَازَت لِأَنَّهَا وَجَبت كَذَلِك وَلَو أوجب على نَفسه صَلَاة رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ رَاكب فصلاهما على الدَّابَّة فَإِنَّهُ يجوز كَذَا ذكر الْكَرْخِي وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَن من أوجب على نَفسه صَلَاة رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ رَاكب فصلاهما على الدَّابَّة لَا يجوز وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ النَّاذِر على الأَرْض أَو على الدَّابَّة وَأما صَلَاة التَّطَوُّع فَإِنَّهُ تجوز على الدَّابَّة كَيْفَمَا كَانَ الرَّاكِب مُسَافِرًا أَو غير مُسَافر بعد أَن يكون خَارج الْمصر وَإِن كَانَ قَادِرًا على النُّزُول وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم لَا يجوز إِلَّا فِي حق الْمُسَافِر فَأَما فِي حق من خرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 إِلَى بعض الْقرى فَلَا يجوز لِأَن الحَدِيث ورد فِي السّفر وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج إِلَى خَيْبَر وَكَانَ يُصَلِّي على الدَّابَّة تَطَوّعا وَلَيْسَ بَين الْمَدِينَة وخيبر مُدَّة سفر وَأما التَّطَوُّع على الدَّابَّة فِي الْمصر فَلَا يجوز فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن أبي يُوسُف يجوز اسْتِحْسَانًا وَلَا تجوز الصَّلَاة مَاشِيا وَلَا مُقَاتِلًا وَلَا سابحا فِي المَاء لِأَن النَّص ورد فِي الدَّابَّة ثمَّ الصَّلَاة على الدَّابَّة تَطَوّعا كَيْفَمَا كَانَ أَو فرضا عِنْد الْعذر الْمَانِع عَن التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة تجوز من غير اسْتِقْبَال الْقبْلَة أصلا لَا عِنْد الشُّرُوع وَلَا بعده وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز إِلَّا إِذا وَجه الدَّابَّة نَحْو الْقبْلَة عِنْد الشُّرُوع ثمَّ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهت الدَّابَّة فَأَما إِذا كَانَت الصَّلَاة على الرَّاحِلَة بِعُذْر الطين والردغة فَإِن كَانَ يُمكنهُم التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة فَإِنَّهُ لَا تجوز صلَاتهم إِلَى غير الْقبْلَة لِأَن الْقبْلَة لم تسْقط من غير عذر وَأَصله مَا روى جَابر عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يُصَلِّي على الدَّابَّة نَحْو الْمشرق تَطَوّعا فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة صلى على الأَرْض ثمَّ الصَّلَاة على الدَّابَّة لخوف الْعَدو تجوز كَيْفَمَا كَانَت الدَّابَّة سائرة أَو واقفة لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى السّير أما فِي حَال الْمَطَر والطين فَإِن صلى وَالدَّابَّة تسير فَلَا تجوز لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 السّير منَاف للصَّلَاة فَلَا يسْقط من غير عذر وَكَذَا إِذا اسْتَطَاعُوا النُّزُول وَلم يقدروا على الْقعُود نزلُوا وأومؤوا قيَاما على الأَرْض وَإِن قدرُوا على الْقعُود وَلم يقدروا على السُّجُود نزلُوا وصلوا قعُودا بِالْإِيمَاءِ لِأَن السُّقُوط بِقدر الضَّرُورَة وَأما الصَّلَاة فِي السَّفِينَة فَإِن كَانَت واقفة بِأَن كَانَت مشدودة على الْجد وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز إِلَّا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود قَائِما مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة لِأَنَّهُ قَادر وَإِن كَانَت السَّفِينَة جَارِيَة فَإِن كَانَ يقدر على الْخُرُوج إِلَى الشط فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهُ الْخُرُوج وَلَو صلى فِي السَّفِينَة قَائِما بركوع وَسُجُود مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة حَيْثُمَا دارت السَّفِينَة فَإِنَّهُ يجوز لِأَن السَّفِينَة بِمَنْزِلَة الأَرْض أما إِذا صلى قَاعِدا بركوع وَسُجُود فَإِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقيام يجوز بالِاتِّفَاقِ وَإِن كَانَ قَادِرًا على الْقعُود بركوع وَسُجُود فصلى بِالْإِيمَاءِ لَا يجوز بالِاتِّفَاقِ أما إِذا كَانَ قَادِرًا على الْقيام فصلى قَاعِدا بركوع وَسُجُود فَإِنَّهُ يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَقد أَسَاءَ وعَلى قَوْلهمَا لَا يجوز لِأَن الْقيام ركن فَلَا يسْقط من غير عذر وَقَول أبي حنيفَة أرْفق بِالنَّاسِ لِأَن الْغَالِب فِي السَّفِينَة دوران الرَّأْس فَالْحق بالمتحقق تيسيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فَإِذا صلى فِي السَّفِينَة بِجَمَاعَة جَازَت صلَاتهم وَلَو اقْتدى بِهِ رجل فِي سفينة أُخْرَى فَإِن كَانَت السفينتان مقرونتين جَازَ وَإِن كَانَتَا منفصلتين لَا يجوز وَإِن كَانَ الإِمَام فِي السَّفِينَة والمقتدي على الشط والسفينة واقفة فَإِن كَانَ بَين السَّفِينَة والشط مِقْدَار نهر عَظِيم لَا يَصح الِاقْتِدَاء وَإِن لم يكن جَازَ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 بَاب صَلَاة الْجُمُعَة 4 الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع فِي بَيَان أَن الْجُمُعَة فرض أُصَلِّي أم لَا وَفِي بَيَان شَرَائِط الْجُمُعَة وَفِي بَيَان صفة صَلَاة الْجُمُعَة وقدرها وَفِي بَيَان مَا يسْتَحبّ يَوْم الْجُمُعَة أما الأول فَنَقُول قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فرض الْوَقْت الظّهْر إِلَّا أَن الْمُقِيم الصَّحِيح الْحر مَأْمُور بإسقاطه بأَدَاء الْجُمُعَة على طَرِيق الْخَتْم والمعذور مَأْمُور بإسقاطه بِالْجمعَةِ على طَرِيق الرُّخْصَة حَتَّى إِنَّه إِذا أدّى الْجُمُعَة سقط عَنهُ الظّهْر وَتَكون الْجُمُعَة فرضا وَإِن ترك التَّرَخُّص عَاد الْأَمر إِلَى الْعَزِيمَة وَيكون الْفَرْض هُوَ الظّهْر لَا غير وَقَالَ مُحَمَّد فِي قَول الْفَرْض هُوَ الْجُمُعَة وَله أَن يسْقطهُ بِالظّهْرِ رخصَة وَفِي قَول الْفَرْض أَحدهمَا إِمَّا الظّهْر وَإِمَّا الْجُمُعَة وَيتَعَيَّن ذَلِك بِالْفِعْلِ فَأَيّهمَا فعل يتَبَيَّن أَن الْفَرْض هُوَ وَقَالَ زفر فرض الْوَقْت الْجُمُعَة وَالظّهْر بدل عَنْهَا وَهَذَا كُله قَول عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله وَقَول الشَّافِعِي الْجُمُعَة ظهر قَاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَعِنْدنَا هِيَ صَلَاة غير صَلَاة الظّهْر حَتَّى لَا يَصح عندنَا بِنَاء الظّهْر على تحريمة الْجُمُعَة بِأَن خرج الْوَقْت وَهُوَ فِي الصَّلَاة فعندنا يسْتَقْبل ظهرا وَعند الشَّافِعِي يُتمهَا ظهرا إِذا ثَبت هَذَا الأَصْل تخرج عَلَيْهِ الْمسَائِل فَنَقُول من صلى الظّهْر فِي بَيته وَحده وَهُوَ غير معذرو فَإِنَّهُ يَقع فرضا فِي قَول أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة خلافًا لزفَر فَإِن عِنْده لَا يجوز الظّهْر أما عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف فَلِأَن فرض الْوَقْت هُوَ الظّهْر لَكِن أَمر بإسقاطه بِالْجمعَةِ فَإِذا لم يَأْتِ بِالْجمعَةِ وأتى بِالظّهْرِ فقد أدّى فرض الْوَقْت فيجزئه وَأما عِنْد مُحَمَّد فَلِأَن فرض الْوَقْت وَإِن كَانَ هُوَ الْجُمُعَة فِي قَول فَلهُ أَن يسْقطهُ الظّهْر رخصَة وَفِي قَول أَحدهمَا غير عين وَإِنَّمَا يتَعَيَّن بِفِعْلِهِ وَقد عينه وعَلى قولزفر لما كَانَ الظّهْر بَدَلا عَن الْجُمُعَة وَهُوَ قَادر على الأَصْل فَإِنَّهُ لَا يجوز الْبَدَل وعَلى هَذَا الْمَعْذُور نَحْو الْمَرِيض وَالْمُسَافر وَالْعَبْد إِذا صلى الظّهْر فِي بَيته وَحده يَقع عَن الْفَرْض عِنْد أَصْحَابنَا جَمِيعًا على اخْتِلَاف الْأُصُول أما عِنْدهمَا فَلِأَن فرض الْوَقْت هُوَ الظّهْر فِي حق الْكل والمعذور أَمر بإسقاطه بِالْجمعَةِ بطرِيق الرُّخْصَة إِلَّا أَن الْفرق أَن فِي الْفَصْل الأول يَأْثَم بترك الْجُمُعَة وَهَهُنَا لَا يَأْثَم بترك الْجُمُعَة لِأَن ثمَّة ترك الْفَرْض فيأثم وَهنا ترك الرُّخْصَة فَلَا يَأْثَم ويعذر وَأما عِنْد زفر فَلِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ الظّهْر بَدَلا عَن الْجُمُعَة لكَونه مَعْذُورًا وعَلى هَذَا الأَصْل إِن الْمَعْذُور إِذا صلى الظّهْر فِي بَيته ثمَّ شهد الْجُمُعَة وَصلى مَعَ الإِمَام انْتقض ظَهره وَيكون تَطَوّعا وفرضه الْجُمُعَة لِأَنَّهُ أَمر بِإِسْقَاط الظّهْر بِالْجمعَةِ إِذا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَقد قدر فينتفض ظَهره ضَرُورَة تمكن أَدَاء الْجُمُعَة وَعند زفر لَا يبطل لما قُلْنَا إِن الظّهْر عِنْده بدل وَقد قدر على الأَصْل بعد حُصُول الْمَقْصُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 بِالْبَدَلِ فَلَا يبطل الْبَدَل وَأما غير الْمَعْذُور إِذا صلى الظّهْر فِي بَيته ثمَّ شهد الْجُمُعَة فَهَذَا على وَجْهَيْن أَحدهمَا إِذا حضر الْجَامِع وَصلى الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام أَو أدْركهُ فِي الصَّلَاة بَعْدَمَا قَامَ فَإِنَّهُ يبطل ظَهره بِلَا خلاف بَيْننَا لما قُلْنَا وَالثَّانِي حِين خرج من بَيته وسعى إِلَى الْجَامِع وَالْإِمَام فِي الْجُمُعَة لكنه إِذا حضر وَوجد الإِمَام قد فرغ عَنْهَا فَكَذَلِك الْجَواب عِنْد أبي حنيفَة وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا ينتفض مَا لم يشرع مَعَه فِي الْجُمُعَة وعَلى هَذَا الأَصْل إِذا شرع الرجل فِي صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ تذكر أَن عَلَيْهِ صَلَاة الْفجْر فَإِن كَانَ بِحَال لَو اشْتغل بِالْفَجْرِ تفوته الْجُمُعَة وَالظّهْر عَن وقتهما فَإِنَّهُ يمْضِي فِيهَا وَلَا يقطع بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ بِحَال لَو اشْتغل بِالْفَجْرِ تفوته الْجُمُعَة وَلَكِن يدْرك الظّهْر فِي وقته فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يُصَلِّي الْفجْر ثمَّ يُصَلِّي الظّهْر وَلَا تُجزئه الْجُمُعَة وعَلى قَول مُحَمَّد يمْضِي على الْجُمُعَة وَلَا يقطع لما قُلْنَا وَأما الثَّانِي فِي بَيَان شَرَائِط الْجُمُعَة فَنَقُول للْجُمُعَة شَرَائِط بَعْضهَا من صِفَات الْمُصَلِّي وَبَعضهَا لَيْسَ من صِفَاته فالتي من صِفَات الْمُصَلِّي سِتَّة الذُّكُورَة وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَصِحَّة الْبدن وَالْإِقَامَة حَتَّى لَا تجب الْجُمُعَة على النسوان وَالصبيان والمجانين وَالْعَبِيد والزمنى والمرضى والمسافرين وَأما الْأَعْمَى فَهَل يجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة أَجمعُوا على أَنه إِذا لم يجد قائدا لَا يجب كَمَا لَا يجب على الزمني أما إِذا وجد قائدا إِمَّا بالإعارة أَو بِالْإِجَارَة على قَول أبي حنيفَة لَا يجب أَيْضا وَعِنْدَهُمَا يجب أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وعَلى هَذَا الِاخْتِلَاف إِذا كَانَ لَهُ زَاد وراحلة وَأمكنهُ أَن يسْتَأْجر قائدا أَو وجد لَهُ إِنْسَان يَقُودهُ إِلَى مَكَّة ذَاهِبًا وجائيا فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج وَعِنْدَهُمَا يجب ثمَّ هَؤُلَاءِ الَّذين لَا يجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة إِذا حَضَرُوا الْجُمُعَة وصلوا فَإِنَّهُ يجزئهم وَيسْقط عَنْهُم فرض الْوَقْت لِأَن امْتنَاع الْوُجُوب للْعُذْر قد زَالَ وَأما الشَّرَائِط الَّتِي لَيست من صِفَات الْمُصَلِّي فستة أَيْضا خَمْسَة ذكرهَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَهِي الْمصر الْجَامِع وَالسُّلْطَان وَالْجَمَاعَة وَالْخطْبَة وَالْوَقْت وَالسَّادِس ذكره فِي نَوَادِر الصَّلَاة وَهُوَ أَن يكون أَدَاء الْجُمُعَة بطرِيق الاشتهار حَتَّى إِن أَمِيرا لَو جمع جُنُوده فِي الْحصن وأغلق الْأَبْوَاب وَصلى بهم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ لَا يجزئهم وَإِن فتح بَاب الْحصن وَأذن للعامة فِيهِ بِالدُّخُولِ جَازَ وَأما الْمصر الْجَامِع فقد ذكرالكرخي مَا أُقِيمَت فِيهِ الْحُدُود ونفذت فِيهِ الْأَحْكَام وَقد تكلم فِيهِ أَصْحَابنَا بأقوال وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة هُوَ بَلْدَة كَبِيرَة فِيهَا سِكَك وأسواق وَلها رساتيق وفيهَا وَال يقدر على إنصاف الْمَظْلُوم من الظَّالِم بحشمه وَعلمه أَو علم غَيره وَيرجع النَّاس إِلَيْهِ فِيمَا وَقع لَهُم من الْحَوَادِث وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَأما الثَّالِث فِي بَيَان صفة صَلَاة الْجُمُعَة وقدرها فَنَقُول يَنْبَغِي أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة مِقْدَار مَا يقْرَأ فِي صَلَاة الظّهْر على مَا مر وَلَو قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة المُنَافِقُونَ فَحسن تبركا بِفعل النَّبِي عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 السَّلَام وَلَكِن لَا يواظب على قِرَاءَة هَاتين السورتين أَيْضا فَلَو واظب على قراءاتهما يكره لِأَن فِيهِ هجر بعض الْقُرْآن وإيهام الْعَامَّة على أَن ذَلِك بطرِيق الحتم ويجهر بِالْقِرَاءَةِ فيهمَا لوُرُود الْأَثر بالجهر فِيهَا وَالله أعلم وَأما الرَّابِع فِي بَيَان مَا يسْتَحبّ فِي يَوْم الْجُمُعَة فَنَقُول السّنة وَالْمُسْتَحب فِيهِ أَن يدهن ويمس طيبا إِن وجد ويلبس أحسن ثِيَابه ويغتسل وَغسل يَوْم الْجُمُعَة عِنْد عَامَّة الْعلمَاء سنة وَقَالَ مَالك وَاجِب وَلكنه سنة الْيَوْم أَو سنة الْجُمُعَة فعلى الِاخْتِلَاف الَّذِي ذكرنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ الْكَلَام فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ فِي مَوَاضِع وَفِي بَيَان أَنَّهَا وَاجِبَة أم سنة وَفِي شَرَائِط وُجُوبهَا وَفِي وَقت أَدَائِهَا وَفِي كَيْفيَّة أَدَائِهَا وَفِي بَيَان مَا يسْتَحبّ وَيسن فِي يَوْم عيد الْأَضْحَى وَالْفطر أما الأول وَهُوَ بَيَان أَنَّهَا وَاجِبَة أم سنة فَنَقُول اخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة دَلِيل على أَنَّهَا وَاجِبَة فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا يُصَلِّي نَافِلَة فِي جمَاعَة إِلَّا قيام رَمَضَان وَصَلَاة الْكُسُوف فَهَذَا دَلِيل على أَن صَلَاة الْعِيد وَاجِبَة فَإِنَّهَا تُقَام بِجَمَاعَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ وَتجب صَلَاة الْعِيد على أهل الْأَمْصَار كَمَا تجب الْجُمُعَة وَذكر أَبُو الْحسن الْكَرْخِي هَهُنَا وَقَالَ وَتجب صَلَاة الْعِيد على من يجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير أَنه سنة فَإِنَّهُ قَالَ إِذا اجْتمع العيدان فِي يَوْم وَاحِد فَالْأول سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَذكر أَبُو مُوسَى الضَّرِير فِي مُخْتَصره أَنَّهَا فرض كِفَايَة وَالأَصَح أَنَّهَا وَاجِبَة أما بَيَان شَرَائِط وُجُوبهَا فَكل مَا هُوَ شَرط وجوب الْجُمُعَة فَهُوَ شَرط وجوب صَلَاة الْعِيدَيْنِ من الإِمَام والمصر وَالْجَمَاعَة إِلَّا الْخطْبَة فَإِنَّهَا سنة بعد الصَّلَاة بِإِجْمَاع الصَّحَابَة وَشرط الشَّيْء يكون سَابِقًا عَلَيْهِ أَو مُقَارنًا لَهُ وَأما الْوَقْت فَقَالَ أَبُو الْحسن وَقت صَلَاة الْعِيدَيْنِ من حِين تبيض الشَّمْس إِلَى أَن تَزُول لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يُصَلِّي الْعِيد وَالشَّمْس قدر رمح أَو رُمْحَيْنِ إِلَّا أَن فِي عيد الْفطر إِذا ترك الصَّلَاة فِي الْيَوْم الأول لعذر يُؤَدِّي فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي وَقتهَا وَإِن ترك بِغَيْر عذر سَقَطت أصلا وَفِي عيد الْأَضْحَى إِن تركت فِي يَوْم النَّحْر لعذر تُؤَدّى فِي الْيَوْم الثَّانِي فَإِن تركت فِي الْيَوْم الثَّانِي لعذر أَيْضا تُؤَدّى فِي الْيَوْم الثَّالِث أَيْضا وَكَذَلِكَ قَالُوا إِذا تركت بِغَيْر عذر تُؤَدّى فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث وَتسقط بعد ذَلِك سَوَاء دَامَ الْعذر أَو انْقَطع لِأَن الْقيَاس أَن لَا تُؤَدّى إِلَّا فِي يَوْم الْعِيد لِأَنَّهَا عرفت بِصَلَاة الْعِيد وَإِنَّمَا عرف جَوَاز الْأَدَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي عيد الْفطر بِالنَّصِّ الْخَاص فِي حَالَة الْعذر وَفِي عيد الْأَضْحَى فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث اسْتِدْلَالا بالأضحية لِأَنَّهَا تجوز فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث وَصَارَت هَذِه أَيَّام النَّحْر وَصَلَاة الْعِيد تُؤَدّى فِي أَيَّام النَّحْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَأما بَيَان كَيْفيَّة أَدَاء صَلَاة الْعِيدَيْنِ فَنَقُول يُصَلِّي الإِمَام رَكْعَتَيْنِ فيكبر تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَيَقُول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إِلَى آخِره ثمَّ يكبر ثَلَاثًا ثمَّ يقْرَأ جَهرا ثمَّ يكبر تَكْبِيرَة الرُّكُوع فَإِذا قَامَ إِلَى الثَّانِيَة يقْرَأ أَولا ثمَّ يكبر ثَلَاثًا ويركع بالرابعة فَتكون التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد سِتا ثَلَاثَة فِي الرَّكْعَة الأولى وَثَلَاثَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَثَلَاثَة أصليات تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وتكبيرات الرُّكُوع فَصَارَ حَاصِل الْجَواب عندنَا أَن يكبر فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ تسع تَكْبِيرَات سِتَّة فِي الزَّوَائِد وَثَلَاثَة أصليات ويوالي بَين الْقِرَاءَتَيْن فَيقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بعد التَّكْبِيرَات وَفِي الثَّانِيَة قبل التَّكْبِيرَات وَهَذَا هُوَ مَذْهَب عبد الله بن مَسْعُود وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنْهُم وَرُوِيَ عنعلي بن أبي طالبرضي الله عَنهُ ثَلَاث رِوَايَات وَالْمَشْهُور مِنْهَا أَنه فرق بَين عيد الْفطر وَعِيد الْأَضْحَى فَقَالَ وَيكبر فِي الْفطر إِحْدَى عشرَة تَكْبِيرَة ثَلَاث أصليات وثمان زَوَائِد فِي كل رَكْعَة أَرْبَعَة وَفِي الْأَضْحَى يكبر خمس تَكْبِيرَات ثَلَاث أصليات وزائدتان فِي كل رَكْعَة تَكْبِيرَة وَعِنْده يقدم الْقِرَاءَة على التَّكْبِيرَات فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا وعنعبد الله بن عباسرضي الله عَنْهُمَا رِوَايَات كَثِيرَة وَالْمَشْهُور مِنْهَا أَنه يكبر ثَلَاث عشرَة تَكْبِيرَة ثَلَاث أصليات وَعشر زَوَائِد فِي كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 رَكْعَة خَمْسَة فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا وَيقدم التَّكْبِيرَات على الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا أَخذ أَصْحَابنَا بقول ابْن مَسْعُود لِأَنَّهُ وَافقه كثير من الصَّحَابَة وَأَنه لَا اضْطِرَاب فِي قَوْله بِخِلَاف قَول غَيره ثمَّ إِن عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد يرفع يَدَيْهِ عِنْد تَكْبِيرَات الزَّوَائِد وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا يرفع ويتعوذ قبل التَّكْبِيرَات عِنْد أبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد بعد التَّكْبِيرَات قبل الْقِرَاءَة على مَا ذكرنَا أَن عِنْد أبي يُوسُف التَّعَوُّذ تبع للاستفتاح وَعند مُحَمَّد تبع للْقِرَاءَة مُقَدّمَة عَلَيْهِ ثمَّ الْقَوْم يجب عَلَيْهِم أَن يتابعوا الإِمَام فِي التَّكْبِيرَات على رَأْي الإِمَام دون رَأْي أنفسهم بِأَن كَانَ الإِمَام على رَأْي ابْن مَسْعُود وَالْقَوْم على رَأْي عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم لأَنهم تبع للْإِمَام فَيجب عَلَيْهِم مُتَابَعَته وَترك رَأْيهمْ بِرَأْيهِ ثمَّ إِن الْقَوْم إِنَّمَا يتابعون الإِمَام فِي التَّكْبِيرَات إِذا لم يزدْ على مَا قَالَه الصَّحَابَة فَأَما إِذا زَاد عَلَيْهِ لَا يتابعونه لِأَنَّهُ خلاف الْإِجْمَاع وَلَكِن هَذَا إِذا سمع التَّكْبِيرَات من الإِمَام فَأَما إِذا سمع ذَلِك من المكبرين فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْكُلِّ وَإِن خرج عَن أقاويل الصَّحَابَة لِأَنَّهُ لَو ترك الْبَعْض ترك مَا أَتَى بِهِ الإِمَام فَكَانَ الِاحْتِيَاط فِي تَحْصِيل الْكل ثمَّ الإِمَام إِذا شرع فِي صَلَاة الْعِيد مَعَ الْقَوْم فجَاء إِنْسَان واقتدى بِهِ فَإِن كَانَ قبل التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد كَانَ لَهُ أَن يُتَابع الإِمَام على مَذْهَب الإِمَام ورأيه لما قُلْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 فَأَما إِذا أدْرك بَعْدَمَا كبر الإِمَام الزَّوَائِد وَشرع فِي الْقِرَاءَة فَإِنَّهُ يكبر تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَيَأْتِي بالزوائد قَائِما مَا لم يخف فَوت الرُّكُوع لِأَنَّهُ خلف الإِمَام حَقِيقَة وَيكبر بِرَأْي نَفسه لَا بِرَأْي الإِمَام لِأَنَّهُ مَسْبُوق فَأَما إِذا خَافَ فَوت الرُّكُوع بِأَن ركع الإِمَام فَإِنَّهُ يكبر تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح قَائِما ثمَّ يكبر ويركع وَيَأْتِي بالزوائد فِي الرُّكُوع بِرَأْي نَفسه لَا بِرَأْي الإِمَام لِأَنَّهُ مَسْبُوق وَعَن الْحسن بن زِيَاد أَنه يسْقط عَنهُ الزَّوَائِد لِأَنَّهَا فَاتَ محلهَا وَهُوَ الْقيام وَلَكنَّا نقُول إِن للرُّكُوع حكم الْقيام من وَجه فَيَأْتِي بهَا احْتِيَاطًا وَإِن خَافَ فَوت التسبيحات يَأْتِي بالزوائد دون التسبيحات لِأَنَّهَا وَاجِبَة والتسبيحات سنة فَأَما إِذا كَانَ بعد رفع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع فَإِن يسْقط عَنهُ التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد وَله أَن يشرع فِي صلَاته ثمَّ يقْضِي الرَّكْعَة وَيَأْتِي بالتكبيرات على رَأْيه لَا على رَأْي إِمَامه بِخِلَاف مَا إِذا أدْركهُ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من صَلَاة الْعِيد فَإِنَّهُ يُتَابع الإِمَام فِيهَا بِرَأْي الإِمَام فِي الْبِدَايَة لِأَنَّهُ خلف الإِمَام حَقِيقَة فَإِذا فرغ الإِمَام من صلَاته فَإِنَّهُ يقْضِي مَا سبق بِهِ وعَلى رَأْيه أَيْضا لِأَنَّهُ الْمَسْبُوق بِمَنْزِلَة الْمُنْفَرد ثمَّ إِذا قَامَ إِلَى قَضَاء مَا سبق بِهِ يَنْبَغِي أَن يقْرَأ أَولا ثمَّ يكبر الزَّوَائِد كَمَا هُوَ مَذْهَب عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة هَكَذَا ذكر فِي عَامَّة الرِّوَايَات وَذكر فِي نَوَادِر أبي سُلَيْمَان أَنه يكبر أَولا ثمَّ يقْرَأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَمِنْهُم من قَالَ مَا ذكر فِي النَّوَادِر قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمَا ذكرنَا فِي عَامَّة الرِّوَايَات قَول مُحَمَّد بِنَاء على أَن الْمَسْبُوق يقْضِي أول صلَاته فِي حق الْقِرَاءَة عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد يقْضِي آخر صلَاته فَإِن كَانَ يقْضِي أول صلَاته عِنْدهمَا فَيَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ أَولا ثمَّ بِالْقِرَاءَةِ إِذا كَانَ يرى رَأْي ابْن مَسْعُود وَلما كَانَ يقْضِي آخر صلَاته عِنْد مُحَمَّد يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ ثمَّ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا هُوَ مَذْهَب ابْن مَسْعُود وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَهَذَا يعرف فِي الْمَبْسُوط وَأما مَا يسْتَحبّ وَيسن فِي يَوْم الْعِيد فأشياء الِاغْتِسَال والاستياك والتطيب وَلبس أحسن ثِيَابه جَدِيدا كَانَ أَو غسيلا وَيَنْبَغِي أَن يخرج صَدَقَة فطره قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى فِي عيد الْفطر وَكَذَا يَذُوق شَيْئا لكَونه يَوْم فطر وَأما فِي عيد الْأَضْحَى فَإِن كَانَ فِي الرساتيق يذبح حِين أصبح وَيَذُوق مِنْهُ وَلَا يمسك كَمَا فِي عيد الْفطر وَفِي الْمصر لَا يذبح حَتَّى يفرغ من صَلَاة الْعِيد وَلَا يَذُوق فِي أول الْيَوْم حَتَّى يكون تنَاوله من القرابين وَهل يكبر النَّاس فِي الطَّرِيق قبل الْوُصُول إِلَى الْمصلى على سَبِيل الْجَهْر ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه يَأْتِي على سَبِيل الْجَهْر فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا وَلَكِن مَشَايِخنَا قَالُوا بِأَن فِي عيد الْأَضْحَى يكبر فِي حَال ذَهَابه إِلَى الْمصلى جَهرا فَإِذا انْتهى إِلَى الْمصلى يتْرك فَأَما فِي عيد الْفطر فعلى قَول أبي حنيفَة لَا يكبر جَهرا فِي حَال ذَهَابه إِلَى الْمصلى وعَلى قَوْلهمَا يكبر فيهمَا جَهرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة فَإِن الأَصْل فِي الْأَذْكَار هُوَ الْإخْفَاء دون الْجَهْر وَإِنَّمَا يُصَار إِلَى الْجَهْر بِدَلِيل زَائِد وَفِي عيد الْأَضْحَى ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يكبر فِي الطَّرِيق وَلم يكبر فِي عيد الْفطر ثمَّ فِي يَوْم الْعِيد يَنْبَغِي أَن يتْرك التَّطَوُّع فِي الْمصلى قبل صَلَاة الْعِيد وَقبل أَن يفرغ الإِمَام من الْخطْبَة حَتَّى لَو فعل يكون مَكْرُوها وَيصير مسيئا أما لَو فعل بعد الْفَرَاغ من الْخطْبَة فَلَا بَأْس بِهِ وَمعنى الْكَرَاهَة والإساءة قد بَيناهُ فِي بَاب الْأَوْقَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 بَاب تَكْبِير أَيَّام التَّشْرِيق الْكَلَام هَهُنَا فِي تَفْسِير التَّكْبِير وَفِي بَيَان كَونه وَاجِبا أم سنة وَفِي بَيَان وَقت التَّكْبِير وَفِي بَيَان مَحل أَدَائِهِ وَفِي بَيَان من يجب عَلَيْهِ وَفِي بَيَان أَنه هَل يجب فِيهِ الْقَضَاء بعد الْفَوْت أما الأول فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن الصَّحَابَة فِي تَفْسِير التَّكْبِير وَالصَّحِيح هُوَ الْمَشْهُور والمتعارف بَين الْأمة وَهُوَ قَوْلهم الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد وَأما الثَّانِي فَنَقُول إِنَّه وَاجِب وَذكر هَهُنَا أَنه سنة ثمَّ فَسرهَا بِالْوَاجِبِ فَإِنَّهُ قَالَ تَكْبِير أَيَّام التَّشْرِيق سنة مَاضِيَة نقلهَا أهل الْعلم وَأَجْمعُوا على الْعَمَل بهَا وَلَكِن إِطْلَاق اسْم السّنة جَائِز على الْوَاجِب فَإِنَّهَا عبارَة عَن الطَّرِيقَة المرضية وَدَلِيل الْوُجُوب قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ أهل التَّفْسِير المُرَاد هَذِه الْأَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وَرُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ مَا من أَيَّام أحب إِلَى الله تَعَالَى الْعَمَل فِيهِنَّ من هَذِه الْأَيَّام فَأَكْثرُوا فِيهَا من التَّكْبِير والتهليل وَالتَّسْبِيح وَالثَّالِث الْكَلَام فِي وَقت التَّكْبِير اخْتلفت الصَّحَابَة فِي ابْتِدَاء وَقت التَّكْبِير وانتهائه اتّفق الْكِبَار مِنْهُم مثل أبي بكر وَعمر وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم على أَن يبْدَأ من صَلَاة الْفجْر من يَوْم عَرَفَة وَاخْتلفُوا فِي الِانْتِهَاء رُوِيَ عَن عمر يَنْتَهِي إِلَى وَقت الظّهْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق يكبر ثمَّ يقطع وَعَن عَليّ أَنه يقطع فِي وَقت الْعَصْر فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق تَمام ثَلَاث وَعشْرين صَلَاة وَعَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه يقطع وَقت الصَّلَاة الْعَصْر من يَوْم النَّحْر يكبر ثمَّ يقطع تَمام ثَمَان صلوَات فَأخذ أَبُو حنيفَة يَقُول ابْن مَسْعُود ابْتِدَاء وانتهاء وَأخذ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَقُول على ابْتِدَاء وانتهاء وَاتفقَ الشبَّان من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو عبد الله بن عمر وَعَائِشَة وَغَيرهمَا أَنه يبْدَأ من صَلَاة الظّهْر من يَوْم النَّحْر وَهَكَذَا رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه يقطع فِي الظّهْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَأخذ الشَّافِعِي بقول ابْن عمر ابْتِدَاء وانتهاء وَدَلَائِل الْمَسْأَلَة تعرف فِي الْمَبْسُوط وَالْجَامِع الْكَبِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَأما مَحل أَدَاء التَّكْبِير فَفِي دبر الصَّلَاة وإثرها من غير أَن يَتَخَلَّل مَا يقطع حُرْمَة الصَّلَاة حَتَّى إِنَّه لَو قَامَ وَخرج من الْمَسْجِد أَو تكلم فَإِنَّهُ لَا يكبر وَلَو قَامَ وَلم يخرج من الْمَسْجِد فَإِنَّهُ يكبر ثمَّ إِذا نسي الإِمَام وَلم يكبر فللقوم أَن يكبروا لِأَنَّهُ لَيْسَ من جملَة أَفعَال الصَّلَاة حَتَّى يكون الإِمَام فِيهِ أصلا وَأما الْكَلَام فِيمَن يجب عَلَيْهِ فقد قَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّه لَا يجب إِلَّا على الرِّجَال الْأَحْرَار الْبَالِغين الْمُكَلّفين من أهل الْأَمْصَار الْمُصَلِّين للْفَرض بِجَمَاعَة حَتَّى لَا يجب على العبيد وَلَا على النسوان وَالصبيان وَلَا على الْمُسَافِرين وَلَا على أهل الرساتيق وَلَا على من يُصَلِّي الْفَرْض وَحده وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجب على كل مؤد فرضا على أَي وصف كَانَ وَفِي أَي مَكَان كَانَ وَقَالَ الشَّافِعِي على كل مصل فرضا كَانَت الصَّلَاة أم نفلا والدلائل مَذْكُورَة فِي الْمَبْسُوط وَالْجَامِع الْكَبِير وَأما الْكَلَام فِي وجوب الْقَضَاء عِنْد الْفَوْت فَهُوَ أَرْبَعَة فُصُول إِذا ترك الصَّلَاة فِي الْأَيَّام الَّتِي هُوَ فِيهَا وَقضى فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَإِنَّهُ يكبر بِلَا خلاف لِأَن الْقَضَاء على حسب الْأَدَاء وَقد فَاتَتْهُ مَعَ التَّكْبِير فَيَقْضِي كَذَلِك وَلَو ترك صَلَاة فِي غير هَذِه الْأَيَّام فَتذكر فِي هَذِه الْأَيَّام يقْضِي بِلَا تَكْبِير لِأَنَّهُ فَاتَتْهُ بِلَا تَكْبِير وَلَو ترك فِي هَذِه الْأَيَّام وقضاها فِي غير أَيَّام التَّشْرِيق يقْضِي بِلَا تَكْبِير لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَقت الْقَضَاء تَكْبِير مَشْرُوع على سَبِيل الْجَهْر فَلَا يُمكنهُ الْقَضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وَلَو ترك التَّكْبِير فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَتذكر فِي أَيَّام التَّشْرِيق من الْقَابِل فَفِي الْمَشْهُور من الرِّوَايَات أَنه لَا يقْضِي مَعَ التَّكْبِير كرمي الْجمار إِذا فَاتَهُ فِي هَذِه الْأَيَّام لَا يقْضِي فِي هَذِه الْأَيَّام فِي السّنة الْقَابِلَة فَكَذَلِك التَّكْبِير وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه يقْضِي مَعَ التَّكْبِير لِأَنَّهُ يُمكنهُ الْقَضَاء مَعَ التَّكْبِير وَقد فَاتَت مَعَ التَّكْبِير وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 بَاب صَلَاة الْخَوْف فِي الْبَاب فُصُول مِنْهَا أَن صَلَاة الْخَوْف مَشْرُوعَة بعد وَفَاة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد إِنَّهَا كَانَت مَشْرُوعَة فِي زمن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ وجود الْمنَافِي لفضيلة الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا الْمَعْنى لم يُوجد بعد وَفَاته وَجه قَول عَامَّة الْعلمَاء إِجْمَاع الصَّحَابَة على ذَلِك وَمِنْهَا بَيَان صفة صَلَاة الْخَوْف وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي كيفيتها اخْتِلَافا كثيرا لاخْتِلَاف الْأَخْبَار فِي الْبَاب وَاخْتَارَ أَصْحَابنَا مَا هُوَ الْأَوْجه من ذَلِك فَقَالُوا يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يَجْعَل النَّاس طائفتين طَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو ويفتتح الصَّلَاة بطَائفَة فَيصَلي بهم رَكْعَة إِن كَانَ مُسَافِرًا أَو صَلَاة الْفجْر وَرَكْعَتَيْنِ إِن كَانَ مُقيما فِي ذَوَات الْأَرْبَع ثمَّ تَنْصَرِف هَذِه الطَّائِفَة الَّتِي صلى بهم إِلَى وَجه الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَيصَلي بهم بَقِيَّة الصَّلَاة وَيسلم وَلَا يسلم الْقَوْم ثمَّ هَذِه الطَّائِفَة يَنْصَرِفُونَ إِلَى وَجه الْعَدو وتعود الطَّائِفَة الأولى فتقضي بَقِيَّة صلَاتهَا بِغَيْر قِرَاءَة لأَنهم لاحقون وينصرفون إِلَى وَجه الْعَدو ثمَّ تعود الطَّائِفَة الثَّانِيَة فتقضي بَقِيَّة صلَاتهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 بِقِرَاءَة لأَنهم مسبوقون وَلَكِن يَنْبَغِي أَن ينصرفوا مشَاة فَأَما إِذا انصرفوا ركبانا فَإِنَّهُ لَا تجوز صلَاتهم سَوَاء كَانَ انصرافهم من الْقبْلَة إِلَى الْعَدو أَو من الْعَدو إِلَى الْقبْلَة هَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة عَن أَصْحَابنَا هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ أَو من ذَوَات الْأَرْبَع فَأَما فِي صَلَاة الْمغرب فَيَنْبَغِي للْإِمَام أَن يُصَلِّي بالطائفة الأولى رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَة وَاحِدَة وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء خلافًا لِسُفْيَان الثَّوْريّ المعادلة فِي الْقِسْمَة أَن تنصف الصَّلَاة فيقيم بِكُل طَائِفَة نصفهَا إِلَّا أَن الرَّكْعَة لَا تتجزأ فتتكامل ضَرُورَة ثمَّ إِنَّمَا تجوز صَلَاة الْخَوْف إِذا لم يُوجد من الإِمَام وَلَا من الْقَوْم مقاتلة ومراماة فِي الصَّلَاة فَأَما إِذا وجد شَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُ تفْسد صلَاته عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ ثمَّ كل من كَانَ لَا يُمكنهُ أَن ينزل يُصَلِّي رَاكِبًا بِالْإِيمَاءِ مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة إِن قدر وَإِن لم يقدر يُصَلِّي حَيْثُمَا توجه وَلَا يَسعهُ أَن يتْرك الصَّلَاة حَتَّى يخرج الْوَقْت وَلَكِن يصلونَ وحدانا وَلَا يجوز بِجَمَاعَة على مَا ذَكرْنَاهُ وَكَذَلِكَ الراجل لَا يَنْبَغِي أَن يُؤَخر الصَّلَاة إِن قدر على الرُّكُوع وَالسُّجُود وَإِلَّا فبالإيماء ثمَّ الْخَوْف الَّذِي يجوز الصَّلَاة على الْوَجْه الَّذِي قُلْنَا إِذا كَانَ الْعَدو بِقرب مِنْهُم بطرِيق الْحَقِيقَة فَأَما إِذا كَانَ يبعد مِنْهُم أَو ظنُّوا عدوا بِأَن رَأَوْا سوادا أَو غبارا فصلوا صَلَاة الْخَوْف ثمَّ ظهر غير ذَلِك لَا تجوز صلَاتهم ثمَّ الْخَوْف من الْعَدو وَمن السَّبع سَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ثمَّ الرَّاكِب إِذا كَانَ سائرا إِن كَانَ مَطْلُوبا يفر من الْعَدو وَتجوز صلَاته للضَّرُورَة وَلَو كَانَ طَالبا لِلْعَدو فِي الْجِهَاد وَهُوَ سَائِر لَا تجوز صلَاته لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 بَاب صَلَاة الْكُسُوف الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي مَوَاضِع فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة فِي الكسوفين وَفِي بَيَان أَنَّهَا وَاجِبَة أَو سنة وَفِي بَيَان كَيْفيَّة الصَّلَاة وقدرها وَفِي بَيَان مَوَاضِع الصَّلَاة وَفِي بَيَان وَقت الصَّلَاة أما الأول فَنَقُول الصَّلَاة مَشْرُوعَة فِي الكسوفين جَمِيعًا كسوف الشَّمْس وكسوف الْقَمَر للأحاديث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم توفّي إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ النَّاس انكسفت الشَّمْس بِمَوْت إِبْرَاهِيم فَقَامَ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام وخطب وَقَالَ فِي خطبَته إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله لَا ينكسفان بِمَوْت أحد وَلَا بحياته فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فاحمدوا الله تَعَالَى وَكَبرُوا وسبحوا حَتَّى تنجلي الشَّمْس ثمَّ نزل فصلى رَكْعَتَيْنِ وَعنهُ أَنه قَالَ إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من هَذِه الأفزاع فافزعوا إِلَى الصَّلَاة وَأما الْكَلَام فِي بَيَان أَنَّهَا سنة أم وَاجِبَة فقد ذكر الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة مَا يدل على أَنَّهَا سنة فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ فِي كسوف الشَّمْس إِن شاؤوا صلوا رَكْعَتَيْنِ وَإِن شاؤوا أَرْبعا وَإِن شاؤوا أَكثر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ذَلِك والتخيير يكون فِي التَّطَوُّع وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا بِأَنَّهَا وَاجِبَة لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من هَذِه الأفزاع فافزعوا إِلَى الصَّلَاة وَظَاهر الْأَمر للْوُجُوب وَأما الْكَلَام فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة أما الصَّلَاة فِي كسوف الشَّمْس فَإِنَّهُم يصلونَ رَكْعَتَيْنِ إِن شاؤوا بِجَمَاعَة وَإِن شاؤوا فُرَادَى فِي مَنَازِلهمْ أَو فِي مَوضِع اجْتَمعُوا فِيهِ لَكِن الْجَمَاعَة أفضل غير أَنهم إِذا صلوا بِجَمَاعَة يُصَلِّي بهم إِمَام الْجُمُعَة أَو نَائِب السُّلْطَان كَمَا فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ ثمَّ عندنَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ فِي قَول يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كل رَكْعَة بركوعين وسجدتين وَفِي قَول يُصَلِّي أَربع رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات يكبر فَيقوم وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة ويركع ثمَّ يقوم من غير أَن يسْجد فَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَالسورَة ثمَّ يرْكَع وَيسْجد سحدتين وَيفْعل فِي الثَّانِيَة مِثْلَمَا يفعل فِي الأولى وكلا الْقَوْلَيْنِ متقاربان وَلَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ على قَول أبي حنيفَة وَعند أبي يُوسُف يجْهر وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة لِأَن الأَصْل فِي صَلَاة النَّهَار المخافتة إِلَّا إِذا قَامَ الدَّلِيل بِخِلَافِهِ ثمَّ هُوَ فِي مِقْدَار الْقِرَاءَة بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ طول وَإِن شَاءَ خفف وَقَالَ الشَّافِعِي يطول الْقِرَاءَة فَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَيقْرَأ مثل سُورَة الْبَقَرَة فِي الرَّكْعَة الأولى وَآل عمرَان فِي الثَّانِيَة وَيمْكث فِي الرُّكُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وَالسُّجُود مِقْدَار مَا يمْكث فِي الْقِرَاءَة ولكننا نقُول إِن الْمسنون أَن يشْتَغل بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاء حَتَّى تنجلي الشَّمْس فَإِن طول الْقِرَاءَة قصر الدُّعَاء وَإِن قصر الصَّلَاة طول الدُّعَاء وَلَيْسَ فِي هَذِه الصَّلَاة آذان وَلَا إِقَامَة وَلَا خطْبَة ثمَّ إِذا فرغوا من الصَّلَاة يَنْبَغِي أَن يشتغلوا بِالدُّعَاءِ إِلَى أَن تنجلي الشَّمْس وَلَا يصعد الإِمَام الْمِنْبَر للدُّعَاء لِأَن السّنة فِي الْأَدْعِيَة بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا فرغت فانصب وَإِلَى رَبك فارغب} وَأما الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر فَالسنة فِيهَا أَن يصلوا وحدانا فِي مَنَازِلهمْ لِأَن الخسوف فِي اللَّيْل والاجتماع فِي اللَّيْل مِمَّا يتَعَذَّر وَكَذَا الصَّلَاة وحدانا مُسْتَحبَّة فِي جَمِيع الأفزاع مثل الرّيح الشَّدِيدَة والظلمة والمطر الدَّائِم وَالرِّيح الدَّائِم وَالْخَوْف من الْعَدو وَغير ذَلِك للْحَدِيث الَّذِي ذكرنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يُصَلِّي فِي الخسوف بِجَمَاعَة أَيْضا وَأما مَوضِع الصَّلَاة فقد ذكرنَا فِي شرح الطَّحَاوِيّ أَنه يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس فِي الْمَسْجِد الْجَامِع أَو فِي مصلى الْعِيد وَذكر الْقَدُورِيّ وَقَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة يرى صَلَاة الْكُسُوف فِي الْمَسْجِد وَلَكِن الْأَفْضَل أَن تُؤَدّى فِي أعظم الْمَسَاجِد وَهُوَ الْجَامِع الَّذِي تصلى فِيهَا الْجُمُعَة وَلَو صلوا فِي مَوضِع آخر أجزأهم وَلَيْسَ فِيهَا خطْبَة وَلَا صعُود مِنْبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَأما فِي كسوف الْقَمَر فَالسنة هِيَ الصَّلَاة وحدانا فِي مَنَازِلهمْ على مَا مر وَأما الْوَقْت فَهُوَ الْوَقْت الَّذِي يسْتَحبّ فِيهِ سَائِر الصَّلَوَات دون الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة لِأَن هَذِه الصَّلَاة إِن كَانَت نَافِلَة فالنوافل فِيهَا مَكْرُوهَة وَإِن كَانَت لَهَا أَسبَاب عندنَا كَصَلَاة التَّحِيَّة وَإِن كَانَت وَاجِبَة فَيكْرَه كالوتر وَصَلَاة الْجِنَازَة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه لَا صَلَاة فِي الاسْتِسْقَاء وَإِنَّمَا فِيهِ الدُّعَاء وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ سَأَلت أَبَا حنيفَة عَن الاسْتِسْقَاء هَل فِيهِ صَلَاة أَو دُعَاء مُؤَقّت أَو خطْبَة فَقَالَ أما صَلَاة جمَاعَة فَلَا وَلَكِن الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وَإِن صلوا وحدانا فَلَا بَأْس وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُصَلِّي الإِمَام أَو نَائِبه فِي الاسْتِسْقَاء رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَة كَمَا فِي الْجُمُعَة وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة بقوله تَعَالَى {فَقلت اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} فَمن زَاد الصَّلَاة فَلَا بُد من الدَّلِيل ثمَّ عِنْدهمَا يقْرَأ فِي الصَّلَاة بِمَا شَاءَ جَهرا كَمَا فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ لَكِن الْأَفْضَل أَن يقْرَأ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} وَلَا يكبر فِيهَا سوى تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وتكبيرتي الرُّكُوع فِي الْمَشْهُور من الرِّوَايَة عَنْهُمَا وَفِي رِوَايَة يكبر فيهمَا كَمَا فِي صَلَاة الْعِيد ثمَّ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة يخْطب عِنْدهمَا وَعند أبي حنيفَة لَا يخْطب وَهل يجلس فِي خطْبَة الاسْتِسْقَاء عَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 لَا يجلس وَفِي رِوَايَة أُخْرَى إِن خطب خطْبَة وَاحِدَة قَائِما فَحسن وَلَكِن يخْطب على الأَرْض قَائِما مُعْتَمدًا على قَوس أَو سيف مُسْتَقْبلا بِوَجْهِهِ إِلَى النَّاس وهم مقبلون عَلَيْهِ ويستمعون خطبَته وينصتون كَمَا فِي خطب الْجُمُعَة وَإِن توكأ على عَصا فَحسن وَإِذا فرغ من الْخطْبَة يَجْعَل ظَهره إِلَى النَّاس وَوجه إِلَى الْقبْلَة ويقلب رِدَاءَهُ ثمَّ يشْتَغل بِدُعَاء الاسْتِسْقَاء قَائِما يسْتَقْبل الْقبْلَة وَالنَّاس قعُود مستقبلون ووجوههم إِلَى الْقبْلَة فِي الْخطْبَة وَالدُّعَاء لِأَن الدُّعَاء مُسْتَقْبل الْقبْلَة أقرب إِلَى الْإِجَابَة يَدْعُو الله تَعَالَى ويستغفر للْمُؤْمِنين ويجددون التَّوْبَة ويستسقون وَهَذَا عِنْدهمَا فَأَما عِنْد أبي حنيفَة فتقليب الرِّدَاء لَيْسَ بِسنة ثمَّ كَيْفيَّة التقليب عِنْدهمَا إِن كَانَ مربعًا جعل أَسْفَله أَعْلَاهُ وَأَعلاهُ أَسْفَله وَإِن كَانَ مدورا جعل الْجَانِب الْأَيْمن على الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن وَلَكِن الْقَوْم لَا يقلبون أرديتهم عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك بِأَنَّهُم يقلبون أَيْضا ثمَّ عِنْد الدُّعَاء إِن رفع يَدَيْهِ نَحْو السَّمَاء فَحسن وَإِن ترك ذَلِك وَأَشَارَ بإصبعه السبابَة فَحسن وَكَذَا النَّاس يرفعون أَيْديهم أَيْضا لِأَن السّنة فِي الدُّعَاء بسط الْيَدَيْنِ ثمَّ الْمُسْتَحبّ أَن يخرج الإِمَام بِالنَّاسِ إِلَى الاسْتِسْقَاء ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة لِأَن الثَّلَاثَة مُدَّة لإبلاء الْعذر فَلَو لم يخرج الإِمَام وَأمر النَّاس بِالْخرُوجِ فَلهم أَن يخرجُوا ويدعوا وَلَا يصلوا بِجَمَاعَة إِلَّا إِذا أَمر إنْسَانا أَن يُصَلِّي بهم جمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَلَا يَنْبَغِي أَن يخرج أهل الذِّمَّة مَعَ الْمُسلمين فِي الاسْتِسْقَاء عِنْد عَامَّة الْعلمَاء بل يمْنَعُونَ عَن الْخُرُوج خلافًا لمَالِك لأَنهم يخرجُون لطلب الرَّحْمَة والكفرة أهل السخط والعقوبة دون الرَّحْمَة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بَاب صَلَاة الْمَرِيض الصَّلَاة لَا تسْقط عَن الْمُكَلف مَا دَامَ قَادِرًا على الْأَدَاء فَمَتَى عجز بِسَبَب الْمَرَض عَن أَدَاء بعض الْأَركان وَيسْقط بِقَدرِهِ لِأَن الْعَاجِز لَا يُكَلف فَإِن كَانَ قَادِرًا على الْأَدَاء لَكِن يخَاف زِيَادَة الْعلَّة يسْقط عَنهُ أَيْضا فَإِذا عجز عَن الْقيام يُصَلِّي قَاعِدا بركوع وَسُجُود فَإِن عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود يُصَلِّي قَاعِدا بِالْإِيمَاءِ وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع ليَقَع الْفَصْل بَينهمَا فَإِن عجز عَن الْقعُود أَيْضا يستلقي ويومىء إِيمَاء وَأَصله مَا رُوِيَ عَن عمرَان بن الْحصين أَنه كَانَ بِهِ مرض فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا فَإِن لم تستطع فعلى الْجنب تومىء إِيمَاء ثمَّ إِذا صلى قَاعِدا بركوع وَسُجُود أَو بإيماء كَيفَ يقْعد فِي أول الصَّلَاة وَفِي حَال الرُّكُوع اخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا روى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه يجلس كَيفَ شَاءَ وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا افْتتح الصَّلَاة يتربع وَإِذا ركع يفترش رجله الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يتربع فِي جَمِيع صلَاته وَرُوِيَ عَن زفر أَنه يفترش رجله الْيُسْرَى فِي جَمِيع صلَاته وَالصَّحِيح رِوَايَة مُحَمَّد لِأَن عذر الْمَرِيض يسْقط عَنهُ الْأَركان فَلِأَن يسْقط عَنهُ الْهَيْئَة أولى وَأما كَيْفيَّة صَلَاة المستلقي فَالْمَشْهُور من الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا أَنه يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وَرجلَاهُ نَحْو الْقبْلَة فَإِن عجز عَن هَذَا وَقدر على الصَّلَاة على الْجنب فينام على شقَّه الْأَيْمن مُتَوَجها إِلَى الْقبْلَة عرضا وَقد رُوِيَ عَن أَصْحَابنَا أَيْضا أَنه يُصَلِّي على جنبه الْأَيْمن وَوَجهه إِلَى الْقبْلَة فَإِذا عجز فَحِينَئِذٍ يستلقي على قَفاهُ وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وحجتهم حَدِيث عمرَان بن الْحصين وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لِأَن التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة بِقدر الْمُمكن فرض وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا لِأَن الصَّلَاة فِي حَقه بِالْإِيمَاءِ وَذَلِكَ بتحريك الرَّأْس وَالْوَجْه وَفِي حَالَة الاستلقاء التحريك إِلَى الْقبْلَة فَإِذا كَانَ على الْجنب يَتَحَرَّك الرَّأْس لَا إِلَى الْقبْلَة بل يكون منحرفا عَنْهَا والانحراف من غير ضَرُورَة غير مَشْرُوع وَالْمرَاد من الْجنب فِي حَدِيث عمرَان بن الْحصين هُوَ السُّقُوط فَمَعْنَى قَوْله فعلى الْجنب أَي يُصَلِّي سَاقِطا على قَفاهُ وَهُوَ تَفْسِير الاسْتِسْقَاء فَإِن كَانَ قَادِرًا على الْقيام دون الرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِنَّهُ يومىء قَاعِدا لَا قَائِما فَهُوَ الْمُسْتَحبّ وَلَو أَوْمَأ قَائِما جَازَ وَهَذَا عندنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَقَالَ الشَّافِعِي يُصَلِّي قَائِما لَا قَاعِدا لِأَن الْقيام ركن فَلَا يسْقط من غير عذر وَلَكنَّا نقُول إِن الْغَالِب أَن من عجز عَن الرُّكُوع عجز عَن الْقيام وَالْغَالِب مُلْحق بالمتيقن وَيَنْبَغِي للْمَرِيض أَن يَأْتِي بالأركان كلهَا مثل الصَّحِيح لِأَن السُّقُوط بِقدر الْعَجز وَلم يُوجد ثمَّ الإضجاع الْمَشْرُوع أَنْوَاع أَحدهَا فِي حَالَة الصَّلَاة وَهُوَ مَا ذكرنَا من الاستلقاء على الْقَفَا دون الإضجاع على الْجنب وَالثَّانِي الِاضْطِجَاع فِي حَالَة الْمَرَض على الْفراش وَالسّنة فِيهِ أَن يضجع الْمَرِيض على شقَّه الْأَيْمن عرضا وَوَجهه إِلَى الْقبْلَة وَمِنْهَا أَن يضجع الْمَرِيض المحتضر وَهُوَ أَن تقرب وَفَاته وَالسّنة فِيهِ أَيْضا أَن يضجع على شقَّه الْأَيْمن عرضا وَجهه إِلَى الْقبْلَة إِلَّا أَن الْعرف قد جرى بَين النَّاس أَن يضجع مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ نَحْو الْقبْلَة كَمَا فِي حَالَة الصَّلَاة بِالْإِيمَاءِ لما قيل إِن هَذَا أيسر لخُرُوج الرّوح وَمِنْهَا الإضجاع على التخت عِنْد الْغسْل وَلَا رِوَايَة فِيهِ عَن أَصْحَابنَا لَكِن الْعرف قد جرى أَن يضجع مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ نَحْو الْقبْلَة لما فِي حَالَة الصَّلَاة بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهَا الإضجاع فِي حَالَة الصَّلَاة على الْمَيِّت وَهُوَ أَن يضجع على قَفاهُ مُعْتَرضًا للْقبْلَة وَمِنْهَا الإضجاع فِي اللَّحْد وَالسّنة فِيهِ أَن يضجع على شقَّه الْأَيْمن وَوَجهه نَحْو الْقبْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ثمَّ إِذا عجز عَن الْإِيمَاء وَهُوَ تَحْرِيك الرَّأْس سقط عَنهُ أَدَاء الصَّلَاة عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يَنْبَغِي أَن يومىء بِقَلْبِه وبعينه وَقَالَ زفر يومىء بِقَلْبِه وَيَقَع مجزئا وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد يومىء بحاجبيه وبقلبه وَيُعِيد مَتى قدر على الْأَركان وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْإِيمَاء بِالْقَلْبِ هُوَ الْإِرَادَة وَالنِّيَّة وَالصَّلَاة غير النِّيَّة والإرادة ثمَّ إِذا سقط عَنهُ الصَّلَاة بِالْعَجزِ فَإِذا مَاتَ من ذَلِك الْمَرَض فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يدْرك وَقت الْقَضَاء فَأَما إِذا برأَ وَصَحَّ فَإِن ترك صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة وَمَا دونهَا فَإِنَّهُ يقْضِي فَأَما إِذا ترك أَكثر من ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يقْضِي وعَلى ذَلِك قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمغمى عَلَيْهِ إِذا فَاتَتْهُ الصَّلَوَات ثمَّ أَفَاق يقْضِي صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة وَمَا دونهَا وَلَا يقْضِي أَكثر من ذَلِك وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي الْجُنُون الْقصير إِنَّه بِمَنْزِلَة الْإِغْمَاء وَهَذَا لما عرف أَن الْعَجز عَن الْأَدَاء لَا يسْقط الْقَضَاء إِنَّمَا يسْقط بِسَبَب الْحَرج وَإِنَّمَا الْحَرج إِذا دخل الْفَائِت فِي حد الْكَثْرَة وَالْحَد الْفَاصِل بَين الْقَلِيل وَالْكثير هُوَ سِتّ صلوَات عرفنَا ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن عَليّ وعمار وَعبد الله بن عمر مثل قَوْلنَا وَلم يرو عَن غَيرهم خِلَافه فَيكون إِجْمَاعًا ثمَّ الْمَرِيض إِذا فَاتَتْهُ الصَّلَوَات فِي مَرضه أَو كَانَ عَلَيْهِ فوائت الصِّحَّة فقضاها فِي الْمَرَض بأنقص مِمَّا فَاتَ من حَيْثُ الْأَركان فَإِنَّهُ يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَلَو فَاتَتْهُ الصَّلَوَات فِي حَال الْمَرَض بِلَا قيام أَو بِالْإِيمَاءِ ثمَّ صَحَّ وبرأ فَإِن عَلَيْهِ أَن يقْضِي بِقِيَام وركوع وَسُجُود وَلَو قَضَاهَا كَمَا فَاتَت لَا يجوز وَالْمُعْتَبر حَال الشُّرُوع فِي الْقَضَاء لِأَن وجوب الْقَضَاء موسع وَإِنَّمَا يتَغَيَّر الْوُجُوب وَقت الشُّرُوع وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن ذَلِك وَقتهَا وَلَو أَن الْمَرِيض إِذا قدر على الْقيام أَو على الرُّكُوع وَالسُّجُود بَعْدَمَا شرع فِي الصَّلَاة قَاعِدا وبالإيماء ينظر إِن شرع قَاعِدا بركوع وَسُجُود فَإِنَّهُ يَبْنِي على تِلْكَ الصَّلَاة ويتمها قَائِما بركوع وَسُجُود عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لِأَن من أَصلهمَا أَن اقْتِدَاء الْقَائِم بالقاعد الَّذِي يُصَلِّي بركوع وَسُجُود جَائِز فِي الِابْتِدَاء فَكَذَلِك يجوز فِي الْبناء وعَلى قَول مُحَمَّد لَا يَبْنِي بل يسْتَقْبل لِأَن عِنْده لَا يجوز اقْتِدَاء الْقَائِم بالقاعدة فَكَذَا لَا يجوز الْبناء وَأما إِذا كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ قَاعِدا أَو مُسْتَلْقِيا فَلَا يَبْنِي إِذا قدر على الْقيام أَو الرُّكُوع وَالسُّجُود عندنَا وعَلى قَول زفر يَبْنِي وَالصَّحِيح قَوْلنَا وَهُوَ أَن الصَّلَاة بِالْإِيمَاءِ لَيست صَلَاة حَقِيقِيَّة لَكِن جعلت صَلَاة فِي حق المومىء بطرِيق الضَّرُورَة فَيظْهر فِي حَقه لَا فِي حق غَيره فَلَا يجوز الِاقْتِدَاء بِهِ إِلَّا من الَّذِي هُوَ مثله بِخِلَاف الْقَائِم مَعَ الْقَاعِد فَإِن الْقَاعِد مصل بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود على مَا عرف فَأَما الصَّحِيح إِذا مرض فِي وسط الصَّلَاة بِحَيْثُ يعجز عَن الْقيام أَو الرُّكُوع وَالسُّجُود فجواب ظَاهر الرِّوَايَة أَنه يمْضِي على صلَاته على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 حسب مَا يقدر عَلَيْهِ من الرُّكُوع وَالسُّجُود قَاعِدا أَو بِالْإِيمَاءِ وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه يسْتَقْبل وَالصَّحِيح ظَاهر الرِّوَايَة لِأَنَّهُ إِذا بنى صَار مُؤديا بعض الصَّلَاة كَامِلا وَبَعضهَا نَاقِصا وَإِذا اسْتقْبل صَار مُؤديا الْكل نَاقِصا فَكَانَ الأول أولى وَلَو أَن الْمَرِيض المومىء إِذا رفع إِلَى وَجهه وسَادَة أَو شَيْء فَسجدَ عَلَيْهِ وَلم يومىء بِأَن لم يُحَرك رَأسه نوع تَحْرِيك فَإِنَّهُ لَا يجوز وَلَا يَنْبَغِي أَن يفعل هَكَذَا لِأَن الْفَرْض فِي حَقه الْإِيمَاء وَهُوَ قَائِم مقَام الصَّلَاة وَلم يُوجد فَأَما إِذا وجد مِنْهُ نوع تَحْرِيك الرَّأْس حَتَّى وصل رَأسه إِلَى الوسادة جَازَ لوُجُود الْإِيمَاء وَإِن قل وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 بَاب صَلَاة التَّطَوُّع التَّطَوُّع نَوْعَانِ تطوع مُطلق وتطوع بِسَبَب أماالمطلق فَيُسْتَحَب أَدَاؤُهُ فِي كل وَقت لم يكره فِيهِ التَّطَوُّع وَيجوز أَدَاؤُهُ مَعَ الْكَرَاهَة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَأما التَّطَوُّع بِسَبَب فوقته مَا ورد الشَّرْع بِهِ كالسنن الْمَعْهُودَة للصلوات الْمَكْتُوبَة وَذكر أَبُو الْحسن الْكَرْخِي هَهُنَا وَقَالَ التَّطَوُّع قبل الْفجْر رَكْعَتَانِ أَي التَّطَوُّع الْمسنون قبل صَلَاة الْفجْر رَكْعَتَانِ وَأَرْبع قبل الظّهْر لَا يسلم إِلَّا فِي آخرهَا وركعتان بعد الظّهْر وَأَرْبع قبل الْعَصْر وركعتان بعد الْمغرب وَأَرْبع قبل الْعشَاء الْأَخِيرَة إِن أحب ذَلِك وَأَرْبع بعْدهَا وَذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة فِي كتاب الصَّلَاة هَكَذَا إِلَّا أَنه قَالَ فِي الْأَرْبَع قبل الْعَصْر إِنَّه حسن وَلَيْسَ بِسنة وَقَالَ فِي الْعشَاء إِنَّه لَا تطوع قبل الْعشَاء وَإِن فعل لَا بَأْس بِهِ وركعتان بعْدهَا وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لما رُوِيَ عَن أم حَبِيبَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ من صلى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة بنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة رَكْعَتَانِ بعد طُلُوع الْفجْر وَأَرْبع قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء وَأما السّنة فِي صَلَاة الْجُمُعَة فأربع قبلهَا وَأَرْبع بعْدهَا كَذَا ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 هَهُنَا وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة فِي كتاب الصَّلَاة وَذكر فِي كتاب الصَّوْم فِي بَاب الِاعْتِكَاف أَن بعد الْجُمُعَة يُصَلِّي سِتا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ مَا ذكر فِي كتاب الصَّوْم قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمَا ذكر فِي كتاب الصَّلَاة قَول أبي حنيفَة وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلفَة بَين الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قدم الْكُوفَة وَكَانَ يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة أَرْبعا لَا غير ثمَّ قدم عَليّ رَضِي الله عَنهُ بعد وَفَاته وَكَانَ يُصَلِّي بعْدهَا سِتا فَأخذ أَبُو حنيفَة بِمذهب ابْن مَسْعُود وهم أخذُوا بِمذهب عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يَنْبَغِي أَن يُصَلِّي أَرْبعا ثمَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى لَا يكون متنفلا بعد صَلَاة الْفَرْض بِمِثْلِهَا فَيدْخل تَحت النَّهْي وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يصلى بعد صَلَاة مثلهَا ثمَّ السّنَن إِذا فَاتَت عَن وَقتهَا لَا تقضى سَوَاء فَاتَت وَحدهَا أَو مَعَ الْفَرَائِض سوى سنة صَلَاة الْفجْر فَإِنَّهَا تقضى إِن فَاتَت مَعَ الْفَرِيضَة بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فَاتَت بِدُونِ الْفَرْض على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا تقضى وَقَالَ مُحَمَّد لَا تقضى قبل طُلُوع الشَّمْس أَيْضا وَلَكِن تقضى بعد طُلُوع الشَّمْس إِلَى وَقت الزَّوَال ثمَّ تسْقط وَقَالَ الشَّافِعِي تقضى جَمِيع السّنَن وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام صلى رَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْعَصْر فِي حُجْرَتي فَقلت يَا رَسُول الله مَا هَاتَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الركعتان اللَّتَان لم تكن تصليهما من قبل فَقَالَ رَكْعَتَانِ كنت أصليهما بعد الظّهْر فغشاني عَنْهُمَا الْوَفْد فَكرِهت أَن أصليهما بِحَضْرَة النَّاس فيروني فَقلت أفتقضيهما إِذا فاتتا فَقَالَ لَا وَهَذَا نَص على أَن الْقَضَاء فِي حق الْأمة غير وَاجِب فِي السّنَن وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء اخْتصَّ بِهِ رَسُول الله وَقِيَاس هَذَا الحَدِيث أَنه لَا يجب قَضَاء رَكْعَتي الْفجْر أصلا لَكِن اسْتحْسنَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي الْقَضَاء إِذا فاتتا مَعَ الْفَرْض بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوف وَهُوَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما نَام فِي ذَلِك الْوَادي ثمَّ اسْتَيْقَظَ لحر الشَّمْس فارتحل مِنْهُ ثمَّ نزل وَأمر بِلَالًا فَأذن وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَمر فَأَقَامَ فصلى الْفجْر فَبَقيَ الْبَاقِي على الأَصْل قَالَ وَيكرهُ للْإِمَام أَن يتَطَوَّع فِي مَكَانَهُ الَّذِي صلى فِيهِ الْمَكْتُوبَة وَلَا يكره للمقتدي ذَلِك لِأَن الإِمَام إِذا لم يَتَنَحَّ عَن مَكَانَهُ فَرُبمَا يشْتَبه على الدَّاخِل أَنه فِي الْفَرْض فيقتدي بِهِ ثمَّ يظْهر بِخِلَافِهِ وَهَذَا الْمَعْنى مَعْدُوم فِي حق الْمُقْتَدِي فَلَا يكره وَرُوِيَ عَن أَصْحَابنَا أَن الْمُسْتَحبّ للمقتدي أَن يتَنَحَّى عَن مَكَانَهُ أَيْضا حَتَّى تنكسر الصُّفُوف فيزول الِاشْتِبَاه من كل وَجه قَالَ وَيكرهُ التَّطَوُّع فِي الْمَسْجِد وَالنَّاس فِي الْجَمَاعَة لِأَن يصير مُتَّهمًا بِأَنَّهُ لَا يرى صَلَاة الْجَمَاعَة ثمَّ ينظر بعْدهَا إِمَّا إِن صلى تِلْكَ الْمَكْتُوبَة أَو لم يصل فَإِن لم يصلها ينظر إِن أمكنه أَن يُؤَدِّي السّنة قبل أَن يرْكَع الإِمَام فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسنةِ خَارج الْمَسْجِد ثمَّ يشرع فِي الْفَرْض فيحرز الْفَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَالنَّفْل جَمِيعًا مَعَ نفي التُّهْمَة عَن نَفسه وَإِن خَافَ أَن يفوتهُ رَكْعَة شرع مَعَ الإِمَام وَهَذَا فِي سَائِر الصَّلَوَات سوى الْفجْر فَأَما فِي الْفجْر فَإِن كَانَ عِنْده أَنه يُمكنهُ أَن يُصَلِّي السّنة وَيدْرك رَكْعَة من الْفَرْض مَعَ الإِمَام فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بِالسنةِ خَارج الْمَسْجِد ثمَّ يشرع فِي الْفَرْض مَعَ الإِمَام وَإِن كَانَ عِنْده أَنه تفوته الركعتان فَلَا يشْتَغل بِالسنةِ لِأَن أَدَاء الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة أَو فِي معنى الْوَاجِب وَكَذَا رَكعَتَا الْفجْر لِكَثْرَة مَا رُوِيَ فيهمَا من الْآثَار فمهما أمكن إِحْرَاز الفضيلتين كَانَ أَحَق وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا لِأَن إِدْرَاك رَكْعَة من الْفجْر فِي معنى إِدْرَاك الْكل على مَا رُوِيَ من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة مَعَ الإِمَام فقد أدْركهُ فَأَما إِذا خَافَ فَوت الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ الإِمَام فَكَانَ فِيهِ فَوت الْفَرْض حَقِيقَة وَمعنى فَكَانَ الِاشْتِغَال بِالْفَرْضِ أولى بِخِلَاف سَائِر السّنَن لِأَنَّهَا دون الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة فِي الْفَضِيلَة فَكَانَ اعْتِبَار إِقَامَة الْجَمَاعَة أولى وَأما إِذا صلى الْمَكْتُوبَة فَدخل الْمَسْجِد وَالنَّاس فِي الْجَمَاعَة فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يُتَابع الإِمَام فِي صلَاته إِن كَانَت صَلَاة لَا يكره التَّطَوُّع بعْدهَا أَو بهَا كالمغرب فَأَما إِذا كَانَ فِي صَلَاة يكره التَّطَوُّع بعْدهَا أَو يكره التَّنَفُّل بهَا وَهِي الْمغرب فَإِنَّهُ لَا يشرع فِيهَا وَلَكِن يخرج من الْمَسْجِد لِأَن فِيهِ إِحْرَاز فَضِيلَة ومباشرة كَرَاهَة فالكف عَن الْمَكْرُوه أولى وأحق وَقد ذكرنَا قبل هَذِه الصَّلَاة الَّتِي يكره التَّطَوُّع بعْدهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا دخل الْمَسْجِد وَقد أُقِيمَت فِيهِ الْمَكْتُوبَة فَأَما إِذا دخل الْمَسْجِد وَشرع فِي الصَّلَاة ثمَّ أُقِيمَت الْمَكْتُوبَة فِيهِ فَهَذَا على وَجْهَيْن إِمَّا أَن يشرع فِي التَّطَوُّع أَو فِي فرض الْوَقْت أما إِذا شرع فِي التَّطَوُّع فَإِنَّهُ يتم الشفع الَّذِي هُوَ فِيهِ إِن علم أَنه يُمكنهُ الشُّرُوع مَعَ الإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى من صلَاته لِأَنَّهُ يقدر على إتْمَام النَّفْل الَّذِي وَجب عَلَيْهِ تَحْصِيله بِالشُّرُوعِ وَإِدْرَاك الْجَمَاعَة فَيجب مراعاتهما وَلَا يزِيد على الشفع لِأَنَّهُ لَا يلْزمه بِالشُّرُوعِ فِي النَّفْل أَكثر من الشفع فَأَما إِذا كَانَ لَا يُمكنهُ إِدْرَاك الرَّكْعَة الأولى من صَلَاة الإِمَام فَإِنَّهُ يقطع ويشرع مَعَ الإِمَام إِلَّا فِي صَلَاة الْفجْر على مَا ذكرنَا من التَّفْصِيل فَأَما إِذا شرع فِي الْفَرِيضَة ثمَّ أُقِيمَت تِلْكَ الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة فَإِن كَانَ صَلَاة الْفجْر وَقد صلى رَكْعَة يقطع ويشرع مَعَ الإِمَام لِأَن نقض الْفَرْض للْأَدَاء على الْوَجْه الْأَكْمَل جَائِز وَالصَّلَاة بِالْجَمَاعَة أكمل فَإِن قيد الرَّكْعَة الثَّانِيَة بِالسَّجْدَةِ أَو صلى رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يمْضِي على ذَلِك لِأَن الصَّلَاة بعد التَّمام لَا تحْتَمل الانتقاض وللأكثر حكم الْكل أَيْضا وَإِن كَانَ صَلَاة الظّهْر إِن صلى رَكْعَة يضم إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى إِن كَانَ يُمكنهُ الشُّرُوع مَعَ الإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى من صلَاته وَإِن صلى رَكْعَتَيْنِ يتَشَهَّد وَيسلم حَتَّى يكون محرزا للفضيلتين وَإِن قيد الثَّالِثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 بِالسَّجْدَةِ مضى عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أدّى الْأَكْثَر وَهُوَ الْفَرْض وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْعَصْر وَالْعشَاء فَأَما فِي الْمغرب فَإِن صلى رَكْعَة قطعهَا لِأَنَّهُ لَو ضم إِلَيْهَا الثَّانِيَة يصير أَكثر الْفَرْض فَلَا يُمكنهُ الْقطع وَإِن قيد الثَّانِيَة بِالسَّجْدَةِ مضى عَلَيْهَا لما قُلْنَا ثمَّ فِي الْموضع الَّذِي يُمكنهُ الْقطع والشروع فِي الصَّلَاة مَعَ الإِمَام إِذا فرغ من كل الْفَرْض إِن كَانَ صَلَاة لَا يكره التَّطَوُّع بعْدهَا يدْخل مَعَ الإِمَام وَإِن كَانَ يكره التَّنَفُّل بعْدهَا أَو التَّنَفُّل بهَا صَلَاة الْمغرب فَإِنَّهُ لَا يشرع مَعَ الإِمَام على مَا مر وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 بَاب صَلَاة الْوتر فِي الْبَاب فُصُول مِنْهَا أَن الْوتر وَاجِب أم سنة وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ عَن أبي حنيفَة رُوِيَ أَنه فرض وَبِه أَخذ زفر ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ بِأَنَّهُ سنة وَبِه أَخذ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ بِأَنَّهُ وَاجِب وَحَاصِل ذَلِك مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ ثَلَاث كتبت عَليّ وَلم تكْتب عَلَيْكُم الْوتر وَالضُّحَى وَالْأُضْحِيَّة وَرُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَيْضا أَنه قَالَ إِن الله تَعَالَى زادكم صَلَاة أَلا وَهِي الْوتر فصلوها مَا بَين الْعشَاء إِلَى طُلُوع الْفجْر وَالْأَمر للفرضية وَالْوُجُوب فَوَقع التَّعَارُض بَين الْحَدِيثين فَلَا تثبت الْفَرْضِيَّة وَالْوُجُوب بِالِاحْتِمَالِ هَذَا عِنْدهم وَأَبُو حنيفَة يَقُول يُمكن الْجمع بَينهمَا لِأَن الْفَرْض غير الْوَاجِب فِي عرف الشَّرْع فالفرض مَا ثَبت وُجُوبه بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ وَالْوَاجِب مَا ثَبت وُجُوبه بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة نَحْو خبر الْوَاحِد وَالْقِيَاس وَالْوتر من هَذَا الْقَبِيل لِأَنَّهُ ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَمِنْهَا بَيَان مِقْدَاره فعندنا الْوتر ثَلَاث رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة فِي الْأَوْقَات كلهَا وَالشَّافِعِيّ قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أوتر بِرَكْعَة أَو بِثَلَاث أَو بِخمْس أَو بِسبع أَو بتسع أَو بِإِحْدَى عشرَة رَكْعَة وَلَا يزِيد عَلَيْهَا وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِي شهر رَمَضَان ثَلَاث رَكْعَات وَفِي غَيره رَكْعَة وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم أَنهم قَالُوا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر بِثَلَاث رَكْعَات وَمِنْهَا أَن يقْرَأ فِيهِ فِي الرَّكْعَات بِالثلَاثِ بِالْإِجْمَاع أما عِنْدهم فَلِأَنَّهُ نفل وَفِي النَّفْل تجب الْقِرَاءَة فِي الْكل وَكَذَا على قَول أبي حنيفَة لِأَن الْوتر عِنْده وَاجِب وَالْوَاجِب مَا يحْتَمل أَنه نفل لَكِن ترجح جِهَة الْفَرْضِيَّة بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة فَكَانَ الِاحْتِيَاط فِيهِ بِوُجُوب الْقِرَاءَة فِي الْكل وَلَا يَنْبَغِي أَن يقْرَأ سُورَة مُعينَة على الدَّوَام لِأَن الْفَرْض هُوَ مُطلق الْقِرَاءَة بقوله تَعَالَى {مَا تيَسّر من الْقُرْآن علم} وَالتَّعْيِين على الدَّوَام يُفْضِي إِلَى أَن يَعْتَقِدهُ بعض النَّاس وَاجِبا وَإنَّهُ لَا يجوز لَكِن قد ورد عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّالِثَة {قل هُوَ الله أحد} فَمن قَرَأَهَا كَذَلِك أَحْيَانًا يكون حسنا وَلَكِن لَا يواظب عَلَيْهِ على مَا ذكرنَا وَمِنْهَا أَن الْوتر يعم النَّاس أجمعمن الْحر وَالْعَبْد وَالذكر وَالْأُنْثَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 بعد أَن كَانَ أَهلا للْوُجُوب لِأَن الدَّلِيل الَّذِي ورد فِي الْبَاب لَا يُوجب الْفَصْل وَمِنْهَا أَن القنوتفي الْوتر فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة بعد الْقِرَاءَة قبل الرُّكُوع وَاجِب وَإِذا أَرَادَ أَن يقنت يكبر وَيرْفَع يَدَيْهِ حذاء أُذُنَيْهِ ثمَّ يقنت وَالْكَلَام فِي الْقُنُوت فِي مَوَاضِع مِنْهَا أَنه إِذا أَرَادَ أَن يقنت يكبر لما رُوِيَ عنعليأنه كَانَ إِذا أَرَادَ الْقُنُوت كبر وقنت وَمِنْهَا أَن يرفع يَدَيْهِ عِنْد التَّكْبِير لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا ترفع الْأَيْدِي إِلَّا فِي سبع موطن وَذكر من جُمْلَتهَا الْقُنُوت وَمِنْهَا أَن الْقُنُوت فِي الْوتر وَاجِب فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَقَالَ الشَّافِعِي يُؤْتى بِالْقُنُوتِ فِي النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان لَا غير وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس أَن كل وَاحِد مِنْهُم رَاعى صَلَاة رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام بِاللَّيْلِ فقنت قبل الرُّكُوع فَدلَّ أَنه كَانَ يَأْتِي بِهِ فِي الْأَوْقَات كلهَا وَمِنْهَا مَحل الْقُنُوت عندنَا قبل الرُّكُوع وَعند الشَّافِعِي بعد الرُّكُوع وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما روينَا من حَدِيث الصَّحَابَة وَمِنْهَا مِقْدَار الْقُنُوت ذكر فِي الْكتاب مِقْدَار سُورَة {إِذا السَّمَاء انشقت} أَو {وَالسَّمَاء ذَات البروج} وَفِي بعض الرِّوَايَات مِقْدَار {إِذا السَّمَاء انشقت} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 و {وَالسَّمَاء ذَات البروج} وَالصَّحِيح هُوَ الأول فَإِن الْمَرْوِيّ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْقُنُوت اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك واللهم أهدنا فِيمَن هديت وَكِلَاهُمَا على مِقْدَار إِحْدَى السورتين وَلَا يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على الدُّعَاء الْمَأْثُور اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك واللهم اهدنا كي لَا يتَوَهَّم الْعَوام أَنه فرض وَلَكِن إِذا أُتِي بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُور فِي بعض الْأَوْقَات وَبِغَيْرِهِ فِي الْبَعْض فَحسن وَمِنْهَا أَن يُرْسل الْيَدَيْنِ فِي حَال الْقُنُوت أَو يضع ذكر هَهُنَا أَنه يرسلهما وَكَذَا ذكر الطَّحَاوِيّ فِي مُخْتَصره وَكَذَا روى الْحسن عَن أبي حنيفَة وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يبسط يَدَيْهِ بسطا نَحْو السَّمَاء وَذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل إِذا أَرَادَ أَن يقنت كبر وَرفع يَدَيْهِ حذاء أُذُنَيْهِ ناشرا أَصَابِعه ثمَّ يكفها وَقَالَ أَبُو بكر الإسكاف مَعْنَاهُ يضع يَمِينه على شِمَاله وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِي غير رِوَايَة الْأُصُول أَنه يضعهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَقد تكلم الْمُتَأَخّرُونَ فِي هَذَا وَفِي كل قيام لَا قِرَاءَة فِيهِ كالقيام فِي حَال تَكْبِيرَات الْعِيدَيْنِ وَالْقِيَام فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَالْقِيَام بعد الِافْتِتَاح إِلَى وَقت الْقِرَاءَة وَالْقِيَام بَين الرُّكُوع وَالسُّجُود إِذا كَانَ فِيهِ طول كَمَا فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَأَجْمعُوا على الْوَضع فِي الْقيام فِي حَالَة الْقِرَاءَة وَمن قَالَ بِالْوَضْعِ قَالَ إِن هَذَا أقرب إِلَى التَّعْظِيم كَمَا فِي الشَّاهِد وَمن قَالَ بِالْإِرْسَال قَالَ فِي الْوَضع زِيَادَة فعل فَلَا يثبت من غير دَلِيل وَقد ذكرنَا قبل هَذَا وَمِنْهَا إِذا نسي الْقُنُوت حَتَّى ركع ثمَّ تذكر فِي الرُّكُوع فَإِنَّهُ يمْضِي على رُكُوعه وَلَا يعود إِلَى الْقيام ليقنت وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يعود إِلَى الْقيام ويقنت كَمَا إِذا ترك الْفَاتِحَة أَو السُّورَة نَاسِيا وَركع فَلهُ أَن يعود إِلَى الْقيام ويقرأها وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَالْفرق بَين الْقُنُوت وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالسورَة أَن الرُّكُوع فرض وَقد شرع فِيهِ فَلَا ينْقضه لأجل الْقُنُوت وَهُوَ وَاجِب وَإِنَّمَا يجوز نقضه ليؤدى على وَجه الْكَمَال فَيجوز نقضه للتكميل كنقض الْمَسْجِد ليبنى أحسن مِنْهُ وَفِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالسورَة زِيَادَة الْكَمَال وأصل الْقِرَاءَة فرض لَا جَوَاز للركعة بِدُونِهِ فَأَما الْقُنُوت فدعاء والركعة لَهَا تَمام بِدُونِهِ وَلِهَذَا لم يشرع فِي كل رَكْعَة كالقراءة فِي النَّفْل فَلَو نقض يكون نقضا لَا للتكميل بل لأَدَاء الْوَاجِب وَنقض الْفَرْض لأَدَاء الْوَاجِب لَا يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَكَذَا لَا يقنت فِي حَال الرُّكُوع بِخِلَاف تَكْبِيرَات الْعِيدَيْنِ إِذا فَاتَت فِي حق الْمَسْبُوق وَأدْركَ الإِمَام فِي الرُّكُوع فَإِنَّهُ يكبر ويركع ثمَّ يَأْتِي بالتكبيرات فِي الرُّكُوع لِأَن الْقُنُوت لم يشرع إِلَّا فِي حَالَة مَحْض الْقيام فَأَما التَّكْبِيرَات فيشرع بَعْضهَا فِي حَال الرُّكُوع فَإِن تَكْبِير الرُّكُوع مَحْسُوب من تَكْبِيرَات الْعِيد فَيجوز أَدَاء الْكل عِنْد الْعذر وَلَو رفع رَأسه من الرُّكُوع وأتى بِالْقُنُوتِ فَإِن عَلَيْهِ أَن يُعِيد الرُّكُوع وَكَذَلِكَ إِذا رفع رَأسه وَعَاد إِلَى الْقيام وأتى بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة أَو السُّورَة فَإِنَّهُ يُعِيد الرُّكُوع لِأَنَّهُ لما عَاد إِلَى الْقيام قَاصِدا أَدَاء الْفَاتِحَة وَالسورَة والقنوت وَمحل هَذِه الْوَاجِبَات قبل الرُّكُوع صَار ناقضا للرُّكُوع ضَرُورَة صِحَة أَدَائِهَا فَيجب عَلَيْهَا الْإِعَادَة وفكر فِي شرح الطَّحَاوِيّ وَقَالَ إِذا ترك الْفَاتِحَة أَو السُّورَة أَو الْقُنُوت نَاسِيا وَركع لَهُ أَن يعود إِلَى الْقيام وَيَأْتِي بِالْكُلِّ وَيُعِيد الرُّكُوع وَلَكِن لَو ترك إِعَادَة الرُّكُوع هَل يُجزئهُ لَيْسَ فِيهِ رِوَايَة منصوصة قَالَ وَكَانَ شَيخنَا يَقُول على قِيَاس قَول أَصْحَابنَا يجوز وعَلى قِيَاس قَول زفر لَا يجوز لِأَن الرُّكُوع حصل بعد الْقِرَاءَة فَجَاز وَالتَّرْتِيب فِي أَفعَال الصَّلَاة لَيْسَ بِشَرْط الْجَوَاز عندنَا وَعند زفر التَّرْتِيب فِي الْأَفْعَال شَرط وَالصَّحِيح مَا ذكر هَهُنَا على مَا ذَكرْنَاهُ وَمِنْهَا أَن الْوتر لَا يجوز أَدَاؤُهُ على الرَّاحِلَة من غير عذر يجوز بِهِ أَدَاء الْفَرَائِض عَلَيْهَا أما على قَول أبي حنيفَة فَلَا يشكل لِأَن عِنْده الْوتر وَاجِب وَأَدَاء الْوَاجِبَات والفرائض على الرَّاحِلَة من غير عذر لَا يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَأما على قَوْلهمَا الْوتر سنة لَكِن صَحَّ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يتَنَفَّل على رَاحِلَة من غير عذر فِي اللَّيْل فَإِذا بلغ الْوتر ينزل فيوتر على الأَرْض وَمِنْهَا الْكَلَام فِي وَقت الْوتر وَبَيَان الْوَقْت الْمُسْتَحبّ مِنْهُ وَقد ذَكرنَاهَا فِي بَيَان الْأَوْقَات وَمِنْهَا الْقُنُوت بجهرية أم بخافت ذكر فِي شرح الطَّحَاوِيّ أَن الْمُنْفَرد بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ جهر وأسمع نَفسه وَإِن شَاءَ جهر وأسمع غَيره وَإِن شَاءَ أسر كَمَا ذكرنَا فِي الْقِرَاءَة وَإِن كَانَ إِمَامًا فَإِنَّهُ يجْهر بِالْقُنُوتِ وَلَكِن دون الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاة وَالْقَوْم يتابعونه كَذَلِك فِي الْقُنُوت إِلَى قَوْله إِن عذابك بالكفار مُلْحق وَإِذا دَعَا بعد ذَلِك هَل يُتَابِعه الْقَوْم فِيهِ ذكر فِي الْفَتَاوَى اخْتِلَافا بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَفِي قولأبي يُوسُف يتابعونه وَفِي قَول مُحَمَّد لَا يتابعونه وَلَكنهُمْ يُؤمنُونَ وَقَالَ مَشَايِخنَا بِأَن الْمُنْفَرد يخفي الْقُنُوت لَا محَالة وَلَا يجْهر وَلَا خِيَار لَهُ فِي ذَلِك وَأما الإِمَام فَقَالَ بعض مَشَايِخنَا بِأَنَّهُ يخفي أَيْضا مَعَ الْقَوْم لِأَن الأَصْل فِي الدُّعَاء هُوَ المخافتة قَالَ الله تَعَالَى {ادعوا ربكُم تضرعا وخفية} وَقَالَ بَعضهم يخفي وَلَكِن يرفع صَوته قَلِيلا ويؤمن الْقَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 بَاب السَّهْو أصل الْبَاب أَن سُجُود السَّهْو إِنَّمَا يجب بترك الْوَاجِب الْأَصْلِيّ فِي الصَّلَاة أَو بتغيير فَرضهَا على سَبِيل السَّهْو وَلَا يجب بترك السّنَن والآداب وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي أَن سُجُود السَّهْو وَاجِب أم سنة وَفِي بَيَان سَبَب الْوُجُوب وَفِي بَيَان أَن الْمَتْرُوك سَاهِيا هَل يقْضِي أم لَا وَفِي بَيَان مَحل سُجُود السَّهْو وَفِي بَيَان من يجب عَلَيْهِ السُّجُود وَمن لَا يجب عَلَيْهِ أما الأول فقد ذكر محمدفي الأَصْل وَنَصّ على الْوُجُوب فَإِنَّهُ قَالَ إِذا سَهَا الإِمَام وَجب على الْمُؤْتَم أَن يسْجد وَكَذَا رُوِيَ عَن أبي الْحسن الْكَرْخِي أَنه وَاجِب وَذكر الْقَدُورِيّ أَنه سنة عِنْد عَامَّة أَصْحَابنَا وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه واظبوا على إتْيَان سُجُود السَّهْو وَمَا تَرَكُوهُ تَرَكُوهُ بِعُذْر تتْرك بِهِ النَّوَافِل والمواظبة على الشَّيْء دَلِيل على أَنه وَاجِب وَأما بَيَان سَبَب الْوُجُوب فَمَا ذكرنَا من ترك الْوَاجِب الْأَصْلِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 للصَّلَاة سَاهِيا أَو بتغيير فَرضهَا وَتخرج الْمسَائِل على هَذَا إِذا ترك الْقعدَة الأولى سَاهِيا وَقَامَ حَتَّى لَا يقْضِي تجب السَّجْدَة بِتَرْكِهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَة وَإِذا قعد فِي مَوضِع الْقيام أَو قَامَ فِي مَوضِع الْقعُود أَو ركع فِي مَوضِع السُّجُود أَو سجد فِي مَوضِع الرُّكُوع أَو ركع ركوعين أَو سجد ثَلَاث سَجدَات سَاهِيا يجب عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ وجد تَغْيِير الْفَرْض من التَّأْخِير عَن مَكَانَهُ أَو التَّقْدِيم على مَكَانَهُ وَكَذَا إِذا ترك سَجْدَة من رَكْعَة سَاهِيا فَتذكر فِي آخر الصَّلَاة سجدها وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو لِأَنَّهُ أَخّرهَا عَن موضعهَا وَإِذا قَامَ من الرَّابِعَة إِلَى الْخَامِسَة قبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يعود وَيسْجد لِأَنَّهُ ترك الْفَرْض عِنْد مَوْضِعه وأخره عَن مَكَانَهُ وَإِن قَامَ بَعْدَمَا قعد قدر التَّشَهُّد فَإِنَّهُ يعود وَتجب السَّجْدَة لِأَنَّهُ أخر السَّلَام وَالْخُرُوج عَن الصَّلَاة بِفِعْلِهِ فرض عِنْد أبي حنيفَة وَلَو ترك تَعْدِيل الْأَركان سَاهِيا أَو القومة الَّتِي بَين الرُّكُوع وَالسُّجُود يجب عَلَيْهِ السَّهْو لِأَنَّهُ غير الْفَرْض وَترك الْوَاجِب وَيخرج على هَذَا الأَصْل أَيْضا أَن من شكّ فِي صلَاته فتفكر فِي ذَلِك حَتَّى استيقن قَالَ إِن طَال تفكره بِحَيْثُ يُمكنهُ أَدَاء ركن من أَرْكَان الصَّلَاة تجب عَلَيْهِ السَّجْدَة وَإِن كَانَ دون ذَلِك لَا يجب لِأَن التفكر الطَّوِيل مِمَّا يُؤَخر الْأَركان عَن موضعهَا والفكر الْقَلِيل مِمَّا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فَجعل كَأَن لم يكن ثمَّ الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا وَقع الشَّك بَين أَن صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 إِن كَانَ ذَلِك أول مَا يَقع لَهُ فَإِن عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يُصَلِّي وَيُؤَدِّي الْفَرْض بِيَقِين والتحري دَلِيل مَعَ الظَّن عِنْد الْحَاجة دفعا للْحَرج وَلَا حرج فِي أول مرّة فَأَما إِذا وَقع الشَّك مرَارًا فَإِنَّهُ يتحَرَّى وَيَبْنِي على مَا وَقع عَلَيْهِ التَّحَرِّي فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يَبْنِي على الْيَقِين وَهُوَ الْأَقَل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من شكّ فِي صلَاته فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أَو أَرْبعا فليتحر الصَّوَاب فَإِنَّهُ أقرب ذَلِك إِلَى الصَّوَاب وليبن عَلَيْهِ وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو وَهَذَا حَدِيث مَشْهُور فَلَا يُعَارض بِالْحَدِيثِ الْغَرِيب وَالْقِيَاس وَأما الشَّك فِي أَرْكَان الْحَج فَذكر الْجَصَّاص أَن ثمَّة يتحَرَّى أَيْضا وَلَا يُؤدى ثَانِيًا وَعَامة الْمَشَايِخ قَالُوا يُؤدى ثَانِيًا وَالْفرق بَين الْفَصْلَيْنِ أَن تكْرَار الرُّكْن وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ مِمَّا لَا يفْسد الْحَج أما الزِّيَادَة هَهُنَا فَإِذا كَانَت رَكْعَة تكون مفْسدَة لِأَنَّهُ يخلط الْمَكْتُوبَة بالتطوع قبل الْفَرَاغ من الْمَكْتُوبَة فَيصير فاصلا وخارجا عَن الْمَكْتُوبَة فَكَانَ الْعَمَل بِالتَّحَرِّي أحوط من الْبناء على الْأَقَل فَأَما الْأَذْكَار فَلَا يجب السُّجُود بِتَرْكِهَا إِلَّا فِي أَرْبَعَة الْقِرَاءَة والقنوت وَالتَّشَهُّد الْأَخير وتكبيرات الْعِيدَيْنِ لِأَن هَذِه الْأَذْكَار وَاجِبَة ثمَّ الْقِرَاءَة بِقدر مَا تكون فرضا إِذا تَركهَا سَهوا وَلم يقْض فِي الصَّلَاة تفْسد صلَاته وَإِنَّمَا يجب سُجُود السَّهْو بِتَرْكِهَا سَهوا من حَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 هِيَ وَاجِبَة بَيَان ذَلِك إِذا ترك الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فأداها فِي الْأُخْرَيَيْنِ تجب السَّجْدَة لِأَن الْقِرَاءَة فرض فِي الرَّكْعَتَيْنِ غير عين وَفِي الْأَوليين وَاجِبَة عِنْد بعض مَشَايِخنَا وَعند بَعضهم فرض فِي الْأَوليين وَلَكِن يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَيسْجد لتركها عَن مَحل الْأَدَاء سَهوا وَكَذَا إِذا ترك الْفَاتِحَة وَقَرَأَ غَيرهَا تجب السَّجْدَة لِأَن تعْيين الْفَاتِحَة وَاجِب عندنَا فِي الصَّلَاة وَعند الشَّافِعِي فرض وَكَذَا لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة فِي الركعيتن وَترك السُّورَة تجب السَّجْدَة لِأَن قِرَاءَة السُّورَة أَو مِقْدَار ثَلَاث آيَات وَاجِبَة أَيْضا وَكَذَا يجب سُجُود السَّهْو بتغيير الْقِرَاءَة بِأَن جهر فِيمَا يُخَافت أَو خَافت فِيمَا يجْهر لِأَن ذَلِك وَاجِب أَيْضا لَكِن اخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي مِقْدَار مَا يتَعَلَّق بِهِ سُجُود السَّهْو من الْجَهْر ذكر الْحَاكِم عَن ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا جهر بِأَكْثَرَ الْفَاتِحَة يسْجد ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ إِذا جهر مِقْدَار مَا تجوز بِهِ الصَّلَاة يجب وَإِلَّا فَلَا وروى أَبُو سُلَيْمَان عَن محمدأنه قَالَ إِن جهر بِأَكْثَرَ الْفَاتِحَة سجد وَإِن جهر بِأَقَلّ الْفَاتِحَة أَو بِآيَة طَوِيلَة لم يسْجد وروى أَبُو يُوسُف أَنه إِن جهر بِحرف فَعَلَيهِ السَّجْدَة وَالصَّحِيح مِقْدَار مَا تجوز بِهِ الصَّلَاة لِأَنَّهُ يصير مُصَليا بِالْقِرَاءَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 جَهرا وَهَذَا إِذا كَانَ إِمَامًا فَأَما فِي حق الْمُنْفَرد إِذا جهر فِي مَوضِع الْإخْفَاء فَلَا سَهْو عَلَيْهِ لِأَن الْإخْفَاء لَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهِ بل هُوَ مُخَيّر بَين أَن يجْهر وَيسمع نَفسه وَبَين أَن يسمع غَيره وَبَين أَن يسر بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يسمع نَفسه وَلَا غَيره على مَا مر فَلَا يصير تَارِكًا للْوَاجِب فَأَما مَا سوى مَا ذكرنَا من الْأَذْكَار فر سَهْو فِيهَا لِأَنَّهَا من جملَة من السّنَن وَقَالَ مَالك إِذا ترك ثَلَاث تَكْبِيرَات تجب عَلَيْهِ السَّجْدَة هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا ترك وَاجِبا أَصْلِيًّا للصَّلَاة بِسَبَب التَّحْرِيمَة فَأَما إِذا ترك وَاجِبا لَيْسَ بأصلي بل صَار من أَفعَال الصَّلَاة بِعَارِض كَمَا إِذا وَجب عَلَيْهِ سَجْدَة التِّلَاوَة فِي الصَّلَاة فَتذكر فِي آخر الصَّلَاة لَا تجب السَّجْدَة بتأخيرها عَن موضعهَا وَكَذَلِكَ إِذا لم يتَذَكَّر فَسلم سَاهِيا عَن السُّجُود لَا يلْزمه سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ لم يجب بِسَبَب التَّحْرِيمَة وَأما قَضَاء الْمَتْرُوك فَنَقُول إِن كَانَ الْمَتْرُوك فرضا أَو وَاجِبا فَعَلَيهِ قَضَاؤُهُ مَا أمكن فَإِن لم يتَذَكَّر حَتَّى خرج من الصَّلَاة فَإِنَّهُ تفْسد صلَاته بترك الْفَرْض لَا بترك الْوَاجِب حَتَّى إِنَّه إِذا ترك الْقعدَة الأولى لَا تفْسد صلَاته وَلَو ترك الْقعدَة الْأَخِيرَة تفْسد وَكَذَلِكَ فِي الْأَذْكَار إِن ترك التَّشَهُّد وَقَامَ لَا يعود وَإِن كَانَ فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَقَامَ يعود ويتشهد وَكَذَا إِذا لم يقم وتذكر يقْضِي قبل أَن يخرج من الصَّلَاة وَلَو خرج لَا تفْسد صلَاته لِأَنَّهُ وَاجِب وَأما الْقِرَاءَة فَإِن تَركهَا عَن الْأَوليين يقْضِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 فَأَما إِذا كَانَت فِي الْفجْر وَالْمغْرب وَتركهَا عَن الْأَوليين تفْسد صلَاته وَلَا يتَصَوَّر قَضَاؤُهَا وَأما تَكْبِيرَات الْعِيدَيْنِ إِذا تَركهَا سَاهِيا يقْضِي فِي الرُّكُوع وَلَا يرفع رَأسه عَن الرُّكُوع وَيعود إِلَى الْقيام ليقضيها فِي حَال الْقيام وَقد ذكرنَا الْقُنُوت إِذا تَركه سَاهِيا وَركع فَلَا نعيده وَأما بَيَان مَحل السجودفعندنا بعد السَّلَام وَقَالَ الشَّافِعِي قبل السَّلَام وَقَالَ مَالك إِن وَجب بِسَبَب النُّقْصَان فَقبل السَّلَام وَإِن وَجب بِسَبَب الزِّيَادَة فبعده وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لكل سَهْو سَجْدَتَانِ بعد السَّلَام وَإِذا ثَبت أَن مَحَله الْمسنون بعد السَّلَام فَيَنْبَغِي أَنه إِذا أَتَى بالتشهد يسلم قبل الِاشْتِغَال بِالصَّلَاةِ على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ يكبر وَيعود إِلَى سَجْدَتي السَّهْو وَيرْفَع رَأسه وَيكبر ويتشهد وَيُصلي على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لَكِن يَنْبَغِي أَن يَدْعُو بالدعوات بعد التَّشَهُّد الثَّانِي لَا فِي الأول لِأَن الدَّعْوَات إِنَّمَا شرعت بعد الْفَرَاغ عَن الْأَفْعَال والأذكار الْمَوْضُوعَة فِي الصَّلَاة وَمن عَلَيْهِ السَّهْو قد بَقِي عَلَيْهِ بعد التَّشَهُّد الأول أَفعَال وأذكار وَهُوَ سُجُود السَّهْو وَالصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَيَنْبَغِي أَن يُؤَخر الدَّعْوَات إِلَى التَّشَهُّد الثَّانِي وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يَدْعُو بدعوات لَا تشبه كَلَام النَّاس حَتَّى لَا يصير قَاطعا للصَّلَاة وَلَا يُمكنهُ الْخُرُوج عَن الصَّلَاة على الْوَجْه الْمسنون وَهُوَ السَّلَام وَلَو سَهَا فِي سُجُود السَّهْو لَا يجب عَلَيْهِ السَّهْو لِأَن تكْرَار سُجُود السَّهْو غير مَشْرُوع لِأَنَّهُ لَا حَاجَة لِأَن السَّجْدَة الْوَاحِدَة كَافِيَة على مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام سَجْدَتَانِ تجزئان عَن كل زِيَادَة ونقصان وَأما بَيَان من يجب عَلَيْهِ وَمن لَا يجب عَلَيْهِ فَنَقُول إِن سُجُود السَّهْو يجب على الإِمَام وعَلى الْمُنْفَرد مَقْصُودا لِأَنَّهُ يتَحَقَّق مِنْهُمَا سَببه وَهُوَ السَّهْو أما الْمُقْتَدِي إِذا سَهَا فِي صلَاته فَلَا سَجْدَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ أَدَاء السُّجُود قبل السَّلَام لما فِيهِ من مُخَالفَة الإِمَام وَلَا بعد سَلام الإِمَام لِأَنَّهُ سَلام عمد فَيخرج بِهِ عَن الصَّلَاة فَيسْقط السَّهْو أصلا وَكَذَا اللَّاحِق وَهُوَ الْمدْرك الأول الصَّلَاة ثمَّ فَاتَهُ بَعْضهَا بعد الشُّرُوع بِسَبَب النّوم أَو الْحَدث السَّابِق ثمَّ اشْتغل بِقَضَاء مَا سبق بِهِ فَسَهَا لَا يجب عَلَيْهِ السَّجْدَة لِأَنَّهُ فِي حكم الْمُصَلِّي خلف الإِمَام وَلِهَذَا لَا قِرَاءَة عَلَيْهِ فِيمَا يقْضِي فَأَما الْمَسْبُوق إِذا اشْتغل بِقَضَاء مَا سبق بِهِ بعد سَلام الإِمَام وفراغه فَسَهَا فِيهِ يجب عَلَيْهِ السَّجْدَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْمُنْفَرد وَلِهَذَا يجب عَلَيْهِ الْقِرَاءَة وَلَو أَن الإِمَام سَهَا فِي صلَاته يجب عَلَيْهِ وعَلى الْقَوْم جَمِيعًا سجدتا السَّهْو لِأَن سَبَب الْوُجُوب وَهُوَ السَّهْو وجد من الإِمَام وَالْقَوْم تبع لَهُ وَالْحكم فِي حق التبع يَسْتَغْنِي عَن السَّبَب وَكَذَلِكَ اللَّاحِق يجب عَلَيْهِ بِسَبَب سَهْو الإِمَام بِأَن سَهَا الإِمَام فِي حَال نوم الْمُقْتَدِي أَو حَال ذَهَابه إِلَى الْوضُوء لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْمُصَلِّي خَلفه وَكَذَلِكَ الْمَسْبُوق بِأَن سَهَا الإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى ثمَّ دخل فِي صلَاته رجل يجب عَلَيْهِ السُّجُود بِسَبَب سَهْو الإِمَام فَإِذا أَرَادَ الإِمَام أَن يسلم لَيْسَ للمسبوق أَن يسلم مَعَه لِأَنَّهُ بَقِي عَلَيْهِ أَرْكَان الصَّلَاة فتفسد صلَاته بِالسَّلَامِ وَلَكِن ينْتَظر حَتَّى يسلم الإِمَام فَإِذا سجد الإِمَام لَهُ أَن يسْجد مَعَه ثمَّ يقوم إِلَى قَضَاء مَا سبق بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَنَظِيره الْمُقِيم إِذا اقْتدى بالمسافر فَسَهَا الإِمَام فَإِن الْمُقِيم يُتَابِعه فِي السُّجُود دون السَّلَام لِأَن صلَاته لم تتمّ وَلَو أَنه إِذا سجد مَعَه ثمَّ قَامَ إِلَى قَضَاء مَا سبق بِهِ وسها فِيهِ فَعَلَيهِ أَن يسْجد ثَانِيًا وَإِن كَانَت تَكْرَارا لِأَنَّهُ فِيمَا يقْضِي كالمنفرد فَيكون صَلَاتَيْنِ حكما وَكَذَلِكَ فِي حق الْمُقِيم الْمُقْتَدِي بالمسافر فَلَو أَن هَذَا الْمَسْبُوق إِذا لم يسْجد مَعَ الإِمَام وَقَامَ إِلَى قَضَاء مَا سبق بِهِ هَل يسْجد فِي آخر صلَاته الْقيَاس أَن لَا يسْجد وَفِي الِاسْتِحْسَان يسْجد لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب الْمُتَابَعَة وَأمكنهُ قَضَاؤُهُ فِي آخر صلَاته فَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَو ترك الإِمَام سُجُود السَّهْو وَخرج من الْمَسْجِد فَإِن الْمُقْتَدِي لَا يَأْتِي بِهِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِحكم الْمُتَابَعَة فَلَا يجب عَلَيْهِ الْمُتَابَعَة فِيمَا ترك وَلَو أدْرك الإِمَام بعد مَا فرغ من سَجْدَتي السَّهْو قبل السَّلَام فاقتدى بِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاء وَلَا يجب عَلَيْهِ السَّجْدَة لِأَنَّهُ لم يجب عَلَيْهِ الْمُتَابَعَة حَتَّى أَتَى الإِمَام بِالسُّجُود فَلَا يلْزمه الْقَضَاء وَلَو أدْرك الإِمَام فِي سُجُود السَّهْو فَكبر وَشرع فِي صلَاته فَعَلَيهِ أَن يُتَابِعه فِي سُجُود السَّهْو لِأَن الْمُتَابَعَة وَاجِبَة عَلَيْهِ فِي جَمِيع أَفعَال صَلَاة الإِمَام وَسُجُود السَّهْو من أَفعَال صلَاته وَإِن أدْركهُ بَعْدَمَا سجد السَّجْدَة الأولى فَلهُ أَن يُتَابِعه فِي السَّجْدَة الثَّانِيَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي السَّجْدَة الْفَائِتَة لِأَنَّهُ مَا وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا بِحكم الْمُتَابَعَة لِأَنَّهُ لم يكن فِي صلَاته وَقت أَدَائِهَا فَلَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَو سلم الإِمَام وَعَلِيهِ السَّهْو فَسلم الْمَسْبُوق مَعَه سَاهِيا أَن عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 قَضَاء مَا سبق بِهِ ثمَّ تذكر فَعَلَيهِ أَن يقْضِي مَا فَاتَهُ لِأَن سَلام الساهي لَا يُخرجهُ عَن الصَّلَاة وَعَلِيهِ أَن يسْجد فِي آخِره لِأَنَّهُ سلم سَاهِيا قبل وقته وَهُوَ فِيمَا يقْضِي كالمنفرد فَعَلَيهِ السَّجْدَة وَلَو أَن من عَلَيْهِ السَّهْو إِذا سلم ثمَّ فعل بعد السَّلَام مَا يُنَافِي الصَّلَاة من الْحَدث الْعمد وَالْكَلَام وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد وَنَحْوه يسْقط سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَله وَهُوَ حُرْمَة الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 بَاب الْحَدث فِي الصَّلَاة أجمع الْعلمَاء أَن الْحَدث الْعمد مُفسد للصَّلَاة مَانع من الْبناء وَاخْتلفُوا فِي الْحَدث السَّابِق وَهُوَ الَّذِي سبقه من غير قَصده بِأَن سَالَ من أَنفه دم أَو خرج مِنْهُ ريح وَنَحْو ذَلِك فَالْقِيَاس أَن يفْسد الصَّلَاة وَيقطع الْبناء وَهُوَ قَول زفر وَالشَّافِعِيّ لِأَن الْحَدث مضاد للصَّلَاة لِأَن الصَّلَاة لَا تجوز من غير طَهَارَة وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يفْسد وَهُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا للْحَدِيث الْخَاص وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من قاء فِي صلَاته أَو رعف فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم وَلما رُوِيَ عَن أبي بكر وَعمر وَعلي رضوَان الله عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا كَذَلِك وَتَركنَا الْقيَاس بِالْحَدِيثِ وَإِجْمَاع الصَّحَابَة إِذا ثَبت أَنه جَازَ الْبناء فَكل فعل منَاف للصَّلَاة فِي الأَصْل لَكِن هُوَ من ضرورات الْبناء نَحْو الْمَشْي والاستقاء وَغير ذَلِك لَا يفْسد الصَّلَاة وكل مَا لم يكن من ضروراته يكون مُفْسِدا بِنَاء على الأَصْل وَتخرج الْمسَائِل على هَذَا وَلَو أصَاب بدنه أَو ثَوْبه نَجَاسَة لحَدث سبقه فَإِنَّهُ يتَوَضَّأ وَيغسل ذَلِك لِأَن ذَلِك مَانع للْوُضُوء لِأَن الْوضُوء لَا يعْمل بِدُونِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وعَلى هَذَا قَالُوا لَو استنجى على وَجه لَا تنكشف عَوْرَته بِأَن ألْقى الذيل خَلفه وَقَبله لَا تفْسد لِأَن الِاسْتِنْجَاء مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ لإحراز الْفَضِيلَة وَلِهَذَا لَو استوعب مسح الرَّأْس وتمضمض واستنشق وأتى بِسَائِر سنَن الْوضُوء فَإِنَّهُ يَبْنِي لِأَنَّهُ من بَاب كَمَال الْوضُوء وَأما إِذا انكشفت عَوْرَته فَإِنَّهُ يقطع الْبناء لِأَن كشف الْعَوْرَة منَاف للصَّلَاة وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لِأَن أَدَاء الصَّلَاة يجوز بِدُونِ الِاسْتِنْجَاء فِي الْجُمْلَة وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّه فِي الْحَدث الْعمد لَا يَبْنِي لِأَنَّهُ نَادِر وَلَا حرج فِي القَوْل بِقطع الْبناء بِخِلَاف الْحَدث السَّابِق وعَلى هَذَا إِذا أُغمي عَلَيْهِ أَو جن أَو نَام فِي الصَّلَاة فَاحْتَلَمَ فَأنْزل أَو نظر إِلَى فرج امْرَأَته أَو إِلَى وَجههَا وَأنزل عَن شَهْوَة أَو قهقه فِي صلَاته فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِأَن هَذِه الْأَفْعَال مِمَّا لَا يغلب فِي الصَّلَاة وَلَو أَصَابَهُ الْحَدث بِفعل سماوي بِأَن يسْقط عَلَيْهِ شَيْء من السّقف أَو بِفعل غَيره بِأَن رَمَاه إِنْسَان بِحجر فَشَجَّهُ فَسَالَ الدَّم فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف يَبْنِي لِأَن هَذَا حدث حصل بِغَيْر فعله فَصَارَ كالحدث السَّابِق وَالصَّحِيح مَا قَالَا لِأَن هَذَا مِمَّا لَا يغلب فَلَا يلْحق بالغالب وَهُوَ الْحَدث السَّابِق هَذَا إِذا سبقه الْحَدث فِي وسط الصَّلَاة فَأَما إِذا سبقه بعد مَا قعد قدر التَّشَهُّد الْأَخير فَإِن عَلَيْهِ أَن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيَبْنِي على صلَاته حَتَّى يخرج عَن الصَّلَاة على الْوَجْه الْمسنون بِالسَّلَامِ لِأَن الْحَدث السَّابِق لَا يقطع التَّحْرِيمَة وَلَو وجد فعل لَيْسَ من أَفعَال الصَّلَاة وَلَا من ضرورات الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وَالْبناء مثل الْكَلَام وَالْأكل وَالشرب وَنَحْو ذَلِك يقطع الْبناء لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء مُنَافِيَة للصَّلَاة فتتنافى التَّحْرِيمَة فِي حَال الذّهاب والمجيء وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ نَظِير الْكَلَام معنى بِأَن ذكر الله تَعَالَى وَأَرَادَ بِهِ خطاب إِنْسَان أَو زَجره عَن شَيْء أَو أَرَادَ بِهِ بجوابه عَن شَيْء فَإِنَّهُ يفْسد صلَاته عِنْد أبي حنيفَة وَيقطع الْبناء وَقَالَ أَبُو يُوسُف كل مَا كَانَ من ذكر الله فِي الْوَضع لَا تفْسد بِهِ الصَّلَاة وَلَو نوى خطاب النَّاس بِهِ وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا عطس إِنْسَان فَقَالَ الْحَمد لله فشمته رجل فَقَالَ يَرْحَمك الله تفْسد صلَاته عِنْدهمَا وَعند أبي يُوسُف لَا تفْسد وَأَجْمعُوا أَن الْمُصَلِّي إِذا قَالَ سُبْحَانَ الله أَو قَالَ الله أكبر وعنى بِهِ إِعْلَام الإِمَام فِيمَا ترك سَاهِيا وَنَحْوه لَا تفْسد صلَاته وَلَو أَن فِي صلَاته أَو تأوه فَإِن كَانَ من ذكر الْجنَّة أَو النَّار فَصلَاته تَامَّة وَإِن كَانَ لوجع أَو مُصِيبَة فَسدتْ صلَاته وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ حرفين لَا تفْسد حَتَّى إِذا قَالَ أوه تفْسد وقولهما أصح لِأَن التأوه إِذا كَانَ من ذكر الْجنَّة النَّار فَكَانَ كِنَايَة عَن سُؤال الْجنَّة والتعوذ من النَّار فَلَا تفْسد فَأَما الأَصْل فَهُوَ أَن الْحُرُوف المهجاة كَلَام النَّاس سَوَاء كَانَ حرفين أَو أَكثر أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ أَخ أَخ تفْسد صلَاته دلّ أَن الْمدَار على هَذَا ثمَّ إِذا جَاءَ الْبناء فِي الْحَدث السَّابِق فَينْظر إِمَّا إِن كَانَ إِمَامًا أَو مقتديا أَو مُنْفَردا فَإِن كَانَ مُنْفَردا أَو إِمَامًا فَإِن الأولى أَن يعود إِلَى مَكَان صلَاته وَيتم صلَاته وَإِن بنى فِي مَوضِع الْوضُوء جَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَإِن كَانَ مقتديا بِهِ علم أَن إِمَامه قد فرغ فَكَذَلِك الْجَواب فَأَما إِذا لم يفرغ فَعَلَيهِ أَن يعود إِلَى مَكَان الإِمَام وَيُصلي مَعَ الإِمَام بعد قَضَاء مَا سبق بِهِ لِأَن الْمُتَابَعَة وَاجِبَة عَلَيْهِ حَتَّى إِذا ترك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ تفْسد صلَاته وَإِنَّمَا يقْضِي مَا فَاتَهُ فِي حَال ذَهَابه ومجيئه أَولا ثمَّ يدْخل فِي صَلَاة الإِمَام لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى كَأَنَّهُ خلف الإِمَام فَصَارَ كَمَا لَو سبقه الإِمَام بِرُكْن وَهُوَ مَعَه فِي الصَّلَاة فَإِن عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّيه أَولا ثمَّ يشرع فِي الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الإِمَام لِأَن الْمُتَابَعَة وَاجِبَة على التَّرْتِيب هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا سبقه الْحَدث حَقِيقَة فَأَما إِذا انتقضت طَهَارَته بِمَعْنى من الْمعَانِي سوى الْحَدث بِغَيْر صنعه بِأَن كَانَ متيمما فَرَأى المَاء فِي صلَاته أَو صَاحب جرح سَائل فَخرج الْوَقْت أوالماسح على الْخُفَّيْنِ إِذا انْقَضتْ مُدَّة مَسحه وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِأَن فِي هَذِه الْمَوَاضِع تبين أَن الشُّرُوع لم يَصح لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْوضُوء بِالْحَدَثِ السَّابِق على التَّحْرِيمَة وَيجْعَل مُحدثا من ذَلِك الْوَقْت فِي حق الصَّلَاة الَّتِي لم تُؤَد بعد وَإِن بَقِي لَهُ حكم الطَّهَارَة فِي حق الصَّلَاة المؤداة وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي هَذِه الْمَوَاضِع بعد الْقعُود قدر التَّشَهُّد الْأَخير عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما لِأَن الصَّلَاة لم تُؤَد بعد وَلِأَن هَذِه الْمعَانِي الناقضة للطَّهَارَة مِمَّا ينْدر وجودهَا فَلَا تلْحق بِالْحَدَثِ السَّابِق الَّذِي يغلب وجوده ثمَّ الإِمَام إِذا سبقه الْحَدث فَأَرَادَ أَن يذهب ليتوضأ فَهُوَ على إِمَامَته مَا لم يخرج من الْمَسْجِد أَو يسْتَخْلف رجلا فَيقوم الْخَلِيفَة مقَامه يَنْوِي أَن يؤم النَّاس أَو يسْتَخْلف الْقَوْم رجلا قبل أَن يخرج هُوَ من الْمَسْجِد فَيقوم مقَامه يَنْوِي الْإِمَامَة حَتَّى إِن رجلا لَو دخل الْمَسْجِد ساعتئذ واقتدى بِهِ فَإِنَّهُ يَصح اقْتِدَاؤُهُ وَيصير شَارِعا فِي الصَّلَاة هَكَذَا روى ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف وَقَالَ بشر المريسي لَا يَصح شُرُوعه فِي الصَّلَاة واقتداؤه بِهِ لِأَن الإِمَام مُحدث والمحدث لَيْسَ فِي الصَّلَاة فَكيف يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ فِي صلَاته وَالصَّحِيح هُوَ الأول لِأَن الْحَدث السَّابِق لَا يُنَافِي التَّحْرِيمَة لِأَن التَّحْرِيمَة شَرط فِي الصَّلَاة فَلَا يشْتَرط لَهَا الطَّهَارَة وَإِنَّمَا يُنَافِي فعل الصَّلَاة وَصِحَّة الِاقْتِدَاء تعتمد قيام التَّحْرِيمَة لَا قيام نفس الصَّلَاة وَلِهَذَا يَصح استخلافه وَلم تبطل صَلَاة الْقَوْم ويمكنه الْبناء على صلَاته فَدلَّ أَن التَّحْرِيمَة قَائِمَة فَإِذا وجد شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء يخرج من الْإِمَامَة أما إِذا قَامَ الْخَلِيفَة مقَامه نَاوِيا للْإِمَامَة فَلِأَنَّهُ يصير إِمَامًا فِي هَذِه الصَّلَاة فَخرج هُوَ من الْإِمَامَة لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع فِي صَلَاة وَاحِدَة إمامان فِي حَالَة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ إِذا اسْتخْلف الْقَوْم لِأَن بهم حَاجَة إِلَى تَصْحِيح صلَاتهم وَذَلِكَ بالاستخلاف فَإِذا ترك الإِمَام الِاسْتِخْلَاف فَيثبت لَهُم ولَايَة ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا خرج من الْمَسْجِد لِأَنَّهُ خلا مَكَان الإِمَام عَن الإِمَام لِأَن الْمَسْجِد بِمَنْزِلَة بقْعَة وَاحِدَة فَمَا دَامَ فِيهِ فَكَأَنَّهُ فِي مَكَانَهُ إِلَّا أَن فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلين قَامَ الْخَلِيفَة مقَامه فَلم تفْسد صلَاته وَلَا صَلَاة الْقَوْم أما فِي الْخُرُوج عَن الْمَسْجِد فَإِنَّهُ تفْسد صَلَاة الْقَوْم لِأَنَّهُ بَقِي الْقَوْم بِلَا إِمَام والاقتداء بِدُونِ الإِمَام لَا يتَحَقَّق وَأما صَلَاة الإِمَام هَل تفْسد اخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ وَالْمَشْهُور من الرِّوَايَة أَنَّهَا لَا تفْسد وَكَذَا ذكر أَبُو عصمَة عَن أَصْحَابنَا وَذكر الطَّحَاوِيّ أَنَّهَا تفْسد وَالْأول أصح لِأَن الإِمَام فِي حكم الْمُنْفَرد وَهُوَ أصل بِنَفسِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 هَذَا إِذا لم يكن خَارج الْمَسْجِد صُفُوف مُتَّصِلَة بِهِ فَأَما إِذا كَانَت مُتَّصِلَة فَخرج الإِمَام وَلم يتَجَاوَز الصُّفُوف هَل تبطل صَلَاة الْقَوْم أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف تبطل وَقَالَ مُحَمَّد لَا تبطل لِأَن مَوضِع الصُّفُوف لَهَا حكم الْمَسْجِد أَلا ترى أَن من صلى فِي الصَّحرَاء جَازَ استخلافه مَا لم يتَجَاوَز الصُّفُوف وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الْقيَاس أَن يكون الانحراف عَن الْقبْلَة لقصد الْخُرُوج عَن الْمَسْجِد مُبْطلًا صَلَاة الْقَوْم إِلَّا أَنه بَقِي إِمَامًا حكما مَا دَامَ فِي الْمَسْجِد لضَرُورَة صِحَة الِاسْتِخْلَاف والضرورة تنْدَفع غَالِبا فِي الْمَسْجِد فَبَقيَ حكم خَارج الْمَسْجِد على أصل الْقيَاس لهَذَا بِالْإِجْمَاع الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة لَو كبر وَحده فِي الْمَسْجِد وَالْقَوْم خَارج الْمَسْجِد مُتَّصِلا بصفوفهم وَكَبرُوا لَا ينْعَقد الْجُمُعَة لِأَن الشَّرْط أَن يكون جمَاعَة من الْقَوْم وَالْإِمَام فِي مَكَان وَاحِد وَلم يُوجد وَأما الإِمَام إِذا كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الصَّحرَاء فأحدث فَمَا دَامَ فِي الصُّفُوف صَحَّ استخلافه وَإِذا جَاوز الصُّفُوف لَا يجوز لِأَن مَوَاضِع الصُّفُوف التحقت بالمسحد هَهُنَا لضَرُورَة صِحَة الِاسْتِخْلَاف لعدم الْمَسْجِد وَهَذَا إِذا ذهب الإِمَام يمنة أَو يسرة أَو خلفا أما إِذا مَشى أَمَامه وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ بِنَاء وَلَا ستْرَة فَإِنَّهُ لَا تفْسد صلَاتهم مَا لم يذهب مِقْدَار مَا يُجَاوز الصُّفُوف الَّتِي خَلفه لِأَن هَذَا أقدر من الْمَشْي لَيْسَ بمناف للصَّلَاة إِذا وجد فِي أحد الجنبين أما إِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ حَائِط أَو ستْرَة فجاوزه تفْسد صلَاتهم لِأَن الستْرَة تجْعَل لما دونهَا حكم الْمَسْجِد حَتَّى يُبَاح للمار الْمُرُور وَرَاء الستْرَة وَلَا يُبَاح دَاخل الستْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَهَذِه الْمسَائِل رويت عَن أبي يُوسُف وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَ فِي الْمَسْجِد مَعَ الإِمَام جمَاعَة من الْقَوْم فَأَما إِذا كَانَ مَعَه وَاحِد فَإِذا خرج الإِمَام من الْمَسْجِد لم تفْسد صَلَاة هَذَا الرجل لِأَنَّهُ تعين إِمَامًا قدمه الإِمَام الْمُحدث أَولا لعدم الْمُزَاحمَة وَلَو أَن الإِمَام إِذا ظن أَنه أحدث فَانْصَرف ثمَّ علم أَنه لم يحدث إِن خرج من الْمَسْجِد تفْسد صلَاتهم وَلَا يَبْنِي أما إِذا لم يخرج فَإِنَّهُ يرجع إِلَى مَكَانَهُ وَيَبْنِي وَلَا تفْسد صلَاته فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد فسد وَأَجْمعُوا أَنه إِذا ظن الإِمَام أَنه افْتتح الصَّلَاة على غير وضوء أَو كَانَ على ثَوْبه نَجَاسَة أَو كَانَ متيمما فَرَأى سرابا ظَنّه مَاء فَانْصَرف وتحول عَن الْقبْلَة فَإِنَّهُ تفْسد صلَاته لَا يَبْنِي وَإِن لم يخرج من الْمَسْجِد فَأَما إِذا سلم على رَأس الرَّكْعَتَيْنِ سَاهِيا فِي ذَوَات الْأَرْبَع وَهُوَ يظنّ أَنه قد أتم الصَّلَاة ثمَّ تذكر وَرجع إِلَى مَكَانَهُ فَإِن كَانَ بعد الْخُرُوج تفْسد صلَاته بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ قبل الْخُرُوج فعلى الْخلاف الَّذِي ذكرنَا فمحمد قَاس مَوضِع الْخلاف على الْمسَائِل الْمُتَّفق عَلَيْهَا بعلة الانحراف عَن الْقبْلَة من غير ضَرُورَة وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الانحراف لم يُوجد لقصد الْخُرُوج عَن الصَّلَاة لِأَن عِنْده أَنه انحرف لإِصْلَاح صلَاته حَتَّى يتَوَضَّأ وَيَبْنِي عَلَيْهَا وَلَو تحقق مَا توهم لَا يمْنَع الْبناء فَكَذَلِك إِذا سلم سَاهِيا إِلَّا أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 مَشى فِي صلَاته لَا لإِصْلَاح صلَاته حَقِيقَة لِأَنَّهُ غير مُحدث بل ظن أَنه مُحدث وَالْمَشْي بِغَيْر عذر مُفسد للصَّلَاة وَلَكِن الْمَسْجِد لَهُ حكم بقْعَة وَاحِدَة فَلم يَجْعَل مَاشِيا تَقْديرا فَإِذا خرج فقد وجد الْمَشْي بِغَيْر عذر حَقِيقَة وَحكما فتفسد صلَاته بِخِلَاف مَا ذكرنَا من الْمسَائِل فَإِن ثمَّة الانحراف عَن الْقبْلَة لقصد الْخُرُوج عَن الصَّلَاة وعزم الرَّفْض لِأَن الْبناء فِي هَذِه الْمَوَاضِع لَا يَصح فَصَارَ بِمَنْزِلَة السَّلَام عمدا فَإِنَّهُ يكون قَاطعا للصَّلَاة لما قُلْنَا كَذَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 بَاب الْإِمَامَة مِنْهَا أَن الْجَمَاعَة وَاجِبَة وَقد سَمَّاهَا بعض أَصْحَابنَا سنة مُؤَكدَة وَكِلَاهُمَا وَاحِد وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه واظب عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الْأمة من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا مَعَ النكير على تاركها وَهَذَا حد الْوَاجِب دون السّنة وَمِنْهَا أَن الْجَمَاعَة إِنَّمَا تجب على من قدر عَلَيْهَا من غير حرج فَأَما من كَانَ بِهِ عذر فَإِنَّهَا تسْقط عَنهُ حَتَّى لَا تجب على الْمَرِيض وَالْأَعْمَى والزمن وَنَحْوهم هَذَا إِذا لم يجد الْأَعْمَى قائدا أَو الزَّمن من يحملهُ فَأَما إِذا وجد الْأَعْمَى قائدا أَو الزَّمن حَامِلا بِأَن يكون لَهُ مركب وخادم فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يجب وَعِنْدَهُمَا يجب وَقد ذكرنَا هَذَا فِي بَاب الْجُمُعَة وَمِنْهَا أَن أقل الْجَمَاعَة فِي غير صَلَاة الْجُمُعَة الِاثْنَان وَهُوَ أَن يكون إِمَام وَاحِد مَعَ الْقَوْم لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ الِاثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة وَيَسْتَوِي أَن يكون ذَلِك الْوَاحِد رجلا أَو امْرَأَة أَو صَبيا يعقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 لِأَن هَؤُلَاءِ من أهل الصَّلَاة فَأَما الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يعقل فَلَا عِبْرَة بهما فَأَما عدد الْجَمَاعَة فِي بَاب الْجُمُعَة فقد ذكرنَا فِي بَاب الْجُمُعَة ثمَّ ينظر إِن كَانَ مَعَ الإِمَام رجل وَاحِد أَو صبي يعقل فَإِن الْمَأْمُوم يَنْبَغِي أَن يقوم عَن يَمِينه وَلَا يتقدمه الإِمَام وَإِذا كَانَ مَعَه اثْنَان من الرِّجَال أَو الصّبيان الْعُقَلَاء يتقدمهما الإِمَام وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِن لم يتَقَدَّم الإِمَام وَقَامَ بَينهمَا فَلَا بَأْس وَالْأول أصح فَإِن كَانَ مَعَه نسوان أَو امْرَأَة وَاحِدَة فَإِنَّهُ يتقدمها لِأَن محاذاة الْمَرْأَة الرجل فِي حُرْمَة صَلَاة مُشْتَركَة مستتمة الْأَركان توجب فَسَاد صَلَاة الرجل عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَإِن كَانَ مَعَه رجال وَنسَاء فَإِنَّهُ يتَقَدَّم الرِّجَال على النسوان لما قُلْنَا وَلَو قَامَت امْرَأَة بحذاء الإِمَام وَقد نوى الإِمَام إمامتها تفْسد صَلَاة الإِمَام وَصَلَاة الْقَوْم لفساد صَلَاة الإِمَام وَإِن قَامَت فِي صف الرِّجَال تفْسد صَلَاة رجل كَانَ عَن يَمِينهَا وَرجل كَانَ عَن يسارها وَرجل خلفهَا وَرجل بحذائها وَلَو تقدّمت الإِمَام حَتَّى يكون الإِمَام خلفهَا لَا تفْسد صَلَاة الإِمَام وَالْقَوْم لَكِن تفْسد صلَاتهَا لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهَا الْمُتَابَعَة فقد تركت فرضا من فَرَائض الصَّلَاة فتفسد صلَاتهَا وَلَو كَانَ فِي صف الرِّجَال ثِنْتَانِ من النِّسَاء وَخلف هَذَا الصَّفّ صُفُوف أخر تفْسد صَلَاة رجل عَن يمينهما وَصَلَاة رجل عَن يسارهما وَصَلَاة رجلَيْنِ خلفهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَإِن كن ثَلَاثًا اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم تفْسد صَلَاة ثَلَاثَة رجال خلفهن لَا غير وَقَالَ بَعضهم تفْسد صَلَاة الرِّجَال كلهم خلفهن وَيصير الثَّلَاث من النسوان بِمَنْزِلَة صف على حِدة وَأَصله حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَيْسَ مَعَ الإِمَام من كَانَ بَينه وَبَين الإِمَام نهر أَو طَرِيق أَو صف من النِّسَاء وَمِنْهَا بَيَان من يصلح للْإِمَامَة فَنَقُول الصَّالح للْإِمَامَة هُوَ الرجل الَّذِي من أهل الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة سَوَاء كَانَ حرا أَو عبدا بَصيرًا كَانَ أَو أعمى تقيا كَانَ أَو فَاجِرًا وعَلى مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ صلوا خلف كل بر وَفَاجِر وَالصَّبِيّ الْعَاقِل لَا تجوز إِمَامَته فِي الْفَرَائِض لِأَنَّهُ لَا يَصح مِنْهُ أَدَاء الْفَرَائِض لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْفَرْض وَهل تجوز إِمَامَته فِي النَّوَافِل كالتراويح وَغَيرهَا اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ أجَاز بَعضهم وَلم يجز عامتهم هَذَا كُله عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي تجوز إِمَامَة الصَّبِي الْعَاقِل وَأما صَاحب الْهوى فَإِن كَانَ هوى يكفره لَا تجوز إِمَامَته وَإِن كَانَ لَا يكفره جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَمِنْهَا بَيَان الْأَفْضَل فَنَقُول إِن الْحر والتقي والبصير أفضل من العَبْد والفاجر وَالْأَعْمَى لِأَن إِمَامَة هَؤُلَاءِ سَبَب لتكثير الْجَمَاعَة وإمامة أُولَئِكَ سَبَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 للتقليل فَمَا هُوَ سَبَب للتكثير أولى وَأفضل ثمَّ أفضل هَؤُلَاءِ من كَانَ أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بِالسنةِ فَإِن كَانَ مِنْهُم رجلَانِ أَو أَكثر على هَذَا فأكبرهما سنا أولى وَإِن اسْتَويَا فِي الْكبر فأبينهما صلاحا أولى وَإِن اسْتَويَا فِي ذَلِك قَالُوا أحسنهما خلقا أولى وَإِن اسْتَويَا فأحسنهما وَجها أولى لِأَن هَذِه الْأَوْصَاف سَبَب الرَّغْبَة إِلَى الْجَمَاعَة وَلَو اسْتَويَا فِي الْعلم وَأَحَدهمَا أَقرَأ أَو اسْتَويَا فِي الْقِرَاءَة وَأَحَدهمَا أعلم فَهُوَ أولى فَأَما إِذا كَانَ أَحدهمَا أَقرَأ وَالْآخر أعلم فالأعلم أولى لِأَن حَاجَة النَّاس إِلَى علم الإِمَام أَشد وعَلى هَذَا قَالُوا الْعَالم بِالنِّسْبَةِ إِذا كَانَ مِمَّن يجْتَنب الْفَوَاحِش الظَّاهِرَة وَغَيره أورع مِنْهُ لَكِن غير عَالم بِالسنةِ فتقديم الْعَالم أولى وَلَو كَانَ أَحدهمَا أكبر وَالْآخر أورع فَإِن الْأَكْبَر سنا أولى إِذا لم يكن فِيهِ فسق ظَاهر أَو لم يكن مُتَّهمًا بِهِ لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْكبر الْكبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 بَاب قَضَاء الْفَائِتَة الْكَلَام فِي مسَائِل التَّرْتِيب من وُجُوه أَحدهَا أَن التَّرْتِيب فِي أَدَاء الصَّلَوَات المكتوبات فرض بِلَا خلاف حَتَّى لَا يجوز أَدَاء الظّهْر قبل الْفجْر وَلَا أَدَاء الْعَصْر قبل الظّهْر لِأَن الصَّلَاة لَا تجب قبل وجود هَذِه الْأَوْقَات فَأَما إِذا وجدت الْأَوْقَات وَوَجَبَت الصَّلَاة فَلم يؤدها حَتَّى دخل وَقت صَلَاة أُخْرَى فَهَل يعْتَبر التَّرْتِيب وَاجِبا حَتَّى لَا يجوز أَدَاء الوقتية قبل قَضَاء الْفَوَائِت أم لَا على قَول أَصْحَابنَا يجب التَّرْتِيب وعَلى قَول الشَّافِعِي لَا يجب وَالْأَصْل فِي الْبَاب قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن ذَلِك وَقتهَا فالنبي عَلَيْهِ السَّلَام جعل وَقت الْفَائِتَة وَقت التَّذَكُّر فَكَانَ أَدَاء الوقتية فِيهِ قبل وقته فَلَا يجوز عملا بِظَاهِر الحَدِيث ثمَّ التَّرْتِيب لَا يجب عِنْد النسْيَان وَلَا عِنْد ضيق الْوَقْت وَعند كَثْرَة الْفَوَائِت فِي قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك لَا يسْقط حَالَة النسْيَان وَلَا عِنْد ضيق الْوَقْت وَقَالَ زفر لَا يسْقط عِنْد كَثْرَة الْفَوَائِت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 هما يَقُولَانِ إِن الدَّلِيل الْمُوجب للتَّرْتِيب وَهُوَ الحَدِيث لَا يُوجب الْفَصْل بَين هَذِه الْأَحْوَال وَلَكِن الصَّحِيح قَول الْعَامَّة لِأَن التَّرْتِيب إِنَّمَا وَجب بِخَبَر الْوَاحِد وَشرط وجوب الْعَمَل بِهِ أَن لَا يُؤَدِّي إِلَى نسخ حكم الْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة وَحكم الْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة أَن لَا يجوز ترك الوقتية عَن الْوَقْت وَفِي هَذِه الْأَحْوَال الثَّلَاث يُؤَدِّي إِلَى هَذَا فَيسْقط الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أدنى حد الْفَائِت الْكثير قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا كَانَ الْفَائِت سِتّ صلوَات وَدخل وَقت السَّابِعَة يسْقط التَّرْتِيب وَيجوز أَدَاء السَّابِعَة وَقَالَ مُحَمَّد إِذا كَانَ الْفَوَائِت صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ خمس صلوَات وَدخل وَقت السَّادِسَة يسْقط التَّرْتِيب وَيجوز أَدَاء السَّادِسَة وَلَو ترك صَلَاة ثمَّ صلى بعْدهَا خمس صلوَات وَهُوَ ذَاكر للفائتة فَإِن هَذِه الْخَمْسَة مَوْقُوفَة عِنْد أبي حنيفَة فَإِذا صلى السَّابِعَة تجوز السَّابِعَة بالِاتِّفَاقِ وتعود الْخَمْسَة إِلَى الْجَوَاز وَفِي قَوْلهمَا عَلَيْهِ قَضَاء سِتّ صلوَات المؤديات الْخَمْسَة والفائتة وعَلى قِيَاس قَول مُحَمَّد يُعِيد خمس صلوَات وَكَذَلِكَ إِذا ترك خمس صلوَات ثمَّ صلى السَّادِسَة فَهِيَ مَوْقُوفَة عِنْد أبي حنيفَة حَتَّى لَو صلى السَّابِعَة تنْقَلب السَّادِسَة إِلَى الْجَوَاز عِنْده وَعِنْدَهُمَا لَا تنْقَلب وَكَذَلِكَ لَو ترك صَلَاة ثمَّ صلى شهرا وَهُوَ ذَاكر للفائتة على قَول أبي يُوسُف يُعِيد الْفَائِتَة وَخمْس صلوَات أخر وَعند مُحَمَّد يُعِيد الْفَائِتَة وَأَرْبع صلوَات أخر وَعند أبي حنيفَة يُعِيد الْفَائِتَة لَا غير وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَلَو ترك صَلَاة من يَوْم وَاحِد وَلَا يدْرِي أَيَّة صَلَاة هِيَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يتحَرَّى فَإِن لم يَقع تحريه على شَيْء يُعِيد صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة احْتِيَاطًا حَتَّى يخرج عَن قَضَاء الْفَائِتَة بِيَقِين الْحَائِض إِذا طهرت فِي آخر وَقت الظّهْر أَو الْمُسَافِر إِذا أَقَامَ أَو الصَّبِي إِذا بلغ أَو الْكَافِر أسلم أَو الْمَجْنُون أَو الْمغمى عَلَيْهِ آفَاق فَعَلَيْهِم صَلَاة الظّهْر وَيُصلي الْمُقِيم أَرْبعا وعَلى قَول زفر لَا يجب مَا لم يدركوا من الْوَقْت مَا يُمكنهُم أَدَاء تِلْكَ الصَّلَاة فِيهِ وعَلى هَذَا إِذا كَانَت طَاهِرَة فَحَاضَت فِي آخر الْوَقْت أَو كَانَ مُقيما فسافر أَو ارْتَدَّ فِي آخر الْوَقْت فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَحَاصِل هَذَا أَن الصَّلَاة يتضيق وُجُوبهَا فِي آخر الْوَقْت إِذا بَقِي من الْوَقْت مِقْدَار مَا يُمكن أَدَاء تِلْكَ الصَّلَاة فِيهِ بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا فَأَما إِذا بَقِي من الْوَقْت مِقْدَار مَا يُؤَدِّي بعض الصَّلَاة أَو مِقْدَار مَا يتحرم لَا غير عندنَا يجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَعِنْده لَا يجب لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْأَدَاء فِي هَذَا الْوَقْت فَيكون تَكْلِيف مَا لَيْسَ فِي الوسع وَلَكنَّا نقُول يجب عَلَيْهِ الْأَدَاء فِي الْوَقْت بِقدر مَا يُمكن وَالْقَضَاء فِي الْوَقْت الثَّانِي بِقدر مَا لَا يُمكن وَالصَّلَاة الْوَاحِدَة يجوز أَن يكون بَعْضهَا قَضَاء وَبَعضهَا أَدَاء كالمقيم إِذا اقْتدى كالمسافر فِي آخر الْوَقْت يُؤَدِّي مَعَه رَكْعَتَيْنِ فِي آخر الْوَقْت ثمَّ يقْضِي رَكْعَتَيْنِ فِي الْوَقْت الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 بَاب سَجْدَة التِّلَاوَة الْكَلَام فِي الْبَاب فِي مَوَاضِع فِي بَيَان أَن سَجْدَة التِّلَاوَة وَاجِبَة أم لَا وَفِي بَيَان مَوَاضِع السَّجْدَة وَفِي بَيَان سَبَب الْوُجُوب وَفِي بَيَان من يجب عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك أما الأول فَنَقُول سَجْدَة التِّلَاوَة وَاجِبَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي سنة وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ السَّجْدَة على من سَمعهَا أَو تَلَاهَا وَأما مَوَاضِع السَّجْدَة فَأَرْبَعَة عشر أَربع فِي النّصْف الأول فِي آخر الْأَعْرَاف وَفِي الرَّعْد وَفِي النَّحْل وَفِي بني إِسْرَائِيل وَعشرَة فِي النّصْف الْأَخير فِي سُورَة مَرْيَم وَفِي الْحَج فِي الأولى وَفِي الْفرْقَان وَفِي النَّمْل والم السَّجْدَة وص وحم السَّجْدَة والنجم وَإِذا السَّمَاء انشقت واقرأ باسم رَبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وعَلى هَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ الشَّافِعِي فِي آخر سُورَة الْحَج سَجْدَة فِي قَوْله واركعوا واسجدوا وَقَالَ فِي سُورَة ص سَجْدَة الشُّكْر لَا سَجْدَة التِّلَاوَة وَقَالَ مَالك لَيْسَ فِي سُورَة النَّجْم وَسورَة إِذا السَّمَاء انشقت واقرأ باسم رَبك سَجْدَة وَأما سَبَب وجوب السَّجْدَة فَهُوَ التِّلَاوَة وَالسَّمَاع للْحَدِيث الَّذِي روينَا ثمَّ السَّجْدَة تجب بِسَمَاع التِّلَاوَة مُطلقًا سَوَاء كَانَت فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة كَانَ التَّالِي مُسلما أَو كَافِرًا طَاهِرا أَو مُحدثا أَو جنبا أَو حَائِضًا أَو نفسَاء صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا عَاقِلا كَانَ أَو مَجْنُونا بعد أَن يكون السَّامع من أهل وجوب السَّجْدَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ التِّلَاوَة سَبَب الْوُجُوب فِي حق التَّالِي إِذا كَانَ أَهلا للْوُجُوب أَيْضا ثمَّ أهل وجوب السَّجْدَة من كَانَ من أهل وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ أَو من أهل وجوب الْقَضَاء لِأَنَّهَا جُزْء من أَجزَاء الصَّلَاة فَلَا تجب على الْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء لِأَنَّهُ لَا وجوب عَلَيْهِم فَأَما الْجنب والمحدث فَيجب عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالطَّهَارَة شَرط الْأَدَاء لَا شَرط الْوُجُوب وَمِنْهَا شَرَائِط صِحَة أَدَاء سَجْدَة التِّلَاوَة وَهِي مَا كَانَ من شَرَائِط صِحَة الصَّلَاة من الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الْحَقِيقَة بدنا ومكانا وثيابا وَستر الْعَوْرَة واستقبال الْقبْلَة وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا بعض الصَّلَاة فَيشْتَرط لأدائها مَا هُوَ شَرط فِي الْكل وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ مُفْسِدا للصَّلَاة من الْكَلَام والقهقه وَالْحَدَث الْعمد وَنَحْوهَا فَهُوَ يفْسد السَّجْدَة إِلَّا أَنه إِذا قهقه فِي السَّجْدَة لَا تنْتَقض طَهَارَته بِخِلَاف الصَّلَاة على مَا مر من قبل لِأَن انْتِقَاض الطَّهَارَة بالقهقهة فِي الصَّلَاة عَرفْنَاهُ نصا بِخِلَاف الْقيَاس فِي صَلَاة تَامَّة غير مَعْقُول الْمَعْنى فَلَا يثبت فِي حَقّهَا كَمَا فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَلَو قَرَأَ على الدَّابَّة وَهُوَ مُسَافر فَسجدَ على الدَّابَّة مَعَ الْقُدْرَة على النُّزُول فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز وَبِه قَالَ بشر المريسي وَفِي الِاسْتِحْسَان يجوز بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهَا لَا تجوز فرضا على الدَّابَّة مَعَ الْقُدْرَة على النُّزُول لِأَن الْقِرَاءَة أَمر دَائِم بِمَنْزِلَة التَّطَوُّع فَكَانَ فِي اشْتِرَاط النُّزُول حرج بِخِلَاف الْفَرْض وَمِنْهَا أَنه هَل تَتَكَرَّر السَّجْدَة بِتَكَرُّر التِّلَاوَة فَنَقُول إِذا قَرَأَ فِي مجْلِس وَاحِد آيَات السَّجْدَة أَو قَرَأَ آيَة وَاحِدَة فِي مجَالِس مُخْتَلفَة تجب السَّجْدَة بِقدر عدد الْقِرَاءَة فَأَما إِذا قَرَأَ آيَة وَاحِدَة فِي مجْلِس وَاحِد مرَارًا لَا تجب إِلَّا سَجْدَة وَاحِدَة لِأَن فِي إِيجَاب التّكْرَار فِي مجْلِس وَاحِد إِيقَاع النَّاس فِي الْحَرج وَلَا حرج عِنْد اخْتِلَاف الْآيَة فِي مجْلِس وَاحِد وَعند اخْتِلَاف الْمجَالِس هَذَا حكم خَارج الصَّلَاة أما إِذا كرر آيَة السَّجْدَة فِي الصَّلَاة فَإِن كَانَت فِي رَكْعَة وَاحِدَة لَا تجب إِلَّا سَجْدَة وَاحِدَة لِاتِّحَاد الْمجْلس حَقِيقَة وَإِن قَرَأَهَا فِي كل رَكْعَة فَالْقِيَاس أَن لَا يجب إِلَّا سَجْدَة وَاحِدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 هُوَ قَول أبي يُوسُف لِاتِّحَاد الْمجْلس حَقِيقَة وَفِي الِاسْتِحْسَان يجب بِكُل تِلَاوَة سَجْدَة وَهُوَ قَول مُحَمَّد لِأَنَّهُ لَا حرج فِي الْوُجُوب لِأَن تكْرَار آيَة سَجْدَة فِي كل رَكْعَة نادرة فِي الصَّلَاة لِأَنَّهَا لَيست بِموضع التَّعْلِيم وَمِنْهَا أَن الإِمَام إِذا قَرَأَهَا فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ السَّجْدَة على الْقَوْم لَكِن إِذا سجدوا فِي الصَّلَاة يجوز وَإِن لم يسجدوا تسْقط لِأَنَّهَا صلاتية فَتسقط بِالْخرُوجِ عَنْهَا وَأما الْمُقْتَدِي إِذا قَرَأَهَا فقد أَجمعُوا أَنه لَا يجب عَلَيْهِ أَن يسْجد فِي الصَّلَاة وَهل يسْجد خَارج الصَّلَاة على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يجب وعَلى قَول محمديجب وَكَذَلِكَ لَا تجب السَّجْدَة على الإِمَام وَالْقَوْم وَأَجْمعُوا أَنه تجب السَّجْدَة على من سمع من الْمُقْتَدِي خَارج الصَّلَاة وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي الْوُجُوب لِأَن فَائِدَة الْوُجُوب الْأَدَاء وَلَا يُمكنهُ الْأَدَاء فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ تَابع للْإِمَام وَتجب عَلَيْهِ مُتَابَعَته فِيهِ ترك الْمُتَابَعَة وَلَا يُمكنهُ بعد السَّلَام لِأَنَّهَا صَارَت صلاتية والصلاتية تسْقط بِالسَّلَامِ وَلَو سمع الْمُقْتَدِي مِمَّن قَرَأَ خَارج الصَّلَاة يجب عَلَيْهِ أَن يسْجد خَارج الصَّلَاة لِأَنَّهَا لَيست بصلاتية وَكَذَلِكَ الإِمَام لَو سمع مِمَّن قَرَأَ خَارج الصَّلَاة يجب عَلَيْهِ أَن يسْجد خَارج الصَّلَاة أَيْضا لما قُلْنَا وَلَو سجد هَذِه السَّجْدَة فِي الصَّلَاة لم يجز لِأَنَّهَا لَيست بِصَلَاتِهِ وَلَكِن هَل تفْسد صلَاته فِي رِوَايَة الْأُصُول لَا تفْسد الصَّلَاة لِأَن السَّجْدَة لَيْسَ بمنافية للصَّلَاة وَهِي مَا دون الرَّكْعَة فَصَارَ كَمَا لَو سجد سَجْدَة زَائِدَة تَطَوّعا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 كتاب الْجَنَائِز قَالَ رَحمَه الله إِذا احْتضرَ الرجل الْمَوْت فَإِنَّهُ يُوَجه على شقَّه الْأَيْمن نَحْو الْقبْلَة على مَا ذكرنَا ويلقن كلمة الشَّهَادَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله وَإِذا مضى يَنْبَغِي أَن يغمض عَيناهُ ويشد لحياه لِأَنَّهُ إِذا ترك مَفْتُوحًا يصير كريه المنظر ويقبح فِي أعين النَّاس وَعَلِيهِ توارث الْأمة وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن ثمَّ الْمُسْتَحبّ أَن يعجل فِي جهازه وَلَا يُؤَخر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام عجلوا مَوْتَاكُم فَإِن يَك خيرا قدمتموه إِلَيْهِ وَإِن يَك شرا فبعدا لأهل النَّار وَلَا بَأْس بإعلام النَّاس بِمَوْتِهِ لِأَن فِيهِ تحريض النَّاس إِلَى الطَّاعَة وحثا على الاستعداد لَهَا فَيكون سَببا إِلَى الْخَيْر وَدلَالَة عَلَيْهِ وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الدَّال على الْخَيْر كفاعله ثمَّ يشْتَغل بِغسْلِهِ فَإِن غسل الْمَيِّت وَاجِب بِإِجْمَاع الْأمة عَلَيْهِ من لدن آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لما توفّي آدم عَلَيْهِ السَّلَام غسلته الْمَلَائِكَة وَقَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 لوَلَده هَذِه سنة مَوْتَاكُم ثمَّ كَيفَ يغسل روى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة وَذكر مُحَمَّد فِي كتاب الصَّلَاة أَنه يجرد الْمَيِّت وَيُوضَع على تخت وتستر عَوْرَته بِخرقَة وَهِي من الرّكْبَة إِلَى السُّرَّة ويوضأ وضوءه للصَّلَاة إِلَّا أَنه لَا يمضمض وَلَا يستنشق وَلَا يمسح على رَأسه وَلَا يُؤَخر غسل رجلَيْهِ بِخِلَاف غسل الْجنب ثمَّ يضجع على شقَّه الْأَيْسَر فَيغسل بِالْمَاءِ الَّذِي غلي بالسدر والخطمي والحرض أَو بِالْمَاءِ القراح إِن لم يكن شَيْء من ذَلِك حَتَّى ينقيه ويخلص المَاء إِلَى مَا يَلِي التخت لِأَن الْمسنون هُوَ الْبدَاءَة بالميامن فيضجع على شقَّه الْأَيْسَر حَتَّى يُمكن الْبدَاءَة بِغسْل الْأَيْمن ثمَّ يضجع على شقَّه الْأَيْمن فَيغسل الْأَيْسَر حَتَّى ينقيه ثمَّ يقعده ويسنده إِلَى نَفسه وَيمْسَح يَده على بَطْنه مسحا رَقِيقا فَإِن سَالَ مِنْهُ شَيْء يمسحه وَيغسل ذَلِك الْموضع حَتَّى يطهر عَن النَّجَاسَة الْحَقِيقَة وَلَا يجب إِعَادَة الْغسْل وَلَا الْوضُوء بِخُرُوج شَيْء مِنْهُ وَعند الشَّافِعِي يُعَاد الْوضُوء وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْغسْل وَالْوُضُوء مَا وَجب لأجل الْحَدث وَإِنَّمَا عَرفْنَاهُ بِالنَّصِّ بِخِلَاف الْقيَاس وَقد وجد ثمَّ يضجعه على شقَّه الْأَيْسَر حَتَّى ينقيه وَيرى أَن المَاء قد خلص إِلَى مَا يَلِي السرير حَتَّى يكون الْغسْل ثَلَاث مَرَّات وَهُوَ الْغسْل الْمسنون فِي حَالَة الْحَيَاة فَكَذَلِك بعد الْمَمَات ثمَّ ينشفه بِثَوْب حَتَّى لَا تبتل أَكْفَانه وَلَا يُؤْخَذ شَيْء من ظفره وَلَا شعره وَلَا يسرح لحيته لِأَن هَذَا من بَاب الزِّينَة وَالْمَيِّت لَا يزين هَذَا الَّذِي ذكرنَا سنة فِي كل ميت مَاتَ بعد الْولادَة إِلَّا الشَّهِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الَّذِي مثل شُهَدَاء أحد على مَا نذْكر وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْمَوْلُود إِذا خرج مَيتا لَا يغسل هَذَا جَوَاب هَذَا الْكتاب على مَا نذْكر فَأَما إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ثمَّ وجد مَيتا يغسل لِأَن الاستهلال دلَالَة الْحَيَاة وَإِذا وجد أَكثر الْإِنْسَان الْمَيِّت يغسل لِأَن للْأَكْثَر حكم الْكل فَأَما إِذا وجد الْأَقَل أَو النّصْف لم يغسل عندنَا وَعند الشَّافِعِي يغسل كَيْفَمَا كَانَ ثمَّ الْجِنْس يغسل الجنسكالذكر للذّكر وَالْأُنْثَى للْأُنْثَى وَلَا يغسل الْجِنْس خلاف الْجِنْس كَالرّجلِ للْأُنْثَى وَالْأُنْثَى للرجل لِأَن مس الْعَوْرَة حرَام فِي حَالَة الْحَيَاة وَالْمَمَات جَمِيعًا للأجانب فَأَما إِذا كَانَا زَوْجَيْنِ فالزوجة الْمُعْتَدَّة بِسَبَب الْمَوْت يحل لَهَا غسل الزَّوْج بِالْإِجْمَاع مَا لم يُوجد مِنْهَا فِي حَال الْعدة مَا هُوَ سَبَب الْفرْقَة وَهُوَ الْمُصَاهَرَة أَو الرِّدَّة فَأَما الْمُعْتَدَّة بِالطَّلَاق الْبَائِن إِذا مَاتَ الزَّوْج بعد ذَلِك فَلَا تغسله لِأَن الطَّلَاق الْبَائِن يرفع النِّكَاح فَأَما الزَّوْج فَلَا يغسل الزَّوْجَة عندنَا خلافًا لَهُ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما أم الْوَلَد فَلَا تغسل مَوْلَاهَا وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة بعد مَوته عندنَا وَقَالَ زفر تغسل إِلَّا أَن الصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْقيَاس أَن الْمُعْتَدَّة للزَّوْج لَا تغسل لِأَن النِّكَاح انْتهى بِالْمَوْتِ كَمَا فِي جَانب الزَّوْج وَإِنَّمَا جَاءَت الْإِبَاحَة بِخِلَاف الْقيَاس فِي حق الزَّوْجَة فَبَقيَ الحكم فِي حق أم الْوَلَد على أصل الْقيَاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فَأَما الصَّبِي والصبية إِن كَانَا من أهل الشَّهْوَة فَكَذَلِك الْجَواب وَإِن لم يَكُونَا من أهل الشَّهْوَة فَلَا بَأْس بغسلهما عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس وَإِذا مَاتَت الْمَرْأَة فِي السّفر وَلم يكن هُنَاكَ غير الرِّجَال فَإِن كَانَ مِنْهُم ذُو رحم محرم مِنْهَا فَإِنَّهُ ييممها بِيَدِهِ بِغَيْر خرفة وَإِن لم يكن فالأجنبي ييممها بِخرقَة لِأَن الْأَجْنَبِيّ لَا يحل لَهُ مس مَحل التَّيَمُّم بِدُونِ الْخِرْقَة فَأَما الْمحرم فَيحل لَهُ مس ذَلِك الْموضع من غير حَائِل ثمَّ يُكفن الْمَيِّت بعد الْغسْل لِأَن تكفين الْمَيِّت سنة لما رُوِيَ فِي قصَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَن الْمَلَائِكَة قَالَت لوَلَده بَعْدَمَا غسلوه وكفنوه ودفنوه هَذِه سنة مَوْتَاكُم ثمَّ الْكَفَن يصير من جَمِيع المَال وَهُوَ مقدم على الدّين وَالْوَصِيَّة وَالْمِيرَاث لِأَن هَذَا من حوائج الْمَيِّت وَمن لم يكن لَهُ مَال فَكَفنهُ على من تجب عَلَيْهِ نَفَقَته وَكسوته فِي حَال حَيَاته إِلَّا الْمَرْأَة خَاصَّة فِي قَول محمدفإن كفنها لَا يجب على زَوجهَا لِأَن الزَّوْجِيَّة تَنْقَطِع بِالْمَوْتِ وَمن لم يكن لَهُ مَال وَلَا من ينْفق عَلَيْهِ فِي بَيت المَال لِأَنَّهُ أعد لحوائج الْمُسلمين ثمَّ أَكثر مَا يُكفن بِهِ الرجل ثَلَاث أَثوَاب إِزَار ورداء وقميص وَأدنى ذَلِك ثَوْبَان إِزَار ورداء وَأكْثر مَا تكفن بِهِ الْمَرْأَة خَمْسَة أَثوَاب إِزَار ولفافة وَدرع وخمار وخرقة يرْبط ثدياها وَأدنى ذَلِك ثَلَاثَة لفافة وخمار وَإِزَار وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الصَّبِي والصبية المراهقين فَأَما الَّذِي لم يراهق فيكفن فِي خرقتين إِزَار ورداء وَلَو كفن فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 إِزَار وَاحِد لَا يكره لِأَن بدنه لَيْسَ بِعَوْرَة وَلَيْسَ لَهُ حُرْمَة كَامِلَة وَإِن كَانَ سقطا فَإِنَّهُ يُكفن فِي خرقَة وَكَذَلِكَ إِذا ولد مَيتا يلف فِي خرقَة أَيْضا لِأَن حرمته لم تكمل ثمَّ كَيْفيَّة لبس الأكفان يَنْبَغِي أَن تجمر الأكفان أَولا وترا لِأَن الثَّوْب الْجَدِيد أَو الغسيل مِمَّا يطيب فِي حَالَة الْحَيَاة فَكَذَلِك بعد الْمَمَات فيلبس الْقَمِيص أَولا ثمَّ تبسط اللفافة وَهِي الرِّدَاء طولا ثمَّ يبسط الْإِزَار فَوْقهَا عرضا فَيُوضَع الْمَيِّت عَلَيْهَا ثمَّ يوضع الحنوط فِي رَأسه ولحيته وَسَائِر جسده وَيُوضَع الكافور على مساجده وَأَرَادُوا بالمساجد الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين تَشْرِيفًا للْمَيت لِأَن المغتسل فِي حَالَة الْحَيَاة قد يتطيب وَلَا بَأْس بِسَائِر الطّيب فِي الحنوط غير الزَّعْفَرَان والورس فِي حق الرجل وَلَا بَأْس بِهِ فِي حق الْمَرْأَة ثمَّ يعْطف الْإِزَار على الْمَيِّت من شقَّه الْأَيْسَر على رَأسه وَسَائِر جسده ثمَّ يعْطف من قبل شقَّه الْأَيْمن كَذَلِك ثمَّ يعْطف الرِّدَاء عَلَيْهِ وَهُوَ اللفافة فَإِن خيف انتشار الْكَفَن وَظُهُور الْعَوْرَة يرْبط بِشَيْء من الْخِرْقَة وَكَذَلِكَ فِي حق الْمَرْأَة تبسط اللفافة أَيْضا ثمَّ الْإِزَار وتلبس الدرْع والخمار فَوق الدرْع والخرقة ترْبط فَوق الأكفان عِنْد الصَّدْر فَوق الثديين ويسدل شعرهَا من الْجَانِبَيْنِ فَوق الدرْع على صدرها ثمَّ يعْطف الْإِزَار واللفافة على مَا ذكرنَا ثمَّ الغسيل والجديد سَوَاء فِي حق الْكَفَن وَلَا بَأْس بالبرد والكتان والقصب وَفِي حق النسوان بالحرير والإبريسم والمعصفر والمزعفر على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه لَكِن الثِّيَاب الْبيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 أفضل على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ البسوا هَذِه الثِّيَاب الْبيض فَإِنَّهَا خير ثيابكم وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم ثمَّ يُؤْتى بالجنازة وَيحمل عَلَيْهَا الْمَيِّت ويسرع بِهِ فَإِن الْإِسْرَاع بِهِ سنة لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون مشيا دون الخبب وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ عجلوا مَوْتَاكُم فَإِن كَانَ خيرا قدمتموه وَإِن كَانَ شرا ألقيتموه عَن رِقَابكُمْ وَالْمُسْتَحب للمشيع الْمَشْي خلفهَا دون التَّقَدُّم وَإِن مَشى ماش أمامها كَانَ وَاسِعًا لَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يتَقَدَّم الْكل لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ الْجِنَازَة متبوعة وَلَيْسَت بتابعة لَيْسَ مَعهَا من تقدمها وَتحمل الْجِنَازَة من جوانبها الْأَرْبَع فَيبْدَأ الَّذِي يُرِيد حملهَا بالمقدم الْأَيْمن من الْمَيِّت فَيَجْعَلهُ على عَاتِقه الْأَيْمن ثمَّ الْمُؤخر الْأَيْمن على عَاتِقه الْأَيْمن ثمَّ الْمُقدم الْأَيْسَر على عَاتِقه الْأَيْسَر ثمَّ الْمُؤخر الْأَيْسَر على عَاتِقه الْأَيْمن وَقَالَ الشَّافِعِي يقوم من يحمل الْجِنَازَة بَين العمودين فَإِن سعد بن معَاذ حمل بَين العمودين وَالصَّحِيح مَا قُلْنَا لعمل الْأمة من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا من غير نَكِير وَحَدِيث سعد يحْتَمل أَن يكون ذَلِك لضيق الْمَكَان أَو لعذر من الْأَعْذَار وَيكرهُ أَن يحمل الْمَيِّت على الدَّابَّة صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا لِأَن من تَعْظِيم الْمَيِّت أَن يحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَإِن كَانَ صَبيا فَحَمله إِنْسَان على يَدَيْهِ وَهُوَ رَاكب فَلَا بَأْس بِهِ وَكَذَا لَا بَأْس بِأَن يحمل الرضع أَو فَوق ذَلِك فِي سقط وَنَحْوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 على الْأَيْدِي ويتداولونه لِأَن معنى الْكَرَامَة حَاصِل وَيكرهُ لمشيعي الْجِنَازَة أَن يقعدوا قبل وضع الْجِنَازَة لأَنهم أَتبَاع الْجِنَازَة والتبع لَا يقْعد قبل قعُود الأَصْل تَعْظِيمًا لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 بَاب الصَّلَاة على الْجِنَازَة الْكَلَام فِي الْبَاب فِي مَوَاضِع فِي بَيَان أَنَّهَا وَاجِبَة وَفِي بَيَان من يُصَلِّي عَلَيْهِ وَفِي بَيَان كَيْفيَّة صَلَاة الْجِنَازَة وَفِي بَيَان ولَايَة الصَّلَاة لمن هِيَ وَفِي بَيَان مَا يفْسد صَلَاة الْجِنَازَة وَمَا يمْنَع مِنْهَا أما الأول فَنَقُول الصَّلَاة على الْمَيِّت وَاجِبَة فِي الْجُمْلَة لَا يسع الِاجْتِمَاع على تَركهَا وَمَتى فعلهَا فريق من النَّاس تسْقط عَن البَاقِينَ فَكَانَت وَاجِبَة على سَبِيل الْكِفَايَة وَبَيَان الْوُجُوب مواظبة الرَّسُول وَأَصْحَابه وَالْأمة بأجمعهم من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَبَيَان أَنَّهَا وَاجِبَة على طَريقَة الْكِفَايَة لِأَن مَا هُوَ الْفَرْض وَهُوَ قَضَاء حق الْمَيِّت يحصل بِالْبَعْضِ وَلَا يُمكن إِيجَابه على كل أحد من آحَاد النَّاس فَصَارَ بِمَنْزِلَة الْجِهَاد وَأما بَيَان من يصلى عَلَيْهِ فَنَقُول كل من مَاتَ مُسلما بعد وِلَادَته صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا ذكرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 كَانَ أَو أُنْثَى حرا كَانَ أَو عبدا إِلَّا الْبُغَاة وقطاع الطَّرِيق وَمن كَانَ بِمثل حَالهم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام صلوا على كل بر وَفَاجِر وَلَا يصلى على من ولد مَيتا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِذا اسْتهلّ الْمَوْلُود صلي عَلَيْهِ وَمن لم يستهل لم يصل عَلَيْهِ لِأَن الاستهلال دلَالَة الْحَيَاة وَالْمَيِّت فِي عرف النَّاس من زَالَت حَيَاته لَا يعلم أَنه خلقت الْحَيَاة فِيهِ أم لَا فَلم يعلم بِمَوْتِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّه لَا يَرث وَلَا يُورث وَلَا يغسل وَلَا يُسمى لِأَن هَذِه أَحْكَام الْأَحْيَاء وَلم تثبت حَيَاته وَرُوِيَ عَن الطَّحَاوِيّ أَن الْجَنِين الْمَيِّت يغسل وَلم يحك خلافًا وَعَن مُحَمَّد فِي السقط الَّذِي استبان خلقه إِنَّه يغسل ويكفن ويخط وَلَا يصلى عَلَيْهِ وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِيمَن ولد مَيتا أَنه لَا يغسل فعلى الرِّوَايَة الَّتِي لَا يغسل اعْتبر بِالصَّلَاةِ وَأَنه لَا يصلى عَلَيْهِ وَالْغسْل لأجل الصَّلَاة فَسقط الْغسْل وعَلى الرِّوَايَة الَّتِي يغسل اعْتبر أَنه سنة الْمَوْتَى فِي الأَصْل بِحَدِيث قصَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَت الْمَلَائِكَة بَعْدَمَا غسلته إِنَّه سنة مَوْتَاكُم وَلِهَذَا يغسل الْكَافِر وَإِن لم يصل عَلَيْهِ وَأما الْبُغَاة فَلَا يصلى عَلَيْهِم عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالصَّحِيح قَوْلنَا فَإِن عليا لم يصل على قَتْلَى نهروان وَغَيرهم مِمَّن خَالفه وهم أهل بغي فَإِن الْخَلِيفَة الْحق هُوَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَال حَيَاته بعد وَفَاة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ ذَلِك بِمحضر من الصَّحَابَة فَيكون إِجْمَاعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَإِذا ثَبت الحكم فِي الْبُغَاة ثَبت فِي قطاع الطَّرِيق لأَنهم فِي معناهم وَكَذَلِكَ الَّذِي يقتل النَّاس خنقا حَتَّى يَأْخُذ أَمْوَالهم لِأَن هَذَا ساع فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وذكلك المكابرون فِي الْمصر بِالسِّلَاحِ وَمن كَانَ فِي مثل حَالهم وَأما كَيْفيَّة الصَّلَاة على الميتفنقول أَن يقوم الإِمَام وَالْقَوْم فيكبر الإِمَام أَربع تَكْبِيرَات وَالْقَوْم مَعَه فيكبرون التَّكْبِيرَة الأولى ويحمدون الله بِمَا هُوَ أَهله كَذَا ذكر الْكَرْخِي وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يكبر الأولى وَيَقُول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إِلَى آخِره ثمَّ يكبرُونَ الثَّانِيَة وَيصلونَ على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام على مَا هُوَ الْمَعْرُوف ثمَّ يكبرُونَ الثَّالِثَة وَيدعونَ للْمَيت ولأموات الْمُسلمين وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُم وَإِذا كَانَ الْمَيِّت صَبيا فَيَقُول اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لنا فرطا واجعله لنا ذخْرا ثمَّ يكبرُونَ الرَّابِعَة وَلَا يدعونَ بعْدهَا ثمَّ يسلم الإِمَام تسليمتين عَن يَمِينه ويساره وَالْقَوْم مَعَه لِأَن كل صَلَاة لَهَا تَحْرِيم بِالتَّكْبِيرِ فَيكون لَهَا تَحْلِيل بِالتَّسْلِيمِ هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ قَول عَامَّة الْعلمَاء وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن عبد الله بن مسعودأنه قَالَ كل ذَلِك قد كَانَ حِين سُئِلَ عَن تَكْبِيرَات الْجِنَازَة لَكِن رَأَيْت النَّاس أَجمعُوا على أَربع تَكْبِيرَات ثمَّ إِن عندنَا لَا يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولى وعَلى قَول الشَّافِعِي يرفع عِنْد كل تَكْبِيرَة وَقد ذكرنَا قبل هَذَا وَلَيْسَ فِيهَا قِرَاءَة الْفَاتِحَة أصلا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بِدُونِ الْفَاتِحَة وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهَا لَيست بِصَلَاة حَقِيقَة إِنَّمَا شرعت الدُّعَاء على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الْمَيِّت وَأَصله حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ مَا وَقت لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْجِنَازَة قولا وَلَا قِرَاءَة كبر مَا كبر الإِمَام واختر من أطيب الْكَلَام مَا شِئْت ثمَّ الْمَشْهُور من الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي الأَصْل وَغَيره أَن يقوم الإِمَام بحذاء صدر الْمَيِّت فِي الرجل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهِ وَعَن الْحسن أَنه يقوم فِي الرجل بحذاء وَسطه وَفِي الْمَرْأَة بحذاء وَسطهَا إِلَّا أَنه يكون إِلَى رَأسهَا أقرب وَعَن أبي يُوسُف أَنه يقوم من الْمَرْأَة بحذاء وَسطهَا وَمن الرجل مِمَّا يَلِي الرَّأْس وَقَالَ الطَّحَاوِيّ وَهَذَا قَوْله الْأَخير وَالصَّحِيح هُوَ الأول لِأَنَّهُ لَا بُد من أَن يُحَاذِي جُزْءا من أَجزَاء الْمَيِّت فَكَانَ محاذاة الصَّدْر الَّذِي هُوَ مَوضِع الْإِيمَان أَحَق وَإِذا اجْتمعت الْجَنَائِز فالإمام بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ الله صلى عَلَيْهَا كلهَا دفْعَة وَاحِدَة وَإِن شَاءَ صلى على كل جَنَازَة على حِدة فَإِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي على كل جَنَازَة على حِدة فَالْأولى أَن يقدم الْأَفْضَل مِنْهُم وَإِن صلى كَيفَ شَاءَ فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِم جملَة يَنْبَغِي أَن يكون الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِمَام ثمَّ الصّبيان الذُّكُور ثمَّ النِّسَاء ثمَّ الصبيات لما رُوِيَ عَن عمر أَنه صلى على أَربع جنائز رجال وَنسَاء وَجعل الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِمَام وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يضع أفضلهَا مِمَّا يَلِي الإِمَام وقالأبو يُوسُف أحسن ذَلِك عِنْدِي أَن يكون أهل الْفضل مِمَّا يَلِي الإِمَام ثمَّ تكلمُوا فِي كَيْفيَّة الْوَضع من حَيْثُ الْمَكَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 قَالَ ابْن أبي ليلى إِذا اجْتمعت الْجَنَائِز يوضع رجل خلف رجل رَأس الآخر أَسْفَل من رَأس الأول يوضعون هَكَذَا درجا وَعَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِن وضعُوا كَمَا قَالَ ابْن أبي ليلى فَحسن لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وصاحبيه دفنُوا على هَذِه الصّفة والوضع للصَّلَاة كَذَلِك فَإِن وضعُوا رَأس كل وَاحِد مِنْهُم بحذاء رَأس صَاحبه فَحسن لِأَن الْمَقْصُود حَاصِل وَهُوَ الصَّلَاة عَلَيْهِم وَأما بَيَان ولَايَة الصَّلَاة فَنَقُول ذكر الشيخأبو الْحسن الْكَرْخِي قَالَ أَبُو حنيفَة يُصَلِّي على الْجِنَازَة أَئِمَّة الْحَيّ وَالَّذِي يُصَلِّي بالأحياء هُوَ الَّذِي يُصَلِّي على الْمَوْتَى وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة يُصَلِّي الإِمَام إِن حضر أَو القَاضِي أَو الْوَالِي فَإِن لم يحضر أحد مِنْهُم فَيَنْبَغِي أَن يقدموا إِمَام الْحَيّ فَإِن لم يكن إِمَام الْحَيّ فأقرب النَّاس إِلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّد يَنْبَغِي للوالي أَن يقدم إِمَام الْمَسْجِد وَلَا يجْبر الْوَالِي على ذَلِك وَهُوَ قَول أبي حنيفَة عَن ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف الصَّلَاة على الْمَيِّت إِلَى الْأَوْلِيَاء دون إِمَام الْحَيّ وَحَاصِل ذَلِك أَن السُّلْطَان إِذا حضر فَهُوَ أولى لما رُوِيَ أَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ لما مَاتَ قدم الحسينرضي الله عَنهُ سعيد بن الْعَاصِ أَمِير الْمَدِينَة وَقَالَ لَوْلَا السّنة لما قدمتك وَأما إِمَام الْحَيّ فتقديمه على طَرِيق الْأَفْضَل وَلَيْسَ بِوَاجِب بِخِلَاف تَقْدِيم السُّلْطَان هَكَذَا فسر ابْن شُجَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ثمَّ أجمع أَصْحَابنَا أَن بعد إِمَام الْحَيّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من ذَوي الْأَنْسَاب أَحَق فَإِن تساووا فِي الْقَرَابَة فأكبرهم سنا فَإِن أَرَادَ الأسن أَن يقدم غير شَرِيكه فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذْنِهِ لِأَن الْولَايَة لَهما وَإِنَّمَا قدم الأسن للسّنة فَأَما إِذا كَانَ أَحدهمَا أقرب فللأقرب أَن يقدم من شَاءَ وَلَو أَن امْرَأَة مَاتَت وَتركت زَوجهَا وَابْنهَا يكره للِابْن أَن يتَقَدَّم أَبَاهُ وَعَلِيهِ أَن يقدم أَبَاهُ أما الزَّوْج فَلَا ولَايَة لَهُ لِأَن الزَّوْجَة قد انْقَطَعت بِالْمَوْتِ وَأما بَيَان مَا يفْسد صَلَاة الْجِنَازَة وَمَا يمْنَع مِنْهَا فَنَقُول إِن الصَّلَاة كلهَا مَكْرُوهَة فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة على مَا ذكرنَا لَكِن إِن صلوا على الْجِنَازَة فِي هَذِه الْأَوْقَات لم يجب الْإِعَادَة وَإِن كَانَت وَاجِبَة لِأَن صَلَاة الْجِنَازَة فرض كِفَايَة وَإِنَّمَا يتَعَيَّن الْوُجُوب على الْمُصَلِّين بِالشُّرُوعِ وَقد وجد الشُّرُوع فِي الْوَقْت الْمَكْرُوه فيحب نَاقِصا بِمَنْزِلَة عصر الْوَقْت فيجزئه وَمن صلى على جَنَازَة رَاكِبًا أَو قَاعِدا من غير عذر فَالْقِيَاس أَن يُجزئهُ وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يُجزئهُ لِأَن صَلَاة الْجِنَازَة لَيست بِأَكْثَرَ من الْقيام فَإِذا ترك الْقيام لم تجز وَلَو صلى على صبي وَهُوَ مَحْمُول على دَابَّة لم تجز لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الإِمَام وَإِذا صلى الإِمَام من غير طَهَارَة أعادوا لِأَنَّهُ لَا صِحَة لَهَا بِدُونِ الطَّهَارَة فَإِذا لم تصح صَلَاة الإِمَام لم تصح صَلَاة الْقَوْم فَأَما إِذا كَانَ الإِمَام على طَهَارَة وَالْقَوْم على غير طَهَارَة جَازَت صَلَاة الإِمَام دون صَلَاة الْقَوْم وَلم يُعِيدُوا صَلَاة الْجِنَازَة لِأَن صَلَاة الإِمَام تنوب عَن الْكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وَبِهَذَا تبين أَنه لَا تجب صَلَاة الْجَمَاعَة فَإِن الإِمَام مُنْفَرد هُنَا وَإِذا صلت نسَاء وحدهن على جَنَازَة قَامَت الَّتِي تؤم وسط الصَّفّ وَهَذِه الْمَسْأَلَة تدل على أَنه لَا يشْتَرط أَن يقوم الرِّجَال لصَلَاة الْجِنَازَة دون النِّسَاء وحدهن وَلَو صلوا على الْمَيِّت ثمَّ علمُوا أَنهم لم يغسلوه فَهَذَا على وُجُوه إِن ذكرُوا قبل أَن يدْفن يغسل وتعاد الصَّلَاة لِأَن غسل الْمَيِّت شَرط جَوَاز الصَّلَاة وَإِن ذكرُوا بَعْدَمَا دفنوه وأهالوا التُّرَاب عَلَيْهِ وسووا الْقَبْر فَإِنَّهُ لَا ينبش الْقَبْر فَأَما إِذا لم يهيلوا عَلَيْهِ التُّرَاب فَإِنَّهُ يخرج من الْقَبْر وَيغسل سَوَاء نصبوا اللَّبن عَلَيْهِ أم لَا وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنهم إِذا أهالوا عَلَيْهِ التُّرَاب لم يخرجوه وَلَكِن يصلونَ على قَبره ثَانِيًا لِأَن الطَّهَارَة إِنَّمَا شرطت عِنْد الْقُدْرَة لَا عِنْد الْعَجز وَقد ثَبت الْعَجز بِسَبَب الدّفن وَالصَّحِيح قَول ظَاهر الرِّوَايَات أَنه لَا يُعَاد الصَّلَاة لِأَن الصَّلَاة بِدُونِ الْغسْل غير مَشْرُوعَة وَلَا وَجه إِلَى الْغسْل لِأَنَّهُ يتَضَمَّن أمرا حَرَامًا وَهُوَ نبش الْقَبْر فَتسقط الصَّلَاة وَأما إِذا نسوا الصَّلَاة على الْمَيِّت بعد الْغسْل فتذكروا بعد الدّفن فَإِن كَانَ قبل مُضِيّ ثَلَاثَة أَيَّام يصلى على الْقَبْر وَإِن كَانَ بعد ذَلِك لَا يصلى وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه صلى على قبر المسكينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 بَاب الدّفن وَحكم الشُّهَدَاء فِي الْبَاب بَيَان حكم الدّفن وَبَيَان أَحْكَام الشُّهَدَاء أما الأول فَنَقُول يَنْبَغِي أَن يوضع الْمَيِّت فِي الْقَبْر على شقَّه الْأَيْمن يسْتَقْبل الْقبْلَة وَيسْتَقْبل بِهِ الْقبْلَة عِنْد إِدْخَاله الْقَبْر أَيْضا وَلَا بَأْس بِأَن يدْخل الْقَبْر وَاحِدًا أَو أَكثر وترا كَانَ أَو شفعا على قدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَيَقُول وَاضعه بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله لَكِن ذَوُو الرَّحِم الْمحرم أولى لإدخال الْمَرْأَة الْقَبْر من غَيرهم لِأَنَّهُ يجوز لَهُم مَسهَا حَالَة الْحَيَاة وَيكرهُ للأجانب مَسهَا حَال الْحَيَاة فَكَذَلِك بعد الْمَمَات وَالسّنة هِيَ اللَّحْد عندنَا دون الشق حلافا للشَّافِعِيّ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ اللَّحْد لنا والشق لغيرنا وَإِذا وضع فِي الْقَبْر فَإِن كَانَت الأكفان قد عقدت تحل العقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَيجْعَل على اللَّحْد اللَّبن والقصب وَيكرهُ الْآجر والخشب لِأَن ذَلِك من بَاب الزِّينَة وَعمارَة الدُّنْيَا وَالسّنة فِي الْقَبْر أَن يسنم وَلَا يربع وَلَا يطين وَلَا يجصص وَكره أَبُو حنيفَة الْبناء على الْقَبْر وَأَن يعلم بعلامة وَعَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ أكره أَن يكْتب عَلَيْهِ لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن تربيع الْقُبُور وَعَن تجصيصها وَعَن الْكِتَابَة عَلَيْهَا وَأما رش المَاء على الْقَبْر فَلَا بَأْس بِهِ لِأَن ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ لتسوية التُّرَاب عَلَيْهِ وَعَن أبي يُوسُف أَنه يكره الرش لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى التطيين وَيكرهُ أَن يُزَاد التُّرَاب على تُرَاب الْقَبْر الْخَارِج مِنْهُ لِأَن ذَلِك يجْرِي مجْرى الْبناء ويسجى قبر الْمَرْأَة دون الرجل لِأَن الْمَرْأَة عَورَة دونه وَلَا يَنْبَغِي أَن يدْفن الرّجلَانِ وَالثَّلَاثَة فِي قبر وَاحِد لعمل الْأمة على دفن الْوَاحِد فِي قبر وَاحِد من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَأَما عِنْد الْحَاجة فَلَا بَأْس بِهِ وَيقدم فِي اللَّحْد أفضلهم وَيجْعَل مَا بَين الرجلَيْن حاجز من تُرَاب هَكَذَا أَمر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَتْلَى أحد وَقَالَ قدمُوا أَكْثَرهم قُرْآنًا وَلَو وضعُوا فِي اللَّحْد مَيتا على غير الْقبْلَة أَو على يسَاره ثمَّ تَذكرُوا فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ إِن كَانَ بعد تشريج اللَّبن قبل أَن يهيلوا التُّرَاب عَلَيْهِ أزالوا ذَلِك وَيُوجه إِلَى الْقبْلَة على يَمِينه وَإِن أهالوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 التُّرَاب لم ينبش الْقَبْر لِأَن التَّوْجِيه إِلَى الْقبْلَة سنة والنبش حرَام وَكره أَبُو حنيفَة أَن يُوطأ على قبر أَو يجلس عَلَيْهِ أَو ينَام عَلَيْهِ أَو يقْضِي عَلَيْهِ حَاجَة من غَائِط أَو بَوْل على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن الْجُلُوس على قبر وَلِأَن فِي هَذِه الْأَشْيَاء ترك تَعْظِيم الْمَيِّت وَكَذَا يكره أَن يصلى عِنْد الْقَبْر على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي مَسْجِدا كَمَا اتَّخذت بَنو إِسْرَائِيل قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يصلى على ميت بَين الْقُبُور وَإِن فعلت أجزت لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان ذَلِك وروى نَافِع أَنهم صلوا على عَائِشَة وَأم سَلمَة بَين مَقَابِر البقيع وَالْإِمَام أَبُو هُرَيْرَة وَكَانَ ابْن عمر هُنَاكَ ثمَّ إِذا نبش الْمَيِّت وَأخذ كَفنه فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ طريا لم يتفسخ وَلم يتفتت أَو لم يكن طريا فَإِن كَانَ طريا يجب إِعَادَة الْكَفَن لِأَن الأول يحْتَاج إِلَى السّتْر تَعْظِيمًا لَهُ وَالْحَاجة قَائِمَة لَكِن ينظر إِن كَانَ قبل الْقِسْمَة يكون ذَلِك من جَمِيع التَّرِكَة وَيقدم على الدّين وَالْوَصِيَّة وَإِن كَانَ بعد الْقِسْمَة فَيكون على الْوَرَثَة لِأَن التَّرِكَة قبل الْقِسْمَة على ملك الْمَيِّت وبالقسمة انْتقل الْملك إِلَى الْوَرَثَة وَإِذا نبش فَأخذ كَفنه فَهَذَا ميت احْتَاجَ إِلَى الْكَفَن وَلَا مَال لَهُ فَيكون على ورثته وَأما إِذا لم يكن طريا فَإِن لم يكن متفسخا فَكَذَلِك الْجَواب وَإِن كَانَ متفسخا فَإِنَّهُ يلف فِي ثوب وَاحِد وَلَا يُكفن على وَجه السّنة لِأَن حرمته دون حُرْمَة الْآدَمِيّ الْكَامِل الْمركب فَلَا يُسَاوِيه فِي حق الستْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَأما حكم الشُّهَدَاء فَنَقُول الشَّهِيد يُخَالف حكمه حكم سَائِر الْمَوْتَى فِي حق التَّكْفِين وَالْغسْل أما التَّكْفِين فَيَنْبَغِي أَن يُكفن فِي ثِيَابه الَّتِي قتل فِيهَا وَإِن أَحبُّوا أَن يزِيدُوا عَلَيْهِ شَيْئا حَتَّى يبلغ مبلغ السّنة وَأَن ينقصوا عَنهُ شَيْئا فَلَا بَأْس بِهِ وَينْزع عَنهُ السَّلَام والفرو والجلود وَمَا لَا يصلح للكفن وَلَا يُكفن ابْتِدَاء فِي ثِيَاب أخر بِدُونِ ثِيَابه وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُم يبعثون يَوْم الْقِيَامَة وكلومهم تشخب دَمًا اللَّوْن لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك وَأما حكم الْغسْل فَنَقُول الشَّهِيد نَوْعَانِ نوع يغسل وَنَوع لَا يغسل أما الَّذِي لَا يغسل فَهُوَ الَّذِي فِي معنى شُهَدَاء أحد فَيلْحق بهم فِي حق سُقُوط الْغسْل بِالْحَدِيثِ الَّذِي روينَاهُ وَإِلَّا فَيبقى على الأَصْل الْمَعْهُود وَهُوَ أَن الْغسْل سنة للموتى وَحَقِيقَة شُهَدَاء أحد أَنهم قتلوا ظلما وَلم يرتثوا وَلم يُؤْخَذ عَن دِمَائِهِمْ عوض دنياوي فَمَتَى وجد فِي غَيرهم هَذِه الْمعَانِي سقط الْغسْل عَنْهُم أَيْضا فَنَقُول إِن من قتل فِي المعركة أَو غَيرهَا وَهُوَ يُقَاتل عدوا مَعَ الْكفَّار الْمُحَاربين أَو قطاع الطَّرِيق أَو الْبُغَاة أَو قتل بِسَبَب دفع الْقَتْل عَن نَفسه أَو عَن أَهله أَو عَن الْمُسلمين أَو أهل الذِّمَّة فَإِنَّهُ يكون شَهِيدا لِأَن هَؤُلَاءِ فِي معنى شُهَدَاء أحد لوُجُود الْقَتْل ظلما وَلَا يُوجد فِي قَتلهمْ عوض دنياوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَإِذا كَانَ قتلا يجب فِيهِ الْقصاص يكون شَهِيدا لِأَن الْقصاص لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَة مَالِيَّة فَلَا ينْقض معنى الشَّهَادَة وَأما الْمَنْفَعَة الْمَالِيَّة فَتبْطل معنى الشَّهَادَة من وَجه وَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَتْل بِأَيّ آلَة كَانَ جارحة أَو غير جارحة لِأَن شُهَدَاء أحد قتل بَعضهم بِآلَة غير جارحة ثمَّ إِنَّمَا لَا يغسل فِي هَذِه الْمَوَاضِع إِذا لم يكن الْمَقْتُول مرتثا أما إِذا كَانَ مرتثا فَإِنَّهُ يغسل وَتَفْسِير الارتثاث مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ الَّذِي كَانَ يحمل على أَيدي النَّاس من المعركة قبل أَن يَمُوت أَو يَأْكُل أَو يشرب فِي مَكَانَهُ أَو يُوصي بِدِينِهِ أَو ببنيه طَال الْكَلَام أَو قل حَتَّى روى ابْن سَمَّاعَة وَإِن تكلم بِكَلِمَة وَرُوِيَ فِي رِوَايَة أُخْرَى إِن تكلم زِيَادَة على كلمة وَاحِدَة أَو يُصَلِّي أَو يمْضِي عَلَيْهِ وَقت صَلَاة وَهُوَ يعقل وَيقدر على أَدَاء الصَّلَاة بِالْإِيمَاءِ حَتَّى يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء بِالتّرْكِ أَو يبْقى حَيا يَوْمًا وَلَيْلَة فِي المعركة وَإِن كَانَ لَا يقدر على أَدَاء الصَّلَاة بعد أَن كَانَ عَاقِلا فَهُوَ مرتث وَإِن كَانَ حَيا أقل من يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ عَاقل أَو كَانَ مغمى عَلَيْهِ لَا يعقل فَلَيْسَ بمرتث وَإِن زَاد على يَوْم وَلَيْلَة وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد مثل قَول أبي يُوسُف فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ إِن عَاشَ فِي مَكَانَهُ يَوْمًا كَانَ مرتثا سَوَاء كَانَ عَاقِلا أَو لم يكن وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَلَيْسَ بمرتث وَكَذَلِكَ لم يَجْعَل الْوَصِيَّة ارتثاثا هَكَذَا رُوِيَ عَنهُ مُطلقًا سَوَاء كَانَت الْوَصِيَّة بِأُمُور الدُّنْيَا أَو الْآخِرَة قل أَو كثر وَقَالَ فِي الزِّيَادَات إِن أوصى بِمثل وَصِيَّة سعد بن الرّبيع وَنَحْوهَا ثمَّ مَاتَ لم يغسل وَإِن كثر ذَلِك فِي كَلَامه حَتَّى طَال غسل وَحَاصِل هَذَا أَنه إِذا صَار الْمَقْتُول بِحَال جرى عَلَيْهِ شَيْء من أَحْكَام الدُّنْيَا أَو وصل إِلَيْهِ شَيْء من مَنَافِع الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُوجب نُقْصَان شَهَادَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 ويخرجه عَن صفة شُهَدَاء أحد فسقوط الْغسْل كَرَامَة لَهُم لَا يكون سقوطا فِي حق من هُوَ دونهم فِي معنى الشَّهَادَة وَلِهَذَا غسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن معَاذ وَإِن كَانَ شَهِيدا لما أَنه ارتث لما ذكر من أَحْكَام الدُّنْيَا ومصالحه ثمَّ الشَّهِيد على هَذَا الْوَصْف الَّذِي ذكرنَا إِن كَانَ جنبا يغسل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدنَا لَا يغسل لعُمُوم الحَدِيث الْوَارِد فِي الشُّهَدَاء وَلَكِن أَبَا حنيفَة قَالَ إِنَّه ورد دَلِيل خَاص فِي الْجنب وَهُوَ مَا رُوِيَ أَن حَنْظَلَة غسلته الْمَلَائِكَة بَعْدَمَا اسْتشْهد وَقد كَانَ قتل جنبا فَصَارَ مَخْصُوصًا عَن الحَدِيث الْعَام وَأما الْحَائِض أَو النُّفَسَاء فَإِن قتلت بعد انْقِطَاع الدَّم غسلت عِنْد أبي حنيفَة لِأَن الْغسْل وَجب قبل الْمَوْت كَمَا وَجب بالجنابة وَأما إِذا قتلت قبل انْقِطَاع الدَّم روى أَبُو يُوسُف عَنهُ أَنَّهَا لَا تغسل روى الْحسن عَنهُ أَنَّهَا تغسل وَمن وجد قَتِيلا فِي المعركة لَيْسَ بِهِ أثر الْقَتْل غسل لِأَنَّهُ لَو كَانَ قَتِيلا لظهر بِهِ أثر الْقَتْل فَإِن كَانَ الدَّم خرج من عينه أَو أُذُنه لم يغسل لِأَن خُرُوج الدَّم من هَذِه الْمَوَاضِع من آثَار الْقَتْل ظَاهرا وَإِن خرج من أَنفه أَو ذكره أَو دبره غسل لِأَنَّهُ مُحْتَمل فَلَا يسْقط الْغسْل بِالِاحْتِمَالِ وَإِن خرج الدَّم من جَوْفه لم يغسل لِأَن الظَّاهِر أَن خُرُوجه بِسَبَب الضَّرْب وَقطع الْعرق فَأَما الصَّلَاة على الشَّهِيد فواجبة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام صلى على شُهَدَاء أحد وَلِأَن الشَّهِيد إِن اعْتبر بِمن عظمت دَرَجَته يجب أَن يصلى عَلَيْهِ كالأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَإِن اعْتبر بِسَائِر النَّاس الَّذين لم يُوجد مِنْهُم مَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 سَبَب سُقُوط الْمُوَالَاة يجب أَن يصلى عَلَيْهِ لِأَن شَهَادَته إِن لم توجب زِيَادَة كَرَامَة فَلَا توجب نُقْصَانا بِخِلَاف الْبُغَاة وقطاع الطَّرِيق لأَنهم حَرْب للْمُسلمين وَلَا مُوالَاة بَينهم فَلم يستحقا الصَّلَاة الَّتِي شرعت قَضَاء لحقهم بِسَبَب الْمُوَالَاة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 كتاب الزَّكَاة اعْلَم أَن الزَّكَاة تثبت فرضيتها بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع على مَا ذكرنَا فِي كتاب الصَّلَاة ثمَّ اخْتلف مَشَايِخنَا فِي كَيْفيَّة فرضيتها ذكر مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي عَن أَصْحَابنَا أَنَّهَا على التَّرَاخِي وَكَذَا قَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص أَنَّهَا على التَّرَاخِي وَاسْتدلَّ بِمَسْأَلَة هَلَاك النّصاب بعد التَّأْخِير عَن أول الْحول أَنه لَا يضمن وَلَو وَجَبت على الْفَوْر لوَجَبَ الضَّمَان كتأخير الصَّوْم عَن شهر رَمَضَان وَذكر الْكَرْخِي هَهُنَا أَنَّهَا على الْفَوْر وَذكر فِي الْمُنْتَقى عَن مُحَمَّد أَنَّهَا على الْفَوْر وَحَاصِل الْخلاف أَن الْأَمر الْمُطلق عَن الْوَقْت على الْفَوْر أم على التَّرَاخِي على قَول بعض مَشَايِخنَا على التَّرَاخِي وعَلى قَول بَعضهم على الْفَوْر وَبِه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور الماتريدي وَهَذِه من مسَائِل أصُول الْفِقْه تعرف ثمَّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ اعْلَم أَن مَال الزَّكَاة نَوْعَانِ السوائم وَمَال التِّجَارَة لِأَن من شَرط وجوب الزَّكَاة أَن يكون المَال ناميا وَالسَّمَاء من حَيْثُ الْعين يكون بالاسامة وَمن حَيْثُ الْمَعْنى بِالتِّجَارَة ثمَّ مَال التِّجَارَة نَوْعَانِ الْأَثْمَان الْمُطلقَة وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَمَا سواهُمَا من السّلع غير أَن الْأَثْمَان خلقت فِي الأَصْل للتِّجَارَة فَلَا تحْتَاج إِلَى تعْيين الْعباد للتِّجَارَة بِالنِّيَّةِ فَتجب الزَّكَاة فِيهَا وَإِن لم ينْو التِّجَارَة أَو أمسك للنَّفَقَة فَأَما السّلع فَكَمَا هِيَ صَالِحَة للتِّجَارَة بهَا فَهِيَ صَالِحَة للِانْتِفَاع بِأَعْيَانِهَا بل هُوَ الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ مِنْهَا فَلَا بُد من النِّيَّة حَتَّى تصير للتِّجَارَة إِذا ثَبت هَذَا فنبدأ بِزَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة فَنَقُول لَا يخلوا إِمَّا أَن يكون الْإِنْسَان لَهُ فضَّة مُفْردَة أَو ذهب مُفْرد أَو من الصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا فَإِن كَانَت لَهُ فضَّة مُفْردَة إِن كَانَ نِصَابا وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَم وزنا وزن سَبْعَة يجب عَلَيْهِ خَمْسَة دَرَاهِم ربع عشرهَا اجْتمع شَرَائِط الْوُجُوب وَإِن كَانَ مَا دون ذَلِك لَا يجب لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كتب فِي كتاب الصَّدقَات لعَمْرو بن حزم الرقة لَيْسَ فِيهَا صَدَقَة حَتَّى تبلغ مِائَتَيْنِ فَإِذا بلغت مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم ثمَّ الْفضة مَال الزَّكَاة كَيْفَمَا كَانَت مَضْرُوبَة أَو غير مَضْرُوبَة أَو تبرا أَو حليا يحل اسْتِعْمَالهَا أَو لَا أمْسكهَا للنَّفَقَة أَو لَا نوى التِّجَارَة أَو لم ينْو وَكَذَلِكَ حلية السَّيْف واللجام والسرج وَالْكَوَاكِب الَّتِي فِي الْمَصَاحِف إِذا كَانَت تخلص عِنْد الإذابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الْجيد والرديء نَحْو النقرة السَّوْدَاء وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ إِذا كَانَت حليا يحل لبسهَا كحلي النِّسَاء وخواتيم الْفضة للرِّجَال وَنَحْوهَا لَا زَكَاة فِيهَا فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما روينَا من الحَدِيث من غير فصل هَذَا إِذا كَانَت خَالِصَة أما إِذا كَانَت مختلطة بالغش إِن كَانَ الْغَالِب هُوَ الْفضة فَكَذَلِك الْجَواب لِأَن الْغِشّ مغمور مستهلك فِيهَا وَإِن كَانَ الْغَالِب هُوَ الْغِشّ وَهِي الستوقة إِن لم تكن أثمانا رائجة أَو معدة للتِّجَارَة فَلَا زَكَاة فِيهَا إِلَّا أَن تكون كَثِيرَة يبلغ مَا فِيهَا من الْفضة نِصَابا أما إِذا كَانَت أثمانا رائجة أَو معدة للتِّجَارَة فَإِن تعْتَبر قيمتهَا إِن بلغت نِصَابا من أدنى مَا تجب الزَّكَاة فِيهِ من الدَّرَاهِم الرَّديئَة فَإِنَّهُ تجب فِيهَا الزَّكَاة فَإِنَّهُ روى الْحسن عَن أبي حنيفَة فِيمَن كَانَ عِنْده فلوس أَو دَرَاهِم رصاص أَو نُحَاس مموهة بِحَيْثُ لَا تخلص مِنْهَا الْفضة إِن لم تكن للتِّجَارَة فَلَا زَكَاة فِيهَا وَإِن كَانَت للتِّجَارَة وَقيمتهَا تبلغ مِائَتي دِرْهَم رَدِيئَة فَفِيهَا الزَّكَاة أما الغطارفة فبعض الْمُتَأَخِّرين قَالُوا يجب فِي كل مِائَتَيْنِ مِنْهَا ربع عشرهَا وَهُوَ خسمة مِنْهَا عددا لِأَنَّهَا من أعز الْأَثْمَان فِي دِيَارنَا وَقَالَ السّلف ينظر إِن كَانَت أثمانا رائجة يعْتَبر قيمتهَا بِأَدْنَى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الدَّرَاهِم فَتجب الزَّكَاة فِي قيمتهَا وَإِن لم تكن رائجة فَإِن كَانَت سلعا للتِّجَارَة تعْتَبر قيمتهَا أَيْضا وَإِن لم تكن للتِّجَارَة فَفِيهَا الزَّكَاة بِقدر مَا فِيهَا من الْفضة إِن بلغت نِصَابا أَو بِالضَّمِّ إِلَى مَا عِنْده من مَال التِّجَارَة وَهَذَا هُوَ الْأَصَح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَأما الذَّهَب الْمُفْرد إِن يبلغ نِصَابا وَذَلِكَ عشرُون مِثْقَالا فَفِيهِ نصف مِثْقَال وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَلَا زَكَاة فِيهِ لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لعَلي يَا عَليّ لَيْسَ فِي الذَّهَب زَكَاة مَا لم يبلغ عشْرين مِثْقَالا فَإِذا بلغ عشْرين مِثْقَالا فَفِيهِ نصف مِثْقَال ثمَّ الْجيد والرديء والتبر والمصوغ والمضروب والحلي فِيهِ سَوَاء خلافًا للشَّافِعِيّ فِي الْحلِيّ كَمَا فِي الْفضة وَكَذَلِكَ الحكم فِي الدَّنَانِير الَّتِي الْغَالِب فِيهَا الذَّهَب كالمحمودية وَنَحْوهَا فَأَما الهروية والمروية وَمَا لم يكن الْغَالِب فِيهَا الذَّهَب فَتعْتَبر قيمتهَا إِن كَانَت أثمانا رائجة أَو للتِّجَارَة وَإِلَّا فيتعبر قدر مَا فِيهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وزنا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يخلص بالإذابة فَأَما إِذا زَاد على نِصَاب الذَّهَب أَو الْفضة فَلَا يجب فِي الزِّيَادَة شَيْء عِنْد أبي حنيفَة حَتَّى تبلغ أَرْبَعَة مَثَاقِيل فِي الذَّهَب فَيجب فِيهَا قيراطان وَأَرْبَعين من الدَّرَاهِم فَيجب فِيهَا دِرْهَم وَلَا تجب فِي أقل من ذَلِك وَقَالَ أَبُو يُوسُف ومحمدالشافعي تجب الزَّكَاة فِي الكسور بِحِسَاب ذَلِك وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة لِأَن فِي اعْتِبَار الكسور حرجا بِالنَّاسِ والحرج مَوْضُوع فَأَما إِذا اجْتمع الصنفان فَإِنَّهُ ينظر إِن لم يكن كل وَاحِد مِنْهُمَا نِصَابا أَو كَانَ أَحدهمَا نِصَابا دون الآخر فَإِنَّهُ تجب ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر حَتَّى يكمل النّصاب عندنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يضم لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَتَّى يجوز بيع أَحدهمَا بِالْآخرِ مُتَفَاضلا فَلَا يضم كَمَا فِي السوائم عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُمَا فِي معنى الثمنية وَالتِّجَارَة كشيء وَاحِد فَيجب الضَّم تكميلا للنصاب نظرا للْفُقَرَاء كَمَا فِي مَال التِّجَارَة بِخِلَاف السوائم لِأَن ثمَّة الحكم مُتَعَلق بالصورة وَالْمعْنَى فَلَا يتَحَقَّق تَكْمِيل النّصاب عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس فَأَما إِذا كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا نِصَابا وَلم يكن زَائِدا عَلَيْهِ فَلَا يجب الضَّم بل يَنْبَغِي أَن يُؤَدِّي من كل وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاته وَإِن زَاد على النصابين شَيْء فَإِن كَانَ أقل من أَرْبَعَة مَثَاقِيل أَو أقل من أَرْبَعِينَ درهما فَإِنَّهُ يجب ضم إِحْدَى الزيادتين إِلَى الْأُخْرَى ليتم أَرْبَعِينَ درهما أَو أَرْبَعَة مَثَاقِيل عِنْد أبي حنيفَة لِأَن عِنْده لَا تجب الزَّكَاة فِي الكسور وَعِنْدَهُمَا لَا يجب ضم إِحْدَى الزيادتين إِلَى الْأُخْرَى لِأَن عِنْدهمَا تجب الزَّكَاة فِي الكسور بِحِسَاب ذَلِك وَلَو ضم صَاحب المَال أحد النصابين إِلَى الآخر حَتَّى يُؤَدِّي كُله من الذَّهَب أَو من الْفضة فَلَا بَأْس بِهِ وَلَكِن يجب أَن يكون التَّقْوِيم بِمَا هُوَ أَنْفَع للْفُقَرَاء قدرا ورواجا وَإِلَّا فَيُؤَدِّي من كل وَاحِد ربع عشره وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي كَيْفيَّة الضَّم فَقَالَ أَبُو حنيفَة يضم بِاعْتِبَار الْقيمَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يضم بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء دون التَّقْوِيم وَإِنَّمَا يظْهر الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ قيمَة أَحدهمَا لجودته أَو لصياغته أَزِيد على وَزنه بِأَن كَانَ لَهُ مائَة دِرْهَم وَخَمْسَة دَنَانِير قيمتهَا مائَة دِرْهَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فَعِنْدَ أبي حنيفَة يقوم الدَّنَانِير بِخِلَاف جِنْسهَا دَرَاهِم ويضمها إِلَى الدَّرَاهِم فيكمل نِصَاب الدَّرَاهِم من حَيْثُ الْقيمَة فَيجب خَمْسَة دَرَاهِم نظرا للْفُقَرَاء وعَلى قَوْلهمَا يضم بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء دون التَّقْوِيم فيضم نصف نِصَاب الْفضة إِلَى ربع نِصَاب الذَّهَب فَيكون ثَلَاثَة أَربَاع أنصاب فَلَا يجب فِيهِ شَيْء وَلَو كَانَ مائَة دِرْهَم وَعشرَة دَنَانِير قيمتهَا مائَة وَأَرْبَعُونَ فيضم بِاعْتِبَار الْقيمَة عِنْد أبي حنيفَة فتبلغ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين درهما فَيجب سِتَّة دَرَاهِم وَعِنْدَهُمَا يضم بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء فَيكون نصف نِصَاب الْفضة وَنصف نِصَاب الذَّهَب نِصَابا تَاما فَيجب فِي نصف كل وَاحِد مِنْهُمَا ربع عشرَة فَأَما إِذا كَانَ وزنهما وقيمتهما سَوَاء فَلَا يظْهر الْخلاف فَإِن كَانَ مائَة دِرْهَم وَعشرَة دَنَانِير قيمتهَا مائَة دِرْهَم فَإِنَّهُ تجب الزَّكَاة فِيهِ بالِاتِّفَاقِ على اخْتِلَاف الْأَصْلَيْنِ عِنْده يضم بِاعْتِبَار الْقيمَة وَعِنْدَهُمَا بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء وَلَو كَانَ مائَة دِرْهَم وَخَمْسَة دَنَانِير قيمتهَا خَمْسُونَ لَا تجب الزَّكَاة فِيهَا بِالْإِجْمَاع لِأَن النّصاب لم يكمل بِالضَّمِّ لَا بِاعْتِبَار الْقيمَة وَلَا بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء وَأَجْمعُوا أَنه لَا تعْتَبر الْقيمَة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة عِنْد الِانْفِرَاد فِي حق تَكْمِيل النّصاب حَتَّى إِنَّه إِذا كَانَ لَهُ إبريق فضَّة وَزنه مائَة دِرْهَم وَقِيمَته لصياغته مِائَتَا دِرْهَم لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة بِاعْتِبَار الْقيمَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت آنِية ذهب وَزنهَا عشرَة وَقيمتهَا لصياغتها مِائَتَا دِرْهَم لَا تجب فِيهَا الزَّكَاة بِاعْتِبَار الْقيمَة لِأَن الْجَوْدَة فِي الْأَمْوَال الربوية لَا قيمَة لَهَا عِنْد الِانْفِرَاد وَلَا عِنْد الْمُقَابلَة بجنسها عندنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 خلافًا للشَّافِعِيّ لَكِن أَبَا حنيفَة ضم الدَّرَاهِم إِلَى الدَّنَانِير الَّتِي هِيَ خلاف جِنْسهَا لتظهر قيمَة الْجَوْدَة فيكمل النّصاب من حَيْثُ الْمَعْنى احْتِيَاطًا فِي بَاب الْعِبَادَة ونظرا للْفُقَرَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 بَاب زَكَاة أَمْوَال التِّجَارَة أصل الْبَاب مَا ذكرنَا أَن الْمُعْتَبر فِي بَاب التِّجَارَة معنى الْمَالِيَّة وَالْقيمَة دون الْعين لِأَن سَبَب وجوب الزَّكَاة هُوَ المَال النامي الْفَاضِل عَن الْحَاجة والنماء فِي مَال التِّجَارَة بالاسترباح وَذَلِكَ من حَيْثُ الْمَالِيَّة إِلَّا أَن حَقِيقَة النَّمَاء مِمَّا يتَعَذَّر اعْتِبَاره فأقيمت التِّجَارَة الَّتِي هِيَ سَبَب النَّمَاء مَعَ الْحول الَّذِي هُوَ زمَان النَّمَاء مقَامه فَمَتَى حَال الْحول على مَال التِّجَارَة يكون ناميا فَاضلا عَن الْحَاجة تَقْديرا إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول كل مَا كَانَ من أَمْوَال التِّجَارَة كَائِنا مَا كَانَ من الْعرُوض وَالْعَقار والمكيل وَالْمَوْزُون وَغَيرهَا تجب فِيهِ الزَّكَاة إِذا بلغ نِصَاب الذَّهَب أَو الْفضة وَحَال عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ ربع عشره وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ أَصْحَاب الظَّوَاهِر لَا زَكَاة فِيهَا وَقَالَ مَالك لَا تجب الزَّكَاة فِيهَا مَا دَامَت أعيانا فَإِذا نضت وَصَارَت دَرَاهِم أَو دَنَانِير تجب فِيهَا زَكَاة حول وَاحِد وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لما رُوِيَ عَن شمرة بن جُنْدُب عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يَأْمُرنَا بِإِخْرَاج الزَّكَاة من الرَّقِيق الَّذِي نعده للْبيع وَالْمعْنَى مَا ذكرنَا فِي الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ثمَّ مَا سوى الذَّهَب وَالْفِضَّة إِنَّمَا يصير للتِّجَارَة بِالنِّيَّةِ وَالتِّجَارَة جَمِيعًا حَتَّى إِنَّه إِذا كَانَ لَهُ عرُوض للبذلة والمهنة ثمَّ نوى أَن تكون للتِّجَارَة بعد ذَلِك لَا تصير للتِّجَارَة مَا لم يُوجد مِنْهُ الشِّرَاء بعد ذَلِك بذلك المَال فَيكون بدله للتِّجَارَة فَأَما إِذا كَانَ لَهُ مَال للتِّجَارَة وَنوى أَن يكون للبذلة يخرج عَن التِّجَارَة وَإِن لم يَسْتَعْمِلهُ لِأَن التِّجَارَة عمل مَعْلُوم وَلَا يُوجد بِمُجَرَّد النِّيَّة فَلَا يعْتَبر مُجَرّد النِّيَّة فَأَما إِذا نوى الابتذال فقد ترك التِّجَارَة للْحَال فَتكون النِّيَّة مُقَارنَة لعمل هُوَ ترك التِّجَارَة فاعتبرت النِّيَّة ثمَّ مَال الزَّكَاة يعْتَبر فِيهِ كَمَال النّصاب فِي أول الْحول وَآخره ونقصان النّصاب بَين طرفِي الْحول لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة سَوَاء كَانَ مَال التِّجَارَة أَو الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو السوائم هَذَا عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر يعْتَبر كَمَال النّصاب من أَوله إِلَى آخِره وَالنُّقْصَان فِيمَا بَين ذَلِك يقطع حكم الْحول وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي غير أَمْوَال التِّجَارَة فَأَما فِي مَال التِّجَارَة فَيعْتَبر كَمَا النّصاب فِي آخر الْحول لَا فِي أَوله ووسطه وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ كَمَال النّصاب شَرط وجوب الزَّكَاة فَيعْتَبر حَال انْعِقَاد السَّبَب وَحَال ثُبُوت الحكم وَهُوَ أول الْحول وَآخره ووسط الْحول لَيْسَ حَال انْعِقَاد لسَبَب وَلَا حَال الْوُجُوب فَلَا يجب اشْتِرَاطه فِيهِ فَأَما إِذا هلك النّصاب أصلا بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُ شَيْء يسْتَأْنف الْحول لِأَنَّهُ لم يُوجد شَيْء من النّصاب الْأَصْلِيّ حَتَّى يضم إِلَيْهِ الْمُسْتَفَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَفِي الْفَصْل الأول بعض الأَصْل بَاقٍ فيضم إِلَيْهِ الْمُسْتَفَاد فيتكامل الْحول وَلَو استبدل أَمْوَال التِّجَارَة كلهَا فِي الْحول بِجِنْس آخر لم يَنْقَطِع الْحول وَإِن هلك الْجِنْس الأول لِأَن الأول قَائِم من حَيْثُ الْمَعْنى وَهُوَ الْمَالِيَّة وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير إِذا بَاعهَا بجنسها أَو بِخِلَاف جِنْسهَا أَعنِي الدَّرَاهِم أَو بِالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِع حكم الْحول لِأَن الحكم ثمَّة مُتَعَلق بِالْمَعْنَى أَيْضا وعَلى قَول الشَّافِعِي يَنْقَطِع لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فعلى قَول مذْهبه لَا تجب الزَّكَاة فِي أَمْوَال الصيارفة لوُجُود الِاسْتِبْدَال فِي كل سَاعَة وَأما إِذا بَاعَ السَّائِمَة بالسائمة فَإِن بَاعَ الْجِنْس بِخِلَاف الْجِنْس كَالْإِبِلِ بالبقر يَنْقَطِع الْحول بالِاتِّفَاقِ أما إِذا بَاعَ الْجِنْس بِالْجِنْسِ فَيَنْقَطِع عندنَا خلافًا لزفَر وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الزَّكَاة فِي السوائم تتَعَلَّق بِالْعينِ والأعيان مُخْتَلفَة فَلم يتم الْحول على النّصاب لَا حَقِيقَة وَلَا تَقْديرا ثمَّ إِذا تمّ الْحول على مَال التِّجَارَة فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يقومها حَتَّى يعرف مِقْدَار مَال الزَّكَاة لَكِن عِنْد أبي حنيفَة يقوم بِمَا هُوَ أوفى الْقِيمَتَيْنِ وأنظرهما للْفُقَرَاء من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير كَذَا ذكر هَهُنَا وَذكر فِي كتاب الزَّكَاة وَقَالَ إِن شَاءَ قَومهَا بِالدَّرَاهِمِ وَإِن شَاءَ قَومهَا بِالدَّنَانِيرِ ومشايخنا حملُوا رِوَايَة كتاب الزَّكَاة على مَا إِذا كَانَ لَا يتَفَاوَت النَّفْع فِي حق الْفُقَرَاء بالتقويم بِأَيِّهِمَا كَانَ حَتَّى يكون جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ وَلَكِن كَيْفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يقوم بِأَدْنَى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وروى محمدعن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يقوم الثّمن الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ دَرَاهِم كَانَ أَو دَنَانِير وَإِن كَانَ الثّمن من الْعرُوض يقوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب فِي ذَلِك الْموضع وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِنَّمَا يقوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب فِي ذَلِك الْموضع وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَعَ عرُوض التِّجَارَة ذهب وَفِضة فَإِنَّهُ يضمها إِلَى الْعرُوض وَيقوم جملَة لَكِن على قَول أبي حنيفَة يضمها بِاعْتِبَار الْقيمَة إِن شَاءَ قوم الْعرُوض وَضمّهَا إِلَى الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير وَإِن شَاءَ قوم الذَّهَب وَالْفِضَّة وَضم قيمتهمَا إِلَى قيمَة أَعْيَان التِّجَارَة وَعِنْدَهُمَا يضم بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء فَيقوم الْعرُوض وَيضم قيمتهَا إِلَى مَا عِنْده من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِن بلغت الْجُمْلَة نِصَابا تجب الزَّكَاة وَإِلَّا فَلَا وَلَا يقوم الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير عِنْدهمَا أصلا فِي بَاب الزَّكَاة ثمَّ إِنَّمَا تجب الزَّكَاة فِي مَال الزَّكَاة إِذا لم يكن مُسْتَحقّا بدين مطَالب من جِهَة الْعباد أَو شَيْء مِنْهُ فَأَما إِذا كَانَ مُسْتَحقّا بِهِ فَلَا تجب الزَّكَاة بِقدر الدّين لِأَن المَال الْمُسْتَحق بِالدّينِ مُحْتَاج إِلَيْهِ وَسبب وجوب الزَّكَاة هُوَ المَال الْفَاضِل عَن الْحَاجة الْمعد للنماء وَالزِّيَادَة ثمَّ الدُّيُون على ضَرْبَيْنِ دين يُطَالب بِهِ وَيحبس من جِهَة الْعباد كديون الْعباد حَالَة كَانَت أَو مُؤَجّلَة وَهُوَ يمْنَع لما ذكرنَا من الْمَعْنى وَكَذَلِكَ مهر الْمَرْأَة يمْنَع مُؤَجّلا كَانَ أَو معجلا لِأَنَّهَا إِذا طالبت يُؤَاخذ بِهِ وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِن الْمُؤَجل لَا يمْنَع لِأَنَّهُ غير مطَالب بِهِ عَادَة فَأَما الْمُعَجل فمطالب بِهِ عَادَة فَمنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِن كَانَ الْمُعَجل على عزم من قَضَائِهِ يمْنَع وَإِن لم يكن على عزم الْأَدَاء لَا يمْنَع لِأَنَّهُ لَا يعده دينا والمرء يُؤَاخذ بِمَا عِنْده فِي بَاب الْأَحْكَام وَهَذَا غير صَحِيح فَأَما الزَّكَاة الْوَاجِبَة فِي النّصاب أَو دين الزَّكَاة بِأَن أتلف مَال الزَّكَاة حَتَّى انْتقل من الْعين إِلَى الذِّمَّة فَكل ذَلِك يمْنَع وجوب الزَّكَاة عِنْدهمَا وَقَالَ زفر لَا يمْنَع كِلَاهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وجوب الزَّكَاة فِي النّصاب يمْنَع وَدين الزَّكَاة لَا يمْنَع وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن زَكَاة السوائم مطَالب بهَا حَقِيقَة من جِهَة السُّلْطَان عينا كَانَ أَو دينا وَزَكَاة التِّجَارَة مطَالب بهَا تَقْديرا لِأَن حق الْأَخْذ للسُّلْطَان وَلِهَذَا كَانَ يَأْخُذهَا الإِمَام إِلَى زمن عُثْمَان ثمَّ فوض إِلَى أَرْبَابهَا بِإِجْمَاع الصَّحَابَة لمصْلحَة رَأْي فِي ذَلِك فَيصير أَرْبَاب الْأَمْوَال كالوكلاء عَن السُّلْطَان فَلَا يبطل حق السُّلْطَان عَن الْأَخْذ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِن الإِمَام إِذا علم من أهل بَلْدَة أَنهم يتركون أَدَاء الزَّكَاة من الْأَمْوَال الْبَاطِنَة فَإِنَّهُ يطالبهم بهَا وَلَكِن لَو أَرَادَ الإِمَام أَن يَأْخُذهَا بِنَفسِهِ من غير تُهْمَة التّرْك من أَرْبَابهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِك لما فِيهِ من مُخَالفَة إِجْمَاع الصَّحَابَة وَأما الدُّيُون الَّتِي هِيَ غير مطَالب بهَا من جِهَة الْعباد كديون الله تَعَالَى من النذور وَالْكَفَّارَات وَصدقَة الْفطر وَوُجُوب الْحَج وَنَحْوهَا فَلَا تمنع لِأَنَّهُ لَا يُطَالب بهَا فِي الدُّنْيَا وَهَذَا كُله مَذْهَب أَصْحَابنَا وَقَالَ الشَّافِعِي الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة كَيْفَمَا كَانَ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ثمَّ التَّصَرُّف فِي مَال الزَّكَاة بعد وُجُوبهَا جَائِز كَيْفَمَا كَانَ عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بِقدر الزَّكَاة قولا وَاحِدًا وَفِيمَا زَاد على قدر الْوَاجِب قَولَانِ ثمَّ ينظر عندنَا إِن كَانَ تَصرفا ينْقل الْوَاجِب إِلَى مَحل مثله لَا يضمن الزَّكَاة وَيصير الْمحل الثَّانِي كَالْأولِ فَيبقى الْوَاجِب بِبَقَائِهِ وَيهْلك بهلاكه وَإِن كَانَ تَصرفا لَا ينْقل الْوَاجِب إِلَى مَحل مثله فَإِنَّهُ يضمن لِأَنَّهُ يصير متلفا فَيبقى الضَّمَان فِي الذِّمَّة فَلَا يهْلك الْوَاجِب بِهَلَاك ذَلِك الْبَدَل إِذا ثَبت هَذَا نقُول إِذا كَانَ لَهُ سوائم فَبَاعَهَا بعد الْحول بجنسها أَو بِخِلَاف جِنْسهَا من الْحَيَوَان وَالْعرُوض والأثمان فَإِنَّهُ يضمن وَلَا ينْتَقل الْوَاجِب إِلَى مَا جعله بَدَلا حَتَّى لَا يسْقط بِهَلَاك ذَلِك الْبَدَل لِأَن الْوَاجِب فِي السوائم مُتَعَلق بِالْعينِ صُورَة وَمعنى فَالْبيع يكون إتلافا لَا استبدالا ونقلا فَيضمن وَأما إِذا كَانَ مَال التِّجَارَة فَبَاعَهَا بعد الْحول بِدَرَاهِم أَو بِدَنَانِير أَو بعروض التِّجَارَة أَو مُطلقًا بِمثل قِيمَته أَو بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِي مثله لَا يضمن وَيكون نقلا للْوَاجِب من مَحل إِلَى مثله معنى لِأَن الْمُعْتَبر فِي مَال التِّجَارَة هُوَ معنى الْمَالِيَّة دون الصُّورَة فَيبقى الْوَاجِب بِبَقَائِهِ وَيهْلك بهلاكه وَلَو حابى قدر مَا لَا يتَغَابَن النَّاس فِي مثله يكون زَكَاة مَا حابى دينا فِي ذمَّته وَزَكَاة مَا بَقِي يتَحَوَّل إِلَى الْعين فَيبقى بِبَقَائِهِ ويفوت بفواته وَإِذا بَاعه بِمَال لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة بِأَن بَاعه بعروض وَنوى أَن يكون الْمُشْتَرى للبذلة أَو اسْتَأْجر بِهِ عينا من الْأَعْيَان يضمن لِأَن الْمَنَافِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَإِن كَانَت مَالا وَلَكِن لَيست بِمَال الزَّكَاة لِأَنَّهُ لَا بَقَاء لَهَا وَكَذَلِكَ إِذا بَاعه بالسوائم على أَن يَتْرُكهَا سَائِمَة فَإِنَّهُ يضمن أَيْضا لِأَن زَكَاة التِّجَارَة خلاف زَكَاة السَّائِمَة فَيكون ذَلِك إتلافا وَكَذَلِكَ إِذا أخرجه عَن ملكه بِغَيْر بدل نَحْو الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْوَصِيَّة أَو بدل لَيْسَ بِمَال نَحْو أَن يتَزَوَّج عَلَيْهِ أَو يُصَالح بِهِ عَن دم الْعمد أَو يختلع بِهِ الْمَرْأَة فالزكاة مَضْمُونَة عَلَيْهِ لِأَن هَذَا إِتْلَاف وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَهْلكهُ حَقِيقَة بِالْأَكْلِ وَالشرب واللبس وَنَحْو ذَلِك ثمَّ الْمُسْتَفَاد على ضَرْبَيْنِ متولد من الأَصْل حَاصِل بِسَبَبِهِ كالأولاد والأرباح وَغير متولد مِنْهُ وَلَا حَاصِل بِسَبَبِهِ بل حَاصِل بِسَبَب مَقْصُود فِي نَفسه كالموروث والموهوب والمشترى وَنَحْو ذَلِك وكل ذَلِك على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون مستفادا بعد الْحول وَالثَّانِي أَن يكون مستفادا فِي الْحول وَالْأَصْل فِي الْبَاب أَن الْحول الْمَوْجُود فِي حق الأَصْل كالموجود فِي حق التبع فَكل مُسْتَفَاد هُوَ تبع للْأَصْل تجب فِيهِ الزَّكَاة وَإِلَّا فَلَا إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول أما الْمُسْتَفَاد بعد الْحول فَلَا يضم بِالْإِجْمَاع فِي حق السّنة الْمَاضِيَة وَإِنَّمَا يضم فِي حق الْحول الَّذِي اسْتُفِيدَ فِيهِ لِأَن النّصاب بعد الْحول كالمتجدد حكما لِأَنَّهُ يَتَجَدَّد النَّمَاء بتجدد الْحول والنصاب هُوَ المَال الْمَوْصُوف بالنماء دون مُطلق المَال وَإِذا تجدّد النَّمَاء جعل النّصاب كالمتجدد وَيجْعَل النّصاب الْمَوْجُود فِي الْحول الأول كَالْعدمِ والمستفاد يَجْعَل تبعا للنصاب الْمَوْجُود دون الْمَعْدُوم وَأما الْمُسْتَفَاد فِي الْحول فَإِن كَانَ من خلاف جنسه كَالْإِبِلِ مَعَ الشَّاة وَنَحْوهَا لَا يضم بِالْإِجْمَاع لِأَن الزِّيَادَة تجْعَل تبعا للمزيد عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 من وَجه وَخلاف الْجِنْس لَا يكون زِيَادَة لِأَن الأَصْل لَا يزْدَاد بِهِ وَلَا يتكثر وَأما إِذا كَانَ من جنسه إِن كَانَ حَاصِلا بِسَبَب التفرع والاسترباح فيضم بِالْإِجْمَاع كالأولاد والأرباح لِأَنَّهُ تَابع لِلْأُصُولِ حَقِيقَة وَأما إِذا لم يكن متولدا حَاصِلا بِسَبَبِهِ كالموروث والموهوب وَالْمَيِّت وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يضم عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يضم لِأَنَّهُ أصل ملك بِسَبَب مَقْصُود فَكيف يكون تبعا وَقُلْنَا نَحن هُوَ أصل من هَذَا الْوَجْه وَلَكِن تبع من حَيْثُ أَن الأَصْل يتكثر بِهِ ويزداد وَالزِّيَادَة تبع للمزيد عَلَيْهِ فاعتبرنا جِهَة التّبعِيَّة فِي حق الْحول احْتِيَاطًا لوُجُوب الزَّكَاة ثمَّ إِنَّمَا يضم عندنَا إِذا كَانَ الأَصْل نِصَابا فَأَما إِذا كَانَ أقل مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يضم إِلَيْهِ الْمُسْتَفَاد وَإِن تَكَامل بِهِ النّصاب لِأَن الأَصْل إِذا لم يكن سَبَب الْوُجُوب لقلته فَكيف يتبع الْمُسْتَفَاد إِيَّاه فِي حكمه وَأما الْمُسْتَفَاد إِذا كَانَ ثمن الأَصْل المزكى فَإِنَّهُ لَا يضم إِلَى مَا عِنْده من النّصاب من جنسه عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يضم لما ذكرنَا من الْمَعْنى ف أَبُو حنيفَة يَقُول إِن الثنى حرَام فِي بَاب الزَّكَاة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا ثنى فِي الصَّدَقَة والمستفاد أصل من وَجه تبع من وَجه فَمن حَيْثُ إِنَّه أصل لَا يضم وَمن حَيْثُ إِنَّه تبع يضم فَوَقع التَّعَارُض هُنَا إِن اعْتبر معنى الْوُجُوب بِضَم وَإِن اعْتبر معنى حُرْمَة الثنى لَا يضم فَلَا يضم مَعَ الشَّك بِخِلَاف غَيره من الْمُسْتَفَاد على مَا مر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَصُورَة الْمَسْأَلَة رجل لَهُ خمس من الْإِبِل السَّائِمَة وَمِائَتَا دِرْهَم فتم الْحول على السَّائِمَة وزكاها ثمَّ بَاعهَا بِدَرَاهِم ثمَّ تمّ حول الدَّرَاهِم يضم الثّمن إِلَى الدَّرَاهِم الَّتِي عِنْده ويزكي الْكل عِنْدهمَا وعندأبي حنيفَة يسْتَأْنف لَهَا حول على حِدة وَلَو جعل هَذِه الْإِبِل علوفة بَعْدَمَا زكاها ثمَّ بَاعهَا ثمَّ حَال الْحول على الدَّرَاهِم الَّتِي عِنْده فَإِنَّهُ يضم ثمنهَا إِلَى مَا عِنْده فيزكي الْكل كَذَا ذكر فِي الْكتاب وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا هَذَا قَوْلهمَا فَأَما على قَول أبي حنيفَة فَيجب أَن لَا يضم وَالصَّحِيح أَن هَذَا بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لما جعلهَا علوفة فقد خرجت من أَن تكون مَال الزَّكَاة بِفَوَات وصف النَّمَاء فَجعل كَأَن مَال الزَّكَاة قد هلك وَحدثت عين أُخْرَى من حَيْثُ الْمَعْنى فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الثنى من وَجه وَلَو كَانَ لَهُ عبد للْخدمَة فَأدى صَدَقَة فطره أَو كَانَ طَعَاما أدّى عشره أَو أَرضًا أدّى خراجها ثمَّ بَاعهَا فَإِن الثّمن يضم إِلَى مَا عِنْده بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بذل مَال الزَّكَاة وَهُوَ المَال الْفَاضِل عَن الْحَاجة فَلَا يُؤَدِّي إِلَى شُبْهَة الثنى وَلَو اسْتَفَادَ دَرَاهِم بِالْإِرْثِ أَو الْهِبَة وَعِنْده نصابان أَحدهمَا أَثمَان الْإِبِل المزكاة وَالثَّانِي نِصَاب آخر من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِنَّهُ يضم إِلَى أقربهما حولا فَإِن كَانَ أدّى زَكَاة النّصاب الَّذِي هُوَ غير ثمن الْإِبِل فَإِنَّهُ يضم إِلَى أَثمَان الْإِبِل لِأَنَّهَا أقرب إِلَى الْحول فَكَانَ أَنْفَع للْفُقَرَاء وَلَو أَنه لم يُوهب لَهُ وَلَكِن تصرف فِي النّصاب الأول بَعْدَمَا أدّى زَكَاته وَربح فِيهِ ربحا وَلم يحل حول أَثمَان الْإِبِل المزكاة فَإِن الرِّبْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 يضم إِلَى النّصاب الَّذِي ربح فِيهِ دون أَثمَان الْإِبِل المزكاة وَإِن كَانَ أبعد حولا من الْأَثْمَان بِخِلَاف الأول لِأَنَّهُمَا اسْتَويَا فِي التّبعِيَّة ثمَّة فترجح الْأَقْرَب حولا بِالضَّمِّ إِلَيْهِ نطرا للْفُقَرَاء لما فِيهِ من زِيَادَة النَّفْع وَهنا لم يستويا فِي التّبعِيَّة فَإِنَّهُ تبع لأَحَدهمَا حَقِيقَة فَلَا يقطع حكم التبع عَن الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 بَاب زَكَاة السوائم أصل الْبَاب مَا ذكرنَا أَن سَبَب وجوب الزَّكَاة هُوَ المَال النامي الْفَاضِل عَن الْحَاجة ثمَّ قدر الْفضل والغنى متفاوت فِي نَفسه لَا يعرف حَده بِالرَّأْيِ فجَاء الشَّرْع بِالنّصب لبَيَان مِقْدَار الْغنى الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الْوُجُوب فَوَجَبَ اعْتِبَار التَّوْقِيف فِي النصب على الْوَجْه الَّذِي ورد الشَّرْع بِهِ ثمَّ فِي الْبَاب فصلان أَحدهمَا فِي بَيَان النصب وصفاتها وَالثَّانِي فِي بَيَان قدر الْوَاجِب وَصِفَاته أما الأول فَنَقُول بِأَن نِصَاب السوائم مُخْتَلف فنبدأ بِالْإِبِلِ اتّفقت الْأَحَادِيث إِلَى مائَة وَعشْرين وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع أَن لَا زَكَاة فِي الْإِبِل مَا لم تبلغ خمْسا فَإِذا كَانَت خمْسا فَفِيهَا شَاة إِلَى تسع فَإِذا كَانَت عشرا فَفِيهَا شَاتَان إِلَى أَربع عشرَة فَإِذا كَانَت خمس عشرَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى تسع عشرَة فَإِذا كَانَت عشْرين فَفِيهَا أَربع شِيَاه إِلَى أَربع وَعشْرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فَإِذا كَانَت خمْسا وَعشْرين فَفِيهَا بنت مَخَاض إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَإِذا كَانَت سِتا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت لبون إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَإِذا كَانَت سِتا وَأَرْبَعين فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ فَإِذا كَانَت إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَة إِلَى خمس وَسبعين فَإِذا كَانَت سِتا وَسبعين فَفِيهَا بِنْتا لبون إِلَى تسعين فَإِذا كَانَت إِحْدَى وَتِسْعين فَفِيهَا حقتان إِلَى مائَة وَعشْرين فَأَما إِذا زَادَت الْإِبِل على مائَة وَعشْرين وَاحِدَة فقد اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك إِلَى تَمام الْخمسين فَقَالَ أَصْحَابنَا بِأَنَّهُ نستأنف الْفَرِيضَة ويدار الْحساب على الخمسينات فِي النّصاب وعَلى احقاق فِي الْوَاجِب وَلَكِن بِشَرْط عود مَا قبله من الْوَاجِبَات والأقاوص بِقدر مَا يدْخل فِيهِ بَيَان ذَلِك أَنه إِذا زَادَت الْإِبِل على مائَة وَعشْرين فَلَا يجب فِي الزِّيَادَة شَيْء مَا لم تبلغ خمْسا فَإِذا صَارَت مائَة وخمسا وَعشْرين فَيجب فِيهَا حقتان وشَاة وَفِي مائَة وَثَلَاثِينَ حقتان وشاتان وَفِي مائَة وَخمْس وَثَلَاثِينَ حقتان وَثَلَاث شِيَاه وَفِي مائَة وَخمْس وَأَرْبَعين حقتان وَأَرْبع شِيَاه وَفِي مائَة وَخمْس وَأَرْبَعين حقتان وَبنت مَخَاض إِلَى مائَة وتسع وَأَرْبَعين فَإِذا صَارَت مائَة وَخمسين فَفِيهَا ثَلَاث حقاق فِي كل خمسين حقة ثمَّ تسْتَأْنف الْفَرِيضَة فَلَا يجب فِي أقل من الْخمس شَيْء فَإِذا صَارَت مائَة وخمسا وَخمسين فَفِيهَا ثَلَاث حقاق وشَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 فَإِذا صَارَت مائَة وَسِتِّينَ فَفِيهَا ثَلَاث حقاق وشاتان فَإِذا صَارَت مائَة وخمسا وَسِتِّينَ فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه وَثَلَاث حقاق فَإِذا كَانَت مائَة وَسبعين فَفِيهَا أَربع شِيَاه وَثَلَاث حقاق فَإِذا كَانَت مائَة وخمسا وَسبعين فَفِيهَا ثَلَاث حقاق وَبنت مَخَاض فَإِذا كَانَت مائَة وستا وَثَمَانِينَ فَفِيهَا ثَلَاث حقاق وَبنت لبون فَإِذا كَانَت مائَة وستا وَتِسْعين فَفِيهَا أَربع حقاق إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت عَلَيْهَا تسْتَأْنف الْفَرِيضَة مِثْلَمَا استؤنفت فِي مائَة وَخمسين إِلَى مِائَتَيْنِ فَيدْخل فِيهَا بنت مَخَاض وَبنت لبون وحقة مَعَ الشَّاة وَقَالَ مَالك فِي قَول إِذا زَادَت الْإِبِل على مائَة وَعشْرين وَاحِدَة الْمُصدق بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ مِنْهَا ثَلَاث بَنَات لبون وَإِن شَاءَ تَركهَا حَتَّى بلغ مائَة وَثَلَاثِينَ فَيَأْخُذ مِنْهَا بِنْتي لبون وحقة وَفِي قَول إِذا زَادَت على مائَة وَعشْرين وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَلَيْسَ فِيهَا إِلَى مائَة وَتِسْعَة وَعشْرين شَيْء فَإِذا صَارَت مائَة وَثَلَاثِينَ فَبعد ذَلِك يَجْعَل كل تِسْعَة عفوا وَيجب فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة فيدور الْحساب فِي النصب على الخمسينات والأربعينات وَفِي الْوَاجِب على الحقاق وَبَنَات اللَّبُون وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا فَإِن الْأَحَادِيث قد تَعَارَضَت فقد رُوِيَ اسْتِئْنَاف الْفَرِيضَة كَمَا قُلْنَا وَرُوِيَ كَمَا قَالَا وَلَكِن التَّرْجِيح لما قُلْنَا فَإِنَّهُ مَذْهَب عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَكَانَا من فُقَهَاء الصَّحَابَة وَهَذَا بَاب لَا يجْرِي فِيهِ الْقيَاس والرأي فَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على الِاسْتِقْرَار على الْوَجْه الَّذِي قَالَا من حَيْثُ التَّوْقِيف من النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأما نِصَاب الْبَقر فَنَقُول لَيْسَ فِي أقل من ثَلَاثِينَ من الْبَقر صَدَقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تبيع أَو تبيعة وَلَا شَيْء فِي الزِّيَادَة إِلَى تسع وَثَلَاثِينَ فَإِذا صَارَت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّة وَهَذَا بِلَا خلاف بَين الْأمة فَأَما إِذا زَادَت على الْأَرْبَعين فقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِيهَا عَن أبي حنيفَة ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه تجب مُسِنَّة وَفِي الزِّيَادَة بِحِسَاب ذَلِك يَعْنِي إِن كَانَت الزِّيَادَة وَاحِدَة تجب مُسِنَّة وجزء من أَرْبَعِينَ جُزْءا من مُسِنَّة وَفِي الاثنتين وَأَرْبَعين مُسِنَّة وجزآن من أَرْبَعِينَ جُزْءا من مُسِنَّة وَكَذَلِكَ إِلَى سِتِّينَ على هَذَا الِاعْتِبَار وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يجب فِي الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ خمسين فَإِذا كَانَت خمسين فَفِيهَا مُسِنَّة وَربع مُسِنَّة أَو ثلث تبيع لِأَن الزِّيَادَة عشر وَهِي ثلث وَثَلَاثِينَ وَربع أَرْبَعِينَ فَإِن شَاءَ أعْطى ربع المسنة وَإِن شَاءَ أعْطى ثلث التّبعِيَّة إِلَى سِتِّينَ وروى أَسد بن عَمْرو عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ لَا شَيْء فِي الزِّيَادَة حَتَّى تبلغ سِتِّينَ فَيكون فِيهَا تبيعان أَو تبيعتان وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَهَذِه الرِّوَايَة أعدل لما رُوِيَ عَن معاذأنه قيل لَهُ مَاذَا تَقول فِيمَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى السِّتين من الْبَقر فَقَالَ تِلْكَ أوقاص لَا شَيْء فِيهَا وَأما إِذا زَادَت على السِّتين فَإِنَّهُ يدار الْحساب على الأربعينات والثلاثينات فِي النصب وعَلى الأتبعة والمسنات فِي القريضة وَيجْعَل تِسْعَة بَينهمَا عفوا فَيجب فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع أَو تبيعة وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة فَإِذا كَانَت سبعين فَفِيهَا مُسِنَّة وتبيع وَفِي الثَّمَانِينَ مسنتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَفِي التسعين ثَلَاثَة أتبعة وَفِي الْمِائَة مُسِنَّة وتبيعتان وَفِي الْمِائَة وَالْعشرَة مسنتان وتبيع وَفِي الْمِائَة وَالْعِشْرين ثَلَاث مسنات أَو أَربع أتبعة وعَلى هَذَا الِاعْتِبَار يدار الْحساب وَأما نِصَاب الْغنم فَلَيْسَ فِي أقل من أَرْبَعِينَ شَاة شَيْء فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاة وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ مائَة وَعشْرين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا حَتَّى تبلغ أَرْبَعمِائَة فَإِذا كَانَت أَرْبَعمِائَة فَفِيهَا أَربع شِيَاه ثمَّ فِي كل مائَة شَاة شَاة وَإِن كثرت هَذَا الَّذِي ذكرنَا بَيَان قدر النصب فَأَما بَيَان صفة النّصاب فَهُوَ أَن يكون مَوْصُوفا بالإسامة حَتَّى لَا تجب الزَّكَاة فِي العلوفة والحمولة لما ذكرنَا أَن الزَّكَاة لَا تجب إِلَّا فِي المَال النامي والنماء فِي الْحَيَوَان بالإسامة وَرُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَيْسَ فِي العوامل والحوامل صَدَقَة والسائمة هِيَ الَّتِي تسام فِي البراري لقصد الدّرّ والنسل حَتَّى إِذا أسيمت للْحَمْل وَالرُّكُوب لَا للدر والنسل لَا تجب فِيهَا الزَّكَاة وَكَذَلِكَ إِذا أسيمت للْبيع وَقصد التِّجَارَة لَا للدر والنسل لَا يجب فِيهَا زَكَاة السَّائِمَة عندنَا وَلَكِن تجب فِيهَا زَكَاة التِّجَارَة ثمَّ لَيْسَ الشَّرْط أَن تسام فِي جَمِيع السّنة فِي البراري بل الْمُعْتَبر هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْغَالِب فَإِن كَانَ أَكثر السّنة تسام فِي البراري وتعلف فِي الْأَمْصَار فِي أقل السّنة فَهِيَ سَائِمَة وَمن صِفَات النّصاب أَن يكون الْجِنْس وَاحِدًا كَالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم وَإِن اخْتلفت صفاتها من الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَاخْتلفت أَنْوَاعهَا كالغراب والبخاتي وَالْبَقر والجواميس والضأن والمعز لِأَن اسْم الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم يتَنَاوَل الْكل وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ بَيَان قدر الْوَاجِب وَصِفَاته فَنَقُول أما قدر الْوَاجِب من الْإِبِل فَمَا ذكرنَا من بنت الْمَخَاض وَبنت اللَّبُون والحقة والجذعة وَفِي الْبَقَرَة التبيع والتبيعة والمسنة لما ذكرنَا من الْأَحَادِيث الْمَشْهُور فبنت الْمَخَاض الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا سنة وطعنت فِي السّنة الثَّانِيَة وَبنت اللَّبُون هِيَ الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا سنتَانِ وطعنت فِي الثَّالِثَة والحقة هِيَ الَّتِي تمت لَهَا ثَلَاث سِنِين وطعنت فِي الرَّابِعَة والجذعة هِيَ الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا أَربع سِنِين وطعنت فِي الْخَامِسَة وَهِي أقْصَى سنّ يدْخل فِي بَاب زَكَاة الْإِبِل والتبيع والتبيعة هُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ حول وَطعن فِي الثَّانِيَة والمسنة هِيَ الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا سنتَانِ وطعنت فِي الثَّالِثَة وَهِي أقْصَى مَا يجب من السن فِي الْبَقر أما صفة الشَّاة الْوَاجِبَة فِي الزَّكَاة فقد ذكر فِي كتاب الزَّكَاة من الأَصْل عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يجوز إِلَى الثنى فَصَاعِدا وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ حول وَطعن فِي الثَّانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يجوز الْجذع من الضَّأْن وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ سِتَّة أشهر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَهُوَ قِيَاس مَا ذكره الطَّحَاوِيّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة إِلَّا مَا يجوز فِي الْأُضْحِية والجذع من الضَّأْن يجوز فِي الْأُضْحِية وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة فَإِنَّهُ لَا يجوز من الْمعز إِلَّا الثنى فَكَذَا فِي الضَّأْن وَأَصله حَدِيث عليرضي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَا يجزىء فِي الزَّكَاة إِلَّا الثنى فَصَاعِدا وَلم يرو عَن غَيره خِلَافه فَيكون كالإجماع وَمن صِفَات الْوَاجِب فِي الْإِبِل الْأُنُوثَة حَتَّى لَا يجوز فِيهَا سوى الْإِنَاث وَلَا يجوز الذُّكُور إِلَّا بطرِيق الْقيمَة وَأما فِي الْبَقر فالذكور وَالْإِنَاث سَوَاء بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِمعَاذ فِي كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيع أَو تبيعة وَأما فِي الْغنم فَيجوز فِيهِ عندنَا الذّكر وَالْأُنْثَى وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الذّكر إِلَّا إِذا كَانَت كلهَا ذُكُورا وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْأَحَادِيث وَردت بِلَفْظ الشَّاة وَهُوَ اسْم يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى وَمن صِفَات الْوَاجِب أَيْضا أَن يكون وسطا حَتَّى لَا يكون للساعي أَن يَأْخُذ الْجيد وَلَا الرَّدِيء إِلَّا بطرِيق التَّقْوِيم بِرِضا صَاحب المَال لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ للساعي إياك وكرائم أَمْوَال النَّاس وَخذ من حواشيها وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينه وَبَين الله حجاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فَلَو أَنه لم يُوجد الْوسط فَإِن صَاحب المَال بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دفع قيمَة الْوسط وَإِن شَاءَ دفع الْأَفْضَل واسترد الزِّيَادَة من الدَّرَاهِم وَإِن شَاءَ دفع الأدون مَعَ الزِّيَادَة من الدَّرَاهِم لِأَن دفع الْقيم جَائِز عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَذكر فِي كتاب الزَّكَاة هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالَ الْمُصدق بِالْخِيَارِ وَأَرَادَ بِهِ إِذا رَضِي صَاحب المَال وَإِنَّمَا يكون الْخِيَار للمصدق فِي فصل وَاحِد وَهُوَ أَن صَاحب المَال إِذا وَجب عَلَيْهِ بنت مَخَاض أَو بنت لبون فَأدى بعض سنّ آخر بطرِيق الْقيمَة فالمصدق بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبل وَإِن شَاءَ لم يقبل لِأَن التشقيص فِي الْأَعْيَان عيب هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَ الْكل كبارًا فإمَّا إِذا كَانَت صغَارًا أَو مختلطة بالكبار فَأَما الصغار المفردة فَمن أبي حنيفَة فِيهَا ثَلَاث رِوَايَات روى أَنه يجب فِيهَا مَا يجب فِي الْكِبَار ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ يجب فِيهَا وَاحِد مِنْهَا إِذا بلغت مبلغا يجب فِيهَا وَاحِد من الْكِبَار وَهُوَ خَمْسَة وعشرن فصيلا ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يجب فِيهَا شَيْء وَأخذ بقوله الأول زفر وَهُوَ قَول مَالك وَبِقَوْلِهِ الثَّانِي أَبُو يُوسُف وَبِقَوْلِهِ الثَّالِث مُحَمَّد وَيتَكَلَّم الْفُقَهَاء فِي صُورَة الْمَسْأَلَة فَإِنَّهَا مشكلة لِأَن الزَّكَاة لَا تجب بِدُونِ مُضِيّ الْحول بعد الْحول لم يبْق اسْم الحملان والفصلان والعجاجيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 قَالَ بَعضهم الْخلاف فِي هَذَا أَن الْحول هَل ينْعَقد على الحملان والفصلان والعجاجيل أم لَا بِأَن ملك فِي أول الْحول نِصَابا من هَذِه الصغار ثمَّ تمّ الْحول عَلَيْهَا هَل يجب وَاحِد مِنْهَا وَإِن خَرجُوا عَن الدُّخُول تَحت هَذِه الْأَسْمَاء أَو يعْتَبر انْعِقَاد الْحول من حِين كبروا وَإِن زَالَت صفة الصغر عَنْهُم وَقَالَ بَعضهم الْخلاف فِيمَن كَانَت لَهُ أُمَّهَات فمضت سِتَّة أشهر فَولدت أَوْلَادًا ثمَّ مَاتَت الْأُمَّهَات وَبَقِي الْأَوْلَاد ثمَّ تمّ الْحول عَلَيْهَا وَهِي صغَار هَل تجب الزَّكَاة فِي هَذِه الْأَوْلَاد وعَلى هَذَا إِذا كَانَ لَهُ مسان فاستفاد صغَارًا فِي وسط الْحول ثمَّ هَلَكت المسان وَبَقِي الْمُسْتَفَاد هَل تجب الزَّكَاة فِي الْمُسْتَفَاد فعلى هَذَا الْخلاف وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّد فِي الْكتاب فِيمَن كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ حملا وَوَاحِدَة مُسِنَّة فَهَلَكت المسنة وَتمّ الْحول على الحملان لَا يجب شَيْء عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف يجب وَاحِد مِنْهَا وَعند زفر تجب مُسِنَّة وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لما ذكرنَا من الأَصْل ثمَّ عَن أبي يُوسُف ثَلَاث رِوَايَات أُخْرَى سوى مَا ذكرنَا وَالْمَشْهُور مَا ذكرنَا فَأَما إِذا كَانَ مَعَ الصغار كبار أَو وَاحِد مِنْهَا فَإِنَّهُ يحْتَسب الصغار مَعهَا من النّصاب وَتجب الزَّكَاة فِيهَا مِثْلَمَا تجب فِي الْكِبَار وَهُوَ المسنة وَأَصله حديثعمرأنه قَالَ للساعي عد عَلَيْهِم السخلة وَلَو جَاءَ بهَا الرَّاعِي يحملهَا على كَفه وَلَا تأخذها مِنْهُم ثمَّ فِي حَال اخْتِلَاط الْكِبَار بالصغار تجب الزَّكَاة فِي الصغار تبعا للكبار إِذا كَانَ الْعدَد الْوَاجِب من الْكِبَار مَوْجُودا فِيهَا فِي قَوْلهم جَمِيعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 فَأَما إِذا لم يكن الْعدَد الْوَاجِب كُله مَوْجُودا فَإِنَّهُ يجب بِقدر الْمَوْجُود فَإِنَّهُ إِذا كَانَ لَهُ مسنتان وَمِائَة وَتِسْعَة عشر حملا فَإِنَّهُ تجب فِيهَا مسنتان بِلَا خلاف لِأَن الْعدَد الْوَاجِب وَهُوَ المسنتان مَوْجُود فِي النّصاب وَمثله لَو كَانَ لَهُ مُسِنَّة وَمِائَة وَعِشْرُونَ حملا يجب فِيهَا مُسِنَّة وَاحِدَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف يجب عَلَيْهِ شَاة وَحمل وَأما حكم الْخَيل فَنَقُول لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَت علوفة فِي الْمصر للرُّكُوب وَالْحمل أَو للتِّجَارَة أَو سَائِمَة للرُّكُوب وَالْحمل أَو للغزو وَالْجهَاد أَو سَائِمَة للدر والنسل أما إِذا كَانَت علوفة أَو كَانَت سَائِمَة للْحَمْل وَالرُّكُوب أَو الْجِهَاد فَلَا يجب فِيهَا شَيْء لِأَنَّهَا مَشْغُولَة بحاجته لِأَن قصد الدّرّ والنسل دَلِيل الْفضل عَن الْحَاجة وَلم يُوجد وَإِن كَانَت للتِّجَارَة يجب فِيهَا زَكَاة التِّجَارَة بِالْإِجْمَاع سَوَاء كَانَت تعلف فِي الْمصر أَو تسام فِي البراري فَأَما إِذا كَانَت سَائِمَة للدر والنسل فَإِن كَانَت مختلظة ذُكُورا وإناثا يجب فِيهَا الزَّكَاة عِنْد أبي حنيفَة رِوَايَة وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا زَكَاة فِيهَا وَإِن كَانَت كلهَا إِنَاثًا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة ذكرهمَا الطَّحَاوِيّ وَإِن كَانَت كلهَا ذُكُورا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عَنهُ أَيْضا ذكرهَا مُحَمَّد فِي الْآثَار وَفِي الْمَشْهُور من الرِّوَايَات أَن لَا زَكَاة فِيهَا وَإِذا وَجَبت الزَّكَاة فِيهَا فَيكون صَاحبهَا بِالْخِيَارِ بَين أَن يُعْطي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 كل فرس دِينَارا وَبَين أَن يقومها فَيُؤَدِّي من كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم لَكِن حق الْأَخْذ للساعي لِأَن السَّائِمَة ترعى فِي البراري وَلَا يُمكن حفظ السوائم فِيهَا إِلَّا بحماية السُّلْطَان وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة لما روى جَابر عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ فِي كل فرس سَائِمَة دِينَار وَلَيْسَ فِي الرابطة شَيْء وَأما الْحمير وَالْبِغَال فَلَا يجب فِيهَا شَيْء وَإِن كَانَت سَائِمَة لِأَن الْحمل وَالرُّكُوب هُوَ الْمَقْصُود فِيهَا غَالِبا دون التناسل لَكِنَّهَا تسام فِي غير وَقت الْحَاجة للتَّخْفِيف فِي الْحِفْظ وَدفع مؤونة الْعلف فَأَما إِذا كَانَت للتِّجَارَة فَيجب فِيهَا زَكَاة التِّجَارَة هَذَا الَّذِي ذكرنَا كُله إِذا كَانَت السوائم لوَاحِد أما إِذا كَانَت مُشْتَركَة فعندنا يعْتَبر فِي حَال الشّركَة مَا يعْتَبر فِي حَالَة الِانْفِرَاد فَإِن كَانَ نصيب كل وَاحِد مِنْهُمَا بلغ نِصَابا تجب الزَّكَاة فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ أَسبَاب الإسامة وَاحِدَة يَجْعَل الْكل كَمَال وَاحِد وَهُوَ أَن يكون الرَّاعِي والمرعى وَالْمَاء والمراح وَالْكَلب وَاحِدًا وَيكون المالكان من أهل وجوب الزَّكَاة بَيَان ذَلِك إِذا كَانَ خمس من الْإِبِل بَين شَرِيكَيْنِ لَا تجب فِيهَا الزَّكَاة عندنَا لِأَن نصيب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لَيْسَ بنصاب وَلَو كَانَت عشرا من الْإِبِل بَينهمَا فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة وَعِنْده تجب شَاة فِي الْفَصْل الأول عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَ ثَلَاثُونَ من الْبَقر بَين رجلَيْنِ لَا تجب الزَّكَاة عندنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 لعدم النّصاب فِي حَقه وَعِنْده تجب تبيعة بَينهمَا وَإِن كَانَ أَرْبَعُونَ من الْغنم بَين اثْنَيْنِ لَا يجب شَيْء عندنَا خلافًا لَهُ وَلَو كَانَ لَهما ثَمَانُون يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة عندنَا وَعِنْده جب شَاة وَاحِدَة بَينهمَا كَذَلِك على هَذَا إِذا كَانَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وأموال التِّجَارَة مُشْتَركَة بَين اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يعْتَبر عندنَا نصيب كل وَاحِد على حِدة ثمَّ إِن الْمُصدق إِذا جَاءَ بعد تَمام الْحول فَإِنَّهُ يَأْخُذ الصَّدَقَة من المَال الْمُشْتَرك بَينهمَا إِذا وجد فِيهِ وَاجِبا على اخْتِلَاف الْأَصْلَيْنِ وَلَا ينْتَظر الْقِسْمَة لِأَنَّهُمَا راضيان بذلك لبقائهما على الشّركَة فَإِذا أَخذ ينظر إِن كَانَ مَا أَخذ من مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأَن كَانَ المَال مُشْتَركا بَينهمَا على السوية فَلَا تراجع هَهُنَا لِأَن ذَلِك الْقدر وَاجِب على كل وَاحِد مِنْهُمَا على السوَاء أما إِذا كَانَ المَال مُشْتَركا بَينهمَا على التَّفَاوُت وَالْوَاجِب على أَحدهمَا أَكثر من الآخر أَو الْوَاجِب على أَحدهمَا دون الآخر فَإِنَّهُ يرجع على صَاحبه بِقدر ذَلِك بَيَانه لَو كَانَ ثَمَانُون من الْغنم بَين رجلَيْنِ فَأخذ الْمُصدق مِنْهَا شَاتين فَلَا تراجع لما ذكرنَا أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة وكل شَاة بَينهمَا نِصْفَانِ وَلَو كَانَت الثَّمَانُونَ بَينهمَا أَثلَاثًا وَحَال الْحول فَإِنَّهُ يجب فِيهَا شَاة وَاحِدَة على صَاحب الثُّلثَيْنِ لكَمَال نصابه وَزِيَادَة وَلَا يجب على صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الثُّلُث لنُقْصَان نصِيبه عَن النّصاب فقد أَخذ الْمُصدق ثلث نصِيبه لأجل صَاحب الثُّلثَيْنِ فَلهُ أَن يرجع عَلَيْهِ بِقِيمَة الثُّلُث وَلَو كَانَ الْغنم مائَة وَعشْرين بَين رجلَيْنِ لأَحَدهمَا ثلثاها وَللْآخر ثلثهَا فَإِنَّهُ يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة لِأَن الثَّمَانِينَ لأَحَدهمَا وَالْأَرْبَعِينَ لشَرِيكه فَيَأْخُذ الْمُصدق شَاتين من المَال الْمُشْتَرك وَلِصَاحِب الثُّلثَيْنِ أَن يرجع على صَاحب الثُّلُث بِقِيمَة ثلث شَاة لِأَن الشاتين إِذا كَانَتَا أَثلَاثًا بَينهمَا يكون لصَاحب الثُّلثَيْنِ شَاة وَثلث وَلِصَاحِب الثُّلُث ثلثا شَاة وَقد أَخذ الْمُصدق شَاة كَامِلَة لأجل صَاحب الثُّلُث فقد صَار آخِذا ثلثا من نصيب صَاحب الثُّلثَيْنِ لأجل زَكَاة صَاحب الثُّلُث فَيرجع عَلَيْهِ بذلك وَهَذَا معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا كَانَ بَين الخليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بِالسَّوِيَّةِ هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم الزَّكَاة فِي الْعين فَأَما حكم الزَّكَاة فِي الدّين فَنَقُول الدّين عِنْد ابي حنيفَة على ثَلَاث مَرَاتِب دين قوي وَدين وسط وَدين ضَعِيف فالدين الْقوي هُوَ الَّذِي ملكه بَدَلا عَمَّا هُوَ مَال الزَّكَاة كالدراهم وَالدَّنَانِير وأموال التِّجَارَة وَكَذَا غلَّة مَال التِّجَارَة من العبيد والدور وَنَحْوهَا وَالْحكم فِيهِ أَنه إِذا كَانَ نِصَابا وَتمّ الْحول تجب الزَّكَاة لَكِن لَا يُخَاطب بِالْأَدَاءِ مَا لم يقبض أَرْبَعِينَ درهما فَإِذا قبض أَرْبَعِينَ زكاها وَذَلِكَ دِرْهَم وَإِن قبض أقل من ذَلِك لَا يُزكي وَكَذَلِكَ يُؤَدِّي من كل أَرْبَعِينَ عِنْد الْقَبْض درهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَأما الدّين الْوسط فَهُوَ الَّذِي وَجب بدل مَال لَو بَقِي عِنْده حولا لم تجب فِيهِ الزَّكَاة مثل عبيد الْخدمَة وَثيَاب البذلة وغلة مَال الْخدمَة وَالْحكم فِيهِ أَن عِنْد أبي حنيفَة فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ذكر فِي الأَصْل وَقَالَ تجب فِيهِ الزَّكَاة وَلَا يُخَاطب بِالْأَدَاءِ مَا لم يقبض مِائَتي دِرْهَم فَإِذا قبض الْمِائَتَيْنِ يُزكي لما قبض وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي حنيفَة أَنه لَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يقبض ويحول عَلَيْهِ الْحول بعد ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح عِنْده وَأما الدّين الضَّعِيف فَهُوَ مَا وَجب وَملك لَا بَدَلا عَن شَيْء وَهُوَ دين إِمَّا بِغَيْر فعله كالميراث أَو بِفِعْلِهِ كَالْوَصِيَّةِ أَو وَجب بَدَلا عَمَّا لَيْسَ بِمَال دينا كالدية على الْعَاقِلَة وَالْمهْر وَبدل الْخلْع وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَبدل الْكِنَايَة وَالْحكم فِيهِ أَنه لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة حَتَّى يقبض الْمِائَتَيْنِ ويحول عَلَيْهَا الْحول عِنْده وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الدُّيُون على ضَرْبَيْنِ دُيُون مُطلقَة وديون نَاقِصَة فالناقص هُوَ بدل الْكِنَايَة وَالدية على الْعَاقِلَة وَمَا سواهُمَا فديون مُطلقَة وَالْحكم فِيهَا أَنه تجب الزَّكَاة فِي الدّين الْمُطلق وَلَا يجب الْأَدَاء مَا لم يقبض فَإِذا قبض مِنْهَا شَيْئا قل أَو كثر يُؤَدِّي بِقدر مَا قبض وَفِي الدّين النَّاقِص لَا تجب الزَّكَاة مَا لم يقبض النّصاب ويحول عَلَيْهِ الْحول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وَأما دين السّعَايَة فَلم يذكر فِي كتاب الزَّكَاة الِاخْتِلَاف بَينهمَا وَذكر فِي نَوَادِر الزَّكَاة الِاخْتِلَاف فَقَالَ عِنْد أبي حنيفَة هُوَ دين ضَعِيف وَعِنْدَهُمَا دين مُطلق وَعند الشَّافِعِي الدُّيُون كلهَا سَوَاء وَتجب الزَّكَاة فِيهَا وَالْأَدَاء وَإِن لم يقبض وَأما حكم هَذِه الأبدال إِذا كَانَت عينا أما الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة المعنية إِذا حَال عَلَيْهَا الْحول وَلم يقبضهَا تجب فِيهَا الزَّكَاة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة فَأَما فِي مَال التِّجَارَة والإسامة فَإِن نوى الْوَرَثَة التِّجَارَة أَو الإسامة بعد الْمَوْت تجب وَإِن لم ينووا قَالَ بَعضهم تجب لِأَن الْوَارِث وَالْمُوصى لَهُ خلف الْمَيِّت فَينْتَقل المَال إِلَيْهِمَا على الْوَصْف الَّذِي كَانَ مَا لم يُوجد التَّعْيِين من جهتهما بِأَن وجدت مِنْهُمَا نِيَّة الابتذال والإعلاف وَقَالَ بَعضهم لَا بُد من وجود النِّيَّة لِأَن الْملك قد زَالَ عَن الْمَيِّت حَقِيقَة وتجدد الْملك للْوَارِث وَالْمُوصى لَهُ وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي بدل أَعْيَان البذلة والمهنة وَعبيد الْخدمَة إِذا كَانَ عينا لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة مَا لم ينْو التِّجَارَة عِنْد العقد فَأَما الْمهْر وَبدل مَا لَيْسَ بِمَال فعلى قَول أبي حنيفَة لَا تجب مَا لم يقبض وَلم يحل عَلَيْهِ الْحول وَلم ينْو التِّجَارَة بعد الْقَبْض وعَلى قَوْلهمَا تجب إِذا نوى التِّجَارَة عِنْد العقد لِأَن الْمهْر لَا يصلح نِصَابا عِنْد أبي حنيفَة إِذا كَانَ دينا وَعِنْدَهُمَا يصلح فالعين كَذَلِك لَكِن لَا بُد من نِيَّة التِّجَارَة فِي الْعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَ الدّين مقرا بِهِ وَمن عَلَيْهِ الدّين مُوسِرًا فَأَما الدّين إِذا كَانَ مجحودا بِهِ وَمضى عَلَيْهِ أَحْوَال ثمَّ أقرّ بِهِ وَقَبضه فَلَا تجب الزَّكَاة للسنين الْمَاضِيَة عندنَا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ تجب وَكَذَلِكَ الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَت دَرَاهِم ودنانير مَغْصُوبَة وَكَذَلِكَ إِذا سَقَطت عَن يَد الْمَالِك فَلم يجدهَا سِنِين وَكَذَلِكَ عبيد التِّجَارَة إِذا أَبقوا ثمَّ قدر عَلَيْهِم بعد سِنِين وَكَذَلِكَ الْعَدو إِذا استولوا على الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وأحرزوها بدارهم فعلى الْخلاف بَيْننَا وَبَين الشَّافِعِي وَكَذَلِكَ إِذا دفن فِي غير حرز وَنسي ذَلِك سِنِين ثمَّ تذكره فعلى الْخلاف وَكَذَلِكَ إِذا أودع رجلا مَجْهُولا لَا يعرفهُ مَال الزَّكَاة ثمَّ أَصَابَهُ بعد سِنِين لَا يجب وَأَجْمعُوا أَنه إِذا دفن فِي الْحِرْز من الدّور وَنَحْوهَا ونسيه ثمَّ تذكر فَإِنَّهُ تجب عَلَيْهِ زَكَاة مَا مضى وَكَذَلِكَ إِذا أودع رجلا مَعْرُوفا ثمَّ نَسيَه سِنِين ثمَّ تذكر فَإِنَّهُ يجب بِالْإِجْمَاع ثمَّ فِي المَال الْمَغْصُوب لَا تجب الزَّكَاة عندنَا سَوَاء كَانَت لَهُ بَيِّنَة أَو لم يكن وَكَذَلِكَ المَال المجحود إِذا كَانَ لَهُ بَيِّنَة كَذَا روى هِشَام عَن مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا إِذا كَانَت لَهُ بَيِّنَة تجب فِيهِ الزَّكَاة وَالصَّحِيح رِوَايَة هِشَام لِأَن الْبَيِّنَة قد تقبل وَقد لَا تقبل فَأَما إِذا كَانَ القَاضِي عَالما بِالدّينِ أَو بِالْغَصْبِ فَإِنَّهُ تجب الزَّكَاة لِأَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْأَمْوَال فصاحبه يكون مقصرا فِي الِاسْتِرْدَاد فَلَا يعْذر وَأما الْغَرِيم إِذا كَانَ يقر فِي السِّرّ يُنكر فِي الْعَلَانِيَة فَلَا زَكَاة فِيهِ كَذَا روى الْمُعَلَّى عَن أبي يُوسُف فَأَما إِذا كَانَ الدّين مقرا بِهِ وَلَكِن من عَلَيْهِ الدّين مُعسر فَمضى عَلَيْهِ أَحْوَال ثمَّ أيسر فَقَبضهُ صَاحب الدّين فَإِنَّهُ يُزكي لما مضى عندنَا وروى الْحسن بن زِيَاد أَنه لَا زَكَاة فِيهِ إِلَّا أَنا نقُول إِنَّه مُؤَجل شرعا فَصَارَ كَمَا لَو كَانَ مُؤَجّلا بتأجيل صَاحبه ثمَّ تجب الزَّكَاة كَذَا هَذَا هَذَا إِذا كَانَ مُعسرا لم يقْض عَلَيْهِ بالإفلاس فَأَما إِذا قضى عَلَيْهِ بالإفلاس فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف تجب الزَّكَاة لما مضى إِذا أيسر لِأَن الإفلاس عِنْدهمَا لَا يتَحَقَّق فِي حَال الْحَيَاة وَالْقَضَاء بِهِ بَاطِل وعَلى قَول مُحَمَّد لَا تجب لِأَن الْقَضَاء بالإفلاس عِنْده صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 بَاب من يوضع فِيهِ الصَّدَقَة مسَائِل الْبَاب مَبْنِيَّة على معرفَة من يجوز وضع الزَّكَاة فِيهِ وعَلى معرفَة ركن الزَّكَاة وشرائط الْأَدَاء أما بَيَان من يجوز وضع الزَّكَاة فِيهِ فَهُوَ الَّذِي استجمع شَرَائِط مِنْهَا الْفقر فَإِنَّهُ لَا يجوز صرف الزَّكَاة إِلَى الْأَغْنِيَاء لقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} أَمر بِالصرْفِ إِلَى الْأَصْنَاف الثَّمَانِية وَذكر هَؤُلَاءِ لبَيَان محلية الصّرْف بِاعْتِبَار الْحَاجة لَا بطرِيق الِاسْتِحْقَاق إِلَّا أَن النَّص صَار مَنْسُوخا فِي حق الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم عندنَا وَأما الْعَامِل فِيمَا يعْطى لَهُ فَهُوَ أجر عمله لَا بطرِيق الزَّكَاة فَإِنَّهُ يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يُعْطي السَّاعِي مِقْدَار مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي أعوانه وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُعْطي الْعَامِل الْغَنِيّ وَلِهَذَا إِن صَاحب المَال إِذا حمل الزَّكَاة بِنَفسِهِ إِلَى الإِمَام فَإِنَّهُ لَا يُعْطي العاملين على الصَّدقَات من ذَلِك شَيْئا وَلِهَذَا قُلْنَا إِن حق الْعَامِل فِيمَا فِي يَده من الصَّدقَات حَتَّى لَو هلك مَا فِي يَده من الصَّدقَات تسْقط أجرته وَهُوَ كَنَفَقَة الْمضَارب فِي مَال الْمُضَاربَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 إِذا هلك مَال الْمضَارب سَقَطت نَفَقَته وَلَكِن للعمالة شُبْهَة الصَّدَقَة فَيحرم فِي حق بني هَاشم كَرَامَة لَهُم وَإِن كَانَ لَا يحرم على الْعَامِل الْغَنِيّ وَقَالَ الشَّافِعِي يجب الصّرْف إِلَى الْأَصْنَاف الثَّمَانِية إِلَى ثَلَاثَة من كل صنف لِأَنَّهُ لَا يُمكن القَوْل بالاستيعاب وَاخْتلف أَصْحَابه فِي سهم الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَبَعْضهمْ قَالُوا صَار مَنْسُوخا بِالْإِجْمَاع وَبَعْضهمْ قَالُوا يصرف إِلَى كل من كَانَ حَدِيث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ مِمَّن هُوَ فِي مثل حَالهم فِي الشَّوْكَة وَالْقُوَّة حَتَّى يكون حملا لأمثالهم على الدُّخُول فِي دين الْإِسْلَام ثمَّ كَمَا لَا يجوز صرف الزَّكَاة إِلَى أَغْنِيَاء لَا يجوز صرف جَمِيع الصَّدقَات الْمَفْرُوضَة الْوَاجِبَة إِلَيْهِم وَذَلِكَ نَحْو الْكَفَّارَات الْمَفْرُوضَة وَالْعشر الْمَفْرُوض بِكِتَاب الله وَصدقَة الْفطر وَالصَّدقَات الْمَنْذُور بهَا من الْوَاجِبَات لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي وَكَذَا لَا يجوز صرف الصَّدقَات الْوَاجِبَة إِلَى ولد الْغَنِيّ إِذا كَانَ صَغِيرا وَإِذا كَانَ كَبِيرا يجوز لِأَن الصَّغِير يعد غَنِيا بِمَال أَبِيه بِخِلَاف الْكَبِير وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يجوز الدّفع إِلَى امْرَأَة الْغَنِيّ إِذا كَانَت فقيرة وَكَذَلِكَ إِلَى الْبِنْت الْكَبِيرَة الفقيرة لَغَنِيّ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف لِأَن الزَّوْج لَا يدْفع جَمِيع حوائج الزَّوْجَة وَالْبِنْت الْكَبِيرَة وَكَذَا لَا يجوز الدّفع إِلَى عبد الْغَنِيّ ومدبره وَأم وَلَده إِذا لم يكن عَلَيْهِم دين مُسْتَغْرق لرقابهم لِأَن أكسابهم ملك الْمولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَكَذَا إِن كَانَ عَلَيْهِم دين لَكِن غير ظَاهر فِي حق الْمولى حَتَّى يكون مُؤَخرا إِلَى مَا بعد الْعتاق وَأما إِذا كَانَ ظَاهرا فِي حق الْمولى كَدين الِاسْتِهْلَاك وَدين التِّجَارَة يَنْبَغِي أَن يجوز على قَول أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا يملك كَسبه عِنْده إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق ظَاهر فِي حَقه وعَلى قَوْلهمَا لَا يجوز لِأَنَّهُ يملك كَسبه عِنْدهمَا وَيجوز الدّفع إِلَى مكَاتب الْغَنِيّ لِأَن الْمكَاتب أَحَق بمكاسبه من الْمولى وَأما صَدَقَة الْأَوْقَاف فَيجوز صرفهَا إِلَى الْأَغْنِيَاء إِذا سماهم الْوَاقِف فَأَما إِذا لم يسمهم فَلَا يجوز لِأَنَّهَا صَدَقَة وَاجِبَة فَأَما صَدَقَة التَّطَوُّع فَيجوز صرفهَا إِلَى الْغَنِيّ وَتحل لَهُ وَتَكون بِمَنْزِلَة الْهِبَة لَهُ ثمَّ الْغنى أَنْوَاع ثَلَاثَة أَحدهَا الْغنى الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الزَّكَاة وَهُوَ أَن يملك نِصَابا من المَال الْفَاضِل عَن الْحَاجة الْمَوْصُوف بالنماء وَالزِّيَادَة إِمَّا بالأسامة أَو التِّجَارَة وَالثَّانِي الْغنى الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ حرمَان الصَّدَقَة وَيتَعَلَّق بِهِ وجوب صَدَقَة الْفطر وَالْأُضْحِيَّة دون وجوب الزَّكَاة وَهُوَ أَن يملك من الْأَمْوَال الفاضلة عَن حَوَائِجه مَا تبلغ قِيمَته مِائَتي دِرْهَم بِأَن كَانَ لَهُ ثِيَاب وفرش ودور وحوانيت ودواب زِيَادَة على مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للابتذال لَا للتِّجَارَة والأسامة ثمَّ مِقْدَار مَا يحْتَاج إِلَيْهِ مَا ذكر أَبُو الحسنفي كِتَابه فَقَالَ لَا بَأْس بِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 يُعْطي من الزَّكَاة من لَهُ مسكن وخدم وَمَا يتأثث بِهِ فِي منزله وَفرس وَسلَاح وَثيَاب الْبدن وَكتب الْعلم إِن كَانَ من أَهله مَا لم يكن لَهُ فضل عَن ذَلِك مِائَتَا دِرْهَم وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز دفع الصَّدَقَة إِلَى رجل لَيْسَ لَهُ مَال كثير وَلَا كسب لَهُ وَهُوَ يخَاف الْحَاجة وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ لَهُ خَمْسُونَ درهما لَا يجوز دفع الصَّدَقَة إِلَيْهِ وَلَا يحل لَهُ الْأَخْذ وَالثَّالِث الْغنى الَّذِي يحرم بِهِ السُّؤَال وَلَا يحرم الْأَخْذ وَلَا الدّفع من غير سُؤال قَالَ بَعضهم خَمْسُونَ درهما وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء إِذا ملك قوت يَوْمه وَمَا يستر بِهِ عَوْرَته فَلَا يحل لَهُ السُّؤَال فَأَما إِذا لم يكن فَلَا بَأْس بِهِ وَأما الْفَقِير إِذا كَانَ قَوِيا مكتسبا فَيحل بِهِ أَخذ الصَّدَقَة وَلَا يحل لَهُ السُّؤَال وَعند الشَّافِعِي لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة وَالشّرط الآخر أَن لَا يكون الْفَقِير من بني هَاشم وَلَا من مواليهم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تحل الصَّدَقَة لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد وَكَذَا حرم الصَّدَقَة على موَالِي بني هَاشم وَقَالَ إِن مولى الْقَوْم من أنفسهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَالشّرط الْأُخَر هُوَ الْإِسْلَام وَهُوَ شَرط فِي حق وجوب الزَّكَاة وَالْعشر بِالْإِجْمَاع حَتَّى لَا يجوز صرفهما إِلَى الْكفَّار وَأما صرف مَا وَرَاء الزَّكَاة وَالْعشر إِلَى فُقَرَاء أهل الذِّمَّة فَجَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد نَحْو صَدَقَة الْفطر وَالصَّدَََقَة الْمَنْذُورَة وَالْكَفَّارَات وَلَكِن الصّرْف إِلَى الْمُسلمين أولى وَعَن أبي يُوسُف ثَلَاث رِوَايَات وَالأَصَح أَنه لَا يجوز صرف صَدَقَة مَا إِلَيْهِم إِلَّا التَّطَوُّع وَأما الْحَرْبِيّ فَلَا يجوز صرف صَدَقَة مَا إِلَيْهِ وَالشّرط الآخر أَن لَا يكون مَنَافِع الْأَمْلَاك مُتَّصِلَة بَين صَاحب المَال وَبَين الْمَدْفُوع إِلَيْهِ لِأَن الْوَاجِب هُوَ التَّمْلِيك من الْغَيْر من كل وَجه فَإِذا كَانَت الْمَنَافِع بَينهمَا مُتَّصِلَة عَادَة فَيكون صرفا إِلَى نَفسه من وَجه فَلَا يجوز بَيَان ذَلِك أَنه لَو دفع الزَّكَاة إِلَى الْوَالِدين وَإِن علوا أَو إِلَى المولودين وَإِن سفلوا لَا يجوز لاتصال مَنَافِع الْأَمْلَاك بَينهم وَلِهَذَا لَا تقبل شَهَادَة بَعضهم لبَعض وَلَو دفع إِلَى سَائِر الْأَقَارِب سواهُم من الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَغَيرهم جَازَ لانْقِطَاع الْمَنَافِع بَينهم من حَيْثُ الْغَالِب وَلِهَذَا تقبل شَهَادَة بَعضهم لبَعض وَلَو دفع إِلَى الزَّوْج أَو الزَّوْجَة لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة لما قُلْنَا من اتِّصَال الْمَنَافِع بَينهم من حَيْثُ الْغَالِب وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 للزَّوْجَة أَن تدفع إِلَى زَوجهَا الْفَقِير وَلَا يجوز للزَّوْج أَن يدْفع إِلَى زَوجته الفقيرة وَلَو دفع إِلَى عبيده أَو مدبريه أَو أُمَّهَات أَوْلَاده لَا يجوز سَوَاء كَانَ عَلَيْهِم دين أَو لم يكن لِأَنَّهُ صرف إِلَى نَفسه من وَجه وَكَذَلِكَ إِذا دفع إِلَى مكَاتبه لَا يجوز وَإِن كَانَ الْملك يَقع للْمكَاتب لِأَنَّهُ من وَجه يَقع للْمولى وَأما صَدَقَة التَّطَوُّع فَيجوز صرفهَا إِلَى هَؤُلَاءِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام نَفَقَة الرجل على نَفسه صَدَقَة وعَلى عِيَاله صَدَقَة وكل مَعْرُوف صَدَقَة وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حَالَة الِاخْتِيَار وَهُوَ أَن يكون للدافع علم بهؤلاء عِنْد الدّفع فَأَما إِذا دفع الزَّكَاة إِلَى هَؤُلَاءِ وَلم يعلم بحالهم فَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يخْطر بِبَالِهِ شَيْء أَنه غَنِي أَو فَقير مُسلم وذمي وَنَحْو ذَلِك وَدفع بنية الزَّكَاة فَالْأَصْل هُوَ الْجَوَاز إِلَّا إِذا ظهر أَنه غَنِي أَو أَبوهُ أَو ابْنه أَو ذمِّي بِيَقِين فَحِينَئِذٍ لَا يجوز لِأَن الظَّاهِر أَنه صرف الصَّدَقَة إِلَى محلهَا حَيْثُ نوى الزَّكَاة وَالظَّاهِر لَا يبطل إِلَّا بِالْيَقِينِ وَلِهَذَا إِذا خطر بِبَالِهِ بعد ذَلِك وَشك فِي ذَلِك وَلم يظْهر لَهُ شَيْء فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْإِعَادَة لِأَن الظَّاهِر لَا يبطل بِالشَّكِّ وَالثَّانِي إِذا خطر بِبَالِهِ وَشك فِي ذَلِك وَلم يتحر وَلم يطْلب دَلِيل الْفقر بِأَن لم يسْأَل عَنهُ أَنه غَنِي أَو فَقير وَنَحْو ذَلِك وَدفع إِلَيْهِ أَو تحرى بِقَلْبِه وَلَكِن لم يطْلب دَلِيل الْفقر فَالْأَصْل هُوَ الْفساد إِلَّا إِذا ظهر بِيَقِين أَو بِدَلِيل من حَيْثُ الْغَالِب أَنه فَقير فَحِينَئِذٍ يجوز لِأَنَّهُ وَجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 عَلَيْهِ التَّحَرِّي فِي هَذِه الْحَالة وَالصرْف إِلَى فَقير وَقع عَلَيْهِ التَّحَرِّي فَإِذا ترك فَلم يُوجد الصّرْف إِلَى من أَمر بِالصرْفِ إِلَيْهِ فَيكون فَاسِدا إِلَّا إِذا ظهر أَنه فَقير أَو أَجْنَبِي بِيَقِين وَنَحْوه فَيجوز لِأَنَّهُ بَطل الظَّاهِر بِالْحَقِيقَةِ وَالثَّالِث إِذا خطر بِبَالِهِ وَشك وتحرى وَطلب دَلِيل الْفقر وَسَأَلَ الْمَدْفُوع إِلَيْهِ فَأخْبر أَنه فَقير أَو رَآهُ فِي صف الْفُقَرَاء أَو كَانَ عَلَيْهِ زِيّ الْفُقَرَاء أَو كَانَ ضريرا أَو مَعَه ركوة وعصا فَدفع إِلَيْهِ ثمَّ ظهر أَنه غَنِي أَو دفع فِي لَيْلَة مظْلمَة إِلَى رجل يُخبرهُ أَنه أَجْنَبِي أَو مُسلم ثمَّ ظهر أَنه أَبوهُ أَو ابْنه أَو ذمِّي فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْإِعَادَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِي الْفُصُول كلهَا وعَلى قَول أبي يُوسُف يلْزمه الْإِعَادَة وَأَجْمعُوا أَنه إِذا ظهر أَنه حَرْبِيّ أَو حَرْبِيّ مستأمن فَإِنَّهُ لَا يجوز وَكَذَا إِذا ظهر أَنه عَبده أَو مكَاتبه أَو مدبره هَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وروى مُحَمَّد بن شُجَاع عَن أبي حنيفَة فِي غير الْغَنِيّ أَنه لَا يجوز وَيلْزمهُ الْإِعَادَة كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما ركن الزَّكَاة فَهُوَ إِخْرَاج جُزْء من النّصاب من حَيْثُ الْمَعْنى إِلَى الله تَعَالَى وَالتَّسْلِيم إِلَيْهِ وَقطع يَده عَنهُ بالتمليك من الْفَقِير وَالتَّسْلِيم إِلَيْهِ أَو إِلَى من هُوَ نَائِب عَنهُ وَهُوَ السَّاعِي وَصَاحب المَال نَائِب عَن الله فِي التَّسْلِيم إِلَى الْفُقَرَاء قَالَ الله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة} والإيتاء هُوَ التَّمْلِيك هَذَا الَّذِي ذكرنَا قَول أبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَأما على قَوْلهمَا فَالْوَاجِب جُزْء من النّصاب من حَيْثُ الصُّورَة وَالْمعْنَى لَكِن يجوز إِقَامَة غَيره مقَامه من حَيْثُ الْمَعْنى وَيبْطل اعْتِبَار الصُّورَة بِإِذن صَاحب الْحق وَهُوَ الله تَعَالَى وَأما فِي زَكَاة السوائم فقد اخْتلف مَشَايِخنَا فِي قَول أبي حنيفَة بَعضهم قَالُوا إِنَّه يجب صرف جُزْء من النّصاب من حَيْثُ الْمَعْنى وَذكر الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِخِلَاف جنس النّصاب للتقدير وَبَعْضهمْ قَالُوا الْوَاجِب هُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ من حَيْثُ الْمَعْنى لَا جُزْء من النّصاب وَعند الشَّافِعِي الْوَاجِب هُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ من الْأَسْنَان مُطلقًا لَا جُزْء من النّصاب وَبَيَان هَذَا فِي الْمسَائِل على قَول أَصْحَابنَا يجوز دفع الْقيم والأبدال فِي بَاب الزَّكَاة الْعشْر وَالْخَرَاج وَصدقَة الْفطر وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز وَلَو هلك النّصاب بعد الْحول أَو بعضه إِن كَانَ قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء من غير تَفْرِيط فَلَا شَيْء عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع فَأَما إِذا تمكن من الْأَدَاء وفرط حَتَّى هلك فَكَذَلِك الْجَواب عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يسْقط وَأَجْمعُوا أَنه إِذا أتلف مَال الزَّكَاة فَإِنَّهُ يضمن قدر الزَّكَاة لِأَن الْوَاجِب عندنَا تمْلِيك جُزْء من مَحل معِين هُوَ النّصاب إِمَّا من حَيْثُ الْمَعْنى عِنْد أبي حنيفَة أَو من حَيْثُ الصُّورَة وَالْمعْنَى عِنْدهمَا وَلَا يبْقى الْوُجُوب بعد هَلَاك الْمحل كَالْعَبْدِ الْجَانِي إِذا مَاتَ سقط وجوب الدّفع لكَون الْمحل مُتَعَيّنا لوُجُوب الدّفع فَلَا يبْقى وَاجِبا بعد فَوَاته كَذَا هَهُنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَإِذا أتلف يضمن لِأَنَّهُ أتلف حَقًا مُسْتَحقّ الْأَدَاء عَلَيْهِ فَصَارَ كالمولى إِذا أتلف العَبْد الْجَانِي فَأَما فِي السوائم إِذا جَاءَ السَّاعِي وطالب الزَّكَاة فَمنع حَتَّى هلك فَذكر الشيخأبو الْحسن الكرخيأنه يجب الضَّمَان لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ صَار متلفا بِمَنْزِلَة الْمُودع إِذا منع الْوَدِيعَة بعد الطّلب حَتَّى هَلَكت يضمن كَذَا هَذَا وَعَن أبي سهل الزجاجيأنه لَا يضمن وَالْأول أصح وَلَو صرف الزَّكَاة إِلَى بِنَاء الْمَسْجِد والرباطات وَإِصْلَاح القناطر وتكفين الْمَوْتَى ودفنهم لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يُوجد التَّمْلِيك وَكَذَلِكَ إِذا اشْترى بِالزَّكَاةِ طَعَاما وَأطْعم الْفُقَرَاء غداء وعشاء وَلم يدْفع إِلَيْهِم عين الطَّعَام فَإِنَّهُ لَا يجور لِأَنَّهُ لم يُوجد التَّمْلِيك وَكَذَلِكَ لَو قضى دين ميت فَقير بنية الزَّكَاة لَا يجوز وَأما إِذا قضى دين حَيّ فَقير فَإِذا قضى بِغَيْر أمره يكون مُتَبَرعا وَلَا يَقع عَن الزَّكَاة وَإِن قضى بأَمْره فَإِنَّهُ يَقع عَن الزَّكَاة وَيصير وَكيلا فِي قبض الصَّدَقَة عَن الْفَقِير وَالصرْف إِلَى قَضَاء دينه فقد وجد التَّمْلِيك من الْفَقِير فَيجوز وَكَذَا لَو اشْترى بِزَكَاتِهِ رَقِيقا فاعتقله لَا تسْقط الزَّكَاة لِأَنَّهُ إِسْقَاط وَلَيْسَ بِتَمْلِيك وَلَو دفع زَكَاة مَاله إِلَى الإِمَام أَو إِلَى عَامل الصَّدَقَة فَإِنَّهُ يجوز لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْفَقِير فِي الْقَبْض وَكَذَلِكَ من تصدق على صبي أَو مَجْنُون وَقبض لَهُ وليه أَبوهُ أَو جده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أَو وَصِيّه جَازَ لِأَن قبض الْوَلِيّ كقبضه وَلَو قبض عَنْهُمَا بعض ذَوي أرحامه وَلَيْسَ ثمَّة أقرب مِنْهُ وَهُوَ فِي عِيَاله جَازَ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيّ الَّذِي هُوَ فِي عِيَاله بِمَنْزِلَة الْوَلِيّ فِي قبض الصَّدَقَة لِأَن هَذَا من بَاب النَّفْع وَكَذَلِكَ الْمُلْتَقط يَصح مِنْهُ قبض الصَّدَقَة فِي حق اللَّقِيط وَذكر فِي الْعُيُون عَن أبي يُوسُف أَن من عَال يَتِيما فَجعل يكسوه ويطعمه وَيَنْوِي بِهِ عَن زَكَاة مَاله قَالَ يجوز وَقَالَ مُحَمَّد مَا كَانَ من كسْوَة يجوز وَمَا كَانَ من طَعَام لَا يجوز إِلَّا مَا دفع إِلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَينهمَا فِي الْحَقِيقَة فَإِن أَبَا يُوسُف لم يرد إِلَّا الْإِطْعَام على طَرِيق الْإِبَاحَة وَلَكِن على وَجه التَّمْلِيك إِن كَانَ الْيَتِيم عَاقِلا يدْفع إِلَيْهِ وَإِن لم يكن عَاقِلا يقبض عَنهُ بطرِيق النِّيَابَة ثمَّ يطعمهُ ويكسوه لِأَن قبض الْوَلِيّ كقبضه وَأما شَرَائِط الْأَدَاء فَمِنْهَا أَن يكون الْأَدَاء على الْوَجْه الَّذِي وَجب عَلَيْهِ من حَيْثُ الْوَصْف فَإِن كَانَ فِي السوائم يُؤدى الْوسط إِمَّا عينه أَو مثله من حَيْثُ الْقيمَة حَتَّى لَو أدّى الرَّدِيء لَا يجوز عَن الْكل إِنَّمَا يَقع بِقدر قِيمَته وَلَو أدّى الْجيد جَازَ لِأَنَّهُ أدّى الْوَاجِب وَزِيَادَة وَلَو أدّى شَاة سَمِينَة جَيِّدَة عَن شَاتين وسطين جَازَ لِأَن الْجَوْدَة فِي غير أَمْوَال الرِّبَا مُتَقَومَة فبقدر الْوسط يَقع عَن نَفسه وَقدر قيمَة الْجَوْدَة يَقع عَن شَاة أُخْرَى وَكَذَا هَذَا فِي الْعرُوض إِذا كَانَت للتِّجَارَة إِن أدّى ربع عشرهَا يجوز إِن كَانَ رديئا فرديء وَإِن كَانَ جيدا فجيد فَإِن أدّى الْقيمَة فَإِنَّهُ يُؤَدِّي قِيمَته من كل وَجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَلَو أدّى الرَّدِيء مَكَان الْجيد لَا يجوز لِأَن الْجَوْدَة مُتَقَومَة فِي هَذَا الْبَاب وَلِهَذَا لَو أدّى الثَّوْب الْجيد عَن الثَّوْبَيْنِ الرديئين جَازَ فَأَما إِذا كَانَ مَال الزَّكَاة من أَمْوَال الرِّبَا كالكيلي والوزني فَإِن أدّى ربع عشر النّصاب يجوز كَيْفَمَا كَانَ وَإِن أدّى غَيره فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن أدّى زَكَاته من جنسه أَو من خلاف جنسه فَإِن أدّى من خلاف جنسه كَمَا إِذا أدّى الْفضة عَن الذَّهَب أَو الْحِنْطَة عَن الشّعير فَإِنَّهُ يُؤَدِّي قدر قيمَة الْوَاجِب بِلَا خلاف وَلَو أدّى النَّقْص مِنْهَا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ التَّكْمِيل لِأَن الْجَوْدَة فِي أَمْوَال الرِّبَا مُعْتَبرَة مُتَقَومَة عِنْد الْمُقَابلَة بِخِلَاف الْجِنْس فَأَما إِذا كَانَ الْمُؤَدى من جنس النّصاب فقد اخْتلفُوا فِيهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف الْمُعْتَبر هُوَ الْقدر دون الْقيمَة وَقَالَ الْمُعْتَبر هُوَ الْقيمَة دون الْقدر وَقَالَ مُحَمَّد الْمُعْتَبر مَا هُوَ الأنفع للْفُقَرَاء فَإِن كَانَ اعْتِبَار الْقيمَة أَنْفَع فَقَوله مثل قَول زفر وَإِن كَانَ اعْتِبَار الْقدر أَنْفَع فَقَوله مثل قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف بَيَان ذَلِك أَن من وَجب عَلَيْهِ أَدَاء خَمْسَة أَقْفِزَة من حِنْطَة جَيِّدَة فِي مِائَتي قفيز حِنْطَة جَيِّدَة للتِّجَارَة بعد حولان الْحول فَأدى خَمْسَة أَقْفِزَة رَدِيئَة يجوز على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف اعْتِبَارا للقدر وَلَا يضمن قيمَة الْجَوْدَة لِأَنَّهُ لَا قيمَة لَهَا فِي أَمْوَال الرِّبَا عِنْد مقابلتها بجنسها وعَلى قَول مُحَمَّد وَزفر عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي قيمَة الْجَوْدَة اعْتِبَارا للقيمة عِنْد زفر واعتبارا للأنفع فِي حق الْفُقَرَاء عِنْد مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهُ قلب فضَّة أَو إِنَاء مصبوغ من فضَّة وَزنه مِائَتَا دِرْهَم وَقِيمَته لجودته وصياغته ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَأدّى خَمْسَة زُيُوفًا أَو نبهرجة أَو فضَّة رَدِيئَة قيمتهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ يجوز وَتسقط عَنهُ الزَّكَاة فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لوُجُود الْقدر وَعند مُحَمَّد وَزفر عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف دِرْهَم ويصرفه إِلَى تَمام الْقيمَة لما ذكرنَا من الْأَصْلَيْنِ وَأما إِذا أدّى زَكَاته من الذَّهَب أَو من مَال لَيْسَ من جنس الْفضة فَإِن عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت وَهِي سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف لِأَن الْجَوْدَة متفوقة فِي أَمْوَال الرِّبَا عِنْد مقابلتها بِخِلَاف الْجِنْس بِمَنْزِلَة الْجَوْدَة فِي غير أَمْوَال الرِّبَا وَإِن وَجب على رجل خَمْسَة أَقْفِزَة رَدِيئَة أَو خَمْسَة دَرَاهِم رَدِيئَة فَأدى أَرْبَعَة أَقْفِزَة جَيِّدَة قيمتهَا خَمْسَة أَقْفِزَة رَدِيئَة وَأَرْبَعَة دَرَاهِم جَيِّدَة قيمتهَا خَمْسَة دَرَاهِم رَدِيئَة فَإِنَّهُ يجوز عَن أَرْبَعَة دَرَاهِم وَأَرْبَعَة أَقْفِزَة وَعَلِيهِ قفيز وَاحِد وَدِرْهَم آخر عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد أما عِنْدهمَا فاعتبارا للقدر وَهُوَ نَاقص وَأما عِنْد مُحَمَّد فَلِأَن عِنْده الْمُعْتَبر هُوَ الْقدر إِذا كَانَ أَنْفَع للْفُقَرَاء وَاعْتِبَار الْقدر هَهُنَا أَنْفَع وعَلى قولزفريجوز عَن الْخَمْسَة اعْتِبَارا للقيمة وعَلى هَذَا نَظَائِر الْمسَائِل وَمن شَرَائِط الْأَدَاء النِّيَّة فَإِن الزَّكَاة عبَادَة فَلَا تصح من غير النِّيَّة لَكِن يشْتَرط النِّيَّة فِي أَي وَقت ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه لَا تجزىء الزَّكَاة عَمَّن أخرجهَا إِلَّا بنية قارنة مُخَالطَة لإخراجها إِيَّاهَا كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاة وَلَكِن مَشَايِخنَا قَالُوا يعْتَبر فِي أحد وَقْتَيْنِ وَقت الدّفع أَو وَقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 تَمْيِيز قدر الزَّكَاة عَن النّصاب حَتَّى يكون الْأَدَاء بِنَاء على نِيَّة صَحِيحَة وَلَو دفع خَمْسَة إِلَى رجل وَأمره أَن يدْفع إِلَى الْفُقَرَاء عَن زَكَاة مَاله وَدفع ذَلِك الرجل وَلم ينْو عِنْد الدّفع جَازَ لِأَن الْمُعْتَبر نِيَّة الْأَمر وَهُوَ الْمُؤَدِّي فِي الْحَقِيقَة والمأمور نَائِب عَنهُ وَلَو دفع إِلَى ذمِّي ليدفعها إِلَى الْفُقَرَاء جَازَ لوُجُود النِّيَّة من الْأَمر الْمُسلم وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجب الزَّكَاة على الصّبيان والمجانين لِأَن الْأَدَاء لَا يَصح مِنْهُم لِأَنَّهُ عبَادَة فَلَا تتأدى بِدُونِ النِّيَّة وَالِاخْتِيَار والطفل وَالْمَجْنُون لَا اخْتِيَار لَهما وَالصَّبِيّ الْعَاقِل عقله عدم فيحق التَّصَرُّفَات الضارة وَلَو مَاتَ من عَلَيْهِ الزَّكَاة قبل الْأَدَاء فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن أوصى بِالْأَدَاءِ أَو لم يوص فَإِن لم يوص فَإِنَّهُ تسْقط عَنهُ الزَّكَاة وَلَا يُؤمر الْوَصِيّ وَالْوَارِث بِالْأَدَاءِ من مَاله عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي تُؤْخَذ من تركته وعَلى هَذَا الِاخْتِلَاف إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ صَدَقَة الْفطر وَالْخَرَاج والجزية وَالنُّذُور وَالْكَفَّارَات والنفقات لَا يسْتَوْفى من تركته عندنَا وَعند الشَّافِعِي يسْتَوْفى وَأما الْعشْر فَإِن كَانَ الْخَارِج قَائِما لَا يسْقط بِالْمَوْتِ فِي ظَاهر الرِّوَايَة وروى عبد الله بن الْمُبَارك عَن أبي حنيفَة أَنه يسْقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَأما إِذا اسْتهْلك الْخَارِج حَتَّى صَار دينا فِي ذمَّته فَهُوَ على هَذَا الِاخْتِلَاف وَأما إِذا أوصى بِالْأَدَاءِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي من ثلث مَاله عندنَا وَعند الشَّافِعِي من جَمِيع مَاله لِأَن عِنْده الزَّكَاة حق الْفُقَرَاء فَصَارَ كَسَائِر الدُّيُون وَلنَا طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن الزَّكَاة عبَادَة وَالْأَدَاء من الْمَيِّت لَا يتَحَقَّق وَلم يُوجد مِنْهُ الْإِيصَاء والإنابة حَتَّى يكون أَدَاء النَّائِب كأدائه وَالْعِبَادَة لَا تتأدى إِلَى بالإنابة الشَّرْعِيَّة وَالثَّانِي أَن هَذِه الْأَشْيَاء وَجَبت بطرِيق الصِّلَة والصلات تسْقط بِالْمَوْتِ قبل التَّسْلِيم وَأما الْعشْر فقد ثَبت مُشْتَركا وَلَو امْتنع من عَلَيْهِ الزَّكَاة عَن الْأَدَاء فَإِن السَّاعِي لَا يَأْخُذ مِنْهُ الزَّكَاة جبرا وَلَو أَخذ لَا يَقع عَن الزَّكَاة عندنَا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَهُ أَن يَأْخُذ من النّصاب جبرا وَيَقَع عَن الزَّكَاة لِأَن الزَّكَاة عبَادَة عندنَا فَلَا بُد من الْأَدَاء مِمَّن عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى تحصل الْعِبَادَة وَلَكِن عندنَا للساعي أَن يجْبرهُ على الْأَدَاء بِالْحَبْسِ فيؤديه بِنَفسِهِ لِأَن الْإِكْرَاه لَا يُنَافِي الِاخْتِيَار فَيتَحَقَّق الْفِعْل عَن اخْتِيَاره فَيجوز وَلَو عجل زَكَاة مَاله وَدفع إِلَى الْفُقَرَاء بنية الزَّكَاة جَازَ عندنَا خلافًا لمَالِك وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه استسلف من الْعَبَّاس زَكَاة عَاميْنِ ثمَّ عندنَا كَمَا يجوز تَعْجِيل الزَّكَاة عَن النّصاب الْمَوْجُود للْحَال يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 عَن نصب كَثِيرَة لم تُوجد بعد إِن كَانَ فِي ملكه نِصَاب وَاحِد بِأَن كَانَ عِنْده مِائَتَا دِرْهَم فَعجل زَكَاة الْألف أَو أَكثر يجوز عندنَا وقالزفر لَا يجوز وَإِنَّمَا يجوز التَّعْجِيل عندنَا بشرائط ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يكون مَالِكًا للنصاب فِي أول الْحول وَالثَّانِي أَن يكون النّصاب كَامِلا فِي آخر الْحول أَيْضا وَالثَّالِث أَن يكون فِي وسط الْحول بعض النّصاب الَّذِي انْعَقَد عَلَيْهِ الْحول أَو كُله مَوْجُودا وَلَا يشْتَرط كَمَاله لِأَن أول الْحول وَقت انْعِقَاد سَبَب الْوُجُوب وَآخره وَقت الْوُجُوب فَأَما كَمَال النّصاب فِي وسط الْحول فَلَيْسَ بِشَرْط لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقت الْوُجُوب وَلَا وَقت انْعِقَاد السَّبَب لَكِن لَا بُد من بَقَاء بعض النّصاب الأول حَتَّى يَصح ضم الْمُسْتَفَاد إِلَيْهِ على مَا مر بَيَان ذَلِك أَن من كَانَ عِنْده فِي أول الْحول مائَة دِرْهَم أَو أَربع من الْإِبِل السَّائِمَة ثمَّ اسْتَفَادَ مَا يكمل بِهِ فِي آخر الْحول لَا يجب وَلَو كَانَ عِنْده فِي أول الْحول مِائَتَا دِرْهَم فَعجل خَمْسَة مِنْهَا وَلم يستفد شَيْئا حَتَّى حَال الْحول فَإِن مَا عجل لَا يكون زَكَاة وَلَكِن يكون تَطَوّعا لِأَنَّهُ لم يُوجد كَمَال النّصاب وَقت الْوُجُوب وَلَو اسْتَفَادَ خَمْسَة فِي وسط الْحول ثمَّ حَال الْحول وَعِنْده مِائَتَا دِرْهَم فَإِن الْمُعَجل يكون زَكَاة لوُجُود كَمَال النّصاب فِي أَوله وَآخره وَلَو اسْتَفَادَ مَا يكمل بِهِ النّصاب فِي أول الْحول الثَّانِي وَتمّ الْحول الثَّانِي والنصاب كَامِل فَإِن الْمُعَجل لَا يكون زَكَاة عَن الْحول الثَّانِي لِأَنَّهُ عجل الزَّكَاة عَن الْحول الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَلَو كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَم فعجلها كلهَا عَن الزَّكَاة أَو أدّى الْبَعْض وَهلك الْبَاقِي ثمَّ اسْتَفَادَ نِصَابا آخر وَتمّ الْحول فَإِن الْمُعَجل لَا يَقع عَن الزَّكَاة لِأَنَّهُ لم يبْق شَيْء من النّصاب الأول فِي وسط الْحول فَانْقَطع الْحول وَلَو عجل زَكَاة مَاله إِلَى الْفَقِير ثمَّ هلك النّصاب كُله أَو بعضه وَلم يستفد شَيْئا يكمل بِهِ النّصاب حَتَّى تمّ الْحول فَإِنَّهُ لَا يرجع على الْفَقِير لِأَنَّهُ وَقع أصل الْقرْبَة وَإِنَّمَا التَّوَقُّف فِي صفة الْفَرْضِيَّة فَلَا يَصح الرُّجُوع وَلَو دفع الْمُعَجل إِلَى السَّاعِي ثمَّ هلك النّصاب كُله فَلهُ أَن يَأْخُذهُ لِأَنَّهُ لم يصل إِلَى يَد الْفَقِير بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 بَاب مَا يمر بِهِ على الْعَاشِر الْمَار على الْعَاشِر أَصْنَاف ثَلَاثَة الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَالْحَرْبِيّ أما المسلمفيؤخذ مِنْهُ ربع الْعشْر على وَجه الزَّكَاة حَتَّى تسْقط عَنهُ زَكَاة تِلْكَ السّنة وَيُوضَع مَوضِع الزَّكَاة إِلَّا أَنه ثَبت حق الْأَخْذ لعاشر لأجل الحماية لِأَن الْأَمْوَال فِي المفاوز لَا تحفظ إِلَّا بِقُوَّة السُّلْطَان فَتَصِير بِمَنْزِلَة السوائم وَإِذا كَانَ الْمَأْخُوذ زَكَاة فَيشْتَرط شَرَائِط الزَّكَاة من الْأَهْلِيَّة وَكَون المَال ناميا فَاضلا عَن الْحَاجة حَتَّى لَا يَأْخُذ من مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون ربع الْعشْر وَكَذَا لَا يَأْخُذ إِذا لم يحل عَلَيْهِ الْحول وَكَذَا إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين لَا يَأْخُذ وَلَا يَأْخُذ إِذا لم يكن المَال للتِّجَارَة وَيقبل قَوْله فِي دَعْوَى الدّين وَفِي دَعْوَاهُ أَنه لم يحل عَلَيْهِ الْحول وَإنَّهُ لَيْسَ بِمَال التِّجَارَة كَمَا فِي الزَّكَاة سَوَاء إِلَّا إِذا اتهمه الْعَاشِر فيحلفه لِأَن حق الْأَخْذ لَهُ فَيكون القَوْل قَول الْمُنكر مَعَ يَمِينه وَكَذَا لَا يَأْخُذ من الْمكَاتب لَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة وَكَذَا إِذا قَالَ هَذِه بضَاعَة لفُلَان لَا يَأْخُذ مِنْهُ لِأَن الْمَالِك مَا أمره بأَدَاء الزَّكَاة وَإِنَّمَا أمره بِالتَّصَرُّفِ لَا غير وَكَذَلِكَ الْمضَارب وَالْعَبْد الْمَأْذُون إِذا مرا على الْعَاشِر بِمَال الْمُضَاربَة وَمَال الْمولى لَا يَأْخُذ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لم يؤمرا بأَدَاء الزَّكَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير إِذا مر الْمضَارب وَالْعَبْد الْمَأْذُون بِمَال أَخذ مِنْهُ الزَّكَاة فِي قَول أبي حنيفَة الأول قَالَ أَبُو يُوسُف ثمَّ رَجَعَ فِي المضاربين وَقَالَ لَا يَأْخُذ مِنْهُ وَلَا أعلمهُ رَجَعَ فِي العَبْد الْمَأْذُون أم لَا وَلَكِن رُجُوعه فِي الْمضَارب رُجُوع فِي العَبْد الْمَأْذُون وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يعشرهما وَالأَصَح أَن لَا يعشرهما لِأَنَّهُمَا أمرا بِالْحِفْظِ وَالتَّصَرُّف لَا بأَدَاء الزَّكَاة وَلَو قَالَ معي أقل من النّصاب وَعِنْدِي فِي الْبَلَد مَا يكمل بِهِ النّصاب فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ مِنْهُ لِأَن حق الْأَخْذ لَهُ بِاعْتِبَار الحماية وَمَا دون النّصاب تَحت حمايته لَا كل النّصاب وَفِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة لكَمَال النّصاب وَإِذا مر على الْعَاشِر فِي الْحول أَكثر من مرّة وَاحِدَة لَا يَأْخُذ إِلَّا مرّة وَاحِدَة لِأَن الْوَاجِب زَكَاة وَهِي لَا تَتَكَرَّر فِي الْحول وَلَو قَالَ الْمُسلم للعاشر أدّيت الزَّكَاة إِلَى عَاشر غَيْرك وَفِي السّنة عَاشر غَيره أَو قَالَ دفعتها إِلَى الْمَسَاكِين فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين كَالْمُودعِ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَا يقبل قَوْله إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَرَاءَة من ذَلِك الْعَاشِر وَأما الذِّمِّيّ إِذا مر على الْعَاشِر فَالْجَوَاب فِيهِ وَفِي الْمُسلم سَوَاء فِي جَمِيع ذَلِك لِأَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ باسم الزَّكَاة إِلَّا أَنه يُؤْخَذ مِنْهُ نصف الْعشْر اسْتِدْلَالا بِصَدقَة بني تغلب لما كَانَ يُؤْخَذ مِنْهُم باسم الزَّكَاة يُؤْخَذ نصف الْعشْر فَهَذَا كَذَلِك وَأما الحربيون فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُم مِثْلَمَا يَأْخُذُونَ من الْمُسلمين وَإِن كَانَ لَا يعلم ذَلِك يُؤْخَذ مِنْهُم الْعشْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وأصل هَذَا مَا رُوِيَ عنعمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كتب إِلَى العشار وَقَالَ خُذُوا من الْمُسلم ربع الْعشْر وَمن الذِّمِّيّ نصف الْعشْر وَمن الْحَرْبِيّ الْعشْر وَرُوِيَ أَنه قَالَ خُذُوا مِنْهُم مَا يَأْخُذُونَ من تجارنا فَقيل لَهُ إِن لم نعلم مَا يَأْخُذُونَ من تجارنا قَالَ خُذُوا الْعشْر ثمَّ مَا يُؤْخَذ مِنْهُم فِي معنى الْجِزْيَة والمؤونة لَا باسم الصَّدَقَة حَتَّى يصرف فِي مصارف الْجِزْيَة وَلَا يشْتَرط أَن يكون المَال للتِّجَارَة وَلَا فَارغًا عَن الدّين وَلَا يشْتَرط حولان الْحول وَلَو قَالَ هَذَا المَال بضَاعَة لَا يقبل قَوْله وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أدّيت إِلَى عَاشر آخر لَا يقبل لِأَن الْمَأْخُوذ مِنْهُم أُجْرَة الحماية وَقد وجدت الحماية وَكَذَا لَا يصدق فِي جَمِيع مَا يصدق فِيهِ الذِّمِّيّ وَالْمُسلم إِلَّا فِي فصل وَاحِد وَهُوَ أَن يَقُول هَذِه الْجَارِيَة أم وَلَدي وَهَذَا الْغُلَام وَلَدي فَإِنَّهُ يقبل لِأَن النّسَب يثبت فِي دَار الْحَرْب وَكَذَلِكَ يُؤْخَذ الْعشْر من مَال الصَّبِي الْحَرْبِيّ وَالْمَجْنُون الْحَرْبِيّ وَلَو دخل الْحَرْبِيّ دَار الْإِسْلَام بِأَمَان فعشر ثمَّ دخل دَار الْحَرْب ثمَّ خرج فِي ذَلِك الْحول مرّة أُخْرَى أَو مرَارًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ فِي كل مرّة لِأَنَّهُ يَسْتَفِيد عصمَة جَدِيدَة فِي كل مرّة وَلَو مر التَّاجِر على الْعَاشِر بِمَا لَا يبْقى حولا من الرطاب والخضرة وَالثِّمَار الرّطبَة فَإِنَّهُ لَا يعشره عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يعشره وَالصَّحِيح قَوْله لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَيْسَ فِي الخضراوات صَدَقَة وَهَذَا النَّص وَلِأَن فِي هَذِه الْأَشْيَاء لَا يحْتَاج إِلَى الحماية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 غَالِبا لِأَن السراق وقطاع الطَّرِيق لَا يقطعون الطَّرِيق لأجل الْخضر وَلَا يَأْخُذُونَ إِلَّا بِقدر مَا يُؤْكَل فِي الْحَال فَلَا يجب فِيهَا المؤونة مَقْصُودا وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير أَن الذِّمِّيّ إِذا مر على الْعَاشِر بالخمور والخنازير يعشر الْخُمُور دون الْخَنَازِير وقالأبو يُوسُف يعشرهما جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا أَمْوَال عِنْدهم وعندأبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا تعشر الْخَنَازِير وَقَول أبي يُوسُف أظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 بَاب الْعشْر وَالْخَرَاج فِي الْبَاب فُصُول بَيَان الأَرْض العشرية والخراجية وَبَيَان مَا يجب فِيهِ الْعشْر وَأَن النّصاب هَل هُوَ شَرط أم يجب فِي الْقَلِيل وَالْكثير وَبَيَان سَبَب وجوب الْعشْر وَالْخَرَاج وَبَيَان الْمحل الَّذِي يجب فِيهِ الْعشْر وَالَّذِي فِيهِ نصف الْعشْر أما بَيَان الْأَرَاضِي فَنَقُول الْأَرَاضِي نَوْعَانِ عشرِيَّة وخراجية فالعشرية خَمْسَة أَنْوَاع أَحدهَا أَرض الْعَرَب فَكلهَا عشرِيَّة وَالثَّانِي كل أَرض أسلم أَهلهَا طَوْعًا فَهِيَ عشرِيَّة وَالثَّالِث الْأَرَاضِي الَّتِي فتحت عنْوَة وقهرا وَقسمت بَين الْغَانِمين فَهِيَ عشرِيَّة لِأَن الأَرْض لَا تَخْلُو عَن المؤونة فَكَانَت الْبدَاءَة بالعشر فِي حق الْمُسلمين أولى لما فِيهِ من شُبْهَة الْعِبَادَة وَالرَّابِع الْمُسلم إِذا اتخذ دَاره بستانا أَو كرما فَهِيَ عشرِيَّة لِأَنَّهَا مِمَّا يبتدىء عَلَيْهَا المؤونة فالعشر أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وَالْخَامِس الْمُسلم إِذا أحيى الْأَرَاضِي الْميتَة بِإِذن الإِمَام وَهِي من تَوَابِع الْأَرَاضِي العشرية أَو تسقى بِمَاء الْعشْر وَهُوَ مَاء السَّمَاء وَمَاء الْعُيُون المستنبط من الْأَرَاضِي العشرية فَهِيَ عشرِيَّة وَأما الْأَرَاضِي الخراجية فسواد الْعرَاق كلهَا خَرَاجِيَّة وكل أَرض فتحت عنْوَة وقهرا وَتركت على أَيدي أَرْبَابهَا وَمن عَلَيْهِم الإِمَام فَإِنَّهُ يضع الْجِزْيَة على أَعْنَاقهم إِذا لم يسلمُوا وَالْخَرَاج على أراضيهم إِذا أَسْلمُوا أَو لم يسلمُوا وَكَذَلِكَ إِذا جلاهم وَنقل إِلَيْهَا آخَرين فَالْجَوَاب كَذَلِك وَالْمُسلم إِذا أحيى أَرضًا ميتَة وَهِي تسقى بِمَاء الْخراج فَهِيَ خَرَاجِيَّة وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ إِذا أحيى أَرضًا ميتَة بِإِذن الإِمَام أَو رضخ لَهُ أَرضًا فِي الْغَنِيمَة إِذا قَاتل مَعَ الْمُسلمين وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ إِذا اتخذ دَاره بستانا فَإِنَّهُ تكون خَرَاجِيَّة وَأما الذِّمِّيّ إِذا اشْترى من مُسلم أَرض الْعشْر فَإِنَّهَا تصير خَرَاجِيَّة عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ عشران وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ عشر وَاحِد وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة لِأَن الْعشْر وَالْخَرَاج شرعا لمؤونة الْأَرَاضِي فَمن كَانَ أَهلا لأَدَاء الْعشْر يوضع عَلَيْهِ الْعشْر وَمن لم يكن يوضع عَلَيْهِ الْخراج فَأَما الذِّمِّيّ إِذا اشْترى أَرض الْمُسلم وَهُوَ لَيْسَ من أهل الْعشْر يجب أَن تنْقَلب خَرَاجِيَّة وَالْمُسلم إِذا اشْترى من الذِّمِّيّ أَرضًا خَرَاجِيَّة لَا تنْقَلب عشرِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 لِأَن الْمُسلم من أهل وجوب الْخراج فِي الْجُمْلَة وَالْأَصْل أَن مؤونة الأَرْض لَا تغير من حَالهَا إِلَّا لضَرُورَة وَفِي حق الذِّمِّيّ ضَرُورَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل وجوب الْعشْر وَلَو اشْترى التغلبي أَرض عشر من مُسلم فَعَلَيهِ عشران عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ عشر وَاحِد وَأما بَيَان الْمحل الَّذِي يجب فِيهِ الْعشْر فَنَقُول اخْتلفُوا فِيهِ قالأبو حنيفَة كل خَارج من الأَرْض يقْصد بزراعته نَمَاء الأَرْض وَالْغلَّة ويستنبت فِي الجنات يجب فِيهِ الْعشْر سَوَاء كَانَت لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة كالحنطة وَالشعِير وَسَائِر الْحُبُوب وَالزَّبِيب وَالتَّمْر أَو لم يكن لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة كأصناف الْفَاكِهَة الرّطبَة أَو من الخضراوات والرطاب والرياحين وقصب الذريرة وقصب السكر وقوائم الْخلاف الَّتِي تقطع فِي كل ثَلَاث سِنِين وَغير ذَلِك فَأَما إِذا كَانَ من جنس لَا يستنبت فِي الأَرْض وَلَا يقْصد بالزراعة كالطرفاء والقصب الْفَارِسِي والحطب والحشيش وَالسَّعَف والتبن فَلَا عشر فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجب الْعشْر إِلَّا فِي الْحُبُوب وَمَاله ثَمَرَة بَاقِيَة ثمَّ النّصاب هَل هُوَ شَرط لوُجُوب الْعشْر فِيمَا هُوَ بَاقٍ من الْحُبُوب وَالثِّمَار أم لَا على قولأبي حنيفَة لَيْسَ بِشَرْط بل يجب فِي قَلِيله وَكَثِيره وعَلى قولهمالا يجب مَا لم يكن خَمْسَة أوسق والوسق سِتُّونَ صَاعا كل صَاع ثَمَانِيَة أَرْطَال وَالصَّحِيح مَا قالهأبو حنيفَة لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض} وَلما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ فِيمَا سقته السَّمَاء الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بغرب أَو دالية نصف الْعشْر وَأما بَيَان الْمحل الَّذِي يجب فِيهِ الْعشْر وَمَا يجب فِيهِ نصف الْعشْر فَنَقُول مَا سقِِي بِمَاء السَّمَاء والأنهار والعيون العشرية يجب فِيهِ الْعشْر وَمَا سقِِي بغرب أَو دالية أَو سانية يجب فِيهِ نصف الْعشْر لما روينَا من الحَدِيث وَلَو أَن الزَّرْع يسقى فِي بعض السّنة سيحا وَفِي بَعْضهَا بدالية فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ أَكثر الْمدَّة وَالْغَالِب وَأما بَيَان سَبَب وجوب الْعشْر وَالْخَرَاج فَنَقُول سَبَب وجوب الْعشْر هُوَ الأَرْض النامية بالخارج حَقِيقَة وَسبب وجوب الْخراج هُوَ الأَرْض النامية بالخارج حَقِيقَة أَو تَقْديرا وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْخَارِج إِذا أَصَابَته آفَة فَهَلَك لَا يجب الْعشْر إِن كَانَت الأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 عشرِيَّة وَلَا الْخراج إِن كَانَت خَرَاجِيَّة لفَوَات النَّمَاء حَقِيقَة وتقديرا وَلَو كَانَت لَهُ أَرض عشرِيَّة وَتمكن من زراعتها وَلم يزرع لَا يجب عَلَيْهِ الْعشْر لِأَنَّهُ لم يُوجد الْخَارِج حَقِيقَة وَلَو كَانَت الأَرْض خَرَاجِيَّة وَتمكن من زراعتها وَلم يزرع يجب عَلَيْهِ الْخراج لوُجُود الْخَارِج تَقْديرا وعَلى هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِن الْعشْر وَالْخَرَاج لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرض وَاحِدَة بل إِن كَانَت عشرِيَّة يجب فِيهَا الْعشْر وَإِن كَانَت خَرَاجِيَّة يجب الْخراج وَقَالَ الشَّافِعِي يَجْتَمِعَانِ وَلَو اسْتَأْجر أَرضًا عشرِيَّة وزرعها فالعشر على الْأجر عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا على الْمُسْتَأْجر لِأَن الْعشْر يجب فِي الْخَارِج وَهُوَ ملك الْمُسْتَأْجر ولكنأبا حنيفَة يَقُول إِن الزَّرْع فِي الْمَعْنى حَاصِل للمؤاجر لحُصُول الْأجر لَهُ فَلَو هلك الْخَارِج قبل الْحصار لَا يجب الْعشْر على الْأجر وَإِن هلك بعد الْحَصاد لَا يسْقط الْعشْر عَن المؤاجر وعَلى قَوْلهمَا لَو هلك قبل الْحَصاد أَو بعده فَإِنَّهُ يهْلك بِمَا فِيهِ وَلَو أعارها من مُسلم فزرعها فالعشر على الْمُسْتَعِير بالِاتِّفَاقِ لِأَن الْخَارِج لَهُ صُورَة وَمعنى وَلَو هلك يهْلك بِمَا فِيهِ وَلَو دَفعهَا مُزَارعَة فعندهما الْمُزَارعَة جَائِزَة وَالْعشر فِي الْخَارِج وعندأبي حنيفَة الْمُزَارعَة فَاسِدَة وَلَو خرج الزَّرْع وَأدْركَ فعشر الْخَارِج كُله على رب الأَرْض إِلَّا أَن فِي حِصَّته يجب فِي عينه وَفِي حِصَّة الْمزَارِع يكون دينا فِي ذمَّته وَلَو غصبهَا غَاصِب فزرعها ينظر إِن انتقصت الأَرْض بالزراعة فالعشر على رب الأَرْض وعَلى الْغَاصِب نُقْصَان الأَرْض كَأَنَّهُ أجرهَا مِنْهُ وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا فِي الْخَارِج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وَإِن لم تنتقص الأَرْض بالزراعة فالعشر على الْغَاصِب فِي الْخَارِج كالعارية سَوَاء وَإِن كَانَت الأَرْض خَرَاجِيَّة فِي الْوُجُوه كلهَا فَإِن الْخَارِج على رب الأَرْض بِالْإِجْمَاع إِلَّا فِي الْغَصْب فَإِنَّهُ إِذا لم تنتقص الأَرْض بالزراعة فَإِن الْخراج على الْغَاصِب وَإِن نقصت فعلى رب الأَرْض كَأَنَّهُ أجرهَا وَأما بَيَان الْخراج ومقداره فَنَقُول الْخراج نَوْعَانِ خراج وَظِيفَة وخراج مقاسمة أما الأول فعلى مَرَاتِب ثَبت ذَلِك بتوظيف عمر رَضِي الله عَنهُ بِإِجْمَاع الصَّحَابَة فِي كل جريب أَرض بَيْضَاء تصلح للزِّرَاعَة قفيز مِمَّا يزرع فِيهَا وَدِرْهَم فالقفيز هُوَ الصَّاع وَالدِّرْهَم هُوَ الْفضة الْخَالِصَة وَزنه وزن سَبْعَة والجريب أَرض طولهَا سِتُّونَ ذِرَاعا وعرضها سِتُّونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْملك كسْرَى وَيزِيد على ذِرَاع الْعَامَّة بقبضة وَفِي جريب الرّطبَة خَمْسَة دَرَاهِم وَفِي جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم وَأما الجريب الَّذِي فِيهِ أَشجَار مثمرة وَلَا يصلح للزِّرَاعَة فَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِذا كَانَت النخيل ملتفة جعلت عَلَيْهِ الْخراج بِقدر مَا يُطيق وَلَا أزيده على جريب الْكَرم وَفِي جريب الأَرْض الَّتِي ينْبت فِيهَا الزَّعْفَرَان قدر مَا تطِيق فَإِن كَانَ ينظر إِلَى غَلَّتهَا فَإِن كَانَت تبلغ غلَّة الأَرْض المزروعة يُؤْخَذ مِنْهَا قدر خراج الزَّرْع وَإِن كَانَت تبلغ غلَّة الرّطبَة يُؤْخَذ مِنْهَا خَمْسَة على هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 ثمَّ أَرض الْخراج إِذا لم تخرج شَيْئا بِسَبَب آفَة الْبرد وَنَحْوهَا لَا شَيْء فِيهَا وَإِن أخرجت قدر الْخراج لَا غير فَإِنَّهُ يجب نصف الْخراج وَإِن أخرجت مِقْدَار مثلي الْخراج فَصَاعِدا يُؤْخَذ جَمِيع الْخراج الموظف عَلَيْهَا فَأَما إِذا كَانَت الأَرْض تطِيق أَكثر من الْخراج الموظف هَل يُزَاد عَلَيْهِ أم لَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ يُزَاد بِقدر مَا تطِيق وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يُزَاد وَأما خراج الْمُقَاسَمَة فَهُوَ أَن الإِمَام إِذا من على أهل بَلْدَة فتحهَا جعل على أراضيهم الْخراج مِقْدَار ربع الْخَارِج أَو ثلثه أَو نصفه وَهَذَا جَائِز كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَهْل خَيْبَر وَيكون حكم هَذَا الْخراج كَحكم الْعشْر إِلَّا أَنه يوضع فِي مَوضِع الْخراج لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة خراج ثمَّ فِي الْعشْر وَالْخَرَاج لَا يعْتَبر الْمَالِك وَلَا أَهْلِيَّته حَتَّى يجب فِي الأَرْض الْمَوْقُوفَة وَيجب فِي أَرَاضِي الْمكَاتب وَالصبيان والمجانين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 بَاب الْمَعْدن والركاز فِي الْبَاب فصلان أَحدهمَا حكم المَال الْمُسْتَخْرج من الأَرْض وَالثَّانِي حكم المَال الْمُسْتَخْرج من الْبحار أما الأول فَهُوَ قِسْمَانِ أَحدهمَا مَال مدفون النَّاس وَالثَّانِي مَال مَخْلُوق فِي الأَرْض بتخليق الله تَعَالَى فالمدفون يُسمى كنزا على الْخُصُوص وَالْمَال الْمَخْلُوق فِي الأَرْض يُسمى معدنا على الْخُصُوص والركاز اسْم يحتملهما جَمِيعًا فيذكر وَيُرَاد بِهِ الْكَنْز وَيذكر وَيُرَاد بِهِ الْمَعْدن أما الْكَنْز فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن وجد فِي دَار الْإِسْلَام أَو فِي دَار الْحَرْب وكل ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا إِن وجد فِي أَرض مَمْلُوكَة أَو فِي أَرض غير مَمْلُوكَة وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ بِهِ عَلامَة الْإِسْلَام كالمصحف وَالدَّرَاهِم الْمَكْتُوب عَلَيْهَا الْقُرْآن وَمَا أشبه ذَلِك أَو لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 أما إِذا كَانَ وجد فِي دَار الْإِسْلَام فَإِن كَانَ فِي أَرض غير مَمْلُوكَة كالجبال والمفاوز وَغَيرهمَا فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ بِهِ عَلامَة الْإِسْلَام فَإِن حكمه حكم اللّقطَة يصنع بِهِ مَا يصنع فِي اللّقطَة على مَا يعرف إِن شَاءَ الله وَإِن لم يكن ثمَّة عَلامَة الْإِسْلَام وَلَا عَلامَة الْجَاهِلِيَّة بَعضهم قَالُوا بِأَن فِي زمَان حكمه حكم اللّقطَة لِأَن عهد الْإِسْلَام قد طَال وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا إِن حكمه حكم مَا يعرف أَنه مَال الْجَاهِلِيَّة بِوُجُود العلام لِأَن الْكُنُوز غَالِبا من الْكَفَرَة ثمَّ حكم الْكَنْز الَّذِي بِهِ عَلامَة الْجَاهِلِيَّة من الدَّرَاهِم المنقوشة عَلَيْهَا الصَّنَم وَنَحْو ذَلِك أَنه يجب فِيهِ الْخمس لِأَن حكمه حكم الْغَنِيمَة لِأَنَّهُ مَال الْكفَّار وَأَرْبَعَة أخماسه للواجد لِأَنَّهُ أَخذه بِقُوَّة نَفسه وَيَسْتَوِي الْوَاحِد بَين أَن يكون حرا أَو عبدا مُسلما أَو ذِمِّيا صَغِيرا أَو كَبِيرا غَنِيا أَو فَقِيرا لِأَن هَؤُلَاءِ من أهل الْغَنِيمَة إِلَّا الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن فَإِنَّهُ إِذا وجد كنزا فِي دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يسْتَردّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل ملك الْغَنِيمَة إِلَّا إِذا كَانَ يعْمل فِي المفاوز بِإِذن الإِمَام على شَرط فَلهُ أَن يُعْطي الْمَشْرُوط وَالْبَاقِي لَهُ لِأَنَّهُ جعل ذَلِك أجره وَأما إِذا وجد فِي أَرض مَمْلُوكَة فالخمس وَاجِب لما مر وَأما الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس فَلصَاحِب الخطة أَو لوَرثَته إِن عرفُوا وَإِن لم يعرفوا فَيكون لأقصى مَالك الأَرْض أَو لوَرثَته وَإِلَّا فَيكون لبيت المَال وَهَذَا قولأبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكون للواجد وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَأما إِذا وجد فِي دَار الْحَرْب فَإِن كَانَ فِي أَرض غير مَمْلُوكَة يكون للواجد وَلَا خمس فِيهِ سَوَاء دخل بِأَمَان أَو بِغَيْر أَمَان لِأَن ذَلِك مَال مُبَاح فَيكون للواجد وَلَا خمس فِيهِ لِأَنَّهُ أَخذ ملك الْكفَّار متلصصا لِأَنَّهُ لوَرَثَة الْوَاضِع وَأما إِذا كَانَ فِي أَرض مَمْلُوكَة فَإِن دخل بِأَمَان فَعَلَيهِ أَن يردهُ إِلَى صَاحب الأَرْض حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى الْغدر والخيانة فِي الْأمان وَلَو لم يردهُ وَأخرجه إِلَى دَار الْإِسْلَام يكون ملكا لَهُ وَلَا يطيب لَهُ كالملوك بشرَاء فَاسد وَلَو بَاعه يصير ملكا للْمُشْتَرِي وَأما إِذا دخل بِغَيْر أَمَان حل لَهُ ذَلِك وَلَا خمس فِيهِ لِأَن هَذَا مَال مُبَاح أَخذه متلصصا حَتَّى إِذا دخل جمَاعَة ممتنعون فِي دَار الْحَرْب وظفروا على كنوزهم فَإِنَّهُ يجب فِيهِ الْخمس وَأما الْمَعْدن فالخارج مِنْهُ على ثَلَاثَة أَنْوَاع مِنْهَا مَا يذاب بالإذابة وينطبع بالحيلة كالذهب وَالْفِضَّة والنحاس والرصاص وَأَشْبَاه ذَلِك وَالنَّوْع الثَّانِي مَا لَا يذاب وَلَا ينطبع كالجص والنورة والزرنيخ والكحل والياقوت والفصوص والفيروزج وَنَحْوهَا وَالنَّوْع الثَّالِث مَا هُوَ مَائِع كالنفط والقير وَنَحْو ذَلِك وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن وجد فِي دَار الْإِسْلَام أَو فِي دَار الْحَرْب فِي أَرض مَمْلُوكَة أَو غير مَمْلُوكَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 أما إِذا وجد فِي دَار الْإِسْلَام فَينْظر إِن وجد فِي أَرض غير مَمْلُوكَة وَالْمَوْجُود مِمَّا ينطبع بالحيلة ويذاب بالإذابة فَإِنَّهُ يجب فِيهِ الْخمس قل أَو كثر وَأَرْبَعَة أخماسه للواجد كَائِنا من كَانَ غير الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن فَإِنَّهُ يسْتَردّ مِنْهُ إِلَّا إِذا قاطعه الإِمَام فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْمَشْرُوط حكما للأمان وَهَذَا عندنَا وعندالشافعي يجب فِي معادن الذَّهَب وَالْفِضَّة ربع الْعشْر وَفِيمَا ينطبع غير الذَّهَب وَالْفِضَّة الْخمس فعلى أصل الشَّافِعِي يُؤْخَذ بطرِيق الزَّكَاة حَتَّى قَالَ النّصاب شَرط وَعند بَعضهم الْحول شَرط وَفِي غير الذَّهَب وَالْفِضَّة يحْتَاج إِلَى نِيَّة التِّجَارَة حَتَّى يجب فِيهِ الْخمس وَعِنْدنَا يُؤْخَذ بطرِيق الْغَنِيمَة فَلَا يشْتَرط فِيهِ شَرَائِط الزَّكَاة وَيحل دفع الْخمس إِلَى الْوَالِدين والمولودين وهم فُقَرَاء كَمَا فِي الْغَنَائِم وَيجوز للواجد أَن يصرف إِلَى نَفسه إِذا كَانَ مُحْتَاجا وَلَا يَكْفِيهِ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس وَعِنْده لَا يجوز وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ العجماء جَبَّار والقليب جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس قيل يَا رَسُول الله وَمَا الرِّكَاز قَالَ الذَّهَب وَالْفِضَّة اللَّذَان خلقهما الله تَعَالَى فِي الأَرْض يَوْم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلِأَن الْمَعْدن كَانَ فِي يَد الْكَفَرَة وَقد زَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 أَيْديهم وَلم تثبت يَد الْمُسلمين لأَنهم لم يقصدوا الِاسْتِيلَاء على الْجبَال والمفاوز فَبَقيَ مَا تحتهَا على حكم ملك الْكفَّار فَيكون ملكا للمستولي بِقُوَّة نَفسه بطرِيق مَشْرُوع فَيجب الْخمس كَمَا فِي الْكَنْز فَأَما إِذا كَانَ مَعْدن النورة وَمَا لَا ينطبع من الفصوص وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يثبت الْملك فِيهِ للواجد وَلَا يجب الْخمس لِأَنَّهَا من أَجزَاء الأَرْض كالتراب والأحجار والفصوص أَحْجَار مضيئة وَأما إِذا كَانَ مَعْدن القير والنفط فَلَا شَيْء فِيهِ وَيكون للواجد لِأَن هَذَا مَاء وَلَا يقْصد بِالِاسْتِيلَاءِ فَلم يكن فِي يَد الْكفَّار حَتَّى يكون من الْغَنَائِم فَلَا يجب الْخمس فِيهَا وَأما إِذا وجد الْمَعْدن فِي أَرض مَمْلُوكَة فِي دَار الْإِسْلَام فَإِن الْملك يكون لصَاحب الأَرْض وَلَا يجب الْخمس عِنْد أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ فِي الدَّار والحانوت وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير أَنه يجب فِي الأَرْض وَلَا يجب فِي الدَّار وَعِنْدَهُمَا يجب الْخمس وَالْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس تكون لصَاحب الْملك لِأَن الإِمَام ملك الأَرْض بِمَا فِيهَا من الْمَعْدن فَيصح فِي حق الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس دون الْخمس لِأَنَّهُ حق الْفُقَرَاء وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِن الإِمَام ملك الأَرْض مُطلقًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَهَذَا من أَجْزَائِهَا وَالْإِمَام لَو قسم الْغَنَائِم وَجعل الْكل للغانمين إِذا كَانَت حَاجتهم لَا تنْدَفع بالأربعة الْأَخْمَاس جَازَ وَله هَذِه الْولَايَة فَكَذَا هَذَا فَأَما إِذا وجد الْمَعْدن فِي دَار الْحَرْب فَإِن وجد فِي أَرض غير مَمْلُوكَة فَهِيَ لَهُ وَلَا خمس فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وَإِن وجد فِي ملكهم فَإِن دخل بِأَمَان رد عَلَيْهِم وَإِن دخل بِغَيْر أَمَان يكون خَالِصا لَهُ من غير خمس كَمَا فِي الْكَنْز وَأما الْمُسْتَخْرج من الْبحار كَاللُّؤْلُؤِ والمرجان والعنبر وَغَيرهَا فَنَقُول قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يجب فِيهِ الْخمس وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجب وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الْبحار لم تكن فِي يَد الْكَفَرَة حَتَّى يكون مَا فِيهَا ملكهم فَيكون غنيمَة وَأما الزئبق فعلى قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد يجب وَلَهُمَا أَن الزئبق ينطبع بالحيلة مَعَ غَيره وَإِن كَانَ لَا ينطبع بِنَفسِهِ فَيكون فِي معنى الرصاص فَيجب فِيهِ الْخمس وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 بَاب صَدَقَة الْفطر فِي الْبَاب فُصُول مِنْهَا بَيَان وجوب صَدَقَة الْفطر وَبَيَان من تجب عَلَيْهِ وَبَيَان من تجب عَلَيْهِ لأجل الْغَيْر وَبَيَان قدر الْوَاجِب وَصفته وَبَيَان وَقت الْوُجُوب وَبَيَان وَقت الْأَدَاء وَبَيَان مَكَان الْأَدَاء وَمَا يتَّصل بِهَذِهِ الْجُمْلَة أما الأول فَنَقُول صَدَقَة الْفطر وَاجِبَة عرف وُجُوبهَا بالأحاديث الصَّحِيحَة وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عنثعلبة بن صَغِير العذري وَفِي رِوَايَة الْعَدوي أَنه قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَدّوا عَن كل حر وَعبد صَغِير وكبير نصف صَاع من بر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير فَأَما بَيَان من يجب عَلَيْهِ فَنَقُول إِنَّمَا تجب على الْمُسلم الْحر الْغَنِيّ فالإسلام شَرط لِأَن فِيهَا معنى الْعِبَادَة وَلِهَذَا لَا تجوز بِدُونِ النِّيَّة وَلَا تتأدى بِفعل الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه أَو بِإِذن الشَّرْع لكَونه نَائِبا عَنهُ وَأما الْغنى فَهُوَ شَرط عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط لَكِن الْقُدْرَة شَرط حَتَّى إِن من ملك زِيَادَة على قوته نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاعا من شعير أَو تمر تجب عَلَيْهِ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظهر غنى وَأما الْحُرِّيَّة فَهِيَ شَرط عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط حَتَّى أَن العَبْد عِنْده تجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطره ويتحمل عَنهُ الْمولى حَتَّى لَو لم يؤد الْمولى عَنهُ فَعَلَيهِ أَن يُؤَدِّي بعد الْعتاق وَعِنْدنَا يجب على مَوْلَاهُ إِذا كَانَ غَنِيا وَالْعَبْد للْخدمَة وَهَذَا بِنَاء على مَا ذكرنَا أَن الْغنى شَرط عندنَا والغني بِالْملكِ وَالْعَبْد لَا ملك لَهُ وَعند الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط وَأما الْعقل وَالْبُلُوغ فليسا بِشَرْط الْوُجُوب عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد وَزفر شَرط حَتَّى إِن الصَّبِي وَالْمَجْنُون إِذا كَانَ لَهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 نِصَاب معِين وَلَيْسَ للْأَب مَال فَإِنَّهُ يجب صَدَقَة الْفطر عَلَيْهِمَا عِنْدهمَا يُؤَدِّي الْأَب وَالْوَصِيّ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِمَا إِذا أديا وَعند مُحَمَّد وَزفر لَا يجب لِأَن فِيهَا معنى الْعِبَادَة وهما يَقُولَانِ إِن فِيهَا معنى الْعِبَادَة والمؤونة وَلَا يُمكن الْجمع بَينهمَا فِي حَالَة وَاحِدَة فِي حق شخص وَاحِد فِي حكم وَاحِد فَوَجَبَ اعْتِبَار المؤونة فِي بعض الْأَحْكَام وَمعنى الْعِبَادَة فِي الْبَعْض عملا بالدلائل بِقدر الْإِمْكَان فَقَالَا بِالْوُجُوب اعْتِبَارا بالمؤونة وَأما بَيَان من يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر بِسَبَب الْغَيْر فَنَقُول كل من كَانَ من أهل وجوب صَدَقَة الْفطر على نَفسه وَله ولَايَة كَامِلَة على من كَانَ من جنسه وَتجب مؤونته وَنَفَقَته فَإِنَّهُ تجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطره وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ بِهَذِهِ الصّفة كَانَ رَأسه بِمَنْزِلَة رَأسه فِي الذب والنصرة فَكَمَا وَجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطر رَأسه تجب صَدَقَة فطر مَا هُوَ فِي معنى رَأسه إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول يجب على الْأَب صَدَقَة فطر أَوْلَاده الصغار إِذا كَانَ غَنِيا وَلَا مَال لَهُم لوُجُود الْولَايَة والمؤونة بطرِيق الْكَمَال وَكَذَا إِذا كَانُوا مجانين لما قُلْنَا وَإِذا كَانَ لَهُم مَال يجب عَلَيْهِم عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد وَزفر على الْأَب الْغَنِيّ على مَا مر وَأما الْجد حَال عدم الْأَب إِذا كَانَ غَنِيا هَل تجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطر ابْن ابْنه على جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لَا يجب لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ولَايَة مُطلقَة فَإِنَّهُ مَحْجُوب بِالْأَبِ بِمَنْزِلَة الْإِخْوَة الصغار الْفُقَرَاء وَلَا تجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 صَدَقَة فطرهم على الْأَخ الْغَنِيّ الْكَبِير لما قُلْنَا وَفِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه تجب لما قُلْنَا فَإِن كَانَ حَيا وَلكنه فَقير وَلَهُم جد غَنِي لَا يجب على الْجد فِي الرِّوَايَات كلهَا لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ حَال قيام الْأَب وَإِن كَانَ يجب عَلَيْهِ المؤونة وَعند الشَّافِعِي يجب وَلَا يجب على الْوَصِيّ وَإِن كَانَ لَهُ ولَايَة لِأَنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ النَّفَقَة وَأما أَوْلَاده الْكِبَار إِذا كَانُوا فُقَرَاء زمنى فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطرهم عندنَا وَعند الشَّافِعِي يجب وَكَذَلِكَ الْأَب الْفَقِير لَا يجب على الابْن صَدَقَة فطره وَكَذَلِكَ الزَّوْجَة خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن عِنْده تنبني على المؤونة لَا غير وَعِنْدنَا على المؤونة وَالْولَايَة جَمِيعًا وَلَا ولَايَة فِي حق هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ يجب النَّفَقَة فَأَما الْأَب الْفَقِير إِذا كَانَ مَجْنُونا فَإِنَّهُ تجب صَدَقَة فطره على ابْنه لوُجُود الْولَايَة والمؤونة جَمِيعًا وَلَا يجب على الْأَب صَدَقَة فطر الْجَنِين لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ولَايَة كَامِلَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تعرف حَيَاته وعَلى هَذَا يجب على الْمولى صَدَقَة فطر عبيده وإمائه إِذا كَانُوا للْخدمَة وَكَذَلِكَ أُمَّهَات أَوْلَاده ومدبريه سَوَاء كَانَ عَلَيْهِم دين أَو لم يكن إِذا كَانَ الْمولى غَنِيا لما قُلْنَا من اجْتِمَاع الْولَايَة والمؤنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فَأَما الْمكَاتب وَالْمُكَاتبَة والمستسعي فَلَا يجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطرهم لِأَنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ نَفَقَتهم وَلَا تجب عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لَا ملك لَهُم وَأما العَبْد إِذا كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ تجب على الْمولى صَدَقَة فطره عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لما قُلْنَا من الْولَايَة وَالنَّفقَة وَالْعَبْد الْمُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ لَا تجب صَدَقَة فطره على الموليين لِأَنَّهُ لَيْسَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا ولَايَة كَامِلَة فإمَّا إِذا كَانُوا عبيدا بَين رجلَيْنِ فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يجب عَلَيْهِمَا صَدَقَة فطرهم وَعند مُحَمَّد إِن كَانُوا بِحَال لَو قسموا أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا عبدا كَامِلا تجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطره وَهَذَا بِنَاء على أصل أَن العَبْد لَا يقسم عِنْد أبي حنيفَة قسْمَة جمع فَلَا يكون لكل وَاحِد مِنْهُمَا عبد كَامِل وَعند مُحَمَّد يقسم قسْمَة جمع فَيكون لكل وَاحِد مِنْهُمَا عبد كَامِل من حَيْثُ الْمَعْنى وَأَبُو يُوسُف يرى الْقِسْمَة لَكِن قبل الْقِسْمَة لم يكن لكل وَاحِد مِنْهُمَا ولَايَة كَامِلَة وَأما مِقْدَار الْوَاجِب فَنَقُول نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من شعير أَو تمر عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي من الْبر صَاع أَيْضا وروى حَدِيثا لكنه غَرِيب فَلَا يقبل بِمُقَابلَة مَا روينَا وَهُوَ مَشْهُور وَأما الزَّبِيب فقد ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير عَن أبي حنيفَة نصف صَاع لِأَن الْغَالِب أَن قِيمَته مثل قيمَة الْبر فِي دِيَارهمْ وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة صَاعا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لما رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ كُنَّا نخرج زَكَاة الْفطر على عهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من زبيب وَكَانَ طعامنا الشّعير وَقد قَالَ أَصْحَابنَا إِن دَقِيق الْحِنْطَة وَالشعِير وسويقهما مثلهمَا لما رُوِيَ فِي الحَدِيث أَدّوا مَدين من قَمح أَو دَقِيق وَأما الإقط فَيعْتَبر فِيهِ الْقيمَة عندنَا خلافًا لمَالِك وَمَا سوى ذَلِك فَيعْتَبر قِيمَته بِقِيمَة الْأَشْيَاء الْمَنْصُوص عَلَيْهَا بِأَن أدّى الدَّرَاهِم أَو الْعرُوض وَالثِّمَار وَنَحْوهَا وَلَو أدّى بعض الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَقِيمَته تبلغ قيمَة كُله بِأَن أدّى ربع صَاع من حِنْطَة جَيِّدَة مَكَان النّصْف أَو نصف صَاع من شعير جيد مَكَان صَاع من شعير لَا يجوز عَن الْكل بل يَقع عَن نَفسه وَعَلِيهِ تَكْمِيل الْبَاقِي لِأَن الْجَوْدَة لَا قيمَة لَهَا فِي أَمْوَال الرِّبَا وَفِي الزَّكَاة لَو أدّى شَاة سَمِينَة مَكَان شَاتين جَازَ لِأَن الْجَوْدَة فِيهَا مُتَقَومَة فبقدر الشَّاة الْوسط تجزىء عَن الشَّاة وَقِيمَة الْجَوْدَة عَن الْأُخْرَى ثمَّ مِقْدَار الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال عندنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث رَطْل لِأَن صَاع أهل الْمَدِينَة كَذَلِك وتوارثوه خلفا عَن سلف لَكنا نقُول مَا ذكرنَا صَاع عمر وَمَالك من فُقَهَاء الْمَدِينَة قَالَ إِن صَاع الْمَدِينَة أخرجه عبد الْملك بن مَرْوَان فَأَما قبله كَانَ ثَمَانِيَة أَرْطَال فَكَانَ الْعَمَل بِصَاع عمر أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 ثمَّ روى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه يعْتَبر الصَّاع وزنا وَهُوَ ثَمَانِيَة أَرْطَال وروى ابْن رستم عَن مُحَمَّد أَنه يعْتَبر كَيْلا حَتَّى لَو أدّى أَرْبَعَة أُمَنَاء من غير كيل لَا يجوز وَأما وَقت الوجوبفعند أَصْحَابنَا وَقت الْفجْر الثَّانِي من يَوْم الْفطر وعَلى قَول الشَّافِعِي لَيْلَة الْفطر وَفَائِدَة الْخلاف أَن من ولد لَهُ ولد قبل طُلُوع الْفجْر تجب عَلَيْهِ صَدَقَة فطره وَمن ولد لَهُ بعد ذَلِك لَا تجب وَلَو أسلم قبله تجب عَلَيْهِ وَبعده لَا وَكَذَلِكَ الْفَقِير إِذا أيسر قبله تجب وَلَو افْتقر الْغَنِيّ قبله لَا تجب وَعند الشَّافِعِي على عكس هَذَا وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ تُضَاف الصَّدَقَة إِلَى الْفطر وَهُوَ يَوْم الْعِيد وَلَو عجل صَدَقَة الْفطر على يَوْم الْفطر ذكرالكرخيأنه إِذا عجل بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ جَازَ وَلم يذكر أَنه لَو عجل بِأَكْثَرَ من ذَلِك هَل يجوز وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يجوز التَّعْجِيل بِسنة وسنتين وَعَن خلف بن أَيُّوب أَنه يجوز التَّعْجِيل بِشَهْر لَا غير وَعَن الحسنأنه قَالَ لَا يجوز التَّعْجِيل وَلَا يجوز دون يَوْم الْفطر وَلَو لم يؤد يَوْم الْفطر تسْقط عَنهُ وَالصَّحِيح رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد لِأَن سَبَب الْوُجُوب هُوَ رَأس يمونه لولايته عَلَيْهِ وَالْوَقْت شَرط الْوُجُوب والتعجيل بعد سَبَب الْوُجُوب جَائِز كَمَا فِي الزَّكَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَأما وَقت الأداءفهو يَوْم الْفطر من أَوله إِلَى آخِره ثمَّ بعده يسْقط الْأَدَاء وَيجب الْقَضَاء عِنْد بعض أَصْحَابنَا وَعند بَعضهم وَهُوَ الْأَصَح أَنَّهَا تجب وجوبا موسعا لَكِن الْمُسْتَحبّ أَن يُؤَدِّي قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى حَتَّى لَا يحْتَاج الْفَقِير إِلَى الْكسْب وَالسُّؤَال يَوْم الْعِيد فيتمكن من أَدَاء صَلَاة الْعِيد فارغ الْقلب عَن الْقُوت على مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اغنوهم عَن الْمَسْأَلَة فِي مثل هَذَا الْيَوْم وَأما مَكَان الأداءروي عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ زَكَاة المَال من حَيْثُ المَال وَصدقَة الْفطر عَن نَفسه وعبيده من حَيْثُ هُوَ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يُؤَدِّي عَن نَفسه من حَيْثُ هُوَ وَعَن عُبَيْدَة من حَيْثُ هم وَالْأول أصح لِأَن صَدَقَة الْفطر لَا تعلق لَهَا بِالْمَالِ حَتَّى إِذا هلك المَال بعد الْوُجُوب لَا تسْقط الْفطْرَة بِخِلَاف الزَّكَاة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 كتاب الصَّوْم اعْلَم أَن الصَّوْم نَوْعَانِ لغَوِيّ وشرعي فاللغوي هُوَ الْإِمْسَاك عَن أَي شَيْء كَانَ من الْكَلَام وَالطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع والعلف وَغَيرهَا قَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} أَي صمتا وَقَالَ النَّابِغَة خيل صِيَام وخيل غير صَائِمَة تَحت العجاج وَأُخْرَى تعلك اللجما وَالصَّوْم الشَّرْعِيّ هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع قَالَ الله تَعَالَى {فَالْآن باشروهن وابتغوا} إِلَى أَن قَالَ {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} أَمْسكُوا عَن هَذِه الْأَشْيَاء ثمَّ الصَّوْم الشَّرْعِيّ أَرْبَعَة عشر نوعا ثَمَانِيَة مِنْهَا مَذْكُورَة فِي كتاب الله تَعَالَى أَرْبَعَة مِنْهَا متتابعة وَهِي صَوْم رَمَضَان وَصَوْم كَفَّارَة الظِّهَار وَصَوْم كَفَّارَة الْقَتْل وَصَوْم كَفَّارَة الْيَمين وَأَرْبَعَة مِنْهَا صَاحبهَا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ تَابع وَإِن شَاءَ فرق وَهِي قَضَاء صَوْم رَمَضَان وَصَوْم الْمُتْعَة وَصَوْم جَزَاء الصَّيْد وَصَوْم كَفَّارَة الْحلق وَسِتَّة مَذْكُورَة فِي السّنة وَهِي صَوْم كَفَّارَة الْفطر فِي شهر رَمَضَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 عمدا وَصَوْم النّذر وَصَوْم التَّطَوُّع وَالصَّوْم الْوَاجِب بِالْيَمِينِ بقول الرجل وَالله لأصومن شهرا وَصَوْم الِاعْتِكَاف وَصَوْم قَضَاء التَّطَوُّع بالإفطار وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقد خَالف الشَّافِعِي فِي هَذِه الْجُمْلَة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أَحدهَا قَالَ إِن صَوْم كَفَّارَة الْيَمين لَيْسَ بمتتابع وَالثَّانِي قَالَ إِن صَوْم الِاعْتِكَاف لَيْسَ بِوَاجِب وَالثَّالِث قَالَ لَا يجب قَضَاء صَوْم التَّطَوُّع ثمَّ للصَّوْم أَرْكَان وشروط وَسنَن وآداب فنبدأ بِالشُّرُوطِ فَنَقُول للصَّوْم شُرُوط بَعْضهَا للْوُجُوب وَبَعضهَا شَرط صِحَة الْأَدَاء فَمِنْهَا الْوَقْت وَهُوَ شَرط الْوُجُوب فِي حق الصَّوْم الْوَاجِب وَشرط الْأَدَاء فِي حق الصيامات كلهَا وَهُوَ الْيَوْم من وَقت طُلُوع الْفجْر إِلَى وَقت غرُوب الشَّمْس قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} ثمَّ الصَّوْم نَوْعَانِ فرض وتطوع فوقت التَّطَوُّع هُوَ الْأَيَّام كلهَا لَكِن الصَّوْم فِي بعض الْأَيَّام مَكْرُوه وَفِي بَعْضهَا مُسْتَحبّ وَفِي بَعْضهَا سنة حَتَّى لَو صَامَ فِي الْأَيَّام الْمنْهِي عَنْهَا فَإِنَّهُ يَقع جَائِزا حَتَّى لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء أما الصَّوْم الْمَكْرُوه فأنواع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 مِنْهَا صَوْم سِتَّة أَيَّام فِي كل سنة صَوْم يَوْم النَّحْر وَصَوْم أَيَّام التَّشْرِيق وَيَوْم الْفطر وَيَوْم الشَّك بنية رَمَضَان أَو بنية مترددة بِأَن نوى الصَّوْم عَن رَمَضَان إِن كَانَ من رَمَضَان وَإِن لم يكن فَعَن التَّطَوُّع وَهَذَا مَكْرُوه قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من صَامَ يَوْم الشَّك فقد عصى أَبَا الْقَاسِم وَقد قَامَ الدَّلِيل على أَن الصَّوْم فِيهِ عَن وَاجِب آخر أَو عَن التَّطَوُّع مُطلقًا لَا يكره ثَبت أَن الْمَكْرُوه مَا قُلْنَا وَإِنَّمَا لَا يكره عَن مُطلق التَّطَوُّع على وَجه لَا يعلم الْعَوام ذَلِك كَيْلا يعتادوا الصَّوْم فِيهِ فيظنه الْجُهَّال زِيَادَة على رَمَضَان وَكَذَا صَوْم الصمت مَكْرُوه فِي الْأَوْقَات كلهَا بِأَن يَصُوم ويمسك عَن الْكَلَام وَالطَّعَام جَمِيعًا لِأَن هَذَا تشبه بالمجوس فَإِنَّهُم يَفْعَلُونَ هَكَذَا وَكَذَا صَوْم يَوْم السبت مُفردا مَكْرُوه لِأَن هَذَا تشبه باليهود وَكَذَا صَوْم يَوْم عَاشُورَاء مُفردا مَكْرُوه عِنْد بعض أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ تشبه باليهود وَأما صَوْم يَوْم عَرَفَة فِي حق الْحَاج فَإِن كَانَ يُضعفهُ عَن الْوُقُوف بِعَرَفَة ويخل بالدعوات فَإِن الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن يتْرك الصَّوْم لِأَن صَوْم يَوْم عَرَفَة يُوجد فِي غير هَذِه السّنة فَأَما الْوُقُوف بِعَرَفَة فَيكون فِي حق عَامَّة النَّاس فِي سنة وَاحِدَة وَأما إِذا كَانَ لَا يُخَالف الضعْف فَلَا بَأْس بِهِ وَأما فِي حق غير الْحَاج فَهُوَ مُسْتَحبّ لِأَن لَهُ فَضِيلَة على عَامَّة الْأَيَّام وَالصَّوْم قبل رَمَضَان بِيَوْم وَيَمِين مَكْرُوه أَي صَوْم كَانَ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تتقدموا الشَّهْر بِصَوْم يَوْم وَلَا بِصَوْم يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يُوَافق صوما كَانَ يَصُومهُ أحدكُم وَإِنَّمَا كره خوفًا من أَن يظنّ أَنه زِيَادَة على صَوْم رَمَضَان إِذا اعتادوا ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف إِنَّه يكره أَن يُوصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 برمضان صَوْم شَوَّال سِتَّة أَيَّام تَطَوّعا وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه قَالَ يكره ذَلِك وَمَا رَأَيْت أحدا من أهل الْعلم وَالْفِقْه يَصُوم ذَلِك وَلم يبلغنَا من السّلف وَكَانُوا يكْرهُونَ ذَلِك لما ذكرنَا وَكَذَلِكَ يكره صَوْم الْوِصَال وَهُوَ أَن يصام فِي كل يَوْم دون ليلته وَهُوَ صَوْم الدَّهْر الَّذِي ورد النَّهْي عَنهُ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا صِيَام لمن صَامَ الدَّهْر وَمعنى الْكَرَاهَة أَنه يضعف عَن أَدَاء الْعِبَادَات وَعَن الْكسْب الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَة وَلِهَذَا أَشَارَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما نهى عَن صَوْم الْوِصَال فَقيل لَهُ إِنَّك تواصل فَقَالَ إِنِّي لست كأحدكم إِنِّي أَبيت عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني وَأما صَوْم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَحده وَكَذَا صَوْم يَوْم الْخَمِيس وَحده وَكَذَا صَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَحده فَإِنَّهُ لَا يكره وَقَالَ بَعضهم يكره لِأَنَّهُ خص هَذِه الْأَيَّام من بَين سائرها وَعَامة الْعلمَاء قَالُوا بل هُوَ مُسْتَحبّ لِأَن لهَذِهِ الْأَيَّام فَضِيلَة فَكَانَ تعظيمها بِالصَّوْمِ مُسْتَحبا وَإِنَّمَا يكره إِذا كَانَ فِيهِ تشبه بِغَيْر أهل الْقبْلَة وَلم يُوجد فِي هَذِه الصيامات وَأما صَوْم وإفطار يَوْم فَهُوَ مُسْتَحبّ على مَا رُوِيَ أَنه صَوْم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يفْطر يَوْمًا ويصوم يَوْمًا وَصَوْم الْأَيَّام الْبيض مُسْتَحبّ وَسنة لِكَثْرَة الْأَحَادِيث فِيهِ وَأما صَوْم الْفَرْض فنوعان عين وَدين فالعين هُوَ صَوْم رَمَضَان وَصَوْم الدّين هُوَ سَائِر الصيامات من قَضَاء رَمَضَان وَالْكَفَّارَات وَالنُّذُور الْمُطلقَة وَنَحْوهَا فسائر الْأَيَّام وَقت لَهَا سوى خَمْسَة أَيَّام يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَيَوْم الْفطر لِأَن صَوْم هَذِه الْأَيَّام نَاقص وَالْوَاجِب عَلَيْهِ صَوْم كَامِل فَلَا يتَأَدَّى بالناقص وَصَوْم الْمُتْعَة لَا يجوز عندنَا فِي هَذِه الْأَيَّام وَعند الشَّافِعِي يجوز فِي أَيَّام التَّشْرِيق دون يَوْم النَّحْر وَالنّذر بِالصَّوْمِ فِي هَذِه الْأَيَّام جَائِز عندنَا خلافًا لزفَر وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ وَجب نَاقِصا فَيجوز أَن يتَأَدَّى نَاقِصا وَلَو شرع فِي الصَّوْم فِي هَذِه الْأَيَّام فَفِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يلْزم بِالشُّرُوعِ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه يلْزم وَالصَّحِيح ظَاهر الرِّوَايَة لِأَن صَاحب الْحق وَهُوَ الله تَعَالَى أمره بالإفطار بعد الشُّرُوع وَمن أتلف حق غَيره بِإِذْنِهِ لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان وَفِي الشُّرُوع فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة فِي الصَّلَاة عَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ وأشهرهما أَنه يلْزمه الْقَضَاء بِخِلَاف الصَّوْم وَالْفرق مَعْرُوف وَأما صَوْم رَمَضَان فوقته رَمَضَان وَإِنَّمَا يعرف بِرُؤْيَة الْهلَال إِن كَانَت السَّمَاء مصحية وَإِن كَانَت متغيمة فَإِنَّهُ يكمل شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ يَصُوم عَن رَمَضَان لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ صُومُوا فَإِذا كَانَت السَّمَاء مصحية وَرَأى النَّاس الْهلَال فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِم الصَّوْم وَأما إِذا رأى وَاحِد وَشهد عِنْد القَاضِي فَإِن القَاضِي لَا يقبل شَهَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الْوَاحِد والاثنين مَا لم يدْخل فِي حد التَّوَاتُر بِأَن شهد جمَاعَة كَبِيرَة من محَال مُخْتَلفَة هَذَا إِذا كَانَ الشُّهُود من الْمصر وَإِن كَانُوا من خَارج الْمصر ذكر الطَّحَاوِيّ وَقَالَ يقبل خبر الْوَاحِد لِأَن الْمطَالع مُخْتَلفَة فِي حق الظُّهُور لصفاء الْهَوَاء فِي خَارج الْمصر وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة لم يفصل لِأَن الْمطَالع لَا تخْتَلف إِلَّا عِنْد الْمسَافَة الْبَعِيدَة الْفَاحِشَة وَإِن كَانَت السَّمَاء متغيمة فَإِنَّهُ يقبل خبر الْوَاحِدَة الْعدْل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى حرا كَانَ أَو عبدا محدودا فِي الْقَذْف أَو لَا بعد مَا تَابَ وَصَارَ عدلا لِأَن هَذَا من بَاب الْإِخْبَار دون الشَّهَادَة يلْزم الشَّاهِد الصَّوْم فيتعدى إِلَى غَيره لكنه من بَاب الدّين فَيشْتَرط فِيهِ الْعَدَالَة وَلَو رد القَاضِي شَهَادَة الْوَاحِد لتهمة الْفسق إِذا كَانَت السَّمَاء متغيمة أَو لِتَفَرُّدِهِ إِذا كَانَت السَّمَاء مصحية وَإِن كَانَ عدلا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم وَلَو أفطر بِالْجِمَاعِ لَا يلْزمه الْكَفَّارَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما هِلَال شَوَّال فَلَا يقبل إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن هَذَا من بَاب الشَّهَادَة لما فِيهِ من نفع للشَّاهِد وَهُوَ سُقُوط الصَّوْم عَنهُ وَأما هِلَال ذِي الْحجَّة فقد قَالُوا يشْتَرط شَهَادَة رجلَيْنِ لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِهِ حكم شَرْعِي وَهُوَ وجوب الْأُضْحِية وَالصَّحِيح أَنه يقبل فِيهِ شَهَادَة الْوَاحِد لِأَن هَذَا من بَاب الْخَبَر فَإِنَّهُ يلْزم الْمخبر ثمَّ يتَعَدَّى إِلَى غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَهَذَا إِذا كَانَت السَّمَاء متغيمة فَإِن كَانَت مصحية فَلَا يقبل إِلَّا التَّوَاتُر كَمَا ذكرنَا فِي رَمَضَان وَلَو رَأَوْا الْهلَال قبل الزَّوَال أَو بعده فَهُوَ لليلة الْمُسْتَقْبلَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ قبل الزَّوَال أَو بعده إِلَى وَقت الْمصر فَهُوَ لليلة الْمَاضِيَة أما إِذا كَانَ بعد الْعَصْر فَهُوَ لليلة الْمُسْتَقْبلَة بِلَا خلاف وَفِيه خلاف بَين الصَّحَابَة فقد رُوِيَ عَن عمروابن مَسْعُود وَأنس مثل قَوْلهمَا وَرُوِيَ عَن عمر فِي رِوَايَة أُخْرَى وَهُوَ قَول عَليّ وَعَائِشَة مثل قَول أبي يُوسُف وَمن الشُّرُوط النِّيَّة وَهِي شَرط صِحَة الْأَدَاء لِأَن الصَّوْم عبَادَة فَلَا تصح بِدُونِهِ النِّيَّة ثمَّ الْكَلَام فِي كَيْفيَّة النِّيَّة وَفِي وَقت النِّيَّة أما كَيْفيَّة النِّيَّة فَينْظر إِن كَانَ الصَّوْم عينا يَكْفِيهِ نِيَّة مُطلق الصَّوْم حَتَّى لَو صَامَ رَمَضَان بنية مُطلق الصَّوْم يَقع على رَمَضَان وَكَذَا فِي صَوْم التَّطَوُّع إِذا صَامَ مُطلقًا خَارج رَمَضَان يَقع عَن النَّفْل لِأَن الْوَقْت مُتَعَيّن للنفل شرعا وَكَذَا فِي النّذر إِذا كَانَ الْوَقْت معينا بِأَن نذر صَوْم شهر رَجَب وَنَحْوه إِذا صَامَ مُطلقًا فِيهِ يَقع عَن الْمَنْذُور وَهَذَا عندنَا وعندالشافعي صَوْم الْفَرْض وَالْوَاجِب لَا يَصح بِدُونِ نِيَّة الْفَرْض وَالْوَاجِب وَأما التَّطَوُّع فَيصح بِمُطلق النِّيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن مُطلق النِّيَّة كَاف لصيرورة الْعَمَل لله تَعَالَى وَإِنَّمَا يعْتَبر الْوَصْف لتعيين الْوَقْت لذَلِك الصَّوْم فَإِذا كَانَ الْوَقْت مُتَعَيّنا فَلَا حَاجَة إِلَى التَّعْيِين وَأما إِذا صَامَ بنية التَّطَوُّع فِي رَمَضَان أَو فِي النّذر الَّذِي تعين وقته فَإِنَّهُ يَقع عَن الْفَرْض وتلغو نِيَّة التَّطَوُّع عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن الْوَقْت قَابل لأصل الصَّوْم غير قَابل لوصفه فبطلت نِيَّة الْوَصْف وَتعْتَبر نِيَّة الأَصْل وَهِي كَافِيَة لصيرورة الْعَمَل لله تَعَالَى وَلَو صَامَ بنية وَاجِب آخر من الْقَضَاء والنذورة وَالْكَفَّارَات فِي رَمَضَان يَقع عَن رَمَضَان أَيْضا عندنَا خلافًا لَهُ وَلَو كَانَ ذَلِك فِي النّذر الْمعِين يَقع عَمَّا نوى لِأَن صَوْم رَمَضَان تعين بِتَعْيِين الشَّرْع فَظهر التَّعْيِين مُطلقًا لكَمَال الْولَايَة فَظهر فِي حق نسخ سَائِر الصيامات وَأما فِي النّذر فقد تعين بِولَايَة قَاصِرَة فَيظْهر تَعْيِينه فِي حَقه وَهُوَ صَوْم التَّطَوُّع وَلَا يظْهر فِي الْوَاجِبَات الَّتِي هِيَ حق الله تَعَالَى فِي هَذِه الْأَوْقَات فَبَقيت الْأَوْقَات محلا لَهَا هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حق الْمُقِيم فَأَما فِي حق الْمُسَافِر فَإِن صَامَ مُطلقًا يَقع عَن رَمَضَان وَإِن صَامَ بنية وَاجِب آخر يَقع عَمَّا نوى عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يَقع عَن رَمَضَان وَإِن صَامَ بنية التَّطَوُّع فَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ وَأما الْمَرِيض فَإِذا صَامَ مُطلقًا يَقع عَن رَمَضَان وَإِذا صَامَ بنية التَّطَوُّع قَالَ مَشَايِخنَا بِأَنَّهُ يَقع عَن الْفَرْض بِخِلَاف الْمُسَافِر لِأَنَّهُ إِذا قدر على الصَّوْم صَار كَالصَّحِيحِ وَذكر الْكَرْخِي هَهُنَا وَسوى بَين الْمَرِيض وَالْمُسَافر وَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه يَقع عَن التَّطَوُّع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَأما صَوْم الدّين من الْقَضَاء وَالنُّذُور الْمُطلقَة وَالْكَفَّارَات إِذا نوى خَارج رَمَضَان مُطلقًا وَلم ينْو صَوْم الْقَضَاء أَو الْكَفَّارَة فَإِنَّهُ لَا يَقع عَنهُ لِأَن خَارج رَمَضَان مُتَعَيّن للنفل عِنْد بعض مَشَايِخنَا وَعند بَعضهم هُوَ وَقت الصيامات كلهَا على الْإِبْهَام وَإِنَّمَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فَكَانَت نِيَّة الْوَصْف لتعيين الْوَقْت لَا لتصير عبَادَة وَأما وَقت النِّيَّة فَالْأَفْضَل أَن يَنْوِي من اللَّيْل أَو مُقَارنًا لطلوع الْفجْر فِي الصيامات كلهَا فَأَما إِذا نوى بعد طُلُوع الْفجْر فَإِن كَانَ الصَّوْم دينا فَلَا يجوز بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ الصَّوْم عينا فَيجوز عندنَا سَوَاء كَانَ فرضا أَو نذرا أَو تَطَوّعا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز إِلَّا فِي التَّطَوُّع وَقَالَ مَالك لَا يجوز فِي التَّطَوُّع أَيْضا وَلَو صَامَ بنية بعد الزَّوَال فِي التَّطَوُّع لَا يجوز عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَبَعض أَصْحَابه قَالُوا لَا يجوز وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ مَا وجد الْإِمْسَاك لله تَعَالَى فِي وَقت الْغَدَاء وَوقت الْغَدَاء من وَقت طُلُوع الْفجْر إِلَى وَقت الزَّوَال يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال النَّاس وَالصَّوْم هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْغَدَاء وَتَأْخِير الْعشَاء إِلَى اللَّيْل وَبعد الزَّوَال لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يُوجد الْإِمْسَاك عَن الْغَدَاء لله تَعَالَى فَأَما فِي صَوْم الدّين فَلَا يجوز لِأَنَّهُ إِذا لم ينْو من اللَّيْل تعين الْيَوْم وقتا للتطوع شرعا فَلَا يملك تَغْيِيره وَفِي اللَّيْل لم يتَعَيَّن فصح مِنْهُ تعْيين المحتلم بِالنِّيَّةِ فَهُوَ الْفرق بَينهمَا وَمن الشُّرُوط الطَّهَارَة عَن الْحيض وَالنّفاس وَهُوَ شَرط صِحَة الْأَدَاء لَا شَرط الْوُجُوب فَإِن صَوْم رَمَضَان يجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء حَتَّى يجب الْقَضَاء عَلَيْهِمَا خَارج رَمَضَان لَكِن لَا يَصح الْأَدَاء لِأَن الطَّهَارَة عَن الْحيض وَالنّفاس شَرط صِحَة الصَّوْم كَمَا أَن الطَّهَارَة عَن جَمِيع الْأَحْدَاث شَرط صِحَة الصَّلَاة عرفنَا ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَأما الْإِسْلَام فَهُوَ شَرط وجوب الصَّوْم وَسَائِر الْعِبَادَات عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهُوَ شَرط صِحَة الْأَدَاء بِلَا خلاف ولقب الْمَسْأَلَة أَن الْكفَّار غير مخاطبين بشرائع هِيَ عبادات عندنَا خلافًا لَهُ وَأما الْعقل فَلَيْسَ بِشَرْط الْوُجُوب وَلَا بِشَرْط الْأَدَاء حَتَّى قُلْنَا إِن صَوْم رَمَضَان يجب على الْمَجْنُون فَإِنَّهُ إِذا جن فِي بعض الشَّهْر ثمَّ أَفَاق يلْزمه الْقَضَاء عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَو استوعب الشَّهْر ثمَّ أَفَاق لَا يلْزمه الْقَضَاء لِأَن فِي وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِ حرجا لِأَن الْجُنُون الطَّوِيل قَلما يَزُول فيضاعف عَلَيْهِ الْقَضَاء فيحرج وعَلى هَذَا قُلْنَا إِن الْإِغْمَاء قل أَو كثر لَا يمْنَع وجوب الْقَضَاء وَكَذَا الْمَرَض لِأَن الِاسْتِغْرَاق فِي الْإِغْمَاء نَادِر وَكَذَا قُلْنَا إِن الْحيض لَا يمْنَع وجوب قَضَاء الصَّوْم وَيمْنَع وجوب قَضَاء الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وجوب قَضَاء صَوْم عشرَة أَيَّام فِي سنة حرج وَفِي قَضَاء عشرَة أَيَّام كل يَوْم خمس صلوَات فِي شهر وَاحِد حرج فَافْتَرقَا وَلَو كَانَ مفيقا فَنوى الصَّوْم من اللَّيْل ثمَّ جن فَإِنَّهُ يجوز صَوْمه ذَلِك الْيَوْم لِأَنَّهُ وجد مِنْهُ النِّيَّة من اللَّيْل فَصَارَ كوجودها فِي النَّهَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَلَا يجوز صَوْمه الْيَوْم الثَّانِي وَإِن أمسك لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ النِّيَّة لِأَن الْمَجْنُون لَيْسَ من أهل النِّيَّة فَأَما الْبلُوغ فَشرط الْوُجُوب وَلَيْسَ بِشَرْط الْأَدَاء وعَلى هَذَا لَا يجب الصَّوْم على الصَّبِي لِأَن فِي وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِ وَمُدَّة الصِّبَا مُدَّة طَوِيلَة إِيقَاعه فِي الْحَرج وَإِذا كَانَ عَاقِلا يَصح مِنْهُ الصَّوْم لِأَنَّهُ من أهل النِّيَّة وَالِاخْتِيَار حَتَّى صَحَّ مِنْهُ الْإِسْلَام لَكِن لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم لِأَن الشَّرْع أسقط حُقُوقه عَنهُ نظرا لَهُ لقُصُور عقله وَأما ركن الصَّوْم فَهُوَ الْإِمْسَاك عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع قَالَ الله تَعَالَى {فَالْآن باشروهن وابتغوا مَا كتب الله لكم وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} أَبَاحَ هَذِه الْجُمْلَة فِي اللَّيَالِي ثمَّ أَمر بالإمساك عَن هَذِه الْجُمْلَة فِي النَّهَار فَمَتَى وجد الرُّكْن مَعَ وجود مَا ذكرنَا من الشَّرَائِط من الْأَهْلِيَّة وَالْوَقْت وَغير ذَلِك يكون صوما شَرْعِيًّا فَيجب عَلَيْهِ عبَادَة الله تَعَالَى إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول من شرع فِي الصَّوْم فِي وقته وَنوى الْإِمْسَاك لله تَعَالَى انْعَقَد فعله صوما شَرْعِيًّا فَيجب عَلَيْهِ الْإِتْمَام وَيحرم عَلَيْهِ الْإِفْطَار سَوَاء كَانَ فِي صَوْم الْفَرْض أَو فِي التَّطَوُّع لِأَنَّهُ إبِْطَال الْعَمَل لله تَعَالَى وَأَنه مَنْهِيّ عَنهُ لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وَعند الشَّافِعِي فِي صَوْم التَّطَوُّع لَا يجب عَلَيْهِ الْإِتْمَام لِأَنَّهُ غير مُقَدّر عِنْده فَيكون مَا أدّى عبَادَة بِنَفسِهِ فَأَما إِذا شرع فِي الصَّوْم على ظن أَنه عَلَيْهِ ثمَّ تبين أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يمْضِي فِيهِ وَلَا يفْطر وَلَو أفطر لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَهَذَا عندنَا وعَلى قَول زفر يجب عَلَيْهِ الْمُضِيّ وَالْقَضَاء إِذا أفْسدهُ وَفِي الْحَج يلْزمه بِالشُّرُوعِ تَطَوّعا سَوَاء كَانَ مَعْلُوما أَو مظنونا وَالْفرق بَينهمَا أَن الظَّن فِي بَاب الْحَج نَادِر وَفِي بَاب الصَّوْم وَالصَّلَاة لَيْسَ بنادر فَكَانَ فِي إِيجَاب الْمَعْنى وَالْقَضَاء حرج لِكَثْرَة وجوده هَهُنَا بِخِلَاف الْحَج وَإِذا ثَبت أَن ركن الصَّوْم مَا ذكرنَا ففواته وفساده بِوُجُود ضِدّه وَهُوَ الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع لِأَنَّهُ لَا بَقَاء للشَّيْء مَعَ ضِدّه وَهَذَا هُوَ الْقيَاس الْمَحْض وَلِهَذَا إِن من أكل أَو شرب أَو جَامع نَاسِيا لصومه فَإِنَّهُ يفْسد صَوْمه قِيَاسا وَهُوَ قَول مَالك وَعَامة الْعلمَاء قَالُوا لَا يفْسد اسْتِحْسَانًا للأثر الْمَعْرُوف فِي بَاب النَّاس تمّ على صومك فَإِنَّمَا أطعمك الله وسقاك وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَوْلَا قَول النَّاس لَقلت يقْضِي ذكر ذَلِك فِي الْجَامِع الصَّغِير أَي لَوْلَا قَول النَّاس إِنَّه خَالف الْأَثر لَقلت يقْضِي وَبَعض السّلف فرق بَين الْأكل وَالشرب وَبَين الْجِمَاع نَاسِيا وَقَالَ يفْسد صَوْمه فِي الْجِمَاع لِأَن الحَدِيث ورد فِي الْأكل وَالشرب دون الْجِمَاع وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَينهمَا لِأَن الحَدِيث مَعْلُول بِمَعْنى يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَينهمَا وَهُوَ أَنه فعل سماوي غير مُضَاف إِلَيْهِ حَيْثُ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 فَإِنَّمَا أطعمك الله وسقاك فَكَانَ وجوده كَعَدَمِهِ وَلَو دخل الذُّبَاب حلقه وَهُوَ ذَاكر لصومه لَا يفْسد لِأَنَّهُ مغلوب فِيهِ فَيكون بِمَعْنى النَّاسِي وَكَذَلِكَ لَو نظر إِلَى فرج امْرَأَة شَهْوَة فأمنى أَو تفكر فأمنى لَا يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ حصل الْإِنْزَال لَا بصنعه فَلَا يكون شَبيه الْجِمَاع لَا صُورَة وَلَا معنى وَكَذَلِكَ لَو دخل الْغُبَار أَو دخل الدُّخان أَو الرَّائِحَة فِي حلقه لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الِامْتِنَاع عَنهُ فَيكون فِي معنى النَّاس وَكَذَلِكَ لَو بَقِي بَلل بعد الْمَضْمَضَة وابتلعه مَعَ البزاق أَو ابتلع البزاق الَّذِي اجْتمع فِي فِيهِ لَا يفْسد صَوْمه لما قُلْنَا وَلَو بَقِي بَين أَسْنَانه شَيْء فابتلعه ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير وَقَالَ لَا يفْسد صَوْمه وَلم يقدره بِشَيْء وَعَن أبي يُوسُف أَن الصَّائِم إِذا كَانَ بَين أَسْنَانه لحم فابتلعه مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء دون الْكَفَّارَة وَعَن بن أبي مَالك مَا هُوَ توفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ إِن كَانَ مِقْدَار الحمصة أَو أَكثر فَإِنَّهُ يفْسد صَوْمه وَلَو أكله مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك لَا يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الِاحْتِرَاز عَنهُ كالريق وَقَالَ زفر يلْزمه الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ من جنس مَا يتَعَلَّق بِهِ الْكَفَّارَة إِلَّا أَنه متغير فَصَارَ كَاللَّحْمِ المنتن وَالصَّحِيح قَوْلنَا إِنَّه لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غير مَقْصُود بِالْأَكْلِ فَصَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 شُبْهَة كَمَا إِذا أكل الطين وَلَو أكره على الْإِفْطَار فَأكل يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ وجد مَا يضاده وَهَذَا لَيْسَ بنظير النَّاسِي لِأَن الْإِكْرَاه على الْإِفْطَار لَيْسَ بغالب فَلَا يكون فِي وجوب الْقَضَاء حرج فَأَما إِذا أوجد فِي حَلقَة وَهُوَ مَكْرُوه ذَاكر للصَّوْم يفْسد صَوْمه عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ أعذر من النَّاسِي وَلَكنَّا نقُول إِن هَذَا نَادِر وَلَيْسَ بغالب وَكَذَلِكَ الصَّائِم إِذا فتح فَاه وَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَوَقع قَطْرَة من الْمَطَر فِي حلقه يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ نَادِر وَكَذَلِكَ إِذا وجد فِي حلق النَّائِم يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ نَادِر وَكَذَلِكَ لَو جومعت النائمة أَو الْمَجْنُون يفْسد صَومهَا بِخِلَاف الناسية وَالنَّاسِي لِأَن هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّهُ لَا يكثر وجوده خُصُوصا فِي حَالَة الصَّوْم وَلَو تمضمض فوصل المَاء إِلَى حلقه فَإِن لم يكن ذَاكِرًا للصَّوْم لَا يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ فِي معنى النَّاسِي وَإِن كَانَ ذَاكِرًا لصومه يفْسد صَوْمه عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يفْسد لِأَنَّهُ خاطىء والخاطىء مَعْذُور كالناسي وَنحن نقُول بِأَنَّهُ لَيْسَ كالناسي لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن لَا يُبَالغ فِي الْمَضْمَضَة فَلَا يعْذر ثمَّ اعْلَم أَن فَسَاد الصَّوْم يتَعَلَّق بِهِ أَحْكَام من وجوب الْقَضَاء وَوُجُوب الْكَفَّارَة وَوُجُوب إمْسَاك بَقِيَّة الْيَوْم وَنَحْوهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 أما وجوب الْقَضَاء فَيتَعَلَّق بِمُطلق الْإِفْسَاد سَوَاء كَانَ بِعُذْر أَو بِغَيْر عذر وجد الْإِفْسَاد من حَيْثُ الصُّورَة أَو من حَيْثُ الْمَعْنى فِيهِ شُبْهَة الْإِبَاحَة أَو حرَام من كل وَجه وَذَلِكَ بوصول شَيْء من الْخَارِج إِلَى الْجوف بَيَانه أَن من أكل حَصَاة أَو نواة أَو تُرَابا يفْسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء لوُجُود الْأكل صُورَة لَا من حَيْثُ الْمَعْنى فَإِنَّهُ لم يحصل بِهِ قوام الْبدن وَدفع الْجُوع والعطش وَكَذَلِكَ لَو طعن بِرُمْح وَوَقع الرمْح فِيهِ يفْسد صَوْمه لدُخُول شَيْء من الْخَارِج إِلَى الْجوف فَوجدَ الْأكل صُورَة وَلَا معنى فَأَما إِذا طعن بِرُمْح ثمَّ أخرجه من سَاعَته لَا يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ فِي مَحل الطَّعَام وَلِهَذَا قَالُوا إِن من ابتلع لَحْمًا مربوطا على خيط ثمَّ انتزع من سَاعَته لَا يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ فِي مَحَله حَتَّى يعْمل عمله فِي دفع الْجُوع وَلَو وصل إِلَى جَوف الرَّأْس بالإقطار فِي الْأذن أَو السعوط أَو إِلَى الْبَطن بالاحتقان يفْسد صَوْمه لِأَنَّهُ يصل إِلَى جَوْفه بالحقنة وَكَذَا بالسعوط والإقطار فِي الْأذن لِأَن جَوف الرَّأْس لَهُ منفذ إِلَى الْبَطن وَأما فِي الإقطار من الإحليل فَلَا يفْسد الصَّوْم عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يفْسد وَهَذَا لَيْسَ بِخِلَاف من حَيْثُ الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ لَو وصل إِلَى الْجوف يفْسد بِالْإِجْمَاع وَلَو لم يصل لَا يفْسد بِالْإِجْمَاع إِلَّا أَنَّهُمَا أخذا بِالظَّاهِرِ فَإِن الْبَوْل يخرج مِنْهُ فَيكون لَهُ منفذ وَأَبُو حنيفَة يَقُول لَيْسَ لَهُ منفذ وَإِنَّمَا الْبَوْل يترشح مِنْهُ كَمَا يترشح المَاء من الْكوز الْجَدِيد وَالْبَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 يدْفع مَا أقطر فِي الإحليل من الترشح إِلَى الْجوف وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة مثل قَوْلهمَا وَهُوَ الصَّحِيح وَأما الْجَائِفَة وَالْأمة إِذا داووهما فَإِن كَانَ الدَّوَاء يَابسا فَلَا يفْسد لِأَنَّهُ لَا يصل إِلَى الْجوف وَأما إِذا كَانَ رطبا فَيفْسد عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا يفْسد فَأَبُو حنيفَة اعْتبر ظَاهر الْوُصُول بوصول المغذي إِلَى الْجوف حَقِيقَة وهما يعتبران الْوُصُول بالمخارق الْأَصْلِيّ لَا غير ويقولان فِي الْمخَارِق الْأَصْلِيَّة يتَيَقَّن الْوُصُول فَأَما فِي الْمخَارِق الْعَارِض فَيحْتَمل الْوُصُول إِلَى الْجوف وَيحْتَمل الْوُصُول إِلَى مَوضِع آخر لَا إِلَى مَحل الْغذَاء والدواء فَلَا يفْسد الصَّوْم مَعَ الشَّك وَالِاحْتِمَال وَأَبُو حنيفَة يَقُول الْوُصُول إِلَى الْجوف ثَابت ظَاهرا فَكفى لوُجُوب الْقَضَاء احْتِيَاطًا وعَلى هَذَا إِذا ذرعه الْقَيْء بِغَيْر فعله لَا يفْسد صَوْمه وَإِن كَانَ ملْء الْفَم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث لَا يفطرن الصَّائِم الْقَيْء والحجامة والاحتلام وَإِن عَاد شَيْء من الْقَيْء إِلَى جَوْفه فَإِن كَانَ أقل من ملْء الْفَم لَا يفْسد صَوْمه بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ ملْء الْفَم ذكر الْقَدُورِيّ أَن على قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد يفْسد صَوْمه وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا يفْسد وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا فِي هَذَا الْفَصْل على قَول أبي يُوسُف لَا يفْسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وعَلى قَول مُحَمَّد لَا يفْسد وَلم يذكر قَول أبي حنيفَة وَمَا ذكره الْقَدُورِيّ أثبت فَأَما إِذا أَعَادَهُ فَإِن كَانَ ملْء الْفَم يفْسد صَوْمه بِالْإِجْمَاع فَأَما إِذا كَانَ أقل من ملْء الْفَم فَعَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رِوَايَتَانِ وَقَالَ مُحَمَّد ينْقض صَوْمه فَأَما إِذا استقاء عمدا وَأخرج بصنعه فَإِن كَانَ ملْء الْفَم ينْتَقض صَوْمه بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ أقل من ملْء الْفَم ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ إِذا تقيأ عمدا يفْسد صَوْمه وَلم يفصل بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَذكر الْكَرْخِي هَهُنَا أَنه إِذا تقيأ عمدا وَهُوَ أقل من ملْء الْفَم فطره وَهُوَ قَول مُحَمَّد وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة إِن كَانَ ملْء الْفَم يفطره وَإِن كَانَ مَا دونه لَا يفطره وَهَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف فَأَما إِذا عَاد أَو أعَاد فعلى قَول مُحَمَّد لَا يَجِيء هَذَا التَّفْصِيل لِأَن الصَّوْم عِنْده فسد بِنَفس الاستقساء وعَلى قَول أبي يُوسُف إِن عَاد لَا يفْسد وَفِي الْإِعَادَة عَنهُ رِوَايَتَانِ وَهَذَا كُله إِذا كَانَ ذَاكِرًا للصَّوْم وَإِن لم يكن ذَاكِرًا لَا يفْسد صَوْمه كالناسي وَلَو جَامع امْرَأَته فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل يفْسد صَوْمه لوُجُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الْجِمَاع من حَيْثُ الْمَعْنى دون الصُّورَة وَلَو بَاشَرَهَا وَأنزل يفْسد أَيْضا لوُجُود اقْتِضَاء الشَّهْوَة بِفِعْلِهِ وَكَذَلِكَ لَو استمنى بالكف فَأنْزل فَإِنَّهُ يفْسد لِأَنَّهُ اقْتضى شَهْوَته بِفِعْلِهِ وَلَو جَامع الْبَهِيمَة فَأنْزل يفْسد صَوْمه وَلَا يلْزمه الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ وجد الْجِمَاع من حَيْثُ الصُّورَة وَالْمعْنَى وعَلى وَجه الْقُصُور لسعة الْمحل فَلَا يكون نظيرا للجماع فِي قبل الْمَرْأَة وَلَو أولج فِي البهيم وَلم ينزل لَا يفْسد بِخِلَاف الْإِيلَاج فِي الْآدَمِيّ وَقيل يفْسد كَمَا فِي الْإِيلَاج فِي الْآدَمِيّ وَكَذَلِكَ الْإِفْطَار إِذا كَانَ بِعُذْر يُوجب الْقَضَاء والأعذار الَّتِي تبيح الْإِفْطَار للصَّائِم سِتَّة السّفر وَالْمَرَض الَّذِي يزْدَاد بِالصَّوْمِ أَو يقْضِي إِلَى الْهَلَاك وحبل الْمَرْأَة وإرضاعها إِذا أضرّ بهَا أَو بِوَلَدِهَا والعطاش الشَّديد والجوع الَّذِي يخَاف مِنْهُ الْهَلَاك وَالشَّيْخ الفاني إِذا كَانَ لَا يقدر على الصَّوْم وَأَصله قَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} ثمَّ السّفر الْمُبِيح للفطر هُوَ السّفر الْمُبِيح للقصر وَهُوَ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها سير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن يُسَافر قبل رَمَضَان وَبَين أَن يُسَافر بعد دُخُول رَمَضَان سَافر بَعْدَمَا أهل فِي الْحَضَر هِلَال رَمَضَان وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الصَّحَابَة وَعَامة الْعلمَاء لِأَن النَّص مُطلق وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَو على سفر} وَكَذَلِكَ الدَّاعِي إِلَى الرُّخْصَة وَهُوَ الْمَشَقَّة عَام شَامِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَرُوِيَ عَن عَليّ وَعبد الله بن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا لَا يبيحان الْفطر إِذا للحالين جَمِيعًا وَلَكِن الصَّوْم فِي رَمَضَان جَائِز فِي السّفر عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَهُوَ مُخْتَلف بَين الصَّحَابَة عِنْد بَعضهم يجوز وَعند بَعضهم لَا يجوز وَالْإِجْمَاع الْمُتَأَخر يرفع الْخلاف الْمُتَقَدّم وَاخْتلفُوا فِي أَن الصَّوْم أفضل أم الْإِفْطَار فعندنا الصَّوْم أفضل لِأَنَّهُ عَزِيمَة والإفطار رخصَة إِذا لم يلْحقهُ مشقة وَعند الشَّافِعِي الْفطر أفضل لِأَنَّهُ عَزِيمَة وَالصَّوْم رخصَة عِنْده وَرُوِيَ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَعُرْوَة بن الزبير وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم مثل مَذْهَبنَا وَعَن ابْن عَبَّاس مثل مذْهبه وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من كَانَت لَهُ حمولة يأوي إِلَى شبع فليصم رَمَضَان حَيْثُ أدْركهُ وَمن أفطر لشَيْء من الْعذر ثمَّ زَالَ الْعذر فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِعَدَد الْأَيَّام الَّتِي يَزُول عَنهُ الْعذر فِيهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء مَا لم يزل الْعذر عَنهُ فِيهَا حَتَّى إِن الْمُسَافِر إِذا مَاتَ فِي السّفر وَالْمَرِيض قبل الْبُرْء لَا يجب عَلَيْهِمَا الْقَضَاء لِأَن الْعَاجِز لَا يُكَلف وَإِن أدْركَا بِعَدَد مَا فاتهما يلْزمهُمَا الْقَضَاء وَإِذا مَاتَا قبل الْقَضَاء يجب عَلَيْهِمَا الْفِدْيَة والفدية أَن يطعم لكل يَوْم مِسْكينا بِقدر مَا يجب فِي صَدَقَة الْفطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 لَكِن إِن أوصى يُؤَدِّي الْوَصِيّ من ثلث مَاله وَإِن لم يوص وتبرع الْوَرَثَة جَازَ وَإِن لم يتبرعوا لَا يلْزمهُم الْأَدَاء بل يسْقط فِي حكم الدُّنْيَا وَهَذَا عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لما ذكرنَا من الزَّكَاة إِذا مَاتَ من عَلَيْهِ الزَّكَاة من غير وَصِيَّة بِالْأَدَاءِ وَأما إِذا صَحَّ الْمَرِيض أَيَّامًا ثمَّ مَاتَ يلْزمه الْقَضَاء بِعَدَد مَا صَحَّ وَلَا يلْزمه قَضَاء جَمِيع مَا فَاتَهُ فِي قَول أَصْحَابنَا جَمِيعًا وَذكر الطَّحَاوِيّ هَذِه الْمَسْأَلَة على الِاخْتِلَاف فَقَالَ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يلْزمه قَضَاء الْجَمِيع إِذا صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا وَقَالَ مُحَمَّد يلْزمه بِقدر مَا أدْرك وَهَذَا غلط وَإِنَّمَا نقل الطَّحَاوِيّ جَوَاب مَسْأَلَة النّذر وَترك جَوَاب هَذِه الْمَسْأَلَة وَتلك الْمَسْأَلَة أَن الْمَرِيض إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا فَإِن مَاتَ قبل أَن يَصح لم يلْزمه شَيْء وَإِن صَحَّ يَوْمًا وَاحِد لزم أَن يُوصي بِالْإِطْعَامِ لجَمِيع الشَّهْر عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد لَا يلْزمه إِلَّا مِقْدَار مَا صَحَّ فمحمد قَاس إِيجَاب العَبْد بِإِيجَاب الله تَعَالَى وَفِي إِيجَاب الله تَعَالَى لَا يلْزمه لَا بِقدر مَا صَحَّ فَكَذَا فِي النّذر وهما فرقا بَينهمَا وَبَين الْأَمريْنِ فرق أَلا ترى أَن من قَالَ لله عَليّ أَن أحج ألف حجَّة يلْزمه وَإِن لم يكن فِي وَسعه عَادَة وَالله تَعَالَى مَا أوجب إِلَّا حجَّة وَاحِدَة وَأما الْكَلَام فِي وجوب الْكَفَّارَة فَإِنَّهَا تتَعَلَّق بالإفطار الْكَامِل صُورَة وَمعنى فِي رَمَضَان مَعَ وجود صفة العمدية وَكَونه حَرَامًا مَحْضا لَيْسَ فِيهِ شُبْهَة الْإِبَاحَة بِأَن أفطر مُتَعَمدا وَلَا يُبَاح لَهُ الْإِفْطَار بِعُذْر وَلَا لَهُ شُبْهَة الْإِبَاحَة بَيَان ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 إِذا جَامع الصَّحِيح الْمُقِيم عمدا فِي شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ يلْزمه الْكَفَّارَة بِحَدِيث الْأَعرَابِي أَنه قَالَ هَلَكت وأهلكت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاذَا صنعت فَقَالَ واقعت امْرَأَتي فِي شهر رَمَضَان وَأَنا صَائِم فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام اعْتِقْ رَقَبَة وَأما الْمَرْأَة الَّتِي تجامع يلْزمهَا الْكَفَّارَة عندنَا وللشافعيقولان فِي قَول لَا يلْزمهَا الْكَفَّارَة لِأَن النَّص ورد فِي الرجل دون الْمَرْأَة وَفِي قَول تجب ويتحملها الرجل لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهَا بِسَبَب فعله وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الحكم تعلق بِالْجِمَاعِ الْحَرَام الْمُفْسد للصَّوْم وَقد وجد مِنْهَا وَلِهَذَا فِي بَاب الزِّنَى يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا الْحَد لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الزِّنَى فَكَذَا هَذَا وَأما فِي الْأكل وَالشرب عمدا فَتجب الْكَفَّارَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا تجب لِأَن النَّص ورد فِي الْجِمَاع بِخِلَاف الْقيَاس فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ غَيره وَقُلْنَا إِنَّهَا تجب مَعْقُول الْمَعْنى وَهُوَ تَكْفِير جِنَايَة إِفْسَاد الصَّوْم من كل وَجه وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الْأكل وَالشرب لِأَن الصَّوْم هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْأكل وَالْجِمَاع فَكَانَ الْإِفْسَاد بِأَحَدِهِمَا نَظِير الْإِفْسَاد بِالْآخرِ وَإِذا اسْتَويَا فِي الْإِفْسَاد فاستويا فِي الْإِثْم فَيجب أَن يستويا فِي وجوب الرافع للإثم وَلَو أولج وَلم ينزل تجب الْكَفَّارَة لِأَن الْإِيلَاج هُوَ الْجِمَاع فَأَما الْإِنْزَال حَالَة الْفَرَاغ فَلَا عِبْرَة بِهِ وَلَو أنزل فِيمَا دون الْفرج لَا يجب الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ وجد الْجِمَاع معنى لَا صُورَة وَفِي الْمَعْنى قُصُور فَكَانَ دون الْجِمَاع فِي الْجِنَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وَلَو جَامع الْبَهِيمَة وَأنزل لَا تجب الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ قَاصِر من حَيْثُ الْمَعْنى لسعة الْمحل وَنَحْوهَا وَأما إِذا جَامع فِي الْموضع الْمَكْرُوه عمدا فعلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد تجب الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ مُلْحق بالزنى عِنْدهمَا فِي حق وجوب الْحَد فَفِي حق وجوب الْكَفَّارَة أولى وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة الْحسن عَنهُ أَنه لَا يجب وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف عَنهُ أَن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَالْغسْل أنزل أَو لم ينزل وَلَو جَامع فِي شهر رَمَضَان مرَارًا فِي ظَاهر الرِّوَايَة تلْزمهُ كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر للْأولِ وَلَو كفر ثمَّ جَامع ثَانِيًا يلْزمه كَفَّارَة أُخْرَى وَذكر فِي الكيسانيات أَنه يلْزمه كَفَّارَة وَاحِدَة من غير فصل وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يلْزمه لكل يَوْم كَفَّارَة لِأَنَّهُ وجد فِي كل يَوْم إِفْسَاد كَامِل وَلَو أفسد بِالْجِمَاعِ فِي رمضانين فَعَن أَصْحَابنَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة يجب كفارتان وَفِي رِوَايَة كفار وَاحِدَة وَلنَا فِي الْمَسْأَلَة طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن الْكَفَّارَة تجب بطرِيق الزّجر وَأَسْبَاب الزّجر إِذا اجْتمعت لَا يجب بهَا إِلَّا زاجر وَاحِد كَمَا فِي الزِّنَى إِذا وجد مرَارًا لَا تجب إِلَّا حد وَاحِد وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب بطرِيق التَّكْفِير وَرفع الْإِثْم وَلَكِن الْإِفْطَار فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث فِي الْجِنَايَة فَوق الْإِفْطَار فِي الْيَوْم الأول لِأَنَّهُ انضمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 إِلَيْهِ جِنَايَة الْإِفْطَار وَجِنَايَة الْإِصْرَار وَإِيجَاب الْكَفَّارَة لأدنى الجنايتين لَا يصلح للأعلى هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا لم يكن فِي الْإِفْطَار شُبْهَة فَأَما إِذا كَانَ فِيهِ شُبْهَة فَلَا يجب فَإِن الْمُسَافِر إِذا صَامَ فِي رَمَضَان ثمَّ جَامع مُتَعَمدا لَا يلْزمه الْكَفَّارَة لِأَن فِيهِ شُبْهَة الْإِبَاحَة لقِيَام السَّبَب الْمُبِيح صُورَة وَهُوَ السّفر وَكَذَلِكَ إِذا تسحر على ظن أَن الْفجْر لم يطلع فَإِذا هُوَ طالع أَو أفطر على ظن أَن الشَّمْس قد غربت فَإِذا هِيَ لم تغرب لَا تجب الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ خاطىء وَإِلَّا ثمَّ عَنهُ مَرْفُوع بِالنَّصِّ وكل من أكل أَو شرب أَو جَامع نَاسِيا أَو ذرعه الْقَيْء فَظن أَن ذَلِك يفطره فَأكل بعد ذَلِك مُتَعَمدا لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَن هَذَا شُبْهَة فِي مَوضِع الِاشْتِبَاه لوُجُود المضاد للصَّوْم قَالَ مُحَمَّد إِلَّا إِذا بلغ الْخَبَر أَن أكل النَّاس والقيء لَا يفسدان الصَّوْم فَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الظَّن فِي غير مَوضِع الشُّبْهَة لَا يعْتَبر فَأَما إِذا احْتجم فَظن أَن ذَلِك يفطره ثمَّ أفطر مُتَعَمدا إِن استفتى فَقِيها فَأفْتى بالإفطار ثمَّ أفطر مُتَعَمدا لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَن الْعَاميّ يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد الْعَالم فَيصير ذَلِك شُبْهَة وَلَو بلغه الحَدِيث أفطر الحاجم والمحجوم روى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اعْتمد على الحَدِيث وَهُوَ حجَّة فِي الأَصْل وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الْعَاميّ يجب عَلَيْهِ الاستفتاء من الْمُفْتِي دون الْعَمَل بِظَاهِر الحَدِيث لِأَنَّهُ قد يكون مَتْرُوك الظَّاهِر وَقد يكون مَنْسُوخا فَلَا يصير شُبْهَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَإِن لمس امْرَأَة بِشَهْوَة أَو قبل امْرَأَة بِشَهْوَة وَلم ينزل فَظن أَن ذَلِك يفطره فَأكل عمدا يلْزمه الْكَفَّارَة لِأَن ذَلِك لَا يُنَافِي الصَّوْم فَيكون ظنا فِي غير مَوْضِعه إِلَّا إِذا استفتى فَقِيها أَو أول الحَدِيث فَأفْطر على ذَلِك فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِن أَخطَأ وَلم يثبت الحَدِيث لِأَن ظَاهره يعْتَبر شُبْهَة فَإِن اغتاب فَظن أَن ذَلِك يفطره فأكد عمدا يلْزمه الْكَفَّارَة وَإِن بلغه الحَدِيث لِأَنَّهُ تَأْوِيل بعيد لِأَنَّهُ لَا يُرَاد بِهِ إفطار الصَّوْم حَقِيقَة وَالله أعلم وَأما حكم وجوب إمْسَاك بَقِيَّة الْيَوْم بعد الْإِفْطَار فعندنا كل من صَار بِحَال لَو كَانَ على تِلْكَ الْحَالة فِي أول النَّهَار يجب عَلَيْهِ الصَّوْم فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْإِمْسَاك فِي الْبَاقِي سَوَاء كَانَ الصَّوْم وَاجِبا عَلَيْهِ فِي أول النَّهَار يجب عَلَيْهِ الصَّوْم فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْإِمْسَاك فِي الْبَاقِي سَوَاء كَانَ الصَّوْم وَاجِبا عَلَيْهِ فِي أول النَّهَار الْقيام سَبَب الْوُجُوب والأهلية ثمَّ عجز عَن الْأَدَاء لِمَعْنى من الْمعَانِي كمن أفطر فِي رَمَضَان مُتَعَمدا أَو اشْتبهَ عَلَيْهِ يَوْم الشَّك فَأفْطر أَو تسحر على ظن أَن الْعَجز لم يطلع وَقد طلع أَو لم يكن الصَّوْم وَاجِبا عَلَيْهِ لعدم الْأَهْلِيَّة أَو لعذر الْعَجز فَأكل ثمَّ زَالَ الْعذر وَحدثت الْأَهْلِيَّة كَالْمَرِيضِ إِذا صَحَّ وَالْمُسَافر إِذا قدم وَالْمَجْنُون إِذا أَفَاق وَالصَّبِيّ إِذا بلغ وَالْكَافِر إِذا أسلم وَالْحَائِض إِذا طهرت وَنَحْوهَا وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَقَالَ فِي قَول آخر إِن كل من وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم ثمَّ أفطر لعذر أَو لغير عذر يلْزمه الْإِمْسَاك وكل من لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم فَأفْطر ثمَّ صَار بِحَال لَو كَانَ كَذَلِك فِي أول النَّهَار يجب عَلَيْهِ الصَّوْم فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ الْإِمْسَاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 قَالَ وَلِهَذَا بِالْإِجْمَاع إِن من قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم الْيَوْم الَّذِي يقدم فلَان فِيهِ فَقدم فلَان فِي الْيَوْم بَعْدَمَا أكل فِيهِ لَا يجب عَلَيْهِ الْإِمْسَاك لما أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم فِيهِ وَالْمعْنَى الْجَامِع أَن الْإِمْسَاك بِمَنْزِلَة الْخلف عَن الصَّوْم فِي حق قَضَاء حُرْمَة الْوَقْت فَإِن لم يكن الأَصْل وَاجِبا لَا يجب الْخلف وَقُلْنَا يجب لِأَن الْإِمْسَاك إِنَّمَا يجب تشبها بالصائمين قَضَاء لحق الْوَقْت بِقدر الْإِمْكَان لَا خلفا أَلا ترى أَنه يجب الْقَضَاء خَارج رَمَضَان على الْفطر الَّذِي وَجب عَلَيْهِ الصَّوْم خلفا عَن الصَّوْم الْوَاجِب فَكيف يكون الْإِمْسَاك خلفا عَنهُ وَفِي هَذَا الْمَعْنى يَسْتَوِي الْحَال بَين الْوُجُوب وَعدم الْوُجُوب بِخِلَاف مَسْأَلَة النّذر لِأَن ثمَّة الصَّوْم مَا وَجب بِإِيجَاب الله تَعَالَى حَتَّى يجب الْإِمْسَاك قَضَاء لحق الْوَقْت بل يجب بِالنذرِ فَهُوَ الْفرق بَينه وَبَين سَائِر الْفُصُول بِخِلَاف الطاهرة إِذا حَاضَت أَو نفست فِي حَالَة الصَّوْم حَيْثُ لَا تمسك لِأَنَّهَا لَيست بِأَهْل للصَّوْم والتشبه بِأَهْل الْعِبَادَة لَا يَصح من غير الْأَهْل كحقيقة الْعِبَادَة بِخِلَاف هَذَا الْفُصُول وَالله أعلم وَأما بَيَان سنَن الصَّوْم وآدابه وَمَا يكره فِيهِ وَمَا لَا يكره فَنَقُول إِنَّمَا التسحر سنة فِي حق الصَّائِم على مَا رُوِيَ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِن فصل مَا بَين صيامنا وَصِيَام أهل الْكتاب أَكلَة السحر ثمَّ ينظر إِن كَانَ شاكا فِي طُلُوع الْفجْر إِنَّه طلع أم لَا يَنْبَغِي أَن يدع التسحر لِأَنَّهُ رُبمَا طلع الْفجْر فَيفْسد صَوْمه فَأَما إِذا كَانَ متيقنا أَن الْفجْر لم يطلع فالمستحب أَن يتسحر وَإِن كَانَ أَكثر رَأْيه أَن الْفجْر لم يطلع يَنْبَغِي أَن يدع الْأكل أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 لما قُلْنَا لَكِن لَو تسحر لَا يلْزمه الْقَضَاء لِأَن بَقَاء اللَّيْل أصل وَهُوَ ثَابت بغالب الرَّأْي وَإِنَّمَا الشَّك وَالِاحْتِمَال فِي طُلُوع الْفجْر فَلَا يجب الْقَضَاء بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَال وَلَو أَن أَكثر رَأْيه أَن الْفجْر طالع فَأكل عَن الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يلْزمه الْقَضَاء وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يلْزمه الْقَضَاء لِأَن الأَصْل هُوَ اللَّيْل فَلَا ينْقل عَنهُ إِلَّا بِيَقِين وَالصَّحِيح هُوَ الأول لِأَن غَالب الرَّأْي دَلِيل وَاجِب الْعَمَل بِهِ وَلَو كَانَ غَالب ظَنّه أَن الشَّمْس قد غربت لَا يَسعهُ أَن يفْطر لاحْتِمَال أَن الشَّمْس لم تغرب وَلَو أفطر لَا قَضَاء عَلَيْهِ لِأَن الْغَالِب فِي حق الْعَمَل بِمَنْزِلَة الْمُتَيَقن وَلَو كَانَ غَالب ظَنّه أَن الشَّمْس لم تغرب ثمَّ أفطر كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاء لِأَن بَقَاء النَّهَار أصل وَالِاحْتِمَال فِي الْغُرُوب وَلَكِن لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ خلافًا لما قَالَ بعض الْفُقَهَاء أَنه تجب الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ مُتَيَقن بِالنَّهَارِ وَالصَّحِيح مَا ذكرنَا لِأَن احْتِمَال الْغُرُوب قَائِم وَإنَّهُ يَكْفِي شُبْهَة وَلَا بَأْس بِأَن يكتحل الصَّائِم بالإثمد وَغَيره وَإِن وجد طعم ذَلِك فِي حلقه لَا يفطره خلافًا لِابْنِ أبي ليلى وَأَصله مَا رُوِيَ عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام خرج فِي رَمَضَان وَعَيناهُ مملوءتان كحلا كحلته أم سَلمَة وَلِأَن الْعين لَا منفذ بهَا إِلَى الْجوف وَمَا يجد فِي حلقه فَذَلِك أَثَره لَا عينه وَيكرهُ إِدْخَال شَيْء مطعوم فِي الْغم للذوق أَو ليمضغه لصبي لَهُ لِأَنَّهُ رُبمَا يصل إِلَى جَوْفه مِنْهُ شَيْء فيفطره وَلَكِن لَا يفْسد صَوْمه إِلَّا أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 يصل إِلَى جَوْفه شَيْء مِنْهُ بِيَقِين أَو بغالب الرَّأْي وَكره أَبُو حنيفَة أَن يمضع الصَّائِم العلك لِأَنَّهُ لَا يُؤمن من أَن ينْفَصل مِنْهُ شَيْء فَيدْخل جَوْفه وَقيل إِنَّمَا يكره إِذا كَانَ متفتتا فَأَما إِذا كَانَ معجونا فَلَا يكره لِأَنَّهُ لَا يصل شَيْء مِنْهُ إِلَى جَوْفه وَقيل إِنَّمَا لَا يفْسد إِذا لم يكن متيقنا فَأَما إِذا كَانَ متيقنا فَيفْسد لِأَنَّهُ يصل إِلَى جَوْفه شَيْء مِنْهُ لَا محَالة وَلَا بَأْس للصَّائِم أَن يستاك رطبا كَانَ أَو يَابسا مبلولا بِالْمَاءِ أَو غير مبلول فِي أول النَّهَار أَو فِي آخِره وَقَالَ الشَّافِعِي يكره فِي آخر النَّهَار وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكره إِذا كَانَ مبلولا بِالْمَاءِ وَالصَّحِيح مَا ذكرنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ خير خلال الصَّائِم السِّوَاك من غير فصل بَين حَال وَحَال وَلَا يَنْبَغِي للمقيم إِذا سَافر فِي بعض نَهَار رَمَضَان أَن يفْطر لِأَنَّهُ تعين الْيَوْم للصَّوْم لكَونه مُقيما فِي أَوله وَمثله لَو أَرَادَ الْمُسَافِر أَن يُقيم فِي مصر من الْأَمْصَار أَو يدْخل مصره فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يفْطر لِأَنَّهُ فِي آخِره مُقيم والمقيم لَا يجوز لَهُ الْإِفْطَار وَلما فِيهِ من إِيقَاع نَفسه فِي التُّهْمَة وَلَا بَأْس أَن يقبل ويباشر إِذا كَانَ يَأْمَن على نَفسه مَا سوى ذَلِك وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا بَأْس بالقبلة للصَّائِم وَيكرهُ لَهُ المعانقة والمباشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَأَصله مَا رُوِيَ أَن شَابًّا وشيخا سَأَلَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْقبْلَة للصَّائِم فَنهى الشَّاب وَرخّص للشَّيْخ وَأما الْمُبَاشرَة فمكروهة على رِوَايَة الْحسن لِأَن الْغَالِب أَن الْمُبَاشرَة تَدْعُو إِلَى مَا سواهَا بِخِلَاف الْقبْلَة وَهُوَ الْأَصَح وَأما الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فَلَا بَأْس بهما لصَلَاة وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يكره لغير الصَّلَاة لاحْتِمَال وُصُول شَيْء إِلَى الْجوف وَمَا الِاسْتِنْشَاق لغير الصَّلَاة والاغتسال وصب المَاء على الرَّأْس والتلفف بِالثَّوْبِ المبلول فَروِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه يكره لِأَن إِظْهَار الضجر من الْعِبَادَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يكره فَأخذ أَبُو حنيفَة بقول الشّعبِيّ وَأخذ أَبُو يُوسُف بقول الْبَصْرِيّ وَلَا يكره الْحجامَة للصَّائِم وَقَالَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث إِنَّهَا تفطر الصَّائِم لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أفطر الحاجم والمحجوم وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لما روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ثَلَاث لَا يفطرن الصَّائِم الْقَيْء والحجامة والاحتلام وَأما الحَدِيث فَذَاك فِي الِابْتِدَاء لما أَنه سَبَب ضعف الصَّائِم ثمَّ رخص بعد ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وَلَيْسَ للْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا إِلَّا بِإِذن زَوجهَا وَكَذَا العَبْد لَيْسَ لَهُ أَن يَصُوم تَطَوّعا إِلَّا بِإِذن الْمولى لِأَن فِي ذَلِك تَفْوِيت حَقّهمَا عَن الِانْتِفَاع الْمُسْتَحق فيمنعان عَن ذَلِك وَلَا بَأْس بِأَن يصبح الرجل جنبا وَإِن ذَلِك لَا يفْسد صَوْمه وَقَالَ بعض النَّاس بِأَنَّهُ يفْسد صَوْمه لما روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من أصبح جنبا فَلَا صَوْم لَهُ مُحَمَّد وَرب الْكَعْبَة قَالَه وَحجَّة عَامَّة الْعلمَاء مَا روى مُحَمَّد فِي الْكتاب عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يصبح جنبا من غير احْتِلَام ويصوم يَوْمه ذَلِك وَذَلِكَ فِي رَمَضَان وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة روته عَائِشَة فَلَا يُعَارض بِمَا روينَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 بَاب الِاعْتِكَاف الْكَلَام فِي الِاعْتِكَاف فِي مَوَاضِع فِي بَيَان كَونه سنة أَو وَاجِبا وَفِي بَيَان شَرَائِطه وَفِي بَيَان رُكْنه وَفِي بَيَان مَا يُفْسِدهُ وَفِي بَيَان سنَنه وآدابه أما الأول فالاعتكاف سنة فقد فعله النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وواظب عَلَيْهِ على مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى توفاه الله لَكِن يصير وَاجِبا بِالنذرِ وبالشروع لِأَنَّهُمَا جعلا من أَسبَاب الْوُجُوب فِي الشَّرْع فَأَما الشَّرَائِط فَمِنْهَا الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف الْوَاجِب فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا فِي التَّطَوُّع وَفِي رِوَايَة الْحسن فِي التَّطَوُّع أَيْضا وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط وروى الْحسن عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 عَليّ مثل قَوْلنَا وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود مثل قَول الشَّافِعِي وَلنَا أَن أحد ركني الصَّوْم وَهُوَ الْإِمْسَاك عَن الْجِمَاع شَرط فِي بَاب الِاعْتِكَاف فَكَذَلِك الرُّكْن الآخر وَهُوَ الْإِمْسَاك عَن الْأكل وَالشرب وَهَذَا لِأَن الِاعْتِكَاف مجاورة بَيت الله تَعَالَى والإعراض عَن الدُّنْيَا والاشتغال بِخِدْمَة الْمولى وَهَذَا لَا يتَحَقَّق بِدُونِ ترك قَضَاء الشهوتين إِلَّا بِقدر مَا فِيهِ ضَرُورَة وَهُوَ الْأكل وَالشرب فِي اللَّيَالِي وَلَا ضَرُورَة فِي الْجِمَاع وَيَنْبَنِي على هَذَا الأَصْل أَن الِاعْتِكَاف لَا يجوز فِي اللَّيْل وَحده عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن الصَّوْم شَرط الِاعْتِكَاف أَو رُكْنه على مَا ذكرنَا وَلَا وجود للشَّيْء بِدُونِ رُكْنه وَشَرطه وَأما إِذا أوجب الِاعْتِكَاف أَيَّامًا يدْخل اللَّيْل تبعا فَلَا يشْتَرط لَهُ شَرط الأَصْل وَعند الشَّافِعِي الصَّوْم لَيْسَ بِشَرْط فَيكون اللَّيْل وَالنَّهَار سَوَاء وَمِنْهَا أَن الْإِمْسَاك عَن الْجِمَاع شَرط قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} وَأما الْمَرْأَة فقد ذكر هَهُنَا وَقَالَ لَا تعتكف الْمَرْأَة إِلَّا فِي مَسْجِد بَيتهَا وَلَا يَنْبَغِي أَن تخرج من الْمنزل فِي الِاعْتِكَاف وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن للْمَرْأَة أَن تعتكف فِي مَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الْجَمَاعَة وَإِن شَاءَت اعتكفت فِي مَسْجِد بَيتهَا وَمَسْجِد بَيتهَا أفضل لَهَا من مَسْجِد حيها وَمَسْجِد حيها أفضل لَهَا من الْمَسْجِد الْجَامِع وَهَذَا لَيْسَ باخْتلَاف الرِّوَايَة لِأَنَّهُ على الرِّوَايَتَيْنِ يجوز الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد وَالْأَفْضَل هُوَ فِي مَسْجِد بَيتهَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز فِي مَسْجِد بَيتهَا وَهُوَ فَاسد فَإِن صلَاتهَا تجوز فِي مَسْجِد بَيتهَا وَهَذَا الْمَكَان مُتَعَيّن للصَّلَاة فالاعتكاف أولى وَأما ركن الِاعْتِكَاف فَهُوَ كاسمه وَهُوَ اللَّيْث وَالْمقَام فِي الْمَسْجِد وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيحرم الْخُرُوج من مُعْتَكفه لِأَنَّهُ يضاده وَلَا بَقَاء للشَّيْء مَعَ ضِدّه وَإِبْطَال الْعِبَادَة حرَام وَإِنَّمَا يُبَاح الْخُرُوج لأجل الضَّرُورَة وَذَلِكَ لحجة الْبَوْل وَالْغَائِط ولأداء الْجُمُعَة لِأَنَّهَا فرض عَلَيْهِ فَأَما الْأكل وَالشرب وَالنَّوْم فَجَائِز فِي الْمَسْجِد فَلَا ضَرُورَة فِي ذَلِك وَلِهَذَا قَالُوا لَا يُبَاح لَهُ فخروج لعيادة الْمَرِيض وتشييع الْجِنَازَة لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِفَرْض عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْض عين فَإِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ ثمَّ إِذا أَرَادَ أَن يخرج إِلَى الْجُمُعَة يَنْبَغِي أَن يخرج وَقت سَماع الْأَذَان فَيكون فِي الْمَسْجِد مِقْدَار مَا يُصَلِّي قبلهَا أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا أَو سِتا كَذَا ذكر هَهُنَا وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة مِقْدَار مَا يُصَلِّي قبلهَا أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا وَقَالَ مُحَمَّد إِذا كَانَ منزله بَعيدا يخرج حِين يرى أَنه يبلغ الْمَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 عِنْد النداء لِأَن الْفَرْض أَدَاء الْجُمُعَة فَيقدر بِوَقْت يُمكنهُ فِيهِ أَدَاء الْجُمُعَة بسنتها فَإِن أَقَامَ فِي الْمَسْجِد الْجَامِع حِين خرج إِلَى الْجُمُعَة يَوْمًا وَلَيْلَة لم ينْتَقض اعْتِكَافه لِأَن الْجَامِع يصلح لابتداء الِاعْتِكَاف فيصلح للبقاء وَلَكِن لَا أحب أَن يفعل ذَلِك بل يكره لَهُ ذَلِك لِأَن الْتزم فعل الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد الْمعِين فَيلْزمهُ ذَلِك مَعَ الْإِمْكَان وَلَو أَنه انْهَدم الْمَسْجِد الَّذِي اعْتكف فِيهِ أَو أخرجه عَنهُ سُلْطَان أَو غَيره فَدخل مَسْجِدا آخر من سَاعَته صَحَّ اعْتِكَافه اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن يفْسد لِأَنَّهُ ترك اللّّبْث الْمُسْتَحق وَهُوَ الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد الْمعِين وَوجه الِاسْتِحْسَان أَنه مَعْذُور فِي الْخُرُوج فَقدر زمَان الْمَشْي مُسْتَثْنى من الْجُمْلَة كَمَا فِي الْخُرُوج إِلَى الْجُمُعَة فَأَما إِذا خرج لغير مَا ذكرنَا من الْأُمُور سَاعَة فسد اعْتِكَافه عِنْد أبي حنيفَة وعندأبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يفْسد حَتَّى يخرج أَكثر من نصف يَوْم وَقَالَ مُحَمَّد قَول أبي حنيفَة أَقيس وَقَول أبي يُوسُف أوسع هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي الِاعْتِكَاف الْوَاجِب فَأَما فِي اعْتِكَاف التَّطَوُّع فَلَا بَأْس بِأَن يعود الْمَرِيض وَيشْهد الْجِنَازَة على جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَأما على رِوَايَة الْحسن مُقَدّر بِالْيَوْمِ فَالْجَوَاب فِيهِ وَفِي الْوَاجِب سَوَاء لِأَنَّهُ صَار وَاجِبا بِالشُّرُوعِ وَأما بَيَان مَا يفْسد الِاعْتِكَاف فَمن ذَلِك مَا لَو جَامع فِي الِاعْتِكَاف لَيْلًا أَو نَهَارا نَاسِيا أَو عَامِدًا فَإِنَّهُ يفْسد الِاعْتِكَاف لِأَنَّهُ من مَحْظُورَات الِاعْتِكَاف قَالَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 تَعَالَى {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} وَلِهَذَا إِنَّه إِذا خرج من الْمَسْجِد نَاسِيا للاعتكاف يفْسد اعْتِكَافه فالنسيان لم يَجْعَل عذرا فِي بَاب الِاعْتِكَاف وَفِي بَاب الصَّوْم جعل عذرا بِالنَّصِّ الْخَاص وَلَو جَامع فِيمَا دون الْفرج أَو قبل وَأنزل يفْسد اعْتِكَافه فَأَما إِذا لم ينزل فَلَا يفْسد اعْتِكَافه وَلَكِن يكون حَرَامًا لِأَن الْجِمَاع حرَام هَهُنَا بِالنَّصِّ فَيحرم بدواعيه وَفِي بَاب الصَّوْم الْإِفْطَار حرَام وَحرم الْجِمَاع لكَونه إفطارا وَذَلِكَ الْمَعْنى لم يُوجد فِي الدَّوَاعِي وَلَو خرج الْمُعْتَكف إِلَى مَسْجِد آخر من غير عذر انْتقض اعْتِكَافه عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا يبطل لما ذكرنَا أَن الْخُرُوج من غير عذر مُبْطل للاعتكاف عِنْده خلافًا لَهما وَلَيْسَ للْمَرْأَة أَن تعتكف بِدُونِ إِذن زَوجهَا وَكَذَلِكَ العَبْد فَإِن أذن الزَّوْج لَهَا فِي الِاعْتِكَاف فاعتكفت لَيْسَ لَهُ أَن يرجع بِخِلَاف الْمولى لِأَن مَنَافِع العَبْد مَمْلُوكَة للْمولى وَإِنَّمَا أعارها من العَبْد فيمكنه الرُّجُوع والاسترداد بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا حرَّة لَكِنَّهَا أمرت بِخِدْمَة الزَّوْج فَمَتَى أذن فقد أسقط فِي حق نَفسه فَيظْهر حَقّهَا الْأَصْلِيّ فَمَا لم تمض الْمدَّة الَّتِي أذن لَهَا فِيهَا لَيْسَ لَهُ حق الرُّجُوع وَلَو أوجب على نَفسه اعْتِكَافه لَيْلَة لَا يلْزمه لِأَنَّهَا لَيست بِوَقْت للصَّوْم وَلَو أوجب اعْتِكَاف يَوْم يَصح وَلَا يلْزمه اعْتِكَاف يَوْم بليلة لِأَن الْيَوْم اعْتِكَاف يَوْم مَعَ ليلته وَإِن أوجب على نَفسه اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ أَو أَكثر تلْزمهُ الْأَيَّام وَمَا يقابلها من اللَّيَالِي لِأَن ذكر الْأَيَّام ذكر اللَّيَالِي وَكَذَلِكَ ذكر اللَّيَالِي ذكر الْأَيَّام قَالَ الله تَعَالَى {ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزا} وَقَالَ فِي مَوضِع آخر {ثَلَاث لَيَال} اسْم لزمان مُقَدّر وَهُوَ وَقت الصَّوْم فَيجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وَإِن نوى يَوْمًا بليلته يلْزمه سويا والقصة قصَّة وَاحِدَة وَلَو لم يكن الْأَمر على مَا قُلْنَا يُؤَدِّي إِلَى التَّنَاقُض فِي خبر الله تَعَالَى وَإنَّهُ لَا يجوز وَلَو أوجب على نَفسه اعْتِكَاف شهر بِعَيْنِه يجب عَلَيْهِ اعْتِكَاف ذَلِك الشَّهْر لِأَنَّهُ أوجب عينا وَلَو أفسد صَوْم يَوْم يجب عَلَيْهِ اعْتِكَاف الْبَاقِي وَكَذَلِكَ لَو ترك اعْتِكَاف يَوْم يجب عَلَيْهِ بَاقِي الشَّهْر وَيَقْضِي يَوْمًا وَلَا يلْزمه اسْتِقْبَال لِأَن التَّتَابُع ثَبت لمجاورة الْأَيَّام لَا بِالنذرِ وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف شهرا أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا يلْزمه مُتَتَابِعًا حَتَّى لَو ترك اعْتِكَاف يَوْم فِيهِ يلْزمه الِاسْتِقْبَال لِأَن التَّتَابُع وَجب حكم النّذر فَيجب الْوَفَاء بِهِ وَلَو أوجب على نَفسه اعْتِكَاف شهر بِعَيْنِه وَترك الِاعْتِكَاف فِيهِ حَتَّى مضى يجب عَلَيْهِ قَضَاء شهر مُتَتَابِعًا لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ قَضَاء شهر بِغَيْر عينه وَلَو أوجب على نَفسه اعْتِكَاف ثَلَاثِينَ يَوْمًا وعنى بِهِ النَّهَار دون اللَّيْل تصح نِيَّته لِأَن حَقِيقَة الْيَوْم لبياض النَّهَار وَإِنَّمَا يحمل على الْوَقْت الْمُطلق بِدَلِيل فَإِذا نوى حَقِيقَة كَلَامه يَصح وَلَو أوجب على نَفسه اعْتِكَاف ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَنوى اللَّيْل دون النَّهَار يصدق وَلَا يَصح الِاعْتِكَاف لعدم وَقت الصَّوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَلَو أوجب اعْتِكَاف شهر بِغَيْر عينه وَنوى اللَّيَالِي دون الْأَيَّام أَو الْأَيَّام دون اللَّيَالِي لَا يصدق لِأَن الشَّهْر اسْم لزمان مُقَدّر بعضه أَيَّام وَبَعضه لَيَال فَيكون اسْما لمركب خَاص فَلَا ينْطَلق اسْم الشَّهْر على بعضه فَإِذا نوى مَا ذكرنَا فقد نوى مَا لَا يحْتَملهُ كَلَامه بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِلَّا اللَّيَالِي أَو أوجب اعْتِكَاف شهر بِالنَّهَارِ دون اللَّيَالِي صَحَّ لِأَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي وَذكر النَّهَار مُقَارنًا لذكر الشَّهْر بَيَان وَتَفْسِير لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف ثَلَاثِينَ نَهَارا فَهُوَ الْفرق بَينهمَا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 كتاب الْمَنَاسِك اعْلَم أَن الْحَج فَرِيضَة عرفت فرضيته بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وترزق من} وَكلمَة على مَوْضُوعَة للْإِيجَاب وَأما السّنة فَلَمَّا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ قَالَ بني الْإِسْلَام على خمس وَذكر مِنْهَا حج الْبَيْت وَلما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من ملك زادا وراحلة تبلغه إِلَى بَيت الله فَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع ثمَّ يحْتَاج إِلَى بَيَان كَيْفيَّة فرضيته وَبَيَان أَرْكَانه وواجباته وسننه وآدابه وَبَيَان شَرَائِط وُجُوبه وأدائه وَبَيَان محظوراته أما بَيَان كَيْفيَّة فَرضِيَّة الْحَج فَنَقُول لَا خلاف أَن الْحَج فرض عين لَا فرض كِفَايَة فَإِنَّهُ يجب على كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 مُكَلّف استجمع شَرَائِط فَإِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض لَا يسْقط عَن البَاقِينَ بِخِلَاف الْجِهَاد فَإِنَّهُ إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض يسْقط عَن البَاقِينَ وَكَذَلِكَ يجب فِي الْعُمر مرّة وَاحِدَة فَيكون وقته الْعُمر بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهُ يتَكَرَّر وُجُوبهَا فِي كل يَوْم خمس مَرَّات وَالزَّكَاة وَالصَّوْم يجبان فِي كل سنة وَأَصله مَا رُوِيَ أَنه لما نزلت آيَة الْحَج قالالأقرع بن حَابِس يَا رَسُول الله ألعامنا هَذَا أم لِلْأَبَد فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لِلْأَبَد وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَصْحَابنَا أَنه يجب وجوبا موسعا أَو مضيقا ذكرالكرخيأنه يجب على الْفَوْر وَكَذَا كل فرض ثَبت مُطلقًا عَن الْوَقْت كالكفارات وَقَضَاء رَمَضَان وَنَحْوهَا وَذكر مُحَمَّد بن شُجَاع أَنه على التَّرَاخِي وَذكر الزجاجي مَسْأَلَة الْحَج على الِاخْتِلَاف فَقَالَ على قَول أبي يُوسُف يجب على الْفَوْر وعَلى قَول مُحَمَّد يجب على التَّرَاخِي وروى مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي قَول أبي حنيفَة مثل قَول أبي يُوسُف وَفَائِدَة الْخلاف أَن من أخر الْحَج عَن أول أَحْوَال الْإِمْكَان هَل يَأْثَم أم لَا أما لَا خلاف أَنه إِذا أخر ثمَّ أدّى فِي سنة أُخْرَى فَإِنَّهُ يكون مُؤديا وَلَا يكون قَاضِيا بِخِلَاف الْعِبَادَات المؤقتة إِذا فَاتَت عَن أَوْقَاتهَا ثمَّ أدّيت يكون قَضَاء بِالْإِجْمَاع وَهَذَا حجَّة مُحَمَّد فِي الْمَسْأَلَة وهما يَقُولَانِ إِنَّا نقُول بِالْوُجُوب على الْفَوْر مَعَ إِطْلَاق الصِّيغَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 الْوَقْت احْتِيَاطًا فَيظْهر فِي حق الآثم حَتَّى يكون حَامِلا على الْأَدَاء وَبَقِي الْإِطْلَاق فِيمَا رَوَاهُ ذَلِك وَأما ركن الْحَج فشيئان الْوُقُوف بِعَرَفَة وَطواف الزِّيَارَة وَأما الْوَاجِبَات فخمسة السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَالْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة وَرمي الْجمار وَالْخُرُوج عَن الْإِحْرَام بِالْحلقِ أَو بالتقصير وَطواف الصَّدْر وَأما السّنَن والآداب فسنته مَا واظب عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَج وَلم يتْركهُ إِلَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ لِمَعْنى من الْمعَانِي وآدابه مَا لم يواظب عَلَيْهِ وَفعل ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ على مَا يعرف فِي أثْنَاء الْمسَائِل عِنْد بَيَان أَدَاء الْحَج على التَّرْتِيب ثمَّ إِذا ترك الرُّكْن لَا يجوز الْحَج وَلَا يجزىء عَنهُ الْبَدَل من ذبح الْبَدنَة وَالشَّاة وَإِذا ترك السّنة أَو الْآدَاب لَا يلْزمه شَيْء وَيكون مسيئا وَإِذا ترك الْوَاجِب لَا يفوت الْحَج ويجزىء عَنهُ الْبَدَل إِن عجز عَن الْأَدَاء وَبَيَان ذَلِك أَن الْحَج لَهُ ثَلَاثَة أطوفة طواف اللِّقَاء وَيُسمى طواف التَّحِيَّة وَطواف أول عهد بِالْبَيْتِ وَالثَّانِي طواف الزِّيَارَة وَيُسمى طواف يَوْم النَّحْر وَطواف الرُّكْن وَالثَّالِث طواف الصَّدْر وَيُسمى طواف الْوَدَاع وَطواف الْإِفَاضَة وَطواف اللِّقَاء سنة وَالسَّعْي عَقِيبه وَاجِب فَإِذا ترك الطّواف فَلَا شَيْء عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَإِذا ترك السَّعْي فَعَلَيهِ أَن يسْعَى عقيب طواف الزياة وَلَو تَركه أصلا فَعَلَيهِ الدَّم وَكَذَلِكَ من ترك طواف الصَّدْر أصلا وَهُوَ مِمَّن يجب عَلَيْهِ ذَلِك يجب عَلَيْهِ الدَّم وَلَو ترك طواف الزِّيَارَة لَا يَخْلُو إِمَّا إِن ترك طواف الزِّيَارَة وَطواف الصَّدْر جَمِيعًا أَو ترك أَحدهَا دون الآخر وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن عَاد إِلَى أَهله أَو لم يعد فَأَما إِذا تَركهمَا جَمِيعًا فَمَا دَامَ بِمَكَّة فَإِنَّهُ يُعِيدهَا فَإِن أعَاد طواف الزِّيَارَة فِي أَيَّام النَّحْر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ فِي وقته وَإِن أعَاد بعد مُضِيّ أَيَّام النَّحْر فَعَلَيهِ الدَّم للتأخير عَن وقته عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ للتأخير ثمَّ يطوف طواف الصَّدْر قَضَاء لِأَنَّهُ قَاض فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء لتأخير طواف الصَّدْر بِالْإِجْمَاع وَإِن رَجَعَ إِلَى أَهله فَهُوَ محرم على النِّسَاء أبدا وَعَلِيهِ أَن يعود إِلَى مَكَّة بذلك الْإِحْرَام وَيَطوف طواف الزِّيَارَة وَطواف الصَّدْر وَعَلِيهِ دم لتأخير طواف الزِّيَارَة عَن أَيَّام النَّحْر عِنْده وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ وَأما إِذا طَاف للزيارة وَلم يطف للصدر فَإِن كَانَ بِمَكَّة يَأْتِي بِهِ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ للتأخير بِالْإِجْمَاع وَإِن رَجَعَ إِلَى أَهله فَإِنَّهُ لَا يعود إِلَى مَكَّة وَعَلِيهِ دم لترك طواف الصَّدْر فَإِذا أَرَادَ أَن يعود إِلَى مَكَّة ويقضيه يعود بِإِحْرَام الْعمرَة وَيقوم بِالْعُمْرَةِ فَإِذا فرغ مِنْهَا طَاف للصدر ثمَّ يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وَأما إِذا طَاف للصدر وَلم يطف للزيارة فَإِن طواف الصَّدْر ينْقل إِلَى طواف الزِّيَارَة فَمَا دَامَ بِمَكَّة فَيَأْتِي بِطواف الصَّدْر وَعَلِيهِ دم لتأخير طواف الزِّيَارَة عَن أَيَّام النَّحْر عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَإِن عَاد إِلَى أَهله فَعَلَيهِ لترك طواف الصَّدْر دم بالِاتِّفَاقِ وَفِي وجوب الدَّم فِي تَأْخِير طواف الزِّيَارَة عَن وقته اخْتِلَاف على مَا ذكرنَا وَأما شَرَائِط الْوُجُوب فبعضها عَام فِي الْعِبَادَات كلهَا نَحْو الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِسْلَام حَتَّى لَا يجب الْحَج على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالْكَافِر وَإِن ملكوا الزَّاد وَالرَّاحِلَة لِأَنَّهُ لَا خطاب على هَؤُلَاءِ وَلَو أَنه إِذا وجد مِنْهُم الْإِحْرَام ثمَّ بلغ الصَّبِي وأفاق الْمَجْنُون وَأسلم الْكَافِر وَوقت الْحَج بَاقٍ فَإِن جددوا الْإِحْرَام بنية حجَّة الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يَقع عَن حجَّة الْإِسْلَام لِأَن إِحْرَام الْكَافِر وَالْمَجْنُون لَا يَصح أصلا لعدم الْأَهْلِيَّة وإحرام الصَّبِي الْعَاقِل صَحِيح لكنه غير مُلْزم فينتقض بِخِلَاف العَبْد إِذا أحرم بِإِذن الْمولى ثمَّ عتق وَالْوَقْت بَاقٍ فجدد الْإِحْرَام بنية حجَّة الْإِسْلَام وَهُوَ مَالك للزاد وَالرَّاحِلَة فَإِنَّهُ لَا ينْتَقض إِحْرَامه الأول وَلَا يَصح الثَّانِي لِأَن إِحْرَام العَبْد بِإِذن الْمولى لَازم فَلَا يحْتَمل الِانْفِسَاخ وَأما الشَّرْط الْخَاص فالحرية حَتَّى لَا يجب الْحَج على العَبْد وَإِن أذن لَهُ مَوْلَاهُ لِأَن مَنَافِعه فِي حق الْحَج غير مُسْتَثْنَاة عَن ملك الْمولى فَإِذا أذن لَهُ الْمولى فقد أَعَارَهُ مَنَافِع بدنه وَالْحج لَا يجب بقدرة عَارِية وَلِهَذَا بِالْإِجْمَاع إِن الْأَجْنَبِيّ إِذا أعَار الزَّاد وَالرَّاحِلَة لمن لَا يملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 الزَّاد وَالرَّاحِلَة فَإِنَّهُ لَا يجب الْحَج عَلَيْهِ فَكَذَلِك هَذَا بِخِلَاف الْفَقِير إِنَّه لَا يجب الْحَج عَلَيْهِ وَلَو تكلّف وَذهب إِلَى مَكَّة بالسؤال وَأدّى يَقع عَن حجَّة الْإِسْلَام لِأَنَّهُ مَالك لمنافع بدنه لَكِن لَا يملك الزَّاد وَالرَّاحِلَة فَلم يجب عَلَيْهِ فَمَتَى وصل إِلَى مَكَّة وَصَارَ قَادِرًا على الْحَج بِالْمَشْيِ وَقَلِيل الزَّاد وَجب عَلَيْهِ الْحَج فَيَقَع عَن الْفَرْض فَهُوَ الْفرق وَمن شَرطه أَيْضا صِحَة الْبدن وَزَوَال الْمَوَانِع الحسية عَن الذّهاب إِلَى الْحَج حَتَّى إِن المقعد وَالْمَرِيض والزمن والمحبوس والخائف من السُّلْطَان الَّذِي يمْنَع النَّاس من الْخُرُوج إِلَى الْحَج فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِم الْحَج بِأَنْفسِهِم لِأَن هَذِه عبَادَة بدنية فَلَا بُد من الْقُدْرَة بِصِحَّة الْبدن وَزَوَال الْمَانِع حَتَّى يتَوَجَّه عَلَيْهِم التَّكْلِيف وَلَكِن يجب عَلَيْهِم الإحجاج إِذا ملكوا الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَأما الْأَعْمَى إِذا وجد قائدا بطرِيق الْملك بِأَن كَانَ لَهُ مَال فَاشْترى عبدا أَو اسْتَأْجر أَجِيرا بِمَالِه هَل يجب عَلَيْهِ أَن يحجّ بِنَفسِهِ ذكر فِي الأَصْل أَنه لَا يجب عَلَيْهِ أَن يحجّ بِنَفسِهِ وَلَكِن يجب فِي ملكه عِنْد أبي حنيفَة وروى الْحسن عَنهُ أَنه يجب عَلَيْهِ أَن يحجّ بِنَفسِهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي المقعد والزمن أَنه يجب عَلَيْهِمَا إِذا قدر أَن يشتريا عبدا أَو يسْتَأْجر أَجِيرا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بِالْوُجُوب فِي حق الْأَعْمَى دون المقعد والزمن وَجه رِوَايَة الْحسن أَن الْقُدْرَة وَسِيلَة إِلَى أَدَاء الْحَج فيستوي الْقُدْرَة بِالْملكِ وَالْعَارِية وهما يَقُولَانِ إِن الْأَعْمَى قَادر بِنَفسِهِ على أَدَاء الْحَج إِلَّا أَنه لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 يَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيق وَذَلِكَ يحصل بالقائد فَأَما المقعد فعاجز عَن الْأَدَاء بِنَفسِهِ فَلَا يُكَلف بِالْقُدْرَةِ الَّتِي تحصل بِالْغَيْر لِأَن ذَلِك قد يكون وَقد لَا يكون بِأَن أبق العَبْد وَنقض المتسأجر العقد لعذر من الْأَعْذَار وابوحنيفة يَقُول بِأَن الْأَعْمَى وَإِن كَانَ قَادِرًا بِنَفسِهِ لَكِن لَا يعْمل قدرته بِدُونِ الْقَائِد وإباقه وَمَوته مُحْتَمل ثمَّ إِذا لم يجب الْحَج على هَؤُلَاءِ بِأَنْفسِهِم وَلَهُم مَال وَزَاد وراحلة فَعَلَيْهِم أَن يأمروا من يحجّ عَنْهُم بمالهم وَيكون ذَلِك مجزئا عَن حجَّة الْإِسْلَام وَأَصله ماروي أَن الخثعمية جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَت إِن أبي أَدْرَكته فَرِيضَة الْحَج وَهُوَ شيخ كَبِير لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة فيجزئني أَن أحج عَنهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين فقضيته أما كَانَ يقبل مِنْك فَقَالَت نعم فَقَالَ دين الله أَحَق فَإِن مَاتَ هَؤُلَاءِ قبل أَن يقدروا على الْحَج بِأَنْفسِهِم وَقع ذَلِك عَن حجَّة الْإِسْلَام وَإِن قدرُوا على الْحَج بِأَنْفسِهِم يجب عَلَيْهِم حجَّة الْإِسْلَام وَمَا حج عَنْهُم يكون تَطَوّعا لِأَنَّهُ خلف ضَرُورِيّ فَيسْقط اعْتِبَاره بِالْقُدْرَةِ على الأَصْل كالشيخ الفاني إِذا عجز عَن صَوْم رَمَضَان ثمَّ صَار قَادِرًا على الصَّوْم يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة لما قُلْنَا كَذَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وَلَو تكلّف المقعد والزمن وَالْمَرِيض فحجوا بِأَنْفسِهِم على الدَّابَّة وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى مَعَ الْقَائِد فَإِنَّهُ يسْقط عَنْهُم الْحَج لِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يجب عَلَيْهِم دفعا للْحَرج عَنْهُم فَمَتَى تحملوا الْحَرج وَقع موقعه كَالْجُمُعَةِ سَاقِطَة عَن العَبْد بِحَق الْمولى فَإِذا حضر وَأدّى جَازَ لما ذكرنَا كَذَا هَذَا وَمن شَرطه أَيْضا ملك الزَّاد وَالرَّاحِلَة حَتَّى لَا يجب الْحَج عندنَا لوُجُود الزَّاد بطرِيق الْإِبَاحَة سَوَاء كَانَت الْإِبَاحَة من جِهَة من لَا منَّة لَهُ عَلَيْهِ كالوالدين والمولودين أَو من جِهَة من لَهُ عَلَيْهِ الْمِنَّة كالأجانب وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت من جِهَة من لَا منَّة لَهُ عَلَيْهِ يجب عَلَيْهِ الْحَج وَإِن كَانَت من جِهَة الْأَجْنَبِيّ فَلهُ فِيهِ قَولَانِ وَأما إِذا وهبه إِنْسَان مَالا يحجّ بِهِ فَلَا يجب عَلَيْهِ الْقبُول عندنَا وَله فِيهِ قَولَانِ وَأَصله مَا ذكرنَا أَن الْقُدْرَة بِالْملكِ هِيَ الأَصْل فِي توجه الْخطاب وَأما تَفْسِير الزَّاد وَالرَّاحِلَة فَأن يكون عِنْده دَرَاهِم مِقْدَار مَا يبلغهُ إِلَى مَكَّة ذَاهِبًا وجائيا رَاكِبًا لَا مَاشِيا سوى مَا هُوَ من كفافه وحوائجه من الْمسكن وَالْخَادِم وَالسِّلَاح نَحْو ذَلِك وَسوى مَا يقْضِي بِهِ دُيُونه ويمسك لنفقة عِيَاله وَمَرَمَّة مسكنة وَنَحْوهَا إِلَى وَقت انْصِرَافه وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَنَفَقَة شهر بعد انْصِرَافه أَيْضا وَإِن لم يبلغ مَاله يكتري رَاحِلَة أَو شقّ رَاحِلَة وَلَكِن يَكْفِي لنفقة الْأَجِير وَالْمَشْي رَاجِلا فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج وَهَذَا فِي حق الْبعيد من مَكَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَأما فِي حق من كَانَ بِمَكَّة أَو بمنى وعرفات فَهَل يشْتَرط الزَّاد وَالرَّاحِلَة بَعضهم قَالُوا إِذا كَانَ رجلا قَوِيا يُمكنهُ الْمَشْي بالقدم يجب عَلَيْهِ الْحَج لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى مشي أَرْبَعَة فراسخ لِأَن بَين مَكَّة وعرفات أَرْبَعَة فراسخ وَإِمَّا إِذا كَانَ ضَعِيفا فَلَا يجب عَلَيْهِ مَا لم يقدر على الرَّاحِلَة وَقَالَ بَعضهم لَا يجب بِدُونِ الرَّاحِلَة لِأَن الْمَشْي رَاجِلا فِيهِ حرج وكل أحد لَا يقدر على مشي أَرْبَعَة فراسخ رَاجِلا وَالله تَعَالَى يَقُول {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَمن شَرطه أَمن الطَّرِيق أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يجب بِدُونِ الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلَا بَقَاء للزاد وَالرَّاحِلَة بِدُونِ الْأَمْن وَهَذَا فِي حق الرجل فَأَما فِي حق الْمَرْأَة فَلَا بُد من وجود هَذِه الشَّرَائِط وَيشْتَرط فِي حَقّهَا شَرْطَانِ آخرَانِ أَحدهمَا أَن يكون لَهَا زوج أَو من لَا يجوز المناكحة بَينهمَا على طَرِيق التأييد إِمَّا بِسَبَب الْقَرَابَة أَو الرَّضَاع أَو الصهرية وَإِذا لم يخرج الْمحرم إِلَّا بِنَفَقَة مِنْهَا هَل يجب عَلَيْهَا نَفَقَته ذكر فِي شرح الْقَدُورِيّ إِنَّهَا تجب لِأَنَّهَا لَا تتمكن من الْحَج إِلَّا بالمحرم كَمَا لَا تتمكن إِلَّا بالزاد وَالرَّاحِلَة فَيجب عَلَيْهَا بذلك إِذا كَانَ لَهَا مَال وَذكر فِي شرح الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يجب عَلَيْهَا نَفَقَته وَلَا يجب عَلَيْهَا الْحَج وَإِذا لم يكن لَهَا زوج وَلَا محرم لَا يجب عَلَيْهَا أَن تتَزَوَّج ليذْهب مَعهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 إِلَى الْحَج وَلَا يجب عَلَيْهَا الْحَج بِنَفسِهَا وَيجب فِي مَالهَا وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجب عَلَيْهَا إِذا كَانَ فِي الرّفْقَة نسَاء وَإِذا وجدت محرما يجب عَلَيْهَا الْحَج وَلَا يشْتَرط رضَا الزَّوْج وإذنه عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بُد من إِذن الزَّوْج لِأَن فِيهِ فَوَات حَقه وَلَكنَّا نقُول إِن الْحَج من الْفَرَائِض اللَّازِمَة فَيكون مَنَافِعهَا مُسْتَثْنَاة عَن ملك الزَّوْج فَأَما فِي التَّطَوُّع فَللزَّوْج حق الْمَنْع كَمَا فِي الصَّلَاة وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن تكون الْمَرْأَة شَابة أَو عجوزا فِي اشْتِرَاط الْمحرم لِأَنَّهَا عَورَة أَيْضا هَذَا إِذا كَانَ بَينهَا وَبَين مَكَّة مُدَّة السّفر وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَأَما إِذا كَانَ دون مُدَّة السّفر فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط الْمحرم وَالشّرط الثَّانِي أَن لَا تكون مُعْتَدَّة من طَلَاق بَائِن أَو رَجْعِيّ أَو عَن وَفَاة لِأَن الْحَج مِمَّا يُمكن أَدَاؤُهُ فِي وَقت آخر فَأَما الْعدة فَيجب قَضَاؤُهَا فِي هَذَا الْوَقْت خَاصَّة وَالله تَعَالَى يَقُول {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن} فَإِن لزمتها الْعدة بعد الْخُرُوج إِلَى الْحَج إِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا فَإِنَّهَا لَا تفارق زَوجهَا لِأَن النِّكَاح قَائِم فتمضي مَعَه وَالْأَفْضَل للزَّوْج أَن يُرَاجِعهَا وَإِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا أَو عَن وَفَاة فَإِن كَانَ إِلَى منزلهَا أقل من مُدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 السّفر وَإِلَى مَكَّة مُدَّة السّفر فَإِنَّهَا تعود وَجعلت كَأَنَّهَا فِي الْمصر وَإِن كَانَ إِلَى مَكَّة أقل من مُدَّة السّفر فَإِنَّهَا تمْضِي لِأَنَّهُ لَا حَاجَة بهَا إِلَى الْمحرم وَفِي أقل من مُدَّة السّفر وَإِن كَانَ إِلَى الْجَانِبَيْنِ مُدَّة السّفر فَإِن كَانَت فِي الْمصر فَإِنَّهَا لَا تخرج حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة وَإِن وجدت محرما وَعِنْدَهُمَا تخرج إِن وجدت محرما وَلَا تخرج بِغَيْر محرم بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَت فِي الْمَفَازَة أَو فِي قَرْيَة لَا يُؤمن على نَفسهَا وَمَالهَا تمْضِي حَتَّى تدخل مَوضِع الْأَمْن ثمَّ لَا تخرج مَا لم تنقض عدتهَا وَإِن وجدت محرما عِنْده وَعِنْدَهُمَا تخرج على مَا نذْكر فِي بَاب الْعدة وَهَذَا كُله مَذْهَب عُلَمَائِنَا وَقَالَ مالكو الضَّحَّاك بن مُزَاحم بِأَن الزَّاد وَالرَّاحِلَة ليسَا بِشَرْط بل يجب الْحَج على كل مُسلم بَالغ عَاقل صَحِيح الْبدن وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لقَوْله تَعَالَى {الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وترزق من} قَالَ أهل التَّفْسِير بِأَن المُرَاد مِنْهُ الزَّاد وَالرَّاحِلَة ثمَّ هَذِه الشَّرَائِط الَّتِي ذكرنَا إِنَّمَا تعْتَبر عِنْد خُرُوج أهل بَلْدَة إِلَى الْحَج لِأَن ذَلِك وَقت الْوُجُوب فِي حَقه حَتَّى إِنَّه إِذا كَانَ عِنْده دَرَاهِم قبل خُرُوج أهل بَلَده وَاشْترى بهَا الْمسكن وَالْخَادِم وأثاث الْبَيْت وَنَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ذَلِك فَعِنْدَ خُرُوج أهل بَلَده لَا يجب عَلَيْهِ أَن يَبِيع ذَلِك وَلَا يجب الْحَج عَلَيْهِ فَأَما إِذا كَانَ لَهُ دَرَاهِم وَقت الْخُرُوج مِقْدَار الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلم يكن لَهُ مسكن وَلَا خدام وَلَا زَوْجَة فَأَرَادَ أَن يصرفهَا إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء فَإِنَّهُ يَأْثَم وَيجب عَلَيْهِ الْحَج وَيلْزمهُ الْخُرُوج مَعَهم وَمن شَرَائِط الْأَدَاء الْإِحْرَام فَإِنَّهُ لَا يَصح أَدَاء أَفعَال الْحَج بِدُونِ الْإِحْرَام كَمَا لَا تصح الصَّلَاة بِدُونِ التَّحْرِيمَة وَهِي التَّكْبِير وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي الْإِحْرَام ركن وَلَيْسَ بِشَرْط وَيَنْبَنِي على هَذَا الأَصْل أَن الْإِحْرَام قبل أشهر الْحَج جَائِز عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز وَهِي شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر من ذِي الْحجَّة لِأَن ركن عِنْده وَأَدَاء الرُّكْن لَا يَصح فِي غير وقته كأداء الصَّلَاة قبل الْوَقْت وَعِنْدنَا لما كَانَ شرطا يجوز وجوده قبل وَقت الْفِعْل كالطهارة وَستر الْعَوْرَة فِي بَاب الصَّلَاة قبل الْوَقْت وَأَجْمعُوا أَن الْإِحْرَام قبل أشهر الْحَج مَكْرُوه لَا لِأَنَّهُ قبل وَقت الْفِعْل لَكِن لاحْتِمَال أَن يلْحقهُ حرج عَظِيم فِي الِامْتِنَاع عَن مَحْظُورَات الْحَج وَمِنْهَا الْوَقْت شَرط لِأَن أَدَاء الْحَج فِي غير وقته غير مَشْرُوع لكَونه مؤقتا قَالَ الله تَعَالَى {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} وَهُوَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر من ذِي الْحجَّة فَلَا يجوز أَدَاء شَيْء من الْأَفْعَال قبلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 ومعظم أَفعَال الْحَج مُؤَقّت بِوَقْت خَاص فِي مَكَان خَاص كطواف الزِّيَارَة فِي يَوْم النَّحْر وَالْوُقُوف بِعَرَفَة فِي يَوْم عَرَفَة وَنَحْو ذَلِك على مَا يعرف إِن شَاءَ الله وَمِنْهَا شَرط الْخُرُوج عَن الْحَج وَهُوَ الْحلق أَو التَّقْصِير بِمَنْزِلَة السَّلَام شَرط الْخُرُوج عَن الصَّلَاة وَأما الطَّهَارَة عَن الْحَدث والجنابة فِي حَالَة الطّواف فَشرط الْكَمَال عندنَا لَا شَرط الْجَوَاز وَعند الشَّافِعِي شَرط الْجَوَاز حَتَّى إِن الْأَفْضَل أَن يُعِيد الطّواف وَلَو لم يعد يلْزمه الدَّم فِي الْجَنَابَة يلْزمه الْبَدنَة وَفِي الْحَدث يلْزمه الشَّاة لِأَن النُّقْصَان بِسَبَب الْجَنَابَة أفحش فَكَانَ الْجَزَاء أكمل وَأما مَحْظُورَات الْإِحْرَام فكثيرة وَهُوَ الارتفاق بمرافق المقيمين لِأَنَّهُ عبَادَة سفر من لبس الْمخيط وَالْوَطْء ودواعيه من اللَّمْس والقبلة والتطيب وَإِزَالَة التفث وَحلق الشّعْر ونتف شعر الْإِبِط وتقليم الْأَظْفَار وَقتل الْقمل من أَخذ الصيود وَالْإِشَارَة إِلَيْهَا وَالدّلَالَة عَلَيْهَا وقتلها سَوَاء كَانَ مَأْكُول اللَّحْم أَولا وَنَحْو ذَلِك هَذَا بَيَان شَرَائِط الْحَج فَأَما الْعمرَة فعندنا لَيست بفريضة وَقَالَ الشَّافِعِي فَرِيضَة وَهِي الْحجَّة الصُّغْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَاخْتلف مَشَايِخنَا بَعضهم قَالُوا هِيَ سنة مُؤَكدَة وَبَعْضهمْ قَالُوا وَاجِبَة وهما متقاربان وَاحْتج بقوله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} وَلقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْعمرَة هِيَ الْحجَّة الصُّغْرَى وَلنَا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة أَن أَعْرَابِيًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْإِيمَان والشرائع فَبين إِلَى أَن قَالَ وَأَن تقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَأَن تحج الْبَيْت فَقَالَ الْأَعرَابِي هَل عَليّ شَيْء سوى هَذَا فَقَالَ لَا أَن تتطوع وَلم يذكر الْعمرَة وَأما الْآيَة فَقَرَأَ بَعضهم {وَالْعمْرَة} بِالرَّفْع ووقف على قَوْله {وَأَتمُّوا الْحَج} وَمَعَ اخْتِلَاف الْقُرَّاء لَا تكون حجَّة وَلِأَن الْآيَة نزلت فِي أهل الْحُدَيْبِيَة وهم خَرجُوا محرمين بِالْعُمْرَةِ وَأَنَّهَا تصير وَاجِبَة بِالشُّرُوعِ ثمَّ حصروا فَأوجب عَلَيْهِم إتْمَام الْعمرَة بطرِيق الْقَضَاء وَالْحج بطرِيق الِابْتِدَاء وَأما ركن الْعمرَة فشيئان الطّواف وَالسَّعْي وَالْإِحْرَام شَرط أَدَائِهَا وَالْحلق أَو التَّقْصِير شَرط الْخُرُوج وَمَا ذكرنَا من الشَّرَائِط فِي الْحَج فَشرط فِي الْعمرَة وَكَذَلِكَ مَا ذكرنَا من مَحْظُورَات الْحَج فَهُوَ من مَحْظُورَات الْعمرَة وَأما وَقت الْعمرَة فَالسنة كلهَا وَقت لَهَا وَلَا تكره سَوَاء كَانَت فِي أشهر الْحَج أَو فِي غَيره إِلَّا فِي خَمْسَة أَيَّام يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق لِأَن الْحَاج مَشْغُول بأَدَاء الْحَج إِلَّا إِذا قضى الْقُرْآن أَو التَّمَتُّع فَلَا بَأْس بِهِ يكون أفضل فِي حق الآفاقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 بَاب الْإِحْرَام فِي الْبَاب فُصُول بَيَان أَنْوَاع المحرمين وَبَيَان مَوَاقِيت إحرامهم وَبَيَان الْإِحْرَام وَبَيَان الْحَج وَالْعمْرَة وَالْقُرْآن والمتعة بشروطها وأركانها وسننها وآدابها على التَّرْتِيب أما بَيَان أَنْوَاع المحرمينفنقول المحرمون أَرْبَعَة الْمُفْرد بِالْحَجِّ والمفرد بِالْعُمْرَةِ والقارن بَينهمَا والمتمتع فَأَما الْمُفْرد بِالْحَجِّ أَن يحرم بِالْحَجِّ لَا غير والمفرد بِالْعُمْرَةِ أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ لَا غير والقارن أَن يجمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة فَيحرم بهما وَيَقُول لبيْك اللَّهُمَّ بِحجَّة وَعمرَة والمتمتع أَن يَأْتِي بِالْعُمْرَةِ وَالْحج فِي أشهر الْحَج من غير أَن يلم بأَهْله سَوَاء حل من إِحْرَامه الأول أم لَا على مَا نذْكر ثمَّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف ثَلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 صنف مِنْهُم أهل الْآفَاق وصنف مِنْهُم من كَانَ دَاخل الْحرم وهم أهل مَكَّة وَالْحرم وصنف مِنْهُم من كَانَ خَارج الْحرم دَاخل مَوَاقِيت أهل الْآفَاق وَأما مَوَاقِيت إحرامهم فمواقيت أهل الْآفَاق خَمْسَة لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة وَهِي مَوَاقِيت بَينهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعْظِيمًا للبيت حَتَّى لَا يجوز للآفاقي التجاوز عَن هَذِه الْمَوَاقِيت لدُخُول مَكَّة لقصد الْحَج أَو للتِّجَارَة وَنَحْوهَا إِلَّا محرما فلأهل الْعرَاق ذَات عرق وَلأَهل الْمَدِينَة ذُو الحليفة وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم وَلأَهل نجد قرن وَقد وَردت أَحَادِيث مَشْهُورَة فِي هَذَا الْبَاب ثمَّ هَذِه الْمَوَاقِيت لهَؤُلَاء من أهل الْآفَاق وَلمن حصل من أهل مِيقَات آخر فِي هَذَا الْمِيقَات وَكَذَلِكَ إِن كَانَ من أهل الْحرم وَأهل الْحل من دَاخل هَذِه الْمَوَاقِيت إِذا خرج إِلَى الْآفَاق للتِّجَارَة ثمَّ رَجَعَ فَحكمه حكم أهل الْآفَاق لَا يجوز لَهُ مجاوزته إِلَّا محرما إِذا قصد مَكَّة إِمَّا الْحَج أَو الْعمرَة فَأَما إِذا قصدُوا بالمجاوزة السُّكْنَى فِي بُسْتَان بني عَامر الَّذِي هُوَ دَاخل الْمَوَاقِيت خَارج الْحرم فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُم الْمُجَاوزَة من غير إِحْرَام وَهِي الْحِيلَة فِي إِسْقَاط الْإِحْرَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يسْقط مَا لم ينْو أَن يُقيم بالبستان خَمْسَة عشر يَوْمًا وَأما مِيقَات من كَانَ دَاخل الْمَوَاقِيت خَارج الْحرم كَأَهل بُسْتَان بني عَامر لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا فَمن دويرة أهلهم أَو حَيْثُ شاؤوا من الْحل وَلَا يُبَاح لَهُم دُخُول مَكَّة بِقصد الْحَج وَالْعمْرَة إِلَّا محرمين وَكَذَلِكَ الآفاقي إِذا حضر بالبستان والمكي إِذا خرج من الْحرم إِلَيْهِ وَأَرَادَ أَن يحجّ أَو يعْتَمر فَيكون حكمهمَا كَحكم أهل الْبُسْتَان وَأما مِيقَات من كَانَ دَاخل الْحرم فللحج من دويرة أهلهم وحيثما شاؤوا من الْحرم ولعمرة من الْحل كالتنعيم وَغَيره وَكَذَلِكَ من حصل بِمَكَّة من غير أَهلهَا من البستاني والآفاقي فَحكمه حكم أهل الْحرم ثمَّ الآفاقي إِذا جَاوز الْمِيقَات بِغَيْر إِحْرَام وَهُوَ يُرِيد الْحَج أَو الْعمرَة ثمَّ عَاد إِلَى الْمِيقَات قبل أَن يحرم فَأحْرم مِنْهُ وجاوزه محرما فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ الدَّم لِأَنَّهُ قضى حَقه بِالْإِحْرَامِ فَأَما إِذا أحرم بعد الْمُجَاوزَة من دَاخل الْمِيقَات لِلْحَجِّ أَو الْعمرَة وَمضى على إِحْرَامه ذَلِك وَلم يعد فيحب عَلَيْهِ الدَّم لِأَنَّهُ أَدخل النَّقْص فِي إِحْرَامه فَأَما إِذا أحرم ثمَّ عَاد إِلَى الْمِيقَات وجدد التَّلْبِيَة وَالْإِحْرَام فَيسْقط عَنهُ الدَّم فِي قَول أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وعندزفر لَا يسْقط وَلَو عَاد إِلَى الْمِيقَات محرما وَلم يجدد التَّلْبِيَة لَا يسْقط عَنهُ الدَّم عِنْد أبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يسْقط لبّى أَو لم يلب وَلَو لم يعد إِلَى الْمِيقَات حَتَّى طَاف شوطا أَو شوطين أَو وقف بِعَرَفَة فِي الْحَج تَأَكد عَلَيْهِ الدَّم حَتَّى لَا يسْقط عَنهُ وَإِن عَاد إِلَى الْمِيقَات وجدد الْمِيقَات والتلبية وَلَو عَاد إِلَى مِيقَات آخر سوى الْمِيقَات الَّذِي جاوزه من غير إِحْرَام وجدد التَّلْبِيَة قبل أَن يتَّصل إِحْرَامه بِأَفْعَال الْحَج أَو الْعمرَة فَهُوَ كَمَا لَو عَاد إِلَى ذَلِك الْمِيقَات وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف إِن كَانَ هَذَا الْمِيقَات محاذيا لذَلِك الْمِيقَات الَّذِي جاوزه أَو أبعد إِلَى الْحرم سقط الدَّم عَنهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ هَذَا الحكم فِي حق من كَانَ دَاخل الْمَوَاقِيت خَارج الْحرم فميقاته دويرة أَهله وَلَو دخل الْحرم لقصد الْحَج أَو الْعمرَة من غير إِحْرَام ثمَّ عَاد إِلَى الْحل وجدد التَّلْبِيَة فَهُوَ على مَا ذكرنَا من الِاخْتِلَاف وَكَذَلِكَ هَذَا الحكم فِي حق أهل مَكَّة فَإِن إحرامهم لِلْحَجِّ فِي الْحرم وللعمرة من الْحل وَلَو أَنه إِذا أحرم لِلْحَجِّ من الْحل وللعمرة من الْحرم يجب عَلَيْهِ الدَّم إِلَّا إِذا أَعَادَهُ على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذكرنَا لَو أَن الآفاقي إِذا جَاوز الْمِيقَات لقصد الْحَج أَو لقصد مَكَّة للتِّجَارَة من غير إِحْرَام وَدخل مَكَّة كَذَلِك فَإِنَّهُ يلْزمه إِمَّا حجَّة أَو عمْرَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يلْزمه شَيْء فَأَما من كَانَ خَارج الْحرم دَاخل الْمَوَاقِيت إِذا دخل الْحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 للتِّجَارَة لَا لقصد الْحَج وَالْعمْرَة فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شَيْء وَكَذَلِكَ الْمَكِّيّ إِذا خرج إِلَى الْحل للاحتطاب والاحتشاش ثمَّ دخل مَكَّة لَا يلْزمه شَيْء وَيُبَاح لَهُ الدُّخُول من غير إِحْرَام وَأَصله مَا رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السلامرخص للحطابة فِي الدُّخُول من غير إِحْرَام وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي حق من حوالي مَكَّة من أهل الْحل دون الْمَوَاقِيت لِأَن من حوالي مَكَّة محتاجون إِلَى الدُّخُول فِيهَا لحوائجهم بِخِلَاف الآفاقي وَمن صَار فِي جُمْلَتهمْ من أهل الْحرم وخارج الْحرم دون الْمَوَاقِيت لِأَن الأَصْل هُوَ الْمُجَاوزَة مَعَ الْإِحْرَام تَعْظِيمًا للحرم والكعبة وَإِنَّمَا سقط بِاعْتِبَار الضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي حق الآفاقي لِأَنَّهُ يدْخل مرّة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي حق الآفاقي إِذا صَار من أهل الْبُسْتَان بِأَن قصد دُخُول الْبُسْتَان لَا دُخُول مَكَّة ثمَّ أَرَادَ بعد ذَلِك أَن يدْخل مَكَّة من غير إِحْرَام لَهُ ذَلِك وَلَا يلْزمه شَيْء لِأَنَّهُ صَار من أهل الْبُسْتَان حكما ثمَّ الآفاقي إِذا لزمَه الْحَج أَو الْعمرَة بِسَبَب مجاوزته الْمِيقَات فِي دُخُول مَكَّة من غير إِحْرَام فَأحْرم فِي تِلْكَ السّنة لما وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب الْمُجَاوزَة أَو لحجة الْإِسْلَام أَو للحجة الَّتِي وَجَبت عَلَيْهِ بِسَبَب النّذر فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ مَا وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب الْمُجَاوزَة ثمَّ ينظر إِن خرج إِلَى مِيقَاته وَأحرم مِنْهُ لَا يجب عَلَيْهِ الدَّم لمجاوزته من غير إِحْرَام وَإِن لم يخرج إِلَى مِيقَاته لَكِن أحرم من مِيقَات أهل مَكَّة إِن كَانَ بهَا أَو من مِيقَات أهل الْبُسْتَان إِن كَانَ بهَا يجب عَلَيْهِ الدَّم لمجاوزته غير محرم عَن مِيقَاته الْأَصْلِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وَهَذَا عندنَا وَعند زفر لَا يسْقط عَنهُ الْحَج الَّذِي وَجب عَلَيْهِ لدُخُوله مَكَّة من غير إِحْرَام إِلَّا أَن يَنْوِي مَا وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب الْمُجَاوزَة وَلَو تحولت السّنة لَا يسْقط عَنهُ إِلَّا بِتَعْيِين النِّيَّة بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ صَار دينا عَلَيْهِ فَلَا بُد من تعْيين النِّيَّة وَلَو أَنه إِذا نوى فِي السّنة الثَّانِيَة عَمَّا وَجب عَلَيْهِ لأجل الْمُجَاوزَة وَأحرم لَكِن أحرم فِي وَقت أهل مَكَّة وَهُوَ بِمَكَّة أَو فِي وَقت أهل الْبُسْتَان وَهُوَ بهَا لم يخرج إِلَى مِيقَاته فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ مَا وَجب عَلَيْهِ لأجل الْمُجَاوزَة وَلَا يجب عَلَيْهِ الدَّم لترك التَّلْبِيَة عِنْد مِيقَاته لِأَنَّهُ لما حصل بِمَكَّة صَار كالمكي وَكَذَلِكَ إِذا حصل بالبستان صَار من أَهله فقد أَتَى بِالْإِحْرَامِ فِي مِيقَاته وَنوى قَضَاء مَا عَلَيْهِ فَيسْقط عَنهُ فَأَما فِي السّنة الأولى فَهُوَ مؤد لما عَلَيْهِ وَقد وَجب عَلَيْهِ الدَّم بِسَبَب مُجَاوزَة مِيقَاته غير محرم فَلَا يسْقط عَنهُ إِلَّا بتجديد التَّلْبِيَة أَو بِالْعودِ إِلَيْهِ محرما وَلم يُوجد وَأما بَيَان الإحراموهو أَن يُوجد مِنْهُ فعل هُوَ من خَصَائِص الْحَج وتقترن بِهِ نِيَّة الْحَج أَو الْعمرَة بِأَن يَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك وَيَنْوِي بِهِ الْحَج أَو الْعمرَة إِذا كَانَ مُفردا بِالْحَجِّ أَو بِالْعُمْرَةِ أَو ينويهما جَمِيعًا إِن كَانَ قَارنا وَإِن كَانَ مُتَمَتِّعا يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة فَإِن شَاءَ ذكر الْعمرَة أَو الْحَج فِي إهلاله فَيَقُول لبيْك بِحجَّة أَو بِعُمْرَة أَو بهما أَو بِالْعُمْرَةِ وَالْحجّة فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أَتَانِي آتٍ من رَبِّي وَقَالَ قل لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَالْأَفْضَل أَن يذكر النِّيَّة بِاللِّسَانِ مَعَ الْقلب فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة فيسرهما لي وتقبهلما مني وَلَو ذكر مَكَان التَّلْبِيَة وَالتَّسْبِيح أَو التهليل أَو التَّحْمِيد وَنوى بِهِ الْإِحْرَام يصير محرما سَوَاء كَانَ يحسن التَّلْبِيَة أَو لَا وَكَذَلِكَ إِذا أَتَى بِلِسَان آخر أَجزَأَهُ سَوَاء كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة أَو لَا يحسنها هَكَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وروى الْحسن عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا كَانَ لَا يحسن التَّلْبِيَة جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الصَّلَاة وَالصَّحِيح أَن هَذَا بالِاتِّفَاقِ وَأما أَبُو حنيفَة فقد مر على أَصله فِي بَاب الصَّلَاة وهما فرقا بَين الصَّلَاة وَالْحج لِأَن النِّيَابَة جَارِيَة فِي الْحَج بِخِلَاف الصَّلَاة وَلَو قلد بَدَنَة وَنوى الْإِحْرَام وساقها وَتوجه مَعهَا يصير محرما سَوَاء قلد بَدَنَة تَطَوّعا أَو نذرا أَو جَزَاء صيد وَنَحْو ذَلِك لِأَن تَقْلِيد الْبَدنَة مَعَ السُّوق من خَصَائِص أَفعَال الْحَج لِأَن الْحجَّاج يقلدون بدنهم وَذَلِكَ بِأَن يعلقوا عَلَيْهَا شِرَاك نعل أَو عُرْوَة مزادة أَو مَا أشبه ذَلِك من الْجُلُود فَإِذا وجدت نِيَّة الْإِحْرَام مُقَارنَة لفعل هُوَ من خَصَائِص الْحَج يصير محرما لما عرف أَن مُجَرّد النِّيَّة لَا يعْتَبر مَا لم يقْتَرن بِالْفِعْلِ فَأَما إِذا قلد بَدَنَة وَنوى الْإِحْرَام وَلم يسق الْبَدنَة وَلم يتَوَجَّه مَعهَا بل بعث بهَا على يَد رجل وَأقَام فِي بَلَده لَا يصير محرما لِأَنَّهُ لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 يُوجد مِنْهُ إِلَّا الْأَمر بِالذبْحِ وَذَلِكَ لَا يكون من أَفعَال الْحَج وَلَو قلد شاته وساقها وَنوى الْإِحْرَام لَا يصير محرما لِأَن تَقْلِيد الشَّاة غير مُعْتَاد فِي بَاب الْحَج وَكَذَلِكَ لَو جلل بدنه بِأَن ألبسها الجل وَنوى الْإِحْرَام وساقها لَا يصير محرما لِأَن ذَلِك لَيْسَ بقربة وَلَا نسك من مَنَاسِك الْحَج وَلَو أشعر بدنته بِأَن طَعنهَا فِي سنامها فِي الْجَانِب الْأَيْسَر فَسَالَ مِنْهُ الدَّم وَنوى بِهِ الْإِحْرَام وَلَا يصير محرما أما عِنْد أبي حنيفَة فَلِأَن الْإِشْعَار مَكْرُوه وَلَيْسَ بِسنة وَعِنْدَهُمَا وَإِن كَانَ سنة وَلَكِن لَيْسَ من خَصَائِص الْحَج لِأَن النَّاس تَرَكُوهُ لِأَنَّهُ يشبه الْمثلَة فَأَما إِذا نوى عِنْد الْإِحْرَام وَلم يذكر التَّلْبِيَة وَلم يُوجد مِنْهُ تَقْلِيد الْبَدنَة والسوق لَا يصير محرما عندنَا وَعند الشَّافِعِي يصير محرما وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف مثله وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن مُجَرّد النِّيَّة لَا عِبْرَة بِهِ لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِن الله تَعَالَى عَفا عَن أمتِي مَا تحدثت بهَا أنفسهم مَا لم يتكلموا أَو يَفْعَلُوا وَأما بَيَان الْحَج وَالْعمْرَة وَالْقرَان والمتعة على سَبِيل الاستقصاءفنقول إِن من كَانَ من أهل الْآفَاق إِذا بلغ الْمِيقَات وَهُوَ يُرِيد الْعمرَة وَحدهَا وَلم يسق الْهَدْي مَعَ نَفسه فَإِنَّهُ يتجرد ويغتسل أَو يتَوَضَّأ والاغتسال أفضل ثمَّ يلبس ثَوْبَيْنِ إزارا ورداء غسيلين أَو جديدين ويمس من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الطّيب مَا شَاءَ ويدهن بِأَيّ دهن شَاءَ سَوَاء كَانَ يبْقى على بدنه أَثَره بعد الْإِحْرَام أَو لَا فِي قَول أبي حنيفَة أبي يُوسُف وعَلى قَول مُحَمَّد وَزفر يكره أَن يتطيب يبْقى أَثَره بعد الْإِحْرَام ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يَنْوِي الْعمرَة ويلبي فِي دبر صلَاته بذلك أَو بَعْدَمَا تستوي بِهِ رَاحِلَته على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا وَيرْفَع صَوته بِالتَّلْبِيَةِ لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أفضل الْحَج العج والثج فالعج رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ والثج هُوَ تسييل الدَّم بِالذبْحِ ثمَّ يُكَرر التَّلْبِيَة فِي أدابر الصَّلَوَات المكتوبات والنوافل بعد الْإِحْرَام وَكلما علا شرفا أَو هَبَط وَاديا أَو لَقِي ركبا وَكلما اسْتَيْقَظَ من مَنَامه وَفِي الأسحار هَكَذَا جَاءَت الْأَخْبَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أَتَى مَكَّة فَلَا بَأْس بِأَن يدخلهَا لَيْلًا أَو نَهَارا وَيَأْتِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَيبدأ بِالْحجرِ الْأسود فَإِن استقبله كبر وَرفع يَدَيْهِ كَمَا يرفع فِي الصَّلَاة ثمَّ يرسلهما ثمَّ يستلمه إِن أمكنه من غير أَن يُؤْذِي أحدا وَإِن لم يُمكنهُ كبر وَهَلل وَحمد الله وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ مُسْتَقْبلا بِوَجْهِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ مَشَايِخنَا إِن الْأَفْضَل أَن يقبل الْحجر إِن أمكنه ويستلمه فَإِنَّهُ رُوِيَ عنعمررضي الله عَنهُ أَنه قبله وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بك حفيا ثمَّ يقطع التَّلْبِيَة عِنْد استلام الْحجر وَلَا يُلَبِّي بعده فِي الْعمرَة ثمَّ يَأْخُذ عَن يَمِين الْحجر مِمَّا يَلِي الْبَاب فيفتتح الطّواف فيطوف حول الْكَعْبَة سَبْعَة أَشْرَاط يرمل فِي الثَّلَاثَة الأول وَيَمْشي على هينته فِي الْأَرْبَع الْبَوَاقِي من الْحجر إِلَى الْحجر ويستلم الْحجر فِي كل شوط مفتتحا لطوافه بِهِ فَإِن ازْدحم النَّاس فِي الرمل يرمل بعد ذَلِك إِذا وجد مسلكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَإِن اسْتَلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ كَمَا اسْتَلم الْحجر الْأسود فَهُوَ حسن وَإِن تَركه فَلَا يضرّهُ وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد أَنه يسْتَلم الرُّكْن وَيفْعل بِهِ مَا يفعل بِالْحجرِ الْأسود وَيَنْبَغِي أَن يكون الطّواف فِي كل شوط من وَرَاء الْحطيم فَإِن الْحطيم من الْبَيْت فَإِذا فرغ من الطّواف يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْد مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَو حَيْثُ تيَسّر عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد وَهِي عندنَا وَاجِبَة وَقَالَ الشَّافِعِي سنة ثمَّ إِذا فرغ من رَكْعَتي الطّواف يعود إِلَى الْحجر الْأسود فيستلمه إِن أمكنه أَو يستقبله بِوَجْهِهِ وَيكبر ويهلل ويحمد الله تَعَالَى على مَا ذكرنَا حَتَّى يكون افْتِتَاح السَّعْي باستلام الْحجر كَمَا يكون افْتِتَاح الطّواف بِهِ ثمَّ يخرج من بَاب الصفاء أَو من أَي بَاب تيَسّر لَهُ فَيبْدَأ بالصفا فيصعد عَلَيْهَا وَيقف من حَيْثُ يرى الْبَيْت ويحول وَجهه إِلَى الكبعة وَيكبر ويهلل ويحمد الله تَعَالَى ويثني عَلَيْهِ وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيسْأل الله تَعَالَى حَوَائِجه وَيرْفَع يَدَيْهِ وَيجْعَل بطُون كفيه نَحْو السَّمَاء ثمَّ يهْبط مِنْهَا نَحْو الْمَرْوَة مَاشِيا على هينته حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى بطن الْوَادي فَإِذا كَانَ عِنْد الْميل الْأَخْضَر سعى فِي بطن الْوَادي سعيا حَتَّى يُجَاوز الْميل الْأَخْضَر ثمَّ يصعد على الْمَرْوَة مشيا على هينته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 فَإِذا صعد يقف وَيسْتَقْبل بِوَجْهِهِ الْكَعْبَة وَيفْعل مِثْلَمَا فعل على الصَّفَا وَيَطوف بَينهمَا سَبْعَة أَشْوَاط يبْدَأ بالصفا وَيخْتم بالمروة يعد الْبدَاءَة شوطا وَالْعود شوطا آخر فيسعى فِي بطن الْوَادي كلما مر بِهِ وَذكر الطَّحَاوِيّ وَقَالَ يبتدىء فِي كل مرّة بالصفا وَيخْتم بالمروة وَلم يعد عودة من الْمَرْوَة إِلَى الصَّفَا شوطا وَالصَّحِيح هُوَ الأول فَإِذا فرغ من السَّعْي يحلق أَو يقصر وَالْحلق أفضل وَقد تمت الْعمرَة وَحل لَهُ جَمِيع الْمَحْظُورَات الثَّابِتَة بِالْإِحْرَامِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْعمرَة طواف الصَّدْر هَذَا إِذا لم يسق الْهَدْي فَإِن سَاق الْهَدْي أَقَامَ محرما وَلم يقصر وَلم يحلق للْعُمْرَة لِأَن سوق الْهَدْي دَلِيل قصد التَّمَتُّع والمتمتع إِذا سَاق الْهَدْي لَا يحل لَهُ مَا لم يفرغ من الْحَج فَلهَذَا لم يقصر وَلم يحلق لِأَنَّهُ شَرط الْخُرُوج وَهُوَ لم يخرج وَأما الْمُفْرد بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَنْوِي إِحْرَام الْحَج عِنْد الْمِيقَات فَإِذا أَتَى مَكَّة فَإِنَّهُ يسْتَقْبل بِطواف اللِّقَاء تَحِيَّة للبيت سَبْعَة أَشْوَاط وَالْأَفْضَل أَن لَا يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة لِأَن طواف اللِّقَاء سنة وَالسَّعْي وَاجِب فَمَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل الْوَاجِب تبعا للسّنة وَلكنه يُؤَخر إِلَى طواف الزِّيَارَة لِأَنَّهُ ركن وَالْوَاجِب يجوز أَن يكون تبعا للْفَرض وَمَتى أخر السَّعْي عَن طواف اللِّقَاء فَإِنَّهُ لَا يرمل فِيهِ وَإِنَّمَا الرمل سنة فِي طواف يعقبه السَّعْي عَرفْنَاهُ بِالنَّصِّ بِخِلَاف الْقيَاس فَيقْتَصر على مورد النَّص لَكِن الْعلمَاء رخصوا فِي الْإِتْيَان بالسعي عقيب طواف اللِّقَاء لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 يَوْم النَّحْر الَّذِي هُوَ وَقت طواف الزِّيَارَة يَوْم شغل من الذّبْح وَرمي الْجمار وَنَحْو ذَلِك فَكَانَ فِيهِ تَخْفيف بِالنَّاسِ وَإِذا أَتَى بالسعي عقيب طواف اللِّقَاء فَيَنْبَغِي أَن يرمل كَمَا فِي طواف الْعمرَة ثمَّ الْحَاج لَا يقطع التَّلْبِيَة عِنْد استلام الْحجر وَفِي الْعمرَة يقطع ثمَّ بعد طواف اللِّقَاء لَهُ أَن يطوف مَا شَاءَ إِلَى يَوْم التَّرويَة وَيُصلي لكل أُسْبُوع رَكْعَتَيْنِ فِي الْوَقْت الَّذِي يُبَاح فِيهِ التَّطَوُّع فَإِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة يُصَلِّي صَلَاة الْفجْر بِمَكَّة ثمَّ يَغْدُو مَعَ النَّاس إِلَى منى وَيُصلي بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء لأوقاتها ويبيت بهَا لَيْلَة عَرَفَة فَإِذا أصبح يَوْم عَرَفَة يُصَلِّي صَلَاة الْفجْر بمنى لوَقْتهَا الْمَعْرُوف فَإِذا طلعت الشَّمْس دفع مِنْهَا إِلَى عَرَفَات على السكينَة وَالْوَقار فَإِذا بلغ إِلَيْهَا ينزل بهَا حَيْثُ أحب إِلَّا فِي بطن عَرَفَة فَإِذا زَالَت الشَّمْس يُؤذن الْمُؤَذّن وَالْإِمَام على الْمِنْبَر فَإِذا فرغ من الْأَذَان يقوم الإِمَام ويخطب خطبتين قَائِما ويفصل بَينهمَا بجلسة خَفِيفَة كَمَا فِي يَوْم الْجُمُعَة فَإِذا خطب الإِمَام يُقيم الْمُؤَذّن الصَّلَاة وَيُصلي بهم الإِمَام صَلَاة الظّهْر ثمَّ يقوم وَيُصلي بهم صَلَاة الْعَصْر فِي وَقت الظّهْر بآذان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلَا يشْتَغل الإِمَام وَلَا الْقَوْم بالسنن والتطوع فِيمَا بَينهمَا وَإِذا اشتغلوا بذلك أعَاد الْمُؤَذّن آذان الْعَصْر ويخفي الإِمَام بِالْقِرَاءَةِ فيهمَا كَمَا فِي سَائِر الْأَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 فَإِن كَانَ الإِمَام مُقيما من أهل مَكَّة يتم الصَّلَاتَيْنِ أَرْبعا أَرْبعا وَيتم الْقَوْم مَعَه وَإِن كَانُوا مسافرين لِأَن الْمُسَافِر إِذا اقْتدى بالمقيم فِي الْوَقْت يجب عَلَيْهِ الْإِتْمَام تبعا للْإِمَام وَإِن كَانَ الإِمَام مُسَافِرًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَقُول لَهُم بعد الْفَرَاغ أَتموا صَلَاتكُمْ يَا أهل مَكَّة فَإنَّا قوم سفر فَإِذا فرغ من الصَّلَاة رَاح الإِمَام إِلَى الْموقف وَالنَّاس مَعَه عقيب انصرافهم عَن الصَّلَاة فيقف الإِمَام على رَاحِلَته وَهُوَ أفضل وَإِلَّا فيقف قَائِما وَالنَّاس يقفون مَعَه وكل من كَانَ وُقُوفه إِلَى الإِمَام أقرب فَهُوَ أفضل لِأَن الإِمَام يعلم النَّاس أُمُور الْمَنَاسِك حَتَّى يستمع مِنْهُ وعرفات كلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة فَلَا يَنْبَغِي الْوُقُوف فِيهَا فيقفون إِلَى غرُوب الشَّمْس فيكبرون ويهللون ويحمدون الله ويثنون عَلَيْهِ وَيصلونَ على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ويسألون الله تَعَالَى حوائجهم فَإِنَّهُ وَقت مرجو قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أفضل الدُّعَاء دُعَاء أهل عَرَفَة وَأفضل مَا قلت وَقَالَت الْأَنْبِيَاء قبلي عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَرُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِن الله تَعَالَى يباهي بِأَهْل عَرَفَة يَوْم عَرَفَة فَيَقُول انْظُرُوا ملائكتي إِلَى عبَادي يأْتونَ شعثا غبرا يأْتونَ من كل فج عميق اشْهَدُوا أَنِّي قد غفرت لَهُم فيرجعون كَيَوْم ولدتهم أمّهم فَإِذا غربت الشَّمْس دفع الإِمَام وَالْقَوْم خَلفه على السكينَة وَالْوَقار إِلَى مُزْدَلِفَة من غير أَن يصلوا صَلَاة الْمغرب بِعَرَفَة فَإِن دفع أحد مِنْهُم قبل غرُوب الشَّمْس ينظر إِن جَاوز حد عَرَفَة بعد غرُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 الشَّمْس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن جَاوز قبل الْغُرُوب وَجب عَلَيْهِ دم وَإِن عَاد إِلَى عَرَفَة قبل الْغُرُوب ثمَّ دفع الإِمَام وَالْقَوْم بعد الْغُرُوب سقط عَنهُ الدَّم وقالزفر لَا يسْقط كَمَا فِي مُجَاوزَة الْمِيقَات وَإِن عَاد إِلَى عَرَفَة بعد الْغُرُوب لَا يسْقط الدَّم بِالْإِجْمَاع ثمَّ وَقت الْوُقُوف بِعَرَفَة بعد زَوَال الشَّمْس من يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر فَمن حصل فِي هَذَا الْوَقْت بِعَرَفَات وَهُوَ عَالم بهَا أَو جَاهِل أَو نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ فَوقف بهَا أَو مر بهَا وَلم يقف صَار مدْركا لِلْحَجِّ وَلَا يحْتَمل الْفَوات بعده لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحَج عَرَفَة فَمن وقف بهَا فقد تمّ حجه غير أَنه إِن أدْرك عَرَفَة بِالنَّهَارِ وَعلم بِهِ فَإِنَّهُ يقف بهَا إِلَى غرُوب الشَّمْس فَإِن لم يقف بهَا وَمر بهَا بعد الزَّوَال قبل الْغُرُوب يجب عَلَيْهِ الدَّم وَإِن أدْركهَا بعد الْغُرُوب فَلم يقف وَمر بهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يدْرك عَرَفَة حَتَّى طلع الْفجْر من أول يَوْم النَّحْر فقد فَاتَ حجه وَسقط عَنهُ أَفعَال الْحَج ويتحول إِحْرَامه إِلَى الْعمرَة فَيَأْتِي بِأَفْعَال الْعمرَة وَيحل وَيجب عَلَيْهِ قَضَاء الْحَج من قَابل إِلَّا فِي فصل وَاحِد وَهُوَ إِنَّه إِذا اشْتبهَ عَلَيْهِم هِلَال ذِي الْحجَّة فأكملوا عدَّة ذِي الْقعدَة ثَلَاثِينَ يَوْمًا ووقفوا بِعَرَفَة ثمَّ تبين أَن ذَلِك يَوْم النَّحْر فَإِن وقوفهم صَحِيح وحجهم تَامّ لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَجكُمْ يَوْم تحجون ثمَّ إِذا أَتَوا مُزْدَلِفَة ينزل وَاحِد حَيْثُ أحب بِمُزْدَلِفَة إِلَّا وَادي محسر وَيكرهُ النُّزُول على قَارِعَة الطَّرِيق وَلَكِن يتَنَحَّى عَنهُ يمنة أَو يسرة حَتَّى لَا يتَأَذَّى بِهِ الْمَار فَإِذا غَابَ الشَّفق وَدخل وَقت الْعشَاء يُصَلِّي الإِمَام بهم صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الْمغرب فِي وَقت الْعشَاء ثمَّ يُصَلِّي بهم صَلَاة الْعشَاء بآذان وَاحِد وَإِقَامَة وَاحِدَة وَلَا يشْتَغل بَينهمَا بتطوع وَلَا بِغَيْرِهِ فَإِن اشْتغل بذلك فَيَنْبَغِي أَن تُعَاد الْإِقَامَة وَيُصلي الْعشَاء لِأَنَّهُ وجد الْفَاصِل بَينهمَا فَلَا بُد من الْإِقَامَة لإعلام النَّاس ثمَّ يبيت هُوَ مَعَ الإِمَام وَالنَّاس بِمُزْدَلِفَة فَإِذا طلع الْفجْر يُصَلِّي الإِمَام مَعَ النَّاس بِغَلَس ثمَّ يقف مَعَ النَّاس فِي مَوْضُوع الْوُقُوف وَالْأَفْضَل أَن يكون وقُوف النَّاس خلف الإِمَام عِنْد الْجَبَل الَّذِي يُقَال لَهُ قزَح وَوقت الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر إِلَى أَن يسفر جدا فَمن حصل فِي هَذَا الْوَقْت فِي جُزْء من أَجزَاء الْمزْدَلِفَة فقد أَتَى بِالْوُقُوفِ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ غير أَن السّنة مَا وَصفنَا وَمن مر إِلَى منى قبل الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة قبل طُلُوع الْفجْر فَعَلَيهِ دم لترك الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة إِذْ هُوَ وَاجِب إِلَّا إِذا كَانَ بِهِ عِلّة وَضعف فيخاف الزحام فَيدْفَع مِنْهَا لَيْلًا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه رخص للضعفة أَن يتعجلوا من مُزْدَلِفَة بلَيْل ثمَّ يفِيض الإِمَام مَعَ الْقَوْم من مُزْدَلِفَة قبل طُلُوع الشَّمْس وَيَأْتِي منى وَيَنْبَغِي أَن يَأْخُذ كل وَاحِد حَصى الْجمار من الْمزْدَلِفَة أَو من الطَّرِيق وَلَا يَأْخُذ من الْجمار الَّتِي رميت عِنْد الْجَمْرَة لما قيل إِنَّه حَصى من لم يقبل حجَّة فَإِن من قبلت حجَّته رفعت جمرته ثمَّ يَأْتِي جَمْرَة الْعقبَة قبل الزَّوَال فيرميها بِسبع حَصَيَات فِي بطن الْوَادي من أَسْفَل إِلَى أَعلَى فَوق حَاجِبه الْأَيْمن مثل حَصى الخزف وَيكبر مَعَ كل حَصَاة يرميها وَلَا يَرْمِي يَوْمئِذٍ من الْجمار شَيْئا غَيرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وَلَا يقف عِنْدهَا وَبِأَيِّ شَيْء رَمَاه من الأَرْض أَجزَأَهُ حجرا كَانَ أَو طينا وَلَو رمى جَمْرَة الْعقبَة بعد طُلُوع الْفجْر قبل طُلُوع الشَّمْس أَجزَأَهُ عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز إِلَّا بعد طُلُوع الشَّمْس وَالْأَفْضَل عندنَا أَن يَرْمِي بعد طُلُوع الشَّمْس ثمَّ يرجع إِلَى منى فَإِن كَانَ مَعَه شَاة يذبح وَإِن لم يذبح فَلَا يضرّهُ لِأَنَّهُ مُفْرد بِالْحَجِّ فَلَا دم عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يحلق أَو يقصر وَالْحلق أفضل وَإِن كَانَ قَارنا أَو مُتَمَتِّعا فَعَلَيهِ الذّبْح فَيَنْبَغِي أَن يذبح أَولا ثمَّ يحلق أَو يقصر فَإِذا حلق حل لَهُ كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء ثمَّ يزور الْبَيْت من يَوْمه ذَلِك وَيَطوف طواف الزِّيَارَة أَو من الْغَد أَو بعد الْغَد فوقته أَيَّام النَّحْر وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام وأولها أفضل ثمَّ إِن سعى فِي طواف اللِّقَاء لَا يرمل فِي طواف الزِّيَارَة وَإِن لم يسع عقيب طواف اللِّقَاء فيسعى عقيب طواف الزِّيَارَة بَين الصَّفَا والمروة ويرمل فِي هَذَا الطّواف فَإِذا طَاف طواف الزِّيَارَة أَو أَكْثَره حل لَهُ النِّسَاء أَيْضا ثمَّ يخرج إِلَى منى وَلَا يبيت بِمَكَّة وَلَا بِالطَّرِيقِ وَيكرهُ أَن يبيت فِي غير منى فِي أَيَّام منى فَإِذا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام النَّحْر رمى الْجمار الثَّلَاث بعد الزَّوَال فَيبْدَأ بالجمرة الأولى الَّتِي عِنْد مَسْجِد الْخَفِيف فيرمها بِسبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 حَصَيَات مثل حَصى الخزف وَيكبر مَعَ كل حَصَاة يرميها وقف عِنْدهَا وَيكبر ويحمد الله تَعَالَى ويثني عَلَيْهِ وَيُصلي على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَيَدْعُو الله حَوَائِجه وَيرْفَع يَدَيْهِ عِنْد الدُّعَاء بسطا ثمَّ يَأْتِي الْجَمْرَة الْوُسْطَى وَيفْعل فِيهَا كَمَا يفعل فِي الأولى ثمَّ يَأْتِي جَمْرَة الْعقبَة فيفعل بهَا كَمَا فعل بالْأَمْس وَلَا يقف ثمَّ يرجع إِلَى رَحْله فَإِن أَرَادَ أَن ينفر من منى إِلَى مَكَّة فَلهُ ذَلِك لقَوْله تَعَالَى {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} وَإِن أَقَامَ وَلم ينفر حَتَّى طلع الْفجْر من الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام النَّحْر فَعَلَيهِ أَن يَرْمِي الْجمار الثَّلَاث فِيهِ بعد الزَّوَال كَمَا رماهن بالْأَمْس فيقف عِنْد الْجَمْرَتَيْن الْأَوليين وَلَا يقف عِنْد الْعقبَة وَإِذا أَرَادَ أَن ينفر وَيدخل مَكَّة نفر قبل غرُوب الشَّمْس فَإِن لم ينفر حَتَّى غربت الشَّمْس فَإِن الْأَفْضَل لَهُ أَن لَا ينفر حَتَّى يَرْمِي الْجمار الثَّلَاث من الْغَد وَلَو نفر قبل طُلُوع الْفجْر من الْيَوْم الرَّابِع فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقد أَسَاءَ وعَلى قَول الشَّافِعِي إِذا أغربت الشَّمْس من الْيَوْم الثَّالِث فَلَا يحل لَهُ النَّفر حَتَّى يَرْمِي الْجمار الثَّلَاث فِي الْيَوْم الرَّابِع وَكَذَلِكَ عندنَا إِذا طلع الْفجْر من الْيَوْم الرَّابِع وَهُوَ آخر أَيَّام التَّشْرِيق يجب عَلَيْهِ الْإِقَامَة وَلَا يحل لَهُ النَّفر حَتَّى يَرْمِي الْجمار الثَّلَاث كَمَا فِي الأمس وَلَو نفر قبل الرَّمْي فَعَلَيهِ دم ثمَّ من نفر فِي النَّفر الأول أَو فِي الثَّانِي فَإِن لَهُ أَن يحمل ثقله مَعَ نَفسه وَيكرهُ أَن يقدمهُ لِأَنَّهُ سَبَب لشغل قلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وَيَنْبَغِي أَن ينزل بِالْأَبْطح سَاعَة وَيُقَال لَهُ المحصب وَهُوَ مَوضِع بَين منى وَمَكَّة لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نزل بِهِ ثمَّ يدْخل مَكَّة وَيَطوف طواف الصَّدْر لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من حج الْبَيْت فَلْيَكُن آخر عَهده بِالْبَيْتِ الطّواف فَإِذا فرغ من طواف الصَّدْر فَيَأْتِي الْمقَام فَيصَلي عِنْده رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يَأْتِي زَمْزَم وَيشْرب من مَائِهَا قَائِما وَيصب بعضه على وَجهه وَرَأسه ثمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزم وَهُوَ بَين الْحجر الْأسود وَالْبَاب وَيَضَع صَدره وَوَجهه عَلَيْهِ ويتشبث بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَيسْأل الله تَعَالَى حَوَائِجه ثمَّ يسْتَلم الْحجر وَيكبر الله إِن أمكنه أَن يدْخل الْبَيْت فَحسن وَإِن لم يدْخل أَجزَأَهُ وَلَا يضرّهُ ثمَّ يرجع فَإِن أَرَادَ أَن يعْتَمر بعد الْفَرَاغ من الْحَج وَبَعْدَمَا مضى أَيَّام النَّحْر والتشريف كَانَ لَهُ ذَلِك وَلكنه يخرج إِلَى التَّنْعِيم فَيحرم من ذَلِك الْموضع لِأَنَّهُ لما فرغ من الْحَج صَار كواحد من أهل مَكَّة وميقاتهم للْعُمْرَة من الْحل نَحْو التَّنْعِيم وَغَيره وَلَيْسَ على أهل مَكَّة وَلَا على أهل الْمَوَاقِيت طواف الصَّدْر إِذا حجُّوا لِأَنَّهُ طواف الْوَدَاع عِنْد الْمُفَارقَة وهم غير مفارقين للبيت وَلَيْسَ على المعتمرين من أهل الأفاق طواف الصَّدْر أَيْضا لِأَن ركن الْعمرَة هُوَ الطّواف فَكيف يصير رُكْنه تبعا لَهُ وَلَيْسَ على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء طواف الصَّدْر وَلَا شَيْء عَلَيْهِمَا التَّرِكَة لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السلامرخص للنِّسَاء الْحيض بِتَرْكِهِ وَلم يَأْمُرهُنَّ بِإِقَامَة شَيْء مقَامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَلَو نفر قبل طواف الصَّدْر فَقبل أَن جَاوز الْمِيقَات لَهُ أَن يرجع وَيَطوف لِأَنَّهُ وَاجِب وَإِن جَاوز فَإِن مضى يجب عَلَيْهِ الدَّم وَإِن رَجَعَ لَا بُد لَهُ من إِحْرَام الْعمرَة فَيرجع ويعتمر ثمَّ يطوف للصدر هَذَا فِي حق الْمُفْرد بِالْحَجِّ وَأما الْقَارِن فَحكمه مَا ذكرنَا فِي الْمُفْرد بِالْحَجِّ إِلَّا أَنه يحرم بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا ثمَّ إِذا أَتَى مَكَّة يطوف لعمرته وَيسْعَى ثمَّ بعد ذَلِك يطوف وَيسْعَى لحجته وَيقدم أَفعَال الْعمرَة على أَفعَال الْحَج فَأَما إِذا أفرد بِالْحَجِّ ثمَّ قبل الْفَرَاغ من أَفعَال الْحَج أحرم للْعُمْرَة يصير قَارنا أَيْضا لكنه أَسَاءَ لترك السّنة فَإِن السّنة تَقْدِيم أَفعَال الْعمرَة على أَفعَال الْحَج للقارن وَإِذا جَاءَ وَقت الْحلق فَإِنَّهُ يذبح أَولا ثمَّ يحلق وَأما الْمُتَمَتّع فَإِنَّهُ يحرم للْعُمْرَة أَولا وَيَأْتِي بهَا قبل يَوْم التَّرويَة ثمَّ يحرم لِلْحَجِّ سَوَاء حل من الْعمرَة أَو لم يحل وَهُوَ مِمَّن يحصل لَهُ الْعمرَة وَالْحج فِي أشهر الْحَج بسفر وَاحِد من غير أَن يلم بأَهْله فِيمَا بَينهمَا إلماما صَحِيحا وَلَو قدم إِحْرَامه لِلْحَجِّ على يَوْم التَّرويَة فَهُوَ أفضل وَهَذَا إِذا لم يسق مَعَ نَفسه هدي الْمُتْعَة فَأَما إِذا سَاق فَإِنَّهُ لَا يحل عَن إِحْرَام الْعمرَة إِلَّا بعد الْفَرَاغ من الْحَج فَلهُ أَن يحرم بِالْحَجِّ وَيتم ثمَّ الْمُتْعَة وَالْقرَان مشروعان فِي حق أهل الأفاق فَأَما فِي حق حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وهم أهل مَكَّة وَأهل دَاخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الْمَوَاقِيت فمكروه وَأَصله قَوْله تَعَالَى (فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج) إِلَى أَن قَالَ (ذَلِك لمن لم يكن أهلة حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام) وَلَو تمَتَّعُوا مَعَ ذَلِك أَو قرنوا يجوز ويلزمهم دم لإساءتهم وَيكون ذَلِك دم جبر حَتَّى لَا يحل لَهُم أكله وَعَلَيْهِم أَن يتصدقوا بِهِ على الْفُقَرَاء فَأَما فِي حق أهل الْآفَاق فمشروعة مُسْتَحبَّة ويلزمهم الدَّم شكرا لما أنعم الله عَلَيْهِم فِي الْجمع بَين النُّسُكَيْنِ بسفر وَاحِد حَتَّى يحل لَهُ الْأكل مِنْهُ وَيطْعم من شَاءَ من الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَلَا يجب عَلَيْهِ التَّصَدُّق لَكِن الْمُسْتَحبّ أَن يَأْكُل الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ وَيهْدِي الثُّلُث إِلَى أقربائه وجيرانه كَمَا فِي الْأُضْحِية وَإِنَّمَا يذبح فِي أَيَّام النَّحْر ويذبح فِي الْحرم فَإِن كَانَ مُعسرا وَلم يجد الْهَدْي فَإِنَّهُ يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام قبل يَوْم عَرَفَة بعد إِحْرَام الْعمرَة وَالْأَفْضَل أَن تكون ثَلَاثَة أَيَّام آخرهَا يَوْم عَرَفَة فَإِن فعل ذَلِك ثمَّ جَاءَ يَوْم النَّحْر حلق أَو قصر ثمَّ يَصُوم سَبْعَة أَيَّام بعد مُضِيّ أَيَّام النَّحْر والتشريق وَإِن لم يرجع إِلَى أَهله وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يَصُوم السَّبْعَة بَعْدَمَا رَجَعَ إِلَى أَهله وَلَا يجوز قبله لقَوْله تَعَالَى {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} إِلَّا أَنا نقُول معنى قَوْله رجعتم أَي فَرَغْتُمْ من أَفعَال الْحَج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 كَذَا قَالَ أهل التَّفْسِير ثمَّ الْقرَان أفضل من الْإِفْرَاد عندنَا ثمَّ التَّمَتُّع ثمَّ الْإِفْرَاد وَقَالَ الشَّافِعِي الْإِفْرَاد أفضل مِنْهُمَا جَمِيعًا وَقَالَ مَالك التَّمَتُّع أفضل ثمَّ الْقرَان ثمَّ الْإِفْرَاد وَحَاصِل الْخلاف أَن الْقَارِن محرم بإحرامين وَلَا يدْخل إِحْرَام الْعمرَة فِي إِحْرَام الْحَج عندنَا وَعِنْده يكون محرما بِإِحْرَام وَاحِد وَيدخل إِحْرَام الْعمرَة فِي إِحْرَام الْحَج لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام دخلت الْعمرَة فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلَكنَّا نستدل بِإِجْمَاع الْأمة على تَسْمِيَته قرانا وَالْقرَان يكون بَين شَيْئَيْنِ وَأما الحَدِيث فتأويله دخل وَقت الْعمرَة فِي وَقت الْحجَّة فَإِنَّهُم كَانُوا يعدون الْعمرَة فِي أشهر الْحَج من أفجر الْفُجُور فنسخ الْإِسْلَام ذَلِك وَيَنْبَنِي على هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا مَا قُلْنَا إِن الْقرَان أفضل لِأَنَّهُ جمع بَين العبادتين بإحرامين وَعِنْده بِخِلَافِهِ وَمِنْهَا أَن الْقَارِن يطوف طوافين وَيسْعَى سعين وَيقدم أَفعَال الْعمرَة على أَفعَال الْحَج وَعِنْده يطوف طَوافا وَاحِدًا وَيسْعَى سعيا وَاحِدًا وَمِنْهَا أَن الدَّم الْوَاجِب فِيهِ دم نسك عندنَا شكرا للْجمع بَين العبادتين وَعِنْده دم جبر لتمكن النُّقْصَان فِي الْحَج بِسَبَب إِدْخَال الْعمرَة فِيهِ حَتَّى لَا يحل لَهُ أكل هَدْيه عِنْده وَعِنْدنَا يحل وَمِنْهَا أَنه إِذا تنَاول مَحْظُور إِحْرَامه فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ دمان عندنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وَعِنْده يجب عَلَيْهِ دم وَاحِد وَمِنْهَا أَنه لَو أحْصر الْقَارِن فَإِنَّهُ يحل بهديين عندنَا وَعِنْده يهدي وَاحِد ثمَّ النِّسَاء فِي الْحَج وَالْعمْرَة كالرجال إِلَّا فِي أَشْيَاء مِنْهَا أَنه لَا يحرم عَلَيْهِم لبس الْمخيط وعليهن أَن يغطين رؤوسهن لَكِن لَا يغطين وجوههن وَلَو غطين حافين فَيكون إحرامهم فِي وجوهن وَكَذَا لَا يرفعن أصواتهن بِالتَّلْبِيَةِ وَكَذَا لَا يرملن فِي الطّواف وَلَا يسعين فِي بطن الْوَادي بَين الصَّفَا والمروة بل يَمْشين على هينتهن وَلَا يَحْلِقن رؤوسهن وَلَكِن يقصرن فيأخذن من أَطْرَاف شعورهن قدر أُنْمُلَة وَيسْقط عَنْهُن طواف الصَّدْر فِي بَاب الْحَج إِذا حضن أَو نفسن وَلَا يجب عَلَيْهِم بِتَأْخِير طواف الزِّيَارَة عَن أَيَّام النَّحْر بِسَبَب الْحيض وَالنّفاس شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 بَاب آخر جمع فِي الْكتاب مسَائِل الْإِحْصَار ومسائل الْمَحْظُورَات ومسائل الْأَمر بِالْحَجِّ وَبَدَأَ بالإحصار فَقَالَ من منع عَن الْوُصُول إِلَى الْبَيْت بَعْدَمَا أحرم بِالْحَجِّ أَو بِالْعُمْرَةِ أَو بهما بِسَبَب مرض أَو عَدو فَهُوَ محصر وَالْكَلَام فِي الْإِحْصَار فِي مَوَاضِع أَحدهَا أَن الْإِحْصَار قد يكون بالعدو كفَّارًا كَانُوا أَو مُسلمين وَقد يكون بِالْمرضِ أَو بعلة مَانِعَة عَن الْمَشْي وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون إِلَّا بالعدو وعَلى هَذَا إِذا أَحرمت الْمَرْأَة بِحجَّة الْإِسْلَام فَلم تَجِد محرما أَو مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فَهِيَ محصرة فَأَما إِذا سرقت نَفَقَة الْحَاج أَو هَلَكت رَاحِلَته فَإِن كَانَ لَا يقدر على الْمَشْي أَو يقدر فِي الْجُمْلَة لَكِن يخَاف أَن لَا يُمكنهُ الْمَشْي مَعَ الْقَافِلَة فَإِنَّهُ يكون محصرا وَإِن كَانَ مِمَّن يقدر على الْمَشْي لَا يكون محصرا بل يجب عَلَيْهِ أَن يذهب بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن قَادِرًا على الرَّاحِلَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ صَار الْحَج لَازِما عَلَيْهِ بِسَبَب الشُّرُوع فَأَما الْمَرْأَة إِذا أَحرمت بِالْحَجِّ تَطَوّعا فَللزَّوْج أَن يمْنَعهَا لِأَن مَنْفَعَتهَا ملك الزَّوْج وَلم تصر مُسْتَثْنَاة فِي حق التَّطَوُّع فَتَصِير محصرة وَللزَّوْج أَن يحللها بِأَن يقبلهَا أَو يعانقها فَتحل للْحَال من غير أَن تذبح وَعَلَيْهَا أَن تبْعَث الْهَدْي فَيذْبَح فِي الْحرم لِأَن الْإِحْلَال مُسْتَحقّ عَلَيْهَا حَقًا للزَّوْج وَكَذَلِكَ العَبْد وَالْأمة إِذا أحرما فللمولى أَن يحللهما وَعَلَيْهَا الْهَدْي بعد الْعتاق وَقَضَاء الْحَج وَالْعمْرَة لِأَنَّهُ يصير وَاجِبا بِالشُّرُوعِ وَلَو أذن الْمولى لعَبْدِهِ فِي الْحَج فَأحْرم يكره لَهُ أَن يحلله لِأَنَّهُ خلاف وعده وَلَكِن مَعَ هَذَا لَو حلله يجوز وَيحل وَلَا يلْزم الْمولى الْهَدْي بِسَبَب الْإِحْلَال لِأَن الْإِحْلَال حق الْمولى وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَيْسَ لَهُ أَن يحلله لِأَنَّهُ أسقط حق نَفسه بِالْإِذْنِ وَلَو بَاعَ العَبْد فَلِلْمُشْتَرِي أَن يحلله من غير كَرَاهَة وعَلى قولزفر يكره وَلَو أذن لأمته بِالْحَجِّ وَلها زوج فأحرمت فَلَيْسَ للزَّوْج أَن يحللها لِأَن للْمولى أَن يُسَافر بهَا فَكَانَ لَهُ أَن يَأْذَن بذلك وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لِأَن الْإِحْصَار يتَحَقَّق بِكُل مَانع من الْوُصُول إِلَى الْبَيْت قَوْله تَعَالَى {فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} من غير فصل بَين سَبَب وَسبب فَهُوَ على الْإِطْلَاق وَمِنْهَا حكم الْإِحْصَار وَهُوَ أَن يبْعَث الْهَدْي إِلَى الْحرم أَو يَأْمر رجلا ليَشْتَرِي هَديا ثمَّة ويواعده بِأَن يذبحه عَنهُ ثمَّة فِي يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 معِين فَإِذا ذبحه عَنهُ يحل لَهُ كل شَيْء وَلَا يحْتَاج إِلَى الْحلق فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَإِن فعل فَحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَنْبَغِي أَن يحلق وَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنهُ أَنه وَاجِب لَا يسع تَركه وَله أَن يرجع إِلَى أَهله إِذا بعث الْهَدْي سَوَاء ذبح عَنهُ أَو لَا لِأَن إِذا لم يتَمَكَّن من الْمَشْي إِلَى الْحَج فَلَا فَائِدَة فِي الْمقَام وَمِنْهَا أَن يتَحَلَّل بِشَاة وَإِن كَانَ اسْم الْهَدْي يَقع على الشَّاة وَالْإِبِل وَالْبَقر لما روى جَابر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَمر النَّاس عَام الْحُدَيْبِيَة أَن يتحللوا بِشَاة ويذبحوا الْبَقَرَة عَن سَبْعَة وَمِنْهَا أَن هدي الْإِحْصَار لَا يجوز ذبحه إِلَّا فِي الْحرم عندنَا وَعند الشَّافِعِي فِي الْموضع الَّذِي يتَحَلَّل فِيهِ وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لقَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْي معكوفا أَن يبلغ مَحَله} وَمِنْهَا أَن دم الْإِحْصَار يجوز تَقْدِيمه على أَيَّام النَّحْر عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز تَقْدِيمه على أَيَّام النَّحْر وَأَجْمعُوا أَن هدي الْإِحْصَار عَن الْعمرَة يجوز فِي أَي وَقت شَاءَ وَمِنْهَا أَن الْمحصر إِذا لم يجد الْهَدْي وَلَا ثمن الْهَدْي لَا يحل بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْم بل يبْقى محرما إِلَى أَن يجد الْهَدْي فَيذْبَح عَنهُ فِي الْحرم بأَمْره أَو مَتى زَالَ الْإِحْصَار فَيذْهب إِلَى مَكَّة فيحج إِن بَقِي وَقت الْحَج وَإِن فَاتَ وَقت الْحَج فيتحلل بِأَفْعَال الْعمرَة هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من قَوْلنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح يحل بِالْإِطْعَامِ ثمَّ بِالصَّوْمِ بِأَن يقوم الْهَدْي طَعَاما فَيتَصَدَّق بِهِ على الْمَسَاكِين وَإِن لم يجد الطَّعَام يَصُوم لكل نصف صَاع يَوْمًا وَبِه أَخذ أَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول يحل بِالصَّوْمِ ويصوم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج ويصوم سَبْعَة أَيَّام بعْدهَا كَمَا فِي الْمُتَمَتّع والقارن وَفِي قَول يطعم وَإِن فَاتَ وَمِنْهَا أَن الْمحصر إِذا حل بِالْهَدْي فَعَلَيهِ قَضَاء حجَّة وَعمرَة من الْقَابِل أما الْحجَّة فَلِأَنَّهُ أوجبهَا بِالشُّرُوعِ وَإِن كَانَت تَطَوّعا وَإِن كَانَت حجَّة الْإِسْلَام وفاتت فَعَلَيهِ أَدَاؤُهَا وَعَلِيهِ قَضَاء عمْرَة لفَوَات الْحَج فِي عَامَّة ذَلِك وفائت الْحَج يتَحَلَّل بِأَفْعَال الْعمرَة هَذَا هُوَ الأَصْل فَإِذا خرج بِالْهَدْي فَعَلَيهِ قَضَاء الْعمرَة الَّتِي يتَحَلَّل بهَا فَائت الْحَج وَإِن كَانَ قَارنا يقْضِي حجَّة وَعمرَة مَكَان مَا فَاتَهُ من الْحَج وَالْعمْرَة وَعمرَة أُخْرَى لكَونه فَائت الْحَج وَمِنْهَا مَا ذكرنَا أَن الْقَارِن إِذا أحْصر يبْعَث بهديين وَمَا لم يذبحا جَمِيعًا لَا يحل خلافًا للشَّافِعِيّ وَمِنْهَا أَنه إِذا ذبح هَدْيه قبل الْيَوْم الَّذِي وَاعد فِيهِ أَو قبل يَوْم النَّحْر على قَوْلهمَا وَقد بَاشر أفعالا هِيَ حرَام بِسَبَب الْإِحْرَام فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء لِأَنَّهُ مَتى ذبح فِي غير ذَلِك الْيَوْم أَو ذبحه فِي غير الْحرم فَهُوَ محمر بعد وَالْمحرم إِذا بَاشر محظوره يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء وَمِنْهَا أَنه إِذا زَالَ الْإِحْصَار وَقدر على إِدْرَاك الْهَدْي وَالْحج جَمِيعًا فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ التَّوَجُّه إِلَى الْبَيْت لِأَن الْهَدْي إِنَّمَا شرع عِنْد الضَّرُورَة للإحلال وَقد زَالَت الضَّرُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وَإِن قدر على إِدْرَاك الْهَدْي دون الْحَج فقد تحقق الْإِحْصَار لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي إِدْرَاك الْهَدْي إِذا فَاتَ الْحَج فَيذْبَح عَنهُ وَيحل وَلَا يجب عَلَيْهِ الذّهاب إِلَى مَكَّة وَإِن قدر على إِدْرَاك الْحَج دون الْهَدْي فَهَذَا إِنَّمَا يتَحَقَّق على قَول أبي حنيفَة فِي الْحَج وَعند الْكل فِي الْإِحْصَار بِالْعُمْرَةِ لِأَن ذبح الْهَدْي غير مُؤَقّت بِيَوْم النَّحْر فَأَما عِنْدهمَا فَفِي ذبح هدي الْإِحْصَار عَن الْحَج لَا يتَحَقَّق لِأَنَّهُ يذبح يَوْم النَّحْر فَإِذا أدْرك الْحَج فقد أدْرك الْهَدْي ثمَّ الْجَواب على قِيَاس قَوْله لَا يحل بِالْهَدْي لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق بالإحصار لِأَنَّهُ صَار قادما على أَدَاء الْحَج فَصَارَ كالشيخ الفاني إِذا قدر على الصَّوْم وَفِي الِاسْتِحْسَان يحل بِالْهَدْي لِأَنَّهُ لما لم يكن قَادِرًا على إِدْرَاك الْهَدْي صَار حَلَالا بِالذبْحِ فَإِن ذهب من عَامه ذَلِك إِلَى قَضَاء الْحَج فَإِنَّهُ يقْضِي بِإِحْرَام جَدِيد وَعَلِيهِ قَضَاء الْحَج لَا غير لِأَنَّهُ لم يفت عَنهُ الْحَج فِي هَذَا الْعَام وَإِن قضى فِي عَام آخر فَعَلَيهِ قَضَاء الْحَج وَعَلِيهِ الْعمرَة لفَوَات الْحَج من الْعَام الأول وَأما مسَائِل المحظوراتفنقول إِذا لبس الْمحرم الْمخيط فَإِن كَانَ يَوْمًا كَامِلا فَعَلَيهِ دم فَأَما إِذا كَانَ فِي بعض الْيَوْم فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ صَدَقَة لِأَن لبس الْمخيط إِنَّمَا حرم لكَونه من مرافق المقيمين واللبس يَوْمًا كَامِلا يكون استمتاعا كَامِلا فَعَلَيهِ دم وَإِلَّا فَيجب بِقَدرِهِ من الصَّدَقَة بِأَن يقسم قيمَة الْهَدْي على سَاعَات الْيَوْم فَمَا يُصِيب ذَلِك الْوَقْت الَّذِي لَيْسَ فِيهِ يجب عَلَيْهِ بِقَدرِهِ وَكَذَا قَالَ بعض أَصْحَابنَا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يطعم نصف صَاع من بر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وكل صَدَقَة فِي الْإِحْرَام غير مقدرَة فَهِيَ نصف صَاع إِلَّا فِي قتل الجرادة والقملة فَهِيَ كف من طَعَام وَلَو لبس جَمِيع الثِّيَاب وَلبس الْخُفَّيْنِ أَيْضا لَا يلْزمه إِلَّا جَزَاء وَاحِد لِأَن الْجِنْس وَاحِد وَلَو لبس قلنسوة ولف عِمَامَة للضَّرُورَة لَا يلْزمه إِلَّا فديَة وَاحِدَة وَلَو وضع قَمِيصًا على رَأسه وقلنسوة يلْزمه للضَّرُورَة فديَة وللقميص دم لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى الْقَمِيص فِي الرَّأْس وَلَو لبس قَمِيصًا للضَّرُورَة وَلبس خُفَّيْنِ من غير ضَرُورَة يلْزمه الْفِدْيَة لأجل الضَّرُورَة وَالدَّم لأجل الْخُفَّيْنِ من غير ضَرُورَة وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي لبس الْخُفَّيْنِ وتغطية الْوَجْه وَالرَّأْس فِي حق الرجل أما الْمَرْأَة فعلَيْهَا أَن تغطي رَأسهَا وَلَكِن لَا تغطي وَجههَا ثمَّ فِي الْجَواب ظَاهر الرِّوَايَة إِذا غطى ربع الرَّأْس أَو الْوَجْه يَوْمًا وَاحِدًا يجب عَلَيْهِ الدَّم وَإِن كَانَ أقل من يَوْم يجب عَلَيْهِ الصَّدَقَة بِقَدرِهِ وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد أَنه قدر بِالْأَكْثَرِ وَإِن ألْقى على مَنْكِبَيْه قبَاء أَو توشح قَمِيصًا أَو اتزر بسراويل لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلبْس مُعْتَاد وَكَذَا لَو غطى رَأسه بِمَا لبس بمعتاد بِأَن وضع الإجانة على رَأسه أَو جوالق حِنْطَة على رَأسه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وَلَو أَدخل الْيَد فِي الكمين بَعْدَمَا ألْقى القباء على مَنْكِبَيْه يجب الْجَزَاء لِأَن لبس القباء فِي الْعَادة هَكَذَا وَإِن لم يجد النَّعْلَيْنِ يَنْبَغِي أَن يقطع الْخُفَّيْنِ أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ ويلبس وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَكَذَا لَو فتق السَّرَاوِيل وَلم يبْق إِلَى مَوضِع التكة لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن هَذَا اتزار وَلَيْسَ بِلبْس وَلَو حلق رَأسه أَو ربع رَأسه فَعَلَيهِ دم عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا إِن حلق أَكثر الرَّأْس يجب دم وَإِن كَانَ أقل يجب صَدَقَة وَلَو قلم الْأَظْفَار إِن كَانَ قلم يدا وَاحِدَة ورجلا وَاحِدَة أَو قلم الأظافير كلهَا لَا يلْزمه إِلَّا دم وَاحِد لِأَن جنس الْجَنَابَة وَاحِد وَلَو قلم خَمْسَة أظافير من الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن لَا يجب عَلَيْهِ الدَّم لِأَن هَذَا لَيْسَ من بَاب الارتفاق وَلَكِن يجب لكل ظفر نصف صَاع من حِنْطَة وَهَذَا إِذا فعل بِغَيْر عذر فَأَما إِذا فعل بِعُذْر فَعَلَيهِ الْفِدْيَة وَهُوَ أحد الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام أَو صَدَقَة على سِتَّة مَسَاكِين أَو ذبح شَاة لقَوْله تَعَالَى {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} ثمَّ الْمحرم يحرم عَلَيْهِ أَخذ صيد الْبر وَقَتله وَالْإِشَارَة إِلَيْهِ وَالدّلَالَة عَلَيْهِ فَأَما صيد الْبَحْر فحلال لَهُ قَالَ الله تَعَالَى {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم وللسيارة وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَالصَّيْد مَا كَانَ متوحشا مُمْتَنعا إِمَّا بجناحيه أَو بقوائمه حَتَّى إِن الدَّجَاج والبط الأهلي لم يكن من الصَّيْد فَإِن قتل صيدا فَإِن لم يقْصد الصَّيْد بالإيذاء يلْزمه الْجَزَاء وَأما إِذا قصد بالإيذاء وَإِن لم يكن مُؤْذِيًا فِي الأَصْل أَو كَانَ من جملَة المؤذيات كَالْكَلْبِ الْعَقُور وَالذِّئْب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَأَصله حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ خمس يقتلن فِي الْحل وَالْحرم الْحَيَّة وَالْعَقْرَب والفأرة والحدأة وَالْكَلب الْعَقُور وَفِي رِوَايَة الْغُرَاب الأبقع وَإِذا قتل شَيْئا من غير المؤذيات ابْتِدَاء ينظر إِمَّا إِن كَانَ مَأْكُول اللَّحْم أَو لم يكن مَأْكُول اللَّحْم فَإِن كَانَ مَأْكُول اللَّحْم فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ قِيمَته عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَتعْتَبر قِيمَته فِي الْموضع الَّذِي قَتله فِيهِ إِن كَانَ مِمَّا يُبَاع فِي ذَلِك الْموضع أَو فِي أقرب الْأَمَاكِن الَّذِي يُبَاح فِيهِ وَيقوم وَإِذا ظَهرت قِيمَته فَالْخِيَار إِلَى الْقَاتِل عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَفِي رِوَايَة الْكَرْخِي إِن بلغت قِيمَته هَديا إِن شَاءَ اشْترى بهَا هَديا فذبح فِي الْحرم وَإِن شَاءَ اشْترى بهَا طَعَاما فَتصدق على كل فَقير نصف صَاع من حِنْطَة وَإِن شَاءَ صَامَ مَكَان كل نصف صَاع من حِنْطَة يَوْمًا فَإِن اشْترى هَديا ذبح فِي الْحرم سقط عَنهُ الْجَزَاء بِمُجَرَّد الذّبْح حَتَّى إِنَّه لَو سرق بعد الذّبْح أَو ضَاعَ بِوَجْه مَا قبل التَّصَدُّق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَو تصدق بكله على فَقير وَاحِد جَازَ لَا يجب عَلَيْهِ التَّفْرِيق على الْمَسَاكِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَلَو ذبحه فِي الْحل لَا يسْقط عَنهُ الْجَزَاء إِلَّا إِذا تصدق بِلَحْمِهِ على الْفُقَرَاء على كل فَقير قدر قيمَة نصف صَاع من حِنْطَة فيجزئه بَدَلا عَن الطَّعَام أَو الصّيام إِذا بلغت قِيمَته قيمَة الصَّيْد وَإِلَّا فيكمل وَإِذا اخْتَار الطَّعَام أَو الصّيام يجزئانه فِي الْأَمَاكِن كلهَا وَيجوز فِي الْإِطْعَام الْإِبَاحَة وَالتَّمْلِيك وَيجوز الصَّوْم مُتَتَابِعًا ومتفرقا وَلَو لم تبلغ قيمَة الْهَدْي فَلهُ الْخِيَار بَين الْإِطْعَام وَالصِّيَام وَالْهَدْي هُوَ كل مَا يجوز فِي الْأَضَاحِي من الثنايا فِي الْمعز وَالشَّاة الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا السّنة إِلَّا الْجذع من الضَّأْن إِذا كَانَ عَظِيما وَهُوَ الَّذِي أَتَت عَلَيْهِ سِتَّة أشهر فَصَاعِدا وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد الْخِيَار فِي ذَلِك إِلَى الْحكمَيْنِ إِن شاءا حكما عَلَيْهِ هَديا وَإِن شاءا حكما عَلَيْهِ طَعَاما وَإِن شاءا حكما عَلَيْهِ صياما وَلَيْسَ لَهُ أَن يخرج من حكمهمَا فَإِن حكما عَلَيْهِ هَديا يجب عَلَيْهِ ذبح نَظِير الْمُتْلف من النعم الأهلي من حَيْثُ الْهَيْئَة وَالصُّورَة إِن كَانَ لَهُ نَظِير من حَيْثُ الصُّورَة عِنْد مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ سَوَاء كَانَت قِيمَته مثل قيمَة الْمُتْلف أَو أقل أَو أَكثر بِأَن يجب فِي الظبي شَاة وَفِي النعامة بَدَنَة وَفِي الأرنب عنَاق وَفِي اليربوع جفرة والجفرة من أَوْلَاد الْمعز الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ سِتَّة أشهر وَإِن لم يكن لَهُ نَظِير من حَيْثُ الْخلقَة فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِقِيمَتِه هَديا فَيذْبَح فِي الْحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 فَأَما إِذا مَا حكما عَلَيْهِ طَعَاما أَو صياما فعلى مَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فَأَما إِذا كَانَ الْمَقْتُول غير مَأْكُول اللَّحْم سوى المؤذيات الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَقد قَتله ابْتِدَاء لَا بطرِيق الدّفع لأذاة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ إِلَّا أَنه لَا يُجَاوز عَن ثمن هدي وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر من ذَلِك فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن الْكَرْخِي أَنه قَالَ لَا يبلغ دَمًا بل ينقص مِنْهُ شَيْء هَذَا حكم الْمحرم فَأَما حكم صيد الْحرم فَنَقُول إِن أَخذ صيد الْحرم وَقَتله حرَام لحُرْمَة الْحرم قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي صفة الْحرم لَا يخْتَلى خَلاهَا وَلَا يعضد شَوْكهَا وَلَا ينفر صيدها إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول الْحَلَال إِذا أتلف صيدا مَمْلُوكا فِي الْحَرَام معلما كالبازي وَالْحمام فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ قيمتان قِيمَته معلما للْمَالِك وَقِيمَته غير معلم حَقًا لله تَعَالَى لِأَنَّهُ جنى على حقين إِلَّا أَن فِي حق الله تَعَالَى يضمن من حَيْثُ إِنَّه صيد لَا من حَيْثُ إِنَّه معلم وَلَو أتلف صيدا غير مَمْلُوك يجب عَلَيْهِ جَزَاء وَاحِد وَهُوَ قِيمَته وَلَو أتلف الْمحرم صيدا الْحرم فَالْقِيَاس أَن يجب عَلَيْهِ جزآن لوُجُود الْجِنَايَة على الْحرم وَالْإِحْرَام وَفِي الِاسْتِحْسَان يجب عَلَيْهِ جَزَاء وَاحِد لِأَن حُرْمَة الْإِحْرَام أقوى من حُرْمَة الْحرم فَيجب اعْتِبَار الْأَقْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وَلَو اشْترك الحلالان فِي إِتْلَاف صيد الْحرم يجب عَلَيْهِمَا جَزَاء وَاحِد لِأَنَّهُ فِي معنى إِتْلَاف مَال النَّاس كإتلاف الْمَسَاجِد لِأَن مَنَافِعهَا ترجع إِلَى الْعباد فَكَانَ وَاجِبا بطرِيق الْجَبْر والفائت وَاحِد فيكتفي بِضَمَان وَاحِد بِخِلَاف المحرمين إِذا أتلفا صيدا يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا جَزَاء كَامِل لِأَنَّهُ وَجب حزاء الْفِعْل وَفعل كل وَاحِد مِنْهُمَا جِنَايَة على حِدة وَلَو اشْترك الْحَلَال وَالْحرَام فِي قتل صيد خَارج الْحرم إِن كَانَ غير مَمْلُوك لَا يجب على الْحَلَال شَيْء وَيجب على الْمحرم جَزَاء كَامِل وَإِن كَانَ مَمْلُوكا يجب على الْحَلَال نصف الْقيمَة للْمَالِك وعَلى الْمحرم نصف الْقيمَة للْمَالِك وَجَزَاء كَامِل لأجل الْجِنَايَة على الْإِحْرَام وَلَو أَن حَلَالا ومفردا بِالْحَجِّ اشْتَركَا فِي قتل صيد الْحرم يجب على الْحَلَال نصف الْجَزَاء وعَلى الْمُفْرد جَزَاء كَامِل وَلَو اشْترك الْحَلَال والقارن يجب على الْحَلَال النّصْف وعَلى الْقَارِن جزآن وَلَو اشْترك الْحَلَال والقارن والمفرد يجب على الْحَلَال ثلث الْجَزَاء وعَلى الْمُفْرد جَزَاء وَاحِد وعَلى الْقَارِن جزآن وَكَذَلِكَ قطع شَجَرَة وحشيش نبت بِنَفسِهِ فِي الْحرم فَإِنَّهُ يحرم قطعه وَعَلِيهِ الْجَزَاء بِقدر قِيمَته وَإِن كَانَ مِمَّا ينبته النَّاس وَصَارَ ملكا لَهُم لَا يجب الْجَزَاء بِقطعِهِ وَلَكِن تجب الْقيمَة لصَاحبه إِلَّا فِي الْإِذْخر فَإِنَّهُ لَا يجب بإتلافه شَيْء فَإِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما قَالَ لَا يخْتَلى خَلاهَا قَالَ الْعَبَّاس إِلَّا الْإِذْخر فَقَالَ الْإِذْخر اسْتَثْنَاهُ وَحكم الْمُسْتَثْنى خلاف حكم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وَأما الكمأة فِي الْحرم فَلَا بَأْس بأخذها لِأَنَّهَا لَيست من جنس النَّبَات وَكَذَلِكَ إِذا جف النَّبَات وَالشَّجر وَسقط فَلَا بَأْس بِأَخْذِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من النَّبَات لِأَنَّهُ خرج عَن حد النمو وَلَو أَن الْحَلَال إِذا دخل الْحرم وَمَعَهُ صيد مَمْلُوك يجب عَلَيْهِ إرْسَاله فِي الْحل وَلم يجز بَيْعه لِأَن التَّعَرُّض للصَّيْد حرَام عَلَيْهِ فِي الْحرم وَفِي إِمْسَاكه تعرض لَهُ وَكَذَلِكَ فِي بَيْعه وَمعنى يجب عَلَيْهِ إرْسَاله فِي الْحل أَن يَضَعهُ فِي يَد رجل وَدِيعَة لَا أَن يضيعه ويطيره وَلَو ذبحه يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء لِأَنَّهُ لما وَجب عَلَيْهِ الْإِرْسَال لحُرْمَة الْحرم فَيكون بِالذبْحِ تَارِكًا للْوَاجِب وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمحرم فِي الْحل إِذا كَانَ فِي يَده صيد مَمْلُوك يجب أَن يُرْسِلهُ فِي يَد رجل وَلَا يجوز لَهُ أَن يَبِيعهُ ويذبحه لِأَنَّهُ تعرض لَهُ وَإِزَالَة لأمنه وَعَلِيهِ الْجَزَاء لَو فعل ذَلِك وَأما مسَائِل الْأَمر بالحجفنقول من مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَله مَال فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن أَمر بِأَن يحجّ عَنهُ وَأوصى بِهِ أَو لم يَأْمر الْوَصِيّ بِشَيْء أما إِذا لم يوص سقط عَنهُ فِي حق أَحْكَام الدُّنْيَا وَلَا يجب على الْوَارِث وَالْوَصِيّ أَن يَأْمر بِالْحَجِّ عَنهُ بِمَالِه عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجب كمن مَاتَ وَعَلِيهِ الزَّكَاة من غير إيصاء فَإِنَّهُ تسْقط الزَّكَاة عَنهُ عندنَا خلافًا لَهُ وَقد ذكرنَا فِي كتاب الزَّكَاة وَلَو أحج الْوَارِث عَنهُ رجلا بِمَال نَفسه أَو حج عَنهُ بِنَفسِهِ من غير وَصِيَّة من الْمَيِّت قَالَ تسْقط عَن الْمَيِّت حجَّة الْإِسْلَام إِن شَاءَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه سَأَلَهُ رجل وَقَالَ إِن أُمِّي قد مَاتَت وَلم تحج أفأحج عَنْهَا فَقَالَ نعم وَإِنَّمَا قَالَ يجوز إِن شَاءَ الله لِأَن سُقُوط الْحَج بِفعل الْوَارِث بِغَيْر أمره أَنما يثبت بِخَبَر الْوَاحِد وَإنَّهُ لَا يُوجب الْعلم قطعا فَلَا يحكم بسقوطه عَنهُ قطعا وَلَكِن علق السُّقُوط بِالْمَشِيئَةِ احْتِرَازًا عَن الشَّهَادَة على الله تَعَالَى من غير علم قطعا فَأَما إِذا أوصى فَإِنَّهُ تصح وَصيته من الثُّلُث لِأَن دُيُون الله تَعَالَى من حَيْثُ إِنَّه لَا يجب بمقابلتها عوض مَالِي فَهِيَ بِمَنْزِلَة التَّبَرُّعَات فَيعْتَبر خُرُوجهَا من الثُّلُث ويحج عَن الْمَيِّت من بَلَده الَّذِي يسكنهُ إِن بلغ الثُّلُث ذَلِك لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ الْحَج من بَلَده الَّذِي هُوَ يسكنهُ وَلَو أَنه خرج إِلَى بلد آخر أقرب إِلَى مَكَّة فَمَاتَ فِيهِ وَأوصى بِالْحَجِّ ينظر إِن خرج لغير الْحَج يحجّ من بَلَده بالِاتِّفَاقِ فَأَما إِذا خرج لِلْحَجِّ ثمَّ مَاتَ فِي الطَّرِيق قَالَ أَبُو حنيفَة يحجّ من بَلَده وَقَالا يحجّ من حَيْثُ بلغ لِأَن الْخُرُوج من بَلَده بنية الْحَج يعْتد من الْحَج وَلم يسْقط اعْتِبَاره بِالْمَوْتِ قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} أَلا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ إِنَّه لما لم يتَّصل بِالْحَجِّ بذلك الْخُرُوج خرج من أَن يكون وَسِيلَة وَإِن كَانَ حكم الثَّوَاب قَائِما بوعد الله أَلا ترى أَنه إِذا خرج إِلَى السقر بنية الْحَج ثمَّ أَقَامَ فِي بعض الْبِلَاد لعذر حَتَّى دارت السّنة ثمَّ مَاتَ وَأوصى بِأَن يحجّ عَنهُ فإنة يحجّ عنة من بَلْدَة لَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 هَذَا الْموضع الَّذِي مَا لما ذكرنَا كَذَا هُنَا وَلَو أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ من غير بَلَده من مَوضِع أقرب إِلَى مَكَّة أَو أبعد فَإِنَّهُ يحجّ عَنهُ كَمَا أوصى لِأَنَّهُ لَا يجب الإحجاج عَنهُ بِدُونِ الْوَصِيَّة فَيجب بِمِقْدَار الْوَصِيَّة وَكَذَلِكَ إِذا أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ بِمَال مُقَدّر إِن كَانَ يبلغ أَن يحجّ عَنهُ من بَلَده يحجّ من بَلَده وَإِلَّا يحجّ عَنهُ من حَيْثُ بلغ لِأَنَّهُ لما عين المَال يجب الْحَج بِهَذَا الْقدر من المَال لِأَنَّهُ لم تُوجد الْوَصِيَّة بِالزِّيَادَةِ عَنهُ وَبِدُون الْوَصِيَّة لَا يجب وَأما إِذا أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ مُطلقًا فَإِنَّهُ يحجّ عَنهُ من ثلث مَاله فَإِن بلغ ثلث مَاله أَن يحجّ عَنهُ من بَلَده يجب ذَلِك وَإِن لم يبلغ من بَلَده فَالْقِيَاس أَن تبطل الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ لَا يُمكن تنفيذها على مَا قَصده الْمُوصي وَفِي الِاسْتِحْسَان يحجّ من حَيْثُ يبلغ لِأَن قَصده إِسْقَاط الْفَرْض عَن نَفسه فَإِن لم يكن على الْكَمَال فيصر إِلَى قدر الْمُمكن ثمَّ إِن كَانَ الثُّلُث يبلغ أَن يحجّ عَنهُ رَاكِبًا من بَلَده فأحج عَنهُ مَاشِيا لم يجز لِأَن الْفَرْض هُوَ الْحَج رَاكِبًا أما إِذا لم يبلغ الْحَج رَاكِبًا من بَلَده وَبلغ الْحَج رَاكِبًا من بلد آخر أقرب إِلَى مَكَّة وَمن بَلَده مَاشِيا روى هِشَام عَن مُحَمَّد أَنه يحجّ من حَيْثُ بلغ رَاكِبًا وَلَا يجوز أَن يحجّ من بَلَده مَاشِيا لما ذكرنَا أَن الْفَرْض هُوَ الْحَج رَاكِبًا فتنصرف الْوَصِيَّة إِلَيْهِ وروى الْحسن عنأبي حنيفَة أَنه قَالَ أَن أحجوا عَنهُ مَاشِيا من بَلْدَة جَازَ وَإِن أحجوا رَاكِبًا من حَيْثُ بلغ جَازَ لِأَن فِي كل وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 من الْوَجْهَيْنِ نقص من وَجه وَكَمَال من وَجه فاستويا ثمَّ الْأَفْضَل أَن يحجّ عَنهُ من قد حج عَن نَفسه حجَّة الْإِسْلَام لِأَن من حضر مَكَّة يكره لَهُ أَن يتْرك حجَّة الْإِسْلَام فَيكون مَا أدّى حجا مَكْرُوها وَلَكِن جَازَ لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للخثعمية حجي عَن أَبِيك وَلم يسْأَلهَا عَن الْحَج عَن نَفسهَا وَلَو كَانَ الحكم يخْتَلف لاستفسر وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز وَيَقَع الْحَج عَن الضَّرُورَة أَي عَن نَفسه وعَلى هَذَا إِذا حج الضَّرُورَة بنية التَّطَوُّع يَقع عَن التَّطَوُّع عندنَا وَعِنْده يَقع عَن الْفَرِيضَة ثمَّ الْحَاج عَن غَيره إِذا أصَاب فِي إِحْرَامه مَا يُوجب الدَّم وَغير ذَلِك من الصَّدَقَة فَهُوَ على الْحَاج وَكَذَا دم الْمُتْعَة وَالْقرَان إِذا أَمر بالقران وَلَا يجب على المحجوج عَنهُ إِلَّا دم الْإِحْصَار لِأَن هَذِه الدِّمَاء إِنَّمَا وَجَبت لفعله فإمَّا دم الْإِحْصَار فَإِنَّهُ يجب للتخليص عَن مشقة السّفر وَهُوَ الَّذِي أوقعه فِي هَذِه الْمَشَقَّة فَعَلَيهِ التخليص وَلَو جَامع الْحَاج عَن غَيره قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة فسد حجه ويمضي فِيهِ وَينْفق من مَاله وَيضمن مَا أنْفق من مَال المحجوج عَنهُ ثمَّ يقْضِي الْحَاج من مَال نَفسه حجَّة وعمره من الْقَابِل لِأَنَّهُ أَمر بِحَجّ صَحِيح فَإِذا أفسد فقد خَالف الْأَمر فَصَارَ حَاجا على نَفسه والمأمور بِالْحَجِّ إِذا حج عَن نَفسه بِنَفَقَة الْآمِر يضمن فَإِذا أفْسدهُ يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء على مَا بَينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَلَو كَانَ مَأْمُورا بالقران فأفسد يلْزمه قَضَاء حجَّة وَعمرَة من مَال نَفسه لما قُلْنَا فَأَما إِذا فَاتَهُ الْحَج فَإِنَّهُ يصنع كَمَا يصنع الَّذِي فَوته الْحَج وَلَا يضمن النَّفَقَة لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ الْمُخَالفَة حَتَّى يَنْقَلِب الْحَج عَنهُ والفوات حصل لَا بصنعه فَلَا يلْزمه الضَّمَان وَعَلِيهِ من مَال نَفسه الْحَج من قَابل لِأَن الْحجَّة لَزِمته بِالدُّخُولِ فَإِذا فَاتَت لزمَه قَضَاؤُهَا لِأَن فعل الْحَج يَقع عَن الْحَاج وَإِنَّمَا تقع عَن الْمَأْمُور ثَوَاب الْحَج ثمَّ مَا فضل فِي يَد الْحَاج من النَّفَقَة بعد رُجُوعه فَإِنَّهُ يردهُ على الْوَرَثَة وَلَا يَسعهُ أَن يمسِكهُ لِأَن النَّفَقَة لَا تصير ملكا للْحَاج لِأَن الِاسْتِئْجَار لَا يَصح عندنَا فِي بَاب الْحَج وَسَائِر الْقرب الَّتِي تجْرِي فِيهَا النِّيَابَة حَتَّى يكون المَال أُجْرَة فَيكون ملكا للْأَجِير وَلَكِن ينْفق المَال على حكم ملك الْمَيِّت فِي الْحَج ليَكُون لَهُ ثَوَاب النَّفَقَة فَإِذا فرغ من الْحَج يجب صرفه إِلَى وَرَثَة الْمَيِّت وَلَو كَانَ للْمُوصي بِالْحَجِّ وطنان فَإِنَّهُ يحجّ عَنهُ من أقرب الوطنين من مَكَّة لأَنا تَيَقنا بِدُخُول الْأَقْرَب فِي الْوَصِيَّة فَكَانَ الْأَخْذ بِالْيَقِينِ أولى وَلَو كَانَ مكيا فَقدم الرّيّ بِالتِّجَارَة فَمَاتَ وَأوصى بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يحجّ عَنهُ من مَكَّة لما ذكرنَا أَن الْوَصِيَّة بِالْحَجِّ تصرف إِلَى مَا فرض الله عَلَيْهِ وَالْفَرْض عَلَيْهِ من وَطنه وَلَو أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ فَأعْطى الْوَصِيّ دَرَاهِم إِلَى رجل ليحج عَنهُ فحج عَنهُ مَاشِيا قَالَ يضمن النَّفَقَة ويحج عَن الْمَيِّت رَاكِبًا لِأَن الْحَج الْوَاجِب على الْمُوصي هُوَ الْحَج رَاكِبًا فتنصرف الْوَصِيَّة إِلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَو نَص أَن يحجّ عَنهُ رَاكِبًا وَلَو نَص وَحج مَاشِيا يضمن النَّفَقَة لمُخَالفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 أمره كَذَا هُنَا وَمن حج عَن ميت وَقضى حجه ثمَّ نوى الْمقَام بِمَكَّة خَمْسَة عشر يَوْمًا لَهُ أَن ينْفق من مَال نَفسه فِي مقَامه وَإِذا رَجَعَ بعد ذَلِك ينْفق من مَال الْمَيِّت وَالْحَاصِل أَن الْإِقَامَة بعد الْفَرَاغ عَن الْحَج إِن كَانَت مُعْتَادَة فالنفقة فِي مَال الْمَيِّت وَإِن زَادَت على الْعَادة فالنفقة فِي مَاله وَذَلِكَ مُدَّة مقَام الْقَافِلَة لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الْخُرُوج إِلَّا مَعَ النَّاس وَإِذا كَانَ منتظرا لخُرُوج الْقَافِلَة فالنفقة فِي مَال الْمَيِّت وَإِذا تخلف عَن الْقَافِلَة فالنفقة فِي مَاله وَقد قَالُوا فِي الآفاقي إِذا حج عَن غَيره فَدخل بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا مِقْدَار مَا يُقيم النَّاس فالنفقة فِي مَال الْمَيِّت وَإِن أَقَامَ أَكثر من ذَلِك فَفِي مَاله لَكِن إِذا رَجَعَ فالنفقة فِي مَال الْمَيِّت لِأَن هَذِه مُدَّة الرُّجُوع فَلم يَنْقَطِع حكم السّفر الأول فَهِيَ محسوبة على الْمَيِّت هَذَا إِذا لم يتَّخذ دَارا بِمَكَّة للإقامة فَأَما إِذا اتخذ دَارا وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ رَجَعَ فالنفقة فِي مَاله لَا فِي مَال الْمَيِّت لِأَنَّهُ انْقَطع حكم السّفر الأول باتخاذه دَارا للإقامة وَلَو أَن الْحَاج عَن غَيره إِذا تعجل الدُّخُول بِمَكَّة بِأَن دخل فِي شهر رَمَضَان محرما فَإِن عَلَيْهِ أَن ينْفق من مَاله إِلَى عشر الْأَضْحَى وَرُوِيَ إِلَى مَا قبل الْحَج بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ لِأَن هَذَا الْقدر من الْمقَام يعْتَاد فِي مَكَّة لِلْحَجِّ فَأَما الزِّيَادَة عَلَيْهِ فَلَا فَيَنْصَرِف الْأَمر إِلَى الْمُعْتَاد وَلَو دفع مَالا إِلَى رجل ليحج عَن الْمَيِّت فَلم يبلغ مَال الْمَيِّت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 النَّفَقَة فأنفق الْحَاج من مَال نَفسه وَمن مَال الْمَيِّت فَإِن كَانَ مَال الْمَيِّت يبلغ الْكِرَاء وَعَامة النَّفَقَة فَهُوَ جَائِز وَإِلَّا فَهُوَ لمَال الْمَيِّت ويحج عَن الْمَيِّت من مَاله من حَيْثُ يبلغ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عَامَّة النَّفَقَة من مَال الْمَيِّت والقليل من مَال الْحَاج فالقليل يسْقط اعْتِبَاره بمقابلته الْكثير لحَاجَة النَّاس لِأَن الْحَاج يحْتَاج إِلَى أَن يزِيد من عِنْده النَّفَقَة لزِيَادَة الترفه والتوسعة وَأَن يزِيد ثيابًا وَلَو جعل هَذَا مَانِعا لامتنع النَّاس عَن الْحَج عَن الْغَيْر فَأَما إِذا كَانَ الْأَكْثَر من مَال نَفسه فَلَا عِبْرَة للقليل فَيكون حَاجا عَن نَفسه فَيضمن ثمَّ فِي الْحَج ثَلَاث خطب بَين كل خطبتين فاصل بِيَوْم فالخطبة الأولى قبل يَوْم التَّرويَة وَهُوَ الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة بِمَكَّة خطْبَة وَاحِدَة لَا يجلس فِيهَا بعد صَلَاة الظّهْر وَيعلم النَّاس فِيهَا أَحْكَام الْمَنَاسِك إِلَى يَوْم عَرَفَة وَالْخطْبَة الثَّانِيَة يَوْم عَرَفَة قبل صَلَاة الظّهْر يخْطب خطبتين يجلس بَينهمَا جلْسَة خَفِيفَة وَيعلم النَّاس فِيهَا أَحْكَام الْمَنَاسِك إِلَى أَيَّام الثَّانِي من أَيَّام النَّحْر وَذَلِكَ بعد الْأَذَان كَمَا فِي يَوْم الْجُمُعَة وَالْخطْبَة الثَّالِثَة فِي الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام النَّحْر بعد صَلَاة الظّهْر بمنى خطْبَة وَاحِدَة يعلمهُمْ فِيهَا مَا بَقِي من أَحْكَام الْمَنَاسِك وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وقالزفر يخْطب فِي الْحَج ثَلَاث خطب مُتَوَالِيَات يَوْم التَّرويَة وَيَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر كتاب الْبيُوع اعْلَم أَن البيع مَشْرُوع عرفت شرعيته بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {وَأحل الله البيع} وَقَالَ تَعَالَى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} وَأما السّنة فَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ يَا معشر التُّجَّار إِن بيعكم هَذَا يحضرهُ اللَّغْو وَالْكذب فشوبوه بِالصَّدَقَةِ وَكَذَلِكَ بعث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَالنَّاس يتبايعون فقررهم على ذَلِك والتقرير أحد وُجُوه السّنة وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْأمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 بَاب السّلم البيع أَنْوَاع أَرْبَعَة أَحدهَا بيع الْعين بِالْعينِ كَبيع السّلع بأمثالها نَحْو بيع الثَّوْب بِالْعَبدِ وَغَيره وَيُسمى هَذَا بيع المقايضة وَالثَّانِي بيع الْعين بِالدّينِ نَحْو بيع السّلع بالأثمان الْمُطلقَة وَبَيْعهَا بالفلوس الرائجة والمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب دينا وَالثَّالِث بيع الدّين بِالدّينِ وَهُوَ بيع الثّمن الْمُطلق بِالثّمن الْمُطلق وَهُوَ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَإنَّهُ يُسمى عقد الصّرْف وَيعرف فِي كِتَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالرَّابِع بيع الدّين بِالْعينِ وَهُوَ السّلم فَإِن الْمُسلم فِيهِ مَبِيع وَهُوَ دين وَرَأس المَال قد يكون عينا وَقد يكون دينا وَلَكِن قَبضه شَرط قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين بأنفسهما فَيصير عينا وَالْكَلَام فِي السّلم فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي بَيَان مشروعيته وَفِي بَيَان تَفْسِيره لُغَة وَشَرِيعَة وَفِي بَيَان رُكْنه وَفِي بَيَان شَرطه وَفِي بَيَان حكمه شرعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 أما الأول فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز السّلم لِأَنَّهُ بيع الْمَعْدُوم وَفِي الِاسْتِحْسَان جَائِز بِالْحَدِيثِ بِخِلَاف الْقيَاس لحَاجَة النَّاس إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من أسلم مِنْكُم فليسلم فِي كل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم وَرُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان وَرخّص فِي السّلم وَأما تَفْسِيره لُغَة فَهُوَ عقد يثبت بِهِ الْملك فِي الثّمن عَاجلا وَفِي الْمُثمن آجلا يُسمى سلما وإسلاما وسلفا وإسلافا لما فِيهِ من تَسْلِيم رَأس المَال للْحَال وَفِي عرف الشَّرْع عبارَة عَن هَذَا أَيْضا مَعَ زِيَادَة شَرَائِط ورد بهَا الشَّرْع لم يعرفهَا أهل اللُّغَة وَأما رُكْنه فَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول والإيجاب هُوَ لفظ السّلم وَالسَّلَف بِأَن يَقُول رب السّلم لآخر أسلمت إِلَيْك عشرَة دَرَاهِم فِي كرّ حِنْطَة أَو أسلفت وَقَالَ الآخر قبلت وَيُسمى هَذَا رب السّلم وَيُسمى الْمُسلم أَيْضا وَالْآخر يُسمى الْمُسلم إِلَيْهِ وَتسَمى الْحِنْطَة الْمُسلم فِيهِ وَلَو قَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ لآخر بِعْت مِنْك كرّ حِنْطَة بِكَذَا وَذكر شَرَائِط السّلم فَإِنَّهُ ينْعَقد أَيْضا لِأَنَّهُ بيع على مَا روينَا أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان وَرخّص فِي السّلم وَأما شَرَائِط جَوَاز السّلم فسبعة عشر سِتَّة فِي رَأس المَال وَأحد عشر فِي الْمُسلم فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 أما السِّتَّة الَّتِي فِي رَأس المَال فَهِيَ أَحدهَا بَيَان الْجِنْس أَنه دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو من الْمكيل حِنْطَة أَو شعير أَو من الْمَوْزُون قطن أَو حَدِيد وَنَحْو ذَلِك وَالثَّانِي بَيَان النَّوْع أَنه دَرَاهِم غطريفية أَو عدلية أَو دَنَانِير محمودية أَو هروية أَو مروية وَهَذَا إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة فَأَما إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقد وَاحِد فَذكر الْجِنْس كَاف وينصرف إِلَيْهِ لتعينه عرفا وَالثَّالِث بَيَان الصّفة أَنه جيد أَو رَدِيء أَو وسط وَالرَّابِع إِعْلَام قدر رَأس المَال فَهُوَ شَرط جَوَاز السّلم فِيمَا يتَعَلَّق العقد فِيهِ بِالْقدرِ كالمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَأحد قولي الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ بِشَرْط وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا قَالَ رب السّلم أسلمت إِلَيْك هَذِه الدَّرَاهِم وَأَشَارَ إِلَيْهَا أَو هَذِه الدَّنَانِير وَأَشَارَ إِلَيْهَا وَلم يعرف وَزنهَا وَكَذَا إِذا قَالَ أسلمت هَذِه الْحِنْطَة فِي كَذَا وَلم يعرف مِقْدَار كيل رَأس المَال وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ أسلمت إِلَيْك عشرَة دَرَاهِم فِي كرحنطة وكرشعير وَلم يبين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 حِصَّة كل وَاحِد مِنْهُمَا من الْعشْرَة وَكَذَلِكَ إِذا أسلم عشرَة دَرَاهِم فِي ثَوْبَيْنِ مُخْتَلفين فِي الْقيمَة هَذَا إِذا أسلم فِيمَا يتَعَلَّق العقد فِيهِ بِالْقدرِ فَأَما إِذا أسلم فِيمَا لَا يتَعَلَّق العقد فِيهِ بِالْقدرِ كالذرعيات والعدديات المتفاوتة فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط بَيَان الذرع فِي الذرعيات وَلَا بَيَان الْقيمَة فِيهَا ويكتفي بِالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِين فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَأَجْمعُوا فِي بيع الْعين أَن إِعْلَام قدر الثّمن لَيْسَ بِشَرْط إِذا كَانَ مشارا إِلَيْهِ وَدَلَائِل الْمَسْأَلَة تعرف فِي الْمَبْسُوط إِن شَاءَ الله وَالْخَامِس كَون الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير منتقدة فَهُوَ شَرط الْجَوَاز عِنْد أبي حنيفَة أَيْضا مَعَ إِعْلَام الْقدر وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْط وَالسَّادِس تَعْجِيل رَأس المَال وَقَبضه قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين بأنفسهما فَهُوَ شَرط الْجَوَاز عِنْد عَامَّة الْعلمَاء سَوَاء كَانَ رَأس المَال عينا أَو دينا وَقَالَ مَالك إِن كَانَ رَأس المَال عينا لَا يشْتَرط تَعْجِيله وَإِن كَانَ دينا يشْتَرط فِي قَول وَفِي قَول قَالَ يجوز التَّأْخِير يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَأَجْمعُوا أَن فِي الصّرْف يشْتَرط قبض الْبَدَلَيْنِ قبل الِافْتِرَاق بأبدانهما سَوَاء كَانَ عينا كالتبر والمصوغ أَو دينا كالدراهم وَالدَّنَانِير وَأما الشَّرَائِط الَّتِي فِي الْمُسلم فِيهِ فَهِيَ أحد عشر أَحدهَا بَيَان جنس الْمُسلم فِيهِ حِنْطَة أَو شعير أَو نَحْوهمَا وَالثَّانِي بَيَان نَوعه حِنْطَة سقية أَو بخسية سهلية أَو جبلية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وَالثَّالِث بَيَان الصّفة حِنْطَة جَيِّدَة أَو رَدِيئَة أَو وسط وَالرَّابِع إِعْلَام قدر الْمُسلم فِيهِ أَنه كرّ أَو قفيز بكيل مَعْرُوف عِنْد النَّاس لِأَن ترك بَيَان هَذِه الْأَشْيَاء يُوجب جَهَالَة مفضية إِلَى الْمُنَازعَة وَهِي مفْسدَة بِالْإِجْمَاع وَالْخَامِس أَن لَا يَشْمَل الْبَدَلَيْنِ أحد وصفي عِلّة رَبًّا الْفضل وَهُوَ الْقدر الْمُتَّفق أَو الْجِنْس لِأَنَّهُ يتَضَمَّن رَبًّا النِّسَاء وَالْعقد الَّذِي فِيهِ رَبًّا فَاسد وَالسَّادِس أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مِمَّا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يجوز السّلم فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَأَما فِي التبر هَل يجوز السّلم فِيهِ على قِيَاس رِوَايَة كتاب الصّرْف لَا يجوز لِأَنَّهُ ألحقهُ بالمضروب وعَلى قِيَاس رِوَايَة كتاب الشّركَة جَازَ لِأَنَّهُ ألحقهُ بالعروض وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف أَيْضا أَنه كالعروض وَأما السّلم فِي الْفُلُوس فقد ذكر فِي الأَصْل وَقَالَ إِنَّه يجوز وَلم يذكر الِاخْتِلَاف وَيجب أَن يكون ذَلِك على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لِأَن عِنْدهمَا لَيْسَ بِثمن مُطلق بل يحْتَمل التَّعْيِين فِي الْجُمْلَة وعَلى قَول مُحَمَّد لَا يجوز لِأَنَّهُ ثمن مُطلق على مَا عرف فِي بيع الْفلس بالفلسين بأعيانهما وَالسَّابِع الْأَجَل فِي الْمُسلم فِيهِ شَرط الْجَوَاز وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط ولقب الْمَسْأَلَة أَن السّلم الْحَال لَا يجوز عندنَا وَعِنْده يجوز ثمَّ لَا رِوَايَة عَن أَصْحَابنَا فِي الْمَبْسُوط فِي مِقْدَار الْأَجَل وَاخْتلفت الرِّوَايَات عَنْهُم وَالأَصَح مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه مُقَدّر بالشهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 لِأَنَّهُ أدنى الآجل وأقصى العاجل وَالثَّامِن أَن يكون جنس الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا من وَقت العقد إِلَى وَقت مَحل الْأَجَل وَلَا يتَوَهَّم انْقِطَاعه عَن أَيدي النَّاس كالحبوب فَأَما إِذا كَانَ مُنْقَطِعًا وَقت العقد أَو وَقت حُلُول الْأَجَل أَو فِيمَا بَين ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ مَوْجُودا وَقت مَحل الْأَجَل يجوز وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا فِي غَيره من الْأَحْوَال ولقب الْمَسْأَلَة أَن السّلم فِي الْمُنْقَطع هَل يجوز أم لَا وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَكَذَلِكَ الْمُسلم فِيهِ إِذا كَانَ مَنْسُوبا إِلَى مَوضِع مَعْلُوم يحْتَمل انْقِطَاعه عَلَيْهِ بالآفة كحنطة قَرْيَة كَذَا أَو أَرض كَذَا لَا يجوز لِأَنَّهُ يحْتَمل الِانْقِطَاع بالآفة وَذكر فِي الأَصْل إِذا أسلم فِي حِنْطَة هراة لَا يجوز وقاس عَلَيْهِ بعض مَشَايِخنَا أَنه لَو أسلم فِي حِنْطَة سَمَرْقَنْد أَو بُخَارى لَا يجوز وَإِنَّمَا يجوز إِذا ذكر الْولَايَة نَحْو خُرَاسَان وفرغانة وَالصَّحِيح أَن فِي حِنْطَة الْبَلدة الْكَبِيرَة يجوز لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل الِانْقِطَاع غَالِبا وَمَا ذكره مُحَمَّد فِي الأَصْل من حِنْطَة هراة أَرَادَ بِهِ اسْم قَرْيَة من قرى عراق دون الْبَلدة الْمَعْرُوفَة الَّتِي تسمى هراة وَالتَّاسِع أَن يكون العقد باتا لَيْسَ فِيهِ خِيَار الشَّرْط لَهما أَو لأَحَدهمَا حَتَّى لَو أسلم عشرَة دَرَاهِم فِي كرحنطة على أَنه بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام وَقبض الْمُسلم إِلَيْهِ رَأس المَال وتفرقا بأبدانهما وَيبْطل عقد السّلم لِأَن البيع بِشَرْط الْخِيَار ثَبت بِخِلَاف الْقيَاس لحَاجَة النَّاس فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ فِي السّلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَلَو أبطلا الْخِيَار قبل التَّفَرُّق وَرَأس المَال قَائِم فِي يَد الْمُسلم إِلَيْهِ يَنْقَلِب جَائِزا عندنَا خلافًا ل زفر وَلَو كَانَ رَأس المَال هَالكا لَا يَنْقَلِب إِلَى الْجَوَاز بِالْإِجْمَاع والعاشر بَيَان مَكَان الْإِيفَاء فِيمَا لَهُ حمل ومؤونة كالحنطة وَالشعِير وَغَيرهمَا فَإِنَّهُ شَرط لجَوَاز السّلم حَتَّى لَو ترك لم يجز السّلم فِي قَول أبي حنيفَة الآخر وَكَذَا الْخلاف فِي الْإِجَارَة إِذا آجر دَاره سنة بِأَجْر لَهُ حمل ومؤونة وَلم يعين مَكَانا للإيفاء لم تجز الْإِجَارَة فِي قَوْله الآخر وعَلى قَوْلهمَا جَازَ وَحَاصِل الْخلاف رَاجع إِلَى أَن مَكَان العقد هَل يتَعَيَّن مَكَانا للإيفاء فِيمَا لَهُ حمل ومؤونة مَعَ اتِّفَاقهم على أَن مَكَان الْإِيفَاء إِذا كَانَ مَجْهُولا لَا يجوز السّلم لِأَنَّهُ جَهَالَة مفضية إِلَى الْمُنَازعَة وَإِذا لم يتَعَيَّن مَكَان العقد مَكَانا للإيفاء عِنْد أبي حنيفَة وَلم يعينا مَكَانا آخر للإيفاء صَار مَكَان الْإِيفَاء مَجْهُولا فَيفْسد السّلم وَعِنْدَهُمَا يتَعَيَّن مَكَان العقد مَكَانا للإيفاء فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الْجَهَالَة فَيصح السّلم وَفِي الْإِجَارَة عِنْدهمَا يتَعَيَّن بتعين مَكَان إِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ مَكَان إِيفَاء الْأُجْرَة فَإِن كَانَ لمستأجر دَارا أَو أَرضًا فتسلم عِنْد الدَّار وَالْأَرْض وَإِن كَانَت دَابَّة فَعِنْدَ المرحلة وَإِن كَانَ ثوبا دفع إِلَى قصار وَنَحْوه يَدْفَعهَا فِي الْموضع الَّذِي يسلم فِيهِ الثَّوْب إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يتَعَيَّن مَكَان العقد مَكَان التَّسْلِيم عِنْدهمَا إِذا أمكن التَّسْلِيم فِي مَكَان العقد فَأَما إِذا لم يُمكن بِأَن كَانَ فِي الْبَحْر أَو على رَأس الْجَبَل فَإِنَّهُ لَا يتَعَيَّن مَكَان العقد للتسليم وَلَكِن يسلم فِي أقرب الْأَمَاكِن الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 يُمكن التَّسْلِيم فِيهِ من مَكَان العقد فَأَما الْمُسلم فِيهِ إِذا كَانَ شَيْئا لَيْسَ لَهُ حمل ومؤونة كالمسك والكافور والجواهر واللآلىء وَنَحْوهَا فَعَن أَصْحَابنَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة يتَعَيَّن مَكَان العقد وَفِي رِوَايَة يسلم حَيْثُمَا لقِيه وَلَا يتَعَيَّن مَكَان العقد وَلَو شرطا مَكَانا آخر للإيفاء سوى مَكَان العقد فَإِن كَانَ فِيمَا لَهُ حمل ومؤونة يتَعَيَّن وَإِن كَانَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ حمل ومؤونة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة لَا يتَعَيَّن وَله أَن يُوفيه فِي أَي مَكَان شَاءَ وَفِي رِوَايَة يتَعَيَّن وَهُوَ الْأَصَح وَالْحَادِي عشر أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مِمَّا يضْبط بِالْوَصْفِ وَهُوَ أَن يكون من الْأَجْنَاس الْأَرْبَعَة الْمكيل وَالْمَوْزُون والذرعي والعددي المتقارب فَأَما إِذا كَانَ مِمَّا لَا يضْبط بِالْوَصْفِ كالعدديات المتفاوتة والذرعيات المتفاوتة مثل الدّور وَالْعَقار والجواهر واللآلىء والأدم والجلود والخشب والروس والأكارع وَالرُّمَّان والسفرجل والبطاطيخ وَنَحْوهَا لَا يجوز لِأَن الْمُسلم فِيهِ مَا يثبت دينا فِي الذِّمَّة وَسوى هَذِه الْأَجْنَاس الْأَرْبَعَة لَا يثبت دينا فِي الذِّمَّة فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات إِلَّا إِذا كَانَ شَيْئا من جنس الْجُلُود والأدم والخشب والجذوع إِذا بَين شَيْئا مَعْلُوما من هَذِه الْأَشْيَاء وطولا مَعْلُوما وغلظا مَعْلُوما وَأَن تَجْتَمِع فِيهِ شَرَائِط السّلم والتحق بالمتقارب يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وَكَذَلِكَ السّلم فِي الجوالق والمسوح والفرش وَأما السّلم فِي الْحَيَوَان فَجَائِز عِنْد الشَّافِعِي إِذا بَين جنسه ونوعه وسنه وَصفته وَأَنه فِي نجارى فلَان أَو إبل فلَان أَو غنم فلَان وَعِنْدنَا لَا يجوز كَيْفَمَا كَانَ وَيجوز السّلم فِي الأليات والشحوم وزنا بِلَا خلاف وَأما السّلم فِي اللَّحْم مَعَ الْعظم الَّذِي فِيهِ فَلَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة أصلا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يجوز إِذا بَين جنس اللَّحْم بِأَن قَالَ لحم شَاة أَو بقر وَبَين السن بِأَن قَالَ لحم شَاة ثني أَو جَذَعَة وَبَين النَّوْع بِأَن قَالَ لحم شَاة ذكر أَو أُنْثَى خصي أَو فَحل معلوفة أَو سَائِمَة وَبَين صفة اللَّحْم بِأَن قَالَ سمين أَو مهزول أَو وسط وَبَين الْموضع بِأَن قَالَ من الْكَتف أَو من الْجنب وَبَين الْمِقْدَار بِأَن قَالَ عشرَة أُمَنَاء وَأما منزوع الْعظم فقد اخْتلف الْمَشَايِخ على قَول أبي حنيفَة ذكر الْكَرْخِي وَقَالَ يجوز وَذكر الْجَصَّاص وَقَالَ لَا يجوز لاخْتِلَاف السّمن والهزال وَأما السّلم فِي السّمك فقد اضْطَرَبَتْ عبارَة الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي الأَصْل والنوادر وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن السّلم يجوز فِي السّمك الصغار كَيْلا أَو وزنا وَيَسْتَوِي فِيهِ المالح والطري فِي حِينه وَأما الْكِبَار فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة فِي ظَاهر الرِّوَايَة يجوز كَيْفَمَا كَانَ وزنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف فِي الأمالي عَنهُ أَنه لَا يجوز وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يجوز فِي ظَاهر الرِّوَايَة كَمَا فِي اللَّحْم وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنْهُمَا لَا يجوز بِخِلَاف اللَّحْم وَأما السّلم فِي الثِّيَاب فَإِذا بَين جنسه ونوعه وَصفته ورقعته وذرعه يجوز اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز وَهل يشْتَرط بَيَان الْوَزْن فِي الثَّوْب الْحَرِير اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم هُوَ شَرط وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ بِشَرْط لِأَن الْحَرِير ذرعي كالكتان والكرباس وعَلى هَذَا السّلم فِي الْأَعْدَاد المتقاربة مثل الْجَوْز وَالْبيض وَنَحْوهمَا جَائِز كَيْلا ووزنا وعددا فِي قَول عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر يجوز كَيْلا ووزنا وَلَا يجوز عددا وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز كَيْلا ووزنا فِي الْجَوْز واللوز وَلَا يجوز عددا وَفِي الْبيض يجوز كَيْلا ووزنا وعددا وَلَو أسلم فِي الْفُلُوس عددا يجوز فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن مُحَمَّد أَنه لَا يجوز لِأَنَّهَا من جملَة الْأَثْمَان وَلَو أسلم فِي التِّبْن أوقارا لَا يجوز لتَفَاوت فَاحش بَين الوقرين إِلَّا إِذا كَانَ فِي فيمان مَعْلُوم من فيامين النَّاس لم يخْتَلف فَيجوز وَلَو أسلم فِي الْخبز هَل يجوز لم يذكر مُحَمَّد فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَذكر فِي نَوَادِر ابْن رستم على قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا يجوز وعَلى قَول أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 يُوسُف يجوز إِذا شَرط ضربا مَعْلُوما ووزنا مَعْلُوما وأجلا مَعْلُوما وَأما استقراض الْخبز هَل يجوز على قَول أبي حنيفَة لَا يجوز لَا وزنا وَلَا عددا كالسلم وَأَبُو يُوسُف جوز الْقَرْض فِيهِ وزنا لَا عددا كالسلم وَمُحَمّد لم يجوز السّلم فِيهِ لَا وزنا وَلَا عددا وَجوز استقراضه عددا لَا وزنا لحَاجَة النَّاس فَكَأَنَّهُ ترك الْقيَاس فِي جَوَاز استقراضه عددا لعرف النَّاس وَإِن لم يكن من ذَوَات الْأَمْثَال وَأما بَيَان حكم السّلم شرعا فثبوت الْملك لرب السّلم فِي الْمُسلم فِيهِ مُؤَجّلا بِمُقَابلَة ثُبُوت الْملك فِي رَأس المَال الْمعِين أَو الْمَوْصُوف معجلا للْمُسلمِ إِلَيْهِ بطرِيق الرُّخْصَة دفعا لحَاجَة النَّاس بشرائط مَخْصُوصَة لم تكن مَشْرُوطَة فِي بيع الْعين وَلَا بُد أَن يخْتَلف البيع وَالسّلم فِي بعض الْأَحْكَام وَنَذْكُر بعض ذَلِك مِنْهَا أَن الِاسْتِبْدَال بِرَأْس مَال السّلم قبل الْقَبْض لَا يجوز والاستبدال بِالثّمن جَائِز إِذا كَانَ دينا لِأَن قبض رَأس المَال شَرط والاستبدال يفوت الْقَبْض حَقِيقَة وَإِن وجد من حَيْثُ الْمَعْنى كَمَا لَا يجوز الِاسْتِبْدَال ببدلي الصّرْف لِأَن قبضهما شَرط حَقِيقَة فَأَما قبض الثّمن فَلَيْسَ بِشَرْط وَالْبدل يقوم مقَامه معنى وَأما الِاسْتِبْدَال بِالْمُسلمِ فِيهِ فَلَا يجوز قبل الْقَبْض كالاستبدال بِالْمَبِيعِ الْمعِين لِأَن الْمُسلم فِيهِ مَبِيع وَإِن كَانَ دينا فَيكون بيع الْمَبِيع الْمَنْقُول قبل الْقَبْض وَإنَّهُ لَا يجوز بِخِلَاف سَائِر الدُّيُون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَأما الِاسْتِبْدَال بِرَأْس المَال بعد الْإِقَالَة أَو بعد انْفِسَاخ السّلم بِأَيّ طَرِيق كَانَ فَلَا يجوز فِي قَول عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن يجوز وَهُوَ قَول زفر سَوَاء كَانَ رَأس المَال عينا أَو دينا وَأَجْمعُوا على أَن الِاسْتِبْدَال ببدلي الصّرْف بعد الْإِقَالَة قبل الْقَبْض جَائِز وَأَجْمعُوا أَن قبض رَأس المَال بعد الْإِقَالَة فِي بَاب السّلم فِي مجْلِس الْإِقَالَة لَيْسَ بِشَرْط لصِحَّة الْإِقَالَة وَفِي الصّرْف شَرط لصِحَّة الْإِقَالَة وَأَجْمعُوا على أَن السّلم إِذا كَانَ فَاسِدا فِي الأَصْل فَلَا بَأْس بالاستبدال فِيهِ قبل الْقَبْض وَلَا يكون لَهُ حكم السّلم كَسَائِر الدُّيُون وَمِنْهَا أَن رب السّلم لَو أَخذ بعض رَأس المَال وَبَعض الْمُسلم فِيهِ بعد مَحل الْأَجَل أَو قبله بِرِضا صَاحبه فَإِنَّهُ يجوز وَيكون إِقَالَة للسلم فِيمَا أَخذ من رَأس المَال وَيبقى السّلم فِي الْبَاقِي وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك وَابْن أبي ليلى لَيْسَ لَهُ ذَلِك فَهُوَ إِمَّا أَن يَأْخُذ جَمِيع رَأس المَال أَو يَأْخُذ جَمِيع الْمُسلم فِيهِ وَفِي بيع الْعين إِذا أقَال فِي الْبَعْض دون الْبَعْض جَازَ بِالْإِجْمَاع وَأَجْمعُوا أَنه لَو أَخذ جَمِيع رَأس المَال بِرِضا صَاحبه أَو أقَال جَمِيع السّلم أَو تصالحا على رَأس المَال فَإِنَّهُ يكون إِقَالَة صَحِيحَة وينفسخ السّلم وَلَو أَخذ بعض رَأس المَال قبل مَحل الْأَجَل ليعجل بَاقِي السّلم فَإِنَّهُ لَا يجوز كَذَا ذكر فِي الْكتاب وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يجوز هَذَا الشَّرْط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَتَصِح الْإِقَالَة لِأَنَّهُ يصير فِي معنى الِاعْتِيَاض عَن الْأَجَل فَيكون شرطا فَاسِدا إِلَّا أَن الْإِقَالَة لَا تبطل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة وَهَذَا على قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد فَأَما على قِيَاس قَول أبي يُوسُف فَتبْطل الْإِقَالَة وَالسّلم كُله بَاقٍ إِلَى أَجله لِأَن عِنْده الْإِقَالَة بيع جَدِيد وَالْبيع يبطل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة وَمِنْهَا أَن الْمُسلم إِلَيْهِ إِذا أَبْرَأ رب السّلم عَن رَأس المَال لَا يَصح بِدُونِ قبُول رب السّلم وَإِذا قبل يَصح الْإِبْرَاء وَيبْطل السّلم لِأَنَّهُ فَاتَ قبض رَأس المَال لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر قَبضه بعد صِحَة الْإِبْرَاء وَلَو رده أَو لم يقبله بَقِي عقد السّلم صَحِيحا فَلهُ أَن يسلم رَأس المَال قبل الِافْتِرَاق حَتَّى لَا يفْسد وَلَو أَبْرَأ عَن ثمن الْمَبِيع صَحَّ من غير قبُول إِلَّا أَنه يرْتَد بِالرَّدِّ وَالْفرق هُوَ أَن قبض رَأس المَال فِي الْمجْلس شَرط صِحَة عقد السّلم فَلَو صَحَّ الْإِبْرَاء من غير قبُول الآخر لانفسخ السّلم من غير رضَا صَاحبه وَهَذَا لَا يجوز بِخِلَاف الثّمن لِأَن قَبضه لَيْسَ بِشَرْط وَلَو أَبْرَأ عَن الْمُسلم فِيهِ جَازَ لِأَن قَبضه لَيْسَ بِشَرْط وَالْإِبْرَاء عَن دين لَا يجب قَبضه شرعا إِسْقَاط لحقه لَا غير فَيملك ذَلِك وَلَو أَبْرَأ عَن الْمَبِيع لَا يَصح لِأَن الْإِبْرَاء عَن الْأَعْيَان لَا يَصح وَمِنْهَا أَن الْحِوَالَة بِرَأْس مَال السّلم وَالْكَفَالَة بِهِ وَالرَّهْن بِهِ وبالمسلم فِيهِ أَيْضا جَائِز عندنَا وَعند زفر يجوز بِالْمُسلمِ فِيهِ وَلَا يجوز بِرَأْس المَال وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه لَا يجوز ذَلِك كُله لَا بِرَأْس المَال وَلَا بِالْمُسلمِ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وعَلى هَذَا الْخلاف الْحِوَالَة وَالْكَفَالَة وَالرَّهْن بِأحد بدلي الصّرْف ثمَّ مَتى جَازَ ذَلِك عندنَا يجب أَن يقبض الْمُسلم إِلَيْهِ رَأس المَال من الحويل وَالْكَفِيل أَو من رب السّلم أَو يهْلك الرَّهْن قبل أَن يَتَفَرَّقَا عَن الْمجْلس وَقِيمَة الرَّهْن مثل رَأس المَال أَو أَكثر حَتَّى يحصل الِافْتِرَاق عَن قبض رَأس المَال فَيجوز وَلَا يبطل العقد وَأما إِذا تفرق رب السّلم وَالْمُسلم إِلَيْهِ قبل الْقَبْض يبطل السّلم وَإِن بَقِي الحويل وَالْكَفِيل مَعَ رب السّلم وَلَو ذهب الحويل وَالْكَفِيل وَبَقِي الْمُسلم إِلَيْهِ مَعَ رب السّلم لَا يبطل السّلم وَالْعبْرَة لبَقَاء الْعَاقِدين وافتراقهما وَكَذَلِكَ فِي بَاب الصّرْف الْعبْرَة لبَقَاء الْعَاقِدين وَكَذَلِكَ فِي الرَّهْن إِذا لم يهْلك حَتَّى تفَرقا يبطل السّلم لِانْعِدَامِ قبض رَأس المَال هَذَا فِي جَانب رَأس المَال فَأَما فِي جَانب الْمُسلم فِيهِ فالمحيل يبرأ بِنَفس عقد الْحِوَالَة وَيبقى تَسْلِيم الْمُسلم فِيهِ وَاجِبا على الْمُحْتَال عَلَيْهِ إِذا حل الْأَجَل فَإِذا حل الْأَجَل يُطَالب رب السّلم الْمُحْتَال عَلَيْهِ وَلَا سَبِيل لَهُ على الْمُحِيل وَفِي الْكفَالَة رب السّلم بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ طَالب الْأَصِيل وَإِن شَاءَ طَالب الْكَفِيل وَله أَن يحبس الرَّهْن حَتَّى يَأْخُذ الْمُسلم فِيهِ وَمِنْهَا أَن الْمُسلم إِلَيْهِ إِذا قَالَ بعد قبض رَأس المَال إِنَّه زيوف أَو نبهرجة أَو مُسْتَحقّ أَو ستوقة أَو معيب فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن صدقه رب السّلم أَو كذبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 أما إِذا صدقه فَلهُ حق الرَّد ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ رَأس المَال عينا أَو دينا فَإِن كَانَ عينا فَاسْتحقَّ فِي الْمجْلس أَو رد بِالْعَيْبِ بعد الِافْتِرَاق وَلم يجز لمستحق وَلم يرض الْمُسلم إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يبطل السّلم لِأَن العقد وَقع على الْعين فَإِذا لم يجز فقد فَاتَ الْبَدَل فَصَارَ كَمَا لَو هلك الْمَبِيع قبل الْقَبْض وَلَو أجَاز الْمُسْتَحق أَو رَضِي الْمُسلم إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ جَازَ لِأَنَّهُ سلم لَهُ الْبَدَل من الأَصْل فَأَما إِذا كَانَ رَأس المَال دينا فَقَبضهُ ثمَّ وجده ستوقة أَو رصاصا أَو مُسْتَحقّا أَو زُيُوفًا أَو نبهرجة فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن وجد ذَلِك فِي مجْلِس السّلم أَو بعد الِافْتِرَاق وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن تجوز بذلك الْمُسلم إِلَيْهِ أَو لم يتجوز أما إِذا وجد ستوقة أَو رصاصا فِي الْمجْلس فَتجوز بِهِ فَلَا يجوز لِأَن هَذَا لَيْسَ من جنس حَقه فَيكون استبدالا بِرَأْس المَال قبل الْقَبْض فَصَارَ كَمَا لَو استبدل ثوبا من رب السّلم مَكَان الدِّرْهَم فَأَما إِذا رده وَقبض شَيْئا آخر مَكَانَهُ جَازَ لِأَنَّهُ لما رده وانتقض قَبضه جعل كَأَن لم يكن وَأخر الْقَبْض إِلَى آخر الْمجْلس فَإِن ذَلِك جَائِز كَذَلِك هَذَا وَأما إِذا وجد ذَلِك مُسْتَحقّا فَإِن صِحَة الْقَبْض مَوْقُوفَة على إجَازَة الْمُسْتَحق إِن أجَاز جَازَ وَإِن لم يجز بَطل فَأَما إِذا وجد زُيُوفًا أَو نبهرجة فَإِن تجوز بهَا جَازَ لِأَنَّهَا من جنس حَقه فَيصير مُسْتَوْفيا مَعَ النُّقْصَان وَإِن رده واستبدل مَكَانَهُ فِي مجْلِس العقد جَازَ لِأَنَّهُ وجد مثله فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 الْمجْلس فَكَانَ الْقَبْض مُتَأَخِّرًا هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَ ذَلِك فِي مجْلِس السّلم فَأَما إِذا كَانَ بعد تفرقهما فَإِن وجد شَيْئا من رَأس المَال ستوقة أَو رصاصا بَطل السّلم بِقَدرِهِ قل أَو كثر كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهَا لَيست من جنس حق الْمُسلم إِلَيْهِ فَظهر أَن الِافْتِرَاق حصل من غير قبض رَأس المَال بِقدر الستوقة فَيبْطل بِقَدرِهِ وَلَا يعود جَائِزا بِالْقَبْضِ بعد الْمجْلس كَمَا لَو لم يقبض أصلا ثمَّ قبض بعد الِافْتِرَاق وَإِن وجد ذَلِك مُسْتَحقّا إِن أجَاز الْمُسْتَحق جَازَ لِأَن الْقَبْض مَوْقُوف على إِجَازَته إِذا كَانَ رَأس المَال قَائِما نَص على ذَلِك فِي الْجَامِع الْكَبِير وَإِن رد بَطل السّلم بِقَدرِهِ لما ذكرنَا أَن الْقَبْض مَوْقُوف وَأما إِذا وجد ذَلِك زُيُوفًا أَو نبهرجة إِن تجوز بِهِ جَازَ وَإِن لم يتجوز بِهِ ورده أَجمعُوا على أَنه إِن لم يسْتَبْدل فِي مجْلِس الرَّد بَطل السّلم بِقدر مَا رد فَأَما إِذا استبدل مَكَانَهُ جيادا فِي مجْلِس الرَّد فَالْقِيَاس أَن يبطل السّلم بِقَدرِهِ قَالَ الْمَرْدُود أَو كثر وَبِه أَخذ زفر وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يبطل قل أَو كثر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأَبُو حنيفَة أَخذ فِي الْكثير بِالْقِيَاسِ وَفِي الْقَلِيل بالاستحسان وَكَذَلِكَ على هَذَا الْخلاف أحد المتصارفين إِذا وجد شَيْئا مِمَّا قبض زُيُوفًا ورده بعد الْمجْلس ثمَّ اتّفقت الرِّوَايَات عَن أبي حنيفَة أَن مَا زَاد على النّصْف كثير وَمَا دونه فَهُوَ قَلِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَأما فِي النّصْف فَذكر فِي الأَصْل وَجعله فِي حكم الْقَلِيل فِي مَوضِع وَحكم الْكثير فِي مَوضِع وَرُوِيَ فِي النَّوَادِر أَنه قدره بِالثُّلثِ فَصَاعِدا وَهُوَ الْأَصَح هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم رَأس المَال فَأَما حكم الْمُسلم فِيهِ إِذا وجد رب السّلم بِالْمُسلمِ فِيهِ عَيْبا بَعْدَمَا قَبضه فَإِن لَهُ خِيَار الْعَيْب إِن شَاءَ تجوز بِهِ وَإِن شَاءَ رده وَيَأْخُذ مِنْهُ السّلم غير معيب لِأَن حَقه فِي السَّلِيم دون الْمَعِيب إِلَّا أَن خِيَار الشَّرْط والرؤية لَا يثبت فِي السّلم على مَا ذكرنَا فِي جَانب رَأس المَال هَذَا إِذا صدقه رب السّلم فَأَما إِذا كذبه وَأنكر أَن تكون الدَّرَاهِم الَّتِي جَاءَ بهَا من دَرَاهِمه الَّتِي أَعْطَاهَا وَادّعى الْمُسلم إِلَيْهِ أَنَّهَا من دَرَاهِمه فَهَذَا لَا يَخْلُو من سِتَّة أوجه إِمَّا إِن كَانَ الْمُسلم إِلَيْهِ أقرّ ذَلِك قبل ذَلِك فَقَالَ قبضت الْجِيَاد أَو قبضت حَقي أَو قبضت رَأس المَال أَو استوفيت الدَّرَاهِم أَو قبضت الدَّرَاهِم أَو قَالَ قبضت وَلم يقل شَيْئا آخر فَفِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة الأولى لَا تسمع دَعْوَاهُ بعد ذَلِك أَنِّي وجدته زُيُوفًا وَلم يكن لَهُ حق استحلاف رب السّلم بِاللَّه إِنَّهَا لَيست من دراهمك الَّتِي قبضتها مِنْك لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ بِقَبض الْجِيَاد يصير مناقضا فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ أقرّ بِقَبض الْجِيَاد ثمَّ قَالَ لم أَقبض الْجِيَاد بل هِيَ زيوف والمناقضة تمنع صِحَة الدَّعْوَى وَالْحلف بِنَاء على الدَّعْوَى الصَّحِيحَة وَأما إِذا قَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ قبضت الدَّرَاهِم ثمَّ قَالَ هِيَ زيوف فَالْقِيَاس أَن يكون القَوْل قَول رب السّلم إِنَّهَا لَيست من دَرَاهِمه مَعَ يَمِينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 على ذَلِك وعَلى الْمُسلم إِلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنَّهَا من الدَّرَاهِم الَّتِي قبضهَا مِنْهُ لِأَن الْمُسلم إِلَيْهِ يَدعِي أَنَّهَا مَقْبُوضَة مَعَ الْعَيْب وَرب السّلم يُنكر أَنَّهَا مَقْبُوضَة أَو أَنَّهَا الَّتِي قبضهَا مِنْهُ وَيكون القَوْل قَول الْمُنكر مَعَ يَمِينه وَفِي الِاسْتِحْسَان القَوْل قَول الْمُسلم إِلَيْهِ مَعَ يَمِينه وعَلى رب السّلم الْبَيِّنَة أَنه أعطَاهُ الْجِيَاد لِأَن رب السّلم بإنكاره أَنَّهَا لَيست من دَرَاهِمه يَدعِي إِيفَاء حَقه وَهُوَ الْجِيَاد وَالْمُسلم إِلَيْهِ بِدَعْوَاهُ أَن هَذِه الدَّرَاهِم قبضتها مِنْك وَإِنَّهَا زيوف يُنكر قبض حَقه فَيكون القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه أَنه لم يقبض حَقه وعَلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة أَنه أوفاه حَقه وَهَذَا هُوَ الْقيَاس فِي الْفُصُول الْأُخَر إِلَّا أَن ثمَّة سبق مِنْهُ مَا يُنَاقض دَعْوَاهُ وَهُوَ الْإِقْرَار بالجياد وَهَهُنَا لم يسْبق لِأَن ذكر قبض الدَّرَاهِم يَقع على الزُّيُوف والجياد جَمِيعًا بِخِلَاف الْفُصُول الأولى وَأما إِذا قَالَ قبضت لَا غير ثمَّ قَالَ وجدته زُيُوفًا يكون القَوْل قَوْله كَمَا قُلْنَا فِي الْفَصْل الأول إِلَّا أَن هَهُنَا إِذا قَالَ وجدته ستوقة أَو رصاصا فَإِنَّهُ يصدق بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ قبضت الدَّرَاهِم ثمَّ قَالَ وَجدتهَا ستوقة أَو رصاصا فَإِنَّهُ لَا يقبل قَوْله لِأَن فِي قَوْله قبضت إِقْرَارا بِمُطلق الْقَبْض والستوقة تقبض فبقوله مَا قَبضته ستوقة لَا يكون مناقضا وَفِي قَوْله قبضت الدَّرَاهِم يصير مناقضا لقَوْله قبضت الستوقة والرصاص لِأَنَّهُ خلاف جنس الدَّرَاهِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 بَاب الرِّبَا الرِّبَا نَوْعَانِ رَبًّا الْفضل وَربا النِّسَاء فَالْأول هُوَ فضل عين مَال على المعيار الشَّرْعِيّ وَهُوَ الْكَيْل وَالْوَزْن عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس وَالثَّانِي هُوَ فضل الْحُلُول على الْأَجَل وَفضل الْعين على الدّين فِي المكيلين والموزونين عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس أَو فِي غير المكيلين وَغير الموزونين عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس وَعلة رَبًّا الْفضل هِيَ الْقدر الْمُتَّفق مَعَ الْجِنْس أَعنِي الْكَيْل فِي المكيلات وَالْوَزْن فِي الْأَثْمَان والمثمنات وَعلة رَبًّا النِّسَاء هِيَ وجود أحد وصفي عِلّة رَبًّا الْفضل وَهِي الْكَيْل فِي المكيلات أَو الْوَزْن الْمُتَّفق أَعنِي أَن يَكُونَا ثمنين أَو مثمنين لِأَن وزن الثّمن يُخَالف وزن الْمُثمن وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي رَبًّا الْفضل هُوَ الْفضل الْمُطلق من حَيْثُ الذَّات أَو حُرْمَة بيع المطعوم بِجِنْسِهِ ثمَّ التَّسَاوِي فِي المعيار الشَّرْعِيّ مَعَ الْيَد مخلص عَن هَذِه الْحُرْمَة بطرِيق الرُّخْصَة وَربا النِّسَاء هُوَ فضل الْحُلُول فِي المطعومات والأثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وَعلة رَبًّا الْفضل هِيَ الطّعْم فِي المطعومات والثمنية فِي الْأَثْمَان الْمُطلقَة وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْجِنْس شَرط وَعلة رَبًّا النِّسَاء هِيَ عِلّة رَبًّا الْفضل دون الْجِنْس وَهِي الطّعْم أَو الثمنية وَدَلَائِل هَذِه الْجُمْلَة تعرف فِي الخلافيات وَفَائِدَة الْخلاف فِي رَبًّا الْفضل تظهر فِي فصلين أَحدهمَا فِي بيع مطعوم بِجِنْسِهِ غير مُقَدّر كَبيع الحفنة بالحفنتين والسفرجلة بالسفرجلتين والبطيخة بالبطيختين وَنَحْوهَا يجوز عندنَا لعدم الْقدر وَلَا يجوز عِنْده لوُجُود الْعلَّة وَهِي الطّعْم وَالثَّانِي فِي بيع مُقَدّر بمقدر غير مطعوم كَبيع قفيز جص بقفيزي جص أَو من من حَدِيد بمنوي حَدِيد وَنَحْوهمَا لَا يجوز عندنَا فِي الجص لوُجُود عِلّة رَبًّا الْفضل وَهِي الْكَيْل وَالْجِنْس وَعِنْده يجوز لعدم الْعلَّة وَهِي الطّعْم وَفِي الْحَدِيد لَا يجوز عندنَا لوُجُود الْوَزْن وَالْجِنْس وَعِنْده يجوز لعدم الثمنية والطعم وَأَجْمعُوا أَنه لَو بَاعَ قفيز أرز بقفيزي أرز لَا يجوز لوُجُود الْكَيْل وَالْجِنْس عندنَا ولوجود الْجِنْس والطعم عِنْده وَأَجْمعُوا أَنه إِذا بَاعَ من زعفران بمنوي زعفران أَو من سكر بمنوي سكر لَا يجوز لوُجُود الْوَزْن وَالْجِنْس عندنَا ولوجود الطّعْم وَالْجِنْس عِنْده وَأما فروع رَبًّا النِّسَاء وَفَائِدَة الْخلاف بَيْننَا وَبَين الشَّافِعِي أَنه إِذا بَاعَ قفيز حِنْطَة بقفيزي شعير نَسِيئَة مُؤَجّلَة أَو دينا مَوْصُوفا فِي الذِّمَّة غير مُؤَجل لَا يجوز بِالْإِجْمَاع لوُجُود عِلّة رَبًّا النِّسَاء وَهِي أحد وصفي عِلّة رَبًّا الْفضل وَهِي الْكَيْل عندنَا والطعم عِنْده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وَإِذا بَاعَ قفيز جص بقفيزي نورة مُؤَجّلا بِأَن أسلم أَو غير مُؤَجل بِأَن بَاعَ دينا فِي الْخدمَة وَلَا يجوز عندنَا لوُجُود الْكَيْل وَعِنْده يجوز لعدم الطّعْم وَلَو أسلم من حَدِيد فِي مني حَدِيد لَا يجوز عندنَا لوُجُود الْوَزْن الْمُتَّفق لِكَوْنِهِمَا موزونين وَعِنْده يجوز لعدم الطّعْم والثمنية وَلَو بَاعَ من سكر بِمن زعفران دينا فِي الذِّمَّة لَا يجوز بِالْإِجْمَاع لوُجُود أحد وصفي عِلّة رَبًّا الْفضل وَهُوَ الْوَزْن الْمُتَّفق عندنَا لِأَنَّهُمَا مثمنان ولوجود الطّعْم عِنْده وَلَو أسلم دَرَاهِم فِي زعفران أَو فِي قطن أَو حَدِيد فَإِنَّهُ يجوز بِالْإِجْمَاع أما عندنَا فَلِأَنَّهُ لم يُوجد الْوَزْن الْمُتَّفق فَإِن الدَّرَاهِم توزن بالمثاقيل والقطن وَالْحَدِيد والزعفران يُوزن بالقبان وَلَو أسلم نقرة فضَّة فِي نقرة ذهب لَا يجوز بِالْإِجْمَاع لوُجُود الْوَزْن الْمُتَّفق عندنَا فَإِنَّهُمَا يوزنان بالمثاقيل وَعِنْده لوُجُود الثمنية وَلَو أسلم الْحِنْطَة فِي الزَّيْت جَازَ عندنَا لِأَن أَحدهمَا مَكِيل وَالْآخر مَوْزُون فَكَانَا مُخْتَلفين قدرا على قَوْله لَا يجوز لوُجُود الطّعْم فَأَما تَفْسِير الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ إِذا أسلم ثوبا هرويا فِي ثوب ههروي لَا يجوز عندنَا لِأَن الْجِنْس أحد وصفي عِلّة رَبًّا الْفضل فَيحرم النِّسَاء وَعند الشَّافِعِي يجوز لِأَن الْجِنْس عِنْده شَرط وَلَو أسلم ثوبا هرويا فِي ثوب مَرْوِيّ جَازَ بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ لم يُوجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 الْجِنْس وَلَا الْوَزْن الْمُتَّفق وَلَا الطّعْم وَلَا الثمنية وَلَو أسلم جوزة فِي جوزة أَو سفرجلة فِي سفرجلة لَا يجوز بِالْإِجْمَاع لوُجُود الْجِنْس عندنَا ولوجود الطّعْم عِنْده ثمَّ فرق بَين الْمكيل وَالْمَوْزُون وَبَين الثَّوْب وَالثَّوْب من وَجه وَهُوَ أَن رَبًّا النِّسَاء لَا يتَحَقَّق فِي الثَّوْب إِلَّا بطرِيق السّلم لِأَن الثِّيَاب لَا تثبت دينا فِي الذِّمَّة إِلَّا سلما فَأَما فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون فَيتَحَقَّق رَبًّا النِّسَاء مُؤَجّلا وَحَالا دينا مَوْصُوفا فِي الذِّمَّة بَيَانه لَو أسلم ثوبا هرويا فِي ثوب هروي لَا يجوز لِأَنَّهُ مُؤَجل وَلَو بَاعَ ثوبا هرويا بِثَوْب هروي مَوْصُوف فِي الذِّمَّة حَالا لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون ثمنا إِلَّا بِاعْتِبَار رَبًّا النِّسَاء وَلَو بَاعَ قفيز حِنْطَة بِعَينهَا بقفيزي شعير مَوْصُوف فِي الذِّمَّة دينا غير مُؤَجل لَا يجوز لِأَن الْعين خير من الدّين وَإِن كَانَ حَالا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 بَاب الشِّرَاء وَالْبيع يحْتَاج فِي هَذَا الْبَاب إِلَى بَيَان ركن البيع وَالشِّرَاء وَبَيَان شُرُوطه وَبَيَان أقسامه وَبَيَان حكمه شرعا أما بَيَان الرُّكْن فَهُوَ الْإِيجَاب من البَائِع وَالْقَبُول من المُشْتَرِي إِلَّا أَن ذَلِك قد يكون بلفظين وَقد لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِثَلَاثَة أَلْفَاظ أما مَا يتَحَقَّق بلفظين فقد يكون بِدُونِ النِّيَّة وَقد يكون مَعَ النِّيَّة أما من غير النِّيَّة فبأن يكون اللفظان بِصِيغَة الْمَاضِي نَحْو أَن يَقُول البَائِع بِعْت مِنْك هَذَا العَبْد بِكَذَا فَقَالَ المُشْتَرِي ابتعت أَو اشْتريت أَو مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَقَوْلِه أخذت وَقبلت ورضيت وَفعلت وَنَحْو ذَلِك لِأَن هَذَا فِي عرف أهل اللُّغَة وَالشَّرْع مُسْتَعْمل لإِيجَاب الْملك للْحَال بعوض وَإِن كَانَ بِصِيغَة الْمَاضِي وَكَذَلِكَ إِذا بَدَأَ المُشْتَرِي فَقَالَ اشْتريت مِنْك هَذَا العَبْد بِكَذَا فَقَالَ البَائِع بِعته مِنْك أَو أَعْطيته أَو بذلته أَو رضيت أَو هولك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وَأما الَّذِي لَا ينْعَقد بِدُونِ النِّيَّة فَأن يخبر عَن نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل بِلَفْظَة الِاسْتِقْبَال وَهُوَ أَن يَقُول البَائِع أبيع مِنْك هَذَا العَبْد بِأَلف أَو أبذله أَو أعطيكه فَقَالَ المُشْتَرِي اشتريه بذلك أَو آخذه ونويا الْإِيجَاب للْحَال أَو كَانَ أَحدهمَا بِلَفْظ الْمَاضِي وَالْآخر بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل مَعَ نِيَّة الْإِيجَاب للْحَال فَإِنَّهُ ينْعَقد البيع لِأَن صِيغَة الِاسْتِقْبَال تحْتَمل الْحَال فَصحت النِّيَّة وَإِن كَانَ أَحدهمَا بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام بِأَن قَالَ أتبيع مني هَذَا الشَّيْء فَقَالَ بِعْت وَنوى لَا ينْعَقد البيع لِأَن لفظ الِاسْتِفْهَام لَا يسْتَعْمل للْحَال إِذا أمكن الْعَمَل بِحَقِيقَة الِاسْتِفْهَام فَأَما إِذا كَانَ بلفظين يعبر بهما عَن الْمُسْتَقْبل إِمَّا على سَبِيل الْأَمر أَو الْخَبَر أَو بِأَحَدِهِمَا من غير نِيَّة الْحَال فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد البيع عندنَا وَذَلِكَ أَن يَقُول البَائِع اشْتَرِ مني هَذَا العَبْد بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت أَو قَالَ المُشْتَرِي بِعْ مني هَذَا العَبْد فَقَالَ بِعْت أَو قَالَ البَائِع أبيع هَذَا العَبْد مِنْك بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت وَفِي بَاب النِّكَاح إِذا كَانَ أحد اللَّفْظَيْنِ يعبر بِهِ عَن الْأَمر أَو الْخَبَر فِي الْمُسْتَقْبل بِأَن قَالَ زوجيني نَفسك بِأَلف دِرْهَم فَقَالَت زوجت أَو قَالَ الزَّوْج أتزوجك على ألف دِرْهَم فَقَالَت زوجت نَفسِي مِنْك بذلك ينْعَقد النِّكَاح وَقَالَ الشَّافِعِي البيع وَالنِّكَاح سَوَاء ينعقدان بلفظين يعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الْمَاضِي وَالْآخر عَن الْحَال من غير نِيَّة فَأَما إِذا كَانَ أحد اللَّفْظَيْنِ بطرِيق الِاسْتِفْهَام فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد النِّكَاح وَالْبيع بِالْإِجْمَاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا فَإِن البيع فِي الْعرف غَالِبا لَا يكون بِنَاء على مُقَدمَات وَلَفظ الْمُسْتَقْبل للعدة فِي الأَصْل وَلَفظ الْأَمر للمساومة فَيحمل على حَقِيقَته إِلَّا بِدَلِيل وَلم يُوجد بِخِلَاف النِّكَاح فَإِنَّهُ بِنَاء على مُقَدّمَة الْخطْبَة فَلَا يحمل على المساومة بِدلَالَة الْعَادة وَأما إِذا وجد ثَلَاثَة أَلْفَاظ بِأَن قَالَ المُشْتَرِي بِعْ عَبدك هَذَا مني بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ البَائِع بِعْت فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت فَإِنَّهُ ينْعَقد بِالْإِجْمَاع فَأَما إِذا تبَايعا وهما يمشيان أَو يسيران على دَابَّة وَاحِدَة أَو دابتين فَإِن كَانَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول متصلين وَخرج الكلامان من غير فصل بَينهمَا فَإِنَّهُ يَصح البيع فَأَما إِذا كَانَ بَينهمَا فصل وسكوت وَإِن قل فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَن الْمجْلس يتبدل بِالْمَشْيِ وَالسير هَكَذَا قَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا وقاسوا على آيَة السَّجْدَة وَخيَار المخيرة وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِذا تبَايعا فِي حَال السّير وَالْمَشْي فَوجدَ الْإِيجَاب مُنْفَصِلا عَن الْقبُول فَإِنَّهُ ينْعَقد مَا لم يفترقا بأبدانهما وَإِن وجد الْقبُول بعد الِافْتِرَاق لَا يجوز لِأَن الْقيام عَن الْمجْلس دَلِيل الْإِعْرَاض عَن الْجَواب فَأَما السّير بِلَا افْتِرَاق فَلَيْسَ بِدَلِيل الْإِعْرَاض فصح الْقبُول وَيكون جَوَابا وَهَكَذَا قَالُوا فِي خِيَار المخيرة أما فِي تِلَاوَة السَّجْدَة فبخلافه لِأَن الأَصْل أَن تجب السَّجْدَة لكل تِلَاوَة لَكِن جعلت التلاوات كتلاوة وَاحِدَة عِنْد اتِّحَاد الْمجْلس والمجلس يخْتَلف بالسير حَقِيقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 وَلَو وَقفا وتبايعا جَازَ وَإِن وجد الْقبُول بعد الْإِيجَاب بسكتة لِاتِّحَاد الْمجْلس فَأَما إِذا وَقفا فَأوجب أَحدهمَا البيع فَسَار الآخر وَلم يقبل ثمَّ قبل بعد ذَلِك لَا يَصح وَيجْعَل سيره دَلِيل الْإِعْرَاض وَكَذَا لَو سَار البَائِع قبل أَن يقبل المُشْتَرِي لِأَنَّهُ دَلِيل الْإِعْرَاض أَيْضا وَإنَّهُ يملك الرُّجُوع فِي إِيجَاب البيع وَلَو خير امْرَأَته بَعْدَمَا وَقفا ثمَّ سَار الرجل وَبقيت الْمَرْأَة واقفة فلهَا الْخِيَار لِأَن الْعبْرَة بجانبها فَمَا دَامَت فِي مجلسها فَلم يُوجد مِنْهَا دَلِيل الْإِعْرَاض وَكَلَام الزَّوْج لَا يبطل بِالْإِعْرَاضِ هَذَا إِذا كَانَ العاقدان حاضرين فِي الْمجْلس فَأَما إِذا كَانَ أَحدهمَا غَائِبا فَوجدَ من أَحدهَا البيع أَو الشِّرَاء فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف بَيَانه أَن من قَالَ بِعْت عَبدِي هَذَا من فلَان الْغَائِب بِأَلف دِرْهَم فَبَلغهُ الْخَبَر فَقبل لَا يَصح لِأَن شطر البيع لَا يتَوَقَّف بِالْإِجْمَاع وَلَو قَالَ بِعْت عَبدِي هَذَا بِأَلف دِرْهَم من فلَان بَين يَدي رجل وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَى فلَان وَقل لَهُ: إِن فلَانا بَاعَ عَبده فلَانا مِنْك بِأَلف دِرْهَم فجَاء الرَّسُول وَأخْبرهُ بِمَا قَالَ فَقَالَ المُشْتَرِي فِي مَجْلِسه ذَلِك: اشْتريت أَو قبلت تمّ البيع بَينهمَا لِأَن الرَّسُول معبر وسفير فينقل كَلَامه إِلَيْهِ فَإِذا اتَّصل بِهِ الْجَواب ينْعَقد وَكَذَا الْكتاب على هَذَا بِأَن كتب إِلَى رجل وَقَالَ أما بعد فقد بِعْت عَبدِي فلَانا مِنْك بِأَلف دِرْهَم فَلَمَّا بلغه الْكتاب وَقَرَأَ وَفهم مَا فِيهِ قَالَ فِي مَجْلِسه ذَلِك: اشْتريت أَو قبلت ينْعَقد البيع لِأَن الْخطاب وَالْجَوَاب من الْغَائِب بِالْكتاب يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وعَلى هَذَا الْجَواب فِي الْإِجَارَة وَالْهِبَة وَالْكِتَابَة فَأَما فِي الْخلْع وَالْعِتْق على مَال فَإِنَّهُ يتَوَقَّف شطر العقد من الزَّوْج وَالْمولى على قبُول الآخر وَرَاء الْمجْلس بِالْإِجْمَاع فَإِن من قَالَ: خلعت امْرَأَتي فُلَانَة الغائبة على ألف دِرْهَم فبلغها الْخَبَر فأجازت أَو قبلت صَحَّ وَكَذَا إِذا قَالَ: اعتقت عَبدِي فلَانا الْغَائِب بِأَلف دِرْهَم فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على إجَازَة العَبْد فَأَما فِي جَانب الْمَرْأَة وَالْعَبْد: فَلَا يتَوَقَّف إِذا كَانَ الزَّوْج وَالْمولى غائبين فَأَما فِي النِّكَاح فَلَا يتَوَقَّف الشّطْر عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وعَلى قَول أبي يُوسُف: يتَوَقَّف ثمَّ فِي كل مَوضِع لَا يتَوَقَّف شطر العقد فَإِنَّهُ يجوز من الْعَاقِد الرُّجُوع عَنهُ وَلَا يجوز تَعْلِيقه بِالشُّرُوطِ والإخطار لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة وَفِي كل مَوضِع يتَوَقَّف شطر العقد كالخلع وَالْعِتْق على مَال لَا يَصح الرُّجُوع عَنهُ وَيصِح التَّعْلِيق بِالشُّرُوطِ لِأَنَّهُ فِي جَانب الزَّوْج وَالْمولى بِمَنْزِلَة التَّعْلِيق وَفِي جَانبهَا بِمَنْزِلَة الْمُعَاوضَة وَأما بَيَان الشُّرُوط فللبيع شُرُوط: مِنْهَا: شَرط الْأَهْلِيَّة من الْعقل وَالْبُلُوغ حَتَّى لَا ينْعَقد البيع من الطِّفْل وَالْمَجْنُون فَأَما الصَّبِي الْعَاقِل وَالْمَعْتُوه فَمن أهل البيع حَتَّى لَو وكلا بِالْبيعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وَالشِّرَاء وباعا جَازَ وَنفذ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَمِنْهَا: شَرط الِانْعِقَاد وَهُوَ الْمحل وَهُوَ أَن يكون مَالا مُتَقَوّما حَتَّى لَو بَاعَ الْخمر وَالْخِنْزِير وَالْميتَة وَالدَّم وَجلد الْميتَة فَإِنَّهُ لَا يجوز أصلا حَتَّى لَا يملك بِالْقَبْضِ بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء ثمنا فَإِنَّهُ ينْعَقد البيع بِالْقيمَةِ وَمِنْهَا: شَرط النَّفاذ وَهُوَ الْملك أَو الْولَايَة حَتَّى إِذا بَاعَ ملك نَفسه نفذ وَلَو بَاعَ الْوَكِيل نفذ لوُجُود الْولَايَة وَأما أَقسَام البيع فَنَقُول: هُوَ فِي الأَصْل قِسْمَانِ: بيع نَافِذ وَبيع مَوْقُوف فَأَما البيع النَّافِذ فَهُوَ أَن يُوجد الرُّكْن مَعَ وجود شَرط الِانْعِقَاد والنفاذ جَمِيعًا وَأما البيع الْمَوْقُوف فَهُوَ أَن يُوجد الرُّكْن مَعَ وجود شَرط الِانْعِقَاد والأهلية لَكِن لم يُوجد شَرط النَّفاذ وَهُوَ الْملك وَالْولَايَة بَيَانه: أَن الْفُضُولِيّ إِذا بَاعَ مَال غَيره من إِنْسَان أَو اشْترى لغيره شَيْئا معينا فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على إِجَازَته عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يتَوَقَّف ولقب الْمَسْأَلَة أَن الْعُقُود والفسوخ من الْفُضُولِيّ تتَوَقَّف على إجَازَة الْمَالِك وَإِنَّمَا ينْعَقد عندنَا على التَّوَقُّف كل عقد لَهُ مجيز حَالَة العقد فَأَما إِذا لم يكن لَهُ مجيز فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف حَتَّى إِن الطَّلَاق وَالْعتاق فِي حق الْبَالِغ من الْفُضُولِيّ فَهُوَ على الْخلاف لِأَن لَهُ مجيزا فِي الْحَال فَأَما إِذا وجد الطَّلَاق الْعتاق والتبرعات من الْفُضُولِيّ الْبَالِغ فِي امْرَأَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 الصَّبِي وَالْمَجْنُون ومالهما فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مجيز فِي حَالَة العقد لِأَنَّهُمَا ليسَا من أهل الطَّلَاق وَالْعتاق والتبرعات وَكَذَلِكَ وليهما وَكَذَلِكَ الْأَب وَالْوَصِيّ إِذا أعتقا أَو طلقا عبد الصَّبِي أَو امْرَأَته ثمَّ إِنَّمَا يجوز العقد الْمَوْقُوف إِذا كَانَ الْمحل قَابلا لإنشاء البيع حَالَة الْإِجَازَة فَأَما إِذا لم يكن قَابلا فَلَا بِأَن هلك الْمحل بِالْإِجَازَةِ ينفذ للْحَال مُسْتَندا إِلَى مَا قبله فَلَا بُد من الْمحل فِي الْحَال وَكَذَا الْجَواب لَو كَانَ العاقدان فضوليين فَإِنَّهُ يتَوَقَّف أَيْضا على إجَازَة المالكين وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي النِّكَاح وَلَو كَانَ الْفُضُولِيّ الْوَاحِد بَاعَ عبد إِنْسَان من إِنْسَان وهما غائبان وَقبل عَن المُشْتَرِي أَيْضا فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف وَفِي النِّكَاح إِذا قبل عَنْهُمَا لَا يتَوَقَّف أَيْضا وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَإِنَّمَا الْخلاف فِيمَا إِذا زوج رجل امْرَأَة وَلم يقبل مِنْهُ لِأَن الْوَاحِد يجوز أَن يكون وَكيلا من الْجَانِبَيْنِ وَلَا يتَوَقَّف فِي النِّكَاح وَيجوز أَن يكون وليا من الْجَانِبَيْنِ بِأَن زوج ابْنة أُخْته من ابْن أَخِيه وَالْإِجَازَة اللاحقة بِمَنْزِلَة الْوكَالَة السَّابِقَة بِخِلَاف البيع فَإِن الْوَاحِد لَا يجوز أَن يكون وَكيلا من الْجَانِبَيْنِ فَلَا يتَوَقَّف من رجل وَاحِد وَإِن وجد مِنْهُ الْإِيجَاب وَالْقَبُول جَمِيعًا ثمَّ إِنَّمَا جَازَ أَن يكون الرجل وليا ووكيلا من الْجَانِبَيْنِ فِي النِّكَاح وَفِي البيع لَا يجوز أَن يكون وَكيلا من الْجَانِبَيْنِ وَإِمَّا يجوز أَن يكون وليا من الْجَانِبَيْنِ فَإِن الْأَب إِذا اشْترى مَال الصَّبِي لنَفسِهِ أَو بَاعَ مَاله من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 الصَّبِي بِمثل قِيمَته أَو بِغَبن يسير يتَغَابَن النَّاس فِي مثله: فَإِنَّهُ يجوز وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ: إِذا اشْترى مَال الصَّبِي لنَفسِهِ أَو بَاعَ مَال نَفسه من الصَّبِي وَفِيه نفع ظَاهر للصَّبِيّ جَازَ بِلَا خلاف فَأَما إِذا كَانَ بِمثل الْقيمَة جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَعند مُحَمَّد لَا يجوز وَأما إِذا كَانَ بِدُونِ الْقيمَة فَلَا يجوز بِلَا خلاف وَالْفرق بَين الْفُصُول أَن الْوَلِيّ وَالْوَكِيل فِي بَاب النِّكَاح بِمَنْزِلَة الرَّسُول لِأَنَّهُ لَا يرجع إِلَيْهِ حُقُوق العقد فَأَما الْوَكِيل فِي بَاب البيع فَأصل فِي حق الْحُقُوق وللبيع حُقُوق متضادة من التَّسْلِيم والتسلم فَلَا يجوز أَن يكون الْوَاحِد فِي شَيْء وَاحِد فِي زمَان وَاحِد مُسلما ومتسلما بِخِلَاف الْأَب الْوَصِيّ لِأَن ثمَّ جعلناهما كشخصين لاخْتِلَاف الولايتين وَلَو بَاعَ العَبْد الْمَحْجُور مَال مَوْلَاهُ من إِنْسَان بِثمن مَعْلُوم فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على إجَازَة مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ وَلَو أذن لَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي البيع وَالشِّرَاء وَأَجَازَ ذَلِك لَا ينفذ إِلَّا بِإِجَازَة الْمولى لِأَن العَبْد الْمَأْذُون لَا يملك بيع مَال الْمولى وَإِنَّمَا يملك الشِّرَاء وَلَو اشْترى عبدا لمَوْلَاهُ بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على إِجَازَته وَلَو أذن لَهُ بِالتَّصَرُّفِ نفذ الشِّرَاء على مَوْلَاهُ من غير إجَازَة مُبتَدأَة لذَلِك لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ ملك إنْشَاء الشِّرَاء فِي حَقه فَيملك الْإِجَازَة وعَلى هَذَا: الصَّبِي الْعَاقِل إِذا بَاعَ مَاله وَهُوَ مَحْجُور فَإِنَّهُ ينْعَقد تصرفه مَوْقُوفا على إجَازَة وليه وعَلى إِذن وليه بِالتَّصَرُّفِ أَيْضا وعَلى بُلُوغه أَيْضا لِأَن فِي انْعِقَاده فَائِدَة لوُجُود الْمُجِيز للْحَال وَهُوَ الْوَلِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وَهَذَا فِي التَّصَرُّفَات الدائرة بَين الضَّرَر والنفع كَالْبيع وَالْإِجَارَة فَأَما التَّصَرُّفَات الضارة كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْإِقْرَار فَإِنَّهُ لَا تصح وَلَا تتَوَقَّف لِأَن الْوَلِيّ لَا يملك هَذِه التَّصَرُّفَات فَلَا مجيز لَهَا الْحَال وَأما التَّصَرُّفَات النافعة كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وَقبُول الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فَتَصِح مِنْهُمَا من غير إِذن وَأما حكم البيع فَهُوَ ثُبُوت الْملك فِي الْمَبِيع للْمُشْتَرِي وَثُبُوت الْملك فِي الثّمن للْبَائِع إِذا كَانَ البيع باتا من غير خِيَار فَأَما إِذا كَانَ فِيهِ خِيَار الرُّؤْيَة أَو الْعَيْب أَو خِيَار الشَّرْط فَالْجَوَاب على مَا نذْكر ثمَّ إِذا كَانَ البيع باتا فَلَا يملك أَحدهمَا الْفَسْخ بِدُونِ رضَا صَاحبه وَإِن لم يَتَفَرَّقَا عَن الْمجْلس وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهما خِيَار الْفَسْخ مَا لم يَتَفَرَّقَا عَن الْمجْلس ولقب الْمَسْأَلَة أَن خِيَار الْمجْلس هَل هُوَ ثَابت شرعا فعندنا غير ثَابت وَعِنْده ثَابت وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة فَإِذا ثَبت الْملك فِي الطَّرفَيْنِ أَعنِي فِي الْمَبِيع وَالثمن جَمِيعًا وَحكم الْمَبِيع يُخَالف حكم الثّمن فِيمَا سوى ثُبُوت الْملك فَلَا بُد من بَيَان الثّمن وَالْمَبِيع فَنَقُول: إِن الْمَبِيع فِي الأَصْل مَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ وَالثمن فِي الأَصْل مَا لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ وَإِن كَانَ قد يتَعَيَّن بِعَارِض فَيصير الْمَبِيع دينا كَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 السّلم وَيصير الثّمن عينا كَبيع الْعين بِالْعينِ لَكِن الثّمن الْمُطلق هُوَ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَإِنَّمَا لَا يتعينان فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات فِي حق الِاسْتِحْقَاق وَإِن عينت وتتعين فِي حق بَيَان الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة وَهَذَا عندنَا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ: تتَعَيَّن وَأَجْمعُوا أَنَّهُمَا إِذا كَانَتَا فِي الذِّمَّة لَا يتعينان وَإِذا عينتا فعندهما حكمهمَا كَحكم الْمَبِيع وَأَجْمعُوا أَنَّهُمَا يتعينان فِي الغصوب والأمانات والوكالات وَبَيَان ذَلِك: أَن من بَاعَ عبدا بِأَلف دِرْهَم وعينها فِي الْمجْلس فَإِن البَائِع لَا يسْتَحق عينهَا حَتَّى لَو أَرَادَ المُشْتَرِي أَن يمْنَعهَا وَيرد غَيرهَا لَهُ ذَلِك وَلَكِن تتَعَيَّن فِي حق الْجِنْس حَتَّى تجب عَلَيْهِ الدَّرَاهِم وتتعين فِي حق الْقدر حَتَّى تجب عَلَيْهِ ألف دِرْهَم وتتعين فِي حق الصّفة حَتَّى إِن الدَّرَاهِم الْمعينَة فِي العقد إِذا كَانَت جَيِّدَة يجب عَلَيْهِ مثلهَا جَيِّدَة وَإِن كَانَت رَدِيئَة فَكَذَلِك وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي اسْتِحْقَاق عينهَا فِي الْمُعَاوَضَات لِأَن الْمثل يقوم مقَامهَا فِي كل عوض يكون فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات فَكَانَ التَّعْيِين وَتَركه سَوَاء فِي حق اسْتِحْقَاق الْعين فَأَما فِي تعْيين الْجِنْس وَالْقدر وَالصّفة فَفِيهِ فَائِدَة فتتعين ثمَّ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير أَثمَان أبدا سَوَاء كَانَت فِي مقابلتها أَمْثَالهَا أَو أَعْيَان أخر صحبتهَا حرف الْبَاء أَو لَا حَتَّى إِن فِي الْأَثْمَان يصير صرفا وَإِذا كَانَت فِي مقابلتها السّلْعَة تصير ثمنا والسلعة مَبِيع على كل حَال لِأَنَّهَا أَثمَان مُطلقَة على كل حَال فَلَا تتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وَأما الْأَعْيَان الَّتِي لَيست من ذَوَات الْأَمْثَال كالثياب والدور وَالْعَقار وَالْعَبِيد والعدديات المتقاربة كالبطاطيخ وَالثِّمَار فَهِيَ مبيعة وتتعين بِالتَّعْيِينِ وَلَا يجوز البيع فِيهَا إِلَّا عينا إِلَّا فِيمَا يجوز فِيهِ السّلم كالثياب وَنَحْوهَا فَيكون مَبِيعًا دينا إِذا وجد شَرَائِط السّلم بِالنَّصِّ لحَاجَة النَّاس بِخِلَاف الْقيَاس ثمَّ الثِّيَاب كَمَا تثبت فِي الذِّمَّة دينا مَبِيعًا بطرِيق السّلم تثبت دينا فِي الذِّمَّة مُؤَجّلا بطرِيق الثّمن وَالْأَجَل شَرط فِي الثِّيَاب لَا لِأَنَّهُ شَرط فِي الْأَثْمَان وَلَكِن شَرط لتصير مُلْحقَة بِالثّمن فِي كَونهَا دينا فِي الذِّمَّة وَأما الْمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب: إِن كَانَت فِي مقابلتها الْأَثْمَان فَهِيَ مبيعة وَإِن كَانَت فِي مقابلتها أَمْثَالهَا أَعنِي الْمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب فَكل مَا كَانَ مَوْصُوفا فِي الذِّمَّة يكون ثمنا وكل مَا كَانَ معينا يكون مَبِيعًا وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مَوْصُوفا فِي الذِّمَّة فَمَا صَحبه حرف الْبَاء يكون ثمنا وَالْآخر يكون مَبِيعًا لِأَن هَذَا مِمَّا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ وَيثبت دينا فِي الذِّمَّة أَيْضا فَيتَعَيَّن أحد الْوَجْهَيْنِ بِالدَّلِيلِ فَإِذا ثَبت تَفْسِير الْمَبِيع وَالثمن فَنَذْكُر أحكامهما فَنَقُول: مِنْهَا: إِذا هلك الْمَبِيع قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ البيع وَإِذا هلك الثّمن فِي الْمجْلس قبل الْقَبْض فَإِن كَانَ عينا مثلِيا لَا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ يُمكن تَسْلِيم مثله بِخِلَاف الْمَبِيع لِأَنَّهُ عين وَلِلنَّاسِ أغراض فِي الْأَعْيَان أما إِذا هلك وَلَيْسَ لَهُ مثل فِي الْحَال بِأَن كَانَ شَيْئا مِمَّا يَنْقَطِع عَن أَيدي النَّاس وَهُوَ كَانَ مَوْجُودا وَقت العقد ثمَّ انْقَطع قبل الْقَبْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَأما إِذا كسد الثّمن بِأَن كَانَ الثّمن فُلُوسًا فكسدت أَو كسد بعض الدَّرَاهِم الرائجة وَهُوَ كَانَ ثمنا قبل الْقَبْض فعلى قَول أبي حنيفَة يَنْفَسِخ العقد وَجعل الكساد كالهلاك لِأَن قيام الثّمن من حَيْثُ الْمَعْنى بالرواج وعَلى قَوْلهمَا: لَا يَنْفَسِخ لَكِن يُخَيّر إِن شَاءَ أَخذ قِيمَته وَإِن شَاءَ فسخ وجعلاه كالعيب ثمَّ اخْتلفَا فِيمَا بَينهمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُف: يعْتَبر قِيمَته يَوْم العقد لِأَن الثّمن يجب عِنْد العقد فَيضمن قِيمَته حِينَئِذٍ وَقَالَ مُحَمَّد: تعْتَبر قِيمَته فِي آخر مَا ترك النَّاس الْمُعَامَلَة بذلك لِأَنَّهُ عجز عَن التَّسْلِيم يَوْمئِذٍ وَمِنْهَا: أَنه لَا يجوز التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع الْمَنْقُول قبل الْقَبْض بِلَا خلاف وَفِي الْعقار الْمَبِيع يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز وَأما الْأَثْمَان فَيجوز التَّصَرُّف فِيهَا قبل الْقَبْض لِأَنَّهَا دُيُون وَكَذَلِكَ التَّصَرُّف فِي سَائِر الدُّيُون من الْمهْر وَالْأُجْرَة وَضَمان الْمُتْلفَات وَنَحْوهَا يجوز قبل الْقَبْض وَمِنْهَا: إِذا بَاعَ عينا بِعَين فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِمَا التَّسْلِيم مَعًا تَحْقِيقا للمساواة فِي الْمُعَاوضَة الْمُقْتَضِيَة للمساواة عَادَة فَأَما إِذا كَانَ بيع الْعين بِالدّينِ فَإِنَّهُ يجب تَسْلِيم الدّين أَولا حَتَّى يتَعَيَّن ثمَّ يجب تَسْلِيم الْعين ليتساويا فَإِذا سلم المُشْتَرِي الثّمن يجب على البَائِع تَسْلِيم الْمَبِيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَلَو هلك الْمَبِيع قبل التَّسْلِيم فالهلاك يكون على البَائِع يَعْنِي يسْقط الثّمن وينفسخ العقد وَلَو كَانَ الثّمن مُؤَجّلا يجب تَسْلِيم الْمَبِيع للْحَال لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أسقط حق نَفسه فِي التَّأْجِيل فَلَا يسْقط حق الآخر وَإِن أجل الثّمن إِلَّا درهما لَهُ أَن يحبس كل الْمَبِيع لِأَن حق الْحَبْس مِمَّا لَا يتَجَزَّأ وَكَذَلِكَ لَو أوفى جَمِيع الثّمن إِلَّا درهما أَو أَبرَأَهُ عَن جَمِيع الثّمن إِلَّا درهما وَكَذَا فِي الرَّهْن إِذا قبض الدّين كُله أَو أَبرَأَهُ إِلَّا درهما فَإِنَّهُ يحبس كل الرَّهْن حَتَّى يصل إِلَيْهِ الْبَاقِي وَلَو دفع المُشْتَرِي إِلَى البَائِع بِالثّمن رهنا أَو كفل بِهِ كَفِيلا لَا يسْقط حق الْحَبْس لِأَن هَذَا وَثِيقَة بِالثّمن فَلَا يبطل حَقه عَن حبس الْمَبِيع لِاسْتِيفَاء الثّمن وَلَو أحَال البَائِع رجلا على المُشْتَرِي بِالثّمن وَقبل سقط حق الْحَبْس وَكَذَلِكَ إِذا أحَال المُشْتَرِي البَائِع على رجل وَهَذَا عِنْد أبي يُوسُف وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَقَالَ فِي رِوَايَة: إِذا أحَال البَائِع رجلا على المُشْتَرِي يسْقط حق الْحَبْس وَإِن أحَال المُشْتَرِي البَائِع على رجل لم يسْقط حق الْحَبْس وَهِي مَسْأَلَة كتاب الْحِوَالَة وَلَو أتلف المُشْتَرِي الْمَبِيع فِي يَد البَائِع صَار قَابِضا للْمَبِيع وتقرر عَلَيْهِ الثّمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَكَذَلِكَ إِذا قطع يَده أَو شج رَأسه وكل تصرف نقص مِنْهُ شَيْئا وَكَذَلِكَ لَو فعله البَائِع بِإِذن المُشْتَرِي لِأَن أمره بِالْإِتْلَافِ فِي ملكه صَحِيح وَصَارَ فعله مَنْقُولًا إِلَيْهِ حكما كَأَنَّهُ فعل بِنَفسِهِ وَلَو أعتق المُشْتَرِي العَبْد وَهُوَ فِي يَد البَائِع يكون قبضا مِنْهُ لِأَنَّهُ إِتْلَاف وَلَو زوج الْأمة الْمَبِيعَة قبل الْقَبْض فَالْقِيَاس أَن يصير قَابِضا لِأَن التَّزْوِيج عيب فِي الْجَوَارِي وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يكون قبضا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْب حَقِيقَة وَإِن أقرّ المُشْتَرِي بِالدّينِ على العَبْد الْمَبِيع قبل الْقَبْض لَا يكون قبضا لِأَنَّهُ لَيْسَ بتعييب حكمي وَلَو زَوجهَا المُشْتَرِي وَوَطئهَا الزَّوْج فِي يَد البَائِع يكون قبضا فِي قَوْلهم لِأَن وَطْء الزَّوْج بِإِذن المُشْتَرِي بِمَنْزِلَة وَطْء المُشْتَرِي وَلَو أودع البَائِع الْمَبِيع عِنْد المُشْتَرِي أَو أَعَارَهُ مِنْهُ فَفِي الْمَشْهُور من الرِّوَايَة أَنه يسْقط حق الْحَبْس وَلَيْسَ لَهُ أَن يسْتَردّهُ لِأَن الْإِيدَاع والإعارة من الْمَالِك لَا تصح فَيكون هَذَا تَسْلِيمًا بِحكم البيع فَيسْقط حق الْحَبْس وَلَو أودع المُشْتَرِي من البَائِع أَو أَعَارَهُ مِنْهُ لم يكن ذَلِك قبضا لِأَن للْبَائِع حق الْحَبْس بطرِيق الْأَصَالَة فَلَا يَصح أَن يصير نَائِبا عَن غَيره وَلَو أودع المُشْتَرِي عِنْد أَجْنَبِي وَأمر بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ أَو أَعَارَهُ يصير قَابِضا لِأَن يَد أَمِينه كَيده وَلَو جنى رجل على الْمَبِيع فَاتبع المُشْتَرِي الْجَانِي وَأخذ الْأَرْش سقط حق الْحَبْس وَيصير قَابِضا حَتَّى لَو هلك يكون الْهَلَاك على المُشْتَرِي وَيصير كَأَن الْجَانِي فعله بأَمْره وَهَذَا قَول أبي يُوسُف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يصير قَابِضا وَيبقى فِي ضَمَان البَائِع وَيُؤمر البَائِع بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع فَأَما إِذا كَانَ فِي يَد المُشْتَرِي فَبَاعَهُ الْمَالِك مِنْهُ فَنَقُول: إِن كَانَ فِي يَده غصبا يصير قَابِضا بِنَفس الشِّرَاء وَلَا يحْتَاج إِلَى تَجْدِيد الْقَبْض حَتَّى لَو هلك قبل أَن يتَمَكَّن من قَبضه حَقِيقَة فَإِنَّهُ يهْلك على المُشْتَرِي لِأَن ضَمَان الْغَصْب ضَمَان الْعين نَظِير ضَمَان البيع فَيكون من جنسه فينوب قبض الْغَصْب عَن قبض البيع وَلَو بَاعَ الرَّاهِن الْمَرْهُون من الْمُرْتَهن وَهُوَ فِي حَبسه لَا يصير قَابِضا بِنَفس الشِّرَاء مَا لم يجدد الْقَبْض بِأَن يُمكن من قَبضه حَقِيقَة بِأَن كَانَ حَاضرا فِي مجْلِس الشِّرَاء أَو يذهب إِلَى بَيته ويتمكن من قَبضه لِأَن قبض الرَّهْن قبض أَمَانَة وَإِنَّمَا يسْقط الدّين بهلاكه لَا بِكَوْنِهِ مَضْمُونا وَلَكِن بِمَعْنى آخر عرف فِي مَوْضِعه وَقبض الْأَمَانَة لَا يَنُوب عَن قبض الشِّرَاء وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي يَده أَمَانَة مثل الْوَدِيعَة وَالْعَارِية وَالْإِجَارَة وَنَحْوهَا لم يدْخل فِي ضَمَان المُشْتَرِي إِلَّا أَن يتَمَكَّن من قبض جَدِيد لِأَن قبض الْأَمَانَة لَا يَنُوب عَن قبض الضَّمَان وَلَو أَن المُشْتَرِي قبض الْمَبِيع بِغَيْر إِذن البَائِع قبل نقد الثّمن فَللْبَائِع أَن يسْتَردّهُ حَتَّى يُعْطِيهِ الثّمن لِأَن للْبَائِع حق الْحَبْس حَتَّى يَسْتَوْفِي الثّمن وَقد أبطل حَقه بِالْأَخْذِ فَعَلَيهِ الْإِعَادَة كالراهن إِذا أَخذ الْمَرْهُون من يَد الْمُرْتَهن لَهُ أَن يُعِيدهُ إِلَى يَده كَمَا قُلْنَا وَلَو قبض بِغَيْر إِذن البَائِع بعد نقد الثّمن لَيْسَ لَهُ أَن يسْتَردّهُ لِأَنَّهُ بَطل حق الْحَبْس بإيفاء الثّمن فَيكون قبضا بِحَق وَلَو أَن المُشْتَرِي قَبضه بِغَيْر إِذن البَائِع قبل إِيفَاء الثّمن ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 تصرف فِي الْمَبِيع بِغَيْر إِذن البَائِع إِن كَانَ تَصرفا يحْتَمل الْفَسْخ كَالْبيع وَالْهِبَة وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا فَللْبَائِع أَن يسْتَردّهُ لِأَن حق الْحَبْس قَائِم فَأَما إِذا تصرف تَصرفا لَا يحْتَمل الْفَسْخ كالإعتاق وَالتَّدْبِير وَالِاسْتِيلَاد فَإِنَّهُ لَا يسْتَردّهُ لِأَنَّهُ لَا يبْقى حق الْحَبْس لِأَن المُشْتَرِي تصرف فِي ملكه تَصرفا لَا يحْتَمل الرَّد فنفذ كالراهن إِذا أعتق وَحبس الْحر أَو الْحرَّة من وَجه لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي بَقَاء الْحَبْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 بَاب البيع الْفَاسِد وَمَا يملك بِهِ وَمَا لَا يملك فِي الْبَاب فصلان أَحدهمَا فِي بَيَان أَنْوَاع الْبيُوع الْفَاسِدَة وَالثَّانِي فِي بَيَان حكمهمَا أما الأول فَنَقُول الْبيُوع الْفَاسِدَة أَنْوَاع مِنْهَا أَن يكون الْمَبِيع مَجْهُولا وَالثمن مَجْهُولا جَهَالَة توجب الْمُنَازعَة لِأَنَّهَا مَانِعَة عَن التَّسْلِيم والتسلم وبدونهما يكون البيع فَاسِدا لِأَنَّهُ لَا يُفِيد مَقْصُوده بَيَانه إِذا اشْترى شَاة من قطيع أَو اشْترى أحد الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة بِكَذَا على أَنه بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ وَاحِدًا مِنْهَا وَيرد الْبَاقِي أَو اشْترى أحد الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة أَو أحد الشَّيْئَيْنِ وَلم يذكر فِيهِ الْخِيَار فَأَما إِذا ذكر الثَّلَاثَة أَو الِاثْنَيْنِ وَشرط الْخِيَار لنَفسِهِ بَين أَن يَأْخُذ وَاحِدًا وَيرد الْبَاقِي فَهَذَا جَائِز اسْتِحْسَانًا اعْتِبَارا بِشَرْط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام وَهل يشْتَرط فِيهِ ذكر مُدَّة خِيَار الشَّرْط اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالأَصَح أَنه لَا يشْتَرط وَكَذَا إِذا بَاعَ العَبْد بِمِائَة شَاة من هَذَا القطيع وَنَحْوه لَا يجوز لجَهَالَة الثّمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 فَأَما الْجَهَالَة الَّتِي لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة فَلَا تمنع الْجَوَاز فَإِنَّهُ إِذا بَاعَ قَفِيزا من صبرَة مُعينَة بِدَرَاهِم أَو بَاعَ هَذَا الْعدْل من الثِّيَاب بِكَذَا وَلَا يعرف عَددهَا أَو بَاعَ هَذِه الصُّبْرَة بِكَذَا وَلَا يعلم عدد القفزان جَازَ لما ذكرنَا وعَلى هَذَا إِذا اشْترى شَيْئا لم يره بِأَن اشْترى فرسا مجللا أَو جَارِيَة منتقبة أَو كرى حِنْطَة فِي هَذَا الْبَيْت أَو عبدا تركيا فِي هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ يجوز إِذا وجد كَذَلِك وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا رَآهُ وَعند الشَّافِعِي فَاسد وَلَو بَاعَ هَذَا العَبْد بِقِيمَتِه فَهُوَ فَاسد لِأَن الْقيمَة تعرف بالحزر وَالظَّن وَكَذَا لَو اشْترى عدل زطي أَو جراب هروي بِقِيمَتِه لما قُلْنَا وَلَو اشْترى بِحكم البَائِع أَو المُشْتَرِي أَو بِحكم فلَان فَهُوَ فَاسد لِأَن الثّمن مَجْهُول وَكَذَلِكَ لَو اشْترى شَيْئا بِأَلف دِرْهَم إِلَّا دِينَار أَو بِمِائَة دِينَار إِلَّا درهما لِأَن مَعْنَاهُ إِلَّا قدر قيمَة الدِّينَار وَهَذِه جَهَالَة مفضية إِلَى الْمُنَازعَة وَلَو بَاعَ وَقَالَ هُوَ بِالنَّسِيئَةِ كَذَا وبالنقد كَذَا فَهُوَ فَاسد لِأَن الثّمن مَجْهُول وَكَذَا لَو قَالَ بِعْت إِلَى أجل كَذَا أَو كَذَا فَهُوَ فَاسد لِأَن الْأَجَل مَجْهُول وَلَو بَاعَ إِلَى الْحَصاد والدياس أَو إِلَى رُجُوع الْحَاج وقدومهم فَالْبيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فَاسد لما ذكرنَا وَلَو بَاعَ عدل زطي بِرَأْس مَاله أَو برقمه وَلَا يعلم المُشْتَرِي رقمه وَلَا رَأس مَاله فَهُوَ فَاسد لِأَن الثّمن مَجْهُول فَإِن علم رَأس مَاله أَو رقمه فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ يعود البيع جَائِزا اسْتِحْسَانًا خلافًا لزفَر كَمَا فِي الْحَصاد والدياس أَو بِشَرْط الْخِيَار إِلَى شهر إِلَّا أَن الْفرق أَن هُنَاكَ إِذا رفع الْمُفْسد قبل مَجِيء الْحَصاد والدياس وَقبل مَجِيء الْيَوْم الرَّابِع يعود إِلَى الْجَوَاز سَوَاء كَانَ فِي مجْلِس العقد أَو بعد الْمجْلس وَفِي الرقم يشْتَرط لانقلاب البيع جَائِزا ارْتِفَاع الْمُفْسد فِي الْمجْلس وَمِنْهَا أَن يكون الْمَبِيع محرما أَو ثمنه بِأَن بَاعَ الْخمر أَو الْخِنْزِير أَو بَاعَ بهما فَإِنَّهُ لَا يجوز وَكَذَا الْمحرم إِذا بَاعَ صيدا مَمْلُوكا أَو اشْترى بصيد مَمْلُوك لِأَن الْحَرَام لَا يصلح مَبِيعًا وَثمنا غير أَنه إِذا كَانَ مَبِيعًا يكون البيع بَاطِلا وَإِذا كَانَ ثمنا ينْعَقد البيع بِالْقيمَةِ عندنَا بيعا فَاسِدا وَأما إِذا ذكر الْميتَة وَالدَّم ثمنا فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَمِنْهَا إِذا تعلق بِالْمَبِيعِ حق مُحْتَرم للْغَيْر لَا يملك البَائِع إِبْطَاله يكون البيع فَاسِدا نَحْو أَن يَبِيع الرَّاهِن الْمَرْهُون أَو المؤاجر الْمُسْتَأْجر وَاخْتلفت الْعبارَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْكتب ذكر فِي بَعْضهَا أَن البيع فَاسد وَفِي بَعْضهَا أَنه مَوْقُوف على إجَازَة الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر وَهُوَ الصَّحِيح حَتَّى إِن الرَّاهِن لَا يقدر على فَسخه وَكَذَلِكَ المؤاجر وَكَذَا الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر لَا يملكَانِ الْفَسْخ ويملكان الْإِجَازَة وَإِذا انْقَضتْ هَذِه الْإِجَارَة أَو أفتك الرَّاهِن الرَّهْن يثبت الْملك للْمُشْتَرِي وَمِنْهَا أَن الْمَبِيع إِذا كَانَ لَا يقدر على تَسْلِيمه وَقت العقد مثل الطير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الَّذِي طَار عَن يَده أَو العَبْد الْآبِق واللقطة وَالْمَغْصُوب يكون البيع فَاسِدا وَلَو قدر على التَّسْلِيم فِي الْمجْلس لَا يعود إِلَى الْجَوَاز لِأَنَّهُ وَقع فَاسِدا وَكَذَلِكَ إِذا جعله ثمنا لِأَن الثّمن إِذا كَانَ عينا فَهُوَ مَبِيع فِي حق صَاحبه وَعَن الطَّحَاوِيّ أَنه يعود جَائِزا وَمِنْهَا أَن يكون فِي الْمَبِيع أَو فِي ثمنه غرر مثل بيع السّمك فِي المَاء وَهُوَ لَا يقدر على تَسْلِيمه بِدُونِ الِاصْطِيَاد وَالْحِيلَة وَبيع الطير فِي الْهَوَاء أَو بيع مَال الْغَيْر على أَن يَشْتَرِيهِ فيسلمه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ بَاعَ لَيْسَ بمملوك لَهُ للْحَال وَفِي ثُبُوته غرر وخطر وَمِنْهَا بيع مَا هُوَ مَمْلُوك لَهُ لَكِن قبل الْقَبْض وَقد ذكرنَا تَفْصِيله وَمِنْهَا إِدْخَال الشَّرْطَيْنِ فِي بيع وَاحِد وَذَلِكَ أَن يَقُول إِن أَعْطَيْتنِي حَالا فبألف وَإِن أجلت شهرا فبألفين أَو قَالَ أبيعك بقفيز حِنْطَة أَو بقفيزي شعير فَهُوَ فَاسد لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن الشَّرْطَيْنِ فِي بيع وَمِنْهَا بيع الأتباع والأوصاف مَقْصُودا وَذَلِكَ نَحْو بيع الإلية من الشَّاة الْحَيَّة والذراع وَالرَّأْس وَنَحْوهَا وَكَذَا بيع ذِرَاع من الثَّوْب لِأَنَّهُ تبع وَلَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بِضَرَر وَهُوَ ذبح الشَّاة وَقطع الثَّوْب وَكَذَلِكَ بيع جذع من سقف وَلَكِن إِذا نزع من السّقف وَسلم جَازَ أما بيع قفيز من صبرَة أَو بيع عشرَة دَرَاهِم من نقرة وَنَحْوهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 فَجَائِز لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّبْعِيض ضَرَر وَهُوَ لَيْسَ بتبع أَيْضا لِأَن الْقدر أصل فِي المقدرات بِخِلَاف الذرع فِي الذرعيات وَمِنْهَا بيع الْمَعْدُوم الَّذِي انْعَقَد سَبَب وجوده أَو مَا هُوَ على خطر الْوُجُود كَبيع المضامين والملاقيح ونتاج الْفرس لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن بيع المضامين والملاقيح وَبيع حَبل الحبلة وَمِنْهَا أَن يشْتَرط الْأَجَل فِي الْمَبِيع الْعين أَو الثّمن الْعين لِأَن الْأَجَل فِي الْأَعْيَان لَا يُفِيد فَلَا يَصح فَيكون شرطا لَا يَقْتَضِيهِ العقد فَيفْسد البيع وَأما فِي الثّمن الدّين فَإِن كَانَ الْأَجَل مَعْلُوما جَازَ وَإِن كَانَ مَجْهُولا لَا يجوز على مَا مر وَمِنْهَا البيع بِشَرْط وَهُوَ أَنْوَاع إِن شرطا شرطا يَقْتَضِيهِ العقد بِأَن اشْترى شَيْئا بِشَرْط أَن يسلم البَائِع الْمَبِيع أَو يسلم المُشْتَرِي الثّمن أَو بِشَرْط أَن يملك الْمَبِيع أَو الثّمن فَالْبيع جَائِز لِأَن هَذَا شَرط مُقَرر مُوجب العقد فَإِن ثُبُوت الْملك وَالتَّسْلِيم والتسلم من مُقْتَضى الْمُعَاوَضَات وَإِن شرطا شرطا لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَكِن ورد الشَّرْع بِجَوَازِهِ كالأجل وَالْخيَار رخصَة وتيسيرا فَإِنَّهُ لَا يفْسد العقد لِأَنَّهُ لما ورد الشَّرْع بِهِ ذَلِك أَنه من بَاب الْمصلحَة دون الْمفْسدَة وَهَذَا جَوَاب الِاسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن يفْسد لكَونه شرطا مُخَالفا لموجب العقد وَهُوَ ثُبُوت الْملك فِي الْحَال فِي الْعِوَضَيْنِ مَعًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَلَكنَّا أَخذنَا بالاستحسان للْحَدِيث الْوَارِد فِي بَاب الْخِيَار وَإِن شرطا شرطا لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلم يرد الشَّرْع بِهِ أَيْضا لكنه يلائم العقد وَيُوَافِقهُ وَذَلِكَ نَحْو أَن يَشْتَرِي شَيْئا بِشَرْط أَن يُعْطي للْبَائِع كَفِيلا بِالثّمن أَو رهنا بِالثّمن فَهَذَا على وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون الْكَفِيل أَو الرَّهْن مَعْلُوما بِالْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَة أَو لم يكن مَعْلُوما بِالْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَة فَإِن لم يكن مَعْلُوما بِأَن قَالَ أبيعك بِشَرْط أَن تُعْطِينِي رهنا بِالثّمن وَلم يسم رهنا وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَو قَالَ بِشَرْط أَن تُعْطِينِي كَفِيلا بِالثّمن وَلم يسم إنْسَانا وَلَا أَشَارَ إِلَى إِنْسَان كَانَ البيع فَاسِدا لِأَن هَذِه جَهَالَة تُفْضِي إِلَى مُنَازعَة مَانِعَة عَن التَّسْلِيم والتسلم وَأما إِذا كَانَ مَعْلُوما بِالْإِشَارَةِ أَو بِالتَّسْمِيَةِ فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز البيع وَبِه أَخذ زفر وَفِي الِاسْتِحْسَان يجوز وَهُوَ قَول عُلَمَائِنَا وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الرَّهْن وَالْكَفَالَة بِالثّمن شرعا توثيقا للثّمن فَيكون بِمَنْزِلَة اشْتِرَاط الْجَوْدَة فِي الثّمن فَيكون شرطا مقررا لما يَقْتَضِيهِ العقد معنى ثمَّ إِنَّمَا يجوز البيع اسْتِحْسَانًا فِي اشْتِرَاط الْكفَالَة إِذا كَانَ الْكَفِيل حَاضرا فِي الْمجْلس وَقبل فَأَما إِذا كَانَ غَائِبا فَإِنَّهُ لَا يجوز وَإِن بلغه الْخَبَر فَقبل لِأَن وجوب الثّمن فِي ذمَّة الْكَفِيل مُضَاف إِلَى البيع فَيصير الْكَفِيل بِمَنْزِلَة المُشْتَرِي إِذا كَانَت الْكفَالَة مَشْرُوطَة فِي البيع وحضرة المُشْتَرِي فِي الْمجْلس شَرط لصِحَّة الْإِيجَاب من البَائِع وَلَا يتَوَقَّف إِلَى مَا وَرَاء الْمجْلس فَكَذَلِك حَضْرَة الْكَفِيل بِخِلَاف الرَّهْن فَإِن حَضرته لَيست بِشَرْط فِي الْمجْلس لِأَن الرَّهْن من المُشْتَرِي وَهُوَ حَاضر وَالْتزم الرَّهْن فالرهن صَحِيح ثمَّ فِي الرَّهْن مَا لم يسلم المُشْتَرِي الرَّهْن إِلَى البَائِع لَا يثبت فِيهِ حكم الرَّهْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَإِن انْعَقَد عقد الرَّهْن بذلك الْكَلَام لِأَن الرَّهْن لَا يثبت فِي حق الحكم إِلَّا بِالْقَبْضِ على مَا عرف فَإِن سلم الرَّهْن مضى العقد على مَا عقدا وَإِن امْتنع عَن التَّسْلِيم لَا يجْبر على التَّسْلِيم عندنَا وَعند زفر يجْبر لَكِن عندنَا يُقَال للْمُشْتَرِي إِمَّا أَن تدفع الرَّهْن أَو قِيمَته أَو تدفع الثّمن أَو تفسخ البيع لِأَن البَائِع مَا رَضِي بِوُجُوب الثّمن فِي ذمَّة المُشْتَرِي إِلَّا بوثيقة الرَّهْن وَفِي هَذِه الْوُجُوه وَثِيقَة فَإِن لم يفعل المُشْتَرِي شَيْئا من ذَلِك فَللْبَائِع أَن يفْسخ البيع لِأَنَّهُ فَاتَ غَرَضه فَلَا يكون العقد لَازِما فَلهُ أَن يفْسخ وَقَالُوا فِي البيع إِذا شَرط فِيهِ رهن مَجْهُول حَتَّى فسد البيع ثمَّ اتفقَا على تعْيين رهن فِي الْمجْلس إِنَّه يجوز العقد وَإِن افْتَرقَا عَن الْمجْلس تقرر الْفساد لِأَن تَمام الْقبُول توقف على الرَّهْن الْمَشْرُوط فِي العقد أَلا ترى أَن البَائِع لَو قَالَ للْمُشْتَرِي قبلت الثّمن بِغَيْر رهن فَإِنَّهُ لَا يَصح البيع فَإِذا لم يُوجد الرَّهْن لم يُوجد الْقبُول معنى فَإِذا عينا فِي الْمجْلس جَازَ لِأَن الْمجْلس بِمَنْزِلَة حَالَة وَاحِدَة فَصَارَ كَأَنَّهُ قبل العقد فِي آخر الْمجْلس وَإِن افْتَرقَا بَطل وعَلى هَذَا إِذا قَالَ المُشْتَرِي فِي الرَّهْن الْمَجْهُول أَنا أعطي الثّمن لم يفْسد العقد لِأَن الْغَرَض من الرَّهْن هُوَ الْوُصُول إِلَى الثّمن وَهُوَ حَاصِل فَسقط اعْتِبَار الْوَثِيقَة وَلَو شَرط البَائِع فِي البيع أَن يحيله المُشْتَرِي بِالثّمن على غَرِيم من غُرَمَائه فَهَذَا على وَجْهَيْن إِن أحَال بِجَمِيعِ الثّمن فَالْبيع فَاسد لِأَنَّهُ يصير بَائِعا بِشَرْط أَن يكون الثّمن على غير المُشْتَرِي وَهُوَ بَاطِل وَإِن بَاعَ بِشَرْط أَن يحِيل نصف الثّمن على فلَان فَهُوَ جَائِز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 إِذا كَانَ حَاضرا وَقبل الْحِوَالَة كَمَا إِذا بَاعَ عبدا من رجل بِأَلف دِرْهَم على أَن يكون نصفه على فلَان وَهُوَ حَاضر فَقبل جَازَ كَذَا هَذَا ثمَّ إِذا كَانَ الْكَفِيل والمحتال عَلَيْهِ غائبين عَن الْمجْلس فَلم يحضرا حَتَّى افترق العاقدان فَلَا يَصح البيع إِلَّا بِإِيجَاب مبتد لِأَن تَمام العقد يقف على قبُول الْكَفِيل والمحتال عَلَيْهِ فَجعل كَأَن الْقبُول لم يُوجد من المُشْتَرِي فِي الْمجْلس وَلَو حضرا فِي الْمجْلس وقبلا جَازَ كَمَا لَو قبلا عِنْد العقد لِأَن الْمجْلس لَهُ حكم سَاعَة وَاحِدَة وَلَو شَرط المُشْتَرِي فِي البيع على أَن يحِيل البَائِع على غَرِيم من غُرَمَائه بِالثّمن ليدفع إِلَيْهِ أَو بَاعَ بِشَرْط أَن يضمن المُشْتَرِي لغريم من غُرَمَائه الثّمن فَالْبيع فَاسد لِأَن شَرط الضَّمَان وَالْحوالَة ثمَّة صَار بِمَنْزِلَة اشْتِرَاط صفة الْجَوْدَة فِي الثّمن لكَونه توكيدا للثّمن وتوثيقا لَهُ وَشرط الضَّمَان هَهُنَا لَيْسَ بِصفة للثّمن بل هُوَ شَرط فِيهِ مَنْفَعَة الْعَاقِد وَالْعقد لَا يَقْتَضِيهِ فَيفْسد البيع وَإِن شرطا شرطا لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يلائمه ولأحدهما فِيهِ مَنْفَعَة إِلَّا أَنه مُتَعَارَف بِأَن اشْترى نعلا وشراكا على أَن يحذوه البَائِع جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز وَهُوَ قَول زفر وَلَكِن أَخذنَا بالاستحسان لتعارف النَّاس كَمَا فِي الاستصناع وَلَو شرطا شرطا لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يلائمه وَلَا يتعارفه النَّاس وَفِيه مَنْفَعَة لأحد الْعَاقِدين بِأَن اشْترى حِنْطَة على أَن يطحنها البَائِع أَو ثوبا على أَن يخيطه البَائِع أَو اشْترى حِنْطَة على أَن يَتْرُكهَا فِي دَار البَائِع شهرا وَنَحْو ذَلِك فَالْبيع فَاسد وَهَذَا كُله مَذْهَب عُلَمَائِنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وَقَالَ ابْن أبي ليلى بِأَن البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل وَقَالَ ابْن شبْرمَة بِأَن البيع جَائِز وَالشّرط جَائِز وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة الزَّائِدَة فِي عقد الْمُعَاوضَة لأحد الْعَاقِدين من بَاب الرِّبَا أَو شُبْهَة الرِّبَا وَإِنَّهَا مُلْحقَة بِحَقِيقَة الرِّبَا فِي بَاب البيع احْتِيَاطًا وَلَو شرطا شرطا فِيهِ ضَرَر لأحد الْعَاقِدين بِأَن بَاعَ ثوبا أَو حَيَوَانا سوى الرَّقِيق بِشَرْط أَن لَا يَبِيعهُ وَلَا يَهبهُ ذكر فِي الْمُزَارعَة الْكَبِيرَة مَا يدل على أَن البيع بِهَذَا الشَّرْط لَا يفْسد فَإِنَّهُ ذكر أَن أحد المزارعين لَو شَرط فِي الْمُزَارعَة أَن لَا يَبِيع الآخر نصِيبه أَو لَا يَهبهُ قَالَ الْمُزَارعَة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل لِأَنَّهُ لَيْسَ لأحد المتعاملين فِيهِ مَنْفَعَة هَكَذَا ذكر الْحسن فِي الْمُجَرّد وروى أَبُو يُوسُف فِي الأمالي خِلَافه وَهُوَ قَوْله إِن البيع بِمثل هَذَا الشَّرْط فَاسد وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَلَو بَاعَ جَارِيَة بِشَرْط أَن يَطَأهَا أَو لَا يَطَأهَا لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ البيع فَاسد فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ لَا تفْسد فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَعَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِن بَاعَ بِشَرْط أَن يَطَأهَا فَالْبيع جَائِز وَإِن بَاعَ بِشَرْط أَن لَا يَطَأهَا فَالْبيع فَاسد فَالْحَاصِل أَن البيع بِشَرْط أَن يَطَأهَا فَاسد عِنْد أبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَعِنْدَهُمَا جَائِز لِأَن إِبَاحَة الْوَطْء حكم يَقْتَضِيهِ العقد فَصَارَ كَمَا لَو اشْترى طَعَاما بِشَرْط أَن يَأْكُلهُ وَنَحْو ذَلِك وَأَبُو حنيفَة يَقُول هَذَا شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد فَإِنَّهُ لَو صَحَّ الشَّرْط كَانَ حكمه وجوب الْوَطْء وَالْبيع لَا يَقْتَضِيهِ وَفِيه نفع للمعقود عَلَيْهِ وَهُوَ من أهل اسْتِحْقَاق الْحق على مَوْلَاهُ فِي الْجُمْلَة فَإِنَّهُ يسْتَحق النَّفَقَة عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا إِذا بَاعَ حَيَوَانا بِشَرْط أَن يعلفه لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل اسْتِحْقَاق الْحق على مَالِكه وَأما البيع بِشَرْط أَن لَا يَطَأهَا فقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف البيع فَاسد وعَلى قَول مُحَمَّد جَائِز وَهُوَ قِيَاس مَا روى أَبُو يُوسُف عَنهُ فِي الأمالي إِذا بَاعَ طَعَاما بِشَرْط أَن لَا يَأْكُل أَو لَا يَبِيع فَإِن البيع فَاسد فَأَما على قِيَاس مَا ذكر فِي الْمُزَارعَة الْكَبِيرَة فَيجب أَن يكون الْجَواب على قَول أبي حنيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مثل قَول مُحَمَّد وَلَو اشْترى عبدا بِشَرْط أَن يعتقهُ المُشْتَرِي قَالَ عُلَمَاؤُنَا البيع فَاسد حَتَّى لَو أعْتقهُ المُشْتَرِي قبل الْقَبْض لم ينفذ عتقه وَإِن أعْتقهُ بعد الْقَبْض عتق فَانْقَلَبَ العقد جَائِزا اسْتِحْسَانًا فِي قَول أبي حنيفَة حَتَّى يجب عَلَيْهِ الثّمن وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يَنْقَلِب العقد جَائِزا إِذا أعْتقهُ حَتَّى يجب عَلَيْهِ قيمَة العَبْد وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة مثل قَوْلهمَا وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه إِن البيع بِهَذَا الشَّرْط جَائِز وَقد روى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة مثله وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة لِأَن هَذَا شَرط يلائم العقد من وَجه دون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَجه فَمن حَيْثُ إِن الْإِعْتَاق إِزَالَة الْملك يكون تغييرا لحكم العقد وَمن حَيْثُ إِنَّه إنهاء للْملك يكون ملائما لَهُ لِأَن فِيهِ تقريرا فَقُلْنَا بِفساد البيع فِي الِابْتِدَاء وبالجواز فِي الِانْتِهَاء عملا بالدليلين وَبِالْعَكْسِ لَا يكون عملا بهما لأَنا نجد فَاسِدا يَنْقَلِب جَائِزا كَمَا فِي بيع الرقم وَلَكِن لم نجد جَائِزا يَنْقَلِب فَاسِدا فَكَانَ الْوَجْه الأول أولى وَلَو بَاعَ بِشَرْط التَّدْبِير وَالْكِتَابَة وَفِي الْأمة بِشَرْط الِاسْتِيلَاد فَالْبيع فَاسد وَلَا يَنْقَلِب إِلَى الْجَوَاز عِنْد وجود الشَّرْط لِأَن هَذَا شَرط لَا يلائم البيع لِأَنَّهُ لَا يثبت إنهاء الْملك هَهُنَا بِيَقِين لاحْتِمَال أَن القَاضِي يقْضِي بِالْجَوَازِ فِي التَّدْبِير وَالِاسْتِيلَاد فَلَا يَتَقَرَّر حكمه وَلَو بَاعَ الثِّمَار على الْأَشْجَار والزروع الْمَوْجُودَة هَل يكون البيع فَاسِدا فَهَذَا لَا يَخْلُو من وُجُوه إِمَّا إِن كَانَ قبل الْإِدْرَاك أَو بعده بِشَرْط الْقطع أَو بِشَرْط التّرْك فَإِن كَانَ قبل الْإِدْرَاك فَإِن كَانَ بِشَرْط الْقطع جَازَ وَإِن اشْترى مُطلقًا جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي إِن اشْترى بِشَرْط الْقطع جَازَ وَإِن اشْترى مُطلقًا لَا يجوز لِأَنَّهُ صَار شارطا للترك دلَالَة وَلَكِن الصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ اشْترى مَا هُوَ مَال وَإِن كَانَ لَا يتكامل الِانْتِفَاع بِهِ بِمَنْزِلَة شِرَاء الجحش وَالْكَلَام الْمُطلق لَا يحمل على الْمُقَيد خُصُوصا إِذا كَانَ فِي ذَلِك فَسَاد العقد وَأما إِذا بَاعَ بِشَرْط التّرْك فَهُوَ فَاسد بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ شَرط فِيهِ مَنْفَعَة للْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَو اشْترى حِنْطَة بِشَرْط أَن يَتْرُكهَا فِي دَار البَائِع شهرا هَذَا إِذا بَاعَ قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا وَإِمَّا إِذا بَاعَ بعد بَدو صَلَاحهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 مُطلقًا أَو بِشَرْط الْقطع جَازَ وَلَو بَاعَ بِشَرْط التّرْك لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد إِن تناهى عظمها جَازَ وَإِن لم يتناه عظمها لَا يجوز لِأَن النَّاس تعاملوا ذَلِك من غير نَكِير وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن هَذَا شَرط فِيهِ مَنْفَعَة للْمُشْتَرِي وَالْعقد لَا يَقْتَضِيهِ والتعامل لم يكن بِشَرْط التّرْك وَلَكِن الْإِذْن مُعْتَاد بِلَا شَرط فِي العقد وَلَو اشْترى مُطلقًا وَتركهَا على النّخل من غير شَرط التّرْك وَلم يتناه عظمها فَإِن كَانَ ذَلِك بِإِذن البَائِع جَازَ وَطلب لَهُ الْفضل وَإِن ترك بِغَيْر إِذن البَائِع تصدق بِمَا زَاد على مَا كَانَ عِنْد العقد لِأَنَّهُ حصل من وَجه بِسَبَب مَحْظُور وَإِن أخرج النّخل وَالشَّجر فِي مُدَّة التّرْك ثَمَرَة أُخْرَى فَذَلِك كُله للْبَائِع سَوَاء كَانَ التّرْك بِإِذْنِهِ أَو بِغَيْر إِذْنه وَإِن جللها مِنْهُ البَائِع جَازَ لِأَن هَذَا الْحَادِث لم يَقع عَلَيْهِ العقد وَإِنَّمَا هُوَ نَمَاء ملك البَائِع فَيكون لَهُ فَإِن اخْتَلَط الْحَادِث بالموجود وَقت العقد بِحَيْثُ لَا يُمكن التَّمْيِيز بَينهمَا فَإِن كَانَ قبل أَن يخلي البَائِع بَين المُشْتَرِي وَالثِّمَار فسد البيع لِأَن الْمَبِيع صَار مَجْهُولا بِحَيْثُ يتَعَذَّر تَسْلِيمه حَال وجوب التَّسْلِيم وَالْعجز عَن التَّسْلِيم مُفسد للْبيع وَإِن كَانَ ذَلِك بعد التَّخْلِيَة لم يفْسد البيع وَكَانَت الثَّمَرَة بَينهمَا وَالْقَوْل فِي الزِّيَادَة قَول المُشْتَرِي لِأَن البيع قد تمّ بعد الْقَبْض فَأَما إِذا اشْترى ثَمَرَة قد تناهى عظمها وَتركهَا على الشَّجَرَة بِغَيْر إِذن البَائِع لم يتَصَدَّق بِشَيْء لِأَنَّهَا لَا تزيد بعد التناهي بل تنقص فَلم يحصل لَهَا زِيَادَة بِسَبَب مَحْظُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 فَأَما فِي الزَّرْع فالنماء يكون للْمُشْتَرِي طيبا وَإِن تَركه بِغَيْر إِذْنه لِأَنَّهُ نَمَاء ملك المُشْتَرِي لِأَن السَّاق ملكه حَتَّى يكون التِّبْن لَهُ بِخِلَاف الشَّجَرَة وَأما الزروع الَّتِي يُوجد بَعْضهَا بعد وجود بعض كالباذنجان والبطيخ والكراث وَنَحْوهَا فقد قَالَ أَصْحَابنَا يجوز بيع مَا ظهر مِنْهَا من الْخَارِج الأول وَلَا يجوز بيع مَا لم يظْهر لِأَنَّهُ بيع مَعْدُوم وَقَالَ مَالك إِذا ظهر الْخَارِج الأول جَازَ بيع الْكل لأجل الضَّرُورَة إِلَّا أَنا نقُول لَا ضَرُورَة فَإِنَّهُ يُمكنهُ بيع الأَصْل بِمَا فِيهِ من الثَّمر فَيصير الأَصْل ملكا لَهُ فَبعد ذَلِك مَا تولد من الأَصْل يحدث على ملكه وَمِنْهَا أَن يَشْتَرِي شَيْئا بِثمن مَعْلُوم ثمَّ يَبِيعهُ من البَائِع بِأَقَلّ مِمَّا بَاعه قبل نقد الثّمن فَإِن بَاعه بِجِنْس الثّمن الأول بِأَن اشْتَرَاهُ بِأَلف دِرْهَم ثمَّ بَاعه مِنْهُ بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم قبل نقد الثّمن فَهُوَ فَاسد عندنَا وَعند الشَّافِعِي صَحِيح وَإِن كَانَ بِخِلَاف جنس الثّمن الأول جَازَ وَالْأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي قصَّة زيد بن أَرقم وَهُوَ مَعْرُوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 ثمَّ مَا ذكرنَا من الشُّرُوط الَّتِي إِذا أدخلها فِي نفس العقد يكون مُفْسِدا للْعقد إِذا اعترضت على العقد الصَّحِيح هَل يفْسد العقد عِنْد أبي حنيفَة يفْسد ويلتحق بِأَصْل العقد بِمَنْزِلَة اشْتِرَاط الْخِيَار فِي العقد البات وَالزِّيَادَة والحط فِي الثّمن وَعِنْدَهُمَا لَا يلْتَحق وَيبْطل الشَّرْط وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما حكم البيع الْفَاسِد فَنَقُول هَذَا على وَجْهَيْن إِن كَانَ الْفساد من قبل الْمَبِيع بِأَن كَانَ محرما نَحْو الْخمر وَالْخِنْزِير وصيد الْحرم وَالْإِحْرَام فَالْبيع بَاطِل لَا يُفِيد الْملك أصلا وَإِن قبض لِأَنَّهُ لَا يثبت الْملك فِي الْخمر وَالْخِنْزِير للْمُسلمِ بِالْبيعِ وَالْبيع لَا ينْعَقد بِلَا مَبِيع وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ الْميتَة وَالدَّم وكل مَا لَيْسَ بِمَال مُتَقَوّم وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ الْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمكَاتب والمستسعي وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ الصَّيْد الَّذِي ذبحه الْمحرم أَو صيد الْحرم إِذا ذبح فَإِنَّهُ يكون ميتَة فَلَا يجوز بَيْعه وَإِن كَانَ الْفساد يرجع لثمن فَإِن ذكر مَا هُوَ مَال فِي الْجُمْلَة شرعا أَو مَا هُوَ مَرْغُوب عِنْد النَّاس لَا يُوجد مجَّانا بِغَيْر شَيْء كَمَا إِذا بَاعَ بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير وصيد الْحرم وَالْإِحْرَام فَإِن البيع ينْعَقد بِقِيمَة الْمَبِيع ويفيد الْملك فِي الْمَبِيع بِالْقَبْضِ لِأَن ذكر الثّمن المرغوب دَلِيل على أَن غرضهما البيع فَينْعَقد بيعا بِقِيمَة الْمَبِيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَكَذَلِكَ إِذا جعلا الثّمن مُدبرا أَو مكَاتبا أَو أم ولد لِأَنَّهُ مَرْغُوب فِيهِ وَإِذا جعلا الْميتَة وَالدَّم ثمنا فقد اخْتلف الْمَشَايِخ وَكَذَلِكَ لَو بَاعه بِمَا يرْعَى بِهِ إبِله فِي أرضه من الْكلأ أَو بِمَا يشرب دَابَّته من مَاء بئره لِأَنَّهُ ذكر شَيْئا مرغوبا فِيهِ وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْفساد بِإِدْخَال شَرط فَاسد أَو بِاعْتِبَار الْجَهَالَة وَنَحْو ذَلِك وَإِن ذكر الْمَبِيع وَالثمن فَهُوَ على هَذَا يُفِيد الْملك بِالْقيمَةِ عِنْد الْقَبْض وَهَذَا كُله عندنَا وَعند الشَّافِعِي البيع فَاسد لَا يُفِيد الْملك أصلا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وعَلى هَذَا لَو قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا العَبْد وَلم يذكر الثّمن ينْعَقد البيع بِالْقيمَةِ وَلَو قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا العَبْد بِقِيمَتِه فَكَذَلِك ثمَّ فِي البيع الْفَاسِد إِنَّمَا يملك بِالْقَبْضِ إِذا كَانَ بِإِذن البَائِع فَأَما إِذا كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ كَمَا لَو لم يقبض هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا وَذكر مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات إِذا قَبضه بِحَضْرَة البَائِع فَلم يَنْهَهُ وَسكت إِنَّه يكون قبضا وَيصير ملكا لَهُ وَلم يحك خلافًا وَقد قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن وهب هبة وَالْقِيَاس أَن لَا يملكهَا الْمَوْهُوب لَهُ حَتَّى يقبضهَا بِإِذن الْوَاهِب أَو بتسليمها إِلَيْهِ إِلَّا أَنهم استحسنوا وَقَالُوا إِذا قبضهَا فِي مجْلِس العقد بِحَضْرَة الْوَاهِب وَلم يَنْهَهُ وَسكت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 جَازَت ويفيد الْملك وَإِذا قبض بعد الِافْتِرَاق عَن الْمجْلس بِحَضْرَتِهِ لَا يَصح الْقَبْض وَإِن سكت لِأَن الْملك من الْمَوْهُوب إِنَّمَا يَقع بِالْعقدِ وَالْقَبْض فَيكون الْإِقْدَام على إِيجَاب الْهِبَة إِذْنا بِالْقَبْضِ كَمَا يكون إِذْنا بِالْقبُولِ وَبعد الِافْتِرَاق عَن الْمجْلس لَا يكون إِذْنا بِالْقبُولِ وَكَذَلِكَ لَا يكون إِذْنا بِالْقَبْضِ فعلى هَذَا يجب أَن يكون فِي البيع الْفَاسِد فِي مجْلِس العقد يكون إِذْنا بِالْقَبْضِ وَبعد الِافْتِرَاق لَا يكون إِذْنا ثمَّ المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا هَل يملك التَّصَرُّف فِي الْمُشْتَرى وَهل يكره ذَلِك فَنَقُول لَا شكّ أَنه قبل الْقَبْض لَا يملك تَصرفا مَا لعدم الْملك فَأَما بعد الْقَبْض فَيملك التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك من كل وَجه أَو من وَجه نَحْو الْإِعْتَاق وَالْبيع وَالْهِبَة وَالتَّسْلِيم وَالتَّدْبِير وَالِاسْتِيلَاد وَالْكِتَابَة لِأَن هَذِه التَّصَرُّفَات تزيل حق الِانْتِفَاع بالحرام وَلَكِن هَل يُبَاح لَهُ التَّصَرُّفَات الَّتِي فِيهَا انْتِفَاع بِالْمَبِيعِ مَعَ قيام الْملك اخْتلف الْمَشَايِخ قَالَ بَعضهم لَا يُبَاح الِانْتِفَاع بِهِ حَتَّى لَا يُبَاح لَهُ الْوَطْء إِن كَانَت جَارِيَة وَلَا الْأكل إِن كَانَ طَعَاما وَلَا الِانْتِفَاع بِهِ إِن كَانَ دَارا أَو دَابَّة أَو ثوبا وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا لَا يُبَاح لَهُ الْوَطْء لَا غير وَيُبَاح لَهُ سَائِر أَنْوَاع الانتفاعات فالأولون قَالُوا إِن هَذَا ملك خَبِيث فَلَا يظْهر الْملك فِي حق حل الْوَطْء وَالِانْتِفَاع احْتِيَاطًا وَالْآخرُونَ قَالُوا إِن الْمَالِك سلطه على التَّصَرُّف وأباح لَهُ التَّصَرُّف فَكل تصرف يُبَاح بِالْإِذْنِ يُبَاح بِهَذَا البيع وَالْوَطْء لَا يُبَاح بِإِذن المَال فَلَا يُبَاح بالتسليط بِخِلَاف سَائِر الانتفاعات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وَأما الْكَرَاهَة فَنَقُول ذكر الْكَرْخِي وَقَالَ يكره التَّصَرُّفَات كلهَا لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْفَسْخ لحق الشَّرْع وَفِي هَذِه التَّصَرُّفَات إبِْطَال حق الْفَسْخ أَو تَأْخِيره فَيكْرَه وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا لَا يكره التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك لِأَنَّهُ يَزُول الْفساد بِسَبَبِهَا فَأَما التَّصَرُّفَات الَّتِي توجب تَقْرِير الْملك الْفَاسِد فَإِنَّهُ يكره وَالصَّحِيح هُوَ الأول ثمَّ المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا إِذا تصرف فِي المُشْتَرِي بعض الْقَبْض فَإِن كَانَ تَصرفا مزيلا للْملك من كل وَجه كالإعتاق وَالْبيع وَالْهِبَة فَإِنَّهُ يجوز وَلَا يفْسخ لِأَن الْفساد قد زَالَ بِزَوَال الْملك وَإِن كَانَ تَصرفا مزيلا للْملك من وَجه أَو لَا يكون مزيلا للْملك فَإِن كَانَ تَصرفا لَا يحْتَمل الْفَسْخ كالتدبير وَالِاسْتِيلَاد وَالْكِتَابَة فَإِنَّهُ يبطل حق الْفَسْخ إِن كَانَ يحْتَمل الْفَسْخ إِن كَانَ يفْسخ بالعذر كَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يفْسخ الْإِجَارَة ثمَّ يفْسخ البيع بِسَبَب الْفساد وَيجْعَل حق الْفَسْخ بِسَبَب الْفساد عذرا فِي فسخ الْإِجَارَة وَلَو زَوجهَا من إِنْسَان بعد الْقَبْض فَإِن النِّكَاح لَا يمْنَع الْفَسْخ وَالنِّكَاح بِحَالهِ لِأَنَّهُ زَوجهَا وَهِي مَمْلُوكَة لَهُ فصح نِكَاحهَا وَالنِّكَاح مِمَّا لَا يحْتَمل الْفَسْخ فَبَقيَ النِّكَاح وَلَو أوصى بِالْعَبدِ الْمَبِيع بيعا فَاسِدا فَإِنَّهُ يفْسخ لِأَن الْوَصِيَّة مِمَّا يحْتَمل الرُّجُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وَلَو مَاتَ الْمُوصي قبل الْفَسْخ سقط الْفَسْخ لِأَن الْملك انْتقل إِلَى الْمُوصى لَهُ فَصَارَ كَالْبيع وَلَو مَاتَ المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا فورثه الْوَرَثَة فَللْبَائِع حق الْفَسْخ وَكَذَلِكَ للْوَرَثَة لِأَن الْوَارِث يقوم مقَام الْمَيِّت فِي حق الْفَسْخ وَلِهَذَا يرد بِالْعَيْبِ وَيرد عَلَيْهِ بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ وَلَو حصل فِي الْمَبِيع بيعا فَاسِدا زِيَادَة مُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ وَالثَّمَر وَاللَّبن أَو الْأَرْش بِسَبَب تَفْوِيت بعضه فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الْفَسْخ بل للْبَائِع أَن يَأْخُذ الْمَبِيع مَعَ الزَّوَائِد وَيفْسخ البيع لِأَن قبض المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا بِمَنْزِلَة قبض الْغَصْب ثمَّ إِذا أَخذ الْوَلَد فَإِن كَانَت الْولادَة نقصت الْجَارِيَة نظر فِي قيمَة الْوَلَد فَإِن كَانَ فِيهِ وَفَاء بِالنُّقْصَانِ فَلَا شَيْء على المُشْتَرِي وَإِن لم يكن فِيهِ وَفَاء غرم تَمام النُّقْصَان وَإِن وطىء المُشْتَرِي الْمَبِيعَة بيعا فَاسِدا فَهَذَا على وَجْهَيْن إِن لم يعلقها فَللْبَائِع أَن يسْتَردّ الْجَارِيَة وَيضمن المُشْتَرِي عقرهَا للْبَائِع بِاتِّفَاق الرِّوَايَات بِخِلَاف الْجَارِيَة الْمَوْهُوبَة إِذا وَطئهَا الْمَوْهُوب لَهُ ثمَّ رَجَعَ الْوَاهِب فَإِنَّهُ لَا يضمن للْوَاهِب عقرهَا لِأَنَّهُ وطىء ملك نَفسه ملكا مُطلقًا فِي حق حل الْوَطْء وَغَيره وبالرجوع لم يظْهر أَن الْملك لم يكن أما فِي البيع الْفَاسِد فَلم يظْهر الْملك فِي حق حل الْوَطْء لَكِن لم يحد للشهبة فَيجب الْعقر وَإِن أعلقها وَادّعى الْوَلَد يثبت نسب الْوَلَد مِنْهُ وَتصير الْجَارِيَة أم ولد لَهُ وَللْبَائِع أَن يضمن المُشْتَرِي قيمَة الْجَارِيَة وَيبْطل حَقه فِي الْجَارِيَة وَإِذا وَجَبت الْقيمَة هَل يجب الْعقر ذكر فِي كتاب الْبيُوع وَقَالَ لَا عقر عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وَذكر فِي كتاب الشّرْب وَقَالَ عَلَيْهِ الْعقر وَلَو أحدث المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع بيعا فَاسِدا صنعا لَو فعله الْغَاصِب فِي الْمَغْصُوب يصير ملكا لَهُ بِالْقيمَةِ كَمَا إِذا طحن الْحِنْطَة أَو خاط الثَّوْب قَمِيصًا وَنَحْو ذَلِك يَنْقَطِع حق البَائِع فِي الْفَسْخ وَيلْزمهُ قِيمَته يَوْم الْقَبْض كَمَا فِي الْغَصْب وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمَبِيع ساجة فَأدْخلهَا فِي بنائِهِ وَإِن كَانَ الْمَبِيع أَرضًا فَبنى فِيهَا المُشْتَرِي فَلَيْسَ للْبَائِع أَن ينْقض البيع عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله للْبَائِع أَن ينْقض كَمَا فِي الْغَصْب فَإِن الْغَاصِب إِذا بنى على الأَرْض الْمَغْصُوبَة لَا يَنْقَطِع حق الْمَالِك فَكَذَا هَذَا وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِن الْمَبِيع صَار ملكا لَهُ وَفِي النَّقْض ضَرَر كثير فَلَا ينْقض بِخِلَاف الْغَاصِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 بَاب خِيَار الشَّرْط الْكَلَام فِي خِيَار الشَّرْط فِي مَوَاضِع أَحدهَا فِي بَيَان شَرط الْخِيَار الْمُفْسد وَالَّذِي لَيْسَ بمفسد وَالثَّانِي فِي بَيَان مِقْدَار مُدَّة الْخِيَار وَالثَّالِث فِي بَيَان مَا يسْقط الْخِيَار وَالرَّابِع فِي بَيَان عمل الْخِيَار وَحكمه وَالْخَامِس فِي بَيَان كَيْفيَّة الْفَسْخ وَالْإِجَازَة أما الأول فَنَقُول إِن الْخِيَار الْمُفْسد ثَلَاثَة أَنْوَاع بِأَن ذكر الْخِيَار مُؤَبَّدًا بِأَن قَالَ بِعْت أَو اشْتريت على أَنِّي بِالْخِيَارِ أبدا أَو ذكر الْخِيَار مُطلقًا وَلم يبين وقتا أصلا بِأَن قَالَ على أَنِّي بِالْخِيَارِ أَو ذكر وقتا مَجْهُولا بِأَن قَالَ على أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا وَلم يبين وقتا مَعْلُوما وَالْجَوَاب فِي هَذِه الْفُصُول الثَّلَاثَة أَن البيع فَاسد وَأما الْخِيَار الْمَشْرُوع فنوع وَاحِد وَهُوَ أَن يذكر وقتا مَعْلُوما وَلم يُجَاوز عَن الثَّلَاثَة بِأَن قَالَ على أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء سَوَاء كَانَ الْخِيَار للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن شبْرمَة إِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي يجوز وَإِلَّا فَلَا وأصل هَذَا أَن اشْتِرَاط الْخِيَار كَيْفَمَا كَانَ شَرط يُنَافِي مُوجب العقد وَهُوَ ثُبُوت الْملك عِنْد العقد وَإِنَّمَا عرفنَا جَوَازه بِحَدِيث حبَان بن منقذ بِخِلَاف الْقيَاس والْحَدِيث ورد بِالْخِيَارِ فِي مُدَّة مَعْلُومَة وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام فَبَقيَ مَا وَرَاء ذَلِك على أصل الْقيَاس إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك فِي مَعْنَاهُ وَأما إِذا شَرط الْخِيَار أَرْبَعَة أَيَّام أَو شهرا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر رحمهمَا الله بِأَن البيع فَاسد وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله بِأَنَّهُ جَائِز وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة لما قُلْنَا إِنَّه شَرط مُخَالف لمقْتَضى العقد وَالشَّرْع ورد فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَبَقيَ مَا زَاد عَلَيْهَا على أصل الْقيَاس وَأما بَيَان مَا يسْقط الْخِيَار فَنَقُول إِن الْخِيَار بعد ثُبُوته يسْقط بمعان ثَلَاثَة إِمَّا بالإسقاط صَرِيحًا أَو بالإسقاط بطرِيق الدّلَالَة أَو بطرِيق الضَّرُورَة أما بالإسقاط صَرِيحًا فبأن يَقُول أسقطت الْخِيَار أَو أبطلته أَو أجزت البيع أَو رضيت بِهِ فَيبْطل الْخِيَار لِأَن الْخِيَار شرع للْفَسْخ فَإِذا سقط يبطل الْخِيَار وَالْأَصْل هُوَ لُزُوم العقد ونفاذه فَإِذا بَطل عَاد الأَصْل وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ فسخت العقد أَو نقضته أَو أبطلته يسْقط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الْخِيَار لِأَن الْخِيَار هُوَ التَّخْيِير بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة فَأَيّهمَا وجد سقط وَأما الْإِسْقَاط بطرِيق الدّلَالَة فَهُوَ أَن يُوجد مِمَّن لَهُ الْخِيَار تصرف يدل على إبْقَاء الْملك وإثباته فالإقدام عَلَيْهِ يبطل خِيَاره تَحْقِيقا لغرضه إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي وَالْمَبِيع فِي يَده فعرضه على البيع يبطل خِيَاره لِأَن عرض المُشْتَرِي الْمَبِيع على البيع لاختياره الثّمن وَلَا يصير الثّمن ملكا لَهُ إِلَّا بعد ثُبُوت الْملك فِي الْمُبدل فَيصير مُخْتَارًا للْملك وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا بِإِبْطَال الْخِيَار فَيبْطل بطرِيق الدّلَالَة وَأما الْخِيَار إِذا كَانَ للْبَائِع فعرضه على البيع فَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ وَالأَصَح أَنه يكون إِسْقَاطًا لخياره لِأَنَّهُ دَلِيل إبْقَاء الْملك لِأَنَّهُ لَا يصل إِلَى الثّمن من غَيره إِلَّا بالتمليك مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بِإِسْقَاط الْخِيَار وَفسخ العقد الأول وَلَو أَن المُشْتَرِي إِذا كَانَ لَهُ الْخِيَار فِي عبد فَبَاعَهُ أَو أعْتقهُ أَو دبره أَو كَاتبه أَو رَهنه أَو وهبه سلم أَو لم يسلم أَو آجره فَإِن هَذَا كُله مِنْهُ اخْتِيَار للإجازة لِأَن نَفاذ هَذِه التَّصَرُّفَات مُخْتَصَّة بِالْملكِ فَيكون الْإِقْدَام عَلَيْهَا دَلِيل قصد إبْقَاء الْملك وَذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ وَلَو وجدت هَذِه التَّصَرُّفَات من البَائِع الَّذِي لَهُ الْخِيَار يسْقط خِيَاره أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يَصح هَذِه التَّصَرُّفَات إِلَّا بعد نقض التَّصَرُّف الأول إِلَّا أَن الْهِبَة وَالرَّهْن لَا يسْقط الْخِيَار إِلَّا بعد التَّسْلِيم بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي وَوجد مِنْهُ الرَّهْن وَالْهِبَة بِلَا تَسْلِيم لِأَن الْهِبَة وَالرَّهْن بِلَا تَسْلِيم لَا يكون دون الْعرض على البيع وَذَلِكَ يسْقط خِيَار المُشْتَرِي دون البَائِع فِي رِوَايَة فَكَذَلِك هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وَأما الْإِجَازَة فَذكر فِي الْبيُوع الأَصْل أَنه يكون اخْتِيَارا من البَائِع وَالْمُشْتَرِي من غير شَرط الْقَبْض وَذكر فِي بعض الرِّوَايَات وَشرط قبض الْمُسْتَأْجر وَالأَصَح أَنه لَا يشْتَرط لِأَن الْإِجَارَة عقد لَازم بِخِلَاف الْهِبَة وَالرَّهْن قبل الْقَبْض فَإِنَّهُ غير لَازم وَلَو كَانَ الْمَبِيع جَارِيَة فَوَطِئَهَا البَائِع أَو المُشْتَرِي إِذا كَانَ لَهُ الْخِيَار يسْقط الْخِيَار أما فِي البَائِع فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ الْملك قَائِما للْحَال وَلَكِن لَو لم يسْقط الْخِيَار بِالْوَطْءِ فَإِذا أجَاز تبين أَنه وطىء جَارِيَة الْغَيْر من وَجه لِأَنَّهُ يثبت الْملك للْمُشْتَرِي بطرِيق الْإِسْنَاد وَأما فِي المُشْتَرِي فَلهَذَا الْمَعْنى أَيْضا ولمعنى آخر عِنْد أبي حنيفَة خَاصَّة لِأَن الْجَارِيَة الْمَبِيعَة لَا تدخل فِي ملك المُشْتَرِي إِذا كَانَ الْخِيَار لَهُ وَالْوَطْء لَا يحل بِدُونِ الْملك فالإقدام على الْوَطْء دَلِيل اخْتِيَار الْملك وَلَو لمسها المُشْتَرِي لشَهْوَة وَله الْخِيَار سقط لِأَنَّهُ لَا يحل بِدُونِ الْملك وَإِن لمس لَا عَن شَهْوَة لَا يسْقط لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى ذَلِك فِي الْجُمْلَة للاختبار لتعرف لينها وخشونتها وَلَو نظر إِلَى فرجهَا لشَهْوَة سقط لما قُلْنَا وَلَو نظر بِغَيْر شَهْوَة لَا يسْقط لِأَن النّظر إِلَى الْفرج لَا عَن شَهْوَة قد يُبَاح عِنْد الْحَاجة والضرورة كَمَا فِي حق الْقَابِلَة والطبيب وَللْمُشْتَرِي حَاجَة فِي الْجُمْلَة وَلَو نظر إِلَى سَائِر أعضائها عَن شَهْوَة لَا يسْقط لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِ للامتحان فِي الْجُمْلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي حق البَائِع فِي اللَّمْس عَن شَهْوَة النّظر إِلَى فرجهَا عَن شَهْوَة فَأَما النّظر إِلَى فرجهَا لَا عَن شَهْوَة أَو النّظر إِلَى سَائِر أعضائها لَا عَن شَهْوَة أَو لمس سَائِر أعضائها لَا عَن شَهْوَة فَإِنَّهُ يجب أَن يسْقط بِهِ الْخِيَار بِخِلَاف المُشْتَرِي لِأَن ثمَّ فِي الْجُمْلَة لَهُ حَاجَة إِلَى ذَلِك وَلَا حَاجَة فِي حق البَائِع وَهَذِه التَّصَرُّفَات حرَام من غير ملك وَلَو نظرت الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة إِلَى فرج المُشْتَرِي لشَهْوَة أَو لمسته فَإِن فعلت ذَلِك بتمكين المُشْتَرِي بِأَن علم المُشْتَرِي ذَلِك مِنْهَا فَتَركهَا حَتَّى فعلت يسْقط خِيَاره فَأَما إِذا اختلست اختلاسا فلمست من غير تَمْكِين المُشْتَرِي بذلك فَقَالَ أَبُو يُوسُف يسْقط خِيَاره وَقَالَ مُحَمَّد لَا يسْقط وَقَول أبي حنيفَة مثل قَول أبي يُوسُف ذكره بشر بن الْوَلِيد أَنه يثبت الرّجْعَة بهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَلَا يثبت فِي قَول مُحَمَّد وَأَجْمعُوا أَنَّهَا لَو أدخلت فرج الرجل فِي فرجهَا وَالزَّوْج نَائِم فَإِنَّهُ يسْقط الْخِيَار وَتثبت الرّجْعَة وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الْخِيَار لَو لم يسْقط رُبمَا يفْسخ الشِّرَاء فيتبين أَن اللَّمْس وجد من غير ملك وَمَسّ الْعَوْرَة بِلَا ملك حرَام فَيسْقط صِيَانة عَن مُبَاشرَة الْحَرَام وَكَذَلِكَ فِي الرّجْعَة لهَذَا الْمَعْنى وَأما الِاسْتِخْدَام مِنْهَا فَلَا يَجْعَل اخْتِيَارا لِأَنَّهُ تصرف لَا يخْتَص بِالْملكِ فَإِنَّهُ يُبَاح بِإِذن الْمَالِك ثمَّ إِنَّمَا يعرف الشَّهْوَة من غير الشَّهْوَة بِإِقْرَار الواطىء والمتصرف وَفِي الْجَارِيَة المختلسة بِإِقْرَار المُشْتَرِي وَأما الْأَجْنَبِيّ إِذا وطىء الْجَارِيَة الْمَبِيعَة فَإِن كَانَت فِي يَد المُشْتَرِي وَالْخيَار لَهُ سقط الْخِيَار لِأَنَّهُ إِن كَانَ عَن شُبْهَة يجب الْعقر وَإنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 زِيَادَة مُنْفَصِلَة حدثت بعد الْقَبْض فتمنع الرَّد وَإِن كَانَ زنا فَهُوَ عيب فِي الْجوَار وحدوث الْعَيْب فِي يَد المُشْتَرِي يسْقط خِيَاره فَكَذَلِك إِذا ولدت الْجَارِيَة فِي يَد المُشْتَرِي يسْقط خِيَاره لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْوَلَد حَيا وَفِيه وَفَاء بِنُقْصَان الْولادَة فينجبر لَكِن الْوَلَد زِيَادَة مُنْفَصِلَة فَيمْنَع الْفَسْخ وَيسْقط الْخِيَار وَإِن مَاتَ الْوَلَد فالنقصان قَائِم لم ينجبر وحدوث النُّقْصَان عِنْد المُشْتَرِي يمْنَع الرَّد وَإِن كَانَ فِي يَد البَائِع وَالْخيَار لَهُ لَا يسْقط الْخِيَار فِي وَطْء الْأَجْنَبِيّ لِأَن الزِّنَا لَا يُوجب نقصا فِي عين الْجَارِيَة وَلَكِن للْمُشْتَرِي حق بِسَبَب الْعَيْب وَإِن كَانَ الْوَطْء عَن شُبْهَة والعقر زِيَادَة مُنْفَصِلَة قبل الْقَبْض فَلَا يمْنَع الْفَسْخ وَفِي فصل الْوَلَد إِن كَانَ حَيا ينجبر النُّقْصَان وَإنَّهُ زِيَادَة قبل الْقَبْض فَلَا يمْنَع الْفَسْخ لَكِن ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي بِسَبَب الْعَيْب لِأَن صُورَة النُّقْصَان قَائِمَة وَإِن انجبر معنى وَإِن مَاتَ الْوَلَد فالنقصان قَائِم وَلَكِن لم يفت شَيْء من الْمَعْقُود عَلَيْهِ حَتَّى يَنْفَسِخ العقد فِيهِ فتتفرق الصَّفْقَة على المُشْتَرِي فَيسْقط الْخِيَار وَلَكِن للْمُشْتَرِي حق الْفَسْخ بِسَبَب الْعَيْب وَهُوَ نُقْصَان الْولادَة وَكَذَلِكَ المُشْتَرِي لَو أسكن الدَّار الْمَبِيعَة رجلا بِأَجْر أَو بِغَيْر أجر أَو رم شَيْئا مِنْهَا بالتطيين والتجصيص أَو أحدث فِيهَا بِنَاء أَو هدم شَيْئا مِنْهَا فَإِنَّهُ يسْقط الْخِيَار لِأَن هَذِه التَّصَرُّفَات دَلِيل اخْتِيَار الْملك وَلَو سقط حَائِط مِنْهَا بِغَيْر صنع أحد يسْقط الْخِيَار لِأَنَّهُ نقص فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَلَو كَانَ الْمَبِيع أَرضًا فِيهَا زروع وثمار قد دخلت تَحت البيع بِالشّرطِ فَسَقَاهُ أَو حصده أَو قصل مِنْهُ شَيْئا لدوابه أَو جد شَيْئا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 الثِّمَار فَهَذَا إجَازَة مِنْهُ لما ذكرنَا وَلَو ركب المُشْتَرِي الدَّابَّة ليسقيها أَو ليردها على البَائِع فَالْقِيَاس أَن يكون إجَازَة لما ذكرنَا وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يسْقط الْخِيَار لِأَن الدَّابَّة قد لَا يُمكن تسييرها إِلَّا بالركوب وَلَو ركبهَا لينْظر إِلَى سَيرهَا وقوتها فَهُوَ على الْخِيَار وَكَذَا لَو لبس الثَّوْب لينْظر إِلَى طوله وَعرضه لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِ للامتحان وَلَو ركبهَا مرّة أُخْرَى لمعْرِفَة الْعَدو أَو ركبهَا لمعْرِفَة شَيْء آخر بِأَن ركب مرّة لمعْرِفَة أَنَّهَا هملاج ثمَّ ركب ثَانِيًا لمعْرِفَة الْعَدو لَا يسْقط خِيَاره لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِ أَيْضا وَإِن ركبهَا لمعْرِفَة السّير الأول مرّة أُخْرَى ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَات أَنه يسْقط الْخِيَار وَفِي الثَّوْب إِذا لبس ثَانِيًا لمعْرِفَة الطول وَالْعرض يسْقط الْخِيَار وَفِي اسْتِخْدَام الرَّقِيق إِذا استخدم مرّة ثمَّ استخدم ثَانِيًا لنَوْع آخر لَا يسْقط الْخِيَار وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا فِي الِاسْتِخْدَام وَالرُّكُوب لَا يبطل الْخِيَار بالمرة الثَّانِيَة وَإِن كَانَ من نوع وَاحِد لِأَن الِاخْتِيَار لَا يحصل بِالْفِعْلِ مرّة لاحْتِمَال أَن ذَلِك وَقع اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْحَاجة إِلَى معرفَة ذَلِك عَادَة لَهَا وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بالمرة الثَّانِيَة لِأَن الْعَادة مُشْتَقَّة من الْعود بِخِلَاف الثَّوْب فَإِن الْغَرَض يحصل بالمرة الْوَاحِدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَأما سُقُوط الْخِيَار بطرِيق الضَّرُورَة فأنواع مِنْهَا إِذا مَضَت الْمدَّة لِأَن الْخِيَار مُؤَقّت بهَا فينتهي الْخِيَار ضَرُورَة فَيبقى العقد بِلَا خِيَار فَيلْزم العقد وَمِنْهَا إِذا مَاتَ الْمَشْرُوط لَهُ الْخِيَار فَإِنَّهُ يسْقط الْخِيَار وَلَا يُورث سَوَاء كَانَ الْخِيَار للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي أَو لَهما وَقَالَ الشَّافِعِي يُورث وَيقوم الْوَارِث مقَامه وَأَجْمعُوا أَن خِيَار الْعَيْب وَخيَار التَّعْيِين يُورث وَأَجْمعُوا أَن خِيَار الْقبُول لَا يُورث وَكَذَلِكَ خِيَار الْإِجَازَة فِي بيع الْفُضُولِيّ لَا يُورث وَأما خِيَار الرُّؤْيَة فَهَل يُورث لم يذكر فِي الْبيُوع وَذكر فِي كتاب الْحِيَل أَنه لَا يُورث وَكَذَا روى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد وَأَجْمعُوا أَن الْأَجَل لَا يُورث ولقب الْمَسْأَلَة أَن خِيَار الشَّرْط هَل يُورث أم لَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَإِذا لم يُورث الْخِيَار عندنَا يسْقط ضَرُورَة فَيصير العقد لَازِما لِأَنَّهُ وَقع الْعَجز عَن الْفَسْخ فَيلْزم ضَرُورَة وَكَذَا الْجَواب فِيمَا هُوَ فِي معنى الْمَوْت بِأَن ذهب عقل صَاحب الْخِيَار بالجنون أَو بالإغماء فِي مُدَّة الْخِيَار وَمَضَت الْمدَّة وَهُوَ كَذَلِك صَار العقد لَازِما لِأَنَّهُ عجز عَن الْفَسْخ فَلَا فَائِدَة فِي بَقَاء الْخِيَار فَإِذا أَفَاق فِي مُدَّة الْخِيَار كَانَ على خِيَاره لِإِمْكَان الْفَسْخ وَالْإِجَازَة وَكَذَا لَو بَقِي نَائِما فِي آخر مُدَّة الْخِيَار حَتَّى مَضَت سقط الْخِيَار وَلَو سكر بِحَيْثُ لَا يعلم حَتَّى مَضَت مُدَّة الْخِيَار لم يذكر فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 الْكتاب وَقَالُوا الصَّحِيح أَنه يسْقط الْخِيَار لما قُلْنَا وَلَو ارْتَدَّ من لَهُ الْخِيَار فِي مُدَّة الْخِيَار إِن مَاتَ أَو قتل على الرَّد صَار البيع لَازِما وَكَذَلِكَ إِن لحق بدار الْحَرْب وَقضى القَاضِي بلحاقه لِأَن الرِّدَّة بِمَنْزِلَة الْمَوْت بعد الالتحاق بدار الْحَرْب وَإِن أسلم فِي مُدَّة الْخِيَار كَانَ على خِيَاره وَجعل الْعَارِض كَأَن لم يكن هَذَا إِذا مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة أَو أسلم قبل أَن يتَصَرَّف بِحكم الْخِيَار فسخا أَو إجَازَة فَأَما إِذا تصرف فِي مُدَّة الْخِيَار بعد الرِّدَّة فَإِن أجَاز جَازَت إِجَازَته وَلَا يتَوَقَّف بالِاتِّفَاقِ وَلَو فسخ فَعِنْدَ أبي حنيفَة يتَوَقَّف فَإِن أسلم نفذ وَإِن مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة بَطل الْفَسْخ على مَا يعرف فِي مسَائِل السّير أَن تَصَرُّفَات الْمُرْتَد مَوْقُوفَة عِنْده خلافًا لَهما وعَلى هَذَا إِذا هَلَكت السّلْعَة الْمَبِيعَة فِي مُدَّة الْخِيَار فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تهْلك فِي يَد البَائِع أَو فِي يَد المُشْتَرِي وَالْخيَار للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي فَإِن هَلَكت فِي يَد البَائِع فَإِنَّهُ يسْقط الْخِيَار سَوَاء كَانَ الْخِيَار للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يَنْفَسِخ العقد لِأَنَّهُ هلك لَا إِلَى خلف وَلَا يُمكنهُ مُطَالبَة المُشْتَرِي بِالثّمن بِدُونِ تَسْلِيم الْمَبِيع وَقد عجز عَن التَّسْلِيم فَلَا فَائِدَة فِي بَقَائِهِ فَيفْسخ فَيبْطل الْخِيَار ضَرُورَة وَإِن هَلَكت فِي يَد المُشْتَرِي فَإِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع تهْلك بِالْقيمَةِ وَيسْقط الْخِيَار فِي قَول عَامَّة الْعلمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 وَقَالَ ابْن أبي ليلى تهْلك أَمَانَة وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لِأَن الْقَبْض بِسَبَب هَذَا العقد لَا يكون دون الْقَبْض على سوم الشِّرَاء وَذَلِكَ مَضْمُون بِالْقيمَةِ فَهَذَا أولى وَإِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يهْلك عَلَيْهِ بِالثّمن عندنَا وَعند الشَّافِعِي يهْلك عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْمَبِيع يصير معيبا قبل الْهَلَاك مُتَّصِلا بِهِ لِأَن الْمَوْت يكون بِنَاء على سَبَب مُؤثر فِيهِ عَادَة وَالسَّبَب المفضي إِلَى الْهَلَاك يكون عَيْبا وحدوث الْعَيْب فِي يَد المُشْتَرِي يسْقط خِيَاره لِأَنَّهُ يعجز عَن الرَّد على الْوَجْه الَّذِي أَخذه سليما كَمَا إِذا حدث بِهِ عيب حسا وَأما إِذا تعيب الْمَبِيع فَإِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع وَهُوَ عيب يُوجب نُقْصَانا فِي عين الْمَبِيع فَإِنَّهُ يبطل خِيَاره سَوَاء كَانَ الْمَبِيع فِي يَده أَو فِي يَد المُشْتَرِي إِذا تعيب بِآفَة سَمَاوِيَّة أَو بِفعل البَائِع لِأَنَّهُ هلك بعضه بِلَا خلف لِأَنَّهُ لَا يجب الضَّمَان على البَائِع لِأَنَّهُ ملكه فينفسخ البيع فِيهِ لفواته وَلَا يُمكن بَقَاء العقد فِي الْقَائِم لما فِيهِ من تَفْرِيق للصفقة على المُشْتَرِي قبل التَّمام وَأما إِذا تعيب بِفعل المُشْتَرِي أَو بِفعل الْأَجْنَبِيّ كَانَ البَائِع على خِيَاره لِأَنَّهُ يُمكنهُ إجَازَة البيع فِي الْفَائِت والقائم لِأَنَّهُ فَاتَ إِلَى خلف مَضْمُون على المُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيّ بِالْقيمَةِ لِأَنَّهُمَا أتلفا ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فَأَما إِذا كَانَ عَيْبا لَا يُوجب نُقْصَانا فِي عين الْمَبِيع كَالْوَطْءِ من الْأَجْنَبِيّ وولادة الْوَلَد وَنَحْو ذَلِك فَلَا يسْقط خِيَاره إِذا تعيب بِفعل البَائِع حَتَّى لَو أَرَادَ أَن يرد على البَائِع بِغَيْر رِضَاهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وَلَكِن للْمُشْتَرِي حق الرَّد بِسَبَب الْعَيْب لِأَنَّهُ لم يفت شَيْء من الْمَبِيع فينفسخ العقد فِيهِ فتتفرق الصَّفْقَة على المُشْتَرِي وَكَذَا إِذا تعيب بِفعل المُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَضْمُون عَلَيْهِ وَأما إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي وَالْعَبْد فِي يَده يبطل خِيَاره سَوَاء حصل بِآفَة سَمَاوِيَّة أَو بِفعل البَائِع أَو بِفعل المُشْتَرِي أَو بِفعل الْأَجْنَبِيّ حَتَّى لَو أَرَادَ أَن يرد على البَائِع بِغَيْر رِضَاهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِك أما فِي الآفة السماوية وَفعل البَائِع فَلَمَّا ذكرنَا فِي خِيَار البَائِع وَأما فِي فعل المُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيّ فَلِأَنَّهُ فَاتَ شَرط الرَّد لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يرد جَمِيع مَا قبض كَمَا قبض سليما وَفِي رد الْبَعْض تَفْرِيق الصَّفْقَة على البَائِع قبل التَّمام وَفِي الْأَجْنَبِيّ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَنه أوجب الأَرْض وَالْأَرْش زِيَادَة مُنْفَصِلَة حدثت بعد الْقَبْض وَإِنَّهَا تمنع الْفَسْخ عندنَا كَسَائِر أَسبَاب الْفَسْخ فَكَذَا حكم الْخِيَار ثمَّ فِي خِيَار البَائِع إِذا تعيب بِفعل المُشْتَرِي أَو بِفعل الْأَجْنَبِيّ وَهُوَ فِي يَد المُشْتَرِي لم يسْقط الْخِيَار وَبَقِي على خِيَاره فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُجِيز أَو يفْسخ وَالْعَيْب حصل بِفعل المُشْتَرِي أَو الْأَجْنَبِيّ فَإِن أجَاز البيع وَجب على المُشْتَرِي جَمِيع الثّمن لِأَن البيع جَازَ فِي الْكل وَلم يكن للْمُشْتَرِي حق الرَّد وَالْفَسْخ بِسَبَب التَّغْيِير الَّذِي حصل فِي الْمَبِيع لِأَنَّهُ حدث فِي يَده وَفِي ضَمَانه إِلَّا أَن المُشْتَرِي إِن كَانَ هُوَ الْقَاطِع فَلَا سَبِيل لَهُ على أحد لِأَنَّهُ ضمن بِفعل نَفسه وَإِن كَانَ الْقَاطِع أَجْنَبِيّا فَلِلْمُشْتَرِي أَن يتبع الْجَانِي بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ ملك العَبْد من وَقت البيع فحصلت الْجِنَايَة على ملكه وَإِذا اخْتَار الْفَسْخ فَإِن كَانَ الْقَاطِع هُوَ المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَأْخُذ الْبَاقِي وَيضمن المُشْتَرِي نصف قيمَة العَبْد للْبَائِع لِأَن العَبْد كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 مَضْمُونا على المُشْتَرِي بِالْقيمَةِ وَقد عجز عَن رد مَا أتْلفه بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيهِ رد قِيمَته وَإِن كَانَ الْقَاطِع أَجْنَبِيّا فالبائع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ اتبع الْجَانِي لِأَن الْجِنَايَة حصلت على ملكه وَإِن شَاءَ اتبع المُشْتَرِي لِأَن الْجِنَايَة حدثت فِي ضَمَان المُشْتَرِي فَإِن اخْتَار اتِّبَاع الْأَجْنَبِيّ فَلَا يرجع على أحد لِأَنَّهُ ضمن بِفعل نَفسه وَإِن اخْتَار اتِّبَاع المُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي يرجع بذلك على الْجَانِي لِأَن المُشْتَرِي بأَدَاء الضَّمَان قَامَ مقَام البَائِع فِي حق ملك الْبَدَل وَإِن لم يقم مقَامه فِي حق ملك نفس الْفَائِت كَمَا فِي غَاصِب الْمُدبر إِذا قتل الْمُدبر فِي يَده وَضَمنَهُ الْمَالِك كَانَ لَهُ أَن يرجع على الْقَاتِل وَإِن لم يملك الْمُدبر لما قُلْنَا كَذَلِك هَهُنَا وَأما معرفَة عمل خِيَار الشَّرْط وَحكمه فَنَقُول قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله إِن البيع بِشَرْط الْخِيَار لَا ينْعَقد فِي حق الحكم بل هُوَ مَوْقُوف إِلَى وَقت سُقُوط الْخِيَار فَينْعَقد حِينَئِذٍ وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول مثل قَوْلنَا وَفِي قَول ينْعَقد مُفِيدا للْملك لَكِن يثبت لَهُ خِيَار الْفَسْخ بتسليط صَاحبه كَمَا فِي خِيَار الرُّؤْيَة وَخيَار الْعَيْب وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن خِيَار الشَّرْط شرع لدفع الْغبن لحَدِيث حبَان بن منقذ وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بِمَا ذكرنَا فَإِن الْمَبِيع إِذا كَانَ قَرِيبه يعْتق عَلَيْهِ لَو ثَبت الْملك فَلَا يحصل الْغَرَض ثمَّ الْخِيَار إِذا كَانَ للعاقدين جَمِيعًا لَا يكون العقد منعقدا فِي حق الحكم فِي حَقّهمَا جَمِيعًا وَإِن كَانَ الْخِيَار لأحد الْعَاقِدين فَلَا شكّ أَن العقد لَا ينْعَقد فِي حق الحكم فِي حق من لَهُ الْخِيَار وَأما فِي حق الآخر فَهَل ينْعَقد فِي حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 الحكم وَهُوَ الحكم الَّذِي يثبت بِفِعْلِهِ أَعنِي ثُبُوت الْملك فِي الْمَبِيع بِتَمْلِيك البَائِع وَثُبُوت الْملك فِي الثّمن بِتَمْلِيك المُشْتَرِي قَالَ أَبُو حنيفَة لَا ينْعَقد وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد ينْعَقد حَتَّى إِن الْخِيَار إِذا كَانَ للْبَائِع لَا يَزُول الْمَبِيع عَن ملكه وَلَا يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي وَأما الثّمن فَهَل يدْخل فِي ملك البَائِع فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يدْخل بِأَن كَانَ الثّمن عينا وَلَا يسْتَحق عَلَيْهِ الثّمن للْبَائِع إِن كَانَ دينا وَعِنْدَهُمَا يدْخل وَيجب الثّمن للْبَائِع وَإِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي لَا يسْتَحق عَلَيْهِ الثّمن وَلَا يخرج عَن ملكه إِذا كَانَ عينا وَهل يدْخل الْمَبِيع فِي ملك المُشْتَرِي عِنْد أبي حنيفَة يَزُول عَن ملك البَائِع وَلَا يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا يدْخل وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة لِأَن خِيَار المُشْتَرِي يمْنَع زَوَال الثّمن عَن ملكه وَيمْنَع من اسْتِحْقَاق الثّمن عَلَيْهِ وَلَو قُلْنَا إِنَّه يملك الْمَبِيع كَانَ فِيهِ جمع بَين الْبَدَل والمبدل فِي ملك رجل وَاحِد فِي عقد الْمُبَادلَة وَهَذَا لَا يجوز بِخِلَاف خِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب لِأَن هُنَاكَ لَا يمْنَع زَوَال الثّمن عَن ملك المُشْتَرِي فَجَاز أَن لَا يمْنَع دُخُول السّلْعَة فِي ملكه وفوائد هَذَا الأَصْل تظهر فِي مسَائِل كَثِيرَة مَذْكُورَة فِي الْكتب فَنَذْكُر بَعْضهَا مِنْهَا إِذا اشْترى الرجل أَبَاهُ أَو ذَا رحم محرم مِنْهُ على أَنه بِالْخِيَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 ثَلَاثَة أَيَّام لم يعْتق عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لم يدْخل فِي ملكه وَعِنْدَهُمَا يعْتق وَأَجْمعُوا أَنه إِذا قَالَ لعبد الْغَيْر إِن اشتريتك فَأَنت حر فَاشْتَرَاهُ على أَنه بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام يعْتق عَلَيْهِ وَيبْطل خِيَاره أما عِنْدهمَا فَلِأَنَّهُ يدْخل فِي ملكه وَأما عِنْد أبي حنيفَة فَلِأَن الْمُعَلق بِالشّرطِ كالمنجز عِنْد وجود الشَّرْط وَلَو نجز عتقه بعد شِرَائِهِ بِشَرْط الْخِيَار ينفذ عتقه وَيبْطل الْخِيَار لاختياره الْملك كَذَا هَذَا وَمِنْهَا إِذا اشْترى زَوجته على أَنه بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام لَا يبطل نِكَاحه عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهَا لم تدخل فِي ملكه وَعِنْدَهُمَا يبطل لِأَنَّهَا دخلت فِي ملكه وَلَو وَطئهَا الزَّوْج فِي مُدَّة الْخِيَار ينظر إِن كَانَت بكرا يبطل خِيَاره بالِاتِّفَاقِ لوُجُود التعيب وَإِن كَانَت ثَيِّبًا وَلم ينقصها الْوَطْء لَا يبطل خِيَاره عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهُ وَطئهَا بِملك النِّكَاح وَلَا بِملك الْيَمين فَلَا يصير مُخْتَارًا ضَرُورَة فِي حل الْوَطْء وَعِنْدَهُمَا يبطل خِيَاره لِأَنَّهُ وَطئهَا بِحكم الشِّرَاء وَمِنْهَا أَن الْمَبِيع إِذا كَانَ دَارا إِن كَانَ للْبَائِع فِيهَا خِيَار لم يكن للشَّفِيع الشُّفْعَة بِالْإِجْمَاع لِأَن خِيَار البَائِع يمْنَع زَوَال الْمَبِيع عَن ملكه وَإِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي تثبت الشُّفْعَة للشَّفِيع بِالْإِجْمَاع أما عِنْدهمَا فَلِأَن خِيَاره لَا يمْنَع دُخُول السّلْعَة فِي ملك المُشْتَرِي فَتثبت الشُّفْعَة للشَّفِيع وعَلى قَول أبي حنيفَة خِيَار المُشْتَرِي وَإِن منع دُخُول السّلْعَة فِي ملك المُشْتَرِي لم يمْنَع زَوَالهَا عَن ملك البَائِع وَحقّ الشَّفِيع فِي الشُّفْعَة يعْتَمد زَوَال حق البَائِع لَا ملك المُشْتَرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَأما كَيْفيَّة الْفَسْخ وَالْإِجَازَة فَهُوَ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا بطرِيق الضَّرُورَة وَالْآخر بطرِيق الْقَصْد وَالِاخْتِيَار أما الْفَسْخ وَالْإِجَازَة بطرِيق الضَّرُورَة فَيصح من غير حَضْرَة خَصمه وَعلمه كمضي مُدَّة الْخِيَار وهلاك الْمَبِيع ونقصانه على مَا ذكرنَا وَأما الْفَسْخ وَالْإِجَازَة بطرِيق الْقَصْد فقد أجمع أَصْحَابنَا أَن الْمَشْرُوط لَهُ الْخِيَار ملك إجَازَة العقد بِغَيْر محْضر من صَاحبه بِغَيْر علم مِنْهُ لِأَن صَاحبه الَّذِي لَا خِيَار لَهُ رَضِي بِحكم العقد وَأما من لَهُ الْخِيَار فَلم يرض حكمه ولزومه فَإِذا رَضِي ورضا الآخر قد وجد يجب القَوْل بنفاذ البيع علم الآخر أَو لم يعلم لَكِن يشْتَرط الرِّضَا بِاللِّسَانِ بِأَن قَالَ أجزت هَذَا العقد أَو رضيت بِهِ فَأَما إِذا رَضِي بِقَلْبِه وَمَا أجَازه صَرِيحًا فَإِنَّهُ لَا يسْقط خِيَاره لِأَن الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة تتَعَلَّق بالأقوال وَالْأَفْعَال الظَّاهِرَة الدَّالَّة على الضمائر وَأما الْفَسْخ وَالرَّدّ إِن وجد بِالْقَلْبِ دون اللِّسَان فَهُوَ بَاطِل لما ذكرنَا وَأما إِذا فسخ بِلِسَانِهِ فَإِن كَانَ بِمحضر من صَاحبه فَإِنَّهُ يَصح بِالْإِجْمَاع سَوَاء رَضِي بِهِ أَو أَبى وَأما إِذا كَانَ بِغَيْر محْضر من صَاحبه فقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يَصح وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الأول سَوَاء كَانَ الْخِيَار للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَصح وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ إِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع ملك فَسخه بِغَيْر محْضر من المُشْتَرِي وَإِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي لَا يملكهُ فَسخه بِغَيْر محْضر من البَائِع ونعني بالحضرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 الْعلم حَتَّى لَو كَانَ الآخر حَاضرا وَلم يكن عَالما بفسخه لَا يَصح وَلَو كَانَ غَائِبا وَعلم بفسخه فِي مُدَّة الْخِيَار يَنْبَغِي أَن يَصح وَذكر الْكَرْخِي أَن خِيَار الرُّؤْيَة على هَذَا الْخلاف وَأَجْمعُوا أَن المُشْتَرِي فِي خِيَار الْعَيْب إِذا فسخ بِغَيْر محْضر من البَائِع لَا يَصح وَإِن كَانَ قبل الْقَبْض وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو اشْترى رجلَانِ على أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام أَو اشتريا شَيْئا وَلم يرياه أَو اشتريا شَيْئا فوجدا بِهِ عَيْبا هَل يملك أَحدهمَا أَن ينْفَرد بِالْفَسْخِ على قَول أبي حنيفَة لَا يملك وَلَو رد لَا يَصح وعَلى قَوْلهمَا يَصح وَإِنَّمَا يَصح عِنْد أبي حنيفَة إِذا اتفقَا على الرَّد أَو اتفقَا على الْإِجَازَة أما إِذا رد أَحدهمَا وَأَجَازَ الآخر فَهُوَ على الِاخْتِلَاف وَكَذَا لَو اختارا رد البيع فِي النّصْف وإجازة البيع فِي النّصْف فَهُوَ على الِاخْتِلَاف وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 بَاب خِيَار الرُّؤْيَة يحْتَاج إِلَى بَيَان مَشْرُوعِيَّة خِيَار الرُّؤْيَة وَإِلَى بَيَان أَنه فِي أَي وَقت يثبت وَفِي بَيَان أَنه يثبت مؤقتا أَو مُطلقًا وَفِي بَيَان حكمه وَفِي بَيَان مَا يسْقطهُ أما الأول فَنَقُول قَالَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله إِن خِيَار الرُّؤْيَة مَشْرُوع فِي شِرَاء مَا لم يره المُشْتَرِي فَيجوز الشِّرَاء وَيثبت لَهُ الْخِيَار وَقَالَ الشَّافِعِي شِرَاء مَا لم يره المُشْتَرِي لَا يَصح فَلَا يكون الْخِيَار فِيهِ مَشْرُوعا وَلَو بَاعَ شَيْئا لم يره البَائِع وَرَآهُ المُشْتَرِي يجوز عندنَا وَعند الشَّافِعِي فِيهِ قَولَانِ وَهل يثبت للْبَائِع فِيهِ خِيَار الرُّؤْيَة لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء أَن أَبَا حنيفَة كَانَ يَقُول بِأَنَّهُ يثبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 لَهُ الْخِيَار ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يثبت وَأما بَيَان وَقت ثُبُوت الْخِيَار فَنَقُول يثبت الْخِيَار عِنْد رُؤْيَة المُشْتَرِي لَا قبلهَا حَتَّى لَو أجَاز البيع قبل الرُّؤْيَة لَا يلْزم البيع وَلَا يسْقط الْخِيَار وَهل يملك الْفَسْخ قبل الرُّؤْيَة لَا رِوَايَة فِي ذَا وَاخْتلف الْمَشَايِخ قَالَ بَعضهم لَا يملك لِأَنَّهُ لَا يملك الْإِجَازَة قبل الرُّؤْيَة فَلَا يملك الْفَسْخ لِأَن الْخِيَار لم يثبت وَبَعْضهمْ قَالُوا يملك الْفَسْخ لَا لسَبَب الْخِيَار لِأَنَّهُ غير ثَابت وَلَكِن لِأَن شِرَاء مَا لم يره المُشْتَرِي غير لَازم وَالْعقد الَّذِي لَيْسَ بِلَازِم يجوز فَسخه كالعارية والوديعة وَأما بَيَان أَن الْخِيَار مُطلق أَو مُؤَقّت فَنَقُول اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ بَعضهم قَالُوا يثبت مُطلقًا فَيكون لَهُ الْخِيَار فِي جَمِيع الْعُمر إِلَّا إِذا وجد مَا يسْقطهُ وَبَعْضهمْ قَالُوا بِأَنَّهُ مُؤَقّت بِوَقْت إِمْكَان الْفَسْخ بعد الرُّؤْيَة حَتَّى لَو تمكن من الْفَسْخ بعد الرُّؤْيَة وَلم يفْسخ يسْقط خِيَار الرُّؤْيَة وَإِن لم يُوجد مِنْهُ الْإِجَازَة وَالرِّضَا صَرِيحًا وَلَا دلَالَة وَأما حكمه فَهُوَ التَّخْيِير بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة إِذا رأى الْمَبِيع وَلَا يمْنَع ثُبُوت الْملك فِي الْبَدَلَيْنِ وَلَكِن يمْنَع اللُّزُوم بِخِلَاف خِيَار الشَّرْط وَإِنَّمَا يثبت الْخِيَار فِي بيع الْعين بِالْعينِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وَفِي بيع الْعين بِالدّينِ تثبت للْمُشْتَرِي وَلَا يثبت فِي بيع الدّين بِالدّينِ وَهُوَ الصّرْف لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ فَأَما إِذا كَانَ الْحق عينا فللناس أغراض فِي الْأَعْيَان فَكَانَ ثُبُوت الْخِيَار فِيهِ لينْظر أَنه هَل يصلح لَهُ فَإِن شَاءَ أجَاز إِن صلح وَإِن شَاءَ فسخ إِن لم يصلح وَهَذَا إِذا رأى جَمِيع الْمَبِيع فَأَما إِذا رأى الْبَعْض وَرَضي بِهِ وَلم ير الْبَعْض هَل يكون على خِيَاره أم لَا إِذا رأى الْمَبِيع فَنَقُول الأَصْل فِي هَذَا النَّوْع من الْمسَائِل هُوَ أَن غير المرئي إِذا كَانَ تبعا للمرئي فَلَا خِيَار لَهُ فِي غير المرئي وَإِن كَانَ رُؤْيَة مَا رأى لَا تعرف حَال مَا لم يره لِأَن حكم التبع حكم الأَصْل وَإِن لم يكن غير المرئي تبعا للمرئي فَإِن كَانَ مَقْصُودا بِنَفسِهِ كالمرئي ينظر إِن كَانَ رُؤْيَة مَا قد رأى لم تعرف حَال غير المرئي كَانَ على خِيَاره فِيمَا لم يره لِأَن الْمَقْصُود من الرُّؤْيَة فِيمَا لم يره لم يحصل بِرُؤْيَتِهِ مَا رأى وَإِن كَانَ رُؤْيَة مَا رأى تعرف حَال غير المرئي فَإِنَّهُ لَا خِيَار لَهُ أصلا فِي غير المرئي إِذا كَانَ غير المرئي مثل المرئي أَو فَوْقه لِأَنَّهُ حصل بِرُؤْيَة الْبَعْض رُؤْيَة الْبَاقِي من حَيْثُ الْمَعْنى إِذا ثَبت هَذَا الأَصْل تخرج عَلَيْهِ الْمسَائِل الْآتِيَة إِذا اشْترى جَارِيَة أَو عبدا فَرَأى الْوَجْه دون سَائِر الْأَعْضَاء لَا خِيَار لَهُ وَإِن كَانَ رُؤْيَة الْوَجْه لَا تعرف حَال سَائِر الْأَعْضَاء لِأَن سَائِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 الْأَعْضَاء تبع للْوَجْه فِي شِرَاء العَبْد وَالْجَارِيَة فِي الْعَادة وَلَو رأى سَائِر الْأَعْضَاء دون الْوَجْه فَهُوَ على خِيَاره لِأَنَّهُ لم ير الْمَتْبُوع هَذَا فِي بني آدم فَأَما فِي سَائِر الْحَيَوَان مثل الْفرس وَالْحمار وَنَحْوهمَا ذكر مُحَمَّد بن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِن نظر إِلَى عَجزه يسْقط خِيَاره وَإِن لم ير عَجزه فَهُوَ على خِيَاره فَجعل الْعَجز فِي الْحَيَوَانَات بِمَنْزِلَة الْوَجْه فِي بني آدم وَعَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ هُوَ على خِيَاره مَا لم ير وَجهه ومؤخره فَجعل الأَصْل هذَيْن العضوين وَغَيرهمَا تبعا وَأما الشَّاة إِذا اشْتَرَاهَا للحم فقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ لَا بُد من الجس بعد الرُّؤْيَة حَتَّى يعرف سمنها لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود وَإِن اشْتَرَاهَا للدر والنسل فَلَا بُد من رُؤْيَة سَائِر جَسدهَا وَمن النّظر إِلَى ضرْعهَا أَيْضا لِأَنَّهَا تخْتَلف باخْتلَاف الضَّرع فَأَما فِي غير الْحَيَوَان فَإِن كَانَ شَيْئا وَاحِدًا ينظر إِن كَانَ شَيْء مِنْهُ مَقْصُودا عِنْد النَّاس فِي الْعَادة كالوجه فِي المعافر والطنافس فَإِنَّهُ إِذا رأى الْوَجْه سقط الْخِيَار كَمَا فِي بني آدم وَإِذا رأى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 الظّهْر لَا يسْقط هَكَذَا ذكر الْحسن فِي الْمُجَرّد عَن أبي حنيفَة وَإِن لم يكن شَيْء مِنْهُ مَقْصُودا كالكرباس فَإِن رُؤْيَة بعضه أَي بعض كَانَ كرؤية الْكل لِأَن بِرُؤْيَة بعضه يعرف الْبَاقِي لِأَن تفَاوت الْأَطْرَاف فِي ثوب وَاحِد يسير فَإِن وجد الْبَاقِي مثل المرئي أَو فَوْقه فَلَا خِيَار لَهُ وَإِن وجده دونه كَانَ على خِيَاره على مَا ذكرنَا وَإِن كَانَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ دَارا أَو بستانا ذكر فِي كتاب الْقِسْمَة وَقَالَ إِذا رأى خَارج الدَّار وظاهرها يسْقط خِيَاره وَإِن لم ير داخلها لِأَنَّهَا شَيْء وَاحِد وَفِي الْبُسْتَان إِذا رأى الْخَارِج ورؤوس الْأَشْجَار يسْقط خِيَاره وعَلى قَول زفر لَا يسْقط الْخِيَار بِدُونِ رُؤْيَة الدَّاخِل وَلَكِن مَشَايِخنَا قَالُوا تَأْوِيل مَا ذكر فِي كتاب الْقِسْمَة أَنه إِذا لم يكن فِي دَاخل الدَّار أبنية فَأَما إِذا كَانَ فِيهَا أبنية فَلَا يسْقط الْخِيَار مَا لم ير دَاخل الدَّار كُله أَو بعضه لِأَن الدَّاخِل هُوَ الْمَقْصُود وَالْخَارِج كالتبع لَهُ وَذكر الْقَدُورِيّ أَن أَصْحَابنَا قَالُوا إِن أَبَا حنيفَة أجَاب على عَادَة أهل الْكُوفَة فِي زَمَانه فَإِن دُورهمْ وبساتينهم لَا تخْتَلف من حَيْثُ التقطيع والهيئة وَإِنَّمَا تخْتَلف من حَيْثُ الصغر وَالْكبر وَكَذَا من حَيْثُ صغر الْأَشْجَار وكبرها وَذَلِكَ يحصل بِرُؤْيَة الْخَارِج ورؤية رُؤُوس الْأَشْجَار وَعَادَة سَائِر الْبلدَانِ بِخِلَاف هَذَا إِذا كَانَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ شَيْئا وَاحِدًا فَأَما إِذا كَانَ أَشْيَاء فَإِن كَانَ من العدديات المتفاوتة كالثياب الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي جراب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 أَو البطاطيخ فِي الشريجة أَو الرُّمَّان أَو السفرجل فِي القفة والكوارة فَإِذا رأى الْبَعْض فَإِنَّهُ يكون على خِيَاره فِي الْبَاقِي لِأَن الْكل مَقْصُود ورؤية مَا رأى لَا تعرف حَال الْبَاقِي لِأَنَّهَا مُتَفَاوِتَة وَإِن كَانَ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا أَو عدديا متقاربا فَإِنَّهُ إِذا رأى الْبَعْض وَرَضي بِهِ لَا خِيَار لَهُ فِي الَّذِي لم ير إِذا كَانَ مَا لم ير مثل الَّذِي رأى لِأَن رُؤْيَة الْبَعْض من هَذِه الْأَشْيَاء تعرف حَال الْبَاقِي وَهَذَا إِذا كَانَ فِي وعَاء وَاحِد فَأَما إِذا كَانَ فِي وعاءين فقد اخْتلف الْمَشَايِخ قَالَ مَشَايِخ بَلخ لَا يكون رُؤْيَة أَحدهمَا كرؤية الآخر لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ إِذا كَانَا فِي وعاءين فَكَانَا كالثوبين وَقَالَ مَشَايِخ الْعرَاق بِأَن رُؤْيَة أَحدهمَا كرؤيتهما جَمِيعًا إِذا كَانَ مَا لم ير مثل المرئي وَهَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَهُوَ الْأَصَح وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُشْتَرى مغيبا فِي الْوِعَاء فَأَما إِذا كَانَ مغيبا فِي الأَرْض كالجزر والبصل والثوم والفجل والسلجم وبصل الزَّعْفَرَان وَنَحْو ذَلِك فَفِي أَي وَقت يسْقط الْخِيَار لم يذكر هَذَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة وروى بشر عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِذا كَانَ شَيْئا يُكَال أَو يُوزن بعد الْقلع كالثوم والبصل والجزر فَإِنَّهُ إِذا قلع المُشْتَرِي شَيْئا بِإِذن البَائِع أَو قلع البَائِع برضى المُشْتَرِي سقط خِيَاره فِي الْبَاقِي لِأَن رُؤْيَة بعض الْمكيل كرؤية الْكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 فَأَما إِذا حصل الْقلع من المُشْتَرِي بِغَيْر إِذن البَائِع لم يكن لَهُ أَن يرد سَوَاء رَضِي بالمقلوع أَو لم يرض إِذا كَانَ المقلوع شَيْئا لَهُ قيمَة عِنْد النَّاس لِأَنَّهُ بِالْقَلْعِ صَار معيبا لِأَنَّهُ كَانَ يَنْمُو وَيزِيد وَبعد الْقلع لَا يَنْمُو وَلَا يزِيد ويتسارع إِلَيْهِ الْفساد وحدوث الْعَيْب فِي الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي بِغَيْر صنعه يمْنَع الرَّد فَمَعَ صنعه أولى وَإِن كَانَ المغيب فِي الأَرْض مِمَّا يُبَاع عددا كالفجل والسلق وَنَحْوهمَا فرؤية الْبَعْض لَا تكون كرؤية الْكل لِأَن هَذَا من بَاب العدديات المتفاوتة فرؤية الْبَعْض لَا تَكْفِي كَمَا فِي الثِّيَاب وَإِن قلع المُشْتَرِي بِغَيْر إِذْنه سقط خِيَاره لأجل الْعَيْب إِذا كَانَ المقلوع شَيْئا لَهُ قيمَة فَأَما إِذا لم يكن لَهُ قيمَة فَلَا يسْقط خِيَاره لِأَنَّهُ لَا يحصل بِهِ الْعَيْب وَذكر الْكَرْخِي هَهُنَا مُطلقًا من غير هَذَا التَّفْصِيل وَقَالَ إِذا اشْترى شَيْئا مغيبا فِي الأَرْض مثل الجزر والبصل والثوم وبصل الزَّعْفَرَان وَمَا أشبه ذَلِك فَلهُ الْخِيَار إِذا رأى جَمِيعه فَلَا يكون رُؤْيَة بعضه مُبْطلًا خِيَاره وَإِن رَضِي بذلك الْبَعْض فخياره بَاقٍ إِلَى أَن يرى جَمِيعه وروى عَمْرو عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِذا قلع قلت فَإِن قلع الْبَعْض قَالَ لم يزِيد أَبُو حنيفَة على مَا قلت لَك فَأَما فِي قَول أبي يُوسُف وَقَوْلِي إِذا قلع شَيْئا يسْتَدلّ بِهِ على مَا بَقِي فِي سمنه وعظمه فَرضِي المُشْتَرِي فَهُوَ لَازم لَهُ فهما يَقُولَانِ إِن التَّفَاوُت فِي هَذِه الْأَشْيَاء لَيْسَ بغالب فَصَارَ كالصبرة وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِنَّهَا تخْتَلف من حَيْثُ الصغر وَالْكبر والجودة والرداءة فَلم يسْقط الْخِيَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 بِرُؤْيَتِهِ الْبَعْض كالثياب وَلَو اشْترى دهن سمسم فِي قَارُورَة فَرَأى من خَارج القارورة الدّهن فِي القارورة روى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ يَكْفِي وَيسْقط خِيَاره لِأَن رُؤْيَته من الْخَارِج تعرفه حَالَة الدّهن فَكَأَنَّهُ رَآهُ خَارج القارورة فِي قَصْعَة وَنَحْوهَا ثمَّ اشْتَرَاهُ وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا يبطل مَا لم ينظر إِلَى الدّهن بَعْدَمَا يخرج من القارورة لِأَن لون الدّهن مِمَّا يتَغَيَّر بلون القارورة وَلَو نظر إِلَى الْمرْآة فَرَأى الْمَبِيع قَالُوا لَا يسْقط خِيَاره لِأَنَّهُ مَا رأى عين الْمَبِيع وَإِنَّمَا رأى مِثَاله قَالَ هَكَذَا قَالَ بَعضهم وَالأَصَح أَنه يرى عين الْمَبِيع لَكِن يعرف بِهِ أَصله وَقد تَتَفَاوَت هيئاته بتفاوت الْمرْآة وعَلى هَذَا قَالُوا من نظر فِي الْمرْآة فَرَأى فرج أم امْرَأَته عَن شَهْوَة لَا تثبت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَلَو نظر إِلَى فرج امْرَأَته الْمُطلقَة طَلَاقا رَجْعِيًا عَن شَهْوَة فِي الْمرْآة لَا يصير مراجعا لما قُلْنَا وَلَو اشْترى سمكًا فِي المَاء يُمكن أَخذه من غير اصطياد فَرَآهُ فِي المَاء قَالَ بَعضهم يسْقط خِيَاره لِأَنَّهُ رأى عين الْمَبِيع وَقَالَ بَعضهم لَا يسْقط وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الشَّيْء لَا يرى فِي المَاء كَمَا هُوَ بل يرى أَكثر مِمَّا هُوَ فبهذه الرُّؤْيَة لَا تعرف حَاله حَقِيقَة وَلَو وكل رجلا بِالنّظرِ إِلَى مَا اشْتَرَاهُ وَلم يره فَيلْزم العقد إِن رَضِي وَيفْسخ العقد إِن شَاءَ وَقَالَ وَيصِح التَّوْكِيل وَيقوم نظره مقَام نظره لِأَنَّهُ جعل الرَّأْي إِلَيْهِ وَلَو وكل بِقَبْضِهِ فَقَبضهُ فَرَآهُ هَل يسْقط خِيَار الْمُوكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 عِنْد أبي حنيفَة يسْقط لِأَنَّهُ من تَمام الْقَبْض وَعِنْدَهُمَا لَا يسْقط وَأَجْمعُوا أَنه إِذا أرسل رَسُولا بِقَبْضِهِ فَرَآهُ الرَّسُول وَرَضي بِهِ كَانَ الْمُرْسل على خِيَاره وَأَجْمعُوا فِي خِيَار الْعَيْب أَنه إِذا وكل رجلا بِقَبض الْمَبِيع فَقبض الْوَكِيل وَعلم بِالْعَيْبِ وَرَضي بِهِ لَا يسْقط خِيَار الْمُوكل وَأما خِيَار الشَّرْط فَلَا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَاخْتلف الْمَشَايِخ قَالَ بَعضهم على هَذَا الِاخْتِلَاف وَقَالَ بَعضهم لَا يسْقط بالِاتِّفَاقِ وَأما بَيَان مَا يسْقط بِهِ الْخِيَار فَنَقُول إِن خِيَار الرُّؤْيَة لَا يسْقط بالإسقاط صَرِيحًا بِأَن قَالَ المُشْتَرِي أسقطت خياري كَذَا روى ابْن رستم عَن مُحَمَّد لَا قبل الرُّؤْيَة وَلَا بعْدهَا بِخِلَاف خِيَار الشَّرْط وَخيَار الْعَيْب وَالْفرق أَن هَذَا الْخِيَار ثَبت شرعا لحكمة فِيهِ فَلَا يملك العَبْد إِسْقَاطه كَمَا فِي خِيَار الرّجْعَة فَإِنَّهُ لَو قَالَ أسقطت الرّجْعَة وأبطلت لَا تبطل وَلَكِن إِن شَاءَ رَاجع وَإِن شَاءَ تَركهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة فَتبْطل الرّجْعَة حكما بِخِلَاف خِيَار الشَّرْط فَإِنَّهُ يثبت شَرطهمَا فَجَاز أَن يسْقط بإسقاطهما وَكَذَلِكَ خِيَار الْعَيْب فَإِن السَّلامَة مَشْرُوطَة من المُشْتَرِي عَادَة فَهُوَ كالمشروط صَرِيحًا ثمَّ خِيَار الرُّؤْيَة إِنَّمَا يسْقط بِصَرِيح الرِّضَا وَدلَالَة الرِّضَا بعد الرُّؤْيَة لَا قبل الرُّؤْيَة وَيسْقط بتعذر الْفَسْخ وبلزوم العقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 حكما وضرورة قبل الرُّؤْيَة وَبعدهَا لما ذكرنَا أَنه لَا يثبت فِي الأَصْل إِلَّا بعد الرُّؤْيَة فَلَا يجوز أَن يسْقط بِالرِّضَا صَرِيحًا وَدلَالَة إِلَّا بعد ثُبُوته حَتَّى إِنَّه إِذا رأى وَصلح لَهُ يُجِيزهُ وَإِن لم يصلح لَهُ يردهُ لِأَنَّهُ شرع نظرا لَهُ وَلَكِن إِذا تعذر الْفَسْخ بِأَيّ سَبَب كَانَ أَو لزم العقد بطرِيق الضَّرُورَة سقط قبل الرُّؤْيَة خِيَاره أَو بعْدهَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي ثُبُوت حق الْفَسْخ فالتزم العقد ضَرُورَة وَيجوز أَن يثبت الشَّيْء ضَرُورَة وَإِن كَانَ لَا يثبت قصدا كالموكل لَا يملك عزل الْوَكِيل بِدُونِ علمه قصدا وَيملك ضَرُورَة بِأَن بَاعَ الْمُوكل بِنَفسِهِ ليعزل الْوَكِيل إِذا ثَبت هَذَا تخرج عَلَيْهِ الْمسَائِل إِذا ذهب الْمَبِيع من غَيره وَلم يُسلمهُ أَو عرضه على البيع وَنَحْوهمَا قبل الرُّؤْيَة لَا يسْقط لِأَنَّهُ لَا يسْقط بِصَرِيح الرِّضَا فِي هَذِه الْحَالة فَكَذَا لَا يسْقط بِدلَالَة الرِّضَا وَلَو أعتق المُشْتَرِي العَبْد أَو دبره أَو استولد الْجَارِيَة فَإِنَّهُ يسْقط الْخِيَار قبل الرُّؤْيَة وَبعدهَا لِأَنَّهُ تعذر الْفَسْخ لِأَن هَذِه حُقُوق لَازِمَة أثبتها للْعَبد وَمن ضَرُورَة ثُبُوت الْحق اللَّازِم من الْمَالِك لغيره لُزُوم الْملك لَهُ فَثَبت اللُّزُوم شرعا ضَرُورَة ثُبُوت الْحق اللَّازِم شرعا وَمَتى ثَبت اللُّزُوم تعذر الْفَسْخ وَلَو رَهنه المُشْتَرِي وَلم يُسلمهُ أَو أجره من رجل أَو بَاعه على أَن المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ سقط خِيَاره قبل الرُّؤْيَة وَبعدهَا حَتَّى لَو أفتك الرَّهْن أَو مَضَت الْمدَّة فِي الْإِجَازَة أَو رده على المُشْتَرِي بِخِيَار الشَّرْط ثمَّ رَآهُ لَا يكون لَهُ الرَّد بِخِيَار الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ أثبت حَقًا لَازِما لغيره بِهَذِهِ التَّصَرُّفَات فَيكون من ضَرُورَته لُزُوم الْملك لَهُ وَذَلِكَ بامتناع ثُبُوت الْخِيَار فَيبْطل ضَرُورَة لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ وَفِي خِيَار الْعَيْب لَا يسْقط بِهَذِهِ التَّصَرُّفَات لِأَن ثمَّة العقد لَازم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 مَعَ الْعَيْب بعد الْقَبْض حَتَّى لَا يُمكنهُ الرَّد إِلَّا بِقَضَاء أَو رضَا وَإِذا كَانَ لَازِما فَلَا يسْقط الْخِيَار لضَرُورَة اللُّزُوم وَإنَّهُ لَازم وعَلى هَذَا فَالْمُشْتَرِي إِذا كَاتب ثمَّ عجز العَبْد ورد فِي الرّقّ ثمَّ رَآهُ لَا يثبت لَهُ خِيَار الرُّؤْيَة لِأَن الْكِتَابَة عقد لَازم وَكَذَلِكَ لَو وهب وَسلم قبل الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ أثبت حَقًا لَازِما فَإِنَّهُ لَا يقدر على الرُّجُوع إِلَّا بِقَضَاء أَو رضَا هَذَا إِذا كَانَ المُشْتَرِي بَصيرًا أما إِذا كَانَ المُشْتَرِي أعمى حَتَّى ثَبت لَهُ الْخِيَار بِسَبَب جَهَالَة الْأَوْصَاف لعدم الرُّؤْيَة فبماذا يسْقط خِيَاره اخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِيهِ وَالْحَاصِل أَن مَا يُمكن جسه وذوقه وَشمه يَكْتَفِي بذلك لسُقُوط خِيَاره فِي أشهر الرِّوَايَات وَلَا يشْتَرط بَيَان الْوَصْف لَهُ وَيكون بِمَنْزِلَة نظر الْبَصِير وَفِي رِوَايَة هِشَام عَن مُحَمَّد أَنه يعْتَبر الْوَصْف مَعَ ذَلِك لِأَن التَّعْرِيف الْكَامِل فِي حَقه يثبت بِهَذَا أما مَا لَا يُمكن جسه بِأَن اشْترى ثمارا على رُؤُوس الْأَشْجَار فَإِنَّهُ يعْتَبر فِيهِ الْوَصْف لَا غير فِي أشهر الرِّوَايَات وَفِي رِوَايَة يُوقف فِي مَكَان لَو كَانَ بَصيرًا لرَأى ذَلِك وَأما إِذا كَانَ الْمَبِيع دَارا أَو عقارا فَالْأَصَحّ من الرِّوَايَات أَنه يَكْتَفِي بِالْوَصْفِ فَإِذا رَضِي بِهِ كَانَ بِمَنْزِلَة النّظر من الْبَصِير وَقَالُوا فِي الْأَعْمَى إِذا اشْترى فوصف لَهُ وَرَضي بذلك ثمَّ زَالَ الْعَمى فَلَا خِيَار لَهُ لِأَن الْوَصْف خلف عَن الرُّؤْيَة فِي حَقه وَالْقُدْرَة على الأَصْل بعد حُصُول الْمَقْصُود بِالْبَدَلِ لَا تسْقط حكم الْبَدَل وَلَو اشْترى الْبَصِير شَيْئا لم يره فوصف لَهُ فَرضِي بِهِ لم يسْقط خِيَاره لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة للخلف مَعَ الْقُدْرَة على الأَصْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وَلَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ البَائِع بِعْتُك هَذَا الشَّيْء وَقد رَأَيْته وَقَالَ المُشْتَرِي لم أره فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي لِأَن البَائِع يَدعِي عَلَيْهِ إِلْزَام العقد وَهُوَ مُنكر فَيكون القَوْل قَوْله ويستحلف المُشْتَرِي لِأَن البَائِع يَدعِي عَلَيْهِ سُقُوط حق الْفَسْخ وَلُزُوم العقد وَهَذَا مِمَّا يَصح بذله وَالْإِقْرَار بِهِ فَيجْرِي فِيهِ الِاسْتِحْلَاف وَلَو رأى عبدا أَو دَابَّة ثمَّ اشْترى بعد ذَلِك بِشَهْر أَو نَحوه فَلَا خِيَار لَهُ لِأَنَّهُ اشْترى شَيْئا قد رَآهُ وَثُبُوت هَذَا الْخِيَار مُعَلّق بشرَاء شَيْء لم يره وَلِأَن مَا هُوَ الْمَقْصُود من الْخِيَار قد ثَبت فَكَانَ الْإِقْدَام على الشِّرَاء دلَالَة الرِّضَا وَلَو اخْتلفَا فَقَالَ المُشْتَرِي قد تغير عَن الْحَالة الَّتِي رَأَيْته وَالْبَائِع يُنكر فَالْقَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه لِأَن دَعْوَى التَّغْيِير إِمَّا أَن تكون دَعْوَى الْعَيْب أَو دَعْوَى تبدل هَيئته فِيمَا يحْتَمل التبدل وَهَذَا دَعْوَى أَمر عَارض فَيكون القَوْل قَول من تمسك بِالْأَصْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 بَاب خِيَار الْعَيْب الْكَلَام فِيهِ فِي مَوَاضِع فِي بَيَان شَرْعِيَّة خِيَار الْعَيْب وَفِي بَيَان الْعُيُوب الَّتِي توجب الْخِيَار جملَة وتفصيلا وَفِي بَيَان كَيْفيَّة الرَّد وَفِي بَيَان مَا يمْنَع الرَّد وَيسْقط الْخِيَار وَفِي بَيَان مَا يمْنَع الرُّجُوع بِنُقْصَان الْعَيْب وَمَا لَا يمْنَع وَفِي بَيَان الْإِبْرَاء عَن الْعُيُوب أما الأول فَلِأَن سَلامَة الْبَدَلَيْنِ فِي عقد الْمُبَادلَة مَطْلُوبَة عَادَة فَتكون بِمَنْزِلَة الْمَشْرُوط صَرِيحًا وَلَو اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا بكر أَو خبازة وَلم تُوجد ثَبت الْخِيَار لفَوَات غَرَضه كَذَا هَذَا وَأما بَيَان الْعُيُوب الْمُوجبَة للخيار فِي الْجُمْلَة فَنَقُول كل مَا أوجب نُقْصَان الْقيمَة وَالثمن فِي عَادَة التُّجَّار فَهُوَ عيب يُوجب الْخِيَار وَمَا لَا يُوجب نُقْصَان الْقيمَة وَالثمن فَلَيْسَ بِعَيْب وَأما تَفْصِيل الْعُيُوب فَهِيَ على نَوْعَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 أَحدهمَا مَا يُوجب فَوَات جُزْء من الْمَبِيع أَو تَغْيِيره من حَيْثُ الظَّاهِر دون الْبَاطِن وَالثَّانِي مَا يُوجب النُّقْصَان من حَيْثُ الْمَعْنى دون الصُّورَة أما الأول فكثير نَحْو الْعَمى والعور والشلل والزمانة والإصبع النَّاقِصَة وَالسّن السَّوْدَاء وَالسّن الساقطة وَالسّن الشاغية وَالظفر الْأسود والصمم والخرس والبكم والقروح والشجاج وَأثر الْجراح والأمراض كلهَا الَّتِي تكون فِي سَائِر الْبدن والحميات وَهَذَا كُله ظَاهر وَأما الثَّانِي فنحو السعال الْقَدِيم وارتفاع الْحيض فِي زمَان طَوِيل أدناه شَهْرَان فَصَاعِدا فِي الْجَوَارِي وَمِنْهَا صهوبة الشّعْر والشمط والشيب فِي العبيد والجواري والبخر عيب فِي الْجَوَارِي دون العبيد إِلَّا أَن يكون فَاحِشا أَو يكون عَن دَاء وَكَذَلِكَ الزفر وَمِنْهَا الزِّنَا عيب فِي الْجَوَارِي دون الغلمان إِلَّا إِذا كثر ذَلِك مِنْهُم وَصَارَ عَادَة لَهُم فَيكون عَيْبا وَكَذَا كَونه ولد الزِّنَا يكون عَيْبا فِي الْجَوَارِي دون العبيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وَالْحَبل عيب فِي الْجَارِيَة لَا فِي الْبَهَائِم وَالنِّكَاح فِي الْغُلَام وَالْجَارِيَة عيب وَالْكفْر عيب فِي الْجَارِيَة والغلام وَمن هَذِه الْجُمْلَة الْإِبَاق وَالسَّرِقَة وَالْبَوْل فِي الْفراش وَالْجُنُون وَحَاصِل الْجَواب فِيهَا أَنَّهَا فِي الصَّغِير الَّذِي لَا يعقل وَلَا يَأْكُل وَحده لَا تكون عَيْبا لِأَنَّهُ لَا يعرف الِامْتِنَاع من هَذِه الْأَشْيَاء فَلَا يثبت بِهِ وجود الْعَيْب بِالِاحْتِمَالِ فَأَما إِذا كَانَ صَبيا عَاقِلا فَإِنَّهُ يكون عَيْبا وَلَكِن عِنْد اتِّحَاد الْحَالة يثبت حق الرَّد لَا عِنْد الِاخْتِلَاف بِأَن ثَبت أَنه أبق عِنْد البَائِع ثمَّ يأبق عِنْد المُشْتَرِي كِلَاهُمَا فِي حَالَة الصغر أَو كِلَاهُمَا فِي حَالَة الْكبر لِأَن سَبَب وجود هَذِه الْأَشْيَاء فِي حَالَة الصغر عيب وَهُوَ قلَّة المبالاة وقصور الْعقل وَضعف المثانة وَفِي حَال الْكبر يكون السَّبَب سوء اخْتِيَاره وداء فِي الْبَاطِن فَإِذا اتّفق الحالان علم أَن السَّبَب وَاحِد فَيكون هَذَا الْعَيْب ثَابتا عِنْد البَائِع فَأَما إِذا اخْتلف فَلَا يعرف لِأَنَّهُ يجوز أَن يَزُول الَّذِي كَانَ عِنْد البَائِع ثمَّ يحدث النَّوْع الآخر عِنْد المُشْتَرِي فَلَا يكون لَهُ حق الرَّد كَالْعَبْدِ إِذا حم عِنْد البَائِع ثمَّ حم عِنْد المُشْتَرِي فَإِن كَانَ هَذَا الثَّانِي غير ذَلِك النَّوْع لَا يثبت حق الرَّد وَإِن كَانَ من نَوعه ثَبت حق الرَّد كَذَا هَذَا فَأَما الْجُنُون إِذا ثَبت وجوده عِنْد البَائِع فَهَل يشْتَرط وجوده ثَانِيًا عِنْد المُشْتَرِي لَيْسَ فِيهِ رِوَايَة نصا وَاخْتلف الْمَشَايِخ فبعضهم قَالُوا لَا يشْتَرط لِأَن مُحَمَّدًا قَالَ الْجُنُون عيب لَازم أبدا فَلَا يشْتَرط وجوده ثَانِيًا عِنْد المُشْتَرِي بِخِلَاف السّرقَة والإباق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وَالْبَوْل فِي الْفراش فَإِنَّهُ مَا لم يُوجد عِنْد المُشْتَرِي لَا يثبت حق الرَّد وَقَالَ بَعضهم لَا يكون لَهُ حق الرَّد مَا لم يُوجد ثَانِيًا عِنْد المُشْتَرِي كَمَا فِي الْإِبَاق ونظائره إِلَّا أَن الْفرق أَن فِي الْجُنُون لَا يشْتَرط اتِّحَاد الْحَالة فَإِن جن عِنْد البَائِع وَهُوَ صَغِير ثمَّ جن عِنْد المُشْتَرِي بعد الْبلُوغ فَإِنَّهُ يثبت حق الرَّد وَفِي الْإِبَاق وَنَظِيره لَا يثبت حق الرَّد إِلَّا عِنْد اتِّحَاد الْحَالة على مَا ذكرنَا وَأما كَيْفيَّة الرَّد فَنَقُول إِن المُشْتَرِي إِذا ادّعى عَيْبا بِالْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يكون عَيْبا ظَاهرا مشاهدا كالإصبع الزَّائِدَة وَالسّن الشاغية الزَّائِدَة والعمى وَنَحْوهَا أَو كَانَ عَيْبا بَاطِنا فِي نفس الْحَيَوَان لَا يعرفهُ إِلَّا الْأَطِبَّاء أَو يكون فِي مَوضِع لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال ويطلع عَلَيْهِ النِّسَاء أَو يكون عَيْبا لَا يعرف بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَا بالتجربة والامتحان عِنْد الْخُصُومَة وَذَلِكَ كالإباق وَالسَّرِقَة وَالْبَوْل على الْفراش وَالْجُنُون أما إِذا كَانَ عَيْبا مشاهدا فَإِن القَاضِي لَا يُكَلف المُشْتَرِي بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على إِثْبَات الْعَيْب عِنْده لكَون الْعَيْب ثَابتا عِنْده بالعيان والمشاهدة وَيكون للْمُشْتَرِي حق الْخُصُومَة مَعَ البَائِع بِسَبَب هَذَا الْعَيْب فَبعد هَذَا القَاضِي ينظر فِي الْعَيْب الَّذِي يَدعِي فَإِن كَانَ عَيْبا لَا يحدث مثله فِي يَدي المُشْتَرِي كالإصبع الزَّائِدَة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يرد على البَائِع وَلَا يُكَلف المُشْتَرِي بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على ثُبُوت الْعَيْب عِنْد البَائِع لِأَنَّهُ تَيَقّن ثُبُوته عِنْده إِلَّا أَن يَدعِي البَائِع الرِّضَا وَالْإِبْرَاء فيطلب مِنْهُ الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يسْتَحْلف المُشْتَرِي على دَعْوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 فَإِن نكل لم يرد عَلَيْهِ وَإِن حلف رد على البَائِع فَإِن كَانَ عَيْبا يجوز أَن يحدث مثله فِي يَد المُشْتَرِي فَإِن القَاضِي يَقُول للْبَائِع هَل حدث هَذَا عنْدك فَإِن قَالَ نعم قضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ إِلَّا أَن يَدعِي الرِّضَا وَالْإِبْرَاء وَإِن أنكر الْحُدُوث عِنْده فَإِنَّهُ يَقُول للْمُشْتَرِي أَلَك بَيِّنَة فَإِن أَقَامَهَا قضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ إِلَّا أَن يَدعِي الرِّضَا وَالْإِبْرَاء وَإِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة ذكر فِي الأَصْل وَقَالَ يسْتَحْلف البَائِع على الْبَتَات بِاللَّه لقد بِعته وسلمته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْب لِأَن هَذَا أَمر لَو أقرّ بِهِ لزمَه فَإِذا أنكر يحلف لصدق قَوْله وَإِنَّمَا يحلف على هَذَا الْوَجْه لِأَن الْعَيْب قد يحدث بعد البيع قبل الْقَبْض فَيثبت لَهُ حق الرَّد فَلَا بُد من ذكر البيع وَالتَّسْلِيم ثمَّ من الْمَشَايِخ من قَالَ لَا يجب أَن يسْتَحْلف هَكَذَا لِأَنَّهُ يبطل حق المُشْتَرِي فِي الرَّد فِي بعض الْأَحْوَال لِأَنَّهُ يكون للْمُشْتَرِي حق الرَّد بِعَيْب حَادث بعد البيع قبل الْقَبْض فَمَتَى حلف على هَذَا الْوَجْه لم يَحْنَث إِذا حدث الْعَيْب قبل الْقَبْض لِأَن شَرط الْحِنْث وجود الْعَيْب عِنْد البيع وَالْقَبْض جَمِيعًا وَلَكِن الِاحْتِيَاط للْمُشْتَرِي أَن يحلف البَائِع بِاللَّه وَمَا للْمُشْتَرِي رد السّلْعَة بِهَذَا الْعَيْب الَّذِي يَدعِي وَقيل يحلف بِاللَّه لقد سلمته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْب الَّذِي يَدعِي وَمِنْهُم من قَالَ بِأَن مَا ذكر مُحَمَّد صَحِيح مَعَ إِضْمَار زِيَادَة فِي كَلَامه فَيحلف البَائِع بِاللَّه لقد بِعته وسلمته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْب لَا عِنْد البيع وَلَا عِنْد التَّسْلِيم إِلَّا أَن مُحَمَّدًا اختصر كَلَامه والاختصار ثَابت فِي اللُّغَة فَيحمل كَلَامه عَلَيْهِ وَأما إِذا كَانَ الْعَيْب بَاطِنا لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص من النَّاس كالأطباء والنخاسين فَإِنَّهُ يعرف ذَلِك مِمَّن لَهُ بصارة فِي ذَلِك الْبَاب فَإِن اجْتمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 على ذَلِك الْعَيْب رجلَانِ مسلمان أَو قَالَ ذَلِك رجل مُسلم عدل فَإِنَّهُ يقبل قَوْله وَيثبت الْعَيْب فِي حق إِثْبَات الْخُصُومَة ثمَّ بعد هَذَا يَقُول القَاضِي للْبَائِع هَل حدث عنْدك الْعَيْب الَّذِي يَدعِي فَإِن قَالَ نعم قضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَإِن أنكر يُقيم المُشْتَرِي الْبَيِّنَة فَإِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة اسْتحْلف البَائِع على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا فَإِن حلف لم يرد عَلَيْهِ وَإِن نكل قضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ إِلَّا أَن يَدعِي الرِّضَا أَو الْإِبْرَاء وَإِن كَانَ الْعَيْب مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال ويطلع عَلَيْهِ النِّسَاء فَإِنَّهُ يرجع إِلَى قَول النِّسَاء فترى امْرَأَة مسلمة عدلة والثنتان أحوط فَإِذا شهِدت على الْعَيْب فَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة عَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ وَكَذَا عَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة فرق أَبُو يُوسُف بَين مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع أَو فِي يَد المُشْتَرِي فَقَالَ إِن كَانَ فِي يَد البَائِع رد الْمَبِيع بشهادتها لِأَن مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال فَقَوْل الْمَرْأَة الْوَاحِدَة بِمَنْزِلَة الْبَيِّنَة فَيثبت الْعَيْب بقولِهَا وَالْعَيْب الْمَوْجُود عِنْد البَائِع يفْسخ بِهِ البيع وَإِن كَانَ بعد الْقَبْض أقبل قَوْلهَا فِي حق إِثْبَات الْخُصُومَة وَلَا أقبل فِي حق الرَّد على البَائِع لِأَن الْمَبِيع وجد معيبا فِي ضَمَان المُشْتَرِي فَلَا أنقل الضَّمَان إِلَى البَائِع بقول النِّسَاء وَلَكِن أثبت حق الْخُصُومَة ليثبت الِاسْتِحْقَاق وَفِي رِوَايَة قَالَ إِن كَانَ الْعَيْب مِمَّا لَا يحدث مثله يفْسخ بقولهن لِأَن الْعَيْب قد ثَبت بشهادتهن وَقد علمنَا كَون الْعَيْب عِنْد البَائِع بِيَقِين فَيثبت حق الْفَسْخ وَإِن كَانَ عَيْبا يحدث مثله لم يثبت حق الْفَسْخ بقولهن لِأَن هَذَا مِمَّا يعلم من جِهَة غَيْرهنَّ وَأما عَن مُحَمَّد فَفِي رِوَايَة قَالَ لَا يفْسخ بقولهن بِحَال وَفِي رِوَايَة يفْسخ قبل الْقَبْض وَبعده بقولهن لِأَن قَوْلهَا فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 الرِّجَال كالبينة كَمَا فِي النّسَب وَأما الْعَيْب الَّذِي لَيْسَ بمشاهد عِنْد الْخُصُومَة وَلَا يعرف بقول النَّاس كالإباق وَالْجُنُون وَالسَّرِقَة وَالْبَوْل على الْفراش فقد ذكرنَا أَنه لَا بُد من ثُبُوت الْعَيْب عِنْد المُشْتَرِي وَعند البَائِع عِنْد اتِّحَاد الْحَالة إِلَّا فِي الْجُنُون إِن اتِّحَاد الْحَال لَيْسَ بِشَرْط فِي الْجُنُون فَإِن أَقَامَ المُشْتَرِي الْبَيِّنَة على حُدُوث الْعَيْب عِنْده فَإِنَّهُ يَقُول القَاضِي للْبَائِع هَل أبق عنْدك فَإِن قَالَ نعم قضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ إِلَّا أَن يَدعِي الرِّضَا أَو الْإِبْرَاء وَإِن أنكر الْإِبَاق أصلا وَادّعى اخْتِلَاف الْحَالة يَقُول القَاضِي للْمُشْتَرِي أَلَك بَيِّنَة فَإِن قَالَ نعم وَأقَام الْبَيِّنَة على مَا يدعى قضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَإِن قَالَ لَا يسْتَحْلف البَائِع بِاللَّه مَا أبق عنْدك قطّ مُنْذُ بلغ وَلَا جن عنْدك قطّ فَإِن حلف انْقَطَعت الْخُصُومَة بَينهمَا وَإِن نكل عَن الْيَمين قضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَإِن لم يجد المُشْتَرِي بَيِّنَة على إِثْبَات أصل الْعَيْب عِنْد نَفسه هَل يسْتَحْلف القَاضِي البَائِع على ذَلِك أم لَا لم يذكر فِي بُيُوع الأَصْل وَذكر فِي الْجَامِع وَقَالَ يستحلفه على قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلم يذكر قَول أبي حنيفَة فَمن الْمَشَايِخ من قَالَ يسْتَحْلف بِلَا خلاف وَمِنْهُم من قَالَ هَذِه الْمَسْأَلَة على الِاخْتِلَاف فَقَوْل أبي حنيفَة لَا يسْتَحْلف نَص عَلَيْهِ فِي كتاب التَّزْكِيَة على مَا يعرف فِي الْجَامِع وَالله أعلم ثمَّ كَيفَ يسْتَحْلف قَالُوا يسْتَحْلف على الْعلم لِأَنَّهَا يَمِين على غير فعله بِاللَّه مَا يعلم أَن هَذَا الْعَيْب مَوْجُود فِي هَذَا العَبْد الْآن فَإِن نكل عَن الْيَمين ثَبت الْعَيْب عِنْد المُشْتَرِي فَيثبت لَهُ حق الْخُصُومَة وَإِن حلف بَرِيء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وَأما مَا يبطل حق الرَّد وَيمْنَع وجوب الْأَرْش وَمَا لَا يمْنَع فَنَقُول أصل الْبَاب أَن الرَّد بِالْعَيْبِ يمْتَنع بِأَسْبَاب مِنْهَا حُدُوث الْعَيْب عِنْد المُشْتَرِي عندنَا خلافًا لمَالِك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْمَبِيع خرج عَن ملكه معيبا بِعَيْب وَاحِد فَلَو رد يرد بعيبين وَشرط الرَّد أَن يرد على الْوَجْه الَّذِي أَخذ وَلم يُوجد وَمِنْهَا الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة المتولدة من الْعين بعد الْقَبْض كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَة أَو المستفادة بِسَبَب الْعين كالأرض والعقر تمنع الرَّد بِالْعَيْبِ وَسَائِر أَسبَاب الْفَسْخ كالإقالة وَالرَّدّ بِخِيَار الرُّؤْيَة وَالشّرط فِي قَول عُلَمَائِنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تمنع وَأَجْمعُوا أَن الْكسْب أَو الْغلَّة الَّتِي تحدث بعد الْقَبْض لَا تمنع فسخ العقد وَأَجْمعُوا أَن الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة قبل الْقَبْض لَا تمنع الْفَسْخ بل يفْسخ على الأَصْل والزوائد جَمِيعًا فَأَما فِي الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة كالسمن وَالْجمال وَنَحْوهَا وَقد حدثت بعد الْقَبْض فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الرَّد بِالْعَيْبِ إِذا رَضِي المُشْتَرِي لكَونهَا تَابِعَة للْأَصْل حَقِيقَة وَقت الْفَسْخ فَإِذا انْفَسَخ العقد على الأَصْل يفْسخ فِيهَا تبعا فَأَما إِذا أَبى المُشْتَرِي أَن يرد وَأَرَادَ الرُّجُوع بِنُقْصَان الْعَيْب وَقَالَ البَائِع لَا أُعْطِيك نُقْصَان الْعَيْب وَلَكِن رد عَليّ الْمَبِيع حَتَّى أرد عَلَيْك الثّمن هَل للْبَائِع ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَيْسَ لَهُ ذَلِك وعَلى قَول مُحَمَّد لَهُ ذَلِك وَهَذَا لِأَن الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة بعد الْقَبْض تمنع فسخ العقد على الأَصْل إِذا لم يُوجد الرضى مِمَّن لَهُ الْحق فِي الزِّيَادَة عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد لَا تمنع كَمَا فِي مَسْأَلَة الْمهْر إِذا ازْدَادَ زِيَادَة مُتَّصِلَة بعد الْقَبْض ثمَّ طَلقهَا الزَّوْج قبل الدُّخُول بهَا على مَا نذْكر فِي كتاب النِّكَاح وَمِنْهَا تعذر الْفَسْخ بِأَسْبَاب مَانِعَة من الْفَسْخ على مَا عرف وَمِنْهَا الرضى بِالْعَيْبِ صَرِيحًا أَو دلَالَة على مَا ذكرنَا فِي خِيَار الشَّرْط أَو وُصُول عوض الْفَائِت إِلَيْهِ حَقِيقَة أَو اعْتِبَارا وَكَانَ للْمُشْتَرِي حق الرُّجُوع بِنُقْصَان الْعَيْب فِي الْمَوَاضِع الَّتِي امْتنع الرَّد إِلَّا إِذا وجد الرِّضَا صَرِيحًا أَو دلَالَة أَو وصل إِلَيْهِ الْعِوَض حَقِيقَة أَو اعْتِبَارا لِأَن ضَمَان النُّقْصَان بدل الْجُزْء الْفَائِت فَإِذا رَضِي بِالْعَيْبِ فقد رَضِي بِالْمَبِيعِ الْقَائِم بِجَمِيعِ الثّمن بِدُونِ الْجُزْء الْفَائِت فَلَا يجب شَيْء وَإِذا حصل الْعِوَض فَكَأَن الْجُزْء الْفَائِت صَار قَائِما معنى بِقِيَام خَلفه هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَ المُشْتَرِي عاقدا لنَفسِهِ فَأَما إِذا كَانَ عاقدا لغيره فَإِن كَانَ مِمَّن يجوز أَن يلْزمه الْخُصُومَة كَالْوَكِيلِ وَالشَّرِيك وَالْمُضَارب والمأذون وَالْمكَاتب فالخصومة تلْزمهُ وَيرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ بِالْحجَّةِ لِأَنَّهَا من حُقُوق العقد وَحُقُوق العقد ترجع إِلَى الْعَاقِد إِذا كَانَ مِمَّن يلْزمه الْخُصُومَة كالعاقد لنَفسِهِ فَمَا قضى بِهِ على الْعَاقِد رَجَعَ بِهِ على من وَقع لَهُ العقد لكَونه قَائِما مقَامه إِلَّا الْمكَاتب والمأذون فَإِنَّهُمَا لَا يرجعان على الْمولى وَلَكِن الدّين يلْزم الْمكَاتب وَيُبَاع فِيهِ الْمَأْذُون لِأَنَّهُمَا يتصرفان لأنفسهما فَلَا يرجعان على غَيرهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 فَأَما القَاضِي وَالْإِمَام إِذا عقدا بِحكم الْولَايَة أَو أمينهما بأمرهما لم يلْزمهُم الْخُصُومَة وَلم يصيروا خصما فِي الْبَاب إِلَّا أَنه ينصب خصما يُخَاصم فِي ذَلِك فَمَا قضى بِهِ عَلَيْهِ رَجَعَ فِي مَال من وَقع التَّصَرُّف لَهُ وَإِن كَانَ التَّصَرُّف للْمُسلمين رَجَعَ فِي بَيت مَالهم فَأَما الْعَاقِد إِن كَانَ صَبيا مَحْجُورا أَو عبدا مَحْجُورا بِإِذن إِنْسَان فِي بيع أَو شِرَاء فَلَا خُصُومَة عَلَيْهِمَا وَلَا ضَمَان وَإِنَّمَا الْخُصُومَة على من وكلهما فِي ذَلِك التَّصَرُّف لِأَن حكم العقد وَقع للْمُوكل والعاقد لَيْسَ من أهل لُزُوم الْعهْدَة فَيقوم مقَامه فِي مُبَاشرَة التَّصَرُّف لَا غير بِمَنْزِلَة الرَّسُول وَالْوَكِيل فِي النِّكَاح وَأما الْبَرَاءَة عَن الْعُيُوب فَنَقُول جملَة هَذَا أَنه إِذا بَاعَ شَيْئا على أَن البَائِع برىء عَن كل عيب فَعم وَلم يخص شَيْئا من الْعُيُوب فَإِن البيع جَائِز وَالشّرط جَائِز فِي قَول عُلَمَائِنَا حَتَّى لَو وجد المُشْتَرِي بِهِ عَيْبا فَأَرَادَ أَن يردهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَقَالَ الشَّافِعِي الْبَرَاءَة عَن كل عيب لَا يَصح مَا لم يسم الْعَيْب فَيَقُول عَن عيب كَذَا وَكَذَلِكَ على هَذَا الْخلاف والبراءة وَالصُّلْح عَن الدُّيُون المجهولة وَإِذا لم يَصح الْبَرَاءَة عَن كل عيب عِنْده هَل يفْسد العقد بِهِ أم لَا فَلهُ فِيهِ قَولَانِ فِي قَول يبطل العقد أَيْضا وَفِي قَول يَصح العقد وَيبْطل الشَّرْط وَقَالَ ابْن أبي ليلى مَا لم يعين الْعَيْب وَيَضَع يَده على الْعَيْب وَيَقُول أَبْرَأتك عَن هَذَا الْعَيْب فَإِنَّهُ لَا يَصح الْإِبْرَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 ثمَّ إِذا صَحَّ هَذَا الشَّرْط عندنَا يبرأ عَن كل عيب من الْعُيُوب الظَّاهِرَة والباطنة لِأَن اسْم الْعَيْب يَقع على الْكل فَأَما إِذا قَالَ أَبْرَأتك عَن كل دَاء رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يَقع على كل عيب ظَاهر دون الْبَاطِن وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة على عَكسه أَنه يَقع على كل عيب بَاطِن وَالْعَيْب الظَّاهِر يُسمى مَرضا وَلَو أَبْرَأ البَائِع عَن كل غائلة رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يَقع على السّرقَة والإباق والفجور وَمَا كَانَ من فعل الْإِنْسَان مِمَّا يعد عَيْبا عِنْد التُّجَّار ثمَّ اتّفق عُلَمَاؤُنَا على أَنه يدْخل تَحت الْبَرَاءَة الْمُطلقَة الْعَيْب الْمَوْجُود وَقت البيع وَاخْتلفُوا فِي الْعَيْب الْحَادِث بعد البيع قبل الْقَبْض قَالَ أَبُو يُوسُف يدْخل تَحت الْبَرَاءَة حَتَّى لَا يملك المُشْتَرِي الرَّد بِالْعَيْبِ الْحَادِث وَقَالَ مُحَمَّد لَا يدْخل حَتَّى يملك الرَّد بذلك الْعَيْب وَهَذَا فرع مَسْأَلَة أُخْرَى وَهِي أَنه إِذا بَاعَ بِشَرْط الْبَرَاءَة عَن كل عيب يحدث بعد البيع قبل الْقَبْض هَل يَصح هَذَا الشَّرْط أم لَا عِنْد أبي يُوسُف يَصح وَعند مُحَمَّد لَا يَصح فَلَمَّا صحت الْبَرَاءَة عَن الْعَيْب الْحَادِث حَالَة التَّنْصِيص فَكَذَا فِي حَالَة الْإِطْلَاق عَن كل عيب فَيدْخل تَحْتَهُ الْحَادِث بعد البيع قبل الْقَبْض فَلَمَّا كَانَت الْبَرَاءَة عَن الْعَيْب الْحَادِث بعد البيع قبل الْقَبْض لَا تصح عِنْد مُحَمَّد حَالَة التَّنْصِيص فحالة الْإِطْلَاق أولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 ثمَّ مَا ذكرنَا من الْجَواب فِيمَا إِذا قَالَ أَبْرَأتك عَن كل عيب مُطلقًا فَأَما إِذا قَالَ أبيعك على أَنِّي بَرِيء من كل عيب بِهِ لم يدْخل فِي ذَلِك الْعَيْب الْحَادِث فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَنَّهُ لم يعم الْبَرَاءَة وَإِنَّمَا خصها بالموجود الْقَائِم عِنْد العقد دون غَيره وَلَو قَالَ على أَنِّي بَرِيء من كل عيب كَذَا وسمى ضربا من الْعُيُوب أَو ضَرْبَيْنِ لم يبرأ من غير ذَلِك النَّوْع مثل أَن يبرأ من القروح أَو الكي وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ أسقط الْحق من نوع خَاص وَلَو كَانَت الْبَرَاءَة عَامَّة فاختلفا فِي عيب فَقَالَ البَائِع كَانَ بِهِ يَوْم العقد وَقَالَ المُشْتَرِي بل حدث قبل الْقَبْض فَالْقَوْل قَول البَائِع عِنْد أبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد لِأَن الْبَرَاءَة عَامَّة فَإِذا ادّعى المُشْتَرِي حُدُوث عيب فيريد إبِْطَال الْعُمُوم فَلَا يبطل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة وَقَالَ زفر وَالْحسن القَوْل قَول المُشْتَرِي لِأَن الأَصْل هُوَ ثُبُوت الْحق وَالْمُشْتَرِي هُوَ المبرىء فَيكون القَوْل قَوْله فِي مِقْدَار الْبَرَاءَة وَلَو كَانَت الْبَرَاءَة من عيب خَاص سَمَّاهُ المُشْتَرِي ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ البَائِع كَانَ بهَا وَقَالَ المُشْتَرِي حدث قبل الْقَبْض فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي عِنْد مُحَمَّد وَلم يثبت عَن أبي يُوسُف قَول لِأَن هَذِه الْبَرَاءَة خَاصَّة فَالْقَوْل فِيهَا قَول المُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَرَاءَة عَن دين خَاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 بَاب الْإِقَالَة والمرابحة وَغير ذَلِك فِي الْبَاب فُصُول بَيَان الْمُرَابَحَة وَبَيَان الْإِقَالَة وَبَيَان حكم الِاسْتِبْرَاء وَبَيَان جَوَاز التَّفْرِيق بَين ذَوي الرَّحِم الْمحرم وتحريمه فِي البيع أما الأول فَنَقُول البيع فِي حق الْبَدَل يَنْقَسِم خَمْسَة أَقسَام بيع المساومة وَهُوَ البيع بِأَيّ ثمن اتّفق وَهُوَ الْمُعْتَاد وَالثَّانِي بيع الْمُرَابَحَة وَهُوَ تمْلِيك الْمَبِيع بِمثل الثّمن الأول وَزِيَادَة ربح وَالثَّالِث بيع التَّوْلِيَة وَهُوَ تمْلِيك الْمَبِيع بِمثل الثّمن الأول من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَالرَّابِع الْإِشْرَاك وَهُوَ بيع التَّوْلِيَة فِي بعض الْمَبِيع من النّصْف وَالثلث وَغير ذَلِك وَالْخَامِس بيع الوضيعة وَهُوَ تمْلِيك الْمَبِيع بِمثل الثّمن الأول مَعَ نُقْصَان شَيْء مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 ثمَّ الأَصْل فِي بيع الْمُرَابَحَة أَنه مَبْنِيّ على الْأَمَانَة فَإِنَّهُ بيع بِالثّمن الأول بقول البَائِع من غير بَيِّنَة وَلَا استحلاف فَيجب صيانته عَن حَقِيقَة الْخِيَانَة وَشبههَا فَإِذا ظَهرت الْخِيَانَة يجب رده كالشاهد يجب قبُول قَوْله فَإِذا ظَهرت الْخِيَانَة يرد قَوْله كَذَا هَذَا إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول إِذا بَاعَ شَيْئا مُرَابحَة على الثّمن الأول فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الثّمن من ذَوَات الْأَمْثَال كالدراهم وَالدَّنَانِير والمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود المتقارب أَو يكون من الْأَعْدَاد المتفاوتة مثل العبيد والدور وَالثيَاب وَالرُّمَّان والبطاطيخ وَنَحْوهَا أما إِذا كَانَ الثّمن الأول مثلِيا فَبَاعَهُ مُرَابحَة على الثّمن الأول وَزِيَادَة ربح فَيجوز سَوَاء كَانَ الرِّبْح من جنس الثّمن الأول أَو لم يكن بعد أَن يكون شَيْئا مُقَدرا مَعْلُوما نَحْو الدِّرْهَم والخمسة وثوب مشار إِلَيْهِ أَو دِينَار لِأَن الثّمن الأول مَعْلُوم وَالرِّبْح مَعْلُوم فَأَما إِذا كَانَ الثّمن الأول لَا مثل لَهُ فَإِن أَرَادَ أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة عَلَيْهِ فَهَذَا على وَجْهَيْن إِمَّا أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة مِمَّن كَانَ الْعرض فِي يَده وَملكه أَو من غَيره فَإِن بَاعه مِمَّن لَيْسَ فِي ملكه وَيَده لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة بذلك الْعرض أَو بِقِيمَتِه وَلَا وَجه للْأولِ لِأَن الْعرض لَيْسَ فِي ملك من يَبِيعهُ مِنْهُ وَلَا وَجه أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة بِقِيمَتِه لِأَن الْقيمَة تعرف بالحزر وَالظَّن فيتمكن فِيهِ شُبْهَة الْخِيَانَة وَأما إِذا أَرَادَ أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة مِمَّن كَانَ الْعرض فِي يَده وَملكه فَهَذَا على وَجْهَيْن إِن قَالَ أبيعك مُرَابحَة بِالثَّوْبِ الَّذِي فِي يدك وبربح عشرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 دَرَاهِم جَازَ لِأَنَّهُ جعل الرِّبْح على الثَّوْب عشرَة دَرَاهِم وَهِي مَعْلُومَة وَإِن قَالَ أبيعك بذلك الثَّوْب بِرِبْح ده يازده فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن تَسْمِيَة ربح ده يازده أَو أحد عشر يَقْتَضِي أَن يكون الرِّبْح من جنس رَأس المَال لِأَنَّهُ لَا يكون أحد عشر إِلَّا وَأَن يكون الْحَادِي عشر من جنس الْعشْرَة فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ بِالثّمن الأول وَهُوَ الثَّوْب وبجزء من جنس الأول وَالثَّوْب لَا مثل لَهُ من جنسه ثمَّ فِي بيع الْمُرَابَحَة يعْتَبر رَأس المَال وَهُوَ الثّمن الأول أَي مَا ملك الْمَبِيع بِهِ وَوَجَب بِالْعقدِ دون مَا نَقده بَدَلا عَن الأول بَيَانه إِذا اشْترى ثوبا بِعشْرَة دَرَاهِم ثمَّ أعْطى عَنْهَا دِينَارا أَو ثوبا قِيمَته عشرَة دَرَاهِم أَو أقل أَو أَكثر فَإِن رَأس المَال هُوَ الْعشْرَة الْمُسَمَّاة فِي العقد دون الدِّينَار وَالثَّوْب لِأَن هَذَا يجب بِعقد آخر وَهُوَ الِاسْتِبْدَال وَكَذَلِكَ من اشْترى ثوبا بِعشْرَة وَهِي خلاف نقد الْبَلَد ثمَّ قَالَ لآخر أبيعك هَذَا الثَّوْب بِرِبْح دِرْهَم لزمَه عشرَة مثل الَّتِي وَجَبت بِالْعقدِ وَإِن كَانَ يُخَالف نقد الْبَلَد وَالرِّبْح يكون من نقد الْبَلَد لِأَنَّهُ أطلق الرِّبْح فَيَقَع على نقد الْبَلَد وَلَو نسب الرِّبْح إِلَى رَأس المَال فَقَالَ أبيعك بِرِبْح الْعشْرَة أَو ده يَا زده أَو بِرِبْح أحد عشر فَالرِّبْح من جنس الثّمن الأول لِأَنَّهُ جعله جُزْءا مِنْهُ فَكَانَ على صفته وَلَو اشْترى ثوبا بِعشْرَة دَرَاهِم جِيَاد ثمَّ إِنَّه دفع إِلَى البَائِع عشرَة دَرَاهِم بَعْضهَا جِيَاد وَبَعضهَا زيوف وَتجوز بذلك البَائِع ثمَّ أَرَادَ أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 يَبِيعهُ مُرَابحَة جَازَ لَهُ أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة على الْعشْرَة الْجِيَاد من غير بَيَان لِأَن الْمُسَمّى الْمَضْمُون بِالْعقدِ هُوَ الْجِيَاد لَكِن جعل الرَّديئَة بَدَلا عَن الأول بِعقد آخر وَلَو اشْترى ثوبا بِعشْرَة نَسِيئَة فَبَاعَهُ مُرَابحَة على الْعشْرَة وَبَين أَنه اشْتَرَاهُ بهَا نَسِيئَة لَا يكره لِأَنَّهُ لم يُوجد الْخِيَانَة حَيْثُ أعلم المُشْتَرِي بذلك وَرَضي بِهِ فَأَما إِذا بَاعَ مُرَابحَة على الْعشْرَة من غير بَيَان النَّسِيئَة فَإِنَّهُ يكره وَالْبيع جَائِز وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا علم لِأَنَّهُ وجد الْغرُور والخيانة لِأَن المُشْتَرِي إِنَّمَا اشْتَرَاهُ مُرَابحَة على الْعشْرَة على تَقْدِير أَن الثّمن فِي البيع الأول عشرَة بطرِيق النَّقْد وَيخْتَلف ثمن الْمَبِيع بَين النَّسِيئَة والنقد فَيثبت لَهُ الْخِيَار كَمَا لَو اشْترى برقمه ثمَّ علم فِي الْمجْلس يثبت لَهُ الْخِيَار كَذَا هَذَا بِخِلَاف مَا إِذا بَاعه مساومة بِأَكْثَرَ من قِيمَته ثمَّ علم المُشْتَرِي بِأَنَّهُ اشْترى بِأَقَلّ من ذَلِك لَا يكون لَهُ الْخِيَار لِأَن المُشْتَرِي لم يصر مغرورا من جِهَته وَلَو قَالَ إِن قِيمَته كَذَا وَهُوَ أَكثر من قِيمَته وَالْمُشْتَرِي لَا يعرف قيمَة الْأَشْيَاء وَاشْتَرَاهُ بِنَاء على قَول البَائِع فَإِنَّهُ يكون لَهُ الْخِيَار لِأَنَّهُ يصير غارا أما إِذا كَانَ عَالما بِالْقيمَةِ وَاشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ من ذَلِك لغَرَض لَهُ فِي ذَلِك فَلَا بَأْس بِهِ وأصحابنا يفتون فِي المغبون أَنه لَا يرد وَلَكِن هَذَا فِي مغبون لم يغر أما فِي مغبون غر فَيكون لَهُ حق الرَّد اسْتِدْلَالا بِمَسْأَلَة الْمُرَابَحَة فِي النَّسِيئَة وَلَو اشْترى بدين لَهُ على رجل فَلهُ أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة من غير بَيَان لِأَنَّهُ اشْترى بِثمن فِي ذمَّته لِأَن الدّين لَا يتَعَيَّن ثمنا وَإِن أَخذ ثوبا صَالحا من دين لَهُ على رجل لَيْسَ لَهُ أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة على ذَلِك الدّين لِأَن مبْنى الصُّلْح على الْحَط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَلَو اشْترى ثوبا بِعشْرَة ثمَّ رقمه بِأَكْثَرَ من الثّمن وَهُوَ قِيمَته فَإِن كَانَ قِيمَته أَكثر من ذَلِك ثمَّ بَاعه مُرَابحَة على الرقم جَازَ وَلَا يكون خِيَانَة لِأَنَّهُ بَاعَ الْمَبِيع من غير خِيَانَة حَيْثُ ذكر الرقم وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ عِنْد البَائِع أَن المُشْتَرِي يعلم أَن الرقم غير وَالثمن غير وَأما إِذا كَانَ عِنْده أَن المُشْتَرِي يعلم أَن الرقم وَالثمن سَوَاء فَإِنَّهُ يكون خِيَانَة وَله الْخِيَار وَكَذَا لَو ملك شَيْئا بِالْمِيرَاثِ أَو الْهِبَة فقومه رجل عدل بِقِيمَة عدل ثمَّ بَاعه مُرَابحَة على قِيمَته وَهِي كَذَا لَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ صَادِق فِي مقَالَته وَلَو اشْترى شَيْئا بِعشْرَة دَرَاهِم فَقَالَ لرجل آخر اشْتريت هَذَا بِاثْنَيْ عشر وأبيعك مُرَابحَة بِرِبْح دِرْهَم ثمَّ ظهر أَن الثّمن الأول كَانَ عشرَة إِمَّا بِإِقْرَار البَائِع أَو بِالْبَيِّنَةِ قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا لَا يحط قدر الْخِيَانَة من الثّمن وَلَكِن يتَخَيَّر المُشْتَرِي إِن شَاءَ فسخ البيع وَإِن شَاءَ رَضِي ربه بِجَمِيعِ الثّمن وَقَالَ أَبُو يُوسُف بِأَنَّهُ يحط قدر الْخِيَانَة وحصته من الرِّبْح وَيكون العقد لَازِما بِالْبَاقِي من الثّمن فيحط عَنهُ دِرْهَمَانِ وحصتهما من الرِّبْح وَذَلِكَ سدس دِرْهَم هَذَا فِي بيع الْمُرَابَحَة فَأَما إِذا خَان فِي بيع التَّوْلِيَة فقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يحط قدر الْخِيَانَة وَيلْزم البيع بِالثّمن الْبَاقِي بِلَا خِيَار وَقَالَ مُحَمَّد بِأَنَّهُ لَا يحط قدر الْخِيَانَة لَكِن يتَخَيَّر المُشْتَرِي مَا دَامَ الْمَبِيع قَائِما فَإِذا هلك سقط خِيَاره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 فَأَبُو يُوسُف سوى بَين التَّوْلِيَة والمرابحة وَقَالَ يحط قدر الْخِيَانَة فيهمَا وَيلْزم العقد بِالْبَاقِي فيهمَا وَمُحَمّد سوى بَينهمَا وَقَالَ لَا يحط قدر الْخِيَانَة فيهمَا وَيثبت لَهُ الْخِيَار وَأَبُو حنيفَة فرق فَقَالَ يحط قدر الْخِيَانَة فِي التَّوْلِيَة وَلَا يحط فِي الْمُرَابَحَة ثمَّ الأَصْل أَن كل نَفَقَة ومؤونة حصلت فِي السّلْعَة وأوجبت زِيَادَة فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ إِمَّا من حَيْثُ الْعين أَو من حَيْثُ الْقيمَة وَكَانَ ذَلِك مُعْتَادا إِلْحَاقًا بِرَأْس المَال عِنْد التِّجَارَة فَإِنَّهُ يلْحق بِرَأْس المَال كَأُجْرَة القصارة والخياطة والكراء وَطَعَام الرَّقِيق وكسوتهم وعلف الدَّوَابّ وثيابهم وَنَحْو ذَلِك فبيعه مُرَابحَة عَلَيْهِ وَلَا يَقُول عِنْد البيع إِن ثمنه كَذَا وَلَكِن يَقُول يقوم عَليّ بِكَذَا فأبيعك على هَذَا مَعَ ربح كَذَا حَتَّى لَا يكون كَاذِبًا فِي كَلَامه أما أُجْرَة تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْأَدب وَالشعر والحرف فَإِنَّهَا لَا تلْحق بِرَأْس المَال وَإِن أوجبت زِيَادَة فِي الْقيمَة لِأَنَّهَا لَيست بمتعارفة عِنْد التُّجَّار وَكَذَا أُجْرَة الطَّبِيب وَثمن الدَّوَاء وَأُجْرَة الفصاد والحجام وَأُجْرَة الْخِتَان والبزاغ وَأُجْرَة الرائض والراعي وَجعل الْآبِق لِأَن عَادَة التُّجَّار هَكَذَا وَأما أُجْرَة السمسار فَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يلْحق بِرَأْس المَال وَفِي البرامكة قَالَ لَا يلْحق وَأما الْإِقَالَة فمشروعة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أقَال نَادِما بيعَته أقَال الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ اخْتلفُوا فِيهَا قَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ فسخ فِي حق الْمُتَعَاقدين بيع جَدِيد فِي حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 الثَّالِث حَتَّى إِن من اشْترى دَارا وَلها شَفِيع فَسلم الشُّفْعَة ثمَّ أقالا البيع فِيهَا فَإِنَّهُ يثبت للشَّفِيع الشُّفْعَة ثَانِيًا لِأَنَّهَا عقد جَدِيد فِي حق الشَّفِيع وَقَالَ مُحَمَّد الْإِقَالَة فسخ إِلَّا إِذا كَانَ لَا يُمكن أَن تجْعَل فسخا فتجعل بيعا جَدِيدا وَقَالَ أَبُو يُوسُف هِيَ بيع جَدِيد مَا أمكن فَإِن لم يُمكن تجْعَل فسخا بِأَن كَانَت الْإِقَالَة قبل قبض الْمَبِيع وَهُوَ مَنْقُول فَإِنَّهَا تجْعَل فسخا لِأَن بيع الْمَنْقُول قبل الْقَبْض لَا يجوز حَتَّى إِذا كَانَ الْمَبِيع دَارا وأقالا قبل الْقَبْض يكون بيعا لِأَن بيع الْعقار الْمَبِيع قبل الْقَبْض جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَقَالَ زفر هِيَ فسخ فِي حق الْمُتَعَاقدين وَغَيرهمَا حَتَّى لَا يَقُول بِثُبُوت الشُّفْعَة كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة ويبنى على هَذَا أَنَّهُمَا إِذا تقابلا بِأَكْثَرَ من الثّمن الأول أَو بِأَقَلّ أَو بِجِنْس آخر أَو أجل الثّمن فِي الْإِقَالَة فعلى قَول أبي حنيفَة تصح الْإِقَالَة بِالثّمن الأول وَيبْطل مَا شرطاه لِأَنَّهَا فسخ فِي حق الْمُتَعَاقدين وَالْفَسْخ يكون بِالثّمن الأول وَيبْطل الشَّرْط الْفَاسِد وَهُوَ قَول زفر لِأَنَّهَا فسخ مَحْض فِي حق النَّاس كَافَّة وعَلى قَول الشَّافِعِي الْإِقَالَة بَاطِلَة هَهُنَا لِأَنَّهُمَا أدخلا فِيهَا شرطا فَاسِدا فَهِيَ كَالْبيع وَقَالَ مُحَمَّد إِن كَانَت الْإِقَالَة بِغَيْر الثّمن الأول أَو بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهِيَ بيع وَإِن كَانَت بِمثل الثّمن الأول أَو أقل فَهِيَ فسخ بِالثّمن وَيبْطل شَرط النُّقْصَان وَكَذَلِكَ إِن أجل يبطل الْأَجَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 وعَلى قَول أبي يُوسُف يَصح بِمَا ذكرا من الثّمن وشرطا بِهِ من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَالْأَجَل لِأَنَّهَا بيع جَدِيد مَا أمكن وَهُوَ مُمكن وَأما بَيَان حكم الِاسْتِبْرَاء فَنَقُول الِاسْتِبْرَاء مَشْرُوع وَهُوَ نَوْعَانِ مَنْدُوب وواجب فالاستبراء الْمَنْدُوب إِلَيْهِ هُوَ أَن الرجل إِذا وطىء جَارِيَته ثمَّ أَرَادَ بيعهَا يسْتَحبّ لَهُ أَن يَسْتَبْرِئهَا بِحَيْضَة ثمَّ يَبِيعهَا عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك وَاجِب لِأَن احْتِمَال الْعلُوق مِنْهُ قَائِم فَيجب عَلَيْهِ صِيَانة مَائه عَن الضّيَاع وَلَكِن عندنَا لَا يجب لِأَن سَبَب الْوُجُوب لم يُوجد على مَا نذْكر وَأما الِاسْتِبْرَاء الْوَاجِب فَهُوَ الِاسْتِبْرَاء على من يحدث لَهُ ملك الِاسْتِمْتَاع بِملك الْيَمين بِأَيّ سَبَب كَانَ من السَّبي وَالشِّرَاء وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة وَالْمِيرَاث وَنَحْوهَا وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ الحبالى حَتَّى يَضعن حَملهنَّ وَلَا الحيالى حَتَّى يستبرئن بِحَيْضَة أوجب الِاسْتِبْرَاء على السابي والسبي سَبَب حُدُوث ملك الِاسْتِمْتَاع بِملك الْيَمين فَيكون نصا فِي كل مَا هُوَ سَبَب حل الِاسْتِمْتَاع بِملك الْيَمين دلَالَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 ثمَّ مِقْدَار مُدَّة الِاسْتِبْرَاء هِيَ فِي الْحَيْضَة حق ذَوَات الْأَقْرَاء وَفِي حق ذَوَات الْأَشْهر شهر وَاحِد لِأَن الِاسْتِبْرَاء إِنَّمَا يجب صِيَانة للْمَاء كي لَا يخْتَلط مَاؤُهُ بِمَاء غَيره فَلَا بُد لَهُ من الْمدَّة وَأَقل الْمدَّة هَذَا وَإِن كَانَت الْجَارِيَة ممتدة الطُّهْر بِأَن كَانَت شَابة لَا تحيض فَإِن استبراءها لَا يكون بِشَهْر وَاحِد كَمَا فِي الآيسة وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مُدَّة استبرائها حَتَّى يُبَاح للْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا عِنْد مضيها قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا يَطَأهَا حَتَّى يمْضِي عَلَيْهَا مُدَّة لَو كَانَت حَامِلا لظهر آثَار الْحمل من انتفاخ الْبَطن وَغَيره وَذَلِكَ ثَلَاثَة أشهر وَمَا زَاد عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّد أَولا بِأَنَّهُ لَا يَطَأهَا حَتَّى يمْضِي عَلَيْهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام وَقَالَ زفر لَا يَطَأهَا حَتَّى تمْضِي سنتَانِ ثمَّ مَا لم تمض مُدَّة الِاسْتِبْرَاء لَا يحل للْمَالِك أَن يَطَأهَا وَأَن يقبلهَا ويمسها لشَهْوَة وَأَن ينظر إِلَى عورتها بِالنَّصِّ الَّذِي روينَا وبالمعنى الَّذِي ذكرنَا من صِيَانة المَاء وَسَوَاء وَطئهَا أَو لَا أَو كَانَ بَائِعهَا مِمَّن لَا يَطَؤُهَا كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ لِأَن احْتِمَال الْوَطْء من غَيره قَائِم ثمَّ إِنَّمَا يعْتَبر الِاسْتِبْرَاء بعد الْقَبْض حَتَّى لَو مَضَت مُدَّة الِاسْتِبْرَاء بعد البيع قبل الْقَبْض ثمَّ قبضهَا يجب الِاسْتِبْرَاء هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب أَصْحَابنَا جَمِيعًا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يجْزِيه الِاسْتِبْرَاء قبل الْقَبْض وَلَو اشْترى جَارِيَة حَامِلا فَوضعت الْحمل بعد الْقَبْض يُبَاح الْوَطْء لِأَن وضع الْحمل كَونه دَلِيلا على بَرَاءَة الرَّحِم فَوق الْقُرْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وَإِن كَانَ الْوَضع قبل الْقَبْض فَلَا عِبْرَة لما ذكرنَا أَنه إِنَّمَا يجب سَبَب حُدُوث حل الِاسْتِمْتَاع بِملك الْيَمين وَإِنَّمَا يحل الْوَطْء بعد الْقَبْض فَلَا يجب قبل وجود سَبَب الْوُجُوب وعَلى هَذَا إِذا اشْترى جَارِيَة لَهَا زوج وَقَبضهَا وَطَلقهَا زَوجهَا قبل الدُّخُول بهَا فَلَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهِ لِأَن السَّبَب غير مُوجب الِاسْتِبْرَاء عِنْد الْقَبْض بِسَبَب كَونهَا حَلَالا لزوج فَلَا يجب بعد ذَلِك وعَلى هَذَا إِذا اشْتَرَاهَا وَهِي مُعْتَدَّة من زوج فانقضت عدتهَا بعد الْقَبْض لِأَنَّهَا لَا تجب حَال وجود السَّبَب لمَانع فَلَا يجب بعد ذَلِك وَلَو انْقَضتْ الْعدة قبل الْقَبْض يجب الِاسْتِبْرَاء بعد الْقَبْض لما قُلْنَا وَلَو حرم فرج الْأمة على مَوْلَاهَا على وَجه لَا يخرج عَن ملكه لمَانع بَعْدَمَا كَانَ حَلَالا واستبرأها بعد الْقَبْض ثمَّ زَالَ ذَلِك الْمَانِع بعد الشِّرَاء حل الْوَطْء وَلَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهِ كَمَا إِذا كاتبها فتعجز أَو زَوجهَا فيطلقها الزَّوْج قبل الدُّخُول أَو ترتد عَن الْإِسْلَام ثمَّ تسلم أَو أَحرمت بِالْحَجِّ بِإِذن سَيِّدهَا ثمَّ حلت لِأَن هَذَا تَحْرِيم عَارض مَعَ بَقَاء الْملك الْمُبِيح فَلَا يمْنَع صِحَة الِاسْتِبْرَاء فَصَارَ كَمَا لَو حَاضَت ثمَّ طهرت وَلَو اشْترى أمة مَجُوسِيَّة أَو مسلمة فكاتبها قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا أَو اشْترى جَارِيَة مُحرمَة فَحَاضَت فِي حَال كتَابَتهَا ومجوسيتها وَحَال إحرامها بعد الْقَبْض ثمَّ عجزت الْمُكَاتبَة وَأسْلمت الْمَجُوسِيَّة وحلت الْمُحرمَة عَن الْإِحْرَام فَإِنَّهُ يجتزىء تِلْكَ الْحَيْضَة من الِاسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا وجدت بعد وجود سَبَب الِاسْتِبْرَاء وَهُوَ حُدُوث ملك الْيَمين الْمُوجب لملك الِاسْتِمْتَاع إِلَّا أَنه لَا يحل الِاسْتِيفَاء لمَانع وَهَذَا لَا يمْنَع من الِاعْتِدَاد كالحيض بِخِلَاف مَا إِذا اشْترى جَارِيَة بيعا فَاسِدا وَقَبضهَا ثمَّ حَاضَت حَيْضَة ثمَّ اشْتَرَاهَا بعد ذَلِك شِرَاء صَحِيحا حَيْثُ لَا يعْتد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 بِتِلْكَ الْحَيْضَة عَن الِاسْتِبْرَاء لِأَن الشِّرَاء الْفَاسِد لَا يُوجب ملك الِاسْتِمْتَاع وَإِن اتَّصل بِهِ الْقَبْض وَأما التَّفْرِيق بَين الصَّغِير وَبَين ذَوي الْأَرْحَام المجتمعة فِي الْملك فَنَقُول لَا خلاف أَن التَّفْرِيق فِي الولاد مَكْرُوه كالتفريق بَين الْأَب وَابْنه وَنَحْو ذَلِك وَأما فِيمَن سواهُم من ذَوي الرَّحِم الْمحرم كالإخوة وَالْأَخَوَات والأعمام والعمات والأخوال والخالات فَإِنَّهُ يكره التَّفْرِيق أَيْضا عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من فرق بَين وَالِدَة وَوَلدهَا فرق الله بَينه وَبَين الْجنَّة وذوو الْأَرْحَام مُلْحقَة بالولاد فِي بَاب الْمُحرمَات احْتِيَاطًا لحُرْمَة النِّكَاح وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يلْحق ذُو الْأَرْحَام بالولاد كَمَا فِي الْعتْق وَالنَّفقَة وَإِنَّمَا يُبَاح التَّفْرِيق بعد الْبلُوغ وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بلغ سبع سِنِين جَازَ التَّفْرِيق وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما روى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا يجمع عَلَيْهِم السَّبي والتفريق حَتَّى يبلغ الْغُلَام وتحيض الْجَارِيَة ثمَّ مَتى فرق بَينهمَا بِالْبيعِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي البيع بَاطِل وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ فِي الولاد البيع بَاطِل وَفِي غَيرهم جَائِز مَعَ الْكَرَاهَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وَهَذَا بِنَاء على أَن النَّهْي عَن الْمَشْرُوع يَقْتَضِي بطلَان التَّصَرُّف عِنْد الشَّافِعِي وَعِنْدنَا بِخِلَافِهِ لَكِن هَذَا نهي لِمَعْنى فِي غَيره بِمَنْزِلَة البيع وَقت النداء وَإِذا اجْتمع مَعَ الصَّغِير عدد من أقربائه من الرَّحِم الْمحرم فِي ملك وَاحِد فَعَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة بشر أَنه لَا يفرق بَينه وَبَين وَاحِد مِنْهُم اخْتلفت جِهَات قرابتهم كالعمة وَالْخَالَة أَو اتّفقت كالعمين والخالين والأخوين وَكَذَا لَا يفرق بَينه وَبَين الْأَبْعَد وَإِن وجد الْأَقْرَب حَتَّى إِذا اجْتمع مَعَ الصَّغِير أَبَوَاهُ وجداه لم يفرق بَينه وَبَين الجدين لِأَن لكل شخص شَفَقَة على حِدة وَفِي رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة عَنهُ أَنه يجوز التَّفْرِيق بَين الصَّغِير وَبَين الْأَبْعَد إِذا وجد من هُوَ أقرب مِنْهُ وَذكر مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات إِذا اجْتمع مَعَ الصَّغِير أَبَوَاهُ لم يفرق بَينه وَبَين وَاحِد مِنْهُمَا وَجَاز أَن يفرق بَينه وَبَين من سواهُمَا مَعَهُمَا وَإِذا اجْتمعت الْقرَابَات غير الْأَب وَالأُم فَإِن كَانَت من جِهَات مُخْتَلفَة كَأُمّ الْأَب وَأم الْأُم وَالْخَالَة والعمة لم يفرق بَينه وَبَين وَاحِد مِنْهُم وَإِن كَانُوا من جِهَة وَاحِدَة كالإخوة أَو العمات أَو الخالات جَازَ بيعهم من غير كَرَاهَة إِلَّا بيع وَاحِد مِنْهُم وَيجوز بيع الْبعيد إِذا وجد من هُوَ أقرب مِنْهُ لِأَن فِي الْجِنْس الْوَاحِد الشَّفَقَة من جنس وَاحِد فيكتفي بِوَاحِد وَعند اخْتِلَاف الْجِهَات يخْتَلف الشَّفَقَة فَلِكُل نوع شَفَقَة تخَالف النَّوْع الآخر فَلَا بُد من اجْتِمَاع الْكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 كتاب النِّكَاح يحْتَاج إِلَى بَيَان صفة النِّكَاح الْمَشْرُوعَة وَإِلَى بَيَان تَفْسِير النِّكَاح لُغَة وَإِلَى تَفْسِيره فِي عرف الشَّرْع أما الأول فقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ قَالَ دَاوُد بن عَليّ الْأَصْفَهَانِي وَمن تَابعه من أَصْحَاب الظَّوَاهِر إِن النِّكَاح فرض عين حَتَّى إِن من تَركه مَعَ الْقُدْرَة على الْوَطْء والإنفاق فَإِنَّهُ يَأْثَم وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّه مُبَاح وَاخْتلف أَصْحَابنَا فَقَالَ بَعضهم إِنَّه فرض كِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ وَقَالَ بَعضهم إِنَّه مَنْدُوب ومستحب وَقَالَ بَعضهم إِنَّه وَاجِب لَكِن بَعضهم قَالُوا يجب على سَبِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 التَّعْيِين بِمَنْزِلَة الْوتر وَالْأُضْحِيَّة وَقَالَ بَعضهم هُوَ وَاجِب على سَبِيل الْكِفَايَة ويبتنى على هَذَا الْخلاف مَسْأَلَة التخلي فعندنا الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ مَعَ أَدَاء الْفَرَائِض وَالسّنَن أولى من التخلي لنوافل الْعِبَادَة مَعَ ترك النِّكَاح خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما تَفْسِير النِّكَاح لُغَة فَهُوَ الْجمع الْمُطلق يُقَال أَنْكَحنَا الفرا فسنرى أَي جَمعنَا بَينهمَا وَأما فِي الشَّرْع فعبارة عَن وجود ركن العقد مَعَ شُرُوطه أما رُكْنه فَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول من الزَّوْجَيْنِ وهما لفظان يعبر بهما عَن الْمَاضِي أَو يعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الْمَاضِي وَالْآخر عَن الْمُسْتَقْبل وَفِي البيع لَا يَصح مَا لم يكن اللفظان يعبر بهما عَن الْمَاضِي على مَا ذكرنَا فِي الْبيُوع ثمَّ لَا خلاف بَين الْعلمَاء بِأَن النِّكَاح ينْعَقد بِلَفْظ التَّزْوِيج وَالنِّكَاح وَاخْتلفُوا فِيمَا سواهُمَا من الْأَلْفَاظ نَحْو لفظ البيع وَالْهِبَة وَالتَّمْلِيك وَنَحْوهَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا ينْعَقد إِلَّا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَعند أَصْحَابنَا لَا ينْعَقد إِلَّا بِلَفْظ مَوْضُوع للتَّمْلِيك ثمَّ اخْتلف الْمَشَايِخ قَالَ عامتهم لَا ينْعَقد إِلَّا بِلَفْظ مَوْضُوع لتمليك الْأَعْيَان كَالْبيع وَالْهِبَة وَلَا ينْعَقد بِلَفْظ مَوْضُوع لتمليك الْمَنَافِع كَالْإِجَارَةِ والإعارة وَقَالَ الْكَرْخِي ينْعَقد بِلَفْظ وضع للتَّمْلِيك مُطلقًا سَوَاء كَانَ لتمليك الْأَعْيَان أَو لتمليك الْمَنَافِع حَتَّى ينْعَقد بِلَفْظ الْإِجَارَة والإعارة عِنْده وَأما لفظ الْوَصِيَّة فَإِن ذكر مُطلقًا بِأَن قَالَ أوصيتك بِابْنَتي هَذِه بِأَلف دِرْهَم لَا يَصح لِأَن الْوَصِيَّة تمْلِيك بعد الْمَوْت وَالنِّكَاح الْمُضَاف إِلَى وَقت لَا يجوز بِأَن قَالَت الْمَرْأَة زوجت نَفسِي مِنْك شهر رَمَضَان بِأَلف دِرْهَم وَأما إِذا قَالَ أوصيتك بِابْنَتي هَذِه الْآن بِأَلف دِرْهَم أَو لم يذكر الْمهْر وَقبل الزَّوْج فَإِنَّهُ ينْعَقد النِّكَاح وَأما بِلَفْظَة الْإِحْلَال والتحليل وَالْإِبَاحَة فَلَا ينْعَقد لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّمْلِيك وَكَذَا بِلَفْظَة الْمُتْعَة بِأَن قَالَ الزَّوْج أتمتع بك بِكَذَا فرضيت أَو قَالَت نعم لَا ينْعَقد لِأَنَّهَا لم تُوضَع للتَّمْلِيك وَلِأَن الْمُتْعَة صَارَت مَنْسُوخَة وَهِي عبارَة عَن النِّكَاح الْمُؤَقت وَكَذَا لَو قَالَ زَوجي نَفسك مني إِلَى شهر كَذَا فَقَالَت نعم زوجت لَا ينْعَقد النِّكَاح عندنَا وَعند زفر ينْعَقد النِّكَاح وَيَلْغُو ذكر الْوَقْت وَعِنْدنَا هُوَ تَفْسِير نِكَاح الْمُتْعَة وَإنَّهُ مَنْسُوخ وَأما النِّكَاح الْمُضَاف إِلَى وَقت أَو الْمُعَلق بِشَرْط فَلَا يَصح بِالْإِجْمَاع بِأَن قَالَت زوجت نَفسِي مِنْك غَدا أَو شهر رَمَضَان الْآتِي أَو زوجت نَفسِي مِنْك إِن خلت الدارو فَقَالَ الزَّوْج قبلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وَلَو قَالَ أتزوجك على أَن أطلقك إِلَى عشرَة أَيَّام فرضيت أَو قَالَت نعم أَو قَالَت زوجت نَفسِي مِنْك على هَذَا فَإِنَّهُ ينْعَقد النِّكَاح وَيبْطل الشَّرْط هَذَا الَّذِي ذكرنَا هُوَ الحكم فِي الزَّوْجَيْنِ فَأَما إِذا كَانَ أحد الْعَاقِدين مَالِكًا وَالْآخر وليا أَو وَكيلا أَو رَسُولا فَكَذَلِك الْجَواب لِأَنَّهُ لَا بُد من وجود لفظين وَهُوَ الْإِيجَاب من أَحدهمَا وَالْقَبُول من الآخر وَأما إِذا كَانَ الْوَاحِد وليا من الْجَانِبَيْنِ أَو وَكيلا أَو رَسُولا من الْجَانِبَيْنِ أَو وَكيلا من جَانب ووليا من جَانب فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِيهِ بِكَلَام وَاحِد بِأَن يَقُول زوجت فُلَانَة من فلَان بِكَذَا فَينْعَقد العقد وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يَقُول قبلت عَن فلَان لِأَن كَلَامه يقوم مقَام كلامين وَهَذَا عندنَا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز أَن يكون الْوَاحِد فِي النِّكَاح عاقدا من الْجَانِبَيْنِ كَمَا فِي البيع لَا يجوز أَن يكون الْوَاحِد وَكيلا من الْجَانِبَيْنِ وَعِنْدنَا فِي البيع يجوز أَن ينْعَقد بِكَلَام وَاحِد من الْجَانِبَيْنِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيّ لَكِن فِي الْوَكِيل لَا يجوز على مَا عرف فِي الْبيُوع وَأما شُرُوطه فأنواع مِنْهَا مَا يرجع إِلَى الْأَهْلِيَّة من وجود الْعقل وَالْبُلُوغ وَهُوَ شَرط عَام فِي تَنْفِيذ كل تصرف دائر بَين الضَّرَر والنفع وَمِنْهَا الْحُرِّيَّة فَإِن العَبْد وَالْأمة إِذا تزوجا بِدُونِ إِذن الْمولى فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد النِّكَاح فِي حق الحكم على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أَيّمَا عبد تزوج بِغَيْر إِذن سَيّده فَهُوَ عاهر وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمكَاتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 فَأَما إِذا أذن الْمولى فَهُوَ جَائِز وَإِذا نفذ بِإِذن الْمولى يجب الْمهْر فِي رقبته وَكَسبه فِي الْقِنّ وَفِي غَيره يكون فِي الْكسْب لَا فِي الرَّقَبَة إِلَّا فِي الْمكَاتب إِذا عجز فَيكون الْمهْر فِي رقبته وَكَسبه فإمَّا أَن يُبَاع فِيهِ أَو يُؤَدِّي الْمولى ويستخلص الرَّقَبَة لنَفسِهِ وَمِنْهَا كَون الْمَرْأَة محللة فَإِن الْمُحرمَة لَا تكون محلا لحكم النِّكَاح قَالَ الله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} إِلَى أَن قَالَ {الْأُخْت وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم} ثمَّ تَحْرِيم النِّكَاح يتنوع إِلَى تِسْعَة أَنْوَاع تَحْرِيم بِسَبَب الْقَرَابَة وَتَحْرِيم بالصهرية وَتَحْرِيم بِالرّضَاعِ وَتَحْرِيم الْجمع وَتَحْرِيم تَقْدِيم الْأمة على الْحرَّة وَتَحْرِيم بِسَبَب حق الْغَيْر وَتَحْرِيم بِسَبَب الْملك وَتَحْرِيم بِسَبَب الشّرك وَتَحْرِيم بالطلقات الثَّلَاث أما التَّحْرِيم بِسَبَب الْقَرَابَة فَنَقُول الْمُحرمَات بِالْقَرَابَةِ سبع فرق الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات والعمات والخالات وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت وَيثبت فِي حق هَؤُلَاءِ حُرْمَة النِّكَاح وَحُرْمَة الْوَطْء ودواعيه بطرِيق التَّأْبِيد عرفنَا ذَلِك بقوله {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} أما الْأُمَّهَات فَأم الرجل وجداته من قبل أَبِيه وَأمه وَإِن علون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وَأما الْبَنَات فبنت الرجل من صلبه وَبَنَات الابْن وَإِن سفلن وَأما الْأَخَوَات فَثَلَاثَة أَنْوَاع الْأَخَوَات لأَب وَأم وَالْأَخَوَات لأَب وَالْأَخَوَات لأم وَأما العمات فَثَلَاثَة أَنْوَاع عمَّة لأَب وَأم وعمة لأَب وعمة لأم وَكَذَا عمات أَبِيه وعمات أجداده وعمات أمه وعمات جداته وَإِن سفلن وَأما الخالات فخالة الرجل لأَب وَأم وخالته لأَب وخالته لأم وخالات آبَائِهِ وأمهاته وَأما بَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت وَبَنَات بَنَات الْأَخ وَالْأُخْت وَبَنَات أَبنَاء الْأَخ وَبَنَات أَبنَاء الْأُخْت وَإِن سفلن وَأما التَّحْرِيم بالصهرية فَنَقُول الْمُحرمَات بالصهرية أَربع فرق إِحْدَاهَا أم الزَّوْجَة وجداتها من قبل الْأَب وَالأُم وَإِن علون ثمَّ أم الزَّوْجَة تحرم بِنَفس العقد على الْبِنْت وَلَا يشْتَرط الدُّخُول بالبنت حَتَّى إِن من تزوج امْرَأَة تحرم عَلَيْهِ أمهَا دخل بهَا أَو لم يدْخل وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَعَامة الصَّحَابَة وَقَالَ مَالك وَدَاوُد الْأَصْفَهَانِي وَمُحَمّد بن شُجَاع وَبشر المريسي إِنَّهَا لَا تحرم بِنَفس العقد على الْبِنْت مَا لم يُوجد الدُّخُول بالبنت وحكوا هَذَا الْمَذْهَب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لقَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَات نِسَائِكُم} من غير فصل وَمِنْهَا بنت الْمَرْأَة لَكِن يشْتَرط الدُّخُول بِالْأُمِّ وَلَا تحرم بِنَفس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 العقد على الْأُم لقَوْله تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما} شَرط الدُّخُول بِالْأُمِّ لحُرْمَة الربيبة وَكَذَا بَنَات بنت الْمَرْأَة وَبَنَات ابْنهَا أَيْضا وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين مَا إِذا كَانَت بنت الْمَرْأَة فِي حجر الزَّوْج أَو لَا خلافًا لبَعض النَّاس وَمِنْهَا حَلِيلَة الابْن حرَام على أَبِيه دخل بهَا الابْن أَو لَا وَكَذَا حَلِيلَة ابْن الابْن وَابْن الْبِنْت وَإِن سفلن لقَوْله تَعَالَى {فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن} وَأما حَلِيلَة الابْن المتبنى فَلَا تحرم على الْأَب المتبني لقَوْله {وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم} وَمِنْهَا حَلِيلَة الْأَب وحليلة الأجداد من قبل الْأَب وَالأُم وَإِن علوا لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} ثمَّ حُرْمَة الْمُصَاهَرَة تثبت بطرِيق التأييد بِسَبَب النِّكَاح الصَّحِيح دون الْفَاسِد وَكَذَا تثبت بِالْوَطْءِ الْحَلَال بِملك الْيَمين وَكَذَا تثبت بِوَطْء عَن شُبْهَة وَتثبت أَيْضا بِالنّظرِ إِلَى الْفرج عَن شَهْوَة دون النّظر إِلَى سَائِر الْأَعْضَاء وَتثبت باللمس عَن شَهْوَة فِي سَائِر الْأَعْضَاء وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا تثبت بالمس وَالنَّظَر وَيَعْنِي بالمس عَن شَهْوَة أَن يَشْتَهِي بِقَلْبِه وَهُوَ أَمر لَا يقف عَلَيْهِ إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 اللامس والناظر فَيعرف بِإِقْرَارِهِ أما تَحْرِيك الْآلَة والانتشار فَلَيْسَ بِشَرْط وَهَذَا هُوَ الْأَصَح فَإِن اللَّمْس عَن شَهْوَة يتَحَقَّق من الْعنين وَلَا ينتشر وَكَذَا الْمَجْبُوب لَا آلَة لَهُ ويتحقق مِنْهُ الْمس وَالنَّظَر عَن شَهْوَة ونعني بِالنّظرِ إِلَى الْفرج النّظر إِلَى عين الْفرج لَا إِلَى حواليه وَهُوَ الْأَصَح وَكَذَا تثبت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا والمس وَالنَّظَر إِلَى الْفرج بِدُونِ الْملك وشبهته عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يثبت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما التَّحْرِيم بِسَبَب الرَّضَاع فَنَقُول كل من يحرم من الْفرق السَّبع بِسَبَب الْقَرَابَة يحرم بِسَبَب الرَّضَاع قَالَ الله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَكَذَا كل من يحرم بالصهرية من الْفرق الْأَرْبَع بِالنّسَبِ يحرم بِالرّضَاعِ حَتَّى يحرم على الواطىء أم الْمَوْطُوءَة وبنتها من جِهَة الرَّضَاع وَتحرم الْمَوْطُوءَة على أَب الواطىء وَابْنه من جِهَة الرَّضَاع وَيحرم مَوْطُوءَة أَب الرَّضَاع على ابْنه من الرَّضَاع وَيحرم مَوْطُوءَة ابْن الرَّضَاع على أَب الرَّضَاع لما روينَا من الحَدِيث وَأما تَحْرِيم الْجمع فنوعان أَحدهمَا تَحْرِيم الْجمع بَين الأجنبيات وَالثَّانِي تَحْرِيم الْجمع بَين ذَوَات الْأَرْحَام وكل وَاحِد مِنْهُمَا على وَجْهَيْن الْجمع فِي النِّكَاح وَالثَّانِي الْجمع فِي الْوَطْء ودواعيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 أما تَحْرِيم الْجمع بَين الأجنبيات فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ تَحْرِيم الْجمع بَين خمس نسْوَة فَصَاعِدا وَيُبَاح الْجمع بَين الْأَرْبَع وَمَا دونهَا وَهَذَا عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بَعضهم يحل الْجمع بَين تسع نسْوَة وَقَالَ بَعضهم يحل الْجمع بَين ثَمَانِي عشرَة فَأَما الْجمع فِي ملك الْيَمين فحلال عقدا ووطئا وَإِن كثرن لقَوْله تَعَالَى {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} وَأما تَحْرِيم الْجمع بَين ذَوَات الْأَرْحَام فنوعان أَيْضا الْجمع فِي عقد النِّكَاح وَالْجمع فِي الْوَطْء بِملك الْيَمين أما الأول وَهُوَ تَحْرِيم الْجمع نِكَاحا فَنَقُول لَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي تَحْرِيم الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ نِكَاحا وَتَحْرِيم الْجمع بَين الْأُم وبنتها فَأَما الْجمع بَين ذواتي رحم محرم نِكَاحا غير الْجمع فِي الولاد وَغير الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ مِمَّا سواهُمَا كالجمع بَين امْرَأتَيْنِ لَو كَانَت إِحْدَاهمَا ذكرا لَا يجوز نِكَاح الْأُخْرَى لَهُ من الْجَانِبَيْنِ أَيَّتهمَا كَانَت غير عين كالجمع بَين عمَّة الْمَرْأَة وَبَين بنت أَخِيهَا وَبَين خَالَة الْمَرْأَة وَبَين بنت أُخْتهَا وَنَحْو ذَلِك فَحَرَام عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ عُثْمَان البتي الْجمع فِيمَا سوى الْأُخْتَيْنِ من ذَوَات الْأَرْحَام لَيْسَ بِحرَام وَإِذا ثَبت أَن الْجمع بَينهمَا نِكَاحا حرَام فَإِذا تزوج إِحْدَاهمَا قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 الْأُخْرَى فنكاح الأولى جَائِز وَنِكَاح الثَّانِيَة بَاطِل وَلَو تزوجهما مَعًا بَطل نِكَاحهمَا لِأَن الْجمع حصل بهما فَيجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يعتزل عَن صَاحبه وَيتْرك النِّكَاح وَلَو علم القَاضِي بذلك يفرق بَينهمَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول فَلَا مهر لَهَا وَلَا عدَّة عَلَيْهَا وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول يجب مهر الْمثل مُقَدرا بِالْمُسَمّى وَلَا يجب الْحَد وَإِن قَالَ الزَّوْج علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام وَلَا يَدعِي شُبْهَة الِاشْتِبَاه لِأَن شُبْهَة النِّكَاح قَائِم وَلَو وَطئهَا مرَارًا قبل التَّفْرِيق والمتاركة لَا يجب إِلَّا مهر وَاحِد لِأَن العقد الْفَاسِد مُنْعَقد من وَجه وَلَو وَطئهَا بعد المتاركة مرّة أُخْرَى لَا يجب مهر آخر وَيجب الْحَد لِأَن هَذَا زنا وَلَو تزوج أُخْت جَارِيَته الَّتِي وَطئهَا أَو أُخْت أم وَلَده جَازَ النِّكَاح وَلَكِن لَا يَطَأهَا مَا لم يحرم عَلَيْهِ وَطْء إِحْدَاهمَا بِأَن زوج أم وَلَده من إِنْسَان أَو زوج الْأمة أَو بَاعهَا لِأَنَّهُ لَا فرَاش للْأمة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وفراش أم الْوَلَد ضَعِيف يَنْتَفِي بِمُجَرَّد النَّفْي وَلَا يحْتَاج إِلَى اللّعان فَأَما إِذا تزوج أُخْت امْرَأَة تَعْتَد مِنْهُ فَلَا يجوز عندنَا سَوَاء كَانَت مُطلقَة طَلَاقا رَجْعِيًا أَو بَائِنا أَو ثَلَاثًا أَو بالمحرمية الطارئة وَسَوَاء كَانَت الْعدة عَن النِّكَاح أَو عَن الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز إِلَّا فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ لِأَن النِّكَاح قَائِم من وَجه عندنَا فِي حَالَة الْعدة وَالثَّابِت من وَجه فِي بَاب التَّحْرِيم كَالثَّابِتِ من كل وَجه وَكَذَلِكَ لَا يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج أَرْبعا أُخْرَى سواهَا عندنَا خلافًا لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وَأما إِذا تزوج أُخْت أم وَلَده وَهِي تَعْتَد مِنْهُ بِأَن أعْتقهَا وَوَجَبَت عَلَيْهَا الْعدة فَإِنَّهُ لَا يجوز وَيجوز أَن يتَزَوَّج أَرْبعا سواهَا وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا يجوز ذَلِك كُله وَقَالَ زفر لَا يجوز ذَلِك كُله وَأما الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ فِي ملك الْيَمين فَجَائِز عندنَا خلافًا ل مَالك وَأما الْجمع بَينهمَا وطئا فَلَا يجوز لَكِن يطَأ إِحْدَاهمَا لَا غير وَلَا يجمع بَينهمَا فِي الْمس عَن شَهْوَة وَالنَّظَر إِلَى الْفرج وَإِن أَزَال الْمَوْطُوءَة عَن ملكه أَو زَوجهَا من إِنْسَان يُبَاح لَهُ الِاسْتِمْتَاع بِالْأُخْرَى وَهَذَا قَول عَامَّة الصَّحَابَة وَعَامة الْعلمَاء وَرُوِيَ عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه قَالَ يحل الْجمع بَينهمَا وطئا وَلَكِن أَنا لَا أفعل وَأما تَحْرِيم تَقْدِيم الْأمة على الْحرَّة فَنَقُول من كَانَت تَحْتَهُ حرَّة لَا يجوز لَهُ أَن يتَزَوَّج الْأمة وَمن كَانَت تَحْتَهُ أمة جَازَ لَهُ أَن يتَزَوَّج الْحرَّة وَلَو جمع بَين نِكَاح الْأمة والحرة لَا يجوز نِكَاح الْأمة وَيجوز نِكَاح الْحرَّة وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تنْكح الْأمة على الْحرَّة وَتنْكح الْحرَّة على الْأمة وَإِذا كَانَ قَادِرًا على مهر الْحرَّة ونفقتها جَازَ لَهُ أَن يتَزَوَّج الْأمة عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وَإِن كَانَ لَهُ وَالِد وَابْن مُوسر تجب على الابْن لِأَنَّهُمَا اسْتَويَا فِي الْقرب ويرجح الابْن لِأَنَّهُ كَسبه فَيكون لَهُ حق فِي كَسبه وَلَو كَانَ لَهُ جد وَابْن مُوسر تجب عَلَيْهِمَا النَّفَقَة على قدر الْمِيرَاث على الْجد السُّدس وَالْبَاقِي على ابْن الابْن وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهُ أم وَعم أَو أم وَأَخ لأَب وَأم أَو لأَب فعلى الْأُم الثُّلُث وعَلى الْعم أَو الْأَخ الثُّلُثَانِ على قدر الْمِيرَاث وَلَو كَانَ لَهُ عَم وخال فالنفقة على الْعم لِأَنَّهُمَا تَسَاويا فِي الْقَرَابَة وَالْعم هُوَ الْوَارِث فَيجب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ لَهُ خَال وَابْن عَم فالنفقة على الْخَال دون ابْن الْعم لِأَنَّهُمَا لم يستويا فِي الرَّحِم الْمحرم بل الْخَال هُوَ ذُو الرَّحِم الْمحرم فَيجب عَلَيْهِ وَاسْتِحْقَاق الْمِيرَاث للترجيح وَذَلِكَ عِنْد الاسْتوَاء فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق وَلَو كَانَ لَهُ عمَّة وَخَالَة وَابْن عَم فعلى الْخَالَة الثُّلُث وعَلى الْعمة الثُّلُثَانِ وَلَا شَيْء على ابْن الْعم لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي حق ابْن الْعم سَبَب الِاسْتِحْقَاق والعمة وَالْخَالَة اسْتَويَا فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق وَفِي اسْتِحْقَاق الْمِيرَاث فَيكون بَينهمَا على قدر الْمِيرَاث وَلَو كَانَ لَهُ عَم وعمة وَخَالَة فالنفقة على الْعم لَا غير لِأَنَّهُ ساواهما فِي الرَّحِم وَالتَّحْرِيم وَهُوَ الْوَارِث دونهمَا فَتكون النَّفَقَة عَلَيْهِ وعَلى هَذَا الأَصْل مسَائِل ثمَّ النَّفَقَة لَا تجب مَعَ اخْتِلَاف الدّين إِلَّا للْوَالِدين والمولودين وَالزَّوْجَة وَالْجد وَالْجدّة فِي حَال عدم الْأَبَوَيْنِ وَمن سوى هَؤُلَاءِ تجب نَفَقَته عِنْد اتِّفَاق الدّين لَا غير لِأَن نَفَقَة الْولادَة تجب بِاعْتِبَار البعضية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وصيانة نَفسه عَن الْهَلَاك وَاجِب فَكَذَلِك صِيَانة بعضه فَأَما نَفَقَة ذِي الرَّحِم الْمحرم فَتجب بِاعْتِبَار الصِّلَة وَإِنَّهَا تجب عِنْد اتِّفَاق الدّين فَشرط وجوب نَفَقَة الْمَحَارِم الْيَسَار واتفاق الدّين بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَات والوالدين والمولودين ثمَّ مَا حد الْيَسَار الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب النَّفَقَة ذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه اعْتبر نِصَاب الزَّكَاة وروى هِشَام عَن مُحَمَّد أَنه إِذا كَانَ لَهُ فضل عَن نَفَقَة شهر لَهُ ولعياله فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ نَفَقَة ذِي الرَّحِم الْمحرم وَإِلَّا فَلَا وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه من لَا شَيْء لَهُ من المَال وَهُوَ يكْتَسب كل يَوْم درهما وَيَكْفِي لَهُ أَرْبَعَة دوانيق فَإِنَّهُ يرفع لنَفسِهِ وَعِيَاله مَا يَتَّسِع فِيهِ وَينْفق فَضله على من يجْبر على نَفَقَته وَقَول مُحَمَّد أوفق وَأما نَفَقَة الرَّقِيق فسبب وُجُوبهَا الْملك وَلِهَذَا لَا يجب على العَبْد نَفَقَة وَلَده الْحر لِأَن كَسبه مَال مَوْلَاهُ وَكَذَا لَا يجب على الْحر نَفَقَة وَلَده الرَّقِيق لِأَنَّهُ ملك غَيره فَتكون نَفَقَته عَلَيْهِ وَقَالُوا فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة إِذا جَاءَت بِولد وادعاه الموليان فنفقة هَذَا الْوَلَد عَلَيْهِمَا وعَلى الْوَلَد إِذا كبر نَفَقَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَب كَامِل فِي حَقه وَقَالُوا فِي الْمَفْقُود إِن القَاضِي يفْرض فِي مَاله لِأَبَوَيْهِ ولامرأته وَالصغَار من وَلَده وَالْبَنَات والذكور الزمنى فينصب عَنهُ خصما وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِنَفَقَة هَؤُلَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وَقَالُوا يقْضِي فِي مَال الْمَفْقُود للْجدّ وَولد الْوَلَد فِي حَال عدم الْأَب وَالْولد فَأَما فِي حَال قيامهما فَلَا يقْضِي لأَنهم حِينَئِذٍ فِي حكم ذَوي الْأَرْحَام وَلَا يقْضِي بِنَفَقَة ذَوي الْأَرْحَام فِي مَال الْمَفْقُود وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 كتاب الطَّلَاق يحْتَاج إِلَى بَيَان أَنْوَاع الطَّلَاق وَإِلَى بَيَان أَحْكَامهَا فَنَقُول الطَّلَاق فِي الأَصْل نَوْعَانِ طَلَاق سنة وَطَلَاق بِدعَة وَالسّنة نَوْعَانِ نوع يرجع إِلَى الْعدَد وَنَوع يرجع إِلَى الْوَقْت وَكَذَلِكَ طَلَاق الْبِدْعَة نَوْعَانِ أَيْضا يرجع إِلَى الْعدَد وَالْوَقْت ثمَّ السّنة فِي الْعدَد وَالْوَقْت نَوْعَانِ عندنَا حسن وَأحسن فَالْأَحْسَن أَن يُطلق الرجل امْرَأَته وَاحِدَة رَجْعِيَّة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا أَو كَانَت حَامِلا قد استبان حملهَا وَأما الْحسن فَأن يطلقهَا وَاحِدَة فِي طهر لم يواقعها فِيهِ ثمَّ يُطلق فِي الطُّهْر الآخر وَاحِدَة ثمَّ فِي الطُّهْر الثَّالِث وَاحِدَة فَتبين وَأما طَلَاق الْبِدْعَة فِي الْوَقْت فَأن يطلقهَا فِي حَالَة الْحيض أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَأما طَلَاق الْبِدْعَة فِي الْعدَد فَأن يطلقهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَة وَاحِدَة ثمَّ السّنة الَّتِي ترجع إِلَى الْعدَد تستوي فِيهَا الْمَدْخُول بهَا وَغير الْمَدْخُول بهَا لِأَنَّهُ إِيقَاع الطَّلَاق من غير حَاجَة فَأَما السّنة فِي الْوَقْت فيختلف فِيهَا الْمَدْخُول بهَا وَغير الْمَدْخُول بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فَإِن الطَّلَاق فِي حَالَة الْحيض يكره عَلَيْهَا إِذا كَانَ مَدْخُولا بهَا لَا غير لِأَن فِيهِ تَطْوِيل الْعدة فَأَما فِي غير المدخلة فَلَا يكره لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى تَطْوِيل الْعدة فَإِنَّهُ لَا عدَّة عَلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا من السّنة والبدعة قَول أَصْحَابنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا أعرف فِي عدد الطَّلَاق سنة وَلَا بِدعَة وَإِنَّمَا السّنة والبدعة فِي الْوَقْت على مَا ذكرنَا وأصل ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر أَنه طلق امْرَأَته فِي حَالَة الْحيض فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ أَخْطَأت السّنة مَا هَكَذَا أَمرك الله إِن من السّنة أَن يسْتَقْبل الطُّهْر فيطلقها لكل قرء تَطْلِيقَة هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حق ذَوَات الْأَقْرَاء فَأَما فِي حق الآيسة وَالصَّغِيرَة فطلاق السّنة أَن يفصل بَين كل تَطْلِيقَة بِشَهْر بِالْإِجْمَاع وَفِي حق الممتد طهرهَا لَا يُطلق للسّنة إِلَّا وَاحِدَة وَأما فِي الْحَامِل فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يُطلق ثَلَاثًا للسّنة ويفصل بَين كل تَطْلِيقَة بِشَهْر وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر لَا يُطلق للسّنة إِلَّا وَاحِدَة وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ فِي حق الآيسة وَالصَّغِيرَة إِذا دخل بهما لَا يكره الطَّلَاق وَإِن طلقهما فِي طهر جامعهما فِيهِ بل يُبَاح لَهُ الطَّلَاق فِي أَي وَقت شَاءَ لِأَن احْتِمَال الْحَبل مَعْدُوم وَفِي ذَات الْأَقْرَاء يكره لهَذَا وَكَذَلِكَ فِي حق الْحَامِل لِأَن الْكَرَاهَة للندامة بِسَبَب الْحمل فَمَتَى طَلقهَا مَعَ قيام الْحمل علم أَنه لم ينْدَم هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حق الْحرَّة فَأَما فِي حق الْأمة الْمسلمَة والكتابية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 فَلَا يخْتَلف الْجَواب فِي حق السّنة والبدعة إِلَّا أَن فِي حق الْأمة طَلَاق السّنة وَاحِدَة لِأَن طَلَاق الْأمة ثِنْتَانِ وعدتها حيضتان وَلَو طلق امْرَأَته وَاحِدَة ثمَّ رَاجعهَا فِي ذَلِك الطُّهْر فَلهُ أَن يطلقهَا ثَانِيًا للسّنة عِنْد أبي حنيفَة وَزفر وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يُطلق وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ وَأَجْمعُوا أَنه لَو أَبَانهَا فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ ثمَّ تزَوجهَا لَهُ أَن يطلقهَا ثَانِيًا للسّنة فَأَبُو حنيفَة ألحق الْمُرَاجَعَة بِالتَّزْوِيجِ وَالْمعْنَى الْجَامِع بَينهمَا أَن بالمراجعة بَطل حكم الطَّلَاق فَجعل كَأَن لم يكن وعَلى هَذَا قَالُوا لَو رَاجعهَا بالقبلة واللمس لَهُ أَن يطلقهَا ثَانِيًا فِي ذَلِك الطُّهْر عِنْد أبي حنيفَة فَأَما إِذا رَاجعهَا بِالْوَطْءِ فَلَا يُطلق ثَانِيًا لِأَن الْوَطْء دَلِيل الْمُرَاجَعَة فَيصير كَمَا لَو رَاجع ثمَّ جَامعهَا لَيْسَ لَهُ أَن يطلقهَا فَأَما إِذا جَامعهَا فحبلت جَازَ لَهُ أَن يُطلق أُخْرَى فِي ذَلِك الطُّهْر فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يطلقهَا وَالصَّحِيح قَوْلهم لِأَن الْكَرَاهَة لمَكَان احْتِمَال الْحَبل فَإِذا علم بالحبل وطلق فَالظَّاهِر أَنه لَا ينْدَم كَمَا إِذا ظهر الْحَبل فجامعها ثمَّ طَلقهَا لَا يكره لما قُلْنَا وَإِذا طلق امْرَأَته فِي حَالَة الْحيض ثمَّ رَاجعهَا ثمَّ أَرَادَ طَلاقهَا للسّنة ذكر فِي الأَصْل أَنَّهَا إِذا طهرت ثمَّ حَاضَت ثمَّ طهرت طَلقهَا إِن شَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وَذكر الطَّحَاوِيّ أَنه يطلقهَا فِي الطُّهْر الَّذِي يَلِي الْحَيْضَة وَذكر الْكَرْخِي وَقَالَ مَا ذكره الطَّحَاوِيّ قَول أبي حنيفَة وَمَا ذكر فِي الأَصْل قَوْلهمَا وَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَمَا ذكر فِي الأَصْل لحَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لعمر مر ابْنك فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ يَدعهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض فَتطهر ثمَّ يطلقهَا إِن شَاءَ طَاهِرا من غير جماع إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق للسّنة فَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء وَهِي طَاهِرَة من غير جماع يَقع الطَّلَاق للْحَال وَإِن كَانَت حَائِضًا أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ لم يَقع السَّاعَة فَإِذا حَاضَت وطهرت وَقعت بهَا تَطْلِيقَة وَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثِنْتَيْنِ للسّنة أَو ثَلَاثًا للسّنة وَقع عِنْد كل طهر لم يواقعها فِيهِ طَلْقَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة وَنوى الْوُقُوع للْحَال يَقع عندنَا خلافًا ل زفر لِأَن السّنة نَوْعَانِ سنة إِيقَاع وَسنة وُقُوع فَإِن وُقُوع الثَّلَاث عَرفْنَاهُ جَائِزا مَشْرُوعا بِالسنةِ وَسنة الْإِيقَاع مَا ذكرنَا فَإِذا نوى صحت نِيَّته وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة وَنوى الثَّلَاث صَحَّ لما ذكرنَا أَن سنة الْإِيقَاع نَوْعَانِ حسن وَأحسن فَإِذا لم يكن لَهُ نِيَّة يَقع على الْأَحْسَن وَهُوَ الطَّلَاق الْوَاحِد فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَإِذا نوى الثَّلَاث فقد نوى إِيقَاعه فِي ثَلَاثَة أطهار فَيَقَع عِنْد كل طهر وَاحِدَة كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق للبدعة وَنوى الثَّلَاث صَحَّ لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 إِيقَاعه الثَّلَاث جملَة فِي طهر وَاحِد بِدعَة وَالطَّلَاق فِي حَالَة الْحيض بِدعَة فَإِذا نوى الثَّلَاث فقد نوى مَا يحْتَملهُ كَلَامه فَصحت نِيَّته فَأَما فِي حق الآيسة وَالصَّغِيرَة وَالْحَامِل فَإِنَّهُ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة يَقع للْحَال وَاحِدَة وَعند كل شهر أُخْرَى لقِيَامه مقَام الطُّهْر وعَلى هَذَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاق الْعدة أَو طَلَاق الْعدْل أَو طَلَاق الْإِسْلَام أَو طَلَاق الْحق أَو طَلَاق الْقُرْآن أَو أجمل الطَّلَاق أَو أعدل الطَّلَاق أَو أحسن الطَّلَاق فَالْجَوَاب فِيهِ مثل قَوْله أَنْت طَالِق للسّنة ثمَّ يتنوع الطَّلَاق أَيْضا إِلَى نَوْعَيْنِ آخَرين رَجْعِيّ وبائن أما الرَّجْعِيّ فَهُوَ صَرِيح الطَّلَاق إِذا كَانَ وَاحِدًا أَو اثْنَتَيْنِ والصريح مَا اشتق من لفظ الطَّلَاق نَحْو قَوْلك أَنْت طَالِق وَأَنت مُطلقَة وطلقتك وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَنْت الطَّلَاق لِأَن الْمصدر قد يُرَاد بِهِ الْمَفْعُول كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت مُطلقَة وَقد يُرَاد بِهِ الْفَاعِل فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة الَّتِي تسمى كِنَايَة نَحْو قَوْلك اعْتدي واستبري رَحِمك وَأَنت وَاحِدَة فَإِنَّهُ يكون رَجْعِيًا لِأَن قَوْله اعْتدي إِن كَانَ بعد الدُّخُول يَقع الطَّلَاق بِهِ بطرِيق الِاقْتِضَاء لِأَن الْأَمر بالاعتداد يكون بعد الطَّلَاق فَيصير الطَّلَاق ثَابتا مُقْتَضى صِحَة الْأَمر كَأَنَّهُ قَالَ طَلقتك فاعتدي وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول بهَا يَجْعَل مجَازًا عَن الطَّلَاق وَكَذَا قَوْله استبري رَحِمك وَقَوله أَنْت وَاحِدَة أَي أَنْت طَالِق طَلْقَة وَاحِدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 ثمَّ مَا كَانَ من الصَّرِيح لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى النِّيَّة وَأما فِي هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة فَيحْتَاج إِلَى النِّيَّة فَإِن نوى بقوله أَنْت طَالِق ونظائره ثَلَاث تَطْلِيقَات أَو طَلْقَتَيْنِ لَا يَصح عندنَا وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ يَصح فَأَما إِذا ذكر بِلَفْظَة الْأَمر بِأَن قَالَ طَلِّقِي نَفسك أَو قَالَ لرجل طلق امْرَأَتي وَنوى الثَّلَاث صَحَّ وَكَذَلِكَ إِذا قرن بِهِ الْمصدر بِأَن قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا وَكَذَا إِذا ذكر الْمصدر وَحده بِأَن قَالَ أَنْت الطَّلَاق وَنوى الثَّلَاث صَحَّ بِالْإِجْمَاع وَلَا خلاف فِي الْكِنَايَات المنبئة عَن الْبَيْنُونَة وَالْحُرْمَة نَحْو قَوْلك أَنْت بَائِن أَنْت عَليّ حرَام وَنوى الثَّلَاث فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَقَالَ أردْت طَلَاقا عَن وثاق يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ صرف الْكَلَام عَن ظَاهره شرعا وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَقَالَ أردْت الطَّلَاق عَن الْعَمَل لَا يصدق أصلا كَذَا قَالَ أَصْحَابنَا وروى الْحسن على أبي حنيفَة أَنه قَالَ يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَو قَالَ أَنْت مُطلقَة رَجْعِيَّة لَا يَقع بِدُونِ النِّيَّة وَلَو قَالَ أَنْت أطلق من امْرَأَة فلَان وَهِي مُطلقَة فَإِنَّهُ يقف على النِّيَّة إِلَّا إِذا كَانَ فِي حَال سُؤال الطَّلَاق مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقع من غير نِيَّة وَلَو قَالَ يَا مُطلقَة أَو يَا طَالِق وَقَالَ أردْت بِهِ الشتم يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله دون الْقَضَاء إِن لم يكن لَهَا زوج قبله فَأَما إِذا كَانَ لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 زوج قبله فَإِنَّهُ يصدق فِي الْقَضَاء وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَالِق أَو طَلقتك طَلقتك وعنى بِالثَّانِي الْإِخْبَار يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله دون الْقَضَاء وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فَقَالَ رجل مَا قلت فَقَالَ قلت هِيَ طَالِق أَو قَالَ قد طَلقتهَا فَهِيَ وَاحِدَة فِي الْقَضَاء لِأَن الظَّاهِر يدل عَلَيْهِ وَأما حكم الطَّلَاق الرَّجْعِيّ فَنَقُول إِنَّه يُوجب الْحُرْمَة وَزَوَال الْملك عِنْد انْقِضَاء الْعدة وَفِي الْحَال ينْعَقد سَببا لزوَال الْملك وَيتم عَلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء الْعدة وَكَذَا ينْعَقد سَببا لزوَال حل الْمَحَلِّيَّة عِنْد انضمام الطَّلقَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة إِلَيْهِ فَأَما فِي الْحَال فَلَا يَزُول شَيْء من الْحل وَالْملك وَهَذَا عندنَا وعَلى قَول الشَّافِعِي حكمه للْحَال زَوَال حل الْوَطْء وَزَوَال الْملك من وَجه وعَلى هَذَا يَنْبَنِي حل الْوَطْء عندنَا لقِيَام ملك النِّكَاح من كل وَجه وَإِنَّمَا يَزُول عِنْد انْقِضَاء الْعدة فَيكون الْحل قَائِما قبل انْقِضَاء الْعدة وَتَكون الرّجْعَة اسْتِدَامَة الْملك وَعِنْده الرّجْعَة إنْشَاء النِّكَاح من وَجه واستبقاء من وَجه فَيَقُول بِالْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا وعَلى هَذَا يَنْبَنِي أَن الْإِشْهَاد لَيْسَ بِشَرْط فِي الرّجْعَة عندنَا وَعِنْده شَرط لما كَانَ إنْشَاء النِّكَاح من وَجه وَأَجْمعُوا أَنه يملك الْمُرَاجَعَة من غير رضَا الْمَرْأَة وَمن غير مهر وَمن غير تَجْدِيد العقد وَهُوَ أَن يَقُول لامْرَأَته رَاجَعتك أَو عبارَة تقوم مقَامهَا فِي هَذَا الْمَعْنى وَالْأَفْضَل أَن يشْهد على رَجعتهَا وَأَن يعلمهَا بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وعَلى هَذَا إِن الرّجْعَة لَا تثبت بِالْفِعْلِ عِنْده لِأَن إنْشَاء النِّكَاح من كل وَجه يكون بالْقَوْل وَالرَّجْعَة إنْشَاء من وَجه فَيجب أَن تكون بالْقَوْل أَيْضا لَكنا نقُول عندنَا تثبت الرّجْعَة والإعادة إِلَى الْحَالة الأولى بطرِيق الدّلَالَة لِأَن الطَّلَاق الرَّجْعِيّ مَتى زَالَ الْملك بِهِ عِنْد انْقِضَاء الْعدة يثبت من وَقت التَّكَلُّم من وَجه لِأَن الْإِبَانَة قَول الزَّوْج قَوْله هُوَ الطَّلَاق السَّابِق فَلَو لم تصح الرّجْعَة بِالْوَطْءِ لصار الْوَطْء وَاقعا فِي ملك الْغَيْر من وَجه فَكَانَ الْإِقْدَام على الْوَطْء دلَالَة الرّجْعَة وَالرَّدّ إِلَى الْحَالة الأولى احْتِرَازًا عَن الْحُرْمَة من وَجه وَكَذَا إِذا لمسها بِشَهْوَة أَو نظر إِلَى فرجهَا بِشَهْوَة لِأَن ذَلِك حرَام أَيْضا فِي غير الْملك من وَجه فَأَما النّظر إِلَى فرجهَا لَا عَن شَهْوَة وَالنَّظَر إِلَى سَائِر أعضائها عَن شَهْوَة فَلَا يُوجب الْمُرَاجَعَة لِأَن هَذَا مِمَّا يُبَاح فِي الْجُمْلَة وَلَو جامعت الزَّوْج وَهُوَ نَائِم أَو مَجْنُون تثبت الرّجْعَة وَلَو لمسته الْمَرْأَة بِشَهْوَة مختلسة أَو كَانَ نَائِما واعترف أَنه كَانَ بِشَهْوَة فَهُوَ رَجْعَة عِنْد أبي حنيفَة وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَيْسَ برجعة وَقد ذكرنَا الْمَسْأَلَة فِي كتاب الْبيُوع فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة بِشَرْط الْخِيَار للْمُشْتَرِي إِذا لمست المُشْتَرِي بِشَهْوَة على الاختلاس فَلَا نعتد بِهِ ثمَّ إِنَّمَا تصح الرّجْعَة إِذا رَاجعهَا فِي الْعدة فَلَا تصح بعد انْقِضَاء الْعدة لِأَنَّهُ زَالَ الْملك فَلَا بُد من تَجْدِيد العقد وَلَو أَنَّهَا إِذا طهرت من الْحَيْضَة الثَّالِثَة فَقَالَ رَاجَعتك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون أَيَّامهَا عشرَة أَو مَا دون الْعشْرَة فَإِن كَانَت أَيَّامهَا عشرَة فَإِنَّهُ لَا تصح الرّجْعَة وَتحل للأزواج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 لِأَن عدتهَا تَنْقَضِي بِمُجَرَّد مُضِيّ الْعشْرَة فَأَما إِذا كَانَت مَا دون الْعشْرَة فَإِن اغْتَسَلت لَا تصح الرّجْعَة وَتحل للأزواج وَإِن كَانَ قبل الِاغْتِسَال فَلَا تحل للأزواج وَتَصِح الرّجْعَة لِأَن مُدَّة الِاغْتِسَال من الْحيض بِإِجْمَاع الصَّحَابَة وَلَو اغْتَسَلت بسؤر حمَار فَلَا تصح الرّجْعَة وَلَا تحل للأزواج لِأَن سُؤْر الْحمار مَشْكُوك فِيهِ فَكَانَ الِاحْتِيَاط فِي بَاب الْحُرْمَة أَن لَا تصح الرّجْعَة وَلَا تحل للأزواج وَلَو اغْتَسَلت وَبَقِي فِي بدنهَا عُضْو كَانَت لَهُ الرّجْعَة وَإِن كَانَ أقل من عُضْو فَلَا رَجْعَة وَهَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَنه إِذا بَقِي أقل من عُضْو أَن تبقى الرّجْعَة لِأَن الْحَدث بَاقٍ حَتَّى لَا تحل لَهَا الصَّلَاة هَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد الِاسْتِحْسَان فِي الْعُضْو أَنه لَا تَنْقَطِع الرّجْعَة وَالْقِيَاس أَنه تَنْقَطِع كَمَا فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا أَنهم استحسنوا وَقَالُوا لَا تَنْقَطِع الرّجْعَة لِأَن وجوب غسل الْعُضْو مجمع عَلَيْهِ فَلَا يكون الِاغْتِسَال مُعْتَبرا مَعَه كَمَا لَو زَاد على الْعُضْو فَأَما إِذا بَقِي الْمَضْمَضَة أَو الِاسْتِنْشَاق فقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ تَنْقَطِع الرّجْعَة وَلَا تحل للأزواج لِأَن الْمَضْمَضَة مُخْتَلف فِي وُجُوبهَا فَكَانَ الِاحْتِيَاط أَن تَنْقَطِع الرّجْعَة وَلَا تحل للأزواج هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم الِاغْتِسَال وَلَو مضى وَقت صَلَاة كَامِل قبل أَن تَغْتَسِل فَإِنَّهُ تَنْقَطِع الرّجْعَة لِأَن الصَّلَاة صَارَت دينا فَيكون لَهَا حكم الطاهرات مُطلقًا فَأَما إِذا تيممت بِأَن كَانَت مسافرة فَإِن صلت تَنْقَطِع الرّجْعَة أَيْضا فَأَما بِنَفس التَّيَمُّم فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا تَنْقَطِع وَعند مُحَمَّد وَزفر تَنْقَطِع وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وَلَو قَالَ الزَّوْج قد كنت رَاجَعتك أمس وكذبته الْمَرْأَة فَإِن كَانَت فِي الْعدة فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ أخبر بِمَا يملك إنشاءه للْحَال وَإِن قَالَ بعد انْقِضَاء الْعدة وكذبته الْمَرْأَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهُ أخبر بِمَا لَا يملك للْحَال إنشاءه وَلَا يَمِين عَلَيْهَا عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَهَذِه من جملَة الْمسَائِل السَّبْعَة الَّتِي لَا يسْتَحْلف فِيهَا عِنْده فَإِن قَالَ قد رَاجَعتك فَقَالَت مجيبة قد انْقَضتْ عدتي فَالْقَوْل قَوْلهَا عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا القَوْل قَول الزَّوْج وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَمن حكم الطَّلَاق الرَّجْعِيّ أَن تكون الْأَقْرَاء محسوبة من الْعدة لِأَن الطَّلَاق وَاقع فِي حق أحد الْحكمَيْنِ وَهُوَ انْعِقَاده سَببا لزوَال حل التَّزَوُّج وَأما الطَّلَاق الْبَائِن فَنَذْكُر أقسامه وَأَحْكَامه فَنَقُول الطَّلَاق الْبَائِن أَقسَام ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يقْتَرن بِصَرِيح الطَّلَاق مَا يدل على الْبَيْنُونَة وَالثَّانِي أَن يكون اللَّفْظ منبئا عَن الْبَيْنُونَة وَالثَّالِث مَا يَقع بِهِ الْبَيْنُونَة من طَرِيق الحكم أما الأول فَنَقُول إِذا اقْترن بِالصَّرِيحِ الْعدَد الثَّلَاث بِأَن قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا أَو اقْترن بِاللَّفْظِ المنبىء عَن الْبَيْنُونَة صفة للْمَرْأَة من غير حرف الْعَطف كَقَوْلِه أَنْت طَالِق بَائِن أَو طَالِق الْبَتَّةَ أَو أَنْت طَالِق حرَام وَعَن أبي يُوسُف أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق للبدعة وَنوى وَاحِدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 بَائِنَة تكون بَائِنَة وروى هِشَام عَن مُحَمَّد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه وَاحِدَة رَجْعِيَّة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أقبح الطَّلَاق رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه رَجْعِيّ وَقَالَ مُحَمَّد أَنه بَائِن وَالْقسم الثَّانِي أَن يُوقع بِأَلْفَاظ دَالَّة على الْبَيْنُونَة وَالْقطع وَالْحُرْمَة وَهِي تسمى كنايات الطَّلَاق وَهِي فِي الْجُمْلَة أَقسَام ثَلَاثَة مِنْهَا مَا يصلح للشتم والتبعيد وَالطَّلَاق وَمِنْهَا مَا يصلح للطَّلَاق والتبعيد وَلَا يصلح للشتم وَمِنْهَا مَا لَا يصلح للطَّلَاق وَالْأَحْوَال ثَلَاثَة حَال ذكر الطَّلَاق وَحَال الْغَضَب وَحَال ابْتِدَاء الزَّوْج بِالطَّلَاق لَيْسَ بِحَال سُؤال الطَّلَاق وَلَا حَال الْغَضَب وَهَهُنَا حكمان أَحدهمَا أَن وُقُوع الطَّلَاق بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ يفْتَقر إِلَى نِيَّة الطَّلَاق أم لَا وَالثَّانِي إِذا قَالَ الْمُتَكَلّم مَا عنيت بِهَذَا اللَّفْظ الطَّلَاق هَل يصدق أم لَا فَنَقُول أما بَيَان الحكم الأول إِذا ذكر لفظا يصلح للطَّلَاق فِي غير حَال مذاكرة الطَّلَاق وَحَال الْغَضَب كَيْفَمَا كَانَ فَإِذا نوى بِهِ الطَّلَاق يَقع وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة لَا يَقع لِأَنَّهُ كَمَا يصلح للفرقة لأمر آخر فَإِن قَوْله بَائِن يحْتَمل بينونة الطَّلَاق وَيحْتَمل الْبَيْنُونَة عَن الْخَيْر أَو عَن الشَّرّ وَكَذَلِكَ قَوْله اذهبي واغربي والحقي بأهلك فَإِنَّهُ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 يصلح للطَّلَاق يصلح للإبعاد عَن نَفسه والتغريب من غير طَلَاق مُحْتَمل والمحتمل لَا يَقع بِدُونِ النِّيَّة وَإِن كَانَ لفظا لَا يصلح للطَّلَاق فَإِنَّهُ لَا يَقع بِهِ الطَّلَاق وَإِن نوى لِأَن الطَّلَاق يَقع بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِه اسْقِنِي واقعدي وأعرضت عَن طَلَاقك وصفحت عَن فراقك وَتركت طَلَاقك وخليت سَبِيل طَلَاقك وَنَحْو ذَلِك وَأما فِي حَال ذكر الطَّلَاق وَحَال الْغَضَب فَفِي تِسْعَة أَلْفَاظ من الْكِنَايَات يَقع الطَّلَاق بِلَا نِيَّة وَهِي قَوْله أَنْت بَائِن وَأَنت عَليّ حرَام وخلية وبريئة وبتة وأمرك بِيَدِك واختاري واعتدي واستبري رَحِمك لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ كَمَا تصلح للطَّلَاق تصلح لغيره وَالْحَال يدل على الطَّلَاق ظَاهرا لِأَنَّهُ حَال سُؤال الطَّلَاق وَحَال الْغَضَب وَالْخُصُومَة فَكَانَ الظَّاهِر أَنه قصد الطَّلَاق بذلك فرجح جَانب الطَّلَاق على غَيره وَأما فِي سَائِر الْأَلْفَاظ نَحْو قَوْلك لَا سَبِيل لي عَلَيْك وفارقتك وخليت سَبِيلك وَلَا ملك لي عَلَيْك والحقي بأهلك ووهبتك لأهْلك واغربي واخرجي واذهبي وقومي واستتري وتقنعي وتزوجي وَلَا نِكَاح عَلَيْك وَنَحْو ذَلِك فَلَا يَقع إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ كَمَا تصلح للطَّلَاق تصلح للتبعيد عَن نَفسه وَالْإِنْسَان قد يبعد امْرَأَته من غير طَلَاق فَلَا بُد من النِّيَّة وَأما الحكم الثَّانِي وَهُوَ أَنه إِذا قَالَ مَا عنيت بِهِ الطَّلَاق هَل يصدق فَنَقُول فِي كل لفظ يصلح للطَّلَاق يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله لكَونه مُحْتملا فَأَما فِي الْقَضَاء فَهَل يصدق فَهُوَ على أَقسَام ثَلَاثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 قسم مِنْهُ لَا يدين فِي الْأَحْوَال كلهَا وَهُوَ أَرْبَعَة أَلْفَاظ قَوْله أَمرك بِيَدِك واختاري واعتدي واستبري رَحِمك لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ لَا تصلح للشتم وَلَا للتبعيد فَالظَّاهِر مِنْهَا الطَّلَاق وَالْحَال يدل عَلَيْهِ فَلَا يصدق فِي الْقَضَاء وَقسم مِنْهُ يدين فِي حَال الْغَضَب وَلَا يدين فِي حَال ذكر الطَّلَاق وَذَلِكَ فِي كل لفظ يصلح للشتم وَهِي خَمْسَة أَلْفَاظ أَنْت خلية بَريَّة بتة باين أَنْت عَليّ حرَام لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ تصلح للشتم وَتصْلح للطَّلَاق وَحَال الْغَضَب يصلح للأمرين جَمِيعًا فَكَانَ الْحَال مُحْتملا وَاللَّفْظ مُحْتملا للطَّلَاق وَغَيره فَلَا يكون قَوْله خلاف الظَّاهِر فَيصدق وَأما فِي حَال ذكر الطَّلَاق فَذكر هَذِه الْأَلْفَاظ مَعَ الرضى لَا يصلح إِلَّا للطَّلَاق فَحمل عَلَيْهِ دون الشتم وَقسم مِنْهُ يدين فِي حَال الْغَضَب وَحَال ذكر الطَّلَاق وَهِي الْأَلْفَاظ الَّتِي تصلح للتبعيد وَالطَّلَاق دون الشتم لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ تصلح للتبعيد وَتصْلح للطَّلَاق فَلَا يتَرَجَّح أحد الْأَمريْنِ بِالْحَال وَقد نوى مَا يحْتَملهُ كَلَامه وَالظَّاهِر لَا يُخَالِفهُ فَيصدق فِي الْقَضَاء وَالْقسم الثَّالِث وَأما الْبَائِن الَّذِي يَقع حكما فكثير كاعتراض حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَالرّضَاع وَاللّعان وَالرِّدَّة وَنَحْوهَا لِأَن الْغَرَض هُوَ الْمُفَارقَة بَينهمَا فَلَا بُد من ثُبُوت الْبَيْنُونَة لَكِن بَعْضهَا يكون طَلَاقا بِالْإِجْمَاع بَين أَصْحَابنَا وَبَعضهَا يكون فسخا بِالْإِجْمَاع وَبَعضهَا مُخْتَلف فِيهِ أما الأول فكالفرقة بالإيلاء فَإِذا مَضَت مُدَّة الْإِيلَاء بَانَتْ بتطليقة بَائِنَة عندنَا لِأَنَّهُ حصل بقول الزَّوْج وكتفريق القَاضِي بِسَبَب الْعنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 فَإِن القَاضِي نَائِب عَن الزَّوْج فِي التَّفْرِيق الْوَاجِب عَلَيْهِ وَأما مَا يكون فسخا بِالْإِجْمَاع فكالفرقة الَّتِي تقع بِحرْمَة مُؤَبّدَة مثل حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَحُرْمَة الرَّضَاع لِأَنَّهَا خلاف حكم الطَّلَاق وَكَذَلِكَ كل فرقة حصلت بِفعل الْمَرْأَة أَو حصلت لَا بِفعل الزَّوْجَيْنِ فَهِيَ فسخ لِأَن الْمَرْأَة لَا تملك الطَّلَاق وَالطَّلَاق لَا بُد لَهُ من قَول الزَّوْج وَذَلِكَ نَحْو اخْتِيَار الْأمة الْمُعتقَة نَفسهَا أَو اخْتِيَار الصَّغِيرَة إِذا أدْركْت وردة الْمَرْأَة وإباؤها الْإِسْلَام بعد إِسْلَام زَوجهَا والفرقة الْوَاقِعَة باخْتلَاف الدَّاريْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فعل أحد وَكَذَا إِذا ملك أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه لِأَنَّهُ تقع الْفرْقَة بِلَا فعل وَكَذَا إِذا أسلم الْحَرْبِيّ وَتَحْته أَكثر من أَربع نسْوَة فَاخْتَارَ أَرْبعا مِنْهُنَّ تقع الْفرْقَة على الْبَاقِيَات بِغَيْر طَلَاق لِأَن الْحُرْمَة تثبت شرعا وَاخْتِيَار الزَّوْج للْبَيَان لَا أَنه طَلَاق وَكَذَا اخْتِيَار الصَّغِير نَفسه بعد الْبلُوغ وَإِن كَانَ فعله لِأَنَّهُ رفع النِّكَاح من وَجه وَالْفَسْخ يثبت بطرِيق الضَّرُورَة وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ فنحو الْفرْقَة بِسَبَب اللّعان عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد تكون طَلَاقا وَعند أبي يُوسُف تكون فسخا لِأَنَّهُ يثبت بِهِ حُرْمَة مُؤَبّدَة عِنْده خلافًا لَهما وَكَذَا ردة الزَّوْج عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف فرقة بَائِنَة بِغَيْر طَلَاق وَقَالَ مُحَمَّد هِيَ طَلَاق بَائِن وإباء الزَّوْج الْإِسْلَام إِذا أسلمت امْرَأَته الذِّمِّيَّة فَهُوَ طَلَاق بَائِن عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف فرقة بَائِنَة بِغَيْر طَلَاق ف مُحَمَّد سوى بَينهمَا وجعلهما طَلَاقا بَائِنا وَأَبُو يُوسُف جَعلهمَا فسخا وَأَبُو حنيفَة فرق بَينهمَا فَقَالَ ردة الزَّوْج فسخ وإباؤه الْإِسْلَام طَلَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَأما بَيَان أَحْكَام الطَّلَاق الْبَائِن فَنَقُول مِنْهَا إِن كَانَ وَاحِدًا يَزُول بِهِ ملك النِّكَاح وَتبقى الْمَرْأَة محلا للنِّكَاح بطلاقين حَتَّى لَا يحل لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا وَلَا يَصح الظِّهَار وَالْإِيلَاء وَلَا يجْرِي التَّوَارُث وَلَا تحل إِلَّا بتجديد النِّكَاح وَلَو وَطئهَا لَا يجب الْحَد لاخْتِلَاف الصَّحَابَة فِي الْكِنَايَات إِنَّهَا بوائن أَو رواجع وأصحابنا أخذُوا بقول من قَالَ إِنَّهَا بوائن وَالشَّافِعِيّ أَخذ بقول من قَالَ إِنَّهَا رواجع وَإِن كَانَت الْبَيْنُونَة بِالثلَاثِ يَزُول الْملك وَحل الْمَحَلِّيَّة جَمِيعًا حَتَّى لَا يحل لَهُ وَطئهَا إِلَّا بعد إِصَابَة الزَّوْج الثَّانِي وَإِن وجد عقد النِّكَاح أَو ملك الْيَمين فَإِن النِّكَاح لَا يَصح لعدم حل الْمَحَلِّيَّة وبسبب ملك الْيَمين يَصح وَلَا يُفِيد الْحل وَمِنْهَا أَن المبانة والمختلعة يلْحقهَا صَرِيح الطَّلَاق مَا دَامَت فِي الْعدة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَأَجْمعُوا أَنه لَا تلحقها الْكِنَايَات المزيلة للنِّكَاح وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَمِنْهَا أَن الطَّلَاق الْبَائِن هَل يكره إِذا خلا عَن الْعدَد والعوض فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يكره وَفِي رِوَايَة الزِّيَادَات يكره وَإِذا اقْترن بِهِ الْعدَد يكره بِالْإِجْمَاع وَإِذا اقْترن بِهِ الْعِوَض وَهُوَ الْخلْع لَا يكره على مَا نذْكر ثمَّ وُقُوع الطَّلَاق بِمَا ذكرنَا من الْأَلْفَاظ يَسْتَوِي فِيهِ الْجَواب بَين أَن وجد من الزَّوْج أَو من نَائِبه وَهُوَ الْوَكِيل وَالرَّسُول وَكَذَلِكَ إِذا كتب وَهُوَ أَنْوَاع إِن لم يكن مستبين الْحُرُوف كَمَا إِذا كتب على المَاء والهواء فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لَا يُسمى كِتَابَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وَإِن كَانَ مستبين الْخط وَلَكِن لَا يكون على رسم الْكِتَابَة بِأَن كَانَت على لوح أَو حَائِط أَو أَرض فَهُوَ فِي حكم الْكِتَابَة وَلِأَن الْإِنْسَان قد يكْتب لتجربة الْخط ولتجربة الحبر والقلم فَإِن نوى الطَّلَاق يَقع وَإِلَّا فَلَا فَأَما إِذا كَانَ على رسم الْكِتَابَة والرسالة بِأَن يكْتب أما بعد يَا فُلَانَة إِذا وصل إِلَيْك كتابي فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق بِهِ وَلَا يصدق إِذا قَالَ لم أرد بِهِ الطَّلَاق لِأَن الْكتاب من الْغَائِب بِمَنْزِلَة الْخطاب من الْحَاضِر ثمَّ إِذا كتب مُطلقًا وَقَالَ أَنْت طَالِق على رسم الْكِتَابَة يَقع الطَّلَاق كَمَا كتب وَلَا يتَوَقَّف على الْوُصُول إِلَيْهَا وَإِن علقه بِشَرْط الْوُصُول بِأَن قَالَ إِذا وصل إِلَيْك كتابي فَإِنَّهُ لَا يَقع الطَّلَاق مَا لم يصل الْكتاب إِلَيْهَا لِأَن الْمُعَلق بِالشّرطِ لَا ينزل قبل وجوده هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حكم الصَّحِيح فَأَما الْمَرِيض إِذا طلق وَهُوَ صَاحب الْفراش طَلَاقا رَجْعِيًا أَو بَائِنا أَو ثَلَاثًا ثمَّ مَاتَ من ذَلِك الْمَرَض وَهِي فِي الْعدة فَإِنَّهَا تَرث عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْقِيَاس مَعَه لَكنا استحسنا بِإِجْمَاع الصَّحَابَة وَلَو زَالَ الْمَرَض ثمَّ نكس الْمَرِيض وَمَات وَهِي فِي الْعدة لم تَرثه لِأَنَّهُ تبين أَنه مَا طلق فِي مرض الْمَوْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 بَاب تَفْوِيض الطَّلَاق هَهُنَا فُصُول أَرْبَعَة أَحدهَا أَن يَقُول لامْرَأَته أَمرك بِيَدِك وَالثَّانِي أَن يَقُول لَهَا اخْتَارِي وَالثَّالِث أَن يَقُول أَنْت طَالِق إِن شِئْت وَالرَّابِع أَن يَقُول طَلِّقِي نَفسك أما الأول فَهُوَ نَوْعَانِ إِمَّا أَن يكون مُطلقًا أَو مؤقتا أما إِذا قا أَمرك بِيَدِك مُطلقًا وَلم يوقته بِوَقْت وَيُرِيد بِهِ الطَّلَاق فَإِنَّهُ يصير أمرهَا بِيَدِهَا وَيصير الطَّلَاق مفوضا إِلَيْهَا وَتصير مالكة للتطليق مَا دَامَت فِي مجلسها ذَلِك وَإِن طَال وَهَذَا إِذا كَانَت حَاضِرَة وَسمعت الْأَمر من الزَّوْج وَعلمت بِهِ فَأَما إِذا كَانَت غَائِبَة أَو حَاضِرَة وَلم تسمع فلهَا الْخِيَار فِي مجْلِس بلغ إِلَيْهَا الْخَبَر فِيهِ وَعلمت بذلك لِأَن هَذَا تمْلِيك الطَّلَاق وَالتَّمْلِيك يقْتَصر جَوَابه على الْمجْلس وَيكون مؤقتا بِهِ كَمَا فِي قبُول البيع وَإِذا صَار الْأَمر فِي يَدهَا فَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فِي الْمجْلس تقع وَاحِدَة بَائِنَة إِذا أَرَادَ الزَّوْج بِهِ طَلَاقا وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ فَإِن أَرَادَ الزَّوْج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاث لِأَن هَذَا اللَّفْظ من الْكِنَايَات فَيحْتَمل الثَّلَاث فَلَا بُد من نِيَّة الطَّلَاق على التَّفْصِيل الَّذِي ذكرنَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَت طلقت نَفسِي أَو أبنت أَو أَنا مِنْك بَائِن أَو طَالِق أَو قَالَت أَنْت عَليّ حرَام أَو أَنْت مني بَائِن فَإِنَّهُ يكون جَوَابا لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ للطَّلَاق فَأَما إِذا وجد مِنْهَا كَلَام أَو فعل يدل على الْإِعْرَاض عَن اخْتِيَار النَّفس فَإِنَّهُ يبطل خِيَارهَا وَيخرج الْأَمر من يَدهَا وَذَلِكَ نَحْو أَن تقوم من مجلسها ذَلِك إِذا سَمِعت بِالْخِيَارِ إِن كَانَت قَاعِدَة أَو كَانَت قَائِمَة فركبت وَإِن كَانَت سائرة فَإِن أجابت على الْفَوْر أَو وقفت للتأمل فِي ذَلِك وَإِلَّا فَيبْطل خِيَارهَا لِأَن ذَلِك دَلِيل الْإِعْرَاض وَكَذَلِكَ إِذا اشتغلت بافتتاح الصَّلَاة أَو بِالْأَكْلِ وَالشرب حَتَّى يكون ذَلِك مجْلِس الْأكل وَالشرب فَأَما إِذا أكلت شَيْئا يَسِيرا أَو شربت شربة فَلَا يعْتَبر فَإِن قَالَت ادعوا لي أبواي حَتَّى أستشيرهما أَو ادعوا لي شُهُودًا أشهدهم عَلَيْهِ لم يبطل خِيَارهَا لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك فَلَا يكون دَلِيل الْإِعْرَاض ثمَّ إِذا اخْتَارَتْ نَفسهَا مرّة لَيْسَ لَهَا أَن تخْتَار ثَانِيًا وَيبْطل الْخِيَار لِأَنَّهُ فوض إِلَيْهَا الْخِيَار مرّة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا أَمرك بِيَدِك إِن شِئْت فَأَما إِذا قَالَ أَمرك بِيَدِك كلما شِئْت فَيكون الْأَمر فِي يَدهَا فِي ذَلِك الْمجْلس وَغَيره حَتَّى تبين بِثَلَاث لِأَن كلمة كلما تَقْتَضِي التّكْرَار لَكِنَّهَا لَا تطلق نَفسهَا فِي الْمجْلس إِلَّا مرّة وَاحِدَة كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي كل مجْلِس أَمرك بِيَدِك فَمَا لم يَتَجَدَّد الْمجْلس لَا يَتَجَدَّد الْخِيَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَهَا أَمرك بِيَدِك إِذا شِئْت أَو مَتى شِئْت أَو مَا شِئْت أَو مَتى مَا شِئْت فلهَا الْخِيَار فِي الْمجْلس وَغَيره كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فِي أَي وَقت شِئْت إِلَّا أَنه يكون لَهَا الْخِيَار مرّة لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ لَا توجب التّكْرَار فَأَما إِذا كَانَ الْأَمر بِالْيَدِ موقتا بِأَن قَالَ أَمرك بِيَدِك يَوْمًا أَو شهرا أَو سنة أَو هَذَا الْيَوْم أَو هَذَا الشَّهْر أَو هَذِه السّنة فلهَا الْأَمر فِي جَمِيع ذَلِك الْوَقْت وإعراضها عَن الْجَواب فِي ذَلِك الْمجْلس وَغَيره واشتغالها بِغَيْر الْجَواب من الْأَعْمَال والأقوال لَا يبطل خِيَارهَا مَا بَقِي شَيْء من ذَلِك الْوَقْت لِأَنَّهُ فوض الطَّلَاق إِلَيْهَا فِي جَمِيع ذَلِك الْوَقْت غير أَنه إِذا كَانَ الْوَقْت مُنْكرا كَقَوْلِه يَوْمًا أَو شهرا فلهَا الْخِيَار من سَاعَته الَّتِي تكلم إِلَى أَن يتم الْوَقْت وَيكون الشَّهْر بِالْأَيَّامِ فَأَما إِذا عين فَقَالَ هَذَا الْيَوْم أَو هَذَا الشَّهْر أَو هَذِه السّنة فلهَا الْخِيَار فِي بَقِيَّة الْيَوْم والشهر وَالسّنة وَلَو لم تعلم بِالْوَقْتِ حَتَّى مضى يبطل خِيَارهَا وَلَا يتَوَقَّف ثُبُوت الْخِيَار على الْوَقْت الَّذِي علمت بِهِ لِأَنَّهُ أثبت الْخِيَار فِي زمَان مُقَدّر فينتهي بانتهاء الْوَقْت إِذْ لَو بَقِي لزاد على مِقْدَار الْوَقْت وَفِي الْأَمر بِالْيَدِ مُطلقًا يتَوَقَّف على مجْلِس الْعلم فَيشْتَرط علمهَا بذلك لِأَنَّهُ مَا قَيده بِالْوَقْتِ وَلَو اخْتَارَتْ زَوجهَا فِي أول الشَّهْر أَو فِي أول السّنة ثمَّ أَرَادَت أَن تخْتَار نَفسهَا بعد ذَلِك فلهَا فِي ذَلِك قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لِأَنَّهُ جعل إِلَيْهَا الْخِيَار فِي جَمِيع الْمدَّة واختيارها للزَّوْج فِي الْيَوْم إبِْطَال للخيار فِيهِ فَلَا يُوجب بطلَان الْخِيَار فِي يَوْم آخر فِي ذَلِك الْوَقْت كَمَا إِذا أَعرَضت عَن الْجَواب فِي يَوْم إِذا اشتغلت بِأُمُور كَثِيرَة فَيبْطل خِيَارهَا فِي ذَلِك الْيَوْم لَا فِي بَاقِي الْمدَّة كَذَا هَذَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف يخرج الْأَمر من يَدهَا فِي الشَّهْر كُله لِأَن هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 تمْلِيك وَاحِد فِي أشهر فَيبْطل برد وَاحِد كتمليك البيع وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي قَوْله أَمرك بِيَدِك كلما شِئْت وَإِذا شِئْت وَمَتى شِئْت وَقَالُوا أَيْضا إِن الْخلاف على عكس هَذَا وَأما الْفَصْل الثَّانِي إِذا قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَنَقُول الْجَواب فِي هَذَا وَفِي قَوْله أَمرك بِيَدِك سَوَاء فِي جَمِيع الْأَحْكَام إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا أَن الزَّوْج إِذا أَرَادَ بِهِ الثَّلَاث لَا يَقع وَفِي قَوْله أَمرك بِيَدِك يَقع لِأَن ذَلِك من كنايات الطَّلَاق وَأما قَوْله اخْتَارِي فَلَيْسَ من أَلْفَاظ الطَّلَاق وَإِنَّمَا هُوَ تَفْوِيض الطَّلَاق بِلَفْظ لَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من ذكر النَّفس هَهُنَا فِي أحد الْكَلَامَيْنِ بِأَن يَقُول الزَّوْج اخْتَارِي نَفسك أَو قَالَت اخْتَرْت نَفسِي إِذا قَالَ الزَّوْج اخْتَارِي لَا غير وَأما إِذا قَالَ اخْتَارِي فَقَالَت اخْتَرْت لَا يكون شَيْئا وَكَذَلِكَ إِذا قرن بِالْخِيَارِ مَا يُوجب الِاخْتِصَاص بِاخْتِيَار الطَّلَاق فَهُوَ كَاف بِأَن قَالَ اخْتَارِي الطَّلَاق أَو اخْتَارِي اختيارة ثمَّ الْمَرْأَة إِذا قَالَت اخْتَرْت نَفسِي أَو طلقت نَفسِي يكون جَوَابا وَلَو قَالَت اخْتَرْت أُمِّي أَو أبي أَو أَهلِي أَو الْأزْوَاج فَالْقِيَاس أَن لَا يَقع بِهِ شَيْء وَفِي الِاسْتِحْسَان يَقع لِأَن الْمَرْأَة عِنْد الطَّلَاق تلْحق بهؤلاء فَصَارَ اخْتِيَارهَا لذَلِك دلَالَة اخْتِيَار الطَّلَاق كَأَنَّهَا قَالَت اخْتَرْت الطَّلَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 الْفَصْل الثَّانِي إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَالْجَوَاب فِيهِ مثل الْجَواب فِي أَمرك بِيَدِك فِي جَمِيع الْأَحْكَام إِن كَانَ مُطلقًا فعلى الْمجْلس وَإِن كَانَ مؤقتا فثابت فِي جَمِيع الْوَقْت كَمَا ذكرنَا فِي الْخِيَار إِلَّا أَن هُنَا يَقع الطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَثمّ يَقع بَائِنا إِلَّا إِذا قَالَ لَهَا أَمرك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَة أَو اخْتَارِي تَطْلِيقَة واختارت نَفسهَا يَقع رَجْعِيًا لِأَنَّهُ فوض إِلَيْهَا الرَّجْعِيّ وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن أردْت أَو رضيت أَو هويت أَو أَحْبَبْت فَإِذا قَالَت شِئْت أَو أردْت فِي الْمجْلس يَقع الطَّلَاق وَإِن كَانَ لَا يعرف مشيئتها حَقِيقَة لِأَن الحكم مُتَعَلق بالإخبار عَن الْمَشِيئَة والإرادة وَلِهَذَا إِذا قَالَ لَهَا إِن كنت تحبيني أَو تبغضيني فَأَنت طَالِق فَقَالَت أحبك وَفِي قَلبهَا بِخِلَافِهِ يَقع وَيعْتَبر الْخَبَر لَا حَقِيقَة الْمحبَّة وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَهَا إِن كنت تحبين أَن يعذبك الله بالنَّار أَو تكرهين دُخُول الْجنَّة فَأَنت طَالِق فَقَالَت إِنِّي أحب الْعَذَاب بالنَّار وأكره الْجنَّة وَقع الطَّلَاق لوُجُود الْخَبَر وَلَو قَالَ إِن كنت تحبيني بقلبك فَأَنت طَالِق فَقَالَت أحبك وَفِي قَلبهَا بِخِلَافِهِ يَقع الطَّلَاق عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لما ذكرنَا وَعند مُحَمَّد لَا يَقع لِأَنَّهُ علقه بِحَقِيقَة فعل الْقلب وَلم يُوجد وَأما الْفَصْل الرَّابِع إِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَالْجَوَاب فِيهِ مثل الأول لِأَن هَذَا تمْلِيك الطَّلَاق مِنْهَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لأجنبية طَلِّقِي امْرَأَتي حَيْثُ لَا يقْتَصر على الْمجْلس وَفِي قَوْله طَلِّقِي نَفسك يقْتَصر على الْمجْلس لِأَن ذَلِك تَوْكِيل وَفِي حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 الْمَرْأَة تمْلِيك إِلَّا أَن الْفرق أَن فِي قَوْله طَلِّقِي نَفسك إِذا أَرَادَ الزَّوْج الثَّلَاث يَقع ثَلَاث وَفِي قَوْله أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت إِذا أَرَادَ الثَّلَاث لَا يَقع وَلَو قَالَ اخْتَارِي فَقَالَت طلقت يَقع وَلَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت اخْتَرْت لَا يَقع لِأَن قَوْلهَا اخْتَرْت لَيْسَ من أَلْفَاظ الطَّلَاق أَلا ترى أَنَّهَا لَو قَالَت اخْتَرْت نَفسِي فَبلغ الزَّوْج وَأَجَازَ لَا يَقع بِهِ شَيْء وَلَو قَالَت طلقت نَفسِي فَأجَاز الزَّوْج يَقع وَإِنَّمَا صَار جَوَابا لقَوْله اخْتَارِي وأمرك بِيَدِك بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع بِخِلَاف الْقيَاس فاقتصر عَلَيْهِ ثمَّ فِي هَذِه الْفُصُول إِذا أَرَادَ الزَّوْج أَن يعزلها وَيخرج الْأَمر من يَدهَا وَيرجع عَن ذَلِك لَا يَصح وَكَذَلِكَ لَو نهاها عَن ذَلِك لِأَن هَذَا تَفْوِيض الطَّلَاق وتمليك لَهُ وَالطَّلَاق لَا يحْتَمل الْفَسْخ فإيجابه كَذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك أَو طَلِّقِي نَفسك إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت لَا يَقع شَيْء وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت يَقع لِأَن ثمَّة أمرهَا بالتطليق وَلم يُوقع وَهنا علق الطَّلَاق بمشيئتها وَقد أَتَت بِالشّرطِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 بَاب الِاسْتِثْنَاء وَغَيره فِي الْبَاب فُصُول مُخْتَلفَة الأول فصل الِاسْتِثْنَاء إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله فَإِن كَانَ مَوْصُولا لَا يَقع الطَّلَاق وَإِن كَانَ مَفْصُولًا يَقع سَوَاء قدم الِاسْتِثْنَاء على لفظ الطَّلَاق أَو أخر لِأَن قَوْله إِن شَاءَ الله تَعْلِيق الطَّلَاق بِمَشِيئَة الله وَإِنَّهَا لَا تعرف ثمَّ الِاسْتِثْنَاء المفصول أَن يفصل الْمُتَكَلّم بَين الِاسْتِثْنَاء وَمَا قبله بسكوت أَو بِكَلَام آخر فَإِذا انْقَطع الْكَلَام بالتنفس فَلَا عِبْرَة بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَلَو حرك لِسَانه بِالِاسْتِثْنَاءِ وأتى بِحُرُوفِهِ على الْوَجْه لكنه لم يسمع يكون اسْتثِْنَاء لِأَن هَذَا كَلَام وَلَيْسَ الشَّرْط هُوَ السماع أَلا ترى أَن الْأَصَم يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ وَإِن لم يسمع هُوَ وَلَو قدم الِاسْتِثْنَاء فَقَالَ إِن شَاءَ الله فَأَنت طَالِق يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ بِالْإِجْمَاع أما إِذا قَالَ إِن شَاءَ الله أَنْت طَالِق يَصح على قَول أبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد لَا يَصح هُوَ يَقُول هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع وهما يَقُولَانِ إِن الْفَاء هَهُنَا مُضْمر بِدلَالَة الِاسْتِثْنَاء وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ فلَان فَهُوَ مُعَلّق بمشيئته فَإِن شَاءَ فِي مجْلِس الْعلم يَقع وَإِن علق بِمَشِيئَة من لَا تعلم مَشِيئَته من الْعباد مثل الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين فَإِنَّهُ يَصح الِاسْتِثْنَاء حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق كَمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله لِأَنَّهُ لَا يعلم وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ يَصح الِاسْتِثْنَاء لِأَن هَذَا اسْتثِْنَاء الْبَعْض من الْجُمْلَة فَيكون تكلما بِالْبَاقِي وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا يَقع الثَّلَاث وَيبْطل الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ اسْتثْنى الْكل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق عشرَة إِلَّا تسعا يَقع وَاحِدَة وَإِن قَالَ إِلَّا ثَمَانِيَة تقع ثِنْتَانِ وَإِن قَالَ إِلَّا سبعا يَقع ثَلَاثًا وَكَذَا لَو نقص عَن السَّبع يكون ثَلَاثًا لِأَنَّهُ تكلم بِالْبَاقِي كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة فَتَقَع وَاحِدَة أَو قَالَ أَنْت طَالِق سِتا فَيَقَع ثَلَاثًا والفصل الآخر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق نصف تَطْلِيقَة أَو ربع تَطْلِيقَة تقع وَاحِدَة لِأَن الطَّلَاق لَا يتَجَزَّأ فيتكامل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق نصفا وَربع تَطْلِيقَة يَقع ثِنْتَانِ وَلَو قَالَ نصف تَطْلِيقَة وربعها يَقع وَاحِدَة لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى الأول وَلَو قَالَ نصفك طَالِق أَو ربعك طَالِق يَصح لِأَن الْإِضَافَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 إِلَى الْجُزْء الشَّائِع كالإضافة إِلَى الْكل وَالْحَاصِل أَنه إِذا أضَاف الطَّلَاق إِلَى جُزْء شَائِع أَو إِلَى جُزْء جَامع يَقع بِأَن كَانَ ذَلِك الْجُزْء يعبر بِهِ عَن جَمِيع الْبدن فِي الِاسْتِعْمَال نَحْو أَن يَقُول رَأسك طَالِق أَو فرجك أَو رقبتك أَو وَجهك فَأَما إِذا أضَاف الطَّلَاق إِلَى جُزْء لَا يعبر بِهِ عَن جَمِيع الْبدن بِأَن قَالَ يدك أَو رجلك أَو ظهرك أَو بَطْنك طَالِق فَإِنَّهُ لَا يَقع عندنَا وَعند الشَّافِعِي يَقع وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة والفصل الآخر طَلَاق الْمُكْره صَحِيح عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَكَذَلِكَ طَلَاق السَّكْرَان وَاقع سَوَاء سكر بِالْخمرِ أَو بالنبيذ وعَلى أحد قولي الشَّافِعِي لَا يَقع وَهُوَ اخْتِيَار الطَّحَاوِيّ وَأَجْمعُوا أَنه إِذا شرب البنج أَو الدَّوَاء فَسَكِرَ وَزَالَ عقله فَطلق لَا يَقع وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ زَالَ الْعقل بِسَبَب هُوَ مَعْصِيّة لتلذذه بذلك فَيجْعَل قَائِما عُقُوبَة عَلَيْهِ بِخِلَاف شرب الدَّوَاء وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْمُكْره على شرب الْخمر أَو الْمُضْطَر إِذا شرب فَسَكِرَ فَإِن طَلَاقه لَا يَقع لِأَن هَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة وَبَعض الْمَشَايِخ قَالُوا يَقع لِأَنَّهُ حصل بِسَبَب لَهُ فِيهِ لَذَّة وَعَن مُحَمَّد أَن من شرب النَّبِيذ فَلم يزل عقله فصدع وَزَالَ عقله بِسَبَب الصداع فَطلق امْرَأَته قَالَ لَا يَقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وعَلى هَذَا طَلَاق الهازل وَطَلَاق الخاطىء وَاقع وَهُوَ أَن يُرِيد الرجل غير الطَّلَاق فَسبق على لِسَانه الطَّلَاق وَالْعتاق وَذكر الْكَرْخِي أَن فِي الْعتاق عَن أبي حنيفَة رِوَايَتَيْنِ فصل آخر لَا خلاف أَن تَنْجِيز الطَّلَاق لَا يَصح إِلَّا فِي الْملك فَأَما التَّعْلِيق فِي الْملك فَصَحِيح بِالْإِجْمَاع بِأَن قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَأما التَّعْلِيق بِالْملكِ بِأَن قَالَ لأجنبية إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ يَصح عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يَصح وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق وَقَالَ مَالك إِن عَم لَا يجوز وَإِن خص جَازَ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن تَعْلِيق الطَّلَاق لَيْسَ بِطَلَاق للْحَال وَإِنَّمَا هُوَ إِيقَاع الطَّلَاق عِنْد وجود الشَّرْط وَملك النِّكَاح قَائِم فِي ذَلِك الْوَقْت فَيصح ثمَّ إِذا علق الطَّلَاق فِي النِّكَاح ثمَّ وجد الشَّرْط فَإِن كَانَت مَنْكُوحَة يَقع الطَّلَاق وتنحل الْيَمين وَإِن كَانَت مبانة وَهِي فِي الْعدة عِنْد الشَّرْط يَقع الطَّلَاق أَيْضا عندنَا لِأَن المبانة والمختلعة يلْحقهَا صَرِيح الطَّلَاق عندنَا وَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فَوجدَ الشَّرْط تنْحَل الْيَمين لَا إِلَى الْجَزَاء وَلَو علق ثَلَاث تَطْلِيقَات فِي الْملك ثمَّ طَلقهَا ثَلَاثًا يبطل التَّعْلِيق عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر لَا يبطل حَتَّى لَو تزوجت بِزَوْج آخر وعادت إِلَيْهِ بعد إِصَابَة الزَّوْج الثَّانِي وطلاقه ثمَّ وجد الشَّرْط لَا يَقع شَيْء عندنَا خلافًا لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وَلَو طَلقهَا وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فَتزوّجت بِزَوْج آخر فَوَطِئَهَا وعادت إِلَيْهِ فَوجدَ الشَّرْط فَإِنَّهُ يَقع ثَلَاث تَطْلِيقَات عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد يَقع بِقدر مَا بَقِي من الطَّلَاق الْمَمْلُوك بِالنِّكَاحِ الأول ولقب الْمَسْأَلَة أَن إِصَابَة الزَّوْج الثَّانِي هَل تهدم الطَّلقَة والطلقتين أم لَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة فصل آخر إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت عَليّ حرَام أَو قَالَ حرمتك على نَفسِي أَو أَنْت مُحرمَة عَليّ يرجع إِلَى نِيَّته فَإِن أَرَادَ بِهِ الطَّلَاق يَقع بَائِنا على مَا ذكرنَا وَإِن نوى التَّحْرِيم وَلم ينْو الطَّلَاق أَو لم يكن لَهُ نِيَّة فَهُوَ يَمِين وَيصير موليا وَإِن قَالَ أردْت بِهِ الْكَذِب فَلَيْسَ بِيَمِين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَيصدق فِي ذَلِك لِأَن الْخَبَر مُحْتَمل وَلَكِن لَا يصدق فِي إبِْطَال الْيَمين فِي الْقَضَاء لِأَن هَذَا اللَّفْظ صَرِيح فِي الْيَمين شرعا وَلَو نوى بالحرام الظِّهَار فَهُوَ ظِهَار عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد هُوَ إِيلَاء وَلَيْسَ بظهار وَأما إِذا قَالَ ذَلِك فِي غير الْمَرْأَة من الطَّعَام وَالشرَاب وَكَلَام فلَان فَإِنَّهُ يكون يَمِينا عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ ولقب الْمَسْأَلَة أَن تَحْرِيم الْحَلَال يَمِين أم لَا فَإِذا فعل شَيْئا مِمَّا حرمه قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا يَحْنَث فِي يَمِينه فَأَما إِذا قَالَ كل حل عَليّ حرَام أَو قَالَ حل الله عَليّ حرَام وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِنَّهُ يَقع على الطَّعَام وَالشرَاب خَاصَّة لِأَن هَذَا لَا يُمكن الْعَمَل بِعُمُومِهِ لِأَنَّهُ لَا يُرَاد بِهِ فِي الْعرف التنفس وَفتح الْعَينَيْنِ والتحرك فَيَقَع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 على الْحَلَال الْمُعْتَاد وَهُوَ الْأكل وَالشرب فَإِن نوى مَعَ ذَلِك اللبَاس أَو امْرَأَته يَقع على الْأكل وَالشرب واللباس وَالْمَرْأَة فَأَي شَيْء فعل من ذَلِك وَحده يَحْنَث فِي يَمِينه وَيلْزمهُ الْكَفَّارَة لِأَن الطَّعَام وَالشرَاب دخلا بِحكم الْعَادة واللباس وَالْمَرْأَة بنيته وَاللَّفْظ صَالح لَهُ فَيصح فَإِن نوى بقوله كل حل عَليّ شَيْئا بِعَيْنِه دون غَيره فَإِن نوى بِهِ الطَّعَام خَاصَّة أَو الشَّرَاب خَاصَّة أَو اللبَاس خَاصَّة أَو امْرَأَته خَاصَّة فَهُوَ على مَا نوى فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَفِي الْقَضَاء لِأَن هَذَا يَقع على أخص الْخُصُوص لتعذر الْعَمَل بِعُمُومِهِ فَإِذا عين ذَلِك صَحَّ إِذْ التَّخْصِيص ترك الْعَمَل بِالْعُمُومِ وَهَذَا مَتْرُوك ثمَّ فِي الْموضع الَّذِي يدْخل امْرَأَته وَالطَّعَام وَالشرَاب فِي قَوْله كل حل عَليّ حرَام وَنوى الطَّلَاق فِي امْرَأَته فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُمكن الْعَمَل بِعُمُومِهِ لِأَن هَذَا كَلَام وَاحِد لَا يتَنَاوَل الْيَمين وَالطَّلَاق جَمِيعًا وَلَو قَالَ أَنْت عَليّ كالميتة وَالدَّم أَو كلحم الْخِنْزِير أَو كَالْخمرِ فَإِن أَرَادَ بِهِ الْكَذِب صدق لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيح فِي الْيَمين بِخِلَاف قَوْله أَنْت عَليّ حرَام وَإِن أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيم فَهُوَ إِيلَاء وَإِن نوى الطَّلَاق فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت عَليّ حرَام لِأَنَّهُ شبهها بالمحرم فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت عَليّ حرَام وبمثله لَو قَالَ أَنْت عَليّ كَمَال فلَان وَنوى بِهِ الطَّلَاق لَا يَصح لِأَن عين المَال لَيْسَ بِحرَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 بَاب الْخلْع الْخلْع طَلَاق عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ فسخ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَلِهَذَا قُلْنَا إِن من قَالَ لامْرَأَته خالعتك وَلم يذكر الْعِوَض وَنوى الطَّلَاق كَانَ طَلَاقا بَائِنا وَلَو نوى الثَّلَاث صَحَّ لِأَنَّهُ من كنايات الطَّلَاق إِلَّا أَنه فِي عرف الشَّرْع عِنْد النَّاس صَار عبارَة عَن الطَّلَاق بعوض فَيصير حَقِيقَة عرفية حَتَّى ينْصَرف إِلَيْهِ مُطلق الْكَلَام حَتَّى إِن الرجل إِذا قَالَ لغيره اخلع امْرَأَتي فخلعها بِغَيْر عوض لَا يَصح وَيكون مَوْقُوفا على إجَازَة الزَّوْج فَإِن أجَاز يكون طَلَاقا بَائِنا وَقَالُوا لَو قَالَ لامْرَأَته اخلعي نَفسك فَقَالَت خلعت نَفسِي بِأَلف دِرْهَم وقف على إجَازَة الزَّوْج وَلِهَذَا قَالُوا إِن من قَالَ لامْرَأَته خالعتك على ألف دِرْهَم فَقبلت وَقَالَ الزَّوْج لم أنو بِهِ الطَّلَاق لم يصدق لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون كِنَايَة عِنْد خلوه عَن المَال فَلَا بُد من النِّيَّة فَأَما إِذا كَانَ على مَال فَلَا حَاجَة إِلَى النِّيَّة ثمَّ الْخلْع على المَال يفْتَقر إِلَى الْإِيجَاب وَالْقَبُول حَتَّى تقع بِهِ الْفرْقَة وَيسْتَحق بِهِ الزَّوْج الْعِوَض عَلَيْهَا إِلَّا أَنه فِي جَانب الزَّوْج فِي معنى الْيَمين وَفِي جَانبهَا فِي معنى الْمُعَاوضَة حَتَّى إِن الزَّوْج إِذا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 خالعتك على ألف دِرْهَم لم يَصح رُجُوعه عَن ذَلِك وَلم يبطل بقيامه عَن الْمجْلس قبل قبُولهَا وَلم يقف على حضرتها الْمجْلس بل يجوز وَإِن كَانَت غَائِبَة فَإِذا بلغَهَا الْخَبَر فلهَا الْقبُول فِي مجلسها وَيجوز أَن يعلق ذَلِك بِشَرْط أَو بِوَقْت فَيَقُول إِذا جَاءَ غَد فقد خالعتك على ألف دِرْهَم وَإِذا قدم زيد فقد خالعتك على ألف دِرْهَم وَالْقَبُول إِلَيْهَا بعد مَجِيء الْوَقْت وقدوم زيد فَإِن قبلت قبل ذَلِك لم يجز فَأَما إِذا ابتدأت الْمَرْأَة فَقَالَت خالعت نَفسِي مِنْك بِأَلف دِرْهَم فَهُوَ بِمَنْزِلَة البيع فِي جَانبهَا حَتَّى يَصح مِنْهَا الرُّجُوع عَنهُ قبل قبُول الزَّوْج وَيبْطل بقيامها عَن الْمجْلس وبقيامه أَيْضا وَلَا يقف على غَائِب وَلَا يجوز تَعْلِيقه بِشَرْط وَلَا بِوَقْت كَالْبيع سَوَاء وعَلى هَذَا الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا خَالعهَا وشرطت لنَفسهَا الْخِيَار جَازَ خلافًا لَهما وَإِذا ثَبت تَفْسِير الْخلْع شرعا فَنَقُول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يخالعها على مثل الْعِوَض الَّذِي أخذت أَو أقل أَو أَكثر والنشوز وَالْكَرَاهَة من قبل الزَّوْج أَو من قبل الْمَرْأَة فَنَقُول إِن كَانَ النُّشُوز من جِهَة الزَّوْج فَلَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ شَيْئا مِنْهَا بل لَهُ أَن يطلقهَا بِلَا عوض لقَوْله تَعَالَى {وَإِن أردتم استبدال زوج مَكَان زوج وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} وَإِن كَانَ النُّشُوز من جِهَتهَا يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهَا جَمِيع مَا اسْتحقَّت عَلَيْهِ بِالْعقدِ وَلَا تحل لَهُ الزِّيَادَة على ذَلِك فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة يحل لَهُ أَخذ الزِّيَادَة وَهَذَا فِي حق الدّيانَة والتنزه فَأَما فِي الحكم فَإِذا تخالعا على الزِّيَادَة من الْمهْر فَإِنَّهُ يلْزم وتؤمر بِالْأَدَاءِ إِلَيْهِ ثمَّ الْخلْع جَائِز بِكُل بدل يصلح مهْرا وَيلْزم الْمَرْأَة أَدَاؤُهُ إِلَى الزَّوْج وَمَا ذكرنَا فِي الْمهْر أَن الزَّوْج فِيهِ بِالْخِيَارِ بَين أَن يُعْطي عينه أَو قِيمَته فَفِي الْخلْع الْمَرْأَة بِالْخِيَارِ كَمَا فِي العَبْد الْوسط وَنَحْوه وكل مَا لَا يجوز أَن يكون مهْرا لِحُرْمَتِهِ كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير وَالْميتَة وَالدَّم وَالْحر لَا يجوز أَن يكون بَدَلا فِي الْخلْع لَكِن إِذا قبل الزَّوْج ذَلِك فِي الْخلْع تقع الْفرْقَة بَينهمَا وَلَا شَيْء على الْمَرْأَة من الْخلْع وَلَا يجب عَلَيْهَا أَن ترد من مهرهَا شَيْئا لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء لَا تصلح عوضا فِي حق الْمُسلمين وَالزَّوْج رَضِي بِمَا لَا قيمَة لَهُ والبضع فِي حَال الْخُرُوج عَن ملكه لَا قيمَة لَهُ حَتَّى تجب الْقيمَة فَلَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء بِخِلَاف النِّكَاح فَإِن ثمَّة يجب مهر الْمثل لِأَن الْبضْع مُتَقَوّم فِي حَال الدُّخُول فِي ملك الزَّوْج ثمَّ الطَّلَاق على المَال وَالْخلْع فِي الْأَحْكَام سَوَاء إِلَّا فِي فصل وَاحِد وَهُوَ أَن الْخلْع مَتى وَقع على عوض لَا قيمَة لَهُ لَا يجب الْعِوَض وَلَا قيمَة الْبضْع وَيكون الطَّلَاق بَائِنا لِأَن الْخلْع من كنايات الطَّلَاق وَأما الطَّلَاق بعوض لَا قيمَة لَهُ إِذا بَطل الْعِوَض فالطلاق يكون رَجْعِيًا لِأَن صَرِيح الطَّلَاق يكون رَجْعِيًا وَإِنَّمَا ثبتَتْ الْبَيْنُونَة لأجل الْعِوَض فَإِذا بَطل الْعِوَض بَقِي مُجَرّد صَرِيح الطَّلَاق فَيكون رَجْعِيًا وَلَو خلعها على حكمهَا أَو حكمه أَو حكم أَجْنَبِي فَنَقُول إِن الْخلْع على الحكم خلع بِتَسْمِيَة فَاسِدَة لما فِيهِ من الْجَهَالَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 الْفَاحِشَة والخطر فَيجب الرُّجُوع إِلَى مهرهَا الْمُسْتَحق بِالْعقدِ ثمَّ إِن كَانَ الْخلْع على حكم الزَّوْج فَإِن حكم بِمِقْدَار الْمهْر أَو أقل أجبرت على التَّسْلِيم إِلَى الزَّوْج لِأَنَّهُ حكم بالمستحق أَو حط بعضه وَهُوَ يملك حط بعضه لكَونه حَقًا لَهُ وَإِن حكم بِأَكْثَرَ من الْمهْر لم يلْزمهَا الزِّيَادَة لِأَنَّهُ أوجب لنَفسِهِ أَكثر من الْمُسْتَحق بِالْعقدِ فَلَا يَصح إِلَّا بِرِضَاهَا وَأما إِذا كَانَ الحكم إِلَيْهَا فَإِن حكمت بِمهْر الْمثل أَو أَكثر جَازَ وأجبر الزَّوْج على الْقبُول لِأَنَّهَا قَضَت بالمستحق أَو زَادَت عَلَيْهِ وَهِي تملك إِيفَاء الزِّيَادَة وَإِن حكمت بِأَقَلّ من الْمهْر لم يجز إِلَّا بِرِضا الزَّوْج لِأَنَّهَا حطت بعض مَا عَلَيْهَا حَقًا لزوج وَهِي لَا تملك حط حق الْغَيْر فَأَما إِذا كَانَ الحكم إِلَى أَجْنَبِي فَإِن حكم بِمهْر الْمثل جَازَ وَإِن حكم بِزِيَادَة أَو نُقْصَان لم تجز الزِّيَادَة إِلَّا بِرِضا الْمَرْأَة وَلَا يجوز النُّقْصَان إِلَّا بِرِضا الزَّوْج لِأَن الْأَجْنَبِيّ لَا يملك إِسْقَاط حق وَاحِد مِنْهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 بَاب الْإِيلَاء يحْتَاج فِي الْبَاب إِلَى تَفْسِير الْإِيلَاء لُغَة وَشرعا وَإِلَى بَيَان حكم الْبر فِي الْإِيلَاء وَإِلَى بَيَان الْفَيْء وَحكم الْحِنْث أما الأول فالإيلاء فِي اللُّغَة الْيَمين وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن الْيَمين على ترك الْوَطْء فِي الزَّوْجَة مُدَّة مَخْصُوصَة بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الْوَطْء إِلَّا بحنث يلْزمه بِسَبَب الْيَمين وَقد كَانَ الْإِيلَاء طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعله الشَّرْع طَلَاقا مُعَلّقا بترك وَطْء الزَّوْجَة مُدَّة مَخْصُوصَة كَأَن الزَّوْج قَالَ لامْرَأَته الْحرَّة إِن لم أقْربك أَرْبَعَة أشهر فَأَنت طَالِق بَائِن ولامرأته الْأمة إِن لم أقْربك شَهْرَيْن فَأَنت طَالِق بَائِن وركن الْإِيلَاء شرعا هُوَ اللَّفْظ الدَّال على ترك الْوَطْء فِي عرف الشَّرْع مؤكدا بِالْيَمِينِ وَهُوَ قَوْله وَالله لَا أقْربك أَو لَا أطأك أَو لَفْظَة المباضعة والمناكحة والإتيان والإصابة وَنَحْوهَا فَإِن كَانَ اللَّفْظ مُسْتَعْملا فِي الْوَطْء فَلَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة وَلَو أَتَى بِلَفْظ مُحْتَمل يحْتَاج فِيهِ إِلَى نِيَّة الزَّوْج ترك الْوَطْء بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 فَأَما الْمدَّة فَهِيَ أَرْبَعَة أشهر فِي حق الْحرَّة وشهران فِي حق الْأمة عندنَا وَعند الشَّافِعِي الْمدَّة فِي حَقّهمَا سَوَاء وَهِي زِيَادَة على أَرْبَعَة أشهر وَالصَّحِيح قَوْلنَا لقَوْله تَعَالَى {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} فَلَا تجوز الزِّيَادَة على الْمدَّة المنصوصة وَأما تَفْسِير الْيَمين فَهِيَ الْيَمين بِاللَّه وبصفاته على مَا نذْكر فِي كتاب الْإِيمَان أَو الْيَمين بِالشّرطِ وَالْجَزَاء وَذَلِكَ نَوْعَانِ مَا يكون بِهِ موليا وَمَا لَا يكون بِهِ موليا أما الَّذِي يكون بِهِ موليا فَأن يَقُول إِن قربتك فَعَبْدي حر أَو امْرَأَتي طَالِق أَو هِيَ عَليّ كَظهر أُمِّي أَو عَليّ صَدَقَة أَو حج الْبَيْت أَو صِيَام سنة وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يتَوَصَّل إِلَى الْوَطْء فِي هَذِه الْمدَّة إِلَّا بِشَيْء يلْزمه بِحكم الْيَمين كَمَا يلْزمه الْكَفَّارَة بِسَبَب الْيَمين بِاللَّه وَلَو قَالَ إِن قربتك فعلي أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَو عَليّ أَن أغزو لم يكن موليا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَيكون موليا عِنْد مُحَمَّد وَزفر وَلَو قَالَ الرجل لامْرَأَته أَنا مِنْك مولى فَإِن عَنى بِهِ الْخَبَر كذبا فَلَيْسَ بمولي فِيمَا بَينه وَبَين الله لِأَنَّهُ لفظ لَفْظَة الْخَبَر وَلَا يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر لِأَن هَذَا إِيجَاب فِي الشَّرْع وَإِن عَنى بِهِ الْإِيجَاب فَهُوَ مولي فِي الْقَضَاء وَفِيمَا بَينه وَبَين الله لِأَنَّهُ أوجب الْإِيلَاء بِهَذَا اللَّفْظ وَلَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت عَليّ مثل امْرَأَة فلَان وَقد كَانَ فلَان آلى من امْرَأَته فَإِن نوى بِهِ الْإِيلَاء كَانَ موليا لِأَنَّهُ شبهها بهَا فِي بَاب الْيَمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 والتشبيه يَقْتَضِي الْمُسَاوَاة فِيمَا شبه بِهِ وَإِن لم ينْو الْيَمين وَلَا التَّحْرِيم لَا يكون موليا لِأَنَّهُ قصد التَّشْبِيه من وَجه وَأما بَيَان حكم الْبر فَهُوَ وُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن بِسَبَب الْإِصْرَار على مُوجب هَذَا الْيَمين وَهُوَ الِامْتِنَاع عَن الْوَطْء أَرْبَعَة أشهر بِحَيْثُ لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بحنث يلْزمه فَيكون مؤكدا لَهُ فِي الِامْتِنَاع خوفًا عَن لُزُوم الْحِنْث وَفِي الْوَطْء حق الْمَرْأَة فَصَارَ الزَّوْج ظَالِما لمنع حَقّهَا الْمُسْتَحق فالشرع جعل الِامْتِنَاع عَن إِيفَاء حَقّهَا الْمُسْتَحق لَهَا فِي هَذِه الْمدَّة سَببا للبينونة تخليصا لَهَا من حبالته لتتوصل إِلَى حَقّهَا من جِهَة غَيره وَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى {وَإِن عزموا الطَّلَاق فَإِن الله سميع عليم} فَسَماهُ عَزِيمَة الطَّلَاق وَهُوَ فعل الزَّوْج فَيصير الزَّوْج بالإصرار على مُوجب هَذَا الْيَمين مُعَلّقا طَلَاقا بَائِنا بترك الْوَطْء أَرْبَعَة أشهر بعد الْيَمين أبدا كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق بَائِن عِنْد مُضِيّ كل أَرْبَعَة أشهر لَا أقْربك فِيهَا أَو إِن لم أقْربك كل أَرْبَعَة أشهر مَا بَقِي الْيَمين فَأَنت طَالِق بَائِن إِذا ثَبت هَذَا فَإِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر من وَقت الْيَمين وَلم يقربهَا تقع تَطْلِيقَة بَائِنَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي يُخَيّر الزَّوْج بَين أَن يَطَأهَا وَبَين أَن يطلقهَا فَإِن لم يفعل يفرق القَاضِي بَينهمَا فَإِذا وَقعت تَطْلِيقَة بَائِنَة بِمُضِيِّ أَرْبَعَة أشهر ثمَّ مَضَت أَرْبَعَة أشهر أُخْرَى وَهِي فِي الْعدة لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهَا بَائِنَة فَلَا تسْتَحقّ الْوَطْء على الزَّوْج فَلَا يكون الِامْتِنَاع عَن الْوَطْء فِي هَذِه الْحَالة ظلما وَبِهَذَا الْوَصْف صَار الْإِصْرَار على مُوجب الْبر وَهُوَ ترك الْوَطْء سَببا للفرقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 فَإِن تزَوجهَا عِنْد مُضِيّ الْأَرْبَعَة الْأَشْهر ثمَّ مَضَت أَرْبَعَة أشهر مُنْذُ تزوج وَلم يقربهَا بَانَتْ بِأُخْرَى وَكَذَلِكَ إِذا تزَوجهَا ثَالِثَة لِأَن بِالتَّزْوِيجِ عَاد حَقّهَا فِي الْوَطْء وَالْيَمِين بَاقِيَة لِأَنَّهَا تنْحَل بِالْحِنْثِ وَهُوَ الْوَطْء أما زَوَال الْملك فَلَا يبطل الْيَمين فَيكون ترك الْفَيْء ظلما فَيكون سَببا للفرقة فَإِن تزَوجهَا بعد وُقُوع ثَلَاث تَطْلِيقَات فمضت أَرْبَعَة أشهر لم يَطَأهَا لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء عندنَا خلافًا لزفَر لِأَنَّهُ زَالَ حل الْمَحَلِّيَّة فَيبْطل الْيَمين وَلَو آلى مِنْهَا ثمَّ أَبَانهَا فمضت أَرْبَعَة أشهر لم يَطَأهَا وَهِي فِي الْعدة وَقعت أُخْرَى بالإيلاء لِأَن ابْتِدَاء الْإِيلَاء قد انْعَقَد مُوجبا للطَّلَاق لوُجُوده فِي الْملك فَإِذا أَبَانهَا فالبينونة تلحقها بِعقد سَابق وَإِن كَانَ لَا يلْحقهَا ابْتِدَاء عندنَا خلافًا ل زفر فَإِن من قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق بَائِن ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ دخلت الدَّار وَهِي فِي الْعدة فَإِنَّهُ يَقع بَائِنا لما قُلْنَا وَأما تَفْسِير الْفَيْء وَحكم الْحِنْث فَنَقُول الْفَيْء هُوَ الْوَطْء فِي مُدَّة الْإِيلَاء مَعَ الْقُدْرَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي الْوَطْء بعد الْمدَّة وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر فَإِن فاؤوا} وَفِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود فَإِن فاؤوا فِيهِنَّ وَإِنَّمَا سمى الْوَطْء فَيْئا لِأَن الْفَيْء فِي اللُّغَة هُوَ الرُّجُوع يُقَال فَاء الظل إِذا رَجَعَ والمولي قصد بالإيلاء منع حَقّهَا فِي الْوَطْء فَيكون الْوَطْء رُجُوعا عَمَّا قَصده فَسُمي فَيْئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 ثمَّ الْفَيْء على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا هُوَ الأَصْل وَهُوَ الْفَيْء بِالْوَطْءِ مَعَ الْقُدْرَة وَالْآخر بدل عَن الأول وَهُوَ الْفَيْء بالْقَوْل عِنْد الْعَجز عَن الْوَطْء فَفِي حق الْقَادِر لَا يكون فَيْئا إِلَّا بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ هُوَ الأَصْل وَفِي الْحَقِيقَة هُوَ الرُّجُوع لِأَن بِهِ ينْدَفع الظُّلم ويصل الْحق إِلَى الْمُسْتَحق فَمَا لم يوف حَقّهَا لَا يسْقط حكم الْإِيلَاء وَفِي حق الْعَاجِز صَار الْفَيْء بالْقَوْل قَائِما مقَام الْوَطْء وَهُوَ أَن يَقُول للْمَرْأَة إِنِّي فئت إِلَيْك أَو رَاجَعتك أَو أبطلت الْإِيلَاء وَيحسن إِلَيْهَا بالْقَوْل بَدَلا عَن الْإِحْسَان بِالْفِعْلِ فَيكون رُجُوعا عَمَّا عزم عَلَيْهِ بالْقَوْل ثمَّ الْعَجز نَوْعَانِ أَحدهمَا من طَرِيق الْمُشَاهدَة كالمرض الَّذِي لَا يُمكن مَعَه الْجِمَاع من الْجَانِبَيْنِ أَو تكون الْمَرْأَة صَغِيرَة أَو يكون بَينهمَا مَسَافَة لَا يقدر على قطعهَا فِي مُدَّة الْإِيلَاء أَو تكون الْمَرْأَة نَاشِزَة محتجبة عَنهُ فِي مَكَان لَا يعرفهُ أَو تكون محبوسة لَا يُمكنهُ أَن يدْخل عَلَيْهَا وَيمْنَع عَن ذَلِك وَنَحْو ذَلِك وَأما الْعَجز من طَرِيق الحكم فَمثل أَن يكون محرما أَو صَائِما فِي رَمَضَان لَكِن الْعَجز الْمُعْتَبر فِي حق نقل الْفَيْء من الْوَطْء إِلَى القَوْل هُوَ الْعَجز الْحسي دون الْحكمِي عندنَا وَعند زفر هُوَ مُعْتَبر أَيْضا وقاس على الْخلْوَة أَن ثمَّ يعْتَبر الْمَانِع الْحسي والحكمي جَمِيعًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وَلَكنَّا نقُول هُوَ قَادر على الْوَطْء حَقِيقَة فَيصير ظَالِما بِمَنْع الْحق وَحقّ الْعباد لَا يسْقط لأجل حق الله فِي الْجُمْلَة فَإِذا أَتَى بالفيء من حَيْثُ القَوْل سقط حكم الْإِيلَاء إِلَى وَقت الْقُدْرَة ثمَّ من شَرط صِحَة الْفَيْء بالْقَوْل عِنْد الْعَجز عَن الْوَطْء حسا ومشاهدة شَيْئَانِ أَحدهمَا أَن يكون الْعَجز مستداما من وَقت الْإِيلَاء إِلَى تَمام الْمدَّة وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر حَتَّى إِنَّه إِذا قدر على الْوَطْء قبل تَمام الْمدَّة بِظِل الْفَيْء بالْقَوْل وانتقل إِلَى الْفَيْء بِالْجِمَاعِ حَتَّى لَو ترك الْوَطْء إِلَى تَمام الْمدَّة فَإِنَّهَا تبين وَأما إِذا تمت الْمدَّة ثمَّ قدر فَإِن الْفَيْء بالْقَوْل صَحِيح فِي حق الْمدَّة الْمَاضِيَة وَهَذَا لما ذكرنَا أَنه بدل وَالْقُدْرَة على الأَصْل قبل حُصُول الْمَقْصُود بِالْبَدَلِ تبطل حكمه وَبعد حُصُول الْمَقْصُود لَا يبطل كالمصلي بِالتَّيَمُّمِ إِذا رأى المَاء فِي وسط الصَّلَاة تبطل صلَاته وَلَو كَانَ رأى بعد الْفَرَاغ لَا تبطل الصَّلَاة المؤداة كَذَا هَذَا وَالشّرط الثَّانِي أَن يُوجد الْفَيْء بالْقَوْل فِي حَال يحل لَهُ الْوَطْء بِأَن كَانَت زَوْجَة لَهُ فَأَما إِذا أَبَانهَا ثمَّ فَاء إِلَيْهَا بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَنَّهُ بدل فَيصح فِي حَال يَصح الأَصْل وَلِهَذَا قَالُوا إِن من آلى وَهُوَ صَحِيح مِقْدَار مَا يُمكن الْجِمَاع فِيهِ ثمَّ مرض ففيئه بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فرط فِي إِيفَاء حَقّهَا فَلَا يعْذر بِخِلَاف الْمَرِيض إِذا آلى من امْرَأَته وَلَو آلى وَهُوَ مَرِيض فَلم يفىء بالْقَوْل حَتَّى مَضَت الْمدَّة فَبَانَت ثمَّ صَحَّ ثمَّ تزَوجهَا وَهُوَ مَرِيض ففاء إِلَيْهَا بِلِسَانِهِ فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 يَصح عِنْد أبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد لَا يَصح وَمَا قَالَه أَبُو يُوسُف أصح لِأَن الْإِيلَاء حصل وَهُوَ مَرِيض وَعَاد حكمه وَهُوَ مَرِيض وَفِي زمَان الصِّحَّة بَين المدتين هِيَ بَائِنَة لَا تسْتَحقّ الْوَطْء فَلَا يعود حكم الْإِيلَاء وَأما حكم الْحِنْث فِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى فَهُوَ الْكَفَّارَة وَفِي الْيَمين بِالشّرطِ وَالْجَزَاء يلْزمه مَا هُوَ جَزَاؤُهُ من الطَّلَاق وَالْعتاق وَالظِّهَار وَنَحْوهَا هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حق الْمُسلم وَأما الذِّمِّيّ إِذا آلى من امْرَأَته فَإِن حلف بِطَلَاق أَو عتاق يكون موليا بالِاتِّفَاقِ وَإِذا حلف بِمَا هُوَ قربَة كالصدقة وَالصِّيَام فَلَيْسَ بمول بالِاتِّفَاقِ فَأَما إِذا حلف باسم من أَسمَاء الله أَو بصفاته فَهُوَ مول عِنْد أبي حنيفَة وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يكون موليا وَإِذا صَحَّ إِيلَاء الذِّمِّيّ فَهُوَ فِي أَحْكَامه كَالْمُسلمِ إِلَّا أَنه إِذا وطىء فِي الْيَمين بِاللَّه لَا يلْزمه الْكَفَّارَة لِأَنَّهَا عبَادَة وَهُوَ لَيْسَ من أَهلهَا فَأَما إِذا آلى أَو ظَاهر ثمَّ رَجَعَ عَن الْإِسْلَام وَلحق بدار الْحَرْب ثمَّ رَجَعَ مُسلما وَتَزَوجهَا فَهُوَ مول وَمظَاهر عِنْد أبي حنيفَة فِي رِوَايَة مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يسْقط الظِّهَار وَالْإِيلَاء وَهَذَا يعرف فِي الخلافيات وَاخْتلفت رِوَايَة أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 بَاب الظِّهَار يحْتَاج فِي هَذَا الْبَاب إِلَى بَيَان ركن الظِّهَار شرعا وَإِلَى بَيَان شَرَائِطه وَإِلَى بَيَان حكمه وَإِلَى تَفْسِير الْكَفَّارَة أما ركن الظِّهَار شرعا فَنَقُول أَن يَقُول الرجل لزوجته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فَيَقَع بِهِ الظِّهَار نوى أَو لم ينْو لِأَنَّهُ صَرِيح فِي بَابه وَكَذَا إِذا نوى بِهِ تَحْرِيم الطَّلَاق أَو تَحْرِيم الْيَمين لَا يَصح لما قُلْنَا إِنَّه صَرِيح فِي الظِّهَار فَإِذا نوى غَيره لَا يَصح وَلَو قَالَ أردْت بِهِ الْخَبَر عَن الْمَاضِي كَاذِبًا لَا يصدق فِي الْقَضَاء وَيصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله وَكَذَا إِذا أضَاف الظِّهَار إِلَى جُزْء شَائِع أَو جَامع من امْرَأَته وَلَو أضَاف إِلَى جُزْء معِين غير جَامع وَلَا شَائِع لَا يجوز كَالطَّلَاقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَلَو شبه امْرَأَته بعضو من أمه غير الظّهْر فَإِن كَانَ لَا يجوز النّظر إِلَيْهِ فَهُوَ ظِهَار نَحْو الْبَطن والفخذ والفرج وَلَو شبه امْرَأَته بذوات الْمَحَارِم غير الْأُم إِن كَانَت الْحُرْمَة على التَّأْبِيد بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة فَإِنَّهُ يكون ظِهَارًا وَلَو شبه امْرَأَته بِامْرَأَة مُحرمَة عَلَيْهِ فِي الْحَال وَهِي مِمَّن تحل لَهُ فِي حَالَة أُخْرَى مثل أُخْت امْرَأَته وَمثل امْرَأَة لَهَا زوج أَو مَجُوسِيَّة أَو مرتدة لم يكن مُظَاهرا لِأَن النَّص ورد فِي الْأُم وَهِي مُحرمَة على التَّأْبِيد وَأما شَرَائِط صِحَة الظِّهَار فَنَقُول مِنْهَا أَن يكون الْمظَاهر مُسلما عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن حكمه هُوَ الْحُرْمَة المؤقتة بِالْكَفَّارَةِ وَهِي عبَادَة وَالْكَافِر لَيْسَ من أَهلهَا وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَمِنْهَا أَن تكون الْمَرْأَة محللة بِالنِّكَاحِ لَا بِملك الْيَمين حَتَّى لَو ظَاهر من أمته أَو مدبرته أَو أم وَلَده لَا يَصح لِأَنَّهُ حكم ثَبت بِخِلَاف الْقيَاس بِالنَّصِّ وَقد ورد فِي حق الزَّوْجَة بقوله تَعَالَى {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا غَيرهَا وَلَو ظَاهر من المختلعة والمبانة لَا يَصح وَإِن كَانَ يلْحقهَا صَرِيح الطَّلَاق لِأَنَّهَا لَيست بمحللة بِالنِّكَاحِ وَإِن بَقِي النِّكَاح من وَجه وَأما حكمه فَهُوَ تَحْرِيم الِاسْتِمْتَاع بهَا من الْوَطْء ودواعيه مؤقتا إِلَى وجود التَّكْفِير مَعَ بَقَاء ملك النِّكَاح لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ للمظاهر الَّذِي وَاقع امْرَأَته اسْتغْفر الله وَلَا تعد حَتَّى تكفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وَيجب على الْمَرْأَة أَن تمنع الزَّوْج عَن الِاسْتِمْتَاع بهَا حَتَّى يكفر وللمرأة أَن تطالب الزَّوْج بِالْوَطْءِ عِنْد الْحَاكِم وعَلى الْحَاكِم أَن يجْبرهُ حَتَّى يكفر ويطأ لِأَنَّهُ أضرّ بهَا فِي الِامْتِنَاع عَن الْوَطْء مَعَ قيام الْملك وَفِي وَسعه إِزَالَته بالتكفير ثمَّ هَذِه الْحُرْمَة لَا تَزُول بِسَبَب من أَسبَاب الْإِبَاحَة مَا لم تُوجد الْكَفَّارَة لَا بِالنِّكَاحِ وَلَا بِملك الْيَمين وَلَا بِإِصَابَة الزَّوْج الثَّانِي حَتَّى أَن الْمظَاهر إِذا طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا مَا لم يكفر وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الزَّوْجَة أمة الْغَيْر فَظَاهر مِنْهَا ثمَّ اشْتَرَاهَا حَتَّى بَطل النِّكَاح لم يحل لَهُ أَن يَطَأهَا بِملك الْيَمين حَتَّى يكفر وَكَذَلِكَ لَو كَانَت حرَّة فارتدت عَن الْإِسْلَام وَلَحِقت بدار الْحَرْب فسبيت واشتراها وَكَذَلِكَ لَو طَلقهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجت بِزَوْج آخر ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِالنِّكَاحِ لَا تحل لَهُ حَتَّى يكفر وَإِن صَحَّ النِّكَاح وَلَو كفر بعد مَا أَبَانهَا أَو طَلقهَا ثَلَاثًا صَحَّ التَّكْفِير حَتَّى لَو تزَوجهَا حل لَهُ وَطْؤُهَا لِأَن صِحَة التَّكْفِير لَا تعتمد قيام الْملك وَإِن كَانَ الظِّهَار مؤقتا إِلَى وَقت بِأَن قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي يَوْمًا أَو شهر أَو سنة ثمَّ مضى الْوَقْت سقط الظِّهَار عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن الشَّرْع جعل التَّكْفِير مزيلا للظهار المؤبد أَو الْمُطلق حَتَّى تَنْتَهِي الْحُرْمَة والمؤقت يَنْتَهِي بِمُضِيِّ الْوَقْت وَلَو قَالَ أَنْت عَليّ كأمي فَأَنَّهُ يرجع إِلَى نِيَّته عِنْد أبي حنيفَة إِن أَرَادَ الْإِكْرَام لَا يكون ظِهَارًا وَإِن أَرَادَ الطَّلَاق أَو الظِّهَار فَهُوَ كَمَا نوى وَإِن أَرَادَ التَّحْرِيم فَهُوَ إِيلَاء وَقَالَ مُحَمَّد هُوَ ظِهَار وَقَالَ أَبُو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 يُوسُف هُوَ إِيلَاء وَلَو قَالَ أَنْت عَليّ حرَام كأمي حمل على نِيَّته فَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة كَانَ ظِهَارًا لِأَن حرف التَّشْبِيه يخْتَص بالظهار وَأما بَيَان الْكَفَّارَة فَنَقُول الْكَفَّارَة لَا تجب إِلَّا عِنْد وجود الظِّهَار وَالْعود قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} وَفِيه كَلَام أَن سَبَب الْوُجُوب كِلَاهُمَا أَو أَحدهمَا أَو غَيرهمَا وَالْعود عندنَا هُوَ الْعَزْم على وَطئهَا بعد الظِّهَار وَقَالَ الشَّافِعِي الْعود أَن يسكت الْمظَاهر عَن طَلاقهَا عقيب الظِّهَار وَقَالَ أَصْحَاب الظَّوَاهِر الْعود أَن يُكَرر لفظ الظِّهَار وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ بالظهار حرم وَطأهَا على نَفسه فَمَتَى عزم على وَطئهَا فقد قصد الرُّجُوع عَن الأول وَالْعود هُوَ الرُّجُوع فيسمى عودا ثمَّ الْكَفَّارَة تجب على التَّرْتِيب الْإِعْتَاق عِنْد الْقُدْرَة ثمَّ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين عِنْد الْعَجز عَن الْإِعْتَاق ثمَّ إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا عِنْد الْعَجز عَن الصَّوْم عرف ذَلِك بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} وَإِنَّمَا يكفر قبل الْوَطْء لقَوْله تَعَالَى {من قبل أَن يتماسا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 فَإِن وطىء قبل أَن يكفر فقد بَاشر وطئا حَرَامًا فَعَلَيهِ أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى وَلَا يطَأ حَتَّى يكفر وَلَو أعتق بعض رَقَبَة عَن كَفَّارَته ثمَّ وطىء ثمَّ أعتق مَا بَقِي مِنْهَا لم يجزه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل إِعْتَاق رَقَبَة عِنْد أبي حنيفَة لِأَن الْإِعْتَاق عِنْده مِمَّا يتَجَزَّأ فَيكون معتقا بعضه بعد الْوَطْء وَبَعضه قبل الْوَطْء وَالله تَعَالَى أَمر بِإِعْتَاق رَقَبَة كَامِلَة قبل الْمَسِيس وعَلى قَوْلهمَا صَحَّ لِأَن عِنْدهمَا الْإِعْتَاق لَا يتَجَزَّأ فإعتاق الْبَعْض إِعْتَاق الْكل وَلَو جَامع الْمظَاهر فِي خلال الصَّوْم جماعا يفْسد الصَّوْم فَإِنَّهُ يسْتَقْبل الصَّوْم بِالْإِجْمَاع لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين قبل الْمَسِيس مَعَ الْإِمْكَان وَلم يُوجد وَلَو جَامع فِي الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا أَو نَهَارا نَاسِيا لصومه اسْتقْبل عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يمْضِي على صِيَامه وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو جَامع فِي خلال الْإِطْعَام لم يلْزمه الِاسْتِقْبَال بِالْإِجْمَاع لِأَن الله تَعَالَى لم يذكر فِي الْإِطْعَام ترك الْمَسِيس لَكِن يمْنَع عَن الْوَطْء قبل الْفَرَاغ من الْإِطْعَام لجَوَاز أَن يقدر على الصَّوْم أَو الْعتْق فَتبين أَن الْوَطْء كَانَ حَرَامًا وَلَو كفر بِالْإِعْتَاقِ يعْتق رَقَبَة كَامِلَة للذات وَالرّق على مَا نبين فِي كتاب الْإِيمَان وَلَو كفر بِالْإِطْعَامِ أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا كل مِسْكين نصف صَاع من بر أَو دَقِيق أَو سويق أَو صَاعا من تمر أَو شعير كَمَا ذكرنَا فِي صَدَقَة الْفطر وَحكمه حكم ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 بَاب اللّعان يحْتَاج فِي هَذَا الْبَاب إِلَى بَيَان مَشْرُوعِيَّة اللّعان وماهيته وَإِلَى بَيَان سَبَب وجوب اللّعان وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْوُجُوب وَإِلَى بَيَان كَيْفيَّة اللّعان وَإِلَى بَيَان حكمه أما الأول فَنَقُول اللّعان مَشْرُوع بَين الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ شَهَادَات مؤكدات بِالْإِيمَان عندنَا وَعند الشَّافِعِي أَيْمَان مؤكدات بِالشَّهَادَةِ وَيكون قَائِما مقَام حد الْقَذْف فِي جَانب الرجل وَقَائِمًا مقَام حد الزِّنَا فِي جَانب الْمَرْأَة وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة وَلَا بِشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال وَلَا بِكِتَاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَكَذَلِكَ إِذا وطِئت مُحصنَة بِالشُّبْهَةِ فقذفها زَوجهَا لم يجب اللّعان كَمَا لَو قَذفهَا أَجْنَبِي لَا يجب حد الْقَذْف فَسقط اللّعان بِالشُّبْهَةِ كالحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وأصل ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} وَأما بَيَان سَبَب الْوُجُوب فَنَقُول سَبَب وجوب اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْقَذْف الصَّحِيح عِنْد وجود شَرَائِطه من الزَّوْج ونعني بِالْقَذْفِ الصَّحِيح مَا يكون مُوجبا للحد فِي حق الْأَجْنَبِيّ بِأَن كَانَ عَاقِلا بَالغا وَالْمَرْأَة عَاقِلَة بَالِغَة لِأَن الْقَذْف من الصَّغِير وَالْمَجْنُون لَيْسَ بِمُوجب للحد لعدم الْجِنَايَة وَكَذَلِكَ قذف الصَّغِيرَة والمجنونة بِالزِّنَا كذب لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الزِّنَا مِنْهَا فَلَا يكون قذفا صَحِيحا وَكَذَلِكَ إِحْصَان الْمَقْذُوف شَرط وَذَلِكَ نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يَقُول يَا زَانِيَة أَو زَنَيْت بفلان أَو ولدك من الزِّنَا فأنكرت الْمَرْأَة وخاصمته إِلَى الْحَاكِم فعجز الزَّوْج عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة على الزِّنَا وَالثَّانِي أَن يَنْفِي ولدا أقرّ أَن امْرَأَته وَلدته أَو شهِدت امْرَأَة على الْولادَة فَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِابْني وَذَلِكَ قبل الْإِقْرَار بِالْوَلَدِ وَقبل مُضِيّ مُدَّة تهنئة الْوَلَد الَّتِي هِيَ قَائِمَة مقَام الْإِقْرَار على مَا يعرف فِي كتاب الدَّعْوَى وَلَو قَالَ لامْرَأَته وَهِي حَامِل هَذَا الْحمل لَيْسَ مني فَهُوَ لَيْسَ بقاذف وَلَا لعان بَينهمَا عِنْد أبي حنيفَة وَزفر وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن جَاءَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر لَا عَنْهَا وَإِن جَاءَت بِهِ لأكْثر فَلَا لعان وَاتفقَ أَصْحَابنَا أَنه لَا يَنْفِي نسب الْحمل قبل الْولادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وَأما شَرَائِط الْوُجُوب فَنَقُول هُوَ أَن يَكُونَا زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسلمين عاقلين بالغين غير محدودين فِي الْقَذْف وَالْمَرْأَة عفيفة أما اعْتِبَار الزَّوْجِيَّة فَلِأَن الله تَعَالَى خص اللّعان بالأزواج وَجعله حد للزَّوْج قَائِما مقَام حد الْقَذْف وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِن من تزوج امْرَأَة نِكَاحا فَاسِدا ثمَّ قَذفهَا لَا يجب اللّعان وَلَو قَذفهَا الزَّوْج فَلم يلتعنا حَتَّى طَلقهَا ثَلَاثًا أَو بَائِنا فَلَا حد وَلَا لعان لِأَنَّهُ انْقَطَعت الزَّوْجِيَّة وَحصل الْفِرَاق وَحكم اللّعان التَّفْرِيق وَالتَّحْرِيم فَلَا يَصح اللّعان بِدُونِ حكمه وَلَو كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا يُلَاعن لقِيَام الزَّوْجِيَّة وَأما الْحُرِّيَّة فَلِأَن العَبْد وَالْأمة ليستا من أهل الشَّهَادَة وَاللّعان شَهَادَات فِيهَا معنى الْإِيمَان وَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّة فِي جَانبهَا من شَرَائِط الْإِحْصَان وإحصان الْمَقْذُوف شَرط وَأما اعْتِبَار الْعقل وَالْبُلُوغ فَلَمَّا قُلْنَا إِنَّه لَا يَصح الْقَذْف بِدُونِ الْعقل وَالْبُلُوغ وَأما اعْتِبَار نفي حد الْقَذْف فَلِأَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف لَا شَهَادَة لَهُ وَأما اعْتِبَار الْإِسْلَام أما فِي جَانبهَا فَمن بَاب الْإِحْصَان فَإِن الْمَرْأَة الْكَافِرَة لَا يجب بقذفها الْحَد وَكَذَلِكَ اللّعان وَأما الزَّوْج الْكَافِر إِذْ قذف الزَّوْجَة الْمسلمَة فَلَا لعان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الشَّهَادَة على الْمُسلمين وَصُورَة الْمَسْأَلَة فِي الْكَافِر إِذا أسلمت امْرَأَته فَلم يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام حَتَّى قَذفهَا فَيحد وَلَا يُلَاعن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 فَمَا لم يُوجد هَذِه الشَّرَائِط لَا يجب اللّعان لَكِن بَعْضهَا شَرط وجوب اللّعان وَبَعضهَا شَرط تحقق الْقَذْف وَصِحَّته ثمَّ مَتى سقط اللّعان وَبَطل هَل يسْقط الْحَد عَن الرجل قَالَ مَشَايِخنَا إِن بَطل بِمَعْنى من جِهَة الزَّوْج يجب الْحَد وَلَا يجب اللّعان وَهَذَا صَحِيح إِذا كَانَ الْقَذْف صَحِيحا كقذف الْعَاقِل الْبَالِغ فأكذب نَفسه يجب الْحَد وَلَا يجب اللّعان فَأَما إِذا لم يكن الْقَذْف صَحِيحا كقذف الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَإِنَّهُ لَا يجب الْحَد وَلَا اللّعان وَإِن سقط بِمَعْنى من جِهَة الزَّوْج وَقَالُوا إِن بَطل تَعْنِي من جِهَة الْمَرْأَة لم يجب على الزَّوْج حد وَلَا لعان كَمَا إِذا صدقته وكما إِذا كَانَت حرَّة عفيفة مسلمة إِلَّا أَنَّهَا محدودة فِي الْقَذْف فَلَا حد وَلَا لعان لِأَن الْمَعْنى من جِهَتهَا وَهُوَ أَنَّهَا لَيست من أهل الشَّهَادَة مَعَ كَون الْقَذْف صَحِيحا فَإِذا كَانَ الْمَعْنى من جِهَتهَا وَالْقَذْف لَيْسَ بِصَحِيح لَا يجب الْحَد وَاللّعان جَمِيعًا أَيْضا حَتَّى إِذا كَانَت الزَّوْجَة كَافِرَة أَو أمة أَو صَغِيرَة أَو مَجْهُولَة أَو زَانِيَة فَلَا حد وَلَا لعان لِأَن الْقَذْف لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْمَرْأَة لَيست بمحصنة وَإِذا كَانَ كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ محدودا فِي الْقَذْف يجب الْحَد وَلَا يجب اللّعان لِأَن الْقَذْف صَحِيح وَالْمَانِع من جِهَة الزَّوْج وَلَا عِبْرَة بجانبها وعَلى هَذَا تَدور الْمسَائِل وَأما تَفْسِير اللّعان فَإِن كَانَ الْقَذْف بِصَرِيح الزِّنَا فأنكرت الْمَرْأَة وخاصمته إِلَى القَاضِي فَأمره بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على صدق مقَالَته فعجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 فَإِنَّهُ يبتدىء من جِهَة الزَّوْج ويأمره بِاللّعانِ فَيقوم الزَّوْج وَيَقُول أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا فَيَقُول ذَلِك أَربع مَرَّات ثمَّ يَقُول فِي الْخَامِسَة إِن لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَيقبل بِوَجْهِهِ على الْمَرْأَة فِي كل ذَلِك ثمَّ يأمرها بِاللّعانِ فتقوم وتواجه زَوجهَا وَتقول أشهد بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا أَربع مَرَّات ثمَّ تَقول فِي الْخَامِسَة إِن غضب الله عَليّ إِن كَانَ من الصَّادِقين فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا فَإِذا قَالَت ذَلِك تمّ اللّعان بَينهمَا وَإِن كَانَ الْقَذْف بِنَفْي الْوَلَد وكذبته الْمَرْأَة وخاصمته إِلَى الْحَاكِم فَإِنَّهُ يَأْمر الْحَاكِم الزَّوْج بِاللّعانِ وَهُوَ أَن يقوم الرجل فَيَقُول أشهد بِاللَّه إِنَّنِي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من نفي وَلَدهَا هَذَا أَربع مَرَّات وَيَقُول فِي الْخَامِسَة إِن لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتها بِهِ من نفي وَلَدهَا هَذَا ثمَّ يَأْمر الْمَرْأَة أَن تَقول أشهد بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رماني بِهِ من نفي وَلَدي هَذَا أَربع مَرَّات ثمَّ تَقول فِي الْخَامِسَة إِن غضب الله عَليّ إِن كَانَ من الصَّادِقين فِيمَا رماني بِهِ من نفي وَلَدي هَذَا وَالْقِيَام لَيْسَ بِشَرْط وَلَا يضرّهُ قَالَ ذَلِك قَائِما أَو قَاعِدا كَذَا رَوَاهُ الْحسن عَن أبي حنيفَة فَإِذا قَالَا ذَلِك تمّ اللّعان بَينهمَا وَإِذا تمّ اللّعان بَينهمَا لَا تقع الْفرْقَة مَا لم يفرق القَاضِي بَينهمَا فَيَنْبَغِي أَن يفرق القَاضِي بَينهمَا فِي الْفَصْل الأول وَفِي الْفَصْل الثَّانِي يفرق بَينهمَا وَيَقْضِي بِنَفْي الْوَلَد وَقطع النّسَب من الْأَب ويلحقه بِالْأُمِّ لِأَن التَّفْرِيق وَقطع النّسَب كِلَاهُمَا حكم اللّعان إِذا كَانَ اللّعان بِالْقَذْفِ بِنَفْي الْوَلَد فَلَا بُد من قَضَاء القَاضِي بِقطع النّسَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَأما حكم اللّعان فَهُوَ ثُبُوت حق التَّفْرِيق فَإِذا تمّ اللّعان يفرق القَاضِي بَينهمَا وَلَا تقع الْفرْقَة بِنَفس اللّعان وَهَذَا مَذْهَب عُلَمَائِنَا وَقَالَ زفر تقع الْفرْقَة بلعانهما وَقَالَ الشَّافِعِي بِلعان الزَّوْج ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا بَينهم قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد هِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة فيزول ملك النِّكَاح وَتثبت حُرْمَة الِاجْتِمَاع والتزوج إِلَى وَقت الإكذاب وَإِقَامَة الْحَد وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر هِيَ فرقة بِغَيْر طَلَاق توجب تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا فَأخذ أَبُو يُوسُف وَزفر بِظَاهِر الحَدِيث وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد أخذا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ أَن المتلاعنين لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا مَا داما متلاعنين فَإِن حَقِيقَة المتفاعل هُوَ المتشاغل بِالْفِعْلِ حَقِيقَة أَو حكما فَإِذا زَالَ اللّعان حَقِيقَة وَحكما لَا يبْقى حكمه ثمَّ إِذا وَقعت الْفرْقَة بتفريق القَاضِي وَثَبت حُرْمَة الِاجْتِمَاع فَإِذا أكذب الزَّوْج نَفسه وَضرب الْحَد يُبَاح لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا لِأَنَّهُ بَطل الْقَذْف وَخرج من أَن يكون من أهل اللّعان بصيرورته محدودا فِي الْقَذْف فَلَا يبْقى اللّعان وَكَذَلِكَ إِذا صدقته الْمَرْأَة بعد الْفرْقَة لِأَنَّهَا صَارَت معترفة وَبَطل الْقَذْف فَبَطل حكم اللّعان وَكَذَا إِذا حدت فِي قذف فَإِن أَخطَأ القَاضِي فَبَدَأَ بِالْمَرْأَةِ ثمَّ بِالرجلِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُعِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 اللّعان على الْمَرْأَة لِأَنَّهَا شَهَادَة وَإِنَّمَا يبْدَأ بِشَهَادَة الْمُدَّعِي ثمَّ بِشَهَادَة الْمُدعى عَلَيْهِ بطرِيق الدّفع فَلهَذَا يبْدَأ بِالرجلِ فَإِن أَخطَأ يجب الِاسْتِدْرَاك بِالْإِعَادَةِ فَإِن لم يعد جَازَ لِأَنَّهُ قَضَاء فِي مَوضِع الِاجْتِهَاد فَإِن عِنْد بَعضهم اللّعان إِيمَان وَفِي التَّحَالُف يجوز تَقْدِيم يَمِين أَيهمَا كَانَ وَلَو أَخطَأ القَاضِي وَفرق قبل تَمام اللّعان فَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا قد التعن أَكثر اللّعان وَقعت الْفرْقَة وَإِن لم يلتعنا أَكثر اللّعان أَو كَانَ أَحدهمَا لم يلتعن أَكثر اللّعان لم تقع الْفرْقَة لِأَنَّهُ قَضَاء بطرِيق الِاجْتِهَاد فِي مَوضِع يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد لِأَنَّهُ للْأَكْثَر حكم الْكل فِي كثير من الْأَحْكَام وَفِي الْفَصْل الثَّانِي قَضَاء فِي مَوضِع لَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد فَلَا ينفذ وَإِذا امْتنع أحد الزَّوْجَيْنِ عَن الالتعان فَإِن القَاضِي يحْبسهُ حَتَّى يلتعن وَعند الشَّافِعِي لَا يحبس وَلَكِن يحد حد الْقَذْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 بَاب فرقة الْعنين لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن الْجب والعنة عيب يثبت بهما الْخِيَار للْمَرْأَة فِي التَّفْرِيق والبقاء على النِّكَاح وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي عُيُوب أخر بِالزَّوْجِ تخل بِالْوَطْءِ مثل الْجُنُون والجذام والبرص قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت الْخِيَار وَقَالَ مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ يثبت وَأجْمع أَصْحَابنَا أَن لَا يفْسخ النِّكَاح بعيوب فِي الْمَرْأَة وَقَالَ الشَّافِعِي يفْسخ بعيوب خَمْسَة الْجُنُون والجذام والبرص والرتق والقرن وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة أَن زَوجهَا مجبوب أَو عنين وَرفعت الْأَمر إِلَى القَاضِي فَإِنَّهُ يسْأَل الزَّوْج عَن ذَلِك أَنه هَل وصل إِلَيْهَا أم لَا فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 أنكر فَفِي الْمَجْبُوب يعرف بالمس من وَرَاء الْإِزَار وَإِن أقرّ يثبت لَهَا الْخِيَار فِي الْمَجْبُوب لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي التَّأْجِيل وَفِي الْعنين إِذا أقرّ وصدقها فِي ذَلِك يؤجله القَاضِي سنة وَإِن أنكر أَنه عنين وَقَالَ وصلت إِلَيْهَا فَإِن القَاضِي يسْأَل الْمَرْأَة أَهِي بكر أَو ثيب فَإِن قَالَت ثيب فَإِنَّهُ يَجْعَل القَوْل قَول الزَّوْج لِأَن الظَّاهِر شَاهد لَهُ لِأَن من خلا بِالثَّيِّبِ فَالظَّاهِر أَنه يَطَأهَا وَإِن قَالَت إِنِّي بكر نظر إِلَيْهَا النِّسَاء وَالْمَرْأَة الْوَاحِدَة كَافِيَة وَالْأَكْثَر أوثق فَإِن قُلْنَ إِنَّهَا بكر فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن قيام الْبكارَة يدل عَلَيْهِ وَقَول النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال مَقْبُول وَإِذا ثَبت أَنه لم يصل إِلَيْهَا إِمَّا بِإِقْرَارِهِ أَو بِظُهُور الْبكارَة فَإِن القَاضِي يؤجله حولا وَإِنَّمَا يعْتَبر الْأَجَل سنة لِأَن الِامْتِنَاع من الْوَطْء قد يكون للعجز وَقد يكون لبغضه إِيَّاهَا فَإِذا أجل فَيقدم على الْوَطْء دفعا للعار عَن نَفسه إِن كَانَ قَادِرًا وَأول الْأَجَل من حِين الْإِقْرَار وَظُهُور الْبكارَة وَلَا يحْتَسب على الزَّوْج مَا قبل التَّأْجِيل والتأجيل إِنَّمَا يكون بِسنة شمسية لِأَن الْفُصُول تكمل فِيهَا فَيحْتَمل أَن يَزُول الدَّاء فِي الْمدَّة الَّتِي بَين الشمسية والقمرية فَإِذا حَال الْحول فَرفعت الْأَمر إِلَى القَاضِي وَادعت أَنه لم يصل إِلَيْهَا فَإِنَّهُ يسْأَل الزَّوْج عَن ذَلِك فَإِن قَالَ قد وطئتها وَهِي ثيب فَالْقَوْل قَوْله وَإِن كَانَت بكرا نظر إِلَيْهَا النِّسَاء فَإِن قُلْنَ إِنَّهَا بكر فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِن قُلْنَ إِنَّهَا ثيب فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وَإِذا ثَبت عدم الْوُصُول إِلَيْهَا إِمَّا باعترافه أَو بِظُهُور الْبكارَة فَإِن القَاضِي يخيرها لِأَن الْعَيْب قد اسْتَقر فَإِن اخْتَارَتْ الْمقَام بَطل حَقّهَا وَلم يكن لَهَا خُصُومَة أبدا فِي هَذَا النِّكَاح لِأَنَّهَا رضيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 بِالْعَيْبِ وَإِن اخْتَارَتْ الْفرْقَة يفرق القَاضِي بَينهمَا وَتَكون تَطْلِيقَة بَائِنَة على مَا مر وَلَو وصل إِلَيْهَا مرّة ثمَّ عجز وَعرف ذَلِك بإقرارها فَإِن القَاضِي لَا يخيرها لِأَنَّهُ وصل حَقّهَا إِلَيْهَا لِأَنَّهُ يجب كَمَال الْمهْر فَلَا يعْتَبر مَا زَاد عَلَيْهِ وَإِذا خَيرهَا الْحَاكِم فَوجدَ مِنْهَا مَا يدل على الْإِعْرَاض يبطل خِيَارهَا كَمَا فِي خِيَار المخيرة وَقَالَ أَصْحَابنَا إِن الْعنين إِذا أجل سنة فشهر رَمَضَان وَأَيَّام الْحيض محسوبة من الْأَجَل لِأَن التَّأْجِيل سنة عرفنَا ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة من غير اسْتثِْنَاء من هَذِه الْأَيَّام مَعَ علمهمْ بذلك فَأَما إِذا مَرضا فِي الْمدَّة مَرضا لَا يُمكن الْجِمَاع مَعَه فَإِن كَانَ أقل من نصف شهر احتسب عَلَيْهِ وَإِن كَانَ أَكثر من نصف شهر لم يحْتَسب عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْغَيْبَة وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه قدر ذَلِك بالشهر وَفِيه رِوَايَات وَهَذَا أوثق لِأَن الشَّهْر فِي حكم الْأَجَل هَذَا إِذا لم تكن الْمَرْأَة رتقاء فَإِن كَانَت رتقاء وَكَانَ زَوجهَا عنينا فَلَا يؤجله القَاضِي لِأَنَّهُ لَا حق لَهَا فِي الْوَطْء وَإِنَّمَا حَقّهَا فِي الِاسْتِمْتَاع والمساس وَلَو علمت الْمَرْأَة بالعنة عِنْد العقد ورضيت بِالْعقدِ فَإِنَّهُ لَا خِيَار لَهَا كمن اشْترى عبدا وَهُوَ عَالم بِعَيْبِهِ فَإِن كَانَ زوج الْأمة عنينا فَالْخِيَار فِي ذَلِك إِلَى الْمولى عِنْد أبي يُوسُف وَقَالَ زفر الْخِيَار للْأمة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة مثل قَول أبي يُوسُف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 بَاب الْحَضَانَة الْولَايَة إِلَى الْعَصَبَات فِي الْجُمْلَة والحضانة إِلَى ذَوَات الرَّحِم الْمحرم لِأَن الْحَضَانَة تبتنى على الشَّفَقَة والرفق بالصغار وَذَلِكَ من جَانب النِّسَاء أوفر وَهن بالتربية أعلم وَيكون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب أولى ثمَّ الْأَقْرَب هَهُنَا هِيَ الْأُم ثمَّ الْجدّة أم الْأُم ثمَّ الْجدّة أم الْأَب ثمَّ الْأَخَوَات فأولاهن الْأُخْت لأَب وَأم ثمَّ الْأُخْت لأم ثمَّ الْأُخْت لأَب ثمَّ بَنَات الْأُخْت على هَذَا التَّرْتِيب ثمَّ بَنَات الْأَخ وعَلى هَذَا التَّرْتِيب وَهَذَا على الرِّوَايَة الَّتِي تقدم الْأُخْت لأَب على الْخَالَة وَهِي رِوَايَة مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة وَرِوَايَة الْحسن عَن أبي يُوسُف وَفِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَن الْخَالَة أولى من الْأُخْت لأَب وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَزفر ثمَّ بعد الْأَخَوَات وأولادهن من الْإِنَاث الخالات على التَّرْتِيب الْخَالَة لأَب وَأم ثمَّ الْخَالَة لأم ثمَّ الْخَالَة لأَب ثمَّ العمات على التَّرْتِيب الْعمة لأَب وَأم ثمَّ الْعمة لأم ثمَّ الْعمة لأَب فَأَما بَنَات الْعم وَالْخَال والعمة وَالْخَالَة فَلَا حق لَهُنَّ فِي الْحَضَانَة لِأَن لَهُنَّ رحما غير محرم ثمَّ الْأُم والجدات أَحَق بالغلام إِلَى أَن يَأْكُل وَحده وَيشْرب وَحده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ويلبس وَحده وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد وَيتَوَضَّأ وَحده أَو يستنجي وَحده فَأَما الْجَارِيَة فَهِيَ أَحَق بهَا حَتَّى تحيض وَالْقِيَاس أَن يكون لَهُنَّ حق الْحَضَانَة فِي الْغُلَام إِلَى وَقت الْبلُوغ لحَاجَة الصغار إِلَى التربية فِي الْجُمْلَة إِلَى وَقت الْبلُوغ إِلَّا أَنا استحسنا فِي الْغُلَام لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى التَّأْدِيب وَالْأَب أقدر ثمَّ عندنَا لَيْسَ للصَّغِير الْعَاقِل اخْتِيَار أحد الْأَبَوَيْنِ فِي الْحَضَانَة وَعَن الشَّافِعِي يُخَيّر الصَّبِي وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ لَا يعرف الأنظر مِنْهُمَا وَأما من لَا أَوْلَاد لَهَا من النِّسَاء فَلَا حق لَهُنَّ فِي الْجَارِيَة والغلام بعد الِاسْتِغْنَاء بأنفسهما فِيمَا ذكرنَا وينتقل الْحق إِلَى الْعَصَبَات من ذَوي الرَّحِم الْمحرم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب على التَّرْتِيب إِلَّا بني الْأَعْمَام لِأَن الْحَاجة إِلَى الْحِفْظ وَخَوف الصَّغِير من الْعصبَة أَشد من خَوفه من غير الْأُمَّهَات من ذَوَات الرَّحِم الْمحرم فَأَما بَنو الْأَعْمَام فَلَا حق لَهُم فِي الْحَضَانَة لِأَن لَهُم رحما غير محرم وَيحل لَهُم نِكَاحهَا فَلَا يُؤمن عَلَيْهَا ثمَّ من كَانَ من عصباتها مِمَّن لَا يُؤمن عَلَيْهَا من ذَوي الرَّحِم الْمحرم لفسقه ومجانته لم يكن لَهُ فِيهَا حق لِأَن فِي كفَالَته لَهَا ضَرَرا عَلَيْهَا فَإِن لم يكن لِلْجَارِيَةِ من عصباتها غير ابْن الْعم فالاختيار إِلَى القَاضِي إِن رَآهُ أصلح ضم إِلَيْهِ وَإِلَّا فَيَضَع عِنْد أَمِينه وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا من ثُبُوت حق الْحَضَانَة لذوات الرَّحِم الْمحرم إِذا لم يكن لَهُنَّ أَزوَاج فَأَما من لَهَا زوج فَلَا حق لَهَا فِي الْحَضَانَة إِلَّا إِذا كَانَ زَوجهَا ذَا رحم محرم من الصَّغِير لِأَنَّهُ يلْحقهُ الجفا والمذلة من زوج الْأُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 إِذا كَانَ أَجْنَبِيّا ويضعه القَاضِي حَيْثُ يَشَاء بِمَنْزِلَة من لَا قرَابَة لَهُ وَأم الْوَلَد وَالزَّوْجَة فِي الْحَضَانَة على السوَاء إِذا أعتقت فَأَما الرقيقة فَلَا حق لَهَا فِي حضَانَة الْوَلَد الْحر لِأَنَّهُ ضرب من الْولَايَة وَالرّق يُنَافِي الولايات وَأهل الذِّمَّة فِي هَذَا بِمَنْزِلَة أهل الْإِسْلَام لِأَن هَذَا أَمر يبتنى على الشَّفَقَة وَلَو كَانَت الْأُم كَافِرَة وَالْولد مُسلم ذكر فِي الأَصْل أَنَّهَا فِي الْحَضَانَة كالمسلمة وَكَانَ أَبُو بكر الرَّازِيّ يَقُول إِنَّهَا أَحَق بالصغير وَالصَّغِيرَة حَتَّى يعقلا فَإِذا عقلا سقط حَقّهَا لِأَنَّهَا تعودهم أَخْلَاق الْكَفَرَة وَلَا حق للمرتدة فِي الْوَلَد لِأَنَّهَا تحبس وَفِي الْحَبْس ضَرَر بِالصَّبِيِّ وَإِذا ثَبت أَن حق الْحَضَانَة للْأُم فَإِذا أَرَادَت أَن تخرج بِالْوَلَدِ إِلَى بلد آخر هَل للْأَب حق الْمَنْع فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون الْأُم زَوجته أَو مُطلقَة بَائِنَة فَإِن كَانَت زَوجته فَللزَّوْج حق الْمَنْع من الْخُرُوج بِنَفسِهَا وَبِوَلَدِهَا فَأَما إِذا كَانَت مبتوتة فإمَّا أَن تخرج بِوَلَدِهَا إِلَى بَلَدهَا أَو إِلَى بلد آخر وَقد وَقع النِّكَاح فِي ذَلِك الْبَلَد أم لَا وَيكون بَعيدا أَو قَرِيبا يقدر الْأَب على مُشَاهدَة الْوَلَد وَالْعود إِلَى بَيته قبل اللَّيْل أما إِذا أَرَادَت الْخُرُوج إِلَى بَلَدهَا وَكَانَ الْبَلَد بَعيدا فَإِن وَقع النِّكَاح فِيهِ لَيْسَ للْأَب حق الْمَنْع لِأَنَّهُ لما عقد النِّكَاح ثمَّ فَالظَّاهِر أَنه الْتزم الْمقَام فِيهِ لِأَن الظَّاهِر أَن الزَّوْج يُقيم فِي الْبَلَد الَّذِي تزوج فِيهِ إِلَّا أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 يلْزمهَا اتِّبَاع الزَّوْج إِذا أعْطى جَمِيع الْمهْر حَيْثُ شَاءَ أَو رضيت بذلك فَإِذا زَالَت الزَّوْجِيَّة لم تجب الْمُتَابَعَة فَيَعُود الْأَمر الأول فَإِن لم يَقع عقد النِّكَاح فِي بَلَدهَا فَلَيْسَ لَهَا أَن تنقل وَلَدهَا إِلَى ذَلِك الْبَلَد لِأَن فِيهِ التَّفْرِيق بَين الْأَب وَبَين وَلَده الصَّغِير وَفِيه ضَرَر بِالْأَبِ وَلم يلْتَزم الضَّرَر حَيْثُ لم يتَزَوَّج ثمَّ وَإِذا أَرَادَت أَن تنقل الْوَلَد إِلَى الْبَلَد الَّذِي وَقع فِيهِ النِّكَاح وَلَيْسَ ذَلِك بَلَدهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ بوطن لَهَا فَهِيَ دَار غربَة لَهَا كَمَا أَن الْبَلَد الَّذِي فِيهِ الزَّوْج دَار غربَة فتساويا وَلَيْسَ لَهَا أَن تلْحق الضَّرَر بِالْأَبِ وَأما إِذا كَانَ الْبَلَد قَرِيبا بِحَيْثُ يقدر الْأَب أَن يَجِيء إِلَى الْوَلَد وَيَرَاهُ وَيعود إِلَى منزله قبل اللَّيْل فلهَا ذَلِك وَيكون ذَلِك بِمَنْزِلَة أَطْرَاف الْمصر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كثير ضَرَر وَأما أهل الْقرى إِن أَرَادَت المبتوتة أَن تنْتَقل بِالصَّبِيِّ إِلَى قريتها من قَرْيَة الْأَب إِن وَقع النِّكَاح فِيهَا فلهَا ذَلِك وَإِن وَقع النِّكَاح فِي غَيرهَا فَلَيْسَ لَهَا أَن تنقل الصَّبِي إِلَى قريتها وَلَا إِلَى الْقرْيَة الَّتِي وَقع النِّكَاح فِيهَا إِذا كَانَت بعيدَة كَمَا فِي البلدين وَإِن كَانَت قريبَة بِحَيْثُ يُمكن الْأَب رُؤْيَة الصَّبِي وَالْعود إِلَى منزله قبل اللَّيْل فلهَا ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَر مُعْتَبر وَإِن كَانَ الْأَب متوطنا فِي الْمصر فَأَرَادَتْ نقل وَلَدهَا إِلَى قريتها وَالنِّكَاح وَقع فِيهِ فلهَا ذَلِك لِأَن الْأَب الْتزم الْمقَام فِي مَكَان النِّكَاح إِذا كَانَ وَطن الزَّوْجَة وَإِذا أَرَادَت النَّقْل إِلَى قَرْيَة قريبَة من الْمصر بِحَيْثُ يُمكن النّظر إِلَى وَلَده وَالْعود قبل اللَّيْل فَإِن وَقع النِّكَاح فِيهَا فلهَا ذَلِك لِأَنَّهُ رَضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 بغربة الْوَلَد وَإِن لم يَقع النِّكَاح فِيهِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك لِأَن أَخْلَاق أهل الْقرى لَا تَسَاوِي أَخْلَاق أهل الْمصر فَيلْحق الصَّبِي بذلك ضَرَر وَفِيه ضَرَر بالوالد فَلم يجز إِذا لم يلتزمه الْأَب وَقد ذكر مُحَمَّد هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْجَامِع الصَّغِير مُبْهمَة فَقَالَ إِنَّمَا أنظر فِي هَذَا إِلَى الْموضع الَّذِي وَقع فِيهِ عقد النِّكَاح وَالصَّحِيح مَا ذكرنَا من التَّفْصِيل ثمَّ الْأُم وَإِن كَانَت أَحَق بالحضانة فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهَا إِرْضَاع الصَّبِي لِأَن ذَلِك بِمَنْزِلَة النَّفَقَة وَنَفَقَة الْوَلَد يخْتَص بهَا الْوَالِد إِلَّا أَن لَا يُوجد من يرضعه فتجبر على إرضاعه وَقَالَ مَالك إِن كَانَت شريفة لم تجبر وَإِن كَانَت دنية تجبر فَإِن كَانَت لَا ترْضع إِلَّا بِأَجْر فَإِن كَانَ فِي حَال قيام النِّكَاح فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك لِأَن الْأجر لحفظ الصَّبِي وغسله وَذَلِكَ من بَاب نظافة الْبَيْت وَهِي مَنْفَعَة تحصل لَهَا بذلك فَلَا تسْتَحقّ الْأجر وَلَو اسْتَأْجر الْأَب ظِئْرًا وأرادت الْأُم أَن ترْضع فَهِيَ أولى لِأَنَّهَا أشْفق عَلَيْهِ وَإِن كَانَت الْمَرْأَة مبانة وَهِي فِي الْعدة فَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يجوز لَهَا أَن تَأْخُذ الْأجر لِأَنَّهَا تسْتَحقّ النَّفَقَة كَالزَّوْجَةِ وَفِي رِوَايَة يجوز لِأَنَّهَا صَارَت أَجْنَبِيَّة فَأَما إِذا انْقَضتْ الْعدة فَيجوز أَن تَأْخُذ الْأجر لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيَّة وَهِي أولى من الْأَجْنَبِيَّة وَتجب الْأُجْرَة على الزَّوْج ت بِمثل مَا تَأْخُذ الْأَجْنَبِيَّة وَإِن قَالَ الْأَب أَنا أجد من ترْضِعه بِغَيْر أجر أَو بِأَقَلّ من ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 الْأجر فَلَيْسَ لَهَا أَن تمنع الزَّوْج من ذَلِك لِأَن فِي ذَلِك ضَرَرا بِالْأَبِ وَلَكِن ترْضع الظِّئْر فِي بَيت الْأُم مَا لم تتَزَوَّج لِأَن حق الْحَضَانَة لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 بَاب الرَّضَاع قد ذكرنَا أَن الرَّضَاع سَبَب للتَّحْرِيم بطرِيق التَّأْبِيد فيحر بِهِ مَا يحرم بِالنّسَبِ والصهرية وَإِنَّمَا يُخَالف النّسَب فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَنه لَا يجوز أَن يتَزَوَّج الرجل أُخْت ابْنه من النّسَب وَيجوز أَن يتَزَوَّج أُخْت ابْنه من الرَّضَاع لِأَن أُخْت ابْنه من النّسَب بنت امْرَأَته الْمَوْطُوءَة وَبنت موطوءته حرَام عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يُوجد فِي الرَّضَاع وَالثَّانيَِة أَنه لَا يجوز أَن يتَزَوَّج الرجل أم أُخْته من النّسَب وَيجوز أَن يتَزَوَّج أم أُخْته من الرَّضَاع لِأَن أم أُخْته من النّسَب مَوْطُوءَة أَبِيه وحليلة الْأَب حرَام على الابْن وَهَذَا لَا يُوجد فِي الرَّضَاع وتعرف ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ وَجُمْلَة ذَلِك أَن الرَّضَاع يتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيم فِي جَانب الْمُرضعَة وَفِي جَانب الواطىء الَّذِي ينزل اللَّبن من وَطئه وَالتَّحْرِيم فِي جَانب الْمُرضعَة مجمع عَلَيْهِ وَفِي جَانب الزَّوْج مُخْتَلف فِيهِ فعندنا يثبت وَعند الشَّافِعِي لَا يثبت ولقب الْمَسْأَلَة أَن لبن الْفَحْل هَل يحرم أم لَا وَبَيَانه أَن الْمَرْأَة إِذا أرضعت طفْلا فَإِنَّهَا تحرم عَلَيْهِ وَصَارَت أما لَهُ وَصَاحب اللَّبن صَار أَبَا لَهُ فَإِن كَانَ الْمُرْضع أُنْثَى تحرم على صَاحب اللَّبن لكَونهَا بِنْتا لَهُ وَإِن كَانَ ذكرا تحرم الْمُرضعَة عَلَيْهِ لكَونه ابْنا لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَأَوْلَاد الْمُرضعَة من صَاحب اللَّبن إخْوَة وأخوات الْمُرْضع لأَب وَأم وَأَوْلَاد الْمُرضعَة من غير صَاحب اللَّبن إخْوَة وأخوات لَهُ لأم وَأَوْلَاده من غير الْمُرضعَة إخْوَة وأخوات لَهُ الْأَب وَكَذَلِكَ الحكم فِي أَوْلَاد الْأَوْلَاد من الْجَانِبَيْنِ وَأُمَّهَات الْمُرضعَة جداته من قبل الْأُم وَأُمَّهَات صَاحب اللَّبن جداته من قبل الْأَب وإخوة الْمُرضعَة وَأَخَوَاتهَا أَخْوَاله وخالاته وإخوة صَاحب اللَّبن وأخواته أَعْمَامه وعماته وَبَنَات الأخوال والخالات والأعمام والعمات من الرَّضَاع حَلَال كَمَا فِي النّسَب وَلَا يجوز للمرضع أَن يتَزَوَّج بِمن أَرْضَعَتْه الْمُرضعَة من الْإِنَاث لِأَنَّهُنَّ أخواته لكونهن بَنَات لَهَا من جِهَة الرَّضَاع وأصل ذَلِك أَن كل اثْنَيْنِ اجْتمعَا على ثدي وَاحِد فهما أَخَوان أَو أختَان أَو أَخ وَأُخْت وعَلى هَذَا لَو كَانَ لرجل امْرَأَتَانِ فحبلتا مِنْهُ وأرضعت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا صَغِيرا أَجْنَبِيّا فقد صَارا أَخَوَيْنِ لأَب فَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أُنْثَى لم يجز لَهَا أَن تتَزَوَّج بِالْآخرِ لِأَنَّهُ أَخُوهَا من أَبِيهَا وَإِن كَانَا اثْنَيْنِ لم يجز لرجل وَاحِد أَن يجمع بَينهمَا فِي النِّكَاح لِأَنَّهُمَا أختَان لأَب وَقد ذكرنَا تَفْسِير حُرْمَة الرَّضَاع بِسَبَب الصهرية فِي كتاب النِّكَاح فَلَا نعيده ثمَّ الرَّضَاع الْمحرم مَا كَانَ فِي حَال الصغر فَأَما رضَاع الْكَبِير فَلَا يتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيم وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الرَّضَاع مَا أنبت اللَّحْم وأنشز الْعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْحَد الْفَاصِل قَالَ أَبُو حنيفَة يثبت حكم الرَّضَاع فِي الصَّغِير إِلَى ثَلَاثِينَ شهرا فَمَا ارتضع بعد ذَلِك لم يتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيم وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِلَى الْحَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ زفر إِلَى ثَلَاث سِنِين وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو فطم الصَّبِي فِي مُدَّة الرَّضَاع ثمَّ أرضع بعد الفصال فِي الْمدَّة اخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ عَن أَصْحَابنَا روى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَن مَا كَانَ من الرَّضَاع إِلَى ثَلَاثِينَ شهرا قبل الْفِطَام أَو بعده فَهُوَ رضَاع محرم وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِذا فطم فِي السنتين حَتَّى اسْتغنى بِالطَّعَامِ ثمَّ ارتضع بعد ذَلِك فِي السنتين أَو الثَّلَاثِينَ شهرا لم يكن ذَلِك رضَاعًا لِأَنَّهُ لَا رضَاع بعد فطام تَامّ وَإِن هِيَ فَطَمته فَأكل أكلا ضَعِيفا لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَن الرَّضَاع ثمَّ عَاد فأرضع فِي الثَّلَاثِينَ فَهُوَ رضَاع يحرم كرضاع الصَّغِير الَّذِي لم يفطم وروى مُحَمَّد وَأَصْحَاب الْإِمْلَاء عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا فطم قبل الْحَوْلَيْنِ ثمَّ ارتضع فِي بَقِيَّة الْحَوْلَيْنِ فَهُوَ رضَاع محرم وَهُوَ مَذْهَب مُحَمَّد وَكَانَ لَا يعْتد بالفطام قبل الْحَوْلَيْنِ وروى الْحسن عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا أرضع بعد الْفِطَام فِي الْحَوْلَيْنِ لم يكن رضَاعًا ثمَّ عندنَا قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره سَوَاء فِي حَال الصغر فِي التَّحْرِيم وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يثبت التَّحْرِيم إِلَّا بِخمْس رَضعَات وَالصَّحِيح قَوْلنَا لقَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 الْآيَة من غير فصل وَكَذَا عندنَا تثبت حُرْمَة الرَّضَاع بِلَبن الْميتَة وَعند الشَّافِعِي لَا يَقع بِهِ التَّحْرِيم لكَونه نجسا وَإِذا وصل اللَّبن إِلَى جَوف الصَّبِي لَا من الثدي بِأَن أوجر أَو أسعط تثبت الْحُرْمَة لِأَن الوجور يصل إِلَى الْجوف والسعوط يصل إِلَى الْجوف أَيْضا وَلَو حقن الصَّبِي بِاللَّبنِ ذكر الْكَرْخِي وَقَالَ لم يحرم وَلم يحك خلافًا وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه يحرم كَمَا يَقع بِهِ الْإِفْطَار أما إِذا أقطر فِي الْأذن لم يثبت التَّحْرِيم لِأَنَّهُ لم يعلم وُصُوله إِلَى الْجوف وَكَذَا إِذا أقطر فِي إحليله لهَذَا الْمَعْنى وَكَذَلِكَ لَو أقطر فِي جَائِفَة أَو آمة لما ذكرنَا وَلَو اخْتَلَط اللَّبن بِغَيْرِهِ فَهَذَا على وُجُوه إِن اخْتَلَط بِالطَّعَامِ ومسته النَّار حَتَّى نضج وطبخ لم يتَعَلَّق بِهِ الْحُرْمَة فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَنَّهُ تغير بالطبخ مَعَ غَيره عَن طبعه وَصفته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وَإِن اخْتَلَط بِهِ الطَّعَام وَلم تمسه النَّار فَإِن كَانَ الطَّعَام هُوَ الْغَالِب لم يثبت بِهِ التَّحْرِيم لِأَنَّهُ زَالَ اللَّبن وَصَارَ اللَّبن كَالْعدمِ وَإِن كَانَ اللَّبن غَالِبا للطعام وَهُوَ طَعَام ظَاهر يعْتد بِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَقع بِهِ التَّحْرِيم وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يحرم اعْتِبَارا للْغَالِب ف أَبُو حنيفَة يَقُول إِنَّه يضعف معنى اللَّبن وَيَزُول قوته حَتَّى يصير اللَّبن رَقِيقا ضَعِيفا يعرف بِالْمُشَاهَدَةِ وَإِن اخْتَلَط اللَّبن بالدواء أَو الدّهن أَو النَّبِيذ فَإِن كَانَ اللَّبن غَالِبا يحرم وَإِن كَانَ الدَّوَاء غَالِبا لَا يحرم وَيعْتَبر الْغَلَبَة بِالْإِجْمَاع لِأَن قُوَّة اللَّبن بَاقِيَة وَإِن اخْتَلَط اللَّبن بِالْمَاءِ فَإِن كَانَ اللَّبن غَالِبا يَقع بِهِ التَّحْرِيم وَإِن كَانَ المَاء غَالِبا لَا يَقع بِهِ التَّحْرِيم اعْتِبَارا للْغَالِب وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أقطر من اللَّبن خمس رَضعَات فِي جب مَاء فَشرب مِنْهُ الصَّبِي تثبت الْحُرْمَة وَإِن اخْتَلَط اللَّبن بِلَبن شَاة تعْتَبر الْغَلَبَة أَيْضا لِأَن لبن الشَّاة لَا يُؤثر فِي زَوَال قُوَّة لبن الْآدَمِيَّة وَأما إِذا اخْتَلَط لبن امْرَأتَيْنِ فَروِيَ عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَن الحكم للأغلب فَثَبت بِهِ التَّحْرِيم دون الآخر وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر يثبت التَّحْرِيم مِنْهُمَا احْتِيَاطًا فِي بَاب الْحُرْمَة وهما يَقُولَانِ إِن المغلوب لَا عِبْرَة بِهِ فِي الشَّرْع وَلَو طلق امْرَأَته طَلَاقا بَائِنا وَلها مِنْهُ لبن فَمَا دَامَت فِي الْعدة أَو بعد التَّزَوُّج بِغَيْرِهِ قبل ظُهُور الْحَبل لَو أرضعت صَبيا فَإِن التَّحْرِيم يثبت من الزَّوْج الأول لِأَن اللَّبن لَهُ فَأَما إِذا حبلت من الزَّوْج الثَّانِي فأرضعت صَبيا قَالَ أَبُو حنيفَة التَّحْرِيم للْأولِ دون الثَّانِي حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 تضع فَإِذا وضعت يكون التَّحْرِيم للثَّانِي دون الأول وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا نزل لَهَا اللَّبن من الثَّانِي فالتحريم للثَّانِي وَبَطل الأول وروى الْحسن عَنهُ أَنَّهَا إِذا حبلت فاللبن للثَّانِي وَقَالَ مُحَمَّد إِذا نزل لَهَا لبن فالتحريم للزوجين فَإِذا وضعت فالتحريم للثَّانِي لَا غير وَهِي مَسْأَلَة الْمَبْسُوط هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم الرَّضَاع الْمُقَارن للنِّكَاح فَأَما الرَّضَاع الطارىء على النِّكَاح فَإِنَّهُ يُبطلهُ لِأَنَّهُ يُوجب حُرْمَة مُؤَبّدَة بَيَانه إِذا تزوج الرجل صَغِيرَة فأرضعتها أمه حرمت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَارَت أُخْتا لَهُ بِالرّضَاعِ وَلَو تزوج رجل صغيرتين رضيعتين فَجَاءَت امْرَأَة وأرضعتهما مَعًا أَو وَاحِدَة بعد الْأُخْرَى صارتا أُخْتَيْنِ من الرضَاعَة وحرمتا عَلَيْهِ وَبَطل نِكَاحهمَا لِأَن الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ يَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاء والبقاء وَيجب على الزَّوْج لكل وَاحِدَة من الصغيرتين نصف الْمهْر لِأَن الْفرْقَة وَقعت قبل الدُّخُول بهما من غير فعلهمَا ثمَّ ينظر فَإِن كَانَت الْمُرضعَة تَعَمّدت الْفساد يرجع عَلَيْهَا الزَّوْج بِمَا غرم من نصف الْمهْر وَإِن كَانَت لم تتعمد لم يرجع وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن مهر الْمثل فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن فعلهَا سَبَب الْحُرْمَة لاعتدائها وَإِنَّمَا يكون السَّبَب تَعَديا بِقصد الْفساد أما بِدُونِ قصد الْفساد فَلَيْسَ بتعد كحفر الْبِئْر على قَارِعَة الطَّرِيق وحفر الْبِئْر فِي ملك نَفسه وَإِذا ثَبت أَن الرَّضَاع محرم فَإِنَّمَا يعرف بِالْإِقْرَارِ أَو بِشَهَادَة رجلَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ أما لَا يثبت بِشَهَادَة الرجل الْوَاحِد وَلَا بِشَهَادَة النِّسَاء وحدهن لِأَن هَذَا مِمَّا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال فَإِن النّظر إِلَى ثدي الْمَرْأَة جَائِز فِي الْجُمْلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 بَاب الْعدة الْعدة أَنْوَاع ثَلَاثَة عدَّة الْوَفَاة وعدة الطَّلَاق وعدة الْوَطْء أما عدَّة الْوَفَاة فَفِي حق الْحرَّة أَرْبَعَة أشهر وَعشرا صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة دخل بهَا زَوجهَا أَو لم يدْخل حرا كَانَ زَوجهَا أَو عبدا وَهَذِه الْعدة لَا تجب إِلَّا فِي نِكَاح صَحِيح لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} من غير فصل وَمُطلق اسْم الزَّوْج لَا يَقع على المتزوج نِكَاحا فَاسِدا وَأما فِي حق الزَّوْجَة الْأمة فشهران وَخَمْسَة أَيَّام كَانَ زَوجهَا حرا أَو عبدا لِأَن الْعدة تتنصف بِالرّقِّ وتتكامل بِالْحُرِّيَّةِ وَيعْتَبر فِيهَا جَانب النِّسَاء دون الرِّجَال بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَت الزَّوْجَة حَامِلا فانقضاء عدتهَا بِوَضْع حملهَا إِذا كَانَ تَاما أَو سقطا مستبين الْخلق كُله أَو بعضه قصرت الْمدَّة أَو طَالَتْ وَعند عَليّ رَضِي الله عَنهُ عدتهَا أبعد الْأَجَليْنِ وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وَالنَّص مُطلق وَهُوَ آخرهما نزولا على مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ من شَاءَ باهلته أَن سُورَة النِّسَاء الْقصرى نزلت بعد الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة وَأما عدَّة الطَّلَاق فَثَلَاثَة قُرُوء فِي حق ذَوَات الْأَقْرَاء إِذا كَانَت حرَّة وَفِي حق الآيسة وَالصَّغِيرَة وَالَّتِي لَا تحيض بعد ثَلَاثِينَ سنة ثَلَاثَة أشهر إِذا كَانَ بعد الدُّخُول بهَا أَو بعد الْخلْوَة الصَّحِيحَة فِي النِّكَاح الصَّحِيح لِأَنَّهَا توجب كَمَال الْمهْر فتوجب كَمَال الْعدة بطرِيق الأولى احْتِيَاطًا وَأما الْخلْوَة الصَّحِيحَة فِي النِّكَاح الْفَاسِد فَلَا توجب الْعدة وَلَا كَمَال الْمهْر لِأَن التَّسْلِيم لَا يجب عَلَيْهَا فَلَا تُقَام الْخلْوَة مقَامه وَأما الْخلْوَة الْفَاسِدَة فِي النِّكَاح الصَّحِيح فَإِن كَانَ يُمكنهُ الْوَطْء مَعَ الْمَانِع كالحيض وَالْإِحْرَام وَنَحْو ذَلِك يجب كَمَال الْعدة دون كَمَال الْمهْر لِأَنَّهُمَا يتهمان فِي الْعدة الَّتِي هِيَ حق الشَّرْع وَإِن كَانَ لَا يُمكنهُ الْوَطْء مَعَ الْمَانِع حسا كَالْمَرِيضِ أَو الْمَرِيضَة الَّتِي لَا يقدر الْوَطْء مِنْهُمَا أَو الصَّغِير أَو الصَّغِيرَة الَّتِي لَا يتَصَوَّر الْجِمَاع مِنْهُمَا فَلَا عدَّة لِأَنَّهُمَا لَا يتهمان وَلم يُوجد التَّسْلِيم الَّذِي أوجب الْعدة وَإِن كَانَت الزَّوْجَة مَمْلُوكَة للْغَيْر فعدتها حيضتان إِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء وَإِن لم تَحض فشهر وَنصف وَلَا تجب عدَّة الطَّلَاق قبل الدُّخُول وَأما أم الْوَلَد إِذا أعتقت أَو مَاتَ سَيِّدهَا فعدتها ثَلَاث حيض عندنَا وَعند الشَّافِعِي بقرء وَاحِد وَأَصله قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وَالْحكم فِي الْخلْوَة الصَّحِيحَة مَا ذكرنَا وَقَالَ الله تَعَالَى {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها} وَأما فِي حق الْحَامِل فعدتها وضع الْحمل لَا خلاف فِي الْمُطلقَة لظَاهِر قَوْله {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام طَلَاق الْأمة ثِنْتَانِ وعدتها حيضتان وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ طَلَاق الْأمة تَطْلِيقَتَانِ وعدتها حيضتان وَلَو اسْتَطَعْت لجعلتها حَيْضَة وَنصف وَأما عدَّة الْمَوْطُوءَة وَهِي الَّتِي وطِئت بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد أَو شُبْهَة عقد أَو شُبْهَة ملك أَو كَانَت أم ولد فَأعْتقهَا مَوْلَاهَا أَو مَاتَ عَنْهَا فَثَلَاث حيض أَو ثَلَاثَة أشهر أَو وضع الْحمل لِأَنَّهَا مُلْحقَة بالمنكوحة شرعا وَلَو طلق الرجل امْرَأَته فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ ثَلَاثًا أَو طَلَاقا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 بَائِنا ثمَّ مَاتَ قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا فورثت اعْتدت بأَرْبعَة أشهر وَعشرا فِيهَا ثَلَاث حيض عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف عدتهَا ثَلَاث حيض وَكَذَلِكَ امْرَأَة الْمُرْتَد يجب عَلَيْهَا الْعدة وترث من الْمُرْتَد على هَذَا الْخلاف فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا فِي صِحَة أَو مرض فعدتها أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَبَطل عَنْهَا الْحيض فِي قَوْلهم لِأَن الزَّوْجِيَّة بَاقِيَة وَمَوْت الزَّوْج يُوجب عدَّة الْوَفَاة وَإِذا مَاتَ الصَّبِي عَن امْرَأَته وَهِي حَامِل فعدتها أَن تضع حملهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف عدتهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} وَذكر الْكَرْخِي فَإِن مَاتَ وَهِي غير حَامِل ثمَّ حملت بعد مَوته قبل انْقِضَاء الْعدة فعدتها الشُّهُور فِي قَوْلهم ثمَّ فِي حق من كَانَت عدته بالشهور كَيفَ يعْتَبر الشَّهْر بِالْأَيَّامِ أَو بِالْأَهِلَّةِ فَنَقُول جملَة هَذَا أَن الْوَفَاة أَو الطَّلَاق إِذا اتّفق فِي غرَّة الشَّهْر اعْتبرت الشُّهُور بِالْأَهِلَّةِ وَإِن نقصت عَن الْعدَد فِي قَول أَصْحَابنَا جَمِيعًا فَأَما إِذا حصل فِي بعض الشَّهْر فَقَالَ أَبُو حنيفَة تعْتَبر بِالْأَيَّامِ فَتعْتَد فِي الطَّلَاق تسعين يَوْمًا وَفِي الْوَفَاة مائَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ مُحَمَّد تَعْتَد بَقِيَّة الشَّهْر بِالْأَيَّامِ ثمَّ تَعْتَد شَهْرَيْن بِالْأَهِلَّةِ وتكمل الشَّهْر الأول من الشَّهْر الثَّالِث بِالْأَيَّامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَعَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة مثل قَول أبي حنيفَة وَفِي رِوَايَة مثل قَول مُحَمَّد وَهُوَ قَوْله الْأَخير وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بأصابع يَدَيْهِ ثَلَاثًا وخنس إبهامه فِي الثَّالِث فَكَانَ الأَصْل هُوَ الْأَهِلّة عِنْد الْإِمْكَان وَعند التَّعَذُّر يُصَار إِلَى الْأَيَّام ثمَّ العدتان يتداخلان عندنَا سَوَاء كَانَتَا من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يتداخلان بل يجب أَن تمْضِي فِي الْعدة الأولى فَإِذا انْقَضتْ استأنفت الْأُخْرَى وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن الْمُطلقَة إِذا مضى بعض عدتهَا وَتَزَوَّجت فِي عدتهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْج ثمَّ تاركها فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهَا عدَّة أُخْرَى ويتداخلان وَكَذَا إِذا كَانَتَا من جِنْسَيْنِ بِأَن كَانَ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا وطِئت بِشُبْهَة تداخلت أَيْضا وَيعْتَبر مَا ترى من الْحيض فِي الْأَشْهر من عدَّة الْوَطْء وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ الْعدة مُعْتَبرَة بِالنسَاء تتنصف برقها وتتكامل بحريتها بِالْإِجْمَاع وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الطَّلَاق ثمَّ مَا عرفت من الْجَواب فِي حق الْمسلمَة فَهُوَ الْجَواب فِي حق الْكِتَابِيَّة إِذا كَانَت تَحت مُسلم لِأَن الْعدة فِيهَا حق الشَّرْع وَحقّ الزَّوْج وَالْولد فَإِن لم تكن مُخَاطبَة بِحَق الشَّرْع فمخاطبة بإيفاء حق الزَّوْج وَالْولد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وَأما الذِّمِّيَّة تَحت ذمِّي فَلَا عدَّة عَلَيْهَا فِي موت وَلَا فرقة عِنْد أبي حنيفَة إِذا كَانَ فِي دينهم كَذَلِك إِلَّا أَن تكون حَامِلا فَلَا يجوز نِكَاحهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهَا الْعدة لجَرَيَان أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِمَا بِسَبَب الذِّمَّة وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِنَّهَا غير مُخَاطبَة بِحَق الشَّرْع وَالزَّوْج لَا يعْتَقد الْعدة حَقًا لنَفسِهِ فَلم تجب لحقه أما إِذا كَانَت حَامِلا فتمنع من التَّزْوِيج حَقًا للْوَلَد حَتَّى لَا يخْتَلط النّسَب فيضيع الْوَلَد ثمَّ فِي النِّكَاح الْفَاسِد إِذا وَقعت الْفرْقَة بعد الْوَطْء بتفريق القَاضِي أَو بمتاركتها فَإِنَّهُ تعْتَبر الْعدة من وَقت التَّفْرِيق لَا من وَقت الْوَطْء عندنَا خلافًا ل زفر فَإِنَّهُ يعْتَبر من آخر وطئة وَطئهَا وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن النِّكَاح الْفَاسِد مَوْجُود من وَجه وَهُوَ مُلْحق بالثابت من كل وَجه فِي حق الْأَحْكَام فَلَا بُد من التَّفْرِيق حَتَّى تجب الْعدة وَإِذا كَانَ الزَّوْج غَائِبا فَطلق امْرَأَته أَو مَاتَ عَنْهَا وَالْمَرْأَة لَا تعلم بذلك حَتَّى مَضَت مُدَّة الْعدة فَإِنَّهُ تَنْقَضِي الْعدة وَتعْتَبر من وَقت الطَّلَاق وَالْعلم لَيْسَ بِشَرْط لمضي الْعدة فَإِنَّهَا أجل وضع لبراءة الرَّحِم وَإنَّهُ يحصل بِلَا علم وَأما الممتد طهرهَا فعدتها بِالْأَقْرَاءِ وَلَا تَنْقَضِي بالشهور مَا لم تدخل فِي حد الْإِيَاس لِأَنَّهَا من ذَوَات الْأَقْرَاء فِي الْجُمْلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 بَاب مَا يجب على الْمُعْتَدَّة الْمُعْتَدَّة إِمَّا إِن كَانَت عَن طَلَاق أَو عَن وَفَاة فَإِن كَانَت عَن طَلَاق يَنْبَغِي لَهَا أَن لَا تخرج من بَيتهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا بل يجب عَلَيْهَا السُّكْنَى فِي الْبَيْت الَّذِي تسكن فِيهِ وَأجر السُّكْنَى وَالنَّفقَة على الزَّوْج وَأَصله قَوْله تَعَالَى و {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} وَأما الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فَلَا بَأْس بِأَن تخرج بِالنَّهَارِ فِي حوائجها وَلَا تبيت فِي غير منزلهَا الَّذِي تَعْتَد فِيهِ لِأَن نَفَقَتهَا عَلَيْهَا فتحتاج إِلَى الْخُرُوج لإِصْلَاح أمرهَا وَعَن مُحَمَّد لَا بَأْس بِأَن تبيت فِي غير بَيتهَا أقل من نصف اللَّيْل لِأَن البيتوتة عبارَة عَن السّكُون فِي الْمَكَان أَكثر اللَّيْل فِي الْعرف ثمَّ منزلهَا الَّذِي تُؤمر بِالسُّكْنَى والاعتداد فِيهِ هُوَ الْموضع الَّذِي كَانَت تسكنه قبل مُفَارقَة الزَّوْج وَقبل مَوته سَوَاء كَانَ الزَّوْج سَاكِنا فِيهِ أَو لم يكن لِأَن الله تَعَالَى أضَاف الْبَيْت إِلَيْهَا وَالْبَيْت الْمُضَاف إِلَيْهَا هُوَ الَّذِي تسكنه وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّهَا إِذا زارت أَهلهَا فَطلقهَا زَوجهَا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 عَلَيْهَا أَن تعود إِلَى منزلهَا الَّذِي كَانَت تسكن فِيهِ فَتعْتَد هُنَالك فَإِن اضطرت إِلَى الْخُرُوج فَلَا بَأْس بذلك مثل أَن تخَاف سُقُوط الْبَيْت وانهدامه أَو تخَاف أَن يغار على متاعها أَو أَن يكون بِأُجْرَة وَلَا تَجِد مَا تُؤَدِّيه فِي أجرته فِي عدَّة الْوَفَاة فَإِن كَانَت تقدر على الْأُجْرَة فَلَا تنْتَقل وَإِن كَانَ الْمنزل لزَوجهَا وَقد مَاتَ عَنْهَا فلهَا أَن تسكن فِي نصِيبهَا إِن كَانَ نصِيبهَا يكفيها فِي السُّكْنَى وَلَكِن تستتر عَن سَائِر الْوَرَثَة مِمَّن لَيْسَ بِمحرم لَهَا فَأَما إِذا كَانَ نصِيبهَا لَا يكفيها أَو خَافت على متاعها مِنْهُم فلهَا أَن تنْتَقل وَيكون ذَلِك عذرا وَالسُّكْنَى وَجَبت حَقًا لله تَعَالَى عَلَيْهَا فَيسْقط بالعذر كَسَائِر الْعِبَادَات وَكَذَلِكَ المسافرة حرَام أَيْضا للمطلقة سَوَاء كَانَ سفر حج فرض أَو غَيره مَعَ زَوجهَا أَو محرم حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا لِأَن السّفر خُرُوج مديد إِلَّا أَن فِي الْمُطلقَة طَلَاقا رَجْعِيًا للزَّوْج أَن يُسَافر بهَا إِذا رَاجعهَا وَقَالَ زفر لزَوجهَا أَن يُسَافر بهَا وَهَذَا بِنَاء على أَن المسافرة بهَا مُرَاجعَة عِنْد زفر وَعِنْدنَا لَيْسَ بمراجعة فَأَما لَا خلاف أَن الْخُرُوج فِي حَال الْعدة حرَام عَلَيْهَا وَلَو خرجت الْمَرْأَة مَعَ زَوجهَا فِي سفر غير سفر الْحَج ثمَّ طَلقهَا فِي بعض الطَّرِيق إِن كَانَ بَينهَا وَبَين مصرها الَّذِي خرجت مِنْهُ أقل من ثَلَاثَة أَيَّام وَبَينهَا وَبَين مقصدها ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهَا ترجع إِلَى منزلهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إنْشَاء السّفر وَفِي ذَلِك إنْشَاء السّفر وَإِن كَانَ فِي كل جَانب أقل من مُدَّة السّفر كَانَ لَهَا الْخِيَار لما ذكرنَا وَإِن كَانَ من كل جَانب مُدَّة السّفر ينظر إِن كَانَت هِيَ فِي مَوضِع يُمكنهَا الْمقَام فِيهِ أَقَامَت فِي ذَلِك الْموضع واعتدت وَلَا تمْضِي عِنْد أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَإِن وجدت محرما وعَلى قَوْلهمَا إِن لم يكن مَعهَا محرم فَكَذَلِك وَإِن كَانَ مَعهَا محرم مَضَت على سفرها وَإِن كَانَت فِي مَوضِع لَا يصلح للإقامة وَتخَاف على نَفسهَا وَمَالهَا فَإِن شَاءَت مَضَت وَإِن شَاءَت رجعت لِاسْتِوَاء الْأَمريْنِ لَكِن إِذا بلغت إِلَى أدنى الْموضع الَّذِي يصلح للإقامة فَهُوَ على هَذَا الْخلاف الَّذِي ذكرنَا فَإِن أَحرمت لِلْحَجِّ وَخرجت إِلَى سفر الْحَج مَعَ محرم لَهَا غير الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا الزَّوْج أَو مَاتَ فبلغها الْخَبَر وَبَينهَا وَبَين مصرها أقل من ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهَا ترجع وَتصير بِمَنْزِلَة الْمحصر فَإِن رَاجعهَا زَوجهَا بطلت الْعدة وتعود الزَّوْجِيَّة فَجَاز لَهَا السّفر وَأما الْحداد فَيجب على كل مُعْتَدَّة بَالِغَة عَاقِلَة مسلمة حرَّة بَانَتْ من زَوجهَا بِوَاحِدَة أَو ثَلَاث أَو مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فَإِن كَانَت مُعْتَدَّة عَن وَفَاة يجب الْإِحْدَاد بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَت عَن طَلَاق بَائِن أَو ثَلَاث فَكَذَلِك عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجب الْإِحْدَاد وَأَجْمعُوا أَنه لَا يجب الْإِحْدَاد على الْمُطلقَة طَلَاقا رَجْعِيًا وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا على زَوجهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا والمباينة نَظِير الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فِي التحسر على مَا فَاتَ فِي الْغَالِب فَيجب الْإِحْدَاد عَلَيْهَا ثمَّ تَفْسِير الْإِحْدَاد هُوَ الاجتناب عَن جَمِيع مَا يتزين بِهِ النِّسَاء من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الطّيب وَلبس الثَّوْب الْمَصْبُوغ والمطيب بالعصفر والزعفران والاكتحال والادهان والامتشاط وَلبس الْحلِيّ والخضاب وَنَحْو ذَلِك إِلَّا إِذا لم يكن لَهَا إِلَّا ثوب مصبوغ فَلَا بَأْس بِأَن تلبسه وَلَا تقصد الزِّينَة وَقَالَ فِي الأَصْل وَلَا تلبس قصبا وَلَا خَزًّا تتزين بِهِ لِأَن هَذَا مِمَّا يلبس للْحَاجة فَيعْتَبر فِيهِ الْقَصْد فَإِن قصدت الزِّينَة يكره وَإِن لم تقصد فَلَا بَأْس هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم الْمُعْتَدَّة الْبَالِغَة الْعَاقِلَة الْمسلمَة الْحرَّة فِي النِّكَاح الصَّحِيح فَأَما الصَّغِيرَة والكتابية وَالْأمة والمدبرة وَأم الْوَلَد وَالْمُكَاتبَة والموطوءة عَن شُبْهَة أَو نِكَاح فَاسد فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ السُّكْنَى وَيُبَاح لَهُنَّ الْخُرُوج لِأَن السُّكْنَى حق الله تَعَالَى والكافرة لَا تخاطب بِهِ فَأَما الرقيقة فَلَا يلْزمهَا الْمقَام فِي منزل زَوجهَا لقِيَام حق الْمولى فِي الْخدمَة إِلَّا إِذا بوأها مَوْلَاهَا منزلا فَحِينَئِذٍ لَا تخرج لِأَنَّهُ أسقط حق نَفسه فِي الْخدمَة فَإِن أَرَادَ الْمولى أَن يُخرجهَا فَلهُ ذَلِك لِأَنَّهُ أعَار مَنْفَعَة خدمته للزَّوْج وللمعير أَن يسْتَردّ الْعَارِية وَأما الْكِتَابِيَّة فلهَا أَن تخرج إِلَّا أَن يحبسها الزَّوْج لحقه فِي عدتهَا لصيانة المَاء فَتكون السُّكْنَى حق الزَّوْج لأجل الْوَلَد وَأما الصَّغِيرَة فلهَا الْخُرُوج وَلَيْسَ للزَّوْج منعهَا لِأَنَّهُ لَا يلْزمهَا حق الشَّرْع وَلَا حق الزَّوْج لِأَن حَقه فِي حفظهَا لصيانة الْوَلَد وَلَا يتَصَوَّر الْوَلَد فِي حَقّهَا وَأما أم الْوَلَد إِذا أعتقت أَو مَاتَ سَيِّدهَا فلهَا أَن تخرج لِأَن عدتهَا عدَّة الْوَطْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وَكَذَلِكَ فِي الْوَطْء لشُبْهَة أَو نِكَاح فَاسد لَهَا أَن تخرج لِأَن ذَلِك وَاجِب فِي النِّكَاح الصَّحِيح لَا غير فَأَما الْحداد فَلَا يجب على الصَّغِيرَة والكافرة لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمَا حق الله تَعَالَى فَأَما على الْأمة والمدبرة وَأم الْوَلَد وَالْمُكَاتبَة إِذا كَانَت زَوجته فَيجب الْحداد لِأَنَّهُ عبَادَة بدنية وَإِنَّهَا لَا تسْقط بِسَبَب الرّقّ وَفِي عدَّة أم الْوَلَد بعد الْعتْق وَالْمَوْت وَفِي الْعدة من نِكَاح فَاسد لَا حداد أَيْضا لِأَنَّهُ يجب لحُرْمَة الزَّوْجِيَّة وَلم تُوجد ثمَّ الْمُعْتَدَّة إِذا قَالَت انْقَضتْ عدتي فِي مُدَّة تَنْقَضِي بهَا الْعدة غَالِبا فَإِنَّهَا تصدق لِأَنَّهَا أمينة وَالْقَوْل قَول الْأمين فِيمَا لَا يُخَالِفهُ الظَّاهِر بِالْإِجْمَاع وَلَو لم تعترف بِانْقِضَاء الْعدة لَا تَنْقَضِي لاحْتِمَال أَنَّهَا تصير ممتدة الطُّهْر فَأَما إِذا أخْبرت بِانْقِضَاء الْعدة فِي مُدَّة أقل من شَهْرَيْن قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يصدق فِي أقل من شَهْرَيْن وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يصدق فِي تِسْعَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ولتخريج قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله وَجْهَان أَحدهمَا رَوَاهُ مُحَمَّد وَالثَّانِي رَوَاهُ الْحسن وَإِن طَلقهَا فِي نفَاسهَا وَهِي حرَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَة مُحَمَّد لَا تصدق فِي أقل من خَمْسَة وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَة الْحسن مائَة يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تصدق فِي أقل من خَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَقَالَ مُحَمَّد لَا تصدق فِي أقل من أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا وَسَاعَة وَوجه تَخْرِيج الْمَسْأَلَة يعرف فِي كتاب الْحيض وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 كتاب الْعتاق الْإِعْتَاق أَنْوَاع قد يكون قربَة وَطَاعَة لله تَعَالَى بِأَن أعتق لوجه الله تَعَالَى أَو نوى عَن كَفَّارَة عَلَيْهِ وَقد يَقع مُبَاحا غير قربَة بِأَن أعتق من غير نِيَّة أَو أعتق لوجه فلَان وَقد يَقع مَعْصِيّة بِأَن قَالَ أَنْت حر لوجه الشَّيْطَان وَيَقَع الْعتْق أَيْضا ثمَّ الْأَلْفَاظ تذكر فِي الْعتْق نَوْعَانِ نوع يثبت بِهِ الْعتْق فِي الْجُمْلَة إِمَّا بِالنِّيَّةِ أَو بِغَيْر النِّيَّة نوع لَا يثبت بِهِ الْعتْق أصلا وَإِن نوى وَأما الَّذِي يثبت بِهِ الْعتْق فَثَلَاثَة أَنْوَاع صَرِيح وملحق بِالصَّرِيحِ وكناية أما الصَّرِيح فَمَا اشتق من لفظ الْحُرِّيَّة وَالْعِتْق وَالْوَلَاء بِأَن قَالَ أَنْت حرَّة أَو حررتك أَو أَنْت عَتيق أَو مُعتق أَو أَعتَقتك أَو أَنْت مولَايَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وَقد يكون بِصِيغَة النداء بِأَن قَالَ يَا حر يَا عَتيق يَا مولَايَ فَفِي هَذِه الْأَلْفَاظ لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة لكَونه صَرِيحًا وَلَو نوى بِهِ الْخَبَر عَن الْكَذِب فِي هَذِه الْأَلْفَاظ يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَن صيغته صِيغَة الْخَبَر وَالْخَبَر قد يكون كذبا وَإِن نوى أَنه كَانَ حرا فَإِن كَانَ مسبيا يصدق فِي الدّيانَة لَا فِي الْقَضَاء وَإِن كَانَ مولدا لَا يصدق أصلا وَإِن قَالَ أَنْت حر وَنوى أَنه حر من الْعَمَل أَي لَا أستعمله فِي عمل مَا لَا يصدق فِي الْقَضَاء وَيعتق وَيصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَكَذَا إِذا قَالَ أَنْت مولَايَ وَنوى الْمُوَالَاة فِي الدّين لَا يصدق فِي الْقَضَاء وَيصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَو قَالَ أَنْت حر من هَذَا الْعَمَل وسمى عملا معينا أَو قَالَ أَنْت حر من عمل الْيَوْم فَإِنَّهُ يعْتق فِي الْقَضَاء لِأَن الْعتْق لَا يتَجَزَّأ فَإِذا جعله حرا فِي بعض الْأَعْمَال أَو جعله حرا عَن الْأَعْمَال كلهَا فِي بعض الْأَزْمَان يثبت فِي الْكل وَيصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَنه أَرَادَ بِهِ الْبَعْض وَأما اللَّفْظ الملحق بِالصَّرِيحِ كَقَوْلِه لعَبْدِهِ وهبت لَك نَفسك أَو وهبت نَفسك مِنْك فَإِنَّهُ يعْتق العَبْد قبل العَبْد أَو لم يقبل نوى أَو لم ينْو وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ بِعْت نَفسك مِنْك إِلَّا أَنه إِذا بَاعَ نَفسه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 العَبْد بِثمن مَعْلُوم يشْتَرط الْقبُول لأجل ثُبُوت الْعِوَض وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت مولى فلَان أَو عَتيق فلَان يعْتق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ أقرّ بِالْحُرِّيَّةِ وَهُوَ مَالك العَبْد وَلَو قَالَ أعتقك فلَان لَا يعْتق لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه أَرَادَ بِهِ أَنه قَالَ لَك أَنْت حر الْآن وَيحْتَمل الْخَبَر فَلَا يثبت الْعتْق بِالشَّكِّ لَكِن يجوز أَن يُقَال يعْتق فِي الْحَالين وَأما أَلْفَاظ الْكِنَايَة فَأن يَقُول لعَبْدِهِ لَا سَبِيل لي عَلَيْك أَو لَا ملك لي عَلَيْك أَو خليت سَبِيلك أَو خرجت عَن ملكي فَإِن نوى الْعتْق يعْتق وَإِن لم ينْو يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ لفظ مُشْتَرك إِلَّا إِذا قَالَ لَا سَبِيل لي عَلَيْك إِلَّا سَبِيل الْوَلَاء فَهُوَ حر فِي الْقَضَاء وَلَا يصدق أَنه أَرَادَ بِهِ غير الْعتْق وَلَو قَالَ إِلَّا سَبِيل الْمُوَالَاة يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ قد يُرَاد بِهِ الْمُوَالَاة فِي الدّين بِخِلَاف لفظ الْوَلَاء فَإِنَّهُ مُسْتَعْمل فِي وَلَاء الْعتْق وَأما الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا يعْتق بهَا وَإِن نوى بِأَن قَالَ لعَبْدِهِ لَا سُلْطَان لي عَلَيْك أَو قَالَ لعَبْدِهِ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَو توجه أَيْن شِئْت من بِلَاد الله أَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت طَالِق أَو طَلقتك أَو أَنْت بَائِن أَو أَنْت عَليّ حرَام أَو قَالَ ذَلِك لأمته وَكَذَلِكَ سَائِر كنايات الطَّلَاق وَنوى الْعتْق فِي هَذِه الْفُصُول لَا يعْتق لِأَنَّهَا عبارَة عَن زَوَال الْيَد وَإنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعتْق كَمَا فِي الْكِنَايَة وَلَو قَالَ يدك أَو رجلك حر وَنوى الْعتْق لَا يعْتق وَإِنَّمَا يعْتق إِذا أضيف إِلَى جُزْء شَائِع أَو جُزْء جَامع بِأَن قَالَ رَأسك حر أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وَجهك حر كَمَا فِي الطَّلَاق وَلَو نوى فَقَالَ رَأسك رَأس حر أَو بدنك بدن حر أَو وَجهك وَجه حر يعْتق وَلَو قَالَ على الْإِضَافَة وَجهك وَجه حر أَو رَأسك رَأس حر أَو بدنك بدن حر لَا يعْتق لِأَن هَذَا تَشْبِيه وَلَو قَالَ مَا أَنْت إِلَّا مثل الْحر أَو أَنْت مثل الْحر وَنوى الْعتْق لَا يعْتق لِأَنَّهُ تَشْبِيه وَقد قَالُوا إِذا نوى الْعتْق يعْتق فَإِنَّهُ ذكر فِي كتاب الطَّلَاق إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت مثل امْرَأَة فلَان وَفُلَان آلى من امْرَأَته وَنوى الْإِيلَاء يصدق وَيصير مولى وَمن الْأَلْفَاظ الَّتِي يثبت بهَا الْعتْق أَلْفَاظ النّسَب وَالْأَصْل فِيهِ أَن من وصف مَمْلُوكه بِصفة شخص يعْتق عَلَيْهِ إِذا ملكه فَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يذكرهُ بطرِيق الصّفة وَالْآخر أَن يذكرهُ بطرِيق النداء أما الصّفة فنحو أَن يَقُول هَذَا ابْني أَو هَذِه ابْنَتي والنداء أَن يَقُول يَا بني يَا بِنْتي وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ العَبْد مَجْهُول النّسَب أَو مَعْرُوف النّسَب من غَيره وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ يصلح ولدا لَهُ أَو لَا يصلح وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الْقرَابَات الْمُحرمَة للنِّكَاح أما فِي الصّفة بِأَن قَالَ هَذَا أخي أَو عمي أَو خَالِي فقد ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه يعْتق وَسوى بَين الْكل إِلَّا فِي الْأُخْت وَالْأَخ فَإِنَّهُ لَا يعْتق إِلَّا بِالنِّيَّةِ وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه سوى بَين الْكل وَقَالَ يعْتق وَأما النداء إِذا قَالَ يَا بني يَا بِنْتي يَا أُمِّي يَا أبي فَإِنَّهُ لَا يعْتق إِلَّا إِذا نوى لِأَن النداء لَا يُرَاد بِهِ مَا وضع لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 اللَّفْظ وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ استحضار المنادى إِلَّا إِذا ذكر اللَّفْظ الْمَوْضُوع للحرية كَقَوْلِه يَا حر يَا مولَايَ فَيعتق لِأَن فِي الْمَوْضُوع لَا يعْتَبر الْمَعْنى ثمَّ ينظر إِن كَانَ مَجْهُول النّسَب وَهُوَ يصلح ولدا لَهُ أَو والدا فَإِنَّهُ يثبت النّسَب وَيعتق وَإِن كَانَ مَعْرُوف النّسَب من غَيره فَإِنَّهُ لَا يثبت النّسَب وَلَكِن يعْتق لاحْتِمَال النّسَب مِنْهُ بِالنِّكَاحِ أَو الْوَطْء عَن شُبْهَة والاشتهار من غَيره أَو بِسَبَب الزِّنَا وَعند الشَّافِعِي مَا لم يثبت النّسَب مِنْهُ لَا يثبت الْعتْق وَإِن كَانَ لَا يصلح ولدا وَلَا والدا وَلَا عَمَّا قَالَ أَبُو حنيفَة يعْتق وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يعْتق وَلَو قَالَ هَذِه بِنْتي أَو أُمِّي وَهِي تصلح لذَلِك فَإِن كَانَت مَجْهُولَة النّسَب وَلَيْسَ للْمُدَّعِي أم مَعْرُوفَة يثبت النّسَب وَالْعِتْق وَالْحُرْمَة وَإِن كَانَت مَعْرُوفَة النّسَب أَو كَانَت للْمُدَّعِي أم مَعْرُوفَة لَا يثبت النّسَب وَلَكِن يثبت الْعتْق وَالْحُرْمَة وَإِن كَانَت لَا تصلح بِنْتا لَهُ أَو أما لَهُ يثبت الْعتْق عِنْد أبي حنيفَة وَلَكِن لَا تثبت الْحُرْمَة وَهَذَا إِذا لم تكن زَوْجَة لَهُ فَإِن كَانَت زَوْجَة لَهُ فَقَالَ هَذِه بِنْتي أَو أُمِّي فَإِن كَانَت مَعْرُوفَة النّسَب لَا تثبت الْحُرْمَة أَيْضا وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت الْبِنْت أكبر سنا مِنْهُ وَالأُم أَصْغَر سنا مِنْهُ لَا تقع الْفرْقَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وعَلى هَذَا قَالُوا فِي الزَّوْجَة إِذا قَالَ هَذِه بِنْتي وَهِي تصلح بِنْتا لَهُ ثمَّ قَالَ أوهمت أَو أَخْطَأت لم تقع الْفرْقَة وَإِنَّمَا تقع إِذا دَامَ على ذَلِك وَثَبت وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ هَذَا ابْني أَو لأمته هَذِه بِنْتي ثمَّ قَالَ أَخْطَأت يعْتق وَلَا يصدق لَو قَالَ لأمته وَهِي مَجْهُولَة النّسَب وَهِي أَصْغَر سنا مِنْهُ هَذِه بِنْتي ثمَّ تزَوجهَا جَازَ سَوَاء أصر على ذَلِك أم لَا كَذَلِك ذكر فِي كتاب النِّكَاح وَلَكِن قَالُوا هَذَا الْجَواب فِي مَعْرُوفَة النّسَب فَأَما فِي المجهولة إِن دَامَ على ذَلِك ثمَّ تزَوجهَا لم يجز وَإِن لم يدم عَلَيْهِ جَازَ وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ هَذِه بِنْتي أَو لأمته هَذَا ابْني اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ ثمَّ فِي مَعْرُوف النّسَب من الْغَيْر إِذا أعتق هَل تصير أمه أم ولد لَهُ إِذا كَانَت فِي ملكه بَعضهم قَالُوا لَا يثبت الِاسْتِيلَاد سَوَاء كَانَ الْوَلَد مَعْرُوف النّسَب أَو مَجْهُول النّسَب وَقَالَ بَعضهم يثبت فِي الْحَالين وَبَعْضهمْ فرق إِن كَانَ مَعْرُوف النّسَب لَا يثبت وَفِي مَجْهُول النّسَب يثبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 بَاب آخر من الْعتْق فِي هَذَا الْبَاب فُصُول أَحدهَا الْإِعْتَاق بَين الشَّرِيكَيْنِ أَو الشُّرَكَاء وَالْأَصْل فِيهِ أَن الْإِعْتَاق يتَجَزَّأ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يتَجَزَّأ وَقَالَ الشَّافِعِي فِي حَالَة الْيَسَار لَا يتَجَزَّأ وَفِي حَالَة الْإِعْسَار يتَجَزَّأ فَيخرج الْمسَائِل على هَذَا إِذا أعتق الرجل عبدا بَينه وَبَين شَرِيكه أعتق نصِيبه لَا غير سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا ولشريك الْمُعْتق خمس خيارات إِن شَاءَ أعتق نصِيبه وَإِن شَاءَ دبره وَإِن شَاءَ كَاتبه وَإِن شَاءَ استسعاه وَإِن شَاءَ ضمن الْمُعْتق إِن كَانَ مُوسِرًا غير أَنه إِذا دبره يصير مُدبرا نصِيبه وَيجب عَلَيْهِ السّعَايَة للْحَال فَيعتق وَلَا يجوز لَهُ أَن يُؤَخر عتقه إِلَى مَا بعد الْمَوْت ثمَّ إِذا أعتق العَبْد بِإِعْتَاق الشَّرِيك نصِيبه أَو بالاستسعاء وَاسْتِيفَاء بدل الْكِتَابَة يكون الْوَلَاء بَينهمَا لوُجُود الْإِعْتَاق مِنْهُمَا وَإِن ضمن الْمُعْتق فللمعتق أَن يعتقهُ إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ استسعاه وَإِن شَاءَ كَاتبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 أَو دبره لِأَن نصِيبه انْتقل إِلَيْهِ فِي حق الْإِعْتَاق وَالْمُدبر يحْتَمل النَّقْل فِي حق الْإِعْتَاق لَا غير فَكَانَ لَهُ الْخِيَار كَمَا فِي الشَّرِيك قبل التَّضْمِين وَيكون الْوَلَاء كُله لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يعْتق كُله ثمَّ إِن كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا فللشريك أَن يضمنهُ إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ ترك وَلَيْسَ لَهُ أَن يستسعي العَبْد وَإِن كَانَ مُعسرا لَهُ أَن يستسعي وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا يعْتق كُله وَله أَن يضمنهُ وَإِن كَانَ مُعسرا يعْتق مَا أعتق وَيبقى الْبَاقِي رَقِيقا وَيجوز فِيهِ جَمِيع التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك فِي نصِيبه وَلَو كَانَ العَبْد كُله لرجل وَاحِد فَأعتق نصفه أَو شَيْئا مَعْلُوما مِنْهُ فَإِنَّهُ يعْتق بِقَدرِهِ وَله الْخِيَار فِي الْبَاقِي بَين أَن يعْتق أَو يدبر أَو يُكَاتب أَو يستسعي وَيكون الْوَلَاء كُله لَهُ إِذا أعتق بِالْإِعْتَاقِ أَو بالسعاية وَعِنْدَهُمَا يعْتق كُله وَلَيْسَ لَهُ أَن يستسعيه وَكَذَا لَو أعتق نصِيبه بِإِذن شَرِيكه فللشريك أَن يستسعي وَلَيْسَ لَهُ حق التَّضْمِين لِأَنَّهُ سقط بِالْإِذْنِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يسْقط الضَّمَان وَلَيْسَ لَهُ حق الِاسْتِسْعَاء وَكَذَلِكَ لَو أعتق نصيب شَرِيكه بِإِذْنِهِ يعْتق عِنْد أبي حنيفَة وَلَيْسَ أَن يضمن شَرِيكه الَّذِي يَقع الْإِعْتَاق من جِهَته لِأَنَّهُ رَاض بِفساد نصيب نَفسه بالإقدام على إِعْتَاق نصيب شَرِيكه وَله أَن يستسعي العَبْد وعَلى قَوْلهمَا لَيْسَ لَهُ أَن يستسعي وَقيل إِن على قَوْلهمَا يَنْبَغِي أَن يكون لَهُ حق التَّضْمِين لِأَنَّهُ ضَمَان تملك وَلَو أعتق نصيب شَرِيكه بِغَيْر إِذْنه لَا ينفذ عتقه لِأَنَّهُ أضَاف عتقه إِلَى مَا لَيْسَ بمملوك لَهُ فَلَا ينفذ ويتوقف على إِجَازَته ثمَّ تَفْسِير الْيَسَار الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الضَّمَان هُوَ أَن يكون الْمُعْتق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 مَالِكًا لمقدار قيمَة مَا بَقِي من العَبْد قلت أَو كثرت وَتَفْسِير الْإِعْسَار أَن لَا يقدر على هَذَا ثمَّ إِنَّمَا تعْتَبر الْقيمَة فِي الضَّمَان والسعاية يَوْم الْإِعْتَاق لِأَنَّهُ سَبَب الضَّمَان وَكَذَا يعْتَبر حَال الْمُعْتق فِي يسَاره وإعساره يَوْم الْإِعْتَاق حَتَّى إِذا كَانَ مُوسِرًا يثبت للشَّرِيك حق التَّضْمِين فَإِذا أعْسر الْمُعْتق لَا يبطل حق التَّضْمِين وَإِن كَانَ مُعسرا حَتَّى يثبت حق الِاسْتِسْعَاء للشَّرِيك ثمَّ إِذا أيسر الْمُعْتق لَيْسَ للشَّرِيك حق التَّضْمِين وَلَو اخْتلفَا فِي قيمَة العَبْد لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ العَبْد قَائِما أَو هَالكا فَإِن كَانَ قَائِما إِن كَانَت الْخُصُومَة وَقعت فِي حَال الْإِعْتَاق تعْتَبر قيمَة العَبْد للْحَال وَيحكم عَلَيْهِ بذلك وَيسْقط اعْتِبَار الْبَيِّنَة والتحالف وَإِن اتفقَا أَن الْإِعْتَاق سَابق على حَال الْخُصُومَة فَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى قيمَة العَبْد للْحَال لِأَن قيمَة العَبْد قد تزيد وتنقص فِي هَذِه الْمدَّة وَيكون القَوْل قَول الْمُعْتق لِأَنَّهُ يُنكر الزِّيَادَة وَإِن كَانَ العَبْد هَالكا فَالْقَوْل قَول الْمُعْتق لإنكاره الزِّيَادَة وَإِن اخْتلفَا فِي حَال الْمُعْتق من الْيَسَار والإعسار وَالْعِتْق مُتَقَدم على حَال الْخُصُومَة إِن كَانَت مُدَّة يخْتَلف فِيهَا الْيَسَار والإعسار فَالْقَوْل قَول الْمُعْتق لِأَنَّهُ يُنكر الْيَسَار وَإِن كَانَ لَا يخْتَلف يعْتَبر الْحَال والفصل الثَّانِي إِذا قَالَ لعبديه أَحَدكُمَا حر أَو قَالَ هَذَا حر أَو هَذَا حر أَو سماهما فَقَالَ سَالم حر أَو بزيع حر فالمولى بِالْخِيَارِ بَين أَن يعين الْعتْق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 فِي أَيهمَا شَاءَ وَكَذَلِكَ فِي إِعْتَاق إِحْدَى أمتيه فَإِنَّهُ أثبت الْعتْق فِي أَحدهمَا فَهُوَ الْمُبْهم فَكَانَ الْبَيَان إِلَيْهِ فَإِذا خاصمه العبدان إِلَى الْحَاكِم أجْبرهُ الْحَاكِم على أَن يعين أَحدهمَا لِأَنَّهُ تعلق بِهِ حق الْعتْق لأَحَدهمَا فَإِن لم يخاصما عِنْد الْحَاكِم وَاخْتَارَ إِيقَاع الْعتْق على أَحدهمَا وَقع الْعتْق عَلَيْهِ حِين اخْتَار عتقه وهما قبل ذَلِك بِمَنْزِلَة الْعَبْدَيْنِ مَا دَامَ خِيَار الْمولى قَائِما فيهمَا فَأَما إِذا انْقَطع خِيَار الْمولى وَأَحَدهمَا فِي ملكه تعين لِلْعِتْقِ بِأَن مَاتَ أحد الْعَبْدَيْنِ وَإِذا مَاتَ الْمولى يعْتق من كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه لِأَن الْخِيَار فَاتَ بِمَوْت الْمولى وَلَا يعرف الْحر من العَبْد فيشيع فيهمَا فَإِن أخرج الْمولى أَحدهمَا عَن ملكه بِوَجْه من الْوُجُوه بِأَن بَاعه أَو رَهنه أَو آجره أَو كَاتبه أَو دبره أَو كَانَتَا أمتين فاستولد إِحْدَاهمَا أَو بَاعَ أَحدهمَا على أَنه بِالْخِيَارِ أَو على أَن المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ أَو بَاعَ أَحدهمَا بيعا فَاسِدا وَقَبضه المُشْتَرِي أَو حلف على أَحدهمَا بِالْإِعْتَاقِ إِن فعل شَيْئا فَذَلِك كُله اخْتِيَار لإيقاع الْعتْق فِي الآخر لِأَن الْمُخَير بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا فعل مَا يسْتَدلّ بِهِ على الِاخْتِيَار قَامَ مقَام قَوْله اخْتَرْت وَفِي هَذِه الْمَوَاضِع وجد مَا يسْتَدلّ بِهِ على الِاخْتِيَار لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يزِيل الْملك أَو هُوَ سَبَب لإنشاء زَوَال الْملك أَو الْعتْق أَو تصرف لَا يجوز إِلَّا بِالْملكِ فَأَما إِذا وطىء إِحْدَى أمتيه الَّتِي أبهم الْعتْق فيهمَا لَا يكون اخْتِيَارا لِلْعِتْقِ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله إِلَّا أَن تعلق مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يكون اخْتِيَارا وَكَذَلِكَ الْخلاف إِذا لمسها لشَهْوَة وَأَجْمعُوا أَنه لَو استخدم إِحْدَاهمَا لَا يكون بَيَانا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 والفصل الثَّالِث إِعْتَاق الْحمل وَالْأَصْل فِيهِ أَن الْحمل يعْتق بِإِعْتَاق الْأُم تبعا وَيعتق بِإِضَافَة الْعتْق إِلَيْهِ مَقْصُودا أَيْضا لِأَنَّهُ أصل من وَجه تبع من وَجه إِذا ثَبت هَذَا نقُول إِذا قَالَ لأمته مَا فِي بَطْنك حر فَجَاءَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ قَالَ ذَلِك يعْتق وَإِن جَاءَت بِهِ لأكْثر من سِتَّة أشهر مُنْذُ قَالَ ذَلِك لم يعْتق لأَنا تَيَقنا بالعلوق فِي الْفَصْل الأول وَوَقع الشَّك فِي الثَّانِي فَلَا يعْتق مَعَ الشَّك فَإِن وَلدته مَيتا بعد القَوْل بِيَوْم لم يعْتق لأَنا لم نعلم حَيَاته عِنْد الْإِيقَاع فَإِن كَانَت الْأمة فِي عدَّة من زوج عتق الْوَلَد إِذا وَلدته مَا بَينهَا وَبَين السنتين مُنْذُ وَجَبت الْعدة وَإِن كَانَ لأكْثر من سِتَّة أشهر مُنْذُ قَالَ الْمولى لأَنا نحكم بِثُبُوت نسب هَذَا الْوَلَد من الزَّوْج فَلَا بُد أَن يحكم بِوُجُودِهِ قبل الطَّلَاق وَالْعتاق مُتَأَخّر عَن ذَلِك وَلَو قَالَ مَا فِي بَطْنك حر ثمَّ ضرب رجل بَطنهَا بعد يَوْم فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَفِيهِ مَا فِي جَنِين الْحرَّة عبدا أَو أمة لِأَنَّهُ لما وَجب الضَّمَان على الضَّارِب شرعا فقد حكم بِكَوْنِهِ حَيا يَوْم الْإِعْتَاق وَلَو ولدت وَلدين أَحدهمَا لأَقل من سِتَّة أشهر وَالْآخر لأكْثر مِنْهُ بِيَوْم عتقا لِأَنَّهُ تَيَقنا بِعِتْق الَّذِي ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر وَالْآخر يجب أَن يكون مَوْجُودا وَهُوَ حمل وَاحِد فَمَتَى ثَبت حكم الْحَيَاة فِي أَحدهمَا فَكَذَا فِي الآخر وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَو لأمته أَنْت حر إِن شِئْت أَو خيرتك فِي إعتاقك أَو جعلت تقك فِي يَديك فَإِنَّهُ يَصح تَفْوِيض الْعتْق إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 الرَّقِيق وَيكون الْخِيَار إِلَيْهِ فِي الْمجْلس وَالْجَوَاب فِي الْعتْق فِي هَذَا الْفَصْل وَالطَّلَاق سَوَاء وَقد بَيناهُ فِي كتاب الطَّلَاق وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر إِن شَاءَ الله فَإِنَّهُ لَا يعْتق وَمَا عرفت من الْجَواب فِي اسْتثِْنَاء الطَّلَاق فَهُوَ الْجَواب فِي الْعتاق وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الطَّلَاق فصل قَالَ عَامَّة الْعلمَاء إِن من ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ عتق عَلَيْهِ صَغِيرا كَانَ الْمَالِك أَو كَبِيرا صَحِيح الْعقل أَو مَجْنُونا وَقَالَ مَالك وَأَصْحَاب الظَّوَاهِر لم يعتقوا إِلَّا بِإِعْتَاق الْمَالِك وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يعْتق بِالْملكِ إِلَّا من لَهُ ولاد وَأَجْمعُوا أَنه لَا يعْتق من كَانَ لَهُ رحم غير محرم للنِّكَاح وَأهل الذِّمَّة وَأهل الْإِسْلَام فِي ذَلِك سَوَاء بِخِلَاف النَّفَقَة فَإِنَّهَا تخْتَلف فِي الْوَالِدين والمولودين تجب وَفِي غَيرهم من الرَّحِم الْمحرم لَا تجب وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو ملك سَهْما من الرَّحِم الْمحرم عتق بِقدر مَا ملك عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر عتق كُله لِأَن الْعتْق يتَجَزَّأ عِنْده خلافًا لَهُم وَلَو ملك رجلَانِ عبدا وَهُوَ ابْن أَحدهمَا أَو ذُو رحم محرم مِنْهُ بِعقد عقداه جَمِيعًا أَو قبلاه جَمِيعًا من الشِّرَاء وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة لم يضمن من عتق عَلَيْهِ لشَرِيكه شَيْئا وَيسْعَى العَبْد لَهُ فِي نصِيبه عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يضمن الَّذِي عتق عَلَيْهِ نصِيبه إِن كَانَ مُوسِرًا وَأَجْمعُوا أَنَّهُمَا لَو ملكاه بِسَبَب الْإِرْث لم يضمن لشَرِيكه شَيْئا فِي قَوْلهم جَمِيعًا وعَلى هَذَا إِذا بَاعَ رجل نصف عَبده من ذِي رحم محرم من عَبده حَتَّى عتق عَلَيْهِ نصيب المُشْتَرِي لم يضمن للْبَائِع شَيْئا عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين مَا إِذا لم يعلم أَن الشَّرِيك أَو المُشْتَرِي قريب العَبْد وَبَين مَا إِذا علم فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وروى بشر عَن أبي يُوسُف إِن كَانَ الْأَجْنَبِيّ يعرف ذَلِك فَإِن العَبْد يعْتق وَيسْعَى للْأَجْنَبِيّ فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَإِن كَانَ لَا يعلم فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ نقض البيع وَإِن شَاءَ أتم عَلَيْهِ وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا حلف رجل بِعِتْق عبد إِذا ملكه ثمَّ اشْتَرَاهُ هُوَ وَآخر لَا ضَمَان عَلَيْهِ لشَرِيكه عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَن يضمن ذكر الْخلاف أَبُو بكر الرَّازِيّ وَأَبُو الْحسن الْكَرْخِي يَقُول لَا أعرف الرِّوَايَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمن أَصْحَابنَا من فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذِه الْمَسْأَلَة تعرف فِي الخلافيات فصل أصل هَذَا أَن الْعتْق الْمُضَاف إِلَى الْملك كالمعلق فِي الْملك عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة إِذا ثَبت هَذَا نقُول إِذا قَالَ كل مَمْلُوك لي فَهُوَ حر فَإِنَّهُ يَقع على مَا هُوَ مَمْلُوكه للْحَال وَكَذَا إِذا قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ فَهُوَ حر وَلَا نِيَّة لَهُ فَهُوَ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 مَمْلُوك لَهُ يَوْم حلف وَلَا يَقع على مَا يحدث فِيهِ الْملك لِأَن قَوْله أملك صَار عبارَة عَن الْحَال بِاعْتِبَار الْعرف فَإِن من قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله يكون مُسلما وَحكم الْمَسْأَلَة أَن كل من كَانَ من ملكه من ذكر أَو أُنْثَى قن أَو مُدبر ومدبرة أَو أم ولد وَأَوْلَادهَا إِنَّه يعْتق من غير نِيَّة لِأَنَّهُ مَمْلُوكه فَأَما الْمكَاتب فَلَا يعْتق بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ غير مُضَاف إِلَيْهِ مُطلقًا وَيدخل العَبْد الْمَرْهُون وَالْعَبْد الْمُسْتَأْجر وَالْعَبْد الَّذِي عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق فَأَما عبيد عَبده الْمَأْذُون فَإِذا لم يكن على العَبْد الْمَأْذُون دين فَلَا يدْخلُونَ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف إِلَّا بِالنِّيَّةِ لأَنهم لَا يضافون إِلَى الْمولى مُطلقًا وَقَالَ مُحَمَّد يعتقون لأَنهم ملكه على الْحَقِيقَة وَإِن كَانَ على الْمَأْذُون دين مُسْتَغْرق لم يعْتق عِنْد أبي حنيفَة وَإِن نواهم لِأَنَّهُ لَا يملك أكسابه عِنْده وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن نواهم عتقوا لأَنهم ملكه لَكِن لَا يضافون إِلَيْهِ مُطلقًا وَقَالَ مُحَمَّد يعتقون بِلَا نِيَّة لأَنهم ملكه وَالْمُعْتَبر عِنْده الْملك دون الْإِضَافَة وَلَا يدْخل فِي هَذَا الْكَلَام الْحمل نَحْو أَن يكون موصى لَهُ بِالْحملِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن اشْتريت مملوكين فهما حران فَاشْترى أمة حَامِلا لم يعتقا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لأمته كل مَمْلُوك لي حر لم يعْتق حملهَا لِأَنَّهُ لَا يُسمى مَمْلُوكا على الْإِطْلَاق فَإِن كَانَت الْأمة فِي ملكه يعْتق الْأُم وَالْولد جَمِيعًا لَكِن الْوَلَد يعْتق بِحكم التّبعِيَّة لَا بِحكم الْيَمين فَإِن عَنى بِهِ الذُّكُور دون الْإِنَاث لم يدين فِي الْقَضَاء ويدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 لِأَنَّهُ نوى تَخْصِيص كَلَامه وَلَو نوى فِي قَوْله كل مَمْلُوك أملكهُ الِاسْتِقْبَال دون الْحَال فَإِنَّهُ يَقع على مَا فِي ملكه وَمَا يملك فِي الْمُسْتَقْبل جَمِيعًا لِأَن اللَّفْظ ظَاهره فِي الْعرف للْحَال فَلَا يصدق فِي صرف الْكَلَام عَنهُ وَيَقَع الْعتْق على مَا سيملكه بِإِقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ فِيمَا هُوَ ملكه فِي الْمُسْتَقْبل وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ الْيَوْم وَله مَمْلُوك فاستفاد فِي ذَلِك الْيَوْم مماليك عتق الْكل وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ هَذَا الشَّهْر وَهَذِه السّنة لِأَن التَّوْقِيت دلَالَة على اشْتِمَال الْيَمين على من يملكهُ فِي الْمدَّة فعتقوا جَمِيعًا فَإِن قَالَ عنيت أحد الصِّنْفَيْنِ دون الآخر دين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ ادّعى تَخْصِيص الْعُمُوم وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ السَّاعَة فَهُوَ حر فَهَذَا على مَا ملكه تِلْكَ السَّاعَة دون غَيرهَا وَلَا يعْتق مَا يَسْتَفِيد الْملك فِيهِ فِي سَاعَته تِلْكَ لِأَن المُرَاد بقوله السَّاعَة هُوَ الْحَال فِي الْعرف دون السَّاعَة الَّتِي عِنْد المنجمين فَكَانَ المُرَاد بِهِ مَا كَانَ فِي ملكه فِي الْحَال الَّتِي حلف فَإِن قَالَ أردْت من أستفيد الْملك فِيهِ فِي هَذِه السَّاعَة فقد نوى مَا يحْتَملهُ كَلَامه وَهُوَ السَّاعَة الزمانية وَفِيه تَشْدِيد على نَفسه فَيصدق فِي دُخُوله ذَلِك فِي يَمِينه وَلَا يصدق فِي صرف الْعتْق عَمَّن كَانَ فِي ملكه وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ غَدا فَهُوَ حر وَلَا نِيَّة لَهُ قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله فِي الْجَامِع إِنَّه يدْخل فِيهِ من كَانَ ملكه فِي الْيَوْم ودام إِلَى الْغَد وَمن اسْتَفَادَ ملكه فِي الْغَد أَيْضا وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَاعْتبر جَانب الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ كل مَمْلُوك أَنا مَالِكه غَدا فَهُوَ حر وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله يعْتق مَا يملكهُ فِي الْغَد دون مَا جَاءَ الْغَد وَهُوَ فِي ملكه وَاعْتبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 جَانب الِاسْتِقْبَال لوُجُود الْإِضَافَة إِلَى زمَان مُسْتَقْبل وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ رَأس الشَّهْر وَأَجْمعُوا أَنه إِذا قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ إِذا جَاءَ غَد فَهُوَ حر أَنه على مَا هُوَ فِي ملكه غَدا لِأَن مَجِيء الْغَد شَرط وَمن أضَاف الْعتْق إِلَى شَرط يدْخل فِي الْعتْق مَا كَانَ مَمْلُوكه يَوْم الْحلف دون مَا يستفيده وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ إِلَى سنة أَو إِلَى ثَلَاثِينَ سنة فَإِنَّهُ يَقع على مَا يسْتَقْبل بِلَا خلاف وأولها من حِين حلف بعد سُكُوته لِأَنَّهُ خَاص للاستقبال بِدلَالَة الْعَادة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كل مَمْلُوك أملكهُ ثَلَاثِينَ سنة أَو أملكهُ سنة أَو أملكهُ أبدا أَو إِلَى أَن أَمُوت فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ مَا اسْتَأْنف فِيهِ الْملك دون مَا كَانَ فِي ملكه فَإِن قَالَ أردْت بِقَوْلِي أملكهُ سنة أَن يكون فِي ملكي سنة من يَوْم حَلَفت دين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلم يدين فِي الْقَضَاء لِأَن الظَّاهِر أَن هَذَا الْكَلَام يُرَاد بِهِ الِاسْتِقْبَال فَلَا يصدق على خلاف الظَّاهِر فِي الْقَضَاء وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر فَبَاعَهُ فَدخل الدَّار ثمَّ اشْتَرَاهُ فَدخل الدَّار ثَانِيًا لم يعْتق وَإِن لم يدْخل الدَّار بعد البيع عتق لِأَن بِالْبيعِ لَا يَزُول الْيَمين لِأَن بَقَاء الْملك لَيْسَ بِشَرْط لبَقَاء الْيَمين فَإِذا بقيت الْيَمين فَإِذا اشْتَرَاهُ وَدخل فَوجدَ الشَّرْط وَالْعَبْد فِي ملكه فَعتق فَأَما إِذا دخل بعد البيع ينْحل الْيَمين لَا إِلَى جَزَاء لوُجُود شَرط الْحِنْث فَإِذا دخل بعد مَا ملكه ثَانِيًا فقد وجد الشَّرْط وَلَا يَمِين فَلَا يثبت بِهِ الْعتْق وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت هَاتين الدَّاريْنِ فَأَنت حر فَبَاعَهُ فَدخل إِحْدَاهمَا ثمَّ اشْتَرَاهُ فَدخل الْأُخْرَى عتق لِأَن الْعتْق مُعَلّق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 بِدُخُول الدَّاريْنِ فَإِنَّمَا ينزل عِنْد دُخُول الْأُخْرَى فَيشْتَرط قيام الْملك عِنْده لِأَنَّهُ حَال نزُول الْجَزَاء وَالْملك كَانَ مَوْجُودا عِنْد الْيَمين وَحَال دُخُول الدَّار الأولى لَيست حَال انْعِقَاد الْيَمين وَلَا حَال نزُول الْجَزَاء فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 بَاب أم الْوَلَد يحْتَاج فِي الْبَاب إِلَى تَفْسِير الِاسْتِيلَاد وَإِلَى بَيَان حكم أم الْوَلَد أما الأول فَنَقُول أم الْوَلَد كل مَمْلُوكَة ثَبت نسب وَلَدهَا من مَالك لَهَا أَو من مَالك لبعضها فَإِن الْمَمْلُوكَة إِذا جَاءَت بِولد وادعاه الْمَالِك يثبت نسبه وَتصير الْجَارِيَة أم ولد لَهُ وَإِذا كَانَت مُشْتَركَة فَجَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ أَحدهمَا يثبت النّسَب مِنْهُ وَتصير الْجَارِيَة كلهَا أم ولد لَهُ وَيضمن قيمَة نصيب شَرِيكه وَيضمن نصف الْعقر وَيكون الْوَلَد حرا فَإِن ادَّعَاهُ الآخر يثبت النّسَب مِنْهُمَا جَمِيعًا وَتصير الْجَارِيَة أم ولد لَهما وَكَذَلِكَ لَو ثَبت نسب ولد مَمْلُوكَة من غير سَيِّدهَا بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة ثمَّ ملكهَا فَهِيَ أم ولد لَهُ من حِين ملكهَا لَا من وَقت الْعلُوق وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا تصير الْجَارِيَة أم ولد لَهُ وَأَجْمعُوا أَنه إِذا ملك الْوَلَد يعْتق عَلَيْهِ وَهِي من مسَائِل الْخلاف ثمَّ الْوَلَد سَوَاء كَانَ مَيتا أَو حَيا أَو سقطا قد استبان خلقه أَو بعض خلقه إِذا أقرّ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْوَلَد الْكَامِل الْحَيّ فِي صيرورة الْجَارِيَة أم ولد لَهُ لِأَن الْوَلَد الْمَيِّت يُسمى ولدا لَهُ وَتعلق بِهِ أَحْكَام كَثِيرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَإِن لم يستبن خلقه وادعاه الْمولى لَا تكون أم ولد لَهُ لِأَن هَذَا لَا يُسمى ولدا وَيجوز أَن يكون لَحْمًا أَو دَمًا عبيطا وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن الْمولى إِذا قَالَ حمل هَذِه الْجَارِيَة مني أَو هِيَ حُبْلَى مني أَو مَا فِي بَطنهَا من ولد فَهُوَ مني ثَبت النّسَب وَتصير أم ولد لَهُ وَلَو قَالَ هَكَذَا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لم تكن حَامِلا وَإِنَّمَا كَانَ ريحًا فصدقته الْأمة فَهِيَ أم ولد لَهُ لِأَن هَذَا إِقْرَار بِكَوْن الْوَلَد مِنْهُ فَلَا يَصح رُجُوعه وَلَا يعْتَبر تصديقها فِي حق الْوَلَد وَأما حكم أم الْوَلَد فَنَقُول إِنَّه لَا يجوز إخْرَاجهَا عَن ملكه بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا يجوز فِيهَا تصرف يُفْضِي إِلَى بطلَان حَقّهَا فِي حق الْحُرِّيَّة وَيجوز إعْتَاقهَا وتدبيرها وكتابتها لما فِيهِ من إِيصَال حَقّهَا إِلَيْهَا معجلا وَيجوز استخدامها ووطؤها وإجارتها لِأَنَّهَا بَاقِيَة على ملكه وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء خلافًا لأَصْحَاب الظَّوَاهِر وَإِذا جَاءَت أم الْوَلَد بِولد فَإِنَّهُ يثبت نسبه من غير دَعْوَة لِأَنَّهَا صَارَت فراشا للْمولى إِلَّا أَنه يَنْتَفِي بِمُجَرَّد النَّفْي بِخِلَاف فرَاش النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِاللّعانِ وَإِذا زوج أم الْوَلَد فَجَاءَت بِولد لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا فَهُوَ ابْن الزَّوْج لِأَن فرَاش الْمولى زَالَ بِالتَّزْوِيجِ فَإِن ادّعى الْمولى نسب هَذَا الْوَلَد لم يثبت نسبه مِنْهُ لِأَن الْفراش الظَّاهِر لغيره وَلَكِن يعْتق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أقرّ بِهِ على نَفسه وَهُوَ مُحْتَمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين مَا إِذا كَانَ النِّكَاح فَاسِدا وَوَطئهَا الزَّوْج أَو جَائِزا لِأَن الْمَرْأَة تصير فراشا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد وَلَو زَالَ ملك الْمولى عَنْهَا بِمَوْتِهِ حَقِيقَة أَو حكما بِالرّدَّةِ للحقوق بدار الْحَرْب وَهِي حَيَّة يعْتق من جَمِيع المَال وَلَا تسْعَى للْوَارِث وَلَا للْغَرِيم بِخِلَاف الْمُدبر فَإِنَّهُ يعْتق من الثُّلُث وَيجب على أم الْوَلَد بعد الْمَوْت أَن تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء وَكَذَلِكَ لَو أعْتقهَا فِي حَال الْحَيَاة على مَا مر وَحكم ولد أم الْوَلَد حكم الْأُم لِأَنَّهُ تَابع للْأُم حَالَة الْولادَة ثمَّ أم الْوَلَد لَا تضمن عِنْد أبي حنيفَة بِالْغَصْبِ وَلَا بِالْقَبْضِ فِي البيع الْفَاسِد وَلَا بِالْإِعْتَاقِ بِأَن كَانَت أم ولد بَين رجلَيْنِ فَأعْتقهَا أَحدهمَا لم يضمن الْمُعْتق لشَرِيكه وَلم تسع أَيْضا فِي شَيْء وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يضمن فِي ذَلِك كُله كالمدبرة وَالْأمة ولقب الْمَسْأَلَة أَن أم الْوَلَد غير مُتَقَومَة من حَيْثُ إِنَّهَا مَال عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله خلافًا لَهما وَأَجْمعُوا أَن الْمُدبر مُتَقَوّم وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء أَنه قَالَ إِن أم الْوَلَد تضمن فِي الْغَصْب عِنْد أبي حنيفَة بِمَا يضمن بِهِ الصَّبِي الْحر إِذا غصب أَرَادَ بِهَذَا أَنَّهَا إِذا مَاتَت من سَبَب حَادث من جِهَة الْغَاصِب بِأَن ذهب بهَا إِلَى طَرِيق فِيهِ سِبَاع فأتلفها وَنَحْو ذَلِك وَأَجْمعُوا أَنَّهَا تضمن بِالْقَتْلِ لِأَن دَمهَا مُتَقَوّم وَضَمان الْقَتْل ضَمَان دم وَهِي من مسَائِل الْخلاف وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 بَاب الْمُدبر فِي الْبَاب فصلان بَيَان الْمُدبر وَبَيَان حكمه أما الأول فَنَقُول الْمُدبر نَوْعَانِ مُطلق ومقيد فالمطلق من تعلق عتقه بِمَوْت الْمولى مُطلقًا من غير قيد الْمَوْت بِصفة وَلَا بِشَرْط آخر سوى الْمَوْت والمقيد نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يكون عتقه مُعَلّقا بِمَوْت مَوْصُوف بِصفة بِأَن قَالَ إِن مت من مرضِي هَذَا أَو من سَفَرِي هَذَا وَالثَّانِي أَن يكون عتقه مُعَلّقا بِمَوْتِهِ وبشرط آخر سواهُ ثمَّ التَّدْبِير الْمُطلق لَهُ ثَلَاثَة أَنْوَاع من الْأَلْفَاظ أَحدهَا صَرِيح اللَّفْظ مثل أَن يَقُول دبرتك أَو أَنْت مُدبر وروى هِشَام عَن مُحَمَّد رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت مُدبر بعد موتِي فَإِنَّهُ يصير مُدبرا للْحَال لِأَن الْمُدبر اسْم لمن يعْتق عَلَيْهِ عَن دبر مَوته فَقَوله أَنْت مُدبر بعد موتِي وَأَنت حر بعد موتِي سَوَاء وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَعتَقتك بعد موتِي أَو أَنْت حر بعد موتِي أَو أَنْت حر عَن دبر موتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَالثَّانِي بِلَفْظَة الْيَمين بِأَن قَالَ إِن مت فَأَنت حر أَو إِن حدث لي حدث فَأَنت حر وَنَحْو ذَلِك وَالثَّالِث لَفْظَة الْوَصِيَّة بِأَن قَالَ أوصيت لَك برقبتك أَو أوصِي لَهُ بِثلث مَاله فَيدْخل فِيهِ رقبته أَو بعض رقبته لِأَن الْإِيصَاء للْعَبد بِرَقَبَتِهِ إِزَالَة ملكه عَن رقبته لِأَنَّهُ لَا يثبت لَهُ الْملك فِي رقبته فَبيع نفس العَبْد مِنْهُ إِعْتَاق فَيصير كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت حر بعد موتِي وَأما حكم الْمُدبر الْمُطلق فَنَقُول إِنَّه يعْتق فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته إِن كَانَ يخرج من الثُّلُث وَإِن لم يخرج يعْتق ثلثه وَيسْعَى فِي ثُلثَيْهِ وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمُدبر الْمُقَيد إِنَّه يعْتق من الثُّلُث وَأما حكمه فِي حَالَة الْحَيَاة فَإِنَّهُ يثبت لَهُ حق الْحُرِّيَّة أَو الْحُرِّيَّة من وَجه فَلَا يجوز إِخْرَاجه عَن ملكه إِلَّا بِالْإِعْتَاقِ أَو بِالْكِتَابَةِ وَلَا يجوز فِيهِ تصرف يبطل حَقه أما مَا لَا يبطل حَقه فَيجوز وَلِهَذَا لَا يجوز رهن الْمُدبر لِأَن فِيهِ نقل الْملك فِي حق الْحَبْس وَلَو زوج الْمُدبرَة جَازَ وَكَذَلِكَ لَو أجره لِأَن هَذَا تصرف فِي الْمَنْفَعَة وَكَذَا أكساب الْمُدبر والمدبرة ومهرها وأرشها للْمولى لِأَن الْمُدبر بَاقٍ على ملكه وَولد الْمُدبر الْمُطلق حكمه حكم أمه يعْتق بِمَوْت الْمولى وَهَذَا كُله مَذْهَبنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز بيع الْمُدبر الْمُطلق وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وَأما حكم الْمُدبر الْمُقَيد فَنَقُول فِي حَال الْحَيَاة إِنَّه لَا يكون مُدبرا حَقِيقَة للْحَال حَتَّى يجوز جَمِيع التَّصَرُّفَات فِيهِ وَأما حكمه بعد الْمَوْت فَالَّذِي علق عتقه بِمَوْت مَوْصُوف بِصفة بِأَنَّهُ قَالَ إِن مت من مرضِي هَذَا أَو إِن مت من سَفَرِي هَذَا أَو إِن قتلت أَو غرقت فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ من غير ذَلِك الْوَجْه لَا يعْتق لِأَنَّهُ لم يُوجد الشَّرْط وَهُوَ الْمَوْت بِصفة وَإِن مَاتَ من مَرضه أَو سَفَره فَإِنَّهُ يعْتق فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعْتَاق الْوَرَثَة لِأَنَّهُ لم يتَأَخَّر عتقه عَن الْمَوْت فَأَما إِذا أخر عتقه عَن الْمَوْت بِأَن قَالَ أَنْت حر بعد موتِي بساعة أَو بِيَوْم أَو بِشَهْر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يعْتق بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ أخر عتقه عَن الْمَوْت إِلَى وَقت فَيكون مُضَافا إِلَى الْوَقْت فَإِذا جَاءَ الْوَقْت لَا يعْتق وَلَكِن يعتقهُ الْوَصِيّ أَو الْوَارِث أَو القَاضِي لِأَن هَذَا وَصِيَّة بِالْإِعْتَاقِ لِأَن الْمَيِّت لَا يكون من أهل الْإِعْتَاق وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمُدبر الَّذِي علق بِمَوْتِهِ وبشرط آخر بِأَن قَالَ أَنْت حر بعد موتِي وَمَوْت فلَان أَو إِن مت أَنا وَفُلَان فَأَنت حر أَو قَالَ إِن مت وَدخلت الدَّار أَو إِن كلمت فلَانا فَأَنت حر بعد موتِي فَإِن وجد الشَّرْط قبل الْمَوْت بِأَن مَاتَ فلَان أَو كلم فلَانا صَار مُدبرا مُطلقًا لِأَنَّهُ بَقِي عتقه مُعَلّقا بِالْمَوْتِ لَا غير وَأما إِذا مَاتَ هُوَ أَولا ثمَّ مَاتَ فلَان فَإِنَّهُ لَا يعْتق وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ ثمَّ دخل العَبْد الدَّار فَإِنَّهُ لَا يعْتق لِأَنَّهُ لم يُوجد الشرطان وَأما إِذا وجد موت فلَان أَو دُخُول الدَّار فَكَذَلِك لِأَن الْمولى خرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 من أَن يكون من أهل الْإِعْتَاق بِالْمَوْتِ وَلَكِن يَجْعَل هَذَا وَصِيَّة بِالْإِعْتَاقِ فَيَنْبَغِي للْوَصِيّ أَن يعتقهُ وَمَا عرفت من الْجَواب فِي الْمَوْت الْحَقِيقِيّ فَهُوَ الْجَواب فِي الْمَوْت الْحكمِي وَذَلِكَ نَحْو أَن يرْتَد الْمولى وَيلْحق بدار الْحَرْب وَيَقْضِي القَاضِي بلحاقه لِأَن الْمُرْتَد حكمه حكم الْمَيِّت فِي الْأَحْكَام وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 بَاب الْكِتَابَة يحْتَاج فِي الْبَاب إِلَى تَفْسِير الْكِتَابَة وَإِلَى بَيَان حكمهَا أما الأول فَنَقُول الْكِتَابَة عقد مَشْرُوع مَنْدُوب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ سَبَب الْعتْق قَالَ الله تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} ثمَّ الْكِتَابَة نَوْعَانِ حَالَة ومؤجلة أما الْكِتَابَة الْحَالة فجائزة عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا تجوز على عكس السّلم فالسلم الْحَال لَا يجوز عندنَا وَعند الشَّافِعِي السّلم الْحَال جَائِز وَأما الْكِتَابَة المؤجلة فجائزة بِلَا خلاف وتفسيرها أَن يَقُول الرجل لعَبْدِهِ كاتبتك على ألف دِرْهَم على أَن تُؤدِّي إِلَيّ كل شهر كَذَا على أَنَّك إِذا أدّيت فَأَنت حر وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم كل شهر مِنْهُ كَذَا فَأَنت حر وَقبل العَبْد فَإِنَّهُ يكون كِتَابَة لِأَن معنى الْكِتَابَة لَيْسَ إِلَّا الْإِعْتَاق على مَال مُؤَجل منجم بنجوم مَعْلُومَة وَلَكِن إِنَّمَا يجوز إِذا قبل بدل الْكِتَابَة لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة فَلَا بُد من الْإِيجَاب وَالْقَبُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كاتبتك على ألف دِرْهَم ونجمه وسمى النُّجُوم وَقبل العَبْد فَإِنَّهُ يكون كِتَابَة وَإِن لم يعلق الْعتْق بِالْأَدَاءِ وَلم يقل على أَنَّك إِن أدّيت إِلَيّ ألفا فَأَنت حر لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة فَيعتق بِحكم الْمُعَاوضَة لَا بِحكم الشَّرْط وعَلى قَول الشَّافِعِي لَا بُد من ذكر التَّعْلِيق بِشَرْط الْأَدَاء وَلِهَذَا إِنَّه لَو أَبْرَأ الْمكَاتب عَن بدل الْكِتَابَة يعْتق وَلَو كَانَ مُعَلّقا بِالْأَدَاءِ لَا يعْتق بِدُونِ الشَّرْط وَأما حكم الْكِتَابَة فَنَقُول أما حكمهَا قبل أَدَاء الْكِتَابَة فَأن يكون أَحَق بمنافعه ومكاسبه وَيبقى على ملك الْمولى حَتَّى لَو أعتق عَن كَفَّارَة يَمِينه جَازَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مَسْأَلَة كتاب الْأَيْمَان وَأَجْمعُوا أَنه لَو أُدي بعض بدل الْكِتَابَة فَأعْتقهُ عَن الْكَفَّارَة لَا يجوز لِأَنَّهُ يصير فِي معنى الْإِعْتَاق على عوض من وَجه وَلَو أَرَادَ الْمولى أَن يمنعهُ من الْكسْب لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن الْكسْب حق الْمكَاتب وَلَو تزوج لَا يجوز لِأَنَّهُ لَيْسَ من بَاب الْكسْب وَفِيه ضَرَر بالمولى بِلُزُوم الْمهْر فِي رقبته وَلَا يجوز فِيهِ تصرف يُفْضِي إِلَى إبِْطَال حق الْمكَاتب من البيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا فَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا الْإِعْتَاق وَالتَّدْبِير لِأَن فِيهِ مَنْفَعَة لَهُ ثمَّ عقد الْكِتَابَة لَازم فِي حق الْمولى حَتَّى لَا يملك فَسخه إِلَّا بِرِضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 الْمكَاتب وَغير لَازم فِي حق الْمكَاتب حَتَّى أَن لَهُ أَن يعجز نَفسه فَيفْسخ عقد الْكِتَابَة بِدُونِ رضى الْمولى إِلَّا أَنه إِذا أخل بِنَجْم فَلم يؤد وَعجز عَنهُ للْمولى أَن يفْسخ العقد وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يفْسخ مَا لم يخل بنجمين لِأَنَّهُ لَو لم يثبت حق الْفَسْخ عِنْد الِامْتِنَاع عَن الْأَدَاء يتَضَرَّر بِهِ الْمولى فَأَما حكم الْأَدَاء فَإِنَّهُ إِذا أدّى الْبَدَل بِتَمَامِهِ يثبت الْعتْق لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة فَمَتَى سلم الْبَدَل يسلم الْمُبدل وَيكون أكسابه وَأَوْلَاده سَالِمَة لَهُ فَيعتق أَوْلَاده بِعِتْقِهِ وَكَذَلِكَ إِذا أَبرَأَهُ الْمولى عَن الْبَدَل لِأَنَّهُ حق الْمولى فَيقدر على إِسْقَاطه عَنهُ كَمَا فِي سَائِر الدُّيُون وَإِذا مَاتَ الْكَاتِب فَإِن مَاتَ عَاجِزا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخ عقد الْكِتَابَة لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي بَقَائِهِ فَأَما إِذا مَاتَ عَن وَفَاء فَإِنَّهُ يُؤَدِّي بدل كِتَابَته من تركته فَيَأْخُذ الْمولى فَيعتق عَن آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته فَيعتق أَوْلَاده وَمَا فضل من التَّرِكَة يكون مِيرَاثا لوَرثَته الْأَحْرَار وَكَذَلِكَ إِذا لم يتْرك وَفَاء وَلَكِن ترك ولدا مولودا فِي الْكِتَابَة فَإِن الْوَلَد يقوم مقَامه فِي أَدَاء الْبَدَل لكَونه مكَاتبا تبعا لَهُ فَإِذا عجز الأَصْل قَامَ التبع مقَامه وَإِذا أدّى يعْتق الْمكَاتب وَولده وَبَين الْفَصْلَيْنِ فرق فِي حق بعض الْأَحْكَام على مَا يعرف فِي الزِّيَادَات إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم فَأَنت حر أَو إِذا أدّيت إِلَيّ قيمتك فَأَنت حر فأداه يعْتق لِأَن الْعتْق مُعَلّق بِالْأَدَاءِ فَإِذن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 وجد شَرطه قَالَ الْكَرْخِي وَلَا يكون هَذَا كِتَابَة وَإِن كَانَ فِيهِ معنى الْكِتَابَة من وَجه حَتَّى أَن العَبْد إِذا جَاءَ بِالْبَدَلِ فَإِنَّهُ يجْبر على قبُوله أَي يصير الْمولى قَابِضا لَهُ كَمَا فِي الْكِتَابَة وَبَيَان التَّفْرِقَة بَينهمَا فِي مسَائِل فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ العَبْد هَهُنَا قبل الْأَدَاء وَترك مَالا فَالْمَال كُله للْمولى وَلَا يُؤَدِّي عَن فَيعتق بِخِلَاف الْكِتَابَة وَكَذَا لَو مَاتَ الْمولى وَفِي يَد العَبْد كسب فَالْعَبْد رَقِيق يُورث عَنهُ مَعَ أكسابه بِخِلَاف الْكِتَابَة وَلَو كَانَت هَذِه أمة فَولدت ثمَّ أدَّت لم يعْتق وَلَدهَا بِخِلَاف الْمُكَاتبَة إِذا ولدت ثمَّ أدَّت فعتقت يعْتق وَلَدهَا وَلَو قَالَ العَبْد للْمولى حط عني مائَة فحط الْمولي عَنهُ فَأدى تِسْعمائَة فَإِنَّهُ لَا يعْتق بِخِلَاف الْكِتَابَة وَلَو أَبْرَأ الْمولى العَبْد عَن الْألف لم يعْتق وَلَو أَبْرَأ الْمكَاتب عَن بدل الْكِتَابَة يعْتق وَلَو بَاعَ هَذَا العَبْد ثمَّ اشْتَرَاهُ وَأدّى إِلَيْهِ يجْبر على الْقبُول عِنْد أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات لَا يجْبر على قبُولهَا فَإِن قبلهَا عتق وَكَذَلِكَ لورد إِلَيْهِ بِخِيَار أَو بِعَيْب وَلَو بَاعَ الْمكَاتب لَا يجوز إِلَّا بِرِضَاهُ وَمَتى رَضِي يَنْفَسِخ الْكِتَابَة وَذكر فِي الأَصْل إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِن أدّيت إِلَيّ ألفا فَأَنت حر فَإِن ذَلِك على الْمجْلس لِأَن الْعتْق مُعَلّق بِاخْتِيَار العَبْد فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت حر إِن شِئْت وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يقف على الْمجْلس لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 الْعتْق مُعَلّق بِالشّرطِ فَلَا يقف على الْمجْلس كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار وَأما الْإِعْتَاق على مَال فَهُوَ خلاف الْكِتَابَة وَخلاف تَعْلِيق الْعتْق بِالْأَدَاءِ فَإِنَّهُ إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر على ألف دِرْهَم فَقبل العَبْد فَإِنَّهُ يعْتق من سَاعَته وَيكون الْبَدَل وَاجِبا فِي ذمَّته لِأَنَّهُ أعْتقهُ بعوض فَمَتَى قبل يَزُول الْعِوَض عَن صَاحبه كَمَا فِي البيع وَكَذَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر على قيمَة رقبتك فَقبل ذَلِك فَإِنَّهُ يعْتق وَكَذَا لَو أعْتقهُ على مَكِيل أَو مَوْزُون مَوْصُوف فِي الذِّمَّة مَعْلُوم الْجِنْس يجوز فَإِن هَذَا يصلح عوضا فِي البيع وَلَو أعتق على عوض بِعَيْنِه وَهُوَ ملك غَيره فَإِنَّهُ يعْتق فَإِن أجَاز الْمَالِك يسْتَحق عينه وَإِن لم يجز يجب على العَبْد قيمَة رقبته وَكَذَلِكَ لَو أعتق على عوض بِغَيْر عينه مَعْلُوم الْجِنْس جَازَ فَإِن كَانَ مَوْصُوفا فَعَلَيهِ تَسْلِيمه وَإِن لم يكن مَوْصُوفا فَعَلَيهِ الْوسط من ذَلِك فَإِن جَاءَ بِالْقيمَةِ أجبر الْمولى على الْقبُول كَمَا فِي الْمهْر وَلَو أعْتقهُ الْمولى على مَجْهُول الْجِنْس بِأَن قَالَ أَنْت حر على ثوب يعْتق وَيلْزمهُ قيمَة نَفسه لِأَن جَهَالَة الْجِنْس تمنع صِحَة الْبَدَل كَمَا فِي الْمهْر فَلَو أدّى إِلَيْهِ الْعِوَض فَاسْتحقَّ من يَد الْمولي فَإِن كَانَ بِغَيْر عينه فِي العقد فعلى العَبْد مثله لِأَنَّهُ لم يعجز عَن الَّذِي هُوَ مُوجب العقد وَإِن كَانَ عينا فِي العقد وَهُوَ عوض أَو حَيَوَان فَإِنَّهُ يرجع على العَبْد بِقِيمَة نَفسه عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يرجع بِقِيمَة الْمُسْتَحق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا بَاعَ نفس العَبْد مِنْهُ بِجَارِيَة ثمَّ اسْتحقَّت الْجَارِيَة أَو هَلَكت قبل التَّسْلِيم فعندهما يرجع بِقِيمَة العَبْد وَعِنْده يرجع بِقِيمَة الْجَارِيَة وَهِي مَذْكُورَة فِي الخلافيات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 بَاب وَلَاء الْعتَاقَة الْوَلَاء يثبت للْمُعْتق بِالْإِعْتَاقِ شرعا دون الْمُعْتق وَأَصله مَا رُوِيَ أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ إِنِّي اشْتريت عبدا فَأعْتقهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِن شكرك فَهُوَ خير لَهُ وَشر لَك وَإِن كفرك فَهُوَ شَرّ لَهُ وَخير لَك هُوَ أَخُوك ومولاك وَإِن مَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا كنت أَنْت عصبته ثمَّ الْوَلَاء يثبت بِهِ الْإِرْث وَالْعقل وَولَايَة النِّكَاح قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث ثمَّ الْوَلَاء كَمَا يثبت بِحَقِيقَة الْإِعْتَاق يثبت أَيْضا بِحَق الْعتْق فَإِن وَلَاء الْمُدبر يثبت بِالتَّدْبِيرِ لمدبره وَلَا ينْتَقل عَنهُ وَإِن عتق من جِهَة غَيره لِأَن الْوَلَاء قد ثَبت بِحَق الْحُرِّيَّة للمدبر وَالْوَلَاء لَا يحْتَمل الْفَسْخ وَلَا يتَحَوَّل عَنهُ وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن مُدبرَة بَين شَرِيكَيْنِ جَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ أَحدهمَا ثَبت نسبه مِنْهُ وَعتق عَلَيْهِ وَغرم نصيب شَرِيكه مِنْهُ وَالْوَلَاء بَينهمَا وَكَذَلِكَ مُدبر بَين شَرِيكَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا وَهُوَ مُوسر فضمن عتق بِالضَّمَانِ وَلم يتَغَيَّر الْوَلَاء عَن الشّركَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا إِذا أعتق أَحدهمَا نصِيبه عتق جَمِيعه وَالْوَلَاء بَينهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 ثمَّ الْوَلَاء يثبت لكل مُعتق بِأَيّ وَجه حصل الْعتْق سَوَاء كَانَ الْمُعْتق رجلا أَو امْرَأَة مُسلما أَو كَافِرًا إِلَّا أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم لكفره حَتَّى لَو أسلم يَرث بِالْوَلَاءِ الَّذِي يثبت لَهُ بِالْإِعْتَاقِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْسَ للنِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا مَا أعتقن أَو أعتق من أعتقن (الحَدِيث) لَكِن الْمُعْتق يَرث بِالْوَلَاءِ بطرِيق التَّعْصِيب وَهُوَ آخر الْعَصَبَات عِنْد عَامَّة الصَّحَابَة وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء فَإِن لم يكن سواهُ وَارِث فَالْكل لَهُ وَإِن كَانَ مَعَه أَصْحَاب الْفَرَائِض يُعْطي أَصْحَاب الْفَرَائِض فرائضهم وَالْبَاقِي لَهُ وَقَالَ ابْن مَسْعُود هُوَ آخر ذَوي الْأَرْحَام حَتَّى إِذا لم يكن للْمُعْتق أحد من الأقرباء يكون لَهُ وَإِذا مَاتَ الْمُعْتق فَإِنَّهُ لَا يُورث الْوَلَاء حَتَّى يكون لأَصْحَاب الْفَرَائِض فرائضهم وَالْبَاقِي للْعصبَةِ لما روينَا أَنه لَا يُورث وَلَكِن يكون الْوَلَاء للذكور من عصبَة الْمُعْتق الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب على مَا يعرف فِي كتاب الْفَرَائِض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 بَاب وَلَاء الْمُوَالَاة الأَصْل فِي شَرْعِيَّة عقد الْمُوَالَاة قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم} وَتَفْسِير عقد الْمُوَالَاة أَن من أسلم على يَدي رجل وَقَالَ لَهُ أَنْت مولَايَ ترثني إِذا مت وتعقل عني إِذا جنيت وَقَالَ الآخر قبلت فَينْعَقد بَينهمَا عقد الْمُوَالَاة وَكَذَا إِذا قَالَ واليتك وَقَالَ الآخر قبلت وَكَذَلِكَ إِذا عقد مَعَ رجل غير الَّذِي أسلم على يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ اللَّقِيط إِذا عقد مَعَ غَيره عقد مُوالَاة وَشرط صِحَة عقد الْمُوَالَاة أَن لَا يكون للعاقد وَارِث مُسلم وَإِذا انْعَقَد عقد الْمُوَالَاة يصير مولى لَهُ حَتَّى لَو مَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا يكون مِيرَاثه لمَوْلَاهُ وَلَو جنى يكون عقله عَلَيْهِ ويلي عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة وللمولى الْأَسْفَل أَن يتَحَوَّل بولائه إِلَى غَيره مَا لم يعقل الْمولي الْأَعْلَى عَنهُ فَإِذا عقل عَنهُ لَا يقدر أَن يتَحَوَّل بِالْوَلَاءِ إِلَى غَيره وَصَارَ العقد لَازِما إِلَّا إِذا اتفقَا على النَّقْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا نقض الْمُوَالَاة بِغَيْر محْضر من صَاحبه لم ينْتَقض وَلَو كَانَ رجلَانِ لَيْسَ لَهما وَارِث مُسلم وهما مسلمان فِي دَار الْإِسْلَام فوالى أَحدهمَا صَاحبه ثمَّ وَالَاهُ الآخر فَعِنْدَ أبي حنيفَة يصير الثَّانِي مولى للْأولِ وَيبْطل وَلَاء الأول وَعِنْدَهُمَا كل وَاحِد مِنْهُمَا مولى لصَاحبه فهما يَقُولَانِ إِن الْجمع بَين الولائين مُمكن فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون شخصان كل وَاحِد مِنْهُمَا يَرث من صَاحبه وَيعْقل عَنهُ كالأخوين وَابْني الْعم فَلَا يتَضَمَّن صِحَة أَحدهمَا انْتِقَاض الآخر بل يثبتان جَمِيعًا وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِن الْمولى الْأَسْفَل تَابع للْمولى الْأَعْلَى وَهُوَ فَوْقه كالمعتق تَابع للْمُعْتق وَلِهَذَا يَلِي الْأَعْلَى على الْأَسْفَل وَيعْقل عَنهُ وَلَا يجوز أَن يكون التبع متبوعا لمتبوعه والمتبوع تبعا لتَبعه وَإِذا لم يجز الْجمع بَينهمَا فيتضمن صِحَة الثَّانِي انْتِقَاض الأول ثمَّ مولى الْمُوَالَاة آخر الْوَرَثَة حَتَّى إِذا لم يكن للْمَيت أحد من الْوَرَثَة قريب أَو بعيد يَرث وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّه لَا يُورث بولاء الْمُوَالَاة وَيكون مَاله لبيت المَال وعَلى هَذَا الْخلاف لَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله لإِنْسَان وَلَا وَارِث لَهُ يَصح عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يَصح وَهِي مَسْأَلَة كتاب الْفَرَائِض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 كتاب الْأَيْمَان ذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل وَقَالَ الْأَيْمَان ثَلَاثَة يَمِين تكفر وَيَمِين لَا تكفر وَيَمِين نرجو أَن لَا يُؤَاخذ الله تَعَالَى بهَا صَاحبهَا أما الْيَمين الَّتِي تكفر فَهِيَ الْيَمين على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل وَهِي أَنْوَاع إِمَّا أَن يعْقد على مَا هُوَ مُتَصَوّر الْوُجُود عَادَة أَو على مَا هُوَ مُسْتَحِيل غير مُتَصَوّر الْوُجُود أصلا أَو على مَا هُوَ مُتَصَوّر الْوُجُود فِي نَفسه لَكِن لَا يُوجد على مجْرى الْعَادة وَهَذِه الْجُمْلَة قد تكون فِي الْإِثْبَات وَقد تكون فِي النَّفْي وَتَكون مُطلقَة وموقوتة أما النَّوْع الأول فَإِن كَانَ فِي الْإِثْبَات مُطلقًا بِأَن قَالَ وَالله لآكلن هَذَا الرَّغِيف أَو لَآتِيَن الْبَصْرَة فَمَا دَامَ الْحَالِف والمحلوف عَلَيْهِ قَائِمين فَهُوَ على يَمِينه لتصور الْبر وَهُوَ الْفِعْل مرّة فِي الْعُمر فَإِذا هلك أَحدهمَا صَار تَارِكًا للبر فَيحنث فِي يَمِينه وَإِن كَانَ فِي مَوضِع النَّفْي مُطلقًا بِأَن قَالَ وَالله لَا آكل هَذَا الرَّغِيف أَو لَا أَدخل هَذِه الدَّار فَإِن فعل مرّة حنث لِأَنَّهُ فَاتَ الْبر وَإِذا هلك الْحَالِف أَو الْمَحْلُوف عَلَيْهِ قبل الْفِعْل لَا يَحْنَث لِأَن شَرط بره هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 الِامْتِنَاع عَن الْفِعْل وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك الْفِعْل بعد هَلَاك الْحَالِف أَو هَلَاك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَأما الموقتة صَرِيحًا فِي الْإِثْبَات كَقَوْلِه وَالله لآكلن هَذَا الرَّغِيف الْيَوْم فَإِن مضى الْيَوْم والحالف والمحلوف عَلَيْهِ قائمان يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ فَاتَ الْبر لفَوَات وقته الْمعِين أما إِذا هلك أَحدهمَا فِي الْيَوْم فَإِن هلك الْحَالِف قبل مُضِيّ الْيَوْم لَا يَحْنَث بِالْإِجْمَاع وَإِن هلك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّغِيف قبل مُضِيّ الْيَوْم أَجمعُوا أَنه لَا يَحْنَث فِي الْحَال مَا لم يمض الْيَوْم وَلَا تجب الْكَفَّارَة حَتَّى لَو عجل الْكَفَّارَة لَا يجوز وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مضى الْيَوْم قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يَحْنَث فِي يَمِينه وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث وَتجب الْكَفَّارَة وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ وَالله لأقضين دين فلَان غَدا فقضاه الْيَوْم أَو أَبرَأَهُ صَاحب الدّين الْيَوْم ثمَّ جَاءَ الْغَد وَكَذَلِكَ على هَذَا فِي الْيَمين بِالطَّلَاق وَالْعتاق بِأَن قَالَ إِن لم أشْرب هَذَا المَاء الْيَوْم فامرأته طَالِق أَو عَبده حر ثمَّ أهريق المَاء قبل مُضِيّ الْيَوْم لَا يَحْنَث عِنْدهمَا حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق وَالْعتاق عِنْد مُضِيّ الْيَوْم وَعِنْده يَحْنَث عِنْد مُضِيّ الْيَوْم وَحَاصِل الْخلاف أَن تصور الْبر شَرط لانعقاد الْيَمين عِنْدهمَا وَعند أبي يُوسُف لَيْسَ بِشَرْط إِنَّمَا الشَّرْط أَن يكون الْيَمين على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل على مَا نذْكر فَلَمَّا كَانَ تصور الْبر شرطا عِنْدهمَا لانعقاد الْيَمين فَيكون شرطا لبقائها فَإِذا هلك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ خرج الْبر من أَن يكون متصورا فَتبْطل الْيَمين فَإِذا مضى الْوَقْت فَوجدَ شَرط الْحِنْث وَلَا يَمِين فَلَا يَحْنَث كَمَا إِذا هلك الْحَالِف وَعِنْده لما لم يكن تصور الْبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 شَرط الِانْعِقَاد لَا يكون شَرط الْبَقَاء فَتكون بَاقِيَة فَوجدَ الْحِنْث فِي آخر الْيَوْم والحالف من أهل وجوب الْكَفَّارَة فَيلْزمهُ بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ الْحَالِف لِأَنَّهُ وجد شَرط الْحِنْث لَكِن الْحَالِف لَيْسَ من أهل وجوب الْكَفَّارَة بعد الْمَوْت فَلَا يجب وَأما إِذا حلف على النَّفْي بِأَن قَالَ وَالله لَا آكل هَذَا الرَّغِيف الْيَوْم فَإِن مضى الْيَوْم قبل الْأكل بر فِي يَمِينه لِأَنَّهُ وجد ترك الْأكل فِي الْيَوْم كُله وَإِن هلك الْحَالِف أَو الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بر فِي يَمِينه أَيْضا لِأَن شَرط الْبر عدم الْأكل وَقد تحقق وَأما إِذا عقد الْيَمين على فعل لَا يتَصَوَّر وجوده أصلا بِأَن قَالَ وَالله لأشربن المَاء الَّذِي فِي هَذَا الْكوز وَلَيْسَ فِي الْكوز مَاء فَلَا ينْعَقد الْيَمين عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا وَعند أبي يُوسُف ينْعَقد وَيحنث للْحَال فهما يَقُولَانِ إِن الْيَمين يعْقد للبر ثمَّ تجب الْكَفَّارَة لرفع حكم الْحِنْث وَهُوَ الْإِثْم فَإِذا لم يكن الْبر متصورا فَلَا يتَصَوَّر الْحِنْث فَلَا فَائِدَة فِي انْعِقَاد الْيَمين وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ وَالله لأقتلن فلَانا وَهُوَ لَا يعلم بِمَوْتِهِ لِأَن يَمِينه تَنْصَرِف إِلَى الْحَيَاة الَّتِي كَانَت وَقد فَاتَت بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر عودهَا فَأَما إِذا كَانَ عَالما بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ تَنْعَقِد الْيَمين بِالْإِجْمَاع لِأَن يَمِينه تَنْصَرِف إِلَى الْحَيَاة الَّتِي تحدث فِيهِ فَيكون الْبر متصورا لكنه خلاف الْمُعْتَاد فَيكون من الْقسم الثَّالِث هَكَذَا فصل فِي الْجَامِع الصَّغِير وَهُوَ الصَّحِيح وَنَظِير الْقسم الثَّالِث أَيْضا إِذا قَالَ وَالله لأصعدن السَّمَاء أَو لأحولن هَذَا الْحجر ذَهَبا أَو لأشربن مَاء دجلة كُله لِأَن الْبر مُتَصَوّر على خلاف الْعَادة فباعتبار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 التَّصَوُّر تَنْعَقِد الْيَمين فِي الْجُمْلَة وَبِاعْتِبَار الْعَجز من حَيْثُ الْعَادة يَحْنَث فِي الْحَال فَأَما إِذا وَقت الْيَمين فَقَالَ وَالله لأصعدن السَّمَاء الْيَوْم فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله يَحْنَث فِي آخر الْيَوْم لِأَن الْبر يجب فِي الموقتة فِي آخر الْيَوْم وَيكون الْوَقْت ظرفا لِأَنَّهُ يفضل عَنهُ وَعند أبي يُوسُف يَحْنَث للْحَال لتحَقّق الْعَجز للْحَال وَهُوَ الصَّحِيح من مذْهبه وَإِنَّمَا يتَأَخَّر الْحِنْث إِلَى آخر الْوَقْت عِنْده فِيمَا إِذا كَانَ الْفِعْل متصورا من حَيْثُ الْعَادة ثمَّ فَاتَ بِسَبَب هَلَاك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كَمَا ذكرنَا وَنَوع آخر من الْيَمين فِي الْمُسْتَقْبل مَا تكون موقتة دلَالَة وَهِي تسمى يَمِين الْفَوْر وَهِي كل يَمِين خرجت جَوَابا لكَلَام أَو بِنَاء على أَمر فتتقيد بذلك بِدلَالَة الْحَال كمن قَالَ لآخر تعال تغد معي فَقَالَ وَالله لَا أتغدى وَلم يتغد مَعَه وَذهب إِلَى بَيته وتغدى لَا يَحْنَث فِي يَمِينه اسْتِحْسَانًا خلافًا ل زفر وَكَذَلِكَ إِذا أَرَادَت امْرَأَة إِنْسَان أَن تخرج من الدَّار فَقَالَ لَهَا إِن خرجت فَأَنت طَالِق فَتركت الْخُرُوج سَاعَة ثمَّ خرجت لَا يَحْنَث ويتقيد بِتِلْكَ الْحَال وَلِهَذَا نَظَائِر وَأما الْيَمين الَّتِي لَا تكفر فَهِيَ يَمِين الْغمُوس وَهِي الْيَمين الكاذبة قصدا فِي الْمَاضِي كَقَوْلِه وَالله لقد دخلت هَذِه الدَّار وَهُوَ يعلم أَنه مَا دَخلهَا وَفِي الْحَال نَحْو قَوْله لرجل وَالله إِنَّه عَمْرو مَعَ علمه أَنه زيد وَنَحْوهَا وَحكمهَا وجوب التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار دون الْكَفَّارَة بِالْمَالِ عندنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وَعند الشَّافِعِي تجب الْكَفَّارَة بِالْمَالِ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما الْيَمين الَّتِي يُرْجَى فِيهَا عدم الْمُؤَاخَذَة فَهِيَ الْيَمين الكاذبة خطأ وَهِي تسمى يَمِين اللَّغْو كمن قَالَ وَالله مَا دخلت هَذِه الدَّار وَعِنْده كَذَلِك وَالْأَمر بِخِلَافِهِ أَو رأى طيرا من بعيد فَظن أَنه غراب فَقَالَ وَالله إِنَّه لغراب فَإِذا هُوَ حمام وَلَا حكم لهَذِهِ الْيَمين أصلا وَقَالَ الشَّافِعِي يَمِين اللَّغْو هِيَ الْيَمين الَّتِي تجْرِي على لِسَان الْحَالِف من غير قصد لَا وَالله وبلى وَالله أَو كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن فَجرى على لِسَانه الْيَمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 بَاب أَلْفَاظ الْيَمين الْيَمين خَمْسَة أَنْوَاع يَمِين بِاللَّه تَعَالَى صَرِيحًا وَهِي نَوْعَانِ يَمِين بأسمائه وَيَمِين بصفاته وَالثَّالِث يَمِين بِاللَّه تَعَالَى بطرِيق الْكِنَايَة وَالرَّابِع الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى وَالْخَامِس الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى أما الْيَمين بأسماء الله تَعَالَى فالحلف بِكُل اسْم من أَسْمَائِهِ بِأَن قَالَ بِاللَّه أَو وَالله أَو تالله أَو الله أَو الرَّحْمَن أَو الرَّحِيم أَو بالعالم أَو الْقَادِر وَنَحْو ذَلِك لِأَن من أَسمَاء الله تَعَالَى مَا يكون خَاصّا لَا يجوز إِطْلَاقه على غير الله تَعَالَى وَمِنْهَا مَا يجوز لَكِن مَتى ذكر فِي مَوضِع الْقسم وَالْقسم لَا يجوز بِغَيْر الله فَكَانَ المُرَاد بِهِ اسْم الله تَعَالَى وَأما الْحلف بصفاته فأقسام ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يذكر صفة لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الصّفة فِي عرف النَّاس كَقَوْلِهِم وَعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه وَإِن كَانَ يسْتَعْمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 صفة لغيره لَكِن تعين كَون صفة الله تَعَالَى مرَادا بِهِ بِالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى تنصيصا وَالْقسم الثَّانِي أَن يحلف بِصفة تسْتَعْمل صفة لله وَلغيره وتستعمل فِي غير الصّفة لَكِن لَا يكون اسْتِعْمَاله فِي غير الصّفة غَالِبا بِحَيْثُ تسبق الأفهام إِلَيْهِ عِنْد الذّكر نَحْو قَوْلهم وقدرة الله وقوته وإرادته ومشيئته وَنَحْو ذَلِك فَيتَعَيَّن صفة لله تَعَالَى مقسمًا بِهِ بِدلَالَة ذكر الْقسم وَمن هَذَا الْقسم وَأَمَانَة الله فِي ظَاهر الرِّوَايَة خلافًا لما ذكره الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يكون يَمِينا وَإِن نوى وَخِلَافًا لما رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يكون يَمِينا وَالْقسم الثَّالِث أَن يحلف بِصفة تسْتَعْمل صفة لله تَعَالَى وَلغيره وتستعمل فِي غير الصّفة لَكِن على وَجه غلب اسْتِعْمَاله فِيهِ بِحَيْثُ لَا تسبق الأفهام إِلَّا إِلَيْهِ عِنْد الذّكر مُطلقًا وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم وَعلم الله وَرَحْمَة الله وَكَلَام الله وَكَذَا الرِّضَا وَالْغَضَب والسخط فَإِنَّهُ يذكر الْعلم وَيُرَاد بِهِ الْمَعْلُوم غَالِبا وَكَذَا الرَّحْمَة تذكر وَيُرَاد بهَا الْجنَّة وآثار الرَّحْمَة من النِّعْمَة وَالسعَة فعندنا إِن نوى بِهِ الْيَمين يكون يَمِينا وَإِن لم ينْو لَا يكون يَمِينا وَقَالَ الشَّافِعِي يكون يَمِينا كَسَائِر صِفَاته بِدلَالَة الْقسم وعَلى هَذَا قَالَ فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَحقّ الله لَا أفعل كَذَا لَا يكون يَمِينا مَا لم ينْو لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِي الْعرف فِي الْحق الْمُسْتَحق لله تَعَالَى على عباده وَلَو قَالَ وَالْحق لَا أفعل كَذَا يكون يَمِينا لِأَنَّهُ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 قَالَ الله تَعَالَى {ويعلمون أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين} وَلَو قَالَ حَقًا بِالْفَارِسِيَّةِ اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ ثمَّ فِي الْيَمين بأسماء الله تَعَالَى وَصِفَاته إِذا ذكر الْقسم والمقسم بِهِ وَالْخَبَر بِاللَّفْظِ الْمُسْتَعْمل فِي الْحَال بِأَن قَالَ حَلَفت بِاللَّه أَو أَقْسَمت بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا يكون يَمِينا بِلَا خلاف فَأَما إِذا ذكر الْقسم بِاللَّفْظِ الْمُسْتَقْبل بِأَن قَالَ أَحْلف بِاللَّه أَو أقسم بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَو أشهد بعزة الله تَعَالَى لَأَفْعَلَنَّ كَذَا يكون يَمِينا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يكون يَمِينا إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن هَذَا فِي الْعرف يُرَاد بِهِ الْحَال كَقَوْلِهِم أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَنَحْو ذَلِك وَأما إِذا ذكر الْقسم وَالْخَبَر وَلم يذكر الْمقسم بِهِ بِأَن قَالَ أشهد أَو أَحْلف أَو أقسم لَأَفْعَلَنَّ كَذَا يكون يَمِينا عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة نوى أَو لم ينْو وَقَالَ زفر إِن نوى يكون يَمِينا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون يَمِينا وَإِن نوى وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن ذكر الْقسم وَالْخَبَر دَلِيل على مقسم مَحْذُوف وَهُوَ اسْم الله تَعَالَى هَذَا إِذا ذكر الْمقسم بِهِ مرّة وَاحِدَة فَأَما إِذا ذكر مكررا بِأَن قَالَ وَالله وَالله أَو وَالله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِن فعلت كَذَا ذكر فِي الْجَامِع الْكَبِير إِن لم يدْخل بَين الاسمين حرف عطف يكون يَمِينا وَاحِدَة وَإِن دخل بَينهمَا حرف عطف يكون يمينين وَفِيه اخْتِلَاف الرِّوَايَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَالصَّحِيح مَا ذكر فِي الْجَامِع وَلِهَذَا يسْتَعْمل على بَاب الْقُضَاة هَذِه الْيَمين وَالله الرَّحْمَن الرَّحِيم الطَّالِب الْغَالِب الْمدْرك فَأَما إِذا ذكر الْخَبَر مَعَه مكررا بِأَن قَالَ وَالله لَا أفعل كَذَا لَا أفعل أَو وَالله لَا أكلم فلَانا وَالله لَا ُأكَلِّمهُ فَإِنَّهُ يكون يمينين لِأَنَّهُ وجد تكْرَار صِيغَة الْيَمين إِلَّا إِذا أَرَادَ بالْكلَام الثَّانِي الْخَبَر عَن الأول فَإِنَّهُ يكون يَمِينا وَاحِدَة وَكَذَا فِي الْيَمين بِالطَّلَاق وَالْعتاق على هَذَا وَأما الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى من حَيْثُ الْكِنَايَة نَحْو قَول الرجل هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَو كَافِر بِاللَّه وَنَحْو ذَلِك إِن فعل كَذَا يكون يَمِينا وَإِن فعل يلْزمه الْكَفَّارَة اسْتِحْسَانًا وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون يَمِينا قِيَاسا وَجه قَوْلنَا أَن النَّاس تعارفوا الْحلف بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ من لدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا من غير نَكِير مَعَ أَن الْيَمين بِغَيْر الله مَعْصِيّة دلّ أَنَّهَا كِنَايَة عَن الْيَمين بِاللَّه فِي الْعرف وَإِن لم يعقل معنى كَقَوْلِهِم لله عَليّ أَن أضْرب ثوبي حطيم الْكَعْبَة كِنَايَة عَن النّذر بِالصَّدَقَةِ فِي عرفهم وَإِن لم يعقل وَجه الْكِنَايَة كَذَا هَذَا وَأما إِذا قَالَ هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ إِن كنت فعلت كَذَا فِي الْمَاضِي كَاذِبًا قصدا لَا يلْزمه الْكَفَّارَة عندنَا وَلَكِن هَل يكفر اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا يكفر كَذَا روى الْحَاكِم الشَّهِيد عَن أبي يُوسُف لِأَن قَصده ترويج كَلَامه دون الْكفْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وَكَذَا إِذا قَالَ يعلم الله أَنه فعل كَذَا وَهُوَ يعلم أَنه لم يفعل لَا رِوَايَة لَهُ وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا يكفر وَقيل هَذَا إِذا كَانَ عِنْده أَنه لَا يكفر فَأَما إِذا كَانَ عِنْده أَنه يكفر إِذا حلف بِهِ فِي الْمَاضِي أَو فِي الْمُسْتَقْبل وَحنث فِي يَمِينه إِنَّه يكفر لِأَنَّهُ بالإقدام عَلَيْهِ صَار مُخْتَار للكفر وَاخْتِيَار الْكفْر كفر وَأما الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَمعنى بِأَن حلف بِالْإِسْلَامِ أَو بِأَنْبِيَاء الله تَعَالَى أَو بملائكته أَو بِالْكَعْبَةِ أَو بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالْحج أَو قَالَ عَلَيْهِ سخط الله وعذابه لَا يكون يَمِينا وَلَا يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَأما الْيَمين بِغَيْر الله تَعَالَى صُورَة وَهِي يَمِين بِاللَّه تَعَالَى معنى فَهُوَ الْحلف بِذكر الشَّرْط وَالْجَزَاء لِأَنَّهُ مَانع عَن تَحْصِيل الشَّرْط وحامل على الْبر بِمَنْزِلَة ذكر اسْم الله تَعَالَى وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم إِذا دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق أَو إِن دخلت أَو مَتى دخلت أَو إِذا مَا دخلت أَو مَتى مَا دخلت إِذا وجد الدُّخُول طلقت لِأَن هَذِه حُرُوف الشَّرْط وَقد وجد الشَّرْط فَيحنث فِي يَمِينه وَلَو دخلت ثَانِيًا لَا تطلق لِأَن هَذِه الْحُرُوف لَا تَقْتَضِي التّكْرَار وَلَو قَالَ كلما دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت الدَّار تطلق وَلَو دخلت ثَانِيًا وثالثا تطلق عِنْد كل دخلة طَلْقَة وَاحِدَة لِأَن كلمة كلما توجب تكْرَار الْأَفْعَال وَإِذا طلقت ثَلَاثًا فَتزوّجت بِزَوْج آخر وعادت إِلَيْهِ ثمَّ دخلت الدَّار فِي الْمرة الرَّابِعَة لَا تطلق لِأَن مَحل الْجَزَاء قد فَاتَ وَلَو قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق فَتزَوج امْرَأَة تطلق لوُجُود الشَّرْط وَلَو تزَوجهَا ثَانِيًا لَا تطلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وَلَو تزوج امْرَأَة أُخْرَى تطلق لِأَن كلمة كل توجب عُمُوم الْأَسْمَاء وَلَا توجب عُمُوم الْأَفْعَال وتكرارها وَلَو جمع بَين الشَّرْطَيْنِ لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بوجودهما فَإِن جمع بِحرف الْعَطف بِأَن قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار وَهَذِه الدَّار فَلَا يَقع إِلَّا بِدُخُول الدَّاريْنِ سَوَاء قدم الشَّرْط أَو أخر أَو كَانَ متوسطا وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن يدْخل الدَّار الْمَذْكُورَة أَولا أَو الثَّانِيَة لِأَن حرف الْوَاو لمُطلق الْجمع ولعطف الشَّيْء على جنسه فَيكون الشَّرْط مَعْطُوفًا على الشَّرْط لَا على الْجَزَاء وَإِن عطف بِحرف الْفَاء فَقَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار فَهَذِهِ الدَّار فَأَنت طَالِق فَمَا لم تدخل الدَّاريْنِ على التَّرْتِيب بِأَن تدخل الأولى ثمَّ الثَّانِيَة لَا حنث لِأَن حرف الْفَاء للْجمع على سَبِيل التَّرْتِيب والتعقيب بِلَا فصل وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين تقدم الشَّرْط وَتقدم الْجَزَاء وتوسطه وَلَو عطف بِحرف ثمَّ فَقَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار ثمَّ هَذِه الدَّار فَمَا لم يدْخل الدَّاريْنِ الأولى ثمَّ الْأُخْرَى بعد سَاعَة أَو أَكثر من ذَلِك لَا يَحْنَث لِأَن حرف ثمَّ للتَّرْتِيب على طَرِيق التَّأْخِير وَكَذَلِكَ إِذا أعَاد حرف الْعَطف مَعَ الْفِعْل فِي هَذِه الْفُصُول بِأَن قَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار وَدخلت هَذِه الدَّار فَالْجَوَاب لَا يخْتَلف وَكَذَلِكَ فِي حرف الْفَاء وحرف ثمَّ وَلَو قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا ثمَّ قَالَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَو فِي مجْلِس آخر وَالله لَا أكلم فلَانا أَو قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق أَو قَالَ وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك عَليّ حجَّة إِن دخلت هَذِه الدَّار وعبدي حر إِن دخلت هَذِه الدَّار فَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 لَا يكون لَهُ نِيَّة أَو نوى بِالثَّانِيَةِ التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد أَو نوى بِالثَّانِيَةِ الأولى فَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فهما يمينان حَتَّى لَو دخل الدَّار مرّة يلْزمه كفارتان فِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى وَفِي الْيَمين بِالطَّلَاق يَقع طَلْقَتَانِ وَيكون الدُّخُول شرطا فِي اليمينين وَإِن نوى بِهِ التَّغْلِيظ فَكَذَلِك لِأَن التَّغْلِيظ فِي أَن يكون يمينين حَتَّى يلْزمه كفارتان وَيَقَع طلاقان وَإِن نوى بِالثَّانِيَةِ الأولى كَانَت يَمِينا وَاحِدَة لِأَنَّهُ نوى التّكْرَار وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي الْعرف للتَّأْكِيد إِلَّا أَن فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق لَا يصدق فِي الْقَضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 بَاب الْخُرُوج وَالدُّخُول رجل قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِن خرجت من هَذِه الدَّار إِلَّا بإذني أَو برضاي أَو بعلمي أَو بأَمْري أَو بِغَيْر إذني أَو بِغَيْر رضاي فَهَذَا كُله سَوَاء إِذا خرجت بِغَيْر إِذْنه أَو بِغَيْر رِضَاهُ أَو علمه أَو أمره حنث وَهنا ثَلَاث فُصُول أَحدهَا هَذَا وَالثَّانِي أَن يَقُول إِلَّا أَن آذن لَك أَو حَتَّى أرْضى وَالثَّالِث أَن يَقُول إِلَّا أَن آذن لَك أَو إِلَّا أَن أرْضى أما فِي الأول فَيشْتَرط الْإِذْن فِي كل مرّة لِأَنَّهُ حرم عَلَيْهَا الْخُرُوج عَاما وَاسْتثنى خُرُوجًا مَوْصُوفا بِصفة وَهُوَ أَن يكون مَأْذُونا فِيهِ من جِهَته فَإِذا وجد خُرُوج بِإِذن فَهُوَ خُرُوج مُسْتَثْنى عَن يَمِينه فَلَا يكون دَاخِلا تَحت الْيَمين فَلَا يَحْنَث وَإِذا خرجت بعد ذَلِك بِغَيْر إِذن يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِخُرُوج مُسْتَثْنى وَالْيَمِين بَاقِيَة فَيحنث نَظِيره إِذا قَالَ لامْرَأَته إِن خرجت إِلَّا بملحفة أَو إِلَّا راكبة فَأَنت طَالِق فَإِن وجد الْخُرُوج الْمُسْتَثْنى لَا يَحْنَث وَإِن وجد لَا على ذَلِك الْوَصْف يَحْنَث لِأَن الْمُسْتَثْنى غير دَاخل فِي الْيَمين وَغير الْمُسْتَثْنى دَاخل فَيحنث لوُجُود الشَّرْط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وَأما الثَّانِي بِكَلِمَة وَحَتَّى فيكتفي فِيهِ بِالْإِذْنِ مرّة وَتسقط الْيَمين وَإِذا خرجت بِغَيْر إِذن يَحْنَث لِأَنَّهُ جعل الْإِذْن غَايَة ليمينه لِأَن كلمة حَتَّى كلمة غَايَة فَلَا تبقى الْيَمين بعد وجود الْغَايَة فَوجدَ الْخُرُوج الَّذِي هُوَ شَرط الْحِنْث وَلَا يَمِين فَلَا يَحْنَث وَقبل الْإِذْن الْيَمين بَاقِيَة فَيحنث بِالْخرُوجِ وَأما الثَّالِث إِلَّا أَن آذن لَك فَعِنْدَ عَامَّة الْعلمَاء هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله حَتَّى وَقَالَ الْفراء من أهل النَّحْو هَذَا وَقَوله إِلَّا بإذني سَوَاء وتجيء هَذِه الْفُصُول بِالْفَارِسِيَّةِ ترا طَلَاق اكربيرون آي ازين سرائي مكربد ستوري من يَا كويد بيرون آي ازين سرائي بِي دستوري من أَو يَقُول ترا طَلَاق اكربيرون آي ازين سرائي تا من دستوري دهم ترا أَو يَقُول تراسه طَلَاق أكر ازين سرائي بيرون آئي مكر من دستوري دهم ترا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وَلَو أَرَادَ بقوله إِلَّا بإذني حَتَّى آذن لَك يَصح نِيَّته حَتَّى لَو أذن لَهَا مرّة سَقَطت يَمِينه لِأَن بَين الْغَايَة وَالِاسْتِثْنَاء مشابهة وَلَكِن قيل يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَلَو أَرَادَ بقوله حَتَّى آذن لَك إِلَّا بإذني صحت نِيَّته وَيصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى مَا يحْتَملهُ كَلَامه وَفِيه تَشْدِيد على نَفسه وَلَو أذن لَهَا مرّة فِي قَوْله إِلَّا بإذني ثمَّ نهاها عَن الْخُرُوج قبل أَن تخرج من الدَّار بِإِذْنِهِ يَصح نَهْيه حَتَّى لَو خرجت بعد ذَلِك بِغَيْر إِذْنه يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ صَحَّ رُجُوعه عَن الْإِذْن وَالْيَمِين بَاقِيَة فَجعل كَأَنَّهُ لم يَأْذَن وَفِي مَسْأَلَة حَتَّى إِذا أذن ثمَّ نهاها قبل الْخُرُوج فَخرجت بِغَيْر إِذْنه ثَانِيًا لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين سَقَطت بِالْإِذْنِ فَلَا يعْتَبر النَّهْي بعد ذَلِك ثمَّ الْحِيلَة فِي قَوْله إِن خرجت من هَذِه الدَّار إِلَّا بإذني حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق مَتى لم يَأْذَن لَهَا عِنْد كل خُرُوج أَن يَقُول لَهَا كلما شِئْت الْخُرُوج فقد أَذِنت لَك حَتَّى يثبت الْإِذْن فِي كل خرجَة وجدت لِأَن كلمة كلما توجب التَّعْمِيم والتكرار وروى الْمُعَلَّى عَن مُحَمَّد رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي قَوْله إِلَّا بإذني إِذا قَالَ الزَّوْج قد أَذِنت لَك عشرَة أَيَّام فَخرجت مرَارًا فِي الْعشْرَة فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قد أَذِنت لَك أبدا أَو الدَّهْر كُله فَهَذَا إِذن مِنْهُ فِي كل مرّة وَلَو أَنه إِذا أذن لَهَا إِذْنا عَاما ثمَّ نهاها عَن الْخُرُوج بعد ذَلِك نهيا عَاما عَن الخرجات كلهَا هَل يعْمل نَهْيه رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه يعْمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 لِأَن النَّهْي فِي الْإِذْن الْخَاص يعْمل فَكَذَلِك فِي الْإِذْن الْعَام وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ لَا يعْمل نَهْيه لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ الْعَام صَارَت الخرجات كلهَا مَأْذُونا فِيهَا وَالشّرط هُوَ الْخُرُوج الْحَرَام فَصَارَ الشَّرْط بِحَال لَا يتَصَوَّر وجوده فَلَا تبقى الْيَمين فَلَا يَصح النَّهْي بعد ذَلِك بِخِلَاف الْإِذْن الْخَاص وَلَو قَالَ إِن خرجت إِلَّا بِإِذن فلَان فَمَاتَ فلَان قبل الْإِذْن تبطل الْيَمين عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله الْيَمين بَاقِيَة حَتَّى لَو خرجت بعد ذَلِك يَحْنَث كَمَا ذكرنَا فِي مَسْأَلَة الْكوز وَلَو أذن لَهَا بِالْخرُوجِ من حَيْثُ لَا يسمع فِي الْمَسْأَلَة الأولى فَخرجت بعد الْإِذْن فَإِنَّهُ يَحْنَث عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله لَا يَحْنَث ف أَبُو يُوسُف يَقُول إِن هَذَا إِذن من وَجه دون وَجه فَإِنَّهُ لَا يحصل مَا هُوَ الْمَقْصُود بِالْإِذْنِ وَهُوَ الْعلم المسموع وَشرط الْحِنْث هُوَ الْخُرُوج من غير إِذن مُطلقًا فَلَا يَحْنَث بِالشَّكِّ وهما يَقُولَانِ إِنَّه حرم عَلَيْهَا الْخُرُوج عَاما وَاسْتثنى خُرُوجًا مَأْذُونا فِيهِ مُطلقًا وَهَذَا مَأْذُون من وَجه فَلم يكن هَذَا خُرُوجًا مُسْتَثْنى فَبَقيَ دَاخِلا تَحت الْحُرْمَة وَلَو حلف رجل على زَوجته أَو على عَبده أَو سُلْطَان حلف رجلا أَن لَا يخرج من الدَّار أَو الكورة إِلَّا بِإِذْنِهِ فَبَانَت الْمَرْأَة أَو زَالَ العَبْد عَن ملكه أَو عزل السُّلْطَان عَن عمله ثمَّ خَرجُوا بِغَيْر الْإِذْن لم يَحْنَث وَسَقَطت الْيَمين وتتوقت الْيَمين بِبَقَاء الْولَايَة بِدلَالَة الْحَال فَإِذا زَالَت الْولَايَة انْتَهَت الْيَمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وعَلى هَذَا الْغَرِيم إِذا حلف الْمَطْلُوب أَن لَا يخرج من بَلَده إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن خرج وَعَلِيهِ دين يَحْنَث وَإِن خرج بعد الْقَضَاء وَالْإِبْرَاء لَا يَحْنَث وتقيدت الْيَمين بِبَقَاء الدّين وَهَذَا من جملَة يَمِين الْفَوْر على مَا مر وَلَو قَالَ لامْرَأَته إِن خرجت من الْبَيْت فَأَنت طَالِق فَخرجت من الْبَيْت إِلَى صحن الدَّار يَحْنَث لِأَن الْبَيْت غير الدَّار لِأَن الْبَيْت اسْم لمسقف وَاحِد وَالدَّار اسْم لمحدود يجمع الْبيُوت والمنازل وعَلى هَذَا إِذا قَالَ إِن دخل فلَان بَيْتك فَدخل صحن دارها دون بَيتهَا لم يَحْنَث وَلَكِن هَذَا فِي عرفهم فَأَما فِي عرفنَا فَإِن اسْم الْبَيْت بِالْفَارِسِيَّةِ مُطلقًا يُطلق على الدَّار والمنزل فَيحنث وَإِن قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار فَخرجت من هَذِه الدَّار من أَي بَاب كَانَ وَمن أَي مَوضِع كَانَ من فَوق حَائِط أَو سطح أَو نقب حنث لِأَن المُرَاد الْخُرُوج من الدَّار وَقد وجد وَهُوَ الِانْفِصَال من الْبَاطِن إِلَى الظَّاهِر وَلَو قَالَ إِن خرجت من بَاب هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَخرجت من أَي بَاب كَانَ حنث فِي يَمِينه سَوَاء كَانَ من الْبَاب الْقَدِيم أَو الَّذِي يحدث بعد الْيَمين لِأَنَّهُ ذكر الْبَاب مُطلقًا وَلَو خرجت من السَّطْح أَو من فَوق حَائِط أَو نقب لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَاب وَلَو عين الْبَاب فَقَالَ إِن خرجت من هَذَا الْبَاب لَا يَحْنَث مَا لم تخرج من ذَلِك الْبَاب الْمعِين وَإِن خرجت من بَاب آخر لَا يَحْنَث لِأَن فِي التَّعْيِين فَائِدَة فِي الْجُمْلَة لِأَنَّهُ رُبمَا يكون لذَلِك الْبَاب الْمعِين منفذ إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم دون الثَّانِي وَلَو قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار إِلَّا فِي أَمر كَذَا فَخرجت فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 ذَلِك الْأَمر مرّة ثمَّ خرجت لأمر آخر يَحْنَث لِأَنَّهُ حرم عَلَيْهَا جَمِيع الخرجات إِلَّا خُرُوجًا مَوْصُوفا بِصفة فَإِذا وجد مِنْهَا الْخُرُوج الْمُسْتَثْنى لَا يَحْنَث وَإِن وجد خُرُوج آخر يَحْنَث وَإِن عَنى بِهِ الْخُرُوج مرّة يَصح وَيصير إِلَّا عبارَة عَن حَتَّى مجَازًا كَأَنَّهُ قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار حَتَّى تخرج فِي أَمر كَذَا فَإِذا خرجت فِي ذَلِك الْأَمر يسْقط الْيَمين لوُجُود الْغَايَة لَكِن لَا يدين فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الْحَقِيقَة وَلَو قَالَ إِن خرجت من الدَّار مَعَ فلَان فَأَنت طَالِق فَخرجت وَحدهَا أَو مَعَ غير فلَان ثمَّ خرج فلَان ولحقها لم يَحْنَث لِأَن حرف مَعَ للصحبة وَالْقرَان وَلم يُوجد عِنْد الْخُرُوج والدوام على الْخُرُوج لَيْسَ بِخُرُوج وَإِن وجد بَقَاء الْخُرُوج مَعَ فلَان وَلَو قَالَ إِن خرجت من هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت فِي صحن الدَّار أَو فِي بَيت علو أَو كنيف شَارِع إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَا يُسمى خُرُوجًا من الدَّار وَلَو قَالَ لَهَا وَهِي خَارِجَة من الدَّار إِن خرجت من الدَّار لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت فِي الدَّار فَقَالَ إِن دخلت هَذِه الدَّار لَا يَحْنَث وَيَقَع على خُرُوج وَدخُول مُسْتَأْنف وبمثله لَو قَالَ إِن قُمْت أَو قعدت أَو لبست أَو ركبت وَهِي قَاعِدَة أَو قَائِمَة أَو راكبة أَو لابسة فدامت على ذَلِك سَاعَة يَحْنَث وَهَذَا كُله مَذْهَبنَا وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج إِنَّه يَقع على الدَّوَام وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْخُرُوج هُوَ الِانْتِقَال من الْبَاطِن إِلَى الظَّاهِر وَالدُّخُول على عَكسه وَهَذَا مِمَّا لَا دوَام لَهُ وَأما الرّكُوب ونظائره فَفعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 لَهُ دوَام فَيكون لَهُ حكم الِابْتِدَاء وَكَذَا إِذا قَالَ لَهَا وَهِي فِي الْأكل وَالضَّرْب إِذا أكلت أَو ضربت فَأَنت طَالِق فدامت على ذَلِك يَقع لِأَن كل جُزْء من هَذَا الْفِعْل يُسمى أكلا وَضَربا وَلَو قَالَ لامْرَأَته وَهِي حَائِض أَو مَرِيضَة إِن حِضْت أَو مَرضت فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ يَقع على الْحَادِث فِي الْعرف وَلَو نوى مَا يحدث من الْحيض فِي هَذِه الْمدَّة أَو يزْدَاد من الْمَرَض يَصح لِأَن الْحيض ذُو أَجزَاء يحدث حَالا فحالا فَتَصِح نِيَّته وَلَو قَالَ إِن حِضْت غَدا وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا حَائِض فَإِنَّهُ يَقع على الْحيض الْحَادِث وَإِن كَانَ يعلم فَإِنَّهُ يَقع على هَذِه الْحَيْضَة إِذا دَامَ الْحيض مِنْهَا إِلَى أَن يطلع الْفجْر وَاسْتمرّ ثَلَاثَة أَيَّام لِأَنَّهُ لما علم أَنَّهَا حَائِض وَقد حلف فقد أَرَادَ اسْتِمْرَار الْحيض وَمَا لم يكن ثَلَاثَة أَيَّام لَا يكون حيضا وَلَو حلف أَن لَا يدْخل دَارا أَو بَيْتا أَو مَسْجِدا أَو حَماما فالدخول هُوَ الِانْفِصَال من خَارج ذَلِك الشَّيْء إِلَى دَاخله فعلى أَي وَجه دخل من الْبَاب أَو غَيره حنث لوُجُود الدُّخُول فَإِن نزل إِلَى سطحها حنث لِأَنَّهُ مِنْهَا وَكَذَا إِذا قَامَ على حائطها لِأَن الدَّار اسْم لما تَدور عَلَيْهِ الدائرة وَفِي عرفنَا لَا يَحْنَث وَلَو قَامَ على ظلة لَهَا شارعة أَو كنيف شَارِع إِن كَانَ مفتحه فِي الدَّار حنث لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهَا وَإِن قَامَ على أُسْكُفَّة الْبَاب إِن كَانَ الْبَاب إِذا غلق كَانَت الأسكفة خَارِجَة مِنْهُ لم يَحْنَث وَإِن بقيت من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 دَاخل الدَّار حنث وَلَو دخل دهليز الدَّار حنث لِأَنَّهُ من دَاخل الدَّار وَلَو دخل ظلة بَاب الدَّار لَا يَحْنَث لِأَنَّهَا اسْم للْخَارِج وَإِن أَدخل الْحَالِف إِحْدَى رجلَيْهِ فِي الدَّار لَا غير لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُوجد الدُّخُول مُطلقًا وَكَذَا إِذا أَدخل رَأسه دون قَدَمَيْهِ وَلَو حلف لَا يدْخل دَارا فَدخل دَارا بعد انهدامها وَلَا بِنَاء لَهَا لَا يَحْنَث وَلَو قَالَ وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار ثمَّ دَخلهَا بعد ذهَاب الْبناء يَحْنَث لِأَن الْبناء وصف مَرْغُوب مُعْتَاد للدَّار فَمَتَى ذكر مُنْكرا يَقع على الدَّار الْمُتَعَارف وَفِي الْمعِين لَا يعْتَبر الصّفة وَيعْتَبر الْمعِين وَاسم الدَّار يَقع عَلَيْهِ بعد الانهدام وَلَو قَالَ لَا أَدخل هَذَا الْمَسْجِد فَدخل بعد ذهَاب الْبناء يَحْنَث لِأَنَّهُ مَسْجِد وَإِن لم يكن مَبْنِيا وَقَالُوا إِذا صعد سطح الْمَسْجِد يَحْنَث لِأَنَّهُ مَسْجِد وَلَو حلف لَا يدْخل بَيْتا أَو هَذَا الْبَيْت فدخله بعد ذهَاب بنائِهِ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ اسْم للمبنى المسقف وَإِن حلف أَن لَا يدْخل بَيْتا فَدخل مَسْجِدا أَو الْكَعْبَة أَو بيعَة أَو كَنِيسَة أَو بَيت نَار أَو حَماما أَو دهليزا أَو ظلة بَاب دَار لَا يَحْنَث لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء لَا تسمى بَيْتا فِي الْعرف وَإِن دخل صفة يَحْنَث وَهَذَا فِي عرف أهل الْكُوفَة لِأَن الصّفة عِنْدهم بَيت لَهُ أَربع حَوَائِط أما الَّتِي هِيَ صفة فِي عرفن فَلَا يَحْنَث وَلَو حلف لَا يدْخل من بَاب هَذِه الدَّار لَا يَحْنَث مَا لم يدْخل من الْبَاب الْقَدِيم وَلَو حلف لَا يدْخل من بَاب الدَّار فَمن أَي بَاب دخل حنث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 إِلَّا إِذا أَرَادَ بِهِ الْبَاب الْمَعْرُوف فيدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء وَلَو حلف لَا يدْخل دَار فلَان فَدخل دَارا بَين رجل وَبَين فلَان فَإِن كَانَ فلَان سَاكِنا فِيهَا حنث لِأَنَّهُ لَو كَانَ سَاكِنا فِيهَا بِالْإِجَارَة يَحْنَث وَهَهُنَا أولى وَإِن لم يكن سَاكِنا لَا يَحْنَث لِأَن الدَّار مُضَافَة إِلَيْهِمَا لِأَن بعض الدَّار لَا يُسمى دَارا وَلَو حلف لَا يزرع أَرض فلَان فزرع أَرضًا بَين فلَان وَبَين آخر حنث لِأَن كل جُزْء من الأَرْض يُسمى أَرضًا وَلَو حلف لَا يدْخل بَيت فلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَدخل صحن دَاره وَفُلَان سَاكن فِيهَا لَا يَحْنَث حَتَّى يدْخل الْبَيْت وَإِن نوى بقوله لَا يدْخل بَيت فلَان مَسْكَنه يَحْنَث وَهَذَا على عرفهم وَلَو حلف لَا يدْخل هَذِه الدَّار إِلَّا مجتازا أَو عَابِر سَبِيل فَإِن دخل وَهُوَ لَا يُرِيد الْجُلُوس لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ اسْتثْنى الدُّخُول بِصفة الاجتياز وَإِن دخل يعود مَرِيضا وَمن رَأْيه الْجُلُوس عِنْده يَحْنَث لِأَن هَذَا غير مُسْتَثْنى وَإِن دخل لَا يُرِيد الْجُلُوس ثمَّ بدا لَهُ بَعْدَمَا دخل فَجَلَسَ لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يَحْنَث بِدُخُولِهِ والبقاء على الدُّخُول لَيْسَ بِدُخُول وَإِن نوى بقوله لَا يدخلهَا إِلَّا مجتازا النُّزُول فِيهَا والدوام لَا يَحْنَث بِالْجُلُوسِ لِأَنَّهُ يُقَال دخلت عَابِر سَبِيل بِمَعْنى أَنه لم يدم على الدُّخُول وَلم يسْتَقرّ وَلَو حلف لَا يسكن هَذِه الدَّار وَهُوَ خَارج مِنْهَا فالسكنى أَن يسكنهَا بِنَفسِهِ وينقل إِلَيْهَا من مَتَاعه مَا يتأثث بِهِ ويستعمله فِي منزله فَإِن كَانَ لَهُ أهل يَنْقُلهُ أَيْضا فَإِذا فعل ذَلِك فَهُوَ سَاكن وَهُوَ حانث فِي يَمِينه لِأَن السُّكْنَى هُوَ الْكَوْن فِي الْمَكَان على طَرِيق الِاسْتِقْرَار والمداومة وَذَلِكَ يكون بِمَا سكن بِهِ عَادَة أَلا ترى أَن من جلس فِي الْمَسْجِد وَبَات فِيهِ لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 يكن سَاكِنا لِلْمَسْجِدِ وَلَو أَقَامَ بِمَا يتأثث بِهِ يُوصف بِكَوْنِهِ سَاكن الْمَسْجِد فَكَانَ مُعْتَبرا فِي الْيَمين وَلَو كَانَ الرجل سَاكِنا فِي دَار وَحلف لَا يسكنهَا فَإِنَّهُ لَا يبر فِي يَمِينه مَا لم ينْتَقل بِنَفسِهِ وَأَهله وَولده ومتاعه وَمن يَأْوِيهَا لخدمته وللقيام بأَمْره فِي منزله لِأَن السُّكْنَى فِي الدَّار بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فَكَانَ ترك السُّكْنَى فِيهَا بضدها فَإِذا لم يَأْخُذ فِي النقلَة من سَاعَته مَعَ الْإِمْكَان يَحْنَث فِي يَمِينه وَلَو أَخذ فِي النقلَة من سَاعَته لَا يَحْنَث وَإِن كَانَ فِيهِ من السُّكْنَى قَلِيل لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فَكَانَ مُسْتَثْنى دلَالَة وَهَذَا عندنَا خلافًا ل زفر وَلَو انْتقل بِنَفسِهِ وَلم ينْتَقل بمتاعه وَأَهله قَالَ أَصْحَابنَا يَحْنَث وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما قُلْنَا إِن السُّكْنَى فِي الْمَكَان بِمَا يسكن بِهِ عَادَة وبأهله إِن كَانَ لَهُ أهل فَكَانَ ترك السُّكْنَى بترك الْكل بِخِلَاف مَا إِذا حلف لَا يسكن فِي بلد كَذَا فَخرج مِنْهُ وَترك أَهله فِيهِ لم يَحْنَث لِأَن فِي الْعَادة لَا يُقَال لمن بِالْبَصْرَةِ وَأَهله بِالْكُوفَةِ إِنَّه سَاكن بِالْكُوفَةِ فَأَما إِذا انْتقل بِنَفسِهِ وَأَهله ومتاعه وَترك من أثاثه شَيْئا قَلِيلا فَإِن أَبَا حنيفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ يَحْنَث وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ الْمَتَاع الْمَتْرُوك لَا يشغل بَيْتا أَو بعض الدَّار على مَا يتعارف النَّاس لَا يَحْنَث وَكَانَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله يَقُولُونَ معنى قَول أبي حنيفَة إِذا ترك شَيْئا يَسِيرا عَنى بِهِ مَا يسكن بِهِ ويعتد بِهِ فِي التأثث فَأَما لَو خلف فِيهَا وتدا أَو مكنسة لم يَحْنَث فَإِن منع من التَّحَوُّل وَمنعُوا مَتَاعه وأوتقوه وقهروه فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَإِن أَقَامَ على ذَلِك أَيَّامًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بساكن إِنَّمَا هُوَ مسكن عَن إِكْرَاه وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله إِذا خرج من سَاعَته وَخلف مَتَاعه كُله فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 الْمسكن وَمكث فِي طلب الْمنزل أَيَّامًا ثَلَاثَة فَلم يجد مَا يسْتَأْجر وَكَانَ يُمكنهُ أَن يخرج من الْمنزل وَيَضَع مَتَاعه خَارِجا من الدَّار لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا من عمل النقلَة عَادَة لِأَن الْمُعْتَاد أَن ينْتَقل من منزل إِلَى قَصده منزل لَا أَن يلقى مَتَاعه على الطَّرِيق وَقَالَ مُحَمَّد لَو كَانَ السَّاكِن مُوسِرًا وَله مَتَاع كثير وَهُوَ يقدر على أَن يسْتَأْجر من ينْقل مَتَاعه فِي يَوْم فَلم يفعل وَجعل ينْقل بِنَفسِهِ الأول فَالْأول وَمكث فِي ذَلِك سنة وَهُوَ لَا يتْرك الِاشْتِغَال بِالنَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يلْزمه الِانْتِقَال بأسرع الْوُجُوه وَلَو قَالَ عنيت بِهِ أَن لَا أسكن بنفسي فَفِي الْمَسْأَلَة الأولى فِيمَا لم يكن سَاكِنا فِيهَا يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ شدد على نَفسه وَفِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِيمَا إِذا كَانَ سَاكِنا فِيهَا يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى خلاف الظَّاهِر وَالْعَادَة وَلَو حلف لَا يدْخل عَليّ فلَان وَلم يسم شَيْئا فَإِنَّهُ يَحْنَث إِذا كَانَ يَقْصِدهُ بِالدُّخُولِ وَإِن لم يَقْصِدهُ بِالدُّخُولِ لَا يَحْنَث وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا دخل عَلَيْهِ فِي بَيت رجل آخر وَلم يَقْصِدهُ بِالدُّخُولِ لَا يَحْنَث لِأَن بِهَذَا الاستخفاف بِهِ وَترك إكرامه وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا مَعَ الْقَصْد وَذكر ابْن سَمَّاعَة فِي نوادره ضد هَذَا فَقَالَ فِي رجل قَالَ وَالله لَا أَدخل على فلَان بَيْتا فَدخل بَيْتا وعَلى قوم وَفِيهِمْ فلَان وَلَا يعلم بِهِ الْحَالِف فَإِنَّهُ حانث بِدُخُولِهِ لِأَن الشَّرْط وجد وَالْعلم بِشَرْط الْحِنْث لَيْسَ بِشَرْط فِي الْحِنْث كمن حلف لَا يكلم زيدا فَكَلمهُ وَهُوَ لَا يعرفهُ إِلَّا أَن ظَاهر الْمَذْهَب مَا ذكرنَا وَلَو دخل عَلَيْهِ فِي مَسْجِد أَو ظلة أَو سَقِيفَة أَو دهليز دَار لم يَحْنَث لِأَن الدُّخُول الْمُعْتَاد على الْإِنْسَان للزيارة فِي الْبيُوت خَاصَّة وَفِي عرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 بخاري يَحْنَث فِي الْمَسْجِد لأَنهم يَجْلِسُونَ فِيهِ للزيارة وَلَو دخل عَلَيْهِ فِي خيمة أَو فسطاط أَو بَيت شعر لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون الْمَحْلُوف عَلَيْهِ من أهل الْبَادِيَة لِأَن الدُّخُول على غير البدوي فِي الْبيُوت وَفِي حق البدوي مَا هُوَ بُيُوتهم من الشّعْر وَلَو دخل فِي دَاره وَالرجل فِي الْبَيْت لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدُخُول عَلَيْهِ وَلَو كَانَ فِي صحن الدَّار حنث لِأَنَّهُ دُخُول عَلَيْهِ عَادَة وَلَو دخل الْحَالِف دَارا لَيْسَ فِيهَا فلَان فَدخل فلَان تِلْكَ الدَّار لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ مَا دخل على فلَان بل فلَان دخل عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 بَاب الْأكل وَالشرب أصل الْبَاب أَن الْأكل إِيصَال مَا يَتَأَتَّى فِيهِ المضغ بفمه إِلَى جَوْفه مضغه أَو لم يمضغه وَالشرب إِيصَال مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ المضغ إِلَى جَوْفه حَال وُصُوله مثل المَاء والنبيذ وَاللَّبن وَالْعَسَل الممزوج والذوق هُوَ معرفَة طعم الشَّيْء المذوق بفمه بإيصال الشَّيْء إِلَيْهِ سَوَاء ابتلعه أَو مجه من فَمه فَكل أكل فِيهِ ذوق لَكِن الذَّوْق لَيْسَ بِأَكْل إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول إِذا حلف لَا يَأْكُل أَو لَا يشرب فذاق لم يَحْنَث وَإِذا حلف لَا يَذُوق طَعَاما أَو شرابًا فَأكل أَو شرب أَو أدخلهُ فِي فَمه وَعرف طعمه ثمَّ مجه حنث لوُجُود الذَّوْق وَلَو حلف لَا يَذُوق شَيْئا وعنى بِهِ أكله أَو شربه فَإِنَّهُ تصح نِيَّته وَلَا يَحْنَث بالذوق لِأَن اسْم الذَّوْق قد يَقع عَلَيْهِمَا فِي الْعرف يَقُول الرجل مَا ذقت الْيَوْم شَيْئا وَمَا ذقت إِلَّا المَاء يُرِيد بِهِ الْأكل وَالشرب وَلَو حلف لَا يَذُوق مَاء فَتَمَضْمَض فِي الْوضُوء لَا يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَن قَصده التَّطْهِير دون معرفَة الطّعْم وَلَو حلف لَا يَأْكُل طَعَاما فَإِنَّهُ يَقع على الْخبز وَاللَّحم والفاكهة وَمَا يُؤْكَل على سَبِيل الإدام مَعَ الْخبز لِأَن الطَّعَام اسْم لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 يطعم فِي اللُّغَة وَفِي الْعرف صَار اسْما لما يُؤْكَل بِنَفسِهِ أَو مَعَ غَيره عَادَة وَكَذَا إِذا حلف لَا يَأْكُل من طَعَام فلَان فَأكل شَيْئا مِمَّا ذكرنَا من طَعَام فلَان يَحْنَث وَلَو أَخذ نَبِيذ فلَان أَو مَاءَهُ فَأكل بِخبْز نَفسه لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا يُسمى آكلا طَعَام نَفسه عَادَة وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذَا اللَّبن فَأَكله مَعَ الْخبز حنث لِأَن اللَّبن هَكَذَا يُؤْكَل عَادَة وَلَو شربه لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِأَكْل وَلَو حلف لَا يَأْكُل الرُّمَّان أَو الْعِنَب فمصه وَرمى تفله وابتلع مَاءَهُ لَا يَحْنَث وَلَو ابتلع الْعِنَب أَو الرمانة من غير مضغ يَحْنَث لِأَن الأول شرب وَالثَّانِي أكل وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذَا اللَّبن فَأكل مِمَّا يتَّخذ مِنْهُ من الْجُبْن والأقط وَنَحْوهمَا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير فَلَا يبْقى لَهُ اسْم الْعين وَكَذَا إِذا حلف لَا يَأْكُل هَذَا الكفري فَصَارَ بسرا أَو من هَذَا الْبُسْر فَصَارَ رطبا أَو رطبا فَصَارَ تَمرا لِأَنَّهُ تغير الأول وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذِه الْبَيْضَة فَأكل من فرخ خرج مِنْهَا أَو حلف لَا يشرب من هَذَا الْخمر فَصَارَ خلا فَشرب لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ تغير عَن أَصله وَلَو حلف لَا يَأْكُل من لحم هَذَا الْجمل أَو هَذَا الجدي فَصَارَ كَبْشًا أَو تَيْسًا فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَن الْعين قَائِمَة لم تَتَغَيَّر وَالْيَمِين وَقعت على الذَّات الْمعينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وَكَذَا فِي غير هَذَا إِذا حلف لَا يكلم هَذَا الشَّاب فَكَلمهُ بعد مَا شاخ حنث لِأَن الْعين لم تَتَغَيَّر وَلَو حلف لَا يكلم شَابًّا فَكلم شَيخا لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين تقع على مَوْصُوف مُنكر فَيكون الصّفة بِمَنْزِلَة الشَّرْط وَلَو حلف لَا يَذُوق من هَذَا اللَّبن شَيْئا فصب فِيهِ مَاء فذاقه رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه إِن بَقِي لون اللَّبن وطعمه يَحْنَث وَإِن كَانَ اللَّبن أقل وَلَو ذهب طعمه ولونه لَا يَحْنَث وَإِن كَانَ اللَّبن أَكثر فَاعْتبر فِي الْغَلَبَة ظُهُور اللَّوْن والطعم دون كَثْرَة الْأَجْزَاء وَذكر مُحَمَّد رَحمَه الله فِي الأَصْل هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالَ إِذا كَانَ اللَّبن مَغْلُوبًا لَا يَحْنَث وَظَاهره يَقْتَضِي غَلَبَة الْأَجْزَاء فَأَما إِذا اخْتَلَط الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِجِنْسِهِ أَن اخْتَلَط اللَّبن الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِلَبن آخر من جنسه فَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ اللَّبن الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مَغْلُوبًا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ فِي معنى الْمُسْتَهْلك وَقَالَ مُحَمَّد يَحْنَث وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا لِأَن الشَّيْء لَا يصير مُسْتَهْلكا بِجِنْسِهِ وَإِنَّمَا يصير مُسْتَهْلكا بِخِلَاف جنسه وَذكر فِي الأَصْل رجل حلف لَا يَأْكُل سمنا فَأكل سويقا لته بِسمن وَلَا نِيَّة لَهُ إِن كَانَ يستبين السّمن فِي السويق فيوجد طعمه يَحْنَث وَإِلَّا فَلَا لما قُلْنَا وَمُحَمّد إِنَّمَا لم يَجْعَل خلط الجنسين استهلاكا إِذا كَانَ الْجِنْس وَالنَّوْع وَالصّفة وَاحِدًا وَأما إِذا اخْتلف النَّوْع كلبن الضَّأْن وَلبن الْمعز أَو اخْتلفت الصّفة كَالْمَاءِ العذب بِالْمَاءِ المالح فَإِنَّهُ يَجعله استهلاكا وَيعْتَبر فِيهِ الْغَلَبَة كَمَا فِي الجنسين وَإِذا حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأَي لحم يَأْكُل حنث سوى لحم السّمك لِأَنَّهُ نَاقص فِي معنى اللحمية وَلَو أكل شَحم الظّهْر يَحْنَث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 لِأَنَّهُ لحم سمين وَلَو أكل شَحم الْبَطن والإلية لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُسمى لَحْمًا وَلَو نوى يَحْنَث لِأَن فِيهِ معنى اللَّحْم من وَجه وَهُوَ الدسومة وَفِي لحم السّمك إِذا نوى يَحْنَث لِأَنَّهُ لحم نَاقص وَلَو أكل مَا فِي الْبُطُون سوى شَحم الْبَطن يَحْنَث وَهَذَا فِي عرفهم لِأَن يُبَاع مَعَ اللَّحْم وَأما فِي الْموضع الَّذِي لَا يُبَاع مَعَ اللَّحْم لَا ينْصَرف يَمِينه إِلَيْهِ فَلَا يَحْنَث وَلَو أكل لحم خِنْزِير أَو لحم إِنْسَان أَو ميتَة يَحْنَث لِأَنَّهُ لحم حَقِيقَة وَإِن كَانَ حَرَامًا وَلَو أكل لحم الرَّأْس من الْحَيَوَانَات سوى السّمك يَحْنَث لِأَنَّهُ لحم عُضْو من الْحَيَوَان وَلَو حلف لَا يَأْكُل شحما فَأكل شَحم الظّهْر لَا يَحْنَث عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما لِأَنَّهُ لحم سمين وَلَكِن يَقع الْيَمين على شَحم الْبَطن وَلَو حلف لَا يَأْكُل رَأْسا أَو لَا يَشْتَرِي إِن نوى الرؤوس كلهَا انْصَرف إِلَيْهَا لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه وشدد على نَفسه وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة قَالَ أَبُو حنيفَة يَقع على رَأس الْغنم وَالْبَقر وَعند زفر على رَأس الْإِبِل أَيْضا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله يَقع على رَأس الْغنم خَاصَّة وَقيل هَذَا اخْتِلَاف عصر وزمان وَيعْتَبر الْعرف وَالْعَادَة فِي كل بلد وَإِذا حلف لَا يَأْكُل بيضًا فَإِن نوى بيض كل شَيْء يَقع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه وَفِيه تَشْدِيد وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة ينْصَرف إِلَى بيض الطير والدجاج والأوز بِدلَالَة الْعرف وَلَو حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 فِي وَجه يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنه يَقع على ثَمَرَة كل شجر سوى الْعِنَب وَالرّطب وَالرُّمَّان وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الرطب واليابس لِأَنَّهَا اسْم لما يتفكه بِهِ ويؤكل قبل الْمَائِدَة وَبعدهَا وَفِي وَجه لَا يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَن يَأْكُل القثاء وَالْخيَار والخوخ والجزر لِأَنَّهَا تُؤْكَل مَعَ الْبُقُول وَفِي وَجه اخْتلفُوا فِيهِ وَهُوَ الْعِنَب وَالرّطب وَالرُّمَّان فَإِذا لم يكن لَهُ نِيَّة فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يَحْنَث وَعِنْدَهُمَا يَحْنَث وَإِن نوى هَذِه الْأَشْيَاء عِنْد الْحلف يَحْنَث بِالْإِجْمَاع ومشايخنا قَالُوا هَذَا اخْتِلَاف عرف وزمان وَكَانَ فِي زمن أبي حنيفَة لَا يعدونها من جملَة الْفَوَاكِه فَأفْتى على عرف زَمَانه وَتغَير الْعرف فِي زمانهما وَفِي عرفنَا يَنْبَغِي أَن يَحْنَث فِي يَمِينه أَيْضا وَلَو حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة يابسة فَأكل الْجَوْز واللوز والتين وَنَحْوهَا يَحْنَث وَفِي عرفنَا فِي الْجَوْز لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يتفكه بالجوز الْيَابِس وَإِذا حلف لَا يَأْكُل حلواء أَو حلوا أَو حلاوة فَأكل السكر والفانيذ وكل شَيْء فِيهِ حلاوة وَلَيْسَ من جنسه حامض يَحْنَث الْمُتَّخذ وَغير الْمُتَّخذ سَوَاء كالفالوذج والخبيص والناطف وَلَو أكل شَيْئا حلوا من جنسه حامض مثل الْعِنَب وَالرُّمَّان الحلو والتفاح الحلو لَا يَحْنَث وَهَذَا فِي عرفهم وَفِي عرفنَا إِذا كَانَ الْيَمين على الْحَلَاوَة والحلو فَكَذَلِك فَأَما فِي الْحَلْوَاء فَيَقَع على الْمَصْنُوع من الْحَلَاوَة وَحدهَا أَو مَعَ غَيرهَا كالخبيص والناطف فَلَا يَقع على السكر والفانيذ على الِانْفِرَاد وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْحِنْطَة يَقع على أكل عينهَا مقلية ومطبوخة وَلَا يَقع على الْخبز وَمَا يتَّخذ من الدَّقِيق وعَلى قَوْلهمَا يَقع على مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 يتَّخذ مِنْهَا وَلَو أكل من عينهَا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ وأصل الْمَسْأَلَة أَن الْكَلَام إِذا كَانَ لَهُ حَقِيقَة مستعملة ومجاز مُتَعَارَف فَالْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أولى عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا الْعَمَل بِعُمُوم الْمجَاز أولى وَهَذَا مِمَّا يعرف فِي الْجَامِع الْكَبِير فِيمَن حلف لَا يشرب من الْفُرَات أَو من هَذَا النَّهر فَعِنْدَ أبي حنيفَة يَقع على الشّرْب كرعا حَتَّى لَو اغترف بِإِنَاء أَو بِيَدِهِ لَا يَحْنَث وَعِنْدَهُمَا يَقع عَلَيْهِمَا لعُمُوم الْمجَاز وَلَو حلف لَا يشرب من الْجب أَو الْبِئْر وَهُوَ غير ملآن فَشرب بِيَدِهِ أَو بإنائه يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُمكن الشّرْب مِنْهُ كرعا وَلَو حلف لَا يَأْكُل من هَذَا الدَّقِيق فَأكل مِمَّا يتَّخذ مِنْهُ يَحْنَث لِأَن عينه لَا يُؤْكَل وعَلى هَذَا الأَصْل إِذا حلف لَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة فَأكل من ثَمَرَتهَا يَحْنَث لِأَن عينهَا لَا تُؤْكَل وَلَو حلف لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يلبس وَنوى طَعَاما خَاصّا وَشَرَابًا خَاصّا وثوبا خَاصّا فَإِنَّهُ لَا يصدق لِأَنَّهُ نوى خلاف مُقْتَضى كَلَامه وَلَا عُمُوم لَهُ وَلَو قَالَ لَا آكل طَعَاما وَلَا ألبس ثوبا وَنوى طَعَاما بِعَيْنِه وثوبا بِعَيْنِه يصدق لِأَنَّهُ نوى تَخْصِيص الملفوظ وَلَو حلف لَا يَأْكُل إدَامًا فَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه إِن أكل مَا يصطبغ بِهِ ويلتزق بالخبز كالزيت والخل يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تصير تبعا للخبز وَلَا تُؤْكَل مَقْصُودَة بِنَفسِهَا والإدام اسْم لهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وَإِن أكل مَعَ الْخبز عنبا وَسَائِر الْفَوَاكِه أَو الْبُقُول لَا يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَل إدَامًا مَقْصُودا بل هِيَ تبع للْأَكْل مَعَ الإدام وَإِن أكل مَعَ الْخبز الْجُبْن وَاللَّحم وَالْبيض فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يَحْنَث وَلَا يكون ذَلِك إدَامًا وَلَو أكل الْخبز مَعَ اللَّحْم يَحْنَث لِأَنَّهُ تبع وَلَو أكل الْأرز والعصائد لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ يُؤْكَل مَقْصُودا فِي الْعرف وَإِن كَانَ فِي مَوضِع يُؤْكَل تبعا للخبز يكون إدَامًا عِنْد مُحَمَّد وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو حلف لَا يَأْكُل شواء وَنوى أكل كل مشوي يَحْنَث لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة ينْصَرف إِلَى اللَّحْم المشوي لِأَن الِاسْم لَهُ عَادَة وَلَو حلف لَا يَأْكُل طبيخا وَلَا نِيَّة لَهُ ينْصَرف إِلَى اللَّحْم الْمَطْبُوخ وَإِلَى المرقة المتخذة مِنْهُ لما فِيهَا من أَجزَاء اللَّحْم لِأَن الطبيخ فِي الْعرف اسْم لهَذَا وَالْعبْرَة للْعُرْف فِي الْبَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 بَاب من الْيَمين على أَشْيَاء مُخْتَلفَة فِي الْبَاب فُصُول مُخْتَلفَة ومسائل مُتَفَرِّقَة إِذا قَالَ الرجل عَبده حر إِن وهبت لفُلَان شَيْئا أَو تَصَدَّقت عَلَيْهِ أَو أعرته أَو أَعْطيته أَو نحلته أَو أَقْرَضته ثمَّ فعل ذَلِك وَلم يقبل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْنَث وَإِن حلف على عقد فِيهِ بدل مثل البيع وَالْإِجَارَة وَالصرْف وَالسّلم وَنَحْوهَا فَفعل الْحَالِف وَلم يقبل الآخر لَا يَحْنَث لِأَن الأول تمْلِيك من أحد الْجَانِبَيْنِ إِلَّا أَن الْقبُول شَرط لثُبُوت الحكم فِي حَقه فقد وجد مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم فَيحنث والفصل الثَّانِي تمْلِيك من الْجَانِبَيْنِ لُغَة وَشرعا فَلَا يتَحَقَّق الِاسْم إِلَّا بِوُجُود الْإِيجَاب من أَحدهمَا وَالْقَبُول من الآخر وَلَو بَاعَ بيعا فَاسِدا يملك بِهِ إِذا قبض أَو صَحِيحا وَقبل يَحْنَث لِأَن اسْم البيع لُغَة يَقع على الْفَاسِد وَالصَّحِيح جَمِيعًا وَلَو بَاعَ بيعا فِيهِ خِيَار البَائِع أَو المُشْتَرِي حنث عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ مَعَ الْخِيَار لَا ينْعَقد سَببا وَمُحَمّد يَقُول إِنَّه انْعَقَد سَببا لَكِن تَأَخّر حكمه فَهُوَ كَالْبيع الْفَاسِد وَلَو قَالَ وَالله لَا أَتزوّج الْيَوْم وَلَا نِيَّة لَهُ فَتزَوج نِكَاحا فَاسِدا لَا يَحْنَث اسْتِحْسَانًا لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الْحل فِي العقد الْمُضَاف إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الْمُسْتَقْبل فيقيد بِالصَّحِيحِ بِخِلَاف البيع لِأَن الْمَقْصُود ثمَّ هُوَ الْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَكَذَلِكَ إِذا حلف لَا يُصَلِّي يَقع على الصَّحِيح لِأَن الْمَقْصُود هُوَ التَّقَرُّب وَلَا يحصل فِي الْفَاسِد أما إِذا حلف فِي الْمَاضِي بِأَن قَالَ وَالله مَا تزوجت أَو مَا صليت فَإِنَّهُ يَقع على الْفَاسِد أَيْضا لِأَن الْغَرَض هُوَ الْإِخْبَار وَالِاسْم يَقع عَلَيْهِمَا وَلَو حلف لَا يُصَلِّي فَكبر وَدخل فِي الصَّلَاة لَا يَحْنَث مَا لم يُقيد بِالسَّجْدَةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَفعَال مُخْتَلفَة فَمَا لم يُوجد الْكل لَا يُسمى مُصَليا وَلَو حلف لَا أُصَلِّي صَلَاة لَا يَحْنَث مَا لم يصل رَكْعَتَيْنِ لِأَن أدنى الصَّلَاة رَكْعَتَانِ وَلَو حلف لَا يُصَلِّي الظّهْر لَا يَحْنَث مَا لم يقْعد الْقعدَة الْأَخِيرَة لِأَن صَلَاة الظّهْر مقدرَة بالأربع وَلَو حلف لَا يَصُوم فَأصْبح صَائِما يَحْنَث لِأَنَّهُ يُسمى صَائِما وَلَو حلف لَا يَصُوم صوما لم يَحْنَث مَا لم يصم الْيَوْم لِأَن أقل الصَّوْم الشَّرْعِيّ يَوْم كَامِل وَلَو حلف لَا يحجّ أَو لَا يحجّ حجَّة لَا يَحْنَث حَتَّى يطوف طواف الزِّيَارَة لِأَن الْحَج عبارَة عَن أَجنَاس أَفعَال فَيكون اسْم الْحَج وَاقعا على الْكل حَقِيقَة لَا على الْبَعْض وللأكثر حكم الْكل وَلَو حلف لَا يعْتَمر وَأحرم فَطَافَ أَرْبَعَة أَشْوَاط حنث لِأَنَّهُ وجد الْأَكْثَر وَلَو جَامع حَتَّى فسد الْحَج لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين انْعَقَدت على الْحَج الَّذِي هُوَ قربَة وَالْفَاسِد لَيْسَ بقربة وَكَذَلِكَ إِذا حلف لَا يَصُوم صوما ثمَّ أفطر لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يُوجد الصَّوْم التَّام وَلَو حلف لَا يَصُوم فصَام سَاعَة ثمَّ أفطر يَحْنَث لِأَن الْحِنْث قد حصل بِصَوْم سَاعَة فبالإفطار لَا يبطل الْحِنْث وَإِن فسد الصَّوْم من الأَصْل وَلَو حلف ليفطرن عِنْد فلَان فَأفْطر بِالْمَاءِ فِي منزله ثمَّ تعشى عِنْد فلَان حنث لِأَن شَرط بره الْإِفْطَار عِنْد فلَان وَهُوَ اسْم لما يضاد الصَّوْم وَذَلِكَ حصل فِي منزله بِالْمَاءِ وَإِن نوى بِهِ الْعشَاء عِنْد فلَان لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ نوى بِهِ الْمُتَعَارف يُقَال فلَان يفْطر عِنْد فلَان إِذا كَانَ يتعشى عِنْده وَإِن كَانَ أصل الْفطر يَقع فِي منزله وَإِذا حلف لَا يلبس من غزل فُلَانَة شَيْئا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوبا قد غزلته فُلَانَة يَحْنَث فِي يَمِينه لِأَن الْغَزل عينه لَا يلبس فَيَقَع على مَا يصنع مِنْهُ وَهُوَ الثَّوْب وَلَو نوى الْغَزل بِعَيْنِه لَا يَحْنَث إِذا لبس ذَلِك الثَّوْب لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا من غزل فُلَانَة يَقع على الثَّوْب وَلَو نوى الْغَزل لَا يصدق وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا من غزلها وغزل غَيرهَا لَا يَحْنَث لِأَن الثَّوْب اسْم لشَيْء مُقَدّر فَلَا يَقع على بعضه وَلَو حلف لَا يلبس من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا من غزلها وغزل غَيرهَا حنث لِأَن الْبَعْض يُسمى غزلا وَلَو حلف لَا يلبس من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا دخاريصه أَو تلابيبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 من غزل فُلَانَة يَحْنَث لِأَن هَذَا الْقدر صَار ملبوسا من غزلها بِلبْس الثَّوْب وَلَو لبس زرا وَعُرْوَة من غزلها لَا يَحْنَث لِأَن الزر لَا يصير ملبوسا بِلبْس الْقَمِيص وَلَو لبس تكة من غزلها لَا يَحْنَث عِنْد أبي يُوسُف لِأَنَّهُ يُقَال شدّ التكة وَلَا يُقَال لبس وَعند مُحَمَّد يَحْنَث وَلَو حلف لَا يلبس مِمَّا يَشْتَرِيهِ فلَان فَاشْتَرَاهُ فلَان مَعَ غَيره لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لبس بعض ثوب اشْتَرَاهُ فلَان لَا كُله وَلَو حلف لَا يَأْكُل مِمَّا يَشْتَرِيهِ فلَان فَاشْتَرَاهُ فلَان مَعَ غَيره فَأكل مِنْهُ حنث لِأَنَّهُ قد أكل مَا اشْتَرَاهُ فلَان لِأَنَّهُ يَقع مَعَ الْبَعْض وَلَو حلف لَا يلبس من نسج فلَان فنسجه فلَان مَعَ غَيره يَحْنَث وَلَو قَالَ لَا يلبس من ثوب نسجه فلَان لَا يَحْنَث إِذا نسجه مَعَ غَيره لما قُلْنَا وَلَو حلف لَا يَأْكُل من طبيخ فلَان فَأكل مِمَّا طبخ فلَان وَغَيره حنث لِأَن كل جُزْء من الطبيخ طبيخ وَلَو قَالَ لَا آكل من قدر طبخها فلَان فَأكل مِمَّا طبخ فلَان مَعَ غَيره لَا يَحْنَث لِأَن كل جُزْء من الْقدر لَيْسَ بِقدر وَلَو قَالَ لَا آكل خبز فلَان فَأكل خبْزًا مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 حنث لِأَن كل جُزْء يُسمى خبْزًا وَلَو حلف لَا يَأْكُل لفُلَان رغيفا فَأكل رغيفا مُشْتَركا لَا يَحْنَث لِأَن بعضه لَا يُسمى رغيفا وَلَو حلف لَا يَأْكُل مِمَّا خبز فلَان وَمِمَّا طبخ فالخباز هُوَ الَّذِي يضْرب الْخبز فِي التَّنور دون من عجنه وَبسطه والطابخ هُوَ الَّذِي يُوقد النَّار دون الَّذِي ينصب الْقدر وَيصب المَاء وَاللَّحم فِيهِ وَإِنَّمَا ذَلِك مقدماته لِأَن الطَّبْخ مَا ينضج بِهِ اللَّحْم وَذَلِكَ يحصل بالإيقاد وَلَو حلف لَا يَأْكُل من كسب فلَان فالكسب مَا يصير ملكا للْإنْسَان بِفِعْلِهِ أَو بقوله مثل الِاسْتِيلَاء والاصطياد وَالْبيع وَغَيرهَا لِأَنَّهُ لَا بُد من الْقبُول فِي حق الحكم فِي الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة الَّتِي يثبت بهَا الْملك فَأَما الْمِيرَاث فَلَيْسَ بكسب لِأَنَّهُ يثبت بِهِ الْملك من غير صنعه وَلَو مَاتَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَترك أكسابه فورثه الْحَالِف فَأكل حنث لِأَنَّهُ أكل من أكساب الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يصير كسبا للْوَارِث فَلم تَنْقَطِع الْإِضَافَة عَن الأول وَلَو بَاعَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كَسبه من رجل فَأكل مِنْهُ الْحَالِف لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ صَار كسبا للْمُشْتَرِي فَانْقَطَعت الْإِضَافَة عَن الأول وَإِن حلف لَا يجلس على الأَرْض فَجَلَسَ على شَيْء حَائِل بَينه وَبَين الأَرْض كالبوري والبساط فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ يُقَال جلس على الْبسَاط دون الأَرْض وَلَو جلس على ثِيَابه حنث لِأَنَّهَا تبع للجالس سمي جَالِسا على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 الأَرْض لَا على ثِيَابه وَلَو حلف لَا يجلس على هَذَا الْفراش فَجعل فَوْقه بساطا آخر فَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ انْقَطَعت الْإِضَافَة عَن الأول وَلَو حلف لَا يجلس على هَذَا الْفراش أَو لَا ينَام فَجعل فَوْقه فراشا آخر فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَث عِنْد مُحَمَّد لما قُلْنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث لِأَنَّهُ يحصل بِهِ زِيَادَة تَوْطِئَة ولين فيكونان مقصودين بِالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا وَأَجْمعُوا أَنه إِذا حلف لَا يجلس على الْفراش فَجعل فَوْقه محبسا أَو قراما حنث لِأَنَّهُ تبع للْفراش وَلَو حلف لَا يجلس على هَذَا السرير أَو الدّكان أَو السَّطْح فَجعل فَوْقه مصلى أَو فراشا أَو بساطا ثمَّ جلس عَلَيْهِ حنث لِأَن السرير يجلس عَلَيْهِ هَكَذَا غَالِبا وَلَو جعل فَوق السرير سريرا أَو فَوق السَّطْح سطحا آخر لَا يَحْنَث لِأَن الْجُلُوس يُضَاف إِلَى الثَّانِي دون الأول وَلَو نوى الْجُلُوس على اللَّوْح وَالْأَرْض والسطح يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الْمُعْتَاد وَإِن كَانَ حَقِيقَة وَلَو حلف لَا يجلس على أَلْوَاح هَذَا السرير فَجَلَسَ على بِسَاط فَوْقه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يجلس على اللَّوْح وَلَو حلف لَا يجلس على الأَرْض فَجَلَسَ على صحن السَّطْح يَحْنَث لِأَن ذَلِك يُسمى أَرض السَّطْح وَلَو حلف لَا يفعل كَذَا فَأمر غَيره فَفعل ينظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 إِن كَانَ فعلا لَهُ حُقُوق تتَعَلَّق بالفاعل فَإِنَّهُ يشْتَرط وجود الْفِعْل من الْفَاعِل حَقِيقَة وَلَا يقوم فعل الْمَأْمُور مقَام فعل الْآمِر كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَالْقِسْمَة لِأَن حُقُوق هَذِه الْعُقُود تخْتَص بالعاقد الْمُبَاشر دون الْآمِر وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْوَكِيل إِذا كَانَ هُوَ الْحَالِف يَحْنَث لِأَن حُقُوق العقد رَاجِعَة إِلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ الْحَالِف مِمَّن لَا يَلِي هَذِه الْأَفْعَال بِنَفسِهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَان وَنَحْوهمَا وَإِن كَانَ فعلا لَا يتَعَلَّق حُقُوقه بالعاقد وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بالآمر أَو لَيْسَ لَهُ حُقُوق كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْكِتَابَة وَالضَّرْب وَالذّبْح وَالْقَتْل وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْكِسْوَة وَالْقَضَاء والاقتضاء وَالْخُصُومَة وَالشَّرِكَة بِأَن قَالَ لَا أشارك فلَانا فَأمر إنْسَانا بِأَن يُشَارك مَعَ فلَان ويعقد مَعَه عقد الشّركَة نِيَابَة عَنهُ إِذا فعل هَذِه الْأَفْعَال بِنَفسِهِ أَو أَمر غَيره فَفعل يَحْنَث وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الصُّلْح رِوَايَتَانِ فَإِن قَالَ فِيمَا لَا يتَعَلَّق حُقُوقه بالمباشر نَوَيْت أَن أباشر ذَلِك بنفسي قَالَ فِي الْجَامِع الصَّغِير يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى دون الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى غير الظَّاهِر وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا حلف لَا يضْرب عَبده أَو لَا يذبح شاته فَأمر إنْسَانا أَن يفعل ذَلِك فَفعل وَقَالَ عنيت أَن أباشر ذَلِك بنفسي فَإِنَّهُ يصدق فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه وَلَو حلف لَا يَشْتَرِي دَابَّة أَو لَا يركب دَابَّة فَهِيَ على مَا يركبه النَّاس فِي حوائجهم وَهُوَ الْفرس وَالْحمار والبغل دون الْبَقر وَالْإِبِل لِأَنَّهَا فِي حَقِيقَة اللُّغَة اسْم لما يدب على وَجه الأَرْض وَإنَّهُ غير مُرَاد فَكَانَ المُرَاد مَا هُوَ الْمُعْتَاد عِنْد النَّاس وَلَو حلف لَا يركب فرسا فَهُوَ على الْعَرَبِيّ لَا غير والبرذون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 يَقع على الأعجمي وَالْخَيْل اسْم جنس يَقع عَلَيْهِمَا وَلَو حلف لَا يركب مركبا وَلَا نِيَّة لَهُ فَهُوَ على كل مَا يركب من السَّفِينَة وَالدَّوَاب وَغَيرهَا وَهَذَا فِي عرفهم وَأما فِي عرفنَا فَيَقَع على الْفرس وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا فناداه من بعيد وَهُوَ حَاضر فِي مَكَان بعيد فَإِن كَانَ فِي مَوضِع لَو أصغى إِلَيْهِ أُذُنه يسمعهُ فَإِنَّهُ يَحْنَث فِي يَمِينه وَإِن لم يسمعهُ لاشتغاله بِأَمْر آخر وَإِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يسمعهُ لبعده فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَكَذَا إِذا كَانَ أَصمّ بِحَيْثُ لَو أصغى إِلَيْهِ أُذُنه لَا يسمع لَا يَحْنَث لِأَن تكليم فلَان عبارَة عَن إسماع كَلَامه إِيَّاه إِلَّا أَن الإسماع أَمر بَاطِن فأقيم السَّبَب الظَّاهِر مقَامه وَهُوَ مَا ذكرنَا وَلَو كَانَ نَائِما فناداه حَتَّى أيقظه حنث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ أسمعهُ كَلَامه وَإِن لم يوقظه لَا يَحْنَث وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الْإِنْسَان لَا يعد مكلما للنائم إِذا لم يتيقظ بِكَلَامِهِ كَمَا لَا يعد متكلما مَعَ الْغَائِب وَلَو سلم على قوم والمحلوف عَلَيْهِ فيهم حنث فِي يَمِينه لِأَنَّهُ كَلمه وكلم غَيره أَيْضا فَإِن قصد بِالسَّلَامِ عَلَيْهِم دونه تصح نِيَّته فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لِأَنَّهُ نوى تَخْصِيص كَلَامه وَلَو سلم فِي الصَّلَاة والمحلوف عَلَيْهِ مَعَه فِي الصَّلَاة فَإِن كَانَ الْحَالِف إِمَامًا ينظر إِن كَانَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ على يَمِينه لَا يَحْنَث لِأَن التسليمة الأولى كَلَام فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ بهَا يخرج عَن الصَّلَاة وَلَا تفْسد الصَّلَاة فَلَا يكون من كَلَام النَّاس وَإِن كَانَ على يسَاره فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَإِن كَانَ الْحَالِف مقتديا فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف كَذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 لِأَن الْمُقْتَدِي لَا يصير خَارِجا عَن الصَّلَاة بِسَلام الإِمَام عِنْدهمَا وعَلى قَول مُحَمَّد يَحْنَث كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ صَار خَارِجا عَن صلَاته بِسَلام الإِمَام فَوجدَ كَلَامه خَارج الصَّلَاة مَعَ فلَان فَيحنث وَلَو كَاتب فلَانا أَو أَشَارَ إِلَيْهِ بالإصبع فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِكَلَام وَلَو حلف لَا يتَكَلَّم الْيَوْم وَلَا نِيَّة لَهُ فصلى وَكبر وَقَرَأَ وَسبح لَا يَحْنَث اسْتِحْسَانًا لِأَن هَذَا لَا يُسمى كَلَام النَّاس فِي الْعرف وَلَو قَرَأَ خَارج الصَّلَاة أَو سبح أَو هلل أَو كبر يَحْنَث عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن هَذَا كَلَام حَقِيقَة لَكِن حَالَة الصَّلَاة مُسْتَثْنَاة بِدلَالَة الْحَال وَقيل هَذَا فِي عرفهم وَأما فِي عرفنَا فَلَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَا يُسمى متكلما كَمَا فِي الصَّلَاة وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا عَاجلا أَو آجلا فالعاجل يَقع على أقل من الشَّهْر وَالْأَجَل يَقع على الشَّهْر فَصَاعِدا وَلَو حلف لَا يكلمهُ إِلَى بعيد وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِنَّهُ يَقع على أَكثر من الشَّهْر وَلَو قَالَ إِلَى قريب يَقع على الشَّهْر فَمَا دونه وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا أَيَّامًا كَثِيرَة فعلى قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يَقع على الْعشْرَة وعَلى قَوْلهمَا يَقع على سَبْعَة أَيَّام وعَلى هَذَا الْخلاف لَو حلف لَا يكلم فلَانا لأيام عِنْد أبي حنيفَة يَقع على الْعشْرَة وَعِنْدَهُمَا على سَبْعَة وَلَو حلف لَا يكلمهُ أَيَّامًا فَفِي رِوَايَة الْجَامِع يَقع على ثَلَاثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 أَيَّام وَفِي رِوَايَة كتاب الْأَيْمَان يَقع على الْعشْرَة عِنْده وَعِنْدَهُمَا على سَبْعَة وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا حلف أَن لَا يكلمهُ الشُّهُور أَو السنين (بِالْألف وَاللَّام) فَعِنْدَ أبي حنيفَة يَقع على عشرَة وَعِنْدَهُمَا فِي الشُّهُور يَقع على اثْنَي عشر شهرا وَفِي السنين يَقع على الْأَبَد وَلَو حلف لَا يكلمهُ شهورا أَو أشهر فعلى ثَلَاثَة أشهر بالِاتِّفَاقِ وَلَو حلف لَا يكلمهُ جمعا أَو الْجمع فَفِي الْمُنكر يَقع على ثَلَاثَة بالِاتِّفَاقِ وَفِي الْمُعَرّف عِنْد أبي حنيفَة على عشرَة جمع وَعِنْدَهُمَا على جمع الْأَبَد وَالْأَصْل عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله أَن الْمُعَرّف يَقع على الْجِنْس وَعِنْدَهُمَا على الْمَعْهُود إِن كَانَ وَإِلَّا فَيَقَع على الْكل وَفِي الْمُنكر يَقع على أقل الْجمع بِالْإِجْمَاع وَهُوَ ثَلَاثَة وَلَو حلف لَا يكلمهُ دهرا أَو الدَّهْر فعندهما يَقع فِي الْمُنكر على سِتَّة أشهر وَفِي الْمُعَرّف يَقع على الْعُمر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن كَانَ لَهُ نِيَّة فعلى مَا نوى وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَمَا أَدْرِي مَا الدَّهْر وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا خلاف فِي الدَّهْر أَنه على الْأَبَد وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا أَدْرِي مَا الدَّهْر إِذا قَالَ دهرا وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا حينا أَو زَمَانا أَو الْحِين أَو الزَّمَان فَإِنَّهُ يَقع على سِتَّة أشهر لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِي أَرْبَعِينَ سنة وَفِي الزَّمَان الْقَلِيل أَيْضا يسْتَعْمل وَيسْتَعْمل فِي سِتَّة أشهر فَحمل على سِتَّة أشهر لأَنا لَا نعلم أَنه لَا يُرِيد بِهِ الْقَلِيل وَالْكثير فَحمل على الْوسط وَلَو حلف ليضربن عَبده عشرَة أسواط فَجمع عشرَة أسواط وضربه مرّة وَاحِدَة وَأصَاب الْجَمِيع جلده لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ ضربه عشرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 أسواط فَأَما إِذا لم يصب كل سَوط جلده فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُسمى ضَارِبًا عشرَة أسواط وَلَو حلف لَا يقتل فلَانا فِي الْمَسْجِد أَو يضْربهُ أَو لَا يَرْمِي إِلَيْهِ أَو لَا يشتمه فَكل فعل لَهُ أثر فِي الْمَفْعُول يعْتَبر وجود الْأَثر وَيتَعَلَّق بمَكَان الْمَفْعُول وَإِن لم يكن لَهُ أثر يعْتَبر مَكَان الْفَاعِل فَفِي الْقَتْل وَالضَّرْب وَالرَّمْي يعْتَبر مَكَان الْمَفْعُول حَتَّى لَو كَانَ الْفَاعِل خَارج الْمَسْجِد وَالْمَفْعُول فِي الْمَسْجِد يَحْنَث وَلَو كَانَ على عَكسه لَا يَحْنَث وَفِي الشتم لَو كَانَ الشاتم خَارج الْمَسْجِد والمشتوم فِي الْمَسْجِد لَا يَحْنَث وعَلى عَكسه يَحْنَث وَلَو قَالَ لَا أَتزوّج فِي مَكَان كَذَا أَو فِي يَوْم كَذَا فَزَوجهُ الْفُضُولِيّ امْرَأَة فِي مَكَان آخر أَو فِي يَوْم آخر فَبَلغهُ الْخَبَر فَأَجَازَهُ فِي الْمَكَان الَّذِي حلف وَفِي الْيَوْم الَّذِي حلف يَحْنَث وَيعْتَبر مَكَان الْإِجَازَة لِأَن لَهُ أثرا وَهُوَ الحكم وَكَذَا فِي البيع وَالشِّرَاء يعْتَبر مَكَان الْإِجَازَة وَيَوْم الْإِجَازَة وَقَالَ مُحَمَّد فِي العقد الشَّرْعِيّ يعْتَبر مَكَان الْفَاعِل وزمانه وَفِي الْقَتْل كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف لِأَن الحكم يثبت من وَقت العقد وَلَو حلف لَا يدْخل هَذَا الْفسْطَاط وَهُوَ مَضْرُوب فِي مَكَان فَقلع وَضرب فِي مَكَان آخر فدخله حنث لِأَن الْيَمين يَقع على الْعين وَالْعين بَاقٍ وَلَو حلف لَا يجلس إِلَى هَذِه الأسطوانة وَهِي مَبْنِيَّة أَو إِلَى هَذَا الْحَائِط فهدما ثمَّ بنيا بنقضهما فَجَلَسَ إِلَيْهِ لَا يَحْنَث لِأَن الْعَائِد غير الأول وَلَو حلف لَا يكْتب بِهَذَا الْقَلَم فَكسر الْقَلَم بِحَيْثُ لم يبْق لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 صورته ثمَّ براه فَكتب بِهِ لم يَحْنَث لِأَن بعد الْكسر هُوَ أنبوبة فَإِذا براه فَهُوَ غير الأول وَكَذَا إِذا حلف على مقص أَو سكين أَو سيف فَكسر ثمَّ أَعَادَهُ ثَانِيًا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ غير الأول وَلَو نزع مِسْمَار المقص ونصاب السكين وَجعل مَكَانَهُ مسمارا آخر أَو نِصَابا آخر يَحْنَث لِأَن الأول بَاقٍ إِنَّمَا فَاتَ وصف التَّرْكِيب وَلَو حلف لَا يدْخل هَذِه الدَّار فَجَعلهَا بستانا أَو حَماما أَو مَسْجِدا لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ صَارَت شَيْئا آخر من حَيْثُ الِانْتِفَاع وَالْغَرَض وَلَو حلف لَا يدْخل هَذَا الْبَيْت فهدمه ثمَّ بناه ثَانِيًا فَدخل لَا يَحْنَث لِأَن الْبَيْت اسْم للمبنى وَهَذَا غير بِنَاء الأول بِخِلَاف الدَّار إِذا هدمها ثمَّ بناها ثَانِيًا فَدَخلَهَا أَو دخل وَهِي مهدومة يَحْنَث لِأَن الدَّار اسْم للعرصة وَالْبناء تَابع وَلَو كَانَ الْيَمين على خف أَو قَمِيص أَو جُبَّة ففتقها ثمَّ أَعَادَهَا حنث لِأَن الْعَائِد عين الأول وَلَو فتق الْقَمِيص فَجعله جُبَّة محشوة لم يَحْنَث لِأَن الْجُبَّة غير الْقَمِيص وَلَو حَلَفت الْمَرْأَة لَا تلبس هَذِه الملحفة فخيط جانباها فَجعلت درعا وَجعلت لَهَا جيبا فلبستها لم تَحنث لِأَن الدرْع غير الملحفة وَلَو حلف لَا أكلم عبد فلَان أَو لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 أَدخل دَار فلَان أَو لَا أركب دَابَّة فلَان أَو لَا ألبس ثوب فلَان وَلم يعين ثمَّ زَالَ الْملك فَكلم العَبْد أَو دخل الدَّار أَو ركب الدَّابَّة أَو لبس ذَلِك الثَّوْب لَا يَحْنَث بِالْإِجْمَاع بِخِلَاف الزَّوْجَة وَالصديق لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الْحلف لِمَعْنى فيهمَا فَأَما إِذا عين فَقَالَ لَا أكلم عبد فلَان هَذَا أَو لَا أَدخل دَار فلَان هَذِه أَو لَا أركب دَابَّة فلَان هَذِه أَو لَا ألبس ثوب فلَان هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف تبقى الْيَمين بِبَقَاء الْإِضَافَة فَإِذا زَالَت بِزَوَال الْملك تبطل الْيَمين إِلَّا أَن يعين سُكْنى هَذِه الدَّار خَاصَّة وَقَالَ مُحَمَّد يَحْنَث وَإِن زَالَ ملك فلَان إِلَّا أَن يَعْنِي مَا دَامَ ملكا لفُلَان وَلَو حلف لَا يكلم زَوْجَة فلَان هَذِه أَو صديق فلَان هَذَا وَزَالَ النِّكَاح والصداقة فَكلم حنث بِالْإِجْمَاع وَلَو حلف لَا أكلم هَذَا العَبْد أَو لَا أَدخل هَذِه الدَّار أَو لَا أركب هَذِه الدَّابَّة يعْتَبر الْعين بِالْإِجْمَاع ف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله اعْتبر الْإِضَافَة شرطا للْيَمِين لِأَن الظَّاهِر بِهَذِهِ الْإِضَافَة الِامْتِنَاع من الْكَلَام لِمَعْنى فِي الْمَالِك كَمَا إِذا لم يكن معينا وَمُحَمّد رَحمَه الله جعل الْإِضَافَة للتعريف بِمَنْزِلَة الِاسْم إِذا وجد التَّعْيِين حَتَّى لَا يَلْغُو التَّعْيِين كَمَا فِي الزَّوْجَة وَالصديق عِنْد التَّعْيِين وَلَو حلف لَا يدْخل دَار فلَان وَلَا يلبس ثوب فلَان وَلَا يركب دَابَّة فلَان وَلَا يكلم عبد فلَان وَلَا يَأْكُل عِنْد فلَان وَلَا يَأْكُل طَعَام فلَان وَلَا يشرب شراب فلَان فَهَذَا على مَا فِي ملكه يَوْم فعل الَّذِي حلف عَلَيْهِ وَلَا يشْتَرط قيام الْملك يَوْم حلف هَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه يَقع على مَا فِي ملكه يَوْم حلف وَلَا يحمل على مَا يحدث فِيهِ الْملك وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ فِيمَا يستدام فِيهِ الْملك وَلَا يَتَجَدَّد سَاعَة فساعة فاليمين على مَا فِي ملكه كَالدَّارِ وَالْعَبْد وَالثَّوْب وَمَا يَتَجَدَّد فِيهِ الْملك حَالا فحالا فِي الْعَادة فَإِنَّهُ يَقع على مَا فِي ملكه يَوْم فعل كالطعام وَالشرَاب وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَات لِأَن هَذِه الْيَمين عقدت على الْمَنْع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 من الْفِعْل فِي ملك فلَان فَيعْتَبر يَوْم الْفِعْل وَلَو حلف لَا يدْخل دَار فلَان فَدخل دَارا هُوَ ساكنها بِالْملكِ أَو بِالْإِجَارَة أَو بالإعارة فَهُوَ سَوَاء وَيحنث لِأَن الدَّار تُضَاف إِلَى الْمُسْتَأْجر وَالْمُسْتَعِير فِي الْعرف وَلَو حلف من بشرني من عَبِيدِي بقدوم فلَان فَهُوَ حر فبشره جمَاعَة من عبيده فَإِن كَانُوا مَعًا عتقوا وَإِن سبقهمْ وَاحِد مِنْهُ ثمَّ الْبَاقُونَ يعْتق السَّابِق وَإِن حصل لَهُ الْعلم بقدوم فلَان بِخَبَر غَيرهم أَو بِالْمُشَاهَدَةِ مِنْهُ ثمَّ أخبرهُ من العبيد الَّذين حلف بعتقهم فَإِنَّهُ لَا يعْتق وَاحِد مِنْهُم لِأَن الْبشَارَة خبر سَار لَيْسَ عِنْد الْمخبر بِهِ خَبره وَهَذَا لَا يحصل إِذا كَانَ لَهُ علم قبل خَبره وَإِذا لم يكن عَالما حصل الْعلم بِخَبَر الْجَمَاعَة مَعًا فَيحنث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 بَاب النّذر إِذا نذر لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا هُوَ قربَة وَطَاعَة يجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهِ وَلم يجب عَلَيْهِ غير ذَلِك وَإِن كَانَ مُبَاحا لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ مَعْصِيّة لم يجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِهِ وَعَلِيهِ كَفَّارَة الْيَمين إِذا فعله وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من نذر نذرا أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام النّذر يَمِين وكفارته كَفَّارَة يَمِين وَهَذَا على الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَن أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم سنة وَنَحْوهَا يلْزمه الْوَفَاء بهَا وَلَا يُجزئهُ كَفَّارَة الْيَمين وَفِي رِوَايَة تُجزئه كَفَّارَة الْيَمين وَقَالُوا رَجَعَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله عَن الْجَواب الأول إِلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أحج مَاشِيا يلْزمه الْحَج مَاشِيا فَلَو حج رَاكِبًا يُجزئهُ وَعَلِيهِ إِرَاقَة الدَّم لِأَن النّذر مُلْحق بِالْأَمر وَالْحج الْوَاجِب رَاكِبًا لَا مَاشِيا فَخرج عَن نَذره لَكِن يلْزمه الدَّم لِأَنَّهُ أَدخل نقصا وَفِيه ورد الحَدِيث هَكَذَا وَلَو قَالَ لله على أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْم كَذَا أَو فِي مَوضِع كَذَا فصلى قبل ذَلِك الْيَوْم أَو فِي مَوضِع آخر أَجزَأَهُ عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق يَوْم كَذَا أَو عَليّ مَسَاكِين بلد كَذَا فَإِنَّهُ لَا يتَقَيَّد بذلك وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم رَجَب فصَام شهرا قبل ذَلِك جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وعَلى قَول مُحَمَّد لَا يُجزئهُ أما الصَّلَاة فَلَا تتقيد بِالْمَكَانِ وَالْيَوْم لِأَن معنى الْقرْبَة فِي نفس الْفِعْل وَكَذَا الصَّدَقَة وَأما الصَّوْم ف أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رحمهمَا الله يَقُولَانِ إِن ذكر الْوَقْت لتقدير لَا لتعين الْوَاجِب لِأَن الْأَوْقَات فِي معنى الْعِبَادَة سَوَاء وَلَو قَالَ عَليّ طَعَام مَسَاكِين وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ أَن يطعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من بر وَلَو قَالَ لله عَليّ صَدَقَة وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ نصف صَاع وَلَو قَالَ لله عَليّ صَوْم فَعَلَيهِ صَوْم يَوْم وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي صَلَاة فَعَلَيهِ رَكْعَتَانِ لِأَن النّذر مُعْتَبر بِالْأَمر فَإِذا لم يذكر فِيهِ التَّقْدِير اعْتبر أدنى مَا ورد فِي الْأَمر وَهُوَ مَا ذكرنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 بَاب كَفَّارَة الْيَمين الحانث لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا فَإِن كَانَ مُوسِرًا فَهُوَ مُخَيّر بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء بَين الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة وَالْإِعْتَاق لقَوْله تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة} فَإِن اخْتَار الطَّعَام يُعْطي كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاعا من شعير أَو دقيقهما أَو صَاعا من تمر أَو قيمَة هَذِه الْأَشْيَاء دَرَاهِم ودنانير أَو عرُوضا كَمَا فِي صَدَقَة الْفطر على مَا ذكرنَا وَلَو دَعَا عشرَة مَسَاكِين فغداهم وعشاهم مشبعا خبْزًا مَعَ الإدام أَو بِغَيْر الإدام أَو سويقا أَو تَمرا كَانَ جائرا لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِالْإِطْعَامِ وَهُوَ اسْم للْفِعْل إِلَّا أَن التَّمْلِيك عَرفْنَاهُ بِدلَالَة النَّص وَالْإِطْعَام فِي حق الْأَهْل قد يكون مَعَ الإدام وَقد يكون بِغَيْرِهِ وَلَو أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَيَّام غداء وعشاء أَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَيَّام كل يَوْم نصف صَاع جَازَ لِأَن الْمَقْصُود سد خلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 عشرَة مَسَاكِين عشرَة أَيَّام وَقد حصل وَلَو أطْعم عشرَة مَسَاكِين فِي يَوْم غداء وَأعْطى كل وَاحِد مدا من الطَّعَام جَازَ لِأَنَّهُ جمع بَين التَّمْلِيك وَطَعَام الْإِبَاحَة وَكَذَا لَو غدى رجلا وَاحِدًا عشْرين يَوْمًا أَو عشى رجلا فِي رَمَضَان عشْرين يَوْمًا جَازَ لِأَن الْمَقْصُود قد حصل وَلَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا طَعَام عشرَة فِي يَوْم وَاحِد لم يجز لِأَن الله تَعَالَى أَمر بسد جوعة عشرَة مَسَاكِين جملَة أَو مُتَفَرقًا على الْأَيَّام وَلم يُوجد وَلَو أطْعم فُقَرَاء أهل الذِّمَّة جَازَ وفقراء الْمُسلمين أفضل كَمَا ذكرنَا فِي صَدَقَة الْفطر خلافًا لأبي يُوسُف وَإِن اخْتَار الْكسْوَة كسا كل مِسْكين ثَوْبَيْنِ وَإِن كساهم ثوبا جَامعا نَحْو الْقَمِيص والقباء والملحفة والكساء جَازَ لِأَن الله تَعَالَى أَمر بالإكساء فَكل ثوب يصير بِهِ كاسيا دخل تَحت النَّص وَلَو ساه قلنسوة أَو عِمَامَة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يُسمى بِهِ كاسيا وَلَو كسا سَرَاوِيل قَالَ لَا يجوز وَلَو كَسَاه إِزَار جَازَ وَلَكِن أَرَادَ بِهِ أَن يكون من الرَّأْس إِلَى الْقدَم وَأما إِذا كَانَ يستر بِهِ الْعَوْرَة لَا يستر الْبدن لَا يجوز وَهَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه قَالَ إِذا كَانَ مِمَّا يستر بِهِ الْعَوْرَة وَتجوز فِيهِ الصَّلَاة يجوز وَالْمُعْتَبر فِي ظَاهر الرِّوَايَة مَا يُسمى لابسا ولابس السَّرَاوِيل يُسمى عُريَانا وَلَو أَن قيمَة الْعِمَامَة والسراويل بلغت قيمَة الطَّعَام هَل يَقع عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الطَّعَام عِنْد مُحَمَّد يَقع بِغَيْر نِيَّة إِذا وجدت مِنْهُ نِيَّة الْكَفَّارَة وَعند أبي يُوسُف لَا يَقع مَا لم ينْو الْكسْوَة عَن الطَّعَام وَأما إِذا اخْتَار التَّحْرِير فَإِن أعتق رَقَبَة مُطلقَة كَامِلَة الذَّات وكاملة الرّقّ بنية الْكَفَّارَة بِأَيّ صفة كَانَت جَازَ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا مُسلما كَانَ أَو ذِمِّيا لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِإِعْتَاق رَقَبَة مُطلقَة بقوله {أَو تَحْرِير رَقَبَة} وَكَذَا فِي كَفَّارَة الظِّهَار وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز إِلَّا المؤمنة كَمَا فِي كَفَّارَة الْقَتْل وَلَو أعتق رَقَبَة مَعِيبَة فَالْأَصْل فِيهِ أَن كل عيب يُوجب فَوَات جنس الْمَنْفَعَة يمْنَع عَن الْكَفَّارَة وَإِلَّا فَلَا إِذا ثَبت هَذَا نقُول إِذا أعتق عبدا أَعور أَو مَقْطُوع إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن أَو الْيَد وَالرجل من خلاف أَجزَأَهُ لِأَن مَنْفَعَة الْجِنْس بَاقِيَة وَلَو أعتق الْأَعْمَى أَو الْمَقْطُوع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن أَو الْمَقْطُوع الْيَد وَالرجل من جَانب وَاحِد لَا يجوز لِأَن مَنْفَعَة الْجِنْس مَعْدُومَة وَأما الْمَجْنُون المغلوب فَلَا يجوز لِأَن مَنْفَعَة الْأَجْنَاس مَعْدُومَة وَلَو أعتق مفلوجا يَابِس الشق لَا يجوز لِأَنَّهُ فَاتَ مَنْفَعَة الْجِنْس وَلَو أعتق الْحمل لَا يجوز وَإِن ولد حَيا بعد يَوْم لِأَنَّهُ فِي معنى الْأَجْزَاء من وَجه وَأما الْأَصَم فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز وَفِي الِاسْتِحْسَان يجوز لِأَنَّهُ إِذا بولغ فِي الصياح يسمع فَلَا يفوت جنس الْمَنْفَعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وَأما الْأَخْرَس فَلَا يجوز لما قُلْنَا وَلَو أعتق حَلَال الدَّم جَازَ لِأَنَّهُ رَقَبَة كَامِلَة لوُجُود الْملك وَاسم الرَّقَبَة وَوُجُوب الْقصاص لَا يمْنَع جَوَاز التَّكْفِير بِهِ وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ حق وَلَو أعتق عبدا مديونا جَازَ وللغرماء حق الِاسْتِسْعَاء وَلَو أعتق ذَا رحم محرم مِنْهُ عَن الْكَفَّارَة جَازَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَو أعتق الْمكَاتب جَازَ عندنَا خلافًا لَهُ وَلَو أدّى بعض بدل الْكِتَابَة لَا يجوز بِالْإِجْمَاع وَلَو أعتق عبدا مُشْتَركا بَينه وَبَين شَرِيكه وَهُوَ مُوسر وَاخْتَارَ الشَّرِيك الضَّمَان حَتَّى عتق كُله عَن الْمُعْتق لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجوز لِأَن الْإِعْتَاق لَا يتَجَزَّأ عِنْدهمَا فَيَقَع الْكل عَن الْكَفَّارَة وَثَبت الْملك بِالضَّمَانِ سَابِقًا وَعند أبي حنيفَة الْإِعْتَاق يتَجَزَّأ فَإِذا أعتق النّصْف جَازَ وينتقص فَإِذا ضمن ملك النّصْف النَّاقِص وإعتاق النَّاقِص لَا يجوز وبمثله لَو أعتق نصف عَبده عَن الْكَفَّارَة ثمَّ أعتق النّصْف الْبَاقِي جَازَ وَبَين الْأَمريْنِ فرق بعيد وَإِن كَانَ مُعسرا حَتَّى وَجَبت السّعَايَة على العَبْد لَا يجوز لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ السّعَايَة فَيصير كَالْعِتْقِ بعوض وَهَذِه مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن اشتريتك فَأَنت حر ثمَّ اشْتَرَاهُ بنية الْكَفَّارَة لَا يجوز لِأَنَّهُ لم تُوجد النِّيَّة مِنْهُ عِنْد الْيَمين وَإنَّهُ يصير معتقا بذلك الْكَلَام حَتَّى لَو قَالَ لَهُ إِن اشتريتك عَن يَمِين فَأَنت حر عَن كَفَّارَة يَمِيني جَازَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وَلَو أعتق الْمُدبر أَو أم ولد عَن الْكَفَّارَة لَا يجوز لِأَنَّهُ نَاقص الرّقّ أما إِذا كَانَ الْحَالِف مُعسرا فَعَلَيهِ صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة عندنَا وَعند الشَّافِعِي يجوز مُتَفَرقًا وَقد ذكرنَا هَذَا وَلَو أفطر لمَرض أَو الْمَرْأَة تحيض استقبلا لِأَنَّهُمَا يجدان ثَلَاثَة أَيَّام لَا تحيض فِيهَا وَلَا مرض فِي الْغَالِب فَيبْطل التَّتَابُع بِخِلَاف صَوْمه شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن ثمَّ لَا يَنْقَطِع التَّتَابُع لأجل الْعذر وَيَنْقَطِع بِالْمرضِ لِأَن الْغَالِب أَن الشَّهْرَيْنِ لَا يخلوان عَن الْحيض أَو عَن الْمَرَض وَلَو أَن الْمُعسر إِذا أيسر فِي خلال الصَّوْم يجب عَلَيْهِ الْإِطْعَام أَو الْإِعْتَاق أَو الْكسْوَة وَيبْطل الصَّوْم لِأَنَّهُ قدر على الْأَصِيل قبل حُصُول الْمَقْصُود بِالْبَدَلِ وَلَو أيسر بعد الصّيام لَا يبطل الصَّوْم بِخِلَاف الشَّيْخ الفاني إِذا أطْعم مَكَان الصَّوْم ثمَّ قدر يبطل لِأَن ذَلِك بدل ضَرُورِيّ وَلَو أعتق رجل بِأَمْر رجل أَو أطْعم عَنهُ أَو كسا جَازَ وَإِن لم يُعْطه الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَإِن فعل بِغَيْر أمره ثمَّ أجَازه لم يجز لِأَن الْإِعْتَاق بأَمْره كإعتاقه وَيكون مليكا للْعَبد مِنْهُ وَأمره بذلك قبُول مِنْهُ فَجَاز فَأَما إِذا فعل بِغَيْر أمره لَا يتَوَقَّف على إِجَازَته لِأَنَّهُ وجد نفاذا على مَالِكه وَهُوَ التَّقَرُّب إِلَى الله فَلَا يتَوَقَّف وَلَو صرف قيمَة الطَّعَام وَالثيَاب بنية الْكَفَّارَة إِلَى بِنَاء الْمَسَاجِد أَو أكفان الْمَوْتَى أَو قَضَاء دين رجل فَقير فَإِنَّهُ لَا يَقع عَن الْكَفَّارَة لِأَن الْوَاجِب هُوَ التَّمْلِيك وَلم يُوجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَلَو كَانَ الحانث لَهُ مَال وَعَلِيهِ دين مُسْتَغْرق أَجزَأَهُ الصَّوْم لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الصّرْف إِلَى الدّين وَلَو كَانَ لَهُ عبد وَعَلِيهِ دين لم يُجزئهُ الصَّوْم لِأَنَّهُ قَادر على إِعْتَاقه عَن الْكَفَّارَة وَقيل من أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز لكَونه فَقِيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 كتاب الْإِجَارَة الْإِجَارَة نَوْعَانِ إِجَارَة على الْمَنَافِع وَإِجَارَة على الْأَعْمَال وَلكُل نوع شُرُوط وَأَحْكَام أما الْإِجَارَة على الْمَنَافِع فكإجارة الدّور والمنازل والحوانيت والضياع وَعبيد الْخدمَة وَالدَّوَاب للرُّكُوب وَالْحمل وَالثيَاب والحلي للبس والأواني والظروف للاستعمال وَالْعقد جَائِز فِي ذَلِك كُله وَشرط جَوَازه أَن تكون الْعين الْمُسْتَأْجرَة مَعْلُومَة وَالْأُجْرَة مَعْلُومَة والمدة مَعْلُومَة بِيَوْم أَو شهر أَو سنة لِأَنَّهُ عقد مُعَاوضَة كَالْبيع وإعلام الْمَبِيع وَالثمن شَرط فِي البيع فَكَذَلِك هَهُنَا إِلَّا أَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ هَهُنَا هُوَ الْمَنَافِع فَلَا بُد من إعلامها بالمدة وَالْعين وَالَّذِي عقدت الْإِجَارَة على مَنَافِعه وَأما أَحْكَام هَذَا النَّوْع من الْإِجَارَة فكثيرة مِنْهَا أَنه يجب على الْآجر تَسْلِيم الْمُسْتَأْجر عقيب العقد وَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس الْمُسْتَأْجر لِاسْتِيفَاء الْأُجْرَة كَمَا فِي بَاب البيع لِأَن الْأُجْرَة لَا تجب بِنَفس العقد عندنَا لكَون الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِع مَعْدُومَة وَإِذا لم يجب الْأجر فَلَيْسَ لَهُ حق حبس الْمُسْتَأْجر لأخذ الْأجر وَأما فِي البيع فالثمن وَاجِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وَإِنَّمَا يجب الْأجر وَيملك بِأحد معَان ثَلَاثَة إِمَّا بِأَن يشْتَرط تَعْجِيله فِي نفس العقد وَإِمَّا أَن يعجل بِغَيْر شَرط وَإِمَّا بِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع شَيْئا فَشَيْئًا أَو بالتمكين من الِاسْتِيفَاء بِتَسْلِيم الْمُسْتَأْجر إِلَيْهِ وبتسليم الْمِفْتَاح إِلَيْهِ أَيْضا وَعند الشَّافِعِي تجب الْأُجْرَة كلهَا بِنَفس العقد وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ إِن وَقع الشَّرْط فِي عقد الْإِجَارَة أَن لَا يجب الْأجر إِلَّا بعد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة فَذَلِك جَائِز فَيكون تأجيلا للأجرة بِمَنْزِلَة تَأْجِيل الثّمن وَأما إِذا لم يشْتَرط فِي العقد شَيْئا فَقَالَ أَبُو حنيفَة أَولا وَهُوَ قَول زفر لَا تجب الْأُجْرَة إِلَّا فِي آخر الْمدَّة ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ تجب حَالا فحالا كلما مضى يَوْم يسلم أجرته وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لِأَن الْأُجْرَة تملك على حسب ملك الْمَنَافِع سَاعَة فساعة والاستيفاء على هَذَا الْوَجْه مُتَعَذر فقدره بِالْيَوْمِ وَذكر الْكَرْخِي فِي الْإِجَارَة على قطع الْمسَافَة أَنه يسلم أُجْرَة كل مرحلة وَمِنْهَا أَنه يعْتَبر ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين وَقع العقد فَإِذا أجر شهرا أَو شهورا أَو سِنِين مَعْلُومَة فَإِن وَقعت الْإِجَارَة فِي أول الشَّهْر يعْتَبر بِالْأَهِلَّةِ وَإِن وَقعت فِي بعض الشَّهْر يعْتَبر بِالْأَيَّامِ كل شهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَكَذَلِكَ فِي الشُّهُور والسنين وَذكر فِي الأَصْل إِذا اسْتَأْجر دَارا سنة مُسْتَقْبلَة فِي بعض الشَّهْر فَإِنَّهُ يسكن بَقِيَّة هَذَا الشَّهْر وَأحد عشر شهرا بِالْأَهِلَّةِ وَيتم الشَّهْر الأول بالشهر الثَّانِي فَيكون فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَلَو أضَاف الْإِجَارَة إِلَى زمَان فِي الْمُسْتَقْبل بِأَن قَالَ فِي رَمَضَان أجرتك هَذِه الدَّار سنة أَولهَا غرَّة الْمحرم يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الْإِجَارَة مَا لم يكن أول الْمدَّة عقيب العقد وَلِهَذَا قُلْنَا إِن المؤاجر لَو بَاعَ هَذِه الدَّار لَا يَصح فِي حق الْمُسْتَأْجر وَإِن لم يَجِيء الْوَقْت الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْإِجَارَة لَكِن لَا يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الدَّار مَا لم يَأْتِ ذَلِك الْوَقْت وَمِنْهَا أَنه إِذا اسْتَأْجر دَارا أَو حانوتا أَو غير ذَلِك من الْعقار غير الْمزَارِع فَلهُ الِانْتِفَاع بهَا كَيفَ شَاءَ من السُّكْنَى وَله أَن يسكن فِيهَا من أحب بِالْإِجَارَة والإعارة وَله أَن يعْمل فِيهَا أَي عمل شَاءَ غير أَنه لَا يَجْعَل فِيهَا حدادا وَلَا قصارا وَلَا مَا يضر بِالْبِنَاءِ ويوهنه وَلَا تفْسد الْإِجَارَة وَإِن لم يسم مَا يعْمل فِيهَا لِأَن مَنَافِع السُّكْنَى غير مُتَفَاوِتَة إِذا لم يكن فِيهَا مَا يوهن الْبناء وَذَلِكَ مُسْتَثْنى فَصَارَت الْمَنَافِع مَعْلُومَة بِخِلَاف مَا إِذا اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة حَيْثُ لم يجز العقد حَتَّى يبين مَا يزرع فِيهَا أَو يَجْعَل لَهُ أَن يزرع فِيهَا مَا شَاءَ لِأَن مَنَافِع الزِّرَاعَة مُخْتَلفَة وَلَو اسْتَأْجر دَابَّة وَلم يسم مَا يحمل عَلَيْهَا أَو عبدا وَلم يبين الْعَمَل لَا يجوز لِأَن ذَلِك مِمَّا يتَفَاوَت وَإِن اخْتَصمَا يفْسخ العقد وَإِن مَضَت الْمدَّة أَو حمل عَلَيْهَا أَو اسْتعْمل العَبْد فَالْقِيَاس أَن يجب أجر الْمثل لِأَنَّهُ استوفى الْمَنْفَعَة بِعقد فَاسد وَفِي الِاسْتِحْسَان يجب الْمُسَمّى لِأَنَّهُ يتَعَيَّن الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَيصير مَعْلُوما بِالْعَمَلِ وَالْحمل فَيَعُود العقد جَائِزا وَمِنْهَا أَنه يجب على المؤاجر تَسْلِيم الْمُسْتَأْجر سليما عَن الْعَيْب الَّذِي يضر بِالِانْتِفَاعِ خَالِيا عَن الْمَوَانِع الَّتِي تمنع من الِانْتِفَاع فِي جَمِيع الْمدَّة حَتَّى يجب عَلَيْهِ جَمِيع الْأجر فَإِن كَانَ بِهِ عيب يضر بِالِانْتِفَاعِ فالمستأجر بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ فسخ الْإِجَارَة وَإِن شَاءَ مضى عَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 فَإِن مضى عَلَيْهَا مَعَ الْعَيْب يجب عَلَيْهِ جَمِيع الْمُسَمّى لِأَنَّهُ رَضِي بالمعقود عَلَيْهِ مَعَ الْعَيْب وَإِن زَالَ ذَلِك الْعَيْب أَو سقط حَائِط فبناه المؤاجر فَلَا خِيَار للْمُسْتَأْجر لِأَن الْعَيْب زَالَ فَإِن كَانَ المؤاجر غَائِبا فَلَيْسَ لَهُ أَن يفسخه لِأَن الْفَسْخ لَا يجوز إِلَّا بِحُضُور الْعَاقِدين أَو من قَامَ مقامهما وَإِن سَقَطت الدَّار كلهَا أَو انْهَدَمت فَلهُ أَن يخرج من الدَّار كَانَ المؤاجر حَاضرا أَو غَائِبا وَاخْتلفت إِشَارَة الرِّوَايَات فِي أَن العقد يَنْفَسِخ أَو يثبت لَهُ حق الْفَسْخ وَالصَّحِيح أَنه يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ فَاتَ جنس الِانْتِفَاع الْمَعْهُود بِالدَّار وَإِنَّمَا يُمكنهُ أَن ينْتَفع بِضَرْب الْخَيْمَة وَنَحْوهَا وَالْعقد يَنْفَسِخ بِهَلَاك الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَأما إِذا اسْتَأْجر دارين صَفْقَة وَاحِدَة فَسَقَطت إِحْدَاهمَا أَو مَنعه مَانع من إِحْدَاهمَا أَو كَانَت الدَّار الْمُسْتَأْجرَة وَاحِدَة وَامْتنع رب الدَّار عَن تَسْلِيم بَيت مِنْهَا فَلهُ أَن يفْسخ العقد لِأَن الصَّفْقَة تَفَرَّقت فِي الْمَنَافِع وتفريق الصَّفْقَة يثبت الْخِيَار أما إِذا حدث مَانع يمْنَع من الِانْتِفَاع بعد التَّسْلِيم فِي الْمدَّة كَمَا إِذا غصبه غَاصِب أَو حدث الْإِبَاق أَو الْمَرَض المعجز عَن الِانْتِفَاع أَو انْقِطَاع المَاء فِي الرحا أَو الشّرْب فِي الأَرْض فَإِنَّهُ تسْقط الْأُجْرَة فِي الْمُسْتَقْبل مَا لم يسلم إِلَيْهِ وَيلْزمهُ أجر مَا مضى لِأَن الْأجر يجب شَيْئا فَشَيْئًا بِمُقَابلَة اسْتِيفَاء الْمَنَافِع ثمَّ تطيين الدَّار وَإِصْلَاح ميازيبها وَمَا وهى من بنائها على رب الدَّار دون الْمُسْتَأْجر حَتَّى تكون صَالِحَة للِانْتِفَاع وَلَكِن لَا يجْبر على ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 لِأَن الْمَالِك لَا يجْبر على إصْلَاح ملكه لَكِن يثبت الْخِيَار للْمُسْتَأْجر لِأَن هَذَا فِي معنى الْعَيْب وَكَذَا إصْلَاح بِئْر المَاء والبالوعة والمخرج على رب الدَّار وَإِن امْتَلَأَ من فعل الْمُسْتَأْجر لَكِن لَا يجْبر عَلَيْهِ لما ذكرنَا وَإِذا انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة وَفِي الدَّار تُرَاب من كنس الْمُسْتَأْجر فَعَلَيهِ أَن يرفعهُ لِأَنَّهُ حدث بِفِعْلِهِ وَالْقِيَاس فِي امتلاء الْمخْرج والبالوعة كَذَلِك وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا يلْزمه لِأَن الْعَادة جرت أَن كل مَا كَانَ مغيبا فِي الأَرْض فنقله على صَاحب الدَّار وَإِن أصلح الْمُسْتَأْجر شَيْئا من ذَلِك يكون مُتَبَرعا إِلَّا إِذا فعل ذَلِك بِأَمْر رب الدَّار أَو بِأَمْر من هُوَ نَائِب عَنهُ وعَلى الْمُسْتَأْجر فِي إِجَارَة الدَّار والحانوت تَسْلِيم الْمِفْتَاح إِلَى المؤاجر بعد انْتِهَاء الْمدَّة فَأَما فِي الدَّابَّة الَّتِي اسْتَأْجرهَا للرُّكُوب فِي حَوَائِجه فِي الْمصر وقتا مَعْلُوما فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُسَلِّمهَا إِلَى صَاحبهَا بِأَن يذهب بهَا إِلَى منزله وعَلى المؤاجر أَن يقبضهَا من منزل الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهُ حصل لَهُ الْمَنْفَعَة بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْمُسْتَأْجر وَهُوَ الْأجر فَلم يكن عَلَيْهِ الرَّد كَمَا فِي الْوَدِيعَة حَتَّى لَو أمْسكهَا أَيَّامًا وَلم ينْتَفع بهَا فَهَلَكت فِي يَده لم يضمنهَا وَفِي الْعَارِية وَالْغَصْب يجب الرَّد على الْمُسْتَعِير وَالْغَاصِب وَلَو اسْتَأْجر من مَوضِع مُسَمّى فِي الْمصر إِلَى مَكَان مَعْلُوم ذَاهِبًا وجائيا فَإِن على الْمُسْتَأْجر أَن يَأْتِي بهَا إِلَى ذَلِك الْموضع الَّذِي قبضهَا مِنْهُ لِأَن انْتِهَاء الْإِجَارَة إِلَى هَذَا الْموضع فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بهَا إِلَيْهِ لِأَن الرَّد وَاجِب على الْمُسْتَأْجر فَإِن حملهَا إِلَى منزله فَأَمْسكهَا حَتَّى عطبت يضمن لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 تعدى فِي حملهَا إِلَى غير مَوضِع العقد حَتَّى لَو قَالَ الْمُسْتَأْجر اركبها من هَذَا الْموضع إِلَى مَوضِع كَذَا وارجع إِلَى منزلي فَلَيْسَ على الْمُسْتَأْجر أَن يردهَا إِلَى منزل المؤاجر لِأَن الْإِجَارَة انْتَهَت فَبَقيت أَمَانَة فِي يَده فَلَا يجب عَلَيْهَا الرَّد كَمَا فِي الْوَدِيعَة وَأما الْإِجَارَة على الْأَعْمَال فكاستئجار الْقصار والإسكاف والصباغ وَسَائِر من يشْتَرط عَلَيْهِ الْعَمَل فِي سَائِر الْأَعْمَال من حمل الْأَشْيَاء من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَنَحْوهَا وَهُوَ نَوْعَانِ اسْتِئْجَار الْأَجِير الْمُشْتَرك والأجير الْخَاص الَّذِي يُسمى أجِير الوحد فالأجير الْمُشْتَرك كاسمه الَّذِي يتَقَبَّل الْأَعْمَال من النَّاس كالصباغ والقصار وَنَحْوهمَا وأجير الوحد كاسمه الَّذِي يعْمل للْوَاحِد مُدَّة مَعْلُومَة وللأول أَن يعْمل لَهُم جَمِيعًا وَلَيْسَ لمن اسْتَأْجرهُ أَن يمنعهُ عَن الْعَمَل لغيره وَفِي أجِير الوحد لَيْسَ لَهُ ذَلِك وللمستأجر أَن يمنعهُ ثمَّ أحكامهما تخْتَلف فِي بعض الْأَشْيَاء وتتفق فِي الْبَعْض فأجير الوحد لَا يكون ضَامِنا للعين الَّتِي تسلم إِلَيْهِ للْعَمَل فِيهَا كَمَا إِذا اسْتَأْجر يَوْمًا أَو شهرا قصارا أَو خياطا ليعْمَل لَهُ لَا غير حَتَّى لَو هلك فِي يَده لَا بصنعه لَا يضمن بِالْإِجْمَاع وَكَذَلِكَ لَو تخرق بصنعه الَّذِي هُوَ من الْعَمَل الْمَأْذُون فِيهِ فَأَما الْأَجِير الْمُشْتَرك فَلَا يكون ضَامِنا وَتَكون الْعين الَّتِي فِي يَده أَمَانَة عِنْد أبي حنيفَة وَزفر وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يكون مَضْمُونا لَو هلك بِغَيْر صنعه يضمن إِلَّا إِذا هلك بحرق غَالب أَو بغرق غَالب وَنَحْو ذَلِك وَلَو تخرق بصنع مُعْتَاد بِأَن دق مثله أَو أَلْقَاهُ فِي النورة فَاحْتَرَقَ أَو الملاح إِذا غرقت السَّفِينَة من عمله وَالْحمار إِذا سقط وَفَسَد الْحمل أَو الرَّاعِي الْمُشْتَرك إِذا سَاق الدَّوَابّ فَضرب بَعْضهَا بَعْضًا فِي حَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 سِيَاقه حَتَّى هلك يكون مَضْمُونا عندنَا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يضمن وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو اسْتَأْجر البزاغ والفصاد والختان فعملوا عَمَلهم ثمَّ سرى إِلَى النَّفس وَمَات فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسعهم الِاحْتِرَاز من ذَلِك وَلَو تخرق بدق أجِير الْقصار لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَكِن يجب الضَّمَان على الْأُسْتَاذ لِأَن عمله ينْتَقل إِلَيْهِ كَأَنَّهُ فعل بِنَفسِهِ وَلَو وطىء على ثوب من ثِيَاب القصارة فخرقه يضمن لِأَن هَذَا لَيْسَ من تَوَابِع الْعَمَل وَلَو وَقع من يَده سراج فَأحرق ثوبا من ثِيَاب القصارة فَالضَّمَان على الْأُسْتَاذ لَا عَلَيْهِ لِأَن الذّهاب والمجيء بالسراج عمل مَأْذُون فِيهِ وَكَذَلِكَ لَو وَقع الكذينق من يَده فخرق ثوبا من ثِيَاب القصارة فَالضَّمَان على الْأُسْتَاذ لِأَن هَذَا من عمل القصارة وَلَو وَقع على ثوب وَدِيعَة عِنْد الْأُسْتَاذ فخرقه ضمنه الْأَجِير وَكَذَا فِي السراج إِذا حرقه وَلَو هلك الْعين الْمَعْمُول فِيهِ هَل يسْقط الْأجر فَهَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ الْعين الْمَعْمُول فِيهِ فِي يَد الْأَجِير أَو فِي الْمُسْتَأْجر فَإِن كَانَ فِي يَد الْأَجِير فَهُوَ على وَجْهَيْن إِمَّا إِن كَانَ لعمله أثر فِي الْعين كالقصارة والصباغة فَإِنَّمَا يجب الْأجر بِتَسْلِيم ذَلِك الْأَثر فَإِذا هلك قبل التَّسْلِيم فِي يَده سقط الْأجر لِأَنَّهُ لم يسلم الْمَعْقُود عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَإِن لم يكن لعمله أثر فِي الْعين كالحمال والملاح فَكَمَا فرغ من الْعَمَل يجب الْأجر وَإِن لم يسلم الْعين إِلَى صَاحبه لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الْمَنْفَعَة وَنَفس الْعَمَل فَإِذا انْتَهَت الْمدَّة فقد فرغ من الْعَمَل وَصَارَ مُسلما فِي الْعين الَّتِي هِيَ ملك صَاحبهَا فَلَا يسْقط الْأجر بِالْهَلَاكِ بعده وَلِهَذَا قَالُوا إِن كل عمل لَهُ أثر فِي الْعين هُوَ الَّذِي ملك صَاحبه كَانَ لَهُ حق حبس الْعين حَتَّى يَسْتَوْفِي الْأجر لِأَن الْبَدَل مُسْتَحقّ بِمُقَابلَة ذَلِك الْأَثر وَمَا لَا أثر لَهُ لَا يثبت فِيهِ حق الْحَبْس لِأَن الْعَمَل الْمَعْقُود عَلَيْهِ لَيْسَ فِي الْعين وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْحمال إِذا حبس الْمَتَاع الَّذِي فِي يَده ليستوفي الْأجر فَهَلَك يضمن لِأَن الْعين أَمَانَة فِي يَده فَإِذا حبس صَار غَاصبا فَيضمن وَأما إِذا كَانَ الْعين الْمَعْمُول فِيهِ فِي يَد الْمُسْتَأْجر بِأَن عمل الْأَجِير فِي ملك الْمُسْتَأْجر أَو فِيمَا فِي يَده من فنَاء ملكه وَنَحْو ذَلِك فَإِذا فرغ من الْعَمَل يسْتَحق كل الْأجر وَإِن لم يفرغ وَعمل بعضه يسْتَحق الْأجر بِقَدرِهِ وَيصير ذَلِك مُسلما إِلَى صَاحبه حَتَّى إِنَّه إِذا اسْتَأْجر إنْسَانا ليبني لَهُ بِنَاء فِي دَاره أَو فِيمَا فِي يَده أَو يعْمل لَهُ ساباطا أَو جنَاحا أَو يحْفر لَهُ بِئْرا أَو قناة أَو نَهرا فِي ملكه أَو فِيمَا فِي يَده فانهدم الْبناء أَو انهارت الْبِئْر أَو سقط الساباط لم يسْقط شَيْء من الْأجر إِن كَانَ بعد الْفَرَاغ وَإِن كَانَ قبل الْفَرَاغ يجب بِقدر حِصَّة الْعَمَل وَأما إِذا كَانَ الْحفر أَو الْبناء فِي غير ملكه وَيَده فَلم يصر مُسلما إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ فَمَا لم تُوجد التَّخْلِيَة من الْأَجِير بَين الْمُسْتَأْجر وَبَينه لَا يصير قَابِضا للمعقود عَلَيْهِ فَإِذا فسد قبل ذَلِك أَو هلك سقط الْأجر وعَلى هَذَا إِذا اسْتَأْجرهُ ليضْرب لَهُ لَبَنًا فِي ملكه فَرب اللَّبن لَا يصير قَابِضا حَتَّى يجِف اللَّبن وينصبه فِي قَول أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا حَتَّى يشرجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غير ملكه أَو فِي غير يَده لم يكن لَهُ الْأجر حَتَّى يُسلمهُ إِلَيْهِ مَنْصُوبًا عِنْده وَعِنْدَهُمَا مشرجا لِأَنَّهُ لم يكن فِي يَده حَتَّى يصير الْعَمَل مُسلما إِلَيْهِ فَلَا بُد من التَّخْلِيَة بعد الْفَرَاغ من الْعَمَل وعَلى هَذَا الْخياط يخيط لَهُ فِي منزله قَمِيصًا فَإِن خاط بعضه لم يكن لَهُ أجر لِأَن هَذَا الْعَمَل لَا ينْتَفع بِبَعْضِه فَإِذا فرغ مِنْهُ ثمَّ هلك فَلهُ الْأجر لِأَنَّهُ صَار مُسلما للْعَمَل عِنْده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 بَاب الْإِجَارَة الْفَاسِدَة وَمَا يكون بِهِ مُخَالفا الْمُسْتَأْجر إِذا كَانَ مَجْهُولا أَو الْأجر مَجْهُولا أَو الْعَمَل أَو الْمدَّة فَالْإِجَارَة فَاسِدَة لِأَنَّهَا جَهَالَة تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة كَمَا فِي البيع وَإِجَارَة الْمشَاع فِيمَا يقسم أَو لَا يقسم فَاسِدَة عِنْد أبي حنيفَة وَزفر وعَلى قَوْلهمَا جَائِزَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأَجْمعُوا أَنَّهَا من الشَّرِيك جَائِزَة وَأَجْمعُوا أَنه لَو أجر من رجلَيْنِ جَازَ وَلَو مَاتَ أَحدهمَا حَتَّى بطلت الْإِجَارَة فِي حِصَّته وَصَارَت ملكا للْوَارِث فَيصير شيوعا طارئا فَإِنَّهُ لَا تبطل الْإِجَارَة فالشيوع الْمُقَارن مُفسد والطارىء غير مُفسد هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الرِّوَايَة وَالْمَسْأَلَة تعرف فِي الخلافيات وَالْإِجَارَة على الْقرب والطاعات كَالْحَجِّ والإمامة والآذان وَنَحْوهَا فَاسِدَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْإِجَارَة على الْمعاصِي كَمَا إِذا اسْتَأْجر مغنيا أَو نائحة فَهِيَ فَاسِدَة وَلَا يجوز إِجَارَة النَّهر والبئر والقناة مَعَ المَاء وَلَا إِجَارَة المراعي وَالْآجَام لِأَن هَذِه إِجَارَة على اسْتِهْلَاك الْعين وَالْإِجَارَة لِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع مَعَ بَقَاء الْعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وَلَو أستجر نَهرا يَابسا أَو موضعا من الأَرْض مَعْلُوما ليسيل فِيهِ مَاء الْمَطَر أَو مَاء الزِّرَاعَة لَا يجوز لتَفَاوت فِي قلَّة المَاء وكثرته وَذَلِكَ مِمَّا يضر بالنهر وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه يجوز وَلَو اسْتَأْجر طَرِيقا فِي دَار غَيره ليمر فِيهَا وقتا مَعْلُوما لم يجز فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَيجوز فِي قِيَاس قَوْلهمَا بِنَاء على أَن إِجَارَة الْمشَاع فَاسِدَة عِنْده خلافًا لَهما وَإِذا اسْتَأْجر رجلا للْبيع وَالشِّرَاء لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يقدر على ذَلِك إِلَّا بِفعل غَيره وَأما إِذا اسْتَأْجرهُ شهرا ليبيع لَهُ وَيَشْتَرِي جَازَ لِأَن الْإِجَارَة وَقعت على مَنْفَعَة الْمدَّة وَهِي مَعْلُومَة وَلَو اسْتَأْجر أَرضًا فِيهَا رطبَة سنة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يُمكن تَسْلِيمهَا إِلَّا بِضَرَر وَهُوَ قلع الرّطبَة فَإِن قلع رب الأَرْض الرّطبَة وَسلم أَرضًا بَيْضَاء جَازَ وَيجْبر على الْقبُول كَمَا إِذا اشْترى جذوعا فِي سقف وَلَو اسْتَأْجر عبدا للْخدمَة أَو دَابَّة للْحَمْل وَشرط الْمُسْتَأْجر نَفَقَتهَا فَهِيَ فَاسِدَة لِأَن قدر النَّفَقَة مَجْهُول ثمَّ فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة إِذا استوفى الْمَنْفَعَة يجب أجر الْمثل مُقَدرا بِالْمُسَمّى عندنَا وَعند زفر يجب أجر الْمثل تَاما على مَا مر وَأما بَيَان مَا يصير بِهِ مُخَالفا وَمَا لَا يصير بِهِ مُخَالفا فَنَقُول إِذا اسْتَأْجر دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا شَيْئا فَحمل عَلَيْهَا غَيره ينظر إِن كَانَ ضَرَر الدَّابَّة من حَيْثُ الخفة والثقل فَإِن كَانَ ذَلِك الشَّيْء مثل الْمَأْمُور بِهِ أَو أخف فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن التَّعْيِين لَا فَائِدَة فِيهِ وَإِن كَانَ أثقل فَإِن كَانَ بِخِلَاف جنسه بِأَن حمل مَكَان الشّعير الْحِنْطَة فعطبت الدَّابَّة فَهُوَ مُخَالف وضامن وَلَا أجر عَلَيْهِ لِأَنَّهَا هَلَكت بِفعل غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 مَأْذُون فِيهِ فَوَجَبَ الضَّمَان دون الْأجر لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِن كَانَ من جنسه فَحمل الْمُسَمّى وَزَاد عَلَيْهِ بِأَن حمل أحد عشر قَفِيزا مَكَان الْعشْرَة فَإِن سلمت الدَّابَّة فَلهُ مَا سمى من الْأجر وَإِن عطبت فَهُوَ ضَامِن لجزء من أحد عشر جُزْءا من أَجزَاء الدَّابَّة وَعَلِيهِ الْأجر الَّذِي سمي لِأَنَّهَا مَاتَت بِفعل مَأْذُون وَغير مَأْذُون فَيقسم على قدر ذَلِك فَأَما إِذا كَانَ ضَرَر الدَّابَّة لَا من حَيْثُ الخفة والثقل بِأَن يسْتَأْجر دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا مائَة من من قطن فَحمل عَلَيْهَا مثل وَزنه حديدا أَو أقل ضمن لِأَن ثقل الْقطن يكون على جَمِيع الْعُضْو لِأَنَّهُ ينبسط على الْموضع الَّذِي حمل عَلَيْهِ فَأَما ثقل الْحَدِيد فَيكون فِي مَوْضُوع وَاحِد فَيكون أَثَره أقوى فِي الضَّرَر وعَلى هَذَا إِذا اسْتَأْجرهَا ليرْكبَهَا فأركب من هُوَ مثله فِي الثّقل أَو أخف ضمن لِأَن ذَلِك يخْتَلف بالحذق والخرق وَلَو ركبهَا وأركب مَعَ نَفسه غَيره فعطبت فَإِن كَانَت الدَّابَّة مِمَّا يُمكن أَن يركبهَا اثْنَان يضمن نصف قيمتهَا لِأَن التّلف حصل بركوبهما فَصَارَ كَمَا لَو تلفت بجراحتهما وَأَحَدهمَا غير مَأْذُون وَإِن كَانَ لَا يُمكن فَعَلَيهِ جَمِيع قيمتهَا لِأَن هَذَا إِتْلَاف مِنْهُ وعَلى هَذَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة بإكاف فأسرجها لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الضَّرَر أقل لِأَنَّهُ يَأْخُذ من الظّهْر أقل وَإِن اسْتَأْجر حمارا بسرج فأسرجه سرجا آخر فَإِن كَانَ مثل الأول بِأَن يسرج بِهِ الْحمار لَا يضمن وَإِن أسرجه بسرج الْفرس يضمن فَإِن أوكفه ذكر فِي الأَصْل أَنه يضمن بِقدر مَا زَاد الإكاف على السرج وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 الْجَامِع الصَّغِير على قَول أبي حنيفَة يضمن الْكل وَعِنْدَهُمَا بِقدر ذَلِك وَإِن اسْتَأْجر حمارا عُريَانا فأسرجه فَإِن اسْتَأْجر ليركب خَارج الْمصر لَا يضمن وَإِن اسْتَأْجر ليركبه فِي الْمصر فَإِن كَانَ رجلا من الْأَشْرَاف أَو الأوساط لَا يضمن لِأَن مثله لَا يركب من غير سرج فَيكون إِذْنا دلَالَة وَإِن كَانَ من الأسافل يضمن لِأَن مثله يركب بِغَيْر سرج بالجل وَنَحْوه والسرج أثقل فَيضمن ثمَّ الْإِجَارَة تفسخ بالاعذار المخصومة عندنَا وَإِن وَقعت الْإِجَارَة صَحِيحَة لَازِمَة بِأَن لم يكن ثمَّة عيب وَلَا مَانع من الِانْتِفَاع وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تفسخ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ الْعذر مَا يكون عارضا يتَضَرَّر بِهِ الْعَاقِد مَعَ بَقَاء العقد وَلَا ينْدَفع بِدُونِ الْفَسْخ بَيَان ذَلِك إِذا أَرَادَ الْمُسْتَأْجر أَن ينْتَقل عَن الْبَلَد أَو يُسَافر فَلهُ أَن ينْقض الْإِجَارَة فِي الْعقار وَغَيره وَكَذَا مُسْتَأْجر الْحَانُوت إِذا ترك ذَلِك الْعَمَل أَو التِّجَارَة وانتقل إِلَى غَيره وَكَذَا إِذا أفلس وَلَيْسَ للمؤاجر عِنْد السّفر والنقلة عَن الْبَلَد عذر لِأَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِي تبقيه العقد وَمرض الْحمال وَالْجمال بِحَيْثُ يضرّهُ الْحمل عذر فِي رِوَايَة أبي يُوسُف لِأَن غَيره لَا يقوم مقَامه إِلَّا بِضَرَر وَذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 مرض الْجمال لَا يكون عذرا لِأَن خُرُوجه مَعَ الْإِبِل لَيْسَ بمستحق وَكَذَا الدّين الَّذِي لَا طَرِيق للمؤاجر فِي قَضَائِهِ إِلَّا بيع الْمُسْتَأْجر يكون عذرا وَكَذَا الْمُسْتَأْجر إِذا كَانَ لَا يحصل لَهُ النَّفْع مِمَّا اسْتَأْجر إِلَّا بِضَرَر يدْخلهُ فِي ملكه أَو بدنه فَبَدَا لَهُ ذَلِك فَلهُ فَسخه كمن اسْتَأْجر رجلا لِيقصرَ لَهُ ثيابًا أَو يقطعهَا أَو يخيطها أَو ينْقض دَارا لَهُ أَو يقطع شَجرا أَو يحدث فِي ملكه شَيْئا من بِنَاء أَو حفر أَو ليحتجم أَو يفتصد أَو يقْلع ضرسا لَهُ أَو ليزرع أَرضًا لَهُ ببذره وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ إِذا بدا لَهُ من ذَلِك ظهر أَنه لَهُ فِيهِ ضَرَرا ثمَّ الْإِجَارَة تبطل بِمَوْت الْمُسْتَأْجر أَو المؤاجر عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ ونعني بِهِ موت من وَقع لَهُ عقد الْإِجَارَة دون الْعَاقِد حَتَّى إِذا كَانَ وَكيلا لَا تبطل فَأَما هَلَاك الْمُسْتَأْجر فَإِن كَانَ شَيْئا بِعَيْنِه يبطل وَإِن كَانَ بِغَيْر عينه بِأَن وَقعت الْإِجَارَة على دَوَاب بِغَيْر عينهَا للْحَمْل أَو الرّكُوب وَسلم إِلَيْهِ الدَّوَابّ فَهَلَكت فعلى المؤاجر أَن يَأْتِي بغَيْرهَا ليحمل الْمَتَاع وَلَيْسَ لَهُ أَن يفْسخ لِأَنَّهُ لم يعجز عَن وَفَاء مَا الْتَزمهُ بِالْعقدِ وَهُوَ حمل مَتَاعه إِلَى مَوضِع كَذَا ثمَّ إجَازَة الظِّئْر مثل إِجَارَة عبد الْخدمَة لَا بُد من بَيَان الْوَقْت وَبَيَان الْأجر وَنَحْو ذَلِك إِلَّا أَن فِي الظِّئْر إِذا اسْتَأْجرهَا بكسوتها ونفقتها جَازَ من غير بَيَان عِنْد أبي حنيفَة اسْتِحْسَانًا وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز لِأَن هَذِه جَهَالَة تُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة غَالِبا وَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة أجِير الوحد لَا يجوز لَهَا أَن ترْضع غَيره وَعَلَيْهَا الرَّضَاع وَالْقِيَام بِأَمْر الصَّبِي فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من غسله وَغسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 ثِيَابه وطبخ طَعَامه وتهيئة ذَلِك وَالطَّعَام على الْأَب وَذكر وَمَا يعالج بِهِ الصّبيان من الريحان والدهن فعلى الظِّئْر وَهَذَا من عَادَة بلدهم فَأَما فِي بِلَادنَا بِخِلَافِهِ فعلى الْأَب ثمَّ الْإِجَارَة تتَوَقَّف على إجَازَة الْمَالِك ثمَّ ينظر إِن أجَاز العقد قبل اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة جَازَ وَتَكون الْأُجْرَة للْمَالِك وَإِن أجَازه بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة لم يجز بإجازته وَكَانَت الْأُجْرَة للعاقد لِأَن الْمَنْفَعَة الْمَاضِيَة تلاشت فَلَا يبْقى العقد بعد فَوَات مَحَله فَلَا يلْحقهُ الْإِجَازَة وَيصير الْعَاقِد غَاصبا بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إِذا آجر وَقَالُوا فِي الْغَاصِب إِذا آجر وَسلم ثمَّ قَالَ الْمَالِك أجزت مَا آجرت إِذا انْقَضتْ الْمدَّة فالأجر للْغَاصِب وَإِن أجَاز فِي نصف الْمدَّة فالأجر كُله للْمَالِك فِي قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد أجر مَا مضى للْغَاصِب وَأجر الْبَاقِي للْمَالِك وَكَذَا قَالَ مُحَمَّد فِيمَن غصب أَرضًا فأجرها للزِّرَاعَة فَأجَاز رب الأَرْض قَالَ إِن أَعْطَاهَا مُزَارعَة وأجازها صَاحب الأَرْض جَازَت وَإِن كَانَ الزَّرْع قد سنبل مَا لم ييبس فَلَا شَيْء للْغَاصِب من الزَّرْع لِأَن الْمُزَارعَة كالشيء الْوَاحِد لَا ينْفَصل بعض عَملهَا عَن بعض فَإِذا أجازها قبل الْفَرَاغ فَجعل كالابتداء وَأما إِذا يبس الزَّرْع فقد انْقَضى عمل الْمُزَارعَة فَلَا تلْحقهُ الْإِجَازَة فَيكون للْغَاصِب ثمَّ تَفْسِير الاستصناع هُوَ عقد على مَبِيع فِي الذِّمَّة وَشرط عمله على الصَّانِع وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وَفِي الِاسْتِحْسَان جَائِز لتعامل النَّاس فَلَا جرم اخْتصَّ جَوَازه بِمَا فِيهِ تعامل كَمَا فِي الْخُف والقلنسوة والأواني وَنَحْوهَا بعد بَيَان الْقدر وَالصّفة وَالنَّوْع وَهُوَ عقد غير لَازم وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْخِيَار فِي الِامْتِنَاع قبل الْعَمَل وَبعد الْفَرَاغ من الْعَمَل لَهما الْخِيَار حَتَّى إِن الصَّانِع لَو بَاعه قبل أَن يرَاهُ المستصنع جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعقد لَازم فَأَما إِذا جَاءَ بِهِ إِلَى المستصنع فَقَط سقط خِيَاره لِأَنَّهُ رَضِي بِكَوْنِهِ للمستصنع حَيْثُ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ فَإِذا رَآهُ المستصنع فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ أجَاز وَإِن شَاءَ فسخ عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا خِيَار لَهُ لِأَنَّهُ مَبِيع فِي الذِّمَّة بِمَنْزِلَة السّلم وهما يَقُولَانِ إِنَّه بِمَنْزِلَة الْعين الْمَبِيع الْغَائِب فَإِذا ضرب الْأَجَل فِي الاستصناع يَنْقَلِب سلما عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما لِأَنَّهُ إِذا ذكر فِيهِ الْأَجَل يكون فِيهِ جَمِيع مَعَاني السّلم وَالْعبْرَة للمعنى لَا للفظ وَلِهَذَا لَو استصنع مَا لَا يجوز استصناعه حَتَّى يكون استصناعا فَاسِدا وَشرط فِيهِ الْأَجَل يَنْقَلِب سلما بِلَا خلاف كَذَا هَذَا وَالله أعلم ب 3 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 @ كتاب الشّركَة الشّركَة نَوْعَانِ شركَة أَمْلَاك وَشركَة عُقُود الشّركَة الْأَمْلَاك على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا مَا كَانَ بفعلهما مثل أَن يشتريا أَو يُوهب لَهما أَو يوصى لَهما فيقبلا وَالْآخر بِغَيْر فعلهمَا وَهُوَ أَن يرثا وَالْحكم فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِد وَهُوَ أَن الْملك مُشْتَرك بَينهمَا وكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي نصيب شَرِيكه كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَأما شركَة الْعُقُود فعلى ثَلَاثَة أوجه شركَة بالأموال وَشركَة بِالْأَعْمَالِ وَشركَة بالوجوه وَيدخل فِي كل وَاحِد مِنْهَا شركَة الْعَنَان وَشركَة الْمُفَاوضَة فَنَذْكُر فِي كل نوع كيفيته وشرائطه وَأَحْكَامه وَأما الشّركَة بالأموال فلهَا شُرُوط عنانا كَانَت الشّركَة أَو مُفَاوَضَة مِنْهَا أَن يكون مَال الشّركَة حَاضرا إِمَّا عِنْد العقد أَو عِنْد الشِّرَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وَلَا يجوز بِمَال غَائِب أَو دين فِي الْحَالين لهَذَا قَالُوا فِيمَن دفع إِلَى رجل ألف دِرْهَم وَقَالَ اخْرُج مثلهَا واشتر بهَا وبع فَمَا ربحت كَانَ بَيْننَا فَأخْرج ألفا وَاشْترى بهَا جَازَ وَإِن لم يُوجد المَال الْمعِين عِنْد العقد وَإِنَّمَا وجد عِنْد الشِّرَاء وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَن الشّركَة لَا تتمّ إِلَّا بِالشِّرَاءِ فوجود المَال عِنْده كوجوده فِي الِابْتِدَاء وَمِنْهَا أَن يكون رَأس مَال الشّركَة أثمانا مُطلقَة من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَيصِح عقد الشّركَة فيهمَا بِالْإِجْمَاع وَلَو كَانَ من أَحدهمَا دَرَاهِم وَمن الآخر دَنَانِير جَازَت الشّركَة عندنَا وَعند زفر لَا يجوز وَأما التبر فَلَا تصح الشّركَة بِهِ وَجعله كالعروض فِي هَذَا الْكتاب وَفِي كتاب الصّرْف جعله ثمنا وخلط الْمَالَيْنِ لَيْسَ بِشَرْط عندنَا وَعند زفر شَرط وَأما الْمكيل وَالْمَوْزُون والعدديات المتقاربة فَلَا تصح الشّركَة بهَا قبل الْخَلْط بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا لَيست بأثمان عِنْد التَّعْيِين وَالشَّرِكَة لَا تصح فِيهَا إِلَّا وَهِي ثمن وَإِنَّمَا هِيَ أَثمَان فِي الذِّمَّة أما بعد الْخَلْط فَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تصح الشّركَة وَإِنَّمَا صَارَت شركَة أَمْلَاك وَقَالَ مُحَمَّد صحت الشّركَة بالخلط وَإِنَّمَا يظْهر الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ الْمكيل نِصْفَيْنِ وَقد شرطا أَن يكون الرِّبْح أَثلَاثًا فخلطاه واشتريا بِهِ قَالَ أَبُو يُوسُف الرِّبْح على قدر الْمَالَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّد على مَا شرطا وَأما الشّركَة بالعروض فَلَا تجوز عندنَا خلافًا ل مَالك لِأَن الشّركَة تَقْتَضِي الْوكَالَة وَالتَّوْكِيل على الْوَجْه الَّذِي تضمنه الشّركَة لَا يَصح بالعروض فَإِنَّهُ لَو قَالَ لغيره بِعْ عرضك على أَن ثمنه بَيْننَا لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 يَصح وَلَو قَالَ لرجل اشْتَرِ بِأَلف من مَالك على أَن مَا اشْتَرَيْته بَيْننَا وَأَنا أَشْتَرِي بِأَلف من مَالِي على أَن مَا أَشْتَرِي بَيْننَا جَازَ فَلهَذَا افْتَرقَا وَأما شركَة الْعَنَان فتفسيرها أَن يُشَارك صَاحبه فِي بعض الْأَمْوَال الَّتِي ذكرنَا لَا فِي جَمِيع الْأَمْوَال وَيكون كل وَاحِد مِنْهُمَا وَكيلا عَن صَاحبه فِي التَّصَرُّف فِي النَّوْع الَّذِي عينا من أَنْوَاع التِّجَارَة أَو فِي جَمِيع أَنْوَاع التِّجَارَة إِذا عينا ذَلِك أَو أطلقا ويبينان قدر الرِّبْح وَهَذِه الشّركَة جَائِزَة بِلَا خلاف لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْوكَالَة فِي التَّصَرُّف عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه وَالتَّوْكِيل صَحِيح وَلِهَذَا تجوز هَذِه الشّركَة بَين كل من كَانَ من أهل التِّجَارَة مَأْذُونا فِيهَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون وَالصَّبِيّ الْمَأْذُون وَالْمكَاتب وَالذِّمِّيّ كَمَا تجوز بَين الْأَحْرَار الْبَالِغين الْمُسلمين لِأَن قبُول الْوكَالَة صَحِيح مِنْهُم وَيجوز أَن يشْتَرط الْعَمَل عَلَيْهِمَا بَان اشْتَركَا على أَن يبيعا ويشتريا على أَن مَا رزق من ذَلِك فَهُوَ بَينهمَا على كَذَا وَيجوز أَن يشترطا الْعَمَل على أَحدهمَا دون الآخر ثمَّ لَا شكّ أَنَّهُمَا إِذا شرطا الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاع إِذا كَانَ رَأس مَالهمَا على السوَاء سَوَاء شَرط الْعَمَل عَلَيْهِمَا أَو على أَحدهمَا لِأَن اسْتِحْقَاق الرِّبْح بِالْمَالِ أَو بِالْعَمَلِ وَقد وجد التَّسَاوِي فِي المَال وَإِن شرطا الرِّبْح بَينهمَا أَثلَاثًا فَإِن كَانَ الْعَمَل عَلَيْهِمَا جَازَ سَوَاء كَانَ فضل الرِّبْح لمن كَانَ رَأس مَاله أَكثر أَو أقل لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون لَهُ زِيَادَة حذاقة فَيكون الرِّبْح بِزِيَادَة الْعَمَل وَإِن شرطا الْعَمَل على أَحدهمَا فَإِن شرطا الْعَمَل على الَّذِي شَرط لَهُ فضل الرِّبْح جَازَ لِأَن عَامل فِي مَاله وَربحه لَهُ وعامل فِي مَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 شَرِيكه بِبَعْض ربحه وَالرِّبْح يسْتَحق بِالْعَمَلِ وَإِن شرطا الْعَمَل على أقلهما ربحا خَاصَّة لَا يجوز لِأَنَّهُ شَرط للْآخر فضل ربح بِغَيْر عمل وَلَا ضَمَان وَالرِّبْح لَا يسْتَحق إِلَّا بِمَال أَو عمل أَو ضَمَان وَلَا نعني بقولنَا الْعَمَل وجوده بل نعني بِهِ شَرط الْعَمَل وَإِذا اشْترك الرّجلَانِ بِمَال على أَن يشتريا ويبيعا فَمَا كَانَ من الرِّبْح فَهُوَ بَينهمَا وَلم يخلطا المَال فَضَاعَ مَال أَحدهمَا قبل الشِّرَاء فقد انتقضت الشّركَة لِأَن الشّركَة تعيّنت فِي الْمَالَيْنِ فَإِذا هلك أَحدهمَا قبل الشِّرَاء بطلت الشّركَة فِيهِ وَبَطلَت فِي المَال الآخر لِأَن صَاحبه لم يرض بمشاركة شَرِيكه فِيهِ إِلَّا بِشَرْط الشّركَة فِي مَال وَإِذا بطلت الشّركَة فَمَا يَشْتَرِيهِ بِمَالِه يكون لَهُ خَاصَّة وَلَو اشْترى بِأحد الْمَالَيْنِ ثمَّ هلك المَال الآخر فَمَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ بَينهمَا لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ بَقَاء الشّركَة فملكا الْمُشْتَرى فهلاك المَال بعده لَا يُغير حكم الْملك ثمَّ لكل وَاحِد من شَرِيكي الْعَنَان بَعْدَمَا اشتريا بِرَأْس المَال أعيانا أَن يَبِيع مَال الشّركَة بِالنَّقْدِ والنسيئة وَيَشْتَرِي بِالنَّقْدِ والنسيئة وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ فِيمَا إِذا كَانَ فِي يَده دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو مَكِيل أَو مَوْزُون فَاشْترى بذلك الْجِنْس شَيْئا لِأَن الشَّرِيك وَكيل بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيل بِالشِّرَاءِ يملك الشِّرَاء بِالنَّسِيئَةِ فَإِذا لم يكن فِي يَده مَا ذكرنَا وَصَارَ مَال الشّركَة كُله أعيانا وأمتعة فَاشْترى بِدَرَاهِم أَو بِدَنَانِير نَسِيئَة فَالْمُشْتَرِي لَهُ خَاصَّة دون شَرِيكه لِأَنَّهُ لَو صَحَّ فِي حق شَرِيكه صَار مستدينا على مَال الشّركَة وَالشَّرِيك شركَة عنان وَالْمُضَارب لَا يملكَانِ الِاسْتِدَانَة إِلَّا أَن يُؤذن لَهما فِي ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وَكَذَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يبضع ويودع ويوكل بِالْبيعِ ويحتال بِالثّمن ويستأجر ويسافر بِمَال الشّركَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِي أصح الرِّوَايَات وَكَذَا يقبض مَا بَاعَ بِنَفسِهِ ويخاصم فِيهِ وَلَا يقبض مَا بَاعَ صَاحبه وَلَا يُخَاصم فِيهِ إِلَّا إِذا قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلَهُمَا أَن يعملا فِي ذَلِك مَا كَانَ من التِّجَارَة وتوابعها من الرَّهْن والارتهان وَدفع المَال مُضَارَبَة وَالسّفر بِالْمَالِ فِي قَوْلهم إِلَّا الْقَرْض وَالْهِبَة وَالْكِتَابَة وَالتَّزْوِيج وَنَحْو ذَلِك لِأَن هَذَا من بَاب التَّبَرُّع وَلَيْسَ من جنس التِّجَارَة وَأما شركَة الْمُفَاوضَة فَشرط صِحَّتهَا أَن تكون فِي جَمِيع التِّجَارَات وَلَا يخْتَص أَحدهمَا بِتِجَارَة دون شَرِيكه وَأَن يكون مَا يلْزم أَحدهمَا من حُقُوق مَا يتجران فِيهِ لَازِما للْآخر وَمَا يجب لكل وَاحِد مِنْهُمَا يجب للْآخر وَيكون كل وَاحِد مِنْهُمَا فِيمَا وَجب لصَاحبه بِمَنْزِلَة الْوَكِيل وَفِيمَا وَجب عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْكَفِيل عَنهُ ويتساويان مَعَ ذَلِك فِي رُؤُوس الْأَمْوَال فِي قدرهَا وَقيمتهَا ويتساويان فِي الرِّبْح فَإِن تَفَاوتا فِي شَيْء من ذَلِك لم تكن مُفَاوَضَة وَكَانَت عنانا فَصَارَت الْمُفَاوضَة مُشْتَمِلَة على الْوكَالَة وَالْكَفَالَة والتساوي فِي الرِّبْح وَالْمَال الَّذِي يَقع بِهِ الشّركَة وَلِهَذَا لَا تجوز إِلَّا بَين الْمُسلمين الحرين الْبَالِغين العاقلين لتساويهما فِي أَهْلِيَّة الْكفَالَة وأهلية سَائِر التَّصَرُّفَات بِخِلَاف العَبْد وَالصَّبِيّ وَالْمكَاتب وَالذِّمِّيّ وَالْمَجْنُون ثمَّ كل مَا يجوز لِشَرِيك الْعَنَان أَن يَفْعَله يجوز للمفاوض أَن يَفْعَله أَيْضا لِأَن شركَة الْمُفَاوضَة أَعم ثمَّ كل مَا هُوَ شَرط فِي صِحَة شركَة الْعَنَان فَهُوَ شَرط فِي صِحَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 الْمُفَاوضَة وكل مَا فَسدتْ بِهِ شركَة الْعَنَان فَهُوَ مُفسد لشركة الْمُفَاوضَة وَيجوز للمفاوض أَيْضا مَا لَا يجوز لِشَرِيك شركَة عنان فمما يخْتَص بِهِ المفاوض أَن يجوز إِقْرَاره بِالدّينِ على نَفسه وعَلى شَرِيكه وَيُطَالب الْمقر لَهُ أَيهمَا شَاءَ ليَكُون كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن صَاحبه وَكَذَلِكَ كل مَا وَجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا من دين سَائِر الْعُقُود الَّتِي تكون فِي التِّجَارَة من الشِّرَاء وَالْبيع والاستئجار وَغير ذَلِك من سَائِر مَا يضمنهُ أَحدهمَا من الْأَمْوَال بالغصوب والبيوع الْفَاسِدَة وَالْخلاف فِي الودائع والعواري والاستهلاكات والإجارات الرَّهْن والارتهان وَالْكَفَالَة بِالْمَالِ عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَالْقَبْض وَالْخُصُومَة وَإِقَامَة الْبَيِّنَة والاستحلاف على الْعلم وَالْكِتَابَة وَالْإِذْن فِي التِّجَارَة لعبد الشّركَة وتزويج الْأمة وَنَحْو ذَلِك وَلَا يجوز أَن يعْتق شَيْئا من عبيد التِّجَارَة وَلَا أَن يزوجهم وَإِذا اشْترى أَحدهمَا طَعَاما لأَهله أَو كسْوَة أَو مَا لَا يتهم فِيهِ فَذَلِك جَائِز وَهُوَ لَهُ خَاصَّة دون صَاحبه وَللْبَائِع أَن يُطَالب بِثمن ذَلِك أَيهمَا شَاءَ إِلَّا أَنهم قَالُوا إِن الشَّرِيك يرجع على شَرِيكه بِنصْف ثمن ذَلِك لِأَنَّهُ قضى دينه من مَاله بِإِذْنِهِ دلَالَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يَشْتَرِي جَارِيَة للْوَطْء أَو للْخدمَة بِغَيْر إِذن الشَّرِيك وَإِذا اشْترى أَحدهمَا جَارِيَة ليطأها بِإِذن شَرِيكه فَهِيَ لَهُ خَاصَّة وَلَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء من الثّمن وَلم يذكر الْخلاف فِي كتاب الشّركَة وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير فَقَالَ عِنْد أبي حنيفَة لَا يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء من الثّمن وَعِنْدَهُمَا يرجع عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ على مَا عرف ثمَّ وَأما الشّركَة بالوجوه فَأن يشْتَرك الرّجلَانِ وَلَا مَال لَهما على أَن يشتريا ويبيعا بوجوههما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 على أَن مَا اشتريا أَو اشْترى أَحدهمَا فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَسميت شركَة الْوُجُوه لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إِلَّا من لَهُ وَجه عِنْد النَّاس وَهِي عقد جَائِز عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لتعامل النَّاس فِي الْأَعْصَار من غير نَكِير ثمَّ كَيْفَمَا شرطا وُقُوع الْملك فِي الْمُشْتَرى بَينهمَا إِمَّا نِصْفَانِ أَو كَانَ لأَحَدهمَا أَكثر فَهُوَ جَائِز وَيَقَع الْملك بَينهمَا كَذَلِك وَيكون الرِّبْح على قدر ملكهمَا وَلَا يجوز أَن يفضل أَحدهمَا على ربح حِصَّته شَيْئا لِأَن الرِّبْح يسْتَحق فِي هَذِه الشّركَة بِالضَّمَانِ لَا بِالْمَالِ وَالْعَمَل وَالضَّمان على قدر الْحصَّة فَيكون الرِّبْح كَذَلِك إِذْ لَو شَرط زِيَادَة الرِّبْح فَإِنَّهُ يشْتَرط من غير عمل وَمَال وَضَمان وَهَذَا لَا يجوز ثمَّ هما فِي جَمِيع مَا يجب لَهما وَمَا يجب عَلَيْهِمَا وَمَا يجوز فِيهِ فضل أَحدهمَا على شَرِيكه وَمَا لَا يجوز بِمَنْزِلَة شَرِيكي الْعَنَان لِأَنَّهُمَا اطلقا الشّركَة وَالشَّرِكَة الْمُطلقَة تَقْتَضِي الْعَنَان فَإِذا اشْتَركَا بوجوههما شركَة مُفَاوَضَة فَذَلِك جَائِز لِأَنَّهُمَا ضما إِلَى الْوكَالَة الْمُطلقَة الْكفَالَة وَذَلِكَ جَائِز إِلَّا أَنه لَا بُد من التَّسَاوِي فِيمَا يتبايعانه لِأَن الْمُفَاوضَة تمنع من التَّفَاضُل وَأما الشّركَة بِالْأَعْمَالِ فَهِيَ تسمى شركَة الصَّنَائِع وَتسَمى شركَة الْأَبدَان لِأَن الْعَمَل بِالْبدنِ يكون وَهُوَ أَن يشْتَرك اثْنَان فِي عمل القصارة والصباغة على أَن يتقبلا الْأَعْمَال ويعملا فَمَا أخذا من الْأجر فَهُوَ بَينهمَا وَهَذِه الشّركَة جَائِزَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مِمَّا جرى بِهِ التَّعَامُل فِي جَمِيع الْأَعْصَار ثمَّ هِيَ قد تكون مُفَاوَضَة وَقد تكون عنانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 فالمفاوضة مَا ذكرا فِيهِ لَفْظَة الْمُفَاوضَة أَو ذكرا مَا هُوَ فِي معنى الْمُفَاوضَة بِأَن اشْترط الصانعان على أَن يتقبلا جَمِيعًا الْأَعْمَال وَأَن يضمنا جَمِيعًا الْعَمَل على التَّسَاوِي وَأَن يتساويا فِي الرِّبْح والوضيعة وَأَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن صَاحبه فِيمَا لحقه بِسَبَب هَذِه الشّركَة فَهِيَ مُفَاوَضَة وَإِن شرطا على أَن مَا قبلا من الْأَعْمَال وضمنا الْعَمَل فعلى أَحدهمَا الثُّلُثَانِ من الْعَمَل وعَلى الآخر الثُّلُث وَالْآخر والوضيعة على قدر ذَلِك فَهَذَا شركَة عنان لوُجُود معنى شركَة الْعَنَان وَكَذَا إِذا ذكرا لَفْظَة الْعَنَان وَكَذَا لَو أطلقا فَهِيَ شركَة عنان أَيْضا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قبلا الْأَعْمَال وضمنا تَسْلِيم ذَلِك إِلَى صَاحبه فَيكون ذَلِك جَارِيا مجْرى الْمُفَاوضَة فِي أَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا وَلِصَاحِب الْعَمَل أَن يُطَالب بِالْعَمَلِ أَيهمَا شَاءَ وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُطَالب بِأُجْرَة الْعَمَل وَإِلَى أَيهمَا دفع صَاحب الْعَمَل برىء وعَلى أَيهمَا وَجب ضَمَان الْعَمَل فَكَانَ لصَاحب الْعَمَل أَن يُطَالب الآخر وَلَكِن لَا تكون مُفَاوَضَة حَقِيقَة مَا لم تذكر لَفْظَة الْمُفَاوضَة أَو يُوجد مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا ذكرنَا حَتَّى قَالُوا فِي الدّين إِذا أقرّ بِهِ أَحدهمَا من ثمن صابون أَو أشنان أَو أجر أجِير أَو حَانُوت قد مضى فَإِنَّهُ لَا يصدق على صَاحبه إِلَّا بِإِقْرَارِهِ أَو بِبَيِّنَة قَامَت عَلَيْهِ وَيَسْتَوِي أَن تكون الشّركَة فِي نوع عمل فيعملان ذَلِك أَو يعْمل أَحدهمَا عملا وَالْآخر غير ذَلِك أَو لم يعْمل بعد أَن ضمنا جَمِيعًا العملين جَمِيعًا لِأَن الْإِنْسَان قد يعْمل بِنَفسِهِ وأجيره فَإِن عمل أَحدهمَا دون الآخر وَالشَّرِكَة عنان أَو مُفَاوَضَة فالأجر بَينهمَا إِن شرطا الْعَمَل عَلَيْهِمَا والتزما ذَلِك فَيكون أَحدهمَا معينا للْآخر كالقصار إِذا اسْتَعَانَ بِرَجُل فِي القصارة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وَكَذَلِكَ إِذا شرطا لأَحَدهمَا زِيَادَة أجر أَو شرطا الْعَمَل على قدر الْأجر والوضيعة كَذَلِك فَهُوَ جَائِز وَإِن كَانَ عمل الَّذِي شَرط لَهُ الْأجر الْقَلِيل أَكثر لِأَن الرِّبْح بِقدر ضَمَان الْعَمَل لَا بِحَقِيقَة الْعَمَل وَإِن شرطا الوضيعة نِصْفَيْنِ لَا يَصح وَيبْطل وَتَكون الوضيعة على مَا شرطا من ضَمَان الْعَمَل وَالْأَجْر كَذَلِك وَلَو جنت يَد أَحدهمَا فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَن ذَلِك بِنَاء على ضَمَان الْعَمَل وَقد ضمنا جَمِيعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 بَاب الشّركَة الْفَاسِدَة وَهِي أَنْوَاع مِنْهَا الِاشْتِرَاك فِي جَمِيع الْمُبَاحَات الَّتِي تملك بِالْأَخْذِ مثل الِاصْطِيَاد والاحتطاب والاحتشاش والاستقاء واجتناء الثِّمَار وحفر الْمَعَادِن فَإِن اشْتَركَا على أَن مَا أصابا من ذَلِك فَهُوَ بَينهمَا فالشركة فَاسِدَة وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا مَا أَخذه لِأَن الشّركَة تَقْتَضِي الْوكَالَة وَالْوكَالَة فِي الِاصْطِيَاد وَنَحْوه لَا تصح وَإِذا فَسدتْ فالأخذ سَبَب الْملك فَيكون ملكا لَهُ ثمَّ ينظر إِن أخذا جَمِيعًا مَعًا فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَب الْملك وَإِن أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا بإنفراده وخلطاه وباعاه فَإِن كَانَ مِمَّا يُكَال ويوزن يقسم الثّمن على قدر الْكَيْل وَالْوَزْن الَّذِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن يقسم الثّمن بَينهمَا بِالْقيمَةِ فَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِقِيمَة الَّذِي لَهُ وَإِن لم يعرف الْكَيْل وَالْوَزْن وَالْقيمَة يصدق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِيمَا يَدعِي إِلَى النّصْف وَإِن ادّعى أَكثر من النّصْف فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة وَإِن عمل أَحدهمَا وأعانه الآخر فِي عمله فَلهُ أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف لَهُ أجر مثله لَا يُجَاوز بِهِ نصف الْمُسَمّى أَو قِيمَته أَي نصف ذَلِك الشَّيْء الَّذِي أَعَانَهُ فِيهِ أَو قِيمَته كمن قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 لآخر بِعْ هَذَا الثَّوْب على أَن نصف ثمنه لَك فَإِنَّهُ يجب أجر الْمثل مُقَدرا بِنصْف ذَلِك الثّمن وَمِنْهَا أَن يكون لأَحَدهمَا بغل وَللْآخر حمَار فاشتركا على أَن يأجرا ذَلِك فَمَا رزق الله من شَيْء فبينهما فأجراهما جَمِيعًا بِأَجْر مَعْلُوم فِي عمل مَعْلُوم وَحمل مَعْلُوم فَإِن هَذِه الشّركَة فَاسِدَة لِأَن الْوكَالَة على هَذَا الْوَجْه لَا تصح بِأَن قَالَ الآخر أجر بعيرك على أَن أجره بَيْننَا فَإِنَّهُ فَاسد فَكَذَا الشّركَة وَإِذا فَسدتْ الشّركَة فَالْإِجَارَة صَحِيحَة لوقوعها على مَنَافِع مَعْلُومَة بِبَدَل مَعْلُوم فيقسمان مَا أخذا من الْأجر على قدر أجر مثل الْبَغْل وَالْحمار وَمِنْهَا أَنه لَو دفع إِلَى رجل دَابَّة ليأجرها على أَن الْأجر بَينهمَا كَانَ ذَلِك فَاسِدا وَالْأَجْر لصَاحب الدَّابَّة وَكَذَلِكَ السَّفِينَة وَالدَّار لِأَنَّهُ عقد على ملك الْغَيْر بِإِذْنِهِ وَيجب أجر الْمثل لِأَنَّهُ استوفى مَنْفَعَة بِعقد فَاسد وَنَوع آخر رجل اشْترى شَيْئا فَقَالَ لَهُ الآخر أشركني فِيهِ فَهَذَا بِمَنْزِلَة البيع وَالشِّرَاء بِمثل مَا اشْترى فِي النّصْف وَالتَّوْلِيَة أَن يَجْعَل كُله لَهُ بِمثل مَا اشْترى على مَا مر فِي كتاب الْبيُوع فَإِن كَانَ قبل أَن يقبض الأول لم يجز لِأَنَّهُ بيع الْمَبِيع الْمَنْقُول قبل الْقَبْض وَإِن كَانَ بعده جَازَ وَيلْزمهُ نصف الثّمن فَإِن كَانَ لَا يعلم بِمِقْدَار الثّمن فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا علم إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك وَلَو اشْترى رجلَانِ عبدا فأشركا فِيهِ رجلا بعد الْقَبْض فَالْقِيَاس أَن يكون للشَّرِيك النّصْف لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَو أشركه فِي نصِيبه على الِانْفِرَاد اسْتحق نصفه فَكَذَا إِذا أشركاه جَمِيعًا مَعًا وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 الِاسْتِحْسَان يكون لَهُ الثُّلُث لِأَن الشّركَة تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة فَإِذا قَالَا لَهُ أشركناك فِيهِ فكأنهما قَالَا شاركناك فَإِن أشركه أَحدهمَا فِي نصِيبه وَنصِيب صَاحبه فَأجَاز شَرِيكه ذَلِك كَانَ للداخل النّصْف وللأولين النّصْف لِأَنَّهُ لما أجَاز شَرِيكه فِي نصِيبه صَار نصف نصِيبه لَهُ وَقد أشركه فِي نصيب نَفسه هَذَا فَيكون للثَّانِي النّصْف وَبَقِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا الرّبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 كتاب الْمُضَاربَة يحْتَاج إِلَى معرفَة تَفْسِير الْمُضَاربَة والألفاظ الَّتِي بهَا تَنْعَقِد الْمُضَاربَة وَإِلَى بَيَان شُرُوط صِحَّتهَا والشروط الْمفْسدَة وَإِلَى بَيَان أَحْكَامهَا وَأما تَفْسِير الْمُضَاربَة فَهُوَ دفع المَال إِلَى غَيره ليتصرف فِيهِ وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا فَيكون الرِّبْح لرب المَال بِسَبَب مَاله لِأَنَّهُ نَمَاء مَاله وللمضارب بِاعْتِبَار عمله الَّذِي هُوَ سَبَب وجود الرِّبْح وَأما أَلْفَاظ الْمُضَاربَة فَأن يَقُول دفعت هَذَا المَال إِلَيْك مُضَارَبَة أَو مقارضة أَو مُعَاملَة أَو خُذ هَذَا المَال واعمل فِيهِ على أَن مَا رزق الله من شَيْء فَهُوَ بَيْننَا نِصْفَانِ أَو على أَن لَك ربعه أَو خمسه أَو عشره وَلم يزدْ على هَذَا فَهُوَ مُضَارَبَة ثمَّ هِيَ نَوْعَانِ مُطلقَة وخاصة أما الْمُطلقَة فَأن يدْفع المَال إِلَى رجل وَيَقُول دفعت هَذَا المَال إِلَيْك مُضَارَبَة على أَن الرِّبْح بَيْننَا نِصْفَانِ وَأما الْخَاصَّة فَأن يدْفع إِلَيْهِ ألف دِرْهَم مُضَارَبَة على أَن يعْمل بهَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 الْكُوفَة أَو أَن يعْمل بهَا فِي الْبَز أَو الْخَزّ أَو قَالَ خُذ هَذَا المَال مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ على أَن تشتري بِهِ الطَّعَام وَنَحْو ذَلِك وَأما شَرَائِط صِحَّتهَا فَمِنْهَا أَن يكون رأى رَأس المَال من الْأَثْمَان الْمُطلقَة فَكل مَا يصلح رَأس مَال الشّركَة وَيصِح بِهِ عقد الشّركَة تصح بِهِ الْمُضَاربَة وَإِلَّا فَلَا وَقد ذكرنَا هَذَا فِي كتاب الشّركَة وَأما الْمُضَاربَة بِرَأْس مَال الدّين فَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون الدّين لرب المَال على رجل فَيَقُول لَهُ اعْمَلْ بديني الَّذِي فِي ذِمَّتك مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ فَإِن اشْترى بهَا وَبَاعَ فَجَمِيع مَا اشْترى وَبَاعَ يملكهُ وَله ربحه وَعَلِيهِ وضيعته وَالدّين فِي ذمَّته بِحَالهِ عِنْد أبي حنيفَة بِنَاء على أَصله فِيمَن وكل رجلا ليَشْتَرِي بِالدّينِ الَّذِي فِي ذمَّته لم يجز وعَلى أَصلهمَا يجوز هَذَا التَّوْكِيل وَيبرأ من الدّين فَيكون مَا اشْترى وَبَاعَ لرب المَال لَهُ ربحه وَعَلِيهِ وضيعته وَالْمُضَاربَة فَاسِدَة لِأَن الشِّرَاء وَقع للْمُوكل فَيكون مُضَارَبَة بالعروض وَأما إِذا قَالَ لَهُ اقبض مَالِي على فلَان من الدّين واعمل بِهِ مُضَارَبَة فقد جَازَ لِأَنَّهُ أضَاف الْمُضَاربَة إِلَى الْمَقْبُوض الَّذِي هُوَ أَمَانَة فِي يَده وَمن شَرط صِحَّتهَا أَن يكون الرِّبْح جُزْءا مشَاعا من الْجُمْلَة أما إِذا عين بِأَن قَالَ على أَن لَك من الرِّبْح مائَة دِرْهَم أَو نَحْوهَا فَلَا يَصح لاحْتِمَال أَن الرِّبْح لَا يكون إِلَّا هَذَا الْقدر فَلَا يحصل الرِّبْح لرب المَال وَكَذَا الْوَصِيّ لَو دفع مَال الصَّبِي مُضَارَبَة وَشرط عمل الصَّغِير فالمضاربة فَاسِدَة لبَقَاء يَد الْمَالِك على المَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وَمِنْهَا انْقِطَاع يَد رب المَال عَن رَأس المَال شَرط صِحَّتهَا حَتَّى قَالُوا فِي الْمضَارب إِذا دفع المَال لي رب المَال مُضَارَبَة بِالثُّلثِ فالمضاربة الثَّانِيَة فَاسِدَة وَمِنْهَا إِعْلَام قدر الرِّبْح لِأَن الرِّبْح هُوَ الْمَقْصُود فجهالته توجب فَسَاد العقد فَكل شَرط يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَة الرِّبْح يفْسد الْمُضَاربَة وَإِن كَانَ لَا يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَة الرِّبْح يبطل الشَّرْط وَيصِح العقد مثل أَن يشْتَرط أَن تكون الوضيعة على الْمضَارب أَو عَلَيْهِمَا فَالشَّرْط يبطل وَيبقى العقد صَحِيحا والوضيعة فِي مَال الْمُضَاربَة وَكَذَا لَو دفع ألفا مُضَارَبَة على أَن الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ وعَلى أَن يدْفع إِلَيْهِ رب المَال أرضه ليزرعها سنة أَو على أَن يسكنهُ دَاره سنة فَالشَّرْط بَاطِل وَالْمُضَاربَة جَائِزَة وَأما الْأَحْكَام فَنَقُول الْمُضَاربَة تشْتَمل على أَحْكَام مُخْتَلفَة إِذا دفع المَال إِلَى الْمضَارب فَهُوَ أَمَانَة فِي يَده فِي حكم الْوَدِيعَة لِأَنَّهُ قَبضه بِأَمْر الْمَالِك لَا على طَرِيق الْبَدَل والوثيقة فَإِذا اشْترى بِهِ فَهُوَ وكَالَة لِأَنَّهُ تصرف فِي مَال الْغَيْر بِإِذْنِهِ فَإِذا ربح صَار شركَة لِأَنَّهُ ملك جُزْءا من المَال بِشَرْط الْعَمَل وَالْبَاقِي نَمَاء مَال الْمَالِك فَهُوَ لَهُ فَكَانَ مُشْتَركا بَينهمَا فَإِذا فَسدتْ الْمُضَاربَة بِوَجْه من الْوُجُوه صَارَت إِجَارَة لِأَن الْوَاجِب فِيهَا أجر الْمثل وَذَلِكَ يجب فِي الْإِجَارَات فَإِن خَالف الْمضَارب صَار غَاصبا وَالْمَال مَضْمُون عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 تعدى فِي ملك غَيره ثمَّ من حكم الْمُضَاربَة الْمُطلقَة الْعَامَّة أَن يتَصَرَّف الْمضَارب فِي مَال الْمُضَاربَة مَا بدا لَهُ من أَنْوَاع التِّجَارَات وَله أَن يدْفع بضَاعَة ووديعة ويستأجر الْأَجِير وَالدَّوَاب والبيوت وَأَن يَبِيعهُ بِالنَّقْدِ والنسيئة ويوكل وَكيلا فِي الشِّرَاء وَالْبيع وَله أَن يرْهن ويرتهن فِي الْمُضَاربَة وَله أَن يُسَافر بِالْمَالِ فِي الطَّرِيق الَّذِي يُسَافر فِيهِ التُّجَّار وَلَيْسَ لَهُ أَن يقْرض وَأَن يستدين على الْمُضَاربَة وَإِن يَأْخُذ سفتجة حَتَّى يَأْمُرهُ بذلك وَلَيْسَ لَهُ أَن يدْفع المَال إِلَى غَيره مُضَارَبَة وَأَن يُشَارك بِهِ وَأَن يخلطه بِمَالِه وَلَا بِمَال غَيره فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَفِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة لَهُ أَن يَأْذَن لعبد الْمُضَاربَة فِي التِّجَارَة لِأَنَّهُ عَادَة التُّجَّار وَأما الْمُضَاربَة الْخَاصَّة فَهِيَ فِيمَا ذكرنَا من الْأَحْكَام مثل الْمُضَاربَة الْعَامَّة وَإِنَّمَا تفارقها فِي قدر الْخُصُوص وَهُوَ أَن يتَقَيَّد بِالْمِصْرِ الَّذِي قَيده بهَا بِأَن دفع المَال مُضَارَبَة ليعْمَل بهَا فِي الْكُوفَة فَلَيْسَ لَهُ أَن يخرج المَال من الْكُوفَة بِنَفسِهِ وَلَا يُعْطِيهَا أَيْضا بضَاعَة لمن يخرج بهَا عَن الْكُوفَة فَإِن أخرجهَا من الْكُوفَة ضمن فَإِن اشْترى بهَا وَبَاعَ فَمَا اشْترى فَهُوَ لنَفسِهِ وَإِن لم يشتر بهَا شَيْئا حَتَّى يردهُ إِلَى الْكُوفَة برىء من الضَّمَان وَرجع المَال مُضَارَبَة على حَالهَا كَالْمُودعِ إِذا خَالف فِي الْوَدِيعَة ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَلَو دفع إِلَيْهِ على أَن يعْمل فِي سوق الْكُوفَة فَعمل بِالْكُوفَةِ فِي غير سوقها فَهُوَ جَائِز على الْمُضَاربَة اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَا يُفِيد غَالِبا وَلَو قَالَ لَهُ لَا تعْمل إِلَّا فِي سوق الْكُوفَة فَعمل فِي غير السُّوق فَبَاعَ وَاشْترى فَهُوَ ضَامِن لِأَن هَذَا حجر وَالْأول تَخْصِيص وَإِنَّمَا يَصح التَّخْصِيص إِذا كَانَ مُفِيدا وَالْحجر عَن التَّصَرُّف فِي ملك نَفسه جَائِز وَلَا يَصح التَّصَرُّف بِدُونِ إِذْنه ثمَّ فِي الْمُضَاربَة الْمُطلقَة إِذا نهى رب المَال أَن يخرج المَال من الْمصر الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَعلم بِالنَّهْي فَلَيْسَ لَهُ أَن يخرجهه وَحَاصِل هَذَا أَن فِي الْمُضَاربَة الْمُطلقَة إِن خصصها رب المَال بعد العقد فَإِن كَانَ رَأس المَال بِحَالهِ أَو اشْترى بِهِ مَتَاعا ثمَّ بَاعه وَقبض ثمنه دَرَاهِم ودنانير فَإِن تَخْصِيصه جَائِز كَمَا لَو خصص الْمُضَاربَة فِي الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ يملك التَّخْصِيص إِذا كَانَ فِيهِ فَائِدَة أما إِذا كَانَ مَال الْمُضَاربَة عرُوضا فَلَيْسَ يَصح نهي رب المَال حَتَّى يصير نَقْدا وَذَلِكَ نَحْو أَن يَقُول لَا تبع بِالنَّسِيئَةِ لِأَن الْمُضَاربَة تمت بِالشِّرَاءِ وَلَو أَرَادَ الْعَزْل عَن البيع لم يَصح عَزله فَكَذَلِك عَن صفته وَمِنْهَا أَن الْمضَارب لَيْسَ لَهُ أَن ينْفق من مَال الْمُضَاربَة مَا دَامَ فِي مصره وَإِذا سَافر أنْفق من مَال الْمُضَاربَة لنفقته وَكسوته ومركوبه وعلف دوابه وَنَفَقَة أجيره ومؤونته وَمَا لَا بُد فِي السّفر مِنْهُ عَادَة إِلَّا مؤونة الْحجامَة والخضاب والنورة فَهُوَ من مَاله وروى الْحسن أَن كل مَا يثبت فِيهِ نَفَقَة الْإِنْسَان كَانَ فِيهِ الدَّوَاء والحجامة فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَكَذَلِكَ الدّهن وَقَالَ مُحَمَّد الدّهن فِي مَاله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وَلَو أَقَامَ فِي مصر من الْأَمْصَار للْبيع وَالشِّرَاء وَنوى الْإِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فنفقته من مَال الْمُضَاربَة مَا لم يتَّخذ من الْمصر دَارا للتوطين ثمَّ إِذا دخل مصره فَمَا فضل من نَفَقَته وَكسوته يردهُ إِلَى مَال الْمُضَاربَة ثمَّ مِقْدَار النَّفَقَة الَّتِي أنْفق يحْتَسب كُله من الرِّبْح إِن كَانَ ربح وَإِن لم يكن فَهُوَ من رَأس المَال وَمَا أنفقهُ من مَاله فِيمَا لَهُ أَن يُنْفِقهُ من مَال الْمُضَاربَة على نَفسه فَهُوَ دين فِي الْمُضَاربَة كالوصي إِذا أنْفق على الصَّغِير من مَال نَفسه لِأَن تَدْبِير ذَلِك مفوض إِلَيْهِ وَمِنْهَا أَن قسْمَة الرِّبْح قبل قبض رَأس المَال لَا تصح حَتَّى أَنَّهُمَا لَو اقْتَسمَا الرِّبْح وَرَأس المَال فِي يَد الْمضَارب فَهَلَك فَمَا أَخذ رب المَال من الرِّبْح يكون محسوبا من رَأس المَال وَيرجع على الْمضَارب فِيمَا قَبضه حَتَّى يتم رَأس المَال فَإِن فضل فَهُوَ ربح بَينهمَا وَلَو هلك رَأس المَال فِي يَد الْمضَارب قبل أَن يَشْتَرِي بِهِ شَيْئا يهْلك أَمَانَة وتنفسخ الْمُضَاربَة لِأَن المَال يتَعَيَّن فِي الْمُضَاربَة وَالْقَوْل فِي الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة قَول الْمضَارب وَفِي الْفَاسِدَة قَول رب المَال فَأَما إِذا اشْترى بِالْمَالِ رَقِيقا فَهَلَك الرَّقِيق فَهُوَ على الْمُضَاربَة وَلَو كَانَ رَأس المَال ألفا فَاشْترى بِهِ شَيْئا فَهَلَك الْألف قبل التَّسْلِيم فَإِنَّهُ يرجع هُوَ بِالْألف على رب المَال ثَانِيًا وثالثا ورابعا وَذَلِكَ كُله رَأس المَال لِأَن الْمُضَاربَة قد تمت لَو مَاتَ الْمضَارب يَنْفَسِخ عقد الْمُضَاربَة لعَجزه عَن الْعَمَل بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 فَصَارَ كلما لَو عَزله إِلَّا أَن فِي الْعَزْل لَا بُد من الْعلم وَفِي الْمَوْت يَنْفَسِخ وَإِن لم يعلم لِأَنَّهُ فسخ حكمي كَذَلِك إِذا مَاتَ رب المَال يَنْفَسِخ سَوَاء علم الْمضَارب بِمَوْتِهِ أَولا لِأَنَّهُ فسخ حكمي وَهَذَا إِذا كَانَ المَال نَقْدا فَأَما إِذا كَانَ المَال عرُوضا فَإِن بيع الْمضَارب جَائِز حَتَّى يصير نَقْدا فَيُؤَدِّي رَأس المَال وَلَا يَنْعَزِل بِالْعَزْلِ صَرِيحًا وَكَذَلِكَ بِالْمَوْتِ ثمَّ الْمُضَاربَة مَتى فَسدتْ وَقد ربح فِيهَا فَالرِّبْح لرب المَال وللمضارب أجر الْمثل لِأَن اسْتِحْقَاق رب المَال الرِّبْح لكَونه نَمَاء مَاله وَالْمُضَارب إِنَّمَا يسْتَحق بِالشّرطِ وَقد فسد العقد لَكِن عمل لَهُ بِحكم عقد فَاسد فَيلْزمهُ أجر الْمثل وَكَذَا إِذا لم يربح لِأَنَّهُ اسْتَعْملهُ مُدَّة فِي عمله فَكَانَ عَلَيْهِ أجر الْعَمَل وَفِي الْمُضَاربَة الصَّحِيحَة إِن لم يكن ربح فَلَا شَيْء للْمُضَارب لِأَنَّهُ عَامل لنَفسِهِ فَلَا يسْتَحق الْأجر وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 كتاب الصّرْف الصّرْف اسْم لبيع الذَّهَب وَالْفِضَّة والتبر والمضروب والمصوغ فِي ذَلِك سَوَاء وَكَذَلِكَ الْجِنْس وَخلاف الْجِنْس والمفرد وَالْمَجْمُوع مَعَ غَيره يُسمى هَذَا العقد صرفا لاختصاصه بالتقابض وَالصرْف من يَد إِلَى يَد وَحكمه حكم سَائِر الموزونات والمكيلات فِي جَرَيَان رَبًّا الْفضل والنسا وَذَلِكَ عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس وَالْقدر إِنَّمَا اخْتصَّ من سَائِر الْبياعَات بِثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا أَنه لَا يَصح بِدُونِ تقابض الْبَدَلَيْنِ قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين بأنفسهما فَإِذا عقدا عقد الصّرْف بِأَن بَاعَ دِينَارا بِدِينَار أَو دِينَارا بِعشْرَة دَرَاهِم سَوَاء كَانَا حاضرين وَقت العقد أَولا فَإِنَّهُ ينْعَقد العقد وَينفذ إِذا وجد التَّقَابُض قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مجموعا مَعَ غَيره بِأَن بَاعَ ذَهَبا وثوبا بِفِضَّة أَو ذهب فالفضة تَنْقَسِم على الذَّهَب وَالثَّوْب فَمَا يكون بِمُقَابلَة الذَّهَب يكون صرفا وَمَا يُقَابل الثَّوْب يكون بيعا فَإِذا قبض حِصَّة الذَّهَب من الْفضة وَقبض الآخر الذَّهَب بِحِصَّة الْفضة جَازَ وَإِن لم يقبض حِصَّة الثَّوْب لَكِن الشَّرْط افْتِرَاق الْعَاقِدين سَوَاء كَانَا مالكين أَو نائبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 كَالْوَكِيلِ وَالْأَب وَالْوَصِيّ لِأَن الْقَبْض من تَمام عقد الصّرْف فَيعْتَبر بالعاقدين فَإِن وجد أحد الْبَدَلَيْنِ زُيُوفًا أَو نبهرجة فَحكم الْمَسْأَلَة مَعَ فروعها قد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْبيُوع وَالثَّانِي أَن لَا يكون فِيهِ خِيَار شَرط لَهما أَو لأَحَدهمَا الثَّالِث أَن لَا يكون لَهما أَو لأَحَدهمَا أجل فِي الصّرْف فَإِذا أبطلا الْخِيَار أَو مَاتَ من لَهُ الْخِيَار قبل افْتِرَاق الْعَاقِدين يجوز الصّرْف اسْتِحْسَانًا عندنَا خلافًا ل زفر وَكَذَا إِذا أبطلا الْأَجَل فِي الْمجْلس عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ وَإِن افْتَرقَا ولأحدهما خِيَار رُؤْيَة بِأَن كَانَ مصوغا أما فِي الْمَضْرُوب فَلَا يثبت خِيَار الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ كَمَا فِي الْمُسلم فِيهِ فَلَا يفْسد العقد لِأَنَّهُ خِيَار حكمي وَكَذَا خِيَار الْعَيْب وَكَذَا خِيَار الْإِجَازَة بِأَن وجد الصّرْف من الفضوليين على غَيرهمَا فَإِذا بلغه كَانَ لَهُ خِيَار الْإِجَازَة وَإنَّهُ لَا يفْسد لِأَنَّهُ خِيَار يثبت حكما والمفسد خِيَار الشَّرْط لَا غير وَلَو تصارفا دِينَارا بِدِينَار وَسلم أَحدهمَا الدِّينَار وَأَبْرَأ صَاحبه عَن الدِّينَار أَو وهب مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 فَإِن قبل الَّذِي عَلَيْهِ الدّين مَا أَبرَأَهُ أَو وهب لَهُ بَطل الدّين عَنهُ وانتقض الصّرْف لِأَن الْبَرَاءَة توجب سُقُوط الْقَبْض الَّذِي هُوَ مُسْتَحقّ حَقًا للشَّرْع فِي الصّرْف فَإِذا اتفقَا على إِسْقَاطه بَطل العقد بفواته وَإِن لم يقبل عَلَيْهِ الدّين الْبَرَاءَة لَا تصح لِأَنَّهَا سَبَب للْفَسْخ فَلَا يثبت بقول أحد الْمُتَعَاقدين بعد صِحَة العقد وَلَو استبدل عَن ذَلِك الدِّينَار شَيْئا بِخِلَاف جنسه فَالْبيع فَاسد لِأَن فِيهِ تَفْوِيت الْقَبْض الَّذِي هُوَ حق الشَّرْع وَإِذا لم يَصح هَذَا بَقِي عقد الصّرْف وَقد وجد قبض أحد الْبَدَلَيْنِ فَعَلَيهِ أَن يقبض الآخر وَيتم العقد الأول بَينهمَا وَإِن أَخذ عَن الدِّينَار الَّذِي عَلَيْهِ دِينَار أردأ مِمَّا سمى أَو زُيُوفًا فَإِنَّهُ يجوز وَلَا يكون استبدالا لِأَنَّهُ من جنس حَقه إِلَّا أَنه نَاقص الْوَصْف والجيد والرديء سَوَاء هَهُنَا فَإِن امْتنع الْوَاهِب والمبرىء أَن يَأْخُذ مَا وهب لَهُ أَو أَبْرَأ فَإِنَّهُ يجْبر على ذَلِك لِأَن فِي ترك قبض ذَلِك فَسَاد عقد الْغَيْر وَلَو بَاعَ دِينَارا بِعشر دَرَاهِم وَسلم الدِّينَار وَلم يقبض الْعشْرَة وَكَانَ لمشتري الدِّينَار على بَائِعه عشرَة دَرَاهِم فَأَرَادَ الْمُقَاصَّة فهاهنا ثَلَاث مسَائِل أَحدهَا أَن الْعشْرَة الَّتِي على البَائِع وَجَبت عَلَيْهِ قبل الصّرْف بقرض أَو غصب أَو من ثمن مَبِيع فَأَرَادَ أَن يجعلا ثمن الدِّينَار وَهُوَ الْعشْرَة قصاصا بذلك الدّين فَإِن أجمعا على ذَلِك جَازَ وَكَانَ قصاصا وَإِن لم يجمعا على ذَلِك لم يكن قصاصا وَهَذَا جَوَاب الِاسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز وَهُوَ قَول زفر وَالثَّانيَِة أَن يصير قصاصا وَإِن لم يتقاصا وَهُوَ أَن تكون الْعشْر دينا على بَائِع الدِّينَار بِقَبض مَضْمُون بعد عقد الصّرْف بِأَن غصب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 مِنْهُ عشرَة أَو أقْرضهُ عشرَة وَسلمهَا إِلَيْهِ فَيصير قصاصا بِثمن الصّرْف وَإِن لم يتقاصا وَالثَّالِثَة وَهُوَ أَن تجب الْعشْرَة على بَائِع الدِّينَار بِعقد مُتَأَخّر عَن عقد الصّرْف فَلَا يصير قصاصا بِثمن الصّرْف وَإِن تقاصا وَهَذِه الْمسَائِل ذَكرنَاهَا فِي الْبيُوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 بَاب آخر مِنْهُ أصل الْبَاب أَن مَا يجوز البيع فِيهِ مُتَفَاضلا يجوز فِيهِ البيع مجازفة وَمَا لَا يجوز فِيهِ البيع مُتَفَاضلا لَا يجوز فِيهِ البيع مجازفة إِذا بَاعَ الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مجازفة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يجوز البيع فِيهِ مُتَفَاضلا فَكَذَلِك المجازفة لاحْتِمَال الزِّيَادَة فِي أَحدهمَا وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن لَا يعرف الْمُتَبَايعَانِ وزن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو كَانَا يعرفان وزن وَاحِد دون الآخر أَو كَانَ أَحدهمَا يعرف وَالْآخر لَا يعرف فَإِن وزنا فِي الْمجْلس فَكَانَا سَوَاء فِي الْوَزْن فَالْبيع جَائِز اسْتِحْسَانًا وَإِن تفَرقا قبل الْوَزْن ثمَّ وزنا واستويا فِي الْوَزْن فَالْبيع فَاسد وَقَالَ زفر إِذا اسْتَويَا فِي الْوَزْن جَازَ فِي الْحَالين وَالْقِيَاس مَا قَالَه لِأَن الْفساد لأجل احْتِمَال الْفضل وَقد تبين أَنه لَا فضل وَلَكنَّا نقُول إِن علم الْمُتَعَاقدين بالتساوي بَين الْبَدَلَيْنِ شَرط جَوَاز العقد فَيعْتَبر عِنْد العقد إِلَّا أَن للمجلس حكم حَالَة وَاحِدَة فَكَانَ كَالْعلمِ عِنْد العقد وَأما إِذا كَانَ بِخِلَاف الْجِنْس بِأَن بَاعَ الذَّهَب بِالْفِضَّةِ مجازفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 جَازَ لِأَنَّهُ جَازَ البيع فيهمَا مُتَفَاضلا وَلِهَذَا قَالُوا إِذا بَاعَ قلب فضَّة محشوا بدرهم وَلَا يعلم قدر وزن الْقلب فَالْبيع بَاطِل وَقَالَ زفر جَائِز إِلَّا أَن يعلم التَّفَاضُل وعَلى هَذَا الْقِسْمَة إِذا قعت فِيمَا يجْرِي فِيهِ الرِّبَا لَا تجوز مجازفة فِي الْجِنْس الْوَاحِد وَتجوز فِي مختلفي الْجِنْس وَلَو بَاعَ السَّيْف بِالسَّيْفِ وأواني الصفر بجنسها مجازفة جَازَ لِأَنَّهُ جَازَ التَّفَاضُل وَلَو بَاعَ فضَّة فِيهَا غش بِفِضَّة مثلهَا وَالْفِضَّة غالبة فَحكمهَا حكم الْفضة لَا يجوز بيعهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَة إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد وَإِن كَانَ الْغِشّ هُوَ الْغَالِب فَحكمهَا حكم النّحاس الْخَالِص لَا يُبَاع بِالنُّحَاسِ إِلَّا مثلا بِمثل يدا بيد وَإِن كَانَ الْغِشّ مَعَ الْفضة سَوَاء فَيكون حكمه حكم الْفضة فِي أَنه لَا يجوز أَن يُبَاع إِلَّا وزنا وَلَا يجوز بَيْعه مجازفة وعددا وَإِذا قوبل بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَة فِي البيع يُرَاعى فِيهِ طَرِيق الِاعْتِبَار إِن علم أَن الْفضة الْخَالِصَة أَكثر حَتَّى تكون الْفضة بِإِزَاءِ الْفضة وزنا وَالزِّيَادَة بِإِزَاءِ الْغِشّ جَازَ البيع وَإِن كَانَت الْفضة الْخَالِصَة أقل من الْفضة الَّتِي فِي الْمَغْشُوش أَو مثلهَا أَو لَا يدْرِي لَا يجوز لما فِيهِ من الرِّبَا وَلَو بَاعَ سَيْفا محلى بِذَهَب أَو فضَّة إِن بَاعَ بِجِنْس الْحِلْية وَالثمن أَكثر من الْحِلْية جَازَ وَتَكون الْحِلْية بيعا بِمثل وَزنهَا وَالْفضل بِإِزَاءِ الجفن والحمائل لِأَن الأَصْل عندنَا فِي تَقْسِيم الثّمن على الْمَبِيع إِذا كَانَ أَشْيَاء بَعْضهَا من جنس الثّمن وَالْبَعْض لَا صرف الثّمن إِلَى جنسه بِمثل وَجه فِيهِ تَصْحِيح العقد مَا أمكن وَذَلِكَ فِي صرف بعض الثّمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 إِلَى جنسه بِمثل وَزنه وَالْبَعْض إِلَى خلاف الْجِنْس على طَرِيق الِاعْتِبَار وَذَلِكَ مَا قُلْنَا وَأما إِذا كَانَ الثّمن مثل الْحِلْية أَو أقل فَلَا يجوز لِأَنَّهُ يبْقى الجفن والحمائل فضلا فِي بيع الرِّبَا وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَا يعلم أَو اخْتلف التُّجَّار فِي ذَلِك فَإِن علم أَن الْحِلْية أقل فِي الْمجْلس يكون جَائِزا عندنَا وَإِن علم بعد الِافْتِرَاق لَا يجوز عندنَا خلافًا ل زفر كَمَا فِي بيع المجازفة وَهَذَا إِذا قبض حِصَّة الْحِلْية فِي الْمجْلس فَأَما إِذا تفَرقا قبل أَن يتقابضا أَو قبض أَحدهمَا دون الآخر فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَت الْحِلْية مِمَّا لَا يتَخَلَّص عَن السَّيْف إِلَّا بِضَرَر فسد البيع كُله وَإِن كَانَت تتخلص بِغَيْر ضَرَر جَازَ فِي السَّيْف وَفَسَد فِي الْحِلْية لِأَن العقد بِقدر الْحِلْية يكون صرفا وَفِي حق السَّيْف يكون بيعا مُطلقًا والتقابض شَرط صِحَة الصّرْف لَا غير فَإِذا كَانَت تتخلص الْحِلْية من غير ضَرَر فكأنهما شَيْئَانِ منفصلان وَلِهَذَا جَازَ العقد فِي أَحدهمَا دون الآخر وَلذَا جَازَ أَن يبْقى فَأَما إِذا كَانَت لَا تتخلص إِلَّا بِضَرَر فَاسد كُله فِي حِصَّة الْحِلْية لعدم التَّقَابُض وَفِي حِصَّة السَّيْف لِأَنَّهُ بيع شَيْء لَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بِضَرَر يلْحق البَائِع وَابْتِدَاء البيع على هَذَا الْوَجْه مُفسد للْبيع فَكَذَا فِي حَالَة الْبَقَاء كَمَا إِذا بَاعَ جذعا فِي سقف حَتَّى لَو فصل الْحِلْية عَن السَّيْف وَسلم جَازَ وَيجْبر المُشْتَرِي لتغير صفة الْمَبِيع وَلَو بَاعَ السَّيْف الْمحلى بِجِنْس الْحِلْية أَو بِخِلَاف جِنْسهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالثمن أَكثر من الْحِلْية ولأحدهما خِيَار الشَّرْط فِي البيع أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 كَانَ شَرط تَأْجِيل الثّمن فِي العقد ثمَّ تفَرقا عَن قبض فَإِن كَانَت الْحِلْية مِمَّا لَا يتَمَيَّز إِلَّا بِضَرَر فسد البيع فِي الْحِلْية بالتأجيل وَالْخيَار المفسدين للصرف وَفَسَد فِي السَّيْف لِأَنَّهُ لَا يجوز إِفْرَاده بِالْعقدِ لما فِيهِ من إِلْحَاق الضَّرَر بالبائع بِالتَّسْلِيمِ مُنْفَصِلا وَإِن كَانَت تتَمَيَّز من غير ضَرَر فسد العقد فيهمَا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لِأَن الصَّفْقَة اشْتَمَلت على الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَالْفساد فِي نفس الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَفِي مثل هَذَا يشيع الْفساد فِي الْكل عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد يجوز البيع فِي السَّيْف وَيبْطل فِي الْحِلْية لِأَن الصَّفْقَة اشْتَمَلت على الصَّحِيح وَالْفَاسِد وللفاسد قِيمَته فَيصح فِي الصَّحِيح وَيفْسد فِي الْفَاسِد وَإِذا اشْترى من الرجل قلب فضَّة وَزنه عشرَة بِعشْرَة وافترقا عَن قبض ثمَّ حط البَائِع عَنهُ درهما أَو زَاده المُشْتَرِي درهما وَقبل الآخر ذَلِك فَالْبيع فَاسد عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْحَط وَالزِّيَادَة فاسدان وَالْعقد الأول صَحِيح وَقَالَ مُحَمَّد الْحَط جَائِز وَالزِّيَادَة فَاسِدَة وَالْعقد الأول صَحِيح وَهَذَا فرع اخْتلَافهمْ فِي الشَّرْط الْفَاسِد يلْتَحق بِالْعقدِ ويفسده عِنْد أبي حنيفَة فَإِذا وجدت الزِّيَادَة والحط والتحقا بِالْعقدِ يَجْعَل كَأَن العقد فِي الِابْتِدَاء على هَذَا الْوَجْه فَيفْسد للتفاضل فِي مَال الرِّبَا وَإِنَّمَا شَرط الْقبُول فِي الْحَط هَهُنَا عِنْده لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِهِ فسخ العقد فَلَا يملكهُ أحد الْعَاقِدين إِلَّا بِرِضا الآخر وَمن أصل أبي يُوسُف أَن الشَّرْط الْفَاسِد لَا يلْتَحق بِالْعقدِ فَيسْقط اعْتِبَار الزِّيَادَة والحط جَمِيعًا وَأما مُحَمَّد فَقَوله مثل قَول أبي يُوسُف إِلَّا أَنه يَقُول الزِّيَادَة فَاسِدَة فَلَا نلتحق بِالْعقدِ والحط صَحِيح لِأَنَّهُ يُمكن أَن يَجْعَل هبة مُبتَدأَة كحط جَمِيع الثّمن فَأَما إِذا كَانَ بِخِلَاف الْجِنْس بِأَن بَاعَ قلب فضَّة وَزنه عشرَة بِدِينَار وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا صَحَّ الْحَط وَالزِّيَادَة بِالْإِجْمَاع ويلتحقان بِأَصْل العقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 فَيشْتَرط قبض هَذِه الزِّيَادَة فِي الْمجْلس حَتَّى لَو افْتَرقَا قبل قبض الزِّيَادَة فِي مجْلِس الزِّيَادَة يفْسد العقد فِي حِصَّة الزِّيَادَة لِأَن الزِّيَادَة صَارَت ثمن الصّرْف وَفِي الْحَط تفَرقا أول لم يَتَفَرَّقَا فَهُوَ صَحِيح لِأَن الْفضل فِي خلاف الْجِنْس جَائِز وَيجب عَلَيْهِ رد مَا حط وَلَو بَاعَ دِينَارا ودرهما بِدِرْهَمَيْنِ ودينارين جَازَ عندنَا وَيصرف الْجِنْس إِلَى خلاف الْجِنْس خلافًا ل زفر وَالشَّافِعِيّ وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قوبل أبدال من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين بأبدال من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين فِي أَمْوَال الرِّبَا فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون فَإِنَّهُ يصرف الْجِنْس إِلَى خلاف الْجِنْس وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو كسر حلية سيف أَو سوارا فَإِنَّهُ يضمن قيمَة الصياغة بِخِلَاف جنسه لِأَن هَذِه جودة مُتَقَومَة لحصولها بصنع الْعباد وَلَكِن لَا يُمكن تَضْمِينه من جنسه لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا فَيجب التَّضْمِين بِخِلَاف الْجِنْس فصل الْقَرْض جَائِز فِيمَا لَهُ مثل من جنسه لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ رد الْمثل وَالْأَجَل فِي الْقَرْض بَاطِل شَرط فِي الأَصْل أَو طَرَأَ عَلَيْهِ لِأَن أحذ مثل الْقَرْض كعين الْقَرْض فَيكون فَاضلا فِي الْعين وَهُوَ بَاطِل وَلَو اسْتقْرض فُلُوسًا أَو دَرَاهِم ثمَّ كسدت فَعِنْدَ أبي حنيفَة يجب عَلَيْهِ رد مثلهَا وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد رد قيمتهَا لَكِن عِنْد أبي يُوسُف تعْتَبر الْقيمَة يَوْم الْقَرْض وَعند مُحَمَّد فِي آخر وَقت نفاقها قبل أَن تكسد وَهَذَا كالاختلاف بَينهمَا فِيمَن عصب مثلِيا وَانْقطع قَالَ أَبُو يُوسُف تجب قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَعند مُحَمَّد يَوْم الِانْقِطَاع فَإِذا بَاعَ الْفُلُوس بِخِلَاف جِنْسهَا فَإِنَّهَا لَا تتَعَيَّن إِن كَانَ مَا يقابلها من الْعرُوض بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم وَإِن كَانَ مَا يقابلها من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 تتَعَيَّن أَيْضا لَكِن إِذا افْتَرقَا من غير قبض أَحدهمَا يفْسد العقد لِأَنَّهُ افْتِرَاق عَن دين بدين وَإِن قبض أَحدهمَا جَازَ وَلَا يشْتَرط قبضهما لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرْف وَأما إِذا بَاعَ الْفُلُوس بَعْضهَا بِبَعْض فَإِن كَانَ عينا بِعَين فَإِنَّهُ يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف متفاضلة أَو مُتَسَاوِيَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا لَا تتَعَيَّن لعدم الْفَائِدَة وَفِي التَّعْيِين فَائِدَة وَهُوَ جَوَاز العقد وَعند مُحَمَّد لَا يجوز متفاضلة لِأَنَّهُ ثمن فَيكون كَبيع الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ فَأَما إِذا كَانَ الْكل دينا أَو أَحدهمَا فَالْمَشْهُور من الرِّوَايَة عَنْهُم أَنه لَا يجوز وَعَن أبي يُوسُف يجوز وَالْمَسْأَلَة تذكر فِي الخلافيات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 كتاب الرَّهْن يحْتَاج إِلَى بَيَان شَرْعِيَّة عقد الرَّهْن يحْتَاج إِلَى وَإِلَى بَيَان رُكْنه وَإِلَى بَيَان شَرَائِط جَوَازه وَإِلَى بَيَان مَا يصلح مَرْهُونا وَإِلَى بَيَان مَا يكون مَرْهُونا بِهِ وَإِلَى بَيَان حكم الرَّهْن وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام أما الأول فَنَقُول الرَّهْن عقد شرع وَثِيقَة بِمَال عرفت مشروعيته بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى أَن قَالَ {فرهان مَقْبُوضَة} وَرُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه اشْترى من يَهُودِيّ طَعَاما نَسِيئَة وَرهن بِهِ درعه وَأما بَيَان رُكْنه فَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول قَوْله رهنتك هَذَا بِمَالك عَليّ من فَمِنْهَا الْقَبْض وَهُوَ عندنَا وَقَالَ مَالك يَصح بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول وَهُوَ خلاف النَّص قَالَ الله تَعَالَى {فرهان مَقْبُوضَة} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 الدّين أَو قَوْله خُذ هَذَا الشَّيْء رهنا بِدينِك وَنَحْو ذَلِك وَمِنْهَا دوَام الْقَبْض بِأَن يكون محوزا فِي يَده لِأَن مَقْصُود الرَّهْن هُوَ الاستيثاق وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بِهَذَا وَمِنْهَا أَن يكون مُنْفَصِلا عَن غَيره غير مُتَعَلق بِمَا لم يَقع عَلَيْهِ عقد الرَّهْن وعَلى هَذَا قُلْنَا إِن رهن الْمشَاع لَا يَصح وَقَالَ الشَّافِعِي يَصح وَالصَّحِيح مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يقدر على تَسْلِيمه إِلَّا بالتهايؤ وَذَلِكَ يُوجب فَوَات الْقَبْض على الدَّوَام وَيَسْتَوِي الْجَواب فِي الْمشَاع الَّذِي يَنْقَسِم وَالَّذِي لَا يَنْقَسِم وَمن الشَّرِيك وَغَيره وَأما الشُّيُوع الطارىء فَيبْطل الرَّهْن فِي رِوَايَة الأَصْل وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يبطل وَأما إِذا رهن بَيْتا بِعَيْنِه من دَار بِعَينهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بشائع وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّه لَا يجوز رهن ثَمَرَة فِي شَجَرَة بِدُونِ الشَّجَرَة وَلَا الشَّجَرَة بِدُونِ الْكَرم حَتَّى يحوزه ويسلمه إِلَى الْمُرْتَهن وَكَذَا رهن شجر فِي أَرض بِدُونِ الأَرْض وَكَذَا إِذا رهن زرعا دون الأَرْض أَو الأَرْض دون الزَّرْع لِأَن الرَّهْن مُتَّصِل بِمَا لَيْسَ برهن فَلَا يَصح التَّسْلِيم وَإِن رهن النّخل وَالشَّجر وَالْكَرم بمواضعها من الأَرْض جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُمكن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 قبضهَا بِمَا فِيهَا بِالتَّخْلِيَةِ وَلَو قَالَ رهنتك هَذِه الدَّار أَو هَذِه الأَرْض أَو هَذِه الْقرْيَة يدْخل فِي الرَّهْن كل مَا كَانَ مُتَّصِلا بالمرهون من الْبناء فِي الدَّار وَالشَّجر مَعَ الثَّمر وَالزَّرْع وَالرّطب فِي الأَرْض لِأَن الرَّهْن لَا يجوز بِدُونِ مَا يتَّصل بِهِ فَكَانَ إِطْلَاق العقد ينْصَرف إِلَى مَا فِيهِ تَصْحِيحه وَلَو رهن دَارا وفيهَا مَتَاع قَلِيل أَو كثير أَو حبوب أَو شَيْء مِمَّا ينْتَفع بِهِ دون هَذِه الْأَشْيَاء لم يَصح الرَّهْن حَتَّى يسلم الدَّار فارغة عَنْهَا وَلَو رهن الدَّار بِمَا فِيهَا صَحَّ إِذا سلم الدَّار إِلَيْهِ وخلى بَينه وَبَين الدَّار بِمَا فِيهَا وَيصير الْكل رهنا وَلَو رهن دَارا والراهن وَالْمُرْتَهن فِي جوفها فَقَالَ رهنتها مِنْك وسلمتها إِلَيْك وَقَالَ الْمُرْتَهن قبلت لم يتم الرَّهْن حَتَّى يخرج الرَّاهِن من الدَّار ثمَّ يَقُول الرَّاهِن قد سلمتها إِلَيْك لِأَنَّهُ لَا يَصح التَّسْلِيم إِلَى الْمُرْتَهن وَهُوَ فِي الدَّار فَإِذا خرج فَلَا بُد من تَسْلِيم جَدِيد ثمَّ قبض الْأَب وَالْوَصِيّ ووكيل الْمُرْتَهن كقبضه وَكَذَا قبض الْعدْل كقبضه لِأَنَّهُ يمسك الرَّهْن للْمُرْتَهن وَلَكِن لَا يملك نقض يَده وَالرَّدّ إِلَى يَد الرَّاهِن وَلَيْسَ لَهُ أَن يقبضهُ الْمُرْتَهن إِلَّا بِإِذن الرَّاهِن لِأَنَّهُ لم يرض بإمساك الْمُرْتَهن حَيْثُ جعلاه فِي يَد الْعدْل وشرطا فِي عقد الرَّهْن أَو بعد الرَّهْن فَأَما إِذا شرطا أَن يكون فِي يَد الْعدْل وَأَن يَبِيعهُ بِدِينِهِ وَيَقْضِي بِهِ دينه فَيصح وَلَكِن لَا يملك الرَّاهِن نقض هَذِه الْوكَالَة إِلَّا بِرِضا الْمُرْتَهن لِأَن البيع صَار حَقًا من حُقُوق الرَّهْن زِيَادَة وَثِيقَة فِي حق الْمُرْتَهن بِطَلَبِهِ وَلَو لم يكن مَشْرُوطًا فِي الرَّهْن ثمَّ أَمر الْعدْل بعد ذَلِك بِبيعِهِ فَهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 تَوْكِيل بِالْبيعِ فَيملك الرَّاهِن عَزله وَالنَّهْي عَن البيع وَإِذا مَاتَ الرَّاهِن يَنْعَزِل هَذَا الْوَكِيل وَفِي الْفَصْل الأول لَا يملك الرَّاهِن عَزله وَلَو مَاتَ لَا يَنْعَزِل الْوَكِيل عَن البيع وَأما بَيَان مَا يصلح مَرْهُونا فَكل مَال مُتَقَوّم يجوز أَن يكون مَبِيعًا لِأَن حكمه ملك الْحَبْس بِالدّينِ ليقضي مِنْهُ الدّين إِذا عجز عَن الْقَضَاء إِلَّا بِهِ فَلَا بُد من أَن يكون مَالا مُتَقَوّما وَلِهَذَا لَا يجوز أَن يكون الْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمكَاتب وَالْحر رهنا لِأَنَّهُ لَا يُمكن اسْتِيفَاء الدّين من هَؤُلَاءِ وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن يكون الْخمر وَالْخِنْزِير رهنا سَوَاء كَانَ العاقدان مُسلمين أَو أَحدهمَا مُسلما وَالْآخر ذِمِّيا لِأَن الرَّهْن للإيفاء والاستيفاء وإيفاء الدّين من الْخمر وَالْخِنْزِير لَا يجوز من الْمُسلم وَكَذَا الِاسْتِيفَاء من الْمُرْتَهن الْمُسلم ثمَّ فِي حق أهل الذِّمَّة يجوز الرَّهْن والارتهان بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُمَا مَال عِنْدهم وَلَا يجوز بالميتة وَالدَّم لِأَنَّهُمَا ليسَا بِمَال أصلا وَكَذَا الْمشَاع وَالثَّمَرَة الْمُعَلقَة من الشَّجَرَة وَالزَّرْع النَّابِت فِي الأَرْض لَا يَصح رهنا لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق فِيهِ التَّسْلِيم وَأما بَيَان مَا يجوز أَن يكون مَرْهُونا بِهِ فَنَقُول الدّين يصلح أَن يكون مَرْهُونا بِهِ على كل حَال سَوَاء كَانَ ثمَّة بيع أَو ضَمَان إِتْلَاف وَنَحْو ذَلِك لِأَن الرَّهْن للاستيفاء وَاسْتِيفَاء الدّين من ثمن الرَّهْن مُتَحَقق وَأما الْأَعْيَان الْمَضْمُونَة فعلى وَجْهَيْن مَا كَانَ مَضْمُونا بِنَفسِهِ كالمغصوب فَيجوز الرَّهْن بِهِ والمضمون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 بِنَفسِهِ مَا يجب عِنْد هَلَاكه مثله إِن كَانَ مثلِيا وَقِيمَته إِن لم يكن لَهُ مثل وَأما الْأَعْيَان الْمَضْمُونَة بغَيْرهَا فَلَا يجوز الرَّهْن بهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَد البَائِع مَضْمُون بِالثّمن لَا بِنَفسِهِ على معنى أَن الْمَبِيع إِذا هلك يسْقط الثّمن إِذْ لَا يجب بهلاكه شَيْء على الضَّامِن وَيصير بِهِ مُسْتَوْفيا للدّين واما الْأَعْيَان الَّتِي لَيست بمضمونة كالودائع والعواري وَالْمُسْتَأْجر وَمَال الْمُضَاربَة وَالشَّرِكَة فَلَا يجوز الرَّهْن بهَا لِأَن مَا لَيْسَ بمضمون لَا يصير الْمُرْتَهن مُسْتَوْفيا بهلاكه وَيجوز الرَّهْن بِبَدَل الصُّلْح عَن دم الْعمد وببدل الْخلْع وَالْمهْر لِأَنَّهَا مَضْمُونَة بأنفسها فَإِنَّهَا إِذا هَلَكت يجب مثلهَا إِن كَانَ لَهَا مثل وَقيمتهَا إِن لم يكن لَهَا مثل ثمَّ إِذا هلك الرَّهْن وَالْعين الْمَضْمُونَة قَائِمَة فِي يَد الرَّاهِن يُقَال لَهُ سلم الْعين الَّتِي فِي يدك وَخذ من الْمُرْتَهن الْأَقَل من الدّين وَمن قيمَة الرَّهْن لِأَن الْمَرْهُون مَضْمُون عندنَا كَذَلِك وَإِن هَلَكت الْعين الْمَضْمُونَة قبل هَلَاك الرَّهْن فَيصير الرَّهْن رهنا بِقِيمَة الْعين الْمَضْمُونَة فَإِذا هلك الرَّهْن بعد ذَلِك هلك بِالْأَقَلِّ من قِيمَته وَمن قيمَة الْعين الَّتِي كَانَت رهنا بهَا وَلَا يجوز الرَّهْن بقصاص فِي نفس أَو فِيمَا دونهَا لِأَنَّهُ لَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص من الرَّهْن وَإِن كَانَت الْجِنَايَة خطأ جَازَ الرَّهْن بأروشها لِأَنَّهُ يُمكن الِاسْتِيفَاء من الرَّهْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وَأما حكم الرَّهْن فعندنا ملك الْعين فِي حق الْحَبْس حَتَّى يكون الْمُرْتَهن أَحَق بإمساكه إِلَى وَقت إِيفَاء الدّين وَإِذا مَاتَ الرَّاهِن فَهُوَ أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء فيستوفي مِنْهُ دينه فَمَا فضل يكون لسَائِر الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة وَلِهَذَا لَا يجوز للرَّاهِن أَن يتَصَرَّف فِيهِ تَصرفا يبطل حق الْمُرْتَهن من البيع وَالْإِجَارَة وَالْهِبَة وَغَيرهَا وَلِهَذَا لَا يجوز لَهُ أَن ينْتَفع بالمرهون نوع انْتِفَاع من الِاسْتِخْدَام وَالرُّكُوب وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ زَوَائِد الرَّهْن تكون رهنا عندنَا وَهُوَ أَحَق بالإمساك وَيكون أَحَق بِهِ بعد وَفَاته كَمَا فِي حق الأَصْل إِلَّا أَن الزَّوَائِد غير مَضْمُونَة عَلَيْهِ حَتَّى لَا يسْقط الدّين بهلاكها وَلَيْسَ للْمُرْتَهن أَن يَبِيع الرَّهْن بِدِينِهِ إِلَّا إِذا سلطه الرَّاهِن على بَيْعه أَو سلط الْعدْل على ذَلِك فَإِن أعَار الْمُرْتَهن الرَّهْن من الرَّاهِن أَو الرَّاهِن من الْمُرْتَهن فَإِنَّهُ يجوز وَيخرج الرَّهْن من ضَمَان الْمُرْتَهن وَعقد الرَّهْن على حَاله وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يبطل الْعَارِية وَيَردهُ إِلَى الرَّهْن لِأَن الْعَارِية غير لَازِمَة وعَلى هَذَا إِذا غصبه غَاصِب يخرج عَن ضَمَان الْمُرْتَهن وَلَكِن الرَّهْن قَائِم حَتَّى إِن للْمُرْتَهن أَن يَأْخُذهُ من الْغَاصِب وَيَردهُ إِلَى الرَّهْن وَأما إِذا آجره الرَّاهِن من الْمُرْتَهن فَيخرج من الرَّهْن وَلَا يعود أبدا لِأَن الْإِجَارَة عقد لَازم فالإقدام عَلَيْهِ يكون فسخا للرَّهْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَكَذَلِكَ لَو آجر الرَّاهِن من غير الْمُرْتَهن فَأَجَازَهُ الْمُرْتَهن أَو الْمُرْتَهن من غَيره فَأَجَازَهُ الرَّاهِن جَازَت الْإِجَارَة وَيخرج من الرَّهْن لما قُلْنَا وَلَو بَاعَ الرَّاهِن أَو الْمُرْتَهن وَأَجَازَ صَاحبه فَإِنَّهُ يجوز البيع وَيصير الثّمن رهنا مَكَانَهُ قبض من المُشْتَرِي أَو لم يقبض لِأَن الثّمن قَائِم مقَام الرَّهْن وَإِن كَانَ الثّمن فِي ذمَّة المُشْتَرِي وَلَا يجوز رهن الدّين ابْتِدَاء وَلَكِن يجوز الْبَقَاء كَالْعَبْدِ الرَّهْن إِذا قتل تكون قِيمَته رهنا حَتَّى لَو نوى الثّمن فِي ذمَّته أَو هلك الْمَقْبُوض فَإِنَّهُ يهْلك من مَال الْمُرْتَهن وَيسْقط الدّين بِقَدرِهِ كَمَا لَو كَانَ فِي يَده وللمرتهن أَن يُطَالب الرَّاهِن بإيفاء الدّين مَعَ عقد الرَّاهِن إِذا لم يكن مُؤَجّلا لِأَن الرَّهْن شرع لتوثيق الدّين فَلَا يسْقط حق الْمُطَالبَة إِلَّا بِالْأَدَاءِ وَيجوز للرَّاهِن أَن يُوكل الْمُرْتَهن بِبيعِهِ وَاسْتِيفَاء الدّين مِنْهُ وَلَو قَالَ الرَّاهِن إِن جئْتُك بحقك إِلَى وَقت كَذَا وَإِلَّا فَهُوَ لَك لم يجز وَهُوَ رهن على حَاله لِأَن التَّمْلِيك لَا يتَعَلَّق بِالشّرطِ وَلَا يجوز للْحَاكِم أَن يَبِيع الرَّهْن بِدِينِهِ بعد حُلُول الْأَجَل إِذا كَانَ مُفلسًا عَن أبي حنيفَة وَلَكِن يحبس الرَّاهِن حَتَّى يَبِيعهُ وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يَبِيعهُ وَهَذَا فرع مَسْأَلَة الْحجر على الْحر وَأما نَفَقَة الرَّهْن فعلى وَجْهَيْن فَكل نَفَقَة ومؤونة كَانَت لمصْلحَة الرَّهْن وتبقيته فعلى الرَّاهِن وكل مَا كَانَ لحفظه أَو لرده إِلَى يَد الْمُرْتَهن أَو لرد جُزْء مِنْهُ فَاتَ بِسَبَب حَادث فعلى الْمُرْتَهن بَيَانه أَن الرَّهْن إِذا كَانَ حَيَوَانا فنفقته وَكسوته على الرَّاهِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وَإِن كَانَ الرَّهْن أمة فَولدت فأجر الظِّئْر على الرَّاهِن وَإِن كَانَ الرَّهْن بستانا فِيهِ أَشجَار وكرم فسقيه وتلقيح نخله وجداده وَالْقِيَام بمصلحته على الرَّاهِن وَكَذَا الْخراج فَأَما الْعشْر فَفِي الْغلَّة وَالزَّرْع يَأْخُذ الإِمَام وَالْبَاقِي رهن عِنْده وَكَذَا أجر الرَّاعِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِ لعلف الْحَيَوَان فَهُوَ كالطعام وَالشرَاب وَيَسْتَوِي الْجَواب فِيهِ بَين أَن يكون الرَّهْن مَضْمُونا أَو أَمَانَة كزوائد الرَّهْن أَو مَا فضل من قيمَة الرَّهْن على الدّين لِأَن كُله ملكه فَعَلَيهِ كِفَايَته ومؤونته وَأما مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للْحِفْظ كَأُجْرَة الْمسكن وَأُجْرَة الْحَافِظ ومأوى الْبَقر وَالْغنم فعلى الْمُرْتَهن وَكَذَا مَا يحْتَاج لرد الْعين إِلَى يَد الْمُرْتَهن كجعل الْآبِق فَعَلَيهِ إِن كَانَ قيمَة الرَّهْن وَالدّين سَوَاء وَأَن كَانَ بعضه أَمَانَة فعلَيْهِمَا على قدر الْأَمَانَة وَالضَّمان وَأما مَا يجب لرد جُزْء من الْعين إِلَى يَد الْمُرْتَهن الَّذِي فَاتَ بِسَبَب عَارض كمداواة الْجراح والقروح والأمراض فَهُوَ منقسم عَلَيْهِمَا فَمَا كَانَ من حِصَّة الْمَضْمُون فعلى الْمُرْتَهن وَمَا كَانَ من حِصَّة الْأَمَانَة فعلى الرَّاهِن وَمَا وَجب على الرَّاهِن فَفعله الْمُرْتَهن بِغَيْر أَمر الْحَاكِم فَهُوَ مُتَبَرّع فِيهِ وَإِن كَانَ بأَمْره يرجع بِهِ على الرَّاهِن وَكَذَا مَا وَجب على الْمُرْتَهن فأداه الرَّاهِن بِغَيْر أمره فَهُوَ مُتَبَرّع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 ثمَّ للرَّاهِن أَن يمْتَنع من إِيفَاء الدّين عِنْد مَحل الْأَجَل حَتَّى يحضر الْمُرْتَهن الرَّهْن لِأَنَّهُ رُبمَا يكون هَالكا أَو غَائِبا فَإِذا أحضر الرَّهْن يُقَال للرَّاهِن سلم الدّين إِلَيْهِ أَولا ثمَّ اقبض الرَّهْن حَتَّى يتَعَيَّن حَقه فَيكون عينا بِعَين كَمَا فِي البيع وَلَو جنى الْمُرْتَهن على الرَّهْن أَو غَيره جِنَايَة يجب عَلَيْهِ قِيمَته أَو مثله إِن كَانَ الرَّهْن مثلِيا ثمَّ إِن لم يكن الدّين حَالا يكون رهنا مَكَانَهُ وَإِن كَانَ الدّين حَالا أَو حل فَإِن كَانَ مثل دينه فِي الْجِنْس وَالصّفة يصير الْمُرْتَهن مُسْتَوْفيا لدينِهِ وَإِن كَانَ هُوَ الْمُتْلف يصير قصاصا بِقدر الدّين ويترادان الْفضل وَإِن كَانَ الرَّهْن عبدا فجنى على إِنْسَان خطأ فَإِن ضَمَان الْجِنَايَة على الْمُرْتَهن وَيُقَال للْمُرْتَهن أَولا أفد العَبْد عَن أرش الْجِنَايَة وَإِنَّمَا يُخَاطب هُوَ بذلك أَولا لما أَن فِيهِ إبْقَاء حَقه وَهُوَ الرَّهْن لِأَنَّهُ إِذا فدى طهر العَبْد عَن الْجِنَايَة فَجعل كَأَن الْجِنَايَة لم تكن فَيبقى الدّين وَالرَّهْن على حَاله وَلَا يرجع على الرَّاهِن بِشَيْء من الْفِدَاء لِأَنَّهُ أصلح الرَّهْن بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ للْمُرْتَهن أَن يدْفع العَبْد بِحَال لِأَن الدّفع تمْلِيك الرَّقَبَة وَهُوَ لَا يملك تمْلِيك مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه وَإِن لم يفد وأبى ذَلِك يُقَال للرَّاهِن ادْفَعْ أَو أفده فَأَيّهمَا اخْتَار بَطل الرَّهْن وَالدّين لِأَن عين العَبْد أَو بدله وَهُوَ الْفِدَاء صَار مُسْتَحقّا بِسَبَب كَانَ عِنْد الْمُرْتَهن فَجعل كَأَنَّهُ هلك الرَّهْن وَلَو اسْتهْلك العَبْد الْمَرْهُون مَال إِنْسَان وَذَلِكَ يسْتَغْرق الرَّقَبَة فَإِن أدّى الْمُرْتَهن الدّين الَّذِي لزم العَبْد الْمَرْهُون بَقِي الرَّهْن وَالدّين على حَاله وَفرغ عَن الدّين وَإِن أَبى أَن يُؤَدِّي الدّين قيل للرَّاهِن بِعْهُ فِي دينه أَو اقْضِ دينه فَإِن قضى دينه بَطل دين الْمُرْتَهن على الرَّاهِن وَيخرج العَبْد عَن الرَّهْن لِأَنَّهُ اسْتحق بِسَبَب كَانَ عِنْد الْمُرْتَهن فَيكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 عَلَيْهِ وَإِن لم يقْض دين العَبْد يُبَاع العَبْد فِي الدّين الَّذِي لحقه فَيَأْخُذ صَاحب دين العَبْد دينه وَيبْطل بِمِقْدَار ذَلِك من دين الْمُرْتَهن فَإِن كَانَ دين الْمُرْتَهن أقل كَانَ مَا بَقِي من ثمن العَبْد للرَّاهِن وَإِن كَانَ دين الْمُرْتَهن أَكثر من دين الْغَرِيم استوفى الْمُرْتَهن مَا بَقِي من دينه وَمَا فضل من ثمن العَبْد للْمُرْتَهن إِن كَانَ الدّين حل وَإِلَّا أمسك مَا فضل رهنا فِي يَده إِلَى أَن يحل الدّين فَيَأْخذهُ قصاصا بِدِينِهِ وَلَو رهن عَبْدَيْنِ أَو ثَوْبَيْنِ بِأَلف دِرْهَم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَة فَأدى خَمْسمِائَة لم يكن لَهُ أَخذ وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يُؤَدِّي كل الدّين وَكَذَلِكَ فِي العَبْد الْوَاحِد لِأَن كل جُزْء من الرَّهْن مَحْبُوس بِكُل الدّين فَمَا لم يقبض الْكل يكون لَهُ حق حبس الْكل وَإِن كَانَ الرَّهْن شَيْئَيْنِ أَو أَكثر فَإِنَّهُ يَنْقَسِم الدّين عَلَيْهِمَا على قدر قيمتهمَا يَوْم الْقَبْض لِأَنَّهُ صَار مَضْمُونا بِالْقَبْضِ وَلَو زَاد فِي الرَّهْن شَيْء بِأَن ولدت الْأمة الْمَرْهُونَة ولدا أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْقَسِم الدّين على الأَصْل يَوْم الْقَبْض وعَلى الزِّيَادَة يَوْم الفكاك لِأَن الزَّوَائِد تكون مَضْمُونَة وَإِن كَانَت محبوسة إِلَى يَوْم الفكاك ثمَّ الزِّيَادَة فِي الرَّهْن جَائِزَة عندنَا خلافًا ل زفر كالزيادة فِي الْمَبِيع وينقسم الدّين عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَيعْتَبر قيمَة الأَصْل يَوْم قَبضه وَيعْتَبر قيمَة الزِّيَادَة يَوْم الزِّيَادَة فَأَما الزِّيَادَة فِي الدّين فَلَا تجوز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَعند أبي يُوسُف تجوز وَهَذِه الْمَسْأَلَة من مسَائِل الخلافيات وَلَو اسْتعَار من رجل شَيْئا ليرهنه بِدِينِهِ فأعاره مِنْهُ مُطلقًا ليرهنه فَلهُ أَن يرهنه بِأَيّ صنف من الدّين وَبِأَيِّ قدر قَلِيلا أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 كثيرا لِأَن هَذَا بِمَنْزِلَة الْإِذْن لَهُ بِقَضَاء الدّين من مَال هُوَ عِنْده وَدِيعَة قد أذن مُطلقًا فَيجب الْعَمَل بِإِطْلَاقِهِ وَإِن سمي لَهُ قدرا أَو إنْسَانا بِعَيْنِه أَو فِي بلد بِعَيْنِه فَلَيْسَ لَهُ أَن يفعل بِخِلَافِهِ وَلَو فعل كَانَ لصَاحبه أَن يَأْخُذ الرَّهْن لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِمَا أَمر بِهِ فَلم يَصح الرَّهْن فَإِن عجز الرَّاهِن عَن قَضَاء الدّين فقضاه الْمُعير فَلهُ أَن يرجع لَا يكون مُتَبَرعا لِأَنَّهُ مُضْطَر فِي ذَلِك لوصوله إِلَى مَاله بِمَنْزِلَة الْوَارِث إِذا قضى دين الْمَيِّت لتسلم لَهُ التَّرِكَة يرجع فِي التَّرِكَة لما قُلْنَا وَلَو رهن عبدا من إِنْسَان ثمَّ جَاءَ برهن آخر حَتَّى يكون مَكَان الأول وَقبل الْمُرْتَهن الرَّهْن الثَّانِي جَازَ وَيصير الثَّانِي هُوَ الرَّهْن إِذا قبض الرَّاهِن الأول لِأَنَّهُ مَا رَضِي بِالْجمعِ بَينهمَا رهنا وَلَا يصير الثَّانِي رهنا إِلَّا بعد انْفِسَاخ الأول ضَرُورَة عدم الْجمع وَإِنَّمَا تقع الضَّرُورَة إِذا قبض الأول فَأَما إِذا لم يقبض بَقِي الأول رهنا دون الثَّانِي حَتَّى لَو هلكا يكون الثَّانِي أَمَانَة وَالْأول هلك بِدِينِهِ وَلَو أعتق الرَّاهِن العَبْد الْمَرْهُون ينفذ عتقه عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 كتاب الشُّفْعَة يحْتَاج فِيهِ إِلَى بَيَان مَا تجب بِهِ الشُّفْعَة وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْوُجُوب وَإِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْوُجُوب وَإِلَى بَيَان الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِالشُّفْعَة أما الأول فَنَقُول سَبَب اسْتِحْقَاق الشُّفْعَة أحد الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الشّركَة فِي الْبقْعَة وَالشَّرِكَة فِي الْحُقُوق والجوار على سَبِيل الملاصقة وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يسْتَحق إِلَّا بِالشّركَةِ فِي الْبقْعَة وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ إِنَّمَا تسْتَحقّ الشُّفْعَة بهَا على التَّرْتِيب فالشريك فِي الْبقْعَة أَولا ثمَّ الشَّرِيك فِي الْحُقُوق ثمَّ الْجَار الملاصق لِأَن الشُّفْعَة إِنَّمَا تجب لدفع ضَرَر الدخيل عَن الْأَصِيل وَالضَّرَر على هَذَا التَّرْتِيب فِي الْعرف فَإِن سلم الشَّرِيك فِي الْبقْعَة ثبتَتْ للشَّرِيك فِي الْحُقُوق وَإِن سلم هُوَ تثبت للْجَار الملاصق وَلَا يثبت للْجَار الْمُقَابل لِأَن ضَرَره دون ضَرَر هَؤُلَاءِ وَالشَّرْع ورد بِالشُّفْعَة فِي حق هَؤُلَاءِ فَلَا يُقَاس عَلَيْهِم غَيرهم مَعَ التَّفَاوُت فِي الضَّرَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وَأما شَرَائِط الْوُجُوب فَمِنْهَا عقد الْمُعَاوضَة عَن المَال بِالْمَالِ فَإِنَّهَا لَا تجب بِهَذِهِ الْأَسْبَاب إِلَّا عِنْد عقد البيع أَو مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ من الصُّلْح وَالْهِبَة بِشَرْط الْعِوَض إِذا وجد قبض الْبَدَلَيْنِ فَأَما إِذا قبض أَحدهمَا دون الآخر فَلَا شُفْعَة وَهَذَا عندنَا خلافًا ل زفر إِنَّهَا تجب بِنَفس العقد وَهَذَا فرع مَسْأَلَة بَينهم أَن الْهِبَة بِشَرْط الْعِوَض عقده عقد هبة وجوازه جَوَاز البيع فَمَا لم يتقابضا لَا يكون فِي معنى البيع وَعِنْده عقده عقد بيع وَهِي مَسْأَلَة كتاب الْهِبَة وَلَو وهب ثمَّ عوض بعد العقد فَلَا يجب الشُّفْعَة فِيهِ وَلَا فِيمَا هُوَ عوض عَنهُ بِأَن جعل الْعِوَض دَارا لِأَن هَذَا لَيْسَ فِي معنى البيع لِأَنَّهُ لَيْسَ بمشروط فِي العقد وَلِهَذَا لَا يجب فِي الْمَمْلُوك بِمُقَابلَة الْمَنَافِع بِأَن جعل الدَّار مهْرا أَو أُجْرَة وَلِهَذَا لَا يجب فِي الدَّار الْمَمْلُوكَة بِغَيْر بدل كَالْهِبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْوَصِيَّة أَو بِبَدَل لَيْسَ بِمَال كبدل الْخلْع وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن من تزوج امْرَأَة على دَار على أَن ترد عَلَيْهِ ألفا فَلَا شُفْعَة فِي شَيْء من الدَّار وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تجب الشُّفْعَة وَاسْتِحْقَاق الشُّفْعَة فِي البيع بِشَرْط الْخِيَار قد ذكر فِي الْبيُوع وَفِي البيع الْفَاسِد إِذا ملك عِنْد الْقَبْض لَا يسْتَحق الشُّفْعَة مَا لم يبطل حق الْفَسْخ إِمَّا لاتصال الْمَبِيع بِزِيَادَة أَو بِزَوَال ملك المُشْتَرِي لِأَن حق الْفَسْخ ثَبت لحق الشَّرْع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَإِذا أَخذ الشَّفِيع المُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدا بِالشُّفْعَة يَأْخُذهُ بِقِيمَتِه يَوْم قبض لِأَن الْقيمَة فِيهِ بِمَنْزِلَة الثّمن فِي الشِّرَاء الصَّحِيح وَمِنْهَا أَن يكون الْمَبِيع عقارا أَو فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ مَالك يثبت فِي الْمَنْقُول الَّذِي هُوَ نَظِيره وَهُوَ السفن وَلِهَذَا قَالَ إِذا بِيعَتْ الضَّيْعَة ببقرها ومماليك يعْملُونَ فِيهَا يجب الشُّفْعَة فِي الْكل وَعِنْدنَا لَا يسْتَحق فِيمَا لَيْسَ بعقار من الْبَقر وَالْعَبِيد وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا شُفْعَة إِلَّا فِي ربع أَو حَائِط وَيَسْتَوِي الْجَواب عندنَا فِي الْعقار الَّذِي تجوز قسمته وَالَّذِي لَا تجوز قسمته كالحمام والرحى والبئر وَالنّهر والدور الصَّغَائِر وَعند الشَّافِعِي لَا يجب فِيمَا لَا يقسم وَإِذا بيع سفل عقار دون علوه أَو علوه دون سفله تجب الشعفة أما فِي بيع السّفل فَلَا يشكل لِأَنَّهُ عقار وَأما فِي بيع الْعُلُوّ وَحده فَقِيَاس واستحسان لِأَنَّهُ لَيْسَ بعقار وَلَكِن فِي مَعْنَاهُ لِأَن حق التعلي يتَعَلَّق بالبقعة على التأييد فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْبقْعَة وَأما بَيَان كَيْفيَّة الْوُجُوب فَنَقُول إِن حق الشُّفْعَة يجب على طَرِيق الْفَوْر عندنَا نظرا من الْجَانِبَيْنِ وَعند الشَّافِعِي يجب وجوبا ومؤبدا وَاخْتلف الرِّوَايَة فِي تَفْسِير الْفَوْر فِي بَعْضهَا أَنه إِذا علم بِالْبيعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 يَنْبَغِي أَن يطْلب الشُّفْعَة ساعتئذ فَإِذا سكت وَلم يطْلب بطلت شفعته وَفِي بَعْضهَا أَنه على الْمجْلس فَإِن مُحَمَّدًا ذكر فِي الأَصْل إِذا بلغ الشَّفِيع البيع إِن لم يطْلب الشُّفْعَة مَكَانَهُ بطلت الشُّفْعَة وَذكر الْكَرْخِي أَن هَذَا لَيْسَ باخْتلَاف رِوَايَة وَإِنَّمَا هُوَ على الْمجْلس كَخِيَار المخيرة وَالْقَبُول ثمَّ الطَّالِب نَوْعَانِ أَحدهمَا طلب مواثبة وَهُوَ مَا ذكرنَا فَكَمَا علم بِبيع الدَّار يطْلب الشُّفْعَة فَيَقُول طلبت الشُّفْعَة وَأَنا طالبها أَو قَالَ ادعيت الشُّفْعَة وَأَنا على شفعتي وَيشْهد على ذَلِك حَتَّى يتَأَكَّد الْوُجُوب بِالطَّلَبِ على الْفَوْر وَيعلم أَنه لَيْسَ بمعرض حَتَّى يحصل الْمُطَالبَة من الْخصم بعد ذَلِك من غير اشْتِغَال بِشَيْء مَعَ الْقُدْرَة على الْمُطَالبَة وَلَيْسَ الْإِشْهَاد بِشَرْط لصِحَّة الطّلب وَلَكِن للتوثيق حَتَّى إِذا أنكر المُشْتَرِي طلب الشُّفْعَة حِين علم فَيَقُول لم تطلب الشُّفْعَة حِين علمت بل تركت الشُّفْعَة وَقمت عَن الْمجْلس وَالشَّفِيع يَقُول طلبت فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي فَلَا بُد من الْإِشْهَاد وَقت الطّلب توثيقا لحقه وَلَو لم يكن الشُّهُود حاضرين فَبعث فِي طَلَبهمْ وَمكث فِي الْمجْلس لَا تبطل شفعته كَمَا فِي خِيَار المخيرة وَعَن أبي بكر الرَّازِيّ أَنه قَالَ إِذا طلب الشُّفْعَة ثمَّ قَامَ عَن الْمجْلس إِلَى الشُّهُود وأشهدهم على ذَلِك جَازَ لِأَن الطّلب يحْتَاج إِلَيْهِ لثُبُوت الشُّفْعَة فِيمَا بَينه وَبَين ربه وَالشُّهُود يحْتَاج إِلَيْهَا للتوثيق الَّذِي ذكرنَا والطلب الثَّانِي الْمُطَالبَة من الْخصم لِأَن الْمُطَالبَة لَا بُد لَهَا من مطَالب ومطلوب فَإِن كَانَ الْمَبِيع لم يقبض بعد فالشفيع بِالْخِيَارِ بَين مُطَالبَة البَائِع أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 المُشْتَرِي أَو الطّلب عِنْد الْمَبِيع وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ لِأَن المُشْتَرِي مَالك وَالْبَائِع صَاحب يَد فَيصح من الشَّفِيع الْمُخَاصمَة مَعَهُمَا لنقل الْملك وَالْيَد فَأَما الْمَبِيع فَيتَعَلَّق الشُّفْعَة بِهِ فَيقوم الطّلب عِنْده مقَام الطّلب مِنْهُمَا بِاعْتِبَار الْحَاجة فَأَما إِذا كَانَ الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي لم يَصح الْإِشْهَاد على البَائِع لِأَنَّهُ خرج من أَن يكون خصما لزوَال يَده وَملكه وَلَكِن لَهُ الْخِيَار فِي الْإِشْهَاد على المُشْتَرِي أَو عِنْد الْعقار ثمَّ مَا ذكرنَا من الِاخْتِيَار إِذا كَانَ الشَّفِيع حَاضرا عِنْد وُقُوع البيع بِحَضْرَة الدَّار وَالْبَائِع وَالْمُشْتَرِي وَأما إِذا عقد البيع فِي غير الْموضع الَّذِي فِيهِ الدَّار وَالشَّفِيع حَاضر فَلم يطالبهما بِالشُّفْعَة وَحضر مَوضِع الدَّار وَأشْهد ثمَّ بطلت شفعته حَيْثُ ترك الْمُطَالبَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَإِن كَانَ الشَّفِيع غَائِبا عَن مجْلِس البيع فَعلم فَحَضَرَ مَوضِع الدَّار وَلم يطْلب الشُّفْعَة وَذهب حَتَّى يجد البَائِع أَو المُشْتَرِي تبطل شفعته لِأَنَّهُ ترك الطّلب مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَأَما إِذا بِيعَتْ الدَّار فِي الْمصر الَّذِي هِيَ فِيهِ وَالشَّفِيع فِي مصر آخر فَعلم بذلك فَالْجَوَاب فِي حَقه وَالْجَوَاب فِي حق الْحَاضِر سَوَاء فِي أَنه يطْلب على الْفَوْر وَيشْهد ثمَّ يشْتَغل بِالطَّلَبِ من البَائِع أَو المُشْتَرِي أَو الْإِشْهَاد عِنْد الدَّار إِلَّا أَن لَهُ الْأَجَل بِمِقْدَار الْمسَافَة الَّتِي بَينه وَبَين الْمصر الَّذِي وَقع فِيهِ البيع من الْمُتَعَاقدين حَتَّى يذهب إِلَيْهِ بِنَفسِهِ فيطلب الشُّفْعَة أَو يبْعَث وَكيلا لطلب الشُّفْعَة وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ وَذَلِكَ الْأَجَل من وَقت الْعلم بِالْبيعِ وَطلب المواثبة فَإِذا مضى الْأَجَل وَلم يذهب بِنَفسِهِ وَلَا بعث وَكيلا لمطالبته الشُّفْعَة تبطل شفعته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 وَإِذا وجد كلا الطلبين وَصَحَّ الْإِشْهَاد على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا فَبعد ذَلِك لَهُ أَن يشْتَغل بالمرافعة إِلَى بَاب القَاضِي وَالْخُصُومَة لأخذ الدَّار بِالشُّفْعَة فَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع فَالْقَاضِي يحضر البَائِع وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا وَلَا يقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَة حَتَّى يحضرا لِكَوْنِهِمَا خصمين أَحدهمَا بِيَدِهِ وَالْآخر بِملكه لِأَن الْقَضَاء لَا يجوز بِدُونِ حَضْرَة الْخصم وَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي فَالْقَاضِي يحضرهُ لَا غير وَيَقْضِي عَلَيْهِ لِأَن البَائِع خرج من أَن يكون خصما لزوَال يَده فَإِذا قضى القَاضِي بِالشُّفْعَة وَالدَّار فِي يَد البَائِع انْتقض البيع الَّذِي بَينه وَبَين المُشْتَرِي وَينْعَقد البيع بَينهمَا فِي الْمَشْهُور من الرِّوَايَة وينتقل الصَّفْقَة إِلَيْهِ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن البيع لَا ينْتَقض فعلى الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة يسلم الشَّفِيع الثّمن إِلَى البَائِع وَيكون عَهده الشَّفِيع على البَائِع وَهِي الرُّجُوع بِالثّمن عِنْد الِاسْتِحْقَاق وَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن إِن نَقده ثمَّ الشَّفِيع يَأْخُذ الدَّار بِالثّمن الَّذِي وَقع عَلَيْهِ البيع من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والمكيل وَالْمَوْزُون فِي الذِّمَّة لِأَن تِلْكَ الصَّفْقَة انْتَقَلت إِلَيْهِ وَإِن كَانَ الثّمن من الْعرُوض فَيَأْخُذ بِقِيمَتِه ثمَّ القَاضِي يقْضِي بِالشُّفْعَة سَوَاء أحضر الشَّفِيع الثّمن أَو لَا فِي الْمَشْهُور من الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَيَأْمُر الشَّفِيع بِتَسْلِيم الثّمن إِلَيْهِ للْحَال فَإِن لم يسلم يحْبسهُ وَلَا ينْقض الْأَخْذ بِالشُّفْعَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الشِّرَاء فَإِن طلب مِنْهُ حَتَّى يذهب ويحضر الثّمن فَالْقَاضِي لَا يحْبسهُ لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ المطل وَإِن طلب الْأَجَل يَوْمًا أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 يَوْمَيْنِ فَالْقَاضِي يؤجله إِن رَضِي الْخصم وَإِلَّا فيحبسه وَقل مُحَمَّد لَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يقْضِي بِالشُّفْعَة حَتَّى يحضر الثّمن فَإِذا أحضر الثّمن يقْضِي بِالشُّفْعَة وَيَأْمُر الشَّفِيع بِتَسْلِيم الثّمن إِلَى المُشْتَرِي فَإِن قضي القَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَة قبل إِحْضَار الثّمن إِلَيْهِ من سَاعَته فَقَالَ لَا أنقده إِلَى يَوْم أَو يَوْمَيْنِ أَو إِلَى شهر وأبى المُشْتَرِي أَن يقبل ذَلِك لَا يفْسخ قَضَاؤُهُ وَلَا ينْقض الْأَخْذ بِالشُّفْعَة وَلَكِن يحْبسهُ وَالِاحْتِيَاط من القَاضِي أَن لَا يقْضِي بِالشُّفْعَة مَا لم يُؤَجل للشَّفِيع أَََجَلًا وَيَقُول لَهُ إِن لم تأت بِالثّمن إِلَى هَذَا الْأَجَل فَلَا شُفْعَة لَك حَتَّى إِذا امْتنع وفرط فِي الْأَدَاء تبطل شفعته فَأَما بِدُونِ ذَلِك إِذا قضي بِالشُّفْعَة لَا تبطل شفعته بِالتَّأْخِيرِ وَلَو أَن الشَّفِيع بعد وجود الطلبين وَالْإِشْهَاد إِذا أخر المرافعة إِلَى بَاب القَاضِي وَلم يُخَاصم هَل تبطل شفعته فقد اخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا وَالْحَاصِل أَن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله لم تسْقط الشُّفْعَة بِالتَّأْخِيرِ بعد الإشهادين إِلَّا أَن يُسْقِطهَا بِلِسَانِهِ فَيَقُول تركت الشُّفْعَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ إِذا ترك الْمُخَاصمَة إِلَى القَاضِي فِي زمَان يقدر على الْمُخَاصمَة فِيهِ بطلت شفعته وَلم يُوَقت وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر إِذا أخر الْمُطَالبَة بعد الْإِشْهَاد شهرا من غير عذر بطلت شفعته وَعَن الْحسن أَنه قَالَ وَهَذَا قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَزفر وَبِه نَأْخُذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وَذكر الْكَرْخِي أَنه إِذا حَال بَين الشَّفِيع وَبَين الْإِشْهَاد عِنْد الدَّار أَو على البَائِع أَو المُشْتَرِي حَائِل لَا يَسْتَطِيع الشَّفِيع أَن يصل إِلَى ذَلِك مَعَه وَلَا أَن يبْعَث وَكيلا فَهُوَ على شفعته إِلَى أَن يَزُول الْحَائِل الْمَانِع لَهُ ثمَّ يعود الْأَمر بَينهم على مَا ذكرنَا لِأَنَّهُ ترك الْمُطَالبَة مَعَ الْمَانِع لَا يدل على الْإِعْرَاض وَلِهَذَا قَالُوا إِن حق الشُّفْعَة يجب عِنْد البيع ويتأكد بِالطَّلَبِ وَيثبت الْملك بِهِ بِقَضَاء القَاضِي أَو بِالتَّرَاضِي من الْخَصْمَيْنِ وَأما الْأَحْكَام فكثيرة نذْكر بعض الْمَشْهُور مِنْهَا فَمن ذَلِك بَيَان مَا تبطل بِهِ الشُّفْعَة وَمَا لَا تبطل مِمَّا يحدث من الشَّفِيع بَيَان ذَلِك إِذا اشْترى الرجل دَارا لَهَا شَفِيع فساوم الشَّفِيع المُشْتَرِي فِي الدَّار لنَفسِهِ أَو لغيره أَو سَأَلَهُ أَن يوليه إِيَّاهَا أَو يشركهُ فِيهَا أَو يؤاجرها مِنْهُ أَو كَانَت أَرضًا فَطلب مِنْهُ الْمُزَارعَة أَو نخلا أَو كرما فَسَأَلَهُ الْمُعَامَلَة وَذَلِكَ كُله بَعْدَمَا علم بِالشِّرَاءِ فَذَلِك كُله تَسْلِيم للشفعة لِأَن ذَا دلَالَة الْإِعْرَاض عَن طلب الشُّفْعَة لِأَن حكمهَا يُنَافِي حكم أَخذ الدَّار بِالشُّفْعَة وَلَو بَاعَ الشَّفِيع دَاره الَّتِي يشفع بهَا بعد الشِّرَاء للْمُشْتَرِي تبطل شفعته سَوَاء علم بِالشِّرَاءِ أَو لم يعلم لِأَنَّهُ بَطل الْجوَار الَّذِي هُوَ سَبَب الِاسْتِحْقَاق قبل أَخذ الدَّار بِالشُّفْعَة وَلَو سلم الشُّفْعَة قبل البيع لَا يكون تَسْلِيمًا لِأَن الشُّفْعَة لم تثبت بعد فَلَا يَصح إِبْطَاله وَلَو سلم بعد الشِّرَاء تبطل الشُّفْعَة سَوَاء علم أَو لم يعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 بِخِلَاف المساومة والاستئجار وَلَو أخبر الشَّفِيع أَن الشِّرَاء بِأَلف دِرْهَم فَسلم الشُّفْعَة ثمَّ ظهر أَن الثّمن أَكثر أَو أقل أَو على خلاف جنسه فَالْأَصْل فِي هَذِه الْمسَائِل أَنه إِذا لم يحصل غَرَض الشَّفِيع على الْوَجْه الَّذِي سلم لم يَصح التَّسْلِيم وَإِن حصل صَحَّ فَإِذا ظهر أَن الثّمن أَكثر مِمَّا أخبر بِهِ لم يبطل التَّسْلِيم لِأَن الشَّفِيع إِذا لم يصلح لَهُ الشِّرَاء بِالْألف فَأولى أَن لَا يصلح بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يفوت غَرَضه بِمَا ظهر بِخِلَاف مَا أخبر وَلَو ظهر أَن الثّمن أقل لَا تبطل الشُّفْعَة لِأَن التَّسْلِيم يكون لِكَثْرَة الثّمن عِنْده وَأَنَّهَا لَا تَسَاوِي بهَا وَيصْلح لَهُ الدَّار بِالْأَقَلِّ وَلَو أخبر أَن الثّمن ألف دِرْهَم فَإِذا هُوَ مائَة دِينَار فَإِن كَانَ قيمتهَا ألف دِرْهَم أَو أَكثر صَحَّ التَّسْلِيم وَإِن كَانَ أقل فَلهُ الشُّفْعَة عندنَا خلافًا لزفَر لما قُلْنَا وَلَو أخبر أَن الثّمن ألف دِرْهَم أَو مائَة دِينَار ثمَّ ظهر أَنَّهَا بِيعَتْ بمكيل أَو مَوْزُون قِيمَته مثل ذَلِك أَو أقل فتسليمه بَاطِل لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون سلم لِأَنَّهُ لَا يقدر على ذَلِك الْجِنْس الَّذِي أخبر وَهُوَ يقدر على الْجِنْس الَّذِي بِيعَتْ بِهِ وَكَذَا إِذا أخبر أَنَّهَا بِيعَتْ بِالْحِنْطَةِ ثمَّ ظهر أَنَّهَا بِيعَتْ بشعير قِيمَته مثل الحنظة أَو أقل فَلهُ الشُّفْعَة لما ذكرنَا وَلَو أخبر أَن الثّمن دَرَاهِم أَو دَنَانِير ثمَّ ظهر أَن الثّمن عرض من الْعرُوض الَّذِي تجب الشُّفْعَة بِقِيمَتِه فَإِن كَانَ مثله أَو أَكثر فالتسليم صَحِيح وَإِن كَانَ أقل فَلَا يصلح لِأَن الْقيمَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وَإِن أخبر أَنَّهَا بِيعَتْ بِعرْض ثمَّ ظهر أَنَّهَا بِيعَتْ بِجِنْس آخر من الْعرُوض فَهُوَ على شفعته لما ذكرنَا وَلَو بلغه أَنَّهَا بِيعَتْ نصفهَا فَسلم ثمَّ ظهر أَنه بَاعَ الْكل فَلهُ الشُّفْعَة وَإِن كَانَ على عكس هَذَا فَلَا شُفْعَة لَهُ لِأَن الْإِنْسَان رُبمَا لَا يرضى مَعَ الشَّرِيك فَكَانَ التَّسْلِيم بِنَاء عَلَيْهِ ويرضى بِالدَّار كلهَا وَفِي رِوَايَة الْجَواب على ضد مَا ذكرنَا وَلَو أخبر أَن المُشْتَرِي زيد فَسلم ثمَّ ظهر أَنه عَمْرو فَلهُ الشُّفْعَة وَإِن كَانَا قد اشترياها جَمِيعًا أَخذ نصيب الَّذِي لم يسلم الشُّفْعَة فِيهِ لِأَن الْإِنْسَان قد يرضى بشركة وَاحِد وَلَا يرضى بشركة غَيره وَلَو اشْترى الرجل دَارا صَفْقَة وَاحِدَة فَأَرَادَ الشَّفِيع أَن يَأْخُذ بَعْضهَا دون بعض أَو يَأْخُذ مَا يَلِيهِ من الدَّار لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَإِنَّمَا لَهُ أَن يَأْخُذ الْكل أَو يدع لِأَن فِيهِ تَفْرِيق الصَّفْقَة على المُشْتَرِي وَلَو اشْترى دارين صَفْقَة وَاحِدَة فَأَرَادَ شفيعهما أَن يَأْخُذ إِحْدَاهمَا وَيتْرك الْأُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك سَوَاء كَانَت الداران متلاصقتين أَو لَا وَسَوَاء كَانَتَا فِي مصر وَاحِد أَو فِي مصرين لِأَن فِيهِ تَفْرِيق الصَّفْقَة على المُشْتَرِي وَقَالَ زفر لَهُ الْخِيَار بَين أَن يأخذهما أَو يَأْخُذ إِحْدَاهمَا وَلَو كَانَ الشَّفِيع شَفِيعًا لإحداهما دون الْأُخْرَى وَقد وَقع البيع صَفْقَة وَاحِدَة فعلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَهُ أَن يأخذهما وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ الَّتِي تجاوره بِالْحِصَّةِ وَقَالَ مُحَمَّد يَأْخُذ الَّتِي تليه بِالشُّفْعَة وَلَا شُفْعَة لَهُ فِي الْأُخْرَى لما ذكرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وَلَو أَن الشَّفِيع وجد الدَّار الْمَبِيعَة منقوضة بعد الشِّرَاء أَو مهدومة فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ بِفعل المُشْتَرِي أَو الْأَجْنَبِيّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ الْعَرَصَة بِالْحِصَّةِ وَإِن شَاءَ ترك وَإِن انتقضت أَو انْهَدَمت بِنَفسِهَا فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ أَخذهَا بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن شَاءَ ترك لِأَن أَخذ الدَّار بِالشُّفْعَة بِمَنْزِلَة الشِّرَاء فَيثبت الْملك بِالشُّفْعَة فِي الْعَرَصَة وَالْبناء جَمِيعًا لكَونه تبعا لَهَا والأتباع لَا حِصَّة لَهَا من الثّمن إِذا فَاتَت لَا بصنع أحد فَأَما إِذا فَاتَت بصنع المُشْتَرِي أَو الْأَجْنَبِيّ فَصَارَ مَقْصُودا بِالْإِتْلَافِ وَالْقَبْض فَيصير لَهَا حِصَّة من الثّمن وَقد تغير الْمَبِيع فَكَانَ لَهُ الْخِيَار على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا وَإِن كَانَ الْمُشْتَرى كرما وَفِيه أَشجَار وثمار فَقطع المُشْتَرِي شَجَرهَا أَو جد ثَمَرهَا أَخذ بِحِصَّة الْكَرم ويحط قيمَة مَا أَخذ مِنْهُ وَإِن ذهبت بِآفَة سَمَاوِيَّة أَخذهَا بِجَمِيعِ الثّمن أَو ترك لما قُلْنَا فَإِن لم يكن فِي وَقت الشِّرَاء فِيهِ ثَمَر ثمَّ أثمرت فجدها المُشْتَرِي فَإِن الشَّفِيع يَأْخُذهَا بِجَمِيعِ الثّمن إِن شَاءَ أَو يتْرك وَلَا يدفعل لَهُ بِحِصَّة الثَّمر لِأَنَّهُ لم يكن فِي أصل البيع فَإِن كَانَ الثَّمر فِي أصل البيع فَهُوَ كَمَا ذكرنَا من الْبناء وَالنَّخْل وَإِن كَانَ المُشْتَرِي أَرضًا فِيهَا زرع فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا الشَّفِيع بزرعها بقلا كَانَ أَو مستحصدا لِأَنَّهُ تبع الأَرْض فَإِن حصد المُشْتَرِي الزَّرْع ثمَّ جَاءَ الشَّفِيع فَإِنَّهُ أقسم الثّمن على قيمَة الأَرْض وعَلى قيمَة الزَّرْع وَهُوَ بقل يَوْم وَقع عَلَيْهِ العقد فَيَأْخُذ الشَّفِيع الأَرْض بِمَا أَصَابَهَا من الثّمن وَلَا يقسم الثّمن على قيمَة الزَّرْع وَهُوَ مستحصد هَذِه رِوَايَة عَن أبي يُوسُف وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ أقوم الأَرْض وفيهَا الزَّرْع وأقومها لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 فِيهَا ذَلِك الزَّرْع فَمَا كَانَ بَين ذَلِك فَهُوَ قيمَة الزَّرْع وَلَا أقوم الزَّرْع وَهُوَ بقل محصود وَلَو كَانَ للدَّار شُفَعَاء بِسَبَب الشّركَة فَحَضَرُوا فَهِيَ بَينهم على عد الرؤوس عندنَا وَعند الشَّافِعِي على قدر الْأَنْصِبَاء وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة فَإِن سلم الشُّرَكَاء إِلَّا وَاحِد فَلهُ أَن يَأْخُذ الدَّار كلهَا وَإِن سلم الْبَعْض دون الْبَعْض فالدار كلهَا بَين من لم يسلم على قدر عَددهمْ فَإِن سلم الشُّرَكَاء كلهم فللجيران الشُّفْعَة على عَددهمْ وعَلى هَذَا إِذا بِيعَتْ دَار فِي زقاق غير نَافِذ فأهله جَمِيعًا شُرَكَاء فِي الشُّفْعَة وهم أولى من الْجِيرَان المتلاصقين الَّذين لَا طَرِيق لَهُم فِي الزقاق لِأَن الشَّرِيك فِي الطَّرِيق أولى فَإِن سلم الشُّرَكَاء فِي الطَّرِيق فَالشُّفْعَة للجوار المتلاصقين وَلَو اخْتلف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثّمن فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا بِأَلفَيْنِ وَقَالَ الشَّفِيع بِأَلف فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي فِي الثّمن مَعَ يَمِينه وعَلى الشَّفِيع الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَ الشَّفِيع الْبَيِّنَة يقْضِي بِبَيِّنَتِهِ وَإِن أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الشَّفِيع عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْبَيِّنَة بَيِّنَة المُشْتَرِي وَهِي تعرف فِي الخلافيات وَلَو اشْترى الرجل ساحة فبناها ثمَّ جَاءَ شفيعها وَطلب الشُّفْعَة فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بالعرصة وَيُقَال للْمُشْتَرِي اقلع بناءك وَسلم الساحة إِلَى الشَّفِيع عندنَا وَرُوِيَ فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف أَنه يُقَال للشَّفِيع خُذ الدَّار بِالثّمن وبقيمة الْبناء أَو اترك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وَلَو أَخذ الشَّفِيع الدَّار بِالشُّفْعَة فبناها ثمَّ اسْتحقَّت الدَّار فَإِن الْمُسْتَحق يَأْخُذ الدَّار وَيُقَال للشَّفِيع اهدم بناءك وَلَا يرجع على المُشْتَرِي بِقِيمَة الْبناء إِن كَانَ أَخذ الدَّار من يَده وَلَا على البَائِع إِن كَانَ أَخذهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمغرور وَلَكِن يرجع على المُشْتَرِي بِالثّمن لِأَنَّهُ لم يسلم لَهُ الْمَبِيع وَلَو اشْترى الرجل دَارا بِثمن مُؤَجل فالشفيع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذهَا بِثمن حَال وَإِن شَاءَ انْتظر إِلَى مُضِيّ الْأَجَل فَإِذا مضى الْأَجَل أَخذهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ بِثمن مُؤَجل لِأَن الْأَجَل إِنَّمَا يثبت بِالشّرطِ وَلم يُوجد بَين المُشْتَرِي وَالشَّفِيع وَلَو مَاتَ الشَّفِيع بعد طلب الشُّفْعَة وَالْإِشْهَاد على المُشْتَرِي قبل أَن يقْضى لَهُ بِالشُّفْعَة تبطل الشُّفْعَة عندنَا وَلَا تثبت للْوَرَثَة وَعند الشَّافِعِي يثبت للْوَرَثَة فَحق الشُّفْعَة لَا يُورث عندنَا كالخيار وَعِنْده يُورث وَلَو اشْترى رجل دَارا لم يرهَا فبيعت بجنبها دَار فأخذا بِالشُّفْعَة لم يبطل خِيَاره وَلَو كَانَ لَهُ فِيهَا خِيَار الشَّرْط يبطل خِيَاره لِأَنَّهُ لَو قَالَ أبطلت خياري قبل الرُّؤْيَة لم يبطل خِيَار الرُّؤْيَة فَلَا يبطل بِدلَالَة الْإِبْطَال وَلَو قَالَ أبطلت خِيَار الشَّرْط يبطل فَكَذَا بِالدّلَالَةِ ثمَّ الْحِيلَة فِي إبِْطَال الشُّفْعَة هَل هِيَ مَكْرُوهَة رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنَّهَا لَا تكره وَعَن مُحَمَّد أَنه قَالَ أكره ذَلِك أَشد الْكَرَاهَة وعَلى هَذَا الْخلاف فِي إِسْقَاط الزَّكَاة قبل مُضِيّ الْحول وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 كتاب الذَّبَائِح يحْتَاج إِلَى بَيَان مَا يُبَاح أكله من الْحَيَوَان وَمَا لَا يُبَاح وَمَا يكره وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْإِبَاحَة وَإِلَى بَيَان مَحل الذّبْح وكيفيته وَإِلَى بَيَان مَا يذبح بِهِ وَإِلَى بَيَان أَهْلِيَّة الذّبْح أما الأول فَنَقُول إِن الْحَيَوَان على ضَرْبَيْنِ مَا لَا يعِيش إِلَّا فِي المَاء وَمَا لَا يعِيش إِلَّا فِي الْبر أما الَّذِي لَا يعِيش إِلَّا فِي المَاء فكله محرم الْأكل إِلَّا السّمك خَاصَّة بِجَمِيعِ أَنْوَاعه سوى الطافي مِنْهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي السّمك الطافي وَجَمِيع مَا فِي الْبَحْر حَلَال ثمَّ عندنَا الطافي على وَجْهَيْن إِن مَاتَ بِسَبَب حَادث يُؤْكَل وَإِن مَاتَ حتف أَنفه لَا يُؤْكَل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وَأَصله مَا رُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن أكل الطافي فَأَما الَّذِي مَاتَ من الْحر أَو الْبرد أَو كدر المَاء فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالُوا فِي سَمَكَة ابتلعت سَمَكَة إِنَّهَا تُؤْكَل لِأَنَّهَا مَاتَت بِسَبَب حَادث وَهُوَ حَلَال فِي حق الْمحرم والحلال جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اصطياد مَا فِي الْبَحْر حَلَال فِي حق الْمحرم والحلال وَأما مَا لَا يعِيش إِلَّا فِي الْبر فعلى نَوْعَيْنِ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ دم سَائل وَمِنْه مَا لَهُ دم سَائل أما مَا لَيْسَ لَهُ دم سَائل فكله حرَام إِلَّا الْجَرَاد مثل الذُّبَاب والزنبور وَسَائِر هوَام الأَرْض وَمَا يدب عَلَيْهَا وَمَا يكون تَحت الأَرْض من الْفَأْرَة واليربوع والحيات والعقارب لِأَنَّهَا من جملَة الْخَبَائِث إِلَّا أَن الْجَرَاد يحل بِالْحَدِيثِ الَّذِي كذكرنا وَأما مَا لَهُ دم سَائل فعلى ضَرْبَيْنِ مستوحش ومستأنس فالمستأنس مِنْهُ لَا يحل أكله من الْبَهَائِم سوى الْأَنْعَام وَهُوَ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم لقَوْله تَعَالَى {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} وَاسم الْأَنْعَام خَاص فِيمَا ذكرنَا عِنْد أهل اللُّغَة فَأَما مَا لَا يحل فالحمير وَالْبِغَال وَالْخَيْل وَهَذَا قَول أبي حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا يحل الْفرس خَاصَّة وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما المستأنس من الطُّيُور كالدجاج والبط والأوز فَيحل بِإِجْمَاع الْأمة وَأما المستوحش مِنْهُ فَيحرم كل ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من الطُّيُور إِلَّا الأرنب خَاصَّة لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ ابْن عَبَّاس أَنه نهى عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من الطير وَخص مِنْهُ الأرنب لحَدِيث عمر فذو الناب من السبَاع الْأسد والذنب والنمر والفهد والثعلب والضبع وَالْكَلب والسنور الْبري والأهلي وَكَذَلِكَ الْفِيل وَابْن عرس من جملَة ذِي الناب وَنَحْوهَا وَذُو المخلب من الطُّيُور الصَّقْر والبازي والنسر وَالْعِقَاب والشاهين وَنَحْوهَا وَمَا سوى ذَلِك من المستوحش من الْبَهَائِم والطيور فَهُوَ حَلَال كالظبي وبقر الْوَحْش وحمر الْوَحْش وَالْإِبِل وَنَحْوهَا وَمن الطُّيُور الْحمام والعصفور والعقعق وغراب الزَّرْع الَّذِي يَأْكُل الزَّرْع وَلَا يَأْكُل الْجِيَف وَنَحْوهَا إِلَّا أَنه يكره أكل الْغُرَاب الأبقع والغراب الْأسود الَّذِي يَأْكُل الْجِيَف وَيكرهُ الْجَلالَة من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم لِأَن الْغَالِب من أكلهَا النَّجَاسَة فَأَما الدَّجَاجَة المخلاة الَّتِي تَأْكُل النَّجَاسَة أَيْضا قَالُوا لَا يكره لِأَنَّهَا تخلطها بغَيْرهَا وَلِأَن الْجَلالَة ينتن لَحمهَا ويتغير وَلحم الدَّجَاجَة لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 ينتن وَلَا يتَغَيَّر ثمَّ الْجَلالَة إِذا حبست أَيَّامًا حَتَّى تعتلف وَلَا تَأْكُل النَّجَاسَة تحل وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة مُحَمَّد لم يُوَقت الْحَبْس بل يحبس حَتَّى يطيب لَحمهَا وَيذْهب نَتنه وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف مُقَدّر بِثَلَاثَة أَيَّام فَأَما الدَّجَاجَة فقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنَّهَا لَا تحبس لِأَنَّهُ لَا ينتن لَحمهَا وَلَكِن الْمُسْتَحبّ أَن تحبس يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أما جَنِين مَا يُؤْكَل لَحْمه إِذا خرج مَيتا لَا يحل عِنْد أبي حنيفَة وَزفر وَالْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يحل وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما شَرَائِط الْحل فَمِنْهَا الذّبْح أَو النَّحْر فِي جَمِيع مَا يشْتَرط فِيهِ الذّبْح لَكِن النَّحْر فِي الْإِبِل وَالذّبْح فِي الشَّاة أحب وَأَصله قَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا ذكيتم} وَاسم الذَّكَاة يَقع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَمِنْهَا التَّسْمِيَة حَتَّى لَو تَركهَا عَامِدًا لَا يحل عندنَا وَعند الشَّافِعِي يحل وَأَجْمعُوا أَنه لَو تَركهَا نَاسِيا يحل وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ فِي ذَكَاة الِاخْتِيَار تجب التَّسْمِيَة لكل ذَبِيحَة عِنْد الحز وَالْقطع وَفِي ذَكَاة الِاضْطِرَار يشْتَرط عِنْد الرَّمْي والإرسال لَا عِنْد الْإِصَابَة وَلَا يشْتَرط التَّعْيِين لكل صيد بِخِلَاف الْأَهْلِيَّة بَيَانه أَنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 لَو أضجع شَاة ليذبحها فَسمى ثمَّ بدا لَهُ أَن لَا يذبحها فأرسلها وأضجع أُخْرَى فذبحها بِتِلْكَ التَّسْمِيَة لم يحل وَلَو رمى صيدا وسمى فأخطأه وَأصَاب آخر فَقتله فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ لِأَن التَّسْمِيَة عِنْد الذّبْح تشْتَرط عِنْد الْقُدْرَة وَعند الْعَجز أقيم الْإِرْسَال وَالرَّمْي مقَام الذّبْح إِذا اتَّصَلت بِهِ الْآلَة وَكَذَا لَو أرسل كَلْبا على صيد بِعَيْنِه وسمى فَأخذ غير الَّذِي هُوَ سمى عَلَيْهِ من غير أَن مَال عَن سنَن الأولى يحل وَلَو ذبح شَاة وسمى ثمَّ ذبح أُخْرَى فَظن أَن التَّسْمِيَة الأولي تجزي عَنْهُمَا لم يُؤْكَل فَيجب أَن يحدث لكل ذَبِيحَة تَسْمِيَة وَلَو رمي سَهْما وسمى فَقتل بِهِ من الصَّيْد اثْنَيْنِ أَو أرسل كَلْبا وسمى فَقتل صيدين يحل كُله لما قُلْنَا وَلَو سمى وَتكلم بِكَلَام قَلِيل أَو فعل فعلا قَلِيلا ثمَّ ذبح فَلَا بَأْس بِهِ وَيجْعَل كالمتصل للضَّرُورَة أما إِذا تكلم بِكَلَام طَوِيل أَو فعل فعلا كثيرا بَين التَّسْمِيَة والحز لَا يحل وَمِنْهَا تَجْرِيد اسْم الله عِنْد الذّبْح عَن اسْم غَيره حَتَّى لَو قرن باسم الله اسْم غَيره وَإِن كَانَ اسْم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ لَا يحل وتجريده عَن الدُّعَاء مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِشَرْط بِأَن قَالَ باسم الله اللَّهُمَّ تقبل عني أَو عَن فلَان وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يَدْعُو بِهَذَا وبمثله قبل التَّسْمِيَة أَو بعد الْفَرَاغ عَن التَّسْمِيَة مُنْفَصِلا عَنْهَا وَلَكِن لَا يُوجب الْحُرْمَة وَلَو سبح أَو هلل أَو كبر وَأَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة يحل أما لَو أَرَادَ بِهِ الْحَمد على سَبِيل الشُّكْر لَا يحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وَكَذَا لَو سمى يَنْبَغِي أَن يُرِيد بِهِ التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة أما لَو أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَة عِنْد افْتِتَاح الْعَمَل لَا يحل وَأما مَحل الذّبْح وكيفيته فَنَقُول الذَّكَاة نَوْعَانِ ذَكَاة اخْتِيَار وذكاة اضطرار أما ذَكَاة الِاضْطِرَار فمحله جَمِيع الْبدن فَيحل بِوُجُود الْجرْح أَيْنَمَا أصَاب على مَا نذكرهُ وَأما ذَكَاة الِاخْتِيَار فمحله مَا بَين اللبة واللحيين لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الذَّكَاة مَا بَين اللبة واللحيين ثمَّ الذَّكَاة هِيَ فري الْأَوْدَاج والأدواج أَرْبَعَة الْحُلْقُوم والمريء والعرقان اللَّذَان بَينهمَا الْحُلْقُوم والمريء فالحلقوم مجْرى النَّفس والمريء مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب والعرقان مجْرى الدَّم فَإِذا قطع الْأَوْدَاج الْأَرْبَعَة فقد أَتَى بالذكاة الْمَأْمُور بهَا بِتَمَامِهَا فَأَما إِذا نقص من ذَلِك فقد اخْتلفُوا فِيهِ رُوِيَ عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا قطع أَكثر الْأَوْدَاج حل وَفسّر ذَلِك بِأَن قطع ثَلَاثَة مِنْهَا من أَي جَانب كَانَ وَبِه أَخذ ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يحل مَا لم يقطع الْحُلْقُوم والمريء وَأحد الودجين وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ مَا لم يقطع الْأَوْدَاج الْأَرْبَعَة أَو الْأَكْثَر من كل وَاحِد مِنْهَا لَا يحل حَتَّى أَنه إِذا قطع الثَّلَاثَة أَو الْأَكْثَر مِنْهَا وَقطع نصف الرَّابِع أَو أقل لَا يحل وَبِه أَخذ مُحَمَّد فَصَارَ الْحَاصِل أَن عِنْد أبي حنيفَة الْأَكْثَر على رِوَايَة أبي يُوسُف يرجع إِلَى الثَّلَاثَة مِنْهَا وعَلى رِوَايَة مُحَمَّد الْأَكْثَر يرجع إِلَى كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة وَقَالَ مُحَمَّد إِنَّه لَا يحل مَا لم يقطع الْكل أَو الْأَكْثَر من كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَاحِد مِنْهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحل إِذا قطع ثَلَاثَة مِنْهَا الْحُلْقُوم والمريء وَأحد الودجين وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قطع الْحُلْقُوم والمريء يحل وَلَو أبان رَأس الْبَعِير أَو الشَّاة بِالسَّيْفِ فَإِن كَانَ من قبل الْحُلْقُوم أكل وَإِن كَانَ من قبل الْقَفَا فَإِن صَار بِحَال لَا يعِيش قبل قطع الْأَوْدَاج لَا يحل وَإِن كَانَ بِحَال يعِيش يحل وَيكرهُ فِي حَال الذّبْح أَن يجرها برجلها إِلَى المذبح أَو يضجعها وَيحد الشَّفْرَة بَين يَديهَا وَيكرهُ أَن يذبحها على وَجه يبلغ النخاع وَهُوَ الْعرق الْأَبْيَض الَّذِي فِي عظم الرَّقَبَة وَيكرهُ أَن يسلخ قبل أَن تَمُوت لِأَن هَذَا زِيَادَة ألم لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَإِن نخع أَو سلخ قبل أَن تبرد فَلَا بَأْس بذلك لِأَنَّهُ لم يُوجد فِيهِ ألم ذكره الْكَرْخِي وَبَعض الْمَشَايِخ قَالُوا يكره النخاع بعد الْمَوْت قبل أَن يبرد وَيكرهُ السلخ وَعَن مُجَاهِد أَنه قَالَ كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة من الشَّاة المذبوحة الذّكر والأنثيين والقبل والغدد والمثانة والمرارة وَالدَّم ثمَّ أَبُو حنيفَة فسر هَذَا وَقَالَ الدَّم حرَام للنَّص الْقَاطِع وَأما الحكم فِي السَّبْعَة فمكروه لِأَنَّهُ مِمَّا لَا تستحسنه الْأَنْفس وَإنَّهُ أَرَادَ بِهِ الدَّم المسفوح فَأَما دم الكبد وَالطحَال وَدم اللَّحْم فَلَيْسَ بِحرَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وَأما بَيَان مَا يذكي بِهِ وَهُوَ الْآلَة فعلى ضَرْبَيْنِ آلَة تقطع وَآلَة تفسخ فالآلة الَّتِي تقطع على ضَرْبَيْنِ حادة وكليلة فالحادة يجوز الذّبْح بهَا حديدا كَانَ أَو غير حَدِيد من غير كَرَاهَة والكليلة الَّتِي تقطع يجوز الذّبْح بهَا مَعَ الْكَرَاهَة حديدا كَانَت أَو غير حَدِيد وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام كل مَا أنهر الدَّم وأفرى الْأَوْدَاج فَهُوَ ذَكَاة وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا ذبح بظفر منزوع أَو بسن منزوع جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز وَأما الْآلَة الَّتِي تفسخ فَهُوَ نَحْو الظفر الْقَائِم وَالسّن الْقَائِم إِذا ذبح بِهِ لَا يحل لِأَنَّهُ يعْتَمد على الْمَذْبُوح من وَجه فيختنق ويتفسخ حَتَّى قَالُوا إِذا كَانَ الظفر طَويلا فَأخذ إِنْسَان آخر بِيَدِهِ وَذبح بظفره وَأمر عَلَيْهِ كَمَا يمر السكين يحل لِأَنَّهُ لم يعْتَمد عَلَيْهِ حَتَّى يكون فِيهِ معنى التخنيق وَأما بَيَان أَهْلِيَّة الذّبْح فَنَقُول يشْتَرط أَن يكون من أهل الْملَّة الَّتِي يقر عَلَيْهَا وَيعْقل الذّبْح ويضبطه وَيقدر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ من أهل الْملَّة وَهُوَ عَاقل فَالظَّاهِر أَنه يَأْتِي باسم الله تَعَالَى عِنْد الذّبْح وَإِذا لم يكن عَاقِلا فإجراء اسْم الله تَعَالَى على لِسَانه وَعَدَمه سَوَاء وَلِهَذَا لَا يَصح الْإِسْلَام مِنْهُ وَالْقُدْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 على الذّبْح لَا بُد مِنْهَا حَتَّى يتَحَقَّق فعل الذّبْح على وَجهه فَيصح الذَّكَاة من الْمُسلم والكتابي إِذا عقلا الذّبْح وَلَا يتركان التَّسْمِيَة عمدا سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى صَغِيرا أَو بَالغا وَلَا يجوز ذبح الْمَجُوسِيّ وَلَا الْمُرْتَد وَلَا ذبح الصَّبِي والسكران وَالْمَجْنُون إِذا لم يعلقوا وَلم يضبطوا الذّبْح هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي غير الصَّيْد فَأَما فِي الصَّيْد فَيشْتَرط أَن لَا يكون محرما وَلَا الذّبْح بِأَمْر الْمحرم وَلَا فِي الْحرم حَتَّى لَا يُؤْكَل مَا يذبح الْمحرم من الصَّيْد أَو يَأْمر بِهِ وَلَا مَا يذبحه الْحَلَال فِي الْحرم من الصَّيْد وَيكون ذَلِك كالميتة فَأَما ذبح الْمحرم لغير الصَّيْد فسبب الْحل فِي الْحل وَالْحرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 كتاب الصَّيْد الاصيطاد مُبَاح فِي الْبَحْر فِي حق كَافَّة النَّاس وَفِي الْبر فِي حق غير الْمحرم على كل حَال إِلَّا فِي الْحرم وَفِي حق الْمحرم لَا يُبَاح فِي الْحل وَلَا فِي الْحَرَام وَأَصله قَوْله تَعَالَى {أحل لكم صيد الْبَحْر} وَلِأَن الْكسْب مُبَاح فِي الأَصْل وَمَا يصيده قد يُؤْكَل وَقد ينْتَفع بجلده وبشعره وَنَحْو ذَلِك ثمَّ مَا يُبَاح أكله من الصَّيْد الْمَأْكُول بِأخذ الْجَوَارِح وَالرَّمْي وَغير ذَلِك من فعل الْعباد إِذا مَاتَ قبل أَن يقدر عَلَيْهِ لَهُ شَرَائِط أَحدهَا أَن تكون الْآلَة الَّتِي بهَا يصطاد جارحة تجرح الصَّيْد وَهُوَ السهْم وَالسيف وَالرمْح وَالْحَيَوَان الَّذِي لَهُ نَاب أَو مخلب فيجرح بِهِ فَيَمُوت هَذَا هُوَ الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة أما إِذا لم يجرح الْكَلْب أَو الْبَازِي فَلَا يحل وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَن الْكَلْب إِذا خنق يحل وَلَو لم يخنفه وَلم يجرحه وَلكنه كَسره فَمَاتَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَو أصَاب السهْم ظلف الصَّيْد أَو قرنه فَإِن وصل إِلَى اللَّحْم فأدماه أكل وَإِلَّا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي الشَّاة إِذا اعتلفت بالعناب فذبحت وَلم يسل مِنْهَا الدَّم فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الصفار لَا يحل وَقَالَ أَبُو بكر الإسكاف يحل وَهَذَا إِذا مَاتَ بجرحه غَالِبا فَأَما إِذا وَقع الشَّك فَلَا يحل إِذا كَانَ يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ بِأَن رمي صيدا فِي الْهَوَاء فَسقط على جبل أَو سطح أَو شجر أَو على سِنَان رمح مركوز فِي الأَرْض أَو على حرف آجرة أَو صَخْرَة أَو فِي المَاء ثمَّ سقط على الأَرْض لَا يحل احْتِيَاطًا لجَانب الْحُرْمَة وَإِذا وَقع على آجرة مطبوخة على الأَرْض أَو على أَرض صلبة فَالْقِيَاس أَن لَا يحل وَفِي الِاسْتِحْسَان يحل لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَن الأَرْض وَالثَّانِي أَن يكون الْحَيَوَان الْجَارِح معلما لقَوْله تَعَالَى {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} وَتَعْلِيم ذِي الناب أَنه إِذا أرسل يتبع الصَّيْد وَإِذا أَخذه أمْسكهُ على صَاحبه وَلم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَتَعْلِيم ذِي المخلب أَن يستجيب إِذا دعِي وَيتبع الصَّيْد إِذا أرسل وَإِن أكل مِنْهُ فَلَا بَأْس بِهِ ثمَّ أَبُو حنيفَة فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يُوَقت فِي التَّعْلِيم وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يَقُول أهل الْعلم بذلك إِنَّه معلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 وروى الْحسن عَنهُ أَنه قَالَ لَا يَأْكُل أول مَا يصيد وَلَا الثَّانِي ثمَّ يُؤْكَل الثَّالِث وَمَا بعده وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا صَاد ثَلَاث مَرَّات وَلم يَأْكُل فَهُوَ معلم ثمَّ إِذا صَار معلما من حَيْثُ الظَّاهِر وصاد بِهِ صَاحبه ثمَّ أكل بعد ذَلِك من صيد يَأْخُذهُ فقد بَطل تَعْلِيمه وَلَا يُؤْكَل بعد ذَلِك صَيْده حَتَّى يعلم تَعْلِيما ثَانِيًا بِلَا خلاف فَأَما مَا صَاده قبل ذَلِك هَل يُؤْكَل جديده وقديمه عِنْد أبي حنيفَة لَا يُؤْكَل لِأَنَّهُ ظهر أَنه صَار معلما وَعِنْدَهُمَا يحل لِأَنَّهُ الْعَالم قد ينسى وَالثَّالِث أَن لَا يكون الْحَيَوَان الْجَارِح الَّذِي يصطاد بِهِ محرم الْعين كالخنزير فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ معلما لَا يحل صَيْده فَأَما مَا سواهُ من الْجَوَارِح إِذا علم يحل صَيْده كالفهد والأسد وَالذِّئْب والنمر وَابْن عرس الرَّابِع أَن يكون الْإِرْسَال مِمَّن هُوَ أهل للذبح لِأَن الْإِرْسَال وَالرَّمْي بِمَنْزِلَة الذّبْح فَلَا بُد من أَن يكون الْمُرْسل أَهلا من مُسلم أَو كتابي مَعَ سَائِر الشَّرَائِط وَالْخَامِس أَن يكون الْإِرْسَال على مَا هُوَ صيد مشَاهد معاين بِأَن رأى صيدا أَو جمَاعَة فَرمى إِلَيْهِم فَأَما التَّعْيِين فَلَيْسَ بِشَرْط حَتَّى أَنه لَو أصَاب صيدا آخر سوى مَا عاين يحل لِأَن الْإِرْسَال وجد إِلَى الصَّيْد وَفِي التَّعْيِين حرج وَلَو أرسل إِلَى مَا لَيْسَ بصيد من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم أَو الْآدَمِيّ فَأصَاب صيدا لَا يحل لِأَنَّهُ لم يُوجد الْإِرْسَال إِلَى الصَّيْد وَلَو سمع حس صيد فَظَنهُ صيدا فَأرْسل عَلَيْهِ كَلْبه أَو رمى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 سَهْمه إِلَيْهِ فَأصَاب صيدا وَبَان لَهُ أَن مَا ظَنّه صيدا فَهُوَ غنم أَو آدَمِيّ لَا يحل لِأَنَّهُ مَا أرسل إِلَى الصَّيْد لكنه ظَنّه كَذَلِك وَلَو سمع حسا وَلَا يعلم أَنه حس صيد أَو آدَمِيّ فَأرْسل فَأصَاب صيدا لَا يحل وَلَو سمع حسا فَظَنهُ آدَمِيًّا فَرَمَاهُ وَأصَاب الَّذِي سمع حسه فَإِذا هُوَ صيد قَالُوا يحل لِأَنَّهُ رمى إِلَى محسوس معِين لكنه ظن أَنه آدَمِيّ وَقصد الْآدَمِيّ فَظهر أَنه بَطل قَصده وَلَكِن الرَّمْي صَادف مَحَله وَهُوَ الْإِرْسَال إِلَى محسوس معِين وَهُوَ الصَّيْد فصح إرْسَاله وتسميته كمن أَشَارَ إِلَى امْرَأَته وَقَالَ هَذِه الكلبة طَالِق تطلق وَإِن أَخطَأ الِاسْم وَلَو ظن حسن صيد فَرَمَاهُ أَو أرسل فَإِذا هُوَ حسن صيد غير مَأْكُول أَو مَأْكُول وَأصَاب صيدا آخر يحل وَقَالَ زفر إِن كَانَ صيدا لَا يُؤْكَل لَحْمه وَلَا يحل وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِن كَانَ خنزيرا لَا يحل خَاصَّة وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الصَّيْد اسْم للمأكول وَغَيره وَالسَّادِس أَن يكون فَور الْإِرْسَال بَاقِيا وَلَا يَنْقَطِع إِلَى وَقت الْأَخْذ والإصابة حَتَّى إِنَّه إِذا أرسل إِلَى صيد وسمى فَمَا أَخذ فِي ذَلِك الْفَوْر من الصَّيْد فَقتله يحل فَإِذا انْقَطع الْفَوْر بِأَن جثم على صيد طَويلا ثمَّ مر بِهِ صيد آخر فَقتله لَا يحل الثَّانِي وَكَذَلِكَ فِي الرَّمْي إِذا تغير بِأَن رمى إِلَى الصَّيْد فَذهب بِهِ الرّيح يمنه أَو يسرة فَأصَاب صيدا لَا يحل وَلَو أصَاب السهْم حَائِطا أَو صَخْرَة فَرجع السهْم وَأصَاب الصَّيْد فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَل وَهَذَا لِأَن الْإِرْسَال انْقَطع فَاحْتمل أَنه حصل بِقُوَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 غَيره وَلَا يحل مَعَ الشَّك فَأَما إِذا مر على سنَنه فَإِن أصَاب الْحَائِط فَلَا بَأْس بِهِ وَلَو أرسل رجلَانِ كلبين أَو رميا سَهْمَيْنِ فأصابا مَعًا صيدا فقتلاه فَهُوَ بَينهمَا ولوجود السَّبَب مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَو سبق أَحدهمَا فَهُوَ لَهُ لِأَن سَبَب الْملك وَالذّبْح وجد مِنْهُ سَابِقًا وَهُوَ الْإِرْسَال بأثره فَكَانَ أولى وَالسَّابِع التَّسْمِيَة فِي حَال الْإِرْسَال إِذا كَانَ ذَاكِرًا لَهَا لِأَن الْإِرْسَال وَالرَّمْي ذبح من الْفَاعِل تَقْديرا فَيشْتَرط التَّسْمِيَة عِنْده كَمَا فِي الذّبْح أَلا أَنه لَا يشْتَرط على كل صيد بِعَيْنِه بِخِلَاف الذّبْح على مَا مر وَالثَّامِن أَن يلْحقهُ الْمُرْسل والرامي أَو من يقوم مقامهما قبل انْقِطَاع الطّلب أَو التواري عَنهُ وَهَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يحل لاحْتِمَال أَنه مَاتَ بِسَبَب آخر لَكِن ترك الْقيَاس بالأثر والضرورة لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فَأَما إِذا قعد عَن طلبه ثمَّ وجده بعد ذَلِك مَيتا فَلَا يُؤْكَل لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة وَأَصله مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كل مَا أصميت ودع مَا أنميت وَقَالَ أَبُو يُوسُف الإصماء مَا عاينه والإنماء مَا توارى عَنهُ وَالتَّاسِع أَن لَا يدْرك ذبحة الِاخْتِيَار بِأَن كَانَ مَيتا فَإِن كَانَ بِحَال لَا يعِيش وَلم يذبحه فَفِيهِ اخْتِلَاف بِنَاء على مَسْأَلَة المتردية والنطيحة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 والموقوذة إِذا ذبحت هَل تحل أم لَا وَهِي على وَجْهَيْن إِن كَانَ فِيهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة حلت بِالذبْحِ فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَإِن كَانَت فِيهَا حَيَاة وَلكنهَا غير مُسْتَقِرَّة تحل بِالذبْحِ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَ فِيهَا من الْحَيَاة مَا يعِيش مثلهَا تحل وَإِن كَانَ لَا يعِيش مثلهَا لَا تحل وَقَالَ مُحَمَّد إِن بَقِي حَيا أَكثر من بَقَاء الْمَذْبُوح بعد الذّبْح يحل إِذا ثَبت هَذَا فَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا وجد حَيا تبطل الذَّكَاة الاضطرارية عِنْد أبي حنيفَة وَإِن لم يكن فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَعِنْدَهُمَا على الْوَجْه الَّذِي قُلْنَا وَلَو أبان رَأس الصَّيْد وَسمي يحل كُله وَلَو قطع عضوا مِنْهُ سوى الرَّأْس فَمَاتَ لم يُؤْكَل الْعُضْو المبان وَيحل الْبَاقِي لِأَن الْأَوْدَاج تَنْقَطِع بإبابنة الرَّأْس فَيكون ذبحا وَإِذا قطع عضوا غَيره لَا يُؤْكَل الْجُزْء المبان لِأَن الْمَوْت حصل والجزء مبان قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مَا أبين من الْحَيّ فَهُوَ ميت وَلَو قطع نِصْفَيْنِ طولا أَو عرضا يحل أكله لِأَن الْمَوْت يحصل بِهَذَا الْفِعْل فَيكون الْكل مذكى ذَكَاة اضطرار وَإِن كَانَ أحد النصفين أَكثر فَإِن كَانَ مِمَّا يَلِي الرَّأْس أقل يُؤْكَل كُله وَإِن كَانَ أَكثر أكل مِمَّا يَلِي الرَّأْس وَلَا يُؤْكَل مَا سواهُ لِأَن الْأَوْدَاج مُتَّصِلَة من الْقلب إِلَى الدِّمَاغ فَمَتَى كَانَ النّصْف الَّذِي يَلِي الرَّأْس أقل يكون ذَكَاة بِقطع الْأَوْدَاج وَمَتى كَانَ أَكثر كَانَ ذَكَاة الِاضْطِرَار فَيكون ذَلِك عِنْد الْمَوْت فَيكون الْجُزْء الَّذِي بَان فَاتَ حَيَاته قبل الذَّكَاة فَيكون ميتَة وَلَو قطع أقل الرَّأْس لَا يحل المبان وَيحل الْبَاقِي لِأَن هَذَا ذَكَاة الِاضْطِرَار فَلَا يحل المبان قبل الْمَوْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وَلَو بَقِي أقل الرَّأْس وَقطع الْأَكْثَر يحل كُله لِأَنَّهُ صَار ذَكَاة بِقطع الْعُرُوق وَلَو قطع الرَّأْس نِصْفَيْنِ فعلى قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد يحل كُله وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الأول ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يحل المبان فَكَانَ عِنْده أَن الْعُرُوق مُتَّصِلَة بِالنِّصْفِ الَّذِي يَلِي الْبدن وَعِنْدَهُمَا مُتَّصِلَة بالدماغ فَتَصِير مَقْطُوعَة بِقطع النّصْف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 كتاب الْأُضْحِية يحْتَاج إِلَى بَيَان أَن الْأُضْحِية وَاجِبَة أم لَا وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْوُجُوب وَبَيَان شَرَائِط الْأَدَاء وَإِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْقَضَاء وَإِلَى بَيَان مَا يجوز فِي الْأُضْحِية وَمَا لَا يجوز وَإِلَى بَيَان مَا يكره أما الأول فَنَقُول قَالَ أَصْحَابنَا إِن الْأُضْحِية وَاجِبَة على المقيمين من أهل الْأَمْصَار والقرى والبوادي من الْأَعْرَاب والتركمان وَقَالَ الشَّافِعِي سنة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف وَأَجْمعُوا أَنَّهَا لَا تجب على الْمُسَافِرين وَالصَّحِيح قَوْلنَا لقَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ أهل التَّفْسِير المُرَاد مِنْهُ صَلَاة الْعِيد وَنحر الْأُضْحِية وَالْأَمر للْوُجُوب وَالنَّص ورد فِي حق الْمُقِيم لِأَن الْخطاب للرسول عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ حكم لَا يعرف بِالْقِيَاسِ فَلَا يتَعَدَّى إِلَى الْمُسَافِر كَمَا فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 وَأما شَرَائِط الْوُجُوب فَمِنْهَا الْيَسَار وَهُوَ الْيَسَار الَّذِي تعلق بِهِ وجوب صَدَقَة الْفطر دون الْيَسَار الَّذِي تعلق بِهِ وجوب الزَّكَاة على مَا ذكرنَا فِي كتاب الزَّكَاة وَمِنْهَا الْإِسْلَام لِأَنَّهَا عبَادَة وقربة وَمِنْهَا الْوَقْت فَإِنَّهَا لَا تجب قبل أَيَّام النَّحْر وَلِهَذَا لَو ولدت الْمَرْأَة ولدا بعد أَيَّام النَّحْر لَا تجب الْأُضْحِية لأَجله وَلَو مَاتَ الْوَلَد فِي وسط أَيَّام النَّحْر لَا تجب الْأُضْحِية لِأَن الْوُجُوب يتَأَكَّد فِي آخر الْوَقْت وَكَذَا كل من مَاتَ من أهل وجوب الْأُضْحِية لما ذكرنَا وَأما الْبلُوغ وَالْعقل هَل يشْتَرط فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَيْسَ بِشَرْط حَتَّى تجب على الصَّغِير إِذا كَانَ غَنِيا فِي مَاله حَتَّى لَو ضحى الْأَب أَو الْوَصِيّ من مَاله لَا يضمن وَعند مُحَمَّد وَزفر لَا يجب على الصَّغِير حَتَّى يضمن الْأَب وَالْوَصِيّ وَلَو كَانَ مَجْنُونا مُوسِرًا تجب فِي مَاله ويضحي عَنهُ الْوَلِيّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور كَمَا فِي صَدَقَة الْفطر وَفِي رِوَايَة فرق بَين صَدَقَة الْفطر وَبَين الْأُضْحِية وَقَالَ لَا تجب الْأُضْحِية فِي مَاله وَلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه تجب الْأُضْحِية على الْمُوسر بِسَبَب أَوْلَاده الصغار دون الْكِبَار بِمَنْزِلَة صَدَقَة الْفطر إِذا لم يكن للصغار مَال لَكِن إِذا ضحى من مَال الصَّغِير لَا يتَصَدَّق بِهِ لِأَن الْوَاجِب هُوَ الإراقة فَأَما التَّصَدُّق بِاللَّحْمِ فتطوع وَمَال الصَّغِير لَا يحْتَمل التَّبَرُّع فَيَنْبَغِي أَن يطعم الصَّغِير ويدخر لَهُ أَو يسْتَبْدل لحومه بالأشياء الَّتِي ينْتَفع بهَا الصَّغِير مَعَ بَقَاء أعيانها كَمَا فِي جلد الْأُضْحِية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وَأما شَرَائِط الْأَدَاء وَكَيْفِيَّة الْقَضَاء فَمِنْهَا وَقت الْفجْر فَإِنَّهُ لَا يَصح التَّضْحِيَة إِلَّا فِي أَيَّام النَّحْر وَلَو ذهب الْوَقْت تسْقط التَّضْحِيَة إِلَّا أَن فِي حق المقيمين فِي الْأَمْصَار يشْتَرط شَرط آخر وَهُوَ أَن يكون بعد صَلَاة الْعِيد بِالْحَدِيثِ حَتَّى إِن فِي حق أهل الْقرى تجوز التَّضْحِيَة فِي أول الْوَقْت وَإِن دخل الرستاقي الْمصر لصَلَاة الْعِيد وَأمر أَهله بِأَن يضحوا عَنهُ لَهُم أَن يضحوا عَنهُ قبل صَلَاة الْعِيد وَالْمُعْتَبر مَكَان الذَّبِيحَة لَا مَكَان الْمَذْبُوح عَنهُ فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة مَكَان الْمَذْبُوح عَنهُ وَهُوَ قَول الْحسن وَكَذَلِكَ إِذا ترك الصَّلَاة يَوْم النَّحْر لعذر أَو لغير عذر يجوز أَن يُضحي بعد انتصاف النَّهَار وَفِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث سَوَاء صلوا صَلَاة الْعِيد أَو لم يصلوا لَهُم أَن يضحوا قبل صَلَاة الْعِيد لِأَن التَّرْتِيب فِي الْيَوْم الأول ثَبت بِالْحَدِيثِ غير مَعْقُول الْمَعْنى فاقتصر عَلَيْهِ إِذا صلى أَو مضى وَقت الصَّلَاة ثمَّ أَيَّام النَّحْر ثَلَاثَة يَوْم الْأَضْحَى وَهُوَ الْعَاشِر من ذِي الْحجَّة وَالْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر يجوز التَّضْحِيَة فِي نَهَار هَذِه الْأَيَّام ولياليها بعد طُلُوع الْفجْر من الْيَوْم الأولى إِلَى غرُوب الشَّمْس من الْيَوْم الثَّانِي عشر غير أَنه يكره الذّبْح بِاللَّيْلِ وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي أَرْبَعَة أَيَّام وَزَاد الْيَوْم الثَّالِث عشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأنس رَضِي الله عَنْهُم وَغَيرهم أَنهم قَالُوا أَيَّام النَّحْر ثَلَاثَة أفضلهَا أَولهَا فَإِذا مَضَت هَذِه الْأَيَّام فقد فَاتَ الذّبْح فِي حق من لم يذبح حَتَّى لَا يجوز لَهُ أَن يذبح ثمَّ إِن كَانَ أوجب شَاة بِعَينهَا أَو اشْتَرَاهَا ليضحي بهَا فمضت أَيَّام النَّحْر قبل أَن يذبحها تصدق بهَا حَيَّة وَلَا ينقص مِنْهَا شَيْئا من الشّعْر وَاللَّبن وَلَا يَأْكُل من لَحمهَا لِأَنَّهُ انْتقل الْوَاجِب من إِرَاقَة الدَّم إِلَى التَّصَدُّق وَإِن لم يُوجب أَو لم يشتر وَالرجل مُوسر وَقد مَضَت أَيَّام النَّحْر فَإِن عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق بِقِيمَة الشَّاة الَّتِي تجوز فِي الْأُضْحِية لما قُلْنَا وَأما بَيَان مَا يجوز فِي الْأُضْحِية وَمَا لَا يجوز وَمَا يكره وَذَلِكَ أَنْوَاع مِنْهَا أَنه لَا يجوز فِي الضَّحَايَا والهدايا إِلَّا الثني من الْإِبِل الْبَقر وَالْغنم والجذع من الضَّأْن خَاصَّة إِذا كَانَ عَظِيما ثمَّ الثني من الْإِبِل عِنْد الْفُقَهَاء ابْن خمس سِنِين وَمن الْبَقر ابْن سنتَيْن وَمن الْغنم ابْن سنة والجذع من الْإِبِل ابْن أَربع سِنِين وَمن الْبَقر ابْن سنة وَمن الْغنم ابْن سِتَّة أشهر هَكَذَا حكى الْقَدُورِيّ وَذكر الزَّعْفَرَانِي فِي الْأَضَاحِي وَقَالَ الْجذع ابْن سَبْعَة أشهر أَو ثَمَانِيَة فَأَما ابْن سِتَّة أشهر فَهُوَ حمل وَلَا يجوز الْحمل والجدي والعجل والفصيل فِي الْأُضْحِية وَلَا يجوز فِي الْأَضَاحِي شَيْء من الْوَحْش لعدم وُرُود الشَّرْع وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 كَانَ متولدا من الْوَحْش والإنسى فَالْمُعْتَبر فِيهِ جَانب الْأُم وَالْإِبِل وَالْبَقر يجوز من سَبْعَة نفر على مَا روى جَابر أَنه قَالَ نحرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَدنَة عَن سَبْعَة وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة وَلَا تجوز الشَّاة عَن أَكثر من الْوَاحِد وَإِن كَانَت عَظِيمَة قيمتهَا قيمَة شَاتين لِأَن الْقرْبَة إِرَاقَة الدَّم وَذَلِكَ لَا يتَفَاوَت وَلَكِن إِنَّمَا يجوز بِشَرْط أَن يكون قصدهم من التَّضْحِيَة التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ من نوع وَاحِد كَمَا إِذا كَانُوا شُرَكَاء فِي الْأُضْحِية أَو فِي الْهَدْي أَو من أَنْوَاع مُخْتَلفَة بِأَن كَانَ نوى أحدهم الْأُضْحِية وَالْآخر الْهَدْي وَالْآخر دم الْكَفَّارَة وَنَحْو ذَلِك وَلَكِن الْأَفْضَل أَن تكون الشّركَة فِي نوع وَاحِد فَأَما إِذا كَانَ أحد الشُّرَكَاء أَرَادَ بِالذبْحِ اللَّحْم لَا التَّقَرُّب أَو كَانَ أحدهم ذِمِّيا لم يَقع عَن الْأُضْحِية لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يتَجَزَّأ فَإِذا لم يكن الْبَعْض قربَة بَطل الْكل وَالنَّوْع الثَّانِي مَا لَا يجوز بِسَبَب الْعَيْب وَمَا يكره فَنَقُول الْعَيْب الْقَلِيل لَا يمْنَع وَالْكثير يمْنَع فذاهبة الْعين الواحداة وَهِي العوراء ومقطوعة الْأذن الْوَاحِدَة ومقطوعة الإلية والذنب كلهَا لَا تجوز فَأَما إِذا كَانَ الذَّاهِب بعض بصر الْعين أَو بعض الْأذن الإلية والذنب فَفِيهِ ثَلَاث رِوَايَات فِي ظَاهر الرِّوَايَة الثُّلُث وَمَا دونه قَلِيل وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَهُوَ كثير وَفِي رِوَايَة الثُّلُث وَمَا زَاد فَهُوَ كثير وَمَا دون الثُّلُث قَلِيل وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف وَهُوَ قَوْله النّصْف وَمَا زَاد فَهُوَ كثير وَمَا دون النّصْف قَلِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 وَلَا يجوز السكاء الَّتِي لَا أذن لَهَا فِي الْخلقَة وَإِن كَانَت صَغِيرَة يجوز والهتماء الَّتِي لَا أَسْنَان لَهَا لَا يجوز فَإِذا كَانَ لَهَا بعض الْأَسْنَان فَإِن كَانَت لَا تعتلف وَيصب فِي حلقها لَا يجوز وَإِن كَانَت تعتلف يجوز والعجفاء الَّتِي لَا تنقي لَا يجوز وَكَذَلِكَ العرجاء الَّتِي لَا تمشي إِلَى المنسك وَإِن كَانَت تقدر على الْمَشْي مَعَ العرج جَازَ والثولاء وَهِي الْمَجْنُونَة جَازَ وَكَذَا الجرباء السمينة جَازَ وَكَذَلِكَ الْخصي جَازَ وَعَن أبي حنيفَة إِنَّه أحب إِلَيّ لِأَنَّهُ أطيب لَحْمًا وَمَا جَازَ مَعَ الْعَيْب فَهُوَ مَعَ الْكَرَاهَة وَإِنَّمَا الْمُسْتَحبّ هُوَ السليمة عَن الْعُيُوب الظَّاهِرَة وَلَو اشْترى سليمَة للأضحية أَو أوجب على نَفسه ذبح شَاة بِعَينهَا ثمَّ ظهر بهَا عيب يمْنَع عَن الْجَوَاز يَوْم النَّحْر فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن الْعبْرَة لوقت الذّبْح لَكِن إِذا اعترضت آفَة عِنْد الذّبْح بِإِصَابَة السكين عينهَا وَنَحْو ذَلِك فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ من ضرورات الذّبْح وَهَذَا فِي حق الْمُوسر لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ أضْحِية كَامِلَة بِإِيجَاب الله تَعَالَى فَأَما إِذا كَانَ مُعسرا اشْتَرَاهَا للأضحية أَو أوجبهَا بِعَينهَا ثمَّ اعترضت آفَة مَانِعَة عَن الْجَوَاز يجوز لَهُ أَن يُضحي بهَا لِأَنَّهَا مُعينَة فِي حَقه ففوات بَعْضهَا كفوات كلهَا حَتَّى لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء لكَونهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 معنية حَتَّى لَو أوجب الْفَقِير أضْحِية بِغَيْر عينهَا فَاشْترى صَحِيحَة ثمَّ تعيبت قبل الذّبْح بِعَيْب مَانع فضحى لَا يسْقط عَنهُ الْوَاجِب لما قُلْنَا وَلَو ذبح إِنْسَان أضْحِية صَاحبه بِغَيْر أَمر جَازَ من صَاحبه اسْتِحْسَانًا وَكَذَلِكَ لَو غَلطا فضحى كل وَاحِد مِنْهُمَا أضْحِية صَاحبه لِأَن الْإِذْن ثَابت من حَيْثُ الْعَادة دلَالَة يوترادان اللَّحْم فَإِن جَوَاز ذَلِك لصَاحبه بِالْإِذْنِ فَإِن لم يرض كل وَاحِد مِنْهُمَا بِفعل صَاحبه صَرِيحًا يكون أضْحِية كل وَاحِد مَا ضحى بِنَفسِهِ وَجَاز عَنهُ وَيضمن لصَاحبه وَصَارَ غَاصبا لَهُ بِالْأَخْذِ وَيصير مَالِكًا سَابِقًا على الذّبْح فَيصير مضحيا ملك نَفسه فَجَاز وَكَذَا من غصب شَاة إِنْسَان وضحى بهَا يضمن قيمتهَا وَتجوز عَن أضحيته فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة لما ذكرنَا بِخِلَاف الْمُودع إِذا ذبح الشَّاة الْوَدِيعَة وَضمن لَا يجوز لِأَنَّهَا لم تكن مَضْمُونَة وَقت الذّبْح لهَذَا افْتَرقَا وَيكرهُ لَهُ أَن يحلب لبن الْأُضْحِية وَأَن يجز صوفها قبل التَّضْحِيَة لِأَنَّهَا من أَجزَاء الْأُضْحِية وَلَو فعل يتَصَدَّق بهَا وَلَو بَاعَ شَيْئا مِنْهَا يتَصَدَّق بِثمنِهَا وَأما بعد الذّبْح فَلَا بَأْس بذلك وَلَو ولدت قَالُوا يذبح وَلَدهَا مَعهَا وَقَالَ بَعضهم بِأَنَّهُ لَا يذبح وَلَكِن يتَصَدَّق بِالْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمحل للأضحية وللمضحي أَن يَأْكُل من أضحيته إِن شَاءَ كلهَا وَإِن شَاءَ أطْعم الْكل والأحب أَن يتَصَدَّق بالثلثين وَيَأْكُل الثُّلُث إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 كَانَ ذَا عِيَال وَهُوَ وسط الْحَال فِي الْيَسَار فَلهُ أَن يتوسع بهَا على عِيَاله ويدخر مِنْهَا مَا شَاءَ وَينْتَفع بجلدها وشعرها وَله أَن يستبدلها بِشَيْء ينْتَفع بِعَيْنِه كالجراب والمنخل وَالثَّوْب وَلَو بَاعَ ذَلِك أَو بَاعَ لَحمهَا فَإِنَّهُ يجوز بَيْعه وَلَا ينْقض البيع فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لَكِن يتَصَدَّق بِالثّمن وعَلى قَول أبي يُوسُف لَهُ أَن ينْقض البيع لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْوَقْف عِنْده فِي قَول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 كتاب الْغَصْب مسَائِل الْغَصْب تبتنى على معرفَة حد الْغَصْب وَبَيَان حكمه أما حد الْغَصْب الْمُوجب للضَّمَان فَنَقُول هُوَ إِزَالَة يَد الْمَالِك أَو صَاحب الْيَد عَن المَال بِفعل فِي الْعين فَأَما إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر على وَجه التَّعَدِّي بِدُونِ إِزَالَة الْيَد فَيكون غصبا مُوجبا للرَّدّ لَا مُوجبا للضَّمَان وهما عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي حَده إِثْبَات الْيَد على وَجه التَّعَدِّي وَلِهَذَا قُلْنَا إِن من سكن دَار غَيره بِغَيْر إِذْنه وَأخرج صَاحبهَا عَنْهَا لَو كَانَ فِيهَا أَو زرع أَرض غَيره بِغَيْر إِذْنه يكون غصبا مُوجبا للرَّدّ وَلَا يكون مُوجبا للضَّمَان عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وعَلى قَول مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ يجب الضَّمَان لَو خربَتْ الدَّار أَو غرق الْعقار وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو استخدم مَمْلُوك رجل بِغَيْر إِذْنه أَو بَعثه فِي حَاجَة أَو ركب دَابَّته أَو حمل عَلَيْهَا شَيْئا فَهَلَكت فَهُوَ ضَامِن لما قُلْنَا وَإِن لم ينْقل شَيْئا مِمَّا يحْتَمل النَّقْل كَمَا إِذا جلس على بِسَاط الْغَيْر لَا يضمن وَلِهَذَا قُلْنَا إِن زَوَائِد الْغَصْب مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة من الْوَلَد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 وَاللَّبن وَالصُّوف وَالسمن لَا تكون مَغْصُوبَة خلافًا للشَّافِعِيّ لعدم إِزَالَة الْيَد وَلَو جَاءَ الْمَالِك وَطلب الزَّوَائِد فَمنعهَا يضمن بِالْإِجْمَاع فَأَما لَو بَاعهَا وَسلمهَا إِلَى المُشْتَرِي فَفِي الْمُنْفَصِل الْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن البَائِع وَإِن شَاءَ ضمن المُشْتَرِي قِيمَته يَوْم البيع وَالتَّسْلِيم فَأَما فِي الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة فللمالك أَن يضمن الْغَاصِب قيمَة الْمَغْصُوب يَوْم الْغَصْب وَلَيْسَ لَهُ أَن يضمنهُ قيمَة الزَّوَائِد يَوْم البيع إِنَّمَا لَهُ أَن يضمن المُشْتَرِي قيمَة الغصوب مَعَ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة يَوْم الْقَبْض بِالشِّرَاءِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وعَلى قَوْلهمَا لَهُ أَن يضمن البَائِع أَو المُشْتَرِي قِيمَته يَوْم البيع وَالتَّسْلِيم مَعَ الزَّوَائِد وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي إِتْلَاف الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة فِي غير الْآدَمِيّ هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَأما فِي الْقَتْل فَلهُ الْخِيَار بَين أَن يضمنهُ بِالْغَصْبِ يَوْم الْغَصْب وَبَين أَن يضمنهُ بِالْقَتْلِ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْمَنَافِع لَا تضمن بِالْغَصْبِ والإتلاف خلافًا للشَّافِعِيّ وَصُورَة الْغَصْب أَن يحبس عبد إِنْسَان بِغَيْر إِذن مَالِكه شهرا وَلم ينْتَفع بِهِ وَكَذَا الدَّوَابّ وَصُورَة الْإِتْلَاف أَن يغصب عبدا أَو دَابَّة وانتفع بهَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلِهَذَا لَو أجر الْمَغْصُوب من إِنْسَان شهرا وَأخذ الْأُجْرَة فَإِن الْأُجْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 ملك الْغَاصِب دون الْمَالِك لِأَن الْمَنَافِع تحدث فِي يَد الْغَاصِب وَأما حكم الْغَصْب فَمن حكمه وجوب رد الْعين الْمَغْصُوبَة مَا دَامَت قَائِمَة من غير نُقْصَان لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام على الْيَد أخذت حَتَّى ترد وَمن حكمه أَيْضا وجوب ضَمَان النُّقْصَان إِذا انْتقصَ ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون النُّقْصَان بِسَبَب تراجع السّعر أَو بِفَوَات جُزْء من الْعين أَو بِفَوَات وصف أَو معنى مَرْغُوب فِي العَبْد تزداد قِيمَته بِهِ أما النُّقْصَان بِسَبَب السّعر فَغير مَضْمُون فِي الْغَصْب لِأَنَّهُ فتور يحدثه الله تَعَالَى فِي قُلُوب الْعباد لَا معنى يرجع إِلَى الْعين وَلِهَذَا لَا يعْتَبر فِي الرَّهْن وَالْمَبِيع إِذا كَانَ فِي يَد البَائِع حَتَّى لَا يسْقط الدّين بِقَدرِهِ وَلَا يثبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي لما قُلْنَا وَأما النُّقْصَان الَّذِي يرجع إِلَى الْعين أَو الْوَصْف فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ فِي أَمْوَال الرِّبَا كالمكيل وَالْمَوْزُون الَّذِي لَا يجوز بيع الْبَعْض بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا أَو فِي غير ذَلِك فَإِن كَانَ فِي أَمْوَال الرِّبَا بِأَن غصب حِنْطَة وَنَحْوهَا فصب فِيهَا مَاء أَو غصب دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَانْكَسَرت فِي يَده وَصَارَت قراضة فصاحبه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه وَلَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وَإِن شَاءَ تَركه وَضَمنَهُ مثله وزنا وَلَا يضمن نُقْصَان الضَّرْب وَإِن كَانَ إِنَاء فضَّة فَهُوَ بِالْخِيَارِ أَيْضا إِن شَاءَ أَخذه وَلَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته من الذَّهَب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 وَإِن كَانَ الْإِنَاء من الذَّهَب إِن شَاءَ أَخذه مهشوما وَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته من الْفضة لِأَن الصياغة مُتَقَومَة ولحصولها بصنع الْعباد وَلَا يُمكن تَضْمِينه بِجِنْسِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا فَيضمن بِخِلَاف جنسه حَتَّى لَا يفوت حَقه وَكَذَلِكَ آنِية الصفر والنحاس والشبه إِن كَانَ يُبَاع وزنا لِأَنَّهُ يدخلهَا الرِّبَا فَأَما إِذا كَانَ يُبَاع عددا لم يكن من مَال الرِّبَا فَأَما إِذا كَانَ التآلف لَيْسَ من أَمْوَال الرِّبَا فنقصان الْجُزْء من العور والشلل ونقصان الْوَصْف كذهاب الْبَصَر والسمع أَو مَا يفوت بِهِ من معنى من الْعين كنسيان الحرفة وَنَحْوه أَو حدث بِهِ عيب ينقص قِيمَته كالإباق وَالْجُنُون وَالْكبر فِي العَبْد وَالْجَارِيَة فمضمون عَلَيْهِ أما نَبَات اللِّحْيَة فِي الْغُلَام الْأَمر فَلَيْسَ بِنَقص فَيقوم العَبْد صَحِيحا لَا عيب فِيهِ وَلَا نقص يقوم وَبِه الْعَيْب وَالنَّقْص فَيضمن قدر ذَلِك لصَاحبه لِأَنَّهُ فَاتَ حَقه وعَلى هَذَا إِذا غصب عصيرا فَصَارَ خلا أَو عنبا فَصَارَ زبيبا أَو لَبَنًا فَصَارَ رائبا أَو رطبا فَصَارَ تَمرا فصاحبه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ إخذه عينه وَلَا شَيْء لَهُ وَإِن شَاءَ ضمنه مثله وَسلم لَهُ ذَلِك كُله لِأَنَّهُ من أَمْوَال الرِّبَا وَإِن كَانَ تبر ذهب أَو فضَّة فصاغ مِنْهُ إِنَاء أَو حليا أَو دَارهم أَو دَنَانِير فَإِنَّهُ يَأْخُذ ذَلِك كُله فِي قَول أبي حنيفَة وَلَا يُعْطِيهِ لعمله شَيْئا وَعِنْدَهُمَا لَا سَبِيل لَهُ على المصوغ وَعَلِيهِ مثله فَعِنْدَ أبي حنيفَة هَذَا الْوَصْف لَا قيمَة لَهُ فِي مَالِيَّة الْعين لِأَنَّهُ لَا يزِيد فِي الْعين بِخِلَاف الصَّنْعَة فِي غير أَمْوَال الرِّبَا وَلَو غصب ثوبا فَقَطعه وَلم يخطه فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه نَاقِصا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 مَقْطُوعًا وَضَمنَهُ مَا نقص بِالْقطعِ وَإِن شَاءَ تَركه وَضَمنَهُ قيمَة الثَّوْب يَوْم غصبه لِأَنَّهُ فَوت عَلَيْهِ مَنْفَعَة مُعْتَبرَة وَهُوَ لَيْسَ من أَمْوَال الرِّبَا وَكَذَلِكَ إِذا غصب شَاة فذبحها وَلم يشوها فَلهُ الْخِيَار بَين أَن يَأْخُذ الشَّاة وَأخذ قيمَة مَا نَقصهَا وَإِن شَاءَ تَركهَا وَأخذ قيمتهَا مِنْهُ وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَن الْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذهَا وَلَا شَيْء لَهُ غَيرهَا وَإِن شَاءَ تَركهَا وَضَمنَهُ قيمتهَا يَوْم غصبهَا لِأَن الذّبْح زِيَادَة فَأَما إِذا زَاد الْمَغْصُوب سمنا فنفقة الْغَاصِب أَو كَانَ مَرِيضا فداواه حَتَّى صَحَّ أَو كَانَ زرعا أَو أشجارا فَسَقَاهَا حَتَّى نما وانْتهى فَإِنَّهُ يَأْخُذهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ بِسَبَب الزِّيَادَة لِأَن ذَلِك لم يحصل بِفِعْلِهِ أما إِذا كَانَ زِيَادَة حصلت بِفِعْلِهِ ظَاهرا فَهِيَ أَنْوَاع نوع مِنْهُ مَا يكون استهلاكا للعين معنى وَنَوع هُوَ اسْتِهْلَاك من وَجه وَالْجَوَاب فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِد فِي أَنه يَنْقَطِع حق الْمَالِك عَن الْعين وَيصير ملكا للْغَاصِب وَيضمن الْغَاصِب مثله أَو قِيمَته وَلَكِن يَخْتَلِفَانِ فِي أَحْكَام أخر حَتَّى إِن الزِّيَادَة فِي الثّمن والمثمن لَا تجوز فِي الْفَصْل الأول لصيرورة الْمَبِيع هَالكا وَتجوز فِي الْفَصْل الثَّانِي وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي تكون الزِّيَادَة ملكا للْمَالِك وَلَا يَنْقَطِع حَقه عَن الْعين بِالضَّمَانِ أما نَظِير الِاسْتِهْلَاك فبأن كَانَ حِنْطَة فطحنها الْغَاصِب أَو بيضًا فخضبه أَو دَقِيقًا فخبزه أَو قطنا فغزلها أَو غزلا فنسجه أَو سمسما فعصره أَو حِنْطَة فزرعها وَنَظِير الْفَصْل الثَّانِي أَن قطع الثَّوْب قَمِيصًا أَو قبَاء فخاطبه أَو كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 لَحْمًا فشواه أَو غصب ساجة فَأدْخلهَا فِي بنائِهِ أَو لَبَنًا أَو آجرا فَجَعلهَا فِي أساس حَائِطه أَو غصب فسيلا فَكبر وَنَحْو ذَلِك ثمَّ هَذِه الزَّوَائِد الَّتِي صَارَت ملكا للْغَاصِب لَا يُبَاح لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ وَعَلِيهِ أَن يتَصَدَّق لِأَنَّهُ حصل بِسَبَب خَبِيث وَلَو بَاعَ أَو وهب يجوز لكَونهَا ملكا لَهُ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَزفر أَنه يُبَاح لَهُ الِانْتِفَاع بهَا إِلَّا أَن عِنْد أبي يُوسُف بعد إرضاء صَاحبه بأَدَاء الضَّمَان وَعند زفر كَيْفَمَا كَانَ وَمَا قَالَا قِيَاس وَجَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة اسْتِحْسَان وَنَوع آخر مَا هُوَ زِيَادَة فِي الْعين وَلَيْسَ بِإِتْلَاف من وَجه وَهُوَ الصَّبْغ إِذا صبغه أصفر أَو أَحْمَر أَو أَخْضَر وَنَحْوهَا فَأَما إِذا صبغه أسود فَهُوَ نُقْصَان عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا زِيَادَة ثمَّ الْجَواب فِي الصَّبْغ الَّذِي هُوَ زِيَادَة أَن صَاحب الثَّوَاب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ترك الثَّوْب عَلَيْهِ وَضَمنَهُ قِيمَته أَبيض وَإِن شَاءَ أَخذه مصبوغا وَضمن لَهُ مَا زَاد الصَّبْغ فِيهِ وَلَو غصب صبغ إِنْسَان فصبغ بِهِ ثَوْبه فَعَلَيهِ مثله وَالثَّوْب الْمَصْبُوغ لَهُ وَلَو وَقع ثوب رجل فِي صبغ إِنْسَان فانصبغ فَصَاحب الثَّوْب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه وَأعْطى مَا زَاد فِيهِ الصَّبْغ وَإِن شَاءَ يَبِيع الثَّوْب فَيَأْخُذ رب الثَّوْب من الثّمن قيمَة ثوب أَبيض وَيَأْخُذ صَاحب الصَّبْغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 قيمَة صبغة فِي الثَّوْب للْحَال لِأَن الصَّبْغ ينقص وَلَا صبغ لَهُ فِيهِ فَأَما إِذا قصر الثَّوْب الْمَغْصُوب فَيَأْخذهُ صَاحبه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة فِي الثَّوْب وَلَو غصب خمر مُسلم فخلله لَا يَنْقَطِع حق الْمَالِك وَله أَن يَأْخُذهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَال قَائِم وَلَو اسْتهْلك الْغَاصِب الْخلّ فَإِنَّهُ يضمن خلا مثله وَلَو غصب عصير مُسلم فتخمر عِنْده يضمن قيمَة الْعصير لِأَنَّهُ صَار مُسْتَهْلكا فِي حق الْمُسلم معنى وَلَو غصب خمر مُسلم فاستهلكه لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا قيمَة لَهَا وَلَو اسْتهْلك خمر ذمِّي أَو عصب فَهَلَكت عِنْده يضمن قيمتهَا وَلَو أتلفهَا الذِّمِّيّ يضمن مثلهَا وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يضمن وَكَذَا إِذا أتلف الْخِنْزِير فَهُوَ على هَذَا الِاخْتِلَاف وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو غصب جلدا فدبغه فَإِن كَانَ جلدا لمذكى ودبغه بِمَا لَا قيمَة لَهُ مثل المَاء وَالتُّرَاب فلصاحبه أَن يَأْخُذهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عين مَال من جِهَة الْغَاصِب بل هُوَ بِمَنْزِلَة الْغسْل وَإِن دبغه بِمَا لَهُ قيمَة مثل العفص والقرظ فصاحبه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه قِيمَته غير مدبوغ وَإِن شَاءَ أَخذه وَأَعْطَاهُ مَا زَاد الدّباغ فِيهِ لِأَن لَهُ فِيهِ عين مَال قَائِم فَصَارَ كالصبغ فِي الثَّوْب وَإِن كَانَ جلد ميتَة أَخذه من بَيت صَاحبه فدبغه بِمَا لَيْسَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 قيمَة فلصاحبه أَخذه بِلَا شَيْء وَإِن دبغه بِمَا لَهُ قيمَة فلصاحبه أَن يَأْخُذهُ وَيغرم لَهُ مَا زَاد الدّباغ فِيهِ لِأَن الْجلد صَار مَالا بِمَال الْغَاصِب وَهُوَ عين قَائِم وَلَو هلك عِنْد الْغَاصِب لَا ضَمَان عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع لِأَن الدّباغ لَيْسَ بِإِتْلَاف فَأَما إِذا استهكله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يضمن قيمَة الْجلد مدبوغا وبنقص عَنهُ مَا زَاد الدّباغ فِيهِ وَالْمَسْأَلَة تذكر فِي الخلافيات وَأما إِذا أتلف الْغَاصِب الْمَغْصُوب على وَجه يبْقى مُنْتَفعا بِهِ أَو هلك على وَجه لَا ينْتَفع بِهِ بِأَن احْتَرَقَ وَنَحْوه ينظر إِن كَانَ مثلثا يضمن مثله وَإِن لم يكن مثلثا يلْزمه قِيمَته يَوْم الْغَصْب لِأَنَّهُ صَار متلفا من ذَلِك الْوَقْت وَمَتى ضمن وَاخْتَارَ الْمَالِك الضَّمَان فَإِنَّهُ يملك الْمَغْصُوب من وَقت الْغَصْب بطرِيق الظُّهُور أَو بطرِيق الْإِسْنَاد على حسب مَا قيل فِيهِ وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يملك وَكَذَلِكَ إِذا أبق العَبْد لم يعرف قِيَامه بتصادقهما أَو قَامَت الْبَيِّنَة على الْمَوْت فَهُوَ على هَذَا الْخلاف وَلَو ظهر حَيا لَا يعود ملك الْمَالِك فِيهِ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ ولقب الْمَسْأَلَة المضمونات هَل تملك بأَدَاء الضَّمَان أم لَا وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو أَنه هلك الْمَغْصُوب الْمثْلِيّ أَو انْقَطع الْمثْلِيّ عَن أَيدي النَّاس واختصما فِي حَال انْقِطَاعه فَإِن القَاضِي يَقُول لَهُ إِن شِئْت تَتَرَبَّص حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 تَأْخُذ مثل حَقك فِي أَوَانه وَإِن شِئْت تَأْخُذ الْقيمَة فَإِن اخْتَار أَخذ الْقيمَة كَيفَ يحكم بذلك قَالَ أَبُو حنيفَة يحكم على الْغَاصِب بِقِيمَتِه يَوْم الْخُصُومَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَوْم الْغَصْب وَقَالَ مُحَمَّد يحكم بِقِيمَتِه عِنْد آخر انْقِطَاعه وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة لِأَنَّهُ حَقه عَن الْعين إِنَّمَا يَنْقَطِع يَوْم الْخُصُومَة حَيْثُ اخْتَار الْقيمَة فَيجب اعْتِبَار الْقيمَة فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو غصب جَارِيَة فَولدت عِنْد الْغَاصِب ولدا وانتقصت بِالْولادَةِ فَردهَا على الْمَالِك هَل يضمن نُقْصَان الْولادَة إِن كَانَ فِي الْوَلَد وَفَاء بِهِ أَو قِيمَته أَكثر فَإِنَّهُ ينجبر النُّقْصَان بِهِ وَعَلِيهِ أَن يرد الْجَارِيَة مَعَ الْوَلَد وَلَا يضمن النُّقْصَان عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر يضمن وَإِن لم يكن فِي الْوَلَد وَفَاء بِهِ أَو قِيمَته أَكثر فَإِنَّهُ ينجبر النُّقْصَان بِهِ وَعَلِيهِ أَن يرد الْجَارِيَة مَعَ الْوَلَد وَلَا يضمن النُّقْصَان عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر يضمن وَإِن لم يكن فِي الْوَلَد وَفَاء بِهِ فَإِنَّهُ ينجبر بِقَدرِهِ وَيضمن الْبَاقِي وَلَو مَاتَت من الْولادَة وَبَقِي وَلَدهَا فَإِنَّهُ يضمن قيمتهَا يَوْم الْغَصْب وَلَا ينجبر النُّقْصَان بِالْوَلَدِ فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة أُخْرَى ينجبر وَلَو هلك الْوَلَد قبل الرَّد يجب عَلَيْهِ نُقْصَان الْولادَة وَجعل كَأَن الْوَلَد لم يكن هَذَا إِذا كَانَ الْحَبل عِنْد الْغَاصِب من الزِّنَا فَأَما إِذا كَانَ الْحَبل من الْمولى أَو من الزَّوْج فَإِنَّهُ لَا يضمن الْغَاصِب وَإِن مَاتَت الْجَارِيَة لِأَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 التّلف حصل بِسَبَب من جِهَة الْمولى فَصَارَ كَمَا لَو قَتلهَا الْمولى فِي يَد الْغَاصِب وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 كتاب الدِّيات يحْتَاج إِلَى بَيَان الْقَتْل الْمُوجب للْقصَاص وَالْقَتْل الْمُوجب للدية وَإِلَى بَيَان مِقْدَار الدِّيَة وكيفيتها فِي النَّفس وَمَا دون النَّفس وعَلى من تجب أما بَيَان الأول فَنَقُول إِن الْجِنَايَة على الْآدَمِيّ نَوْعَانِ فِي النَّفس وَمَا دون النَّفس وكل وَاحِد مِنْهُمَا على نَوْعَيْنِ مُوجب للْقصَاص وَمُوجب لِلْمَالِ أما الْجِنَايَة فِي النَّفس الْمُوجبَة للْقصَاص فنوع وَاحِد وَهُوَ الْقَتْل الْعمد الْخَالِي عَن الشُّبْهَة لقَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء فاتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان ذَلِك تَخْفيف من ربكُم وَرَحْمَة فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام الْعمد قَود وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول يجب بِهِ أَحدهمَا إِمَّا الْقَتْل أَو الدِّيَة وَالْخيَار إِلَى الْوَلِيّ وَفِي قَول الْوَاجِب هُوَ الْقصاص عينا لَكِن للْوَلِيّ حق الْعُدُول إِلَى المَال من غير رضَا الْقَاتِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وَلَا خلاف أَنه إِذا لم يقدر على اسْتِيفَاء الْقصاص من كل وَجه فَإِن لَهُ حق الْعُدُول إِلَى المَال فَإِن من قطع يَد إِنْسَان وَيَد الْقَاطِع شلاء أَو منقوصة بإصبع أَو شج رَأس إِنْسَان وَرَأس الشاج أَصْغَر أَو أكبر فَإِنَّهُ لَا يجب الْقصاص عينا بل الْوَلِيّ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِك وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَكَذَلِكَ إِذا تعذر اسْتِيفَاء الْقصاص لِمَعْنى فَإِنَّهُ يجب المَال حَتَّى إِن الْقصاص إِذا كَانَ مُشْتَركا بَين رجلَيْنِ فَعَفَا أَحدهمَا فَإِنَّهُ يَنْقَلِب نصيب الآخر مَالا وَكَذَلِكَ الخاطىء مَعَ الْعَامِد أَو الصَّغِير الْكَبِير أَو الْمَجْنُون والعاقل إِذا اشْتَركَا فِي الْقَتْل وَتعذر اسْتِيفَاء الْقصاص فِي حق أحد الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ يجب المَال عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَأما الآب وَالْأَجْنَبِيّ إِذا اشْتَركَا فِي قتل الابْن فَلَا يجب الْقصاص على الْأَب بِالْإِجْمَاع وَلَا يجب على الشَّرِيك عندنَا وَلَكِن يجب المَال وَعند الشَّافِعِي يجب الْقصاص على الْأَجْنَبِيّ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو وجد الْقَتْل الْعمد من الْجَمَاعَة فِي حق الْوَاحِد فَإِنَّهُم يقتلُون بِهِ بِالْإِجْمَاع قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَو اجْتمع أهل صنعاء على قَتله لقتلتهم بِهِ وَأما الْوَاحِد إِذا قتل جمَاعَة فَإِنَّهُ يقتل وَلَا يجب شَيْء من الدِّيَة وَعند الشَّافِعِي يجمع بَين الْقَتْل وَالدية فَيكون الْقَتْل بِمُقَابلَة الْوَاحِد وَتجب الدِّيَة فِي حق كل وَاحِد من البَاقِينَ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو قطع جمَاعَة يَد وَاحِد لَا تقطع أَيْديهم بهَا وَلَكِن يجب عَلَيْهِم دِيَة الْيَد وَأما الْوَاحِد إِذا قطع يَد جمَاعَة فَإِنَّهُ تقطع يَده وَيجب عَلَيْهِ الدِّيَة فِي البَاقِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَعند الشَّافِعِي الْأَيْدِي تقطع بيد وَاحِدَة وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْحر يقتل بِالْعَبدِ خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْعَبْد يقتل بِالْحرِّ بِالْإِجْمَاع وَيجْرِي الْقصاص بَين الصَّغِير وَالْكَبِير وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ فِي النَّفس لما تلونا من النَّص خلافًا للشَّافِعِيّ وَأَجْمعُوا أَن الْمُسلم لَا يقتل بالمستأمن وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ وَأما الْمُسْتَأْمن هَل يقتل بالمستأمن فِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَو قتل إِنْسَان رجلا عمدا فَحق اسْتِيفَاء الْقود إِلَى الْوَلِيّ الْكَبِير إِن كَانَ وَاحِدًا وَلَو كَانُوا أَكثر فللكل فَأَما إِذا كَانَ الْكل صغَارًا فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ بَعضهم قَالُوا الِاسْتِيفَاء إِلَى السُّلْطَان وَبَعْضهمْ قَالُوا ينْتَظر إِلَى بلوغهم أَو بُلُوغ أحدهم أما إِذا كَانَ الْبَعْض كبارًا وَالْبَعْض صغَارًا فقد قَالَ أَبُو حنيفَة للكبير ولَايَة الِاسْتِيفَاء وعَلى قَوْلهم يأخر إِلَى وَقت بُلُوغ الصغار وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما اللَّقِيط إِذا قتل عمدا فولاية اسْتِيفَاء الْقصاص إِلَى السُّلْطَان عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف لَا يَسْتَوْفِي وَلَكِن تجب الدِّيَة وَهِي مَسْأَلَة كتاب اللَّقِيط وَأما الْقَتْل الْمُوجب لِلْمَالِ فأنواع عمد مَحْض فِيهِ شُبْهَة وَشبه الْعمد وَقتل الْخَطَأ وَالْقَتْل بطرِيق التسبيب أما الأول فَمَا ذكرنَا من قتل الْمُسْتَأْمن وَنَحْوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة من لَهُ الْقصاص فِي الطّرف إِذا استوفى الطّرف وسرى إِلَى النَّفس وَمَات لَا يجب الْقصاص لأجل الشُّبْهَة وَتجب الدِّيَة وعَلى قَوْلهم لَا يجب شَيْء وَأَجْمعُوا أَن الإِمَام إِذا قطع يَد السَّارِق أَو البزاغ أَو الْخِتَان والفصاد والمأمور بِقطع الْيَد إِذا سرى فعلهم لَا يجب عَلَيْهِم شَيْء وَهِي تعرف فِي الخلافيات وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة من لَهُ الْقصاص فِي النَّفس إِذا استوفى فِي الطّرف ثمَّ عَفا عَن النَّفس وبرأ لَا يقطع طرفه وَلَكِن يجب أرش الْيَد عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدهم لَا يجب شَيْء وَلَو سرى إِلَى النَّفس لَا يجب شَيْء وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة من شج رَأس إِنْسَان فعفى عَنْهَا ثمَّ سرى إِلَى النَّفس تجب الدِّيَة دون الْقود وَقَالُوا لَا يجب شَيْء وَمن قَالَ لغيره اقتلني فَقتله عمدا أم خطأ تجب الدِّيَة دون الْقود فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يجب شَيْء وَلَو قَالَ اقْتُل عَبدِي فَقتله لَا يجب شَيْء لِأَنَّهُ أمره فِيمَا هُوَ حَقه وَلَو قَالَ لَهُ اقْتُل وَلَدي وَلَا وَارِث لَهُ سوى الْأَب فَقتله يقتل الْقَاتِل لِأَنَّهُ لَا حق لَهُ فِي دم وَلَده بِخِلَاف نَفسه وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ تجب الدِّيَة اسْتِحْسَانًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وَلَو عَفا الْمَجْرُوح عَن الْجراحَة ثمَّ مَاتَ مِنْهُ صَحَّ عَفوه اسْتِحْسَانًا وَكَذَلِكَ الْوَارِث إِذا عَفا قبل موت الْمَجْرُوح يَصح الْعَفو اسْتِحْسَانًا لِأَن لَهُ حَقًا وَلَو قَالَ الرجل اقْتُل أخي وَهُوَ وَارثه فَقتل لَا يجب الْقود اسْتِحْسَانًا وَتجب الدِّيَة وَعند زفر يقتل وَلِهَذَا نَظَائِر وَأما الثَّانِي فَهُوَ الْقَتْل بِآلَة لم تُوضَع لَهُ وَلم يحصل بِهِ الْمَوْت غَالِبا مثل السَّوْط الصَّغِير والعصا الصَّغِيرَة فَإِنَّهُ يُوجب المَال دون الْقصاص بِالْإِجْمَاع فَأَما الْقَتْل بالعصا الْكَبِيرَة وَبِكُل آلَة يحصل بهَا الْمَوْت غَالِبا لَكِنَّهَا لَا تجرح فَعِنْدَ أبي حنيفَة هُوَ شبه الْعمد لَا يُوجب الْقود وَعِنْدَهُمَا يُوجب الْقود وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وعَلى هَذَا إِذا ضرب بِالسَّوْطِ الصَّغِير ووالى فِي الضربات حَتَّى مَاتَ لَا يجب الْقود عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدهم يجب وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما الْقَتْل الْخَطَأ فَهُوَ أَن يَرْمِي سَهْما إِلَى صيد فَأصَاب آدَمِيًّا أَو أَرَادَ أَن يطعن قَاتل أَبِيه فتقدمه رجل فَوَقع فِيهِ وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ مُوجب لِلْمَالِ دون الْقصاص بِالْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 وَأما الْقَتْل بطرِيق التسبيب فنحو من حفر بِئْرا على قَارِعَة الطَّرِيق فَوَقع فِيهِ إِنْسَان وَمَات فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الدِّيَة دون الْقصاص بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ مسبب للْقَتْل وَلَيْسَ بمباشر لِأَن الْحفر لَيْسَ بقتل وعَلى هَذَا شُهُود الْقصاص إِذا رجعُوا لَا يجب عَلَيْهِم الْقصاص وَلَكِن تجب عَلَيْهِم الدِّيَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُم الْقَتْل مُبَاشرَة وَإِنَّمَا وجد مِنْهُم سَبَب الْقَتْل وَأما بَيَان حكم مَا دون النَّفس فَنَقُول كل مَا يُمكن فِيهِ الْقصاص وَهُوَ الْفِعْل الْعمد الْخَالِي عَن الشُّبْهَة فَإِنَّهُ يُوجب الْقصاص وكل مَا لَا يُمكن الْقصاص وَهُوَ الْفِعْل الْخَطَأ وَمَا فِيهِ شُبْهَة فَفِي بعض الْأَعْضَاء تجب دِيَة كَامِلَة وَفِي بعض الْأَعْضَاء يجب أرش مُقَدّر وَفِي الْبَعْض تجب حُكُومَة الْعدْل فَنَقُول لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه لَا يجْرِي الْقصاص فِيمَا دون النَّفس بَين العبيد وَلَا بَين الْأَحْرَار وَالْعَبِيد وَلَا بَين الذّكر وَالْأُنْثَى لِأَن الْقصاص فِيهَا مَبْنِيّ على التَّسَاوِي فِي الْمَنَافِع والأروش وَلَا مُسَاوَاة بَين هَؤُلَاءِ فِي مَنَافِع الْأَطْرَاف والأروش وَلِهَذَا لَا تقطع الْيَد الصَّحِيحَة بالشلاء وَلَا بمنقوصة الْأَصَابِع وَكَذَا لَا تقطع الْيُمْنَى إِلَّا باليمنى وَلَا الْيُسْرَى إِلَّا باليسرى وَكَذَلِكَ فِي أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ يُؤْخَذ إِبْهَام الْيُمْنَى بإبهام الْيُمْنَى والسبابة بالسبابة وَالْوُسْطَى بالوسطى وَلَا يقطع الْأَصَابِع إِلَّا بِمِثْلِهَا من الْقَاطِع وَكَذَلِكَ لَا تُؤْخَذ الْعين الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الْعين الْيُسْرَى باليمنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 جب القوكذلك فِي الْأَسْنَان الثَّنية بالثنية والناب بالناب والضرس بالضرس وَلَا يُؤْخَذ الْأَعْلَى بالأسفل وَلَا الْأَسْفَل بالأعلى لما ذكرنَا من التَّفَاوُت فِي الْمَنَافِع وَإِنَّمَا يجْرِي الْقصاص فِيمَا يُمكن فِيهِ التَّسَاوِي لَا فِيمَا لَا يُمكن وَلِهَذَا لَو قطع الْكَفّ من الْمفصل أَو من الْمرْفق أَو من الْكَتف يجب الْقصاص وَلَو قطع من الساعد أَو من الْعَضُد لَا يجب لِأَنَّهُ لَا يعرف التَّسَاوِي وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ فِي غير المفاصل وَكَذَلِكَ فِي الْأَسْنَان إِذا قلع أَو كسر يجب الْقصاص فيقلع سنّ القالع وَيكسر بِقَدرِهِ بالمبرد وَأما الْعين إِن قورت فَلَا يُمكن الْقصاص فِيهَا فَإِن كَانَت الْعين قَائِمَة وَذهب ضوءها فالقصاص مُمكن بِأَن يَجْعَل على وَجه الْقطن المبلول وتحمى مرْآة وتقرب من عينه حَتَّى يذهب ضوءها وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يجب الْقصاص فِي الْأَحول لِأَن الْحول نقص فِي الْعين والمماثلة شَرط وَفِي الْأذن إِذا قطعت كلهَا أَو بَعْضهَا مَعْرُوفا يقْتَصّ وَأجْمع أَصْحَابنَا على الْقصاص فِي الْحَشَفَة والمارن وَاخْتلف أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْأنف وَالذكر وَاللِّسَان إِذا استوعب كل وَاحِد مِنْهُمَا فَعِنْدَ أبي يُوسُف يجب الْقصاص وَعند مُحَمَّد لَا يجب وَإِنَّمَا يُرِيد بِقطع الْأنف كل المارن فَأَما قَصَبَة الْأنف فَعظم وَأَجْمعُوا أَنه لَا يجب الْقصاص فِي الْعظم لعدم الْإِمْكَان وَفِي حلق اللِّحْيَة وَالرَّأْس والحاجب والشارب إِذا لم ينْبت لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 يجب الْقصاص وَرُوِيَ فِي النَّوَادِر أَنه يجب الْقصاص وَأما فِي الشجاج فَلَا خلاف أَنه يجب الْقصاص فِي الْمُوَضّحَة بِأَن يَنْتَهِي السكين إِلَى الْعظم وَلَا خلاف أَنه لَا يجب الْقصاص فِيمَا بعد الْمُوَضّحَة من الهاشمة وَغَيرهَا وَأما فِيمَا قبل الْمُوَضّحَة فقد ذكر فِي الأَصْل أَنه يجب الْقصاص لِأَنَّهُ يُمكن تَقْدِير غور الْجراحَة بمسمار ثمَّ يعْمل حَدِيدَة على قدرهَا فتغمد فِي اللَّحْم إِلَى آخرهَا فيستوفى مثل مَا فعل وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يجب بِهِ الْقصاص وَأما بَيَان وجوب الدِّيَة ومقدارها وكيفيتها فَنَقُول الْجِنَايَة الْمُوجبَة للدية إِمَّا إِن كَانَت فِي النَّفس أَو فِيمَا دونهَا أما إِذا كَانَت فِي النَّفس فَفِيمَا بَين الْأَحْرَار تجب دِيَة كَامِلَة يَسْتَوِي فِيهَا الصَّغِير وَالْكَبِير والوضيع والشريف وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَقَالَ الشَّافِعِي فِي دِيَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَفِي الْمَجُوس ثمانماثة دِرْهَم ثمَّ مِقْدَار الدِّيَة فِي الْأَحْرَار ألف دِينَار أَو عشرَة آلَاف دِرْهَم فضَّة أَو مائَة من الْإِبِل كل وَاحِدَة أصل وَهُوَ الظَّاهِر فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد كَذَلِك وَقَالا من الْبَقر مِائَتَا بقرة وَمن الْغنم ألفا شَاة وَمن الْحلَل مِائَتَا حلَّة كل حلَّة ثَوْبَان إِزَار ورداء وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة فِي كتاب المعاقل مَا يدل على مثل قَوْلهم فَإِنَّهُ قَالَ إِذا صَالح الْوَلِيّ على أَكثر من مِائَتي بقرة أَو مِائَتي حلَّة لم يجز فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَو لم تكن هَذِه الْأَشْيَاء أصولا لجَاز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 الصُّلْح على أَكثر مِنْهَا كَمَا لَو صَالح على عرُوض أخر تزداد قيمتهاعن على الدِّيَة وَهَذَا عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي من الْإِبِل وَالدَّنَانِير مثل قَوْلنَا وَفِي الدَّرَاهِم قَالَ اثْنَي عشر ألفا وَأَصله مَا روى عُبَيْدَة السَّلمَانِي عَن عمر أَنه قضى فِي الدِّيَة من الدَّرَاهِم بِعشر آلَاف وَمن الدَّنَانِير بِأَلف وَمن الْإِبِل بِمِائَة وَمن الْبَقر بمائتين وَمن الشياه بِأَلفَيْنِ وَمن الْحلَل بمائتين وَأما كَيْفيَّة الْأَسْنَان فِي الْإِبِل فَقَالَ أَصْحَابنَا فِي دِيَة الْخَطَأ إِنَّهَا خسمة أَنْوَاع عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَقَالَ الشَّافِعِي عشرُون ابْن لبون مَكَان ابْن مَخَاض وَأما دِيَة شبه الْعمد فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف أَربَاعًا خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَقَالَ مُحَمَّد فِي شبه الْعمد ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ مَا بَين ثنية إِلَى بازل عامها كلهَا خلقَة وَهُوَ قَول عمر وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ والمغيرة رَضِي الله عَنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وَذكر فِي الأَصْل وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي شبه الْعمد أَثلَاث ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَأما حكم الْجِنَايَة فِيمَا دون النَّفس خطأ فَنَقُول قد تجب دِيَة كَامِلَة بتفويت الْعُضْو وَقد تجب الدِّيَة بتفويت معنى فِي النَّفس تفوت بِهِ النَّفس حكما فِي حق جنس الْمَنْفَعَة وَقد يجب أرش مُقَدّر وَقد تجب حُكُومَة الْعدْل فَأَما الْعُضْو الَّذِي يجب كَمَال الدِّيَة بتفويته فَهُوَ الْعُضْو الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي الْبدن يفوت بِهِ جمال كَامِل أَو مَنْفَعَة بهَا قوام النَّفس وَذَلِكَ نَحْو اللِّسَان كُله وَالْأنف كُله وَالذكر كُله وَتجب أَيْضا بِقطع الْحَشَفَة والمارن وَبَعض اللِّسَان إِذا كَانَ يمنعهُ من الْكَلَام وَكَذَا الْإِفْضَاء بَين السَّبِيلَيْنِ بِحَيْثُ لَا يسْتَمْسك الْبَوْل وَالْغَائِط وَكَذَا حلق شعر رَأس الرجل وَالْمَرْأَة وَحلق لحية الرجل بِحَيْثُ لَا ينْبت وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي تجب حُكُومَة الْعدْل وَأما حلق لحية العَبْد ذكر فِي الأَصْل تجب فِيهِ حُكُومَة الْعدْل وَفِي رِوَايَة الْحسن تجب قيمَة العَبْد وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الهندواني إِنَّمَا تجب الدِّيَة بحلق اللِّحْيَة إِذا كَانَت كَامِلَة يتجمل بهَا فَإِن كَانَت طاقات لَا يتجمل بهَا فَلَا شَيْء فِيهَا وَكَذَلِكَ فِي لحية تشين وَلَا تزين بِأَن كَانَت على ذقنه شَعرَات وَإِن كَانَت لحية يَقع بهَا الْجمال فِي الْجُمْلَة وَلَا يَقع بهَا الشين تجب فِيهَا حُكُومَة الْعدْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وَأما فَوَات الْمَعْنى فَهُوَ ذهَاب الْعقل وَالْبَصَر والسمع والشم والذوق وَالْكَلَام وَالْجِمَاع مَعَ قيام الْآلَة الَّتِي تقوم بهَا هَذِه الْمَنَافِع صُورَة فَتجب بِكُل وَاحِد مِنْهَا الدِّيَة وَإِنَّمَا يعرف فَوَات الْبَصَر بِأَن يلقى بَين يَدَيْهِ حَيَّة فَإِن هرب يعلم أَن بَصَره بَاقٍ وَفِي السّمع يتغفل ثمَّ يُنَادي فَإِن أجَاب يعلم أَنه لم يفت سَمعه وَأما الْعُضْو الَّذِي فِي الْبدن مِنْهُ اثْنَان كالعينين والأذنين والشفتين والحاجبين إِذا حلقا على وَجه لَا ينبتان وَالْيَدَيْنِ والرجليين وثديي الْمَرْأَة وحلمتيهما فَفِيهَا الدِّيَة وَفِي وَاحِد من ذَلِك نصف الدِّيَة وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إِن قطعهمَا مَعَ الذّكر جملَة من جَانب وَاحِد فِي حَالَة وَاحِدَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ ديتان دِيَة بِإِزَاءِ الذّكر ودية بِإِزَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن قطع الذّكر أَولا ثمَّ الْأُنْثَيَيْنِ يجب ديتان أَيْضا لِأَن بعد قطع الذّكر مَنْفَعَة الْأُنْثَيَيْنِ قَائِمَة وَهِي إمْسَاك الْمَنِيّ وَأما إِذا قطع الْأُنْثَيَيْنِ أَولا ثمَّ الذّكر تجب الدِّيَة بِقطع الْأُنْثَيَيْنِ لزوَال مَنْفَعَة مَخْصُوصَة وَتجب بِقطع الذّكر حُكُومَة الْعدْل لِأَن مَنْفَعَة الإيلاد بطلت بِفَوَات الْأُنْثَيَيْنِ وَفِي أشفار الْعَينَيْنِ كلهَا الدِّيَة وَفِي كل وَاحِد مِنْهُمَا ربع الدِّيَة إِذا لم ينْبت وَكَذَا فِي قطع الأجفان مَعَ الأشفار تجب دِيَة كَامِلَة وَتصير الأجفان تَابِعَة للأشفار فَأَما إِذا قطع الأجفان الَّتِي لَا أشفار لَهَا تجب حُكُومَة الْعدْل وَصَارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 كَقطع الْأَصَابِع وَحدهَا يُوجب دِيَة كَامِلَة لِأَن الْكَفّ تبع وَلَو قطع الْكَفّ بِدُونِ الْأَصَابِع تجب حُكُومَة الْعدْل وَلَو قطع الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع تجب دِيَة وَاحِدَة لِأَن الْكَفّ تبع كَذَا هَذَا وَفِي أَصَابِع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن كلهَا الدِّيَة الْكَامِلَة وَفِي كل إِصْبَع عشر الدِّيَة لَا فضل للكبيرة على الصَّغِيرَة ثمَّ مَا كَانَ من الْأَصَابِع فِيهِ ثَلَاثَة مفاصل فَفِي كل مفصل ثلث دِيَة الإصبع وَمَا كَانَ فِيهِ مفصلان فَفِي كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة الإصبع وإصبع الْيَد وَالرجل فِي الْأَرْش سَوَاء وَفِي الْأَسْنَان فِي كل سنّ إِذا سَقَطت خَمْسمِائَة دِرْهَم اسْتَوَى فِيهِ الأضراس والثنايا وَغَيرهَا فَإِذا اسودت السن من الضَّرْبَة أَو احْمَرَّتْ أَو اصْفَرَّتْ فَفِيهِ الْأَرْش تَاما عِنْد أبي حنيفَة وَقد روى أَبُو يُوسُف عَنهُ أَنه قَالَ فِيهَا حُكُومَة الْعدْل وروى مُحَمَّد عَنهُ أَنه قَالَ إِن كَانَ حرا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عبدا فَفِيهِ حُكُومَة الْعدْل وَقَالَ فِيهَا حُكُومَة الْعدْل ثمَّ هَذَا الحكم فِي الْأَسْنَان بعد أَن يستأنى بهَا سنة فَإِن نَبتَت بَيْضَاء مُسْتَقِيمَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن نَبتَت سَوْدَاء أَو حَمْرَاء أَو صفراء أَو خضراء جعلت كَأَن لم تكن لِأَنَّهُ لم يحصل بهَا الْجمال وَالْمَنْفَعَة وَأما الشجاج فقد ذكر الْمَشَايِخ أَن الشجاج إِحْدَى عشرَة شجة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 أَولهَا الخادشة وَهِي الَّتِي تخدش الْجلد وَبعدهَا الدامعة وَهِي الَّتِي يخرج مِنْهَا مَا يشبه الدمع وَبعدهَا الدامية وَهِي الَّتِي يخرج مِنْهَا الدَّم وَبعدهَا الباضعة وَهِي الَّتِي تبضع اللَّحْم وَبعدهَا المتلاحمة وَهِي الَّتِي تذْهب فِي اللَّحْم أَكثر مِمَّا تذْهب الباضعة هَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد المتلاحمة قبل الباضعة وَهِي الَّتِي يتلاحم فِيهَا الدَّم ويسود وَبعدهَا السمحاق وَهِي الَّتِي تصل إِلَى جلدَة رقيقَة فَوق الْعظم تِلْكَ الْجلْدَة تسمى السمحاق ثمَّ الْمُوَضّحَة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم ثمَّ الهاشمة وَهِي الَّتِي تهشم الْعظم ثمَّ المنقلة وَهِي الَّتِي يخرج مِنْهَا الْعظم على وَجه النَّقْل ثمَّ الآمة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى أم الدِّمَاغ وَهِي جلدَة تَحت الْعظم فَوق الدِّمَاغ ثمَّ الدامغة وَهِي الَّتِي تخرق الْجلْدَة وَتصل إِلَى الدِّمَاغ فَهَذِهِ أحدى عشرَة شجة وَلم يذكر مُحَمَّدًا لخادشة وَلَا الدامغة لِأَن لَا يتَّصل بهما الحكم غَالِبا لِأَن الخادشة لَا يبقي لَهَا أثر وَلَا حكم للشجة الَّتِي لَا يبْقى لَهَا أثر والدامغة لَا يعِيش مَعهَا الْإِنْسَان فَيكون حكمه حكم الْقَتْل ثمَّ فِي الشجاج الَّتِي قبل الْمُوَضّحَة تجب حُكُومَة الْعدْل وَفِي الْمُوَضّحَة تجب خمس من الْإِبِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وَفِي الهاشمة عشر من الْإِبِل وَفِي المنقلة خَمْسَة عشر من الْإِبِل وَفِي الآمة ثلث الدِّيَة ثمَّ مَوَاضِع الشجاج عندنَا هُوَ الرَّأْس وَالْوَجْه فِي مَوَاضِع الْعظم مثل الْجَبْهَة والوجنتين والصدغين والذقن دون الْخَدين وَلَا تكون الْأمة إِلَّا فِي الرَّأْس وَفِي الْوَجْه فِي الْموضع الَّذِي يخلص مِنْهُ إِلَى الدِّمَاغ وَالصَّغِيرَة والكبيرة فِي ذَلِك سَوَاء لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل من غير فصل ثمَّ الْجراح فِي سَائِر الْبدن لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا أرش مَعْلُوم سوى الْجَائِفَة وَهِي الْجراحَة النافذة إِلَى الْجوف والمواضع الَّتِي تنفذ الْجراحَة مِنْهَا إِلَى الْجوف هِيَ الصَّدْر وَالظّهْر والبطن والجنبان دون الرَّقَبَة وَالْحلق وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وفيهَا ثلث الدِّيَة فَإِذا نفذت إِلَى الْجَانِب الآخر فَهِيَ جائفتان وَفِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثلث الدِّيَة فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه حكم فِي جَائِفَة نفذت إِلَى الْجَانِب الآخر بِثُلثي الدِّيَة وَذَلِكَ بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير خلاف وَأما مَا يجب حُكُومَة الْعدْل فِيهِ فقد ذكرنَا بعضه وَمن ذَلِك كسر الضلع وَكسر قَصَبَة الْأنف وَكسر كل عظم من الْبدن سوى السن فِيهِ حُكُومَة الْعدْل وَكَذَا فِي ثدي الرجل وَفِي حلمة ثدييه حُكُومَة عدل دون ذَلِك وَفِي أَحدهمَا نصف ذَلِك وَفِي لِسَان الْأَخْرَس وَذكر الْخصي والعنين وَالْعين الْقَائِمَة الذَّاهِب نورها وَالسّن السَّوْدَاء وَالْيَد الشلاء وَالذكر الْمَقْطُوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 الْحَشَفَة والكف الْمَقْطُوع الْأَصَابِع وَكسر الظفر وقلعة بِحَيْثُ لَا ينْبت أَو نبت مَعَ الْعَيْب وَأما الصَّبِي الطِّفْل فَفِي لِسَانه حُكُومَة عدل مَا لم يتَكَلَّم وَفِي يَده وَرجله وَذكره إِذا كَانَ يَتَحَرَّك مثل الْكَبِير وَفِي المارن وَالْأُذن الْمَقْصُود هُوَ الْجمال فَحكمه حكم الْكَبِير وَفِي الْمعِين إِذا وجد مَا يسْتَدلّ بِهِ على الْبَصَر كالكبير وَفِي حلق رَأس إِنْسَان إِذا نبت أَبيض على قَول أبي حنيفَة لَا يجب شَيْء إِذا كَانَ حرا لِأَن الشيب لَيْسَ بِعَيْب وَإِن كَانَ عبدا يجب مَا نَقصه وَقَالَ أَبُو يُوسُف تجب حُكُومَة الْعدْل فيهمَا وَفِي ثدي الْمَرْأَة المقطوعة الحلمة وَالْأنف الْمَقْطُوع الأرنبة والجفن الَّذِي لَا أشفار لَهُ حُكُومَة الْعدْل ثمَّ الشَّجَّة إِذا التحمت وَنبت الشّعْر لَا يجب فِيهَا شَيْء على الشاج عِنْد أبي حنيفَة لِأَن الشين الَّذِي لحقه بِسَبَبِهِ قد زَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف تجب عَلَيْهِ حُكُومَة عدل فِي الْأَلَم وَقَالَ مُحَمَّد يلْزمه أُجْرَة الطَّبِيب وَاخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ من أَصْحَابنَا فِي كَيْفيَّة الْحُكُومَة فَقَالَ الطَّحَاوِيّ يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَو كَانَ عبدا صَحِيحا وَيقوم وَبِه الشَّجَّة فَمَا نقص بَين الْقِيمَتَيْنِ كَانَت أرشا فِي شجة الْحر وَكَانَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي يَقُول يقرب من الشَّجَّة الَّتِي لَهَا أرش مُقَدّر بالحزر وَالظَّن يحكم بذلك أهل الْعلم بالجراحات وَأما حكم النِّسَاء فَنَقُول إِن دِيَة الْمَرْأَة على النّصْف من دِيَة الرجل بِإِجْمَاع الصَّحَابَة مثل عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَعلي وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُم وَغَيرهم فَإِنَّهُم قَالُوا دِيَة الْمَرْأَة على النّصْف من دِيَة الرجل إِلَّا أَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة وَالسّن فَإِنَّهَا كَالرّجلِ وَأما فِيمَا دون النَّفس من الْمَرْأَة فَإِنَّهُ يعْتَبر بديتها فيتنصف كديتها لِأَن الْمَرْأَة فِي مِيرَاثهَا وشهادتها بِمَنْزِلَة النّصْف من الرجل فَكَذَا فِي الدِّيَة وَقَالَ ابْن مَسْعُود تعاقل الْمَرْأَة الرجل فِيمَا كَانَ أَرْشه نصف عشر الدِّيَة يَعْنِي مَا كَانَ أقل من ذَلِك فالرجل وَالْمَرْأَة فِي ذَلِك سَوَاء وَاسْتدلَّ بالغرة وَقَالَ سعيد بن الْمسيب تعاقل الْمَرْأَة الرجل إِلَى ثلث دِيَتهَا يَعْنِي مَا كَانَ أقل من ثلث الدِّيَة فالرجل وَالْمَرْأَة فِيهِ سَوَاء وَرُوِيَ أَن ربيعَة الرأت سَأَلَ سعيد بن الْمسيب عَن رجل قطع إِصْبَع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 امْرَأَة فَقَالَ فِيهَا عشر من الْإِبِل قَالَ فَإِن قطع ثَلَاثًا قَالَ فِيهَا ثَلَاثُونَ من الْإِبِل قَالَ فَإِن قطع أَرْبَعَة قَالَ فِيهَا عشرُون من الْإِبِل فَقَالَ ربيعَة لما عظم ألمها وزادت مصيبتها قل أَرْشهَا فَقَالَ لَهُ أعراقي أَنْت قَالَ لَا بل جَاهِل متعلم أَو عَالم متبين فَقَالَ هَكَذَا السّنة يَا ابْن أَخ أَرَادَ بذلك سنة زيد بن ثَابت وَمَا قَالَ ربيعَة فَهُوَ حجتنا فِي الْمَسْأَلَة أَن مَا قَالُوا يُؤَدِّي إِلَى أَن يقل الأَرْض عِنْد كَثْرَة الْجِنَايَة وَهَذَا لَا يَصح لِأَن مَا دون النَّفس مُعْتَبر بدية النَّفس بِدلَالَة مَا زَاد على ثلث الدِّيَة وَأما فِي العَبْد إِذا قَتله حر خطأ فَإِن كَانَ قَلِيل الْقيمَة فَإِنَّهُ يجب قِيمَته بِالْإِجْمَاع فَأَما إِذا كَانَ كَبِير الْقيمَة بِأَن زَادَت قِيمَته عَن دِيَة الْحر قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يجب عشرَة آلَاف إِلَّا عشرَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ تجب قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت إِلَّا أَن عِنْد الشَّافِعِي تجب بِمُقَابلَة الْمَالِيَّة وَعند أبي يُوسُف تجب بِمُقَابلَة الدَّم وَلِهَذَا قَالَ مِقْدَار الدِّيَة يجب على الْعَاقِلَة وَيجب مُؤَجّلا فِي ثَلَاث سِنِين وَيدخل فِيهِ الْإِبِل كَمَا قَالَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما إِذا قَتله عبد خطأ فَإِنَّهُ يجب الدّفع أَو الْفِدَاء وَأما إِذا جنى العَبْد على حر أَو على عبد غير الْمولي فَإِن كَانَ عمدا يجب الْقصاص وَإِن كَانَ خطأ فِي نفس أَو فِيمَا دونهَا قل أَرْشهَا أَو كثر فَذَلِك فِي رَقَبَة الْجَانِي وَلَيْسَ فِي ذمَّة الْمولى مِنْهُ شَيْء وَيكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 الْمولى بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دفع العَبْد بِالْجِنَايَةِ وَإِن شَاءَ فدى عَنهُ بِجَمِيعِ الْأَرْش لإِجْمَاع الصَّحَابَة على ذَلِك فَإِن مَاتَ العَبْد قبل أَن يخْتَار الْفِدَاء فَلَا شَيْء على لمولى لِأَن الْحق مُتَعَلق بِالْعينِ فيزول بزواله وَإِن كَانَ بعد اخْتِيَار الْفِدَاء لم يبطل لِأَنَّهُ انْتقل الْحق إِلَى ذمَّة الْمولى بالتزامه وَإِن جنى العَبْد على جمَاعَة فالمولى بِالْخِيَارِ بَين أَن يدْفع العَبْد إِلَيْهِم وَكَانَ مقسوما بَينهم على قدر مَا لكل وَاحِد مِنْهُم من أرش الْجِنَايَة وَبَين أَن يمسك العَبْد ويفدى بِأَرْش الْجِنَايَات كلهَا لما ذكرنَا وَلَو تصرف الْمولى فِي العَبْد الْجَانِي بعد الْعلم بِالْجِنَايَةِ تَصرفا يُخرجهُ عَن ملكه نَحْو البيع وَالْهِبَة وَالْإِعْتَاق أَو أقرّ بِهِ لرجل أَو كَانَت أمة فاستولدها فَإِنَّهُ يصير مُخْتَارًا للْفِدَاء بِالدِّيَةِ إِن كَانَت الْجِنَايَة فِي النَّفس وبالأرش إِن كَانَت الْجِنَايَة فِيمَا دون النَّفس لِأَن الْمُخَير بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا فعل مَا يدل على اخْتِيَار أَحدهمَا أَو منع من اخْتِيَار أَحدهمَا تعين الآخر للاختيار وَمَعَ هَذِه التَّصَرُّفَات تعذر الدّفع وَإِن كَانَ لَا يعلم بِالْجِنَايَةِ يلْزمه قيمَة عَبده إِذا كَانَت أقل من الْأَرْش لِأَنَّهُ لَا يصير مُخْتَارًا بِلَا علم وَلَكِن امْتنع التَّسْلِيم إِلَى الْوَلِيّ بِفِعْلِهِ مَعَ تعلق حق الْوَلِيّ بِهِ فَيصير متلفا عَلَيْهِ هَذَا الْقدر فليزمه ذَلِك الْقدر وَلَا حق لوَلِيّ الْجِنَايَة فِيمَا زَاد عَلَيْهِ وَأما جِنَايَة الْمُدبر وَأم الْوَلَد فَفِي مَال الْمولى دون عَاقِلَته يعْتَبر الْأَقَل من أرش الْجِنَايَة وَمن قِيمَته لِأَن الأَصْل فِي جِنَايَة العَبْد هُوَ دفع الرَّقَبَة إِلَّا أَنه بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَاد صَار مَانِعا من التَّسْلِيم من غير اخْتِيَار فَكَأَنَّهُ دبره وَهُوَ لَا يعلم بِالْجِنَايَةِ فَيلْزمهُ الْأَقَل من ذَلِك لما ذكرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 وَلَا يلْزم الْمولى بجنايتهما أَكثر من قيمَة وَاحِدَة وَإِن كثرت الأروش يَسْتَوِي فِيهِ من تقدم أَو تَأَخّر فِي الْجِنَايَة لِأَن الْمَنْع منع وَاحِد وَالضَّمان يتَعَلَّق بِهِ فَجعل كَأَن الْجِنَايَات اجْتمعت ثمَّ دبره وَهُوَ لَا يعلم بهَا وَيعْتَبر قيمَة الْمُدبر لكل وَاحِد مِنْهُم يَوْم جنى عَلَيْهِ وَلَا يعْتَبر الْقيمَة يَوْم التَّدْبِير لِأَنَّهُ صَار مَانِعا بِالتَّدْبِيرِ السَّابِق عَن تَسْلِيمه فِي حَال الْجِنَايَة وَأما جِنَايَة الْمكَاتب فعلية دون سَيّده وَدون عَاقِلَته يحكم عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ من قِيمَته وَمن أرش جِنَايَته وَهَذَا لِأَن الْوَاجِب الْأَصْلِيّ هُوَ دفع الرَّقَبَة وَتَسْلِيم رقبته مُمكن فِي الْجُمْلَة بِأَن عجز نَفسه فَيكون مُتَعَلقا بِرَقَبَتِهِ على طَرِيق التَّوَقُّف فَلَا ينْتَقل الْحق من رقبته إِلَى ذمَّته ليؤدي من كَسبه إِلَّا بِأحد معَان ثَلَاثَة إِمَّا بِحكم الْحَاكِم بأرشها عَلَيْهِ أَو يصطلحوا على الْأَرْش أَو يَمُوت وَيتْرك مَالا أَو ولدا وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا مَذْهَبنَا وَقَالَ زفر إِن جِنَايَته تجب فِي ذمَّته بِمَنْزِلَة الْحر وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي مَوَاضِع من ذَلِك أَن الْمكَاتب إِذا عجز قبل انْتِقَال الْجِنَايَة من رقبته يُقَال للْمولى ادفعه أَو افده وَعند زفر يُبَاع فِي الْأَرْش وَمن ذَلِك أَيْضا أَن الْمكَاتب إِذا جنى ثمَّ جنى قبل الْقَضَاء بِالْجِنَايَةِ الأولى عَلَيْهِ يقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَة وَاحِدَة لِأَن الْجِنَايَة تتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ والرقبة الْوَاحِدَة تتضايق عَنْهُمَا كجنايتي العَبْد وَعند زفر يحكم فِي كل جِنَايَة بِقِيمَتِه لِأَنَّهَا تجب عِنْده فِي الذِّمَّة وَلَا تضايق فِيهَا وَأما جِنَايَة العَبْد وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد على مَوْلَاهُم أَو على مَاله خطأ فَتكون هدرا لِأَنَّهُ لَو وَجب الضَّمَان يجب على العَبْد للْمولى وَالْمولى لَا يجب لَهُ مَال على عَبده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَكَذَا الْجِنَايَة من الْمولى عَلَيْهِم تكون هدرا أَيْضا إِلَّا أَن فِي الْمُدبر يجب عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته إِذا قتل الْمولى خطأ لِأَن الْعتْق وَصِيَّة فَلَا يجوز أَن يسلم للْقَاتِل وَأما جِنَايَة الْمكَاتب على مَوْلَاهُ وَجِنَايَة مَوْلَاهُ عَلَيْهِ خطأ فلازمة لِأَن الْمكَاتب أَحَق بمنافعه وأكسابه فَيكون كَالْحرِّ سَوَاء وَأما الْجَنِين فَنَقُول إِذا ضرب الرجل بطن امْرَأَة حرَّة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَعَلَيهِ الْغرَّة وَهِي عبد أَو أمة تعدل خَمْسمِائَة دِرْهَم ذكرا كَانَ الْجَنِين أَو أُنْثَى وَكَانَ الْقيَاس فِيهِ أَن لَا يجب شَيْء لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه لم يكن فِيهِ حَيَاة وَقت الضَّرْب وَلِهَذَا لَو ضرب بطن دَابَّة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا لَا يجب الضَّمَان وَفِي الِاسْتِحْسَان يجب لإِجْمَاع الصَّحَابَة على ذَلِك وَيكون على الْعَاقِلَة وَلَو ألقته حَيا فَمَاتَ من سَاعَته فَعَلَيهِ الدِّيَة كَامِلَة على الْعَاقِلَة لِأَن صَارَت نفسا من كل وَجه وَلَو مَاتَت الْأُم بِالضَّرْبِ ثمَّ خرج الْجَنِين مَيتا لَا يلْزمه الْغرَّة لاحْتِمَال أَنه مَاتَ بِسَبَب الخنق فَزَاد هَاهُنَا احْتِمَال آخر وأصل الْوُجُوب ثَبت بِخِلَاف الْقيَاس فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ مَا لَيْسَ نَظِيره وَلَو ضرب بطن أمة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا يغرم نصف عشر قِيمَته من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 إِن كَانَ ذكرا وَعشر قيمتهَا إِذا كَانَ أُنْثَى وَقَالَ الشَّافِعِي فِيهِ عشر قيمَة الْأُم وَهَذَا لما ذكرنَا أَن الْوَاجِب فِي الْجَنِين الْغرَّة بِالنَّصِّ وَهُوَ خَمْسمِائَة دِرْهَم وَذَلِكَ عشر دِيَة الْأُنْثَى وَنصف عشر دِيَة الذّكر وَالْقيمَة فِي الْأمة كالدية فِي الْحرَّة فَوَجَبَ عشر قيمتهَا إِن كَانَت أُنْثَى وَنصف عشر قِيمَته إِن كَانَ ذكرا بِنَاء على الْحر إِلَّا أَن مَا وَجب فِي جَنِين الْأمة فَهُوَ فِي مَال الضَّارِب حَالا لِأَن مَا دون النَّفس من الرَّقِيق ضَمَانه ضَمَان الْأَمْوَال وَذَلِكَ مِمَّا لَا تتحمله الْعَاقِلَة بِخِلَاف جَنِين الْحرَّة وَأما بَيَان من تجب عَلَيْهِ الدِّيَة فَنَقُول كل دِيَة وَجَبت بِنَفس الْقَتْل فِي خطأ أَو شبة عمد أَو فِي عمد دَخلته شبهه تجب فِي ثَلَاث سِنِين على من وَجَبت عَلَيْهِ فِي كل سنة الثُّلُث فالخطأ وَشبه الْعمد على الْعَاقِلَة وَأما الْعمد الَّذِي تدخله الشُّبْهَة فيتحول مَالا فَهُوَ فِي مَال الْجَانِي فِي ثَلَاث سِنِين وَذَلِكَ مثل قتل الْأَب ابْنه وَالْمولى عَبده وَكَذَلِكَ إِذا صولح من الْجِنَايَة على مَال لَا يجب على الْعَاقِلَة وَيجب على الْقَاتِل فِي مَاله حَالا لِأَنَّهُ مَا وَجب بِنَفس الْقَتْل وَإِنَّمَا وَجب بِعقد الصُّلْح فَإِن جعلاه مُؤَجّلا يكون مُؤَجّلا وَإِلَّا فَيكون حَالا كَثمن الْمَبِيع وَكَذَا من أقرّ على نَفسه بِالْقَتْلِ خطأ فَالدِّيَة فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين لَا على الْعَاقِلَة وَكَذَلِكَ مَا وَجب بِجِنَايَة العَبْد فَإِنَّهُ لَا يكون على الْعَاقِلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وأصل ذَلِك حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا لَا تعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا عبدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافا وَلَا مَا دون أرش الْمُوَضّحَة إِلَّا أَن فِي الصُّلْح تجب حَالا وَفِي الْإِقْرَار والعمد الَّذِي فِيهِ شُبْهَة تجب عَلَيْهِ وَلَكِن مُؤَجّلا فِي ثَلَاث سِنِين لإِجْمَاع الصَّحَابَة أَن الدِّيَة تجب مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين فِي كل سنة الثُّلُث عِنْد انْقِضَائِهَا وَكَذَلِكَ الحكم فِي الْحر من بدل النَّفس فَهُوَ فِي ثَلَاث سِنِين كالعشرة إِذا قتلوا وَاحِدًا خطأ فعلى عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُم عشر الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين وَلَا يغرم كل رجل من الْعَاقِلَة إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة فِي ثَلَاث سِنِين فَإِن قلت الْعَاقِلَة حَتَّى صَار نصيب كل وَاحِد مِنْهُم أَكثر من ذَلِك يضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِنْهُم فِي النّسَب من أهل الدِّيوَان كَانُوا أَو من غَيرهم حَتَّى لَا يلْزم الرجل مِنْهُم أَكثر من ذَلِك لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم بطرِيق الْإِعَانَة تَخْفِيفًا على قريبهم فَلَا يجوز أَن يجب عَلَيْهِم على وَجه فِيهِ تعسير عَلَيْهِم وَأما أرش مَا دون النَّفس خطأ إِذا بلغ نصف عشر الدِّيَة فَهُوَ على الْعَاقِلَة فِي سنة وَكَذَا فِي الْمَرْأَة إِذا بلغ نصف عشرَة دِيَتهَا يكون على الْعَاقِلَة فِي سنة لِأَن مَا دون النَّفس مُعْتَبر بِالدِّيَةِ ثمَّ مَا زَاد فِي نصف الْعشْر إِلَى أَن يبلغ ثلث الدِّيَة فَفِي سنة قِيَاسا على مَا يجب على الْعَاقِلَة فِي السّنة الأولى فَإِن زَاد على الثُّلُث فَالزِّيَادَة تجب فِي سنة أُخْرَى إِلَى الثُّلثَيْنِ فَإِن زَاد على الثُّلثَيْنِ فَهِيَ فِي السّنة الثَّالِثَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 ثمَّ الْعَاقِلَة من هم فعندنا الْعَاقِلَة هم أهل الدِّيوَان فِي حق من لَهُ الدِّيوَان وهم الْمُقَاتلَة وَمن لَا ديوَان لَهُ فعاقلته من كَانَ من عصبته فِي النّسَب وَعند الشَّافِعِي لَا يلْزم أهل الدِّيوَان إِلَّا أَن يَكُونُوا من النّسَب وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ كَانَت الدِّيَة على الْقَبَائِل فَلَمَّا وضع عمر رَضِي الله عَنهُ الدَّوَاوِين جعلهَا على أهل الدِّيوَان وَذَلِكَ بِحَضْرَة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم من غير خلاف وَتبين أَنه إِنَّمَا كَانَ على أهل الْقَبَائِل للتناصر فَلَمَّا صَار التناصر بالديوان اعْتبر الدِّيوَان لوُجُود الْمَعْنى وَلِهَذَا لَا تكون الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ وَالْعَبْد وَالْمُدبر وَالْمكَاتب من جملَة الْعَاقِلَة لأَنهم لَيْسُوا من أهل التناصر وَلَا من أهل الْإِعَانَة بِالشَّرْعِ وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 بَاب ضَمَان الرَّاكِب وَمن كَانَ فِي مَعْنَاهُ أصل الْبَاب أَن السّير فِي ملك نَفسه مُبَاح مُطلق وَالسير فِي طَرِيق الْمُسلمين مَأْذُون بِشَرْط السَّلامَة فَمَا تولد من سير تلف مِمَّا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فَهُوَ مَضْمُون وَمَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فَلَيْسَ بمضمون إِذْ لَو جَعَلْنَاهُ مَضْمُونا لصار مَمْنُوعًا عَن السّير وَهُوَ مَأْذُون وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا رضوَان الله عَلَيْهِم إِن مَا أثار من الْغُبَار بِالْمَشْيِ أَو بسير الدَّابَّة لَا يضمن مَا تولد مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَكَذَا مَا أثارت الدَّابَّة بسنابكها من الْحَصَى الصغار وَأما الْحَصَى الْكِبَار فَإِن الرَّاكِب يضمن مَا تولد مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يكون سَببا إِلَّا بالعنف فِي السّير فَيمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَإِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول من سَارَتْ دَابَّته فِي طَرِيق الْمُسلمين وَهُوَ رَاكب عَلَيْهَا أَو قَائِد أَو سائق فوطأت دَابَّته رجلا بِيَدِهَا أَو برجلها أَو كدمت أَو صدمت بصدرها أَو خبطت بِيَدِهَا فَهُوَ ضَامِن لِأَنَّهُ يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَكَذَلِكَ السَّائِق والقائد لِأَنَّهُ مقرب للدابة إِلَى الْجِنَايَة والرديف كالراكب إِلَّا أَن الْفرق أَن الرَّاكِب قَاتل بِوَطْء الدَّابَّة بثقله وَفعله هُوَ لَيْسَ بمسبب والسائق مسبب حَتَّى تجب الْكَفَّارَة على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 الرَّاكِب دون السَّائِق والقائد وَلَو نفحت الدَّابَّة برجلها وَهِي تسير أَو بذنبها فَلَا ضَمَان فِي ذَلِك على رَاكب وَلَا رَدِيف وَلَا سائق وَلَا قَائِد لِأَن الِاحْتِرَاز عَنهُ غير مُمكن وَلَو أوقف الدَّابَّة فِي الطَّرِيق فَهُوَ ضَامِن لما تولد من وقُوف الدَّابَّة من الْوَطْء والنفحة بِالرجلِ والذنب وَمَا عطب بروثها وبولها ولعابها وَكَذَا إِذا أوقفها على بَاب مَسْجِد من مَسَاجِد الْمُسلمين فَهُوَ بِمَنْزِلَة الطَّرِيق لِأَنَّهُ من جملَته وَالسير مَأْذُون فِي الطَّرِيق دون الْوُقُوف والإيقاف فَإِن جعل الإِمَام للْمُسلمين عِنْد بَاب الْمَسْجِد موقفا لوقوف الدَّوَابّ فَمَا حدث من الْوُقُوف غير مَضْمُون لِأَن مَأْذُون فِيهِ وَلَكِن سَاق الدَّابَّة فِيهِ أَو قاد أَو سَار فِيهِ على الدَّابَّة يضمن لِأَن الْإِذْن فِي حق الْوُقُوف لَا غير فَبَقيَ السّير على مَا كَانَ بِشَرْط السَّلامَة وعَلى هَذَا وقُوف الدَّوَابّ فِي سوق الْخَيل وَالدَّوَاب لِأَن ذَلِك مَأْذُون من جِهَة السُّلْطَان وعَلى هَذَا الفلاة وَطَرِيق مَكَّة إِذا كَانَ وقُوف الدَّابَّة فِي غير المحجة فِي نَاحيَة مِنْهُ لِأَن هَذَا مِمَّا لَا يضر بِالنَّاسِ فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْإِذْن وَأما الْوُقُوف فِي المحجة فَهُوَ كالوقوف فِي طَرِيق الْمُسلمين فَأَما إِذا كَانَ الطَّرِيق ملكا خَاصّا لَهُ فساق فِيهِ دابتة أَو سَار بهَا وَهُوَ رَاكب أَو فِي ملكه فِي الْجُمْلَة فَمَا تولد من سيره فَهُوَ غير مَضْمُون عَلَيْهِ إِلَّا وَطْء الدَّابَّة لِأَنَّهُ تصرف فِي ملكه فَلَا يتَقَيَّد بِشَرْط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 السَّلامَة لَكِن الْوَطْء بِمَنْزِلَة فعله لحُصُول الْهَلَاك بثقله وَمن تعدى على الْغَيْر فِي دَار نَفسه يضمن وَلَو نفرت الدَّابَّة أَو انفلتت مِنْهُ فَمَا أَصَابَت فِي فورها ذَلِك لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَسَوَاء كَانَ الانفلات فِي ملك صَاحبهَا أَو فِي الطَّرِيق أَو فِي ملك الْغَيْر لِأَنَّهُ لَا صنع لَهُ فِيهِ وَلَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَقد قَالُوا فِيمَن أرسل دَابَّته فَمَا أَصَابَت فِي فورها ضمن وَإِن مَالَتْ يَمِينا أَو شمالا ثمَّ أَصَابَت فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن لم يكن لَهَا طَرِيق آخر يجب الضَّمَان على الْمُرْسل لِأَنَّهَا بَاقِيَة على الْإِرْسَال وَإِن كَانَ لَهَا طَرِيق آخر فانعراجها باختيارها يقطع حكم الْإِرْسَال فَتَصِير كالمنفلتة وَلَو حفر بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين أَو أخرج جنَاحا أَو نصب فِيهِ ميزابا أَو بنى دكانا أَو وضع حجرا أَو خَشَبَة أَو مَتَاعا أَو صب مَاء فِي الطَّرِيق أَو قعد ليستريح أَو لمَرض أَصَابَهُ فعثر بِشَيْء من ذَلِك عَابِر فَوَقع فَمَاتَ أَو وَقع على غَيره فَقتله أَو على مَال إِنْسَان فَهَلَك فَهُوَ ضَامِن لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لِأَن الطَّرِيق مَأْذُون فِيهِ للسير لَا غير فَمَا تولد مِنْهُ يكون مَضْمُونا ثمَّ مَا كَانَ من الْجِنَايَة على بني آدم فَهُوَ على الْعَاقِلَة على مَا ذكرنَا وَمَا كَانَ على المَال فَهُوَ عَلَيْهِ فِي مَاله حَالا وَلَو كَانَ الرجل سائرا على دَابَّته أَو وَاقِفًا عَلَيْهَا فِي ملكه أَو فِي طَرِيق الْعَامَّة فَنَخَسَ دَابَّته رجل فَضربت بذنبها أَو برجلها أَو نفرت فصدمت إنْسَانا فِي فَور النخسة فالناخس ضَامِن دون الرَّاكِب إِذا فعل ذَلِك بِغَيْر أمره لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي النخس فَمَا تولد مِنْهُ مَضْمُون عَلَيْهِ والراكب لَيْسَ بمتعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 فَأَما إِذا انْقَطع الْفَوْر فَذَاك مُضَاف إِلَى اخْتِيَار الدَّابَّة لَا إِلَى الناخس وَكَذَلِكَ لَو ضربهَا رجل بِغَيْر أمره فَأَما إِذا نخس بِأَمْر الرَّاكِب أَو ضرب فنفحت برجلها إنْسَانا فَقتلته فَإِن كَانَ الرَّاكِب يسير فِي الطَّرِيق أَو كَانَ وَاقِفًا فِي ملكه أَو فِي مَوضِع قد أذن فِيهِ بِالْوُقُوفِ من هَذِه الْأَسْوَاق وَنَحْوهَا فَلَا ضَمَان فِي هَذَا على رَاكب وَلَا سائق وَلَا ضَارب وَلَا ناخس لِأَنَّهُ فعل بِأَمْر الرَّاكِب فعلا يملكهُ الرَّاكِب فَصَارَ فعله كَفِعْلِهِ وَلَو فعل الرَّاكِب لَا يضمن مَا أَصَابَت الدَّابَّة بِالرجلِ فَكَذَا هَذَا وَلَو كَانَ الرَّاكِب وَاقِفًا فِي بعض طرق الْمُسلمين الَّتِي لم يُؤذن بِالْوُقُوفِ فِيهَا فَأمر رجلا أَن يضْرب دَابَّته فضربها فنفحت رجلا فَقتلته فَالدِّيَة عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ هَكَذَا ذكر الْكَرْخِي وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف فِي هَذَا أَن الضَّمَان على الرَّاكِب لَا غير لِأَن ضربه لَهُ بِأَمْر الرَّاكِب كضرب الرَّاكِب وَلَو فعل الرَّاكِب فتولد مِنْهُ شَيْء برجلها يضمن فَكَذَا هَذَا وَوجه مَا ذكر الْكَرْخِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ بطرِيق التسبيب فصارا شَرِيكَيْنِ وَلَو كَانَ الرجل يسير على دَابَّته فَأمر رجلا حَتَّى ينخسها أَو يضْربهَا فوطئت إنْسَانا فَمَاتَ فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ لَو فعل بِغَيْر أَمر الرَّاكِب فوطئت إنْسَانا فَمَاتَ فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا لِأَن الْمَوْت حصل بِسَبَب فعل الناخس وَثقل الرَّاكِب فَيكون الضَّمَان عَلَيْهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 وَلَو قاد الرجل قطارا فَمَا أوطأه أَوله أَو أوسطه أَو آخِره فَهُوَ ضَامِن لَهُ وَكَذَلِكَ إِن صدم إنْسَانا فَقتله لِأَن الْقَائِد مقرب للبهيمة إِلَى الْجِنَايَة وَهَذَا مِمَّا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فِي الْجُمْلَة بِأَن يذود النَّاس عَن الطَّرِيق فَإِن كَانَ مَعَه سائق فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا كَيْفَمَا كَانَ السَّائِق فِي وسط القطار أَو فِي آخِره لِأَنَّهُ قد يكون سائقا وَقَائِدًا وَقد يكون سائقا لَا غير وَالْأول قَائِد فهما مسببان فِي هَذِه الْجِنَايَة وَلَو كَانَ على القطار محامل فِيهَا أنَاس نيام أَو غير نيام فَإِن كَانَ مِنْهُم الْقود والسوق فهم شُرَكَاء السَّائِق والقائد وعَلى الركْبَان الْكَفَّارَة لَا غير فَأَما إِذا لم يكن مِنْهُم فعل فِي الْقود فهم كالمتاع فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَلَو أَن حَائِطا من دَار إِنْسَان مَال إِلَى نَافِذ أَو إِلَى دَار رجل فَهَذَا على وَجْهَيْن إِن بني الْحَائِط مائلا إِلَى ملك غَيره أَو إِلَى الطَّرِيق فَهُوَ ضَامِن لما عطب بسقوطه وَإِن لم يُطَالب بنقضه لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاء غَيره وهواء طَرِيق الْمُسلمين حَقهم أَيْضا فَمَا تولد مِنْهُ وَهُوَ مُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ يُؤَاخذ بِهِ فَأَما إِذا بنى فِي ملكه وَحقه ثمَّ مَال الْبناء إِلَى الطَّرِيق أَو إِلَى دَار إِنْسَان فَلم يُطَالب بنقضه وَلم يشْهد عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى سقط على رجل فَقتله أَو على مَال إِنْسَان فأتلفه فَلَا يضمن لِأَنَّهُ شغل هَوَاء غَيره وَوَقع فِي يَده بِغَيْر صنعه وَهُوَ ميلان الْجِدَار فَيكون فِي يَده أَمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 كَثوب ألقته الرّيح فِي يَده فَمَا تولد مِنْهُ لَا يُؤْخَذ بِهِ وَإِن طُولِبَ بنقضه وَأشْهد عَلَيْهِ ثمَّ سقط بعد ذَلِك فِي مُدَّة أمكنه نقضه فِيهَا فَهُوَ ضَامِن لِأَن بعد الْمُطَالبَة يجب عَلَيْهِ التفريغ فَإِذا لم يفعل مَعَ الْإِمْكَان صَار مُتَعَدِّيا كَمَا فِي الثَّوْب الَّذِي هبت بِهِ الرّيح إِذا طلبه صَاحبه فَامْتنعَ عَن الرَّد يجب الضَّمَان عَلَيْهِ إِذا هلك أما إِذا لم يفرط فِي نقضه وَذهب حَتَّى يسْتَأْجر من يهدمه فَسقط فأفسد شَيْئا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ إِزَالَة يَده بِقدر الْمُمكن وَالْإِشْهَاد أَن يَقُول الرجل اشْهَدُوا أَنِّي قد تقدّمت إِلَى هَذَا الرجل فِي هدم حَائِطه هَذَا وَالْمُعْتَبر عندنَا الْمُطَالبَة بالهدم وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْإِشْهَاد ليثبت بِهِ الْمُطَالبَة عِنْد الْإِنْكَار كَمَا قُلْنَا فِي الشُّفْعَة إِن الْمُعْتَبر هُوَ الطّلب وَإِنَّمَا الْإِشْهَاد ليثبت الطّلب بِالشَّهَادَةِ عِنْد الْإِنْكَار حَتَّى لَو اعْترف صَاحب الدَّار أَنه طُولِبَ بنقضه وَجب عَلَيْهِ الضَّمَان وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ ثمَّ إِن كَانَ الميلان إِلَى دَار إِنْسَان فالإشهاد إِلَى صَاحب الدَّار إِن كَانَ فِيهَا أَو لم يكن فِيهَا سَاكن وَإِن كَانَ فِيهَا سكان فالإشهاد إِلَى السكان وَإِن كَانَ الميلان إِلَى طَرِيق الْعَامَّة فالإشهاد إِلَى كل من لَهُ حق الْمُرُور فِيهِ الْمُسلم وَالذِّمِّيّ فِيهِ سَوَاء وَلَكِن أَنما يَصح الْإِشْهَاد على مَالك الْحَائِط أَو الَّذِي لَهُ ولَايَة النَّقْض مثل الْأَب وَالْوَصِيّ وَلَا يَصح الْإِشْهَاد على الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُسْتَعِير وَالْمُودع لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم ولَايَة النَّقْض فَكَانَ الْإِشْهَاد عَلَيْهِم وَعَدَمه سَوَاء وَلَو أشهد من لَهُ حق الْإِشْهَاد على صَاحب الْحَائِط المائل أَو على من يَصح عَلَيْهِ الْإِشْهَاد فَطلب مِنْهُ التَّأْجِيل أَو الْإِبْرَاء فأجل وَأَبْرَأ فَإِن كَانَ أميل إِلَى الدَّار صَحَّ لِأَنَّهُ أبطل حَقه فَأَما إِذا كَانَ الْميل إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 الطَّرِيق فأبرأ أَو أجل الَّذِي أشهد عَلَيْهِ مِمَّن لَهُ حق الْمُرُور أَو القَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَنَّهُ هَذَا حق الْعَامَّة فإبراء الْوَاحِد وتأجيله يَصح فِي حَقه لَا فِي حق النَّاس وَلَو بَاعَ صَاحب الدَّار بعد الْإِشْهَاد فَسقط الْحَائِط بَعْدَمَا قَبضه المُشْتَرِي أَو بَعْدَمَا ملكه فِي زمَان لَا يتَمَكَّن من نقضه فَلَا ضَمَان على البَائِع فِيمَا هلك بسقوطه لِأَنَّهُ لَا يملك النَّقْض فَسقط حكم الْإِشْهَاد وَإِن كَانَ بعد التَّفْرِيط لَا يسْقط الضَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 بَاب الْقسَامَة يحْتَاج فِي هَذَا الْبَاب إِلَى بَيَان مَشْرُوعِيَّة الْقسَامَة وَإِلَى تَفْسِيرهَا وَإِلَى بَيَان من تجب عَلَيْهِ أما الأول فالقسامة مَشْرُوعَة فِي الْقَتِيل الَّذِي يُوجد وَبِه عَلامَة الْقَتْل من الْجراح وَغَيرهَا وَلم يعرف لَهُ قَاتل بالأحاديث وَقَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ وَإِجْمَاع الصَّحَابَة فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله عَلَيْهِ وَأما تَفْسِير الْقسَامَة وَبَيَان من تجب عَلَيْهِ فَهُوَ مَا روى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله عَلَيْهِمَا أَنه قَالَ فِي الْقَتِيل يُوجد فِي الْمحلة أَو فِي دَار رجل فِي الْمصر إِن كَانَت بِهِ جِرَاحَة أَو أثر ضرب أَو أثر خنق فَإِن هَذَا قَتِيل وَفِيه الْقسَامَة على عَاقِلَة رب الدَّار إِذا وجد فِي الدَّار وعَلى عَاقِلَة أهل الْمحلة إِذا وجد فِي الْمحلة يقسم خَمْسُونَ رجلا كل رجل مِنْهُم بِاللَّه مَا قتلته وَلَا علمت لَهُ قَاتلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 ثمَّ يغرمون الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين على أهل الدِّيوَان فِي كل سنة الثُّلُث مِقْدَار مَا يُصِيب كل وَاحِد مِنْهُم ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة فِي ثَلَاثَة سِنِين فَإِن زَاد ضمُّوا إِلَيْهِم أقربهم مِنْهُم من الْقَبَائِل نسبا لَا جوارا فَإِن نَقَصُوا عَن خمسين كررت عَلَيْهِم الْأَيْمَان ثمَّ لَا يدْخل فِي الْقسَامَة إِلَّا الْعَاقِل الْبَالِغ الْحر فَأَما الْمَرْأَة فَهَل تدخل ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يدْخل فِي الْقسَامَة إِلَّا رجل عَاقل بَالغ حر وَذكر مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة فِي الْقَتِيل يُوجد فِي قَرْيَة امْرَأَة لَا يكون بهَا غَيرهَا وَلَيْسَ لَهَا عَاقِلَة قريبَة قَالَ تستحلف ويكرر عَلَيْهَا الْأَيْمَان وعَلى عاقلتها الَّتِي هِيَ أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهَا فِي النّسَب وَقَالَ أَبُو يُوسُف ينظر إِلَى أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهَا وَتَكون الْقسَامَة عَلَيْهِم وَلَا قسَامَة على الْمَرْأَة لِأَنَّهَا لَيست من أهل النُّصْرَة كَالصَّبِيِّ وَالْجُنُون وَالْعَبْد وهما يَقُولَانِ إِن الْمَرْأَة من أهل الِاسْتِحْلَاف فِي الْحُقُوق وَمن أهل الْمُشَاركَة فِي الدِّيَة فَإِنَّهَا إِذا قتلت رجلا خطأ تشارك الْعَاقِلَة فِي الدِّيَة وَيدخل فِي الْقسَامَة الْأَعْمَى والمحدود فِي الْقَذْف وَالذِّمِّيّ لأَنهم من أهل الِاسْتِحْلَاف والنصرة وَيكون الِاخْتِيَار فِي رجال الْقسَامَة إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل لِأَن ذَلِك حَقهم وَلَهُم فِي الِاخْتِيَار فَائِدَة هَذَا الَّذِي ذكرنَا مَذْهَب عُلَمَائِنَا رَحِمهم الله وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله إِذا كَانَ هُنَاكَ لوث أَي عَلامَة الْقَتْل من وَاحِد بِعَيْنِه أَو بَينهمَا عَدَاوَة ظَاهِرَة فَإِنَّهُ يسْتَحْلف الْأَوْلِيَاء خمسين يَمِينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 ثمَّ يقْتَصّ من الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد مَالك وَعند الشَّافِعِي يقْضِي لَهُم على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ وَلَكِن هَذَا خلاف الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة ثمَّ إِذا وجد الْقَتِيل فِي دَار رجل فالقسامة على رب الدَّار وعَلى جِيرَانه إِن كَانُوا عَاقِلَته وَإِن لم يَكُونُوا فعلى عَاقِلَته من أهل الْمصر وَعَلَيْهِم الدِّيَة كَذَا ذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل وَلم يذكر إِذا كَانَت الْعَاقِلَة غيبا وَذكر فِي اخْتِلَاف زفر وَيَعْقُوب أَن الْقسَامَة عَلَيْهِ وعَلى عَاقِلَته غيبا كَانُوا أَو حضورا وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا قسَامَة على الْعَاقِلَة وَذكر الْكَرْخِي إِن كَانَت الْعَاقِلَة حَاضِرَة فِي الْمصر دخلُوا فِي الْقسَامَة وَإِن كَانَت غَائِبَة فالقسامة على صَاحب الدَّار يُكَرر عَلَيْهِ الْإِيمَان وَالدية عَلَيْهِ وعَلى الْعَاقِلَة ثمَّ الْقسَامَة وَالدية على الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من عَاقِلَة من وجد فيهم الْقَتِيل فَرب الدَّار وَقَومه أخص ثمَّ أهل الْمحلة ثمَّ أهل الْمصر وَكَذَلِكَ الْقَبَائِل الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن كَانَت الْمحلة فِيهَا من قبائل شَتَّى فَإِن الدِّيَة والقسامة على أهل الخطة وَلَيْسَ على المُشْتَرِي شَيْء عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا قسَامَة وَلَا دِيَة مَا بَقِي وَاحِد من أهل الخطة وعَلى قَول أبي يُوسُف على أهل الخطة والمشترين جَمِيعًا وَقيل إِنَّمَا أجَاب أَبُو حنيفَة على عَادَة أهل الْكُوفَة فَإِن أهل الخطة هم الَّذين يدبرون أَمر الْمحلة وَأَبُو يُوسُف بني على عَادَة أهل زَمَانه أَن التَّدْبِير إِلَى الْأَشْرَاف من أهل الخطة كَانُوا أَولا وَأما إِذا لم يكن فِي الْمحلة أحد من أهل الخطة وفيهَا ملاك وسكان فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 الْملاك دون السكان وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِم جَمِيعًا وَلَو وجد الْقَتِيل فِي السُّوق فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد على أَرْبَابهَا وَعند أبي يُوسُف على سكانها وَإِن كنت السُّوق للعامة أَو للسُّلْطَان فَالدِّيَة فِي بَيت المَال وَلَو وجد فِي الْمَسْجِد الْجَامِع أَو الجسور الْعَامَّة أَو النَّهر الْعَام كدجلة والفرات فَالدِّيَة فِي بَيت المَال وَلَا قسَامَة على أحد فَأَما فِي النَّهر الْخَاص الَّذِي يقْضِي فِيهِ بِالشُّفْعَة للشَّرِيك فعلى عَاقِلَة أَرْبَاب النَّهر وَلَو وجد فِي السجْن وَلَا يعرف من قَتله فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد على بَيت المَال وَعند أبي يُوسُف تجب الْقسَامَة وَالدية على أهل السجْن وَإِن وجد فِي السَّفِينَة فَالدِّيَة والقسامة على من فِي السَّفِينَة من ركبهَا أَو يمدها من الْمَالِك وَغَيره بِخِلَاف الدَّار لِأَنَّهَا مِمَّا ينْقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع فَيعْتَبر فِيهِ الْيَد دون الْملك وَكَذَلِكَ العجلة أَو الدَّابَّة إِذا وجد عَلَيْهَا قَتِيل وَمَعَهَا رجل يحملهَا وَهُوَ قَائِد أَو سائق أَو رَاكب فَإِنَّهُ يكون الْقسَامَة عَلَيْهِ وَإِن اجْتمع رجال بَعضهم قَائِد وَبَعْضهمْ سائق وَبَعْضهمْ رَاكب فَيكون عَلَيْهِم لِأَنَّهُ فِي أَيْديهم فَصَارَ كوجوده فِي دَارهم وَإِن وجد فِي فلاة من الأَرْض ينظر إِن كَانَت ملكا لإِنْسَان فالقسامة وَالدية على الْمَالِك وعَلى قبيلته وَإِن كَانَ ذَلِك الْموضع لَا مَالك لَهُ وَكَانَ موضعا يسمع فِيهِ الصَّوْت من مصر من الْأَمْصَار أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 قَرْيَة من الْقرى فَعَلَيْهِم وَإِن كَانَ لَا يسمع فِيهِ الصَّوْت وَلَيْسَ بِملك لأحد فَهُوَ هدر لِأَنَّهُ لَا يَد لأحد عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي الدجلة والفرات أَرَادَ فِي حق الْقسَامَة فَأَما الدِّيَة فَفِي بَيت المَال إِذا ظهر أولياؤه فَأَما إِذا وجد على شط نهر عَظِيم مثل دجلة والفرات فعلى أقرب الْقرى من ذَلِك الْموضع من حَيْثُ يسمع الصَّوْت الْقسَامَة وَالدية وَلَو وجد الْقَتِيل فِي عَسْكَر فِي الفلاة فَإِن كَانَت ملكا فعلى أَرْبَاب الفلاة وَإِن لم يكن لَهَا مَالك فَإِن وجد فِي خباء أَو فسطاط فعلى من يسكن الخباء والقسطاط وعَلى عواقلهم وَإِن وجد خَارِجا من الفسطاطا والخباء فعلى أقرب الأخبية والفساطيط وَإِن كَانَ الْعَسْكَر لقوا قتالا فَقَاتلُوا فَلَا قسَامَة وَلَا دِيَة فِي قَتِيل وجد بَين أظهرهم لِأَن الظَّاهِر أَنه قَتِيل الْعَدو وَلَو وجد قَتِيل فِي دَار نَفسه فديته على ورثته وعَلى عاقلتهم وَتَكون مِيرَاثا لَهُم لَو فضل من دِيَته عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْء فِيهِ وَهُوَ هدر وَبِه أَخذ زفر وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة مثله لِأَن وجود الْقَتِيل فِي الدَّار بِمَنْزِلَة مُبَاشرَة الْقَتْل من صَاحبهَا فَإِذا وجد الْقَتِيل فِي دَار نَفسه فَيصير كَأَنَّهُ قتل نَفسه وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِن الْمُعْتَبر فِي الْقسَامَة وَالدية حَال ظُهُور الْقَتِيل بِدَلِيل أَن مَاتَ قبل ذَلِك لَا يدْخل فِي الدِّيَة وَحَال ظُهُور الْقَتِيل الدَّار للْوَرَثَة فَيكون عَلَيْهِم وعَلى عاقلتهم كمن وجد قَتِيلا فِي دَار ابْنه أَو بِئْر حفرهَا ابْنه أَلَيْسَ أَن الْقسَامَة وَالدية على ابْنه وعواقله كَذَا هَذَا ثمَّ يثبت الْمِيرَاث لَهُ بَعْدَمَا صَار للمقتول حَتَّى يقْضِي دينه فَمَا فضل يكون للْوَرَثَة بِسَبَب الْقَرَابَة وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا لم يدع الْأَوْلِيَاء على رجل بِعَيْنِه من أهل الْمحلة فَأَما إِذا ادعوا على رجل بِعَيْنِه فالقسامة وَالدية بحالهما فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وروى عبد الله بن الْمُبَارك عَن أبي حنيفَة وَمُحَمّد أَنه يسْقط وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْقيَاس أَنه يسْقط وَفِي الِاسْتِحْسَان أَنه لَا يسْقط للأثر وَجه ظَاهر الرِّوَايَة أَن الظَّاهِر أَن الْقَاتِل أحد أهل الْمحلة وَالْوَلِيّ يَدعِي إِلَّا أَنه عين وَهُوَ مُتَّهم فِي التَّعْيِين فَلَا يعْتَبر فَأَما إِذا ادّعى الْوَلِيّ الْقَتْل على رجل من غَيرهم فَيكون إِبْرَاء لَهُم عَن الْقسَامَة وَالدية لِأَنَّهُ نفي الْقَتْل عَنْهُم بِدَعْوَاهُ على غَيرهم وَلَو شهد اثْنَان من أهل الْمحلة للْوَلِيّ بِهَذِهِ الدَّعْوَى لم تقبل شَهَادَتهمَا فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد تقبل وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حنيفَة هَذَا لِأَن أهل الْمحلة صَارُوا خصما فِي هَذِه الدَّعْوَى فَلَا تقبل شَهَادَتهم وَإِن خَرجُوا عَن الْخُصُومَة بِالْإِبْرَاءِ كَالْوَكِيلِ إِذا خَاصم ثمَّ عزل فَشهد لَا تقبل شَهَادَته كَذَا هَذَا وَكَذَا لَو ادّعى الْأَوْلِيَاء الْقَتْل على وَاحِد من أهل الْمحلة بِعَيْنِه فَشهد شَاهِدَانِ من أهل الْمحلة عَلَيْهِ لم تقبل شَهَادَتهمَا بالِاتِّفَاقِ لِأَن الْخُصُومَة قَائِمَة عَلَيْهِم بعد هَذِه الدَّعْوَى على مَا بَينا فَتكون هَذِه شَهَادَة لأَنْفُسِهِمْ فَلَا تقبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 كتاب الْحُدُود جمع فِي هَذَا الْكتاب بَين حد الزِّنَا وحد الْقَذْف وَبَين التَّعْزِير فَيحْتَاج إِلَى بَيَان سَبَب وجوب كل وَاحِد مِنْهَا وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْوُجُوب وَإِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْحَد ومقداره أما حد الزِّنَا فنوعان الرَّجْم وَالْجَلد مائَة وَسبب وجوبهما جَمِيعًا هُوَ الزِّنَا إِلَّا أَن لوُجُوب الرَّجْم شَرَائِط إِذا وجد الْكل يجب وَإِلَّا فَيجب الْجلد وَلَو أسقط الْجلد للشُّبْهَة يجب الْعقر إِذْ الزِّنَا فِي دَار الْإِسْلَام لَا يَخْلُو عَن عُقُوبَة أَو غَرَامَة فَنَذْكُر الزِّنَا الْمُوجب للحد وشرائط وجوب الرَّجْم وَطَرِيق ثوبته عِنْد القَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 أما الزِّنَا فَهُوَ الْوَطْء الْحَرَام الْخَالِي عَن حَقِيقَة الْملك وَحَقِيقَة النِّكَاح وَعَن شُبْهَة الْملك وَعَن شُبْهَة النِّكَاح وَعَن شُبْهَة الِاشْتِبَاه أَيْضا أما الْوَطْء فَفعل مَعْلُوم وَهُوَ إيلاج فرج الرجل فِي فرج الْمَرْأَة وَإِنَّمَا شرطنا كَونه حَرَامًا فَإِن وَطْء الْمَجْنُون وَوَطْء الصَّبِي الْعَاقِل لَا يكون زنا لِأَن فعلهمَا لَا يُوصف بِالْحُرْمَةِ وَكَذَلِكَ الْوَطْء فِي الْملك وَالنِّكَاح وَإِن كَانَ حَرَامًا لَا يكون زنا كَوَطْء الْحَائِض وَالنّفاس وَوَطْء الْجَارِيَة الْمَجُوسِيَّة وَالْأُخْت من الرَّضَاع وَالْجَارِيَة الْمُشْتَركَة وَنَحْوه وَقَوله الْخَالِي عَن شُبْهَة الْملك فَإِن وطىء جَارِيَة ابْنه وَجَارِيَة مكَاتبه وَجَارِيَة عَبده الْمَأْذُون الْمَدْيُون وَالْجَارِيَة من الْمغنم فِي دَار الْحَرْب أَو بعد الْإِحْرَاز قبل الْقِسْمَة فَلَيْسَ بزنا فَإِن شُبْهَة الْملك وَهُوَ الْملك من وَجه ثَابت فِي هَذِه الْمَوَاضِع حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 لَا يجب الْحَد وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام وَقَوْلنَا عَن شُبْهَة العقد فَإِن وَطْء امْرَأَة تزَوجهَا بِغَيْر شُهُود أَو أمة تزوجت بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا أَو عبد تزوج بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ لَا يكون زنا وَكَذَا من تزوج أمة على حرَّة أَو تزوج مَجُوسِيَّة أَو خمْسا فِي عقد أَو جمع بَين أُخْتَيْنِ أَو تزوج من مَحَارمه فَوَطِئَهَا وَقَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام لَا حد عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجب الْحَد فِي كل وَطْء حرَام على التَّأْبِيد فوجود التَّزَوُّج فِيهِ لَا يُوجب شُبْهَة وَمَا لَيْسَ بِحرَام على التَّأْبِيد فَالْعقد يُوجب شُبْهَة كَالنِّكَاحِ بِغَيْر شُهُود وَنَحْوه وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما شُبْهَة الِاشْتِبَاه وَهِي أَنه إِذا وطىء فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي لَا يجب الْحَد وَإِذا قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام فَإِنَّهُ يحد وَجُمْلَة هَذَا أَن دَعْوَى الِاشْتِبَاه مُعْتَبرَة فِي سَبْعَة مَوَاضِع جَارِيَة الْأَب وَجَارِيَة الْأُم وَجَارِيَة الزَّوْجَة والمطلقة ثَلَاثًا مَا دَامَت فِي الْعدة وَأم الْوَلَد مَا دَامَت تَعْتَد مِنْهُ وَالْعَبْد إِذا وطىء جَارِيَة مَوْلَاهُ وَالْجَارِيَة الْمَرْهُونَة فِي رِوَايَة كتاب الرَّهْن وَفِي أَرْبَعَة مَوَاضِع لَا يحد وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام جَارِيَة الابْن وَإِن سفل وَالْجَارِيَة الْمَبِيعَة إِذا وَطئهَا البَائِع قبل الْقَبْض وَالْجَارِيَة المتزوج عَلَيْهَا إِذا كَانَت فِي يَد الزَّوْج والمطلقة طَلَاقا بَائِنا وَالْجَارِيَة بَين الشَّرِيكَيْنِ وَفِيمَا سوى مَا ذكرنَا يجب الْحَد وَلَا يعْتَبر شُبْهَة الِاشْتِبَاه وَمن وجد على فرَاشه أَو فِي بَيته امْرَأَة فَوَطِئَهَا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا جاريتي أَو امْرَأَتي يحد لِأَنَّهُ لَا يحل لَهُ الْوَطْء مَعَ الِاشْتِبَاه فَأَما الْأَعْمَى إِذا وجد على فرَاشه امْرَأَة فَوَطِئَهَا فَكَذَلِك الْجَواب عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ زفر لَا يجب عَلَيْهِ الْحَد كَمَا فِي الْمَرْأَة المزفوفة إِلَى بَيت زَوجهَا وَقَالَ مُحَمَّد إِذا دَعَا الزَّوْج الْأَعْمَى امْرَأَته فأجابته امْرَأَة فَقَالَت أَنا فُلَانَة امْرَأَتك فَوَطِئَهَا لَا حد عَلَيْهِ فَأَما إِذا أَجَابَتْهُ وَلم تقل أَنا فُلَانَة يجب الْحَد لِأَنَّهُ فِي وَسعه أَن يتحفظ أَكثر من هَذَا فَلَا يصير شُبْهَة فَيجب الْحَد وَأما شَرَائِط وجوب الرَّجْم فَأن يَكُونَا محصنين والإحصان عندنَا عبارَة عَن استجماع سَبْعَة اشياء الْبلُوغ وَالْعقل وَالْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالنِّكَاح الصَّحِيح وَالدُّخُول على وَجه يُوجب الْغسْل من غير إِنْزَال وهما على صفة الْإِحْصَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف إِن الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَكَذَا رُوِيَ عَن أَنه لَا يعْتَبر الدُّخُول بهَا وهما على صفة الْإِحْصَان حَتَّى قَالَ إِن الْمُسلم إِذا وطىء الْكَافِرَة صَار بهَا مُحصنا وَإِذا وجد الْوَطْء قبل الْحُرِّيَّة ثمَّ أعتقا صَارا محصنين بِالْوَطْءِ الْمُتَقَدّم وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة فَإِذا فَاتَ شَرط من شَرَائِط الْإِحْصَان يجب الْجلد لَا الرَّجْم لقَوْله تَعَالَى {فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} وَلَا يجمع بَين الْجلد وَالرَّجم بالِاتِّفَاقِ وَاخْتلفُوا فِي الْجمع بَين الْجلد والتغريب فَقَالَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله لَا يجمع وَقَالَ الشَّافِعِي يجمع وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة فَأَما طَرِيق ثُبُوته عِنْد القَاضِي فشيئان الْبَيِّنَة وَالْإِقْرَار أما مُشَاهدَة القَاضِي الزِّنَا فِي حَالَة الْقَضَاء أَو قبل الْقَضَاء فَلَا يعْتَبر فِي حق الْحُدُود الْإِجْمَاع وَإِن كَانَ بَين الْعلمَاء اخْتِلَاف فِي غَيرهمَا من الْأَحْكَام أما الْبَيِّنَة فشهادة أَرْبَعَة رجال عدُول أَحْرَار مُسلمين على الزِّنَا وَلَا تقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال بِلَا خلاف وَأما الْإِحْصَان فَيثبت بِشَهَادَة الرِّجَال مَعَ النِّسَاء عندنَا خلافًا ل زفر وَأما الْإِقْرَار فَهُوَ أَن يقر الْمقر أَربع مَرَّات بِالزِّنَا عِنْد الإِمَام فِي أَرْبَعَة مَوَاطِن عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَيَنْبَغِي للْإِمَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 إِذا جَاءَ الرجل وَأقر بِالزِّنَا أَن يزجره عَن الْإِقْرَار وَيظْهر الْكَرَاهِيَة من ذَلِك وَيَأْمُر بتنحيته عَن الْمجْلس فَإِن عَاد ثَانِيًا فعل بِهِ مثل ذَلِك وَإِن عَاد ثَالِثا فعل بِهِ مثل ذَلِك فَإِذا أقرّ أَربع مَرَّات نظر فِي حَاله هَل هُوَ صَحِيح الْعقل وَأَنه مِمَّن يجوز إِقْرَاره على نَفسه فَإِذا عرف ذَلِك سَأَلَهُ عَن الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيف زنى وبمن زنى وَمَتى زنى وَأَيْنَ زنى لاحتيال الشُّبْهَة فِي ذَلِك فَإِذا بَين ذَلِك سَأَلَهُ هَل هُوَ مُحصن فَإِن قَالَ هُوَ مُحصن سَأَلَهُ عَن الْإِحْصَان مَا هُوَ فَإِن فسره وَوَصفه بشرائطه حكم عَلَيْهِ بِالرَّجمِ وَأمر بإقامته عَلَيْهِ وَيعْتَبر اخْتِلَاف مجْلِس الْمقر لَا اخْتِلَاف مجْلِس القَاضِي حَتَّى إِن القَاضِي إِذا كَانَ فِي مَجْلِسه فَأقر الزَّانِي أَربع مَرَّات فِي أَرْبَعَة مجَالِس من مجْلِس الْمقر يُقَام عَلَيْهِ الْحَد وَسَوَاء تقادم الْعَهْد أَو لَا وَإِنَّمَا يعْتَبر التقادم مَانِعا فِي الشَّهَادَة إِذا شهدُوا بعد تقادم الْعَهْد لَا تقبل لأجل التُّهْمَة وَلَا تُهْمَة فِي الْإِقْرَار وَلَو أقرّ بِالزِّنَا عِنْد غير الإِمَام أَو عِنْد من لَيْسَ لَهُ ولَايَة إِقَامَة الْحَد أَربع مَرَّات فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر حَتَّى إِنَّه لَو شهد الشُّهُود على إِقْرَاره أَربع مَرَّات فِي مجَالِس مُخْتَلفَة فِي حَضْرَة من لَيْسَ لَهُ ولَايَة إِقَامَة الْحَد فَالْقَاضِي لَا يقبل هَذِه الشَّهَادَة لِأَن الزَّانِي إِن كَانَ مُنْكرا فقد رَجَعَ عَن الْإِقْرَار وَإِن كَانَ مقرا فَلَا عِبْرَة لشهادة مَعَ الْإِقْرَار وَلَو أَنه إِذا أقرّ أَربع مَرَّات عِنْد القَاضِي ثمَّ رَجَعَ بعد الحكم بِالرَّجمِ أَو قبله أَو رَجَعَ بَعْدَمَا رجم قبل الْمَوْت إِن كَانَ مُحصنا أَو بعد مَا ضرب بعض الْجلد إِذا لم يكن مُحصنا أَو هرب فَإِنَّهُ يدْرَأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 الْحَد عَنهُ لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لقن ماعزا الرُّجُوع حِين أقرّ بَين يَدَيْهِ بِالزِّنَا لَعَلَّك مسستها لَعَلَّك قبلتها فَلَو لم يَصح الرُّجُوع لم يكن لهَذَا التَّلْقِين فَائِدَة ثمَّ إِذا ثَبت وجوب الرَّجْم بِالشَّهَادَةِ فَالْقَاضِي يَأْمر الشُّهُود أَولا بِالرَّجمِ فَإِذا رجموا رجم الإِمَام بعدهمْ ثمَّ النَّاس وَقَالَ الشَّافِعِي الْبدَاءَة بالشهودة لَيْسَ بِشَرْط فَإِن امْتنع الشُّهُود أَو بَعضهم عَن الرَّجْم سقط الرَّجْم فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أبي يُوسُف لِأَن امتناعهم عَن الرَّجْم أورث شُبْهَة الْكَذِب فِي شَهَادَتهم وَفِي الْجلد لَا يُؤمر الشُّهُود بِهِ لِأَن كل وَاحِد لَا يعرف الْجلد على وَجهه وَلَو جن الشُّهُود أَو خرسوا أَو عموا أَو ارْتَدُّوا أَو مَاتُوا سقط الْحَد لما قُلْنَا ثمَّ ينصب الرجل قَائِما وَلَا يرْبط بِشَيْء وَلَا يحْفر لَهُ حفيرة لِأَنَّهُ رُبمَا يفر فَيكون دلَالَة الرُّجُوع وَفِي الْمَرْأَة يحْفر لَهَا حفيرة للستر وَفِي رِوَايَة لَا بَأْس بترك الْحفر فَأَما فِي الْجلد فَإِنَّهُ يُقَام الرجل وتضرب الْمَرْأَة قَاعِدَة وَينْزع عَن الرجل ثِيَابه إِلَّا الْإِزَار فِي الزَّانِي وَفِي التعزيز وَلَا ينْزع فِي الْقَاذِف إِلَّا الفرو والحشو وَفِي الشَّارِب رِوَايَتَانِ وأشهرهما أَنه يجرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 فَالْحَاصِل أَن أَشد الضَّرْب هُوَ التَّعْزِير ثمَّ الْجلد فِي الزِّنَا ثمَّ فِي الشّرْب ثمَّ فِي الْقَذْف وَفِي الْمَرْأَة لَا ينْزع الثِّيَاب إِلَّا الفرو والحشو لِأَن كشف الْعَوْرَة حرَام والزجر وَاجِب وَيضْرب الْحَد فِي الْأَعْضَاء كلهَا مُتَفَرقًا إِلَّا فِي الْعُضْو الَّذِي هُوَ مقتل وَهُوَ الرَّأْس وَالْوَجْه والصدر والبطن والمذاكير وَهَذَا فِي حق الصَّحِيح فَأَما الْمَرِيض فَلَا يجلد حَتَّى يبرأ وَكَذَا الْحَامِل حَتَّى تضع حملهَا وَتخرج عَن النّفاس لِأَن النّفاس مرض بِخِلَاف الْحيض فَأَما الرَّجْم فيقام فِي الْأَحْوَال كلهَا إِلَّا فِي الْحَامِل لِأَنَّهُ لَا جِنَايَة من الْحمل وَلَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسْجِد وَإِنَّمَا تُقَام فِي مَوضِع يُشَاهِدهُ الإِمَام أَو يبْعَث أَمِينه حَتَّى يُقَام بَين يَدَيْهِ وَإِذا مَاتَ المرجوم يدْفع إِلَى أَهله حَتَّى يغسلوه ويكفنوه ويصلوا عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَاعِز اصنعوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بموتاكم وَأما حد الْقَذْف فَيحْتَاج إِلَى بَيَان كيفيته وَبَيَان مِقْدَاره وَإِلَى تَفْسِير الْقَذْف الْمُوجب للحد وَإِلَى بَيَان شَرَائِطه وَإِلَى بَيَان أَحْكَامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 أما الأول فحد الْقَذْف مُقَدّر بِثَمَانِينَ سَوْطًا لقَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة} وَأما تَفْسِير الْقَذْف فَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا أَن يقذفه بِصَرِيح الزِّنَا الْخَالِي عَن شُبْهَة الزِّنَا الَّذِي لَو أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة من الشُّهُود أَو أقربه الْمَقْذُوف يجب عَلَيْهِ حد الزِّنَا فَإِذا عجز الْقَاذِف عَن إثْبَاته بِالْحجَّةِ فَينْعَقد سَببا لوُجُوب حد الْقَذْف الثَّانِي أَن يَنْفِي نسب إِنْسَان من أَبِيه الْمَعْرُوف فَيَقُول لست بِابْن فلَان أوهو لَيْسَ بأبيك فَهُوَ قَاذف لأمه كَأَنَّهُ قَالَ أمك زَانِيَة أَو زنت أمك وَلَو قَالَ يَا ابْن الزَّانِي أويا ابْن الزَّانِيَة يكون قَاذِفا وَلَو قَالَ لست لأمك لَا يكون قذفا وَلَو قَالَ أَنْت ابْن فلَان لِعَمِّهِ أَو خَاله أَو لزوج أمه فِي غير حَال الْغَضَب لَا يكون قذفا لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ فِي الْعرف وَإِن كَانَ فِي حَال الْغَضَب على سَبِيل الشتم يكون قذفا وَلَو قَالَ لرجل يَا زَانِيَة لَا يجب الْحَد عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا ل مُحَمَّد وَلَا قَالَ لامْرَأَته يَا زاني يحد بِالْإِجْمَاع وَلَو قَالَ يَا زانىء باهمزة وعنى بِهِ الصعُود يحد لِأَن الْعَامَّة لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 تعرف هَذَا وَلَو قَالَ زنأت فِي الْجَبَل وعنى بِهِ الصعُود فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يحد لما قُلْنَا خلافًا لمُحَمد وَلَو قَالَ زنأت على الْجَبَل يحد بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل لَفظه على الصعُود وَأما الشَّرَائِط فشروط وجوب الْحَد أَن يكون الْمَقْذُوف مُحصنا وشرائط إِحْصَان حد الْقَذْف خَمْسَة الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام والعفة عَن الزِّنَا وَأما شَرط ظُهُور حد الْقَذْف عِنْد القَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَو بِالْإِقْرَارِ فَهُوَ خُصُومَة الْمَقْذُوف ومطالبته وحضرته عِنْد الْإِقَامَة لِأَن فِيهِ حق العَبْد وَحقّ العَبْد لَا يثبت إِلَّا بمطاليته وخصومته ثمَّ حق الْخُصُومَة والطلب للمقذوف إِذا كَانَ حَيا سَوَاء كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا وَلَيْسَ لأحد حق الْخُصُومَة إِلَّا بإنابته عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف لَا تصح وكَالَة فِي حد وَلَا قصاص وَأَجْمعُوا أَنه لَا يَصح الْوكَالَة فِي اسْتِيفَاء الْحُدُود وَالْقصاص وعنوا بِهَذَا أَنه لَا بُد من حَضْرَة الْمَقْذُوف وحضرة ولي الْقصاص للاستيفاء فَأَما إِذا حضر فَفِي حد الْقَذْف الِاسْتِيفَاء إِلَى الإِمَام وَفِي الْقصاص إِلَى الْوَلِيّ لَكِن إِذا وكل إنْسَانا بِالِاسْتِيفَاءِ بَين يَدَيْهِ لعَجزه وَضعف قلبه جَازَ بِالْإِجْمَاع وَلَو أَنه طلب الْمَقْذُوف الْحَد وَخَاصم بَين يَدي القَاضِي وَحكم القَاضِي بِهِ ثمَّ مَاتَ أَو مَاتَ قبل أَن يُطَالب أَو مَاتَ بَعْدَمَا ضرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 بعض الْحَد بَطل وَبَطل مَا بَقِي وَإِن كَانَ سَوْطًا وَاحِدًا وَلَا تبطل شَهَادَة الْمَقْذُوف وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي يَقُول الْوَارِث مقَامه فِي الْخُصُومَة والحضرة فَالْحَاصِل أَن الْمُغَلب فِي حد الْقَذْف حق الله تَعَالَى عندنَا وَعِنْده الْمُغَلب حق العَبْد فَلَا يُورث عندنَا خلافًا لَهُ وعَلى هَذَا لَا يَصح الصُّلْح وَالْعَفو من الْمَقْذُوف عندنَا خلافًا لَهُ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة هَذَا إِذا قذفه فِي حَال الْحَيَاة فَأَما إِذا قذفه بعد الْمَوْت بِالزِّنَا فَإِن حق الْخُصُومَة فِيهِ للوالد وَإِن علا وللولد وَإِن سفل وَلَا حق للْأَخ وَالْعم وَالْمولى وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف حَتَّى يدْخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنَات عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد لَا يدْخل إِلَّا من يَرث بالعصوبة وَأما بَيَان الْأَحْكَام فَنَقُول إِذا رفع الْمَقْذُوف الْأَمر إِلَى القَاضِي وَالْقَذْف صَحِيح فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُنكر الْقَاذِف أَو يقر فَإِن أنكر وَطلب الْمَقْذُوف من القَاضِي أَن يؤجله حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة وَادّعى أَن لَهُ بَيِّنَة حَاضِرَة فِي الْمصر فَإِنَّهُ يؤجله إِلَى أَن يقوم من الْمجْلس وَيحبس الْمُدعى عَلَيْهِ الْقَذْف فَإِن أَقَامَهَا إِلَى آخر الْمجْلس وَإِلَّا خلى سَبيله وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِنَفسِهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِنَفسِهِ حَتَّى يحضر الشُّهُود وَلَا يحْبسهُ وَعَن مُحَمَّد أَنه قَالَ أكفله ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا أحبسه فَإِن أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا عدلا فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يحضر الشَّاهِد الآخر وَإِن أَقَامَ شَاهدا غير عدل فَإِنَّهُ يؤجله إِلَى آخر الْمجْلس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وَإِن قَالَ الْمَقْذُوف بينتي خَارج الْمصر أَو غائبون فَإِن القَاضِي يخلي سَبِيل الْقَاذِف على مَا ذكرنَا وَإِن أَقَامَ رجلا وَامْرَأَتَيْنِ أَو الشَّهَادَة على الشَّهَادَة أَو كتاب القَاضِي فِي إِثْبَات الْقَذْف فَلَا يقبل لِأَن الذُّكُورَة شَرط فِي الْحَد وَلَو أَقَامَ الْقَاذِف رجلا وَامْرَأَتَيْنِ على أَن الْمَقْذُوف صَدَقَة فِي قذفه لَهُ يقبل لِأَنَّهَا قَامَت على دَرْء الْحَد وَإِن طلب الْمَقْذُوف من القَاضِي أَن يسْتَحْلف الْقَاذِف فَإِنَّهُ لَا يحلفهُ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ بِنَاء على أَن حد الْقَذْف حق الْعباد عِنْده فَإِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على الْقَذْف أَو أقرّ الْقَاذِف فَإِن القَاضِي يَقُول للقاذف أقِم الْبَيِّنَة على صِحَة قَوْلك فَإِن أَقَامَ أَرْبَعَة من الشُّهُود على مُعَاينَة الزِّنَا أَو على إِقْرَاره بِالزِّنَا على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا يُقيم حد الزِّنَا على الْمَقْذُوف وَلَا يُقيم حد الْقَذْف على الْقَاذِف لِأَنَّهُ ظهر أَنه صَادِق فِي مقَالَته فَإِن عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة للْحَال وَقَالَ للْقَاضِي أجلني حَتَّى أحضر الْبَيِّنَة ولي بَيِّنَة فِي الْمصر فَإِنَّهُ يؤجله إِلَى قيام الْمجْلس فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة إِلَى آخر الْمجْلس وَإِلَّا أَقَامَ عَلَيْهِ حد الْقَذْف وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا حَتَّى يذهب فيطلب شُهُوده وَلَكِن يحْبسهُ وَيَقُول لَهُ ابْعَثْ إِلَى شهودك وعَلى قَول أبي يُوسُف يُؤَجل إِلَى الْمجْلس الثَّانِي وَعَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِن لم يجد أحدا يَبْعَثهُ إِلَى الشُّهُود أتركه حَتَّى يذهب ويحضر الشُّهُود وأبعث مَعَه شرطا حَتَّى يحفظوه وَلَا أَدَعهُ حَتَّى يفر فَإِن عجز أقيم عَلَيْهِ الْحَد فَإِن ضرب بعض الْحَد فَحَضَرَ الشُّهُود وشهدوا بَطل الْحَد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 الْبَاقِي وَأَقْبل شَهَادَتهم وَإِن شهدُوا بعد إِقَامَة الْحَد على صدق مقَالَته تقبل شَهَادَتهم وَيظْهر فِي حق الشَّهَادَة حَتَّى لَا يرد شَهَادَته بعد ذَلِك وَأما التَّعْزِير فَيجب فِي جِنَايَة لَيست بموجبة للحد بِأَن قَالَ يَا كَافِر أَو يَا فَاسق أَو يَا فَاجر وَنَحْو ذَلِك وَيكون التَّعْزِير على قدر الْجِنَايَة وعَلى قدر مَرَاتِب الْجَانِي قد يكون بالتغليظ فِي القَوْل وَقد يكون بِالْحَبْسِ وَقد يكون بِالضَّرْبِ وَأَقل التَّعْزِير ثَلَاثَة أسواط فَصَاعِدا وَلَا يبلغ أَرْبَعِينَ بل ينقص مِنْهُ سَوط وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي العَبْد ينقص من أَرْبَعِينَ أسواط وَفِي الْحر لَا يبلغ ثَمَانِينَ وَينْقص مِنْهُ خَمْسَة أسواط وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من بلغ حدا فِي غير حد فَهُوَ من الْمُعْتَدِينَ وَلَا يُؤْخَذ فِيهِ الْكفَالَة وَلَا يثبت بِشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال وَلَا بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة وَعند مُحَمَّد يُؤْخَذ فِيهِ الْكَفِيل وَتقبل فِيهِ الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا تقبل فِي حق الْحَبْس أَيَّامًا ثمَّ يخرج وَلَا تقبل فِي حق الضَّرْب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 كتاب السّرقَة قَالَ رَحمَه الله جمع فِي الْكتاب بَين السّرقَة وَقطع الطَّرِيق وَتَفْسِير الْبُغَاة وأحكامهم أما الأول فَنَقُول يحْتَاج إِلَى تَفْسِير السّرقَة الْمُوجبَة للْقطع فِي الشَّرْع وَإِلَى بَيَان حكمهَا أما الأول فَهُوَ أَخذ مَال الْغَيْر على سَبِيل الْخفية مَعَ شرائطها مِنْهَا أَن يكون السَّارِق عَاقِلا بَالغا وَمِنْهَا أَن يكون الْمَسْرُوق مَالا مُتَقَوّما حَتَّى لَو سرق الْخمر وَالْخِنْزِير وَجلد الْميتَة فَإِنَّهُ لَا قطع عَلَيْهِ وَلَو سرق حرا صَغِيرا فَمَاتَ فِي يَده أَو مرض فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَو أَصَابَته آفَة من الْوُقُوع فِي الْبِئْر أَو افتراس السَّبع يضمن لِأَنَّهُ تَضْييع لَهُ وَمِنْهَا أَن يكون المَال الْمَسْرُوق مُقَدرا عندنَا بِعشْرَة دَرَاهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 وَعند مَالك بِثَلَاثِينَ درهما وَعند الشَّافِعِي بِربع دِينَار وَتكلم الْعلمَاء فِي صفة الدَّرَاهِم الْعشْرَة ذكر أَبُو الْحسن الْكَرْخِي أَنه يعْتَبر عشرَة دَرَاهِم مَضْرُوبَة وَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه لَا يقطع فِي عشرَة دَرَاهِم تبرا مَا لم تكن مَضْرُوبَة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا سرق عشرَة مِمَّا يروج بَين النَّاس قطع فَهَذَا يدل على أَن التبر إِذا كَانَ رائجا يقطع فِيهِ وَيجب أَن يكون وزن الدَّرَاهِم الْعشْرَة وزن سَبْعَة مَثَاقِيل كَمَا فِي نِصَاب الزَّكَاة وَيجب أَن يكون قيمَة الْمَسْرُوق عشرَة من وَقت السّرقَة إِلَى وَقت الْقطع وَلَا ينتقص من حَيْثُ السّعر وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه لَا يعْتَبر نُقْصَان السّعر بعد الْأَخْذ وَلَو سرق فِي بلد وَأخذ فِي بلد أُخْرَى لَا يقطع مَا لم تكن الْقيمَة فِي البلدين عشرَة فَأَما نُقْصَان الْقيمَة بانتقاص الْعين بعد الْأَخْذ فَلَا عِبْرَة بِهِ فَيقطع لِأَنَّهُ لَو هلك كُله لقطع فَكَذَا إِذا انْتقصَ وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا شَرط فِي سَرقَة عشر من حرز وَاحِد فَإِن أَخذ عشرَة من حرز وَاحِد يقطع سَوَاء كَانَت الْعشْرَة لوَاحِد أَو لجَماعَة لِأَنَّهَا سَرقَة وَاحِدَة من حرز وَاحِد وَلَو أخرج عشرَة لرجل بَعْضهَا من دَار وَبَعضهَا من دَار أُخْرَى لَا يجب الْقطع لِأَنَّهُ سرقتان بِلَا نِصَاب وَلَو أخرج من دَار وَاحِدَة عشرَة مرّة خَمْسَة وَمرَّة خَمْسَة لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 يقطع مَا لم يُوجد إِخْرَاج الْعشْرَة جملَة مرّة وَاحِدَة وَلَو حمل اللُّصُوص جملَة مَتَاعا من الْحِرْز دفْعَة وَاحِدَة فَإِن بلغ قيمَة الْمَتَاع مِقْدَار مَا تكون حِصَّة كل وَاحِد مِنْهُم نِصَابا كَامِلا يجب الْقطع وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا أَن يكون المَال الْمَسْرُوق مَحْفُوظًا محرزا على الْكَمَال وَإِنَّمَا يكون محرزا بِأحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون فِي مَكَان معد للإحراز عَادَة كالدور والبيوت والحوانيت والصناديق وَإِمَّا أَن يكون محرزا بِالْحَافِظِ وَفِي الْقسم الأول يكون الْمَكَان حرْزا بِنَفسِهِ سَوَاء كَانَ ثمَّة حَافظ أَو لَا وَذَلِكَ أَن يكون فِي الْأَمْصَار والقرى والخيام والأخبية فِي المفاوز مَعَ جمَاعَة ممتنعة إِلَّا إِذا كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا فِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَيْسَ ثمَّة حَافظ فَهَذَا لَا يكون حرْزا فِي الْعَادة وَأما الْقسم الثَّانِي فَأن لَا يكون الْمَكَان حرْزا بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا يكون حرْزا بِالْحَافِظِ وَذَلِكَ نَحْو قَارِعَة الطَّرِيق والمفازة والمساجد فَإِن كَانَ ثمَّة حَافظ قريب من المَال يكون حرْزا سَوَاء كَانَ نَائِما أَو يقظانا وَلَو كَانَ الْعدْل والجوالق على الدَّابَّة فِي حَال السّير فَسرق رجل من الْعدْل يقطع وَلَو سرق وَالْعدْل نَفسه والجوالق لَا يَقع لِأَن هَذَا غير مَحْفُوظ بالسائق وَلَو دخل السَّارِق الْحِرْز وَأخذ مِنْهُ مَتَاعا فَقبل أَن يُخرجهُ علم بِهِ صَاحب الْحِرْز فَأَخذه لَا يقطع لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ الْإِخْرَاج من الْحِرْز وَلَو أَخذه السَّارِق وَرمى بِهِ إِلَى خَارج الْحِرْز فَأَخذه صَاحبه ثمَّ إِن صَاحب الْحِرْز أَخذ السَّارِق من الْحِرْز لَا يقطع لِأَنَّهُ لم تثبت يَده عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 عِنْد الْخُرُوج لثُبُوت يَد غَيره وَلَو رَمَاه من الْحِرْز ثمَّ خرج وَأَخذه يجب الْقطع عندنَا خلافًا لزفَر لِأَن هَذَا فِي حكم يَده إِذا لم يَأْخُذهُ غَيره وَلَو أَخذ الْمَتَاع من الْحِرْز وناول صاحبا لَهُ خَارج الْحِرْز فَلَا قطع عَلَيْهِمَا عِنْد أبي حنيفَة كَيْفَمَا كَانَ وَقَالَ مُحَمَّد إِن أخرج الدَّاخِل يَده من الْحِرْز ونال الْخَارِج يقطع الدَّاخِل دون الْخَارِج وَإِن أَدخل الْخَارِج يَده فِي الْحِرْز وَأخذ فَلَا قطع عَلَيْهِمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا أخرج الدَّاخِل يَده لَا قطع عَلَيْهِ لِأَن عِنْده دُخُول الْحِرْز لَيْسَ بِشَرْط إِذا أمكن السَّارِق أَخذ المَال المحرز وعَلى هَذَا إِن السَّارِق إِذا نقب الْجِدَار وأخد المَال المحرز وعَلى هَذَا إِن السَّارِق إِذا نقب الْجِدَار وَأدْخل يَده وَأخذ مَتَاعا يُسَاوِي عشرَة دَرَاهِم لَا قطع عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يقطع وَكَذَا لَو دخل الْحِرْز وَجمع المتع عِنْد النقب ثمَّ خرج وَأدْخل يَده وَأخرج فَهُوَ على هَذَا الْخلاف وَكَذَا لَو دخلُوا الْحِرْز وحملوا الْأَمْتِعَة على ظهر رجل مِنْهُم أَو رجلَيْنِ حَتَّى أخرجَا الْأَمْتِعَة وَخرج الْبَاقُونَ من غير حمل شَيْء الْقيَاس أَن لَا يقطع غير الْحَامِل وَفِي الِاسْتِحْسَان يقطعون لِأَن السّرقَة من الْجَمَاعَة هَكَذَا تكون عَادَة وَكَذَا لَو حملُوا على دَابَّة حَتَّى خرجت بهَا من الْحِرْز يجب الْقطع وَإِن كَانَ مَعَهم صبي أَو مَجْنُون لَا قطع على الْكل عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن باشرا الْإِخْرَاج دون الْكِبَار العاقلين لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 قطع على الْكل وَإِن بَاشر الْإِخْرَاج غَيرهمَا يجب الْقطع على الْكِبَار وَمِنْهَا أَن يكون الْمَسْرُوق أعيانا قَابِلَة للإدخار والإمساك وَلَا يتسارع إِلَيْهَا الْفساد حَتَّى لَو سرق ثمارا مجدودة محرزة فِي حَظِيرَة عَلَيْهَا بَاب مغلق أَو كَانَ ثمَّة حَافظ وَلَكِن يتسارع إِلَيْهَا الْفساد نَحْو الْعِنَب والتين والسفرجل وَالرّطب والبقول لَا يقطع وَلَو كَانَت مِمَّا يبْقى مثل الْجَوْز واللوز وَالتَّمْر الْيَابِس والفواكه الْيَابِسَة يجب الْقطع وَلَو كَانَت الثَّمَرَة الْبَاقِيَة على الشّجر وَالْحِنْطَة فِي السنبلة لم تحصد فِي حَائِط موثق أَو ثمَّة حَافظ لَا يجب الْقطع لِأَنَّهُ لم تستحكم مَالِيَّته بعد وعَلى هَذَا لَو سرق اللَّحْم الطري أَو الْيَابِس لَا يجب الْقطع لِأَنَّهُ مِمَّا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وعَلى هَذَا النَّبِيذ الْحَلَال والعصير وَاللَّبن بِخِلَاف الْخلّ والدبس وَمِنْهَا أَن لَا يكون الْمَسْرُوق شَيْئا يُوجد مُبَاح الأَصْل كالطيور والخشب والقصب والنورة وَاللَّبن إِلَّا إِذا كَانَ شَيْئا لَهُ خطر عِنْد النَّاس كالذهب وَالْفِضَّة واللعل والفيروزج والساج والعاج وَنَحْوهَا أَو يحدث فِيهِ صنع كالسرير وَنَحْوه وَمِنْهَا أَن لَا يكون مَأْذُونا بِالدُّخُولِ فِي الْحِرْز أَو فِيهِ شُبْهَة الْإِذْن كالسرقة من ذَوي الرَّحِم الْمحرم وَكَذَلِكَ عبد الرجل ومدبره ومكاتبه وخادمه وخادم امْرَأَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 وأجيرهما وضيفهما وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو سرق العَبْد من ابْن مَوْلَاهُ وأبويه لِأَنَّهُ يدْخل عَلَيْهِم عَادَة وَإِن سرق من غَرِيمه فَإِن كَانَ من جنس دينه وَهُوَ حَال لَا يقطع وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا لَا يقطع اسْتِحْسَانًا وَإِن كَانَ الْمَسْرُوق أَكثر من الدّين وَتلك الزِّيَادَة تكون نصبا فَكَذَلِك لِأَن حَقه ثَابت فِي الْجُمْلَة شَائِعا وَإِن كَانَ من خلاف جنسه يقطع خلافًا للشَّافِعِيّ وَبَعض أَصْحَابنَا قَالُوا لَا يقطع لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ من السّلف وَمِنْهَا أَن لَا يكون الْمَسْرُوق شَيْئا لَهُ تَأْوِيل الْأَخْذ أَو الْإِتْلَاف كَمَا إِذا سرق مُصحفا أَو صليبا أَو نردا أَو شطرنجا من ذهب أَو فضَّة وَمِنْهَا أَن لَا يكون النّصاب تبعا لما لَا يقطع بسرقته كَمَا إِذا سرق كَلْبا أَو سنورا وَفِي عُنُقه طوق ذهب أَو فضَّة أَو مُصحفا مرصعا بِالذَّهَب والياقوت أَو سرق صَبيا حرا عَلَيْهِ حلى أَو ثِيَاب ديباج لَا يجب الْقطع وَكَذَلِكَ لَو سرق إِنَاء فضَّة فِيهِ طَعَام وَأخرجه من الْحِرْز كَذَلِك لَا يجب الْقطع وَلَو صب الطَّعَام وَأخرج الْإِنَاء يقطع وَمِنْهَا شَرط ظُهُور السّرقَة الْمُوجبَة للْقطع عِنْد القَاضِي وَهُوَ خُصُومَة الْمَسْرُوق مِنْهُ حَتَّى لَو شهدُوا على السّرقَة من غير خُصُومَة أَو أقرّ السَّارِق فَإِن القَاضِي لَا يقطع وَلَو جَاءَ السَّارِق ثَانِيًا إِلَى الْمَالِك ورد إِلَيْهِ قبل المرافعة إِلَى الْحَاكِم سقط الْحَد فِي الْمَشْهُور عندنَا وَأما إِذا ردهَا بعد المرافعة وَسَمَاع الْبَيِّنَة لَا يسْقط الْقطع سَوَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 كَانَ قبل الْقَضَاء أَو بعده وَأما إِذا وَهبهَا من السَّارِق أَو ملكهَا السَّارِق بِوَجْه مَا سقط الْقطع قبل الْقَضَاء وَبعده عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ ثمَّ الشَّرْط خُصُومَة الْمَسْرُوق مِنْهُ بِأَن كَانَ صَاحب ملك أَو صَاحب يَد أَمَانَة أَو يَد ضَمَان وَيثبت السّرقَة فِي حق الِاسْتِرْدَاد أما فِي حق الْقطع فعندنا كَذَلِك وَعند زفر لَا يثبت وَالشَّافِعِيّ يَقُول لَا يعْتَبر خُصُومَة غير الْمَالِك أصلا وَأما السَّارِق من السَّارِق فَإِن خصومته لَا تعْتَبر فِي حق الْقطع بِالْإِجْمَاع وَهل تعْتَبر فِي حق الِاسْتِرْدَاد فِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِنَّمَا تعْتَبر الْخُصُومَة إِذا لم يتقادم الْعَهْد فَأَما إِذا تقادم عهد السّرقَة فَلَا يسمع الْخُصُومَة كَمَا فِي حد الزِّنَا على مَا ذكرنَا وَأما قطاع الطَّرِيق والبغاة فَنَقُول إِن قطاع الطَّرِيق الَّذين لَهُم أَحْكَام مَخْصُوصَة لَهُم شَرَائِط أَحدهَا أَن يكون لَهُم مَنْعَة وشوكة بِحَيْثُ لَا تمكن للمارة المقاومة مَعَهم وَقَطعُوا الطَّرِيق عَلَيْهِم سَوَاء كَانَ بِالسِّلَاحِ أَو بالعصا الْكَبِيرَة وَالْحجر وَغَيرهَا وَالثَّانِي أَن يكون ذَلِك خَارج الْمصر بَعيدا عَنهُ فَأَما فِي الْمصر وقريبا مِنْهُ أَو بَين مصرين فَلَا يكون قطع الطَّرِيق وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَخِلَافًا لأبي يُوسُف وَالثَّالِث أَن يكون ذَلِك فِي دَار الْإِسْلَام على أهل دَار الْإِسْلَام وَالرَّابِع أَن يُوجد فِيهِ جَمِيع مَا شَرط فِي السّرقَة الصُّغْرَى حَتَّى إِن مَا أخذُوا لَو قسم على القطاع فَأصَاب كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة دَرَاهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 يجب الْقطع وَإِلَّا فَلَا وَيشْتَرط أَن يكون القطاع كلهم أجانب فِي حق أَصْحَاب الْأَمْوَال وَأَن يكون كلهم من أهل وجوب الْقطع حَتَّى إِذا كَانَ أحدهم ذَا رحم محرم أَو صَبيا أَو مَجْنُونا لَا يجب عَلَيْهِم الْقطع عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد خلافًا لأبي يُوسُف وَإِذا كَانَ مَعَهم امْرَأَة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يقطع وَالْخَامِس أَن يظفر بهم الإِمَام قبل التَّوْبَة ورد الْأَمْوَال إِلَى أَرْبَابهَا أما أحكامهم فَنَقُول إِن قطع الطَّرِيق على أَرْبَعَة أَنْوَاع إِن أخذُوا المَال لَا غير تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف إِذا كَانُوا صحيحي الْأَطْرَاف وَإِن قتلوا وَلم يَأْخُذُوا المَال قتلوا وَإِن أخذُوا المَال وَقتلُوا فالإمام بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قطع وَقتل وَإِن شَاءَ قتل لَا غير ثمَّ هُوَ مُخَيّر بَين أَن يقْتله صلبا وَبَين أَن يقْتله بِلَا صلب ثمَّ الْكَرْخِي يَقُول يصلب حَيا ثمَّ يقتل والطَّحَاوِي يَقُول يصلب مقتولا وَإِن خوفوا بِقطع الطَّرِيق لَا غير يحبسون ويعزرون حَتَّى يتوبوا وَهُوَ تَفْسِير النَّفْي لقَوْله تَعَالَى {أَو ينفوا من الأَرْض} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 ثمَّ إِذا أقيم الحدان الْقطع وَالْقَتْل فَلَا شَيْء عَلَيْهِم من ضَمَان مَا هلك من الْأَمْوَال وَضَمان الْجِرَاحَات وَالْقَتْل لِأَن الْحَد مَعَ الضَّمَان لَا يَجْتَمِعَانِ وَأما إِذا فَاتَ شَيْء من الشَّرَائِط حَتَّى لَا يُقَام الْحَد عَلَيْهِم فَإِنَّهُ يحكم القَاضِي بِمَا هُوَ حكم ذَلِك الْفِعْل بِدُونِ قطع الطَّرِيق حَتَّى إِذا أخذُوا المَال لَا غير يجب الرَّد أَو الضَّمَان فَإِن قتلوا لَا غير يجب الْقصاص لَا الْحَد حَتَّى إِذا قتلوا بِالسِّلَاحِ يقتلُوا وَلَا يقتلُوا إِذا قتلوا بِغَيْر السِّلَاح وَلَا يقتل الردء والمعين وَإِن خَرجُوا إِن أمكن اسْتِيفَاء الْقصاص يقْتَصّ مِنْهُم وَإِلَّا فَيجب الضَّمَان وَأما الْبُغَاة فقوم لَهُم شَوْكَة ومنعة وخالفوا الْمُسلمين فِي بعض الْأَحْكَام بالتأويل كالخوارج وَغَيرهم وظهروا على بَلْدَة من الْبِلَاد وَكَانُوا فِي عَسْكَر وأجروا أحكامهم فَإِذا قطعُوا الطَّرِيق على أهل الْعدْل من الْمُسَافِرين فَلَا يجب عَلَيْهِم الْحَد لأَنهم يدعونَ إِبَاحَة أَمْوَالهم عَن تَأْوِيل وَلَهُم مَنْعَة وَلَو جَاءَ رجل من أهل الْبَغي تَائِبًا وأتى بسارق قد سرق مَاله من أهل الْبَغي لَا يقطعهُ الإِمَام الْعدْل وَلَو كَانَ رجل مِنْهُم فِي دَار أهل الْعدْل فَسرق مَال أهل الْعدْل يقطع وَإِن استحله لِأَنَّهُ لَا مَنْعَة لَهُ وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 كتاب الْهِبَة يحْتَاج إِلَى بَيَان مَشْرُوعِيَّة عقد الْهِبَة وَإِلَى بَيَان رُكْنه وَإِلَى بَيَان شَرَائِط صِحَّته وَإِلَى بَيَان حكمه أما الأول فَنَقُول الْهِبَة عقد مَشْرُوع مَنْدُوب إِلَيْهِ بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا} وَأما السّنة فَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام تحَابوا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وَأما ركن الْهِبَة فَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول فالإيجاب قَوْله وهبت هَذَا الشَّيْء مِنْك أَو جعلته لَك أَو هَذَا لَك أَو نحلته لَك أَو قَالَ جعلت هَذِه الدَّار لَك عمري أَو عمرك أَو حَياتِي أَو حياتك فَإِذا مت فَهُوَ رد عَليّ فَهَذَا كُله هبة وَهِي لَهُ حَيَاته وَمَوته وَالشّرط الَّذِي شَرطه بَاطِل على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ امسكوا عَلَيْكُم أَمْوَالكُم لَا تعمروها فَإِن من أعمر شَيْئا كَانَ لمن أعْمرهُ وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار لَك رقبي أَو حبيسة وَدفعهَا إِلَيْهِ فَهِيَ عَارِية فِي يَده ويأخذها مِنْهُ مَتى شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا قبضهَا فَهِيَ هبة وَقَوله رقبي وحبيسة بَاطِل وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار لَك سُكْنى أَو هَذِه الشَّاة أَو هَذِه الأَرْض لَك منحة فَهِيَ عَارِية فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَن المنحة عبارَة عَن بذل الْمَنَافِع فَإِذا أضَاف إِلَى عين ينْتَفع بهَا مَعَ قِيَامهَا عمل بحقيقته فَأَما إِذا أضَاف إِلَى شَيْء لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا باستهلاكه كَمَا إِذا منحه طَعَاما أَو لَبَنًا أَو دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَإِنَّهُ يكون هبة لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَة لَهُ مَعَ قيام عينه وعَلى هَذَا قَالُوا إِن عَارِية الْأَعْيَان تمْلِيك الْمَنَافِع وعارية الْمكيل وَالْمَوْزُون قرض وَيكون تمْلِيك الْعين وَكَذَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار لَك سُكْنى عمري أَو عمري سُكْنى فَهِيَ عَارِية وَكَذَا إِذا قَالَ هبة سُكْنى أَو سُكْنى هبة فَهِيَ عَارِية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وَإِن قَالَ هَذِه الدَّار لَك عمري تسكنها أَو صَدَقَة تسكنها فَهِيَ هبة وَصدقَة وَقَوله تسكنها أَو تؤاجرها أَو تعيرها يكون مشورة فَيكون شرطا فَاسِدا وَالْهِبَة لَا تبطل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة كَذَا لَو قَالَ هِيَ لَك هبة تسكنها فَهِيَ هبة جَائِزَة لما ذكرنَا وَلَو وهب الرجل أمة على أَن لَا يَبِيعهَا فالهبة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَهُوَ قَول أبي يُوسُف أَيْضا وَكَذَا لَو شَرط أَن يتخذها أم ولد أَو أَن يَبِيعهَا من فلَان أَو يردهَا عَلَيْهِ بعد شهر كَانَت الْهِبَة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يكون الشَّرْط الْفَاسِد مُفْسِدا للْعقد وَإِنَّمَا جَاءَ الْفساد لأجل النَّهْي وَالنَّهْي ورد فِي البيع وَمَا ورد فِي غَيره فَبَقيَ غَيره على الأَصْل إِلَّا إِذا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه أجَاز الْعُمْرَى وأبطل شَرط المعمر أما شَرَائِط الصِّحَّة فَمِنْهَا الْقَبْض حَتَّى لَا يثبت الْملك للْمَوْهُوب لَهُ قبل الْقَبْض وَهَذَا عندنَا وَقَالَ مَالك الْقَبْض لَيْسَ بِشَرْط وَأَصله مَا رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَنهم قَالُوا لَا تجوز الْهِبَة إِلَّا مَقْبُوضَة محوزة وَمِنْهَا أَن تكون الْهِبَة مقسومة إِذا كَانَ يحْتَمل الْقِسْمَة وَتجوز إِذا كَانَ مشَاعا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة سَوَاء كَانَت الْهِبَة للشَّرِيك أَو غَيره وَقَالَ الشَّافِعِي هبة الْمشَاع جَائِزَة وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي التَّصَدُّق بالمشاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 وَأَصله مَا روينَا عَن الصَّحَابَة أَنهم قَالُوا لَا تجوز الْهِبَة إِلَّا مَقْبُوضَة محوزة والحيازة يُرَاد بهَا الْقِسْمَة هَاهُنَا بِالْإِجْمَاع وَمِنْهَا أَن تكون الْهِبَة متميزة عَن غير الْمَوْهُوب وَغير مُتَّصِلَة بِهِ وَلَا مَشْغُولَة بِغَيْر الْمَوْهُوب حَتَّى لَو وهب أَرضًا فِيهَا زرع للْوَاهِب دون الزَّرْع أَو نخلا فِيهَا ثَمَرَة للْوَاهِب معلقَة بِهِ دون الثَّمَرَة لَا يجوز وَكَذَلِكَ لَو وهب ثَمَرَة النّخل دون النّخل أَو الزَّرْع دون الأَرْض وَقبض النخيل وَالثَّمَرَة وَالْأَرْض وَالزَّرْع لَا يجوز وَكَذَا لَو وهب دَارا فِيهَا مَتَاع للْوَاهِب أَو ظرفا فِيهِ مَتَاع للْوَاهِب دون الْمَتَاع أَو وهب دَابَّة عَلَيْهَا حمل للْوَاهِب دون الْحمل وَقَبضهَا فَإِنَّهُ لَا يجوز وَلَا يَزُول الْملك عَن الْوَاهِب إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ لِأَن الْمَوْهُوب غير متميز عَمَّا لَيْسَ بموهوب فَيكون بِمَنْزِلَة هبة الْمشَاع وَلَو قسم الْمشَاع وَسلم مَا وهب جَازَ وَكَذَا فِي هَذِه الْفُصُول إِذا سلم الدَّار فارغة عَن الْمَتَاع وَكَذَا إِذا حصد الزَّرْع وجز الثَّمر ثمَّ سلم النّخل وَالْأَرْض جَازَ لِأَن الْملك يثبت عِنْد الْقَبْض فَيعْتَبر حَالَة الْقَبْض وَتَكون الْهِبَة مَوْقُوفَة فِي حق ثُبُوت الْملك إِلَى وَقت الْإِفْرَاز وَفِي كَون الْهِبَة فِي الْحَال فَاسِدَة أَو لَا خلاف بَين الْمَشَايِخ وَلَكِن لَا خلاف أَنه إِذا وجد التَّسْلِيم بعد الْقِسْمَة والإفراز جَازَ وَلَو وهب دَارا من رجلَيْنِ أَو كرا من طَعَام أَو ألف دِرْهَم أَو شَيْئا مِمَّا يقسم فَإِنَّهُ لَا يجوز عِنْد أبي جنيفة وَعِنْدَهُمَا جَائِز وَالْحَاصِل أَن عِنْد أبي حنيفَة الشُّيُوع مَتى حصل عِنْد الْقَبْض فَإِنَّهُ يمْنَع صِحَة الْهِبَة وَإِن حصل الْقَبْض فِي غير مشَاع جَازَ فجوز هبة الِاثْنَيْنِ من الْوَاحِد وَلم يجوز هبة الْوَاحِد من الِاثْنَيْنِ وَاعْتبر أَو يُوسُف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 وَمُحَمّد فِي فَسَاد العقد حُصُول الشُّيُوع فِي الطَّرفَيْنِ جَمِيعًا فجوزا هبة الْوَاحِد من اثْنَيْنِ وَهبة الِاثْنَيْنِ من الْوَاحِد وَلَو وهب عبدا من رجلَيْنِ أَو شَيْئا مِمَّا لَا يقسم جَازَ بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة للشيوع فِيمَا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة فِي بَاب الْهِبَة وَلَو وهب رجل لِرجلَيْنِ وَقَالَ وهبت لَكمَا هَذِه الدَّار لهَذَا نصفهَا وَلِهَذَا نصفهَا فَهُوَ على الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَلَو قَالَ وهبت لَك نصفهَا وَلِهَذَا نصفهَا لم يجز بِالْإِجْمَاع لِأَن العقد وَقع فِي الْمشَاع فِي كل نصف وَلَو قَالَ وهبت لَكمَا هَذَا الدَّار لهَذَا ثلثهَا وَلِهَذَا ثلثاها جَازَ عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يجوز فهما مرا على أَصلهمَا وَأَبُو يُوسُف فرق عِنْد مُخَالفَة النَّصِيبَيْنِ كَمَا لَو رهن عينا وَاحِدَة من اثْنَيْنِ لأَحَدهمَا الثُّلُث وَللْآخر الثُّلُثَانِ فَكَذَلِك هَذَا ثمَّ إِن عِنْد أبي حنيفَة إِذا قسم وَسلم إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا حِصَّته مفرزة جَازَ لما قُلْنَا وَلَو تصدق بِعشْرَة دَرَاهِم على مسكينين جَازَ وَلَو تصدق على غَنِيَّيْنِ لم يجز عِنْد أبي حنيفَة كَالْهِبَةِ من اثْنَيْنِ لِأَن الصَّدَقَة تقع من الْمُتَصَدّق لله تَعَالَى لَا للْفَقِير فَلَا يتَحَقَّق الشُّيُوع وَالصَّدَََقَة من الغنيين هبة فَلم تجز وَقيل على قَوْله تجوز الصَّدَقَة من الغنيين لِأَنَّهُ يحل لَهما صَدَقَة التَّطَوُّع وَلَو وهب رجل لرجل مَا فِي بطن جَارِيَته أَو غنمه أَو مَا فِي ضروعها أَو وهب لَهُ سمنا فِي لبن أَو زبدا قبل أَن يمخض أَو دهنا فِي سمسم قبل أَن يعصر أَو زيتا فِي زيتون أَو دَقِيقًا فِي حِنْطَة وسلطه على قَبضه عِنْد الْولادَة وَعند اسْتِخْرَاج ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن بعض هَذِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 الْأَشْيَاء مَعْدُوم عِنْد العقد أَو معجوز التَّسْلِيم لِمَعْنى فِي الْمحل أَو مَجْهُول حَتَّى لَا يكون محلا للْبيع وَإِذا كَانَ هَكَذَا فَيكون فَاسِدا لَا مَوْقُوفا بِخِلَاف مَا ذكرنَا من هبة الْمشَاع والموهوب الْمُتَّصِل بِغَيْرِهِ حَيْثُ يجوز إِذا سلم بعد الْإِفْرَاز والفصل لِأَن الْمشَاع قَابل لحكمه لَكِن الْمَانِع هُوَ الْعَجز عَن التَّسْلِيم لِمَعْنى فِي غَيره فَإِذا زَالَ الْمَانِع فينقلب جَائِزا وَلَو وهب جَارِيَة أَو حَيَوَانا وَاسْتثنى الْحمل جَازَت الْهِبَة فِي الْأُم وَالْحمل جَمِيعًا وَبَطل الِاسْتِثْنَاء وَجُمْلَة هَذَا أَن الْعُقُود على ثَلَاثَة أضْرب أَحدهَا إِذا عقد على الْأُم دون الْحمل فسد العقد وَبَطل الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ كَالْبيع وَالْإِجَازَة وَالرَّهْن لِأَن الْحمل تبع للْأُم فِي هَذِه الْعُقُود فَكَانَ مُوجبه ثُبُوت الحكم فِي الْكل فَإِذا اسْتثْنى الْحمل فقد نفى بعض مُوجب العقد ففسد العقد وَالثَّانِي أَن يَصح فِيهِ العقد وَيبْطل الِاسْتِثْنَاء وَذَلِكَ مثل النِّكَاح وَالْخلْع وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَالْهِبَة لِأَن مُوجبه أَن يثبت الحكم فِي الْكل وَقد نفى بعض الْمُوجب بِالِاسْتِثْنَاءِ فَيكون شرطا فَاسِدا وَالْهِبَة لَا تبطل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة الثَّالِث يجوز العقد وَالِاسْتِثْنَاء وَهُوَ الْوَصِيَّة إِذا أوصى بِجَارِيَة إِلَّا حملهَا صحت الْوَصِيَّة فِي الْجَارِيَة وَبَقِي الْحمل للْوَرَثَة لِأَن الْحمل أصل فِي حق هَذَا التَّصَرُّف حَتَّى تجوز الْوَصِيَّة بِالْحملِ فَجَاز الِاسْتِثْنَاء وَلَو أعتق مَا فِي بطن جَارِيَته ثمَّ وَهبهَا جَازَت الْهِبَة فِي الْأُم وَلَو دبر مَا فِي بطن جَارِيَته ثمَّ وَهبهَا لم يجز فَمن أَصْحَابنَا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 قَالَ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَمِنْهُم من فرق بَين التَّدْبِير وَالْإِعْتَاق وَلَو وهب عبدا أَو ثوبا أَو عينا من الْأَعْيَان مفرزا مقسوما وَلم يَأْذَن لَهُ فِي قَبضه فَقَبضهُ الْمَوْهُوب لَهُ فَإِن كَانَ بِحَضْرَة الْوَاهِب يجوز اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز ذكرنَا فِي الزِّيَادَات وَإِذا قَامَ من الْمجْلس ثمَّ قبض لَا يَصح لِأَن الْقَبْض فِي الْهِبَة بِمَنْزِلَة الْقبُول فِي حق إِثْبَات الحكم وَذَلِكَ يَصح فِي الْمجْلس لَا بعده كَذَلِك هَذَا وَلَو وهب دينا لَهُ على رجل لرجل وَأذن لَهُ بِقَبْضِهِ مِمَّن عَلَيْهِ جَازَت الْهِبَة إِذا قبض ذَلِك اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز وَهُوَ قَول زفر وَلَو لم يَأْذَن لَهُ فِي قبض الدّين لم تجز الْهِبَة وَإِن قَبضه الْمَوْهُوب لَهُ بِحَضْرَة الْوَاهِب وَلَو وهب الْعَارِية أَو الْوَدِيعَة وكل أَمَانَة فِي يَد إِنْسَان من صَاحب الْيَد فَإِنَّهُ يجوز وَيثبت الْملك للْمَوْهُوب لَهُ وينوب قبض الْأَمَانَة عَن قبض الْهِبَة وَهَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يكون قَابِضا حَتَّى يتَمَكَّن من قَبضه بالخلية وَوجه الِاسْتِحْسَان أَن الْهِبَة تبرع وَقبض الْأَمَانَة يَنُوب عَنهُ بِخِلَاف مَا إِذا بَاعَ من الْمُودع لِأَن البيع عقد ضَمَان وَقبض الْأَمَانَة لَا يَنُوب عَن قبض الضَّمَان وَلَو كَانَت الْعين مَضْمُونَة فِي يَد إِنْسَان بِالْمثلِ أَو بِالْقيمَةِ كَمَا فِي الْغَصْب والمقبوض على سوم الشِّرَاء فَوَهَبَهَا من صَاحب الْيَد تصح الْهِبَة وَيبرأ عَن الضَّمَان فَيكون قبضا غير مَضْمُون وَلَو كَانَت مَضْمُونَة بغَيْرهَا كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيع فَوَهَبَهَا الْمَالِك لمن هِيَ فِي يَده فَإِنَّهُ لَا يكون قَابِضا بذلك مَا لم يقبضهَا قبضا مستأنفا بعد عقد الْهِبَة لِأَنَّهَا إِذا كَانَت مَضْمُونَة بغَيْرهَا لم تصح الْبَرَاءَة عَنْهَا بِالْهبةِ فَلَا يصير قبض أَمَانَة وَلَا بُد من تجانس القبضين حَتَّى يتساويا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 ثمَّ إِذا صحت الْهِبَة عِنْد وجود شرائطها واحتجنا إِلَى بَيَان الحكم فَنَقُول حكم الْهِبَة ثُبُوت الْملك للْمَوْهُوب لَهُ غير لَازم حَتَّى يَصح الرُّجُوع وَالْفَسْخ عندنَا وَعند الشَّافِعِي يَقع الْملك لَازِما إِلَّا فِي هبة الْوَلَد لوَلَده لَكِن يكره الرُّجُوع فِي الْهِبَة لِأَن من بَاب الدناءة وللموهوب لَهُ أَن يمْتَنع عَن الرَّد وَلَا يَصح الرُّجُوع إِلَّا بتراض أَو بِقَضَاء القَاضِي لِأَنَّهُ فسخ بعد تَمام العقد فَصَارَ كالفسخ بِسَبَب الْعَيْب بعد الْقَبْض وَإِنَّمَا يمْتَنع الرُّجُوع بِأَسْبَاب مِنْهَا الْعِوَض للْحَدِيث الْوَاهِب أَحَق بهبته مَا لم يثبت مِنْهَا أَي يعوض وَلَكِن الْعِوَض نَوْعَانِ عوض مَشْرُوط فِي العقد وَعوض مُتَأَخّر عَن العقد أما الْمَشْرُوط فِي العقد بِأَن قَالَ وهبت لَك هَذَا العَبْد على أَن تعوضني هَذَا الثَّوْب فَحكمه أَن لكل وَاحِد أَن يرجع فِي السلعتين جَمِيعًا مَا لم يتقابضا وَإِن قبض أَحدهمَا دون الآخر كَانَ للقابض وَغير الْقَابِض الرُّجُوع فَإِذا تقابضا جَمِيعًا انْقَطع الرُّجُوع وَصَارَ بِمَنْزِلَة البيع وَإِن كَانَ عقده عقد هبة حَتَّى يرد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْعَيْبِ وَيرجع فِي الِاسْتِحْقَاق وَتثبت الشُّفْعَة وَهَذَا عندنَا وَعند زفر عقده عقد بيع حَتَّى يشْتَرط الْقَبْض عندنَا لثُبُوت الْملك فِي هَذِه الْهِبَة وَلَا يَصح فِي الشُّيُوع وَعِنْده بِخِلَافِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 فَأَما الْعِوَض الْمُتَأَخر عَن العقد فَهُوَ لإِسْقَاط الرُّجُوع فَلَا يصير فِي معنى الْمُعَاوضَة لَا ابْتِدَاء وَلَا انْتِهَاء وَإِنَّمَا يكون المَال الثَّانِي عوضا عَن الأول بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ نصا بِأَن أعْطى للْوَاهِب شَيْئا وَقَالَ هَذَا عوض عَن هِبتك أَو قد نحلتك هَذَا عَن هِبتك أَو كافأتك أَو جازيتك أَو أثبتك أَو قَالَ هَذَا بدل هِبتك أَو مَكَان هِبتك أَو قد تَصَدَّقت بِهَذَا عَلَيْك بَدَلا من هِبتك فَإِن هَذَا عوض فِي هَذِه الْوُجُوه إِذا وجد قبض الْعِوَض وَيكون الْعِوَض هبة تصح بِمَا تصح بِهِ الْهِبَة وَتبطل بِمَا تبطل بِهِ الْهِبَة فَأَما إِذا لم يضف الْعِوَض إِلَى الْهِبَة الأولى فَإِنَّهَا تكون هبة مُبتَدأَة وَيثبت حق الرُّجُوع فِي الهبتين جَمِيعًا وَمِنْهَا الْعِوَض من حَيْثُ الْمَعْنى وَهُوَ لَيْسَ بعوض مَالِي كالثواب فِي الصَّدَقَة فَإِنَّهُ يكون عوضا مَانِعا من الرُّجُوع وكصلة الرَّحِم الْمحرم وصلَة الزَّوْجِيَّة حَتَّى لَا يَصح الرُّجُوع فِي هبة ذَوي الْأَرْحَام الْمَحَارِم وَهبة الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ قد حصل الْعِوَض معنى وَمِنْهَا إِذا زَادَت فِي الْهِبَة زِيَادَة مُتَّصِلَة بِفعل الْمَوْهُوب لَهُ أَو بِفعل غَيره بِأَن كَانَت جَارِيَة مَهْزُولَة فَسَمنت أَو كَانَت دَارا فَبنى الْمَوْهُوب لَهُ فِيهَا بِنَاء أَو كَانَت أَرضًا فغرس فِيهَا أشجارا أَو نصب فِيهَا دولابا وَهُوَ مُثبت فِي الأَرْض مَبْنِيّ فِيهَا أَو كَانَ ثوبا فصبغه بعصفر أَو قطعه قَمِيصًا وخاطه لِأَن الْمَوْهُوب اخْتَلَط بِغَيْرِهِ وَالرُّجُوع لَا يُمكن فِي غير الْمَوْهُوب فَامْتنعَ أصلا أما الزِّيَادَة الْمُنْفَصِلَة كالأرش وَالْولد والعقر فَلَا تمنع الرُّجُوع لِأَنَّهُ يُمكن الْفَسْخ فِي الْأُم وَالْأَصْل دونهَا بِخِلَاف زَوَائِد الْمَبِيع لِأَن ثمَّ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا لِأَنَّهَا عقد معوضة بِخِلَاف الْهِبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 وَأما نُقْصَان الْمَوْهُوب فَلَا يمْنَع الرُّجُوع لِأَنَّهُ فَاتَ بعضه وَلَو كَانَ الْكل قَائِما فَرجع فِي الْبَعْض دون الْبَعْض جَازَ فَكَذَا هَذَا وَمِنْهَا خُرُوج الْمَوْهُوب عَن ملك الْمَوْهُوب لَهُ بِأَن بَاعَ أَو وهب لِأَن اخْتِلَاف الْملكَيْنِ كاختلاف الْعَينَيْنِ وَكَذَا إِذا مَاتَ الْمَوْهُوب لَهُ لِأَن الْملك ينْتَقل إِلَى ورثته وَكَذَا إِذا مَاتَ الْوَاهِب لِأَنَّهُ ينْتَقل إِلَى ورثته وَكَذَا لَو هلك الْمَوْهُوب لِأَنَّهُ زَالَ الْملك فَلَا يحْتَمل الْفَسْخ ثمَّ الرُّجُوع فِي الْهِبَة بِغَيْر الْقَضَاء فسخ عندنَا حَتَّى يجوز فِي الْمشَاع وَلَا يشْتَرط الْقَبْض خلافًا لزفَر وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو وهب رجل لِابْنِهِ الصَّغِير شَيْئا صحت الْهِبَة لِأَن قبض الْأَب كقبضه وَكَذَا قبض جده بعده وَقبض وَصِيّ الْأَب وَالْجد بعدهمَا حَتَّى لَو وهب هَؤُلَاءِ من الصَّغِير وَالْمَال فِي أَيْديهم صحت الْهِبَة ويصيرون قابضين للصَّغِير وعَلى هَذَا قَالُوا إِذا بَاعَ الْأَب مَاله من ابْنه الصَّغِير ثمَّ هلك الْمَبِيع عقيب البيع كَانَ الْهَلَاك على الصَّغِير لِأَنَّهُ صَار قَابِضا بِقَبض الْأَب وَكَذَلِكَ لَو وهب أَجْنَبِي للصَّغِير شَيْئا فَقبض ذَلِك أحد هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة لِأَن لَهُم ولَايَة التَّصَرُّف فِي مَاله وَمن غَابَ مِنْهُم غيبَة مُنْقَطِعَة فالولاية تنْتَقل إِلَى الْأَبْعَد كَمَا فِي ولَايَة النِّكَاح وَلَا يجوز قبض غير هَؤُلَاءِ عَنهُ أَجْنَبِيّا كَانَ أَو ذَا رحم مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُم عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ الصَّغِير فِي حجره وَعِيَاله فَيكون قَبضه للهبة بِمَنْزِلَة إِيصَال النَّفْع إِلَيْهِ وَيكون من بَاب الْحِفْظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وَلَو قبض الصَّغِير الْعَاقِل مَا وهب لَهُ وَاحِد من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة جَازَ قَبضه اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز لِأَن هَذَا من بَاب النَّفْع وَقبض هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ أَيْضا وَإِن كَانَ عَاقِلا لِأَن النّظر الْكَامِل فِي هَذَا أَن يملك كل وَاحِد مِنْهُمَا ذَلِك وَلَو وهب الْأَب مَال الصَّغِير لَا يجوز لِأَنَّهُ تبرع وَلَو وهب بِشَرْط الْعِوَض وَقبل الآخر الْعِوَض لم يجز ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يجوز ف أَبُو حنيفَة اعْتبر نفس الْهِبَة وَهِي من بَاب التَّبَرُّع وَلَا يملك الْأَب ذَلِك وَمُحَمّد يَقُول هَذَا بِمَعْنى البيع وعَلى هَذَا الْخلاف الْمَأْذُون وَالْمكَاتب إِذا وهبا بِشَرْط الْعِوَض لم يجز عِنْدهمَا خلافًا لَهُ وَلَو وهب رجل لعبد رجل فَإِن الْقبُول وَالْقَبْض إِلَى العَبْد دون مَوْلَاهُ وَيكون الْملك لمولى بِحكم أَنه كسب عَبده لِأَن الْغَرَض هُوَ وَجه العَبْد فَيكون هبة لَهُ وَلَا يجوز قبض الْمولى وقبوله عَنهُ سَوَاء كَانَ على العَبْد دين أَو لم يكن لِأَنَّهُ هبة للْعَبد وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمكَاتب أَن قبُول الْهِبَة وَقَبضهَا إِلَيْهِ دون مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ أَحَق بِكَسْبِهِ وَيكون للْوَاهِب الرُّجُوع إِذا كَانَ العَبْد أَجْنَبِيّا فِي حَقه وَإِن كَانَ انْتقل الْملك إِلَى مَوْلَاهُ لِأَن ملك العَبْد غير مُسْتَقر فِيهِ فَكَأَن الْملك وَقع للْمولى ابْتِدَاء وَكَذَلِكَ فِي الْمكَاتب إِن عتق فَظَاهر لِأَنَّهُ اسْتَقر ملكه وَإِن عجز وَصَارَ كَسبه للْمولى فَلهُ حق الرُّجُوع فِي قَول أبي يُوسُف وَلم يجز الرُّجُوع فِي قَول مُحَمَّد بِنَاء على أَن عِنْد أبي يُوسُف كَأَن الْملك وَقع للْمولى من الِابْتِدَاء وَعند مُحَمَّد كَأَنَّهُ ثَبت من وَقت الْعَجز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَلَو وهب الرجل لعبد رجل هبة والواهب ذُو رحم محرم من العَبْد دون الْمولى فَإِنَّهُ يرجع بالِاتِّفَاقِ وَأما إِذا كَانَ الْمولى ذَا رحم محرم من الْوَاهِب دون العَبْد فَعِنْدَ أبي حنيفَة يرجع أَيْضا وَعِنْدَهُمَا لَا يرجع وَهَذَا بِنَاء على أَن الْملك فِي الْهِبَة يَقع للْمولى فَيكون هبة من الْمولى عِنْدهمَا وَإِن كَانَ ذَا رحم محرم لَا يرجع وَإِن كَانَ أَجْنَبِيّا يرجع وَلَا عِبْرَة لجَانب العَبْد وَعند أبي حنيفَة هَذَا هبة للْمولى من وَجه وَلِلْعَبْدِ من وَجه فَلَا تكون صلَة كَامِلَة فِي حق كل وَاحِد على الِانْفِرَاد والصلة الْكَامِلَة مَانِعَة للرُّجُوع فَلَا تتعدى إِلَى الصِّلَة من وَجه فَأَما إِذا كَانَا جَمِيعًا ذَوي رحم محرم من الْوَاهِب ذكر أَبُو الْحسن الْكَرْخِي عَن مُحَمَّد أَن قِيَاس قَول أبي حنيفَة أَن يرجع لِأَنَّهُ لم يكن لكل وَاحِد مِنْهُمَا صلَة كَامِلَة وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الهندواني لَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَن الْهِبَة لأيهما كَانَت تمنع الرُّجُوع وعَلى هَذَا التَّفْرِيع لَو وهب للْمكَاتب وَهُوَ ذُو رحم محرم من الْوَاهِب أَو مَوْلَاهُ ذُو رحم محرم من الْوَاهِب فَإِن أدّى الْمكَاتب اعْتبر حَاله لِأَنَّهُ اسْتَقر ملكه بِالْعِتْقِ فَإِن عجز فَفِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة يعْتَبر حَال الْمولى كَأَن الْهِبَة وَقعت لَهُ من الِابْتِدَاء وَعند مُحَمَّد لَا يرجع لِأَن الْكسْب كَانَ للْمكَاتب وَعند الْعَجز ينْتَقل إِلَى الْمولى وَلَو وهب الرجل أَوْلَاده فَسلم إِلَى الْكِبَار حصتهم وَقبض هُوَ حِصَّة الصغار جَازَ لما قُلْنَا وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يُسَوِّي بَين أَوْلَاده فِي الْهِبَة فِي قَول أبي يُوسُف وَفِي قَول مُحَمَّد يجْزِيه إِن أَعْطَاهُم على قدر مواريثهم وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 كتاب الْوَدِيعَة اعْلَم أَن عقد الْوَدِيعَة مَشْرُوع ومندوب إِلَيْهِ لِأَن فِيهِ إِعَانَة لصَاحِبهَا لحفظ مَاله وَالله تَعَالَى يَقُول {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} ثمَّ عقد الْوَدِيعَة استحفاظ من الْمُودع وائتمان لَهُ فَتكون الْوَدِيعَة أَمَانَة فِي يَد الْمُودع لوُجُود الائتمان من الْمُودع يلْزمه حفظهَا إِذا قبل الْوَدِيعَة لِأَنَّهُ الْتزم الْحِفْظ فَيجب عَلَيْهِ أَن يحفظ على الْوَجْه الَّذِي يحفظ مَاله بحرزه وَبِيَدِهِ وبيد من كَانَ مَاله فِي يَده نعني بحرزه الَّذِي هُوَ ملكه أَو يستأجره أَو يستعيره وَلَيْسَ الشَّرْط أَن يحفظه فِي الْحِرْز الَّذِي يحفظ فِيهِ مَاله ونعني بيد من كَانَ مَاله فِي يَده كل من كَانَ فِي عِيَاله حَتَّى المتسأجر الَّذِي اسْتَأْجرهُ مشاهرة بِنَفَقَتِهِ وَكسوته دون الَّذِي اسْتَأْجرهُ بِالدَّرَاهِمِ أَو الْمُسْتَأْجر مياومة وَيدخل فِيهِ العَبْد الْمَأْذُون الَّذِي فِي يَده مَاله وَشريك الْمُفَاوضَة والعنان وَإِن لم يَكُونُوا فِي عِيَاله ثمَّ إِذا أخرجه من يَده وَدفعه إِلَى غَيره وَدِيعَة يصير ضَامِنا لِأَنَّهُ رَضِي بحفظه دون حفظ غَيره من غير ضَرُورَة حَتَّى إِذا وَقع الْحَرِيق وَنَحْوه فِي دَاره فأودع غَيره لَا يضمن وَأما مُودع الْمُودع هَل يضمن لَو هَلَكت الْوَدِيعَة فَعِنْدَ أبي حنيفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 لَا يضمن وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يضمن وَالْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْمُودع الأول وَإِن شَاءَ ضمن الثَّانِي فَإِن ضمن الأول لَا يرجع على الثَّانِي وَإِن ضمن الثَّانِي يرجع على الأول وَلَو اسْتهْلك الثَّانِي الْوَدِيعَة فَلصَاحِب الْوَدِيعَة الْخِيَار فِي تضمينها فَإِن ضمن الأول يرجع الأول على الثَّانِي لِأَنَّهُ يصير ملكا لَهُ بِالضَّمَانِ فَكَأَنَّهُ أودع مَاله عِنْده وَإِن ضمن الثَّانِي لَا يرجع على الأول وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة فَإِن اسْتردَّ الْمُودع الأول من الثَّانِي وَحفظه بِنَفسِهِ يبرأ عَن الضَّمَان عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وعَلى هَذَا إِذا اسْتعْمل الْوَدِيعَة بِأَن ركب الدَّابَّة وَلبس الثَّوْب ثمَّ نزل وَنزع يعود أَمينا عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَفِي الْمُسْتَأْجر وَالْمُسْتَعِير إِذا خالفا ثمَّ تركا الْخلاف بَقِي الضَّمَان وَعند بَعضهم هَذَا بِمَنْزِلَة الْمُودع وَلَو سَافر بالوديعة لَا يضمن عِنْد أبي حنيفَة وَلَو أودع إنْسَانا ضمن وَعِنْدَهُمَا يضمن وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو رد الْوَدِيعَة إِلَى بَيت الْمُودع من غير حَضْرَة الْمُودع يضمن وَكَذَا إِذا رد إِلَى يَد من فِي عِيَال الْمَالِك لِأَنَّهُ لم يرض بيدهم حَيْثُ أودع وَفِي الْإِجَارَة وَالْعَارِية لَا يضمن لعادة النَّاس حَتَّى إِن الْعَارِية إِذا كَانَت شَيْئا نفيسا قَالُوا يضمن وَقيل أَيْضا فِي الثِّيَاب كَذَلِك وَإِنَّمَا الْعَادة فِي بعض آلَات الْبَيْت وَلَو بعث الْوَدِيعَة مَعَ من كَانَ فِي عِيَاله لَا يضمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 وَلَو قَالَ لَهُ احفظ فِي هَذِه الدَّار وَلَا تحفظ فِي هَذَا الْبَيْت وَإنَّهُ مثل غَيره فِي الْحِرْز فَلَو حفظ فِي غَيره لَا يضمن بِخِلَاف الدَّاريْنِ وَلَو قَالَ احفظ فِي هَذَا الْمصر وَلَا يخرج يجب عَلَيْهِ الْحِفْظ فِي ذَلِك الْمصر إِلَّا إِذا كَانَ ثمَّة عذر ظَاهر بِأَن قصد السُّلْطَان أَخذه فَأخْرجهُ مَعَ نَفسه وَلَو قَالَ الْمُودع هَلَكت الْوَدِيعَة عِنْدِي أَو رَددتهَا إِلَيْك وَأنكر الْمُودع وَقَالَ لَا بل أتلفتها فَالْقَوْل قَول الْمُودع لِأَنَّهُ أَمِين فِي ذَلِك وَلَكِن مَعَ الْيَمين لِأَنَّهُ لَو أقرّ بذلك يلْزمه فَإِن أَقَامَ الْمُودع الْبَيِّنَة على الْإِتْلَاف يضمن الْمُودع وَكَذَا إِذا حلف الْمُودع على الْإِتْلَاف فنكل فَلَو أَقَامَ الْمُودع الْبَيِّنَة على أَنه أتلفهَا الْمُودع وَأقَام الْمُودع الْبَيِّنَة على أَنَّهَا هَلَكت فَبَيِّنَة الْمُودع أولى لِأَنَّهَا أَكثر إِثْبَاتًا وَلَو أَقَامَ على إِقْرَار الْمُودع أَنَّهَا هَلَكت يقبل وَيكون إكذابا لبينته وَلَو طلب الْمُودع يَمِين الْمُودع بِاللَّه مَا يعلم أَنَّهَا هَلَكت فَالْقَاضِي يحلفهُ فَإِن حلف يقْضِي بِالضَّمَانِ وَإِن نكل يقْضِي بِالْبَرَاءَةِ وعَلى هَذَا إِذا جحد الْوَدِيعَة فَالْقَوْل قَوْله وَلَو أَقَامَ الْمُودع الْبَيِّنَة على الْوَدِيعَة يضمن الْمُودع فَإِن أقرّ بالوديعة وَأقَام الْمُودع الْبَيِّنَة على أَنَّهَا هَلَكت قبل جحوده الْوَدِيعَة لَا يقبل لِأَنَّهُ بالجحود أكذب بَينته وَإِن أَقَامَ على إِقْرَار الْمُودع بذلك يقبل وَلَو طلب من القَاضِي أَن يحلف الْمُودع بِاللَّه مَا يعلم أَن الْوَدِيعَة هَلَكت قبل جحوده إِيَّاهَا يحلفهُ فَإِن حلف يقْضِي بِالضَّمَانِ وَإِن نكل يقْضِي بِالْبَرَاءَةِ وَلَو أودع رجلَانِ عِنْد رجل وَدِيعَة وغابا ثمَّ حضر أَحدهمَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يدْفع إِلَيْهِ حِصَّته مَا لم يجتمعا وَإِن طلب مِنْهُ عِنْد أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَهُ أَن يقسم وَيدْفَع إِلَيْهِ حِصَّته وَلَا تصح الْقِسْمَة فِي حق الْغَائِب حَتَّى لَو هلك النّصْف الْبَاقِي فِي يَده يكون للْغَائِب فِي أَن يَأْخُذ الْمُودع نصفه الآخر وَلَو أودع رجل عِنْد رجلَيْنِ وَدِيعَة مِمَّا يقسم فَلَهُمَا أَن يقسماه وَيَأْخُذ كل وَاحِد نصفه للْحِفْظ لِأَنَّهُ رَضِي بحفظهما وَأمكن من هَذَا الْوَجْه وَلَو دفع أَحدهمَا إِلَى صَاحبه ضمن النّصْف عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهُ رَضِي بحفظهما لَا بِحِفْظ أَحدهمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يضمن وَأَجْمعُوا أَنَّهَا إِذا كَانَت لَا تقسم لَا يضمن لِأَنَّهُ لَا يُمكن حفظهما فِي مَكَان وَاحِد فَكَانَ رَاضِيا بِحِفْظ أَحدهمَا وعَلى هَذَا الْخلاف فِي المرتهنين والوكيلين بِالْقَبْضِ وَلَو خلط الودية بِمَال نَفسه إِن كَانَ يُمكن التَّمْيِيز لَا شَيْء عَلَيْهِ ويميز وَإِن كَانَ لَا يُمكن التَّمْيِيز يضمن الْحَافِظ عِنْد أبي حنيفَة مثله لصَاحبه وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت وديعتان فخلط إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى يضمن مثل ذَلِك لصاحبهما وَإِذا أدّى الضَّمَان حل لَهُ ذَلِك وَعِنْدَهُمَا فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير إِن شَاءَ الْمَالِك ضمنه مثله وَإِن شَاءَ أَخذ نصف الْمَخْلُوط وَكَذَا فِي الوديعتين وَفِي سَائِر المكيلات والموزونات إِن شَاءَ ضمنه كل وَاحِد مثل حَقه وَإِن شَاءَ باعا الْمَخْلُوط وقبضا الثّمن وَيَأْخُذ صَاحب الْحِنْطَة ثمن الْحِنْطَة غير مخلوط بِالشَّعِيرِ وَيَأْخُذ صَاحب الشّعير ثمن الشّعير غير مخلوط بِالْحِنْطَةِ وَلَو مَاتَ الْمُودع وَلم يبين الْوَدِيعَة فَإِن كَانَت مَعْرُوفَة وَهِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 قَائِمَة ترد إِلَى صَاحبهَا وَإِن لم تعرف يضمن وَيكون صَاحبهَا شَرِيكا للْغُرَمَاء وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 كتاب الْعَارِية أعلم أَن إِطْلَاق اسْم الْعَارِية فِي الْعرف بطريقتين بطرِيق الْحَقِيقَة وبطريق الْمجَاز أما بطرِيق الْحَقِيقَة فَهُوَ إِعَارَة الْأَعْيَان الَّتِي ينْتَفع بهَا مَعَ قِيَامهَا كالدور وَالْعَبِيد وَالدَّوَاب وَنَحْوهَا وَهُوَ تمْلِيك مَنَافِع الْأَعْيَان عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ وَقَالَ الْكَرْخِي إِنَّه عقد إِبَاحَة فَإِنَّهُ لَيْسَ للْمُسْتَعِير أَن يُؤَاجر وَلَو كَانَ تَمْلِيكًا لملك الْإِجَارَة كالمستأجر يملك أَن يُؤَاجر لَكِن هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح فَإِنَّهُ يملك أَن يعير وَلَو كَانَ إِبَاحَة لَكَانَ لَا يملك كالمباح لَهُ الطَّعَام لَا يملك الدّفع إِلَى غَيره إِلَّا أَنه لَا يملك الْإِجَارَة لِأَنَّهُ عقد لَازم وَالْعَارِية تبرع فَكيف يملك بِهِ مَا هُوَ لَازم فَيُؤَدِّي إِلَى تَغْيِير الْمَشْرُوع ثمَّ الْعَارِية أَمَانَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي مَضْمُونَة وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو شَرط الضَّمَان فِي الْعَارِية هَل يَصح الْمَشَايِخ مُخْتَلفُونَ فِيهِ وَأما بطرِيق الْمجَاز فَهُوَ إِعَارَة الْمكيل وَالْمَوْزُون وكل مَا لَا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 باستهلاكه فَهُوَ قرض حَقِيقَة وَلَكِن يُسمى عَارِية مجَازًا لِأَنَّهُ لما رَضِي بِالِانْتِفَاعِ بِهِ باستهلاكه بِبَدَل كَانَ تَمْلِيكًا لَهُ بِبَدَل وَهُوَ تَفْسِير الْقَرْض وَلَا يلْزم الْأَجَل فِيهِ كَمَا فِي الْعَارِية ثمَّ الْعَارِية قد تكون مُطلقَة وَقد تكون مُقَيّدَة فالمطلقة أَن يستعير شَيْئا وَلم يبين أَنه يَسْتَعْمِلهُ بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ وَلم يبين كَيْفيَّة الِاسْتِعْمَال وَحكمهَا أَنه ينزل منزلَة الْمَالِك فَكل مَا ينْتَفع بِهِ الْمَالِك ينْتَفع بِهِ الْمُسْتَعِير من الرّكُوب وَالْحمل وَله أَن يركب غَيره وَلَكِن يحمل بِقدر الْمُعْتَاد لَا زِيَادَة عَلَيْهِ لِأَن الزِّيَادَة تكون إتلافا فَأَما إِذا بَين أَنه يسْتَعْمل بِنَفسِهِ فَهَذَا على وَجْهَيْن إِن كَانَ مِمَّا يتَفَاوَت النَّاس فِي اسْتِعْمَاله كالركوب واللبس فَإِنَّهُ يخْتَص بِهِ وَلَا يجوز لَهُ أَن يركب غَيره وَأَن يلبس غَيره وَإِن كَانَ شَيْئا لَا يتَفَاوَت كسكنى الدَّار فَلهُ أَن يعير غَيره وَكَذَا إِذا سمي وقتا أَو مَكَانا فجاوز ذَلِك الْمَكَان أَو زَاد على الْوَقْت يضمن لِأَن التَّخْصِيص مُفِيد فَأَما إِذا بَين مِقْدَار الْحمل وَالْجِنْس فَإِن حمله عَلَيْهِ أَو زَاد يضمن بِقدر الزِّيَادَة وَلَو حمل عَلَيْهِ شَيْئا بِخِلَاف جنسه فَإِن كَانَ مثله فِي الخفة أَو أخف مِنْهُ لَا يضمن وَإِن كَانَ أثقل مِنْهُ يضمن إِلَّا إِذا كَانَ شَيْئا فِيهِ زِيَادَة ضَرَر بالدابة فَيضمن وَإِن كَانَ مثله فِي الْوَزْن والثقل بِأَن اسْتعَار دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا مائَة من من الْقطن فَحمل عَلَيْهَا مائَة من من الْحَدِيد فَإِنَّهُ يضمن لِأَن ثقل الْحَدِيد يكون فِي مَوضِع وَاحِد وَثقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 الْقطن يتفرق على جَمِيع ظهرهَا وبدنها وَإِن كَانَ أثقل مِنْهُ فَإِن كَانَ من الْجِنْس الْمَذْكُور يضمن بِقدر الزِّيَادَة وَإِن كَانَ من خلاف الْجِنْس يضمن كل الْقيمَة وَلَيْسَ للْمُسْتَعِير أَن يُؤَاجر لما ذكرنَا فَإِن فعل فَهُوَ ضَامِن من حِين سلمه إِلَى الْمُسْتَأْجر وَيكون الْمُعير بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْمُسْتَعِير وَإِن شَاءَ ضمن الْمُسْتَأْجر لوُجُود التَّعَدِّي مِنْهُمَا فَإِن ضمن الْمُسْتَعِير لم يرجع على الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهُ ملك الْعين بِالضَّمَانِ فَكَأَنَّهُ آجر ملك نَفسه فَهَلَك وَإِن ضمن الْمُسْتَأْجر فَإِن كَانَ لَا يعلم أَنه عَارِية يرجع على الْمُسْتَعِير لِأَنَّهُ ضمن الدَّرك بِإِيجَاب عقد فِيهِ بدل فَيكون غرور فَأَما إِذا كَانَ يعلم فَلَا يرجع لِأَنَّهُ لَا غرور فِيهِ وَالرُّجُوع بِحكم الْغرُور وَلَو اسْتعَار أَرضًا على أَن يَبْنِي فِيهَا بِنَاء أَو يغْرس فِيهَا غرسا فإمَّا إِن كَانَ مُطلقًا أَو مؤقتا إِلَى عشر سِنِين وَنَحْوه فَإِن كَانَ مُطلقًا فَبنى فِيهَا أَو غرس فَلصَاحِب الأَرْض أَن يستردها فِي أَي وَقت شَاءَ لِأَن الْعَارِية غير لَازِمَة وعَلى الْمُسْتَعِير أَن يَأْخُذ غرسه وبناءه لِأَنَّهُ شغل أَرض غَيره وَلم يرض صَاحبه بذلك وَلَيْسَ للْمُسْتَعِير أَن يضمن الْمُعير قيمَة غرسه وبنائه وَيتْرك ذَلِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ الْغرُور لِأَن الْعَارِية تسترد على كل حَال وعَلى قَول مَالك لَهُ أَن يرجع عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مؤقتا فَلهُ أَن يسْتَردّ أَيْضا لَكِن الْمُسْتَعِير بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْمُعير قيمَة غرسه وبنائه وَيتْرك ذَلِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غره حَيْثُ وَقت وقتا طَويلا ثمَّ اسْتردَّ قبل مضيه وَإِن شَاءَ أَخذ غرسه وبناءه إِن لم يضر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 الْقلع بِأَرْض الْمُعير فَأَما إِذا كَانَ يضر بِهِ فَالْخِيَار للْمُعِير إِن شَاءَ أَخذ الْغَرْس وَالْبناء بِالضَّمَانِ وَإِن شَاءَ رَضِي الله بِالْقطعِ فَأَما إِذا أعَار الأَرْض ليزرع فزرع ثمَّ أَرَادَ أَن يسْتَردّ وَالزَّرْع غير مدرك فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَتبقى الأَرْض فِي يَده بطرِيق الْإِجَارَة إِلَى أَن يَأْخُذ الْغلَّة لِأَن هَذِه مُدَّة يسيرَة مَعْلُومَة فِيهِ وَفِيه نظر من الْجَانِبَيْنِ بِخِلَاف الْغَرْس وَالْبناء فَإِنَّهُ لَو انقلبت إِجَارَة يتَضَرَّر بِهِ الْمُعير لطول الْمدَّة وَإِن اخْتلف الْمُعير وَالْمُسْتَعِير فِي عدد الْأَيَّام أَو فِي مِقْدَار الْحمل أَو فِي الْمَكَان فَالْقَوْل قَول الْمُعير لِأَن الْمُسْتَعِير قَابض لنَفسِهِ فَيكون سُقُوط الضَّمَان بِنَاء على الْإِذْن لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 كتاب الدَّعْوَى والبينات الدَّعْوَى نَوْعَانِ صَحِيحَة وفاسدة أما الصَّحِيحَة فَأن يُوجد فِيهَا شَرَائِط الصِّحَّة بِأَن يدعى على خصم حَاضر وَأَن يكون الْمُدعى بِهِ شَيْئا مَعْلُوما معينا وَأَن يتَعَلَّق بِهِ حكم على الْمَطْلُوب مِنْهُ والفاسدة أَن لَا يكون الْخصم حَاضرا وَأَن يكون الْمُدعى بِهِ مَجْهُولا لِأَنَّهُ لَا يُمكن للشُّهُود الشَّهَادَة وَلَا للْقَاضِي الْقَضَاء بِهِ وَأَن لَا تلْزم الْمَطْلُوب مِنْهُ ذَلِك بِأَن ادّعى أَنه وَكيل فلَان وَالْقَاضِي لَا يسمع دَعْوَاهُ إِذا أنكر الآخر لِأَن يُمكنهُ عَزله للْحَال ثمَّ إِنَّمَا يصير الْمُدعى بِهِ مَعْلُوما إِمَّا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ عِنْد القَاضِي بِأَن كَانَ مَنْقُولًا فِي الدَّعْوَى وبالشهادة وَإِن لم يكن مَنْقُولًا نَحْو الْعقار والرحى وَنَحْوهمَا مِمَّا يُمكن مَعْرفَته بالتحديد فإعلامه بذلك وَهُوَ فِي الْعقار وَمَا لَا يُمكن مَعْرفَته بالتحديد كحجر الرَّحَى فينصب القَاضِي أَمينا حَتَّى يسمع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة عِنْد ذَلِك بِالْإِشَارَةِ ثمَّ الْمُدَّعِي من يلْتَمس بِدَعْوَاهُ إِثْبَات ملك على غَيره فِي الْعين أَو فِي الدّين أَو يثبت حَقًا وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يدْفع ذَلِك عَن نَفسه وينفيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَقيل الْمُدعى من إِذا ترك الدَّعْوَى يتْرك وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ من إِذا ترك الدَّعْوَى لم يتْرك وَذكر مُحَمَّد أَن الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُنكر إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول إِذا جَاءَ الْمُدَّعِي إِلَى القَاضِي مَعَ خَصمه فَالْقَاضِي يسْأَله مَاذَا يَدعِي عَلَيْهِ فَإِذا ادّعى الْمُدَّعِي دَعْوَى صَحِيحَة على خصم حَاضر سَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ عَن جَوَاب الْمُدَّعِي وَقَالَ أجب خصمك بِلَا أَو نعم وَمَا ذكرنَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس مَا ذكر فِي الزِّيَادَات أَن الْمُدَّعِي إِذا جَاءَ إِلَى القَاضِي مَعَ خَصمه فَإِنَّهُ لَا يسْأَل الْمُدَّعِي مَاذَا يَدعِي حَتَّى يبْدَأ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ ثمَّ إِذا ادّعى دَعْوَى صَحِيحَة وسمعها لَا يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن جَوَاب مَا لم يسْأَل الْمُدَّعِي مِنْهُ أَن يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن جَوَابه لِأَنَّهُ إنْشَاء الْخُصُومَة لَكِن الصَّحِيح هُوَ الِاسْتِحْسَان لِأَن الْخَصْمَيْنِ رُبمَا يعجزان عَن ذَلِك لمهابة مجْلِس القَاضِي فَإِذا سَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ عَن الْجَواب فَإِذا أقرّ بِهِ أمره بِتَسْلِيم الْمُدعى بِهِ إِلَى الْمُدَّعِي وَإِن أنكر سَأَلَ الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا طلب الْمُدَّعِي مِنْهُ الْحلف لِأَن عِنْده إِذا قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة حَاضِرَة فِي الْمصر فَالْقَاضِي لَا يحلفهُ وَعِنْدَهُمَا يحلفهُ فَلذَلِك يسْأَل فَإِذا قَالَ لَا بَيِّنَة لي أَو لَيْسَ لي بَيِّنَة حَاضِرَة فَإِنَّهُ يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا طلب الْمُدَّعِي الْيَمين لِأَن الْيَمين حَقه فَلَا بُد من طلبه فَإِذا حلفه فَإِن حلف تَنْقَطِع الْخُصُومَة إِلَى وَقت إِقَامَة الْبَيِّنَة وَإِن نكل يقْضِي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ عندنَا فِي الْأَمْوَال وَعند الشَّافِعِي يرد الْيَمين إِلَى الْمُدَّعِي فَإِذا حلف يقْضِي لَهُ وَفِي الْقصاص فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 الطّرف يقْضِي بِالنّكُولِ أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يقْضِي بِالدِّيَةِ وَأما فِي النَّفس فعندهما يقْضِي بِالدِّيَةِ أَيْضا وَعِنْده لَا يقْضِي بِالْقصاصِ وَلَا بِالدِّيَةِ وَلَكِن يحبس حَتَّى يقر أَو يحلف وَكَذَا لَا يقْضِي بِالنّكُولِ فِي الْأَشْيَاء السَّبْعَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يقْضِي وَأَجْمعُوا أَنه لَا يقْضِي بِالنّكُولِ فِي الْحُدُود وعَلى هَذَا الِاسْتِحْلَاف عِنْده لَا يسْتَحْلف فِي الْأَشْيَاء السَّبْعَة وَهِي النِّكَاح وَالرّق وَالْوَلَاء وَالنّسب وَالرَّجْعَة والفيء فِي الْإِيلَاء وَالِاسْتِيلَاد لِأَن الِاسْتِحْلَاف لأجل النّكُول وَهُوَ بذل وَإِبَاحَة عِنْد أبي حنيفَة وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي هَذِه الْأَشْيَاء وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِمَعْنى الْإِقْرَار الَّذِي فِيهِ شُبْهَة وَهَذِه الْأَشْيَاء مِمَّا يثبت بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة وَهَذَا مِمَّا يعرف فِي الخلافيات ثمَّ الدَّعْوَى إِمَّا أَن تكون فِي ملك مُطلق أَو بِسَبَب مَعَ التَّارِيخ أَو بِدُونِ وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَت من الْخَارِج على ذِي الْيَد أَو من الخارجين على ذِي الْيَد أَو من صَاحِبي الْيَد أَحدهمَا على صَاحبه أما إِذا كَانَ الدَّعْوَى فِي ملك مُطلق فَنَقُول إِن كَانَت من الْخَارِج على ذِي الْيَد بِلَا تَارِيخ فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى عندنَا وَعند الشَّافِعِي بَيِّنَة الْيَد أولى وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا أرخا وتاريخهما سَوَاء لِأَنَّهُ لم يثبت سبق أَحدهمَا فَبَقيت دَعْوَى ملك مُطلق فَأَما إِذا كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ أولى عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَهُوَ قَول مُحَمَّد أَولا ثمَّ رَجَعَ بعد رُجُوعه من الرقة وَقَالَ لَا تقبل بَيِّنَة ذِي الْيَد على وَقت وَلَا غَيره إِلَّا فِي التَّاج كَذَا ذكر ابْن سَمَّاعَة وَذكر مُحَمَّد هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كتاب الدَّعْوَى وَقَالَ عِنْد أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 حنيفَة يقْضِي بهَا للْخَارِج ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ يقْضِي بهَا لصَاحب الْيَد وَهُوَ قَول مُحَمَّد أَي قَوْله الأول لِأَن بَيِّنَة صَاحب الْيَد أَثْبَتَت أَنه أول المالكين وَأما إِذا وَقت أَحدهمَا وَلم يُوَقت الآخر فَعِنْدَ مُحَمَّد لَا عِبْرَة لتاريخ صَاحب الْيَد فالخارج أولى وَعند أبي يُوسُف بَيِّنَة صَاحب الْوَقْت أولى وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة مَعَ مُحَمَّد وَفِي رِوَايَة مَعَ أبي يُوسُف وَأما إِذا كَانَت الدَّعْوَى من الخارجين فِي ملك مُطلق بِلَا تَارِيخ أَو تاريخهما سَوَاء وَالشَّيْء فِي يَد الثَّالِث فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ عندنَا وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ فِي قَول تهاترت الْبَيِّنَتَانِ وَتبقى فِي يَد صَاحب الْيَد قَضَاء ترك وَفِي رِوَايَة يقرع بَينهمَا وَيَقْضِي للَّذي خرجت لَهُ الْقرعَة وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما إِذا كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ أولى بالِاتِّفَاقِ لِأَن بَيِّنَة الخارجين مسموعة فيترجح أَحدهمَا بالتاريخ وَأما إِذا وَقت أَحدهمَا دون الآخر فهما سَوَاء عِنْد أبي حنيفَة وَلَا عِبْرَة بالتاريخ لجَوَاز أَن يكون الآخر لَو وَقت كَانَ تَارِيخه أسبق وَعند أبي يُوسُف صَاحب الْوَقْت أولى وَعند مُحَمَّد الَّذِي أطلق أولى لِأَن الْملك الْمُطلق ملك من الأَصْل حكما حَتَّى يسْتَحق الزَّوَائِد بِهِ وَأما إِذا كَانَ الشَّيْء فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة أَنه لَهُ فَإِنَّهُ يقْضِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِنصْف مَا فِي يَد صَاحبه لِأَنَّهُ خَارج فِي ذَلِك النّصْف وَلَو أَقَامَ أَحدهمَا الْبَيِّنَة يقْضِي لَهُ بِنصْف مَا فِي يَد صَاحبه وَمَا فِي يَده يتْرك فِي يَده قَضَاء ترك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وَلَو لم يكن لَهما بَيِّنَة قضى بَينهمَا نِصْفَيْنِ قَضَاء ترك حَتَّى لَو أَقَامَ أَحدهمَا الْبَيِّنَة على صَاحبه بعد ذَلِك تقبل وَكَذَا إِذا أرخا وتاريخهما سَوَاء وَأما إِذا كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف صَاحب الْوَقْت الأول أولى وَقَالَ مُحَمَّد لَا يعْتَبر الْوَقْت فِي حق صَاحب الْيَد فَكَانَ بَينهمَا وَأما إِذا كَانَ لأَحَدهمَا وَقت دون الآخر فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا عِبْرَة للْوَقْت فَيكون بَينهمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف هُوَ لصَاحب الْوَقْت فِي حق صَاحب الْيَد فَكَانَ بَينهمَا وَأما إِذا كَانَ لأَحَدهمَا وَقت دون الآخر فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا عِبْرَة للْوَقْت فَيكون بَينهمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف هُوَ لصَاحب الْوَقْت وَأما إِذا كَانَ دَعْوَى الْملك بِسَبَب فَإِن كَانَ السَّبَب هُوَ الْإِرْث فَإِن كَانَ أَحدهمَا خَارِجا وَالْآخر صَاحب الْيَد وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة أَنه ملكه مَاتَ أَبوهُ وَتَركه مِيرَاثا لَهُ فَهُوَ للْخَارِج فِي قَول أَصْحَابنَا جَمِيعًا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يثبت الْملك للْمَيت مُطلقًا فَصَارَ كَمَا لَو حضر المالكان وادعيا ملكا مُطلقًا يكون للْخَارِج كَذَا هَذَا وَكَذَا إِذا أرخا وتاريخهما سَوَاء أَو ذكر أَحدهمَا الْوَقْت دون الآخر وَأما إِذا كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ لصَاحب الْوَقْت الأول عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَفِي قَول مُحَمَّد الآخر للْخَارِج وَأما إِذا كَانَا خَارِجين فِي دَعْوَى الْمِيرَاث على ثَالِث وَوقت أَحدهمَا أسبق فَهُوَ لَهُ فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 رِوَايَتَانِ فِي ظَاهر الرِّوَايَة قَالَ فِي الْمِيرَاث ذَلِك كُله سَوَاء وَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَفِي نَوَادِر هِشَام إِن لم يؤرخا ملك الميتين فَهُوَ لصَاحب التَّارِيخ الأول وَكَانَ أَبُو بكر الرَّازِيّ يفرق لمُحَمد بَين الْمِيرَاث من اثْنَيْنِ وَبَين الشِّرَاء من اثْنَيْنِ قَالَ فِي الْمِيرَاث بَينهمَا نِصْفَانِ وَفِي شِرَاء الخارجين من رجل وَاحِد إِنَّه لصَاحب الْوَقْت الأول لِأَن المُشْتَرِي يثبت الْملك لنَفسِهِ وَالْوَارِث يثبت الْملك للْمَيت لَكِن رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء فِي الخارجين إِذا أَقَامَا الْبَيِّنَة على الشِّرَاء من وَاحِد وأرخا أَن التَّارِيخ لَا يقبل إِلَّا أَن يؤرخا ملك البَائِع وَسوى بَينه وَبَين الْمِيرَاث وَأما إِذا كَانَ السَّبَب هُوَ الشِّرَاء بِأَن ادّعى الْخَارِج الشِّرَاء من صَاحب الْيَد وَهُوَ مُنكر يقبل وَلَو ادّعى صَاحب الْيَد الشِّرَاء من خَارج يقبل أَيْضا لِأَنَّهُ يَصح تلقي الْملك من جِهَته فَأَما إِذا ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الشِّرَاء من صَاحبه من غير تَارِيخ فَلَا يقْضِي بالبينتين عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَترك الْمُدعى بِهِ فِي يَد صَاحب الْيَد وَعند مُحَمَّد يقْضِي بالبينتين جَمِيعًا لِأَنَّهُ يُمكن تصحيحهما وَيجْعَل كَأَن الْخَارِج بَاعَ من صَاحب الْيَد وَسلم إِلَيْهِ ثمَّ بَاعَ صَاحب الْيَد مِنْهُ وَلم يسلم إِلَيْهِ فَيُؤْمَر بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ وَلَا يُمكن على الْعَكْس لِأَن بيع الْعقار قبل الْقَبْض عِنْده لَا يجوز وَأما إِذا أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَإِنَّهُ يقْضِي لآخرهما وقتا أَيهمَا كَانَ وَالْبيع الثَّانِي ينْقض البيع الأول عِنْدهمَا وَقَالَ مُحَمَّد يقْضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 بهَا للْخَارِج وَفِي الْمَسْأَلَة تَفْصِيل لم يذكرهُ الْكَرْخِي وأماإذا أَقَامَا الْبَيِّنَة على الشِّرَاء وَالْقَبْض فعندهما تهاترت الْبَيِّنَتَانِ وَالْمُدَّعِي لمن هُوَ فِي يَده وَعند مُحَمَّد يقْضِي بهَا للَّذي فِي يَده وَالثمن بِالثّمن قصاصا كَأَن الْخَارِج اشْتَرَاهَا من الدَّاخِل فقبضها ثمَّ اشْتَرَاهَا الدَّاخِل مِنْهُ وَقبض لِأَن الْمَذْهَب عِنْده أَن الْقَبْض الْمَوْجُود مهما أمكن أَن يَجْعَل قبض بيع يَجْعَل حملا لأمر الْعَاقِل على الصِّحَّة وَأما الخارجان إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء على صَاحب الْيَد فَإِن كَانَ وَاحِدًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة على الشِّرَاء مِنْهُ بِثمن مَعْلُوم وَلم يذكرَا التَّارِيخ وَلَا الْقَبْض فَإِنَّهُ يَجْعَل بَينهمَا نِصْفَيْنِ عندنَا وَعند الشَّافِعِي فِي قَول تهاترت الْبَيِّنَتَانِ وَفِي قَول يقرع بَينهمَا فَأَما إِذا أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ لَهُ وَكَذَا إِذا وَقت أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ لصَاحب الْوَقْت لِأَنَّهُ ثَبت سبق بيع أَحدهمَا وَبيع الآخر معنى حَادث وَلَا يعلم تَارِيخه فَيحكم بِهِ للْحَال وَأما إِذا لم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا تَارِيخ وَلَكِن لَهُ قبض بِأَن كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى لِأَنَّهُ يحمل على قبض البيع وَالْبيع الثَّانِي حَادث وَلم يعرف تاريخهما فَجعل كَأَن بيع صَاحب الْقَبْض أسبق فَإِن ذكر الآخر تَارِيخا ولأحدهما تَارِيخ وَللْآخر قبض لم يعْتَبر التَّارِيخ إِلَّا أَن يشْهدُوا أَن بَيْعه كَانَ قبل بيع الَّذِي الشَّيْء فِي يَده فَيَقْضِي لَهُ بِهِ وَيرجع الآخر بِالثّمن على البَائِع فَأَما إِذا ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الشِّرَاء من رجل غير الَّذِي ادّعى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 عَلَيْهِ صَاحبه وَأَقَامَا الْبَيِّنَة فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ لِأَن المشتريين قاما مقَام البائعين كَأَنَّهُمَا حضرا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة وَالْمَال بَينهمَا نِصْفَانِ وَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق يكون لَهُ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَهَذِه رِوَايَة الْأُصُول وَقد ذكرنَا فرق أبي بكر الرازق وَرِوَايَة الْإِمْلَاء عَن مُحَمَّد فِي هَذَا الْفَصْل فَلَا نعيده ثمَّ فِي هَذِه الْمسَائِل فِي الشِّرَاء يثبت الْخِيَار لكل وَاحِد من مدعي الشِّرَاء لِأَنَّهُ يَدعِي شِرَاء الْكل فَلَا يرضى بِالنِّصْفِ مَعَ الشّركَة وَهِي عيب فَإِن اخْتَار أَخذ النّصْف يرجع على البَائِع بِنصْف الثّمن لاسْتِحْقَاق نصف الْمَبِيع وَإِن اخْتَار الرَّد رَجَعَ بِجَمِيعِ الثّمن لانفساخ البيع وَإِن اخْتَار أَحدهمَا الرَّد وَالْآخر الْأَخْذ فَإِن كَانَ قبل تَخْيِير الْحَاكِم لَهما وَالْحكم لَهما نِصْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْخُذ جَمِيع الْمَبِيع بِجَمِيعِ الثّمن لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّه بِحكم العقد وَإِنَّمَا امْتنع لأجل الْمُزَاحمَة فَإِذا ترك الآخر الْخُصُومَة فَلهُ ذَلِك بِحكم العقد فَأَما إِذا كَانَ بعد حكم الْحَاكِم بَينهمَا فَيَأْخُذ النّصْف بِنصْف الثّمن لِأَنَّهُ بِحكمِهِ يَنْفَسِخ العقد فِي النّصْف وَلَا يعود إِلَّا بالتجديد وَأما دَعْوَى النِّتَاج فَإِن ادّعى الْخَارِج وَذُو الْيَد النِّتَاج فِي دَابَّة فَهِيَ لصَاحب الْيَد لِأَنَّهُمَا ادّعَيَا أولية الْملك فاستويا فِي الدَّعْوَى فيرجح بِالْيَدِ وَفِي عين هَذِه الْمَسْأَلَة ورد حَدِيث جَابر عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن ادّعى أَحدهمَا النِّتَاج فَهُوَ لصحب الْيَد أَيهمَا كَانَ لما ذكرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وَإِن كَانَ خارجان ادّعَيَا النِّتَاج وَهُوَ فِي يَد ثَالِث يَدعِي ملكا مُطلقًا فَهِيَ بَين الخارجين نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا ثمَّ ظَاهر مَذْهَبنَا أَنه يقْضِي لصَاحب الْيَد لَا أَن يتْرك فِي يَده بِلَا قَضَاء وَرُوِيَ عِيسَى بن أبان أَنه تتهاتر الْبَيِّنَتَانِ وَيتْرك فِي يَده صَاحب الْيَد قَضَاء ترك وَهَذَا خلاف مَذْهَبنَا فَإِن الخارجين يقْضِي بَينهمَا وَلَو كَانَ ترك فِي يَد صَاحب الْيَد لَا بطرِيق الْقَضَاء يَنْبَغِي أَن يكون لصَاحب الْيَد إِذا تهاترت الْبَيِّنَتَانِ فَإِن أرخا فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ سنّ النِّتَاج يُوَافق أحد التاريخين فَهُوَ لَهُ وَإِن أشكل الْأَمر سقط حكم التَّارِيخ وَجعل كَأَنَّهُمَا لم يذكرَا التَّارِيخ وَإِن خَالف الْوَقْتَيْنِ ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه لَا عِبْرَة للتاريخ وَالْحكم فِيهِ مَا ذكرنَا من غير تَارِيخ وَذكر الْحَاكِم أَن فِي رِوَايَة أبي اللَّيْث تهاترت الْبَيِّنَتَانِ وَيبقى النِّتَاج فِي يَد صَاحب الْيَد قَضَاء ترك وَهُوَ الْأَصَح كَذَا الْجَواب فِي كل مَا لَا يتَكَرَّر فِيهِ سَبَب الْملك وَلَا يُعَاد وَلَا يصنع مرَّتَيْنِ فَهُوَ كالنتاج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وَمَا يتَكَرَّر فِيهِ سَبَب الْملك ويصنع مرَّتَيْنِ فَهُوَ على التَّفْصِيل الَّذِي ذكرنَا من دَعْوَى الْملك الْمُطلق وبالسبب وَإِذا كَانَ حَائِط بَين دارين وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوع وَلَا لَهُ اتِّصَال بِالْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يكون بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الاستظلال وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع فالحائط لَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمل لَهُ وَإِن كَانَ لَهما جُذُوع على السوَاء فَهُوَ لَهما لِاسْتِوَائِهِمَا وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا أَكثر ذكر الْكَرْخِي أَنه إِذا كَانَ لأَحَدهمَا ثَلَاثَة فَصَاعِدا وَللْآخر كثير فهما سَوَاء أما إِذا كَانَ لأَحَدهمَا مَا دون الثَّلَاثَة وَللْآخر أَكثر فَهُوَ لصَاحب الْكثير وَكَذَا ذكر مُحَمَّد فِي كتاب الْإِقْرَار وَذكر فِي كتاب الدَّعْوَى أَن لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَا تَحت خشبته وَلَا يكون لَهُ كل الْحَائِط وَإِن لم يكن لَهما جُذُوع ولأحدهما اتِّصَال بِالْبِنَاءِ من جَانب وَاحِد أَي يكون بعض ألبان الْحَائِط الْمُدعى بِهِ فِي حَائِط مَمْلُوك لَهُ قَالَ صَاحب الِاتِّصَال أولى وَذكر فِي الأَصْل أَنه إِذا كَانَ اتِّصَال تربيع فَهُوَ أولى من صَاحب الْجُذُوع وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا كَانَ الِاتِّصَال من الطَّرفَيْنِ كَانَ أولى من صَاحب الْجُذُوع وَالْمرَاد من اتِّصَال التربيع أَن يكون بعض الألبان متداخلا فِي الْبَعْض كالأزج والطاقات وَأَبُو يُوسُف اعْتبر هَذَا فِي جَانِبي الْحَائِط الْمُدعى بِهِ مُتَّصِلا بحائطي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 الْمُدَّعِي لِأَن هَذَا دَلِيل على أَن باني الْحَائِط هُوَ ثمَّ لصَاحب الْجُذُوع حق وضع الْجُذُوع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَكَذَا إِذا كَانَ لَهُ جذع وَاحِد فالحائط لصَاحب الْأَكْثَر وَله حق الْوَضع وَلَيْسَ لصَاحبه أَن يرفع إِلَّا إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن الْحَائِط لَهُ فَحِينَئِذٍ يرفع لِأَن الْبَيِّنَة دَلِيل مُطلق وَإِن كَانَ خصا بَين شَخْصَيْنِ والقمط إِلَى أَحدهمَا وَادّعى كل وَاحِد الخص فَهُوَ بَينهمَا عِنْد أبي حنيفَة وَلَا يرجح بِكَوْن القمط فِي جَانِبه وَقَالا بِأَن صَاحب القمط أولى وَلَو كَانَ وَجه الْبناء أَو الطاقات على الْحَائِط فِي أحد الْجَانِبَيْنِ فَلَا يرجع هَذَا بِالْإِجْمَاع لِأَن هَذَا لَا يخْتَص بِالْملكِ وَلَو كَانَ لأَحَدهمَا سفل وَللْآخر علو فَلَيْسَ لصَاحب السّفل أَن يتَصَرَّف تَصرفا لم يكن فِي الْقَدِيم وَإِن كَانَ لَا يتَضَرَّر بِهِ صَاحبه عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا بَأْس بِهِ إِذا لم يكن فِيهِ ضَرَر وَكَذَا صَاحب الْعُلُوّ وَلَو انهدما فَامْتنعَ صَاحب السّفل عَن الْبناء لَا يجْبر عَلَيْهِ لِأَن الْإِنْسَان لَا يجْبر على عمَارَة بَيته لَكِن يُقَال لصَاحب الْعُلُوّ ابْن بِمَالك السّفل وضع عَلَيْهِ علوك وارجع عَلَيْهِ بِقِيمَتِه مَبْنِيا وامنع الآخر عَن السكن حَتَّى يدْفع الْقيمَة وَكَذَا الْجَواب فِي الْحَائِط بَين الدَّاريْنِ وَلَو هَدمه أَحدهمَا يجْبر على الْعِمَارَة وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 كتاب الْإِقْرَار قَالَ رَحمَه الله يحْتَاج فِي هَذَا الْكتاب إِلَى بَيَان كَون الْإِقْرَار حجَّة وَإِلَى بَيَان أَلْفَاظ الْإِقْرَار وَإِلَى بَيَان شَرَائِط صِحَّته وَإِلَى بَيَان الْمقر بِهِ وَمَا يتَّصل بذلك من الْفرق بَين حَالَة الصِّحَّة وَحَالَة الْمَرَض أما بَيَان كَون الْإِقْرَار حجَّة فَإِنَّهُ خبر صدق أَو رَاجِح صدقه على كذبه فَإِن المَال مَحْبُوب الْمَرْء طبعا فَلَا يقر بِهِ لغيره كَاذِبًا وَأما بَيَان أَلْفَاظ الْإِقْرَار فَنَقُول إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ كَذَا أَو لفُلَان قبلي كَذَا فَهُوَ إِقْرَار لِأَن عَليّ كلمة إِيجَاب لُغَة والقبالة وَالْكَفَالَة اسْم للضَّمَان وَكَذَا إِذا قَالَ لفُلَان فِي مَالِي ألف دِرْهَم فَهُوَ إِقْرَار لَهُ بذلك فِي مَال لَكِن لم يبين مُحَمَّد فِي الأَصْل أَنه يكون مَضْمُونا أَو لَا وَذكر أَبُو بكر الرَّازِيّ أَنه إِقْرَار بِالشّركَةِ فَيكون ذَلِك الْقدر الْمقر بِهِ عِنْده أَمَانَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وَقَالَ بعض مَشَايِخ الْعرَاق إِن كَانَ مَاله محصورا فَهُوَ إِقْرَار بِالشّركَةِ وَإِن كَانَ غير مَحْصُور فَهُوَ إِقْرَار فِي ذمَّته وَإِن قَالَ لَهُ من مَالِي ألف دِرْهَم فَهُوَ هبة لَا تصير ملكا لَهُ إِلَّا بقبوله وَالتَّسْلِيم من الْمقر وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي ألف دِرْهَم فَهُوَ وَدِيعَة وَكَذَا لَو قَالَ معي أَو فِي منزلي أَو فِي بَيْتِي أَو فِي صندوقي أَو فِي كيسي لِأَنَّهَا لَا تخْتَص بِالْإِيجَابِ فَيحمل على الْأَدْنَى هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا ذكر هَذِه الْأَلْفَاظ مُطلقًا فَأَما إِذا قرن بهَا لفظا آخر مُخَالفا للْأولِ فِي الْمَعْنى بِأَن قَالَ لفُلَان عَليّ أَو قبلي ألف دِرْهَم وَدِيعَة يكون وَدِيعَة لِأَنَّهُ بَيَان مُعْتَبر فَيصح بِشَرْط الْوَصْل كالاستثناء أما إِذا ذكر مُطلقًا وَقَالَ عنيت بِهِ الْوَدِيعَة لَا يصدق لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر فَلَا يصدق على الْغَيْر وَإِن قَالَ لفُلَان عِنْدِي أَو معي ألف دِرْهَم قرضا فَهُوَ إِقْرَار لِأَنَّهُ بَيَان مُعْتَبر وَلَو قَالَ عِنْدِي كَذَا وأعني بِهِ الْإِقْرَار صدق وَإِن فصل لِأَن هَذَا إِقْرَار على نَفسه فَلَا يتهم وَلَو قَالَ لَهُ من مَالِي ألف دِرْهَم لَا حق لي فِيهَا فَهُوَ إِقْرَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 وَلَو قَالَ لفُلَان عِنْدِي ألف دِرْهَم وَدِيعَة قرضا أَو وَدِيعَة دينا أَو مُضَارَبَة قرضا أَو دينا أَو بضَاعَة قرضا أَو دينا فَهُوَ إِقْرَار إِذا ادّعى الْمقر لَهُ الدّين لِأَن الضَّمَان قد يطْرَأ على الْأَمَانَة وَلَو قَالَ لفُلَان عِنْدِي ألف دِرْهَم عَارِية فَهُوَ قرض وَكَذَا فِي كل مَا يُكَال أَو يُوزن لِأَن إِعَارَة مَا لَا ينْتَفع بِأَعْيَانِهَا إِلَّا بالاستهلاك يكون قرضا فِي الْعرف وَأما بَيَان الشَّرَائِط فالعقل وَالْبُلُوغ شَرط بِلَا خلاف لِأَنَّهُ لَا يَصح بدونهما التَّصَرُّف الضار وَأما الْحُرِّيَّة فَهِيَ شَرط فِي بعض الْأَشْيَاء دون بعض على مَا نذْكر وَكَذَا الرِّضَا والطوع شَرط حَتَّى لَا يَصح إِقْرَار الْمُكْره بِشَيْء على مَا يعرف فِي كتاب الْإِكْرَاه وَأما بَيَان أَنْوَاع الْمقر بِهِ فَهُوَ نَوْعَانِ فِي الأَصْل حُقُوق الله تَعَالَى وَالثَّانِي حُقُوق الْعباد أما حُقُوق الله تَعَالَى فنوعان أَحدهمَا أَن يكون خَالِصا لله كَحَد الشّرْب وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْإِقْرَار بِهِ صَحِيح من الْحر وَالْعَبْد وَلَو رَجَعَ الْمقر عَن ذَلِك قبل الِاسْتِيفَاء بَطل الْحَد لاحْتِمَال الصدْق فِي الرُّجُوع فأورث شُبْهَة ويكتفي فِي ذَلِك بِالْإِقْرَارِ مرّة إِلَّا فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ يشْتَرط الْعدَد أَربع مَرَّات لحَدِيث مَاعِز بِخِلَاف الْقيَاس وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه اعْتبر عدد الْإِقْرَار بِعَدَد الشَّهَادَة فَشرط فِي السّرقَة وَالشرب الْإِقْرَار مرَّتَيْنِ لَكِن رُوِيَ عَنهُ أَنه رَجَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 وَيَسْتَوِي الْجَواب فِي الْإِقْرَار بالحدود بَين تقادم الْعَهْد وَعَدَمه إِلَّا فِي شرب الْخمر فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ بِهِ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف بعد ذهَاب رَائِحَة الْخمر اسْتِحْسَانًا لحَدِيث ابْن مَسْعُود وَعند مُحَمَّد يُؤْخَذ بِهِ وَهُوَ الْقيَاس فَأَما حد الْقَذْف فقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْحُدُود وَأما حُقُوق الْعباد فأنواع مِنْهَا الْقصاص وَالدية وَمِنْهَا الْأَمْوَال وَمِنْهَا الطَّلَاق وَالْعتاق وَحقّ الشُّفْعَة وَنَحْو ذَلِك وَالْمَال قد يكون عينا وَقد يكون دينا وَقد يكون مَعْلُوما وَقد يكون مَجْهُولا وَقد يكون الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة وَقد يكون فِي الْمَرَض فَنَذْكُر جملَة ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى أما إِقْرَار العَبْد فنذكره فِي كتاب الْمَأْذُون إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْحر فَإِقْرَاره بِالْمَالِ صَحِيح كَيْفَمَا كَانَ سَوَاء كَانَ بِالْمَالِ الْمقر بِهِ عينا أَو دينا وَسَوَاء كَانَ مَعْلُوما أَو مَجْهُولا وَعَلِيهِ الْبَيَان فجهالة الْمقر بِهِ لَا تمنع صِحَة الْإِقْرَار وجهالة الْمَشْهُود بِهِ تمنع صِحَة الشَّهَادَة وَالْقَضَاء لِأَنَّهُ لَا يُمكن الْقَضَاء بِالْمَجْهُولِ فَأَما فِي الْإِقْرَار فَيُؤْمَر بِالْبَيَانِ وَالْقَوْل قَوْله بَيَانه إِذا أقرّ أَنه غصب من فلَان مَالا أَو لفُلَان عَلَيْهِ شَيْء أَو حق فَإِنَّهُ يُؤمر بِالْبَيَانِ فَإِذا بَين شَيْئا لَهُ قيمَة وَيجْرِي فِيهِ الْمَنْع وَالشح يصدق وَإِن كَانَ بِخِلَافِهِ يجْبر على بَيَان شَيْء لَهُ قيمَة فِي الْغَصْب إِذا قَالَ غصبت مِنْهُ شَيْئا فَبين مَا لَا قيمَة لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 بِأَن قَالَ غصبت مِنْهُ صَبيا حرا صَغِيرا أَو خمرًا لمُسلم أَو جلد ميتَة يصدق لِأَن هَذَا مِمَّا يغصب عَادَة وَلَو قَالَ غصبت شَاة أَو عبدا أَو جَارِيَة فَبين سليما أَو مَعَ الْعَيْب أَو قَالَ غصبت دَارا فَبين فِي بَلْدَة قريبَة أَو فِي بَلْدَة بعيدَة يصدق لِأَن الْغَصْب يكون على مَا يتَّفق فَيكون القَوْل قَوْله إِلَّا أَن فِي غصب الدَّار إِن أمكنه تَسْلِيمهَا إِلَيْهِ يسلم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن خرجت أَو عجز عَن التَّسْلِيم إِلَّا عِنْد مُحَمَّد فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْقيمَة عِنْد الْعَجز وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو قَالَ عَليّ قفيز حِنْطَة فَهُوَ بقفيز الْبَلَد الَّذِي أقرّ فِيهِ فَكَذَلِك الرطل والأمنان والصنجات فَذَلِك كُله على وزن الْبَلَد وَلَو قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم فَهُوَ على مَا يتعارفه أهل الْبَلَد من الأوزان أَو الْعدَد وَإِن لم يكن شَيْئا متعارفا فَيحمل على وزن سَبْعَة فَإِنَّهُ الْوَزْن الْمُعْتَبر فِي الشَّرْع وَكَذَلِكَ فِي الدِّينَار يعْتَبر وزن المثاقيل إِلَّا فِي مَوضِع يتعارف فِيهِ بِخِلَافِهِ وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دريهم أَو دنينير فَعَلَيهِ التَّام لِأَن التصغير قد يذكر لصِغَر الحجم وَقد يكون لاستحقار الدِّرْهَم وَقد يكون لخفة الْوَزْن فَلَا ينتقص الْوَزْن بِالشَّكِّ وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دَرَاهِم أَو دَنَانِير يَقع على ثَلَاثَة لِأَنَّهَا أقل الْجمع وَلَو قَالَ عَليّ دَرَاهِم كَثِيرَة يَقع على عشرَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا على النّصاب وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَم وَلَو قَالَ عَليّ مَال عَظِيم أَو كثير أَو كَبِير فَعَلَيهِ مِائَتَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 دِرْهَم بِلَا خلاف عِنْد بَعضهم وَقيل على قَول أبي حنيفَة يَقع على الْعشْرَة وَقيل يعْتَبر حَال الْمقر إِن كَانَ غَنِيا يَقع على مَا يستعظم عِنْد الْأَغْنِيَاء وَإِن كَانَ فَقِيرا يَقع على النّصاب وَلَو قَالَ غصبت إبِلا كَثِيرَة أَو شياها كَثِيرَة يَقع على أقل النّصاب من جنسه وَإِن قَالَ عَليّ حِنْطَة كَثِيرَة يَقع عِنْدهمَا على خَمْسَة أوسق وَعند أبي حنيفَة الْبَيَان إِلَيْهِ وَإِن قَالَ عَليّ أَمْوَال عِظَام رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يَقع على سِتّمائَة لِأَن أقل الْجمع ثَلَاثَة وَلَو قَالَ عَليّ ثَلَاثَة دَرَاهِم غير دِرْهَم يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَن كلمة غير بِالنّصب للاستثناء وَكَذَا إِذا قَالَ عَليّ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم غير ألف يلْزمه أَلفَانِ لما قُلْنَا وَكَذَا لَو قَالَ عَليّ ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَّا درهما فَعَلَيهِ دِرْهَمَانِ وَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة يلْزمه سَبْعَة وَلَو قَالَ إِلَّا سَبْعَة يلْزمه ثَلَاثَة لِأَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي وَفِي الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء يكون الِاسْتِثْنَاء من الْمُسْتَثْنى لَا من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَيلْحق ذَلِك بالمستثنى مِنْهُ إِذا قَالَ عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما يلْزمه ثَمَانِيَة لِأَن ثَلَاثَة وَصَارَت مُسْتَثْنَاة من الْعشْرَة ثمَّ الِاسْتِثْنَاء الثَّانِي من الثَّلَاثَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 لِأَنَّهُ أقرب إِلَيْهِ فَيخرج دِرْهَم ويلتحق بالمستثنى مِنْهُ وَهُوَ سَبْعَة فَصَارَ ثَمَانِيَة وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا ثوبا لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء عندنَا وَعند الشَّافِعِي يَصح وَيخرج قدر قيمَة الثَّوْب وَلَو اسْتثْنى شَيْئا من الْمكيل وَالْمَوْزُون بِأَن قَالَ عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا قفيز حِنْطَة أَو عَليّ مائَة دِينَار إِلَّا عشرَة دَرَاهِم يَصح الِاسْتِثْنَاء عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَيخرج من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ قدر قيمَة القفيز وَالْعشرَة لِأَن الْجِنْس وَاحِد وَهُوَ الْقدر وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر رحمهمَا الله لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء كَمَا فِي الثَّوْب وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا قَلِيلا يلْزمه أَكثر من النّصْف وَالْقَوْل قَوْله فِي الزِّيَادَة مَعَ يَمِينه وَكَذَا إِذا قَالَ عَليّ قريب من ألف أَو زهاء ألف أَو عظم الْألف لِأَن هَذَا أَكثر من النّصْف بِيَقِين وَفِي الزِّيَادَة القَوْل قَوْله وَلَو قَالَ عَليّ ألف ونيف فَعَلَيهِ الْألف وَعَلِيهِ بَيَان النيف لِأَنَّهُ عبارَة عَن الزِّيَادَة وَلَو قَالَ عَليّ ألف وَدِرْهَم أَو عَليّ مائَة ودينار يكون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ من جنس الْمَعْطُوف بالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع الْمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب وَأما فِي الْعرُوض والعددي المفاوات بِأَن قَالَ عَليّ عشرَة وثوب أَو عشرَة وَعبد أَو عشرَة ودابة فعلى قَول مُحَمَّد يلْزمه الْمَعْطُوف الْمُسَمّى وَالْقَوْل قَوْله فِي بَيَان الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وعَلى قَول أبي يُوسُف يكون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ من جنس الْمَعْطُوف لِأَن الْعرف على هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف لَا بل أَلفَانِ فجملة هَذَا إِن الِاسْتِدْرَاك فِي الإقرارات ثَلَاثَة أَنْوَاع إِمَّا أَن يكون فِي خلاف جنس الأول أَو يكون فِي جنس الأول واستدرك الْغَلَط فِي الْقدر من الْكَثْرَة والقلة أَو فِي الصّفة من الْجَوْدَة والرادءة فَأَما الأول فبأن يَقُول عَليّ ألف دِرْهَم لَا بل مائَة دِينَار أَو كرّ حِنْطَة لَا بل كرّ شعير وَحكمه أَنه يلْزمهُمَا جَمِيعًا لِأَن الْغَلَط فِيهِ نَادِر والنادر مُلْحق بِالْعدمِ وَأما الثَّانِي بِأَن قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم لَا بل أَلفَانِ أَو قَالَ عَليّ دِينَار لَا بل دِينَارَانِ فَيلْزمهُ الْأَكْثَر اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن يلْزمهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي خلاف الْجِنْس وكما فِي الطَّلَاق إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة لَا بل ثِنْتَيْنِ يَقع الثَّلَاث وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَفِي الِاسْتِحْسَان أَنه إِخْبَار وَيجْرِي فِيهِ الْغَلَط فَيصح التَّدَارُك بِخِلَاف إنْشَاء الطَّلَاق حَتَّى إِن فِي الْإِخْبَار كَذَلِك بِأَن قَالَ كنت طلقت امْرَأَتي أمس وَاحِدَة لَا بل ثِنْتَيْنِ يَقع على الْأَكْثَر وَأما الثَّالِث بِأَن قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم سود لَا بل بيض أَو قَالَ عَليّ قفيز حِنْطَة جَيِّدَة لَا بل وسط فَيلْزمهُ الأجود وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف ثمن مَبِيع إِلَّا أَنه زيوف فَعِنْدَ أبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ يلْزمه الْجيد وَلَا يصدق سَوَاء وصل أَو فصل كَمَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد على أَنه معيب لم يصدق وَإِن وصل وَعِنْدَهُمَا إِن وصل يصدق وَإِن فصل لَا يصدق وَفِي الْقَرْض رِوَايَتَانِ عَنهُ وَإِذا قَالَ عَليّ ألفم دِرْهَم مُطلقًا ثمَّ قَالَ زيوف يصدق بِشَرْط الْوَصْل فِي قَوْلهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وَفِي الْغَصْب والوديعة يصدق وصل أَو فصل وَلَو قَالَ عَليّ من ثمن بيع ألف دِرْهَم ستوقة أَو رصاصا لَا يصدق عِنْد أبي حنيفَة وَعَن أبي يُوسُف أَنه يصدق إِذا وصل وَفِي البيع الْفَاسِد وَفِي الْغَصْب والوديعة يصدق فِي الستوقة بِشَرْط الْوَصْل فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ هُوَ ثمن عبد لم أقبضهُ مِنْهُ لم يصدق فِي قَول أبي حنيفَة إِلَّا أَن يَقُول مَوْصُولا وَالْعَبْد قَائِم بِعَيْنِه فِي يَد الْمقر لَهُ وَعِنْدَهُمَا إِن صدقه الْمقر لَهُ كَانَ القَوْل قَوْله وَإِن لم يصدقهُ كَانَ الْألف لَهُ لَازِما عَلَيْهِ وَلَو قَالَ اقتضيت من فلَان ألف دِرْهَم الَّتِي لي عَلَيْهِ أَو قَالَ استوفيت أَو قبضت أَو أخذت وَقَالَ الْمقر لَهُ لم يكن لَك عَليّ شَيْء يُؤمر بردهَا إِلَيْهِ مَعَ يَمِينه على مَا يَدعِيهِ الْمقر وَلَو قَالَ أخذت من فلَان ألف دِرْهَم وَدِيعَة فَقَالَ فلَان بل أخذت غصبا فَالْقَوْل قَول الْمقر لَهُ لما قُلْنَا وَلَو قَالَ أودعني فلَان ألف دِرْهَم أَو قَالَ أَعْطَانِي وَدِيعَة فَقَالَ لَا بل أَخَذتهَا غصبا فَالْقَوْل قَول الْمقر لِأَنَّهُ مَا أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الْأَخْذ ثمَّ الْإِقْرَار فِي حَالَة الصِّحَّة يَصح للْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث جَمِيعًا من جَمِيع المَال وَلَا يكون الدّين الْمُتَقَدّم أولى وَيكون الْغُرَمَاء أُسْوَة إِذا صَار مَرِيضا لَيْسَ لَهُ أَن يُؤثر الْبَعْض فِي الْقَضَاء وَفِي الْأَدَاء فِي حَالَة الصِّحَّة لَهُ أَن يُؤثر الْبَعْض لِأَن الدّين يثبت فِي الذِّمَّة حَالَة الصِّحَّة وَإِنَّمَا ينْتَقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 إِلَى المَال بِالْمرضِ فَكَذَلِك على هَذَا أما الْإِقْرَار فِي الْمَرَض فَيصح للْأَجْنَبِيّ من جَمِيع المَال وَلَا يَصح للْوَارِث إِلَّا إِذا أجَاز الْوَرَثَة لَكِن دين الصِّحَّة مقدم على دين الْمَرَض الثَّابِت بِإِقْرَارِهِ أما إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَو بمشاهدة القَاضِي فهما سَوَاء وَإِقْرَار الْمَرِيض بِاسْتِيفَاء الدّين فِي حَالَة الْمَرَض يَصح سَوَاء كَانَ دين الصِّحَّة أَو دين الْمَرَض فِي الْجُمْلَة وَهَذَا فِي حق الْأَجْنَبِيّ وَله تفاصيل كَثِيرَة وَإِمَّا الْإِقْرَار بالوارث من الْمَرِيض أَو من الصَّحِيح فنوعان فِي حق النّسَب وَفِي حق الْمِيرَاث أما فِي النّسَب فَمن الرجل يَصح بِخَمْسَة نفر بالوالدين وبالولد وبالزوجة وبكونه مولى لفُلَان لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تحميل النّسَب على غَيره من الْمَرْأَة يَصح بأَرْبعَة بالوالدين وبالزوج وبالولاء دون الْوَلَد لِأَن فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر وَلَا يَصح الْإِقْرَار بالأخ وَالْعم وَالْخَال فِي حق النّسَب وَنَحْو ذَلِك لما فِيهِ من تحميل النّسَب فَلَا بُد من الْبَيِّنَة فَأَما فِي حق الْمِيرَاث فَإِن لم يكن للْمقر وَارِث ظَاهر صَحَّ إِقْرَاره فِي حق الْإِرْث لِأَنَّهُ إِقْرَار على نَفسه فَأَما إِذا كَانَ لَهُ وَارِث ظَاهر فَلَا يَصح فِي حَقه وَإِن كَانَ الَّذِي أقرّ بِهِ مقدما عَلَيْهِ بِأَن أقرّ بالأخ وَله خَال وعمة لِأَن فِيهِ إبِْطَال حق الْقَرِيب وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَهُ مولى الْمُوَالَاة لِأَنَّهُ آخر الْوَرَثَة فَلَا يَصح إِقْرَاره فِي حَقه وَلَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله ثمَّ أقرّ بِأَخ صَحَّ إِقْرَاره وتنفذ الْوَصِيَّة من الثُّلُث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَكَذَا لَو أقرّ بِأَخ ثمَّ أوصى بِجَمِيعِ مَاله يَصح من الثُّلُث لِأَن إِقْرَاره بالأخ صَحِيح فِي حَقه إِن لم يَصح فِي حق غَيره وَلَو أقرّ بالأخ ثمَّ رَجَعَ صَحَّ لِأَنَّهُ ثَبت بقوله وعَلى هَذَا الْوَارِث إِذا أقرّ بوارث آخر يَصح فِي حق نصِيبه حَتَّى إِن الْأَخ إِذا أقرّ بِأَخ آخر فَإِن مَا فِي يَده يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَهَذَا كُله إِذا صدقه الْمقر لَهُ فِي ذَلِك فَأَما إِذا لم يصدقهُ لم يثبت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 كتاب الْوَصَايَا فِي هَذَا الْكتاب فصلان فصل فِي الْوَصِيَّة و َفصل فِي الْإِيصَاء نبدأ بِالْوَصِيَّةِ فَنَقُول نحتاج إِلَى بَيَان الْوَصِيَّة وَإِلَى بَيَان صفة المشروعية وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الصِّحَّة وَإِلَى بَيَان الْمُوصى بِهِ وَإِلَى بَيَان الْمُوصى لَهُ وَمَا يتَّصل بِهَذِهِ الْجُمْلَة أما الْوَصِيَّة فَهِيَ تمْلِيك مُضَاف إِلَى مَا بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 الْمَوْت بطرِيق التَّبَرُّع إِذْ التَّمْلِيك أَنْوَاع ثَلَاثَة فَلَا بُد لكل نوع من اسْم خَاص ليتميز عَن صَاحبه فَالْبيع اسْم لتمليك عين المَال بعوض فِي حَالَة الْحَيَاة وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة تمْلِيك عين المَال بِغَيْر عوض فِي حَالَة الْحَيَاة بطرِيق التَّبَرُّع وَالْعَارِية تمْلِيك الْمَنْفَعَة بطرِيق التَّبَرُّع فِي حَالَة الْحَيَاة فَيكون الْوَصِيَّة اسْما لتمليك المَال بعد الْمَوْت بطرِيق التَّبَرُّع فِي الْعين وَالْمَنَافِع جَمِيعًا فَأَما الْإِعْتَاق فِي معرض الْمَوْت تنجيزا وَكَذَا الْهِبَة والمحاباة فَلَيْسَتْ من جملَة الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا نَافِذَة للْحَال وَكَذَلِكَ الْكفَالَة وَضَمان الدَّرك لَكِن فِي معنى الْوَصِيَّة على معنى أَنه يعْتَبر من ثلث المَال لتَعلق حق الْغُرَمَاء بِالتَّرِكَةِ فِي مرض الْمَوْت وَلَو كَانَ عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام أَو الزَّكَاة أَو الْكَفَّارَات وَجَبت فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض فَيبْطل بِالْمَوْتِ عندنَا وَلَو أوصى بهَا تصح من الثُّلُث بِمَنْزِلَة التَّبَرُّع فِي الْمَرَض وعَلى هَذَا قُلْنَا إِن الْقبُول من الْمُوصى لَهُ وَالرَّدّ يعْتَبر بعد الْمَوْت لِأَن الْإِيجَاب ينزل بعد الْمَوْت وَالْقَبُول يشْتَرط عِنْد الْإِيجَاب كَمَا فِي البيع وَغَيره وَهَذَا عندنَا وَعند زفر الْقبُول لَيْسَ بِشَرْط وَلَا ترتد بِالرَّدِّ كالميراث وَلَو رد أَو قبل فِي حَيَاة الْمُوصي لَا يَصح حَتَّى لَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ بعد الْقبُول قبل موت الْمُوصي فَإِن الْوَصِيَّة لَا يكون ملكا لوَرَثَة الْمُوصى لَهُ وَلَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ بعد موت الْمُوصي قبل الْقبُول وَالرَّدّ فَالْقِيَاس أَن لَا يكون لوَرَثَة الْمُوصى لَهُ شَيْء لِأَن الْقبُول لم يُوجد من الْمُوصى لَهُ فَيبْطل وَفِي الِاسْتِحْسَان يصير لوَرثَته إِمَّا لِأَنَّهُ وجد الْقبُول مِنْهُ دلَالَة أَو لِأَن الْإِيجَاب قد تمّ بِنَفسِهِ وَتوقف على قبُوله فَإِذا مَاتَ ثَبت الْملك لَهُ كَأَنَّهُ قبل دلَالَة كالمشتري بِالْخِيَارِ إِذا مَاتَ يلْزم العَبْد فَلَو رد ورثته بعد مَوته هَل يَصح ردهم اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قيل يجوز الرَّد لِأَنَّهُ صَحَّ لوُجُود الْقبُول مِنْهُم دلَالَة فَإِذا وجد الرَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 صَرِيحًا يبطل وَقيل لَا يجوز لِأَنَّهُ صَار مِيرَاثا للْوَرَثَة عَن الْمُوصى لَهُ لصيرورته ملكا لَهُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَصح رد الْمِيرَاث وَأما بَيَان المشروعية فَنَقُول قَالَ بَعضهم مَشْرُوعَة بِصفة الْوُجُوب فِي حق الْكل وَقَالَ بَعضهم وَاجِبَة فِي حق الْوَالِدين لقَوْله تَعَالَى {الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين} وَالصَّحِيح أَنَّهَا مَشْرُوعَة بطريقة النّدب لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِن الله تَعَالَى تصدق عَلَيْكُم بِثلث أَمْوَالكُم فِي آخر أعماركم زِيَادَة فِي أَعمالكُم وَأما شَرَائِط الصِّحَّة فَمِنْهَا أَهْلِيَّة التَّبَرُّع حَتَّى لَا يَصح من الصَّبِي وَالْعَبْد وَالْمكَاتب فِي حق الْمولى وَمِنْهَا عدم الدّين لقَوْله تَعَالَى {فَلَنْ تَجِد لَهُ نَصِيرًا} وَمِنْهَا التَّقْدِير بِثلث التَّرِكَة حَتَّى أَنَّهَا لَا تصح فِيمَا زَاد على الثُّلُث إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة وإجازتهم وردهم يَصح بعد الْمَوْت أما قبل الْمَوْت فَلَا يَصح لما قُلْنَا إِن الْملك بِالْوَصِيَّةِ يثبت بعد الْمَوْت وَمِنْهَا أَن يكون الْمُوصى لَهُ أَجْنَبِيّا حَتَّى أَن الْوَصِيَّة للْوَارِث لَا تجوز إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا وَصِيَّة لوَارث إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة فَإِن أجَاز بعض الْوَرَثَة تنفذ بِقدر حِصَّته من الْمِيرَاث لَا غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 وَمِنْهَا أَن لَا يكون قَائِلا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا وَصِيَّة لقَاتل وَلَو أجَاز الْوَرَثَة يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لِأَنَّهُ لَا يجوز لحق الْوَرَثَة فَيجوز بإجازتهم كَمَا فِي وَصِيَّة الْوَارِث وَعند أبي يُوسُف لَا يجوز لِأَن الْمَانِع حق الله تَعَالَى فَصَارَ كالميراث وَمِنْهَا أَن يكون الْمُوصى لَهُ مَوْجُودا حَيا حَتَّى لَو أوصى للجنين إِن كَانَ مَوْجُودا حَيا عِنْد الْإِيصَاء يَصح وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يعرف بِأَن ولد قبل سِتَّة أشهر حَيا وَأما بَيَان الْمُوصى بِهِ فالموصى بِهِ يجب أَن يكون مَالا ثمَّ المَال نَوْعَانِ الْمَنَافِع والأعيان وَأما الْوَصِيَّة بالمنافع فجائزة بِأَن أوصى بِخِدْمَة عبد بِعَيْنِه لفُلَان يكون وَصِيَّة بِالْخدمَةِ لَهُ وَعين العَبْد تكون للْوَرَثَة مَا دَامَ الْمُوصى لَهُ حَيا وَإِذا مَاتَ فَيسلم العَبْد إِلَى الْوَرَثَة فَإِنَّهَا فِي معنى الْعَارِية المؤبدة فينتهي بِمَوْت الْمُوصى لَهُ وَكَذَا لَو أوصى بِالْعَبدِ لإِنْسَان وبخدمته لآخر جَازَ لما قُلْنَا وَكَذَا لَو أوصى بسكنى دَاره أَو بغلة بستانه وَلم يُوَقت فِي ذَلِك وقتا فَيكون للْمُوصى لَهُ مُدَّة حَيَاته وَيعود الْبُسْتَان وَالدَّار إِلَى الْوَرَثَة وَمَا كَانَ من الثَّمَرَة وَالْغلَّة حَاصِلا قبل موت الْمُوصى لَهُ فَيكون لوَرثَته وَمَا يحصل بعد مَوته يكون لوَرَثَة الْمُوصي وَإِنَّمَا يجوز إِذا خرج من الثُّلُث وَإِنَّمَا يعْتَبر خُرُوج قيمَة الْأَعْيَان الَّتِي أوصى بغلتها وَخدمتهَا وثمرتها من الثُّلُث دون أَن يضم الْغلَّة وَقِيمَة الثَّمَرَة والخدمة إِلَى رَقَبَة الْأَعْيَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وَلَو أوصى بالثمرة بالغلة للْمَسَاكِين جَازَ بِالْإِجْمَاع وَلَو أوصى بسكنى دَاره أَو بِخِدْمَة عَبده أَو بِظهْر فرسه للْمَسَاكِين لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجوز وَلَو أوصى لفقير وَاحِد بِعَيْنِه جَازَ وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما الْوَصِيَّة بأعيان الْأَمْوَال فَإِنَّهُ يجوز سَوَاء كَانَ الْمُوصى بِهِ مَوْجُودا معينا أَو بِربع المَال أَو ثلثه أَو خمسه وَله مَال أَو أوصى بالمعدوم بِأَن يُوصي بِمَا يُثمر نخله أَو مَا يخرج من بستانه أَو بِثلث مَاله وَلَا مَال لَهُ فَإِن الْوَصِيَّة جَائِزَة من الثُّلُث وَيعْتَبر الثُّلُث وَقت موت الْمُوصي لَا قبله لما ذكرنَا أَنَّهَا إِيجَاب الْملك عِنْد الْمَوْت حَتَّى إِنَّه لَو أوصى بِثلث مَاله وَله ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم ثمَّ مَاتَ وَله ألف فَإِن الْوَصِيَّة تصح فِي ثلث الْألف لما قُلْنَا وَلَو أوصى بِلَبن غنمه وأصوافها وَأَوْلَادهَا ثمَّ مَاتَ الْمُوصي فَإِنَّهُ يَقع على مَا هُوَ الْمَوْجُود يَوْم الْمَوْت دون مَا يحدث من بعد الْمَوْت وَإِن لم يكن شَيْئا مَوْجُودا وَقت الْمَوْت بِخِلَاف الْوَصِيَّة بثمرة النَّخْلَة فَإِنَّهُ يَقع على الْمَوْجُود وَقت الْمَوْت إِن كَانَ وَإِن لم يكن يَقع على مَا يحدث بعد موت الْمُوصي وَأما الْوَصِيَّة بالموجود فَإِن كَانَ شَيْئا معينا فَإِنَّهُ يَصح فِيهِ حَتَّى إِذا خرج من الثُّلُث يكون للْمُوصى لَهُ وَإِن لم يكن يخرج يكون لَهُ بِقدر الثُّلُث وَإِذا هلك ثُلُثَاهُ وَبَقِي الثُّلُث يكون كل الثُّلُث لَهُ إِن خرج من ثلث المَال وَأما إِذا كَانَت الْوَصِيَّة بِثلث المَال أَو بربعه وَنَحْو ذَلِك فَإِن خرج يكون لَهُ وَإِن لم يخرج يكون لَهُ بِقدر الثُّلُث وَأما إِذا اجْتمعت الْوَصَايَا لأَحَدهم بِالثُّلثِ وَلآخر بِالربعِ وَلآخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 بالخمس فَإِن أجَاز الْوَرَثَة جَازَ فِي الْكل وَإِلَّا يصرف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم من الثُّلُث بِقدر وَصيته ويتضاربون فِي ذَلِك فَيكون ثلث الثُّلُث لهَذَا وَربع الثُّلُث وَخمْس الثُّلُث للآخرين كَمَا فِي الْمَوَارِيث وَإِن كَانَ وَصِيَّة أحدهم أَكثر من الثُّلُث بِأَن أوصى لَهُ بِالنِّصْفِ أَو بالثلثين فَعِنْدَ أبي حنيفَة يضْرب من زَاد نصِيبه على الثُّلُث بِالثُّلثِ دون الزِّيَادَة وَمن كَانَ نصِيبه دون الثُّلُث فِيمَا سمي لَهُ وَعِنْدَهُمَا يضْرب صَاحب الزِّيَادَة بِجَمِيعِ مَا سمي لَهُ كَمَا فِي الْمِيرَاث وَأَجْمعُوا فِي خمس وَصَايَا أَنه يضْرب بِمَا سمي وَإِن جَاوز عَن الثُّلُث فِي الْعتْق الْموقع فِي الْمَرَض وَفِي الْعتْق الْمُعَلق بِمَوْت الْمُوصي وَهُوَ التَّدْبِير وبالمحاباة فِي الْمَرَض وبالوصية بِالْإِعْتَاقِ بعد الْمَوْت وبالوصية الْمُرْسلَة وَهِي الْوَصِيَّة بِشَيْء بِغَيْر عينه وَلَا يكون مَنْسُوبا إِلَى جُزْء من المَال نَحْو الْوَصِيَّة لفُلَان بِمِائَة دِرْهَم وَنَحْوهَا وَهل يقدم بعض أَصْحَاب الْوَصِيَّة مُعلى الْبَعْض فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَت الْوَصَايَا للعباد أَو تقع الله تَعَالَى أما إِذا كَانَت الْوَصَايَا للعباد فَإِنَّهُ يقدم الْعتْق الْموقع فِي الْمَرَض وَالْعِتْق الْمُعَلق بِمُطلق الْمَوْت وَهُوَ التَّدْبِير الصَّحِيح والمحاباة فِي البيع الْوَاقِع فِي الْمَرَض وَمَا سوى هَذِه الْوَصَايَا يتضارب فِيهَا أهل الْوَصَايَا على السوَاء لَا يقدم بَعضهم على بعض وَإِن ضَاقَ الثُّلُث عَن الْعتْق والمحاباة يبْدَأ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصي مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّة فترجح بالبداءة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالا يبْدَأ بِالْعِتْقِ لَا محَالة لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل الْفَسْخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 وَأما إِذا كَانَت الْوَصَايَا بِمَا هُوَ من حُقُوق الله تَعَالَى نَحْو الْحَج وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَات وَالصَّدقَات وَنَحْوهَا من أَعمال الْبر ينظر إِن كَانَ كُله تَطَوّعا بَدَأَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصي لِاسْتِوَاء الْكل فِي نَفسه فِي الْقُوَّة فيترجح بالبداءة لِأَنَّهُ هُوَ الأهم عِنْده ظَاهرا وَلَا يقدم الْوَصِيَّة بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ يحْتَمل الْفَسْخ كَسَائِر الْوَصَايَا فَإِذا بلغ الثُّلُث للْكُلّ فبها ونعمت وَإِن فني الثُّلُث بِالْبَعْضِ يبطل الْبَاقِي وَإِن كَانَت كلهَا فَرَائض مُتَسَاوِيَة بِأَن كَانَ وُجُوبهَا ثَبت بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ يرجح بالبداءة لتساويها فِي الْقُوَّة وَقَالُوا فِي الْحَج وَالزَّكَاة عِنْد أبي يُوسُف يقدم الْحَج فِي رِوَايَة وَإِن أَخّرهُ جَازَ وَفِي رِوَايَة يقدم الزَّكَاة وَهُوَ قَول مُحَمَّد رَحمَه الله ثمَّ مَا أوجبه الله تَعَالَى ابْتِدَاء أولى مِمَّا أوجبه عِنْد فعل من الْمُكَلف فَقَالُوا يقدم الْحَج وَالزَّكَاة على الْكَفَّارَات الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن ثمَّ هَذِه الْكَفَّارَات مُقَدّمَة على صَدَقَة الْفطر والفطرة مُقَدّمَة على كَفَّارَة الْفطر لِأَنَّهَا ثبتَتْ بِخَبَر الْوَاحِد وَهِي مُقَدّمَة على الْمَنْذُور هُوَ مقدم على الْأُضْحِية والواجبات كلهَا مُقَدّمَة على النَّوَافِل وَأما إِذا كَانَ مَعَ الْوَصَايَا الثَّابِتَة لحق الله تَعَالَى الْوَصِيَّة للآدمي فَإِن الْمُوصى لَهُ يضْرب مَعَ الْوَصَايَا بِالْقربِ وَيجْعَل كل جِهَة من جِهَات الْقرب مُفْردَة بِالضَّرْبِ وَلَا يَجْعَل كلهَا جِهَة وَاحِدَة بِأَن قَالَ ثلث مَالِي فِي الْحَج وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَات ولزيد يقسم على أَرْبَعَة أسْهم لِأَن كل جِهَة غير الْأُخْرَى وَلَا يقدم الْفَرْض على حق الأدمِيّ لحَاجَة العَبْد إِلَى حَقه ثمَّ إِنَّمَا يصرف إِلَى الْحَج الْفَرْض وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَات إِذا أوصى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 بهَا فَأَما بِدُونِ الْوَصِيَّة فَلَا يصرف الثُّلُث إِلَيْهَا بل يسْقط عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ على مَا ذكرنَا فِي الزَّكَاة وَإِذا أوصى يعْتَبر من الثُّلُث لتَعلق حق الْوَرَثَة بِمَالِه فِي مرض الْمَوْت وَأما بَيَان الْمُوصى لَهُ وَأَحْكَامه فَنَقُول الْمُوصى لَهُ يجب أَن يكون حَيا وَأَن يكون أَجْنَبِيّا لَا وَارِث لَهُ وَلَا قَائِلا إِيَّاه وَقد ذكرنَا هَذَا حَتَّى لَو أوصى لِرجلَيْنِ أَحدهمَا ميت تكون الْوَصِيَّة كلهَا للحي وَلَو أوصى لأَجْنَبِيّ ولوارثه يكون النّصْف للْأَجْنَبِيّ لِأَن الْوَارِث من أهل الْوَصِيَّة حَتَّى لَو أجَاز بَاقِي الْوَرَثَة جَازَ وَلَو أوصى لِذَوي قرَابَته أَو لأقربائه أَو لذِي قراباته أَو لأرحامه أَو لِذَوي رحم مِنْهُ فَإِن عِنْد أبي حنيفَة يعْتَبر فِي هَذِه الْوَصِيَّة أَشْيَاء ذُو الرَّحِم الْمحرم وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَأَن لَا يكون فيهم وَالِد وَلَا ولد وَأَن يكون اثْنَيْنِ فَصَاعِدا إِن كَانَ بِلَفْظ الْجمع أَو يَقُول لِذَوي قرَابَته وَلَو قَالَ لذِي قرَابَته يَقع على الْوَاحِد فَصَاعِدا وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد الْوَصِيَّة لجَمِيع قرَابَته من جِهَة الرِّجَال وَالنِّسَاء إِلَى أقْصَى أَب لَهُ فِي الْإِسْلَام الْقَرِيب والبعيد فِيهِ سَوَاء كَمَا إِذا أوصى للعلوية والعباسية يصرف إِلَى من يتَّصل بعلي وعباس رَضِي الله عَنْهُمَا دون من فَوْقهمَا من الْآبَاء بَيَانه إِذا ترك عمين وخالين فَعنده الْوَصِيَّة للعمين للقرب وَعِنْدَهُمَا بَين الْكل أَربَاعًا وَلَو ترك عَمَّا وخالين فللعم النّصْف وَالنّصف للخالين عِنْده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 لِأَن اسْم الْجمع فِي الْوَصِيَّة ينْصَرف إِلَى اثْنَيْنِ فَيسْتَحق كل وَاحِد النّصْف فَيكون للأقرب النّصْف وَالنّصف للأبعدين بَينهمَا سَوَاء وَإِن ترك عَمَّا وَاحِدًا وَلم يكن لَهُ غَيره من ذَوي الرَّحِم الْمحرم فالنصف للعم وَالنّصف رد على الْوَرَثَة عِنْده وَعِنْدَهُمَا يصرف إِلَى ذِي الرَّحِم الَّذِي لَيْسَ بِمحرم وَإِن كَانَ أوصى لذِي قرَابَته فَجَمِيع الثُّلُث للعم لما بَينا وَلَو أوصى لأهل بَيت فلَان أَو لحسبه أَو نسبه أَو لأنسبائه فَهَذَا يَقع على قرَابَة أَبِيه الَّذين ينسبون إِلَيْهِ إِلَى أقْصَى أَب لَهُ فِي الْإِسْلَام دون قرَابَة أمه لِأَن النّسَب والحسب وَالْبَيْت يخْتَص بِالْأَبِ دون الْأُم وَكَذَا لَو أوصى لآل فلَان فَهُوَ بِمَنْزِلَة أهل بَيت فلَان وَلَو أوصى لأهل فلَان فَالْقِيَاس أَن يَقع على زَوْجَة فلَان خَاصَّة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يصرف إِلَى جَمِيع من كَانَ فِي عِيَاله من الْأَحْرَار وَلَا يدْخل فِيهِ المماليك وَأما الابْن الْكَبِير الَّذِي اعتزل عَنهُ وَالْبِنْت الَّتِي فِي بَيت الزَّوْج فَلَا تدخل وَلَو أوصى لبني فلَان فَإِن كَانُوا لَا يُحْصى عَددهمْ كبني تَمِيم وَبني الْعَبَّاس فَإِنَّهُ يصرف إِلَى جَمِيع الْقَبِيلَة وَيدخل فيهم الحليف وَالْموالى بِسَبَب الْوَلَاء والعتاقة لِأَن هَذَا بِمَنْزِلَة الصَّدَقَة وَله أَن يصرف إِلَى وَاحِد وَأكْثر عِنْد أبي يُوسُف لِأَنَّهُ اسْم جنس وَعند مُحَمَّد يصرف إِلَى اثْنَيْنِ وَأكْثر دون الْوَاحِد لِأَن اسْم الْجمع فِي الْوَصِيَّة يَقع على الِاثْنَيْنِ وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء لِأَنَّهُ اسْم للقبيلة وَلَو كَانُوا يُحصونَ وأبوهم من الْعَرَب فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ بَنو فلَان من الْعَرَب دون الحلفاء والموالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة يدْخل فِيهِ الذُّكُور من أَوْلَاد الصلب دون الْإِنَاث وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يدْخل فِيهِ الْكل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة الأول وَأَجْمعُوا أَنه إِذا كَانَ الْكل إِنَاثًا لَا يدْخلُونَ وَأما إِذا لم يكن لفُلَان ولد الصلب فَإِن الْوَصِيَّة للذكور من أَوْلَاد الْبَنِينَ عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يدْخل الْكل وَهل يدْخل بَنو الْبَنَات فروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنهم يدْخلُونَ وَذكر فِي السّير الْكَبِير أَنهم لَا يدْخلُونَ وَلَو كَانَ لَهُ ابْن وَاحِد وَبَنُو بَنِينَ فللابن النّصْف وَالْبَاقِي للْوَرَثَة دون بني الْبَنِينَ وَعِنْدَهُمَا للِابْن النّصْف وَالْبَاقِي لبني الْبَنِينَ وَلَو كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَبَنُو ابْن فَالْكل للابنين لِأَن الِابْنَيْنِ فِي الْوَصِيَّة بِمَنْزِلَة الْجمع وَلَو كَانَ لَهُ ابْن وَاحِد وَبَنَات فالنصف للِابْن وَالْبَاقِي للْوَرَثَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا للِابْن النّصْف وَالْبَاقِي للبنات وَلَو كَانَ لَهُ بَنَات وَبَنُو ابْن فَلَا شَيْء لَهُم بل للْوَرَثَة عِنْده وَعِنْدَهُمَا للْكُلّ على السوَاء وَلَو أوصى لولد فلَان فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ الذّكر والانثى على السوَاء وَيدخل فِيهِ الْجَنِين الَّذِي يُولد لأَقل من سِتَّة أشهر وَلَا يدْخل ولد الْوَلَد مَا دَامَ الصلبي حَيا وَلَو كَانَ لَهُ بَنَات وَبَنُو الابْن فَهِيَ للبنات لَا غير وَلَو كَانَ ولد وَاحِد فَالْكل لَهُ لِأَن اسْم الْوَلَد يَقع لَهُ وَلَو أوصى لعقب فلَان فعقب الرجل هُوَ وَلَده من الذُّكُور وَالْإِنَاث فَإِن لم يكن فولد وَلَده من الذُّكُور دون الْإِنَاث وَدون ولد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 الْإِنَاث وَيكون هَذَا الِاسْم بعد موت الْأَب لَا قبله حَتَّى إِن الْمُوصي إِذا مَاتَ وَفُلَان حَيّ فَلَا شَيْء لَهُم لأَنهم لَا يكونُونَ عقبا حَال حَيَاته وَكَذَا لَو أوصى لوَرَثَة فلَان فَهُوَ مثل عقب فلَان إِلَّا أَن فِي الْعقب سهم الذّكر وَالْأُنْثَى سَوَاء فِي الْوَرَثَة يكون بَينهم على قدر الْمَوَارِيث وَلَو أوصى لعصبة فلَان فَإِنَّهُ يَصح الْوَصِيَّة وَإِن لم يمت فلَان حَتَّى إِذا مَاتَ الْمُوصي تصرف الْوَصِيَّة إِلَى عصبته فَإِن كَانَ لَهُ أَب وَابْن فالعصبة هُوَ الابْن دون الْأَب وَيكون للأقرب فَالْأَقْرَب على تَرْتِيب الْعَصَبَات وَلَو أوصى لأختانه فالختن زوج كل ذَات رحم محرم مِنْهُ وكل ذِي رحم محرم من أَزوَاجهنَّ من الذّكر وَالْأُنْثَى وهم فِي الْوَصِيَّة سَوَاء وَلَو أوصى للأصهار فالصهر كل ذِي رحم محرم من زَوجته الذّكر وَالْأُنْثَى وَلَو أوصى لأيتام بني فلَان فَإِنَّهُ يَقع على من لَا أَب لَهُ وَلَو أوصى لأيامى بني فلَان فالأيم كل امْرَأَة لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَعند مُحَمَّد يَقع على الثّيّب الأيم والأرملة كل امْرَأَة محتاجة أرملت من زَوجهَا وَمَالهَا ثمَّ هَذِه الْوَصَايَا نَوْعَانِ فَالْوَصِيَّة لقوم يُحصونَ تقع على عدد رؤوسهم على السوَاء ذكرهم وأنثاهم غنيهم وفقيرهم صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ فَأَما إِذا كَانُوا لَا يُحْصى عَددهمْ فَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 إِن أوصى لأهل الْحَاجة نصا بِأَن قَالَ لفقراء بني تَمِيم أَو لمساكينهم وأراملهم فَإِنَّهُ يَصح لِأَن الْحق فِيهِ لله تَعَالَى والفقراء مصارف فَصَاحب الْحق مَعْلُوم فَصحت وَالثَّانِي أَن يذكر اسْما لَا يدل على الْحَاجة لَا عرفا وَلَا لُغَة كَقَوْلِه أوصيت لبني فلَان أَو لأيامى بني فلَان أَو لشبانهم أَو لكهولهم أَو لشيوخهم فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن الْوَصِيَّة تقع لَهُم وهم مَجْهُولُونَ وَالثَّالِث أَن يكون الِاسْم قد يَقع على الْفُقَرَاء إِمَّا فِي عرف اللُّغَة أَو فِي عرف الشَّرْع كَمَا إِذا أوصى لأيتام بني فلَان أَو لعميانهم أَو لزمناهم لقَوْله تَعَالَى {واليتامى وَالْمَسَاكِين} فَمَتَى كَانُوا لَا يُحصونَ يسْتَدلّ بِهِ أَنه أَرَادَ بِهِ الْفُقَرَاء مِنْهُم تَصْحِيحا للْوَصِيَّة بِخِلَاف مَا إِذا كَانُوا يُحصونَ فَإِنَّهُ يَقع على الْأَغْنِيَاء والفقراء جَمِيعًا لِأَنَّهُ يُمكن الْعَمَل بِحَقِيقَة الِاسْم لِأَن الْوَصِيَّة تصح لَهُم وَلَو أوصى لغلمان بني فلَان ولصبيانهم يَقع على من لم يَحْتَلِم وَلَو قَالَ لشبانهم أَو لفتيانهم يَقع على من بلغ مِنْهُم إِلَى أَن يصير كهلا وَدخل فِي الثَّلَاثِينَ إِلَّا إِذا غَلبه الشمط قبل ذَلِك والكهل يَقع على من دخل فِي الثَّلَاثِينَ إِلَى خمسين إِلَّا إِذا غلب الْبيَاض وَالشَّيْخ يَقع على الْخمسين إِلَى آخر الْعُمر إِلَّا إِذا غلب الْبيَاض قبله هَذَا هُوَ الْأَشْبَه من الْأَقْوَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 فصل فِي الْإِيصَاء الله جلّ ذكره نقُول الْإِيصَاء جَائِز وَلَا بُد لَهُ من الْقبُول من الْمُوصي لِأَنَّهُ مُتَبَرّع بِالْعَمَلِ فِيهِ فَلَا بُد من قبُوله وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْتَبر الْقبُول بعد الْمَوْت كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ لِأَنَّهُ إِيجَاب بعد الْمَوْت لَكِن جَازَ هَاهُنَا الْقبُول فِي حَال الْحَيَاة بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِالْمَالِ لضَرُورَة أَن الْمَيِّت إِنَّمَا يُوصي إِلَى من يعْتَمد عَلَيْهِ من الأصدقاء والأمناء فَلَو اعْتبر الْقبُول بعد الْمَوْت فَرُبمَا لَا يقبل فَلَا يحصل غَرَضه وَهُوَ الْمُوصي الَّذِي اخْتَارَهُ وَإِذا صَحَّ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن كَانَ الْمُوصي حَاضرا أَو غَائِبا فَإِن كَانَ حَاضرا وَقبل مُوَاجهَة صَحَّ وَلَو أَرَادَ أَن يرد الْوِصَايَة وَيرجع لَا يَصح بِدُونِ محْضر الْمُوصي أَو علمه لما فِيهِ من الْغرُور بِهِ وَإِذا رد فِي المواجهة صَحَّ فَأَما إِذا كَانَ غَائِبا فَبَلغهُ الْخَبَر فَقبل فَلَا يَصح رده إِلَّا بِحَضْرَة الْمُوصي وَإِذا بلغه وَلم يقبل ورده صَحَّ بِغَيْر محضره لِأَنَّهُ لَيْسَ بغرور وَأما إِذا بلغه بعد الْمَوْت فَإِذا قبل أَو تصرف فِي التَّرِكَة تَصرفا يدل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 على قبُوله فَلَا يَصح رده إِلَّا عِنْد الْحَاكِم لِأَنَّهُ قَائِم مقَام الْمُوصي كَالْوَكِيلِ لَا يملك عزل نَفسه فِي حَال غيبَة الْمُوكل وَيملك فِي حَال حَضرته فَأَما إِذا لم يقبل ورد كَمَا علم يَصح وَله الْخِيَار بَين أَن يقبل وَيرد لِأَنَّهُ مُتَبَرّع فِي الْعَمَل فَلَا يجْبر عَلَيْهِ وَلَو لم يعلم القَاضِي بِأَن للْمَيت وَصِيّا وَالْوَصِيّ غَائِب فأوصى إِلَى رجل فالوصي هُوَ وَصِيّ الْمَيِّت دون وَصِيّ القَاضِي لِأَنَّهُ اتَّصل بِهِ اخْتِيَار الْمَيِّت كَمَا إِذا كَانَ القَاضِي عَالما ثمَّ للْقَاضِي أَن يعْزل وَصِيّ الْمَيِّت إِذا كَانَ فَاسِقًا غير مَأْمُون على التَّرِكَة وَإِن كَانَ ثِقَة لكنه ضَعِيف لَا يقدر على التَّصَرُّف وَحفظ التَّرِكَة بِنَفسِهِ فَإِن القَاضِي يضم إِلَيْهِ غَيره وَلَا يعزله لاعتماد الْمُوصي عَلَيْهِ لأمانته فيحصيل الْغَرَض بهما وَلَو أوصى الْمَيِّت إِلَى رجل ثمَّ أوصى إِلَى آخر كَانَ هَذَا اشتراكا فِي الْوِصَايَة مَا لم ينص على عزل الأول وإخراجه وَكَذَلِكَ هَذَا من القَاضِي وَلَو أَنه أوصى إِلَى رجل بِقَضَاء دينه وَأوصى إِلَى آخر بِأَن يعْتق عَنهُ فَهُوَ وصيان فيهمَا جَمِيعًا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَكَذَلِكَ إِذا أوصى بِنَصِيب بعض وَلَده إِلَى رجل وبنصيب من بَقِي إِلَى آخر وعَلى هَذَا لَو أوصى بميراثه فِي بلد إِلَى رجل وَفِي بلد آخر إِلَى آخر وَكَذَلِكَ لَو أوصى بتقاضي الدّين إِلَى رجل وبنفقة الْوَرَثَة إِلَى آخر وبحفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 المَال إِلَى آخر وَكَذَا إِذا أوصى إِنْسَان للْحَال وَإِلَى آخر إِن قدم فَإِذا قدم فلَان فَهُوَ وَصِيّ دون الأول فهما وصيان فِي ذَلِك كُله عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا ل مُحَمَّد لِأَن الْوِصَايَة لَا تتجزأ عِنْدهمَا مَتى ثبتَتْ فِي الْبَعْض تثبت فِي الْكل وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة فِيمَن أوصى إِلَى فلَان حَتَّى يقدم فلَان فَإِذا قدم فَهُوَ الْوَصِيّ دون الأول فَهُوَ كَمَا قَالَ فَيكون عَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ فِي هَذَا وَيجوز أَن يكون الأول قَول أبي يُوسُف خَاصَّة وَعند وَمُحَمّد كل وَاحِد مِنْهُمَا وَصِيّ فِيمَا جعل إِلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْخلاف وَلَو أوصى إِلَى رجل وَهُوَ وَصِيّ لرجل آخر فَإِنَّهُ يكون وَصِيّا فِي تركته وتركة الأول عندنَا خلافًا لِابْنِ أبي ليلى وَلَو أوصى إِلَى رجلَيْنِ فَإِن أَحدهمَا لَا ينْفَرد بِتَصَرُّف يحْتَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف ينْفَرد ثمَّ إِن عِنْدهمَا ينْفَرد فِي أَشْيَاء مَخْصُوصَة بِأَن يكون فِي تَأْخِير التَّصَرُّف ضَرَر إِلَى حَضْرَة صَاحبه أَو لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي وَذَلِكَ نَحْو شِرَاء الْكَفَن وجهاز الْمَيِّت وَكَذَا جمع الْأَمْوَال المتفرقة من قبض الدُّيُون والودائع وَالْمَغْصُوب وَكَذَلِكَ فِي أَدَاء مَا على الْمَيِّت من رد الودائع وَالْمَغْصُوب وَقَضَاء الدّين وتنفيذ الْوَصِيَّة بِأَلفَيْنِ أَو بِأَلف مُرْسلَة أَو بِإِعْتَاق عبد بِعَيْنِه بِخِلَاف الْوَصِيَّة بأعمال الْبر أَو إِعْتَاق عبد غير معِين لِأَنَّهُ يحْتَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي وَكَذَا شِرَاء مَا لَا بُد للْيَتِيم مِنْهُ نَحْو الْإِنْفَاق وَالْكِسْوَة وَكَذَا قبُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 الْهِبَة وَبيع مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد لِأَن فِيهِ مَنْفَعَة للصَّبِيّ وَهَكَذَا ينْفَرد بِالْخُصُومَةِ للْمَيت وَعَلِيهِ وَلَو مَاتَ أحد الْوَصِيّين وَأوصى إِلَى رجل آخر جَازَ وَيكون قَائِما مقامة وَإِن لم يوص إِلَى آخر فللقاضي أَن ينصب وَصِيّا آخر حَتَّى ينفذ تصرفهما عِنْدهمَا خلافًا لأبي يُوسُف ثمَّ وَصِيّ الْأَب أولى من الْجد فَإِن لم يكن فالجد ثمَّ وَصِيّ الْجد فَإِن لم يكن فَالْقَاضِي ووصي القَاضِي ثمَّ ينظر إِن كَانَ فِي التَّرِكَة دين يملك الْوَصِيّ بيع كل شَيْء لقَضَاء الدّين من الْعقار وَالْمَنْقُول وَإِن لم يكن دين وَالْوَرَثَة كلهم صغَار يملك بيع كل شَيْء وإمساك ثمنه وَالتَّصَرُّف فِيهِ وَإِن كَانَ كلهم كبارًا وهم حُضُور لَيْسَ لَهُ ولَايَة بيع شَيْء إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ وَصَايَا وَإِن كَانُوا غيبا يملك بيع الْمَنْقُول لِأَن حفظ الثّمن أيسر وَله ولَايَة حفظ مَال الْغَائِب وَلَا يملك بيع الْعقار وَإِن كَانَ بَعضهم صغَارًا وَبَعْضهمْ كبارًا غيبا يملك بيع الْعقار عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا يَصح فِي حِصَّة الْكِبَار وَأما وَصِيّ الْأُم وَالْأَخ وَالْعم فَهَؤُلَاءِ بِأَنْفسِهِم يملكُونَ حفظ مَال الصَّبِي وَبيع الْمَنْقُول لِأَنَّهُ من بَاب الْحِفْظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 وَلَو قَالَ لرجل إِن مت من مرضِي هَذَا أَو فِي سَفَرِي هَذَا فَأَنت وَصِيّ فِي مَالِي فبرأ وَلم يمت حَتَّى رَجَعَ من السّفر ثمَّ مَاتَ لَا يكون وَصِيّا لِأَنَّهُ تعلق بِشَرْط خَاص وَلم يُوجد وَلَو أوصى إِلَى عبد إِنْسَان أَو إِلَى ذمِّي أَو إِلَى صبي عَاقل فَإِنَّهُ لَا ينفذ ويخرجه القَاضِي وَلَو عتق العَبْد وَأسلم الذِّمِّيّ قبل إِخْرَاج القَاضِي تنفذ الْوَصَايَا وَإِذا بلغ الصَّبِي لَا تنفذ عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا تنفذ وَلَو تصرف العَبْد أَو الذِّمِّيّ قبل الْإِخْرَاج يَصح فِي رِوَايَة وَلَا يَصح فِي رِوَايَة وَفِي الصَّبِي لَا يَصح بِالْإِجْمَاع وَلَو أوصى إِلَى عبد نَفسه فَإِن لم يكن فِي الْوَرَثَة كَبِير جَازَ عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَلَو كَانَ فِي الْوَرَثَة كَبِير لَا يَصح بِالْإِجْمَاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 بَاب الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة أصل الْبَاب أَن الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة صَحِيح لِأَنَّهُ تبرع لم يتم لِأَن الْقبُول فِيهِ بعد الْمَوْت فَيملك الرُّجُوع كالرجوع عَن الْإِيجَاب فِي البيع قبيل الْقبُول وَإِذا ثَبت أَنه يَصح الرُّجُوع فِيهِ فَكل فعل يُوجد من الْمُوصي فِيهِ دلَالَة على تبقية الْملك لنَفسِهِ يكون رُجُوعا وكل فعل يدل على إبْقَاء العقد وتنفيذ الْوَصِيَّة لَا يدل على الرُّجُوع كَمَا إِذا وجد مِنْهُ فعل لَو فعل فِي ملك غَيره يَنْقَطِع حق الْملك للْمَالِك وَيصير ملكا لَهُ فَإِذا فعل بعد الْوَصِيَّة فِي الْمُوصى بِهِ مَا يدل على إبْقَاء الْملك فِيهِ لنَفسِهِ فَيكون رُجُوعا كَمَا إِذا أوصى بِثَوْب ثمَّ قطعه وخاطه ونظائره كَثِيرَة وَكَذَا إِذا اتَّصَلت بِعَين الْمُوصى بِهِ زِيَادَة لَا يُمكن تمييزها وَلَا يسْتَحق عَلَيْهِ نقضهَا فَإِنَّهُ يكون رُجُوعا لِأَنَّهُ لَا يُمكن تَسْلِيمهَا إِلَّا بِتَسْلِيم تِلْكَ الزِّيَادَة وَلَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك فَيدل على الرُّجُوع وَذَلِكَ كالسويق إذالته بالسمن أَو بني بِنَاء فِي الدَّار الْمُوصى بهَا وَكَذَلِكَ لَو أوصى بِقطن ثمَّ حَشا بِهِ قبَاء وضربه أَو بِثَوْب فَجعله ظهارة أَو بطانة لِأَنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ نقض ذَلِك لكَونه تَصرفا فِي ملكه وَكَذَلِكَ لَو أَزَال الْمُوصى بِهِ عَن ملكه بِأَن بَاعهَا ثمَّ اشْتَرَاهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 بطلت الْوَصِيَّة وَلَو ذبح الشَّاة تبطل الْوَصِيَّة بِنَفس الذّبْح لِأَنَّهُ يدل على الرُّجُوع لِأَن الذَّبِيحَة لَا تبقى إِلَى مَا بعد الْمَوْت وَلَو أوصى بقميص ثمَّ نقضه وَجعله قبَاء يكون رُجُوعا وَلَو لم يخطه قبَاء لَكِن نقض الْقَمِيص فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ وَلَو أوصى بدار ثمَّ جصصها أَو هدمها لَا يكون رُجُوعا لِأَن الْبناء تبع والتجصيص زِينَة وَكَذَلِكَ لَو غسل الثَّوْب الْمُوصى بِهِ لإِزَالَة الْوَسخ وَلَو قَالَ أوصيت بِهَذَا العَبْد لفُلَان ثمَّ قَالَ أوصيت بِهَذَا لفُلَان آخر يكون شركَة وَلَو قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان هُوَ لفُلَان يكون للثَّانِي وَلَا يكون شركَة وَلَو قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان فقد أوصيت بِهِ لفُلَان يكون شركَة وَلَو أوصى ثمَّ أنكر الْوَصِيَّة وجحدها فالجحود لَا يكون رُجُوعا عِنْد أبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد يكون رُجُوعا وَلَو أوصى بِعَبْد لإِنْسَان ثمَّ قَالَ مَا أوصيت لفُلَان فَهُوَ لعَمْرو وَهُوَ حَيّ ثمَّ مَاتَ عَمْرو قبل موت الْمُوصي يكون مِيرَاثا لِأَن الْوَصِيَّة انْتَقَلت إِلَى عَمْرو فَإِذا مَاتَ قبل موت الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة فَيكون مِيرَاثا وَلَو قَالَ مَا أوصيت لفُلَان فَهُوَ لعقب عَمْرو وَعَمْرو حَيّ فَإِن مَاتَ عَمْرو قبل موت الْمُوصي فَهُوَ لوَرَثَة عَمْرو لأَنهم صَارُوا عقبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 لَهُ قبل نَفاذ الْوَصِيَّة بِالْمَوْتِ وَلَو مَاتَ الْمُوصي وَعَمْرو حَيّ فَتكون الْوَصِيَّة لفُلَان لِأَنَّهُ لم تنْتَقل الْوَصِيَّة إِلَيْهِم لِأَن الْعقب لَا يكون قبل موت عَمْرو وَلَو أوصى بِسيف لإِنْسَان فَهُوَ لَهُ بغمده وحمائله عِنْد أبي حنيفَة وَزفر وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَهُ السَّيْف لَا غير وَكَذَا لَو أوصى بالميزان والقبان والسرج فَعِنْدَ زفر يدْخل كل مَا كَانَ تَوَابِع ذَلِك الشَّيْء وَعند أبي يُوسُف يدْخل مَا كَانَ مُتَّصِلا بِهِ وَفِي الْمُصحف الَّذِي لَهُ غلاف عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لَا يدْخل الغلاف وَعند زفر يدْخل فَأَبُو يُوسُف مر على أَصله وَكَذَا زفر وَأَبُو حنيفَة إِمَّا أَن يفرق بَين الْمُصحف وَسَائِر الْمسَائِل أَو يكون عَنهُ رِوَايَتَانِ وَلَو أوصى بِشَيْء فِي الظّرْف فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ الْعَادة إِن كَانَ مِمَّا يُبَاع مَعَ الظّرْف يدْخل وَإِلَّا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 كتاب الْوكَالَة يحْتَاج إِلَى بَيَان الْوكَالَة لُغَة وَشرعا وَإِلَى بَيَان أَنْوَاعهَا أما الْوكَالَة فِي اللُّغَة فَهِيَ الْحِفْظ قَالَ الله تَعَالَى {حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} أَي وَنعم الْحَافِظ وَقد يُرَاد بهَا التَّفْوِيض يُقَال توكلت على الله أَي فوضت أَمْرِي إِلَيْهِ وَفِي الشَّرْع كَذَلِك هِيَ تَفْوِيض التَّصَرُّف وَالْحِفْظ إِلَى الْوَكِيل وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا من قَالَ وكلت فلَانا فِي مَالِي يصير وَكيلا فِي الْحِفْظ لِأَنَّهُ أدنى ثمَّ الْوكَالَة نَوْعَانِ أَحدهمَا فِي حُقُوق الله تَعَالَى والثانى فِي حُقُوق الْعباد أما الْوكَالَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى فنوعان فِي الْإِثْبَات والاستيفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 الأول التَّوْكِيل فِي إِثْبَات الْحُدُود وَهُوَ الَّذِي يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْخُصُومَة من حد السّرقَة وحد الْقَذْف وَفِيه خلاف قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يجوز وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز وَكَذَا الْخلاف فِي إِثْبَات الْقصاص أَيْضا أما فِي غَيرهمَا فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْخُصُومَة فَلَا يَصح فِيهِ التَّوْكِيل فِي الْإِثْبَات بل يثبت ذَلِك عِنْد القَاضِي بالشهود وَالْإِقْرَار وَأما فِي الِاسْتِيفَاء فَإِن كَانَ الْمَسْرُوق مِنْهُ حَاضرا والمقذوف يجوز التَّوْكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ لِأَن ذَلِك إِلَى الإِمَام وَهُوَ لَا يقدر أَن يُبَاشر بِنَفسِهِ على كل حَال وَإِن كَانَ غَائِبا اخْتلف الْمَشَايِخ قيل يجوز لِأَنَّهُ لَا يَصح الْعَفو وَالصُّلْح عَنْهُمَا وَقيل لَا يجوز لِأَنَّهُ يحْتَمل الْإِقْرَار والتصديق وَأما فِي الْقصاص فَإِن كَانَ الْوَلِيّ حَاضرا يجوز وَإِن كَانَ غَائِبا لَا يجوز لاحْتِمَال الْعَفو وَأما الْوكَالَة فِي حُقُوق الْعباد فأنواع مِنْهَا الْوكَالَة فِي الْخُصُومَة فِي إِثْبَات الدّين وَالْعين والحقوق وَاخْتلفُوا فِيهَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح من غير رضَا الْخصم إِلَّا من عذر السّفر أَو الْمَرَض أَو كَانَت امْرَأَة مخدرة وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ جَوَاب أَصْحَابنَا فِي الرجل وَالْمَرْأَة سَوَاء وَإِنَّمَا هَذَا شَيْء استحسنه الْمُتَأَخّرُونَ وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يَصح من غير رضَا الْخصم فِي الْأَحْوَال كلهَا وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وَإِذا صَحَّ التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ فَإِذا أقرّ الْوَكِيل على مُوكله فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمُحَمّد يَصح فِي مجْلِس الْقَضَاء وَلَا يَصح فِي غير مَجْلِسه وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح فيهمَا جَمِيعًا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يَصح أصلا وَأَجْمعُوا أَنه إِذا اسْتثْنى الْإِقْرَار وتزكية الشُّهُود فِي عقد التَّوْكِيل يَصح وَيكون وَكيلا بالإنكار لَا غير وَأما إِذا وكل بِالْخُصُومَةِ مُطلقًا ثمَّ اسْتثْنى الْإِقْرَار فِي كَلَام مُنْفَصِل فَعِنْدَ مُحَمَّد لَا يجوز وَعند أبي يُوسُف يَصح وَأَجْمعُوا أَن إِقْرَار الْأَب وَالْوَصِيّ وَأمين القَاضِي على الصَّغِير لَا يَصح وَأما التَّوْكِيل بِالْإِقْرَارِ إِن ثَبت عِنْده ذكر الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يجوز وَذكر فِي الْوكَالَة أَنه يجوز وَالْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي مَال إِذا قضى القَاضِي بِالْمَالِ هَل يملك الْقَبْض فعندنا يملك وَعند زفر لَا يملك أما الْوَكِيل بتقاضي الدّين فَيملك الْقَبْض أَيْضا فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَلَكِن أَصْحَابنَا الْمُتَأَخّرُونَ قَالُوا لَا يملك بِحكم الْعرف كالوكلاء فِي بَاب الْقَضَاء وَأما الْوَكِيل بِقَبض الدّين فَهَل يملك الْخُصُومَة فِي إِثْبَات الدّين إِذا أنكر الْغَرِيم عِنْد أبي حنيفَة يملك وَعِنْدَهُمَا لَا يملك وَأَجْمعُوا أَن الْوَكِيل بِقَبض الْعين إِذا أنكر الْغَرِيم لَا يملك الْخُصُومَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 وَأَجْمعُوا أَن الْوَكِيل بالملازمة لَا يملك الْقَبْض وَقَالُوا فِي الْوَكِيل بِطَلَب الشُّفْعَة وبالرد بِالْعَيْبِ وبالقسمة إِنَّه يملك الْخُصُومَة ثمَّ لكل وَاحِد من الْخَصْمَيْنِ أَن يعْزل وَكيله من غير محْضر من خَصمه إِلَّا إِذا كَانَ وَكيلا بالتماس الْخصم فَلَا بُد من حَضْرَة الْخصم حَتَّى يَصح عَزله وَلَكِن لَا بُد من علم الْوَكِيل أَو حَضرته حَتَّى يَصح عَزله حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى الْغرُور فِي حَقه وَكَذَا الْجَواب فِي كل وكَالَة وَإِذا بلغ الْوَكِيل الْخَبَر بِالْعَزْلِ بِالْكِتَابَةِ أَو بالرسالة يَنْعَزِل بِلَا خلاف وَأما إِذا جَاءَهُ على وَجه الْخَبَر لم يَنْعَزِل عِنْد أبي حنيفَة حَتَّى يُخبرهُ رجل عدل أَو رجلَانِ على أَي صفة كَانَا فَالشَّرْط عِنْده أحد شطري الشَّهَادَة إِمَّا الْعَدَالَة أَو الْعدَد وَعِنْدَهُمَا خبر الْوَاحِد مَقْبُول وَلَا يشْتَرط الْعَدَالَة لِأَن هَذَا من بَاب الْمُعَامَلَة وَمِنْهَا الْوكَالَة بِقَبض الدّين صَحِيحَة لحَاجَة صَاحبه إِلَى قبض الْوَكِيل لعَجزه عَن قبض دُيُونه بِنَفسِهِ كلهَا إِلَّا أَن فِي قبض رَأس مَال السّلم وَثمن الصّرْف يَصح التَّوْكِيل فِي الْمجْلس لَا خَارج الْمجْلس لِأَن الْمُوكل يملك الْقَبْض فِي الْمجْلس لَا غير وَإِذا قبض الْوَكِيل يبرأ الْمَدْيُون وَصَارَ الْمَقْبُوض ملكا لصَاحب الدّين وَيكون أَمَانَة فِي يَد الْوَكِيل وَيكون حكمه حكم الْمُودع فِي أَن يقبل قَوْله إِنَّه دَفعه إِلَى صَاحب الدّين وَفِي كل مَا يبرأ بِهِ الْمُودع من الْوَدِيعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 وَلَيْسَ للْوَكِيل بِالْقَبْضِ أَن يُوكل غَيره لِأَنَّهُ رَضِي بِرَأْيهِ وأمانته وَحده فَإِن فعل ذَلِك وَقبض الْوَكِيل الثَّانِي لم يبرأ الْغَرِيم من الدّين لِأَن التَّوْكِيل لم يَصح فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ إِلَّا إِذا وصل مَا قبض إِلَى الْوَكِيل الأول لِأَنَّهُ وصل إِلَى يَد من هُوَ نَائِب الْمَالِك فَإِن هلك فِي يَد الْقَابِض قبل ذَلِك ضمنه الَّذِي قَبضه وَلم يبرأ الدَّافِع من الدّين الَّذِي عَلَيْهِ وَكَانَ للطَّالِب أَن يَأْخُذ الْغَرِيم بِدِينِهِ فَإِذا أَخذه مِنْهُ رَجَعَ الْغَرِيم على من دَفعه إِلَيْهِ فَيرجع الْوَكِيل الثَّانِي على الأول إِن هلك مَا قبض فِي يَده إِلَّا إِذا قَالَ الْمُوكل للْوَكِيل بِالْقَبْضِ اصْنَع مَا شِئْت فَلهُ أَن يُوكل غَيره بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ للْوَكِيل بِقَبض الدّين أَن يَأْخُذ عينا مَكَانَهُ لِأَن هَذَا عقد مُعَاوضَة وَقد وَكله بِقَبض حَقه لَا غير لَا بالاستبدال وَلَا بالاعتياض وَلَو وكل رجلَيْنِ بِقَبض دينه فَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يقبض دون صَاحبه لِأَنَّهُ رَضِي برأيهما لَا بِرَأْي أَحدهمَا فَإِن قبض أَحدهمَا لم يبرأ الْغَرِيم حَتَّى يصل مَا قبض أَحدهمَا إِلَى صَاحبه فَيَقَع ذَلِك فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا أَو يصل إِلَى الْمُوكل لِأَن الْمَقْصُود بِالْقَبْضِ قد حصل فكأنهما قد قبضاه ابْتِدَاء وَلَو أَن الْوَكِيل بِقَبض الدّين قَبضه فَوَجَدَهُ معيبا فَمَا كَانَ للْمُوكل رده فللوكيل رده وَأخذ بدله لِأَنَّهُ قَائِم مقَامه وَلَو كَانَ لرجل على رجل دين فَجَاءَهُ رجل وَقَالَ لَهُ إِن الطَّالِب أَمرنِي بِقَبْضِهِ مِنْك فَدفعهُ إِلَيْهِ ثمَّ جَاءَ الطَّالِب وَأنكر أَن يكون أمره بذلك فَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِن صدق الْوَكِيل بِالْوكَالَةِ وَدفعه إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ ادْفَعْ الدّين إِلَى الطَّالِب وَلَا حق لَك على الْوَكِيل لِأَنَّهُ أقرّ بِالْوكَالَةِ ذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 وَإِقْرَاره صَحِيح فِي حق نَفسه فَكَأَنَّهُ يَقُول إِن الطَّالِب ظَلَمَنِي بِالْقَبْضِ فَلَا أظلم الْوَكِيل الْقَابِض بِحَق وَالثَّانِي إِن صدقه وَضَمنَهُ مَا دَفعه إِلَيْهِ ثمَّ حضر الْمُوكل وَرجع عَلَيْهِ رَجَعَ هُوَ على الْقَابِض لِأَنَّهُ وَإِن اعْترف أَنه قبض بِحَق وَأَن الطَّالِب ظَالِم فِيمَا قبض وَلكنه ضمنه مَا يَطْلُبهُ الطَّالِب بِغَيْر حق فَيصح الضَّمَان كَمَا لَو قَالَ مَا غصبك فلَان فَهُوَ عَليّ وَالثَّالِث إِن كَانَ الْمَطْلُوب يَقُول كذب الْوَكِيل فِي الْوكَالَة أَو لم يصدق وَلم يكذب وَدفعه إِلَيْهِ ثمَّ حضر الطَّالِب وَأخذ مِنْهُ رَجَعَ على الْوَكِيل لِأَنَّهُ لما كذبه أَو لم يكذبهُ وَلم يصدقهُ ثمَّ طَالبه عَاد إِلَى التَّكْذِيب وَله ذَلِك فَلم يقر بِكَوْنِهِ قَابِضا بِحَق فَلهُ أَن يرجع وَأما التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ فَنَقُول جملَة هَذَا أَن الْوكَالَة على ضَرْبَيْنِ وكَالَة عَامَّة ووكالة خَاصَّة أما الْوكَالَة الْعَامَّة فَإِنَّهَا تصح مَعَ الْجَهَالَة الْكَثِيرَة كَمَا إِذا قَالَ اشْتَرِ لي مَا شِئْت أَو مَا رَأَيْت لِأَنَّهُ فوض الرَّأْي إِلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَة البضاعة وَالْمُضَاربَة وَأما الْوكَالَة الْخَاصَّة فَالْقِيَاس أَن لَا تجوز مَا لم يذكر الْجِنْس وَقدر الثّمن وَالصّفة كَمَا فِي البيع وَفِي الِاسْتِحْسَان أَن الْجَهَالَة الْيَسِيرَة لَا تمنع وَإِنَّمَا تقل الْجَهَالَة إِذا كَانَ اسْم مَا وكل بِشِرَائِهِ لَا يتَنَاوَل إِلَّا نوعا وَاحِدًا وَذكر فِيهِ أحد أَمريْن إِمَّا الصّفة أَو مِقْدَار الثّمن فَإِذا كَانَ الِاسْم يتَنَاوَل أنواعا مُخْتَلفَة أَو فِي حكم الْأَنْوَاع الْمُخْتَلفَة فَإِن الْجَهَالَة كَثِيرَة فَلَا تجوز الْوكَالَة وَإِن بَين مِقْدَار الثّمن أَو الصّفة أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 كِلَاهُمَا مَا لم يبين مَعَ ذَلِك نوعا مِنْهُ أما بَيَان الأول إِذا قَالَ الْمُوكل للْوَكِيل اشْتَرِ لي عبدا أَو جَارِيَة إِن بَين الثّمن أَو الصّفة بِأَن قَالَ تركيا أَو روميا أَو هنديا جَازَ لِأَنَّهُ تقل الْجَهَالَة بِذكر أَحدهمَا وبحال الْمُوكل وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي حمارا أَو بغلا أَو فرسا وَلم يبين لَهُ صفة وَلَا ثمنا قَالُوا يجوز لِأَن النَّوْع لم يخْتَلف وَالصّفة تكون مَعْلُومَة بِحَال الْمُوكل وَلَو قَالَ اشْتَرِ شَاة أَو بقرة وَلم يبين لَهُ صفة وَلَا ثمنا لم يجز لِأَنَّهَا لَا تصير مَعْلُومَة الصّفة بِحَال الْمُوكل وَقد ذكرنَا أَنه لَا بُد من أَن تكون الصّفة أَو الثّمن مَعْلُوما وَأما بَيَان الثَّانِي إِذا قَالَ اشْتَرِ لي حَيَوَانا أَو مَمْلُوكا أَو دَابَّة أَو ثوبا لَا يجوز وَإِن بَين الثّمن لِأَن الِاسْم يَقع على أَنْوَاع مُخْتَلفَة وَكَذَا إِذا قَالَ اشْتَرِ لي جوهرا لما قُلْنَاهُ وَكَذَا إِذا قَالَ اشْتَرِ لي حِنْطَة لَا تجوز الْوكَالَة مَا لم يبين الثّمن أَو عدد القفزان وَلَو وَكله بشرَاء عبد أَو جَارِيَة وسمى الثّمن أَو الصّفة فَاشْترى أعمى أَو مَقْطُوع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن فَإِنَّهُ يجوز ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة إِذا اشْترى مَا يُسمى عبدا أَو جَارِيَة وَعِنْدَهُمَا يجوز الْأَعْوَر أَو مَقْطُوع أحد الطَّرفَيْنِ فَأَما فَائت جنس الْمَنْفَعَة فَلَا يجوز وَلَو وَكله بِأَن يَشْتَرِي لَهُ طَعَاما وَلم يبين لَهُ فَإِن كَانَ الثّمن قَلِيلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 يصرف إِلَى الْخبز وَإِن كثيرا انْصَرف إِلَى الْحِنْطَة والدقيق وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي بدرهم لَحْمًا انْصَرف إِلَى مَا يُبَاع فِي السُّوق فِي الْأَغْلَب دون لحم الْوَحْش وَالطير والسمك والشواء والمطبوخ وَفِي الرَّأْس ينْصَرف إِلَى المشوي دون النيء وَيَقَع على رَأس الْغنم دون الْبَقر وَهُوَ أَمر مَبْنِيّ على الْعَادة وَلَو قَالَ اشْتَرِ لي جَارِيَة بِعَينهَا بِمِائَة دِينَار فاشتراها بِدَرَاهِم تكون قدر قيمَة مائَة دِينَار أَو أقل جَازَ على الْآمِر فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ زفر لَا يلْزم الْآمِر وَهَذَا رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد وَقَالَ الْكَرْخِي الْمَشْهُور من قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه لَا يجوز أَن يَشْتَرِيهَا بِالدَّرَاهِمِ كَمَا قَالَ زفر لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ ثمَّ الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ إِذا خَالف يصير مُشْتَريا لنَفسِهِ فَأَما الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا خَالف يكون مَوْقُوفا على إجَازَة صَاحبه وَالْفرق ظَاهر وَأما التَّوْكِيل بِالْبيعِ فَنَقُول عِنْد أبي حنيفَة الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَهُ أَن يَبِيع بِمَا عز وَهَان بِأَيّ ثمن كَانَ وَإِن كَانَ غبنا فَاحِشا وَسَوَاء كَانَ الثّمن عينا أَو دينا وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز إِلَّا أَن يَبِيع بالأثمان بِمثل قِيمَته وَأما إِذا بَاعَ الْوَكِيل بعض مَا وكل بِبيعِهِ فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن كَانَ ذَلِك مِمَّا لَا ضَرَر فِي تبعيضه جَازَ بالِاتِّفَاقِ مثل الْمكيل وَالْمَوْزُون أَو يَبِيع شَيْئَيْنِ وَإِن كَانَ فِي تبعيضه ضَرَر بِأَن كَانَ التَّوْكِيل بِبيع عبد فَبَاعَ نصفه جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُوكل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 ثمَّ الْوكَالَة نَوْعَانِ مِنْهَا مَا لَا حُقُوق لَهُ إِلَّا مَا أَمر بِهِ كَالْوكَالَةِ بتقاضي الدّين وَالْوكَالَة بالملازمة وَنَحْوهمَا وَمِنْهَا مَا يكون حُقُوقه للْوَكِيل وَعَلِيهِ وَمِنْهَا مَا يكون حُقُوقه للْمُوكل وَعَلِيهِ فَكل مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى إِضَافَة العقد إِلَى الْمُوكل ويكتفي فِيهِ بِالْإِضَافَة إِلَى نَفسه كالبياعات والأشربة والإجارات وَالصُّلْح عَن إِقْرَار وَنَحْوهَا فَإِن الْحُقُوق ترجع إِلَى الْوَكِيل حَتَّى يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْمَبِيع وَقبض الثّمن ويخاصم المُشْتَرِي الْوَكِيل فِي الْعَيْب وَيجب عَلَيْهِ الضَّمَان عِنْد الِاسْتِحْقَاق إِلَّا إِذا كَانَ العقد لَيْسَ من أهل لُزُوم الْعَهْد كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُور وَالْعَبْد الْمَحْجُور وَالْقَاضِي وَأمين القَاضِي وَنَحْو ذَلِك وللوكيل أَن يُوكل غَيره فِي الْحُقُوق وَلَيْسَ للْمُوكل أَن يُبَاشر ذَلِك بِنَفسِهِ مَا دَامَ الْوَكِيل قَائِما فَإِن مَاتَ الْوَكِيل أَو جن جنونا مطبقا وَهُوَ شهر عِنْد أبي يُوسُف وحول عِنْد مُحَمَّد يخرج الْوَكِيل من الْوكَالَة وَترجع الْعهْدَة إِلَى الْمُوكل وَأما مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْإِضَافَة إِلَى الْمُوكل كَالنِّكَاحِ وَالْخلْع وَالطَّلَاق على مَال وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَالْعِتْق على مَال وَالْكِتَابَة وَالصُّلْح عَن إِنْكَار وَنَحْوهَا فالحقوق ترجع إِلَى الْمُوكل ثمَّ الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا رد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِالْعَيْبِ يملك أَن يَبِيعهُ مرّة أُخْرَى وَكَذَلِكَ فِي كل مَا يكون هُوَ الْخصم فِيهِ وَلَو أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا أَبْرَأ المُشْتَرِي من الثّمن أَو أَجله أَو أَخذ بِالثّمن عوضا غَيره أَو صَالحه من الثّمن على شَيْء فَذَلِك كُله جَائِز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 على الْوَكِيل عِنْد أبي حنيفَة وَيضمن للْمُوكل وعَلى قَوْلهمَا لَا يجوز شَيْء من ذَلِك وَإِن ارْتَدَّ الْوَكِيل توقفت الْوكَالَة فَإِن أسلم جَازَ وَإِن قتل على ردته أَو لحق بدار الْحَرْب مُرْتَدا وَحكم بالحاقه تبطل وَعِنْدَهُمَا جَائِزَة وأصل الْمَسْأَلَة أَن تَصَرُّفَات الْمُرْتَد مَوْقُوفَة عِنْده وَعِنْدَهُمَا نَافِذَة وتصرفات الْمُرْتَدَّة نَافِذَة بِلَا خلاف فَإِن رَجَعَ مُسلما عَاد إِلَى وكَالَته عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف لَا يعود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 كتاب الْكفَالَة قَالَ يحْتَاج إِلَى بَيَان الْكفَالَة لُغَة وَشرعا وَإِلَى بَيَان أَلْفَاظ الْكفَالَة وَإِلَى بَيَان شَرَائِط صِحَّتهَا وَإِلَى بَيَان أَنْوَاع الْمَكْفُول بِهِ وَإِلَى بَيَان أَحْكَامهَا أما الأول فالكفالة لُغَة هِيَ الضَّم قَالَ الله تَعَالَى {وكفلها زَكَرِيَّا} أَي ضمهَا إِلَى نَفسه وَفِي الشَّرْع ضم ذمَّة إِلَى ذمَّة فِي حق الْمُطَالبَة أَو فِي حق أصل الدّين على حسب مَا اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَأما أَلْفَاظ الْكفَالَة فَأن يَقُول الْكَفِيل للطَّالِب دَعه فَأَنا ضَامِن مَا عَلَيْهِ أَو كَفِيل بذلك أَو قبيل أَو زعيم أَو هُوَ إِلَيّ أَو عَليّ أَو هُوَ لَك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 عِنْدِي أَو هُوَ لَك قبلي وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْإِقْرَار إِذا قَالَ لفُلَان عِنْدِي كَذَا يكون إِقْرَارا بالوديعة وَهَاهُنَا يكون ضمانا لِأَن قَوْله عِنْدِي يحْتَمل هُوَ فِي يَدي وَيحْتَمل هُوَ فِي ذِمَّتِي فَيَقَع على الْأَدْنَى وَهُوَ الْوَدِيعَة فَأَما الدّين فَلَا يكون إِلَّا فِي الذِّمَّة وَلَا يكون فِي الْيَد فَحمل على الْوُجُوب هَاهُنَا وَأما شرائطها فَمن ذَلِك أَن يكون الْكَفِيل من أهل التَّبَرُّع لِأَن الْكفَالَة تبرع بِالْتِزَام المَال فَلَا يَصح فِي الصَّبِي وَالْعَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَكَذَا لَا تصح كَفَالَة الْمكَاتب وَكَذَا كَفَالَة الْمَرِيض لَا تصح إِلَّا من الثُّلُث كتبرعه وَمن شَرطهَا أَيْضا أَن يكون الدّين صَحِيحا سَوَاء كَانَ على الصَّغِير أَو العَبْد الْمَحْجُور لِأَنَّهُ يُطَالب بعد الْعتْق أما الْكفَالَة بِبَدَل الْكِتَابَة فَإِنَّهُ لَا تجوز لِأَنَّهُ لَيْسَ بدين صَحِيح لِأَنَّهُ لَا يجب للْمولى على عَبده شَيْء وَإِنَّمَا وَجب مُخَالفا للْقِيَاس لصِحَّة الْكِتَابَة نظرا للْعَبد حَتَّى يصل إِلَى الْعتْق وَأما الْمَكْفُول بِهِ فنوعان الدُّيُون والأعيان وَمَا الْكفَالَة بالديون فصحيحة بِلَا خلاف وَصَاحب الدّين بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ طَالب الْأَصِيل وَإِن شَاءَ طَالب الْكَفِيل وَلَا يُوجب بَرَاءَة الْأَصِيل عندنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وَعند ابْن أبي ليلى يُوجب الْبَرَاءَة وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ يصير الْكفَالَة وَالْحوالَة سَوَاء وَأيهمَا اخْتَار مُطَالبَته لَا يبرأ الآخر بِخِلَاف غَاصِب الْغَاصِب مَعَ الْغَاصِب فَإِن للْمَالِك أَن يضمن أَيهمَا شَاءَ وَإِذا اخْتَار تضمين أَحدهمَا لم يكن لَهُ اخْتِيَار الآخر وَكَذَا فِي إِعْتَاق أحد الشَّرِيكَيْنِ الشَّرِيك السَّاكِت بِالْخِيَارِ بَين أَن يضمن الْمُعْتق إِن كَانَ مُوسِرًا وَبَين أَن يستسعي العَبْد فَإِذا اخْتَار أَحدهمَا لَيْسَ لَهُ أَن يخْتَار الآخر وَجُمْلَة هَذَا أَن الْكَفِيل لَيْسَ لَهُ أَن يُطَالب الْمَكْفُول عَنهُ بِالْمَالِ قبل أَن يُؤَدِّي عَنهُ شَيْئا إِلَّا أَنه إِذا طُولِبَ طَالب الْمَكْفُول عَنهُ بالخلاص فَإِن حبس كَانَ لَهُ أَن يحبس الْمَكْفُول عَنهُ أما إِذا أدّى فَينْظر إِن كَانَ كفل بِغَيْر أمره فَلَا يرجع عندنَا خلافًا لمَالِك لِأَنَّهُ تبرع بِقَضَاء دين غَيره وَإِن كفل عَنهُ بأَمْره وَهُوَ مِمَّن يجوز إِقْرَاره على نَفسه بِالدّينِ وَيملك التَّبَرُّع يرجع عَلَيْهِ لِأَن الْكفَالَة فِي حق الْمَكْفُول عَنهُ استقراض وَهُوَ طلب الْقَرْض وَالْكَفِيل بِالْأَدَاءِ مقرض للمكفول عَنهُ ونائب عَنهُ فِي الْأَدَاء إِلَى الْمَكْفُول لَهُ وَفِي حق الْمَكْفُول لَهُ تمْلِيك مَا فِي ذمَّة الْمَكْفُول عَنهُ من الْكَفِيل بِمَا أَخذه من المَال فَيرجع عَلَيْهِ بِمَا أقْرضهُ حَتَّى إِن الصَّبِي الْمَحْجُور إِذا أَمر رجلا بِأَن يكفل عَنهُ فكفل وَأدّى لَا يرجع عَلَيْهِ لِأَن استقراض الصَّبِي لَا يتَعَلَّق بِهِ الضَّمَان وَأما العَبْد الْمَحْجُور فَلَا يرجع عَلَيْهِ إِلَّا بعد الْعتْق لما قُلْنَا وَلَو وهب صَاحب الدّين المَال لأَحَدهمَا جَازَ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة أَدَاء المَال وَكَذَا لَو مَاتَ الطَّالِب فورثه أَحدهمَا لِأَن بِالْهبةِ وَالْمِيرَاث يملك مَا فِي ذمَّته فَإِن كَانَ الْمَوْهُوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 لَهُ أَو الْوَارِث هُوَ الْكَفِيل فقد ملك مَا فِي ذمَّته فَيرجع على الْأَصِيل كَمَا لَو ملك ذَلِك بِالْأَدَاءِ وَإِن كَانَ الْمَوْهُوب لَهُ أَو الْوَارِث هُوَ الْمَكْفُول عَنهُ برىء الْكَفِيل كَأَنَّهُ أدّى وَلَو أَبْرَأ الطَّالِب الْأَصِيل فقد برئا جَمِيعًا وَإِن أَبْرَأ الْكَفِيل برىء دون الْأَصِيل سَوَاء كَانَ ذَلِك بِأَمْر الْمَكْفُول عَنهُ أَو لَا وَلَو قَالَ لأَحَدهمَا بَرِئت إِلَيّ من المَال فَهُوَ إِقْرَار بِالْقَبْضِ بالِاتِّفَاقِ لِأَن هَذَا اللَّفْظ يسْتَعْمل فِي الْأَدَاء وَلَو قَالَ لأَحَدهمَا بَرِئت من المَال فَهُوَ إِقْرَار بِالْقَبْضِ عِنْد أبي يُوسُف كَأَنَّهُ قَالَ بَرِئت إِلَيّ من المَال وَعند مُحَمَّد بِمَنْزِلَة قَوْله أَبْرَأتك من المَال ثمَّ الْكَفِيل يرجع بِمَا ضمن لَا بِمَا أدّى لِأَنَّهُ ملك مَا فِي ذمَّة الْأَصِيل حَتَّى أَنه إِذا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِم صِحَاح جَيِّدَة فَأدى زُيُوفًا وَتجوز بِهِ صَاحب الدّين فَإِنَّهُ يرجع بالجياد وَكَذَا لَو أدّى عَنْهَا من الْمكيل وَالْمَوْزُون أَو الْعرُوض فَإِنَّهُ يرجع بِالدَّرَاهِمِ بِخِلَاف الْوَكِيل بِقَضَاء الدّين فَإِنَّهُ يرجع بِمَا أدّى لَا بِمَا على الْغَرِيم وَبِخِلَاف الصُّلْح إِذا صَالح من الْألف على خَمْسمِائَة فَإِنَّهُ يرجع بخمسائة لَا بِالْألف لِأَنَّهُ إِسْقَاط الْبَعْض وَلَو كفل لرجل بِمَال إِلَى القطاف أَو إِلَى الْحَصاد أَو إِلَى الدياس أَو إِلَى النيروز أَو إِلَى المهرجان وَنَحْوهَا من الْآجَال المجهولة يَصح عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ بِخِلَاف البيع إِلَى هَذِه الْآجَال فَلَا يجوز بِالْإِجْمَاع وَلَو كَانَ عَلَيْهِ ثمن بيع أَو دين حَال فَأَجله إِلَى هَذِه الْآجَال يَصح أَيْضا بِمَنْزِلَة الْكفَالَة وَلَا خلاف فِي جَوَاز الْكفَالَة إِلَى أجل مَعْلُوم من الشَّهْر وَالسّنة وَنَحْوهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 أما إِذا كفل إِلَى أجل مَجْهُول لَا يشبه آجال النَّاس مثل مَجِيء الْمَطَر وهبوب الرّيح فالأجل بَاطِل وَالْكَفَالَة جَائِزَة لِأَن الْكفَالَة وَردت منجزة لَكِن الْأَجَل بَاطِل فَلم يَصح التَّأْجِيل فَتبقى الْكفَالَة حَالَة أما إِذا علق الْكفَالَة بِشَرْط فَإِن كَانَ ذَلِك سَببا لوُجُوب الْحق أَو وَسِيلَة إِلَى الْأَدَاء فِي الْجُمْلَة مثل أَن يَقُول إِذا قدم زيد أَو اسْتحق الْمَبِيع فالكفالة جَائِزَة لِأَنَّهُ سَبَب للوصول إِلَى الْأَدَاء لِأَن زيدا رُبمَا يكون مضاربا فَأَما إِذا قَالَ إِذا جَاءَ الْمَطَر أَو هبت الرّيح أَو دخل زيد دَارنَا فَأَنا كَفِيل عنْدك بِكَذَا فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن الْأَمْوَال لَا يجوز أَن يتَعَلَّق وُجُوبهَا بِالشُّرُوطِ وَلَو كَانَ على رجل دين مُؤَجل فكفل بِهِ رجل مُطلقًا فَإِنَّهُ يكون مُؤَجّلا لِأَنَّهُ الْتزم مثل مَا على الْأَصِيل فَإِن سمي الْكَفِيل أَََجَلًا زَائِدا عَلَيْهِ أَو نَاقِصا أَو مثله يلْزمه كَذَلِك لِأَنَّهُ مُتَبَرّع فَيلْزمهُ على حسب مَا تبرع بِهِ وَلَو كَانَ المَال حَالا فكفل إِنْسَان مُؤَجّلا بِأَمْر الْمَكْفُول لَهُ فَإِنَّهُ يجوز فَيكون تأجيلا فِي حَقّهمَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه حَال على الْأَصِيل مُؤَجل فِي حق الْكَفِيل وَلَو كفل عَن رجل لرجل والمكفول لَهُ غَائِب فَبَلغهُ الْخَبَر فَأجَاز لَا يَصح وَلَا تتَوَقَّف الْكفَالَة على قبُوله وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف خلافًا لَهما فَهَذَا كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا استحسنا فِي الْمَرِيض إِذا قَالَ عِنْد مَوته لوَرثَته اضمنوا مَا عَليّ من الدّين لغرمائي وهم غيب فَفَعَلُوا فَهُوَ جَائِز ويلزمهم نظرا للْغُرَمَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 وَلَو كفل رجلَانِ رجلا بِأَلف دِرْهَم بأَمْره وَلم يكفل كل وَاحِد عَن صَاحبه فَإِن على كل وَاحِد مِنْهُمَا خَمْسمِائَة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْكفَالَة وَلَو أدّى أَحدهمَا لَا يرجع على صَاحبه لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَن نَفسه لَا عَن صَاحبه لَكِن يرجع على الْأَصِيل بِمَا أدّى وَلَو لَقِي الْمَكْفُول لَهُ الكفيلين يعد ذَلِك فكفل أَحدهمَا عَن صَاحبه صَحَّ لِأَن الْكفَالَة عَن الْكَفِيل صَحِيحَة ثمَّ مَا أدّى فَالْقَوْل قَوْله إِنَّه أدّى من كَفَالَة الْكَفِيل الآخر أَو من كَفَالَة نَفسه لِأَنَّهُ لزمَه المَال من وَجْهَيْن وَلَو لَقِي الْمَكْفُول لَهُ الْكَفِيل الآخر الَّذِي لم يكفل فَطلب مِنْهُ أَن يكفل عَن صَاحبه وكفل صَحَّ وَالْجَوَاب فِيهِ وَفِيمَا إِذا كَانَ فِي الِابْتِدَاء كفل كل وَاحِد من الكفيلين عَن صَاحبه سَوَاء وَهُوَ أَن كل مَا يُؤَدِّي كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى الْمَكْفُول لَهُ فَذَلِك عَن نَفسه إِلَى خَمْسمِائَة وَلَو قَالَ أؤدي عَن شَرِيكي لَا عَن نَفسِي لَا يقبل وَيكون عَن نَفسه فَأَما إِذا زَاد على خَمْسمِائَة فَيرجع بِالزِّيَادَةِ على شَرِيكه إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ على الْمَكْفُول عَنهُ وعَلى هَذَا إِذا اشْترى رجلَانِ من رجل عبدا بِأَلف دِرْهَم على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل عَن صَاحبه ثمن حِصَّته وَكَذَا الْجَواب فِي المفاوضين بعد فسخ الشّركَة إِذا كَانَ عَلَيْهِمَا دين لصَاحبه أَن يُطَالب بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِذا أدّى أَحدهمَا النّصْف لَا يرجع فَإِذا أدّى زِيَادَة على النّصْف لَهُ أَن يرجع على صَاحبه لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل عَن صَاحبه وَأما الْكفَالَة بالأعيان فَهِيَ أَنْوَاع ثَلَاثَة أَحدهمَا كَفَالَة بِعَين هِيَ أَمَانَة غير وَاجِبَة التَّسْلِيم كَالْوَدِيعَةِ وَكَمَال الْمُضَاربَة وَالشَّرِكَة وَهِي لَا تصح أصلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 وَالثَّانِي الْكفَالَة بِعَين هِيَ أَمَانَة وَلكنهَا وَاجِبَة التَّسْلِيم كالعارية وَالْمُسْتَأْجر فِي يَد الْمُسْتَأْجر وَكَذَا الْعين الْمَضْمُونَة بغَيْرهَا كَالْمَبِيعِ قبل الْقَبْض مَضْمُون بِالثّمن وكالرهن مَضْمُون بِالدّينِ وَالْجَوَاب فِي الْكل وَاحِد وَهُوَ أَنه تصح الْكفَالَة بِتَسْلِيم الْعين فَمَتَى هَلَكت الْعين لَا يجب على الْكَفِيل قيمَة الْعين وَالثَّالِث الْعين الْمَضْمُونَة بِقِيمَتِهَا كالمغصوب وَالْمَبِيع بيعا فَاسِدا والمقبوض على سوم الشِّرَاء تصح الْكفَالَة بهَا وَيجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْعين مَا دَامَت بَاقِيَة وَإِذا هَلَكت يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم قيمتهَا مَتى ثَبت الْغَصْب بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار ثمَّ الْكفَالَة بِالنَّفسِ بعد الدَّعْوَى من قبيل الْقسم الثَّانِي فَإِنَّهُ مَضْمُون بِالتَّسْلِيمِ وَإنَّهُ يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم النَّفس والحضور إِلَى بَاب القَاضِي حَتَّى يُقيم الْخصم الْبَيِّنَة فَتَصِح الْكفَالَة بِهِ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَكِن لَو هلك الْكَفِيل لَا شَيْء عَلَيْهِ من المَال الْمُدعى بِهِ حَتَّى لَا يُؤْخَذ من تركته وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَكَذَا لَو كفل بِنَفس من عَلَيْهِ التَّعْزِير أما لَو كفل بِنَفس من عَلَيْهِ حد الْقَذْف أَو حد السّرقَة أَو الْقصاص هَل يجوز ذكر أَبُو الْحسن أَن الْكفَالَة بِالنَّفسِ فِي الْحُدُود وَالْقصاص جَائِزَة فِي قَوْلهم إِذا بذلها الْمَطْلُوب بِنَفسِهِ وَلَكِن هَل للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بالتكفيل إِذا طلب الْخصم قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَأْخُذ القَاضِي مِنْهُ كَفِيلا وَلَكِن يحْبسهُ حَتَّى تُقَام عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَو يَسْتَوْفِي ثمَّ الْكَفِيل بِالنَّفسِ يُؤْخَذ بإحضار الْمَكْفُول عَنهُ مَا دَامَ إحضارة مُمكنا مَقْدُورًا فَإِن صَار بِحَال لَا يقدر على إِحْضَاره بِوَجْه من الْوُجُوه بِأَن مَاتَ بطلت الْكفَالَة وَلَا شَيْء على الْكَفِيل فَأَما إِذا كَانَ يُرْجَى حُضُور الْمَكْفُول عَنهُ بِأَن غَابَ فَإِنَّهُ يتَأَخَّر الْمُطَالبَة بالإحضار عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 الْكَفِيل للْحَال ويؤجل إِلَى مُدَّة يُمكنهُ الْإِحْضَار فِي تِلْكَ الْمدَّة فَإِن لم يحضرهُ وَظَهَرت مماطلته فَإِنَّهُ يحبس الْكَفِيل فَإِذا ظهر للْقَاضِي أَنه لَا يقدر على الْإِحْضَار بِدلَالَة الْحَال أَو شهد الشُّهُود بذلك فَإِنَّهُ يخرج من الْحَبْس وَينظر إِلَى وَقت الْقُدْرَة كَمَا فِي الْإِعْسَار فِي حق الدّين وَإِذا أخرجه القَاضِي فَإِن الْغُرَمَاء يلازمونه وَلَا يحول القَاضِي بَينه وَبَين الْغُرَمَاء وَلَكِن لَيْسَ للْغُرَمَاء أَن يمنعوه من اشْتِغَاله كَمَا فِي الإفلاس سَوَاء هَذَا إِذا كفل بِالنَّفسِ مُطلقًا فَأَما إِذا ادّعى عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فكفل بِنَفسِهِ على أَن يوافيه بِهِ غَدا فَإِن لم يوافه بِهِ غَدا فَعَلَيهِ المَال الَّذِي ادّعى فَإِن أقرّ الْمَطْلُوب بِالْألف أَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ وَقضى القَاضِي وكفل على هَذَا الْوَجْه صحت الْكفَالَة بِالنَّفسِ وَتَصِح الْكفَالَة بِالْمَالِ مُعَلّقا بِشَرْط ترك الموافاة غَدا وَالْكَفَالَة بِالشّرطِ صَحِيحَة فَإِذا لم يواف بِهِ غَدا يُؤْخَذ مِنْهُ المَال بِسَبَب الْكفَالَة بِالْمَالِ وَبقيت الْكفَالَة بِالنَّفسِ لِأَن من حجَّته أَن يَقُول لي عَلَيْهِ مَال آخر وَلَو قَالَ كفلت بِنَفسِهِ على أَنِّي إِن لم أواف بِهِ غَدا فعلي الْألف وَلم يقل الْألف الَّذين ادعيت فعلى قَول مُحَمَّد لَا تصح الْكفَالَة وعَلى قَوْلهمَا تصح كَأَنَّهُ قَالَ فعلي الْألف الَّذِي تَدعِي لِأَنَّهُ هِيَ الْمَعْهُودَة فَأَما إِذا أنكر الْمَطْلُوب المَال ثمَّ كفل بِنَفسِهِ على أَن يوافيه بِهِ غَدا وَإِن لم يواف بِهِ فَعَلَيهِ المَال فَلم يوافه بِهِ لَا يلْزمه المَال لِأَن وجوب المَال لَا يتَعَلَّق بالخطر أما الْكفَالَة بِالْمَالِ الثَّابِت فَيتَعَلَّق بالخطر وَلَو كفل بِالنَّفسِ وَالْمَال وَسَماهُ ثمَّ قَالَ إِن وافيتك بِهِ غَدا فَأَنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 بَرِيء مِنْهُ فوافاه بِهِ من الْغَد يبرأ من المَال فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة لَا يبرأ لِأَن هَذَا تَعْلِيق الْبَرَاءَة بِالشّرطِ وَفِي الْبَرَاءَة معنى التَّمْلِيك فَلَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ وَلَو كفل بِالنَّفسِ على أَن يوافي بِهِ عِنْد القَاضِي غَدا فسلمه إِلَيْهِ فِي السُّوق فَإِنَّهُ يبرأ وَالْأَصْل أَنه إِذا سلمه فِي مَكَان يقدر على أَن يحضرهُ فِيهِ إِلَى القَاضِي فَهُوَ كتسليمه فِي مجْلِس القَاضِي وَكَذَا إِذا سلمه فِي أَطْرَاف هَذَا الْمصر وَلَو سلمه فِي قَرْيَة هَذَا الْمصر الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَاض لَا يبرأ وَلَو كفل على أَن يدْفع فِي مصر معِين فَدفع فِي مصر آخر يبرأ عِنْد أبي حنيفَة وَفِي كل مَوضِع فِيهِ قَاض وَعِنْدَهُمَا لَا يبرأ مَا لم يسلم فِي ذَلِك الْمصر بِعَيْنِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 كتاب الْحِوَالَة الْحِوَالَة مَشْرُوعَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من أُحِيل على مَلِيء فليتبعه ثمَّ الْحِوَالَة مبرئة عندنَا حَتَّى يبرأ الْمُحِيل من الدّين الَّذِي عَلَيْهِ بالحوالة إِلَى الْمُحْتَال عَلَيْهِ وللمحتال لَهُ أَن يُطَالب الْمُحْتَال عَلَيْهِ لَا غير وَقَالَ زفر لَا يبرأ وَله أَن يطالبهما كَمَا فِي الْكفَالَة وَكَذَا الْكفَالَة بِشَرْط بَرَاءَة الْأَصِيل حِوَالَة أَيْضا عندنَا لِأَنَّهَا حِوَالَة معنى ثمَّ لَيْسَ للمحتال لَهُ أَن يرجع على الْمُحِيل إِلَّا إِذا توى مَا على الْمُحْتَال عَلَيْهِ وَذَلِكَ بطريقين عِنْد أبي حنيفَة بِأَن يَمُوت الْمُحْتَال عَلَيْهِ مُفلسًا أَو يجْحَد الْمُحْتَال عَلَيْهِ الْحِوَالَة وَيحلف وَعِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ وبطريق ثَالِث وَهُوَ أَن يقْضِي القَاضِي بإفلاسه فِي حَال الْحَيَاة لِأَن الْقَضَاء بالإفلاس صَحِيح عِنْدهمَا فِي حَالَة الْحَيَاة وَعند أبي حنيفَة لَا يَصح وعَلى قَول الشَّافِعِي لَا يعود الدّين إِلَى الْمُحِيل أبدا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 ثمَّ الْحِوَالَة نَوْعَانِ مُطلقَة ومقيدة أما الْمُطلقَة فَأن يحِيل صَاحب الدّين على رجل لَهُ مَال عَلَيْهِ أَو لم يكن وَقبل ذَلِك الرجل فَإِن لم يكن عَلَيْهِ مَال يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي وَإِن كَانَ عَلَيْهِ مَال وَلم يُقيد الْحِوَالَة بِهِ بِأَن لم يقل أحيله عَلَيْك بِمَالي عَلَيْك أَو على أَن تعطيه مِمَّا عَلَيْك وَقبل الْمُحْتَال عَلَيْهِ فَعَلَيهِ أَدَاء الْأَلفَيْنِ ألف إِلَى الْمُحِيل وَألف إِلَى الْمُحْتَال لَهُ وللمحيل أَن يُطَالِبهُ بذلك الْألف لِأَنَّهُ لم تتقيد الْحِوَالَة بِهِ كَمَا إِذا كَانَ عِنْد رجل ألف دِرْهَم وَدِيعَة فأحال غَرِيمه عَلَيْهِ بِأَلف دِرْهَم وَلم يُقَيِّدهُ بِالْألف الْوَدِيعَة فَقبله لَهُ أَن يَأْخُذ الْوَدِيعَة وعَلى الْمُحْتَال عَلَيْهِ أَدَاء الْألف بالحوالة فَأَما إِذا قيد الْأَدَاء بِالْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ فَلَيْسَ للْمُحِيل أَن يُطَالِبهُ بِالْأَدَاءِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ تعلق بِهِ حق الْمُحْتَال لَهُ فَإِذا أدّى تقع الْمُقَاصَّة بَينهمَا ثمَّ فِي الْحِوَالَة الْمُطلقَة إِذا لم يكن على الْمُحْتَال عَلَيْهِ دين فَأدى إِلَى الْمُحْتَال لَهُ أَو وهب لَهُ الْمُحْتَال لَهُ أَو تصدق عَلَيْهِ أَو ورث من الْمُحْتَال لَهُ أَو أدّى الْمُحْتَال عَلَيْهِ دَنَانِير أَو عرُوضا بدل الدَّرَاهِم فَإِنَّهُ يرجع على الْمُحِيل بِالْمَالِ بِمَنْزِلَة الْكَفِيل على مَا مر وَإِن أَبرَأَهُ عَن الدّين وَقبل مِنْهُ وَلم يرد الْإِبْرَاء فَإِنَّهُ يبرأ وَلَا يرجع على الْمُحِيل بِشَيْء كَمَا فِي الْكفَالَة هَذَا إِذا كَانَت الْحِوَالَة بِأَمْر الْمُحِيل فَإِن كَانَت بِغَيْر أمره فَأدى الْمُحْتَال عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يرجع وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين فَهُوَ بِحَالهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 كتاب الصُّلْح الصُّلْح مَشْرُوع بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع أما الْكتاب فَقَوله تعالي {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير} وَأما السّنة فَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع ثمَّ الصُّلْح أَنْوَاع ثَلَاثَة أَحدهَا الصُّلْح عَن إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ جَائِز بِالْإِجْمَاع وَالثَّانِي الصُّلْح عَن إِنْكَاره وَهُوَ جَائِز عندنَا وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَالثَّالِث الصُّلْح عَن سكُوت الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ جَائِز أَيْضا عندنَا وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ الصُّلْح بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ أَو بَين الْمُدَّعِي وَالْأَجْنَبِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 أما الأول فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون الدَّعْوَى فِي الْعين الْقَائِمَة أَو فِي الدّين وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ الصُّلْح عَن إِنْكَار أَو عَن إِقْرَار أما إِذا كَانَت الدَّعْوَى فِي الْأَعْيَان الْقَائِمَة وَالصُّلْح عَن إِقْرَار فَإِن هَذَا الصُّلْح فِي معنى البيع من الْجَانِبَيْنِ فَمَا يجوز فِي البيع يجوز فِي الصُّلْح وَمَا لَا فَلَا فَإِن كَانَ الْمُدعى بِهِ عرُوضا أَو عقارا أَو حَيَوَانا من العبيد وَالدَّوَاب يجوز الصُّلْح إِذا كَانَ بدل الصُّلْح عينا قَائِما معينا مَمْلُوكا لَهُ سَوَاء كَانَ كيليا أَو وزنيا أَو غير ذَلِك من الْحَيَوَان وَالْعرُوض أما إِذا كَانَ دينا فَإِن كَانَ شَيْئا من الْمكيل وَالْمَوْزُون مَعْلُوم الْقدر وَالصّفة يجوز كَمَا فِي البيع لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تصلح ثمنا عينا كَانَ أَو دينا وَإِن كَانَ الْبَدَل ثيابًا مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة لَا يجوز مَا لم يُوجد فِيهِ جَمِيع شَرَائِط السّلم بِخِلَاف الكيلي والوزني فَإِنَّهُ يثبت دينا فِي الذِّمَّة مُطلقًا فِي الْمُعَاوضَة الْمُطلقَة فيصلح ثمنا من غير أجل وَإِن كَانَ الْبَدَل حَيَوَانا مَوْصُوفا فِي الذِّمَّة لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يصير دينا فِي مُقَابلَة مَال بِمَال فَلَا يصلح ثمنا وَإِن كَانَ الصُّلْح عَن إِنْكَار فَكَذَلِك الْجَواب فِي جَانب الْمُدَّعِي فَأَما فِي جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ فَهُوَ إِسْقَاط وَبدل عَمَّا لَيْسَ بِمَال وعَلى هَذَا يثبت حق الشُّفْعَة فِي الْجَانِبَيْنِ فِي الصُّلْح عَن إِقْرَار حَتَّى أَن الْبَدَل إِذا كَانَ دَارا وَالْمُدَّعى بِهِ دَارا يثبت للشَّفِيع الشُّفْعَة فِي الدَّاريْنِ وَفِي الصُّلْح عَن إِنْكَار وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا يثبت للشَّفِيع الشُّفْعَة فِي الدَّار الَّتِي هِيَ بدل الصُّلْح دون الدَّار الَّتِي هِيَ مدعى بهَا لما قُلْنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَكَذَا حق الرَّد بِالْعَيْبِ وَحكم الِاسْتِحْقَاق على هَذَا فِي الصُّلْح عَن إِقْرَار يثبت من الْجَانِبَيْنِ وَفِي الصُّلْح عَن إِنْكَار يثبت فِي جَانب الْمُدَّعِي لَا غير أما إِذا كَانَ الْمُدعى بِهِ ذَهَبا أَو فضَّة فَإِن كَانَ الْبَدَل غير الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِنَّهُ يجوز الصُّلْح كَيْفَمَا كَانَ وَإِن كَانَ الْبَدَل ذَهَبا أَو فضَّة فَإِن كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار وَالْبدل من جنس الْمُدعى بِهِ فَلَا يَصح إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء وَيشْتَرط التَّقَابُض إِن كَانَ بِخِلَاف جنسه كالذهب مَعَ الْفضة يجوز مَعَ التَّفَاضُل وَلَكِن يشْتَرط الْقَبْض فِي الْمجْلس لِأَن هَذَا صرف فَيشْتَرط فِيهِ شَرَائِط الصّرْف وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الصُّلْح عَن إِنْكَار فِي حق الْمُدَّعِي هَذَا كُله إِذا كَانَ الْمُدعى بِهِ عينا فَأَما إِذا كَانَ دينا فَإِن كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير وَبدل الصُّلْح عين مَال مَعْلُوم من غير الكيلي والوزني فَإِنَّهُ يجوز وَيكون ذَلِك بِمَنْزِلَة بيع الْعين بِالدّينِ إِن كَانَ عَن إِقْرَار وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار فَفِي حق الْمُدَّعِي كَذَلِك إِلَّا أَنه إِذا كَانَ الْبَدَل من الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّتِي تتَعَيَّن كالتبر والأواني مِنْهُمَا يكون صرفا فَيشْتَرط التَّسَاوِي والتقابض فِي الْجِنْس والتقابض فِي خلاف الْجِنْس دون التَّسَاوِي وَإِن كَانَ الْبَدَل من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِن كَانَ من جنسه كَمَا إِذا كَانَ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم جَيِّدَة فَصَالح من ذَلِك على ألف دِرْهَم جَيِّدَة أَو رَدِيئَة جَازَ وَيكون هَذَا اسْتِيفَاء عين حَقه وإبراء عَن صفته وَإِن صَالح على خَمْسمِائَة جَيِّدَة أَو رَدِيئَة جَازَ وَيكون اسْتِيفَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 للْبَعْض وإبراء عَن الْبَعْض وَإِن صَالح على ألف دِرْهَم لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يَجْعَل اسْتِيفَاء فَيجْعَل صرفا والتساوي شَرط لصِحَّة الصّرْف عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس وأصل هَذَا أَن الصُّلْح مَتى وَقع على جنس مَا هُوَ الْمُسْتَحق بِعقد المداينة يَجْعَل اسْتِيفَاء وَإِن لم يُمكن أَن يَجْعَل اسْتِيفَاء يكون صرفا فَيشْتَرط فِيهِ شَرَائِط الصّرْف وعَلى هَذَا إِذا صَالح من ألف دِرْهَم رَدِيء على خَمْسمِائَة جَيِّدَة لَا يجوز لِأَن مُسْتَحقّ الرَّدِيء لَا يسْتَحق الْجيد فَلَا يُمكن أَن يَجْعَل اسْتِيفَاء فَيكون صرفا وَبيع ألف دِرْهَم رَدِيء بِخَمْسِمِائَة جَيِّدَة لَا يجوز لِأَنَّهُ رَبًّا وَلَو صَالح من ألف سود على ألف بيض وَسلمهَا فِي الْمجْلس جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاء وَهُوَ صرف فَإِذا وجد التَّقَابُض وهما فِي مجْلِس وَاحِد جَازَ لِأَن الْجَوْدَة لَا قيمَة لَهَا عِنْد مقابلتها بجنسها وَإِن افْتَرقَا بَطل وَلَو صَالح عَن ألف بيض على خَمْسمِائَة سود جَازَ وَيكون هَذَا حطا عَن الْقدر وَالصّفة وَاسْتِيفَاء لبَعض الأَصْل وَلَو صَالح من الدّين الْحَال على الْمُؤَجل وهما فِي الْقدر سَوَاء جَازَ وَيكون هَذَا تأجيلا للدّين وَلَو كَانَ على الْعَكْس يجوز أَيْضا وَيكون اسْتِيفَاء وَيصير الآخر تَارِكًا حَقه وَهُوَ الْأَجَل وَلَو كَانَ الدّين مُؤَجّلا وَصَالح على بعضه معجلا لَا يجوز لِأَن صَاحب الدّين الْمُؤَجل لَا يسْتَحق الْمُعَجل فَلَا يُمكن أَن يَجْعَل اسْتِيفَاء فَصَارَ عوضا وَبيع خَمْسمِائَة بِأَلف لَا يجوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وَلَو كَانَ الْبَدَل بِخِلَاف جنسه بِأَن صَالح من الدَّرَاهِم على الدَّنَانِير فَإِن وجد التَّقَابُض يجوز وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يَجْعَل اسْتِيفَاء لاخْتِلَاف الْجِنْس فَيصير صرفا فَيشْتَرط شَرَائِط الصّرْف وَكَذَا فِي سَائِر الوزنيات إِذا كَانَت مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة لِأَنَّهُ افترق عَن دين بدين وعَلى هَذَا إِذا كَانَ الدّين كيليا فَصَالح على جنسه أَو على خلاف جنسه على الْفُصُول الَّتِي ذكرنَا من غير تفَاوت وَأما إِذا كَانَ بدل الصُّلْح الْمَنَافِع بِأَن كَانَ على رجل عشرَة دَرَاهِم فَصَالح من ذَلِك على مَنْفَعَة الدَّار سنة أَو ركُوب الدَّابَّة سنة وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يجوز وَيكون إِجَارَة إِن كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار من الْجَانِبَيْنِ وَإِن كَانَ عَن إِنْكَار من جَانب الْمُدَّعِي فَكل حكم عرف فِي الْإِجَارَة فَهُوَ الحكم هَاهُنَا فِي موت الْعَاقِدين وهلاك الْمُسْتَأْجر والاستحقاق من غير تفَاوت وَقد ذكرنَا فِي الْإِجَارَة إِلَّا أَن فِي الصُّلْح عَن إِقْرَار يرجع إِلَى الْمُدعى بِهِ وَفِي الصُّلْح عَن إِنْكَار يرجع إِلَى أصل الدَّعْوَى وَإِن كَانَ الدّين الْمُدعى بِهِ حَيَوَانا بِأَن وَجب فِي الذِّمَّة عَن قتل الْخَطَأ أَو فِي الْمهْر وَبدل الْخلْع فَصَالح على دَرَاهِم فِي الذِّمَّة وافترقا من غير قبض جَازَ وَإِن كَانَ هَذَا دينا بدين لِأَن هَذَا لَيْسَ بمعاوضة بل اسْتِيفَاء عين حَقه لِأَن الْحَيَوَان الَّذِي وَجب فِي الذِّمَّة لم يكن وُجُوبه لَازِما حَتَّى إِن من عَلَيْهِ إِذا جَاءَ بِقِيمَتِه يجْبر من لَهُ على الْقبُول بِخِلَاف سَائِر الدُّيُون هَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا كَانَ الْمُدعى بِهِ مَالا فَأَما إِذا كَانَ حقوقا لَيست بِمَال فَصَالح مِنْهَا على بدل هُوَ مَال فَهَذَا على ضَرْبَيْنِ ضرب يجوز وَضرب لَا يجوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 أما الضَّرْب الَّذِي يجوز فنحو الصُّلْح عَن مُوجب الْعمد فِي النَّفس وَمَا دون النَّفس على أَي بدل كَانَ دينا كَانَ أَو عينا أقل من الدِّيَة وَأرش الْجِنَايَة أَو أَكثر لِأَن هَذَا بدل الْقصاص لَا بدل الدِّيَة إِلَّا أَن الْبَدَل إِذا كَانَ دينا لَا بُد من الْقَبْض فِي الْمجْلس حَتَّى لَا يكون افتراقا عَن دين بدين وبمثله لَو كَانَ الصُّلْح فِي قتل الْخَطَأ وجراح الْخَطَأ فِيمَا ذكرنَا من جَوَاز الصُّلْح وَاشْتِرَاط الْقَبْض فِي الدّين إِلَّا أَن الْفرق بَين الْعمد وَالْخَطَأ أَن فِي الْعمد الصُّلْح على أَكثر من الدِّيَة وَالْأَرْض جَائِز وَفِي الْخَطَأ على أَكثر من الدِّيَة وَالْأَرْش لَا يجوز لِأَن هَا هُنَا الْأَرْش وَالدية مقدران شرعا وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ رَبًّا فَلَا يجوز فَهُوَ الْفرق ثمَّ ينظر إِن كَانَ الْبَدَل مِمَّا يصلح مهْرا فِي النِّكَاح وَتَصِح تَسْمِيَته يجب ذَلِك وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يصلح مهْرا وَلَا تصح تَسْمِيَته وَيجب فِي ذَلِك مهر الْمثل تجب هَاهُنَا دِيَة النَّفس فِي الْقَتْل وَأرش الْجِنَايَة فِيمَا دون النَّفس إِلَّا فِي فصل وَاحِد وَهُوَ أَنه إِذا صَالح على خمر أَو خِنْزِير فِي الْعمد فَإِن كَانَ فِي النِّكَاح يجب مهر الْمثل وَهَاهُنَا يسْقط الْقصاص وَلَا يجب شَيْء وَيكون ذَلِك عفوا مِنْهُ وَمَا عرفت من الْجَواب فِي الصُّلْح عَن دم الْعمد فَهُوَ الْجَواب فِي الْخلْع وَالْعِتْق على مَال وَالْكِتَابَة فِيمَا ذكرنَا وَأما الضَّرْب الثَّانِي فأنواع كَثِيرَة مِنْهَا أَن المُشْتَرِي إِذا صَالح مَعَ الشَّفِيع عَن حق الشُّفْعَة على مَال مَعْلُوم لَا يجوز وَمِنْهَا أَن الْكَفِيل بِالنَّفسِ إِذا صَالح الْمَكْفُول لَهُ بِمَال مَعْلُوم على أَن يبرأ من الْكفَالَة فَالصُّلْح بَاطِل وَالْكَفَالَة لَازِمَة وَلَو كَانَ لرجل ظلة على طَرِيق نَافِذَة أَو كنيف شَارِع فخاصمه رجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 فِيهِ وَأَرَادَ طَرحه فَصَالحه على دَرَاهِم فَالصُّلْح بَاطِل لِأَن هَذَا حق لجَماعَة الْمُسلمين وَلم يكن لَهُ حق مُعْتَبر حَتَّى يكون إِسْقَاطًا لحقه وبمثله لَو كَانَ الطَّرِيق غير نَافِذ فخاصمه رجل من أهل الطَّرِيق فَصَالحه على دَرَاهِم مُسَمَّاة فَالصُّلْح جَائِز لِأَنَّهُ مُشْتَرك بَين جمَاعَة محصورة فَيكون جُزْء مِنْهُ ملكا لهَذَا الْوَاحِد فَيكون صلحا عَن حَقه وَفِيه فَائِدَة لاحْتِمَال أَن يُصَالح الْبَقِيَّة بِخِلَاف الأول لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الصُّلْح من جَمِيع النَّاس وَلَو ادّعى رجل على رجل مائَة دِرْهَم فأنكرها الْمُدعى عَلَيْهِ فَصَالح الْمُدَّعِي على أَنه إِن حلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَهُوَ بَرِيء فَحلف الْمُدعى عَلَيْهِ مَا لهَذَا الْمُدَّعِي قَلِيل وَلَا كثير فَإِن الصُّلْح بَاطِل وَالْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة أَخذه بهَا وَإِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة وَأَرَادَ استحلافه لَهُ ذَلِك وَإِنَّمَا بَطل ذَلِك لِأَنَّهُ إِبْرَاء مُعَلّق بِالشّرطِ وَهُوَ فَاسد لِأَن فِيهِ معنى التَّمْلِيك وَأما الِاسْتِحْلَاف فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن حلف فِي غير مجْلِس القَاضِي فَلهُ أَن يحلفهُ ثَانِيًا لِأَن الْحلف فِي غير مجْلِس القَاضِي لَا عِبْرَة بِهِ فيحلفه ثَانِيًا وَأما إِذا حلف فِي مجْلِس القَاضِي فَلَا يحلفهُ ثَانِيًا لِأَن حق الْمُدَّعِي فِي الْحلف صَار مُسْتَوْفِي مرّة فَلَا يجب عَلَيْهِ الْإِيفَاء ثَانِيًا وَلَو اصطلحا على أَن يحلف الْمُدَّعِي فَمَتَى حلف فالدعوى لَازِمَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ فَحلف الْمُدَّعِي على ذَلِك فَإِن الصُّلْح بَاطِل وَلَا يلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ شَيْء بِهَذَا لِأَن هَذَا إِيجَاب المَال بِشَرْط وَهُوَ فَاسد وَلَو ادّعى على امْرَأَة نِكَاحهَا فصالحها على مائَة دِرْهَم على أَن تقر لَهُ بِالنِّكَاحِ فَهُوَ جَائِز وَتَكون الْمِائَة زِيَادَة فِي مهرهَا لِأَن إِقْرَارهَا بِالنِّكَاحِ مَحْمُول على الصِّحَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وَكَذَا لَو قَالَ لَهَا أَعطيتك مائَة دِرْهَم على أَن تَكُونِي امْرَأَتي فَهُوَ جَائِز إِذا قبلت ذَلِك بِمحضر من الشُّهُود وَيكون هَذَا كِنَايَة عَن النِّكَاح ابْتِدَاء وَكَذَا لَو قَالَ تَزَوَّجتك أمس على ألف دِرْهَم فَقَالَت لَا فَقَالَ أزيدك مائَة على أَن تقري لي بِالنِّكَاحِ فأقرت كَانَ لَهَا ألف وَمِائَة وَالنِّكَاح جَائِز وَيحمل إِقْرَارهَا على الصِّحَّة وَكَذَا لَو ادعِي على رجل مَجْهُول النّسَب أَنه عَبده فَأنْكر وَقَالَ إِنِّي حر الأَصْل فَصَالح الْمُدَّعِي عَلَيْهِ مَعَ الْمُدَّعِي على بدل مَعْلُوم جَازَ حَتَّى لَو أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة بعد ذَلِك لَا تقبل وَيصير ذَلِك بِمَنْزِلَة الْعتْق بِبَدَل وَلَكِن تقبل الْبَيِّنَة فِي حق إِثْبَات الْوَلَاء وَلَو ادّعى على رجل ألف دِرْهَم فَأنْكر فَقَالَ أقرّ لي بهَا عَلَيْك على أَن أُعْطِيك مائَة دِرْهَم كَانَ بَاطِلا لِأَن هَذَا إِيجَاب الْألف على نَفسه بِمِائَة دِرْهَم وَكَذَلِكَ لَو صَالح الْقَاذِف مَعَ الْمَقْذُوف بِشَيْء على أَن يعْفُو عَنهُ وَلَا يخاصمه فَهُوَ بَاطِل وَكَذَلِكَ لَو صَالح الشَّاهِد بِمَال على أَن لَا يشْهد عَلَيْهِ أَو أَرَادَ أَن يشْهد على الزَّانِي أَو السَّارِق أَو الْقَاذِف فَصَالَحُوهُ على مَال فَالصُّلْح بَاطِل وَلَا تقبل شَهَادَته فِي هَذِه الْحَادِثَة وَفِي غَيرهَا إِلَّا أَن يَتُوب وَيسْتَرد المَال مِنْهُ فِي جَمِيع ذَلِك وَلَو ادّعى رجل قبل رجل وَدِيعَة أَو عَارِية أَو مَالا مُضَارَبَة أَو إِجَارَة فَقَالَ الْأمين قد رَددتهَا عَلَيْك أَو هَلَكت ثمَّ صَالحه على مَال فَإِن الصُّلْح بَاطِل عِنْد أبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد جَائِز وَهِي من الخلافيات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وَأما إِذا كَانَ الصُّلْح بَين الْمُدَّعِي وَالْأَجْنَبِيّ فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ بِإِذن الْمُدعى عَلَيْهِ أَو بِغَيْر إِذْنه أما إِذا كَانَ بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُ يَصح الصُّلْح وَيكون وَكيلا عَنهُ فِي الصُّلْح وَيجب المَال على الْمُدعى عَلَيْهِ دون الْوَكِيل سَوَاء كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو عَن إِنْكَار لِأَن الْوَكِيل فِي الصُّلْح لَا ترجع إِلَيْهِ الْحُقُوق وَهَذَا إِذا لم يضمن بدل الصُّلْح عَن الْمُدعى عَلَيْهِ فَأَما إِذا ضمن فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ بِحكم الْكفَالَة وَالضَّمان لَا بِحكم العقد فَأَما إِذا كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهَذَا صلح الْفُضُولِيّ وَهُوَ على أَرْبَعَة أوجه فِي ثَلَاثَة مِنْهَا يَصح الصُّلْح وَيجب المَال على الْمصَالح الْفُضُولِيّ وَلَا يجب على الْمُدعى عَلَيْهِ شَيْء بِأَن يَقُول الْفُضُولِيّ للْمُدَّعِي أصالحك من دعواك هَذِه على فلَان بِأَلف دِرْهَم على أَن ضَامِن لَك هَذِه الْألف أَو عَليّ هَذِه الْألف أَو قَالَ عَليّ ألفي هَذِه أَو على عَبدِي هَذَا أضَاف المَال إِلَى نَفسه أَو عين الْبَدَل فَقَالَ عَليّ هَذِه الْألف أَو عَليّ هَذَا العَبْد وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا لِأَن التَّبَرُّع بِإِسْقَاط الدّين بِأَن يقْضِي دين غَيره بِغَيْر إِذْنه صَحِيح والتبرع بِإِسْقَاط الْخُصُومَة عَن غَيره صَحِيح وَالصُّلْح عَن إِقْرَار إِسْقَاط للدّين وَالصُّلْح عَن إِنْكَار إِسْقَاط للخصومة فَيجوز كَيْفَمَا كَانَ وَفِي فصل وَاحِد لَا يَصح بِأَن قَالَ أصالحك من دعواك هَذَا مَعَ فلَان على ألف دِرْهَم أَو على عبد وسط فَإِن هَذَا الصُّلْح مَوْقُوف على إجَازَة الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن أجَاز يَصح وَيجب المَال عَلَيْهِ دون الْمصَالح لِأَن الْإِجَازَة بِمَنْزِلَة ابْتِدَاء التَّوْكِيل وَالْحكم فِي التَّوْكِيل كَذَلِك وَإِن لم يجز يبطل الصُّلْح لِأَنَّهُ لَا يجب المَال وَالْمُدَّعى بِهِ لَا يسْقط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وعَلى هَذَا الْخلْع من الْأَجْنَبِيّ على هَذِه الْفُصُول إِن كَانَ بِإِذن الزَّوْج يكون وَكيلا عَنهُ وَيجب المَال على الْمَرْأَة للزَّوْج دون الْوَكِيل لِأَنَّهُ معبر وسفير فَلَا يرجع إِلَيْهِ بالحقوق وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَإِن وجد من الْفُضُولِيّ ضَمَان بدل الْخلْع أَو قَالَ خَالع امْرَأَتك على كَذَا دِرْهَم عَليّ أَو على عَبدِي هَذَا أوعلي هَذَا الْألف أَو عَليّ هَذَا العَبْد فَإِن الْخلْع صَحِيح وَيجب المَال على الْفُضُولِيّ وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع لِأَنَّهُ مُتَبَرّع وَإِن قَالَ اخلع امْرَأَتك على كَذَا فَقَالَ خلعت فَإِنَّهُ مَوْقُوف على إجَازَة الْمَرْأَة فَإِن أجازت صَحَّ الْخلْع وَيجب الْبَدَل عَلَيْهَا دون الْفُضُولِيّ وَإِن لم تجز بَطل الْخلْع وَلَا يَقع الطَّلَاق وعَلى هَذِه الْفُصُول الْعَفو عَن دم الْعمد من الْأَجْنَبِيّ وعَلى هَذِه الْفُصُول الزِّيَادَة فِي الثّمن من الْأَجْنَبِيّ إِن كَانَت بِإِذْنِهِ يكون وَكيلا وَتجب على المُشْتَرِي لَا وَإِن كَانَت بِغَيْر إِذن المُشْتَرِي فَهُوَ على الْفُصُول الَّتِي ذكرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 بَاب آخر من الصُّلْح جمع فِي الْبَاب مسَائِل مُتَفَرِّقَة مِنْهَا أَن من كَانَ لَهُ على آخر ألف دِرْهَم فَقَالَ للمديون أصالحك على أَن أحط عَنْك مِنْهَا خَمْسمِائَة على أَن تُعْطِينِي الْيَوْم خَمْسمِائَة فَصَالحه على ذَلِك قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِن أعطَاهُ خَمْسمِائَة فِي ذَلِك الْيَوْم برىء من الْخَمْسمِائَةِ الْأُخْرَى وَإِن لم يُعْطه حَتَّى مضى الْيَوْم انْتقض الصُّلْح وعادت الْألف عَلَيْهِ كَمَا كَانَت وَقَالَ أَبُو يُوسُف بِأَنَّهُ يبرأ من الْخَمْسمِائَةِ وَيبقى عَلَيْهِ خَمْسمِائَة وَأَجْمعُوا أَنه إِذا قَالَ أصالحك عَن الْألف على خَمْسمِائَة تعجلها الْيَوْم فَإِن لم تعجلها فالألف عَلَيْك وَلم يعجل الْيَوْم بَطل الصُّلْح وَعَلِيهِ الْألف وَحَاصِل هَذَا أَن عِنْدهمَا هَذَا الْكَلَام فِي مَوضِع الْإِجْمَاع وَهُوَ الْفَصْل الثَّانِي لَيْسَ تَعْلِيق الْبَرَاءَة عَن خَمْسمِائَة بِشَرْط تَعْجِيل خَمْسمِائَة لِأَن الْألف كلهَا مُعجلَة بِحكم عقد المداينة فَلَا معنى لاشتراطه وَهُوَ ثَابت وَلِأَن تَعْلِيق الْبَرَاءَة بِالشّرطِ لَا يجوز لِأَنَّهُ تمْلِيك من وَجه حَتَّى يرْتَد بِالرَّدِّ وَهَذَا الْكَلَام صَحِيح بِالْإِجْمَاع وَلكنه حط وإبراء عَن الْخَمْسمِائَةِ للْحَال وَتَعْلِيق فسخ الْبَرَاءَة بترك التَّعْجِيل فِي الْيَوْم وَتَعْلِيق الْفَسْخ بِالشّرطِ جَائِز فَإِن من قَالَ لغيره أبيعك هَذَا العَبْد بِأَلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 دِرْهَم على أَن تعجلها الْيَوْم فَإِن لم تعجلها فَلَا بيع بَيْننَا فَإِن البيع جَائِز وَجعل ترك التَّعْجِيل شرطا فِي الْفَسْخ فَكَذَا هَذَا وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي فصل الْخلاف وَعند أبي يُوسُف هَذَا تَعْلِيق الْبَرَاءَة بِشَرْط التَّعْجِيل والبراءة لَا يَصح تَعْلِيقهَا بِالشُّرُوطِ وَجه قَول أبي يُوسُف أَنه صَالح على عوض بِشَرْط تَعْجِيله فَإِذا لم يُوجد الْوَفَاء بالتعجيل لم يَنْفَسِخ العقد بِدُونِ شَرط الْفَسْخ صَرِيحًا وَلم يُوجد فَبَقيَ الْحَط صَحِيحا كَمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد بِأَلف على أَن تعجلها الْيَوْم بِخِلَاف الْفَصْل الْمجمع عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك صلح على خَمْسمِائَة للْحَال وَجعل ترك التَّعْجِيل شرطا للْفَسْخ عرفنَا ذَلِك بالتنصيص على ذَلِك الشَّرْط وَلَو صَالح على أَن يُعْطِيهِ خَمْسمِائَة إِلَى شهر على أَن يحط عَنهُ خَمْسمِائَة السَّاعَة فَإِن لم يُعْطه إِلَى شهر فَعَلَيهِ الْألف فَهُوَ صَحِيح لِأَن هَذَا إِبْرَاء للْحَال وَتَعْلِيق لفسخ الْإِبْرَاء بِالشّرطِ وعَلى هَذَا الْكفَالَة إِذا أَخذ مِنْهُ كَفِيلا بِأَلف دِرْهَم فَصَالح مَعَه على أَن يحط خَمْسمِائَة وَشرط على الْكَفِيل ذَلِك إِن أوفاه خَمْسمِائَة إِلَى شهر فَإِن لم يوفه خَمْسمِائَة إِلَى رَأس الشَّهْر فَعَلَيهِ الْألف فَهُوَ جَائِز وَالْألف على الْكَفِيل إِن لم يوفه لما قُلْنَا وَلَو ضمن الْكَفِيل الْألف مُطلقًا ثمَّ قَالَ عَنْك حططت خَمْسمِائَة على أَن توفيني رَأس الشَّهْر خَمْسمِائَة فَإِن لم توفني فالألف عَلَيْك فَهَذَا صَحِيح وَهُوَ أوثق من الأول وَلَو قَالَ لمن عَلَيْهِ الْألف مَتى مَا أدّيت إِلَيّ خَمْسمِائَة فَأَنت تَبرأ عَن الْبَاقِي فَإِن هَذَا لَا يَصح وَيبقى عَلَيْهِ الْألف لِأَن هَذَا تَعْلِيق الْبَرَاءَة بِالشّرطِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ صالحتك على أَنَّك مَتى مَا أدّيت إِلَيّ خَمْسمِائَة فَأَنت بَرِيء من خَمْسمِائَة لَا يَصح لما قُلْنَا وَكَذَا من قَالَ هَذِه الْمقَالة لمكاتبه إِذا أدّيت إِلَيّ خَمْسمِائَة فَأَنت بَرِيء من بَاقِي الْكِتَابَة لما قُلْنَا وَلَو قَالَ لَهُ إِن أدّيت إِلَيّ خَمْسمِائَة فَأَنت حر وَالْبدل ألف يَصح وَيبرأ لِأَن هَذَا تَعْلِيق الْعتْق وَتثبت الْبَرَاءَة حكما وَمِنْهَا المُشْتَرِي إِذا وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا فَصَالحه البَائِع من الْعَيْب على شَيْء دَفعه إِلَيْهِ أَو حط عَنهُ من ثمنه شَيْئا فَإِن كَانَ الْمَبِيع مِمَّا يجوز رده على البَائِع أَو كَانَ لَهُ حق الْمُطَالبَة بأرشه دون رده فَالصُّلْح جَائِز لِأَن هَذَا صلح عَن حَقه وَإِن لم يكن لَهُ حق الرَّد وَلَا أَخذ الْأَرْش لَا يجوز الصُّلْح لِأَن هَذَا أَخذ مَال لَا بِمُقَابلَة شَيْء فَلَا يجوز وَهَذَا إِذا كَانَ بيعا يجوز فِيهِ التَّفَاضُل وَأما إِذا كَانَ فِي بيع الرِّبَا فَلَا يجوز لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَة وَهُوَ رَبًّا فَلَا يجوز وَفِي الْموضع الَّذِي جَازَ إِذا زَالَ الْعَيْب بِأَن انجلى الْبيَاض يبطل الصُّلْح وَيَأْخُذ البَائِع مَا أدّى لِأَنَّهُ زَالَ حَقه وَلَو صَالح عَن عيب قَائِم وَعَن كل عيب يجوز وَلَو لم يجد بِهِ عَيْبا وَصَالح مَعَ هَذَا عَن كل عيب جَازَ لوُجُود سَبَب الْحق وَلَو صَالح عَن عيب خَاص كالعمى وَنَحْوه يجوز لِأَنَّهُ لما جَازَ عَن كل عيب جَازَ عَن الْوَاحِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 كتاب الْمُزَارعَة فِي الْكتاب فصلان فصل فِي الْمُزَارعَة وَفصل فِي الْمُعَامَلَات ونحتاج إِلَى تفسيرهما فِي عرف اللُّغَة وَالشَّرْع وَإِلَى بَيَان مشروعيتهما وَإِلَى بَيَان أَنْوَاع الْمُزَارعَة وَإِلَى بَيَان شَرَائِط الْمُزَارعَة المصححة مِنْهَا والمفسدة وَإِلَى بَيَان الْمعَانِي الَّتِي تجْعَل عذرا فِي فسخ الْمُزَارعَة والامتناع مِنْهَا بعد الشُّرُوع فِيهَا أما الأول فَنَقُول الْمُزَارعَة عبارَة عَن عقد الزِّرَاعَة بِبَعْض الْخَارِج وَهُوَ إِجَارَة الأَرْض أَو الْعَامِل بِبَعْض الْخَارِج وَأما إجارتهما بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير فِي الذِّمَّة أَو مُعينَة فَلَا يكون عقد مُزَارعَة بل سمي إِجَارَة وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْإِجَارَة وَكَذَا الْمُعَامَلَة هُوَ إِجَارَة الْعَامِل ليعْمَل فِي كرمه وأشجاره من السَّقْي وَالْحِفْظ بِبَعْض الْخَارِج وَأما بَيَان المشروعية فَقَالَ أَبُو حنيفَة كلتاهما فاسدتان غير مشروعتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد كلتاهما مشروعتان وَقَالَ الشَّافِعِي الْمُعَامَلَة مَشْرُوعَة دون الْمُزَارعَة وَهِي مَعْرُوفَة فِي الخلافيات وَأما بَيَان أَنْوَاع الْمُزَارعَة ذكر فِي الْكتاب وَقَالَ الْمُزَارعَة أَنْوَاع أَرْبَعَة وَهِي كَذَلِك فِي الظَّاهِر لَكِن يتَفَرَّع مِنْهَا أَنْوَاع أخر وَمَعْرِفَة ذَلِك مَبْنِيَّة على معرفَة أصُول مِنْهَا أَن الْمُزَارعَة فِيهَا معنى الْإِجَارَة وَالشَّرِكَة لِأَنَّهَا إِمَّا إِجَارَة الأَرْض أَو الْعَامِل بِبَعْض الْخَارِج إِن كَانَ بالبذر من قبل صَاحب الأَرْض فَهُوَ مُسْتَأْجر الْعَامِل ليعْمَل لَهُ فِي أرضه بِمَا يُعْطِيهِ من الْعِوَض وَهُوَ بعض الْخَارِج الَّذِي هُوَ نَمَاء ملكه وَهُوَ الْبذر وَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل فَهُوَ مُسْتَأْجر الأَرْض ليزرعها بِبَعْض الْخَارِج الَّذِي هُوَ نَمَاء ملكه وَهُوَ الْبذر وَمِنْهَا أَيْضا معنى الشّركَة بَين الْمُتَعَاقدين لكَون الْخَارِج مُشْتَركا بَينهمَا على قدر مَا سميا فِي العقد إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول قد جَاءَ الشَّرْع بِجَوَاز الْمُزَارعَة بِبَعْض الْخَارِج إِذا كَانَ عوضا عَن مَنْفَعَة الأَرْض أَو عَن مَنْفَعَة الْعَامِل بِخِلَاف الْقيَاس لحَاجَة النَّاس لِأَن الْأُجْرَة مَعْدُومَة مَجْهُولَة فَمَتَى كَانَ العقد على هَذَا الْوَجْه يكون مُزَارعَة صَحِيحَة وَإِلَّا فَيكون مُزَارعَة فَاسِدَة وأصل آخر وَهُوَ أَن صَاحب الْبذر يسْتَحق الْخَارِج بِسَبَب أَنه نَمَاء ملكه لَا بِالْإِجَارَة وَالَّذِي لَيْسَ بِصَاحِب الْبذر يسْتَحق الْخَارِج بِالشّرطِ وَهُوَ عقد الْمُزَارعَة فَإِن العقد إِذا كَانَ صَحِيحا يجب الْبَدَل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 الْمُسَمّى وَإِذا كَانَ فَاسِدا لَا يسْتَحق الْبَدَل الْمُسَمّى وَلَكِن يجب أجر الْمثل بِمُقَابلَة مَنْفَعَة الأَرْض أَو مَنْفَعَة الْعَامِل لِأَنَّهُ لم يرض ببذل الْمَنْفَعَة من غير عوض لَكِن عِنْد مُحَمَّد يجب أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ وَعند أبي يُوسُف مُقَدرا بِقِيمَة الْخَارِج الْمُسَمّى ذكر الْخلاف فِي كتاب الشّركَة وَيكون الْخَارِج كُله لصَاحب الْبذر لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه ثمَّ إِذا كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض يكون الزَّرْع كُله لَهُ طيبا وَلَا يتَصَدَّق بِشَيْء لِأَنَّهُ نَمَاء ملكه وَقد حصل فِي أرضه وَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل فَإِن الْخَارِج بِقدر بذره وبقدر مَا غرم من أجر مثل الأَرْض والمؤن يطيب لَهُ لِأَنَّهُ أدّى عوضه وَيتَصَدَّق بِالْفَضْلِ على ذَلِك لِأَنَّهُ وَإِن تولد من بذره لَكِن فِي أَرض غَيره بِعقد فَاسد فأورث شُبْهَة الْخبث وعَلى هَذَا قَالُوا فِي الْمُزَارعَة الصَّحِيحَة إِذا لم تخرج الأَرْض شَيْئا لَا يجب على وَاحِد مِنْهُمَا لَا أجر الْعَمَل وَلَا أجر الأَرْض لِأَن الْوَاجِب هُوَ الْخَارِج لكَون التَّسْمِيَة صَحِيحَة فتقومت الْمَنَافِع بِهَذَا الْبَدَل فَمَتَى لم يُوجد بقيت الْمَنَافِع على الأَصْل وَهِي غير مُتَقَومَة وَفِي الْمُزَارعَة الْفَاسِدَة يجب أجر الْمثل وَإِن لم تخرج الأَرْض شَيْئا لِأَن الْمَنَافِع تتقوم هَاهُنَا بِأَجْر الْمثل ففوات الْخَارِج لَا يمْنَع من وُجُوبه إِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول ذكر فِي الْكتاب وَقَالَ الْمُزَارعَة أَنْوَاع أَرْبَعَة وَهِي فِي الظَّاهِر كَذَلِك وَلَكِن يتَفَرَّع مِنْهُمَا أَنْوَاع أخر أما بَيَان الْأَرْبَعَة أَن يكون الأَرْض وَالْبذْر من رب الأَرْض وَالْبَقر وَالْعَمَل وآلاته من الْعَامِل أَو يكون الأَرْض وَالْبَقر وَالْبذْر من رب الأَرْض وَالْعَمَل من الْعَامِل لَا غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 أَو تكون الأَرْض وَحدهَا من صَاحب الأَرْض وَالْبَاقِي كُله من الْعَامِل أَو تكون الأَرْض وَالْبَقر من صَاحب الأَرْض وَالْبذْر وَالْعَمَل من الْعَامِل فَفِي الثَّلَاثَة الأولى الْمُزَارعَة صَحِيحَة لِأَن فِي الْفَصْل الأول صَاحب الأَرْض مُسْتَأْجر للْعَمَل وَالْبَقر آلَة الْعَمَل فَيكون تبعا لَهُ فَلَا تكون الْأُجْرَة بِمُقَابلَة الْبَقر كمن اسْتَأْجر خياطا ليخيط بآلته يجوز وَفِي الْفَصْل الثَّانِي صَاحب الأَرْض مُسْتَأْجر لِلْعَامِلِ أَيْضا وَحده وَفِي الْفَصْل الثَّالِث يكون الْعَامِل مُسْتَأْجرًا للْأَرْض وَحدهَا وَقد ذكرنَا أَن اسْتِئْجَار الأَرْض وَحدهَا واستئجار الْعَامِل بِبَعْض الْخَارِج وَحده يكون مُزَارعَة صَحِيحَة لوُرُود الحَدِيث فِيهِ مُخَالفا للقياص وَفِي الْفَصْل الرَّابِع لَا يجوز لِأَنَّهُ يصير صَاحب الْبذر وَهُوَ الْعَامِل مُسْتَأْجرًا للْأَرْض وَالْبَقر بِبَعْض الْخَارِج فَيكون الْبَعْض بِمُقَابلَة الْبَقر مَقْصُودا وَلم يرد الشَّرْع بِهِ فَبَقيَ على أصل الْقيَاس وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الأمالي أَنَّهَا جَائِزَة وَأما مَا يتَفَرَّع مِنْهَا الِاسْتِئْجَار الْبذر وَهُوَ أَن يدْفع الرجل بذرا إِلَى رجل ليزرعه فِي أرضه ببقره بِنصْف أَو بِثلث فالمزارعة فَاسِدَة لما قُلْنَا إِنَّه يصير مُسْتَأْجرًا الأَرْض وَالْعَامِل جَمِيعًا وَلم يرد الشَّرْع بِهِ وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنَّهَا جَائِزَة وَمِنْهَا أَن يشْتَرك أَرْبَعَة من أحدهم الأَرْض وَمن الآخر الْبذر وَمن الثَّالِث الْبَقر وَمن الرَّابِع الْعَمَل فَهِيَ فَاسِدَة وَفِي عين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 هَذِه الْحَادِثَة ورد الْأَثر بِالْفَسَادِ وَلَو شَرط عمل صَاحب الأَرْض مَعَ الْعَامِل لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يُوجد تخلية الأَرْض وَيجب أجر الْمثل فِيمَا إِذا كَانَ الْبذر من الْعَامِل وَيجب أجر مثل عمل الْعَامِل إِذا كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض وَلَو شَرط عمل عبد صَاحب الأَرْض على أَن يكون الْخَارِج أَثلَاثًا ثلثه لصَاحب الأَرْض وَثلثه لعَبْدِهِ وَثلثه لِلْعَامِلِ إِن كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض جَازَ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجر لِلْعَامِلِ فَيكون العَبْد معينا لَهُ وَيكون نصيب العَبْد لصَاحبه وَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل لَا يجوز وَيكون الْخَارِج لصَاحب الْبذر وَعَلِيهِ أجر مثل الأَرْض وَالْعَبْد وَكَذَا أجر الْبَقر إِن كَانَ من صَاحب الأَرْض أَيْضا وَلَو شَرط عمل رجل أَجْنَبِي مَعَ الْعَامِل على أَن الْخَارِج يكون أَثلَاثًا فَإِن كَانَ الْبذر من الْعَامِل لَا يجوز فِي حق الْعَامِل الثَّانِي وَيجوز فِيمَا بَين صَاحب الأَرْض وَالْعَامِل الأول فَيكون الثُّلُث لصَاحب الأَرْض وَالثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ الأول وللعامل الثَّانِي أجر الْمثل وَإِن كَانَ الْبذر من صَاحب الأَرْض جَازَ وَيكون الثُّلُث لَهُ وَلكُل عَامل الثُّلُث لِأَنَّهُ يصير مُسْتَأْجرًا للعاملين وَهَذَا جَائِز وَأما شَرَائِط الصِّحَّة وَالْفساد فَمن شَرَائِط الصِّحَّة بَيَان الْمدَّة سنة أَو أَكثر وَهَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة أَنه قَالَ هَذَا فِي بِلَادهمْ لِأَن وَقت الزِّرَاعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 متفاوت فَيصير ابْتِدَاء الزِّرَاعَة مَجْهُولا أما فِي بِلَادنَا فَيجب أَن يجوز لِأَن وقته مَعْلُوم فَصَارَ كالمعاملة وَيَقَع على أول زرع يخرج وَأما فِي الْمُعَامَلَة فَالْقِيَاس أَن يشْتَرط بَيَان الْمدَّة وَفِي الِاسْتِحْسَان أَنه يَقع على أول ثَمَر يخرج فَإِذا انْتهى الثَّمر انْتهى العقد فَأَما فِي الرطاب فَإِذا دفع الأَرْض ليزرع الرطاب وَدفع بذرها أَو دفع أَرضًا فِيهَا أصُول رطبَة ثَابِتَة وَلم يسم الْمدَّة فَإِن كَانَ شَيْئا لَيْسَ لابتداء نَبَاته وَلَا لانْتِهَاء جزه وَقت مَعْلُوم لَا يجوز فَأَما إِذا كَانَ وَقت جزه مَعْلُوما فَإِنَّهُ يجوز وَيَقَع على وَقت جزه وَاحِدَة كَمَا فِي الشَّجَرَة المثمرة وَلَو دفع إِلَيْهِ نخلا فِيهَا طلع وَبسر أَحْمَر أَو أصفر أَو أَخْضَر فَإِنَّهُ يجوز وَإِن لم يبين الْوَقْت لِأَنَّهُ وَقت إِدْرَاكه مَعْلُوم وَلَو دفع إِلَيْهِ الْبُسْر وَقد تناهى عظمه لَكِن لم يصر رطبا بعد لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يبْق لِلْعَامِلِ عمل يحصل بِهِ الثَّمر وَكَذَا الْجَواب فِي دفع الزَّرْع مُزَارعَة إِن كَانَ بقلا لم يستحصد جَازَ وَإِن استحصد لَا يجوز لما قُلْنَا وَمِنْهَا إِذا شَرط على الْعَامِل شرطا يبْقى منفعَته إِلَى السّنة الثَّانِيَة وَقد دفع الأَرْض مُزَارعَة سنة كحفر الْأَنْهَار الصغار والآبار وَوضع المسناة تفْسد الْمُزَارعَة وَإِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يبْقى يجوز وعَلى هَذَا إِذا شَرط الكراب لَا تفْسد لِأَنَّهُ لَا تبقى منفعَته فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 السّنة الثَّانِيَة وَإِن شَرط الثنيان تفْسد وَبَعْضهمْ قَالُوا أَرَادَ بِهِ تَثْنِيَة الكراب مرَّتَيْنِ ومرارا وَهَذَا تبقى منفعَته فِي السّنة الثَّانِيَة وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ بِهِ أَن تثنى الكراب بعد انْقِضَاء مُدَّة الْمُزَارعَة حَتَّى يرد الأَرْض مكروبة إِلَى صَاحبهَا وَهُوَ شَرط مُفسد ثمَّ شَرط الكراب إِذا لم يكن مُفْسِدا هَل يلْزم الْمزَارِع فَنَقُول يلْزم بِالشّرطِ لِأَنَّهُ سَبَب لزِيَادَة الْغلَّة فَصَارَ كمن اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا خبازة أَو كاتبة فَيجْبر على الكراب لَو امْتنع وَلَو عقد الْمُزَارعَة مُطلقًا هَل يجب الكراب على الْعَامِل إِن كَانَ بِحَال يخرج الأَرْض زرعا مُعْتَادا من غير كراب لَا يلْزمه وَإِن كَانَ لَا يخرج زرعا مُعْتَادا فَإِنَّهُ يجْبر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ يخرج شَيْئا قَلِيلا لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ مُطلق عمل الزِّرَاعَة فَيَقَع على أدنى عمل مُعْتَاد فَأَما غير المتعاد من الزَّرْع الْقَلِيل فَلَا عِبْرَة بِهِ وَكَذَا السَّقْي يجب عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَا يخرج زرعا مُعْتَادا بِمَاء السَّمَاء وَحده وَلَو دفع على أَنه إِن زرع بكراب فَلهُ كَذَا إِن ثنى فَلهُ كَذَا وَإِن زرع بِغَيْر كراب وثنيان فَكَذَا صَحَّ العقد فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَكَذَا إِذا قَالَ إِن زرع حِنْطَة فَلهُ كَذَا وَإِن زرع شَعِيرًا فَلهُ كَذَا فَهُوَ على هَذَا أَيْضا وَمِنْهَا أَن يشْتَرط الْحَصاد والدياس والتذرية وَالْحمل إِلَى مَوضِع البيدر فَهُوَ شَرط مُفسد للْعقد فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه شَرط صَحِيح وَهُوَ قَول مَشَايِخ خُرَاسَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وَأما شَرط الْحمل بعد الْقِسْمَة إِلَى منزل صَاحب الأَرْض فَهُوَ مُفسد بالِاتِّفَاقِ وَمِنْهَا التَّخْلِيَة بَين الأَرْض والمزارع شَرط الصِّحَّة وَقد ذكرنَا وَأما الْمعَانِي الَّتِي تجْعَل عذرا للْفَسْخ أَو تجْعَل عذرا فِي الِامْتِنَاع عَن الْعَمَل أَو حق أَخذ الأَرْض فَنَقُول إِذا عقد عقد الْمُزَارعَة ثمَّ أَرَادَ أَحدهمَا الِامْتِنَاع فَإِن كَانَ صَاحب الْبذر لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الشُّرُوع إِلَّا بعد إِتْلَاف ملكه وَهُوَ الْبذر وَإِذ لم يكن صَاحب الْبذر لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِعُذْر يفْسخ بِهِ العقد وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فللآخر أَن يمْتَنع إِن كَانَ قبل الشُّرُوع وَبعد الشُّرُوع يَنْفَسِخ العقد عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ على التَّفْصِيل الَّذِي نذْكر والأعذار الْمُوجبَة حق الْفَسْخ فِي جَانب صَاحب الأَرْض هُوَ الدّين الَّذِي لَا وَجه لقضائه إِلَّا بِثمن الأَرْض أَو كَون الْعَامِل جانيا وَفِي جَانب الْعَامِل هُوَ الْمَرَض الَّذِي يعجزه عَن الْعَمَل وَالسّفر وَنَحْو ذَلِك ثمَّ إِذا فسخ أَو ترك العقد وَقد عمل فِيهَا الْعَامِل من الكراب وكرى السواقي وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ شَيْئا من صَاحب الأَرْض لِأَنَّهُ لَا قيمَة للمنافع وهما قوماها بالخارج وَقد بَطل سَبَب الِاسْتِحْقَاق بِالْفَسْخِ لَكِن هَذَا فِي الحكم أما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَعَلَيهِ أَن يُرْضِي الْعَامِل بِإِعْطَاء عوض عمله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 ثمَّ بَيَان كَيْفيَّة الْفَسْخ بِمَوْت أحد الْعَاقِدين فَنَقُول إِن مَاتَ رب الأَرْض وَالزَّرْع بقل وَقد عقد الْمُزَارعَة ثَلَاث سِنِين فَإِنَّهُ يبْقى العقد فِي هَذِه السّنة لهَذَا الزَّرْع وَلَيْسَ لوَرَثَة رب الأَرْض أَخذ الأَرْض وَلَكِن تتْرك الأَرْض فِي يَد الْمزَارِع حَتَّى يستحصد فَإِذا استحصد قسموه على شرطهم وتنتقض الْمُزَارعَة فِيمَا بَقِي من السنين وَإِنَّمَا يبْقى العقد نظرا للجانبين شرعا وَلَو مَاتَ المزراع وَالزَّرْع بقل فَإِن كَانَ وَرَثَة المزراع قَالُوا نَحن نعمل فَلَيْسَ لصَاحب الأَرْض أَن يقْلع وَتبقى الْمُزَارعَة حكما فَأَما إِذا قَالَ وَرَثَة الْمزَارِع نَحن لَا نعمل وَلَكِن نقلع الزَّرْع والبقل بَيْننَا لَا يجبرون على الْعَمَل وَيُقَال لصَاحب الأَرْض اقلع فَيكون بَيْنكُم أَو أعطهم قيمَة حصتهم وَالزَّرْع كُله لَك أَو أنْفق على حصتهم وَتَكون نَفَقَتك فِي حصتهم فَأَما إِذا انْقَضتْ الْمدَّة من غير موت المزارعين وَالزَّرْع بقل انْتهى عقد الْمُزَارعَة وَلَكِن الزَّرْع مُشْتَرك بَينهمَا فَيكون الْعَمَل عَلَيْهِمَا إِلَى أَن يستحصد وعَلى الْمزَارِع أجر مثل نصف الأَرْض وعَلى هَذَا فِي مُدَّة الْإِجَارَة وَالْعَارِية إِذا انْقَضتْ وَالزَّرْع بقل فَإِنَّهُ يجب أجر مثل الأَرْض وَيتْرك الزَّرْع حَتَّى يستحصد نظرا لَهما بِخِلَاف الْمَوْت فَإِنَّهُ ثمَّة لَا يجب أجر مثل الأَرْض لِأَن ثمَّة يبْقى العقد حكما وَيكون الْعَمَل على الْعَامِل لَا عَلَيْهِمَا وعَلى هَذَا قَالُوا إِن الْجمال إِذا مَاتَ فِي بعض طَرِيق مَكَّة فَإِن الْمُسْتَأْجر يمْضِي إِلَى مَكَّة بِالْمُسَمّى لأَنا بَقينَا العقد حكما كَذَا هَذَا وَكَذَا إِذا كَانَ على صَاحب الأَرْض دين فادح وَفِي الأَرْض الزَّرْع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 بقل لَيْسَ لَهُ أَن يَبِيع الأَرْض بل يبْقى العقد إِلَى أَن يستحصد لما قُلْنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 كتاب الْإِكْرَاه الْإِكْرَاه نَوْعَانِ نوع يُوجب الإلجاء والإضرار كالتخويف بِالْقَتْلِ وَقطع الْعُضْو وَالضَّرْب المبرح المتوالي الَّذِي يخَاف مِنْهُ التّلف وَنَوع لَا يُوجب كالتخويف بِالْحَبْسِ والقيد وَالضَّرْب الْيَسِير وَالَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْإِكْرَاه من الْفِعْل وَالتّرْك إِمَّا إِن كَانَ من الْأُمُور الحسية أَو من الْأُمُور الشَّرْعِيَّة أما إِذا وَقع الْإِكْرَاه على الْفِعْل الْحسي فَهُوَ أَقسَام ثَلَاثَة فِي حق الْإِبَاحَة والرخصة وَالْحُرْمَة أما الَّذِي يحْتَمل الْإِبَاحَة كشرب الْخمر وَأكل الْميتَة وَالْخِنْزِير فَإِن كَانَ الْإِكْرَاه بِمَا يُوجب الِاضْطِرَار وَهُوَ الْقَتْل وَقطع الْعُضْو وَنَحْوه فَإِن كَانَ غَالب حَال الْمُكْره أَنه يقْتله لَو لم يشرب فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُ شربه وتناوله لِأَن هَذَا مِمَّا يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة كَمَا فِي حَال المخمصة وَإِن كَانَ غَالب حَاله أَنه لَا يقْتله وَلَا يُحَقّق مَا أوعده أَو كَانَ التخويف بِمَا لَيْسَ فِيهِ خوف تلف النَّفس كالحبس والقيد وَالضَّرْب الْيَسِير فَإِنَّهُ لَا يُبَاح الْإِقْدَام عَلَيْهِ وَلَا يرخص حَتَّى يَأْثَم بالإقدام عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يجب تَقْدِيم حق الله تَعَالَى على حق نَفسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وَفِي الْفَصْل الأول يُبَاح حَتَّى لَو أقدم لَا إِثْم عَلَيْهِ وَلَو لم يقدم حَتَّى هلك يَأْثَم لِأَنَّهُ صَار مهْلكا نَفسه عَن اخْتِيَار وَأما الْفَصْل الَّذِي يرخص فِيهِ وَلَا يسْقط الْحُرْمَة كَمَا إِذا أكره بِالْقَتْلِ على أَن يجْرِي كلمة الْكفْر على لِسَانه أَو على أَن يشْتم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو على أَن يُصَلِّي إِلَى الصَّلِيب فَإِنَّهُ لَا يُبَاح لَهُ ذَلِك وَلَكِن يرخص لَهُ الْفِعْل وَإِن امْتنع حَتَّى قتل كَانَ مثابا ثَوَاب الْجِهَاد لِأَن الْحُرْمَة لم تسْقط بِخِلَاف الْفَصْل الأول وعَلى هَذَا لَو أكره على إِتْلَاف مَال إِنْسَان بِمَا فِيهِ خوف التّلف وغالب ظَنّه أَن يفعل فَإِنَّهُ يرخص وَلَا يُبَاح لِأَن حُرْمَة مَال الْغَيْر لَا تسْقط لحقه وَلَكِن يرخص بِالضَّمَانِ كَمَا فِي حَال المخمصة وَأما الْفَصْل الثَّالِث فَلَا يُبَاح وَلَا يرخص وَإِن كَانَ يُخَالف الْقَتْل على نَفسه كَمَا إِذا أكره بِالْقَتْلِ على أَن يقتل فلَانا الْمُسلم أَو يقطع عضوه أَو يضْربهُ ضربا يخَاف فِيهِ التّلف وَكَذَا فِي ضرب الْوَالِدين على وَجه يخَاف مِنْهُ التّلف لِأَن الْقَتْل حرَام مَحْض وَضرب الْوَالِدين كَذَلِك فَلَا يسْقط لأجل حَقه وَلَو فعل فَإِنَّهُ يَأْثَم فِي الْآخِرَة وَأما أَحْكَام الدُّنْيَا من الْقود وَالضَّمان فَنَقُول فِي الْإِكْرَاه على إِتْلَاف مَال الْغَيْر يجب الضَّمَان على الْمُكْره بِلَا خلاف وَأما فِي الْقَتْل خطأ وعمدا فَيكون الحكم على الْمُكْره عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَيصير الْمُكْره آلَة وَيصير قَاتلا فَيكون الحكم عَلَيْهِ وَعند أبي يُوسُف تجب الدِّيَة على الْمُكْره وَلَا يجب الْقود أصلا وَعند الشَّافِعِي يجب على الْمُكْره وَالْمكْره جَمِيعًا الْقود وَعند زفر على الْمُكْره وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 وَكَذَا فِي الْإِكْرَاه على الْقطع على هَذَا الْخلاف هَذَا إِذا لم يَأْذَن الْمُكْره عَلَيْهِ للمكره على مَا أكره أما إِذا أذن لَهُ بِقطع الْيَد وَالْقَتْل فَلَا يُبَاح للمكره ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُبَاح بِالْإِبَاحَةِ وَالْإِذْن وَلَكِن فِي الْقطع لَا يجب الضَّمَان على أحد لوُجُود الْإِذْن من جِهَته وَفِي الْقَتْل لَا عِبْرَة لإذنه بل تجب الدِّيَة على الْمُكْره كَمَا لَو لم يُوجد الْإِذْن هَذَا جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة لَا يجب وَلَو أكره على الزِّنَا بِالْقَتْلِ لَا يُبَاح وَلَا يرخص للرجل ويرخص للْمَرْأَة وَكَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول أَولا إِنَّه لَا يجب الْحَد ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ فَإِن كَانَ الْإِكْرَاه من السُّلْطَان لَا يجب الْحَد وَيجب الْعقر وَإِن كَانَ من غَيره يجب الْحَد وَعِنْدَهُمَا لَا يجب الْحَد وَيجب الْعقر كَيْفَمَا كَانَ وَأما الْإِكْرَاه على الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فنوعان فِي الأَصْل إِمَّا إِن ورد الْإِكْرَاه على إنْشَاء التَّصَرُّف أَو على الْإِقْرَار بِهِ أما إِذا ورد على الْإِنْشَاء فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن كَانَ تَصرفا يحْتَمل الْفَسْخ وَيشْتَرط فِيهِ الرِّضَا كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِجَارَة وَنَحْوهَا وَالْإِكْرَاه بِأَيّ طَرِيق كَانَ فَإِنَّهُ يكون التَّصَرُّف فَاسِدا إِن اتَّصل بِهِ التَّسْلِيم يُفِيد الْملك وَإِلَّا فَلَا وعَلى قَول زفر يكون مَوْقُوفا على إجَازَة الْمُكْره وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 وَهَذَا إِذا بَاعَ أَو اشْترى بِالثّمن الَّذِي أكره عَلَيْهِ فَأَما إِذا بَاعَ بِخِلَاف جنسه ينفذ وَيخرج عَن الْإِكْرَاه لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْر مَا أكره عَلَيْهِ وَإِن بَاعَ بِأَقَلّ من ذَلِك الثّمن فَالْقِيَاس أَن ينفذ وَلَا يكون مكْرها وَفِي الِاسْتِحْسَان يكون مكْرها وَإِن بَاعه بِأَكْثَرَ من ذَلِك الثّمن يكون طَائِعا وَإِن كَانَ تَصرفا لَا يحْتَمل الْفَسْخ كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَالنِّكَاح وَالْيَمِين وَالنّذر وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ ينفذ التَّصَرُّف عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ الطَّلَاق إِن كَانَ قبل الدُّخُول بهَا يلْزمه نصف الْمهْر الْمُسَمّى والمتعة فِي غير الْمُسَمّى على الْمُكْره لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب إكراهه وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول يجب على الزَّوْج الْمُكْره لِأَنَّهُ استوفى مَنْفَعَة الْبضْع وَأما فِي الْعتاق فَيجب الضَّمَان على الْمُكْره سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا وَلَا يسْعَى العَبْد فِي ذَلِك وَيكون الْوَلَاء للْمُعْتق الْمُكْره لِأَن الْعتْق حصل بِفعل الْمُكْره لَكِن جعل ذَلِك إتلافا من الْمُكْره فَعَلَيهِ قِيمَته وَفِي النِّكَاح إِذا أكرهت الْمَرْأَة على التَّزْوِيج بِأَلف وَمهر مثلهَا عشرَة آلَاف فَالنِّكَاح صَحِيح وَيَقُول القَاضِي للزَّوْج إِن شِئْت تمم لَهَا مهر مثلهَا وَإِلَّا فرقت بَيْنكُمَا وَإِن لم ترض الْمَرْأَة إِن كَانَ الزَّوْج كفوا لَهَا وتخير الْمَرْأَة إِن كَانَ غير كُفْء وَإِن تمم لَهَا مهر مثلهَا وَإِن رضيت الْمَرْأَة بِنُقْصَان الْمهْر وَعدم الْكَفَاءَة يثبت الْخِيَار للأولياء فِي عدم الْكَفَاءَة بالإتفاق وَفِي نُقْصَان الْمهْر عِنْد أبي حينفة خلافًا لَهما هَذَا إِذا كَانَ قبل الدُّخُول فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول وَهِي غير مُكْرَهَة فِي التَّمْكِين يجوز النِّكَاح لوُجُود الرِّضَا دلَالَة وَيسْقط الْخِيَار للْمَرْأَة وَيبقى الْخِيَار للأولياء وَإِن فرق القَاضِي بَينهمَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ قبل الدُّخُول لِأَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 الْفرْقَة جَاءَت من قبلهَا وَأما إِذا أكره على الأقارير فَلَا يَصح سَوَاء كَانَ بِالْمَالِ أَو الطَّلَاق أَو الْعتاق وَنَحْو ذَلِك لِأَن الْإِقْرَار إِخْبَار وَالْخَبَر الَّذِي ترجح كذبه لَا يكون حجَّة وَالْإِكْرَاه دَلِيل رُجْحَان الْكَذِب وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ الْإِكْرَاه بوعيد شَيْء مُعْتَبر عِنْد النَّاس حَتَّى يكون نافيا للضَّرَر وَيخْتَلف باخْتلَاف حَال الْمُكْره من الشّرف والدناءة والضعف وَالْقُوَّة حَتَّى قَالَ أَصْحَابنَا بِأَن السَّوْط الْوَاحِد والقيد وَالْحَبْس فِي الْيَوْم الْوَاحِد إِكْرَاه فِي حق بعض النَّاس وَلَيْسَ بإكراه فِي حق الْبَعْض فَيكون مفوضا إِلَى رَأْي القَاضِي الْمُجْتَهد لاخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِيهِ وَلَو أكره رجل على قتل وَارثه بإكراه يُوجب الإلجاء فَإِنَّهُ لَا يحرم عَن الْمِيرَاث وَإِن كَانَ لَا يُبَاح لَهُ الْإِقْدَام على قَتله لِأَنَّهُ مُضْطَر فِيهِ وَلَو أكره رجل على شِرَاء ذِي رحم محرم مِنْهُ حَتَّى عتق لَا يجب على الْمُكْره شَيْء لِأَن الشِّرَاء يَصح بِمثل الْقيمَة وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ لَا تجب وَالْإِعْتَاق وَشِرَاء الْقَرِيب سَوَاء فِي ثُبُوت الْعتْق إِلَّا أَنه لَا تجب الْقيمَة هَاهُنَا لِأَنَّهُ حصل لَهُ عوض وَهُوَ صلَة الرَّحِم وَلَو أكره على شِرَاء عبد قَالَ لَهُ إِن مَلكتك فَأَنت حر فَاشْتَرَاهُ وَقَبضه حَتَّى عتق عَلَيْهِ لَا يضمن الْمُكْره لِأَنَّهُ مبَاشر الشَّرْط فَإِن الْعتْق بِالْيَمِينِ يَقع وَكَذَا لَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت حر فأكره على أَن يدْخل الدَّار فَدخل فَعتق لَا يضمن لِأَنَّهُ مبَاشر للشّرط دون الْعلَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 ثمَّ الْإِكْرَاه عِنْد أبي حنيفَة إِنَّمَا يَصح من السُّلْطَان لَا غير وَعِنْدَهُمَا يَصح من كل مسلط لَهُ قدرَة تَحْقِيق مَا وعد وَقيل إِن هَذَا اخْتِلَاف زمَان لِأَن فِي زمن أبي حنيفَة كَانَ لَا يقدر على الْإِكْرَاه إِلَّا السُّلْطَان وَفِي زمانهما تَغَيَّرت الْأُمُور فَأجَاب كل وَاحِد على حسب زَمَانه وَبَعْضهمْ حققوا الِاخْتِلَاف من حَيْثُ الْمَعْنى وَلَو أَن صَبيا مسلطا بِأَن كَانَ سُلْطَانا أكره رجلا بِالْقَتْلِ على الْقَتْل وَنَحْوه فَالْجَوَاب فِيهِ وَفِي الْبَالِغ سَوَاء لِأَنَّهُ تحقق مِنْهُ الْإِكْرَاه لَهُ وَكَذَا إِذا كَانَ رجل بِهِ مرّة يخْتَلط بِهِ وَهُوَ مسلط يجوز إكراهه كالعاقل سَوَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 كتاب الْقِسْمَة الْقِسْمَة فِي الْأَمْلَاك الْمُشْتَركَة نَوْعَانِ قسْمَة الْأَعْيَان وَقِسْمَة الْمَنَافِع وَهِي الْمُهَايَأَة أما قسْمَة الْأَعْيَان الْمُشْتَركَة فمشروعة عرفنَا شرعيتها بِحَدِيث رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قسم خَيْبَر بَين الْغَانِمين وَعَلِيهِ توارث الْأمة والأعيان الْمُشْتَركَة قد تكون أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَة فقسمتها تكون تَمْيِيز الْأَنْصِبَاء لَا غير مثل الْمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب وَقد تكون أَشْيَاء مُخْتَلفَة مثل الدّور وَالْعَقار وَالْعرُوض وَالْحَيَوَان وقسمتها تكون فِي معنى البيع ثمَّ الْقِسْمَة قد تكون من القَاضِي وأمينه بِإِذْنِهِ وَقد تكون من الشُّرَكَاء عِنْد التَّرَاضِي فَإِن كَانَت الْقِسْمَة من القَاضِي عِنْد المرافعة إِلَيْهِ فَإِن كَانَ فِي ذَلِك مَنْفَعَة لَهُم فَإِنَّهُ يقسم وَإِن كَانَ فِيهِ ضَرَر أَو لَا حَاجَة لَهُم إِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يفعل وَإِن تَرَاضيا عَلَيْهِ وَلَكِن يُفَوض الْأَمر إِلَيْهِم حَتَّى يقسموا بِأَنْفسِهِم فَإِن الْحمام الْمُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ إِذا طلبا من القَاضِي الْقِسْمَة لَا يقسم لِأَن فِي الْقِسْمَة ضَرَرا لِأَنَّهُمَا يتضرران بذلك لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِانْتِفَاع بِبَعْض الْحمام دون الْبَعْض وَلَو قسما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 بأنفسهما جَازَ لولايتهما على أَنفسهمَا وَكَذَا فِي الْبَيْت الْوَاحِد وَالثَّوْب الْوَاحِد والجوهرة الْوَاحِدَة لَا تجوز الْقِسْمَة من القَاضِي وَلَو طلبا مِنْهُ الْقِسْمَة لَا يفعل وَلَو قسما بأنفسهما جَازَ وَكَذَا دَار بَين اثْنَيْنِ لأَحَدهمَا فِيهَا شقص قَلِيل إِن طلب صَاحب الْقَلِيل لَا يقسم لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة لَهُ فِيهِ فَيكون مُتَعَنتًا وَإِن طلب صَاحب الْكثير يقسم لِأَن لَهُ حَاجَة فِي ذَلِك وَيدْفَع الضَّرَر عَن نَفسه وَلَو قسما بأنفسهما جَازَ لما قُلْنَا ثمَّ الْمَقْسُوم لَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ دورا أَو عقارا أَو مَنْقُولًا فَإِن كَانَ عقارا وَهِي فِي يَد الْجَمَاعَة وطلبوا الْقِسْمَة من القَاضِي فَإِن قَالُوا هِيَ بَيْننَا مِيرَاث عَن فلَان فَإِن عِنْد أبي حنيفَة لَا يقسم حَتَّى يقيموا الْبَيِّنَة على موت فلَان وعَلى عدد الْوَرَثَة وَعِنْدَهُمَا يقسم بإقرارهم وَيشْهد أَنه قسمهَا بإقرارهم وَلَو كَانَ ذَلِك فِي عرُوض أَو شَيْء مَنْقُول فَإِنَّهُ يقسم بإقرارهم بالِاتِّفَاقِ وَكَذَا إِذا أقرُّوا بِكَوْن الْعقار بَينهم ملكا مُطلقًا وَلم يدعوا انْتِقَال الْملك فِيهَا من وَاحِد فَإِنَّهُ يقسم بَينهم بإقرارهم بِالْإِجْمَاع وَإِن ادعوا أَنهم اشْتَروا من فلَان الْغَائِب فَفِي رِوَايَة الأَصْل لَا يقسم حَتَّى يثبتوا الِانْتِقَال من الْغَائِب وَفِي رِوَايَة يقسم بإقرارهم وَهَذَا إِذا لم يكن فِي الْوَرَثَة غَائِب كَبِير أَو صَغِير لَا ولي لَهُ فَأَما إِذا كَانَ فِي الْوَرَثَة كَبِير غَائِب أَو صَغِير فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يقسم على كل حَال وَعِنْدَهُمَا ينظر إِن كَانَت الدَّار فِي يَد الْكِبَار الْحُضُور فَإِنَّهُ يقسم بَينهم وَيَضَع حق الْغَائِب فِي يَد أَمِين يحفظه ويوكل عَن الصَّغِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 رجلا حَتَّى يحفظه وَإِن كَانَت الدَّار فِي يَد الْغَائِب أَو فِي يَد الصَّغِير أَو فِي أَيْدِيهِمَا مِنْهَا شَيْء فَإِنَّهُ لَا يقسم حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة على الْمِيرَاث وَعدد الْوَرَثَة بالِاتِّفَاقِ ثمَّ إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على الْمِيرَاث ينظر إِن كَانَ الْحَضَر اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَالْغَائِب وَاحِد أَو أَكثر وَفِيهِمْ صَغِير فَإِن القَاضِي يقسم بَينهم ويعزل نصيب كل صَغِير وغائب وَيجْعَل فِي يَد أَمِين يحفظه وَلَو كَانَ هَذَا فِي ملك مُطلق وشريكان حاضران وَشريك غَائِب فَالْقَاضِي لَا يقسم لِأَن القَاضِي لَهُ ولَايَة فِي الْجُمْلَة فِي مَال مُشْتَرك بَين الْوَرَثَة فَيكون قَضَاء على الْحَاضِر وَلَا ولَايَة لَهُ على مَال الْغَائِب مَقْصُودا فَلَا يقسم من غير أَن يحضر من يقوم مقَامه وَلَو حضر وَارِث وَاحِد وَغَابَ الْبَاقُونَ وَطلب الْقِسْمَة فَإِن القَاضِي لَا يقسم لِأَن الْقِسْمَة لَا تصح إِلَّا بَين المتقاسمين الْحَاضِرين وَلَو كَانَ وَارِث كَبِير حَاضر وَهُنَاكَ وَارِث صَغِير نصب القَاضِي لَهُ وَصِيّا وَقسم لِأَنَّهُ حضر المتقاسمان وَطلب أَحدهمَا الْقِسْمَة فَإِنَّهُ يحكم بِالْقِسْمَةِ على أَحدهمَا للطَّالِب وَلَو قسم دَارا بَين شَرِيكَيْنِ وفيهَا مسيل المَاء وَالطَّرِيق وَنَحْوهمَا فَإِن قسم مُطلقًا وَأمكن أَن يَجْعَل فِي نصيب كل وَاحِد مِنْهُمَا طَرِيقا ومسيل مَاء فَإِنَّهُ تصح الْقِسْمَة فِي الْكل وَإِن كَانَ لَا يُمكن جعل الطَّرِيق فِي ملك أَحدهمَا بل يحْتَاج إِلَى تسييل المَاء والاستطراق فِي نصيب شَرِيكه فَإِن ذكر الْقَاسِم فِي الْقِسْمَة إِنِّي قسمت الدَّار بَينهمَا بحقوقها فَإِنَّهُ يبْقى مُشْتَركا بَينهمَا فَيكون لَهُ حق تسييل المَاء والاستطراق فِي نصيب شَرِيكه وَإِن لم يذكر الْحُقُوق تنقض الْقِسْمَة وَيكون ذَلِك غَلطا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 الْقَاسِم لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن كل وَاحِد مِنْهُمَا من الِانْتِفَاع بِهِ بِدُونِ الطَّرِيق وَلَو قسم دورا بَينهم وَجعل لكل وَاحِد نصِيبه فِي دَار وَاحِدَة سَوَاء كَانَت متلاصقة أَو فِي بَلْدَة أَو فِي بِلَاد لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا إِن كَانَ يُمكن التَّعْدِيل فِي الْقِسْمَة فِي ذَلِك فَلَا بَأْس بِهِ وعَلى هَذَا قسْمَة الرَّقِيق بِأَن جعل نصيب كل وَاحِد فِي عبد لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا جَائِز فَأَما فِي الْمَنْقُول سوى الرَّقِيق إِذا كَانَ جِنْسا وَاحِدًا مثل الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم والمكيل وَالْمَوْزُون فَإِنَّهُ جَائِز بِلَا خلاف لِأَن التَّفَاوُت يسير فَأَما إِذا جعل لأَحَدهم الْإِبِل وَللْآخر الْغنم وَللْآخر الْبَقر لم يجز لاخْتِلَاف الْأَنْوَاع وَكَذَا فِي الثِّيَاب من جنس وَاحِد تجوز الْقِسْمَة وَفِي الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة لَا تجوز وَفِي الثَّوْب الْوَاحِد لَا تجوز لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى الْقطع وَهُوَ ضَرَر ثمَّ إِذا قسم الدَّار فَإِنَّهُ يقسم الْعَرَصَة بالذراع وَيقسم الْبناء بِالْقيمَةِ وَيجوز أَن يَجْعَل لأَحَدهمَا أَكثر ذِرَاعا من الآخر لِأَن قِيمَته أَكثر ثمَّ ذكر أَبُو الْحسن أَن أَبَا حنيفَة قَالَ يحْتَسب فِي الْقِسْمَة كل ذِرَاع من السّفل الَّذِي لَا علو لَهُ بذراعين من الْعُلُوّ الَّذِي لَا سفل لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف ذِرَاع من السّفل بِذِرَاع من الْعُلُوّ وَقَالَ مُحَمَّد يقسم على الْقيمَة دون الذِّرَاع ومشايخنا قَالُوا إِنَّمَا أجَاب أَبُو حنيفَة على عَادَة أهل الْكُوفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 لاختيارهم السّفل على الْعُلُوّ الْعَمَل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على قَول مُحَمَّد لاخْتِلَاف حَال الْبِلَاد فِي ذَلِك فَتعْتَبر الْقيمَة ثمَّ مَا كَانَ فِي البيع من خِيَار الرُّؤْيَة وَخيَار الشَّرْط وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ فَفِي الْقِسْمَة كَذَلِك لَا يَخْتَلِفَانِ لِأَنَّهَا فِي معنى البيع وَهَذَا إِذا قسما بِالتَّرَاضِي فَأَما إِذا قسم القَاضِي فَكَذَلِك فِي الْعَيْب وَلَا يثبت خِيَار الرُّؤْيَة وَلَا خِيَار الشَّرْط فِيهِ لِأَنَّهُ لَو فسخ كَانَ للْقَاضِي أَن يقسم ثَانِيًا فَلَا فَائِدَة فِيهِ ولأحد الشَّرِيكَيْنِ أَن يحْفر فِي نصِيبه بِئْرا أَو بالوعة وَإِن كَانَ يضر بقسم شَرِيكه وَكَذَا هَذَا فِي الجارين وَإِذا ظهر للْمَيت دين بعد الْقِسْمَة أَو وَارِث غَائِب أَو طِفْل أدْرك وَلم يكن لَهُ وَصِيّ فَلهم نقض الْقِسْمَة لِأَن الْقَاسِم غلط فِيهَا فَإِن كَانَ للْمَيت مَال سوى مَا قسم يقْضِي مِنْهُ الدّين وَلَا ينْقض الْقِسْمَة وَكَذَلِكَ إِذا قضى بعض الْوَرَثَة الدّين أَو كفل رجل عَن صَاحب الدّين وَكَذَا لَو ظهر الدّين للْوَارِث الَّذِي قسم وَلَا تكون الْقِسْمَة مِنْهُ إِبْرَاء للدّين الَّذِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يعلم ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا ظَهرت الْوَصِيَّة لأَجْنَبِيّ أَو ظهر ولد وَارِث فَإِنَّهُ تنقض الْقِسْمَة لِأَن الْمُوصى لَهُ كواحد من الْوَرَثَة وَأما الْمُهَايَأَة فنوعان من حَيْثُ الْمَكَان أَو من حَيْثُ الزَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 أما من حَيْثُ الْمَكَان بِأَن كَانَت دَارا كَبِيرَة يسكن أَحدهمَا نَاحيَة وَالْآخر نَاحيَة جَازَ وَهِي قسْمَة الْمَنَافِع وَلَا يشْتَرط فِيهَا بَيَان الْمدَّة وَلَو استغل أَحدهمَا نصِيبه جَازَ بِخِلَاف الْعَارِية فَإِنَّهَا لَا تؤاجر وَقَالَ بَعضهم لَا يجوز كَمَا فِي الْعَارِية إِلَّا إِذا اشْترطَا الاستغلال لمن شَاءَ مِنْهُمَا وَأما من حَيْثُ الزَّمَان بِأَن كَانَت دَارا صَغِيرَة يسكن أَحدهمَا شهرا وَالْآخر شهرا جَازَ وَهَذَا فِي معنى الْعَارِية وَلِهَذَا يشْتَرط الْمدَّة وَلَو آجر أَحدهمَا لَا يجوز كَمَا فِي الْعَارِية وَلَو تهايآ فِي الرَّقِيق الْمُشْتَرك فَأخذ أَحدهمَا عبدا وَالْآخر عبدا جَازَ عِنْدهمَا بِلَا شكّ لِأَن قسْمَة الرَّقِيق جَائِزَة عِنْدهمَا وَعند أبي حنيفَة تجوز هَاهُنَا لِأَنَّهَا قسْمَة الْمَنَافِع وَهِي من جنس وَاحِد وَفِي النخيل وَالشَّجر الْمُشْتَرك إِذا أَخذ أَحدهمَا طَائِفَة يستثمرها وَينْتَفع بثمرها خَاصَّة وَالْآخر طَائِفَة لَا يجوز لِأَنَّهَا اسْتِحْقَاق الْعين بِالْإِجَارَة وَفِي الْأَرَاضِي يزرع أَحدهمَا الْبَعْض وَالْآخر الْبَعْض جَائِز لِأَنَّهَا قسْمَة الْمَنَافِع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 كتاب الْمَأْذُون قَالَ يحْتَاج إِلَى بَيَان مَشْرُوعِيَّة الْإِذْن للْعَبد فِي التِّجَارَة وَإِلَى تَفْسِير الْإِذْن وَإِلَى بَيَان حكم الْإِذْن وَمَا يملك بِهِ العَبْد من التَّصَرُّف وَمَا لَا يملك وَإِلَى بَيَان صِحَة الْحجر وَإِلَى بَيَان حكم الْمَأْذُون بعد الْحجر أما الأول فَلَمَّا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يُجيب دَعْوَة الْمَمْلُوك وَعَلِيهِ توارث الْأمة وَأما إِذن العَبْد الصَّغِير الْعَاقِل أَو الصَّبِي الْحر الْعَاقِل فَصَحِيح عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يَصح وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما تَفْسِير الْإِذْن فَنَقُول الْإِذْن نَوْعَانِ خَاص وعام فَأَما الْإِذْن الْخَاص فَأن يَقُول لعَبْدِهِ اشْتَرِ بدرهم لَحْمًا لنَفسك أَو اشْتَرِ كسْوَة لنَفسك أَو لفُلَان فَاشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يجوز وَيكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 مَأْذُونا فِي ذَلِك خَاصَّة وَالْقِيَاس أَن يكون مَأْذُونا فِي الْأَنْوَاع كلهَا لِأَن الْإِذْن بِالتَّصَرُّفِ لَا يتَجَزَّأ وَفِي الِاسْتِحْسَان يقْتَصر على مَا أذن فِيهِ لِأَن هَذَا من بَاب الِاسْتِخْدَام فَلَو نفذ الْإِذْن إِلَى غَيره وَلم يكن قصد الْمولى أَن يكون مَأْذُونا فِي التِّجَارَات لَا يقدر على الِاسْتِخْدَام وَأما الْإِذْن الْعَام فَأن يَقُول أَذِنت لَك فِي التِّجَارَات أَو فِي التِّجَارَة يصير مَأْذُونا فِي الْأَنْوَاع كلهَا بِلَا خلاف أما إِذا أذن فِي نوع بِأَن قَالَ اتّجر فِي الْبَز أَو فِي بيع الطَّعَام أَو غير ذَلِك يصير مَأْذُونا فِي أَنْوَاع التِّجَارَات عندنَا وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ يقْتَصر على مَا سمي وَكَذَا إِذا قَالَ اقعد فِي التِّجَارَة أَو فِي الصِّنَاعَة يصير مَأْذُونا فِي جَمِيع أَنْوَاع الْحَرْف وَكَذَا إِذا قَالَ أَذِنت لَك أَن تتجر شهرا أَو سنة يصير مَأْذُونا فِي جَمِيع الْأَوْقَات مَا لم يحْجر عَلَيْهِ حجرا عَاما وَكَذَا لَو قَالَ اتّجر فِي الْبَز وَلَا تتجر فِي الْخَزّ لَا يَصح نَهْيه ويعم الْإِذْن فِي النَّوْعَيْنِ وَغَيرهمَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة أَن الْإِذْن تمْلِيك التَّصَرُّف أَو إِسْقَاط الْحق وَفك الْحجر ثمَّ الْإِذْن قد يثبت صَرِيحًا وَقد يثبت بطرِيق الدّلَالَة فالصريح مَا ذكرنَا وَأما الدّلَالَة بِأَن رأى الْمولى عَبده يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت وَلم يَنْهَهُ عَن ذَلِك يصير مَأْذُونا فِي التِّجَارَات وَلَا يصير مَأْذُونا فِي بيع ذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه وَفِي الشِّرَاء يصير مَأْذُونا وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يصير مَأْذُونا والكسوت يكون إِذْنا فِي مَوَاضِع فَإِن من بَاعَ عبدا من إِنْسَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 بِحَضْرَتِهِ وَالْعَبْد سَاكِت يكون إقراراي مِنْهُ بِالرّقِّ دلَالَة وَكَذَا المُشْتَرِي إِذا قبض السّلْعَة بِحَضْرَة البَائِع وَسكت البَائِع يكون إِذْنا بِالْقَبْضِ وَكَذَا إِذا سمع الشَّفِيع بِالْبيعِ فَلم يطْلب الشُّفْعَة وَسكت يكون تَسْلِيمًا للشفعة وَكَذَا الْبكر إِذا زَوجهَا وَليهَا فَسمِعت من الْوَلِيّ وسكتت يكون إِذْنا وَله نَظَائِر وَفِي بعض الْمَوَاضِع لَا يكون السُّكُوت رضَا على مَا عرف فِي مَوْضِعه وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أد إِلَيّ ألفا فَأَنت حر فَإِنَّهُ يصير مَأْذُونا لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْأَدَاء إِلَّا بِالْكَسْبِ فَيكون إِذْنا لَهُ دلَالَة وَكَذَلِكَ إِذا كَاتب عَبده يصير مَأْذُونا لِأَنَّهُ جعله أَحَق بِكَسْبِهِ ثمَّ الْإِذْن بِالتِّجَارَة يَصح مُعَلّقا بِشَرْط ومضافا إِلَى وَقت بِأَن قَالَ أَذِنت لَك إِلَى رَأس الشَّهْر أَو قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد أَذِنت لَك جَازَ لِأَن الْإِذْن إِسْقَاط لحق نَفسه والإسقاط يَصح تَعْلِيقه بالأخطار وبمثله لَو علق الْحجر بِالشّرطِ لَا يَصح لِأَن الْحجر فِيهِ معنى الْإِثْبَات وإعادة الْحق وَلَا يَصح تَعْلِيق الْإِثْبَات بِالشّرطِ وَأما بَيَان حكم الْإِذْن وَمَا يملك الْمَأْذُون وَمَا لَا يملكهُ فَنَقُول كل مَا كَانَ من التِّجَارَة وتوابع التِّجَارَة وضروراتها فَإِنَّهُ يملكهُ الْمَأْذُون وَمَا لَا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 وَله أَن يسْتَأْجر إنْسَانا ليعْمَل مَعَه أَو مَكَانا ليحفظ فِيهِ أَمْوَاله أَو دوابا ليحمل عَلَيْهَا أمتعته وَله أَن يُؤَاجر مَا اشْترى من الدَّوَابّ وَالرَّقِيق وَله أَن يُؤَاجر نَفسه أَيْضا وَيصِح مِنْهُ الشِّرَاء بِالنَّقْدِ والنسيئة وبالعروض لِأَن ذَلِك مُعْتَاد للتجار وَيملك البيع وَالشِّرَاء بِغَبن يسير بِالْإِجْمَاع وَأما بِالْغبنِ الْفَاحِش فَيملك أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما كَمَا اخْتلفُوا فِي الْوَكِيل بِالْبيعِ الْمُطلق إِذا بَاعَ بِغَبن فَاحش إِلَّا أَن فِي الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ بِغَبن فَاحش لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجوز وَفِي الْمَأْذُون الشِّرَاء وَالْبيع سَوَاء يجوز بِغَبن فَاحش عِنْد أبي حنيفَة لِأَن الْوَكِيل مُتَّهم وَلَا تُهْمَة هَاهُنَا وَيملك تَأْخِير الدّين من ثمن مَبِيع أَو إِقْرَار لَهُ بِإِتْلَاف كَسبه وَنَحْو ذَلِك وَالْقَرْض لَا يَصح تَأْجِيله مِنْهُ كَمَا لَا يَصح من الْحر وَأما الْحَط فَلَا يَصح مِنْهُ لكَونه تَبَرعا وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاء وَالْكَفَالَة لِأَنَّهُ تبرع وَيملك التَّصَدُّق باليسير والضيافة الْيَسِيرَة لِأَنَّهَا من ضرورات التِّجَارَة عَادَة وَلَا يملك التَّصَدُّق بالدرهم الْكَامِل وَلَا الْهِبَة وَلَا الْهَدِيَّة وَلَا الْقَرْض وَكَذَا لَا يملك الْكفَالَة بِالنَّفسِ وَلَا بِالْمَالِ لِأَنَّهَا تبرع وَلَا يملك أَن يُكَاتب وَأَن يعْتق على مَال لِأَنَّهُ لَيْسَ من التِّجَارَة وَيملك أَن يُوكل بِالْبيعِ وَالشِّرَاء لِأَنَّهُ هَذَا من عَادَة التِّجَارَة فَإِنَّهُ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 يقدر أَن يفعل ذَلِك كُله بِنَفسِهِ وَيجوز لَهُ أَن يتوكل عَن غَيره بِالْبيعِ بالِاتِّفَاقِ وَهل يجوز أَن يتوكل بِالشِّرَاءِ عَن غَيره إِن وَكله بِالشِّرَاءِ نَقْدا وَدفع الثّمن إِلَيْهِ أَو لم يدْفع فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز لِأَنَّهُ يصير فِي معنى الْكَفِيل بِالثّمن وَفِي الِاسْتِحْسَان يجوز وَإِذا توكل بشرَاء عبد نَسِيئَة لَا يجوز الشِّرَاء عَن الْآمِر وَيصير مُشْتَريا لنَفسِهِ لِأَنَّهُ يصير الثّمن عَلَيْهِ وَالْملك يَقع لغيره وَعَلِيهِ التَّسْلِيم إِلَيْهِ لِأَن الثّمن مُؤَجل فَيكون بِمَعْنى الْكفَالَة فَأَما إِذا كَانَ الشِّرَاء بِالنَّقْدِ فَلَا يجب عَلَيْهِ التَّسْلِيم إِلَى الْآمِر بل لَهُ أَن يحْبسهُ حَتَّى يَسْتَوْفِي الثّمن من الْمُوكل فَلَا يكون فِي معنى الْكفَالَة بل فِي معنى البيع وَيملك أَن يَأْذَن لعبيده فِي التِّجَارَة وَله أَن يعير دوابه وَله أَن يودع وَيقبل الْوَدِيعَة لِأَن هَذَا من صَنِيع التُّجَّار وَله أَن يدْفع المَال مُضَارَبَة وَيَأْخُذ المَال من غَيره وضاربه ويشارك مَعَ غَيره شركه عنان وَلَا يجوز أَن يُشَارك شركَة مُفَاوَضَة لِأَنَّهَا تَتَضَمَّن الْكفَالَة وَلَا تصح مِنْهُ الْكفَالَة وَإِذا شَارك شركه مُفَاوَضَة تنْقَلب شركَة عنان وَهل يملك أَن يُكَاتب عبدا من أكسابه إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَأَجَازَ الْمولى جَازَ وَيكون العَبْد مكَاتبا لمَوْلَاهُ وَيدْفَع بدل الْكِتَابَة إِلَى الْمولى وَيعتق إِلَّا إِذا أذن الْمولى إِيَّاه بِقَبض بدل الْكِتَابَة وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين لَا يَصح لِأَنَّهُ تعلق بِهِ حق الْغُرَمَاء فَيكون مَوْقُوفا على إجَازَة الْمولى فَإِن لم يجز الْمولى ورد الْكِتَابَة يَنْفَسِخ وَمَا اكْتَسبهُ يصرف إِلَى دينه وَإِن أجَاز الْمولى الْكِتَابَة وَأمر العَبْد بِقَبض بدل الْكِتَابَة إِن كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لَا تصح الْكِتَابَة لِأَن هَذَا إِعْتَاق بِشَرْط الْأَدَاء وَالْمولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 لَا يملك كسب عَبده الْمَأْذُون إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق فَكَذَا هَذَا وَيُبَاع الْمكَاتب فِي الدّين وَإِن كَانَ الدّين غير مُسْتَغْرق يعْتق العَبْد وَيضمن الْمولى قيمَة العَبْد للْغُرَمَاء لتَعلق حَقهم بِهِ كَمَا لَو أعْتقهُ ابْتِدَاء وَعِنْدَهُمَا تصح الْكِتَابَة كَيْفَمَا كَانَ كَمَا يَصح الْإِعْتَاق كَيْفَمَا كَانَ وَالْكَسْب الَّذِي أَدَّاهُ الْمكَاتب إِلَى العَبْد الْمَأْذُون يدْفع إِلَى الْغُرَمَاء وَإِن فضل شَيْء فعلى مَوْلَاهُ لإتلاف حَقهم بِالْإِعْتَاقِ وَلَا يملك التَّسَرِّي بِجَارِيَة من أكسابه لِأَنَّهُ لَا يملك حَقِيقَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يتَزَوَّج لِأَنَّهُ لَيْسَ من التِّجَارَة فَإِن أذن الْمولى جَازَ وَعَلِيهِ الْمهْر بعد الْعتاق إِن كَانَ النِّكَاح بِغَيْر إِذن الْمولى وَإِن كَانَ بِالْإِذْنِ مِنْهُ يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَكَسبه لَكِن بَعْدَمَا فضل من دين التِّجَارَة إِن ثَبت بِإِقْرَار الْمولى فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ تحاص الْمَرْأَة الْغُرَمَاء بمهرها وَلَيْسَ لَهُ أَن يُزَوّج عَبده لِأَنَّهُ لَيْسَ من التِّجَارَة وَفِيه ضَرَر بالمولى وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَن يُزَوّج أمته عِنْدهمَا وَعند أبي يُوسُف يملك لِأَنَّهُ تصرف نَافِع وَيصِح مِنْهُ الْإِقْرَار على نَفسه بِالثّمن وَالْأُجْرَة وَلَو أقرّ بِالْغَصْبِ فَإِن كَانَ مُعَاينَة فَالضَّمَان يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ من التِّجَارَة معنى فَإِنَّهُ يملك بِهِ الْمَغْصُوب وَكَذَلِكَ إِذا جحد الْمُضَاربَة والوديعة لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْغَصْب ثمَّ إِذا ثَبت تعلق الدّين بِرَقَبَة العَبْد وَكَسبه فَإِن الدّين يقْضِي من الْكسْب أَولا فَإِن فضل من الدّين شَيْء أَو لم يكن لَهُ كسب أصلا فَإِن القَاضِي يَبِيع الرَّقَبَة إِذا طلبه الْغُرَمَاء إِلَّا إِذا قضى الْمولى دينه وَلَا يجوز من الْمولى بيع العَبْد إِلَّا بِإِذن الْغُرَمَاء أَو بِإِذن القَاضِي أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 بِأَن يقْضِي دينهم لِأَن ملكه قَائِم لكنه مَشْغُول بِحَق الْغُرَمَاء وَلَو أعْتقهُ الْمولى صَحَّ إِعْتَاقه لِأَنَّهُ ملكه غير أَنه إِن كَانَ عَلَيْهِ دين أقل من قِيمَته يقْضِي دُيُونه وَإِن كَانَت دُيُونه أَكثر من قِيمَته غرم قِيمَته وَإِن كثرت فَإِن فضل شَيْء عَن قِيمَته يُؤَاخذ العَبْد بعد الْعتاق وَإِن كَانَ الْمَأْذُون مُدبرا أَو أم ولد ثمَّ أعْتقهُ جَازَ عتقه وَلَا ضَمَان للْغُرَمَاء لِأَنَّهُ حَقهم غير مُتَعَلق بهما لِأَنَّهُ لَا يجوز بيعهمَا وَلَو أعتق عبد عَبده الْمَأْذُون إِن كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لَا يَصح إِعْتَاقه عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَإِن كَانَ غير مُسْتَغْرق يَصح بِالْإِجْمَاع وَالْمولى ضَامِن لقيمته إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن كَانَ مُعسرا فللغرماء أَن يضمنوا العَبْد وَيرجع هُوَ على الْمولى كَمَا إِذا أعتق العَبْد الْمَرْهُون فَأَما حكم الْحجر فَنَقُول إِن الْمولى يملك حجر العَبْد الْمَأْذُون إِذا كَانَ حجرا مَشْهُورا بِأَن يشْتَهر ذَلِك فِي السُّوق فَأَما إِذا حجر فِي بَيته فَلَا يَصح لِأَن فِيهِ ضَرَرا بِالنَّاسِ وغرورا وَلَو بَاعه وَلَا دين عَلَيْهِ يصير مَحْجُورا لِأَنَّهُ صَار ملك الْغَيْر فَلَا تبقى ولَايَة الأول عَلَيْهِ وَكَذَا إِذا كَانَت جَارِيَة فاستولدها الْمولى صَارَت ومحجورا عَلَيْهَا دلَالَة منع الْمولى أم الْوَلَد عَن الْخُرُوج إِلَى الْأَسْوَاق وَإِن أُغمي عَلَيْهِ لم يصر مَحْجُورا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْجُنُون يصير مَحْجُورا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 وَإِذا أبق أَو ارْتَدَّ صَار مَحْجُورا وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يصير مَحْجُورا إِذا دبر الْمَأْذُون لَا يصير مَحْجُورا لِأَنَّهُ يُمكنهُ التَّصَرُّف مَعَ التَّدْبِير وَإِذا صَحَّ الْحجر فَلَا يملك التَّصَرُّف بعده فِي حق الْمولى وَلَو أقرّ بِشَيْء من حُقُوق الْأَمْوَال فَإِنَّهُ لَا يلْزم مَوْلَاهُ وَلَا يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لَكِن يُؤَاخذ بعد الْعتاق وَإِذا كَانَ فِي يَده شَيْء من الأكساب وَعَلِيهِ دين فَإِنَّهُ لَا يَصح حجره فِي حَقّهَا وَلَيْسَ للْمولى أَن يستردها لتَعلق حق الْغُرَمَاء بِهِ وَلَو جنى الْمَأْذُون جنايات فَإِنَّهُ يقْتَصّ فِيمَا يجب فِيهِ الْقصاص وَالدَّفْع أَو الْفِدَاء فِيمَا لَا يجب فِيهِ الْقصاص والمأذون وَغير الْمَأْذُون فِي ذَلِك سَوَاء وَقد ذكرنَا هَذَا فِي كتاب الدِّيات فَلَا نعيده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 كتاب السّير قَالَ يحْتَاج إِلَى تَفْسِير الْجِهَاد وَإِلَى بَيَان كَيْفيَّة فرض الْجِهَاد وَإِلَى بَيَان من يفترض عَلَيْهِ وَإِلَى بَيَان مَا يجب حَال شُهُود الْوَقْعَة وَإِلَى بَيَان أَحْكَام الْأَنْفَال والغنائم وَإِلَى بَيَان حكم الْجِزْيَة وَإِلَى بَيَان أَحْكَام أهل الرِّدَّة وَإِلَى بَيَان أَحْكَام الْبُغَاة وَنَحْو ذَلِك أما تَفْسِير الْجِهَاد فَهُوَ الدُّعَاء إِلَى الدّين الْحق والقتال مَعَ من امْتنع عَن الْقبُول بِالْمَالِ وَالنَّفس قَالَ الله تَعَالَى {انفروا خفافا وثقالا وَجَاهدُوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ} وَقَالَ {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَأما بَيَان كَيْفيَّة فَرْضه فَنَقُول إِنَّه فرض كِفَايَة لَا فرض عين ونعني بِهِ أَنه إِذا لم يقم بِهِ الْبَعْض من أهل الثغور وَغَيرهم مِمَّن هُوَ يقرب مِنْهُم فَإِنَّهُ يفْرض على جَمِيع النَّاس مِمَّن لَهُ قدرَة عَلَيْهِ إِمَّا بِالنَّفسِ أَو بِالْمَالِ فَإِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ لِأَن الْمَقْصُود وَهُوَ دفع شَرّ الْكَفَرَة وَالدُّعَاء إِلَى دين الْإِسْلَام يحصل بِالْبَعْضِ فَمَا لم يتَعَيَّن الْبَعْض يجب على الْكل وَإِذا تعين الْبَعْض سقط عَن البَاقِينَ وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا كَانَ النفير عَاما يجب على العَبْد أَن يخرج بِغَيْر إِذن الْمولى وعَلى الْمَرْأَة القادرة عَلَيْهِ أَن تخرج بِغَيْر إِذن زَوجهَا وعَلى الْوَلَد أَن يخرج بِغَيْر إِذن الْوَالِدين أَو أَحدهمَا إِذا كَانَ الآخر مَيتا فَأَما إِذا قَامَ بِهِ الْبَعْض فَلَا يجوز لهَؤُلَاء أَن يخرجُوا إِلَّا بِالْإِذْنِ وَأما بَيَان مَا يجب حَال شُهُود الْوَقْعَة فَنَقُول إِذا لَقِي الْغُزَاة قوما من الْكفَّار فَإِن لم تبلغهم الدعْوَة أصلا يَنْبَغِي أَن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام أَولا فَإِن أَبَوا فَإلَى الذِّمَّة فَإِن أَبَوا فَحِينَئِذٍ يقاتلونهم فَأَما إِذا بلغتهم الدعْوَة فَالْأولى الْبدَاءَة بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن بدأوا بِالْقِتَالِ والإغارة والبينات عَلَيْهِم فَلَا بَأْس بذلك لِأَنَّهُ قد توجه عَلَيْهِم الْخطاب بِالْإِيمَان بِاتِّفَاق الْأمة فَإِن سمع رجلا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله أَو قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَإِن كَانَ من عَبدة الْأَوْثَان أَو من الثنوية أَو من الدهرية فَإِنَّهُ لَا يُبَاح قَتله لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّوْحِيدِ وَإِن كَانَ من أهل الْكتاب فإتيان الشَّهَادَتَيْنِ لَا يَكْفِي مَا لم يتبرأ من دين الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَكَذَا إِذا قَالَ أَنا مُسلم أَو مُؤمن أَو أَنا مصل لأَنهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 يَعْتَقِدُونَ أَن دينهم إِسْلَام وَأَن لَهُم شرائع وَصَلَاة وَإِذا قَالَ أَنا صليت مَعَ الْمُسلمين بِجَمَاعَة أَو أَنا على دين مُحَمَّد لَا يُبَاح قَتله لِأَن ذَلِك دلَالَة الْإِسْلَام ثمَّ الْغُزَاة لَهُم أَن يقتلُوا كل من كَانَ من أهل الْقِتَال وكل من قَاتل وَإِن لم يكن من أهل الْقِتَال فِي الْجُمْلَة نَحْو الصّبيان والمجانين والرهابين والشيوخ الهرمى فَأَما إِذا لم يقاتلوا فَلَا يُبَاح قتل هَؤُلَاءِ وَأما الرهابين فَإِن كَانُوا لَا يخالطون النَّاس فَكَذَلِك وَإِن كَانُوا يخالطون النَّاس أَو يدلون على عورات الْمُسلمين فَيُبَاح قَتلهمْ وَلَا بَأْس أَن يحرقوا حصونهم بالنَّار ويغرقوها بِالْمَاءِ وينصبوا المجانيق على حصونهم ويهدموها عَلَيْهِم وَأَن يرموها بالنبال وَإِن علمُوا أَن فيهم أُسَارَى الْمُسلمين والتجار لِأَن فِيهِ ضَرُورَة وَكَذَا إِذا تترسوا بأطفال الْمُسلمين وبأساراهم لَكِن يَنْبَغِي أَن يقصدوا بِهِ قتل الْكفَّار دون الْمُسلمين لما فِيهِ من ضَرُورَة إِقَامَة الْفَرْض عَلَيْهِم ثمَّ إِذا ظفر الْغُزَاة بهم فَلَا بَأْس بِأَن يقتل الْمُقَاتلَة مِنْهُم من كَانَ مُقَاتِلًا سوى الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَإِنَّهُ لَا يُبَاح قَتلهمَا بعد الْفَرَاغ من الْقِتَال لِأَنَّهُمَا لَيْسَ من أهل الْقَتْل ليَكُون جَزَاء على قتالهما إِلَّا إِذا كَانَ الصَّبِي أَو الْمَعْتُوه ملكا فَلَا بَأْس بِقَتْلِهِمَا كسرا لشوكتهما وَيُبَاح فِي حَالَة الْقِتَال لدفع الشَّرّ وَأما الشُّيُوخ والرهابين والنسوان إِذا قَاتلُوا فَيُبَاح قَتلهمْ بعد الْفَرَاغ أَيْضا جَزَاء على قِتَالهمْ إِلَّا إِذا كَانَت الْمَرْأَة ملكة فَيُبَاح قَتلهَا وَإِن لم تقَاتل وَيَنْبَغِي لَهُم أَن يخرجُوا إِلَى دَار الْإِسْلَام نِسَاءَهُمْ وصبيانهم ويسترقوهم لما فِيهِ من مَنْفَعَة الْمُسلمين وَلَا يَنْبَغِي أَن يتركوهم فِي دَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 الْحَرْب لما فِيهِ من ضَرَر بِالْمُسْلِمين وَأما الشَّيْخ الفاني الَّذِي لَا قتال عِنْده وَلَا يقدر أَن يلقح لَكِن يُمكن أَن يفادى بِهِ فَإِن شاؤوا تَرَكُوهُ وَإِن شاؤوا أَخْرجُوهُ على قَول من يرى مفاداة الْأَسير بالأسير وعَلى قَول من لَا يرى يتركونه فِي دَارهم لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ وَكَذَا فِي الْعَجُوز الْكَبِيرَة الَّتِي لَا تَلد وَلَا يَنْبَغِي للغزاة أَن يفر وَاحِد من اثْنَيْنِ مِنْهُم وَالْحَاصِل أَن الْأَمر مَبْنِيّ على غَالب الظَّن فَإِن غلب فِي ظن الْمقَاتل أَنه يغلب وَيقتل فَلَا بَأْس بِأَن يفر مِنْهُم وَلَا عِبْرَة بِالْعدَدِ حَتَّى إِن الْوَاحِد إِذا لم يكن مَعَه سلَاح فَلَا بَأْس بِأَن يفر من اثْنَيْنِ مَعَهُمَا السِّلَاح أَو من الْوَاحِد الَّذِي مَعَه سلَاح ثمَّ الْغُزَاة هَل لَهُم أَن يُؤمنُوا الْكَفَرَة إِن كَانَ عِنْدهم أَن الْقُوَّة للكفرة يجب أَن يُؤمنُوا حَتَّى يتقووا ثمَّ يخبروهم بِنَقْض الْأمان ويشتغلوا بِالْقِتَالِ لِأَن الْأمان فِي هَذِه الْحَالة فِي معنى الْقِتَال ثمَّ أَمَان الْوَاحِد الْحر أَو العَبْد الْمقَاتل أَو الْمَرْأَة صَحِيح بِلَا خلاف فَأَما أَمَان العَبْد الْمَحْجُور فَلَا يَصح عِنْدهمَا وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ يَصح وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما أَمَان الصَّبِي الْمُرَاهق فَلَا يَصح عِنْدهم وَعند مُحَمَّد يَصح وَأَجْمعُوا أَنه لَا يجوز أَمَان التَّاجِر فِي دَار الْحَرْب وَلَا الْأَسير فِيهَا وَلَا أَمَان الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر إِلَيْنَا وَلَا أَمَان الذِّمِّيّ الْمقَاتل مَعَهم لأَنهم متهمون فِي ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 فَأَما الْمُسلم الْحر فيستوي فِيهِ الْأَعْمَى وَالْمَرِيض وَالشَّيْخ الْكَبِير لِأَن هَؤُلَاءِ من أهل الرَّأْي ثمَّ بعد صِحَة الْأمان للْإِمَام أَن ينْقض إِذا رأى الْمصلحَة فِيهِ لَكِن يُخْبِرهُمْ بذلك ثمَّ يقاتلهم حَتَّى لَا يكون تغريرا لَهُم وَكَذَا الْجَواب فِي الْمُوَادَعَة وَهُوَ الصُّلْح على ترك الْقِتَال مُدَّة بِمَال أَو بِغَيْر مَال تجوز من الإِمَام إِن رأى الْمصلحَة ثمَّ يُخْبِرهُمْ بِالنَّقْضِ وينقض حَتَّى لَا يكون تغريرا وَمَا أَخذ من المَال إِن لم يتم الْمدَّة يرد إِلَيْهِم بِقَدرِهِ وَكَذَلِكَ الْمُوَادَعَة فِي حق الْمُرْتَدين وَأهل الْبَغي جَائِزَة إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة لِأَن هَذَا بِمَنْزِلَة الْأمان وَهَذَا إِذا كَانَ الصُّلْح على أَن يَكُونُوا على حكم الْكفْر وَلَو صَالحُوا على أَن يَكُونُوا على أَحْكَام الْمُسلمين فَإِنَّهُم يصيرون ذمَّة وَلَا يجوز لنا نقض ذَلِك كعقد الذِّمَّة وَأما أَحْكَام الْأَنْفَال والغنائم فَنَقُول هُنَا ثَلَاثَة أَشْيَاء النَّفْل وَالْغنيمَة والفيء أما النَّفْل فَمَا خصّه الإِمَام لبَعض الْغُزَاة تحريضا لَهُم على الْقِتَال لزِيَادَة قُوَّة وجرأة مِنْهُم بِأَن قَالَ من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه أَو قَالَ لسرية مَا أصبْتُم فَهُوَ لكم أَو قَالَ لأحد معِين مَا أصبت فَهُوَ لَك فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِهِ وَيثبت الْملك لَهُ فِي النَّفْل وَلَا يُشَارك فِيهِ غَيره من الْغُزَاة وَالسَّلب عبارَة عَن ثِيَاب الْمَقْتُول وسلاحه الَّتِي مَعَه ودابته الَّتِي عَلَيْهَا سرجها وآلاتها وَمَا عَلَيْهَا من الحقيبة الَّتِي فِيهَا الْأَمْوَال وَمَا على الْمَقْتُول من الْكيس الَّذِي فِيهِ الدَّرَاهِم فَأَما مَا يكون مَعَ غُلَامه على فرس آخر وأمواله الَّتِي على دَابَّة أُخْرَى فَذَلِك من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 الْغَنِيمَة يشْتَرك فِيهِ الْغُزَاة كلهم وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي السَّلب للْقَاتِل وَإِن لم ينص عَلَيْهِ الإِمَام وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما الْفَيْء فَمَا حصل من غير مقاتلة فَهُوَ خَاص لرَسُول عَلَيْهِ السَّلَام فيتصرف فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ شَاءَ قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب وَلَكِن الله يُسَلط رسله على من يَشَاء} وَأما الْغَنَائِم فَهُوَ اسْم لما يُؤْخَذ من أَمْوَال الْكَفَرَة بِقُوَّة الْغُزَاة وقهر الْكَفَرَة بِسَبَب الْقِتَال بِإِذن الإِمَام وَيتَعَلَّق بالغنائم أَحْكَام مِنْهَا حكم ثُبُوت الْحق وَالْملك فِيهَا فَنَقُول هَذَا أَقسَام ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يتَعَلَّق حق التَّمَلُّك أَو حق الْملك للغزاة بِنَفس الْأَخْذ والاستيلاء وَلَا يثبت بِهِ الْملك قبل الْإِحْرَاز بدار الْإِسْلَام عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ فَإِن عِنْده فِي قَول يثبت الْملك بِنَفس الْأَخْذ وَفِي قَوْله بعد الْفَرَاغ من الْقِتَال وانهزام الْعَدو ويبتنى على هَذَا الأَصْل فروع مِنْهَا أَن الإِمَام إِذا بَاعَ شَيْئا من الْغَنَائِم لَا لحَاجَة الْغُزَاة أَو بَاعَ وَاحِد من الْغُزَاة فَإِنَّهُ لَا يَصح عندنَا لعدم الْملك وَكَذَا لَو أتلف وَاحِد من الْغُزَاة فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يضمن وَلَو مَاتَ وَاحِد من الْغُزَاة لَا يُورث سَهْمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وَلَو لحق المدد الْجَيْش قبل الْقِسْمَة فِي دَار الْحَرْب يشاركونهم فِي الْقِسْمَة وَلَو قسم الإِمَام فِي دَار الْحَرْب لَا مُجْتَهدا وَلَا بِاعْتِبَار حَاجَة الْغُزَاة فَإِنَّهُ لَا يَصح الْقِسْمَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي يَصح بِخِلَاف ذَلِك فِي الْفُصُول وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما بَيَان ثُبُوت الْحق فَإِن الْأَسير إِذا أسلم قبل الْإِحْرَاز بدار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يكون حرا وَلَو أسلم قبل الْأَخْذ يكون حرا لما أَنه يتَعَلَّق بِهِ حق الْغُزَاة بِالْأَخْذِ وَكَذَلِكَ لَو أسلم أَرْبَاب الْأَمْوَال قبل الْإِحْرَاز بدار الْإِسْلَام فَإِنَّهُم لَا يختصون بِأَمْوَالِهِمْ بل هم من جملَة الْغُزَاة فِي الِاسْتِحْقَاق بِسَبَب الشّركَة فِي الْإِحْرَاز بدار الْإِسْلَام بِمَنْزِلَة المدد وَكَذَا لَيْسَ لوَاحِد من الْغُزَاة أَن يَأْخُذ شَيْئا من الْغَنَائِم من غير حَاجَة وَلَو لم يثبت الْحق كَانَ بِمَنْزِلَة الْمُبَاح وَالْقسم الثَّانِي بعد الْإِحْرَاز بدار الْإِسْلَام قبل الْقِسْمَة فَإِن حق الْملك يتَأَكَّد ويستقر وَلَكِن لَا يثبت الْملك أَيْضا وَلِهَذَا قَالُوا لَو مَاتَ وَاحِد مِنْهُم يُورث نصِيبه وَلَو قسم الإِمَام أَو بَاعَ جَازَ وَلَو لحقهم مدد لَا يشاركونهم وَيضمن الْمُتْلف وَلَكِن الْملك لَا يثبت حَتَّى لَو أعتق وَاحِد من الْغُزَاة عبدا من عبيد الْغَنِيمَة لَا يعْتق لِأَنَّهُ لَا يثبت الْملك الْخَاص إِلَّا بِالْقِسْمَةِ وَالْقسم الثَّالِث بعد الْقِسْمَة يثبت الْملك الْخَاص لكل وَاحِد فِيمَا هُوَ نصِيبه فَأَما حكم الطَّعَام والعلف فِي دَار الْحَرْب فَنَقُول لَا بَأْس بتناول الطَّعَام والعلف لعُمُوم الْحَاجة سَوَاء كَانَ المتناول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 غَنِيا أَو فَقِيرا من غير ضَمَان لِأَن فِي إِلْزَام الْغَنِيّ حمل الطَّعَام والعلف مَعَ نَفسه مُدَّة ذَهَابه وإيابه ومقامه فِي دَار الْحَرْب حرجا عَظِيما وَإِذا كَانَ محرزا بدار الْإِسْلَام لَا يُبَاح التَّنَاوُل بِغَيْر ضَمَان وَمَا فضل من الطَّعَام والعلف بعد الْإِحْرَاز قبل الْقِسْمَة فَإِنَّهُ يرد إِلَى الْغَنِيمَة إِن كَانَ غينا وَإِن كَانَ فَقِيرا يَأْكُل بِالضَّمَانِ وَإِن كَانَ بعد الْقِسْمَة فَإِنَّهُ يرد ثمنه إِلَى الْفُقَرَاء وَإِن بَاعَ شَيْئا مِنْهُ يرد ثمنه إِلَى الْمغنم إِن كَانَ غَنِيا قبل الْقِسْمَة وَإِن كَانَ بعد الْقِسْمَة يتَصَدَّق على الْفُقَرَاء وَإِن كَانَ فَقِيرا يَأْكُل إِن كَانَ بعد الْقِسْمَة وَأما مَا سوى الطَّعَام والعلف من الْأَمْوَال فَلَا يُبَاح للغزاة أَن يَأْخُذُوا شَيْئا مِنْهَا لتَعلق حق الْكل بهَا إِلَّا فِي السِّلَاح والكراع وَالثيَاب عِنْد الْحَاجة وَإِذا اسْتغنى يردهُ إِلَى الْمغنم أَو يدْفع إِلَيْهِ بِحِصَّتِهِ من الْغَنِيمَة فَلَا يُبَاح للغني أَن يفعل ذَلِك بِخِلَاف الطَّعَام والعلف وَمِنْهَا حكم كَيْفيَّة قسْمَة الْغَنَائِم فَنَقُول يقسم على خَمْسَة أسْهم فَأَرْبَعَة أسْهم للغزاة وَالْخمس لأربابه وَإِنَّمَا يصرف إِلَى الْمُقَاتلَة يَعْنِي بِهِ أهل الْقِتَال سَوَاء كَانَ شَابًّا أَو شَيخا عبدا مَأْذُونا أَو حرا بعد أَن كَانَ رجلا مُسلما مَأْذُونا لِلْقِتَالِ وَسَوَاء كَانَ صَحِيحا أَو مَرِيضا أما الصَّبِي الْعَاقِل وَالْمَرْأَة وَالذِّمِّيّ وَالْعَبْد الْمَحْجُور عَن الْقَتْل إِذا قَاتلُوا فَإِنَّهُ يرْضخ لَهُم الإِمَام شَيْئا لَا سَهْما كَامِلا لِأَنَّهُ لَا يجب الْقِتَال على هَؤُلَاءِ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة ثمَّ ينظر إِن كَانَ رَاجِلا فَلهُ سهم وَاحِد وَإِن كَانَ فَارِسًا فَلهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 سَهْمَان عِنْد أبي حنيفَة سهم لَهُ وَسَهْم لفرسه وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثَلَاث أسْهم سهم لَهُ وسهمان لفرسه ثمَّ يُسهم للفارس لفرس وَاحِد عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَعند أبي يُوسُف يُسهم لفرسين وَلَا يُسهم لما زَاد على ذَلِك وَهَذِه الْمَقَادِير تعرف بالأخبار الْوَارِدَة فِي الْبَاب وَمِنْهَا أَنه يعْتَبر حَال الْمقَاتل فِي كَونه فَارِسًا أَو رَاجِلا فِي حَال دُخُوله دَار الْحَرْب فِي ظَاهر الرِّوَايَة إِذا كَانَ قَصده الدُّخُول للْجِهَاد حَتَّى إِذا كَانَ يدْخل تَاجِرًا فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق وَلَو دخل فَارِسًا لقصد الْجِهَاد يسْتَحق سهم الفرسان وَإِن مَاتَ فرسه وَعند الشَّافِعِي يعْتَبر وصف الْمقَاتل حَال شُهُود الْوَقْعَة وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَلَو دخل رَاجِلا ثمَّ اشْترى فرسا أَو وهب لَهُ أَو ورث أَو اسْتعَار أَو اسْتَأْجر وَقَاتل فَارِسًا فَلهُ سهم راجل لاعْتِبَار حَال الدُّخُول وروى الْحسن عَنهُ أَنه لَهُ سهم فَارس وَلَو دخل فَارِسًا ثمَّ بَاعَ فرسه أَو آجره أَو أَعَارَهُ أَو رَهنه أَو وهبه وَسلم روى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن لَهُ سهم فَارس لاعْتِبَار الدُّخُول وَذكر فِي السّير الْكَبِير أَن لَهُ سهم راجل لِأَنَّهُ لم يكن دُخُوله لقصد الْجِهَاد فَاعْتبر الْحسن حَالَة الدُّخُول بِنَاء على الظَّاهِر وَاعْتبر حَال شُهُود الْوَقْعَة أَيْضا لأجل حَقِيقَة الْقِتَال وَمِنْهَا حكم الأسرى فَنَقُول الإِمَام بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قتل الْمُقَاتلَة مِنْهُم سَوَاء كَانُوا من الْمُشْركين أَو من أهل الْكتاب من الْعَرَب أَو من الْعَجم لِأَنَّهُ قد يكون مصلحَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 الْمُسلمين فِي قَتلهمْ وَإِن شَاءَ استرقهم وقسمهم بَين الْغَانِمين إِلَّا فِي حق مُشْركي الْعَرَب فَإِنَّهُم لَا يسْتَرقونَ وَلَكِن يقتلُون إِن لم يسلمُوا قَالَ الله تَعَالَى {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} فَأَما النِّسَاء والذراري فيسترقون كلهم الْعَرَب والعجم فِيهِ سَوَاء وَلَا يُبَاح قَتلهمْ لِأَنَّهُ فِيهِ مَنْفَعَة للْمُسلمين وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يمن على الأسرى فَيتْرك قَتلهمْ لِأَن فِيهِ إبِْطَال حق الْغُزَاة من غير نفع يرجع إِلَيْهِم وَهل يجوز أَن يتْرك قَتلهمْ بالمفاداة بِأَن يفادى بهم أسرى الْمُسلمين عِنْد أبي حنيفَة لَا تجوز المفاداة وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد تجوز المفاداة بهم وَلَا يجوز مفاداة أسر الْكفَّار بِمَال يُؤْخَذ مِنْهُم وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ للْإِمَام خِيَار آخر فِي حق أهل الْكتاب وَعَبدَة الْأَوْثَان من الْعَجم أَن يعْقد مَعَهم عقد الذِّمَّة على أَن يقبلُوا الْجِزْيَة وَيتْرك الْأَرَاضِي فِي أَيْديهم بالخراج كَمَا فعل عمر رَضِي الله عَنهُ بسواد الْعرَاق فِي حق مُشْركي الْعَجم فَأَما فِي حق مُشْركي الْعَرَب فَلَا يجوز أَخذ الْجِزْيَة مِنْهُم كَمَا لَا يجوز الاسترقاق فَيقسم أراضيهم بَين الْغُزَاة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجْتَمع دِينَار فِي جَزِيرَة الْعَرَب وَمِنْهَا حكم الْخمس فَنَقُول إِن الْخمس فِي زَمَاننَا يقسم على ثَلَاثَة أسْهم سهم لِلْيَتَامَى وَسَهْم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 للْمَسَاكِين وَسَهْم لأبناء السَّبِيل وَلم يكن ذكر هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف على طَرِيق الِاسْتِحْقَاق حَتَّى لَو صرف إِلَى صنف مِنْهُم جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَة وَاخْتلف مَشَايِخنَا قَالَ بَعضهم بِأَن فِي زمن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقسم على خَمْسَة أسْهم سهم للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَهْم لأقرباء الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام للْفُقَرَاء دون الْأَغْنِيَاء وَقَالَ بَعضهم يصرف إِلَى الْفُقَرَاء والأغنياء من الأقرباء وَثَلَاثَة أسْهم إِلَى مَا ذكر الله تَعَالَى فِي الْكتاب وَهَذَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي يقسم على خَمْسَة أسْهم فسهم الرَّسُول يصرف إِلَى كل خَليفَة فِي زَمَانه وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى يصرف إِلَى بني هَاشم من أَوْلَاد فَاطِمَة وَغَيرهَا وَثَلَاثَة أسْهم أُخْرَى إِلَى مَا نَص الله عَلَيْهِم وَعِنْدنَا على الْوَجْه الَّذِي كَانَ وَقد بَقِي ثَابتا وهم فُقَرَاء الْقَرَابَة سوى سهم الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ سقط بوفاته وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة ثمَّ الْخمس إِنَّمَا يجب فِيمَا يُؤْخَذ من أَمْوَال أهل الْحَرْب إِذا أَخذ إِمَّا بِإِذن الإِمَام أَو بِقُوَّة قوم لَهُم مَنْعَة وشوكة فَإِن الْغَنِيمَة اسْم لمَال يُؤْخَذ على طَرِيق الْقَهْر وَالْغَلَبَة أما فِي المنعة فَظَاهر وَكَذَا إِذا أذن الإِمَام لسرية أَو لوَاحِد حَتَّى يدْخل للإغارة بِخمْس مَا أَصَابَهُ لِأَنَّهُ أَخذ بِقُوَّة الإِمَام ومعونته والإمداد عِنْد الْحَاجة فَأَما إِذا دخل قوم لَا مَنْعَة لَهُم بِغَيْر إِذن الإِمَام وَأخذُوا شَيْئا لَا يجب فِيهِ الْخمس عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وهم بِمَنْزِلَة اللُّصُوص والتجار ظفروا بِمَال أهل الْحَرْب خُفْيَة وأخرجوه يكون ملكا لَهُم خَاصَّة وَلَا خمس فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بغنيمة هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم أَمْوَال الْكفَّار الَّتِي أخذت مِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وَأما حكم أَمْوَالنَا الَّتِي أخذُوا من الْمُسلمين بالقهر وَالْغَلَبَة فِي دَار الْإِسْلَام فَقبل أَن يحرزوا بدار الْحَرْب لَا يثبت الْملك لَهُم وَإِن أحرزوا يثبت الْملك لَهُم عندنَا خلافًا لَهُ وَكَذَا الْجَواب فِي عبيدنا إِذا أخذُوا فِي دَار الْإِسْلَام فَأَما إِذا أبق العَبْد منا وَدخل دَار الْحَرْب ثمَّ أَخَذُوهُ وأسروه لَا يصير ملكا لَهُم عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يملكونه وَأَجْمعُوا أَنهم إِذا أخذُوا مدبرينا ومكاتبينا وَأُمَّهَات أَوْلَادنَا أَنهم لَا يملكُونَ حَتَّى لَو وجد الْملك الْقَدِيم يَأْخُذهُ من غير شَيْء قبل الْقِسْمَة وَبعد الْقِسْمَة وَفِي يَد التَّاجِر فَأَما كل مَال ملكوه فَإِن وجد قبل الْقِسْمَة يُؤْخَذ بِغَيْر شَيْء وَإِن كَانَ بعد الْقِسْمَة يُؤْخَذ بِالْقيمَةِ وَإِن وجد فِي يَد تَاجر أخرجه إِلَى دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يَأْخُذ بِالثّمن إِن شَاءَ لِأَن للْمَالِك الْقَدِيم حق التَّمَلُّك بِالْبَدَلِ كالشفيع وَهَذَا فِي غير الْمكيل وَالْمَوْزُون فَأَما فِي الْمِثْلِيَّات فَلَا يَأْخُذ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي أَن يَأْخُذ شَيْئا وَيُعْطِي مثله وَلَو أَن حَرْبِيّا دخل دَار الْإِسْلَام بِغَيْر أَمَان يصير فَيْئا لجَماعَة الْمُسلمين حَتَّى لَو أسلم قبل أَن يَأْخُذهُ وَاحِد من الْمُسلمين فَإِنَّهُ لَا يعْتق وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة فَأَما عِنْدهمَا فَيصير ملكا للآخذ حَتَّى لَو أسلم قبل الْأَخْذ يكون حرا وَأَجْمعُوا أَنه إِذا عَاد إِلَى دَار الْحَرْب قبل الْأَخْذ ثمَّ أسلم يكون حرا لِأَن حق أهل دَار الْإِسْلَام لم يتَأَكَّد عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لم يثبت فَإِن دخل بِأَمَان ثمَّ أَخذ يَصح الْأمان وَلَا يصير ملكا للآخذ لَكِن يَقُول لَهُ الإِمَام إِن رجعت قبل سنة فَلَا شَيْء عَلَيْك وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 مَضَت سنة وضعت عَلَيْك الْجِزْيَة وصرت ذِمِّيا فَإِن ذهب قبل مُضِيّ السن وَإِلَّا صَار رَاضِيا بِالذِّمةِ وَيصير ذِمِّيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 بَاب أَخذ الْجِزْيَة وَحكم الْمُرْتَدين أما حكم الْجِزْيَة فَنَقُول إِن أَخذ الْجِزْيَة وَعقد الذِّمَّة مَشْرُوع فِي حق جَمِيع الْكفَّار إِلَّا فِي حق مُشْركي الْعَرَب والمرتدين فَإِنَّهُ لَا يقبل مِنْهُم الْجِزْيَة كَمَا لم يشرع فيهم الاسترقاق فَأَما فِي حق أهل الْكتاب فَلقَوْله تَعَالَى {هم المعتدون} وَأما فِي حق الْعَجم فبحديث عمر رَضِي الله عَنهُ أَن فتح سَواد الْعرَاق وَضرب الْجِزْيَة على جَمَاعَتهمْ وَوضع الْخراج على أراضيهم ثمَّ الْجِزْيَة إِنَّمَا تشرع فِي حق المقاتلين من الرِّجَال الْعُقَلَاء الْأَحْرَار الأصحاء دون النِّسَاء وَالصبيان والمجانين والأرقاء لِأَنَّهَا تجب على من يجب عَلَيْهِ الْقَتْل ثمَّ الْجِزْيَة على التَّفَاوُت فِي حق الْمُوسر المكثر فِي كل سنة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ درهما وَفِي حق الْمُتَوَسّط أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَفِي حق الْفَقِير المعتمل أَعنِي الْقَادِر على الْعَمَل وَالْكَسْب اثْنَا عشر درهما حَتَّى لَا يجب على الزَّمن وَالْأَعْمَى وَالشَّيْخ الفاني إِذا لم يَكُونُوا أَغْنِيَاء وَإِذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 كَانُوا أَغْنِيَاء فَكَذَلِك فِي ظَاهر الرِّوَايَة لِأَن هَؤُلَاءِ لَيْسُوا من التقل وَعَن أبي يُوسُف فِي رِوَايَة أَنه يجب على الْأَغْنِيَاء مِنْهُم وعَلى هَذَا فِي التغلبي الْفَقِير الَّذِي لَا يقدر على الْعَمَل لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن الصَّدَقَة المضاعفة جِزْيَة حَقِيقَة وَكَذَلِكَ إِن مرض الذِّمِّيّ أَكثر السّنة لَا تجب الْجِزْيَة لِأَن الصِّحَّة شَرط وَكَذَلِكَ أهل الصوامع والرهابين والسياحون يُؤْخَذ مِنْهُم الْخراج إِذا كَانُوا مِمَّن يقدرُونَ على الْعَمَل وَعَن مُحَمَّد أَنه لَا خراج عَلَيْهِم لأَنهم لَا يقتلُون إِذا لم يكن مِنْهُم شَرّ ظَاهر فَلَا تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة ثمَّ الْجِزْيَة تجب زجرا لَهُم عَن الْكفْر فِي الْمُسْتَقْبل عِنْد أبي حنيفَة حَتَّى تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة فِي السّنة الَّتِي يعْقد فِيهَا الذِّمَّة وَإِذا مَضَت السّنة لَا يُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة فِي السّنة الَّتِي يعْقد فِيهَا الذِّمَّة وَإِذا مَضَت السّنة لَا يُؤْخَذ لما مضى وَعِنْدَهُمَا تُؤْخَذ مَا دَامَ ذِمِّيا لما مضى ولقب الْمَسْأَلَة أَن الموانيد هَل تُؤْخَذ أم لَا فَعنده لَا تُؤْخَذ خلافًا لصاحبيه وَأما إِذا أسلم الذِّمِّيّ أَو مَاتَ تسْقط الْجِزْيَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَأما حكم أهل الرِّدَّة فَنَقُول لَهُم أَحْكَام من ذَلِك أَن الرجل الْمُرْتَد يقتل لَا محَالة إِذا لم يسلم وَلَا يسترق لَكِن الْمُسْتَحبّ أَن يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام أَولا فَإِن أسلم وَإِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 فَيقْتل من سَاعَته إِذا لم يطْلب التَّأْجِيل فَأَما إِذا طلب التَّأْجِيل إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام لينْظر فِي أمره فَإِنَّهُ يُؤَجل وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ وَلَكِن مَشَايِخنَا قَالُوا الأولى أَن يُؤَجل ثَلَاثَة أَيَّام وَيحبس ويعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَإِذا وَقع الْيَأْس فَحِينَئِذٍ يقتل فَأَما الْمَرْأَة فَلَا تقتل عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَلكنهَا تحبس وتجبر على الْإِسْلَام وتضرب فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى أَن تسلم وَكَذَا الْجَواب فِي الْأمة إِلَّا أَن الْأمة تحبس فِي بَيت الْمولى لِأَن ملكه قَائِم بِخِلَاف الْمُرْتَدَّة الْمَنْكُوحَة فَإِن النِّكَاح قد بَطل بِالرّدَّةِ وَلَو لحقت بدار الْحَرْب ثمَّ ظهر الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم لَهُم أَن يسترقوا الْمُرْتَدَّة دون الْمُرْتَد فَأَما الصَّبِي الْعَاقِل إِذا ارْتَدَّ فَردته صَحِيحَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد كإسلامه وَعند أبي يُوسُف إِسْلَام صَحِيح دون ارتداده وَعند الشَّافِعِي لَا يَصح كِلَاهُمَا وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة لَكِن لَا يقتل ويعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام وَلَكِن لَا يحبس وَلَا يضْرب وَإِذا بلغ الْآن يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام جبرا وَيحبس وَيضْرب لَكِن لَا يقتل لِأَنَّهُ لَا يجب الْقَتْل بِهَذِهِ الرِّدَّة وعَلى هَذَا الصَّبِي إِذا حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا لِأَبَوَيْهِ ثمَّ بلغ كَافِرًا وَلم يسمع مِنْهُ الْإِقْرَار بعد الْبلُوغ فَإِنَّهُ يجْبر على الْإِسْلَام وَلَكِن لَا يقتل أَيْضا فَأَما إِذا سمع مِنْهُ الْإِقْرَار بعد الْبلُوغ يقتل إِذا ارْتَدَّ والسكران إِذا ارْتَدَّ فِي حَال ذهَاب عقله فَالْقِيَاس أَن تصح ردته فِي حق الْأَحْكَام وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا تصح وَإِن ذهب عقله بِسَبَب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 البرسام وَالْإِغْمَاء فَارْتَد فِي تِلْكَ الْحَالة لَا تصح ردته قِيَاسا واستحسانا لِأَن الْكفْر لَا يَصح بِدُونِ الْقَصْد وَمِنْهَا حكم مَال الْمُرْتَد وتصرفاته قَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّه مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَو قتل على ردته أَو لحق بدار الْحَرْب بَطل جَمِيع ذَلِك إِلَّا أَن يَدعِي ولد جَارِيَة لَهُ فَيثبت نسبه وَتصير الْجَارِيَة أم ولد لَهُ وَإِن أسلم صَحَّ ذَلِك كُله لِأَن مَاله مَوْقُوف عِنْده بَين أَن يصير لوَرثَته من وَقت الرِّدَّة وَبَين أَن يبْقى لَهُ إِذا أسلم فالتصرفات المبنية عَلَيْهِ كَذَلِك وَعند أبي يُوسُف تَصَرُّفَاته صَحِيحَة مثل تصرف الصَّحِيح وَعند مُحَمَّد تَصَرُّفَاته مثل تصرف الْمَرِيض لَا تصح تبرعاته إِلَّا من الثُّلُث لِأَن عِنْدهمَا ملكه بَاقٍ بعد الرِّدَّة وَإِنَّمَا يَزُول بِالْمَوْتِ وَالْقَتْل وإلحاق بدار الْحَرْب وَأما حكم مَال الْمُرْتَدَّة وتصرفاتها فَمثل قَوْلهمَا فِي الْمُرْتَد عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهَا لَا تقتل وَمِنْهَا حكم مِيرَاث الْمُرْتَد وَإِذا مَاتَ أَو قتل أَو لحق بدار الْحَرْب وَترك مَاله فِي دَار الْإِسْلَام قَالَ أَبُو حنيفَة فَمَا اكْتَسبهُ فِي حَال الْإِسْلَام فَهُوَ مِيرَاث لوَرثَته الْمُسلمين وَمَا اكْتَسبهُ فِي حَال الرِّدَّة فَهُوَ فَيْء وَعِنْدَهُمَا الْكل مِيرَاث ثمَّ عِنْدهمَا يعْتَبر حَال الْوَارِث وَقت الْمَوْت وَالْقَتْل دون الرِّدَّة فَإِن كَانَ مُسلما حرا يَرث وَإِلَّا فَلَا وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة يعْتَبر حَال الرِّدَّة لَا غير وَفِي رِوَايَة يعْتَبر حَال الرِّدَّة والدوام إِلَى وَقت الْمَوْت وَالْقَتْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وَكَذَلِكَ إِذا لحق بدار الْحَرْب فَإِنَّهُ يُورث مَاله لِأَن اللحاق بدار الْحَرْب بِمَنْزِلَة الْمَوْت لَكِن هَل يشْتَرط قَضَاء القَاضِي بلحاقه فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَكِن القَاضِي يحكم بِعِتْق أُمَّهَات أَوْلَاده ومدبريه وَأما الْمكَاتب فَإِذا أدّى بدل الْكِتَابَة إِلَى ورثته عتق وَيكون الْوَلَاء للمرتد وَيقوم الْوَرَثَة مقَامه فِي حق قبض بدل الْكِتَابَة كَمَا إِذا مَاتَ الْمولى وَترك مكَاتبا وَلَو أَن الْمُرْتَد بَعْدَمَا لحق بدار الْحَرْب عَاد إِلَى دَار الْإِسْلَام مُسلما فَإِن كَانَ قبل قَضَاء القَاضِي بلحاقه فَمَا لَهُ على حَاله وَلم يعْتق مدبروه ومكاتبوه وَأُمَّهَات أَوْلَاده وَإِن كَانَ بعد الْقَضَاء فَمَا وجد من مَاله فِي يَد وَارثه بِحَالهِ فَهُوَ أَحَق بِهِ كَأَنَّهُ وهب مِنْهُ وَله أَن يرجع وَمَا زَالَ عَن ملكه بالتمليك أَو بِالْأَكْلِ فَلَا رُجُوع فِيهِ وَلَا سَبِيل لَهُ على أُمَّهَات الْأَوْلَاد والمدبرين وَلَا يفْسخ عتقهم لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل الْفَسْخ وَإِن وجد بدل الْكِتَابَة فِي يَد الْوَرَثَة يَأْخُذهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْء على الْوَرَثَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 بَاب أَحْكَام الْبُغَاة قَالَ إِذا خرج طَائِفَة على الإِمَام على التَّأْوِيل وخالفوا الْجَمَاعَة فَإِن لم يكن لَهُم مَنْعَة فللإمام أَن يَأْخُذهُمْ ويحبسهم حَتَّى يحدثوا تَوْبَة وَإِن كَانَت لَهُم مَنْعَة فَإِنَّهُ يجب على الَّذين لَهُم قُوَّة وشوكة أَن يعينوا إِمَام أهل الْعدْل ويقاتلوهم حَتَّى يهزموهم ويقتلوهم وَبعد الانهزام يقتلُون مدبريهم وأسرائهم ويجهزون على جريحهم وَأَصله قَوْله تَعَالَى {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} وَإِن عَفا الإِمَام عَن أسرائهم فَلَا بَأْس بِهِ أَيْضا وَإِن لم يكن لَهُم مَنْعَة ينحازون إِلَيْهَا فَلَيْسَ للْإِمَام أَن يقتل أَسْرَاهُم وَلَا مدبريهم وَلَكِن يحبسهم حَتَّى يحدثوا تَوْبَة ثمَّ يخلى سبيلهم ثمَّ بعد التَّوْبَة مَا أَخذ الإِمَام من أَمْوَالهم وسلاحهم وَهُوَ قَائِم يرد إِلَيْهِم وَمَا استهلكوه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم وَكَذَا فِي جَانب أهل الْبَغي إِذا أتلفوا أَمْوَال أهل الْعدْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 وَأَصله حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ وَقعت الْفِتْنَة فَاجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم متوافرون على أَن كل دم أريق بِتَأْوِيل الْقُرْآن فَهُوَ هدر وكل مَا أتلف بِتَأْوِيل الْقُرْآن فَلَا ضَمَان فِيهِ وكل فرج استبيح بِتَأْوِيل الْقُرْآن فَلَا حد فِيهِ وَمَا كَانَ قَائِما يرد وَهَذَا إِذا أتلفوا فِي حَال التجبر والمنعة فَأَما إِذا أتلفوا مَالهم ونفوسهم قبل ظُهُور المنعة أَو بعد الانهزام فَإِنَّهُم يضمنُون لأَنهم من أهل دَار الْإِسْلَام وَهَذَا جَوَاب الحكم وَإِنَّمَا نعني بِهِ أَن يضمن كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ للْآخر مَا أتلف من الْأَنْفس وَالْأَمْوَال لكَونهَا معصومة فِي هَذِه الْحَالة إِلَّا بطرِيق الدّفع ثمَّ كل من لَا يُبَاح قَتله من أهل الْحَرْب لَا يُبَاح قَتله من أهل الْبَغي إِلَّا إِذا وجد الْقِتَال من العبيد والنسوان والشيوخ فيحنئذ يقتلُون فِي حَالَة الْقِتَال وَبعد الانهزام لَا يُبَاح وَيكرهُ أَن يبْعَث برؤوس الْبُغَاة أَو الحربى إِلَى الْآفَاق إِلَّا إِذا كَانَ فِي ذَلِك وَهن لَهُم فَلَا بَأْس بِهِ ثمَّ قَتْلَى أهل الْعدْل شُهَدَاء يفعل بهم مثل مَا يفعل بِالشُّهَدَاءِ يكفنون فِي ثِيَابهمْ وَلَا يغسلون وَيصلى عَلَيْهِم فَأَما قَتْلَى أهل الْبَغي فَلَا يصلى عَلَيْهِم سَوَاء كَانَ لَهُم مَنْعَة أَو لم يكن وَهُوَ الصَّحِيح وَلَكِن يغسلون ويكفنون ويدفنون لِأَن هَذَا من شِيمَة الْمَوْتَى وَأما قَضَاء قَاضِي أهل الْبَغي بِشَهَادَة أهل الْبَغي فَلَا يَصح لاحْتِمَال أَنه قضى بِمَا هُوَ بَاطِل عندنَا لأَنهم يسْتَحلُّونَ أَمْوَالنَا ودماءنا وَلَا يقبل قَاضِي أهل الْعدْل كتاب قاضيهم لما ذكرنَا من الِاحْتِمَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 وَإِذا تَابُوا وَرَجَعُوا ينظر الإِمَام فِي قضاياه فَإِن قضى بِمَا هُوَ الْحق بِشَهَادَة أهل الْعدْل ينفذ وَإِلَّا فَيرد الْكل وَأما إِذا نصبوا قَاضِيا من أهل الْعدْل فَإِن قَضَاءَهُ نَافِذ لِأَن لَهُم شَوْكَة وَقُوَّة وَأمكن للْقَاضِي تَنْفِيذ قضاياه بقواهم وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 كتاب الشّرْب فِي هَذَا الْكتاب فصلان أَحدهمَا فِي أَحْكَام الشّرْب الثَّانِي فِي أَحْكَام الْأَرَاضِي أما الأول فَنَقُول إِن الْمِيَاه أَنْوَاع أَرْبَعَة مَاء مَمْلُوك وَهُوَ مَا أحرز فِي الْأَوَانِي وَحكمه حكم سَائِر الْأَمْلَاك لَيْسَ لأحد فِيهِ حق وَلَا يحل لأحد أَن يَأْخُذهُ وَلَا أَن يشربه إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة القاتلة بِأَن أَصَابَهُ الْعَطش على وَجه يهْلك فَيُبَاح لَهُ الْأَخْذ وَالشرب وَلَو منع صَاحبه لَهُ أَن يقاتله بِالسِّلَاحِ حَتَّى يتَمَكَّن من تنَاوله بِقدر مَا يدْفع بِهِ عطشه إِذا كَانَ مَعَه فضل مَاء عَن حَاجته الماسة وَفِي الطَّعَام يُبَاح لَهُ أَن يَأْخُذ جبرا وقهرا وَلَكِن لَا يُقَاتل بِالسِّلَاحِ كَمَا قَالَ بعض الْمَشَايِخ وَقَالَ بَعضهم هَذَا فِي البئرالخاص وَالنّهر الْخَاص فَإِن حق الشّفة ثَابت لكل النَّاس فَمن منع حَقه لَهُ أَن يُقَاتل مَعَه فَأَما فِي المَاء الْمَمْلُوك فَعِنْدَ الضَّرُورَة القاتلة يُبَاح لَهُ الْأَخْذ قهرا لَكِن لَا يُقَاتل كَمَا فِي الطَّعَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 وَالثَّانِي المَاء الَّذِي يكون فِي الْبِئْر والحوض وَالْعين الْمَمْلُوكَة لَهُ فَهُوَ حق خَاص لَهُ كالمملوك لَكِن لعامة النَّاس حق الشّفة من هَذَا المَاء حَتَّى يشرب بِنَفسِهِ وَيَأْخُذ المَاء لنَفسِهِ ولمواشيه وَلَيْسَ لصَاحب المَاء حق الْمَنْع وَهُوَ معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام النَّاس شُرَكَاء فِي الثَّلَاث فِي المَاء والكلأ وَالنَّار وَلَكِن لَو أَرَادَ أحد أَن يسْقِي زرعه من ذَلِك المَاء لَا يجوز لَهُ ذَلِك ويمنعه السُّلْطَان عَنهُ لِأَن هَذَا يبطل حَقه لِأَنَّهُ لَو أطلق هَذَا لشاركه فِيهِ كل من يُمكنهُ سقِِي أرضه مِنْهُ فَيبْطل حَقه أصلا وَالثَّالِث أَن يكون نَهرا مُشْتَركا بَين جمَاعَة محصورة حَتَّى يثبت الشُّفْعَة بِسَبَب الشّركَة فِيهِ كَانَ لهَؤُلَاء الشُّرَكَاء حق السَّقْي بِقدر شركتهم فِي النَّهر وَلَيْسَ لغَيرهم حق السَّقْي للمزارع وَالْأَشْجَار إِنَّمَا لَهُم حق الشّفة وَلَو أَرَادَ وَاحِد من الشُّرَكَاء أَن يكْرِي نَهرا صَغِيرا وَيَأْخُذ المَاء من النَّهر الْمُشْتَرك فيسوق إِلَى أَرض أَحْيَاهَا لَيْسَ لَهَا مِنْهُ شرب لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِرِضا الشُّرَكَاء وَكَذَلِكَ إِذا أَرَادَ أَن ينصب عَلَيْهِ رحى لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِرِضا الشُّرَكَاء لِأَن بقْعَة الرَّحَى حق وَملك لجماعتهم فَإِذا بنى اخْتصَّ بِتِلْكَ الْبقْعَة وَانْقطع حق الشُّرَكَاء عَنْهَا فَيمْنَع أما إِذا كَانَ مَوضِع الرَّحَى ملكه موليس فِيهِ ضَرَر بالشركاء بِأَن كَانَ المَاء يُدِير الرَّحَى وَيجْرِي المَاء على سنَنه فِي النَّهر فَلَيْسَ لَهُم حق الْمَنْع لِأَن المَاء مُشْتَرك بَينهم وَلكُل وَاحِد مِنْهُم أَن ينْتَفع بِحقِّهِ على وَجه لَا يتَضَرَّر بِهِ شركاؤه فَأَما إِذا كرى نَهرا من هَذَا النَّهر وعرج المَاء حَتَّى يصل إِلَى الرَّحَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 الْمَمْلُوكَة لَهُ فِي أرضه فيدير رحاه ثمَّ يجْرِي النَّهر من أَسْفَله لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن فِيهِ ضَرَرا بالشركاء بِقطع المَاء عَن سنَنه فَيتَأَخَّر وُصُول حَقهم إِلَيْهِم وينتقص فِي الْجُمْلَة أَيْضا وَكَذَا الْجَواب فِي نصب الدالية والسانية وَالرَّابِع الْأَنْهَار الْعِظَام كالفرات والدجلة والجيحون وَغَيرهَا فَلَا حق لأحد فِيهَا على الْخُصُوص بل هُوَ حق الْعَامَّة فَكل من يقدر على سقِِي أراضيه مِنْهَا فَلهُ ذَلِك وَكَذَا نصب الرَّحَى والدالية وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا إِذْ لم يكن فِيهِ ضرب بالنهر الْعَظِيم أما إِذا كَانَ فِيهِ ضرب فَيمْنَع عَن ذَلِك ثمَّ كري الْأَنْهَار الْعِظَام على السُّلْطَان من مَال بَيت المَال لِأَن مَنْفَعَتهَا ترجع إِلَى عَامَّة النَّاس فَيكون مؤونة ذَلِك فِي مَال الْعَامَّة وَهُوَ مَال بَيت المَال وَأما كري النَّهر الْمُشْتَرك بَين أَقوام معلومين فَعَلَيْهِم وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك قَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِم جَمِيعًا أَن يكروا من أَعْلَاهُ فَإِذا جَاوز أَرض رجل وَاحِد دفع عَنهُ حِصَّته يكرن الْكرَى على من بَقِي وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الكري عَلَيْهِم جَمِيعًا من أَوله إِلَى آخِره بحصص الشّرْب وَالْأَرْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 وَبَيَان ذَلِك أَن النَّهر إِذا كَانَ بَين عشرَة وَلكُل وَاحِد مِنْهُم عَلَيْهِ أراض على السوَاء فَإِن الكري من فوهة النَّهر إِلَى أَن يُجَاوز شرب أَوَّلهمْ بَينهم على عشرَة أسْهم على كل وَاحِد مِنْهُم الْعشْر فَإِذا تجَاوز شرب الأول خرج هُوَ من الكري وَيكون الكري على البَاقِينَ على تِسْعَة أسْهم فَإِذا تجَاوز شرب الثَّانِي سَقَطت عَنهُ النَّفَقَة وَيكون الكري على البَاقِينَ على ثَمَانِيَة أسْهم على هَذَا التَّرْتِيب وَقَالا إِن المؤونة بَينهم على عشرَة أسْهم من أول النَّهر إِلَى آخِره فهما يَقُولَانِ إِن لصَاحب الْأَعْلَى مَنْفَعَة فِي حفر الْأَسْفَل فَإِنَّهُ مسيل مائَة كَمَا أَن لصَاحب الْأَسْفَل مَنْفَعَة فِي الْأَعْلَى ثمَّ حفر الْأَعْلَى مُشْتَرك فَكَذَلِك الْأَسْفَل وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِن فوهة النَّهر مُشْتَركَة لَا يتَوَصَّل أحدهم إِلَى الِانْتِفَاع بشربه إِلَّا بحفرها وَكَذَا حفر مَا بعْدهَا فَإِذا تجَاوز شرب أحدهم فَلَا حق لَهُ فيحفر مَا بعد أرضه لِأَن ذَلِك ملك الْبَاقِي لَا ملكه إِنَّمَا لَهُ حق تسييل المَاء فِيهِ فَتكون المؤونة على الْمَالِك لَا على صَاحب الْحق كَمَا فِي مسيل المَاء على سَطَعَ مَمْلُوك لغيره وَإِذا كَانَ نهر لرجل بَين أراض فَاخْتَلَفُوا فِي المسناة قَالَ صَاحب الأَرْض هِيَ ملكي وَقَالَ صَاحب النَّهر هِيَ ملكي وَلَا يعرف أَن المسناة فِي يَد من هِيَ وَفِي تصرف من هِيَ قَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ ملك صَاحب الأَرْض حَتَّى إِن لَهُ أَن يغْرس فِيهَا ويزرع وَيمْنَع صَاحب النَّهر عَن إِلْقَاء الطين فِيهَا وَعَن الْمُرُور فِيهَا إِلَّا أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يحْفر المسناة فيسيل مَاء النَّهر فِي غير مَوْضِعه فَيكون حق صَاحب النَّهر فِي إمْسَاك المَاء لَا غير وعَلى قَوْلهمَا إِنَّمَا هِيَ ملك صَاحب النَّهر وَمن مَشَايِخنَا من قَالَ إِن هَذَا الْخلاف مَبْنِيّ على أَن النَّهر هَل لَهُ حَرِيم أم لَا فَإِن كرى رجل نَهرا فِي أَرض موَات بِإِذن السُّلْطَان فَعِنْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 أبي حنيفَة لَيْسَ لَهُ حَرِيم وَعِنْدَهُمَا لَهُ حَرِيم فَكَانَ الظَّاهِر شَاهدا لصَاحب النَّهر عِنْدهمَا وَلَيْسَ بِشَاهِد لَهُ عِنْد أبي حنيفَة لَكِن أهل التَّحْقِيق من مَشَايِخنَا قَالُوا لَا خلاف أَن للنهر حريما فِي أَرض موَات فَإِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام جعل للبئر حريما فَيكون جعله ذَاك جعلا للنهر حريما بطرِيق الأولى لشدَّة حَاجَة النَّهر إِلَى الْحَرِيم وَلَكِن الْخلاف هَاهُنَا فِيمَا إِذا لم يعرف أَن المسناة فِي يَد صَاحب النَّهر بِأَن كَانَت مُتَّصِلَة بالأراضي مُسَاوِيَة لَهَا وَلم تكن أَعلَى مِنْهَا فَالظَّاهِر شَاهد أَنَّهَا من جملَة أراضيه إِذْ لَو لم تكن هَكَذَا لكَانَتْ أَعلَى لإلقاء الطين فِيهَا وَنَحْو ذَلِك وَعِنْدَهُمَا الظَّاهِر شَاهد لصَاحب النَّهر لكَونه حريما لَهُ فَوَقع الْكَلَام بَينهم فِي التَّرْجِيح ثمَّ الشّرْب الْخَاص أَو الْمُشْتَرك لَا يجوز بَيْعه وهبته وَنَحْو ذَلِك إِلَّا الْوَصِيَّة وَيجْرِي فِيهِ الْإِرْث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَين مَال بل هُوَ حق مَالِي فَأَما إِذا بَاعَ تبعا لأرضه جَازَ وَيصير الشّرْب لصَاحب الأَرْض وَإِنَّمَا يدْخل الشّرْب إِذا ذكره صَرِيحًا فِي البيع أَو يذكر إِنِّي بِعْت الأَرْض بحقوقها أَو بمرافقها أَو بِكُل قَلِيل وَكثير هُوَ لَهَا دَاخل فِيهَا وخارج مِنْهَا من حُقُوقهَا فَحِينَئِذٍ يدْخل فَأَما فِي الْإِجَارَة فَيدْخل الشّرْب من غير ذكر لِأَن الِانْتِفَاع بِالْأَرْضِ الْمُسْتَأْجرَة لَا يكون إِلَّا بِالْمَاءِ بِخِلَاف البيع أما أَحْكَام الْأَرَاضِي فَهِيَ أَنْوَاع وَأَرْض مَمْلُوكَة عامرة لَا يجوز لأحد التَّصَرُّف فِيهَا وَالِانْتِفَاع بهَا إِلَّا بِرِضا صَاحبهَا وَالثَّانيَِة أَرض خراب انْقَطع مَاؤُهَا وَهِي ملك صَاحبهَا لَا تَزُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 عَنهُ إِلَّا بإزالته وتورث عَنهُ إِذا مَاتَ وَهَذَا إِذا عرف صَاحبهَا وَإِن لم يعرف فَحكمهَا حكم اللّقطَة الثَّالِثَة الأَرْض الْمُبَاحَة وَتسَمى الْموَات وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا يكون تبعا لبَعض الْقرى مرعى لمواشيهم ومحتطبا لَهُم فَهِيَ حَقهم لَا يجوز للْإِمَام أَن يقطعهَا من أحد لِأَن فِي ذَلِك ضَرَرا بهؤلاء وَلَكِن ينْتَفع بالحطب والقصب الَّتِي فِيهَا هَؤُلَاءِ وَغَيرهم وَلَيْسَ لَهُم أَن يمنعوها عَن غَيرهم لِأَنَّهَا لَيست بِملك لَهُم وَالْحَد الْفَاصِل أَن يسمع صَوت الرجل من أدنى الأَرْض الْمَمْلُوكَة إِلَيْهِ فَمَا لم يسمع صَوته فِيهِ فَهِيَ لَيست بتابعة لقريتهم وَالنَّوْع الثَّانِي مَا لَا يكون تبعا لقرية من الْقرى فَهِيَ على الْإِبَاحَة من أَحْيَاهَا بِإِذن الإِمَام فَعِنْدَ أبي حنيفَة تكون ملكا لَهُ وَعِنْدَهُمَا بِغَيْر إِذن الإِمَام تصير ملكا لَهُ وَيصير هُوَ أَحَق بهَا من غَيره ملكا والإحياء أَن يَبْنِي ثمَّة بِنَاء أَو يحْفر نَهرا أَو يَجْعَل للأراضي مسناة وَنَحْو ذَلِك أما إِذا وضع أحجارا حولهَا وَجعل ذَلِك حدا فَإِنَّهُ لَا تصير ملكا لَهُ وَلَكِن يكون هُوَ أَحَق بِالِانْتِفَاعِ بهَا بسبق يَده على مَا رُوِيَ مني مناخ من سبق ثمَّ فِي الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَة لَا شركَة لأحد فِي الْحَطب والقصب مِنْهَا وَإِنَّمَا لَهُم حق فِي الْكلأ وَلَيْسَ لأربابها منع الْغَيْر عَن ذَلِك للْحَدِيث الَّذِي روينَا وَلَو منع عَن الدُّخُول يَقُول لَهُ أخرج الْكلأ إِلَى الطَّالِب وَإِلَّا فَاتْرُكْهُ حَتَّى يدْخل فيحصد بِنَفسِهِ وَهَكَذَا المروج الْمَمْلُوكَة والأجمة الْمَمْلُوكَة فِي حق الْكلأ والسمك لَا فِي الْحَطب والقصب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 ثمَّ إِذا حفر نَهرا هَل لَهُ حَرِيم عِنْد بعض الْمَشَايِخ على الْخلاف الَّذِي ذكرنَا فِي المسناة وَعند بَعضهم لَهُ حَرِيم بِقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ لإلقاء الطين وَنَحْوه وَاخْتلف أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي مِقْدَاره قَالَ أَبُو يُوسُف قدر عرض نصف النَّهر من هَذَا الْجَانِب وَقدر النّصْف من الْجَانِب الآخر وَقَالَ مُحَمَّد قدر عرض جَمِيع النَّهر من كل جَانب وَكَذَا الِاخْتِلَاف فِي الْحَوْض فَأَما حَرِيم بِئْر العطن فأربعون ذِرَاعا بِالْإِجْمَاع وحريم الْعين خَمْسمِائَة ذِرَاع من كل جَانب بِالْإِجْمَاع وَاخْتلفُوا فِي بِئْر الناضح قَالَ أَبُو حنيفَة أَرْبَعُونَ من كل جَانب وَقَالا سِتُّونَ ذِرَاعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 كتاب الْأَشْرِبَة قَالَ يحْتَاج إِلَى تَفْسِير أَسمَاء الْأَشْرِبَة الْمُحرمَة فِي الْجُمْلَة وَإِلَى بَيَان أَحْكَامهَا أما الْأَسْمَاء فثمانية الْخمر وَالسكر ونقيع الزَّبِيب ونبيذ التَّمْر والفضيخ والباذق والطلاء وَيُسمى المثلث والجمهوري وَيُسمى أَبُو يوسفي أما الْخمر فَهُوَ اسْم للنيء من مَاء الْعِنَب بَعْدَمَا غلي وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد وَسكن عَن الغليان وَصَارَ صافيا وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا غلي وَاشْتَدَّ فَهُوَ خمر وَإِن لم يسكن عَن الغليان وَأما السكر فَهُوَ النيء من مَاء الرطب بَعْدَمَا غلي وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد وَسكن غليانه عِنْده وَعِنْدَهُمَا إِذا غلي وَلم يسكن غليانه وَأما نَقِيع الزَّبِيب فَهُوَ الزَّبِيب إِذا نقع فِي المَاء حَتَّى خرجت حلاوته إِلَى المَاء من غير طبخ وَأما نَبِيذ التَّمْر فَيَقَع على المَاء الَّذِي نقع فِيهِ التَّمْر فَخرجت حلاوته ثمَّ اشْتَدَّ وغلي وَقذف بالزبد وَهَذَا الأسم يَقع على الْمَطْبُوخ والنيء مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وَأما الفضيخ فَهُوَ الْبُسْر إِذا خرج مِنْهُ المَاء وغلي وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد وَذَلِكَ بِأَن يكسر ويدق يُسمى فضيخا لِأَنَّهُ يفضخ أَي يكسر ويرض وَأما الباذق فَهُوَ اسْم لما طبخ أدنى من مَاء الْعِنَب حَتَّى ذهب أقل من الثُّلثَيْنِ سَوَاء كَانَ أقل من الثُّلُث أَو النّصْف أَو طبخ أدنى طبخه بَعْدَمَا صَار مُسكرا وَسكن عَن الغليان وَأما الطلاء فَهُوَ اسْم للمثلث وَهُوَ الْمَطْبُوخ من مَاء الْعِنَب بَعْدَمَا ذهب ثُلُثَاهُ وَبَقِي الثُّلُث وَصَارَ مُسكرا وَأما الجمهوري فَهُوَ الطلاء الَّذِي يلقى فِيهِ المَاء حَتَّى يرق وَيعود إِلَى الْمِقْدَار الَّذِي كَانَ فِي الأَصْل ثمَّ طبخ أدنى طبخه وَصَارَ مُسكرا وَهَذَا بَيَان الْأَسْمَاء أما بَيَان الْأَحْكَام فَنَقُول أما الْخمر فلهَا أَحْكَام سِتَّة الأول تَحْرِيم شرب قليلها وكثيرها وَيحرم الِانْتِفَاع بهَا للتداوي وَغَيره لَكِن عِنْد أبي حنيفَة مَا لم تسكن من الغليان يُبَاح شربهَا وَعِنْدَهُمَا إِذا صَار مُسكرا يحرم شربه وَإِن لم يسكن من الغليان قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام حرمت الْخمر لعينها قليلها وكثيرها وَالسكر من كل شراب وَالثَّانِي تَكْثِير جَاحد حرمتهَا لِأَن حرمتهَا ثبتَتْ بِنَصّ الْكتاب وَالثَّالِث يحرم تمليكها وتملكها بِسَبَب الْملك من البيع وَالْهِبَة وَغَيرهمَا مِمَّا للعباد فِيهِ صنع وَالرَّابِع هِيَ نجسه نَجَاسَة غَلِيظَة حَتَّى إِذا أصَاب الثَّوْب أَكثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 من قدر الدِّرْهَم يمْنَع جَوَاز الصَّلَاة لقَوْله تَعَالَى {رِجْس من عمل الشَّيْطَان} وَالْخَامِس يجب الْحَد بِشرب قليلها وكثيرها بِإِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَيْهِ وَالسَّادِس يجب فِيهِ الْحَد مُقَدرا بِثَمَانِينَ سَوْطًا فِي حق الْأَحْرَار وَفِي حق العبيد نصف ذَلِك وَأما حكم السكر ونقيع الزَّبِيب وَالتَّمْر من غير طبخ والفضيخ والباذق فواحد وَهُوَ أَنه يحرم شرب قليلها وكثيرها لَكِن هَذِه الْحُرْمَة دون حُرْمَة الْخمر حَتَّى إِن من جحد حُرْمَة هَذِه الْأَشْرِبَة لَا يكفر بِخِلَاف الْخمر وَكَذَا لَا يجب الْحَد بِشرب قليلها وَإِنَّمَا يجب الْحَد بالسكر وَقَالَ بعض النَّاس بِإِبَاحَة هَذِه الْأَشْرِبَة مثل بشر المريسي وَغَيره لوُرُود الْأَخْبَار فِي إِبَاحَة شربهَا وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِي النَّجَاسَة فَفِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة أَنه نجس الْعين كَالْخمرِ وَيمْنَع من جَوَاز الصَّلَاة مَا كَانَ مُقَدرا بِأَكْثَرَ من قدر الدِّرْهَم وَفِي رِوَايَة ظَاهر وَعَن أبي يُوسُف أَنه اعْتبر فِيهِ الْكثير الْفَاحِش أَو مَا بيع هَذِه الْأَشْرِبَة وتمليكها فَجَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز ذَلِك فهما يَقُولَانِ إِن المَال مَا يُبَاح الِانْتِفَاع بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 حَقِيقَة وَشرعا وَهَذِه الْأَشْرِبَة لَا يُبَاح شربهَا وَلَا الِانْتِفَاع بهَا شرعا فَلَا تكون مَالا كَالْخمرِ أَبُو حنيفَة يَقُول إِن الْأَخْبَار تَعَارَضَت فِي هَذِه الْأَشْرِبَة فِي الْحل وَالْحُرْمَة فَقُلْنَا بِحرْمَة الشّرْب احْتِيَاطًا وَلَا تبطل الْمَالِيَّة الثَّابِتَة فِي الْحَالة الأولى احْتِيَاطًا لِأَن الِاحْتِيَاط لَا يجْرِي فِي إبِْطَال حُقُوق النَّاس وَأما حكم الطلاء وَحكم مطبوخ التَّمْر وَالزَّبِيب أدنى طبخ على السوَاء فالقليل مِنْهُ حَلَال ظَاهر والمسكر حرَام وَهُوَ الْقدح الَّذِي يسكر فَإِذا سكر يجب عَلَيْهِ الْحَد وَيجوز بَيْعه وتمليكه وَيضمن متلفه وَهَذَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة أَنه حرَام شربه لَكِن لَا يجب الْحَد مَا لم يسكر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَفِي رِوَايَة قَالَ لَا أحرمهُ وَلَكِن لَا أشْرب مِنْهُ وَالصَّحِيح قَوْلهمَا بِاتِّفَاق عَامَّة الصَّحَابَة على إِبَاحَة شربه حَتَّى إِن عِنْد أبي حنيفَة هَذَا من عَلامَة مَذْهَب السّنة وَالْجَمَاعَة حَتَّى سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ السّنة أَن تفضل الشَّيْخَيْنِ وتحب الختنين إِلَى أَن قَالَ وَلَا تحرم نَبِيذ الْجَرّ ثمَّ مَا سوى هَذِه الْأَشْرِبَة مِمَّا يتَّخذ من الْحِنْطَة وَالشعِير والذرة وَالسكر والفانيذ وَالْعَسَل والتين فَهِيَ مُبَاحَة وَإِن سكر مِنْهَا وَلَا حد على من سكر مِنْهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيح من الرِّوَايَة لِأَن هَذِه من جملَة الْأَطْعِمَة وَلَا عِبْرَة بالسكر فَإِن فِي بعض الْبِلَاد قد يسكر الْمَرْء من الْخبز وَنَحْوه والبنج يسكر وَلبن الرمكة يسكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن الْمُسكر مِنْهُ حرَام كَمَا فِي المثلث وَلَكِن إِذا سكر مِنْهُ لَا حد فِيهِ بِخِلَاف المثلث ثمَّ حد السكر الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْحَد وَالْحُرْمَة عِنْد أبي حنيفَة أَن يَزُول عقله بِحَيْثُ لَا يفهم شَيْئا وَعِنْدَهُمَا إِذا كَانَ غَالب كَلَامه الهذيان فَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة غَايَة السكر فَاعْتبر الْكَمَال فِي دَرْء الْحَد وَلَو كَانَ الْخمر فِيهَا حموضة غالبة وفيهَا طعم المرارة لكنه مغلوب فَإِنَّهُ لَا يحل مَا لم يزل من كل وَجه وهما اعتبرا الْغَالِب فَيحل عِنْدهمَا وَيحرم على الْأَب أَن يسْقِي الصّبيان خمرًا وَعَلِيهِ الْإِثْم فِي الشّرْب وَكَذَلِكَ لَو سقى الدَّوَابّ حَتَّى سكرت ثمَّ ذَبحهَا لَا يحرم أكل لَحمهَا وَلَو نقعت فِيهَا الْحِنْطَة ثمَّ غسلت حَتَّى زَالَ طعمها ورائحتها يحل أكلهَا وَلَو ألْقى فِي الْخمر علاجا من الْملح والمسك وَالْبيض والخل حَتَّى صَارَت حامضا يحل شربهَا عندنَا وَصَارَت خلا وَعند الشَّافِعِي لَا يحل ولقب الْمَسْأَلَة أَن تَحْلِيل الْخمر بالعلاج هَل يُبَاح أم لَا وَلَو نقل الْخمر من الظل إِلَى الشَّمْس وَمن الشَّمْس إِلَى الظل حَتَّى تصير حامضا تحل عندنَا وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 كتاب الْحَظْر وَالْإِبَاحَة سمى مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله ومشايخنا هَذَا الْكتاب كتاب الِاسْتِحْسَان لما فِيهِ من الْمسَائِل الَّتِي استحسنها الْعقل وَالشَّرْع وَالشَّيْخ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي سَمَّاهُ كتاب الْحَظْر وَالْإِبَاحَة لما فِيهِ من بَيَان أَحْكَام الْحَظْر وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة وَالنَّدْب على الْخُصُوص وَبَدَأَ الْكتاب بِإِبَاحَة الْمس وَالنَّظَر إِلَى الرِّجَال وَالنِّسَاء فَنَقُول النسوان على أَرْبَعَة أَنْوَاع نوع مِنْهَا الزَّوْجَات والمملوكات بِملك الْيَمين وَنَوع مِنْهَا الأجنبيات وَذَوَات الرَّحِم الَّتِي لَا يحرم نِكَاحهنَّ وَنَوع آخر ذَوَات الرَّحِم الْمحرم والمحارم الَّتِي لَا رحم لَهَا كالمحرمة بِالرّضَاعِ والصهرية وَنَوع آخر مملوكات الْغَيْر أما النَّوْع الأول فَيحل للزَّوْج وللمالك النّظر والمس من قرنها إِلَى قدمهَا عَن شَهْوَة وَيحل الِاسْتِمْتَاع فِي الْفرج وَمَا دون الْفرج إِلَّا فِي حَالَة الْحيض فَإِنَّهُ لَا يُبَاح الْوَطْء فِي هَذِه الْحَالة مَا لم تطهر وَهل يُبَاح الْجِمَاع فِيمَا دون الْفرج قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 يُبَاح الِاسْتِمْتَاع إِلَّا فَوق الْإِزَار وَقَالَ مُحَمَّد يجْتَنب شعار الدَّم وَيحل لَهُ مَا وَرَاء ذَلِك من غير إِزَار وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي تَفْسِير قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف مَا فَوق الْإِزَار بَعضهم قَالُوا أَرَادَ مَا فَوق السُّرَّة من الْبَطن وَنَحْوه وَلَا يُبَاح مَا دون السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة وَقَالَ بَعضهم أَرَادَ بِهِ أَنه يحل الِاسْتِمْتَاع مَعَ الْإِزَار لَا مكشوفا وَكَذَا لَا يحل الِاسْتِمْتَاع بالدبر عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بعض أَصْحَاب الظَّوَاهِر يُبَاح وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون} {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم فَإِنَّهُم غير ملومين} من غير فصل إِلَّا أَن حَالَة الْحيض صَارَت مُسْتَثْنَاة لقَوْله تَعَالَى {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى} وَصَارَ الِاسْتِمْتَاع بالدبر مُسْتَثْنى بأجماع الصَّحَابَة وَبِحَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ من أَتَى حَائِضًا أَو امْرَأَة فِي دبرهَا أَو أَتَى كَاهِنًا فَصدقهُ فِيمَا يَقُول فَهُوَ كَافِر بِمَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما النّظر إِلَى عين الْفرج فمباح أَيْضا لِأَن الِاسْتِمْتَاع مُبَاح فالنظر أولى لَكِن لَيْسَ من الْأَدَب النّظر إِلَى فرج نَفسه أَو إِلَى فرجهَا وأصل ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا نظرت إِلَى مَا مِنْهُ وَمَا نظر إِلَى مَا مني وَأما النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ الْمَحَارِم من ذَوَات الرَّحِم والمحارم الَّتِي لَا وَالركبَة وَإِلَى الْبَطن وَالظّهْر وَيُبَاح النّظر إِلَى مَا سوى ذَلِك من الشّعْر والصدر والساعدين والساقين وَنَحْوهَا لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن} رحم لَهَا من الأجنبيات فَنَقُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 النّظر حرَام إِلَى هَؤُلَاءِ إِلَى مَا بَين السُّرَّة {إِلَّا لبعولتهن} وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ غَالب رَأْيه أَنه لَا يَشْتَهِي فَأَما إِذا كَانَ غَالب حَاله أَنه يَشْتَهِي فَلَا يُبَاح لَهُ النّظر وَمَا عرفت من الْجَواب فِي حق النّظر فَهُوَ الْجَواب فِي حق الْمس أَنه لَا يُبَاح لَهُ مس الْأَعْضَاء الَّتِي لَا يُبَاح لَهُ النّظر إِلَيْهَا وَيُبَاح مس الْأَعْضَاء الَّتِي يُبَاح لَهُ النّظر إِلَيْهَا وَهَذَا إِذا كَانَت الْأَعْضَاء مكشوفة فَأَما إِذا كَانَت مَعَ الثِّيَاب وَاحْتَاجَ ذُو الرَّحِم الْمحرم إِلَى مس هَذِه الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة وَرَاء الثَّوْب للإركاب والإنزال والوضع فِي الْقَبْر واللحد فَلَا بَأْس بذلك إِذا كَانَ لَا يَشْتَهِي لأجل الْحَاجة وَأما النَّوْع الثَّالِث وَهُوَ مملوكات الْغَيْر فَحكمهَا وَحكم ذَوَات الرَّحِم الْمحرم فِي حُرْمَة النّظر والمس سَوَاء وَأما النَّوْع الرَّابِع وَهُوَ الأجنبيات وَذَوَات الرَّحِم بِلَا محرم فَإِنَّهُ يحرم النّظر إِلَيْهَا أصلا من رَأسهَا إِلَى قدمهَا سوى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَيْهِمَا من غير شَهْوَة فَإِن كَانَ غَالب رَأْيه أَنه يَشْتَهِي يحرم أصلا وَأما الْمس فَيحرم سَوَاء عَن شَهْوَة أَو عَن غير شَهْوَة وَهَذَا إِذا كَانَت شَابة فَإِن كَانَت عجوزا فَلَا بَأْس بالمصافحة إِن كَانَ غَالب رَأْيه أَنه لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 يَشْتَهِي وَلَا تحل المصافحة إِن كَانَت تشْتَهي وَإِن كَانَ الرجل لَا يَشْتَهِي فَإِن كَانَ عِنْد الضَّرُورَة فَلَا بَأْس بِالنّظرِ وَإِن كَانَ يَشْتَهِي كَالْقَاضِي وَالشَّاهِد ينظر إِلَى وَجههَا عِنْد الْقَضَاء وَتحمل الشَّهَادَة أَو كَانَ يُرِيد تزَوجهَا لِأَن الْغَرَض لَيْسَ هُوَ اقْتِضَاء الشَّهْوَة على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ للْمُغِيرَة بن شُعْبَة لَو نظرت إِلَيْهَا لأحرى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا وَأما النّظر إِلَى الْقَدَمَيْنِ هَل يحرم ذكر فِي كتاب الِاسْتِحْسَان هِيَ عَورَة فِي حق النّظر وَلَيْسَ بِعَوْرَة فِي حق الصَّلَاة وَكَذَا ذكر فِي الزِّيَادَات إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا لَيست بِعَوْرَة فِي حق الصَّلَاة وَذكر ابْن شُجَاع عَن الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا لَيست بِعَوْرَة فِي حق النّظر كالوجه وَالْكَفَّيْنِ وَأما الرِّجَال فِي حق الرِّجَال فَيُبَاح لكل وَاحِد النّظر إِلَى الآخر سوى مَا بَين الرّكْبَة إِلَى السُّرَّة وَالركبَة عَورَة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ والسرة لَيست بِعَوْرَة عندنَا وَعِنْده عَورَة وَكَذَلِكَ النِّسَاء فِي حق النِّسَاء يُبَاح النّظر إِلَى جَمِيع الْأَعْضَاء سوى مَا بَين الرّكْبَة إِلَى السُّرَّة وَمَا يُبَاح النّظر يُبَاح الْمس من غير شَهْوَة وَلَا يُبَاح الْمس وَالنَّظَر إِلَى مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة إِلَّا فِي حَالَة الضَّرُورَة بِأَن كَانَت الْمَرْأَة ختانة تختن النِّسَاء أَو كَانَت تنظر إِلَى الْفرج لمعْرِفَة الْبكارَة أَو كَانَ فِي مَوضِع الْعَوْرَة قرح أَو جرح يحْتَاج إِلَى التَّدَاوِي وَإِن كَانَ لَا يعرف ذَلِك إِلَّا الرجل يكْشف ذَلِك الْموضع الَّذِي فِيهِ جرح وقرح فَينْظر إِلَيْهِ ويغض الْبَصَر مَا اسْتَطَاعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 وَكَذَا يُبَاح للنِّسَاء النّظر إِلَى الرِّجَال إِلَّا فِيمَا بَين السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة لِأَن هَذَا لَيْسَ بِعَوْرَة فَإِن الرِّجَال قد يكونُونَ فِي إِزَار وَاحِد فِي الْأَسْوَاق وَلم يُنكر عَلَيْهِم أحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 بَاب آخر قَالَ رجل رأى إنْسَانا قتل أَبَاهُ عمدا بِالسِّلَاحِ أَو أقرّ عِنْده ثمَّ قَالَ الْقَاتِل إِنَّمَا قتلته لِأَنَّهُ قتل وليي عمدا أَو أَنه ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَلم يعرف الابْن ذَلِك إِلَّا بِدَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُ أَن يقْتَصّ مِنْهُ لَا يقبل قَوْله لِأَن الْقصاص ثَبت عِنْده لوُجُود الْقَتْل الْعمد ظَاهرا بالعيان أَو بِالْإِقْرَارِ فَإِن الْإِقْرَار حجَّة بِنَفسِهِ وَقَول الْقَائِل يحْتَمل الصدْق وَالْكذب فَلَا يعْتَبر إِلَّا بِحجَّة وَلَو شهد عِنْده رجلَانِ عَدْلَانِ إِن هَذَا الرجل قتل أَبَاك عمدا بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاح لَهُ أَن يقْتله لِأَن قَول الشَّاهِدين لَا يصير حجَّة بِدُونِ قَضَاء القَاضِي بِخِلَاف الْإِقْرَار والعيان وَلَو شهد عِنْد الابْن شَاهِدَانِ على دَعْوَى الْقَاتِل أَنه قَتله بِحَق ينظر إِن كَانَ بِحَال لَو شَهدا عِنْد القَاضِي فَالْقَاضِي يقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يتعجل بِالْقَتْلِ بل يتَوَقَّف إِلَى أَن يشهدَا عِنْد القَاضِي وَإِن كَانَ بِحَال لَا يقبل القاضى قَوْلهمَا يُبَاح لَهُ أَن يقْتله للْحَال بَيَانه إِذا كَانَ الشَّاهِدَانِ محدودين فِي الْقَذْف أَو فاسقين أَو النِّسَاء وحدهن فَالْقَاضِي لَا يقْضِي بقَوْلهمْ وَيُبَاح لَهُ أَن يقْتله للْحَال وَإِن كَانَا رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ يتَوَقَّف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وَكَذَلِكَ فِي الشَّاهِد الْوَاحِد يتَوَقَّف وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي المحدودين أحب إِلَيّ أَن يتَوَقَّف لِأَن القَاضِي رُبمَا يقبل شَهَادَتهمَا على رَأْي الشَّافِعِي وَيكون اجْتِهَاده يُفْضِي إِلَيْهِ وَيَرَاهُ حَقًا وصوابا وَقَضَاء القَاضِي فِي فصل مُخْتَلف فِيهِ جَائِز وَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِقين وَالنِّسَاء وحدهن يجب أَن يكون الْجَواب كَذَلِك عِنْده لِأَن ذَلِك فصل مُخْتَلف فِيهِ أَيْضا وَكَذَلِكَ الْجَواب فِيمَا إِذا رأى إنْسَانا أَخذ مَال أَبِيه أَو أقرّ عِنْده ثمَّ قَالَ كَانَ ذَلِك عِنْده وَدِيعَة لي فَأَخَذته أَو كَانَ لي عَلَيْهِ دين فاقتضيته فَلهُ أَن يَأْخُذهُ وَلَو شهد رجلَانِ عِنْده بذلك لَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ لما قُلْنَا وَلَو أَن القَاضِي إِنَّمَا قضى فِي فصل مُجْتَهد فِيهِ وَهُوَ من أهل الِاجْتِهَاد بِرَأْيهِ والمقضى عَلَيْهِ فَقِيه مُجْتَهد يرى بِخِلَاف مَا يقْضِي بِهِ القَاضِي فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يتْرك رَأْيه بِرَأْي القَاضِي سَوَاء كَانَ ذَلِك من بَاب الْحل أَو الْحُرْمَة أَو الْملك أَو الطَّلَاق أَو الْعتاق وَنَحْوه لِأَن قَضَاء القَاضِي فِي فصل مُجْتَهد فِيهِ ينفذ بِإِجْمَاع الْأمة لِأَن رَأْيه ترجح بِولَايَة القَاضِي وَهَذَا قَول مُحَمَّد وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف فِيمَا لَيْسَ من بَاب الْحُرْمَة فَأَما إِذا كَانَ من بَاب الْحُرْمَة فَيتبع رَأْي نَفسه احْتِيَاطًا فِي بَاب الْحُرْمَة بَيَانه رجل قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق أَلْبَتَّة وَهُوَ رجل فَقِيه فِي زَعمه واجتهاده أَنه طَلَاق ثَلَاث أَو بَائِن فَرفعت الْمَرْأَة الْأَمر إِلَى القَاضِي ورأيه أَنه طَلَاق وَاحِد يملك الرّجْعَة فَقضى بِالْحلِّ للْمَرْأَة عَلَيْهِ يحل للزَّوْج وَطْؤُهَا وَيصير رَأْيه متروكا بِرَأْي القَاضِي عِنْد مُحَمَّد وَعند أبي يُوسُف بِخِلَافِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وَلَو كَانَ رَأْي الزَّوْج أَن هَذَا طَلَاق رَجْعِيّ ورأي القَاضِي أَنه طَلَاق بَائِن أَو ثَلَاث فَقضى بِالْحُرْمَةِ يحرم عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي الْقَوْلَيْنِ وَلَو كَانَ الرجل الْمُطلق لَيْسَ بفقيه فَأفْتى لَهُ الْفُقَهَاء بِأَن هَذَا طَلَاق محرم وَرفعت الْأَمر إِلَى القَاضِي وَقضى القَاضِي بِالْحلِّ يحل لَهُ وَطْؤُهَا لِأَن فَتْوَى الْفُقَهَاء للمطلق بِمَنْزِلَة الِاجْتِهَاد مِنْهَا فَيجب عَلَيْهِ ترك الْفَتْوَى بِرَأْي القَاضِي عِنْد مُحَمَّد خلافًا لأبي يُوسُف وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة على الْعَكْس فَالْجَوَاب كَذَلِك أَنه يتبع رَأْي القَاضِي من الْقَوْلَيْنِ وَلَو أَن فَقِيها مُجْتَهدا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق أَلْبَتَّة ورأيه أَنه ثَلَاث وعزم على الْحُرْمَة وأمضى رَأْيه فِيمَا بَينه وَبَينهَا وأجنب عَنْهَا ثمَّ تحول رَأْيه إِلَى أَنه طَلَاق يملك الرّجْعَة يجب الْعَمَل بِالرَّأْيِ الأول فِي حق هَذِه الْمَرْأَة حَتَّى لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِلَّا بِنِكَاح جَدِيد أَو بعد الزَّوْج الثَّانِي وبالرأي الثَّانِي فِي الْمُسْتَقْبل فِي حَقّهَا وَفِي حق غَيرهَا لِأَن مَا أمضى بِالِاجْتِهَادِ لَا ينْقض بِاجْتِهَاد مثله وَلَو لم يعزم على الْحُرْمَة وَلم يمض اجْتِهَاده بَينه وَبَينهَا حَتَّى تحول رَأْيه إِلَى الْحل وَأَنه طَلَاق رَجْعِيّ لَهُ أَن يَطَأهَا وَلَا تقع الْفرْقَة لِأَنَّهُ لم يُوجد إِمْضَاء الِاجْتِهَاد الأول فَصَارَ كَالْقَاضِي إِذا كَانَ رَأْيه التَّحْرِيم فَقيل أَن يقْضِي تحول رَأْيه إِلَى الْحل يعْمل بِالرَّأْيِ الثَّانِي وَيَقْضِي بِالْحلِّ فِي حق هَذِه الْمَرْأَة فَكَذَا هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 بَاب آخر مِنْهُ لَا خلاف بَين الْأمة فِي إِبَاحَة اسْتِعْمَال الْحَرِير للنِّسَاء لبسا واستفراشا وجلوسا عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك فَأَما فِي حق الرِّجَال فاللبس حرَام بِالْإِجْمَاع بِأَن جعله قبَاء أَو قيمصا أَو قلنسوة وَهُوَ حَرِير خَالص فِي غير حَالَة الْحَرْب فَأَما فِي حَال الْحَرْب فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يُبَاح اللّبْس فِي حَال الْحَرْب وَهَذَا إِذا كَانَ كُله حَرِيرًا فَأَما إِذا كَانَ لحْمَته حَرِيرًا فَلَا يكره فِي الْحَرْب بِالْإِجْمَاع وَيكرهُ فِي غَيره وَإِذا كَانَ السدى حَرِيرًا لَا غير لَا يكره بِالْإِجْمَاع وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام على مَا رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَخذ حَرِيرًا بِشمَالِهِ وذهبا بِيَمِينِهِ وَرفع بهما يَدَيْهِ وَقَالَ إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي حل لإناثها ف أَبُو حنيفَة أَخذ بِعُمُوم الحَدِيث وَلم يفصل بَين الْحَرْب وَغَيره وهما قَالَا بِالْإِبَاحَةِ فِي حق أهل الْحَرْب لِأَن لِبَاس الْحَرِير أهيب لِلْعَدو وَأثبت للسلاح فخصا أهل الْحَرْب من عُمُوم الحَدِيث وَلَكِن أَبَا حنيفَة قَالَ هَذَا الْمَعْنى يحصل بِمَا إِذا كَانَ لحْمَته حَرِيرًا فَلَا ضَرُورَة فِي الْحَرِير الْخَالِص وَأما لِبَاس الصّبيان والمجانين فَحَرَام على الْأَوْلِيَاء ويأثمون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 بذلك أما لَا حُرْمَة فِي حَقهم فَلِأَنَّهُ لَا خطاب عَلَيْهِم وَأما النّوم على الْحَرِير واستعماله فِي الْجُلُوس عَلَيْهِ والاتكاء عَلَيْهِ فَجَائِز عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيم بِخِلَاف اللبَاس وَعِنْدَهُمَا لَا يجوز للرِّجَال أَيْضا لِأَنَّهُ لِبَاس الْكَفَرَة من الْأَعَاجِم وَلَكِن الْقَلِيل من الْحَرِير عَفْو فِي حق اللّبْس وَذَلِكَ مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع أَو أَربع فَإِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لبس فَرْوَة أطرافها من حَرِير وَكَذَلِكَ الْعلم فِي الثِّيَاب مُعْتَاد من غير نَكِير من أحد فَيكون إِجْمَاعًا وَأما اسْتِعْمَال الذَّهَب وَالْفِضَّة بطرِيق التحلي فمباح فِي حق النِّسَاء وَفِي حق الرِّجَال حرَام سوى التَّخَتُّم بِالْفِضَّةِ لما روينَا من الحَدِيث وَجَاءَت الرُّخْصَة فِي الْخَاتم وَأما اسْتِعْمَال الْأَوَانِي من الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الشّرْب وَالْأكل والأدهان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يسْتَعْمل فِي الْبدن فَحَرَام فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا حَتَّى المكحلة والمرآة والمجمر وَنَحْوهَا وَكَذَلِكَ الركاب واللجام والثفر والكرسي والسرير وَنَحْوهَا أما إِذا كَانَ ففا أَو مضببا فَلَا بَأْس بِاسْتِعْمَالِهِ عِنْد أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ على السَّيْف وَعِنْدَهُمَا يكره ذَلِك كُله لِأَن الذَّهَب وَالْفِضَّة صَارا من أَجزَاء ذَلِك الشَّيْء وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِنَّه تبع لما لَيْسَ بِذَهَب وَفِضة والعبر للْأَصْل وَهَذَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة إِذا كَانَ فَمه عِنْد الشّرْب يَقع على الْعود لَا يكره وَإِن كَانَ يَقع على الْفضة يكره وَكَذَا إِذا كَانَ الْجُلُوس على الْكُرْسِيّ المف وَالْمذهب على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ إِن كَانَ الْجُلُوس على مَوضِع الْعود لَا يكره وَإِن كَانَ على الْفضة يكره وَفِي رِوَايَة لَا يكره أصلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وهما رخصا فِي الْمُصحف فِي رِوَايَة وَفِي رِوَايَة يكره فِي الْمُصحف أَيْضا وَهَذَا إِذا كَانَ الذَّهَب مِمَّا يخلص بالإذابة فَأَما إِذا كَانَ مموها بِمَاء الذَّهَب وَالْفِضَّة فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ لَا يخلص عِنْد الإذابة وَكَذَا كِتَابَة الذَّهَب وَالْفِضَّة على الثِّيَاب فعلى هَذَا الِاخْتِلَاف وَإِذا جدع أَنفه فَجعل أنفًا من فضَّة لإِزَالَة الشين لَا يكره وَلَو جعل من الذَّهَب لَا يكره أَيْضا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ من الْفضة ينتن فَرخص فِي ذَلِك وَفِي عين هَذَا ورد الْأَثر وَلَو تحرّك سنه فشدها بِذَهَب أَو فضَّة فَلَا بَأْس بِهِ عِنْد أبي حنيفَة وَفِي الْجَامِع الصَّغِير لَا يشدها بِالذَّهَب وَعند مُحَمَّد لَا بَأْس بِهِ وَكَانَ أَبُو حنيفَة لَا يرى بَأْسا بشدها بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى الذَّهَب وَلَو خيف سُقُوط الفص من خَاتم الْفضة فَشد بمسمار من ذهب فَلَا بَأْس بِهِ بالِاتِّفَاقِ لأجل الضَّرُورَة وَلَو سَقَطت سنّ إِنْسَان وَأَرَادَ أَن يُعِيدهَا ويشدها بِالذَّهَب وَالْفِضَّة يكره عِنْد أبي حنيفَة كَمَا لَو وضع سنّ ميت آخر يكره وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس بِإِعَادَة سنه مَكَانهَا وَلَا يشبه سنه سنّ ميت آخر وَبَينهمَا فصل عِنْدِي وَإِن لم يحضرني ذَلِك ثمَّ ذكر فِي الْكتاب مسَائِل ذكرهَا مُتَفَرِّقَة فِي الْكتب وَقد جمعهَا هَاهُنَا وَقد ذَكرنَاهَا فِي موَاضعهَا فَلَا نعيدها وَنَذْكُر بعض مَا لم نذكرهُ وَمِنْهَا أَنه يكره شرب لبن الأتان للتداوي بالِاتِّفَاقِ أما عِنْد أبي حنيفَة فَلَا يشكل كَمَا فِي بَوْل مَا يُؤَكد لَحْمه وَأَبُو يُوسُف فرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 وَقَالَ الأَصْل هُوَ الْكَرَاهَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم وَلَكِن فِي الْبَوْل ورد حَدِيث خَاص فَبَقيَ الْبَاقِي على الأَصْل وَقَالَ لَا بَأْس بعيادة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ للْحَدِيث الْوَارِد فِيهِ وَلأَجل إلْف أهل الذِّمَّة خُصُوصا فِي حَال الْمَرَض مِمَّا يَدعُوهُم إِلَى الدّين الْحق أما السَّلَام فَقَالُوا يكره لما فِيهِ من التَّعْظِيم وتعظيمهم مَكْرُوه وَأما رد السَّلَام فَلَا بَأْس بِهِ لِأَن الِامْتِنَاع من ذَلِك يؤذيهم وَالْإِحْسَان فِي حَقهم مَنْدُوب لَكِن يَنْبَغِي أَن لَا يزِيد على قَوْله وَعَلَيْكُم لِأَنَّهُ قيل إِنَّهُم يَقُولُونَ السام عَلَيْكُم فيجابون بقوله وَعَلَيْكُم بطرِيق المجازاة وَهل يكره منع هَؤُلَاءِ من الدُّخُول فِي الْمَسَاجِد قَالَ مَالك يمْنَعُونَ عَن دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام وَعَن كل مَسْجِد وَقَالَ الشَّافِعِي يمْنَعُونَ عَن دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام لَا غير وَعِنْدنَا لَا يمْنَعُونَ عَن دُخُول شَيْء من الْمَسَاجِد وَذَلِكَ لِأَن الْمُشْركين كَانُوا يدْخلُونَ الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعرض الْإِسْلَام عَلَيْهِم وَنَحْو ذَلِك وَيكرهُ للْمَرْأَة أَن تصل شعرهَا الْمَقْطُوع بشعرها وَكَذَا بِشعر غَيرهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة وَلَا بَأْس بِأَن تصل شعرهَا بِشعر الْبَهِيمَة لِأَن ذَلِك من بَاب الزِّينَة وَهِي غير مَمْنُوعَة عَنْهَا للزَّوْج وَيكرهُ اللّعب بالنرد وَالشطْرَنْج وَالْأَرْبَعَة عشر وكل لَهو لقَوْله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَنا من دَد وَلَا الدَّد مني وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث أباحوا اللّعب بالشطرنج لما فِيهِ من تشحيذ الخاطر وَلَكِن الصَّحِيح هُوَ الْكَرَاهَة على مَا روينَا كل لعب حرَام إِلَّا ثَلَاثَة وَهَذَا إِذا لم يكن فِيهِ قمار فَأَما إِذا كَانَ فِيهِ قمار فَهُوَ حرَام مَحْض لثُبُوت حرمته بِنَصّ الْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ} وَلَو أَن حَامِلا مَاتَت وَفِي بَطنهَا ولد يضطرب فَإِن كَانَ غَالب الظَّن أَنه ولد حَيّ وَهُوَ فِي مُدَّة يعِيش غَالِبا فَإِنَّهُ يشق بَطنهَا لِأَن فِيهِ إحْيَاء الْآدَمِيّ بترك تَعْظِيم الْآدَمِيّ وَترك التَّعْظِيم أَهْون من مُبَاشرَة سَبَب الْمَوْت وَلَو ابتلع إِنْسَان درة رجل فَمَاتَ لم يشق بَطْنه لإِخْرَاج الدرة لِأَن حُرْمَة النَّفس فَوق حُرْمَة المَال وَإِن كَانَ الَّذِي ابتلع غَنِيا يضمن قيمَة الدرة لصَاحِبهَا وَإِن كَانَ فَقِيرا فَيكون لَهُ ثَوَاب التَّصَدُّق بهَا وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 كتاب السَّبق قَالَ لَا بَأْس بالمسابقة فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء فِي النصل والحافر والخف والقدم لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ كل لعب حرَام إِلَّا ثَلَاث ملاعبة الرجل أَهله ورميه عَن قوسه وتأديبه فرسه وَتَفْسِير الْمُسَابقَة فِي النصل هُوَ الرَّمْي بِالسِّهَامِ والرماح وكل سلَاح يُمكن أَن يرْمى بِهِ فَكَانَت الْمُسَابقَة بذلك من بَاب تعلم أَسبَاب الْجِهَاد فَكَانَ مرخصا وَإِن كَانَ فِي الأَصْل من اللّعب وَتَفْسِير الْمُسَابقَة بالحافر هُوَ عَدو الْفرس وَالْحمار والبغل وَالْمرَاد بالخف هُوَ الْإِبِل وَالْبَقر لِأَنَّهُ قد يركب عَلَيْهَا فِي بَاب الْجِهَاد بعض النَّاس وَالْمرَاد بالمسابقة بالقدم هُوَ الْمَشْي بالقدم وَهَذَا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ للكر وللفر فِي الْجِهَاد فَكَانَ من رياضة النَّفس وَأَصله مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت سابقت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فسبقته فَلَمَّا حملت اللَّحْم سابقته فَسَبَقَنِي فَقلت هَذِه بِتِلْكَ ثمَّ الْمُسَابقَة على أَرْبَعَة أوجه فَثَلَاثَة أوجه مِنْهَا حَلَال وَالرَّابِع حرَام أما أحد الْأَوْجه الْحَلَال بِأَن كَانَ السُّلْطَان أَو أحد من الرؤساء إِذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 قَالَ لجَماعَة من الفرسان أَو لاثْنَيْنِ من سبق مِنْكُم فَلهُ كَذَا أَو إِن سبق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَمن سبق جعل لَهُ خطر وَكَذَا إِذا قَالَ لجَماعَة من الرُّمَاة إِلَى الهدف من أصَاب مِنْكُم الهدف فَلهُ كَذَا لِأَن هَذَا تحريض لَهُم على فعل هُوَ سَبَب الْجِهَاد فِي الْجُمْلَة وَالتَّرْجِيح من الإِمَام فِي الْغَنِيمَة لبَعض الْغُزَاة تحريضا لَهُم على الْجِهَاد جَائِز بِأَن قَالَ من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَمن دخل الْحصن أَولا فَلهُ من النَّفْل كَذَا مَعَ أَن الْغَنِيمَة حق الْغُزَاة فِي الْجُمْلَة فَهَذَا يُعْطي من مَاله فأحق بِالْجَوَازِ وَالثَّانِي أَن يسابق رجلَانِ أَو يسابق جمَاعَة فِي السِّهَام أَو فِي الْفرس أَو الْمَشْي بالقدم وَقَالَ لصَاحبه إِن سبقتني فلك كَذَا وَإِن سبقتك فَلَا شَيْء عَلَيْك فَهَذَا مُبَاح لِأَن الْخطر فِيهِ من أحد الْجَانِبَيْنِ وَالثَّالِث إِن كَانَ الْخطر من الِاثْنَيْنِ أَو من الْجَمَاعَة وَمَعَهُمْ مُحَلل يَأْخُذ خطرهم إِن سبق وَلَا يغرم وَإنَّهُ سبق فَهَذَا جَائِز الرَّابِع أَن يكون الْخطر من كل وَاحِد على أَنه إِن سبق فَلهُ الْخطر وَإِن سبق فَيغرم لصَاحبه مثله فَهَذَا لَا يجوز لِأَن هَذَا من بَاب الْقمَار وَإِن حرَام ثمَّ إِنَّمَا يجوز الرِّهَان والمسابقة فِيمَا يجوز أَن يسْبق أَحدهمَا ويسبق الآخر فَأَما إِذا كَانَ فِي مَوضِع يعلم من حَيْثُ الْغَالِب أَنه يسْبق أَحدهمَا فَإِن ذَلِك لَا يجوز لِأَن هَذَا إِيجَاب المَال للْغَيْر على نَفسه بِشَرْط لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَوَّزنَا ذَلِك فِي الْفَصْل الأول لِأَنَّهُ تحريض على مُبَاشرَة سَبَب الْجِهَاد فِي الْجُمْلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 كتاب الْمَفْقُود قَالَ يحْتَاج إِلَى تَفْسِير الْمَفْقُود وَإِلَى بَيَان أَحْكَامه على الْخُصُوص أما الأول فالمفقود هُوَ الَّذِي غَابَ عَن بَلَده بِحَيْثُ لَا يعرف أَثَره وَمضى على ذَلِك زمَان وَلم يظْهر أَثَره وَأما حكمه فنوعان أَحدهمَا فِي الْحَال وَالثَّانِي فِي الْمَآل أما حكم الْمَآل إِذا تطاول الزَّمَان بَعْدَمَا فقد من وَقت وِلَادَته بِحَيْثُ لَا يعِيش مثله إِلَى ذَلِك الزَّمَان بِيَقِين أَو من حَيْثُ الْغَالِب يحكم بِمَوْتِهِ وَتَقَع الْفرْقَة بَينه وَبَين نِسَائِهِ وَيعتق أُمَّهَات أَوْلَاده ومدبروه وَيقسم مَاله بَين ورثته وَلَا يَرث هُوَ من أحد وَلم يقدر فِي ظَاهر الرِّوَايَة تَقْديرا فِي ذَلِك وروى ابْن زِيَاد عَن أبي حنيفَة أَنه قدر ذَلِك بِمِائَة وَعشْرين سنة من وَقت الْولادَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 وَأما حكم الْحَال فَهُوَ أَن القَاضِي هُوَ الْحَافِظ لمَاله والمتصرف فِيهِ فِيمَا يرجع إِلَى الْحِفْظ فَإِن كَانَ شَيْئا مِمَّا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد فَإِنَّهُ يَبِيعهُ ويحفظ ثمنه وَكَذَا إِذا كَانَ عرُوضا وَحفظ الثّمن أيسر فَلَا بَأْس بِبيعِهِ وَلَا يَبِيع الْعقار أصلا وَإِن كَانَ لَهُ ودائع يتْرك فِي أَيْديهم لكَوْنهم أُمَنَاء مَا دَامَ الْمَفْقُود فِي حكم الْأَحْيَاء ثمَّ إِن لَهُ أَن ينْفق من مَاله على نِسَائِهِ إِن كَانَ يعلم بِبَقَاء النِّكَاح بَينهمَا وَكَذَا على أَوْلَاده الصغار والذكور الْكِبَار الزمنى وَالْإِنَاث وَإِن لم يكن لَهُ مَال وَله ودائع فَإِنَّهُ ينْفق من ذَلِك إِذا كَانَ من جنس الطَّعَام وَالثيَاب وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَلَا يَبِيع الْعرُوض للنَّفَقَة على هَؤُلَاءِ وَلَكِن للْأَب أَن يَبِيع الْعرُوض فِي نَفَقَته لِأَن للْأَب ولَايَة التَّصَرُّف فِي مَال الابْن فِي الْجُمْلَة وَإِن لم يكن من بَاب الْحِفْظ بِخِلَاف القَاضِي وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُودع مقرا بالوديعة وبالنكاح وبالنسب فَأَما إِذا كَانَ مُنْكرا فَإِنَّهُ لَا يسمع عَلَيْهِ الْخُصُومَة فِي إِثْبَات المَال وَلَا فِي إِثْبَات النِّكَاح وَالنّسب لِأَن هَذَا قَضَاء على الْغَائِب من غير أَن يكون عَنهُ خصم حَاضر وَإنَّهُ غير جَائِز عندنَا وَلَو مَاتَ وَاحِد من أقربائه فَإِنَّهُ لَا يَرث حَتَّى لَا يَأْخُذ القَاضِي حِصَّته من تَرِكَة الْمَيِّت فيحفظ على الْمَفْقُود وَلَكِن يُوقف حَتَّى يظْهر أمره لِأَنَّهُ حَيّ من حَيْثُ الظَّاهِر وَالظَّاهِر لَا يصلح حجَّة لاسْتِحْقَاق أَمر لم يكن وَلَكِن لما كَانَت الْحَيَاة ثابته ظَاهرا اعْتبر فِي حق التَّوَقُّف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 كتاب اللَّقِيط واللقطة وَجعل الْآبِق قَالَ يحْتَاج إِلَى تَفْسِير اللَّقِيط واللقطة والآبق والضالة وَإِلَى بَيَان أَحْكَامهَا على الْخُصُوص أما الأول فَنَقُول أما اللَّقِيط فَمَا يلتقط وَيُؤْخَذ مِمَّا طرح على الأَرْض من صغَار بني آدم واللقطة مَا يلتقط مِمَّا يُوجد مطروحا على الأَرْض من الْأَمْوَال من غير الْحَيَوَان والآبق هُوَ الْمَمْلُوك الَّذِي فر من صَاحبه قصدا والضالة هِيَ الدَّابَّة الَّتِي ندت وضلت الطَّرِيق إِلَى مربطها وَأما الثَّانِي فَنَقُول أما حكم اللَّقِيط فَنَقُول إِن اللَّقِيط يُسَاوِي الصَّبِي الَّذِي لَيْسَ بلقيط فِي عَامَّة الْأَحْكَام وَله أَحْكَام على الْخُصُوص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 مِنْهَا أَن الْتِقَاطه وَاجِب على كل من وجده لِأَن فِي تَركه ضيَاعه فَيجب عَلَيْهِ صيانته وَمِنْهَا أَنه إِذا التقطه فَإِن شَاءَ تبرع بتربيته والإنقاف عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ رفع الْأَمر إِلَى السُّلْطَان ليأمر بتربيته أحدا من مَال بَيت المَال والإنفاق عَلَيْهِ لِأَن بَيت المَال معد لحوائج جَمِيع الْمُسلمين وَهَذَا إِذا لم يكن لَهُ مَال فَإِن كَانَ لَهُ مَال بِأَن وجد الْمُلْتَقط مَعَه مَالا فَيكون مَال اللَّقِيط فنفقته من ذَلِك المَال لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج فَلَا يثبت حَقه فِي بَيت المَال وَلَو أنْفق عَلَيْهِ الْمُلْتَقط ليرْجع عَلَيْهِ بعد بُلُوغه فَإِن كَانَ بِإِذن القَاضِي لَهُ أَن يرجع وَإِلَّا فَيكون مُتَبَرعا وَمِنْهَا أَن الْولَايَة عَلَيْهِ للسُّلْطَان فِي حق الْحِفْظ وَفِي حق التَّزْوِيج لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام السُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ وَلَيْسَ للملتقط ولَايَة التَّزْوِيج وَإِذا زوجه السُّلْطَان فالمهر فِي بَيت المَال إِلَّا إِذا كَانَ للقيط مَال فَيكون فِي مَاله وَمِنْهَا الولا فَيكون وَلَاؤُه لبيت المَال حَتَّى إِنَّه إِذا جنى على إِنْسَان خطأ فَإِن ذَلِك يكون فِي بَيت المَال لِأَن عَاقِلَته جَمِيع الْمُسلمين فَيكون عقله من مَالهم وَهُوَ مَال بَيت المَال وَكَذَلِكَ مِيرَاثه لبيت المَال إِذا لم يظْهر لَهُ وَارِث وَمِنْهَا حكم الْحُرِّيَّة فَهُوَ حر من حَيْثُ الظَّاهِر لِأَن دَار الْإِسْلَام دَار حريَّة فيبني على الظَّاهِر وَلَو ادّعى الْمُلْتَقط أَنه عَبده فَإِن لم يقر بِأَنَّهُ لَقِيط فَالْقَوْل قَوْله لِأَن الصَّغِير لَا يَد لَهُ فَهُوَ وَسَائِر الْأَمْوَال سَوَاء فَإِذا كَانَ فِي يَده فَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 ملكه ظَاهرا فَيكون القَوْل قَوْله فَأَما إِذا أقرّ أَنه لَقِيط فَلَا يَصح دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ ثبتَتْ حُرِّيَّته ظَاهرا وَلَو بلغ اللَّقِيط وَأقر أَنه عبد فلَان إِن لم يجز عَلَيْهِ حكم الْأَحْرَار من قبُول شَهَادَته وَضرب قَاذفه وَنَحْو ذَلِك يَصح إِقْرَاره وَإِن أجْرى عَلَيْهِ من أَحْكَام الْحُرِّيَّة شَيْء لَا يَصح وَمِنْهَا حكم النّسَب إِذا ادّعى الْمُلْتَقط أَو غَيره أَنه ابْنه وَالْمُدَّعِي مُسلم أَو ذمِّي فَالْقِيَاس أَن لَا يَصح دَعْوَاهُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَان يَصح لِأَن فِي هَذَا نفع للصَّغِير وَلَو ادَّعَاهُ رجلَانِ أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر ذمِّي فَإِنَّهُ يثبت نسبه من الْمُسلم وَلَو ادّعى الْمُسلم أَنه عَبده وَالذِّمِّيّ أَنه ابْنه فَإِنَّهُ يثبت نسبه من الذِّمِّيّ حَتَّى يثبت لَهُ الْحُرِّيَّة وَيكون مُسلما لِأَن حكمه حكم دَار الْإِسْلَام وَلَو كَانَا مُسلمين وَأَحَدهمَا عبد مَأْذُون أَو مكَاتب فالنسب يثبت من الْحر وَلَو كَانَا حُرَّيْنِ مُسلمين فَإِن لم يكن لَهما بَيِّنَة وَلم يذكر أَحدهمَا عَلامَة أَو ذكرا جَمِيعًا الْعَلامَة أَو أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَة فَهُوَ بَينهمَا وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة أَو ذكر الْعَلامَة وَلم يكن للْآخر ذَلِك فَالْأول أولى لِأَنَّهُ ترجح جَانِبه بمرجح وَإِن ادَّعَت امْرَأَة اللَّقِيط أَنه ابْنهَا فَإِن لم يكن لَهَا زوج لَا يَصح لِأَن فِي ذَلِك حمل النّسَب على الْغَيْر وَإِن كَانَ لَهَا زوج فصدقها أَو شهِدت لَهَا الْقَابِلَة أَو شَاهِدَانِ يثبت النّسَب بَينهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وَلَو ادَّعَت امْرَأَتَانِ فَإِن لم يكن لَهما بَيِّنَة لَا تقبل وَإِن أَقَامَا الْبَيِّنَة على أَنه ابْنهَا من فلَان فَعَن أبي حنيفَة أَنه يقبل مِنْهُمَا وَمن الرجل وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة أبي حَفْص يَجْعَل ابنهما وَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان لَا يَجْعَل ابنهما وَأما حكم الْإِسْلَام فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَصْحَابنَا فَفِي ظَاهر الرِّوَايَات اعْتبر الْمَكَان دون الْوَاجِد فَإِن وجد فِي دَار الْإِسْلَام يكون مُسلما وَإِن وجد فِي كَنِيسَة الْيَهُود أَو فِي بيعَة النَّصَارَى أَو فِي قَرْيَة كلهم أهل الذِّمَّة فَهُوَ تبع لَهُم وَفِي رِوَايَة اعْتبر الْوَاجِد كَيْفَمَا كَانَ دون الْمَكَان وَفِي رِوَايَة اعْتبر جَانب الْإِسْلَام إِمَّا الْوَاجِد أَو الْمَكَان وَأما حكم اللّقطَة على الْخُصُوص فَمِنْهَا أَن من ظفر على لقطَة فالأخذ أولى أما التّرْك فَقَالُوا إِن كَانَ يَأْمَن على نَفسه أَنه يعرفهَا ويردها على صَاحبهَا وَلَا محَالة أَو غَالِبا فالأخذ أولى لِأَنَّهُ رُبمَا يَأْخُذهُ فَاسق لَو تَركه وَأما إِذا كَانَ لَا يَأْمَن على نَفسه فالترك أولى لِأَن صيانه نَفسه عَن الْوُقُوع فِي الْفساد أولى مَعَ احْتِمَال أَن يَأْخُذهُ مصلح فيصل إِلَى صَاحبه أَيْضا وَإِذا أَخذ وَأَرَادَ أَن يَضَعهَا مَكَانهَا وَنَدم على الْأَخْذ فوضعها هَل يضمن فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يضمن وَفِي بعض الرِّوَايَات يضمن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَلَو دَفعهَا إِلَى غَيره بِغَيْر إِذن القَاضِي فَإِنَّهُ يضمن لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ حفظهَا بِنَفسِهِ بالتزامه الْحِفْظ بالالتقاط وَلَو هكلت فِي يَده فَإِن أشهد على اللّقطَة بِأَن قَالَ للنَّاس إِنِّي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 وجدت لقطَة فَمن طلبَهَا فدلوه عَليّ فَإِنَّهُ لَا يضمن وَلَو لم يشْهد فَعِنْدَ أبي حنيفَة يضمن وَعِنْدَهُمَا لَا يضمن إِذا كَانَ أَخذه ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه وَيحلف على ذَلِك إِن لم يصدقهُ صَاحبه ثمَّ الْمُلْتَقط إِذا أَخذه ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه وَأشْهد يَنْبَغِي أَن يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فَإِن كَانَت اللّقطَة حَيَوَانا فَالْقَاضِي يَأْمُرهُ حَتَّى يؤاجرها فَتكون نَفَقَتهَا ومؤونتها من الْأُجْرَة إِن رأى الْمصلحَة فِي ذَلِك وَإِن لم ير الْمصلحَة فِي الْإِجَارَة فَإِن رأى أَن يَأْمُرهُ بِأَن ينْفق عَلَيْهَا بِمَا لنَفسِهِ ليرْجع على صَاحبه فعل وَإِن رأى أَن يَبِيعهَا ويأمره بإمساك ثمنهَا فعل وَيعرف ذَلِك سنة فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة الْحسن على قدر حَال اللّقطَة فِي النفيس سنة وَفِي الدني الَّذِي قِيمَته زَائِدَة على عشرَة دَرَاهِم لَا ينقص من شهر على هَذَا الِاعْتِبَار فَإِذا مضى وَقت التَّعْرِيف وَلم يظْهر صَاحبهَا فَإِن كَانَ الرجل مُوسِرًا لَا يحل لَهُ أَن ينْفق على نَفسه وَلَكِن يتَصَدَّق بهَا على الْفُقَرَاء وَقَالَ الشَّافِعِي يحل وَإِن كَانَ مُعسرا لَهُ أَن يتَصَدَّق على نَفسه وَإِن شَاءَ يتَصَدَّق بهَا على الْفُقَرَاء فَإِن ظهر صَاحبهَا فَإِن شَاءَ أمضى الصَّدَقَة وَله ثَوَابهَا وَإِن شَاءَ أَخذ من الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ ضمن الْمُلْتَقط وَإِن كَانَ شَيْئا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد فَإِنَّهُ يعرفهَا بِقدر مَا لَا يفْسد ثمَّ يتَصَدَّق أَو ينْفق على نَفسه على مَا ذكرنَا وَإِنَّمَا يدْفع إِلَى من يَدعِي اللّقطَة إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة فَإِن ذكر عَلَامَات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 هِيَ فِيهَا فَإِن شَاءَ الْمُلْتَقط صدقه وَدفع إِلَيْهِ وَإِن شَاءَ امْتنع حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة وَكَذَا الْجَواب فِي الدَّابَّة الضَّالة من الْغنم وَالْإِبِل وَغَيرهمَا فَأَما إِذا لم تكن ضَالَّة وَلكنهَا نفرت فِي المراعي فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذهَا لِأَن ذَلِك أَمر مُعْتَاد إِذا كَانَ قَرِيبا من الْبَلدة أَو الْقرْيَة أَو الْخيام فَأَما إِذا كَانَ غَالب ظَنّه أَنَّهَا ضَالَّة فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا وَأما العَبْد إِذا لم يكن ضَالًّا للطريق وَلكنه آبق من صَاحبه فَالْجَوَاب مَا ذكرنَا لَا وَلَكِن هَاهُنَا مَتى رده إِلَى الْمَالِك إِن كَانَ من مسيرَة سفر يسْتَحق الْجعل على صَاحبه أَرْبَعِينَ درهما عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجب شَيْء وَإِن كَانَ الرَّد فِي أقل من مُدَّة السّفر يسْتَحق الرضخ بِقَدرِهِ وَلَو كَانَ الرَّاد اثْنَيْنِ فَيكون الْجعل بَينهمَا وَهَذَا إِذا كَانَت قِيمَته أَكثر من أَرْبَعِينَ درهما فَأَما إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ أَو دون ذَلِك فَإِنَّهُ ينقص من الْجعل درهما عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا ينقص مِنْهُ شَيْء وَلَو كَانَ الرَّاد من كَانَ فِي عِيَاله لَا يسْتَحق الْجعل فَأَما من لم يكن فِي عِيَاله فَإِنَّهُ يسْتَحق سَوَاء كَانَ أَجْنَبِيّا أَو ذَا رحم محرم مِنْهُ إِلَّا الْوَالِدين والمولودين فَفِيهِ اخْتِلَاف بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 كتاب الْخُنْثَى قَالَ الْخُنْثَى من يكون لَهُ آلَة الرِّجَال وَآلَة النِّسَاء والشخص الْوَاحِد لَا يكون ذكرا وَأُنْثَى وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون ذكرا وَآلَة النِّسَاء فِي حَقه نُقْصَان بِمَنْزِلَة مَوضِع شجة لم تلتئم وَيحْتَمل أَن يكون أُنْثَى وَآلَة الرِّجَال فِي حَقّهَا زِيَادَة بِمَنْزِلَة الْأصْبع الزَّائِدَة وَالشَّرْع جعل الْعَلامَة الفاصلة بَينهمَا قبل الْبلُوغ هُوَ المبال على مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ الْخُنْثَى يُورث من حَيْثُ يَبُول فَلَمَّا جعل الأمارة هَذَا فِي حق الْإِرْث فَكَذَا فِي حق الْأَحْكَام الَّتِي تخْتَص بالخنثى يجب أَن يكون هُوَ الْعَلامَة فَإِن كَانَ يَبُول من مبال الرِّجَال فَهُوَ ذكر وَإِن كَانَ يَبُول من مبال النِّسَاء فَهُوَ أُنْثَى وَإِن كَانَ يَبُول مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْحكم للأسبق مِنْهُمَا وَإِذا اسْتَويَا فِي السَّبق قَالَ أَبُو حنيفَة أتوقف فِيهِ وَقَالا يعْتَبر الْأَكْثَر فِي ذَلِك ثمَّ إِذا اسْتَويَا فِي الْكَثْرَة والقلة توقفا فِيهِ أَيْضا كَمَا توقف أَبُو حنيفَة والتوقف فِي مَوضِع عدم الدَّلِيل وَاجِب وَهُوَ الْخُنْثَى الْمُشكل وَإِنَّمَا يظْهر الْحَال وَيَزُول الْإِشْكَال بِالْبُلُوغِ بِظُهُور الْحيض وَالْحَبل ونهود الثديين ونبات اللِّحْيَة والاحتلام وَنَحْوهَا فَيجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الذّكر أَو الْأُنْثَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 فَأَما فِي حَال كَونه مُشكلا فَلهُ أَحْكَام مَخْصُوصَة مِنْهَا الْخِتَان يَنْبَغِي أَن يشترى لَهُ جَارِيَة ختانة من مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَمن مَال الْأَبَوَيْنِ إِن كَانَ وَإِلَّا فَالْقَاضِي يَشْتَرِي لَهُ من مَال بَيت المَال جَارِيَة ختانة فتختنه فَإِن كَانَ ذكرا فَهِيَ جَارِيَته وَإِن كَانَ أُنْثَى فالأنثى قد تختن الْأُنْثَى عَن الْحَاجة إِلَيْهِ وَلَا يلبس الْحَرِير احْتِيَاطًا وموقفه فِي الصَّلَاة خلف صف الذُّكُور قبل صف النِّسَاء وَكَذَا فِي تَرْتِيب الْجَنَائِز عِنْد الِاجْتِمَاع تقدم جنَازَته على جَنَازَة الْإِنَاث وتغسله زَوجته إِن كَانَت وَإِلَّا فَلَا يغسل وَلَكِن ييمم إِن كَانَ لَهُ ذُو رحم محرم ييممه بِلَا خرقَة وَإِن كَانَ أَجْنَبِيّا فَمَعَ الْخِرْقَة وَأما حكم الْمِيرَاث فَعِنْدَ أَصْحَابنَا يكون لَهُ أقل الْأَنْصِبَاء وَهُوَ نصيب الْأُنْثَى إِن كَانَ أقل وَأَن كَانَ أَكثر فِي بعض الْأَحْوَال يكون لَهُ نصيب الذُّكُور وعَلى قَول الشّعبِيّ يكون لَهُ نصف مِيرَاث الرِّجَال وَنصف مِيرَاث النِّسَاء بَيَانه إِذا ترك ابْنا مَعْرُوفا وَخُنْثَى للِابْن الثُّلُثَانِ وللخنثى الثُّلُث لِأَنَّهُ أقل وَإِذا ترك خُنْثَى وعصبة فللخنثى النّصْف وَهُوَ مِيرَاث الْبِنْت وَالْبَاقِي للْعصبَةِ وَلَو ترك اختا لأَب وَأم وَخُنْثَى لأَب وعصبة يَجْعَل أُنْثَى أَنه ترك أُخْتا لأَب وَأم وأختا لأَب وعصبة فللأخت للْأَب وَالأُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 النّصْف وللخنثى السُّدس وَالْبَاقِي للْعصبَةِ وَإِن تركت زوجا وأختا لأَب وَأم وَخُنْثَى لأَب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُخْت لأَب وَأم النّصْف وَلَا شَيْء للخنثى وَيجْعَل ذكرا لِأَن هَذَا أَسْوَأ حَالَة لأَنا لَو جَعَلْنَاهُ أُنْثَى يكون نصِيبه السُّدس وتعول الْمَسْأَلَة وَلَو جَعَلْنَاهُ ذكرا لَا يَرث شَيْئا كَمَا إِذا تركت زوجا وأختا لأَب وَأم وأخا لأَب على هَذَا الْقيَاس وَبَيَان قَول الشّعبِيّ وَتَفْسِير قَول أبي يُوسُف وتخريجه لَهُ وَتَخْرِيج مُحَمَّد على وَجه آخر يذكر فِي الْفَرَائِض إِن شَاءَ الله تَعَالَى ونشير إِلَيْهِ هَاهُنَا إِذا ترك ابْنا وَخُنْثَى فعلى تَخْرِيج أبي يُوسُف يَجْعَل المَال بَينهمَا على سَبْعَة أسْهم للِابْن الْمَعْرُوف أَرْبَعَة وَله ثَلَاثَة وعَلى تَخْرِيج مُحَمَّد الْمِيرَاث بَينهمَا على اثْنَي عشر سَهْما بطرِيق تَنْزِيل الْأَحْوَال فَيكون للِابْن الْمَعْرُوف سَبْعَة وللخنثى خَمْسَة وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 كتاب الشَّهَادَات يحْتَاج إِلَى ثَلَاثَة فُصُول إِلَى بَيَان تحمل الشَّهَادَة وَإِلَى بَيَان حُضُور الشُّهُود عِنْد النِّكَاح وَإِلَى بَيَان جَوَاز أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي أما الأول فَنَقُول تحمل الشَّهَادَة إِنَّمَا يجوز عِنْد المعاينة أَو عَن سَماع الْإِقْرَار وإنشاء القَوْل من النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْبيع وَنَحْوهَا من الْخصم فَأَما التسامع من النَّاس فَلَا عِبْرَة بِهِ إِلَّا فِي مَوَاضِع مَخْصُوصَة فِي النِّكَاح وَالنّسب وَالْمَوْت وَفِي الْوَلَاء اخْتِلَاف عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا يقبل وَعند أبي يُوسُف يقبل وَإِنَّمَا يَصح التَّحَمُّل مِمَّن لَهُ عقل وتمييز ليفهم كَلَام الْخَصْمَيْنِ أَو يعلم مَا يَفْعَله سَوَاء كَانَ حرا أَو عبدا أَو فَاسِقًا أَو كَافِرًا أَو صَغِيرا عَاقِلا أَو بَالغا حَتَّى إِذا زَالَت هَذِه الْمعَانِي وَحدثت ضدها تقبل شَهَادَته وَكَذَا العَبْد إِذا تحمل الشَّهَادَة لمَوْلَاهُ أَو الْمَرْأَة لزَوجهَا تقبل بعد الْعتْق والبينونة لَكِن لَو شهد لمَوْلَاهُ وَردت شَهَادَته أَو شهِدت الْمَرْأَة لزَوجهَا وَردت ثمَّ شهد بعد الْعتْق والبينونة فِي تِلْكَ الْحَادِثَة لَا تقبل بِخِلَاف الْكَافِر إِذا شهد على مُسلم فِي حَادِثَة فَردَّتْ شَهَادَته ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 أعَاد تِلْكَ الشَّهَادَة بعد الْإِسْلَام تقبل وَالْفرق مَذْكُور فِي الخلافيات وَأما حُضُور الشُّهُود عِنْد عقد النِّكَاح فقد بَينا ذَلِك فِي كتاب النِّكَاح فَلَا نعيده وَأما جَوَاز الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي فَنَقُول شَهَادَة رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ مَقْبُولَة فِي جَمِيع الْأَحْكَام فِي أَسبَاب الْعُقُوبَات وَغَيرهَا إِلَّا فِي الزِّنَى فَإِنَّهُ لَا تقبل إِلَّا شَهَادَة أَرْبَعَة رجال عدُول وَشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ مَقْبُولَة فِي جَمِيع الْأَحْكَام عندنَا إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَعند الشَّافِعِي لَا تقبل إِلَّا فِي الْأَمْوَال وتوابعها وَكَذَا حكم الشَّهَادَة على الشَّهَادَة مثل حكم شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَتجوز شَهَادَة الْأَقَارِب مثل شَهَادَة الْأَجَانِب إِلَّا شَهَادَة الْوَالِدين والمولودين وَشَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ لصَاحبه وَعند الشَّافِعِي تقبل شَهَادَة الْأزْوَاج وَلَا تجوز شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَلَا تجوز شَهَادَة الْأَعْمَى وَإِن كَانَ بَصيرًا عِنْد التَّحَمُّل عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف تقبل إِذا كَانَ بَصيرًا عِنْد التَّحَمُّل وَلَا تجوز شَهَادَة العَبْد والأخرس وَالصَّبِيّ الْعَاقِل وَالْمَعْتُوه وَلَا شَهَادَة الْأَخير لَهُ فِي تِجَارَته الَّتِي اسْتَأْجرهُ فِيهَا وَلَا شَهَادَة أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي مَال الشّركَة وَالتَّصَرُّف فِيهَا وَتقبل فِيمَا سوى ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وَأما شَهَادَة الْفَاسِق فَإِن تحرى القَاضِي الصدْق فِي شَهَادَته تقبل وَإِلَّا فَلَا وَعند الشَّافِعِي لَا تقبل أصلا وَلَا تقبل فِي الْعُقُوبَات وَلَو طعن الْمَشْهُود عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد أَنه رَقِيق أَو فَاسق لم تمض الشَّهَادَة مَا لم يقم الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة إِن كَانَ مَجْهُول النّسَب وَكَذَا مَا لم يسل عَن عدالتهم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَلَا يجوز الْقَضَاء بِظَاهِر الْعَدَالَة بالِاتِّفَاقِ وَقبل الطعْن يجوز عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لَهما وَلَو اخْتلف الشَّاهِدَانِ فِي الْوَقْت وَالْمَكَان والعبارة مَعَ اسْتِوَاء العبارتين فِي الْمَعْنى فَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْإِقْرَار تقبل شَهَادَتهمَا وَلَا يُوجب اخْتِلَاف الشَّهَادَة وَإِن كَانَ فِي الْفِعْل من الْغَصْب وَالْقَتْل وَالْقطع وإنشاء البيع وَالطَّلَاق وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يُوجب اخْتِلَاف الشَّهَادَة فَمَا لم يُوجد على كل وَاحِد شَاهِدَانِ لَا يقبل وَإِذا اخْتلف الشَّاهِدَانِ فِي جنس الْمَشْهُود بِهِ لَا يقبل وَلَو اخْتلفَا فِي الْمِقْدَار وَأَحَدهمَا يدْخل فِي الآخر وَالْمُدَّعِي يَدعِي الْأَكْثَر كَمَا إِذا شهد أَحدهمَا على ألف وَالْآخر على أَلفَيْنِ لَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا تقبل على الْأَقَل وَكَذَا إِذا شهد أَحدهمَا على طَلْقَة وَالْآخر على طَلْقَتَيْنِ أَو ثَلَاث لَا يقبل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يقبل على الْأَقَل وَأَجْمعُوا أَنه إِذا شهد أَحدهمَا على ألف وَالْآخر على ألف وَخَمْسمِائة وَالْمُدَّعِي يَدعِي الْأَكْثَر يقبل على ألف وَقد ذكرنَا فِي الطَّلَاق وَأكْثر مسَائِل الشَّهَادَة ذكرنَا فِي الْكتب السَّابِقَة فَلَا نعيدها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 كتاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَات الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة لَا يَصح بعد قَضَاء القَاضِي وَيصِح قبله لِأَنَّهُ إِخْبَار يحْتَمل الْغَلَط وَإِنَّمَا يصير حجَّة ضَرُورَة صِحَة الْقَضَاء فَمَا لم يتَّصل بِهِ قَضَاء القَاضِي يَصح الرُّجُوع وَلَا يلْزم الشُّهُود بذلك شَيْء لِأَنَّهُ لم يثبت بِهِ الحكم وَبعد الحكم لَا يَصح الرُّجُوع فِي حق الْخصم وَلَكِن يُصِيب متلفا فِي حق الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَيلْزمهُ ضَمَانه إِلَّا إِذا حصل الْعِوَض للْمَشْهُود عَلَيْهِ فبذلك لَا يضمن لِأَنَّهُ يكون إتلافا بعوض فَلَا يكون إتلافا معنى وَالْعبْرَة فِي الرُّجُوع بَقَاء من بَقِي من الشُّهُود لَا رُجُوع من رَجَعَ وَيبقى الْحق بِقدر بَقَاء الشُّهُود ويتلف بِقدر مَا رَجَعَ إِذا ثَبت هَذَا الأَصْل تخرج عَلَيْهِ الْمسَائِل إِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل بِمَال وَقضى القَاضِي بذلك وَسلم المَال إِلَى الْمُدَّعِي ثمَّ رَجَعَ أَحدهمَا غرم نصف المَال لِأَنَّهُ بَقِي النّصْف بِبَقَاء شَاهد وَاحِد وَلَو رجعا جَمِيعًا غرما المَال بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَو كَانُوا أَرْبَعَة فَرجع اثْنَان أَو وَاحِد مِنْهُم فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لبَقَاء المَال بِبَقَاء الشَّاهِدين وَلَو رَجَعَ ثَلَاثَة يلْزمهُم نصف المَال لبَقَاء النّصْف بِبَقَاء شَاهد وَاحِد وَلَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على مَال فَرَجَعت امْرَأَة غرمت ربع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 المَال وَلَو رجعتا غرمتا نصف المَال لبَقَاء النّصْف بِبَقَاء رجل لِأَن الْمَرْأَتَيْنِ بِمَنْزِلَة رجل وَاحِد وَلَو شهد رجل وَاحِد وَعشر نسْوَة على رجل بِمَال ثمَّ رجعُوا جَمِيعًا بعد الحكم فَقَالَ أَبُو حنيفَة على الرجل سدس المَال وعَلى النِّسَاء خَمْسَة أسداسه لِأَن كل امْرَأتَيْنِ بِمَنْزِلَة رجل وَاحِد وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد على الرجل النّصْف وعَلى النِّسَاء النّصْف لِأَن النِّسَاء وَإِن كثرن لَهُنَّ شطر الشَّهَادَة وَلَو شَهدا على رجل أَنه بَاعَ عَبده من فلَان بِأَلف وَقبض الثّمن ثمَّ رجعا لم يضمنا لِأَن هَذَا إِتْلَاف بعوض وَكَذَا لَو شَهدا على رجل أَنه تزوج امْرَأَة بِأَلف دِرْهَم وَهُوَ مهر مثلهَا وَقضى القَاضِي بِالنِّكَاحِ ثمَّ رجعا لم يضمنا لِأَنَّهُمَا أثبتا لَهُ الْبضْع بِمُقَابلَة المَال وَلَو شَهدا على رجل أَنه طلق امْرَأَته ثَلَاثًا وَقد دخل بهَا وَقضى القَاضِي ثمَّ رجعا لم يضمنا إِلَّا مَا زَاد على مهر الْمثل لِأَنَّهُ بِقدر مهر الْمثل إِتْلَاف بعوض وَهُوَ اسْتِيفَاء مَنَافِع الْبضْع وَلَو كَانَ قبل الدُّخُول فَإِن كَانَ الْمهْر مُسَمّى ضمنا النّصْف وَإِن لم يكن الْمهْر مُسَمّى يضمنَانِ الْمُتْعَة لِأَن ذَلِك تلف بِشَهَادَتِهِمَا وَلم يحصل لَهُ بمقابلته عوض وَكَذَلِكَ لَو شَهدا على رجل بِإِجَارَة دَاره سنة ثمَّ رجعا بعد اسْتِيفَاء السُّكْنَى فَإِنَّهُمَا يغرمان للْمُسْتَأْجر مَا زَاد على أجر الْمثل لِأَنَّهُ بِقدر أجر الْمثل حصل الْعِوَض وَالْبَاقِي بِغَيْر عوض فَيكون إتلافا وَكَذَا لَو شَهدا على رجل أَنه أعتق عَبده بِأَلف دِرْهَم وَسلم إِلَيْهِ أَولا ثمَّ رجعا لم يضمنا لِأَن هَذَا إِتْلَاف بعوض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 وَلَو شَهدا أَنه أعتق بِغَيْر مَال ثمَّ رجعا يضمنَانِ للإتلاف بِغَيْر عوض وَلَو شَهدا على أَنه قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت هَذِه الدَّار فَأَنت حر وَقد دخل وَقضى القَاضِي بِالْعِتْقِ ثمَّ رجعا ضمنا لِأَن هَذِه شَهَادَة على الْإِعْتَاق وَهُوَ إِتْلَاف بِغَيْر عوض فيضمنان وَلَو شَهدا أَنه حلف بِعِتْق عَبده بِدُخُول الدَّار وَشهد آخرَانِ على الدُّخُول وَقضى القَاضِي بِالْعِتْقِ ثمَّ رجعُوا فَإِن الضَّمَان يجب على شُهُود الْيَمين لَا على شُهُود الدُّخُول لِأَن الدُّخُول شَرط وَكَلَام الْيَمين صَار إعتاقا والتلف يُضَاف إِلَى الْعلَّة دون الشَّرْط وَيكون الْمُتْلف هُوَ شَاهد الْيَمين وَلَو شَهدا على رجل بِسَرِقَة عشرَة دَرَاهِم وَقضى القَاضِي عِنْد خُصُومَة الْمَالِك وَقطعت يَده ثمَّ رجعا يغرمان دِيَة الْيَد وَكَذَلِكَ لَو شَهدا على رجل بقتل الْخَطَأ أَو بجراحه خطأ ثمَّ رجعا وَلَو شَهدا على الْقَتْل الْعمد وَقضى القَاضِي واقتص ثمَّ رجعا لَا يجب الْقصاص على الشُّهُود عندنَا وَعند الشَّافِعِي يجب وَلَكِن عندنَا يجب المَال لِأَنَّهُ لَا يُمكن إِيجَاب الْقصاص بالتسبيب وَيُمكن إِيجَاب المَال كَمَا فِي حفر الْبِئْر وَلَو شهد أَرْبَعَة على رجل بِالزِّنَا وَشهد آخرَانِ على الْإِحْصَان ثمَّ رجعُوا بعد إِقَامَة الرَّجْم لَا يجب على شُهُود الْإِحْصَان شَيْء وَتجب الدِّيَة على شُهُود الزِّنَى لِأَن الزِّنَا عِلّة والإحصان شَرط وَلَو رَجَعَ أحد الشُّهُود بِالزِّنَا بعد الرَّجْم فَإِنَّهُ يجد حد الْقَذْف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 لِأَن شَهَادَته صَارَت قذفا بِإِقْرَارِهِ وَيغرم ربع الدِّيَة لبَقَاء ثَلَاثَة أَربَاع بِثَلَاثَة شُهُود وَإِن رَجَعَ آخر فَكَذَلِك وَلَو أَنه إِذا رَجَعَ وَاحِد مِنْهُم بعد الْقَضَاء قبل إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِم يحدون جَمِيعًا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يحد الرَّاجِع وَحده اسْتِحْسَانًا وَأَجْمعُوا أَنه إِذا رَجَعَ وَاحِد قبل الْقَضَاء بِالرَّجمِ فَإِنَّهُم يحدون جَمِيعًا وَهِي من مسَائِل الخلافيات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 كتاب أدب القَاضِي الْقَضَاء فَرِيضَة محكمَة يجب على من وجد فِي حَقه شَرَائِط الْقَضَاء من الْولَايَة على الْمقْضِي عَلَيْهِ بِتَسْلِيم الْمقْضِي بِهِ إِلَى الْمقْضِي لَهُ وَهُوَ السُّلْطَان أَو من يقوم مقَامه لِأَن هَذَا من بَاب إنصاف الْمَظْلُوم من الظَّالِم وَهَذَا مفوض إِلَى الْخُلَفَاء والسلاطين غير أَنهم إِذا عجزوا بِأَنْفسِهِم إِمَّا لعدم الْعلم أَو لاشتغالهم بِأُمُور أخر يجب عَلَيْهِم أَن يقلدوه من كَانَ يصلح لَهُ مِمَّن هُوَ من أفقه النَّاس بحضرتهم وأورعهم فَإِن وجدوا اثْنَيْنِ أَحدهمَا أفقه وَالْآخر أورع فالأورع أولى لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يقْضِي بِعلم غَيره وَلَا بُد من الْوَرع حَتَّى لَا يتَجَاوَز حد الشَّرْع وَلَا يصور الْبَاطِل بِصُورَة الْحق طَمَعا فِي الرِّشْوَة وَيجب على من استجمع فِيهِ شَرَائِط الْقَضَاء أَن يقبله إِذا قلدوه حَتَّى لَو امْتنع يَأْثَم إِلَّا إِذا كَانَ فِي الْعلمَاء بحضرتهم مِمَّن يصلح لَهُ كَثْرَة فَلَا بَأْس بِأَن يعْتَذر بِعُذْر فَيدْفَع عَن نَفسه إِلَى غَيره لِأَنَّهُ لَيْسَ بمتعين لذَلِك وَالَّذِي تعين لَا يحل لَهُ الِامْتِنَاع إِذا قلد وَلَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يطْلب لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يُقَلّد فَيذْهب مَاؤُهُ وَحُرْمَة علمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 ثمَّ الْقَضَاء لَهُ وَاجِبَات وآداب فَأَما الْوَاجِبَات فَمِنْهَا أَنه يجب على القَاضِي أَن يقْضِي فِي كل حَادِثَة بِمَا يثبت عِنْده أَنه حكم الله تَعَالَى إِمَّا بِدَلِيل قَطْعِيّ نَحْو نَص الْكتاب مُفَسرًا لَا شُبْهَة فِي مَعْنَاهُ أَو السّنة المتواترة أَو الْمَشْهُورَة أَو الْإِجْمَاع وَإِمَّا بِدَلِيل ظَاهر مُوجب للْعَمَل كظاهر النَّص من الْكتاب وَالسّنة وَالْقِيَاس وَذَلِكَ فِي مَوضِع لَا إِجْمَاع فِيهِ بَين الْفُقَهَاء وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ أَو لم تكن وَاقعَة أَو كَانَت وَاقعَة وَلَا رِوَايَة فِي جوابها عَن السّلف يجب عَلَيْهِ أَن يعْمل بِرَأْي نَفسه إِن كَانَ من أهل الِاجْتِهَاد وَإِن لم يكن من أهل الِاجْتِهَاد يخْتَار قَول من هُوَ أفقههم وأورعهم وَلَو كَانَ القَاضِي من أهل الِاجْتِهَاد لَكِن لم ينظر فِي دَلِيل الْمَسْأَلَة وَاعْتمد على اجْتِهَاد من هُوَ أفقه مِنْهُ هَل يجوز لَهُ الْقَضَاء بِهِ على قَول أبي حنيفَة جَازَ وعَلى قَوْلهمَا لَا يجوز إِلَّا وَأَن يعْمل بِاجْتِهَاد نَفسه ذكر الِاخْتِلَاف فِي كتاب الْحُدُود وَمِمَّا يجب عَلَيْهِ أَيْضا أَن يقْضِي بِمَا ثَبت عِنْده بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار أَو يكون الْمُدعى بِهِ مِمَّا يدْخل فِيهِ النّكُول لِأَن الشَّرْع جعل هَذِه الْجُمْلَة حجَّة فِي حَقه وَلَكِن لَا بُد من أَن يثبت عَدَالَة الشُّهُود عِنْده بالسؤال عَنْهُم مِمَّن لَهُ علم بأحوالهم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فعدلوه وَقَالُوا هُوَ جَائِز الشَّهَادَة وَأما الْقَضَاء بِعلم نَفسه بالمعاينة أَو بِسَمَاع الْإِقْرَار أَو بمشاهدة الْأَحْوَال فَإِن قضى بِعلم حَادث لَهُ فِي زمَان الْقَضَاء وَفِي مَكَانَهُ فِي الْأَمْلَاك الْمُرْسلَة والحقوق من الطَّلَاق وَالْعتاق وَنَحْوهمَا وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 الْقصاص وَفِي حد الْقَذْف جَازَ وَإِن كَانَ فِي سَائِر الْحُدُود لَا يجوز وَهَذَا عندنَا وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ فِي قَول لَا يجوز فِي الْكل وَفِي قَول يجوز فِي الْكل وَأما إِذا قضى بِعلم كَانَ قبل أَن يُقَلّد الْقَضَاء أَو بِعلم بعد التَّقْلِيد لَكِن قبل أَن يصل إِلَى الْبَلَد الَّذِي ولي قَضَاءَهُ فقد أجمع أَصْحَابنَا أَنه لَا يجوز فِي الْحُدُود غير حد الْقَذْف فَأَما فِي سَائِر الْأَحْكَام وَفِي حد الْقَذْف وَالْقصاص فقد اخْتلفُوا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يجوز وفروع هَذَا الْفَصْل ودلائله تعرف فِي الْمَبْسُوط إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا يجوز للْقَاضِي أَن يقْضِي لنَفسِهِ وَلَا لِأَبَوَيْهِ وَإِن علوا وَلَا لزوجته وَلَا لأولاده وَإِن سفلوا وَلَا لكل من لَا تجوز شَهَادَته لَهُم وَهل يقْضِي بِكِتَاب قَاضِي ورد إِلَيْهِ من قُضَاة الْبلدَانِ لَيْسَ لَهُ أَن يقْضِي فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَأما فِي الدُّيُون وَالْعرُوض وَالْعَقار فقد جَازَ الْقَضَاء بِهِ وَلَا يجوز فِي الْحُدُود وَالْقصاص الْقَضَاء بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة وَفِي الْغُلَام وَالْجَارِيَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لَا يكْتب إِلَى الْقَضَاء وَلَا يقبل وَعَن أبي يُوسُف يقبل وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَعمل الْقُضَاة على هَذَا لأجل الضَّرُورَة الْعَامَّة ثمَّ فِيمَا يقبل فِيهَا الْكتاب إِذا ورد الْكتاب إِلَى القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ يَنْبَغِي أَن لَا يفك الْكتاب وَلَا يقرأه إِلَّا بِحَضْرَة الْخصم كي لَا يتهم فِي ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 وَأما آدَاب الْقُضَاة فللقاضي أَن يجلس مَعَ نَفسه قوما من الْفُقَهَاء ليشاور مَعَهم إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ فَإِن اتَّفقُوا عَلَيْهِ والحادثة مَعْرُوفَة فِي السّلف يقْضِي بِهِ وَإِن اخْتلفُوا فعلى مَا ذكرنَا فَإِن بدا لَهُ أَن يرجع فِيمَا اعْتمد على قَول بَعضهم وَرَأى الصَّوَاب فِي قَول الآخر فَلهُ ذَلِك لِأَن لَهُ أَن يقْضِي فِي الْمُجْتَهد فِيهِ بِمَا لَاحَ لَهُ من دَلِيل الِاجْتِهَاد إِن كَانَ مُجْتَهدا فَأَما بعد الحكم فَلَيْسَ لَهُ أَن يبطل ذَلِك الْقَضَاء لِأَن صَار بِالْقضَاءِ كالمتفق عَلَيْهِ وَلَكِن يعْمل فِي الْمُسْتَقْبل بِخِلَافِهِ إِذا رأى ذَلِك صَوَابا وَيَنْبَغِي أَن يعدل بَين الْخَصْمَيْنِ فِي مجلسهما مِنْهُ لَا يقرب أَحدهمَا دون الآخر وَإِن كَانَ لَهُ شرف الْعلم وَالنّسب وَإِن كَانَ يُرِيد تَعْظِيم ذَلِك فِي الْمجْلس يَنْبَغِي أَن يجلس خَصمه مَعَه أَيْنَمَا أَجْلِس الأول وَكَذَلِكَ يعدل بَينهمَا النّظر والمنطق وَلَا يُشِير إِلَى أحد الْخَصْمَيْنِ دون الآخر وَكَذَلِكَ لَا يَخْلُو بِأَحَدِهِمَا دفعا للتُّهمَةِ وَلَا يرفع صَوته على أَحدهمَا مَا لم يرفع على الآخر عِنْد الشغب والمنازعة فَأَما إِذا وجد من أَحدهمَا فَإِنَّهُ يرفع صَوته عَلَيْهِ تأديبا لَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَن يلقن أحد الْخَصْمَيْنِ حجَّته وَلَا بَأْس بِأَن يلقن الشَّاهِد إِذا كَانَ يستحي ويهاب مجْلِس القَاضِي بِشَيْء هُوَ حق وَإِذا تكلم أَحدهمَا أسكت الآخر حَتَّى يسمع كَلَامه وَيفهم ثمَّ يستنطق الآخر حَتَّى يكون أقرب إِلَى الْفَهم وَلَا يَنْبَغِي أَن يجلس للْقَضَاء وَبِه مَا يشْغلهُ عَنهُ نَحْو الْهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 وَالْغَصْب وَالنُّعَاس وَغَيرهَا على مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَان وَيَنْبَغِي أَن يقدم الرِّجَال على حِدة وَالنِّسَاء على حِدة الأول فَالْأول وَلَا يخلط النِّسَاء بِالرِّجَالِ لِأَنَّهُ سَبَب للفتنة وَيَنْبَغِي أَن يتَّخذ كَاتبا من أهل العفاف وَالصَّلَاح وَهُوَ فَقِيه عَالم بصنعة الْكِتَابَة ثمَّ يقعده حَيْثُ يرى مَا يكْتب وَمَا يصنع وَفِي عَادَة السّلف أَن القَاضِي هُوَ الَّذِي يكْتب خُصُومَة كلا الْخَصْمَيْنِ على كاغذ السُّؤَال وَالسُّؤَال وَالْجَوَاب ثمَّ يكْتب شَهَادَة الشُّهُود على حسب مَا شهدُوا بعد كِتَابَة جَوَاب الْخصم ثمَّ يطوي الْكتاب ثمَّ يختمه ثمَّ يكْتب على ظَهره خُصُومَة فلَان وَفُلَان فِي شهر كَذَا فِي سنة كَذَا ويضعه فِي قمطرة على حِدة وَفِي زَمَاننَا الْعَادة أَن الْكَاتِب هُوَ الَّذِي يكْتب كتاب الدَّعْوَى وَيتْرك مَوضِع التَّارِيخ وَلَا يكْتب جَوَاب الْخصم وَيكْتب أَسمَاء الشُّهُود بعد ذَلِك وَيتْرك فِيمَا بَين الخطين فُرْجَة فَإِذا رفع الدَّعْوَى عِنْد القَاضِي فَيكْتب التَّارِيخ بِنَفسِهِ وَيكْتب جَوَاب الْخصم على الْوَجْه الَّذِي تقرر وَإِذا شهد الشُّهُود فِي الْمجْلس على مَا يَدعِيهِ الْمُدَّعِي يكْتب شَهَادَة كل وَاحِد تَحت اسْمه على الْوَجْه الَّذِي تقرر وَيخْتم الْكتاب ثمَّ يكْتب بِنَفسِهِ فِي ذَلِك الْيَوْم أَسمَاء الشُّهُود أَو يَأْمر الْكَاتِب حَتَّى يَكْتُبهُ بَين يَدَيْهِ وَيخْتم وَيبْعَث بذلك على يَد رجل من أهل الثِّقَة فِي السِّرّ إِلَى أهل الثِّقَة وَالسِّلَاح عِنْده حَتَّى يعدلُوا الشُّهُود فَإِذا اتّفق اثْنَان أَو أَكثر على تَزْكِيَة رجل قبل قَوْله وَعمل بِهِ وَإِن اجْتمع جمَاعَة على أَنه ثِقَة وَاثْنَانِ على جرحه يَأْخُذ بِالْجرْحِ وَالْعدَد شَرط عِنْدهمَا فِي المزكين وَأما عِنْد أبي حنيفَة فالواحد كَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 وَكَذَا الْخلاف فِي الَّذِي يبْعَث المستورة يشْتَرط فِيهِ الْعدَد عِنْدهمَا خلافًا لَهُ ثمَّ يسْأَل عَن التَّزْكِيَة عَلَانيَة بَعْدَمَا يسْأَل فِي السِّرّ حَتَّى لَا يَقع فِيهِ رِيبَة على القَاضِي فيتهم بذلك وَلَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يقبل الْهَدِيَّة إِلَّا من ذِي رحم محرم مِنْهُ أَو من صديق قديم الصُّحْبَة قد كَانَ بَينهمَا التهادي قبل زمَان الْقَضَاء فَأَما من غير هذَيْن فَلَا يقبل الْهَدِيَّة وَيكون ذَلِك فِي معنى الرِّشْوَة وَأما الدعْوَة فَإِن كَانَ دَعْوَة عَامَّة مثل دَعْوَة الْعرس والختان فَلَا بَأْس بذلك فَأَما الدعْوَة الْخَاصَّة فَإِن كَانَت من ذِي الرَّحِم الْمحرم أَو الصّديق الْقَدِيم الَّذِي كَانَ يضيفه قبل الْقَضَاء فَلَا بَأْس بالإجابة وَفِي غَيرهمَا لَا يَنْبَغِي أَن يحضر لِأَن ذَلِك يُوجب تُهْمَة فِيهِ وَلَا بَأْس للْقَاضِي أَن يبْعَث الْخَصْمَيْنِ إِلَى الْمُصَالحَة إِن طمع مِنْهُمَا الْمُصَالحَة وَإِن لم يطْمع وَلم يرضيا بذلك فَلَا يردهما إِلَى الصُّلْح ويتركهما على الْخُصُومَة وَينفذ الْقَضَاء فِي حق من قَامَت الْحجَّة لَهُ وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 كتاب الْوَقْف وَالصَّدَََقَة فِي الْكتاب فصلان فصل فِي الْوَقْف وَفصل فِي الصَّدَقَة أما الأول فقد أجمع الْعلمَاء أَن من وقف أرضه أَو دَاره مَسْجِدا بِأَن قَالَ جعلت هَذِه الأَرْض مَسْجِدا يُصَلِّي فِيهِ النَّاس أَنه جَائِز لِأَن هَذَا إبِْطَال ملكه عَنهُ وَجعله لله تَعَالَى خَالِصا كمن أعتق عَبده لَكِن التسلم شَرط عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَعند أبي يُوسُف لَيْسَ بِشَرْط وتسليمه عِنْدهمَا أَن يَأْذَن للنَّاس بِصَلَاة الْجَمَاعَة فِيهِ فَيصَلي فِيهِ جمَاعَة من النَّاس بِجَمَاعَة فَإِنَّهُ يصير مُسلما إِلَى النَّاس كَذَا ذكر هِلَال الرَّأْي فِي كتاب الْوَقْف الَّذِي صنفه وَقَالَ بعض الْمَشَايِخ إِذا جعل لَهُ مُتَوَلِّيًا قيمًا يتَصَرَّف فِي مَصَالِحه وَيَأْذَن لَهُ بِقَبْضِهِ بطرِيق النِّيَابَة عَن النَّاس وَيَأْمُرهُمْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ فَيكون التَّسْلِيم صَحِيحا وَلَا يُمكنهُ الرُّجُوع بعد ذَلِك عِنْدهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 وَأما إِذا جعل أرضه أَو دَاره وَقفا على الْفُقَرَاء أَو على وُجُوه الْخَيْر فَعِنْدَ أبي حنيفَة إِن جعله وَقفا فِي حَال حَيَاته وَلم يقل وَصِيَّة بعد وَفَاته فَإِنَّهُ يكون هَذَا الْوَقْف صَحِيحا فِي حق التَّصْدِيق بالغلة وبالسكنى فِي الدَّار إِلَى وَقت وَفَاته وَيكون نذرا بالتصدق بذلك وَتَكون رَقَبَة الأَرْض على ملكه يجوز لَهُ بَيْعه والتصرفات فِيهِ وَإِذا مَاتَ يصير مِيرَاثا للْوَرَثَة وَهَذَا معنى قَول بعض الْمَشَايِخ إِن الْوَقْف لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة أَن الْوَقْف لَا حكم لَهُ عِنْده بل يكون نذرا بالتصدق بغلته ومنافعه وَأما إِذا وقف فِي حَال حَيَاته وَأوصى بذلك بعد وَفَاته فَإِنَّهُ يجوز بِلَا خلاف لَكِن ينظر إِن خرج من الثُّلُث يجوز فِي الْكل وَإِن لم يخرج من الثُّلُث يجوز الْوَقْف فِيهِ بِقدر الثُّلُث وَيبقى الْبَاقِي إِلَى أَن يظْهر لَهُ مَال آخر أَو يُجِيزهُ الْوَرَثَة فَإِن لم يظْهر لَهُ مَال وَلم يجز الْوَرَثَة تقسم الْغلَّة بَينهم أَثلَاثًا الثُّلُث للْوَقْف وَالثُّلُثَانِ بَين الْوَرَثَة على قدر أنصبائهم وَإِن أجَازه الْوَرَثَة يصير جَائِزا ويتأبد الْوَقْف بِحَيْثُ لَا يبطل بعد ذَلِك وَلَو رفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فَأمْضى القَاضِي الْوَقْف بِنَاء على دَعْوَى صَحِيحَة وَشَهَادَة قَائِمَة على ذَلِك وَأنكر الْوَاقِف ذَلِك صَحَّ وَلَو شهد الشُّهُود على الْوَقْف من غير دَعْوَى قَالُوا إِن القَاضِي يقبل لِأَن الْوَقْف حكمه التَّصَدُّق بالغلة وَهُوَ حق الله تَعَالَى وَفِي حُقُوق الله تَعَالَى لَا يشْتَرط الدَّعْوَى وَهَذَا إِذا كَانَ من رَأْي القَاضِي أَن الْوَقْف صَحِيح لَازم لَا يجوز نقضه بِحَال كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد حَتَّى يكون قَضَاء فِي فصل مُجْتَهد فِيهِ فَينفذ قَضَاؤُهُ وَلَا يُمكن نقضه بعد ذَلِك وَلَا يجوز بَيْعه وَلَا يُورث بالِاتِّفَاقِ لِأَن قَضَاء القَاضِي فِي فصل مُجْتَهد فِيهِ على أحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 الْوَجْهَيْنِ بِرَأْيهِ وَهُوَ من أهل الِاجْتِهَاد ينفذ بِالْإِجْمَاع هَذَا الَّذِي ذكرنَا على مَذْهَب أبي حنيفَة أما عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَعَامة الْفُقَهَاء فَإِن الْوَقْف صَحِيح فِي حق الرَّقَبَة وَيَزُول عَن ملكه كَمَا فِي الْمَسْجِد لَكِن اخْتلف أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِيمَا بَينهمَا قَالَ مُحَمَّد إِنَّمَا يجوز بِأَرْبَع شَرَائِط أَحدهَا أَن يُخرجهُ من يَده ويسلمه إِلَى الْمُتَوَلِي حَتَّى يتَصَرَّف فِيهِ فَيصْرف أَولا إِلَى مصَالح الْوَقْف وَيصرف الْبَاقِي إِلَى الْمُسْتَحقّين وَالثَّانِي أَن يكون فِي المفروز دون الْمشَاع وَالثَّالِث أَن لَا يشْتَرط لنَفسِهِ شَيْئا من مَنَافِع الْوَقْف وَالرَّابِع أَن يكون مُؤَبَّدًا بِأَن يَجْعَل آخِره إِلَى فُقَرَاء الْمُسلمين وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا يشْتَرط شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا وقف فِي حَالَة الصِّحَّة فَأَما إِذا وقف فِي حَالَة الْمَرَض فَإِن وقف وَأوصى بهَا بعد وَفَاته فَهَذَا وَحَالَة الصِّحَّة مَعَ الْوَصِيَّة سَوَاء يعْتَبر خُرُوجه من الثُّلُث وَلَا يكون مِيرَاثا للْوَرَثَة وَإِن لم يَجعله وَصِيَّة بعد وَفَاته فَفِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة هَذَا وَالْوَقْف فِي حَالَة الصِّحَّة سَوَاء وَذكر الطَّحَاوِيّ هُوَ بِمَنْزِلَة الْوَقْف بعد وَفَاته والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَو مُرَاد مُحَمَّد أَن وقف الْمَرِيض نَافِذ للْحَال غير مُضَاف إِلَى مَا بعد الْمَوْت كَالْوَصِيَّةِ فَإِن الْمَرِيض إِذا أعتق فِي حَالَة الْمَرَض ينفذ عتقه وَإِن كَانَ لَا يخرج من الثُّلُث عِنْدهمَا وَيسْعَى وَهُوَ حر وَعند أبي حنيفَة ينفذ بِقدر الثُّلُث دون الثُّلثَيْنِ وَيسْعَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 وَهُوَ رَقِيق فَيعتق الْبَاقِي وَمُرَاد الطَّحَاوِيّ أَنه لَا يَصح من جَمِيع المَال بل من الثُّلُث بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة وبمنزلة الْوَقْف وَالْوَصِيَّة بعد الْمَوْت هَذَا هُوَ الصَّحِيح هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي الْعقار فَأَما فِي الْمَنْقُول هَل يجوز وَقفه إِن كَانَ تبعا للعقار كالثيران وآلا الحراثة وَالْعَبِيد فَإِنَّهُ يجوز ويعجل وَقفا وَيكون ملكا لعامة الْفُقَرَاء كعبيد الْخمس فِي الْغَنَائِم وَأما إِذا كَانَ مَقْصُودا فَإِن كَانَ مِمَّا يجْرِي فِيهِ التَّعَامُل وَهُوَ مُعْتَاد فِيمَا بَين النَّاس يجوز عِنْدهمَا خلافًا لأبي حنيفَة وَذَلِكَ نَحْو الكراع وَالسِّلَاح فِي سَبِيل الله وَلَا نَحْو المر والقدوم لحفر الْقُبُور وكثياب الْجِنَازَة وَنَحْوهَا وَأما وقف الْكتب فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ على قَوْلهمَا وَعَن نصير بن يحيى أَنه وقف كتبه على الْفُقَهَاء من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَلَو جعل أرضه أَو دَاره رِبَاطًا أَو مَقْبرَة أَو سِقَايَة فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يجوز وَعِنْدَهُمَا يجوز غير أَن مُحَمَّدًا يشْتَرط الشَّرَائِط الَّتِي ذكرنَا وَالتَّسْلِيم عِنْده هُوَ أَن ينزل فِي الرِّبَاط بعض الْمَارَّة وَأَن يدْفن فِيهَا الْمَوْتَى وَأَن يسقى مِنْهَا النَّاس وَسقي الْوَاحِد كَاف أَو يسلم إِلَى الْمُتَوَلِي ويأمره أَن يَأْذَن للمارة بالنزول فِيهَا والدفن فِي الْمقْبرَة وَالشرب من السِّقَايَة بَعْدَمَا صب المَاء فِيهَا وَلَو وقف أَرضًا على عمَارَة الْمَسَاجِد وَمَرَمَّة الرِّبَاط والمقابر جَازَ عِنْدهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 فَأَما الْوَقْف على مَسْجِد بِعَيْنِه هَل يجوز اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم على الْخلاف على قَول مُحَمَّد لَا يجوز لِأَن هَذَا لَا يتأبد عِنْده فَإِن الْمَسْجِد إِذا خرب وَاسْتغْنى النَّاس عَن الصَّلَاة فِيهِ يعود ملكا لصَاحبه إِن كَانَ حَيا وَيصير مِيرَاثا لوَرَثَة الْوَاقِف بعد وَفَاته وعَلى قَول أبي يُوسُف يجوز لِأَن عِنْده لَا يصير مِيرَاثا بالخراب فَإِنَّهُ يبْقى مَسْجِدا أبدا وَقَالَ أَبُو بكر الْأَعْمَش يَنْبَغِي أَن يجوز بالِاتِّفَاقِ وَقَالَ أَبُو بكر الإسكاف يَنْبَغِي أَن لَا يجوز بالِاتِّفَاقِ وَأما حكم الصَّدَقَة إِذا قَالَ دَاري هَذِه صَدَقَة فِي الْمَسَاكِين فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق إِن شَاءَ بِعَين الدَّار وَإِن شَاءَ بَاعهَا وَتصدق بِثمنِهَا على الْفُقَرَاء لِأَن الصَّدَقَة عِنْد الْإِطْلَاق تقع على تمْلِيك الرَّقَبَة دون التَّصَدُّق بِالسُّكْنَى وَالْغلَّة بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ دَاري هَذِه صَدَقَة مَوْقُوفَة على الْمَسَاكِين أَنه ينْصَرف عِنْد أبي حنيفَة إِلَى التَّصَدُّق بالغلة لوُجُود التعارف وَلَو قَالَ جَمِيع مَا أملك فَهُوَ صَدَقَة فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَى أَمْوَال الزَّكَاة من السوائم وأموال التِّجَارَة والصامت دون الْعقار وَالرَّقِيق وَعَلِيهِ أَن يتَصَدَّق بِالْكُلِّ ويمسك نَفَقَة نَفسه وَعِيَاله ثمَّ إِذا ملك مَالا يتَصَدَّق بِمثل مَا أنْفق من المَال الَّذِي نذر بالتصدق بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 وَلَو قَالَ مَا لي صَدَقَة فِي الْمَسَاكِين فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِيهِ السوائم وَالْعَقار وَالرَّقِيق وَيدخل أَمْوَال التِّجَارَة والصامت وَقد ذكرنَا فِيمَا سبق نَظَائِره وَبينا الْفرق فَلَا نعيده وَالله تَعَالَى أعلم انْتهى بِحَمْد الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380